You are on page 1of 96

LET GOD LEAD

Joyce Meyer www.joycemeyerme.org


‫اترك القيادة هلل‬

‫جوي�س ماير‬

‫ـ‪1‬ـ‬
‫اترك القيادة هلل ‪Let God Lead‬‬

‫اســـــم الكتـاب ‪ :‬اترك القيادة هلل‬


‫املــــؤلــــــــــــف ‪ :‬چويس ماير‬
‫الترجمـــــــــــــة ‪ :‬سوسنة فاروق‬
‫الناشــــــــــــــــر ‪ :‬خدمات چويس ماير‬
‫املطبعــــــــــــــــة ‪ :‬شركة الطباعة املصرية ت‪46100589 :‬‬
‫رقـــم اإليـــداع ‪2008 / 22742 :‬‬
‫الترقيم الدولي ‪978/977-443-053-4 :‬‬

‫امل راجعة والتوزيع‬


‫‪ P.T.W.‬للترجمة والنشر‬
‫ت‪ 26678981 :‬ـ ‪26678980‬‬

‫جميع حقوق الطبع في اللغة العربية محفوظة للناشر وحده‪،‬‬


‫وال يجوز استخدام أو اقتباس أي جزء من الوارد في هذا الكتاب‬
‫بأي شكل من األشكال بدون إذن مسبق منه‬

‫‪English Title is originally taken from:‬‬


‫‪THE SECRET TO TRUE HAPPINESS‬‬
‫‪Copy Right © By Joyce Meyer‬‬
‫‪Arabic Edition 2008 by P.T.W.‬‬

‫ـ‪2‬ـ‬
‫اترك القيادة هلل‬
‫«لي�س من ال�ضروري �أن ترى ال�سلم ب�أكمله‪،‬‬
‫فقط ا�صعد الدرجة الأوىل»‬
‫مارتن لوثر كينج الصغير‬
‫أحد أس��رار اإلس��تمتاع بحياتنا تكمن في أن نسمح هلل‬
‫بدل من أن نحاول بأنفس��نا أن نش��ق طريقنا عبر‬ ‫بقيادتنا اً‬
‫احلياة‪ .‬ومن اجلميل أن نعرف أننا ش��ركاء مع اهلل في كل ما‬
‫نفعله‪ .‬فإن إدراكنا ملا هو أفضل بالنسبة لنا إدراك محدود‪،‬‬
‫لك��ن اهلل يع��رف وهو س��يقودنا‪ .‬نح��ن ال ميكنن��ا أن نرى‬
‫املستقبل‪ ،‬وال حتى األس��بوع القادم‪ ،‬أو العام القادم‪ .‬لكن‬
‫اهلل يستطيع أن يرى كل يوم من بقية حياتنا‪ .‬نحن ال نعرف‬
‫اخلبرات أو الفرص أو املهارات التي س��نحتاجها لكي نتمم‬
‫خط��ة اهلل حلياتنا‪ ،‬لكنه هو يعرف‪ ،‬وهو مينحنا إياها‪ .‬نحن‬
‫ال ميكننا أن نس��تنتج ما يش��بعنا ويس��عدنا حقً ا في احلياة‪،‬‬
‫لكن اهلل يعرف متا ًما كيف يباركنا‪ ،‬ويعرف متا ًما ما نحتاجه‬
‫لنعيش حياة غنية مجزية نشعر فيها باإلشباع العميق‪.‬‬
‫ـ‪3‬ـ‬
‫أري��د أن أس��ألك‪ :‬ه��ل تتبع اهلل‪ ،‬أم حت��اول أن جتعله هو‬
‫يتبع��ك؟ إذا كن��ا نصر عل��ى أن نتم��م رأينا ونس��ير وراء‬
‫عقولنا البش��رية‪ ،‬فس��وف يس��مح اهلل لنا أن نفعل ذلك‪.‬‬
‫لكن رمبا تكون النتيجة هي التعاس��ة‪ .‬ولكن إذا وضعنا في‬
‫قلوبن��ا أن نترك اهلل يقودنا في كل يوم وكل موقف‪ ،‬خطوة‬
‫بخطوة‪ ،‬س��وف نس��تمتع باإلثمار وبالب��ركات وبالنعمة‬
‫والسالم والفرح الذين ال يأتوا إال نتيجة تبعيته‪.‬‬
‫كثيرون يس��محون ملشاعرهم أن تقودهم في كل يوم‪.‬‬
‫وهم يتخذون الق��رارات اخلاصة مبا يفعلونه‪ ،‬ومن يقضون‬
‫الوقت معه بناء على ما يشعرون به‪ .‬وهم يقولون عبارات‬
‫مثل‪« :‬أشعر برغبة في االستلقاء على األريكة طوال اليوم‪،‬‬
‫لذا فهذا ما س��أفعله» أو «ال أش��عر حقً ا برغبة في الذهاب‬
‫إل��ى العمل اليوم‪ ،‬س��وف أبل��غ عن إجازة مرضي��ة» أو «ال‬
‫أش��عر برغبة في زيارة جدتي في دار رعاية املس��نني اليوم‪،‬‬
‫رمبا سأذهب األس��بوع القادم إذا شعرت برغبة في ذلك»‪.‬‬
‫إن الس��ير وراء مش��اعرنا قد مينحنا سعادة مؤقتة‪ ،‬لكنه ال‬
‫مينحنا الفرح الدائم مطلقً ا‪.‬‬

‫ـ‪4‬ـ‬
‫امل�شكلة يف امل�شاعر �أنها متقلبة‪ ،‬وال ميكنك الوثوق بها‪.‬‬
‫واملشكلة في املش��اعر أنها متقلبة‪ ،‬وال ميكنك الوثوق‬
‫بها‪ .‬املش��اعر مبني��ة على العواطف‪ ،‬وه��ي تصعد وتهبط‬
‫باس��تمرار‪ .‬فف��ي صباح ي��وم االثنني قد يش��عر الرجل أنه‬
‫س��وف يح��ب امرأته لألب��د‪ ،‬لكن مع مس��اء ي��وم االثنني‬
‫يش��عر أنها ال تترك له مس��احة كافية م��ن احلرية‪ .‬في أحد‬
‫األس��ابيع يشعر الزوجان أنهما مس��تعدان الستقبال طفل‬
‫جديد‪ ،‬وفي األسبوع التالي يشعران أنهما ال يريدان حتمل‬
‫مس��ئولية األب��وة واألمومة‪ .‬املرأة عندم��ا تدخل إلى مركز‬
‫التجميل قد تش��عر أنها تريد أن تصبغ شعرها بلون أحمر‬
‫فاحت‪ ،‬لكن مبجرد أن تدخل زبونة أخرى شعرها أحمر فاحت‪،‬‬
‫تشعر األولى أنها تريد األشقر اً‬
‫بدل منه‪.‬‬
‫تبعا‬
‫أينم��ا نظرنا س��نجد أن الن��اس يديرون حياته��م ً‬
‫ملشاعرهم‪ ،‬فنحن نسمع حولنا من كل جهة هذه العبارات‬
‫«أشعر بالسعادة‪ ،‬أش��عر باحلزن‪ ،‬أشعر باالكتئاب‪ ،‬أشعر‬
‫شعورا سي ًئا»‪.‬‬
‫ً‬ ‫طيبا‪ ،‬أشعر‬
‫شعورا ً‬
‫ً‬
‫«أش��عر‪ ،‬أشعر‪ ،‬أشعر» ليس��ت هي الطريقة التي نبني‬
‫ـ‪5‬ـ‬
‫بها حياة ناجحة س��عيدة مثمرة‪ ،‬فاملش��اعر والعواطف هي‬
‫جزء من نفس اإلنس��ان‪ ،‬وليس��ت جز ًءا من روحه‪ .‬النفس‬
‫تطلب أن تش��بع نفس��ها وترضي رغباتها اجلسدية‪ ،‬بينما‬
‫روح اإلنس��ان تتوق إلى إرضاء اهلل ألنه��ا هي املوضع الذي‬
‫يس��كن فيه روح اهلل‪ .‬اهلل يتكلم إلينا ويقودنا في أرواحنا‪،‬‬
‫لذلك البد أن نبني قوتنا الروحية اً‬
‫بدل من أن نغذي نفوسنا‬
‫عن طريق السماح ملشاعرنا أن تقودنا‪.‬‬
‫(عبراني�ين ‪ )12 :4‬يق��ول‪« :‬لأن كلم��ة اهلل حي��ة‬
‫وفعالة (لها قوة وعاملة ومحفزة) و�أم�ض��ى من كل �سيف‬
‫ذي حدين‪ ،‬وخارقة �إىل مفرق النف�س والروح (اخلالدة)‬
‫واملفا�ص��ل واملخ��اخ (أعم��ق أج��زاء طبيعتن��ا)‪ ،‬ومم ِّيزة‬
‫(تكش��ف وحتلل وحتكم على) �أفكار القلب ونياته»‪ .‬هذا‬
‫يعني أن كلمة اهلل ميكن أن تس��اعدنا في التمييز بني ما هو‬
‫جس��دي وحسي أو «نفس��اني»‪ ،‬وما هو روحي‪ .‬يجب أن‬
‫نعرف الفرق حتى ميكننا أن نتبع اهلل وال نس��مح ملشاعرنا‬
‫أن تقودنا‪.‬‬
‫كلم��ة اهلل ميك��ن �أن ت�س��اعدنا يف التميي��ز ب�ين ما هو‬
‫ـ‪6‬ـ‬
‫ج�سدي وح�سي �أو «نف�ساين»‪ ،‬وما هو روحي‪.‬‬
‫وبحس��ب (غالطي��ة ‪ )17 :5‬فإن «اجل�س��د ي�ش��تهي‬
‫�ض��د ال��روح (الق��دس) و(رغبات) الروح �ض��د اجل�س��د‬
‫(الطبيعة البش��رية غير اإللهية)‪ ،‬وهذان يقاوم (يعارض‬
‫ويصارع باس��تمرار) �أحدهم��ا الآخر‪ ،‬حت��ى تفعلون ما‬
‫أحرارا ب��ل مُت َنعون من القيام مبا‬
‫ً‬ ‫ال تري��دون (فال تكونون‬
‫تريدون أن تفعلوه)»‪ .‬إن إتباع اجلس��د قد يكون جذا ًبا في‬
‫وق��ت ما‪ ،‬لكن في النهاية س��وف مينعك م��ن فعل ما تريد‬
‫حقً ا أن تفعله‪ .‬وعندما تتبع روح اهلل س��وف تشعر باحلرية‬
‫الناجتة عن اختبار األش��ياء التي يع��رف اهلل أنك في أعماق‬
‫قلبك تتوق إليها وتستمتع بها‪.‬‬
‫�إن اتب��اع اجل�س��د ق��د يك��ون جذا ًب��ا يف وقت م��ا‪ ،‬لكن‬
‫يف النهاي��ة �س��وف مينع��ك م��ن فعل م��ا تريد حقً��ا �أن‬
‫تفعله‪.‬‬
‫بالتأكي��د أنا ال أش��جعك على أن تتجاهل مش��اعرك‪،‬‬
‫أمرا صحيً��ا‪ .‬إنني فقط أدعوك أال تس��مح‬
‫ألن ه��ذا لي��س ً‬
‫له��ا أن تتحكم ف��ي حيات��ك أو أن متلي علي��ك قراراتك‪.‬‬
‫ـ‪7‬ـ‬
‫أيضا أن‬
‫يجب عليك أن تتعرف على مشاعرك لكن يجب ً‬
‫صل إلى اهلل‪ ،‬واطلب منه‬
‫تفهم أنها مجرد مش��اعر‪ .‬لذلك ِ‬
‫واسمح له أن يكون هو مرشدك‪.‬‬

‫ا�سمع ل�صوت اهلل‬


‫لنا الوعد من اهلل أنه سيرشدنا‪ ،‬فهو يقول في (إشعياء‬
‫‪« )21 :30‬و�أذناك ت�س��معان كلمة خلفك قائلة‪ :‬هذه‬
‫ه��ي الطريق‪ .‬ا�س��لكوا فيها‪ .‬حينما متيل��ون �إىل اليمني‬
‫وحينما متيلون �إىل الي�سار»‪.‬‬
‫يجب أن نختار أن نصغي هلل ألنه س��يتكلم إلينا‪ .‬يجب‬
‫أن نس��كت كل الضوض��اء ف��ي حياتنا ونصبح حساس�ين‬
‫دائما أن‬
‫لصوت��ه املنخفض اخلفيف‪ .‬س��وف يكون علين��ا ً‬
‫نحارب األصوات التي حتاول أن تتنافس مع اهلل في احلصول‬
‫على طاعتنا‪ ،‬فإن مشاعرنا وأفكارنا حتاول أن تؤثر علينا‪،‬‬
‫وأصدقاؤن��ا وعائالتنا قد يري��دون أن يخبرونا ما يجب أن‬
‫نفعل��ه‪ ،‬والعدو يهمس ف��ي عقولنا‪ ،‬واملاض��ي يذكرنا أال‬
‫نرتكب األخط��اء التي ارتكبناها من قب��ل‪ ،‬وقواعد ونظم‬

‫ـ‪8‬ـ‬
‫العال��م حت��اول أن تقنعن��ا أنن��ا ينبغ��ي أن نتبعه��ا‪ ،‬لكن ال‬
‫يوجد من بني هذه األصوات أو التأثيرات ما س��وف يقودنا‬
‫إل��ى احلق ف��ي احلياة‪ .‬اهلل وحده هو ال��ذي ميكن أن نثق فيه‬
‫عندم��ا يقول «هذه ه��ي الطريق‪ .‬ا�س��لكوا فيها»‪ .‬البد أن‬
‫مني��ل آذاننا لصوته من خالل البقاء بالقرب منه في الصالة‬
‫ودراس��ة الكتاب املقدس والعبادة حتى نتعرف على صوته‬
‫عندما يتكلم‪.‬‬
‫في معظم األوقات ال يتحدث اهلل إلينا بصوت مسموع‪،‬‬
‫بل نس��معه ف��ي قلوبنا‪ .‬أحيا ًنا يتكلم ع��ن طريق تذكيرنا‬
‫أف��كارا لم يكن‬
‫ً‬ ‫بح��ق أو مبدأ ف��ي كلمته‪ .‬وأحيا ًنا يعطينا‬
‫ممك ًنا أن تخطر لنا من أنفس��نا‪ .‬وأحيا ًنا أخرى يكون فقط‬
‫لدينا إحساس قوي مبا يجب أن نفعله‪.‬‬
‫الـملِّحة يف‬
‫اهلل ال يتكل��م فق��ط يف الأم��ور الهام��ة �أو ُ‬
‫أي�ضا ير�شدنا يف املواقف التي تبدو غري‬‫احلياة‪ ،‬لكنه � ً‬
‫مهمة‪.‬‬
‫الـم ِّلحة في‬
‫واهلل ال يتكل��م فق��ط في األم��ور الهام��ة أو ُ‬
‫أيضا يرش��دنا ف��ي املواقف الت��ي تبدو غير‬
‫احلي��اة‪ ،‬لكن��ه ً‬
‫ـ‪9‬ـ‬
‫مهمة‪ .‬وهو يفعل ذلك ألنه يحبنا ويريد أن يقودنا في كل‬
‫جوانب حياتنا‪.‬‬
‫على س��بيل املث��ال‪ ،‬كنت في طريق��ي للمنزل في أحد‬
‫األي��ام وكن��ت أنوي التوق��ف لش��راء كوب م��ن القهوة‪،‬‬
‫وعنده��ا ش��عرت بدافع قوي أن أتصل بس��كرتيرتي ألرى‬
‫أيضا إلى كوب م��ن القهوة‪ .‬وعندما‬ ‫إذا كان��ت حتت��اج هي ً‬
‫اتصلت قالت لي‪« :‬لقد كنت أقف اآلن هنا وأقول لنفسي‬
‫ليتني أش��رب كو ًبا من القه��وة»‪ .‬أرأيت؟ كان اهلل يريد أن‬
‫يعطيه��ا رغبة قلبها‪ ،‬وأراد أن يعمل من خاللي‪ .‬لم أس��مع‬
‫عاليا أو أرى مالكً ا أو رؤية‪ ،‬لكنني فقط أحسس��ت‬ ‫صوتً��ا ً‬
‫في داخلي أنني ينبغي أن أقدم لها كو ًبا من القهوة‪ .‬ونتيجة‬
‫عظيما نا ًجتا عن معرفة أن اهلل‬
‫ً‬ ‫فرحا‬
‫لذل��ك اختبرنا أنا وهي ً‬
‫يهتم بأصغر تفاصيل حياتنا‪.‬‬
‫كثيرا ما نتجاهل األمور الصغيرة مثل هذه‪ ،‬وكلما زاد‬
‫ً‬
‫جتاهلنا أصبحت حساس��يتنا لل��روح القدس أصعب‪ .‬حتى‬
‫ل��و كان هذا التحري��ض في قلبي غير صحيح‪ ،‬كان أس��وأ‬
‫م��ا ميكن أن يح��دث هو أن تقول إنه��ا ال تريد قهوة‪ .‬وفي‬
‫ـ ‪ 10‬ـ‬
‫هذه احلالة‪ ،‬ستكون قد نالت بركة معرفة أنني كنت أفكر‬
‫فيه��ا‪ .‬إذا كان هناك ش��خص ما على قلبك‪ ،‬أش��جعك أن‬
‫تصل��ي ألجل هذا الش��خص أو أن تتصل ب��ه أو بها وتقول‬
‫أب��دا أن تتخيل كيف‬
‫«لق��د كنت أفكر فيك»‪ .‬لن ميكنك ً‬
‫ميك��ن ألمر صغي��ر مث��ل املكامل��ة التليفوني��ة أن يغير يوم‬
‫إنس��ان‪ ،‬أو رمب��ا يغير حياته كلها‪ .‬أدع��وك اليوم أن حتافظ‬
‫عل��ى حساس��ية قلبك جتاه ص��وت اهلل‪ .‬س��وف يتكلم اهلل‬
‫إل��ى قلب��ك ويقودك ف��ي الطريق الذي يجب أن تس��لكه‪.‬‬
‫ال تدع العصيان والتش��تيت‪ ،‬أو الضوضاء وس��رعة احلياة‬
‫واملشغولية أن جتعلك ال تنتبه إلى صوت اهلل عندما يتكلم‪.‬‬
‫لك��ن ابق هاد ًئا في س�لام داخلي حتى ميكنك أن تس��معه‬
‫عندم��ا يتحدث إليك‪ .‬تذكر أن كل مرة ال نطيع فيها اهلل‪،‬‬
‫جتعل س��ماع صوته في املرة التالية أصع��ب‪ .‬لكن كل مرة‬
‫نطيعه فيها جتعل سماع روح اهلل وإتباعه أسهل‪.‬‬

