Professional Documents
Culture Documents
عن السيدة أم المؤمنين عائشة رضي اهلل عنها عن أن رسول اهلل صلى
اهلل عليه وسلم سِئَل :أيُّ العملِ أحبُّ إلى اهلل ؟ قال( :أدومه وإن قل).
هذا الحديث النبوي الشريف ،وعلى الرغم من كلماته القليلة إال أنه يمكن
أن يُعد منهج حياة متكامالً ،إذ يمكن أن يكون خارطة طريق لمنهجية
يمكن أن يطلق عليها (أن تعيش الحياة بذكاء) ،حسنٌ ولكن كيف ؟
المثال األول ،توفير مبلغ من المال :من خالل تطبيق (الواتساب) طرحتُ
ذات يوم فكرة وهي :كم تستطيع أن تستقطع من راتبك الشهري من
أجل توفير مبلغ من المال ؟ فكانت حوالي %95من اإلجابة تقول :ال يمكن
توفير أي مبلغ من المال في ظل هذه الظروف ،مهما حاولنا.
أتذكر أني قلت بعد ذلك :هل تستطيع أن تستقطع مبلغًا وقدرة (100
فلس) من راتبك بصورة يومية ،فقط ( 100فلس) بصورة يومية ؟ تغيرت
اإلجابات ،فقد أوضح جزء كبير من الحضور أنه يمكن ،ولماذا ال ؟
1
قلت لهم :إذن اسمعوا فكرتي وهي نابعة من (أدومه وقل) ،لو عملت
حسابًا بنكيًا يختلف تمامًا عن حسابك المعتاد ،على أن هذا الحساب
الجديد ال تأخذ معه بطاقة وال أي شيء ،فقط لالدخار والتوفير ،ثم تقوم
كل يوم باستقطاع ( 100فلس) من حسابك المعتاد وتضعه في حسابك
الجديد ،ترى كم ستوفر في الشهر ،فكانت اإلجابة ( 3دينار) ،وفي السنة
( 36دينار) ،على اعتبار أنه ال يمكن أن يُسحب من هذا المبلغ أي فلس
مهما كانت الظروف.
يقول أحد األصدقاء؛ عندما توظف ابني طلبت منه أن يتمتع براتبه
الشهري عدة أشهر ،وبعد ذلك طلبت منه أن يفتح حسابًا بنكيًا جانبًا ،وأن
يستقطع من راتبه مبلغًا وقدره (حسب امكانياته االبن) ويضعه في
حسابه الجانبي ،وبالفعل فعل ذلك ،وعندما رغب في الزواج وتأسيس
حياته لم يحتج إلى قرض من البنك ولم يأخذ مني إال مبلغًا قليالً من
المال ،وذلك بسبب أنه قام بتوفير مبلغ جيد في حسابه.
والجميل أنه بعد الزواج قرر االبن وزوجته أن يكررا الفكرة ،الحمد هلل.
2
فكرة بسيطة ،ومبلغ قليل ،ولكنه مستمر ومستدام ،والنتيجة توفير مبلغ
من المال للضروريات ،كل ذلك من خالل منهج (أن نعيش الحياة بذكاء)
الذي يمكن أن نستشفه من خالل الحديث النبوي الشريف( :أدومه وقل).
المثال الثاني ،صلة الرحم :كثيرون منا يجد أن التواصل مع األهل عملية
ثقيلة ،وتحتاج إلى وقت وجهد وما إلى ذلك ،علمًا إنا نقصد األهل من
الدرجة األولى (األخوة واألخوات ،األخوال والخاالت ،واألعمام والعمات)،
طبعًا باإلضافة إلى أبنائهم ،هؤالء هم األقرب للمرء من ناحية الدم،
فالتواصل معهم يحقق قول تعالى في سورة النساء – اآلية ( 1يَا أَيُّهَا
النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ
مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ
اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا).
ليس ذلك فحسب وإنما وجدنا أن كثيرًا من األسر يحدث فيها خالف بين
طرفين أو عدة أطراف وتتوسع دائرة الخالف ،لتنتقل إلى الجيل الثاني
والثالث ربما على أسباب تافه ،فتتقطع أواصر القربى والمحبة ،وخاصة
بعد وفاة الوالدين ،فتجد أن األخ يقاطع شقيقته أو شقيقه لسنوات
3
وسنوات ،وال يعرف أبناءهما وربما حتى ال يعرف ما الظروف والمشاكل
التي تعاني منها أخته.
كل تلك األمور تقلل من حدة الخالفات ،فتعود المياه إلى مجاريها مع
الوقت وال تحدث مشاكل.
(أن تعيش الحياة بذكاء) مع أخوتك وأهلك ال تحتاج إلى الكثير من الجهد
وخاصة في زمن التواصل االجتماعي ،كل الذي عليك أن تفكر في الحديث
4
النبوي الشريف (أدومه وإن قل) ،حتى لو كان االتصال بسيطًا وقليالً إال
أنه من المفترض أال ينقطع مهما كانت الظروف.
المثال الثالث ،القراءة :نحن أمة اقرأ ،وعلى الرغم من ذلك فنحن ال نقرأ.
وربما في عدة دورات التي أقدمها سألتُ نفس السؤال ،وعادة تكون
اإلجابات مبهمة ،أو غير محددة ،أو ترى الرؤوس قد انتكست خجالً ألن
الكثير من الحضور ال يقرؤون ،فأصبح الكتاب جسمًا غريبًا في المنازل
وفي حياة اإلنسان ،لألسف فإن الحقيقة تقول إننا شعوب ال تقرأ الكتب،
وإنما نقرأ الواتساب واالنستجرام وما إلى ذلك.
5
كتاب في أوروبا ،وينشر العالم العربي 1650كتابًا سنويًا ،في وقت تنشر
فيه الواليات المتحدة 85ألف كتاب سنويًا.
ولكن يمكننا أن نحسن هذه الصورة بمنهجية (أن نعيش الحياة بذكاء)،
فكل الذي علينا أن نعلم أطفالنا أن يقرأوا الكتب ،لنبدأ ببعض الكتب التي
تساعدهم على التلوين أو توصيل الكلمات أو تعريف الحيوانات وما إلى
ذلك ،ومن ثم ننتقل إلى الكتب المصورة ،وننتقل من نوعية معينة من
الكتب إلى نوعيات أخرى ،المهم أن ننشئ بينهم والكتاب عالقة حب،
حينئذ تتطور األمور بينهما حتى يصبح الكتاب جزءًا مهمًا من حياة
الطفل ال يمكن أن يستغني عنه ،ولكن من المهم أن يجلس أحد أولياء
األمور وليس الخادمة مع الطفل ،يتحدث معه ،ويقرأ الكتاب معه،
ويكتب معه وما إلى ذلك.
وكذلك يجب أال نكثر الجرعة على الطفل ،ربما نصف ساعة في اليوم
فقط( ،أدومه وإن قل) ،ولكن يجب االستمرار واالستدامة لغرس فكرة
القراءة في عقل الطفل ،بعد ذلك سيصبح طفلنا قارئًا.
6