You are on page 1of 7

‫صفحات من أوراق جدي الصفراء ‪ ..

‬بني التنظيم والعشوائية‬


‫نشر في جريدة أخبار الخليج بتاريخ ‪ 13‬أغسطس ‪2023‬‬

‫بقلم‪ :‬الدكتور زكريا الخنجي‬

‫يروي جدي في أوراقه الصفراء هذه الحكاية ‪ ..‬فيقول‪:‬‬

‫أنه كان هناك حقل جميل وفيه وفرة من الغذاء‪ ،‬وخاصة في فصل الربيع‬
‫والصيف والخريف‪ ،‬إال أن هذه الوفرة تختفي أو تكاد تختفي في فصل‬
‫الشتاء‪ ،‬لذلك كانت أسراب النمل تخرج من مساكنها خالل فصول السنة‬
‫ذات الوفرة الغذائية لتجمع ما يمكن أن تجمعه من الغذاء وتخزنه لفصل‬
‫الشتاء‪.‬‬

‫كانت أسراب النمل تخرج قبيل إشراقة أضواء الشمس‪ ،‬وتعمل بكل جهد‬
‫واجتهاد‪ ،‬ومن غير ملل وكلل‪ ،‬وكانت تلتقط الحبوب من هنا وهناك‪،‬‬
‫وتصعد جذوع األشجار وتقطع من أوراقها‪ ،‬وتنقل كل ما تلتقطه في‬
‫الحقل إلى مساكنها بعد أن يتم تقطعه بأحجام مناسبة لتخزنه في غرف‬
‫خاصة‪.‬‬

‫وتستمر رحلتها طوال النهار‪ ،‬وفي المساء تعود إلى مسكنها لتستريح‪،‬‬
‫وتستعيد طاقاتها‪ ،‬حتى تعاود عملها في اليوم الثاني‪.‬‬

‫الحظ ذلك واحد من صراصير الحقل الذي كان يعيش بالقرب من مسكن‬
‫النمل‪ ،‬فكان يشاهد تلك األسراب من النمل وهي تعمل بكل جهد‬
‫واجتهاد طوال النهار‪ ،‬وال تأكل إال القليل من الطعام أو مما تجمع خالل‬
‫فترات العمل‪ ،‬ولكنها تعمل باجتهاد من غير أن يكون عليها رقيب‪ .‬وقف‬

‫‪1‬‬
‫الصرصور يراقب فترة طويلة وفي األخير قرر أن يوقف واحدة من النمالت‬
‫ويحاورها ويسألها عن كل هذا الجهد والتعب‪.‬‬

‫وبالفعل في ذات صباح‪ ،‬وقف الصرصور في طريق سرب النمل الذاهب‬


‫إلى الحقل‪ ،‬واعترض السرب وقال لهم‪ :‬أريد أن تخرج واحدة منكم وتقول‬
‫لي ما كل هذا الذي تفعلون ؟ ولماذا تفعلون ذلك ؟‬

‫فخرجت واحدة من النمل وقالت‪ :‬نحن مجتمع النمل‪ ،‬نعمل هكذا بنظام‬
‫وانتظام‪ ،‬وبرامج عمل يومية حتى عندما يأتي الشتاء نستقر في‬
‫مساكننا ونرتاح ونأكل مما تم تجميعه طوال شهور السنة‪.‬‬

‫لم يقتنع الصرصور من هذا الكالم‪ ،‬فقال للنملة‪ :‬أني ال أفهم هذا الكالم‪،‬‬
‫ولكن أريد أن أشاهد بنفسي حقيقة ما تقولين‪.‬‬

‫ففكرت النملة قليالً‪ ،‬ثم قالت‪ :‬تعال معي‪.‬‬

‫فذهب الصرصور مع النملة حتى بلغا قرية النمل‪ ،‬وقبل أن تطأ أرجل‬
‫الصرصور أرض القرية‪ ،‬قالت النملة‪ :‬انتظر هنا حتى أعود إليك‪.‬‬

