You are on page 1of 7

‫ثقافة إدارة اخلطأ البشري يف العمل املؤسسي (‪)1‬‬

‫نشر في جريدة أخبار الخليج بتاريخ ‪ 12‬مارس ‪2023‬‬

‫بقلم‪ :‬الدكتور زكريا الخنجي‬

‫أن يخطئ اإلنسان فهذا أمر طبيعي‪ ،‬فاإلنسان والخطأ غير المتعمد‬
‫صنوان‪ ،‬لذلك فإنه من الذكاء اإلداري في العمل المؤسسي أن نفهم أبعاد‬
‫وسيكولوجية الخطأ حتى وإن قمنا بالتصدي للخطأ أن يكون تصدينا له‬
‫عالجًا إداريًا علميًا موضوعيًا‪.‬‬

‫والخطأ في لسان العرب يعني‪ :‬أن "يذنب على غير عمد"‪ ،‬أما إداريًا فإنه‬
‫أن يَقصُد الموظف األمر فيصيب غيره‪ ،‬بسبب نقصٍ في إجراءٍ أو طريقةٍ‬
‫أو علم‪ ،‬فيؤثر ذلك في صدق النتائج‪ ،‬أو بسبب عدم اتباع األسلوب أو‬
‫الطريقة الموضوعة‪ .‬ويذهب البعض إلى أن الخطأ في بيئة العمل‬
‫المؤسسي له وجهان‪ ،‬أحدهما متعمد واآلخر غير المتعمد‪ ،‬إال أن كالهما‬
‫يؤثر على كفاءة وفاعلية العمل المؤسسي‪ ،‬وبالتالي فإن الخطأ في بيئة‬
‫العمل يمكن تعريفه على أنه المشكالت التي تصدر عن األفراد في العمل‬
‫نتيجة تصرف أو سلوك خاطئ متعمد كان أو غير متعمد‪ ،‬بما يؤثر على‬
‫فاعليته في أداء المهمة الموكلة إليه‪ ،‬نتيجة ضعف في االنتباه أو تعمد‬
‫أو قلة تأهيل أو ضعف في االتصال من ناحيته أو في المؤسسة ككل‪ ،‬أو‬
‫لقلة وضوح الدور أو المهمة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫أسباب األخطاء في بيئة العمل‬

‫تلخص بعض الدراسات واألدبيات المؤسسية أن هناك ثالث مصادر‬


‫لحدوث األخطاء في بيئة العمل؛ وهي كالتالي‪:‬‬

‫‪ .1‬أخطاء أساسها الدور‪ ،‬وتتمثل في فشل الفرد في إتباع القواعد‬


‫المتعارف عليها أو التعليمات اإللزامية‪،‬‬
‫‪ .2‬وأخطاء أساسها المهارة‪ ،‬وترتبط بحالة فشل الفرد في تنفيذ‬
‫األعمال بشكل جيد أو تطبيق المهارات الصحيحة إلنجازها‪،‬‬
‫‪ .3‬وأخطاء أساسها المعرفة‪ ،‬هي أخطاء ناجمة عن الفشل في حل‬
‫المشاكل كالفشل في التفكير بشكل صحيح والفشل في استعمال‬
‫المعلومات المتوفرة بالشكل المالئم والفشل في اتخاذ القرارات‪،‬‬
‫باإلضافة إلى قلة المعرفة والمعلومة‪.‬‬

‫وتذهب بعض األدبيات األخرى إلى أن أسباب الخطأ في بيئة العمل‬


‫يمكن أن تكون باألسباب التالية‪:‬‬

‫‪ .1‬ضعف األمان النفسي‪ ،‬وقد أشاروا فيه إلى النواحي النفسية للفرد‬
‫من حيث القدرات والشخصية والدافعية واالهتمام وغيرها‪،‬‬
‫‪ .2‬العوامل الجسدية‪ ،‬وتتمثل في االحساس باإلجهاد من عبء‬
‫العمل‪ ،‬أو للطبيعة الجسمية لهم‪ ،‬أو لقلة فترات الراحة والنوم‪،‬‬
‫‪ .3‬والعوامل البيئية‪ ،‬وتمثلت في سوء البيئة الداخلية والخاصة‬
‫بدرجة الحرارة وغيرها‪ ،‬وسوء البيئة الخارجية والمرتبط بالطقس‬
‫والغذاء وغيره‪ ،‬والعوامل المرتبطة باألسرة‪.‬‬