‫ابحث عن النعمة‬
‫ف��ي العه��د القدمي كان يش��وع هو املس��ئول ع��ن قيادة‬
‫ـ ‪ 11‬ـ‬
‫ش��عب اهلل بني إس��رائيل إلى أرض املوعد‪ .‬كان الكهنة في‬
‫تل��ك األيام يحمل��ون التابوت احلام��ل واملمثل حلضور اهلل‬
‫ويس��يرون في أول املوكب وكان كل الش��عب يتبعونهم‪.‬‬
‫في (يش��وع ‪ )3 ، 2 :3‬نقرأ‪« :‬وكان بعد ثالثة �أيام �أن‬
‫العرفاء جازوا يف و�س��ط املحلّة‪ ،‬و�أمروا ال�ش��عب قائلني‬
‫عندم��ا ترون تابوت عهد الرب �إلهكم والكهنة الالويني‬
‫حاملني �إياه‪ ،‬فارحتلوا من �أماكنكم و�سريوا وراءه»‪.‬‬
‫وما أحاول أن أوصله لك في هذا اجلزء يشبه أمر العرفاء‬
‫للش��عب بإتباع التابوت‪ ،‬فكما شجعوا الشعب أن يتبعوا‬
‫أيضا أن تتبع اهلل‪.‬‬
‫حضور اهلل‪ ،‬أشجعك أنت ً‬
‫رمب��ا تك��ون لديك الرغبة في أن تتبع اهلل لكنك لس��ت‬
‫متأك��دا من الكيفية الت��ي تفعل بها ذل��ك‪ .‬إحدى الطرق‬
‫ً‬
‫لتحقي��ق هذا األم��ر كما ذكرت من قبل ه��ي أن تصغي له‬
‫وهو يتكلم إلى قلبك‪ .‬طريقة أخرى هي أن تتبع الس�لام‪.‬‬
‫اهلل وحده هو الذي يس��تطيع أن مينحك س�لا ًما في قلبك‪،‬‬
‫دائم ُا‬
‫قرارا ما‪ ،‬افحص قلبك ً‬
‫لذلك عندما حت��اول أن تتخذ ً‬
‫داخليا‪ .‬انتظر حتى‬
‫ً‬ ‫وال تفعل أي شيء يجعلك غير مرتاح‬
‫ـ ‪ 12‬ـ‬
‫تصل لقرار يجلب لك السالم ثم حترك نحوه بثقة‪.‬‬
‫النعمة هي قدرة اهلل التي ت�أتينا ومتكننا من �أن نفعل‬
‫�شي ًئا ما ب�سهولة ن�سبية‪.‬‬
‫طريق��ة ثالث��ة إلتباع اهلل ه��ي أن تبحث ع��ن نعمته في‬
‫موق��ف أو محاولة أو قرار ما‪ .‬عندم��ا تكون نعمة اهلل على‬
‫ش��يء‪ ،‬جنده يأتينا بس��هولة وتكون لنا الثق��ة أن اهلل يوافق‬
‫علي��ه‪ .‬النعمة هي قدرة اهلل التي تأتينا ومتكننا من أن نفعل‬
‫شي ًئا ما بسهولة نسبية‪ ،‬ونفكر قائلني‪« :‬هذا املشروع الذي‬
‫مجهودا من جانبنا‪ ،‬لكنه ليس‬ ‫ً‬ ‫نحاول تنفي��ذه قد يتطلب‬
‫جه��دا مضاعفً ا ونحن لنا الثقة أننا ميكن أن ننفذه»‪ .‬إذا لم‬
‫ً‬
‫ً‬
‫ومحبطا‪.‬‬ ‫صعبا‬
‫تكن نعمة اهلل موجودة‪ ،‬س��يبدو كل شيء ً‬
‫س��يكون هذا مثل محاولة تش��غيل ماكين��ة يعلوها الصدأ‬
‫ول��م يتم تزييتها من��ذ وقت طويل‪ .‬أتذكر كل الس��نوات‬
‫الت��ي حاولت فيها أن أغير نفس��ي‪ ،‬وكلم��ا حاولت أكثر‬
‫زاد إحباط��ي‪ .‬ذل��ك ألنني لم أعرف كي��ف أصلي وأطلب‬
‫من اهلل أن يفعل ذلك بنعمته‪ .‬إن اهلل يعدنا أن يعطينا نعمة‬
‫أكثر فأكثر ليس��اعدنا أن نتغلب على كل امليول الشريرة‪،‬‬
‫ـ ‪ 13‬ـ‬
‫إذا طلبن��اه اً‬
‫ب��دل م��ن أن جناهد لفعل ذلك بأنفس��نا (انظر‬
‫يعقوب ‪.)6 :4‬‬
‫والنعم��ة ال تزي��ل كل العوائق من طريقنا أو تخفي كل‬
‫التحدي��ات م��ن أمامنا‪ ،‬فمع وجود النعم��ة رمبا نحتاج إلى‬
‫أن نح��ارب بع��ض احل��روب‪ .‬لكننا نفعل ذلك بإحس��اس‬
‫واض��ح أن اهلل في جانبنا‪ ،‬وأنه ينتصر في احلرب لصاحلنا‪.‬‬
‫عندما تكون نعمة اهلل على ش��يء ما ونتبعه‪ ،‬سوف يصبح‬
‫املستحيل ممك ًنا من خالل قوة الروح القدس‪.‬‬
‫وبع��د س��نوات كثي��رة تعلمت مت��ى تك��ون نعمة اهلل‬
‫موج��ودة ومتى ال تكون موجودة‪ .‬لقد توقفت عن محاولة‬
‫حتقيق أي ش��يء بدون نعمة اهلل‪ .‬أن��ا ال أريد أن أصارع بعد‬
‫أيضا ال تريد ذلك‪.‬‬
‫اآلن‪ ،‬وأنا على يقني أنك أنت ً‬
‫أحيا ًنا نريد من اآلخرين أن يفعلوا ش��ي ًئا لم يعطهم اهلل‬
‫النعم��ة لكي يفعلوه‪ .‬ومج��رد اعتقادنا أن الناس يجب أن‬
‫يفعلوا أشياء معينة‪ ،‬ال يعني أن اهلل يريدهم أن يفعلوا هذه‬
‫األشياء‪ .‬عندما أحاول أن أدفع «ديف» أن يفعل شي ًئا ليس‬
‫ـ ‪ 14‬ـ‬
‫لدي��ه نعمة م��ن اهلل لكي يفعل��ه‪ ،‬كل ما ينت��ج هو اخلالف‬
‫بين��ي وبينه‪ .‬لكن ما يجب أن أفعله هو أن أصلي‪« :‬يا رب‬
‫إذا كان هذا هو ما تريده‪ ،‬فأنا أطلب منك أن تقنع «ديف»‬
‫ومتنحه النعمة أن يفعله»‪.‬‬
‫سليما بالنسبة لي‪،‬‬
‫ً‬ ‫أحيا ًنا يبدو كل شيء في موقف ما‬
‫لك��ن ال يبدو أن هناك نعمة ـ تل��ك القدرة الفائقة للطبيعة‬
‫ـ لتحقيق��ه في ذلك الوق��ت‪ .‬وجزء من إتباع اهلل هو العمل‬
‫بتوقيته هو‪ ،‬واإلحس��اس ليس فقط بنعمته لتحقيق ش��يء‬
‫أيضا بنعمت��ه للحظة الصحيحة الت��ي يجب فعله‬ ‫ما‪ ،‬ب��ل ً‬
‫فيه��ا‪ .‬في مثل هذه املواقف أصل��ي قائلة‪« :‬يا رب أؤمن أن‬
‫مناسبا‪.‬‬
‫ً‬ ‫هذا هو األمر الذي يجب فعله‪ ،‬لكن التوقيت ليس‬
‫مناسبا»‪.‬‬
‫ً‬ ‫من فضلك ْأظهِ ر لي عندما يكون الوقت‬
‫لق��د اعت��دت أن أفعل كل ش��يء بتوقيتي الش��خصي‪،‬‬
‫عندما كنت أش��عر أن التوقيت صحيح‪ .‬فإذا كنت أش��عر‬
‫برغبة في التفوه بتعليق جتاه ش��خص م��ا‪ ،‬كنت أقوله‪ .‬إذا‬
‫أردت أن أتكلم عن أمر ما مع «ديف» في وقت معني كنت‬
‫أرغمه على احملادثة في تلك اللحظة‪.‬‬
‫ـ ‪ 15‬ـ‬
‫لكنن��ي تعلم��ت اآلن أن أك��ون أكثر حساس��ية لقيادة‬
‫الروح القدس‪ ،‬فأنا أبحث عن نعمته ليس فقط في املواقف‬
‫أيضا في التوقيت‪ .‬أحيا ًنا أش��عر في قلبي أنني يجب‬
‫لكن ً‬
‫أن أنتظر بضع حلظات أو س��اعات أو أيام أو رمبا أس��ابيع‪.‬‬
‫دائما أفهم ملاذا يج��ب أن أنتظر‪ ،‬فأنا أعرف في قلبي‬
‫وأن��ا ً‬
‫أنني أحتاج أن أؤجل كلماتي أو أفعالي حتى أشعر باحلرية‬
‫في الكالم أو التصرف‪.‬‬
‫تعلم �أن تتبع اهلل من خالل البحث عن نعمته يف �أمور‬
‫حيات��ك اليومية‪ .‬راقب الأمور لرتى �أين ي�س��اعدك‪،‬‬
‫ويتكلم �إليك‪ ،‬ويحارب عنك‪ ،‬وي�سهل الأمر عليك‪.‬‬
‫تعل��م أن تتبع اهلل من خ�لال البحث عن نعمته في أمور‬
‫حياتك اليومية‪ .‬راقب األمور لترى أين يساعدك‪ ،‬ويتكلم‬
‫إليك‪ ،‬ويحارب عنك‪ ،‬ويس��هل األمر عليك‪ .‬وفي املكان‬
‫ال��ذي جت��د أن اهلل فيه يجعل املس��تحيل ممكنً��ا وجتد قدرته‬
‫الفائق��ة للطبيع��ة واضحة ف��ي ظروفك الطبيعي��ة‪ ،‬فهناك‬
‫تكون نعمته‪.‬‬

‫ـ ‪ 16‬ـ‬
‫اخرت �أن تتبع‬
‫يدعونا (مزم��ور ‪ )9 ، 8 :32‬دعوة واضحة أن نختار‬
‫أن نتب��ع اهلل‪�« :‬أعلمك و�أر�ش��دك الطريق التي ت�س��لكها‪.‬‬
‫�أن�ص��حك عين��ي علي��ك‪ .‬ال تكون��وا كفر���س �أو بغ��ل بال‬
‫فه��م‪ .‬بلجام وزمام زينته ُيكَم لئال يدنو �إليك»‪ .‬في هذه‬
‫الكلمات يعلن اهلل أن رغبته هي أن يقودنا ويرشدنا‪ .‬لكنه‬
‫أيضا يحذرنا من العناد‪ ،‬إذ البد أن نتبعه برضا وفرح‪.‬‬
‫ً‬
‫هناك جزء مشابه في (إشعياء ‪ )16 ، 15 :30‬يقول‪:‬‬
‫«لأنه هكذا قال ال�سيد الرب قدو�س �إ�سرائيل‪ :‬بالرجوع‬
‫(إل��ي) وال�س��كون تخل�ص��ون‪ .‬باله��دوء والطم�أنين��ة‬
‫ّ‬
‫(بثقة) تكون قوتكم‪ .‬فلم ت�ش��اءوا‪ .‬وقلتم‪ :‬ال بل على‬
‫خي��ل نهرب‪ .‬لذلك تهربون (م��ن أمام أعدائكم)‪ .‬وعلى‬
‫خيل �س��ريعة نرك��ب (في طرقنا اخلاصة)‪ .‬لذلك ي�س��رع‬
‫طاردوك��م»‪ .‬اهلل به��ذه الكلم��ات يقول «لق��د حاولت أن‬
‫أقودك��م‪ ،‬فأخبرتك��م الطري��ق التي يجب أن تس��لكوها‪،‬‬
‫وقل��ت لكم ما يجب أن تفعل��وه ـ وأنتم لم ترضوا بذلك‪.‬‬
‫لقد صممتم أن تذهب��وا في طريقكم»‪ .‬ونتيجة لذلك أتى‬
‫ـ ‪ 17‬ـ‬
‫أعداء الش��عب‪ ،‬وسعوا وراءهم بس��رعة‪ .‬وهذا ما يحدث‬
‫عندم��ا نختار أن نس��لك طرقن��ا اخلاصة اً‬
‫بدل م��ن أن نتبع‬
‫اهلل‪.‬‬
‫كنت أعمل في كنيس��ة في س��انت لويس ملدة خمس��ة‬
‫أع��وام‪ ،‬وكنت حقً ا أحب وظيفتي هناك‪ .‬لكن في وقت ما‬
‫كان اهلل يريدني أن أنتقل إلى شيء جديد‪ .‬قال لي‪« :‬أريدك‬
‫اآلن أن تأخ��ذي اخلدم��ة إلى الش��مال واجلنوب والش��رق‬
‫والغ��رب‪ .‬أنا لم أعد أحتاجك هنا‪ .‬أري��دك أن تتركي هذا‬
‫املكان»‪.‬‬
‫كان ه��ذا املكان هو ال��ذي بدأت في��ه خدمتي‪ .‬كانت‬
‫ل��دي وظيفة مش��بعة‪ ،‬ومرتب منتظم‪ ،‬وكان اس��مي على‬
‫ّ‬
‫املكتب‪ .‬لكن اهلل قال «لقد انتهى عملك هنا!»‪.‬‬
‫فتساءلت‪« :‬كيف ذلك؟ أنا في احلقيقة من أعمدة هذه‬
‫الكنيسة‪ .‬كيف سيستمر املكان بدوني؟»‪.‬‬
‫وظللت أعمل في الكنيس��ة ملدة عام كامل بعد أن قال‬
‫ل��ي اهلل أنن��ي يجب أن أرحل‪ ،‬وكانت هذه الس��نة في غاية‬

‫ـ ‪ 18‬ـ‬
‫التعاس��ة‪ .‬لم أكن أفهم ملاذا أنا غير س��عيدة لهذه الدرجة‪،‬‬
‫وملاذا ال يبدو أن هناك نعمة لفعل ما كانت لي نعمة عظيمة‬
‫لفعله من قبل‪.‬‬
‫وأخـي��را في صـباح أحد األيام صرخ��ت إلى اهلل قائلة‪:‬‬
‫ً‬
‫«يا رب ما اخلطأ؟»‪.‬‬
‫قائل‪« :‬ي��ا جويس‪ ،‬لقد أخبرتك‬‫وتكل��م اهلل إلى قلبي اً‬
‫منذ س��نة أن ترحل��ي وأنت ال زلت هن��ا»‪ .‬كان هذا كل ما‬
‫قاله اهلل‪.‬‬
‫اهلل لن يجربك �أن تتبعه‪ ،‬فهو مينحنا عطية االختيار‬
‫حتى نقرر �إذا كنا �سنطيع قيادته �أم ال‪.‬‬
‫اهلل ل��ن يجب��رك أن تتبع��ه‪ ،‬فهو مينحنا عطي��ة االختيار‬
‫حتى نقرر إذا كنا سنطيع قيادته أم ال‪ .‬وهو سوف يتكلم‪،‬‬
‫وس��يقود‪ ،‬وسيرشد‪ ،‬وسيوضح خططه ورغباته‪ .‬لكنه لن‬
‫يف��رض إرادته علينا بالقوة‪ .‬يج��ب أن نختار‪ ،‬بوعي وعن‬
‫قصد‪ ،‬أن نتبعه‪.‬‬

‫ـ ‪ 19‬ـ‬
‫توقع احلياة الفائ�ضة‬
‫«�إن ما يحدد غنانا لي�س هو ما منتلكه‪،‬‬
‫�إمنا ما ن�ستمتع به»‪.‬‬
‫جون بيتي سني‬
‫اهلل هو إله الفيض والوفرة‪ .‬وبحسب (أفسس ‪)20 :3‬‬
‫فه��و «الق��ادر �أن (يتمم قص��ده) ويفعل فوق كل �ش��يء‪،‬‬
‫�أكرث جدً ا مما (جنرؤ أن) نطلب �أو نفتكر (أعلى من أعلى‬
‫صلواتنا أو رغباتنا أو أفكارنا أو آمالنا أو أحالمنا)»‪ .‬تذكر‬
‫أن أحد األسباب التي جعلت الرب يسوع يأتي إلى األرض‬
‫ه��و أن «تكون لنا حي��اة ويكون لنا �أف�ض��ل (ملء احلياة‪.‬‬
‫احلياة الفائضة)» (يوحن��ا ‪ .)10 :10‬إننا نقبل مواعيد‬
‫اهلل من خ�لال تصديقها‪ .‬لذلك اح��رص أن تؤمن بالفيض‬
‫في حياتك‪.‬‬
‫أحد مفاتيح االستمتاع باحلياة هو إدراكنا أن اهلل يحبنا‬
‫محب��ة غير مش��روطة وأن��ه يري��د أن يباركنا بغن��ى‪ .‬وإذا‬
‫أبدا‬
‫حاولنا أن نستحق محبة اهلل ورضاه علينا فلن نستمتع ً‬
‫بحياتن��ا‪ ،‬ألن جوده ليس للبي��ع لكنه يأتي فقط في صورة‬

‫ـ ‪ 20‬ـ‬
‫هب��ة ـ مجانية وال نس��تحقها‪ .‬ال ميكننا أن نس��تحق محبة‬
‫اهلل أو نعمت��ه أو غفران��ه أو رعايته أو لطف��ه‪ ،‬فهذه العطايا‬
‫ال نقبلها إال باإلميان‪ .‬رمبا س��معت من قب��ل عبارة «النعمة‬
‫ه��ي غنى اهلل على حس��اب املس��يح»‪ .‬وه��ذا صحيح‪ ،‬فإن‬
‫الرب يس��وع من خ�لال موته على الصلي��ب دفع كل دين‬
‫علين��ا‪ .‬وليس علين��ا أن نصارع أو أن جناه��د أو أن نحاول‬
‫أن نس��تحق أو «أن نش��تري» أي ش��يء من اهلل‪ .‬فإن هباته‬
‫مجانية‪ :‬اخل�لاص مجاني‪ ،‬النعمة مجانية‪ ،‬الرضا مجاني‪،‬‬
‫الرحمة مجاني��ة‪ ،‬الغفران مجاني‪ .‬علينا فقط أن نتعلم أن‬
‫نقبل ما اشتراه هو بالفعل وأصبح اآلن لنا‪.‬‬

‫«احل�صول على» �أم «القبول» ؟‬


‫غالبا ما نس��أل الناس إذا كانوا قد «حصلوا على» شيء‬
‫ً‬
‫ما‪ ،‬بال��ذات عندما نتحدث عن األم��ور الروحية‪ .‬فتجدنا‬
‫نس��أل‪« :‬ه��ل حصل��ت عل��ى اخت��راق م��ن اهلل؟» أو «هل‬
‫حصلت على بركات��ك؟»‪ .‬وأنا ال أظن أن فكرة «احلصول‬
‫على» ش��يء من اهلل ه��ي فكرة تتفق مع الكت��اب املقدس‪.‬‬

‫ـ ‪ 21‬ـ‬
‫دعني أشرح األمر‪.‬‬
‫يعلمن��ا الكتاب املق��دس عن «القب��ول» ‪ ،‬ال «احلصول‬
‫عل��ى»‪ .‬وق��د تتس��اءل اً‬
‫قائل‪« :‬وم��ا الف��رق؟»‪ .‬الفرق بني‬
‫احلصول على ش��يء ما وقبوله فرق كبير‪« .‬احلصول على»‬
‫يعني «امتالك الشيء نتيجة اجلهد والعمل»‪ ،‬وأؤكد لك أن‬
‫األش��ياء التي لديك لو أتت إليك عن طريق اجلهد والعمل‬
‫فأنت إذً ا ال تستمتع بحياتك‪.‬‬
‫عندم��ا يكون كل م��ا يف احلياة يتطلب اجلهد‪ ،‬ت�ص��بح‬
‫احلي��اة حمبط��ة ومتعب��ة ـ وهذه لي�س��ت ه��ي احلياة‬
‫الفائ�ضة التي جاء ي�سوع ليعطيها لنا‪.‬‬
‫عندم��ا يك��ون كل ما في احلياة يتطل��ب اجلهد‪ ،‬تصبح‬
‫احلي��اة محبطة ومتعبة ـ وال تك��ون هي احلياة الفائضة التي‬
‫جاء يسوع ليعطيها لنا‪ .‬كال‪ ،‬اهلل يريدنا أن نعيش بسهولة‬
‫مقدس��ة‪ ،‬ونعم��ة حتفظنا م��ن اجلهاد والصراع ف��ي احلياة‪.‬‬
‫اً‬
‫س��هل‪ ،‬لكنه يعني أنه‬ ‫هذا ال يعني أن كل ش��يء س��يصبح‬
‫حتى األش��ياء الصعبة ميكن عملها باإلحساس بحضور اهلل‬
‫ومعونته‪.‬‬
‫ـ ‪ 22‬ـ‬
‫«احلصول على» يضع علينا عب ًئا في أن نفهم كل شيء‬
‫فنتحاي��ل عل��ى الظروف‪ ،‬ونحاول أن نرغ��م املواقف على‬
‫أن تعم��ل بطريق��ة معينة‪ .‬أم��ا «القبول» فيعن��ي أن نكون‬
‫مستقبلني‪ ،‬نأخذ ما يقدم لنا مجا ًنا‪ .‬فال جناهد بل نسترخي‬
‫ونستمتع مبا يأتينا‪.‬‬
‫كثيرا ما أقضي وق ًتا في مؤمتراتي في تعليم الناس كيف‬‫ً‬
‫بدل من أن يجاهدوا‬ ‫«يقبلون» تس��ديد احتياجاتهم من اهلل اً‬
‫«للحص��ول عل��ى» ذل��ك‪ .‬وأنا أق��ول لهم إنه��م يجب أن‬
‫يس��ترخوا وينالوا باإلميان ما طلبوه من اهلل ثم يؤمنوا أنهم‬
‫وسيع َلن هذا في حياتهم‪ .‬كثيرون ال يعرفون كيف‬ ‫أخذوه‪ُ ،‬‬
‫يقبلون من اآلخرين‪ ،‬أو كيف يقبلون من اهلل‪ .‬وأنا متأكدة‬
‫أش��خاصا يصارعون مع فك��رة القبول‪ .‬هؤالء‬
‫ً‬ ‫أنك تعرف‬
‫هم من يرفضون املس��اعدة‪ ،‬وال يريدون من أي شخص أن‬
‫يفعل لهم أي ش��يء لطيف‪ .‬ويش��عرون باإلح��راج عندما‬
‫يحاول الناس أن يساعدوهم أو أن يقدموا اللطف لهم‪.‬‬
‫وع��دم القدرة على القبول غالبً��ا ما يكون له جذور من‬
‫عدم األمان والنظرة املغلوطة للنفس‪ .‬في أحد األيام قدمت‬
‫ـ ‪ 23‬ـ‬
‫ألحد املراهقني ش��ي ًئا ليأكله‪ .‬كان هذا الش��اب يزورنا مع‬
‫برنامجا‬
‫ً‬ ‫ش��خص آخر ودعوت��ه أن يجلس ويش��اهد مع��ي‬
‫تليفزيونيا‪ .‬كنت أعرف أنه جائع وأنه سيس��تمتع بقضاء‬
‫ً‬
‫وقت معي‪ ،‬لكنه أجاب بالقول «ال‪ ،‬أنا بخير»‪ .‬واضطررت‬
‫أن أخبره على األقل ثالث مرات أنه ميكنه أن يأكل ويجلس‬
‫وأخيرا قال‬
‫ً‬ ‫معي بكل سرور‪ ،‬وأنني سأس��تمتع بصحبته‪.‬‬
‫لي‪« :‬حس�� ًنا‪ ،‬أنا جائع بعض الش��يء‪ ،‬ورمبا آتي بعد قليل‬
‫وأشاهد التليفزيون»‪.‬‬
‫هذا الشاب على وجه التحديد كان يعاني في ماضيه من‬
‫عدم األمان‪ ،‬وبالتالي فهو ال يس��تطيع أن يصدق بس��هولة‬
‫أن الناس تريد أن تفعل شي ًئا لطيفً ا له‪ .‬هو ال يريد أن يبدو‬
‫محتاجا‪ ،‬إلى‬
‫ً‬ ‫محتاجا ويفضل أن يتصرف كما لو أنه ليس‬ ‫ً‬
‫شيء‪ ،‬وال يطلب املساعدة‪.‬‬
‫اهلل يريد �أن يعطينا �أكرث بكثري مما ميكن �أن نتخيل‪.‬‬
‫اهلل يري��د أن يعطين��ا أكثر بكثير مما ميك��ن أن نتخيل‪،‬‬
‫وهو يش��تاق أن يس��كب بركاته في حياتنا‪ ،‬ونحن نحتاج‬
‫أن نع��رف كي��ف نقبلها من��ه ومن اآلخرين أيضً��ا‪ .‬أحيا ًنا‬
‫ـ ‪ 24‬ـ‬
‫يتص��رف اهلل بطريقة معجزي��ة ليس��دد احتياجاتنا‪ ،‬لكنه‬
‫كثي��را م��ا يعمل من خالل اآلخرين‪ .‬لذل��ك إذا كنا نصلي‬
‫ً‬
‫ألج��ل املعون��ة‪ ،‬فيجب أن نترك اهلل يختار كيف يرس��لها‪،‬‬
‫وعن طريق من‪ .‬ال يجب أن نشعر باإلحراج من االحتياج‪،‬‬
‫ألنن��ا كلنا محتاجون بطريقة أو بأخ��رى‪ .‬اهلل ال يريدنا أن‬
‫نكون مستقلني للدرجة التي ال نطلب فيها املساعدة‪.‬‬

‫�شحاذون �أم م�ؤمنون؟‬


‫أحد الوس��ائل التي تس��اعدنا على تعلم القبول هي أن‬
‫نص��دق أن اهلل يري��د أن يباركن��ا بغن��ى‪ .‬ال ألنن��ا نظن أننا‬
‫نس��تحق البركة‪ ،‬ب��ل ألنه هو إله صالح وس��خي ومحب‪.‬‬
‫بدل م��ن أن نتعامل‬‫كثي��را ما نتعام��ل مع اهلل كش��حاذين اً‬
‫ً‬
‫وبدل م��ن أن نصدق أنه صال��ح ويريد أن‬ ‫مع��ه كمؤمنني‪ .‬اً‬
‫يباركنا‪ ،‬نبدأ في االستجداء لكي يعطينا شي ًئا ما‪ ،‬أو يفعل‬
‫لنا ش��ي ًئا ما كما لو كان صدقة لشحاذ‪ .‬إن كلمة اهلل تقول‬
‫إنن��ا يجب أن نتقدم بثقة إلى ع��رش نعمة اهلل وننال العون‬
‫الذي نحتاجه (انظر عبرانيني ‪.)16 :4‬‬