‫غادرت النملة وذهبت إلى ملكة النمل وشرحت لها كل تفاصيل‬


‫الموضوع‪ ،‬وطلبت منها أن تسمح للصرصور بدخول مساكن النمل حتى‬
‫يشاهد كل ما يرغب بأمه عينيه‪ ،‬فوافقت ملكة النمل على ذلك‪ ،‬ثم‬
‫قامت وسلمت النملة شرابًا لذيذًا من أجل تصغير حجم الصرصور حتى‬
‫يتمكن من الدخول إلى مسكن النمل‪ ،‬ألن حجم الصرصور كبير بالنسبة‬
‫إلى المسكن‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫فدخل الصرصور مع النملة‪ ،‬فقالت النملة‪ :‬يتراوح عدد األفراد مجتمع‬
‫النمل ما بين ‪ 30‬إلى ‪ 80‬ألف نسمة‪ ،‬وربما يزيدون في بعض األحيان‪،‬‬
‫حيث يمكن أن نبلغ حوالي ‪ 100‬ألف نسمة‪.‬‬

‫الصرصور‪ :‬يا إلهي‪ ،‬إن هذا العدد كبير‪.‬‬

‫النملة‪ :‬بالطبع‪ ،‬لذلك تصبح عملية النظام واختيار السكن ونظافته‬


‫واالهتمام به قضية من األولويات الضرورية التي ال غنى عنها‪ ،‬هذا طبعًا‬
‫باإلضافة إلى على توفير الغذاء واالهتمام بالصغار‪.‬‬

‫الصرصور‪ :‬إنها أعمال كثيرة‪.‬‬

‫النملة‪ :‬من أجل أن ينعم أفراد المجتمع باألمن واالستقرار‪.‬‬

‫ألتفت الصرصور إلى مجموعة من النمل يقومون برص بعض المواد‬


‫الطينية فوق بعضها البعض فيكونون الغرف والحجرات‪ ،‬فقال‬
‫الصرصور‪ :‬رائع‪ ،‬حقيقة عمل جميل ومذهل‪ .‬ثم ألتفت الصرصور إلى‬
‫الجهة األخرى فوجد أن عددًا من النمل يقومون بجمع المخلفات‬
‫المتساقطة من عمليات البناء‪.‬‬

‫فقالت النملة‪ :‬هذه المجموعة من الشغاالت مسؤوليتهن ترك المسكن‬


‫نظيفًا دائمًا‪ ،‬فعملهن رفع البقايا والمخلفات األخرى أيًا كانت‪.‬‬

‫وسار الصرصور مع النملة‪ ،‬وشاهد من تحته ومن فوقه أسرابًا كبيرة من‬
‫النمل‪ ،‬كل فرد من المسكن يقوم بعمله بصورة منضبطة وبطريقة‬
‫سلسة ومن غير أي مشاكل‪ ،‬فال يتزاحمون على مكان وال يأخذ أحد دور‬
‫أحد‪ ،‬وإنما كل يعمل حسب أنظمة ثابتة وكأنها راسخة من عشرات‬
‫القرون‪ ،‬استغرب الصرصور من طريقة العمل تلك‪ ،‬والتفت إلى النملة‬

‫‪3‬‬
‫وقال لها‪ :‬إنكم مجتمع مذهل‪ ،‬فكيف تستطيعون القيام بكل هذا‬
‫التنظيم وهذا االنضباط ؟‬

