Professional Documents
Culture Documents
27 08 2023
27 08 2023
ولكن استكماالً لكالم األمين العام ،فإنه يوضح أن عواقب هذا االرتفاع
القياسي في درجات الحرارة (واضحة ومأساوية) حيث ستجرف األمطار
الموسمية األطفال وستهرب العائالت من لهيب النيران وسينهار
العمال بسبب الحر الشديد .وأضاف أن هذا الصيف – يقصد صيف عام
( - 2023قاس) بالنسبة ألجزاء شاسعة من أميركا الشمالية وأفريقيا
وأوروبا ،مؤكدًا أنها (كارثة) للكوكب بأسره.
1
ولكن في الحقيقة فإن قضية تغير المناخ ما هي إال قضية واحدة من
قضايا كثيرة كلها تهدد بقاء البشرية واستقرارها في كوكب األرض،
فهناك عدد آخر من القضايا واألزمات تحيط باإلنسان والكرة األرضية،
بعضها أو جلها ذات عالقة باالقتصاد وعدد منها لها عالقة بالبيئة
والصحة والطبيعة ،فلنستعرض بعضًا من ذلك.
ولماذا أصبحنا ننظر إلى عهد الصراع بين الحِلْفَين العسكريين العمالقين،
الناتو ووارسو ،حيث الرؤوس النووية المتقابلة ،وحالة اإلنذار القصوى
واقتراب األصابع من أزرار الرؤوس النووية أحيانًا ،بأنه أكثر أمانًا من هذا
العصر ،الذي اختفى فيه حلف وارسو كليًا ،وانضم معظم أعضائه إلى
حلف الناتو ،وأصبحت فيه القوى الرأسمالية الغربية أقوى عسكريًا
وأغنى اقتصاديًا وأكثر تطورًا علميًا وأسرع لوجستيًا واتصاليًا ؟ بل
أصبحت الوسائل الدبلوماسية والتعاون الدولي هي األساس الذي تقوم
عليه العالقات الدولية ،خصوصًا بعد تجربة الحربين الكونيتين
المدمرتين في القرن الماضي.
2
ربما يُعزى البعض أن السبب يعود إلى طبيعة الصراع ،فهو صراع على
الثروة أكثر منه على األيديولوجية ،وكذلك إلى غياب التفاهم بين القوى
المتصارعة ،وصعوبة االتفاق على القضايا الخالفية ،خصوصًا فيما
يتعلق بالنزاع بين روسيا وأوكرانيا ،فال الروس مستعدون للتراجع عن
تدخلهم في أوكرانيا ،واالعتراف بالهزيمة ولعق الجراح ،وال الغربيون
مستعدون للتساهل في عملية التجاوز على سيادة دولة مستقلة
ديمقراطية ،يعتبرونها ،وتعتبر نفسها ،جزءًا من العالم الغربي.
والحرب في أوكرانيا لم تكن مجرد حرب بين دولتين متجاورتين ،بل ألقت
بظاللها على األوضاع االقتصادية في معظم دول العالم ،إذ إنها
ضاعفت من أسعار الطاقة ،بسبب فرض الدول الغربية عقوبات على
روسيا ،ما انعكس سلبًا على اإلنتاج والنشاطات االقتصادية كافة ،وأدى
إلى ارتفاع معدل التضخم بشكل متسارع ،وأوقفت إمدادات القمح
العالمية ،األمر الذي خلق ،أو من شأنه أن يخلق ،أزمة غذاء عالمية خطيرة،
خصوصً ا وأنها أوقفت تصدير القمح من دولتين رئيسيتين إلنتاج القمح
العالمي ،وهما روسيا وأكرانيا.