‫ـ ‪ 25‬ـ‬
‫يف �أحيان كثرية يريد اهلل �أن يعطينا ما نطلبه و�أكرث‬
‫من��ه‪ ،‬لكن هذا ال يحدث لأنن��ا ال نعلم كيف نقبل هذا‬
‫الأمر‪.‬‬
‫ف��ي أحيان كثي��رة يريد اهلل أن يعطينا م��ا نطلبه وأكثر‬
‫من��ه‪ ،‬لك��ن ه��ذا ال يحدث ألنن��ا ال نعلم كي��ف نقبل هذا‬
‫أش��خاصا كثيرين يطلبون م��ن اهلل أن يغفر‬
‫ً‬ ‫األم��ر‪ .‬أعرف‬
‫له��م‪ ،‬لكنهم ال يقبل��ون الغفران الذي يقدم��ه لهم مجا ًنا‬
‫أبدا‪ .‬أحيا ًنا يظلون ملدة سنوات يقولون‪« :‬يا رب اغفر لي‪.‬‬ ‫ً‬
‫ي��ا رب اغف��ر لي‪ .‬يا رب من فضلك اغف��ر لي‪ .‬اغفر لي يا‬
‫رب‪ .‬اغف��ر ل��ي‪ .‬اغفر ل��ي»‪ .‬واحلقيقة ه��ي أن اهلل قد غفر‬
‫لهم‪ ،‬فالغفران هو لكل مؤمن‪ .‬لقد دفع يسوع حياته ثم ًنا‬
‫للغفران الذي لنا‪ ،‬ولس��نا مضطرين أن نس��تجديه‪ .‬لكننا‬
‫فق��ط يج��ب أن نثق ف��ي عمل الصلي��ب‪ ،‬ونؤم��ن أنه لنا‪،‬‬
‫ونقول من كل قلوبنا‪« :‬يا رب أشكرك ألجل غفرانك‪ .‬أنا‬
‫أقبل الغفران كعطية»‪.‬‬
‫وم��ن األمور التي أطلقت الفرح في حياتي اخلاصة أنني‬
‫تعلم��ت كيف أقب��ل العطايا م��ن اهلل‪ .‬قال الرب يس��وع‪:‬‬

‫ـ ‪ 26‬ـ‬
‫«اطلب��وا ت�أخذوا‪ ،‬ليك��ون فرحكم كام�ًل�اً » (انظر يوحنا‬
‫‪ .)24 :16‬من��ذ س��نوات أدركت أنني كن��ت أطلب من‬
‫اهلل الكثي��ر وال أنال ما أطلبه ألنن��ي كنت أتعامل بخوف‪،‬‬
‫بأس��لوب االس��تجداء اً‬
‫بدل م��ن اإلميان‪ .‬العال��م يعلمنا أنه‬
‫ال يوج��د ش��يء مجاني‪ ،‬وقد تدربنا كمؤمن�ين أننا البد أن‬
‫نعم��ل لندف��ع ثمن ما نريده‪ .‬ونحن ن��درك أننا كخطاة قد‬
‫غف��رت لنا خطايانا وأعيدت لنا الش��ركة مع اهلل من خالل‬
‫نعمت��ه ورحمت��ه‪ .‬نعرف أننا ال نس��تحق أي ش��يء س��وى‬
‫العقاب‪ ،‬لكن عقولنا يجب أن تتجدد لتؤمن أن اهلل رحيم‪،‬‬
‫وأن طبيعة الرحمة متنح البركات عندما يس��تحق اإلنسان‬
‫العقاب‪.‬‬
‫فك��رة �أننا البد �أن نعمل لكي ن�س��تحق بركات اهلل هي‬
‫فكرة دينية مت�شددة وجامدة‪.‬‬
‫وفكرة أننا البد أن نعمل لكي نس��تحق بركات اهلل هي‬
‫فكرة دينية متش��ددة وجامدة‪ ،‬فاملس��يحيون الناموسيون‬
‫املتش��ددون يؤمنون أننا البد أن ندفع ثمن كل شيء‪ ،‬متا ًما‬
‫كما كان الفريس��يون في أيام الرب يسوع ال يريدون ألي‬
‫ـ ‪ 27‬ـ‬
‫إنس��ان أن ميتلك ش��ي ًئا لم يس��تحقه‪ .‬عندما ش��في الرب‬
‫يسوع اإلنسان املولود أعمى (انظر يوحنا ‪ )9‬ثاروا ألنهم‬
‫كانوا يظنون أنه ال يستحق الشفاء‪ .‬هذا النوع من التفكير‬
‫ال يعكس قلب اهلل املنعم املتحنن‪ ،‬لكنه تفكير ديني متشدد‬
‫يهني اهلل‪.‬‬
‫منذ س��نوات كثيرة كانت لي صديقة تس��كن بالقرب‬
‫مني‪ ،‬وكنت أرى أنها ليس��ت روحية مثلي‪ .‬في تلك األيام‬
‫كن��ت أعتق��د أن الروحانية احلقيقية تتك��ون من األعمال‬
‫والقواع��د والنظ��م الصاحل��ة‪ ،‬وفع��ل كل ش��يء بالطريقة‬
‫كثيرا مثلي‪،‬‬
‫الصحيحة‪ .‬لم تكن صديقتي حتضر الكنيسة ً‬
‫كثي��را مثلي‪ ،‬لم تكن تصلي بالقدر‬
‫ً‬ ‫ل��م تكن تقدم العطايا‬
‫الذي أصلي أنا به‪ ،‬ولم تكن تفعل أي شيء كنت أنا أعتبره‬
‫«روحيا» مبقدار ما كنت أنا أفعله‪.‬‬
‫ً‬
‫واملش��كلة كان��ت أنن��ي كن��ت أفع��ل كل أنش��طتي‬
‫«الروحي��ة» بدوافع خاطئة‪ .‬كن��ت أفعلها لكي ألفت نظر‬
‫الناس‪ ،‬ال بدافع الطاعة هلل أو بدافع احلب له‪ .‬لم أكن أفهم‬
‫واح��دا بدافع محبة من‬
‫ً‬ ‫صغيرا‬
‫ً‬ ‫أن جارت��ي إذا فعلت ش��ي ًئا‬
‫ـ ‪ 28‬ـ‬
‫قلب نقي وطاعة هلل‪ ،‬فهذا الشيء الضئيل كان يعني للرب‬
‫أكث��ر من األش��ياء الكثيرة الت��ي كنت أفعلها أن��ا بدوافع‬
‫خاطئة‪.‬‬
‫في ذلك الوقت‪ ،‬كنت أس��أل اهلل أن يعطيني معطفً ا من‬
‫الف��راء وكنت أؤمن أنه س��يفعل ذل��ك‪ .‬فصليت وصليت‬
‫ومارست إمياني ألجل معطف الفراء‪ .‬وكنت متأكدة أن اهلل‬
‫سيعطيني هذا املعطف ألنني ـ كنت روحية ألقصى درجة‪.‬‬
‫م��ن فضلك الحظ أن آخر ما كن��ت أحتاجه هو معطف من‬
‫الف��راء‪ ،‬لكنني في ذلك الوقت كنت ع��ادة أطلب من اهلل‬
‫أمورا مادية‪ ،‬ألنني لم أكن ناضجة مبا يكفي ألعرف األمور‬‫ً‬
‫املهمة حقً ا في احلياة‪.‬‬
‫ف��ي أحد األيام رن جرس البي��ت‪ ،‬وذهبت ألفتح الباب‬
‫ورأي��ت جارت��ي تق��ف ووجهها مل��يء باحلم��اس‪ ،‬وحتمل‬
‫صندو ًقا اً‬
‫هائل بني يديها‪ .‬وقالت‪« :‬لن ت�ص��دقي ما أعطاه‬
‫اهلل يل»‪ .‬واس��تمرت تش��رح لي أن هناك صديقة مشتركة‬
‫لن��ا أعطتها هذا الصن��دوق وقالت لها «لقد أخبرني اهلل أن‬
‫أعطيك هذا»‪.‬‬
‫ـ ‪ 29‬ـ‬
‫وتس��اءلت ي��ا ت��رى م��ا ه��و ه��ذا الش��يء؟ ث��م فتحت‬
‫الصندوق‪ ،‬وكان هو معطف الفراء‪.‬‬
‫جي��دا أنني فكرت في نفس��ي قائل��ة‪« :‬تلك‬
‫ً‬ ‫وأتذك��ر‬
‫الس��يدة أوصلت الصندوق إلى البي��ت اخلطأ‪ .‬لقد كانت‬
‫تن��وي أن حتض��ر ه��ذا املعطف ل��ي»‪ .‬وبالطب��ع حاولت أن‬
‫مجدا‬
‫مجدا للرب‪ً .‬‬ ‫أجيب بإجابة «روحية» فقلت‪« :‬حس ًنا ً‬
‫هلل‪ .‬أنا يف غاية السعادة ألجلك»‪.‬‬
‫لك��ن في قلبي كنت أقول‪« :‬ي��ا رب يجب أن تخرجها‬
‫خارج بيتي اآلن»‪ .‬كنت أغل��ي من الداخل نتيجة الغضب‬
‫والغي��رة‪ .‬كنت غاضبة من اهلل وأق��ول في صمت‪« :‬كيف‬
‫أمكنك أن تعطيها هذا املعطف برغم الطريقة التي تتصرف‬
‫بها؟ كيف تفعل ذلك؟ هذا ليس اً‬
‫عدل‪ .‬أنا روحية للغاية‪،‬‬
‫صحيحا‪ .‬وماذا عني؟»‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وهي ليست كذلك‪ .‬هذا ليس‬
‫كن��ت بالفعل أعتقد أنني أس��تحق معطفً��ا من الفراء‪،‬‬
‫بينما ال تس��تحقه جارتي‪ .‬لم أكن أفهم محبة اهلل ونعمته‪،‬‬
‫أو ل��م أكن أعرف أن��ه رمبا كان يجذب جارت��ي لتدخل في‬
‫عالق��ة أعمق معه من خالل لطفه نحوها‪ .‬لم أدرك أنه فقط‬
‫ـ ‪ 30‬ـ‬
‫كان يريده��ا أن تع��رف أنه يحبها‪ .‬بالنس��بة لي كان األمر‬
‫كله يتعلق مبدى استحقاقي لبركات اهلل‪ ،‬لكن هذه ليست‬
‫ه��ي الطريقة التي يتبعها اهلل ال��ذي يحبنا‪ .‬كما أنني أؤمن‬
‫درسا كان يجب‬
‫أيضا بشدة أن اهلل أعطاها املعطف ليعلمني ً‬ ‫ً‬
‫أن أتعلم��ه حتى أتقدم في خطت��ه حلياتي‪ .‬كنت أحتاج إلى‬
‫تغيير في التوجهات أكثر مما كنت أحتاج إلى املعطف‪.‬‬
‫عندما نحاول �أن «ن�ش�تري» من اهلل ب�أعمالنا ال�ص��احلة‬
‫ما يريد �أن يعطينا �إياه جمانًا‪ ،‬يحجب عنا هذه الأ�شياء‬
‫�أحيانًا حتى نتعلم كيف نقبلها بالإميان‪.‬‬
‫عندم��ا نحاول أن «نش��تري» م��ن اهلل بأعمالنا الصاحلة‬
‫م��ا يريد أن يعطينا إي��اه مجا ًنا‪ ،‬يحجب عنا هذه األش��ياء‬
‫أحيانً��ا حتى نتعلم كيف نقبلها باإلمي��ان‪ .‬يجب أن نتعلم‬
‫كي��ف نقبل مجا ًنا من اهلل‪ ،‬وأن نعرف أنه ليس ضرور ًيا أن‬
‫دائما كل ما يريد أن مينح��ه لنا‪ .‬الكتاب املقدس‬
‫نس��تحق ً‬
‫يعلمنا أن لطف اهلل هو الذي يقودنا إلى العالقة معه (انظر‬
‫رومي��ة ‪ .)4 :2‬وال يج��ب أن يك��ون هن��اك س��بب لك��ي‬
‫يباركنا‪ ،‬فمحبته لنا هي السبب الكافي‪.‬‬
‫ـ ‪ 31‬ـ‬
‫مثل الأطفال‬
‫أؤم��ن ب��كل قلبي أن اهلل يريد أن يفع��ل لنا أكثر بكثير‬
‫دائما كل ما يريد اهلل أن‬
‫مما نتخيل‪ .‬والسبب أننا ال نختبر ً‬
‫يعطين��ا إياه‪ ،‬هو أننا ال نعرف حقً ا كيف نقبل منه العطايا‬
‫بالطريق��ة التي يريدنا أن نقبلها بها‪ .‬يعلمنا الرب يس��وع‬
‫سر القبول الصحيح في (لوقا ‪ )17 :18‬فيقول‪« :‬احلق‬
‫�أق��ول لكم من ال يقبل ملك��وت اهلل مثل ولد فلن يدخله‬
‫(أبدا)»‪.‬‬
‫ً‬
‫ه��ذه اآلية ال تق��ول «كل من ال ‪،‬يحصل على‪ ،‬ملكوت‬
‫اهلل»‪ .‬وأري��د أن أؤكد على ذلك ألنن��ا البد أن نفهم أهمية‬
‫الفرق بني احلصول على ش��يء‪ ،‬وقبول��ه‪ .‬نحتاج إلى ذهن‬
‫جدي��د جتاه ب��ركات اهلل ـ ذهن يس��تريح ويقبل من اهلل مثل‬
‫األطف��ال‪ ،‬ال الذه��ن ال��ذي يظن أننا يج��ب أن جناهد حتى‬
‫نحصل على صالح اهلل‪.‬‬
‫إذا كن��ت أحت��دث إل��ى فصل مدرس��ة األح��د لألطفال‬
‫الصغار في كنيس��تي‪ ،‬وأمسكت بيدي أورا ًقا مالية صغيرة‬
‫ومددته��ا لألطف��ال وقلت «هذه ل��ك‪ ،‬وهذه ل��ك‪ ،‬وهذه‬
‫ـ ‪ 32‬ـ‬
‫لك»‪ .‬كيف تعتقد س��يكون رد فع��ل األطفال؟ لقد فعلت‬
‫ه��ذا ذات مرة مع األطف��ال في أحد مؤمترات��ي‪ ،‬وأنا أؤكد‬
‫لك أنهم ليس��ت لديهم مشكلة في قبول النقود‪ .‬قد تعلو‬
‫وجوههم ابتسامة كبيرة‪ ،‬وبعضهم قد يضحكون بصوت‬
‫إلي بتوقع ليروا‬
‫عال‪ ،‬لكنهم كلهم يس��تمرون في النظ��ر ّ‬
‫إذا كنت سأعطيهم أي شيء آخر‪.‬‬
‫طف�ًل� ينظر إلي بتش��كك أو يقول «ال‪،‬‬ ‫اً‬ ‫أبدا‬
‫ل��م أقابل ً‬
‫ش��كرا يا جويس‪ .‬أنا ال أس��تحق هذه النق��ود»‪ .‬وال واحد‬ ‫ً‬
‫أبدا «لم أكن صا ًحلا هذا األس��بوع‪.‬‬‫ً‬ ‫قال‬ ‫األطفال‬ ‫هؤالء‬ ‫من‬
‫ال ميكنن��ي أن آخ��ذ هذا»‪ .‬إن تقدمي النق��ود لألطفال يبعث‬
‫الف��رح بداخله��م‪ .‬ملاذا؟ ألنن��ي أقدم لهم ش��ي ًئا لم يتعبوا‬
‫فيه‪ ،‬ويعرفون أنهم ال يس��تحقونه‪ .‬وه��م يأخذون النقود‬
‫بس��رور‪ .‬ليس لدي س��بب وجيه لتقدمي النق��ود لألطفال‪،‬‬
‫لكن هناك ش��يء ما يحدث عندما أفعل ذلك‪ ،‬وفي النهاية‬
‫أشعر بعالقة أفضل مع هؤالء األطفال‪.‬‬
‫والعملي��ة ذاتها حتدث في عالقتنا مع اهلل‪ ،‬فهو يريد أن‬
‫يك��ون صا ًحلا معنا‪ .‬واألكثر من ذلك أنه يريد أن تكون له‬
‫ـ ‪ 33‬ـ‬
‫عالق��ة جيدة معن��ا‪ .‬وهو ال يريدنا أن نح��اول أن نتصرف‬
‫بش��كل يجعلن��ا مس��تحقني لبركات��ه‪ ،‬لكن��ه فق��ط يريد‬
‫محبتن��ا‪ .‬اهلل يفعل أش��ياء ألجلنا ألنه يحبن��ا‪ ،‬وهو يريدنا‬
‫أبدا‬
‫أن نفع��ل ما نفعله ألجل��ه بهذا الدافع ذات��ه‪ .‬ال تفعل ً‬
‫أي ش��يء هلل إال بداف��ع احملبة اخلالصة والطاع��ة لكلمته‪ .‬ال‬
‫يج��ب أن تك��ون محبتنا هلل أو حتى طاعت��ه هي لكي جنعله‬
‫يفع��ل لنا األش��ياء‪ ،‬فنحن نحبه ألنه ه��و أحبنا اً‬
‫أول‪ .‬وألن‬
‫صالحه ورحمته تدهش��اننا‪ .‬إن ص�لاح اهلل هو الذي يقود‬
‫اإلنس��ان إل��ى التوبة (انظ��ر رومية ‪ .)4 :2‬وأن��ا أؤمن أن‬
‫صالح��ه هو ال��ذي يجذبنا إل��ى عالقة خاصة مع��ه‪ ،‬أعمق‬
‫وأقرب مما نتخيل‪.‬‬
‫�إذا كن��ا نريد �أن نخترب احلياة اجليدة املقدمة لنا يف‬
‫ملك��وت اهلل‪ ,‬يج��ب علينا �أن نتحلى ب�براءة الأطفال‬
‫وثقتهم‪.‬‬
‫إذا كن��ا نري��د أن نختب��ر احلي��اة اجليدة املقدم��ة لنا في‬
‫ملكوت اهلل‪ ،‬يجب علينا أن نتحلى ببراءة األطفال وثقتهم‪.‬‬
‫يجب أن نرحب بلطفه ونقبله مثلما يقبل األطفال الصغار‬
‫ـ ‪ 34‬ـ‬
‫العطايا بدون أن نش��عر أننا يجب أن نكون صاحلني بالقدر‬
‫الكافي لنحصل على البركة‪.‬‬

‫لي�س عليك �أن تفعل كل �شيء‬


‫بالطريقة ال�صحيحة‬
‫من��ذ س��نوات كثيرة ظ��ل اهلل يقودني ألق��رأ اإلصحاح‬
‫الثاني عش��ر م��ن إجنيل متى‪ ،‬ولم أس��تطع أن أفه��م ملاذا‪.‬‬
‫في هذا اإلصحاح كان تالميذ يس��وع يسيرون بني احلقول‬
‫يلتقطون السنابل ويأكلونها‪ ،‬ألنهم كانوا جائعني‪ .‬غضب‬
‫الفريسيون ألنهم قالوا إن األكل من احلقل في يوم السبت‬
‫ذكرهم بداود‬ ‫مخالف للناموس‪ .‬وكانت إجابة يس��وع أنه ّ‬
‫ورجاله عندما أكلوا اخلبز من بيت اهلل عندما كانوا جائعني‪،‬‬
‫كثيرا ما يكس��رون السبت‪ ،‬ومع‬ ‫وبأن الكهنة في الهيكل ً‬
‫ذلك يكونون أبرياء (انظر األعداد ‪3‬ـ‪.)5‬‬
‫عندم��ا قرأت ه��ذه الكلمات بدأت أفك��ر كيف ميكن‬
‫لش��خص أن يفع��ل ش��ي ًئا خاط ًئا ويك��ون بريئً��ا؟ لم أفهم‬
‫قائل للفريس��يني «فل��و علمتم‬ ‫األم��ر‪ .‬لكن يس��وع تاب��ع اً‬
‫ـ ‪ 35‬ـ‬
‫م��ا ه��و (ماذا يعن��ي ه��ذا)‪� :‬إين �أريد رحمة (اس��تعداد‬
‫للمساعدة واإلنقاذ والغفران) ال ذبيحة‪ ،‬ملا حكمتم على‬
‫الأبرياء!» (ع ‪.)7‬‬
‫أفض��ل طريق��ة أوضح بها ه��ذا املبدأ هي أن أش��اركك‬
‫مبثال أعطاه اهلل لي عندما كنت أحاول فهم هذا األمر‪ .‬فقد‬
‫ذكرني بوقت كان فيه «داني» أصغر أبنائنا يبلغ من العمر‬
‫حوالي عش��ر س��نوات‪ .‬كان فتى رائع يحب املرح‪ ،‬ومليء‬
‫مهتما بالعمل‪ .‬كان يريد‬
‫ً‬ ‫منظما أو‬
‫ً‬ ‫باحملبة‪ ،‬لكنه لم يك��ن‬
‫فقط أن يقضي أوقات ممتعة‪ .‬كان يستمتع حقً ا باحلياة وكان‬
‫هذا يضايقني‪ ،‬ألنني كنت أميل للعمل طوال الوقت‪.‬‬
‫ولكي نساعد أنا و» ديف» ابننا «داني» على تنمية هذا‬
‫السلوك‪ ،‬وضعنا قائمة من املهام التي كنا نتوقع أن يفعلها‬
‫وعلقناها على باب غرف��ة نومه‪ .‬عندما كان يكمل مهامه‬
‫كان يحص��ل على عالمات‪ ،‬وعندما كان يحصل على عدد‬
‫مع�ين من العالم��ات كان يحصل على جن��وم‪ ،‬وعندما كان‬
‫يحصل على عدد معني من النجوم كان يأخذ هدية‪.‬‬
‫أثن��اء هذه الفترة كان هناك ش��اب مته��ور من اجليران‬
‫ـ ‪ 36‬ـ‬
‫كثيرا مضايقة «داني»‪ .‬كان ذلك الولد احلقير يأخذ‬
‫يتعمد ً‬
‫كرة «داني» ويلقي بها في البالوعة‪ .‬ونتيجة لذلك كنا أنا‬
‫كثيرا ما نسمع «داني» يصرخ «بابا!!»‪.‬‬
‫ً‬ ‫و«ديف»‬
‫ل��م يك��ن «دي��ف» يصبر عل��ى ذل��ك الول��د املنحرف‬
‫والطريق��ة الت��ي كان يتص��رف بها مع «دان��ي»‪ .‬وفي أحد‬
‫األيام نادى «داني» عليه‪ ،‬وأس��رع «ديف» نحو الباب وبدأ‬
‫صارخا «اترك ابني وش��أنه»‪ .‬لقد‬
‫ً‬ ‫يطارد الولد في الش��ارع‬
‫أخ��اف الولد الش��رس لدرجة أن��ه لم يعد يضاي��ق «داني»‬
‫أبدا‪.‬‬
‫ً‬
‫وعندم��ا كان اهلل يس��اعدني ألفه��م معن��ى الرغب��ة في‬
‫الرحمة ال الذبيحة‪ ،‬ذكرني بهذا املش��هد وتكلم إلى قلبي‬
‫قائل‪ :‬هل من املعقول بالنس��بة ل��ك أنت و«ديف» في هذا‬ ‫اً‬
‫املوقف أن يقول «ديف» ‪،‬يا جويس إنني أسمع ابننا يصرخ‬
‫طلبا للمساعدة‪ .‬اجري وراجعي عالماته‪ .‬انظري هل أدى‬ ‫ً‬
‫واجباته هذا األسبوع أم ال‪ .‬إذا كانت هناك عالمات كافية‬
‫س��وف أس��اعده‪ ،‬وإذا لم يك��ن األمر كذل��ك‪ ،‬فليتصرف‬
‫بنفسه؟‬
‫ـ ‪ 37‬ـ‬
‫لق��د أظهر الرب لي أن «ديف» بالطبع س��وف يس��اعد‬
‫«دان��ي»‪ .‬إذا اكتش��ف أن «دان��ي» لم يؤد واجباته س��وف‬
‫يتعام��ل مع ه��ذا األمر الحقً��ا‪ ،‬لكنه بالتأكي��د لن يرفض‬
‫أن يس��اعده عندما يقع في مش��كلة‪ .‬والرس��الة التي كان‬
‫اهلل يح��اول أن يوصله��ا لي هي أنني عندم��ا كنت أرتكب‬
‫األخط��اء لم يك��ن اهلل يريدني أن أح��اول أن أكون جديرة‬
‫برحمته بأعمالي الصاحلة أو سلوكي «املثالي» ‪ ،‬لكنه كان‬
‫يريد أن مينحني الرحمة‪ .‬سوف يتعامل مع ضعفاتي الحقً ا‪،‬‬
‫س��وف يساعدني ويعلمني‪ ،‬وأنا سأنضج‪ ،‬لكن حقيقة أن‬
‫لي ضعفات لن متنعه من أن يحبني ويساعدني‪.‬‬
‫كم��ا ت��رى‪ ،‬فليس عليك أن تنتظر حت��ى تكون اً‬
‫كامل‬
‫وعندها ميكن هلل أن يس��اعدك طبقً ا لذلك‪ .‬ليس عليك أن‬
‫تنتظر أن تفعل كل شيء بالشكل الصحيح حتى يرحمك‬
‫اهلل أو يباركك‪ .‬فحتى في أس��وأ أيامك‪ ،‬ميكنك أن تصلي‪،‬‬
‫واهلل سيس��اعدك ألنه إل��ه النعمة والرحم��ة‪ .‬وهو يريد أن‬
‫مينح��ك نعمة‪ ،‬والنعمة تعني أن يفعل لك أش��ياء عندما ال‬
‫تستحقها‪ .‬إنه أب صالح وإله محب ورحيم ومنعم يشتاق‬