‫ابتسمت النملة وقالت‪ :‬يمكنك أن تسأل الملكة عن ذلك‪ ،‬فهي الوحيدة‬


‫التي يمكنها أن تجيب‪.‬‬

‫فطلب الصرصور زيارة ملكة النمل‪ ،‬فذهبا‪ ،‬وعندما جلس الصرصور مع‬
‫الملكة وطرح السؤال ذاته فقالت الملكة‪ :‬حسنٌ‪ ،‬إن ذلك يتم بفضل‬
‫عوامل كثيرة أهمها‪ ،‬وجود مسارات واضحة ومحددة لتدفق المعلومات‬
‫التي تتم بطريقة تلقائية دون أوامر نظمها تبارك وتعالى‪ ،‬فتقوم أفراد‬
‫من الشغاالت بتوفير معلومات عن البيئة المحيطة‪ ،‬مثل نوعية الغذاء‬
‫وما شابه ذلك‪ ،‬فتنقلها من خالل شفرة خاصة‪ ،‬فمن خالل هذه الشفرات‬
‫تنتقل المعلومات إلى بقية أفراد المسكن الذين يقومون بدورهم‬
‫بتفسير هذه الشفرات إلى عمل‪ ،‬عندئذ يقوم كل فرد بالدور المنوط به‬
‫من غير كلل وال ملل وال تذمر‪.‬‬

‫تواصل الملكة وتقول‪ :‬نحن نجمع الغذاء في زمن الوفرة‪ ،‬ونخزنه بطريقة‬
‫منهجية‪ ،‬وعندما يأتي الشتاء فإننا ال نعمل وإنما نستريح ونتغذى من‬
‫المخزون الموجود لدينا والذي تم جمعه طوال السنة‪ ،‬وأيضًا استهالك‬
‫الغذاء يكون بطريقة منهجية مخططة وال عشوائية فيها‪ ،‬وال يأكل أحد‬
‫من نصيب أحد‪.‬‬

‫خرج الصرصور من مسكن النمل وقال في نفسه‪ :‬إنه شيء خارق للعادة‪،‬‬
‫كل شيء منظم ومخطط له ومرتب‪ ،‬والكل يعمل بنظام وترتيب‪ ،‬فال‬
‫تصادمات وال عشوائية‪ ،‬المسكن كله منظم‪ ،‬وخاصة عندما أقارن كل‬
‫هذا النظام وهذا الترتيب والتخطيط مع مجتمع الصراصير‪ ،‬الذين‬

‫‪4‬‬
‫يعيشون من غير تخطيط وال نظام وال ترتيب‪ ،‬وفي الحقيقة فإنه أصالً‬
‫ال يوجد مجتمع‪.‬‬

‫يقول جدي معقبًا على هذه الحكاية‪ :‬إن المجتمعات – أو المؤسسات – ال‬
‫يمكنها أن تبلغ الرقي والتطور إال من خالل التنظيم والتخطيط‪ ،‬أما‬
‫العشوائيات فإنها ال يمكن أن تبني حضارة‪.‬‬

‫وربما يكون كالم جدي صحيحًا‪ ،‬فالمجتمعات العشوائية تنتشر في‬


‫الكثير من بقاع العالم وفي المدن وعدد من الدول‪ ،‬وخاصة في المناطق‬
‫التي ال تتوفر فيها الضروريات األساسية للحياة‪ ،‬وتعج باالزدحام‬
‫المروري والكثافة السكانية غير المدروسة‪ ،‬وظروف العيش غير الصحية‬
‫وخاصة عندما تتداخل مناطق ورش العمل بالسكن والحياة‪ ،‬وعندما‬
‫تفتح ورش العمل الخاصة بتصليح السيارات التي تستخدم بعض‬
‫المواد الكيميائية لتصليح وتنظيف السيارات بالقرب من المساكن‬
‫والمطاعم‪ ،‬كل هذه تُعد حسب األنظمة العالمية مدنًا عشوائية لم يتم‬
‫التخطيط لها لذلك فهي ليست مدنًا صحية‪ ،‬وبالتالي قد تغدو في يوم‬
‫ما غير مؤهلة للحياة‪.‬‬

‫أما المؤسسات العشوائية‪ ،‬فحدث وال حرج‪ .‬فقد وجدنا أن عددًا من‬
‫المؤسسات تفتقر إلى أبجديات التنظيم داخلي للعمل‪ ،‬فتجد إدارات‬
‫بأكملها تعمل بعشوائية فجة تنعكس سلبًا على جميع األنشطة تلك‬
‫المؤسسة‪.‬‬