‫وكذلك تُصنف في بعض األحيان إلى‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫‪ .1‬أسباب مرتبطة بالوظيفة‪ ،‬وتتضمن التعليمات الناقصة أو‬
‫الغامضة‪،‬‬
‫‪ .2‬وعبء العمل الزائد وظروف العمل غير المرضية‪،‬‬
‫‪ .3‬ظروف مرتبطة بالفرد‪ ،‬مثل ضعف الكفايات والمهارات‪ ،‬واإلجهاد‪،‬‬
‫والملل وقلة الدافعية أو مشكالت صحية‪،‬‬
‫‪ .4‬وأسباب متعلقة باإلدارة مثل ضعف التخطيط للعمل المؤدي على‬
‫ارتفاع ضغط العمل‪ ،‬وقلة التعامل مع األخطاء السابقة‪ ،‬وضعف‬
‫االتصاالت اإلدارية‪ ،‬وضعف كفاءة التنسيق والمسؤوليات‪.‬‬

‫وباإلضافة إلى ذلك‪ ،‬فإن األدبيات تشير إلى أسباب أخرى وكثيرة‪ ،‬إال إننا‬
‫ال نرغب بالتحدث عنها‪ ،‬فهي جزء من العمل الميداني أكثر من أنها تكتب‬
‫في مقال‪.‬‬

‫ولكن الذي يهمنا هنا‪ ،‬هو تصنيف تلك األخطاء حسب نوعياتها فهي‬
‫التي تهم المسؤول اإلداري القائد‪ ،‬والتي عليه أن يعرفها ويتعرف عليها‬
‫حال وقوعها‪ ،‬ليتمكن من تصنفها تحت أي نوعية بهدف إدارتها‬
‫وتصحيحها‪.‬‬

‫تصنيف األخطاء البشرية‬

‫لقد وجدنا أن األخطاء البشرية تصنف إلى‪:‬‬

‫أخطاء في الفعل أو األداء؛ وتشمل الزالت والهفوات‪ ،‬فأما الزالت فهي‬


‫الفشل في تنفيذ إجراءات المهمة‪ .‬وتوصف بأنها أفعال ليست كما هو‬
‫مخطط لها‪ ،‬مثل‪ :‬تنفيذ إجراء في وقت مبكر جدًا أو تركه بعد فوات األوان‪،‬‬
‫أو حذف خطوة أو سلسلة خطوات من مهمة‪ ،‬أو القيام بعمل بقوة كبيرة‬

‫‪3‬‬
‫جدًا أو قليلة جدًا‪ ،‬كما تتضمن تنفيذ اإلجراء في االتجاه الخاطئ أو القيام‬
‫بالشيء الصحيح‪ ،‬ولكن على الكائن الخطأ أو إجراء فحص خاطئ‪ ،‬ولكن على‬
‫العنصر الصحيح‪ ،‬أما الهفوات فهي مرتبطة بعدم القيام بالعمل نتيجة‬
‫النسيان أو تبدل األدوار في العمل أو التشتيت واالنقطاع عن المهام‪.‬‬