‫ـ ‪ 38‬ـ‬
‫أن يكون صا ًحلا معنا‪ ،‬فقط إذا قبلنا منه ذلك‪.‬‬
‫لي���س علي��ك �أن تنتظ��ر �أن تفع��ل كل �ش��يء بال�ش��كل‬
‫ال�صحيح حتى يرحمك اهلل �أو يباركك‪.‬‬

‫اقبل وا�ستمتع‬
‫أن��ا أريدك حقً��ا أن تقبل احلياة الفائض��ة التي لك‪ ،‬وأن‬
‫تس��تمتع بها بحرية‪ .‬قال الرب يس��وع ف��ي (يوحنا ‪:16‬‬
‫(واح��دا) با�س��مي‬
‫ً‬ ‫‪�« )24‬إىل الآن مل تطلب��وا �ش��ي ًئا‬
‫(ال��ذي ميثل كل ش��خصيتي)‪ .‬اطلب��وا ت�أخ��ذوا‪ ،‬ليكون‬
‫فرحكم (س��روركم وس��عادتكم) كاملاً »‪ .‬الحظ التدرج‬
‫ف��ي هذه اآلية‪ :‬اطلبوا في اس��م يس��وع‪ ،‬بن��اء على صفاته‬
‫ال عل��ى أعمالكم أنتم‪ ،‬خ��ذوا‪ ،‬افرحوا‪ .‬املوضوع في غاية‬
‫البساطة‪.‬‬
‫أش��جعك أن تبدأ ف��ي احلياة بإجتاه القب��ول‪ ،‬عن طريق‬
‫التعام��ل مع اهلل باإلميان في صالحه وف��ي ما فعله ألجلك‪.‬‬
‫ميكن أن تصلي بالطرق التالية‪« :‬يا رب أسألك أن تغفر لي‬
‫خطاياي‪ ،‬وأنا أقبل غفرانك اآلن‪ .‬أؤمن أنك قد منحته لي‪.‬‬
‫ـ ‪ 39‬ـ‬
‫أنت حتف��ظ وعدك‪ .‬وأنا أنال غفرانك اآلن وأعتبر نفس��ي‬
‫حرا» أو «يا رب أحتاج إلى الرحمة‪ .‬أنا ال أستحق معونتك‬ ‫ً‬
‫في هذا املوقف‪ ،‬لكنني أطلب رحمتك وبركتك لي يا رب‬
‫بالرغ��م من هذا‪ .‬حتى م��ع أنني لم أتعب ألحصل عليها يا‬
‫رب‪ ،‬لكنني أس��ألك أن تباركن��ي‪ .‬ويا رب أنا أقبلها اآلن‪.‬‬
‫أقبل معونتك‪ ،‬أقبل بركاتك‪ ،‬أقبل نعمتك‪ .‬وأطلب منك‬
‫ي��ا رب أن تباركني ألنك أنت صال��ح‪ ،‬ال ألنني أنا صالح ـ‬
‫لكن ألنك أنت يا رب صالح»‪.‬‬
‫عندم��ا تبدأ ف��ي التعامل مع اهلل بهذه الطريقة‪ ،‬س��وف‬
‫يحف��ز هذا ف��ي داخل��ك التس��بيح والتمجي��د هلل كما لم‬
‫تش��عر م��ن قب��ل‪ .‬ال ميكنن��ي أن أحصي كم مرة ف��ي اليوم‬
‫«ش��كرا ي��ا رب على صالحك ف��ي حياتي»‪ .‬ومبجرد‬
‫ً‬ ‫أقول‬
‫بدل من الش��عور أنني يجب أن‬‫أن تعلم��ت أن أقبل من اهلل اً‬
‫أكون جديرة بكل ما أحصل عليه‪ ،‬زادت بركاتي بش��كل‬
‫هائل‪ .‬وهذه الزيادة في البركة جلبت املزيد من التسبيح‪.‬‬
‫جدا ميكنني أن أش��كر عليها لدرجة‬‫أمورا كثيرة ً‬
‫وأن��ا أرى ً‬
‫أن هذا س��اعدني أن أكف عن الش��كوى‪ ،‬ألن قلبي يفيض‬

‫ـ ‪ 40‬ـ‬
‫جدا»‪ .‬لكن لكي أقول هذا كان‬
‫بفكرة «يا رب أنت صالح ً‬
‫علي أن أختبر صالحه في حياتي‪ ،‬ولكي يحدث ذلك كان‬ ‫َّ‬
‫علي أن أتعلم أن أقبل‪.‬‬
‫َّ‬
‫�س��وف ترى تغيريات كبرية حت��دث يف حياتك عندما‬
‫تتعل��م �أن تقب��ل م��ن اهلل‪� .‬إنه يريد �أن يب��اركك �أكرث‬
‫مما تقدر �أن تتخيل‪.‬‬
‫س��وف ترى تغييرات كبيرة حتدث ف��ي حياتك عندما‬
‫تتعل��م أن تقب��ل م��ن اهلل‪ .‬إن��ه يري��د أن يب��اركك أكثر مما‬
‫تس��تطيع أن تتخيل‪ .‬أنت ل��ه وكل ما هو له هو لك نتيجة‬
‫عالقت��ك الش��خصية معه من خالل اإلمي��ان بابنه‪ .‬وكل ما‬
‫لدي��ه هو لك‪ ،‬وقد اش��ترى يس��وع حقك في االس��تمتاع‬
‫ب��ه عندما مات عل��ى الصليب وقام من ب�ين األموات‪ .‬لقد‬
‫دف��ع الدين الذي كن��ت مدي ًنا به كخاط��ئ‪ ،‬وفتح الطريق‬
‫ل��ك ليكون لك دخول غير محظور لعرش نعمة اهلل (انظر‬
‫أفسس ‪.)12 :3‬‬
‫أريد أن أس��اعدك أن تس��تمتع بحيات��ك كل يوم‪ .‬ولن‬
‫تس��تطيع حقً ا أن تس��تمتع بحياتك بالطريقة التي يريدها‬
‫ـ ‪ 41‬ـ‬
‫اهلل ب��دون أن تتعل��م أن تعي��ش ف��ي حالة القب��ول‪ ،‬وليس‬
‫بعقلية احلصول على األش��ياء‪ .‬وإذا ل��م تتعلم أن تقبل من‬
‫اهلل‪ ،‬سوف تفقد الكثير من األشياء التي يريدك أن تنالها‪،‬‬
‫والكثير من األش��ياء التي يري��د أن يفعلها لك فقط ألنك‬
‫تعيش بعقلية متدينة متش��ددة جتعل��ك تظن أنك يجب أن‬
‫تتع��ب لتحصل على كل ش��يء‪ .‬ه��ذا النوع م��ن التفكير‬
‫محف��ور بعم��ق ف��ي دواخل الن��اس‪ ،‬لذلك يج��ب أن جتدد‬
‫ذهنك بكلمة اهلل لكي تكون لك نظرة إلهية مليئة باإلميان‬
‫جتاه احلياة الفائضة التي يريد اهلل أن يعطيها لك‪ .‬ومن اآلن‬
‫فصاع��دا عندما تطلب من اهلل أي ش��يء‪ ،‬أدع��وك أن تتبع‬
‫ً‬
‫طلبك بالقول «أقبله منك اآلن أيها اآلب‪ ...‬أشكرك»‪.‬‬

‫ارفع يدك عن الأمر‬


‫«القلق ال يفرغ الغد من �أحزانه‪،‬‬
‫لكنه يفرغ اليوم من قوته»‬
‫كوري تن بوم‬
‫كلن��ا نع��رف األش��خاص القلق�ين‪ .‬لق��د الحظ��ت أن‬
‫م��ن يقلق يقل اس��تمتاعه بحياته عن أي ش��خص آخر‪ .‬ال‬
‫ـ ‪ 42‬ـ‬
‫يوجد ما يستنزف الس�لام والفرح املوجودين في األوقات‬
‫الس��عيدة واأليام الرائعة مثل من يشيعون القلق‪ .‬البد أنك‬
‫معا لقضاء‬‫تع��رف هذا الس��يناريو‪ :‬عائل��ة كبيرة تتجم��ع ً‬
‫رائعا‪.‬‬
‫نزهة في حديقة‪ ،‬وجتدهم يضحكون ويقضون وق ًتا ً‬
‫الطع��ام جيد واألطف��ال يلعبون مبرح والكبار يس��تمتعون‬
‫مبقابل��ة أحدهم اآلخر‪ .‬لكن اجلدة ـ كبيرة األس��رة ـ جتلس‬
‫على طاول��ة وعلى وجهها عالمات القلق‪ ،‬ألنها خائفة من‬
‫أن متط��ر الس��ماء‪ ،‬أو خائفة أن يصاب طف��ل ما بأذى أثناء‬
‫اللعب‪ ،‬أو خائفة أن تفسد البكتيريا الطعام إذا لم يتناولوه‬
‫في احلال‪ .‬ال ميكنها أن تستمتع بالنزهة ألن كل ما ميكنها‬
‫أن تفكر فيه هو كل ما ميكن أن يحدث من سوء‪.‬‬
‫الشخص القلق يغرق في اخلوف‪ ،‬واالنزعاج‪ ،‬والعذاب‪.‬‬
‫وال ميكنه أن يسترخي ويستمتع بامللذات البسيطة للحياة‪،‬‬
‫وه��ذا أحد األس��باب الت��ي ألجله��ا ميتلئ الكت��اب املقدس‬
‫باآلي��ات التي تش��جعنا أال نقلق بل أن نثق ف��ي اهلل‪ .‬عندما‬
‫تواجهنا جتربة القلق‪ ،‬البد أن نقول ألنفس��نا «ارفع يدك عن‬
‫هذا املوقف‪ .‬اهلل هو املسيطر‪ ،‬لذلك اهدأ وثق به»‪.‬‬

‫ـ ‪ 43‬ـ‬
‫عندما تواجهنا جتربة القلق‪ ،‬البد �أن نقول لأنف�سنا‬
‫«ارفع يدك عن هذا املوقف‪ .‬اهلل هو امل�س��يطر‪ ،‬لذلك‬
‫اهد�أ وثق به»‪.‬‬
‫كلنا عندنا مش��كالت‪ ،‬كلنا نس��تطيع أن نتذكر شي ًئا‬
‫نقلق بش��أنه إذا أردنا ذلك‪ .‬لكن هذا س��يجعلنا تعس��اء‪.‬‬
‫يج��ب أن نتعام��ل م��ع اهتماماتن��ا بطريق��ة ترض��ي اهلل‪،‬‬
‫وبإجتاه��ات إيجابية‪ .‬قرأت ذات مرة قصة عن رجل حكيم‬
‫تعام��ل مع مش��كالته وهموم��ه بطريقة في غاي��ة اإلبداع‬
‫والفعالي��ة‪ .‬القص��ة تدعى «ش��جرة املش��كالت» وأريد أن‬
‫أشاركك بها‪:‬‬
‫انتهى للتو النجار الذي اس��تأجرته لترميم منزل ريفي‬
‫ق��دمي من أول يوم عمل ش��اق له في ه��ذه املهمة‪ .‬لقد فرغ‬
‫إطار سيارته من الهواء مما جعله يفقد ساعة عمل‪ .‬واملنشار‬
‫الكهربائي تعطل‪ ،‬واآلن ش��احنته القدمية ترفض أن تدور‪.‬‬
‫جالسا في صمت تام‪.‬‬‫ً‬ ‫وبينما كنت أوصله لبيته‪ ،‬كان هو‬
‫عندما وصلنا دعاني أن أقابل أسرته‪ ،‬وبينما كنا نسير‬
‫نحو البوابة الرئيس��ية‪ ،‬توقف برهة عند ش��جرة صغيرة‪،‬‬
‫ـ ‪ 44‬ـ‬
‫وملس أطراف األغصان بكلتا يديه‪ .‬وعندما فتح الباب كان‬
‫قد مر بعملية حتول مذهلة‪ .‬فقد علت وجهه االبتسامات‪،‬‬
‫واحتضن طفليه الصغيرين‪ ،‬وق ّبل امرأته‪.‬‬
‫وبع��د فترة أوصلني إلى س��يارتي‪ ،‬ومررن��ا مرة أخرى‬
‫بالش��جرة وكان الفضول يقتلني‪ .‬فس��ألته عما ش��اهدته‬
‫يفعله من قبل‪.‬‬
‫فأجابني‪« :‬آه‪ ،‬هذه شجرة املشكالت‪ .‬أنا أعلم أنني ال‬
‫ميكنني أن أتفادى املش��كالت في عملي‪ ،‬لكن هناك شي ًئا‬
‫أكي��دا هو أن املش��كالت ال م��كان لها في ه��ذا البيت مع‬
‫ً‬
‫زوجتي وأوالدي‪ .‬لذلك أنا أعلقها على الش��جرة كل ليلة‬
‫عندما أعود للبيت‪ .‬ثم في الصباح آخذها مرة أخرى»‪.‬‬
‫وابتسم اً‬
‫قائل‪« :‬لكن األمر املضحك هو أنني عندما آتي‬
‫في الصباح آلخذ املشكالت‪ ،‬أجدها أقل من الليلة السابقة‬
‫بكثير»‪.‬‬

‫ال للهم‬
‫جيدا املشقات واملصاعب‪.‬‬
‫كان الرس��ول بولس يعرف ً‬
‫ـ ‪ 45‬ـ‬
‫فقد كانت لديه أس��باب كثيرة تدفعه للقلق على نفس��ه‪،‬‬
‫كبيرا في تأسيسها‪ ،‬وعلى‬
‫جهدا ً‬ ‫وعلى الكنائس التي بذل ً‬
‫الن��اس الذي��ن كان يحبهم‪ .‬وق��د قال في إح��دى املرات‪:‬‬
‫«مكتئبني يف كل �ش��يء‪ ،‬لكن غري مت�ض��ايقني‪ .‬متحيرّ ين‪،‬‬
‫لك��ن غ�ير يائ�س�ين‪ .‬م�ض��طهدين‪ ،‬لك��ن غ�ير مرتوك�ين‪.‬‬
‫مطروحني‪ ،‬لكن غري هالكني» (‪2‬كورنثوس ‪.)9 ، 8 :4‬‬
‫أيضا عن اجلوع والعطش والتس��ليم للموت‪.‬‬
‫كما حت��دث ً‬
‫كان بال مأوى‪ ،‬ضرب‪ ،‬تكسرت به السفينة‪ ،‬رجم (انظر‬
‫‪1‬كورنثوس ‪2 ،11 :4‬كورنثوس ‪.)25 :11‬‬
‫ماذا كان اجتاه بولس نحو هذه املشكالت؟ جند ذلك في‬
‫فيلبي ‪« 6 :4‬ال تهتموا ب�ش��يء‪ ،‬بل يف كل �شيء بال�صالة‬
‫والدع��اء (الطلبات احملددة) مع ال�ش��كر‪ ،‬ل ُت ْع َلم طلباتكم‬
‫توجيها‬
‫ً‬ ‫ل��دى اهلل»‪ .‬في ه��ذه الكلم��ات يقدم لنا بول��س‬
‫مح��ددا وه��و‪« :‬ال تقلق��وا أو تهتم��وا‪ ،‬بل صل��وا وكونوا‬
‫ً‬
‫شاكرين‪ ،‬وأخبروا اهلل باحتياجاتكم»‪.‬‬
‫القل��ق واله��م ال ميك��ن �أن يتواج��دا مع الثق��ة باهلل‪.‬‬
‫البد �أن نفعل �شي ًئا من االثنني‪.‬‬
‫ـ ‪ 46‬ـ‬
‫القلق والهم ال ميكن أن يتواجدا مع الثقة باهلل‪ .‬البد أن‬
‫نفعل ش��ي ًئا من االثنني‪ .‬إذا كنا نقل��ق‪ ،‬فنحن ال نثق باهلل‪.‬‬
‫وإذا كنا نثق باهلل‪ ،‬فال نقلق‪.‬‬
‫القلق والهم طريقتان نحاول بهما أن نعرف ما ال يعرفه‬
‫س��وى اهلل‪ .‬فنحن نقلق ونعول الهم عندما نقضي اليوم في‬
‫محاول��ة احلصول على اإلجابات التي تخص الغد‪ ،‬ونصبح‬
‫مث��ل بني إس��رائيل أثناء الوق��ت ال��ذي كان اهلل يطعمهم‬
‫في��ه املن كل يوم (انظر خ��روج ‪14 :16‬ـ ‪ .)26‬كان اهلل‬
‫يعطيهم ما يكفي لليوم‪ .‬وإذا حاولوا أن يجمعوا املن الذي‬
‫للغ��د ف��ي اليوم‪ ،‬كان يفس��د‪ .‬كان عليه��م أن يتعلموا أن‬
‫يثقوا في اهلل أنه س��يعولهم عندم��ا يحتاجون ذلك‪ ،‬وليس‬
‫قبل ذلك‪.‬‬
‫أعتق��د أن بعض الناس يعيش��ون حي��اة صعبة ألنهم ال‬
‫يعرف��ون كيف يعيش��ون يو ًما بيوم‪ ،‬ويصدق��ون أن اهلل هو‬
‫وبدل من ذلك يحاولون أن يتولوا أمر‬ ‫املتحكم في األمور‪ .‬اً‬
‫غدهم اليوم‪ ،‬ويصلون في النهاية إلى الهم والضيق‪ .‬ليست‬
‫ه��ذه هي خط��ة اهلل‪ .‬إنه يريدنا أن نرف��ض القلق ونتعلم أن‬
‫ـ ‪ 47‬ـ‬
‫نثق فيه كل يوم‪ .‬الثقة هي عدم القلق أو اخلوف‪ .‬الثقة هي‬
‫الراحة والسالم والرجاء واإلجتاهات اإليجابية‪ .‬الثقة تقول‬
‫«اهلل هو املسيطر»‪.‬‬
‫وكم��ا كتب بولس فإن أفضل طريق��ة نتغلب بها على‬
‫القل��ق والهم هي الصالة‪ .‬أري��د أن أذكرك أننا ال ينبغي أن‬
‫نع��ول هم أي ش��يء‪ ،‬بل أن نصلي ألجل كل ش��يء (انظر‬
‫فيلبي ‪ .)6 :4‬إن اس��تجابتنا األولى ألية مشكلة أو جتربة‬
‫حتد أو خبر س��يء يج��ب أن تكون هي الصالة‪ ،‬فالصالة‬ ‫أو ٍ‬
‫تفت��ح الب��اب هلل لكي يعمل ف��ي حياتنا‪ .‬إنه هو املس��يطر‬
‫ويستطيع أن يفعل أي شيء يريده‪ ،‬لكنه يريدنا أن ندعوه‬
‫من خالل الصالة لكي يعمل في ظروفنا‪.‬‬
‫وأثناء صالتك أشجعك أن تذكر اهلل بكلمته‪ ،‬ألنها هي‬
‫دائما فعالة‪ ،‬كما نرى في (إش��عياء‬
‫امليث��اق معه‪ .‬وكلمته ً‬
‫‪« )11 :55‬هك��ذا تك��ون كلمت��ي التي تخ��رج من فمي‪.‬‬
‫ال ترج��ع �إيلّ فارغ��ة (ب��دون أن تنت��ج أي تأثير‪ ،‬بدون‬
‫فائ��دة)‪ ،‬ب��ل تعمل ما �س��ررت ب��ه وتنجح فيما �أر�س��لتها‬
‫أيضا أثناء صالتك تذكر األمور العظيمة التي صنعها‬ ‫له»‪ً .‬‬
‫ـ ‪ 48‬ـ‬
‫اهلل ألجلك‪ .‬فقد أعلن النتيجة النهائية منذ البداية بحسب‬
‫(إشعياء ‪« )10، 9 :46‬اذكروا الأوليات (التي فعلتها)‬
‫من��ذ القدمي‪ ،‬لأين �أن��ا اهلل‪ .....‬لي�س مثلي‪ .‬خُ ْ‬
‫م رِب منذ‬
‫الب��دء بالأخري‪ ،‬ومنذ القدمي مبا مل يفعل قائلاً ‪ :‬ر�أيي‬
‫يق��وم و�أفعل كل م�س��رتي»‪ .‬الصالة بهذه الطريقة س��وف‬
‫تزيد إميانك وعندما يزيد اإلميان يقل الهم‪.‬‬
‫في (فيلبي ‪ )4‬كتب بولس عن عملية من ثالث خطوات‬
‫لالستمتاع باحلياة‪ .‬اخلطوة األولى هي الفرح‪« :‬افرحوا يف‬
‫ال��رب كل ح�ين و�أق��ول � ً‬
‫أي�ض��ا افرح��وا» (ع ‪ .)4‬اخلطوة‬
‫الثانية هي الصالة ألجل كل ش��يء‪ ،‬وعدم القلق بش��أن أي‬
‫ش��يء (ع ‪ .)6‬واخلطوة الثالثة هي عدم اخلوف من أي شيء‬
‫من اهلل‪ ،‬وأن نكون مكتفني (ع ‪.)7‬‬
‫رمبا ال ت�ش��عر برغبة ف��ي أن تفعل ما فعله بولس‪ ،‬لكن‬
‫إذا كان ما ظللت تفعله ال ينجح‪ ،‬ف ِل َم ال جترب هذا؟‬