‫قال ذات مرة صديق‪ ،‬وهو خبير ومستشار إداري في واحدة من الدول‪" :‬من‬
‫وجهة نظري البداية دائمًا تبدأ من اإلدارة العليا‪ ،‬فعشوائية الفكر يتبعها‬
‫عشوائية القرارات‪ ،‬ومن ثم عشوائية االختيار‪ ،‬ثم عشوائية التنظيم‪،‬‬

‫‪5‬‬
‫والتي يتم ترجمتها بعشوائية في اإلدارة"‪ .‬ثم يواصل ويقول‪" :‬إن‬
‫العشوائية مرض معدٍ وأضراره شديدة وتزيد يومًا بعد يوم حتى ولو‬
‫كان العمل مستمر واإلنتاج موجودًا"‪.‬‬

‫لقد وجدنا أن العشوائية واالبتعاد عن التخطيط المنهجي يقودان‬


‫بصورة تلقائية إلى تخطيط سيئ ناتج عن تفكير غير منظم‪ ،‬وطالما كان‬
‫هناك تخطيط سيئ فالبد أن تجد قرارات متخبطة‪ ،‬وغير مدروسة‪ ،‬وكثير‬
‫من تلك المؤسسات تعمل بنظام الفرد‪ ،‬فهو الذي يفكر‪ ،‬وهو الذي يتخذ‬
‫القرارات مهما كان حجمها‪ ،‬ووجدنا أن كل المحيطين بمتخذ تلك‬
‫القرارات يصفق ويطبل بغض النظر عن جودة تلك القرارات‪ ،‬ونجد كذلك‬
‫أن تلك المؤسسات ال تعمل على وتيرة واحدة‪ ،‬وال تخدم هدفًا واحدًا‪،‬‬
‫وبالتالي فإنها تعمل وفق سلسلة من العمليات تنتهي بمخرجات ذات‬
‫جودة سيئة أو بجودة قليلة على أحسن تقدير‪ .‬وقد يقول قائل إننا نجد‬
‫العديد من النتائج التي تصدر عن تلك المؤسسات‪ ،‬فكيف ذلك ؟‬

‫هذا صحيح‪ ،‬فإن مثل هذه المؤسسات – حتمًا – تعطي نتائج‪ ،‬ولكن إن‬
‫تلك النتائج عادة ما تكون في مرحلة أولية ولن تستمر طويالً‪ ،‬بل هي‬
‫درجات سلم يهبط لألسفل فستجد النتائج تقل والكفاءات تهرب‪ ،‬وذلك‬
‫بسبب إن األمور في مثل تلك المؤسسات ستتحول من السعي إلتمام‬
‫األهداف إلى السعي للتنصل من األخطاء واألهداف‪ ،‬فهذا يرمي التهمة‬
‫على هذا‪ ،‬وهذا يلقي اللوم على اآلخرين‪ ،‬والنتيجة معروفة بيئة عمل‬
‫سيئة‪ ،‬مؤسسة عشوائية‪.‬‬

‫ومن خالل حواراتنا في المؤتمرات والدورات مع العديد من المفكرين من‬


‫الدول العربية‪ ،‬وجدنا أن كثيرًا من المؤسسات العربية تفتقر إلى التنظيم‬

‫‪6‬‬
‫والتخطيط البعيد المدى‪ ،‬فجل تلك المؤسسات تفكر في اإلنجاز والربح‬
‫السريع‪ ،‬بغض النظر عما سيحدث في الغد القريب أو حتى البعيد‪ ،‬فعدد‬
‫من المؤسسات العربية يتحدثون عن التنمية المستدامة في العمل‬
‫المؤسسي‪ ،‬إال أنهم لألسف ال يحققون ذلك على أرض الواقع‪ ،‬لذلك‬
‫فإنهم يستمرون بعض الوقت من عمر الزمن‪ ،‬ولكن حتمًا سيأتي ذلك‬
‫اليوم الذي فيه سيتوقفون‪.‬‬