‫أخطاء في التفكير؛ وتتضمن أخطاء مستندة على القواعد وأخطاء مستندة‬


‫على المعرفة‪ ،‬وهذه النوعية من األخطاء األدائي تُعد أكثر تعقيدًا من‬
‫الخطأ البشري حيث يفعل الفرد الشيء الخطأ معتقدًا أنه صحيح‪.‬‬
‫يتضمن فشل العمليات العقلية التي تتحكم في كيفية تخطيط‬
‫وتقييم المعلومات وصنع النوايا والحكم على العواقب‪ .‬أما األخطاء‬
‫المستندة إلى القواعد فتحدث نتيجة اختيار قاعدة خاطئة بسبب تصور‬
‫خاطئ للموقف‪ ،‬أو إغفال في تطبيق القاعدة بسبب اعتماد سلوك الفرد‬
‫على قواعد أو إجراءات مألوفة‪ ،‬حيث يكون لدى األفراد ميل قوي‬
‫الستخدام القواعد أو الحلول المألوفة حتى عندما ال تكون األكثر مالءمة‬
‫أو كفاءة‪ ،‬أما األخطاء المستندة على المعرفة فهي ناتجة عن نقص‬
‫المعرفة أو التطبيق غير الصحيح الناتج عن التشخيص غير الصحيح‬
‫والحسابات غير الدقيقة‪.‬‬

‫أخطاء بسبب عدم اإلذعان؛ وهذه هي االنتهاكات التي تحدث بسبب‬


‫متعمد‪ ،‬وهي التي عادة تحدث بسبب اإلهمال أو عدم الرغبة في العمل أو‬
‫ربما بسبب لمحاولة إحباط العمل‪ ،‬عمومًا فهي محاولة تتسبب في‬
‫فشل المؤسسة‪ ،‬وهذه تحتاج من المسؤول اإلداري القائد وقفة مع‬
‫المخطئ تختلف عن المخطئ بسبب األخطاء السابقة غير المتعمدة‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫درجات الخطأ‬

‫نحن نعلم أنه يصعب التمييز‪ ،‬وتصنيف األخطاء حسب درجة خطورتها‬
‫أو مدى تأثيرها على العمالء أو المؤسسة نفسها‪ ،‬إال أنه – كما نعتقد –‬
‫يجب أن يكون هناك نوع من التصنيف حتى يتمكن المسؤول اإلداري‬
‫القائد من التعامل وإدارة تلك األخطاء‪ ،‬فليس من المعقول أن نعامل‬
‫طبيبًا تسبب في خطأ أدى إلى فقدان حياة إنسان بسبب إهمال أو ال‬
‫مباالة أو موظف أدى توقيعه إلى خسارة المؤسسة وإلزامها بدفع ماليين‬
‫الدنانير لعميل مع شخص أخطأ في أمر تافه أدى إلى انسكاب قهوة على‬
‫طاولة عليها بعض األوراق غير المهمة‪ .‬فالتعامل مع الخطأ وإدارته‬
‫يجب أن يكون حسب درجة خطورة الخطأ ومدى تأثيره على حياة البشر‬
‫أو خسارة المؤسسة‪ .‬ولقد وجدنا أن تصنيف درجات الخطأ تختلف‬
‫حسب األنظمة والقوانين والمراجع والدول وما إلى ذلك‪ ،‬لذلك سنحاول‬
‫أن نأتي ببعضها حسب ما يمكن طرحه‪ ،‬وبصورة عام فهي تقسم كتالي‪:‬‬

‫‪ .1‬الخطأ البسيط‪،‬‬
‫‪ .2‬الخطأ المتوسط الحدة‪،‬‬
‫‪ .3‬الخطأة الجسيم‪،‬‬
‫‪ .4‬الخطأ بالغ الجسامة‪،‬‬
‫‪ .5‬الجسيم استثنائي الجسامة‪.‬‬