‫كيف يا رب‪ ،‬كيف؟‬


‫عندما نثق حقًا يف اهلل ونرفع �أيدينا عن املواقف التي‬
‫ـ ‪ 49‬ـ‬
‫تخ�صنا‪ ،‬ندرك �أننا لي�س علينا �أن منتلك كل الإجابات‪.‬‬
‫معظ��م األوق��ات يك��ون الس��بب وراء الهم ه��و أننا ال‬
‫نحص��ل عل��ى اإلجاب��ات التي نريده��ا‪ .‬ونح��ن ال ميكننا‬
‫أن نتحم��ل ع��دم اليقني‪ ،‬لذل��ك نقلق ونبدأ في اس��تخدام‬
‫املنطق‪ .‬ونبدأ في التفكير في الطرق املتعددة التي ميكن أن‬
‫يتدخل بها اهلل في ظروفنا‪ ،‬ونحاول أن نكتش��ف ما يجب‬
‫أن يفعله اهلل لكي يس��اعدنا‪ ،‬وعندما نفكر بهذه الطريقة‬
‫نضي��ع وقتن��ا‪ .‬عندما نث��ق حقً ا في اهلل‪ ،‬ونرف��ع أيدينا عن‬
‫املواقف التي تخصنا‪ ،‬ن��درك أننا ليس علينا أن منتلك كل‬
‫اإلجاب��ات‪ .‬نح��ن ال نحتاج أن نع��رف ماذا نفع��ل أو ماذا‬
‫س��يحدث أو كيف س��يتمم اهلل األمر‪ ،‬لكنن��ا فقط نحتاج‬
‫أن نع��رف أن اهلل ه��و املتحكم في األمر‪ ،‬وأنه صالح‪ .‬هناك‬
‫آي��ة رائعة حول هذا املوض��وع جندها في س��فر صغير قلما‬
‫ننتب��ه إليه‪ ،‬وهو س��فر ناحوم‪�« :‬ص��الح هو الرب‪ .‬ح�ص��ن‬
‫يف يوم ال�ض��يق‪ ،‬وهو يعرف املتوكل�ين عليه» (ناحوم ‪:1‬‬
‫‪ .)7‬ليس علينا أن نعرف كيف سيخلصنا اهلل‪ ،‬لكننا فقط‬
‫نحتاج أن نثق أنه هو سيخلصنا‪.‬‬
‫ـ ‪ 50‬ـ‬
‫لس��نوات عديدة أحببت الكلمات ال��واردة في (أمثال‬
‫‪ 5 :3‬ـ ‪ )6‬وعش��ت به��ا «ت��وكل على الرب ب��كل قلبك‪،‬‬
‫وعلى فهمك ال تعتمد‪ .‬يف كل طرقك اعرفه‪ ،‬وهو يقوم‬
‫�سبلك»‪.‬‬
‫يج��ب أن ن��درك أن الثق��ة تقتضي بعض األس��ئلة غير‬
‫املج��اب عنها‪ .‬ال ميكننا أن ننظر إل��ى معرفتنا أو فهمنا أو‬
‫أفكارن��ا اجليدة عندما نثق في اهلل‪ .‬يجب أن نقبل أنه ميكن‬
‫اً‬
‫حلول ال ميكننا أن نتخيلها‪ .‬ليس علينا‬ ‫أن يضع ملشكالتنا‬
‫أن منتلك كل اإلجابات‪ ،‬فهذه وظيفة اهلل‪ .‬وهو س��يعطينا‬
‫اإلجاب��ات التي نحتاجها عندما نحتاجه��ا‪ .‬وإلى أن يفعل‬
‫ذلك‪ ،‬فإن مس��ئوليتنا هي أن نصلي وأن نستريح فيه‪ ،‬وأن‬
‫نواص��ل حياتنا‪ .‬عندما ميكنن��ا أن نرتاح في «عدم املعرفة»‬
‫فهذه خطوة كبيرة لألمام‪.‬‬

‫متى يا رب متى؟‬
‫ق��د يفقد الناس صبرهم أثن��اء ثقتهم في اهلل‪ ،‬فإن الثقة‬
‫غالبً��ا تتطل��ب فت��رة م��ن االنتظ��ار‪ ،‬ومعظمن��ا ال يحبون‬

‫ـ ‪ 51‬ـ‬
‫االنتظار‪ .‬تذكر أن توقيت اهلل هو جزء من مشيئته‪ ،‬وعندما‬
‫نريد حقً ا مش��يئته في حياتنا‪ ،‬البد أن نكون مستعدين أن‬
‫نخضع لتوقيته‪.‬‬
‫يف �س��نوات كث�يرة من امل�س�ير م��ع اهلل‪ ،‬ناد ًرا م��ا ر�أيته‬
‫«مبكرا»‪،‬‬
‫ً‬ ‫يتدخ��ل يف موقف كان يب��دو التوقيت في��ه‬
‫دائما توقيته‬
‫لكنني مل �أعرف �أبدً ا �أبدً ا �أنه ت�أخر‪ ،‬بل ً‬
‫�صحيح‪.‬‬
‫ن��ادرا ما رأيته‬
‫ً‬ ‫في س��نوات كثيرة من املس��ير م��ع اهلل‪،‬‬
‫«مبكرا»‪ ،‬لكنني‬
‫ً‬ ‫يتدخل في موقف كان يبدو التوقيت فيه‬
‫دائما توقيته صحيح‪.‬‬ ‫أبدا أنه تأخر‪ ،‬بل ً‬ ‫أبدا ً‬
‫لم أعرف ً‬
‫هن��اك آي��ة جميلة م��ن املفي��د أن نتذكرها أثن��اء وقت‬
‫االنتظ��ار في (غالطية ‪« )9 :6‬فال نف�ش��ل يف عمل اخلري‬
‫لأننا �سنح�صد يف وقته �إن كنا ال نكل»‪ .‬أنا أدرك أن كلمة‬
‫محددا يحدث فيه‬
‫ً‬ ‫ش��هرا أو يو ًما أو عا ًما‬
‫ً‬ ‫«وقته» ال تعطينا‬
‫غالبا هو م��ا نريده‪ .‬لكن هذه‬
‫أم��ر ما‪ ،‬بالرغم م��ن أن هذا ً‬
‫الكلمة تبني إمياننا‪ ،‬وتشجعنا في انتظارنا‪ ،‬وتعطينا الثقة‬
‫أن اهلل س��وف يتصرف في اللحظة التي يرى أنها األفضل‪.‬‬
‫ـ ‪ 52‬ـ‬
‫ودورن��ا ه��و أن نقاوم ع��دم الصبر‪ ،‬وأن نواص��ل الصالة‪،‬‬
‫مس��تمرين ف��ي عمل ما هو ص��واب‪ ،‬وأن نعرف أن اهلل هو‬
‫املتحكم في األمور‪.‬‬
‫إن إميانن��ا ينمو عندما يجعلن��ا اهلل ننتظر أكثر مما نظن‬
‫أنه ضروري‪ .‬ه��ذه املواقف هي فرص ننمي فيها ثمر طول‬
‫األن��اة‪ .‬يخبرنا يعقوب أن الرجل الصبور ال ينقصه ش��يء‬
‫(انظ��ر يعق��وب ‪ ،)4 :1‬وأعتق��د أنه يعني أن��ه لن يكون‬
‫هن��اك ما يضايقنا عندما تك��ون لدينا القدرة على االنتظار‬
‫بصبر وثقة في توقيت اهلل الكامل في حياتنا‪.‬‬

‫ملاذا يا رب ملاذا؟‬
‫�أحيانً��ا يخل�ص��نا اهلل م��ن مواق��ف �أو ظروف �ص��عبة‬
‫جتعلنا نقلق‪ ،‬و�أحيانًا يكون علينا �أن جنتاز فيها‪.‬‬
‫أحيا ًنا يخلصنا اهلل من مواقف أو ظروف صعبة تس��بب‬
‫لن��ا القلق‪ ،‬وأحيا ًنا يكون علين��ا أن جنتاز فيها‪ .‬إذا قرر اهلل‬
‫أنن��ا يجب أن نتحمل هذه املواق��ف‪ ،‬فيجب أن نتحملها‪.‬‬
‫ألن��ه ف��ي مثل ه��ذه املواقف تك��ون الطريق��ة الوحيدة‬
‫ـ ‪ 53‬ـ‬
‫كثي��را ما يريد اهلل أن‬
‫ً‬ ‫للخ��روج منه��ا هي االجتياز فيها‪.‬‬
‫ينم��ي صفة الق��وة أو احلكم��ة أو أية صفة أخ��رى فينا من‬
‫خالل عملية حتمل الصعاب‪.‬‬
‫ف��ي ع��ام ‪ 2003‬تعرضت خدمة جوي��س ماير لهجوم‬
‫س��يئ من الصحاف��ة‪ ،‬فقد أصدر اإلعالم تقارير عن أش��ياء‬
‫أمورا خارج‬
‫لم تكن حقيقية عنا‪ ،‬فحولوا احلقائق ووصفوا ً‬
‫س��ياقها بالكامل‪ .‬وتس��اءل الناس إذا كانت هذه التقارير‬
‫س��لبيا‪ ،‬لكن ه��ذا لم يحدث‪ .‬ف��ي احلقيقة‬
‫ً‬ ‫س��تؤثر علينا‬
‫ل��م نختبر بعد هذه احلادثة س��وى النمو‪ .‬لق��د كان موقفً ا‬
‫اضطررنا أن جنتاز فيه‪ ،‬وأنا أؤمن أنه قد جهزنا للنمو الذي‬
‫نستمتع به اآلن‪.‬‬
‫علي‪ ،‬ألن الهجوم كان يس��تهدف‬
‫كان املوق��ف صعبً��ا َّ‬
‫س��معتي‪ .‬وقد تعلمت من هذه التجربة أننا يجب أن نعهد‬
‫إلى اهلل بس��معتنا ألننا إذا حاولن��ا أن نحافظ على الصورة‬
‫اجليدة بأنفس��نا‪ ،‬فس��وف نصبح في غاية التعاس��ة عندما‬
‫يهاجمنا ش��خص ما‪ .‬وبحسب (فيلبي ‪ )7 :2‬فإن يسوع‬
‫أخلى نفسه‪ ،‬وتخلى عن سمعته‪ ،‬وبالتأكيد لم يكن يهتم‬
‫ـ ‪ 54‬ـ‬
‫مبا قاله الناس عنه‪ ،‬ألنه كان يعرف احلقيقة‪.‬‬
‫أحيا ًنا نعاني من املشكالت بسبب أننا نحتاج أن نتعلم‬
‫درسً��ا أو أن جنت��از امتحانً��ا أو أن نتق��وى أو أن ننضج قبل‬
‫أن ندخ��ل إلى وقت من��و وامتداد‪ .‬ومب��ا أن بعض التجارب‬
‫ليس��ت أكثر م��ن امتحانات‪ ،‬فيجب علين��ا أن نركز على‬
‫بدل من محاولة اكتش��اف ملاذا علينا‬‫اجتي��از االمتحان��ات اً‬
‫أن نتعرض لها‪.‬‬
‫هناك آية رائعة (‪2‬كورنثوس ‪ )14 :2‬لتتذكرها عندما‬
‫�ش��كرا هلل الذي يقودنا يف‬
‫ً‬ ‫جتتاز في موقف صعب‪« :‬ولكن‬
‫موك��ب ن�ص��رته يف امل�س��يح كل حني‪ ،‬ويظهر بن��ا رائحة‬
‫أمرا م��ا‪ ،‬تذكر أنك‬
‫معرفت��ه يف كل م��كان»‪ .‬عندم��ا جتتاز ً‬
‫س��وف تعبر للضفة األخ��رى‪ .‬حتى إذا طل��ب اهلل منك أن‬
‫جتت��از في ضيقة فه��و ال يقودك إلى الهزمي��ة‪ ،‬إمنا إلى نصر‬
‫محقق‪.‬‬

‫اهد�أ‬
‫عندم��ا تواجهن��ا أوق��ات الضي��ق يك��ون أح��د أكب��ر‬
‫ـ ‪ 55‬ـ‬
‫التحدي��ات املوضوعة أمامنا هو أن نهدأ‪ .‬فإن طبيعتنا متيل‬
‫إلى أن تخاف وأن تقلق محاول ًة أن تفعل ش��ي ًئا ما إلصالح‬
‫املوقف أو حلل املش��كلة‪ .‬لكننا يجب أن نتعلم أن نتحكم‬
‫ف��ي عواطفنا حتى ميكنن��ا أن نفكر بوضوح‪ ،‬وأن نتصرف‬
‫بحكمة‪ ،‬وأن نصلي بإميان‪.‬‬
‫يج��ب �أن نتعل��م �أن نتحك��م يف عواطفن��ا حتى ميكننا‬
‫�أن نفك��ر بو�ض��وح‪ ،‬و�أن نت�ص��رف بحكم��ة‪ ،‬و�أن ن�ص��لي‬
‫ب�إميان‪.‬‬
‫ف��ي العه��د الق��دمي كان عل��ى موس��ى أن يس��اعد بني‬
‫إس��رائيل أن يهدأوا‪ .‬في إحدى امل��رات كان جيش فرعون‬
‫يج��ري وراءه��م ليلح��ق بهم‪ .‬ظل بن��و إس��رائيل يجرون‬
‫لكنهم كانوا يعرفون أنه��م متجهون نحو البحر األحمر‪،‬‬
‫مؤك��دا‪ .‬يخبرنا الكت��اب املقدس في (خروج‬
‫ً‬ ‫وب��دا املوت‬
‫‪ )10 :14‬أن الش��عب «فزعوا ج��دً ا»‪ .‬كما أنهم غضبوا‬
‫عبيدا‬
‫من موس��ى‪ ،‬وق��رروا أنه كان أفض��ل لهم أن يبق��وا ً‬
‫للمصريني عن أن يحاولوا أن يهزموا جيش فرعون‪ .‬وكان‬
‫خطيرا بالفعل‪ ،‬وكانت عواطفهم جامحة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫هذا موقفً ا‬
‫ـ ‪ 56‬ـ‬
‫قال لهم موس��ى‪« :‬ال تخافوا‪ .‬قف��وا (ثابتني وواثقني‬
‫وغي��ر محبط�ين) وانظروا خال���ص الرب الذي ي�ص��نعه‬
‫لك��م اليوم‪ ،‬ف�إنه كما ر�أيتم امل�ص��ريني اليوم‪ ،‬ال تعودون‬
‫ترونه��م � ً‬
‫أي�ض��ا �إىل الأب��د‪ .‬ال��رب يقات��ل عنك��م و�أنتم‬
‫ت�ص��متون (تبق��ون في س�لام وراح��ة)» (ع ‪.)14 ،13‬‬
‫بلغتنا احلديثة كان موسى يحاول أن يقول «كفوا عن هذا‪.‬‬
‫أن��ا أعرف أن املوقف يبدو ميئوسً��ا منه‪ ،‬لك��ن ال تخافوا‪.‬‬
‫فقط اهدأوا دقيقة‪ ،‬وراقبوا ما سيفعله اهلل ألجلكم»‪.‬‬
‫وقبل أن يبلغ جيش فرعون بني إس��رائيل‪ ،‬كان اهلل قد‬
‫ش��ق مياه البحر األحمر حتى يعبر شعبه فوق أرض صلبة‪.‬‬
‫وعندم��ا وصلوا كله��م للضفة األخرى‪ُ ،‬أغْ ِل��ق البحر مرة‬
‫أخرى وغ��رق جنود فرعون‪ ،‬أريد أن أذك��رك أن هذا اإلله‬
‫الصان��ع العجائ��ب هو نفس��ه اإلله الذي يق��ف في صفك‬
‫اليوم‪ ،‬وهو ال يزال يحارب عن شعبه‪ .‬ومهمتك إذا قررت‬
‫أن تنتمي له هي فقط أن تقف في سالم وراحة‪.‬‬
‫ف��ي (يوحن��ا ‪ )27 :14‬يوضح الرب يس��وع أن لدينا‬
‫القدرة على التحكم في مش��اعرنا‪« .‬ال ت�ضطرب قلوبكم‬
‫ـ ‪ 57‬ـ‬
‫وال تره��ب (كف��وا عن الس��ماح ألنفس��كم باالضطراب‬
‫واالنزع��اج وال تس��محوا ألنفس��كم أن تخ��اف‪ ،‬أو أن‬
‫تخش��ى‪ ،‬أو أن تص��اب باجل�بن‪ ،‬أو أن تتزعزع)»‪.‬عندم��ا‬
‫تضطرب قلوبنا فالسبب هو أننا ن�سمح لها بذلك‪ .‬عندما‬
‫ننزع��ج ونتضايق ونخاف ونصاب باجل�بن فهذا معناه أننا‬
‫�س��محنا لهذه املش��اعر بالتواجد‪ .‬ومبا أننا لدينا س��لطان‬
‫اإلذن لهذه املشاعر السلبية بالظهور‪ ،‬فهذا يعني أننا لدينا‬
‫أيضا السلطان أال نسمح لها بذلك‪ .‬الرب يسوع ال يطلب‬ ‫ً‬
‫اً‬
‫مس��تحيل‪ .‬إذا كان ق��د طلب منا‬ ‫أبدا أن نفعل ش��ي ًئا‬
‫من��ا ً‬
‫أال نسمح ألنفس��نا أن ننزعج‪ ،‬فهو يعطينا القوة أن نفعل‬
‫ذلك‪.‬‬
‫الرب ي�سوع ال يطلب منا �أبدً ا �أن نفعل �شي ًئا م�ستحيلاً ‪.‬‬
‫يجب أن نختار أن نهدأ وسط األزمات‪ .‬يجب أن نضبط‬
‫أفكارنا وعواطفنا في املواقف العصيبة التي يستسلم فيها‬
‫كثي��رون للخ��وف والدم��وع‪ .‬ه��ذا الن��وع من االس��تقرار‬
‫والقدرة على احلفاظ على الس�لام هو إرادة اهلل من نحونا‪،‬‬
‫وه��و يثبت أننا حقً ا نثق فيه‪ .‬فهو املتحكم في كل موقف‪،‬‬
‫ـ ‪ 58‬ـ‬
‫لذلك ارفع يدك عن األمر واسترخ واستمتع بحياتك‪ ،‬ألن‬
‫وبدل من أن تقضي اليوم في القلق‬‫اهلل يعمل نيابة عن��ك‪ .‬اً‬
‫بشأن أمر ال ميكنك أن تفعل أي شيء حياله‪ِ ،‬ل َم ال تستمتع‬
‫باليوم وتتحمس للغد؟‬

‫تف�ضل اجل�س‬
‫أمرا �سلب ًيا‪ ،‬بل على العك�س ف�إنه ن�شاط‪،‬‬
‫«ال�صرب لي�س � ً‬
‫�إنه القوة مركزة»‬
‫إدوارد ج‪ .‬بلويرـ ليتون‬
‫أحد أسرار االستمتاع باليوم والتطلع إلى الغد هو تعلم‬
‫االنتظ��ار‪ .‬ال أعن��ي بذلك مجرد متضية الوق��ت أو تضييع‬
‫الوق��ت‪ ،‬وإمن��ا أعني تعل��م االنتظار اجليد‪ .‬س��تأتي عليك‬
‫أوقات كثيرة في حياتك تشعر فيها أنك جالس في «غرفة‬
‫االنتظ��ار»‪ .‬تعرف أن لديك موعد مع القدر‪ ،‬لكن يبدو أن‬
‫أحدا‬
‫ج��دا‪ .‬فتنتظر وتنتظر لكن ال تس��مع ً‬‫الوق��ت طويل ً‬
‫ينادي اس��مك‪ ،‬وال تتحرك نحو اخلطوة التالية أو حتقق أي‬
‫تقدم نحو حلمك‪ .‬لكنك فقط تنتظر‪.‬‬