‫فهل نحن نسير وفق مجتمع النمل أو وفق حياة الصراصير ؟‬

‫‪7‬‬

You might also like

  • 12-03-2024
    12-03-2024
    Document6 pages
    12-03-2024
    api-289991592
    No ratings yet
  • 10-06-2024
    10-06-2024
    Document7 pages
    10-06-2024
    api-289991592
    No ratings yet
  • 14-10-2023
    14-10-2023
    Document3 pages
    14-10-2023
    api-289991592
    No ratings yet
  • 28 04 2024
    28 04 2024
    Document6 pages
    28 04 2024
    api-289991592
    No ratings yet
  • 12-11-2023
    12-11-2023
    Document7 pages
    12-11-2023
    api-289991592
    No ratings yet
  • 17-12-2023
    17-12-2023
    Document7 pages
    17-12-2023
    api-289991592
    No ratings yet
  • 03-03-2024
    03-03-2024
    Document7 pages
    03-03-2024
    api-289991592
    No ratings yet
  • 30 10 2023
    30 10 2023
    Document24 pages
    30 10 2023
    api-289991592
    No ratings yet
  • 27 08 2023
    27 08 2023
    Document7 pages
    27 08 2023
    api-289991592
    No ratings yet
  • 05-11-2023
    05-11-2023
    Document7 pages
    05-11-2023
    api-289991592
    No ratings yet
  • 12-06-2023
    12-06-2023
    Document6 pages
    12-06-2023
    api-289991592
    No ratings yet
  • 09-04-2023
    09-04-2023
    Document7 pages
    09-04-2023
    api-289991592
    No ratings yet
  • 16-04-2023
    16-04-2023
    Document7 pages
    16-04-2023
    api-289991592
    No ratings yet
  • 14-05-2023
    14-05-2023
    Document7 pages
    14-05-2023
    api-289991592
    No ratings yet
  • 03-09-2023
    03-09-2023
    Document7 pages
    03-09-2023
    api-289991592
    No ratings yet
  • 21 05 2023
    21 05 2023
    Document7 pages
    21 05 2023
    api-289991592
    No ratings yet
  • 30 04 2023
    30 04 2023
    Document7 pages
    30 04 2023
    api-289991592
    No ratings yet
  • 05-03-2023
    05-03-2023
    Document6 pages
    05-03-2023
    api-289991592
    No ratings yet
  • 02-04-2023
    02-04-2023
    Document7 pages
    02-04-2023
    api-289991592
    No ratings yet
  • 23 04 2023
    23 04 2023
    Document7 pages
    23 04 2023
    api-289991592
    No ratings yet
  • 19-03-2023
    19-03-2023
    Document7 pages
    19-03-2023
    api-289991592
    No ratings yet
  • 26 03 2023
    26 03 2023
    Document7 pages
    26 03 2023
    api-289991592
    No ratings yet
  • 29 01 2023
    29 01 2023
    Document7 pages
    29 01 2023
    api-289991592
    No ratings yet
  • 19-02-2023
    19-02-2023
    Document8 pages
    19-02-2023
    api-289991592
    No ratings yet
  • 26 02 2023
    26 02 2023
    Document7 pages
    26 02 2023
    api-289991592
    No ratings yet
  • 05-02-2023
    05-02-2023
    Document7 pages
    05-02-2023
    api-289991592
    No ratings yet
  • 12-02-2023
    12-02-2023
    Document8 pages
    12-02-2023
    api-289991592
    No ratings yet
  • 12-03-2023
    12-03-2023
    Document7 pages
    12-03-2023
    api-289991592
    No ratings yet
  • 22 01 2023
    22 01 2023
    Document7 pages
    22 01 2023
    api-289991592
    No ratings yet
  • 52 Fe 71 B 6 B 1 Ee 9 D 68 B 748
    52 Fe 71 B 6 B 1 Ee 9 D 68 B 748
    Document7 pages
    52 Fe 71 B 6 B 1 Ee 9 D 68 B 748
    api-289991592
    No ratings yet