‫ويمكن المالحظة في هذا التصنيف أنه ال توجد حدود فاصلة وواضحة‬


‫لمثل هذا التصنيف وهذا الدرجات‪ ،‬لذلك دعونا نتعرف على التصنيف‬
‫اآلخر ربما يكون أكثر وضوحًا‪ ،‬وهو‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫‪ .1‬الخطأ التافه‪ ،‬وهو ذلك النوع الذي يقع بالقدر الطفيف من اإلهمال‬
‫وعدم االنتباه‪ ،‬وهي من أكثر األخطاء التي تحدث بصفة يومية في‬
‫المؤسسات‪ ،‬وهي التي ال تُحدث أي أضرار للغير‪ ،‬مثل‪ :‬تسجيل‬
‫الرقم الشخصي بالخطأ أو توقيع في المكان الخاطئ وما إلى ذلك‪.‬‬
‫‪ .2‬الخطأ المركب‪ ،‬وهي من تلك النوعية من األخطاء التي ال يقترفها‬
‫اإلنسان الحريص الذي تتوافر به المسؤولية‪ ،‬إذ إنه – ربما – تترتب‬
‫عليها بعض الضرر على الغير‪ ،‬كالتشخيص الخاطئ للمرض‪ ،‬أو‬
‫وصف دواء ال يصلح للمريض إال أن هذا الدواء ال يؤدي إلى الوفاة‪،‬‬
‫وكذلك تأخير معاملة مواطن أو إهماله عند أخذ المواعيد‪ ،‬وما إلى‬
‫ذلك‪.‬‬
‫‪ .3‬الخطأ الجسيم‪ ،‬وهو الخطأ الذي ال يُغتفر على الرغم من أنه غير‬
‫متعمد أو مقصود‪ ،‬مثل السخرية من مراجع أو الكذب عليه‪ ،‬وهذه‬
‫النوعية من األخطاء ربما يعاقب عليها القانون في بعض الدول‪ ،‬إذ‬
‫أنها ربما تتسبب في بعض األضرار الجسدية أو النفسية‪ ،‬وهذه‬
‫النوعية من األخطاء مثل التي تؤدي إلى حوادث العمل واألخطاء‬
‫الطبية التي تؤدي إلى الوفاة‪.‬‬
‫والخطأ الجسيم – كما تشير بعض القوانين وفي بعض األحيان –‬
‫هو ذلك الخطأ يحدث ويفترض به سوء النية‪ ،‬وفي أحيان أخرى‬
‫اإلهمال أو عدم التبصر‪.‬‬
‫وتشير بعض األنظمة األخرى أن الخطأ الجسيم عبارة عن اإلخالل‬
‫بواجب ثابت محقق وال جدال في شأنه‪ ،‬وفي المقابل اعتبره‬
‫البعض خطأ عاديًا ال يتميز عن غيره في شيء‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫عمومًا‪ ،‬أيًا كان الخطأ وتعريفه أو تصنيفه أو درجته‪ ،‬إال أنه في‬
‫المؤسسات ال ينبغي عندما يحدث الخطأ أن يتم تصنيفه وفقًا لألهواء‬
‫أو وجهات النظر‪ ،‬فالمسؤول – ربما – يجد أن الحدث الذي وقع يمكن أن‬
‫يُعد خطأ جسيمًا‪ ،‬والموظف يعتقد أنه خطأ بسيط يمكن تجاوزه‪ ،‬وهذا‬
‫التفاوت يمكن أن يحدث في أي مكان ويمكن أن يؤدي إلى بلبلة ومشاكل‬
‫تتعدى الخطأ نفسه‪.‬‬

‫لذلك فإنه يجب أن توجد معايير ودساتير ومراجع لكل نوعية من‬
‫األخطاء التي يمكن أن تقع في المؤسسات‪ ،‬سواء كانت حكومية أو‬
‫خاصة أو أهلية‪ .‬فالجميع يخطئ وهذا أمر طبيعي‪ ،‬ولكن من غير الحكمة‬
‫أن نعاقب في كل األخطاء التي تقع‪ ،‬وإنما أوالً أن يكون لدينا دستور‬
‫نعود إليه في حالة وقوع الخطأ ونتحاكم به لتصنيف الخطأ الذي وقع‪،‬‬
‫وثانيًا؛ علينا أن نقوم بوضع منهجية إلدارة األخطاء‪ ،‬والتي تنقسم إلى‬
‫ثالثة مستويات‪ ،‬وهي‪ :‬قبل أن يقع الخطأ‪ ،‬اكتشاف الخطأ‪ ،‬وأخيرًا‪ ،‬إدارة‬
‫الخطأ‪.‬‬

‫وهذا حديث آخر‪.‬‬

‫‪7‬‬

You might also like