‫ـ ‪ 59‬ـ‬
‫وتع��د كيفية التعامل م��ع وقت االنتظار ه��ذا حتى إذا‬
‫أمرا حيو ًيا حلياتك‪ ،‬احلالية وملس��تقبلك‪ .‬في‬
‫كان صعبً��ا‪ً ،‬‬
‫احلقيقة‪ ،‬رمبا تقضي أكث��ر وقتك في انتظار حتقيق األحالم‬
‫التي منحها اهلل حلياتك أكثر مما تقضي في احلصول عليها‪.‬‬
‫لذل��ك تعتبر تنمية القدرة عل��ى االنتظار بصبر وتوقع أمر‬
‫ف��ي غاية األهمي��ة‪ .‬إن حتقي��ق أحالمنا وأهدافن��ا ميكن أن‬
‫غالبا ما ننتظرها لسنوات عديدة‪،‬‬‫يحدث في حلظة‪ ،‬لكننا ً‬
‫والتوج��ه الذي ننتظر به هذه األح�لام واألهداف هو الذي‬
‫يحدد مستوى استمتاعنا باحلياة‪.‬‬
‫(يعق��وب ‪ )8 ، 7 :5‬يق��دم لن��ا توجيهً��ا فيما يخص‬
‫االنتظ��ار اجلي��د فيق��ول‪« :‬فت�أن��وا �أيه��ا الإخ��وة (ف��ي‬
‫انتظارك��م) �إىل جميء الرب‪ .‬ه��وذا الفالح ينتظر ثمر‬
‫الأر���ض الثم�ين‪ ،‬مت�أن ًي��ا علي��ه حت��ى ينال املط��ر املبكر‬
‫واملت�أخر‪ .‬فت�أن��وا �أنتم وثبتوا قلوبكم‪ ،‬لأن جميء الرب‬
‫قد اقرتب»‪ .‬متا ًما مثلما يجب على الفالح أن ينتظر حصاد‬
‫أيضا ستجتاز في أوقات من االنتظار‬
‫البذار التي زرعها‪ ،‬أنت ً‬
‫بعد أن يزرع اهلل بذار األحالم أو الرغبات في قلبك‪.‬‬

‫ـ ‪ 60‬ـ‬
‫عندما ننتظر حتقيق وعد ما‪ ،‬هناك عمل تنقية يجب أن‬
‫يح��دث في حياتنا ليؤهلنا مل��ا وضعه اهلل في قلوبنا‪ .‬يجب‬
‫أن نكون مس��تعدين‪ ،‬واالستعداد عملية تتطلب وق ًتا‪ .‬فال‬
‫ميكن أن حت��دث بطريقة غير ذلك‪ ،‬له��ذا نحتاج أن نتعلم‬
‫االنتظ��ار اجليد‪ .‬وتعلم االنتظار اجلي��د يعني تعلم االنتظار‬
‫بثق��ة ف��ي اهلل‪ .‬الصب��ر احلقيقي لي��س مجرد الق��درة على‬
‫االنتظ��ار‪ ،‬لكنه الطريق��ة التي نفكر ونتص��رف بها أثناء‬
‫انتظارنا‪.‬‬
‫حتميا‬
‫ً‬ ‫أمرا‬
‫كثيرا ما تكون األسباب التي جتعل انتظارنا ً‬
‫ً‬
‫هي أس��باب مرتبطة بإجتاهاتنا‪ .‬ف��إذا كنا نغار من اآلخرين‬
‫الذي��ن حصلوا على م��ا كان��وا ينتظرونه‪ ،‬إذا كنا نش��فق‬
‫عل��ى ذواتن��ا ونركز بش��دة على أنفس��نا وعل��ى حياتنا‪،‬‬
‫إذا كنا نس��مح ألنفس��نا بالتقلب��ات العاطفية الش��ديدة‪،‬‬
‫أو إذا كنا نش��كو م��ن طول املدة التي يج��ب أن ننتظرها ـ‬
‫فه��ذه األمور ليس��ت إجتاهات ترضي اهلل‪ .‬ه��ذه األمور وما‬
‫يش��ابهها هي األش��ياء التي يجب التعامل معها والتخلص‬
‫منها قبل أن نحصل على مواعيد اهلل‪ ،‬وأن نتولى مس��ئولية‬

‫ـ ‪ 61‬ـ‬
‫بركاته بنضوج‪ .‬لقد أدركت أن إجتاهي أهم بالنسبة هلل من‬
‫حصول��ي على ما أريد‪ ،‬فه��و يعرف أنني إذا كان لي اإلجتاه‬
‫الصحي��ح‪ ،‬ميكنني أن أفرح بغض النظر عن الظروف‪ .‬هذا‬
‫هو نوع االستقرار الذي يريده اهلل لكل منا‪.‬‬
‫إذا أدركن��ا أن االنتظار تدريب مه��م وتعلمنا أن ننتظر‬
‫حينئذ ميكننا حقً ا أن نستمتع بفترات االنتظار‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫بإيجابية‪،‬‬
‫وأن نتعل��م الدروس الت��ي نحتاج أن نتعلمه��ا أثناء أوقات‬
‫أيضا أن جتعل‬
‫التأجي��ل‪ .‬كما أن اإلجتاهات اجلي��دة ميكنها ً‬
‫أوق��ات االنتظار أقص��ر‪ ،‬فإذا تعلمنا ال��دروس القيمة التي‬
‫مبكرا‪،‬‬
‫ً‬ ‫س��ريعا‪ ،‬س��وف نتخرج‬
‫ً‬ ‫يري��د اهلل أن يعلمنا إياها‬
‫ونبدأ في االستمتاع مبا كنا ننتظره‪.‬‬
‫إن عدم الق��درة على االنتظار اجليد هي أحد األس��باب‬
‫الرئيسية التي ألجلها ال يستمتع الناس بحياتهم اليومية‪،‬‬
‫فه��م يرك��زون بش��دة على امل��كان ال��ذي يذهب��ون إليه‪،‬‬
‫فيفق��دون االس��تمتاع بالرحل��ة التي توصله��م إلى هناك‪.‬‬
‫وهم يس��محون ألنفس��هم أن يغرق��وا في الغ��د فيفقدون‬
‫أبدا‬
‫الي��وم بالكام��ل‪ .‬كثيرون من هؤالء الن��اس ال يصلون ً‬
‫ـ ‪ 62‬ـ‬
‫أبدا حتقيق أحالمهم‬
‫مل��لء ما يدخره اهلل لهم‪ ،‬فه��م ال يرون ً‬
‫ورؤاهم ألنهم ال يفهمون أهمية االنتظار اجليد واالستمتاع‬
‫بالرحلة‪.‬‬
‫واحدا من هؤالء‪ .‬أريدك أن تس��تفيد‬
‫ً‬ ‫ال أريدك أن تكون‬
‫باليوم بأقصى ما ميكن أثناء سيرك نحو الغد‪ ،‬وأحد أفضل‬
‫الطرق لفعل ذلك هي أن تتعلم االنتظار اجليد‪.‬‬
‫�أري��دك �أن ت�س��تفيد بالي��وم ب�أق�ص��ى ما ميك��ن �أثناء‬
‫�س�يرك نحو الغد‪ ،‬و�أحد �أف�ض��ل الطرق لفعل ذلك هي‬
‫�أن تتعلم االنتظار اجليد‪.‬‬

‫البد �أن ننتظر‬


‫عندم��ا دعان��ا اهلل أن نب��دأ خدم��ة تليفزيوني��ة في عام‬
‫‪ ،1993‬قبلن��ا الدعوة واملس��ئولية الت��ي تصاحبها‪ .‬وكنا‬
‫نعرف أننا س��وف نقدم خدم��ة تليفزيونية‪ ،‬لكننا لم تكن‬
‫لدين��ا أية فكرة كيف نفع��ل ذلك‪ .‬لذلك قبل أن ميكننا أن‬
‫نخط��و اخلطوات الصغيرة األول��ى‪ ،‬كان البد أن ننتظر أن‬
‫حتديدا‪.‬‬
‫ً‬ ‫يعطينا اهلل إجتاهات أكثر‬
‫ـ ‪ 63‬ـ‬
‫تليفزيونيا‪،‬‬
‫ً‬ ‫عندم��ا بدأن��ا بح��ث عملية ب��ث اخلدم��ة‬
‫اكتشفنا أننا نحتاج إلى منتج ـ وكان يجب أن ننتظر حتى‬
‫وذكرنا اهلل بطلب‬‫يرسل اهلل الشخص الصحيح لفعل ذلك‪ّ .‬‬
‫توظيف تلقيناه قبل ذلك بأش��هر قليلة‪ .‬جاءنا هذا الطلب‬
‫تليفزيونيا خلدمة أخرى‪ ،‬وفي‬
‫ً‬ ‫برنامجا‬
‫ً‬ ‫من رجل كان ينتج‬
‫ذل��ك الوقت قلنا « ُيحفَ ظ هذا الطلب‪ ،‬نحن ال نقدم خدمة‬
‫تليفزيونيا؟»‪ .‬لكن اهلل‬
‫ً‬ ‫منتجا‬
‫تليفزيوني��ة‪ .‬فلماذا نحتاج ً‬
‫كان يع��رف ما لم نكن نحن نعرف��ه‪ ،‬وكان يقدم لنا املنتج‬
‫التليفزيوني قبل حتى أن نعرف أننا في حاجة إليه‪ .‬فوظفنا‬
‫ذل��ك املنتج‪ ،‬وب��دأ البحث ف��ي املعدات التي س��نحتاجها‬
‫للب��ث‪ .‬ثم كان علينا أن ننتظ��ر جلمع كل املعلومات حتى‬
‫تك��ون لدينا قرارات حكيمة مبنية على معلومات حقيقية‬
‫بخصوص شراء ما نحتاجه‪.‬‬
‫في الوقت ذاته قمنا بإخبار شركائنا وأصدقائنا مبا كان‬
‫اهلل يقودنا أن نفعله‪ ،‬وطلبنا منهم أن يقدموا تبرعات مالية‬
‫للخدم��ة التليفزيونية‪ .‬وعندها انتظرنا حتى تأتي األموال‬
‫وأخيرا اش��ترينا املع��دات اخلاصة بنا‪ ،‬ثم أدركنا‬
‫ً‬ ‫املطلوبة‪.‬‬

‫ـ ‪ 64‬ـ‬
‫أننا نحتاج إلى مصورين يسافرون معنا لتصوير املؤمترات‪.‬‬
‫فانتظرنا أن يرسلهم اهلل لنا‪.‬‬
‫أخي��را حان وقت بداية ع��رض فكرة بث برامجنا على‬ ‫ً‬
‫احملط��ات التليفزيونية‪ .‬قال لن��ا مديرو احملطات إننا نحتاج‬
‫إل��ى من��وذج للبرنامج قب��ل أن يق��رروا توقيع عق��د معنا‪.‬‬
‫فانتظرنا أن ينتهي ه��ذا النموذج‪ ،‬وانتظرنا لنرى إذا كان‬
‫سيعجبهم أم ال‪.‬‬
‫وف��ي النهاي��ة‪ ،‬وبع��د ط��ول انتظ��ار‪ ،‬بدأن��ا البرنامج‬
‫التليفزيون��ي‪ .‬ف��ي األيام األولى كان��ت احملطات التي تبث‬
‫برنامجن��ا قليل��ة ـ وكان علين��ا أن ننتظ��ر لن��رى نوعي��ة‬
‫التج��اوب التي س��نتلقاها حتى نقرر إذا كنا سنس��تمر في‬
‫خدمة التليفزيون أم ال‪.‬‬
‫ومن��ذ ذلك احل�ين وس��ع اهلل خدمتن��ا التليفزيونية إلى‬
‫أن وصل��ت ل��كل أنح��اء العالم‪ .‬ب��دأ األمر ب��أن تكلم اهلل‬
‫بخطته ورغبته لقلوبنا ـ ثم تطلب األمر الكثير من العمل‪،‬‬
‫جدا من الصبر‪ .‬لكننا رأينا أمانة اهلل في كل ذلك‪،‬‬ ‫والكثير ً‬

‫ـ ‪ 65‬ـ‬
‫ورأينا قيمة االنتظ��ار الذي حتملناه‪ ،‬وبدأنا نفهم أنه بدون‬
‫االنتظار لن نصبح مستعدين للتعامل مع كل األمور املتعلقة‬
‫باخلدمة التليفزيونية‪.‬‬
‫االنتظ��ار حقيق��ة م��ن حقائ��ق احلي��اة ـ وهو عن�ص��ر‬
‫�ضروري للنجاح‪.‬‬
‫أمتن��ى أن ترى من خالل هذه القص��ة أن كل مرحلة في‬
‫احلياة وفي سبيل حتقيق األحالم تتطلب االنتظار‪ .‬تذكر أن‬
‫(يعقوب ‪ )7 :5‬يعلمنا اً‬
‫قائل «ت�أنوا (في انتظاركم) �أيها‬
‫الإخ��وة»‪ .‬هذه اآلي��ة ال تقول‪« :‬تأن��وا إذا كان عليكم أن‬
‫تنتظ��روا» لكن «تأنوا في انتظاركم»‪ .‬فاالنتظار حقيقة من‬
‫حقائق احلياة ـ وهو عنصر ضروري للنجاح‪.‬‬

‫امنح الأمر وقتًا‬


‫ن��ادرا م��ا يض��ع اهلل األحالم ف��ي قلوبنا في أح��د األيام‬
‫ً‬
‫ويحققها في اليوم التالي‪ ،‬فهو مينحنا الرغبة في شيء ما‪،‬‬
‫نادرا ما يعطينا التوقيت الدقيق الذي تتحقق فيه هذه‬ ‫لكنه ً‬
‫دائما فترة إعداد‪ ،‬وهي تختلف من ش��خص‬ ‫الرغبة‪ .‬هناك ً‬
‫ـ ‪ 66‬ـ‬
‫آلخ��ر‪ .‬ويجب علينا أن نثق في توقيت اهلل‪ ،‬وأن نس��تمتع‬
‫بالرحلة‪.‬‬
‫(تكوين ‪1 :15‬ـ ‪ )5‬يخبرنا بقصة أبرام (الذي سمي‬
‫فيم��ا بعد إبراهيم) والوعد الذي أخذه من اهلل‪ .‬تلقى أبرام‬
‫من اهلل كلم��ة واضحة ومحددة حول مس��تقبله‪ .‬تكلم اهلل‬
‫ع��ن ابن ألب��رام العج��وز وزوجت��ه العجوز فق��ال‪« :‬الذي‬
‫يخرج من �أح�شائك هو يرثك» (ع ‪.)4‬كان أبرام يعرف‬
‫ما وعده اهلل به‪ ،‬وكان يعرف أن عمره قصير ألنه متقدم في‬
‫الس��ن‪ ،‬وأن زوجته كانت قد تخطت سن اإلجناب بخالف‬
‫عاقرا طيلة حياتها‪ .‬كان له وعد من اهلل‪ ،‬لكن‬
‫أنه��ا كانت ً‬
‫اهلل لم يتكلم عن الوقت الذي سيحدث فيه هذا‪ .‬فلم يكن‬
‫أمامه اختيار سوى أن يجلس في غرفة انتظار اهلل‪.‬‬
‫كثيرا معن��ا‪ .‬فبمجرد أن يتكلم‬
‫ً‬ ‫والش��يء ذاته يحدث‬
‫أمرا م��ا‪ ،‬نغرق في التفكي��ر في هذا‬
‫اهلل لن��ا أو يظه��ر لن��ا ً‬
‫األم��ر‪ .‬وإذا ل��م ننتبه‪ ،‬ميك��ن أن نركز علي��ه للدرجة التي‬
‫فيه��ا ال من��ارس مس��ئولياتنا األخرى حس�� ًنا‪ ،‬أو أن نصبح‬
‫اً‬
‫وب��دل من أن تصبح‬ ‫مش��غولني للغاية ومش��تتني بأحالمنا‪.‬‬
‫ـ ‪ 67‬ـ‬
‫مهووسا باملستقبل وتفقد البركات اليومية التي بني الوعد‬
‫ً‬
‫وحتقيقه‪ ،‬استرح وامنح األمر وق ًتا لكي يتحقق‪.‬‬

‫غيوم الت�أكيد‬
‫هل حدث وأصبت باإلحباط ألنك شعرت أنك انتظرت‬
‫أبدا؟‬ ‫اً‬
‫طويل وبصبر لتحقيق ش��يء ما يب��دو أنه لن يتحقق ً‬
‫أن��ت بعقلك تع��رف أنك لم تنتظر ط��وال عمرك‪ ،‬لكنك‬
‫متعبا‪،‬‬
‫تش��عر أن��ك انتظرت طيل��ة حيات��ك‪ ،‬فأصبح��ت ً‬
‫وشعرت أنك ال ميكنك أن تنتظر أكثر من ذلك‪.‬‬
‫غالبا جزء من العملية‬
‫ه��ذا األمر يحدث لنا كلنا‪ ،‬وهو ً‬
‫التي منر بها في مسيرتنا مع اهلل في أوقات االنتظار‪ ،‬بينما‬
‫نتمسك بوعود اهلل ونؤمن أنه يريد أن يحققها في حياتنا‪.‬‬
‫ومن��ذ أي��ام الكت��اب املقدس وش��عب اهلل يج��ب أن يتعلم‬
‫االنتظار‪ .‬وعلى مر القرون كان اهلل يرس��ل رسائل تشجيع‬
‫في الوقت املناسب‪.‬‬
‫ومنذ �أيام الكتاب املقد�س و�ش��عب اهلل يجب �أن يتعلم‬
‫االنتظ��ار‪ .‬وعل��ى مر القرون كان اهلل ير�س��ل ر�س��ائل‬
‫ـ ‪ 68‬ـ‬
‫ت�شجيع يف الوقت املنا�سب‪.‬‬
‫(‪1‬مل��وك ‪ )18‬يخبرن��ا بقصة رجل انتظ��ر وظل أمي ًنا‬
‫عندما بدا أنه ال شيء يحدث‪ .‬في اآلية األولى قال اهلل إليليا‬
‫مطرا على وجه الأر�ض»‪.‬‬
‫وتراء لأخ�آب ف�أعطي ً‬
‫َ‬ ‫«اذهب‬
‫كان هذا وقت مجاعة شديدة في األرض‪ ،‬وكانت احملاصيل‬
‫واحليوانات في أش��د احلاج��ة إلى املياه‪ ،‬لكن لم تكن هناك‬
‫مياه‪.‬‬
‫بع��د أن تلق��ى إيليا الوع��د باملط��ر‪ ،‬قابل أنبي��ا البعل‬
‫وحدثت مواجهة بني إيليا نبي إله إسرائيل وهؤالء األنبياء‬
‫الكذبة‪ .‬وبعد أن أعلن اهلل أنه اإلله احلقيقي الوحيد وقضى‬
‫إيلي��ا على أنبياء البعل‪ ،‬ق��ال للملك آخاب‪« :‬ا�ص��عد كل‬
‫وا�شرب‪ ،‬لأنه ح�س دوي مطر» (ع ‪.)41‬‬
‫الب��د أن إيلي��ا كان يب��دو س��خيفً ا بإعالنه أن الس��ماء‬
‫س��تمطر‪ ،‬ألن الس��ماء كان��ت صافي��ة متا ًما‪ .‬أرس��ل إيليا‬
‫غالمه ليبحث عن س��حب عاصفة س��ت مرات‪ ،‬وكل مرة‬
‫كانت الس��ماء مشرقة وزرقاء كما هي‪ ،‬ولم يكن هناك في‬
‫األفق أية س��حب‪ .‬البد أن إيليا ش��ك ف��ي وعد اهلل باملطر‪،‬‬
‫ـ ‪ 69‬ـ‬
‫وبالتأكيد أصيب باإلحباط من هذا االنتظار الطويل‪ .‬لكن‬
‫عندما أرس��ل خادمه لينظر الس��ماء للمرة الس��ابعة‪ ،‬عاد‬
‫اخلادم بأخبار سارة‪« :‬هوذا غيمة �صغرية قدر كف �إن�سان‬
‫�ص��اعدة من البح��ر» (ع ‪ .)44‬إذا فكرت في حجم كف‬
‫اإلنس��ان باملقارنة مبس��احة السماء س��تبدو ضئيلة للغاية‪،‬‬
‫لكن ه��ذه العالمة الصغي��رة منحت إيليا التش��جيع الذي‬
‫كان في حاجة إليه‪.‬‬
‫لقد رأيت اهلل وهو يرسل «الغيوم» في حياتي ملدة سنوات‬
‫لدي رؤي��ة كبيرة‪ ،‬وكنت‬ ‫أثن��اء إعدادي للخدم��ة‪ .‬كانت َّ‬
‫«حبلى» بحل��م‪ .‬وكلما زاد االنتظار‪ ،‬ش��عرت بالرغبة في‬
‫السؤال هل كان ما سمعته من اهلل حقً ا أم أني أنا اختلقته؟‬
‫وعندما كنت على وش��ك أن أتوقف عن اإلميان بوعد اهلل‪،‬‬
‫حيا داخلي‪ .‬أحيا ًنا كان‬‫كان اهلل يفعل ش��ي ًئا يبقي الرج��اء ً‬
‫صغيرا مثل غيم��ة إيليا‪ ،‬التي كانت في حجم‬ ‫ً‬ ‫هذا الش��يء‬
‫كف إنسان‪ .‬لكنه كان يكفي ملساعدتي على أال أستسلم‪.‬‬
‫وأنا أش��جعك أن تبدأ في البحث عن غيوم التأكيد اخلاصة‬
‫بك‪.‬‬

‫ـ ‪ 70‬ـ‬
‫ج��دا لكنها كانت‬
‫إن س��نوات االنتظار كان��ت صعبة ً‬
‫جدا‪ .‬فق��د كنت أمنو وأكتس��ب حكمة وخبرة‪،‬‬ ‫ضروري��ة ً‬
‫وأتعل��م كي��ف أخض��ع للس��لطان‪ ،‬وأتعل��م الكلم��ة التي‬
‫دعان��ي اهلل أن أع��ظ به��ا‪ .‬كان اهلل يعدّ ن��ي للوعد الذي لي‬
‫وكان يعرف أن وقت اإلعداد ال ميكن اختصاره‪.‬‬
‫عندم��ا يك��ون لدين��ا وعد م��ن اهلل �أو حلم و�ض��عه يف‬
‫قلوبنا‪ ،‬ي�شبه هذا الأمر «احلمل» مبا قاله اهلل‪.‬‬
‫عندم��ا يك��ون لدين��ا وع��د م��ن اهلل أو حل��م وضعه في‬
‫قلوبن��ا‪ ،‬يش��به هذا األمر «احلمل» مبا قال��ه اهلل‪ .‬لقد زرع اهلل‬
‫بذرة بداخلنا‪ ،‬ويجب أن جنتاز في مرحلة إعداد‪ .‬هذه الفترة‬
‫جتهزنا أن نتعامل مع األمور التي وعدنا اهلل أن يعطينا إياها أو‬
‫أول تزرع‬‫كثيرا والدة الطفل‪ .‬اً‬ ‫يفعلها لنا‪ .‬وهذا األمر يشبه ً‬
‫وأخيرا‬
‫ً‬ ‫الب��ذرة في الرحم‪ ،‬ثم تأتي تس��عة ش��هور االنتظار‪،‬‬
‫يولد الطفل‪ .‬أثناء التسعة شهور يحدث الكثير‪،‬حيث تنمو‬
‫اس��تعدادا‬
‫ً‬ ‫البذرة وتنضج‪ .‬ومير جس��م األم بتغيرات كثيرة‬
‫لل��والدة‪ .‬ويق��وم األب��وان بجم��ع األدوات الالزم��ة للعناية‬
‫بالطفل‪ ،‬ويعدان منزلهما لوصول هذا الطفل‪.‬‬
‫ـ ‪ 71‬ـ‬
‫ُ��رى بالعني‬
‫معظ��م ما يح��دث داخ��ل األم املنتظ��رة ال ي َ‬
‫الطبيعية‪ .‬بالطب��ع بطنها املنتفخة تصبح واضحة للجميع‪،‬‬
‫لك��ن الكثي��ر م��ن التط��ورات الهام��ة األخ��رى التي حتدث‬
‫بداخله��ا ال ميك��ن ألح��د أن يراها‪ .‬وهناك عملية مش��ابهة‬
‫روحيا فيما يتعلق مبواعيد اهلل لنا‪ ،‬فحقيقة أننا ال‬
‫ً‬ ‫حت��دث لنا‬
‫اً‬
‫منشغل‬ ‫نستطيع أن نرى أي شيء يحدث ال يعني أن اهلل ليس‬
‫بإعدادن��ا لقبول ما يريد أن يعطينا إياه‪ .‬إن اهلل يصنع أعظم‬
‫أعماله في اخلفاء‪ ،‬وهو يسر بأن يفاجئ أوالده‪.‬‬
‫أريد أن أش��جعك اليوم أن تراقب «غي��وم التأكيد» في‬
‫صبورا‪ ،‬وابق‬
‫ً‬ ‫حياتك‪ .‬أ ًيا كان ما تنتظره ال تستس��لم‪ .‬كن‬
‫أمينً��ا‪ ،‬وعندما تش��عر أن��ك ال ميكنك أن تنتظ��ر أكثر من‬
‫جدا‪ ،‬لكن اهلل‬
‫ذلك‪ ،‬ابحث ع��ن غيمة‪ .‬رمبا تكون صغيرة ً‬
‫يريد أن يس��اعدك بها أثناء انتظارك لتحقيق وعوده‪ ،‬التي‬
‫ستتحقق في توقيت اهلل الكامل‪.‬‬

‫توقيت اهلل‪ ،‬منظور اهلل‬


‫أحد أكبر األخطاء التي نرتكبها كمؤمنني هو أننا نفشل‬

‫ـ ‪ 72‬ـ‬
‫نادرا ما يتماش��ى مع توقيتنا‪ .‬نحن‬
‫في تذكر أن توقيت اهلل ً‬
‫نفك��ر ونخط��ط مبقاييس مؤقتة‪ ،‬لك��ن اهلل يفكر ويخطط‬
‫كثيرا‪ ،‬بينما‬
‫مبقاييس أبدية‪ .‬هذا معناه أن «اآلن» يش��غلنا ً‬
‫كثيرا باملدى البعيد‪ .‬نحن نريد ما يس��عدنا اآلن‪،‬‬
‫اهلل يهتم ً‬
‫م��ا ينت��ج نتائ��ج فورية‪ .‬لك��ن اهلل مس��تعد أن يصبر‪ ،‬وهو‬
‫مصمم على أن يستثمر فينا عبر فترة من الزمن لكي ننتج‬
‫نتائج أفضل وأبقى مما نتخيل‪.‬‬
‫كثيرا ما نحاول أن نقنع اهلل أن يعطينا في احلال‬
‫ً‬ ‫ونحن‬
‫ما نريده متا ًما كما يحاول أوالدنا أن يقنعونا أن نعطيهم ما‬
‫يري��دون في احل��ال‪ .‬اهلل يحبنا أكثر مما نحب نحن أوالدنا‪،‬‬
‫جدا لدرج��ة جتعله ال يخضع لتوس�لاتنا‪ .‬فهو‬ ‫وه��و يحبنا ً‬
‫يع��رف أن ما يولد قبل متام االكتمال س��وف يصارع ألجل‬
‫البقاء على قي��د احلياة‪ .‬لذلك فهو ينتظر إلى الوقت الذي‬
‫يعرف فيه أن كل شيء قد ُأ َعد الستقبال احللم‪.‬‬
‫اهلل يرى ويفهم م��ا ال نراه نحن أو نفهمه‪ .‬وهو يطلب‬
‫منا أن نتخلى عن رغبتنا الطبيعية في اكتشاف ما يجب أن‬
‫يحدث ف��ي حياتنا‪ ،‬ومتى ينبغي أن يح��دث‪ .‬وهو يريدنا‬
‫ـ ‪ 73‬ـ‬
‫أن نق��اوم الرغب��ة في «مس��اعدة» اهلل عل��ى حتقيق مقاصده‬
‫اإللهية بعقولنا البش��رية ومبجهوداتنا اجلس��دية‪ .‬كما أنه‬
‫أيضً��ا يرغب في أن نتوقف عن اإلحباط بس��بب أن األمور‬
‫وبدل من ذلك نس��ترخي ونستمتع‬ ‫ال حتدث وفقً ا خلطتنا‪ .‬اً‬
‫معا بحسب‬ ‫بالرحلة‪ ،‬ونثق فيه أنه يجعل كل ش��يء يعمل ً‬
‫توقيته وحكمة خطته‪.‬‬
‫أبدا أن نختبر اإلشباع واالستمتاع في احلياة‬‫لن ميكننا ً‬
‫بدون الثقة احلقيقية في اهلل‪ .‬سوف نظل نصارع لكي «جنعل‬
‫األمور حت��دث» في الوقت الذي نظ��ن أنها يجب أن حتدث‬
‫في��ه‪ .‬يجب أن نتذكر أن اهلل ليس لديه فقط خطط حلياتنا‪،‬‬
‫أيضا يعرف التوقيت املثالي لكل جانب من جوانب‬ ‫لكن��ه ً‬
‫كثي��را ما نخفق ف��ي إدراك أن اخلروج خارج‬
‫ً‬ ‫ه��ذه اخلطط‪.‬‬
‫توقيت اهلل هو خروج خارج إرادته‪ ،‬وأن محاربة توقيت اهلل‬
‫ومقاومته مياثل محاربة إرادة اهلل حلياتنا ومقاومتها‪.‬‬
‫يج��ب �أن نتذك��ر �أن اهلل لي���س لدي��ه فق��ط خط��ط‬
‫أي�ضا يعرف التوقيت املثايل لكل جانب‬‫حلياتنا‪ ،‬لكنه � ً‬
‫من جوانب هذه اخلطط‪.‬‬
‫ـ ‪ 74‬ـ‬
‫(مزم��ور ‪ )15 :31‬يؤكد لن��ا أن أوقاتنا في يدي اهلل‪،‬‬
‫كثيرا ما ال نراها لكي يخرج منها أكبر‬‫ً‬ ‫فهو يعمل بط��رق‬
‫ف��رح ممكن‪ .‬وهو ي��رى الصورة األكبر حلياتن��ا منذ البداية‬
‫إل��ى النهاية‪ ،‬وهو يعرف ما الب��د أن يحدث‪ ،‬ومتى يجب‬
‫أن يح��دث‪ .‬نح��ن فقط نحتاج أن نثق في��ه‪ ،‬وأن نتذكر أن‬
‫أفكاره أعلى بكثير من أفكارنا‪ ،‬وأن توقيته كامل‪.‬‬
‫إذا كن��ت في حالة انتظار لتحقيق حلم أو خطة وضعها‬
‫اهلل ف��ي قلبك‪ ،‬فتش��جع‪ .‬اهلل يعمل في األم��ر‪ ،‬وهو يجهز‬
‫األمر لك ويجهزك له‪ .‬فقط اجلس (ادخل إلى راحة اهلل)‪،‬‬
‫وعندما يأتي الوقت احملدد سوف ينادي اهلل على اسمك‪.‬‬
‫انظر للغد بفرح‬
‫«كل غد له طرفان‪� .‬إما �أن من�سك به من طرف القلق‪،‬‬
‫�أو من طرف الإميان»‬
‫هنري وارد بيتشر‬
‫على مر السنوات في اخلدمة‪ ،‬وجدت أن الناس ينظرون‬
‫إلى املس��تقبل من أحد جانبني‪ .‬إما أن يتطلعوا إليه بحماس‬
‫وثقة‪ ،‬أو بالهم والش��ك واخلوف‪ .‬بعض الطرق التي يفكر‬
‫ـ ‪ 75‬ـ‬
‫الناس بها في األيام القادمة لها عالقة بشخصياتهم‪ .‬فهناك‬
‫بعض األش��خاص متفائلون بطبيعته��م أكثر من اآلخرين‪،‬‬
‫لك��ن بغض النظر عن ش��خصياتنا‪ ،‬يجب أن نكتش��ف ما‬
‫يقوله اهلل عن املستقبل ونتفق معه‪ ،‬حتى إذا كان ذلك يعني‬
‫أننا يجب أن نتغلب على ميولنا الشخصية الطبيعية‪.‬‬
‫إحدى اآليات التي تعبر بوضوح عن نظرة اهلل للمستقبل‬
‫ه��ي ف��ي (إرمي��ا ‪« )11 :29‬لأين عرفت الأف��كار التي‬
‫�أن��ا مفتكر به��ا عنكم‪ ،‬يقول الرب‪� ،‬أفكار �س�لام ال �ش��ر‪،‬‬
‫لأعطيك��م �آخ��رة ورجاء»‪ .‬هذه دع��وة واضحة من اهلل لنا‬
‫أن ننتظر الغد بفرح‪ .‬ليس علينا أن نخاف من أي شيء ألن‬
‫أفكار اهلل وخططه هي أفكار خير ال ش��ر‪ ،‬وكل ما عنده لنا‬
‫هو خير وهو مصمم على أن يعطينا رجاء للمستقبل‪.‬‬
‫عندم��ا تواجهنا مش��كلة اليوم‪ ،‬ف��إن التطلع إل��ى األمور‬
‫الصاحلة في املس��تقبل يساعدنا أن نستمتع باليوم حتى وسط‬
‫املشكالت التي يجب أن نتعامل معها‪ .‬الكتاب املقدس يقول‪:‬‬
‫«الرج��اء املماط��ل مير�ض القلب» (أمث��ال ‪ .)12 :13‬لذا‬
‫استمر في الرجاء‪ ،‬واتفق مع ما يقوله اهلل عن مستقبلك‪.‬‬
‫ـ ‪ 76‬ـ‬
‫�شيء مميز‬
‫إرميا النبي الذي تكلم اهلل إليه بهذه الكلمات عن أفكار‬
‫مميزا‬
‫مدعوا ليفعل شي ًئا ً‬
‫ً‬ ‫السالم والرجاء في املستقبل‪ ،‬كان‬
‫هلل‪ .‬وكان يع��رف ه��ذا ألن اهلل قال له‪« :‬قبلما �ص��ورتك يف‬
‫البطن عرفتك (كأداة مختارة لي)‪ ،‬وقبلما خرجت من‬
‫الرحم قد�ستك‪ .‬جعلتك نب ًيا لل�شعوب» (إرميا ‪.)5 :1‬‬
‫وكم��ا �أن اهلل كان لديه خطة عظيمة لإرميا من قبل‬
‫�أن يول��د‪ ،‬ف�إن لديه � ً‬
‫أي�ض��ا خط��ة عظيمة حلياتك من‬
‫قبل �أن يدخل �أنفك �أول نف�س‪.‬‬
‫وكم��ا أن اهلل كان لدي��ه خطة عظيمة إلرمي��ا من قبل أن‬
‫أيضا خطة عظيمة حلياتك من قبل أن يدخل‬ ‫يولد‪ ،‬فإن لديه ً‬
‫أنفك أول نفس‪ .‬اهلل لم ينتظر حتى تولد أو حتى يرى شكلك‬
‫أو حت��ى تبدأ في اكتس��اب مهارات وقدرات لك��ي يقرر إذا‬
‫كنت ستس��تمتع بحيات��ك أم ال‪ .‬هناك س��بب لوجودك هنا‬
‫عل��ى األرض‪ .‬أنت لم تولد فقط لتمأل فراغً ا معي ًنا‪ .‬لقد قال‬
‫اهلل إن��ه قد دع��ا إرميا قبل حتى أن يول��د‪ ،‬وأنا أؤمن أن هناك‬
‫شي ًئا ما‪ ،‬أو رمبا عدة أشياء‪ ،‬في خطة اهلل لكل منا‪.‬‬
‫ـ ‪ 77‬ـ‬
‫وبدل من الشعور بالهم عندما ال تعرف بالضبط ما هي‬ ‫اً‬
‫هذه األش��ياء‪ ،‬ملاذا ال تتحمس من فكرة أنه أ ًيا كانت هذه‬
‫األمور فإنها أمور صاحلة‪ .‬إن اكتشاف هدفنا في احلياة ليس‬
‫دائما‪ .‬أحيا ًنا يجب علينا أن جنرب بعض األشياء‬
‫سهل ً‬ ‫أمرا اً‬
‫ً‬
‫لكي نكتشف ما يناسبنا‪ .‬إننا شركاء مع اهلل‪ ،‬وهو يسمح‬
‫لنا أن نس��اعده في عملية إتخاذ القرار‪ .‬ما الذي جتيده؟ ما‬
‫كثيرا ما تنير‬
‫الذي يش��غل اهتمامك؟ ما هي رغبة قلبك؟ ً‬
‫هذه األش��ياء الطريق نحو ما يج��ب أن نفعله‪ .‬كما يجب‬
‫أيضً��ا أن ندرك أننا قد ال نفعل الش��يء ذاته طوال حياتنا‪.‬‬
‫إن حياتنا فيها فترات تخص أش��ياء معينة‪ ،‬وفترات أخرى‬
‫تخص أشياء أخرى‪.‬‬
‫ظلت ابنتي في اخلدمة ملدة ثالث عش��رة س��نة‪ ،‬لكنها‬
‫اآلن أم ورب��ة من��زل‪ .‬وعندما يكبر أوالدها أن��ا واثقة أنها‬
‫كثيرا بش��أن ما‬
‫ً‬ ‫س��تفعل ش��ي ًئا آخر‪ .‬بعض الناس يقلقون‬
‫يفت��رض بهم أن يفعلوه‪ ،‬فينتهي به��م احلال إلى عدم فعل‬
‫أي شيء سوى البقاء في حيرة‪.‬‬
‫أن��ا أؤمن بش��دة أن مهمة اهلل هي أن ُيظهِ ��ر لنا إذا كان‬
‫ـ ‪ 78‬ـ‬
‫لدي��ه أمر مح��دد يريدنا أن نفعل��ه‪ .‬وإذا لم يظه��ر لنا أي‬
‫ثمارا صاحل��ة ونزهر في‬
‫ش��يء‪ ،‬فعلين��ا أن نعيش وجنل��ب ً‬
‫امل��كان الذي زرعنا فيه ونس��تمتع بكل يوم منحنا إياه‪ .‬أنا‬
‫أريدك حقً ا أن تفهم وتصدق حقيقة‪ :‬أن اهلل لديه مس��تقبل‬
‫عظيم لك‪ ،‬ولديه خطة رائعة حلياتك تفوق كل تخيالتك‪،‬‬
‫ألنه ببساطة يحبك ـ وقد كانت هذه اخلطة في قلبه من قبل‬
‫حتى أن تولد‪.‬‬
‫�أن��ا �أري��دك حقًا �أن تفهم وت�ص��دق حقيق��ة‪� :‬أن اهلل‬
‫لديه م�ستقبل عظيم لك‪.‬‬
‫أيضا يعرف ذلك‪،‬‬
‫كان إرمي��ا يعرف ذل��ك وكان داود ً‬
‫مخاطبا اهلل‪:‬‬
‫ً‬ ‫وكتب هذه الكلمات‬
‫كليتي‪ .‬ن�سجتني يف بطن �أمي‪....‬‬
‫ّ‬ ‫«لأنك �أنت اقتنيت‬
‫مل تخت��ف عن��ك عظام��ي حينم��ا �ص��نعت يف اخلف��اء‪،‬‬
‫و ُرقِ م��ت (مثل التطريز بألوان كثيرة) يف �أعماق الأر�ض‪.‬‬
‫ر�أت عيناك �أع�ضائي‪ ،‬ويف �سفرك كلها (كل أيام حياتي)‬
‫كتب��ت ي��وم ت�ص��ورت‪� ،‬إذ مل يك��ن واحد منه��ا»‪( .‬مزمور‬
‫‪15 ، 13 :139‬ـ ‪.)16‬‬
‫ـ ‪ 79‬ـ‬
‫أدع��وك اليوم أن تصدق م��ا يقوله اهلل على حياتك‪ .‬إذا‬
‫كنت قد شككت من قبل أن اهلل لديه خطة صاحلة حلياتك‪،‬‬
‫فق��د آن األوان لتغي��ر فك��رك‪ .‬وأن��ا أؤك��د ل��ك أن هناك‬
‫عظيما في انتظارك‪ .‬كل ما عليك هو أن تصدق‬ ‫ً‬ ‫اً‬
‫مس��تقبل‬
‫هذا وتتوقعه‪ .‬كتب عاموس النبي في الكتاب املقدس اً‬
‫قائل‬
‫معا إال إذا اتفقا (انظر عاموس‬
‫إنه ال ميكن أن يس��ير اثنان ً‬
‫‪ .)3 :3‬اهلل لديه خطة صاحلة حلياتك‪ ،‬لكنك البد أن تتفق‬
‫مع��ه إذا كنت تريد أن تختبرها‪ .‬ابدأ في أن تفكر وتقول‪:‬‬
‫«اهلل لدي��ه خطة يل‪ ،‬و�أنا �أ�ش��عر باحلما�س اليوم‪ ،‬لي�س‬
‫ذلك فقط‪ ،‬لكنني �أتطلع �إىل الغد � ً‬
‫أي�ضا»‪.‬‬

‫مت�سك بالدعوة‬
‫بالرغ��م م��ن أن اهلل حتدث إلى إرميا بوض��وح وأخبره ما‬
‫هي دعوته‪ ،‬إال أن إرميا لم يقابل الدعوة بحماس‪ .‬اً‬
‫وبدل من‬
‫ذلك قال‪�« :‬آه يا �س��يد الرب �إين ال �أعرف �أن �أتكلم لأين‬
‫نبيا‬
‫ول��د» (إرمي��ا ‪ .)6 :1‬لقد قال اهلل إلرميا أنه س��يكون ً‬
‫جدا»‪.‬‬
‫للشعوب‪ ،‬وأجاب إرميا «ال‪ ،‬ال ميكن أنا صغير ً‬

‫ـ ‪ 80‬ـ‬
‫اهلل ل��م يوافق على إجابة إرمي��ا‪ ،‬فقال له‪« :‬ال تقل �إين‬
‫ولد‪ ،‬لأنك �إىل كل من �أر�سلك �إليه تذهب وتتكلم بكل ما‬
‫�آم��رك به‪ .‬ال تخف من وجوههم لأين �أنا معك لأنقذك‬
‫يقول الرب» (ع ‪.)8 ، 7‬‬
‫وأنا أتس��اءل كم مرة قال اهلل لشخص ما عن قصد رائع‬
‫لديه لهذا الش��خص‪ ،‬وس��مع الرب اإلجابة «ال يا رب‪ .‬ال‬
‫ميكنن��ي أن أفعل ذلك»‪ .‬هذه اإلجاب��ة حقيقية من ناحية‬
‫أن��ه ال يوج��د فين��ا من يس��تطيع أن يفعل أي ش��يء بقوته‬
‫الذاتية (انظر يوحن��ا ‪ ،)5 :15‬وبالذات حتقيق دعوة اهلل‬
‫أيضا يعطينا‬
‫حلياتن��ا‪ .‬لكن عندما يعطينا اهلل مهم��ة‪ ،‬فهو ً‬
‫النعمة والقوة التي س��نحتاجها إلمت��ام هذه املهمة‪ .‬وهو ال‬
‫يتوقع منا أن نفع��ل ذلك مبفردنا‪ .‬لذلك عندما نرد عليه‪،‬‬
‫اً‬
‫فب��دل من أن نعترض ونقول له ال‪ ،‬يجب أن نقول «حس�� ًنا‬
‫يا رب‪ .‬هذه مهمة كبيرة‪ ،‬لكنك إله كبير‪ ،‬وأنا أعلم أنني‬
‫ميكنني أن أفعل أي شيء مبعونتك»‪.‬‬
‫عندما يعطين��ا اهلل مهمة‪ ،‬فهو � ً‬
‫أي�ض��ا يعطينا النعمة‬
‫والقوة التي �سنحتاجها لإمتام هذه املهمة‪.‬‬
‫ـ ‪ 81‬ـ‬
‫اهلل يرتب لنجاحنا‬
‫كانت مش��كلة إرميا الكبرى عندم��ا واجهته دعوة اهلل‬
‫على حياته هي أنه كان يركز على نفس��ه‪ .‬كان كل ش��يء‬
‫متعلقً��ا به هو‪« :‬ال ميكنن��ي أن ألبي هذه الدعوة يا رب‪ .‬أنا‬
‫جدا»‪ .‬عندما نركز على أنفس��نا‪ ،‬لن تكون لنا ثقة‬ ‫صغير ً‬
‫أبدا‪ .‬لكن عندما نركز على اهلل ـ على‬
‫ف��ي تتميم دعوة اهلل ً‬
‫قوت��ه وقدراته وحكمته ـ ندرك أننا ميكن أن نفعل ما يطلبه‬
‫منا أ ًيا كان‪.‬‬
‫ف��ي قصة إرميا حتدث اهلل إليه مرة أخ��رى اً‬
‫قائل‪�« :‬أما �أنت‬
‫فنطق حقويك وق��م وكلمهم بكل ما �آمرك به‪ .‬ال‬ ‫(إرميا) ّ‬
‫ترتع من وجوههم لئال �أريعك �أمامهم» (إرميا ‪.)17 :1‬‬
‫ي��ا إلهــ��ي! كان اهلل يتحـدث إلـى إرمـي��ا بقـوة ويقـول‬
‫في‪ .‬إذا‬
‫«يـ��ا إرميا‪ ،‬إذا أصبحت خائفً��ا فأنت بذلك ال تثق َّ‬
‫كنت تريدني أن أس��اعدك فالبد أن تثق بي‪ .‬إذا س��محت‬
‫خلوف الناس أن يتس��لل إلى قلبك‪ ،‬سوف أتراجع وأدعك‬
‫علي أن أسمح لك بالفشل»‪.‬‬ ‫تنهزم‪ .‬وسيكون َّ‬

‫ـ ‪ 82‬ـ‬
‫كم��ا ترى فق��د كان اهلل يخطط لنج��اح إرميا‪ .‬كان قد‬
‫وقادرا على إكمال املهام‬
‫ً‬ ‫رتب بالفعل أن يك��ون إرميا قو ًيا‬
‫املوكلة إليه‪ .‬وكانت وظيفة إرميا أن يرفض أن يخاف‪ ،‬وأن‬
‫يتكلم بشجاعة بالكلمات التي أعطاها اهلل له‪.‬‬
‫واهلل الزال يرت��ب لنجاح ش��عبه اليوم‪ ،‬وهذا يش��ملك‬
‫أيضا‪ .‬ليس عليك أن تنتظر لترى مقدار النجاح الذي‬‫أنت ً‬
‫ميكن أن حتققه بنفس��ك‪ ،‬ليس عليك أن تس��تعطف اهلل أو‬
‫ناجحا‪ .‬إنه ينتظرك أن تضع‬
‫ً‬ ‫أن تتفاوض معه لكي يجعلك‬
‫ثقتك فيه‪ ،‬وأن تؤمن أنه س��يفعل م��ا وعدك به‪ .‬أؤكد لك‬
‫أن اهلل يري��دك أن تتمم قصده حلياتك‪ ،‬وهو مينحك كل ما‬
‫حتتاجه لتتمم خطته‪ ،‬وهو يقول إنك ميكن أن تفعل ذلك‪.‬‬
‫ال يهم ما تشعر به‪ ،‬أو ما هو شكلك‪ ،‬أو ما يظنه أقاربك‪،‬‬
‫أو ما يقوله أي شخص‪ ،‬أو كم املعوقات في طريقك‪ ،‬أو عدد‬
‫املرات التي فشلت فيها في املاضي‪ .‬إذا كان اهلل يقول إنك‬
‫ميكنك أن حتقق ش��ي ًئا عظيمً��ا‪ ،‬إذً ا ميكنك ذلك‪ .‬وأرجوك‬
‫دائما خدمة كبيرة‪ ،‬أو‬
‫عظيما» ال يعني ً‬
‫ً‬ ‫أن تتذكر أن «شي ًئا‬
‫رئاس��ة مؤسسة أعمال‪ ،‬أو امتالك عملك اخلاص‪ .‬لكنه قد‬
‫ـ ‪ 83‬ـ‬
‫أيضا تربية األطفال‪ ،‬أو مساعدة الناس في أي مكان‬
‫يعني ً‬
‫مش��جعا‪ ،‬أو أن تصلي‬
‫ً‬ ‫ش��خصا‬
‫ً‬ ‫تذه��ب إلي��ه‪ ،‬أو أن تكون‬
‫وأمورا كثيرة أخرى تبدو بسيطة‪.‬‬
‫ً‬ ‫لآلخرين‪،‬‬
‫ال يوجد ش��يء مس��تحيل عند اهلل‪ ،‬وأنا دليل حي على‬
‫هذا احلق‪ .‬فمن الناحية الطبيعية ال ميكن المرأة من خلفيتي‬
‫أن تكون في املوضع الذي أنا فيه اليوم‪ .‬لكن مع اهلل‪ ،‬ميكن‬
‫للطفل��ة الصغي��رة التي تعرض��ت لإلس��اءة وأصبحت ربة‬
‫من��زل غاضبة‪ ،‬أن تتغير لتصب��ح واعظة بكلمة اهلل في كل‬
‫أنحاء العالم‪ .‬أنا ال أعتقد أنني ميكنني أن أش��رح بالكامل‬
‫كل اخلط��وات الت��ي كان يجب أن أجتازه��ا‪ ،‬وكل املعارك‬
‫الت��ي كان يجب أن أحارب فيها‪ ،‬وكل أكاذيب العدو التي‬
‫كان يج��ب أن أتغل��ب عليه��ا‪ ،‬وكل املخاوف الش��خصية‬
‫وعدم األم��ان التي كان يجب أن أتعام��ل معها لكي أحتول‬
‫إلى اإلنس��انة التي أنا عليها اآلن‪ .‬لكن ميكنني أن أقول إنه‬
‫أمر يس��تحق اجلهد‪ .‬إن اختب��ار النصرة التي أعدها اهلل لك‬
‫هو أمر يستحق املعركة‪.‬‬
‫لقد ق��ال لي اهلل إنني ميكن أن تك��ون لي خدمة عاملية‪،‬‬
‫ـ ‪ 84‬ـ‬
‫لك��ن األه��م من ذل��ك أنه ق��ال إنني ميك��ن أن أتغي��ر إلى‬
‫صورت��ه‪ .‬ل��م يكن ذلك يبدو ممك ًنا منذ س��نوات‪ ،‬لكن اهلل‬
‫مت��م األمر‪ .‬اهلل ليس عنده محاباة‪ ،‬ويس��تطيع أن يفعل في‬
‫حيات��ك التحول املعجزي الذي فعله في حياتي‪ ،‬إذا طلبت‬
‫منه ذلك وفعلت ما يقودك أن تفعله‪.‬‬
‫حلما �أو يظهر لك ما يريدك‬‫عندما ي�ضع اهلل يف قلبك ً‬
‫�أن تفعل��ه‪� ،‬س��يكون علي��ك �أن تلتزم ب��ه وتثابر فيه‪.‬‬
‫�سيكون عليك �أن تواجه �أمو ًرا يف حياتك من �ش�أنها �أن‬
‫تعوقك عن حتقيق ذلك‪.‬‬
‫حلما أو يظهر لك ما يريدك‬
‫عندم��ا يضع اهلل في قلبك ً‬
‫أن تفعله‪ ،‬سيكون عليك أن تلتزم به وتثابر فيه‪ .‬سيكون‬
‫أمورا في حياتك من شأنها أن تعوقك عن‬
‫عليك أن تواجه ً‬
‫حتقيق ذل��ك‪ .‬لن يكون في اس��تطاعتك أن تتمنى فقط أن‬
‫تختفي هذه األمور‪ ،‬أو أن تطلب من أحد أن يصلي ألجلك‬
‫لكي تختفي‪ .‬الص�لاة رائعة ومهمة‪ ،‬لكن لكي تكون لك‬
‫الق��وة التي حتتاجه��ا للوصول إل��ى مس��تقبلك املعد لك‪،‬‬
‫س��يكون عليك أن تقف وتواجه الع��دو وتغلبه‪ .‬يجب أن‬
‫ـ ‪ 85‬ـ‬
‫تدرك عن خبرة ش��خصية أن «الذي فيكم �أعظم من الذي‬
‫يف الع��امل» (‪ 1‬يوحن��ا ‪ .)4 :4‬إن حلم��ك ومس��تقبلك‬
‫ش��جاعا وتواصل‬
‫ً‬ ‫يس��تحق جهدك‪ ،‬لكن يج��ب أن تكون‬
‫العمل نحوه مبعونة اهلل‪ .‬احذر من االنش��غال الشديد برؤية‬
‫حلم��ك وه��و يتحقق للدرج��ة التي فيها تفش��ل في إدراك‬
‫أن م��ا يفعله اهلل داخلك هو أهم مم��ا يفعله من خاللك‪ .‬إذا‬
‫طلب��ت من اهلل بإخ�لاص أن يغيرك ويش��كلك على صورة‬
‫الرب يسوع املسيح‪ ،‬أؤمن أن بقية ما خططه اهلل لك سوف‬
‫يحدث في الوقت الصحيح‪.‬‬

‫ما اجلديد؟‬
‫ف��ي العهد اجلديد نقرأ عن ش��اب يذكرني بإرميا‪ .‬كان‬
‫اهلل لدي��ه خطة عظيم��ة حلياة تيموثاوس‪ ،‬لكن��ه مثل إرميا‬
‫جدا‬ ‫اس��تجاب باخلوف اً‬
‫ب��دل من اإلمي��ان وظن أن��ه صغير ً‬
‫على فعل ما دعاه اهلل أن يفعله‪ .‬وأنا أعتقد أن كال الش��ابني‬
‫أيضا مع‬
‫ل��م يكونا يصارعان مع صغر الس��ن فقط‪ ،‬وإمن��ا ً‬
‫حقيقة أنهما مدعوان لعمل ش��يء جديد؟ فعندما قال كل‬

‫ـ ‪ 86‬ـ‬
‫أيضا يعني��ان «أنا ال أعرف‬
‫ج��دا» كانا ً‬
‫منهم��ا «أنا صغير ً‬
‫لدي أية خبرة في هذا األمر‪ .‬هذا جديد‬
‫ماذا أفعل‪ .‬ليست َّ‬
‫علي»‪.‬‬
‫متا ًما ّ‬
‫ف��ي رحلتك نحو املس��تقبل الذي أعده اهلل لك س��وف‬
‫تقاب��ل كل أن��واع الف��رص والتحدي��ات‪ .‬فاألي��ام املقبل��ة‬
‫ستكون مليئة باخلبرات اجلديدة‪ ،‬وباألشياء التي لم يسبق‬
‫لك أن فعلتها من قبل‪ .‬رمبا ال تعرف كيف تفعلها‪ ،‬لكنك‬
‫جديدا عليك في وقت‬ ‫ً‬ ‫ستتعلم‪ .‬كل شيء تفعله اليوم كان‬
‫ما‪ ،‬واآلن أصبحت تفعله‪ .‬بالنسبة لي عندما رزقت بطفلي‬
‫األول ل��م أكن أعرف الكثير ع��ن تربية األطفال‪ ،‬لكن اهلل‬
‫س��اعدني أن أرب��ي أربعة أطف��ال‪ ،‬وأنا فخ��ورة للغاية بهم‬
‫جميعا‪ .‬عندما قدمت أول عظة لم أكن أعرف كيف أعظ‪،‬‬ ‫ً‬
‫لكنن��ي اآلن أعرف‪ .‬والش��يء ذاته صحيح بالنس��بة لك‪.‬‬
‫إذا حتلي��ت بالش��جاعة وخطوت نحو األم��ور اجلديدة التي‬
‫تنتظرك‪ ،‬سرعان ما ستصبح هذه األمور سهلة بالنسبة لك‬
‫مستعدا لالنتقال للخبرة اجلديدة التالية‪.‬‬
‫ً‬ ‫وس��تجد نفسك‬
‫إن االس��تمرار في مواجهة حتديات جدي��دة وتنمية قدرات‬
‫ـ ‪ 87‬ـ‬
‫جديدة أمر هام للغاية لنموك ونضوجك‪.‬‬
‫�إن اال�س��تمرار يف مواجه��ة حتدي��ات جديدة وتنمية‬
‫قدرات جديدة �أمر هام للغاية لنموك ون�ضوجك‪.‬‬
‫اإلنسان مييل للغاية إلى اخلوف واالنزعاج من اخلبرات‬
‫اجلدي��دة‪ ،‬فنحن نفكر قائلني «لق��د حان وقت التغيير‪ ،‬أنا‬
‫أحتاج إلى ش��يء جديد» ثم بعد ذلك نتردد في التمس��ك‬
‫وكثيرا ما نقول هلل‪« :‬لقد تعبت‬
‫ً‬ ‫بالشيء اجلديد عندما يأتي‪.‬‬
‫جديدا في‬
‫ً‬ ‫من الش��يء القدمي ذاته‪ .‬هل ميكن أن تفعل شي ًئا‬
‫جديدا نقاومه‬
‫ً‬ ‫حياتي؟»‪ ،‬وعندما يحاول اهلل أن يفعل شي ًئا‬
‫ونتراجع في خوف‪ ،‬ونطلب منه أن يخلصنا!‬
‫�أح��د �أج��زاء النظ��ر للغ��د بف��رح يكم��ن يف النظ��ر‬
‫ب�إيجابية �إىل الفر�ص اجلديدة‪.‬‬
‫لك��ن أحد أج��زاء النظر للغ��د بفرح يكم��ن في النظر‬
‫بإيجابي��ة إل��ى الفرص اجلديدة‪ .‬أثناء س��يرك م��ع اهلل نحو‬
‫املس��تقبل س��وف تس��معه يقول‪« :‬لم تفعل هذا األمر من‬
‫قب��ل‪ ،‬س��وف آخذك إلى م��كان ل��م تذهب إليه م��ن قبل‪.‬‬

‫ـ ‪ 88‬ـ‬
‫س��وف أطلب منك أن تفعل ش��ي ًئا ال تع��رف كيف تفعله‪.‬‬
‫ق��د يكون هذا أعلى اً‬
‫قليل م��ن تفكيرك في الوقت احلالي‪،‬‬
‫لكنني سأساعدك أن تتعلم كيف تفعله»‪.‬‬
‫رمب��ا تكون اآلن على حافة خب��رات جديدة‪ .‬رمبا تكون‬
‫طالبً��ا على بعد خطوات من التخ��رج‪ ،‬وتواجه العديد من‬
‫املجه��والت ف��ي حياة م��ا بعد اجلامع��ة‪ ،‬أو تواج��ه وظيفة‬
‫جديدة‪ .‬رمبا تكون ف��ي مرحلة جتهيز للزواج‪ ،‬أو حتاول أن‬
‫تبدأ في تكوين عائلة‪ .‬رمبا تريد أن تغير مهنتك وتتعلم أن‬
‫تقوم بوظيفة لم تقم بها من قبل‪ .‬أو رمبا تكونني في موقف‬
‫يائس مثل االضطرار للحياة مبفردك بعد أن تركك ش��ريك‬
‫حياتك مع األطفال الصغار‪ ،‬وفجأة أصبح عليك أن تعولي‬
‫أسرتك بينما لم يسبق لك العمل من قبل‪.‬‬
‫الطريق��ة الوحي��دة لن��ا لتجن��ب األش��ياء اجلديدة هي‬
‫أن نبق��ى ممس��كني في ف��خ املاضي‪ ،‬لكن ال يوج��د رجاء أو‬
‫استمتاع في ذلك‪ .‬املستقبل هو كل ما يقع أمامنا‪ ،‬وكل ما‬
‫نتطل��ع إليه‪ ،‬وهو مليء باآلف��اق اجلديدة‪ .‬أؤكد لك أن اهلل‬
‫معك‪ .‬هو سيقودك‪ .‬هو سيقويك‪ .‬هو سيعينك‪.‬‬
‫ـ ‪ 89‬ـ‬
‫رمبا يفاجئك أن تع��رف أنني في هذا الوقت من حياتي‬
‫أمورا جديدة‪،‬‬
‫أصلي بش��دة ألجل االبتكار‪ .‬أريد أن أجرب ً‬
‫وأن تك��ون لي أف��كار جدي��دة‪ ،‬فأواجه حتدي��ات جديدة‪،‬‬
‫وأختبر كل ما ميكنن��ي أن أختبره قبل أن ينتهي زماني هنا‬
‫على األرض‪ .‬لقد حسبت األيام التي عشتها واأليام املتبقية‬
‫لي‪ ،‬وش��عرت برغبة أكثر من أي وقت مضى في أن أتقدم‬
‫في األيام بإجتاه في غاية اإليجابية واحلماس والنشاط‪.‬‬
‫ذكرت من قبل أن يشوع كان هو قائد بني إسرائيل في‬
‫العهد الق��دمي‪ ،‬وكان يعرف ما هي حتديات قيادة الش��عب‬
‫اً‬
‫مس��ئول عن توصيل شعب اهلل إلى‬ ‫إلى ش��يء جديد‪ .‬كان‬
‫األرض اجليدة التي وعده��م اهلل بها‪ ،‬وهو مكان لم يذهبوا‬
‫إلي��ه من قب��ل‪ .‬وقال العرفاء للش��عب «لأنك��م مل تعربوا‬
‫هذا الطريق من قبل» (يش��وع ‪ .)4 :3‬رمبا تش��عر بهذا‬
‫الشعور اآلن‪.‬‬
‫أري��دك أن تالحظ ما قاله يش��وع بعد ذلك‪« :‬تقد�س��وا‬
‫(افرزوا أنفس��كم ألجل غرض خاص مق��دس) لأن الرب‬
‫يعمل غدً ا يف و�س��طكم عجائب»‪ .‬أؤمن أن هذا لك‪ .‬أؤمن‬
‫ـ ‪ 90‬ـ‬
‫مميزا في حيات��ك‪ .‬وأؤمن أنك‬
‫أم��را ً‬
‫أن اهلل يري��د أن يفع��ل ً‬
‫ق��د دعيت ألجل غرض مق��دس ـ غرض كان ف��ي قلب اهلل‬
‫من قب��ل أن تولد‪ .‬أؤمن أن مس��تقبلك مش��رق بوعد اهلل‪،‬‬
‫وأن حضوره س��يكون معك ف��ي كل يوم قادم‪ .‬أؤمن أن اهلل‬
‫سيصنع عجائب في حياتك‪ ،‬بينما تستمر في إتباعه‪.‬‬
‫أمرا ممي��زً ا يف حياتك‪.‬‬
‫�أ�ؤم��ن �أن اهلل يري��د �أن يفعل � ً‬
‫و�أ�ؤم��ن �أن��ك قد دعي��ت لأجل غر�ض مقد���س ـ غر�ض‬
‫كان يف قلب اهلل من قبل �أن تولد‪.‬‬

‫فكرة �أخرية‬
‫في النهاية أريد أن أش��اركك بعبارة قاله��ا «ويليام ألن‬
‫وايت» وهو صحفي أمريك��ي كان يكتب في مطلع القرن‬
‫العش��رين‪ ،‬وق��ال‪« :‬أن��ا ال أخش��ى الغد‪ ،‬ألنني ق��د رأيت‬
‫األمس وأحب اليوم»‪.‬‬
‫أش��جعك أن حتب الي��وم وتس��تمتع به‪ ،‬وأن تس��تفيد‬
‫ب��كل حلظة بأقصى ما ميكن‪ ،‬وأن تتطلع بش��غف وثقة إلى‬
‫املستقبل العظيم الذي يدخره اهلل لك في غدك‪.‬‬
‫ـ ‪ 91‬ـ‬
‫ليس لدينا في احلياة س��وى فرصة واحدة‪ ،‬وهي ش��يء‬
‫ال ميكنن��ا إعادت��ه‪ .‬لذلك يجب أن نح��رص على أن تكون‬
‫«اجلولة األول��ى» عظيمة‪ .‬أؤمن أن اهلل يريدنا أن نس��تمتع‬
‫ب��كل ما نفعل��ه‪ ،‬وأن نختبر الس��عادة احلقيقية‪ ،‬وأؤمن أن‬
‫ه��ذا ممكن مبعون��ة اهلل‪ .‬وقد حاولت أن أش��اركك باملبادئ‬
‫الت��ي علمني اهلل إياها خالل رحلتي نحو تعلم االس��تمتاع‬
‫مبا أنا فيه‪ ،‬وأنا في طريقي نحو املوضع الذي س��أصل إليه‪.‬‬
‫تذك��ر أن الق��راءة وحدها ل��ن تغير ظروف��ك‪ ،‬إذ يجب أن‬
‫تتصرف طبقً ا ملا تعلمته حتى حتصل على النتائج املرجوة‪.‬‬
‫التعلي��م هو اخلط��وة األولى نحو التغيير‪ ،‬لك��ن الفعل هو‬
‫اخلطوة الثانية ـ ولن يحدث شيء بدونه‪.‬‬
‫بكل قلبي أريد أن يس��تمتع ش��عب اهلل مب��ا مات الرب‬
‫يس��وع ليقدم��ه لنا‪ .‬ليس��ت إرادة اهلل أننا بال��كاد نعيش‪،‬‬
‫لكنه يريدنا أن نعيش بفرح وتوقع‪ .‬وهو يريدنا أن نختبر‬
‫الس��عادة احلقيقية‪ ،‬والسر بسيط‪ :‬استمتع باليوم‪ ،‬وتوقع‬
‫الغد بحماس ورجاء‪.‬‬
‫هذه هي احلياة باإلميان‪ .‬إنها نتيجة اإلتكال على اهلل في‬
‫ـ ‪ 92‬ـ‬
‫كل شيء‪ ،‬والثقة أنه ميسك باحلاضر واملستقبل‪ .‬أشجعك‬
‫أن تبدأ في احلياة يو ًما بيوم‪ ،‬واس��أل نفس��ك ماذا ميكن أن‬
‫تفعل لتستفيد من كل يوم بأقصى ما ميكن؟ إن االستمتاع‬
‫باحلياة ال يعن��ي الترفيه املتواصل‪ ،‬لكنه يعني االس��تمتاع‬
‫ب��كل أمر صغير وكل جانب من جوانب اليوم‪ ،‬ألننا قررنا‬
‫عن وعي أن نفعل ذلك‪.‬‬
‫لقد اخترت أن أس��تمتع مبا هو عادي‪ .‬أي شخص ميكن‬
‫أن يس��تمتع بلحظ��ات القم��ة في احلي��اة ـ تل��ك األوقات‬
‫اخلاصة التي تبدو فيها كل األش��ياء ممتازة‪ ،‬لكن الناضجني‬
‫فق��ط ه��م الذين يس��تمتعون مبا هو عادي‪ .‬كت��ب أوزوالد‬
‫تش��امبرز ف��ي كتابه «أقصى ما عندي ملج��د العلي» يقول‪:‬‬
‫دائما حلظاته املدهش��ة‪ ،‬بل َت َع َّلم‬
‫«ال تنتظ��ر أن يعطيك اهلل ً‬
‫أن حتيا باستمرار في مجال املثابرة بقوة اهلل»‪.‬‬
‫غريبا بعض الش��يء‪ ،‬لكنن��ي أحب أن‬
‫رمب��ا يبدو ه��ذا ً‬
‫أعي��ش احلي��اة العادية كما ل��و كنت أحضر حفل��ة رائعة‪.‬‬
‫فالي��وم هو الي��وم الذي صنعه الرب (انظ��ر مزمور ‪:118‬‬
‫‪ .)24‬إنه��ا حفلته وهو يدعون��ا أن نحضر‪ ،‬لذلك ملاذا ال‬
‫ـ ‪ 93‬ـ‬
‫نستمتع بكل حلظة في يومنا أثناء تطلعنا بتوقع نحو اليوم‬
‫الذي أعده للغد؟‬
‫أبدا «كيف يحدث هذا؟!» فهو ال تفاجئه‬ ‫اهلل ال يق��ول ً‬
‫أب��دا‪ ،‬وال يجد نفس��ه في حي��رة ال يعرف كيف‬ ‫املواق��ف ً‬
‫يتص��رف‪ ،‬لذل��ك ابدأ ف��ي احلي��اة بالطريقة الت��ي يريدك‬
‫الرب يس��وع أن تعيش��ها‪ .‬وأمتنى أن تفيض السعادة التي‬
‫ستكتش��فها من��ك إلى كل من ه��م حولك ـ وف��ي النهاية‬
‫يصبح العالم كله أفضل مما هو عليه‪.‬‬

‫ـ ‪ 94‬ـ‬
LET GOD LEAD

Joyce Meyer www.joycemeyerme.org

You might also like