وهذا ما دفع كثير من الدول ،بينها الهند مثالً ،وهي منتج كبير للحبوب،
إلى إيقاف صادراتها من الحبوب ،بهدف التالعب في األسعار ،لكن هذا
اإلجراء فاقم األوضاع في البلدان األخرى خصوصًا الفقيرة منها ،التي لم
تعد قادرة على دفع األثمان العالية للقمح والمنتجات الغذائية
األساسية .ولقد قرأنا ما حذَّر به المبعوث األمريكي لألمن الغذائي
العالمي (كاري فاوالر) من أن أزمة الغذاء العالمية لن تختفي قريبًا ،بل قد
3
تستمر لثالث سنوات وتؤثر على العديد من الدول ،خصوصًا في أفريقيا
والشرق األوسط.
وما يزيد األزمة تفاقمًا هو اإلنفاق المتسارع على التسلح في العديد من
دول العالم ،خصوصًا في أوروبا ودول الشرق األوسط ،وبدالً من أن تذهب
األموال إلى مشاريع االستثمار في التطوير والتنمية االقتصادية والبنية
التحتية ،أخذت تتدفق على الجيوش ومصانع األسلحة .ومن الجدير
بالذكر أن البنك الدولي يتوقع أن النمو االقتصادي العالمي سينخفض
بنسبة %2.8هذا العام ،مقارنة بـ %5.7في العام الماضي – الذي تخلله
إغالق شامل لمعظم األنشطة في دول عديدة بسبب جائحة كورونا –
وأنه سيبقى بهذا المستوى خالل عامي 2023و ،2024بينما سينخفض
معدل دخل الفرد في البلدان النامية بنسبة %5هذا العام .هكذا تشير
التقارير.
اقتصاديًا ،فقد دخل العالم في متاهة تضخم وديون ،إذ باتت تشكل
قنبلة يمكن أن تنفجر باقتصاده بين لحظة وأُخرى ،مع استفحال الغالء
وشح السيولة في العديد من الدول حول العالم ألسباب مختلفة .ولكن
هذه ليست المرة األولى التي تُنذر بها المؤشرات بانهيار
محتمل ،فاالقتصاد العالمي مرّ بالعديد من تلك المخاطر االقتصادية
على مر السنين .وربما ما يزال كثير منا يتذكر انهيار سوق اإلسكان في
الواليات المتحدة عام 2008واألزمة المالية التي أعقبت ذلك حول العالم
وصوالً إلى الدول العربية .وكذلك أزمة (منطقة اليورو) ،وهي أحد نتائج
4
األزمة المالية التي حدثت في العام ،2008وبلغت ذروتها بين عامي
2010و .2012فقد بدأت األزمة عندما أعلنت دول أوروبية عجزها عن سداد
أو إعادة تمويل ديونها الحكومية أو إنقاذ بنوكها المحاصرة ،دون
مساعدة من مؤسسات مالية خارجية ،وشملت دول جنوب المنطقة
األوروبية كالبرتغال واليونان وقبرص قبل أن تشمل إسبانيا وإيطاليا
بشكل أقل حدة ،ووضعت المنطقة برمتها على حافة االنهيار
االقتصادي.
5
أما تقرير صندوق النقد الدولي لعام 2022الذي جاء تحت عنوان (أزمة
فوق أزمة) فيشير إلى أن االقتصاد العالمي يواجه حاليًا أكبر اختبار
يتعرض له منذ الحرب العالمية الثانية .ويأتي هذا بعد ارتفاع التكاليف
الصحية االقتصادية واالجتماعية الناتجة عن جائحة كورونا ارتفاعًا أثّر
بصفة مباشرة على سبل العيش في مختلف مناطق العالم .يضاف إلى
ذلك االنعكاسات المباشرة التي لحقت باالقتصاد العالمي في نهاية
عام 2022جراء الحرب الروسية األوكرانية ،وخاصة االرتفاع الحاد ألسعار
الغذاء والوقود .يضاف أيضا إلى ذلك اتساع نطاق التضخم الذي ترتب
عليه توسع حجم الهشاشة االقتصادية واالجتماعية في العديد من
البلدان ،ومن ثم أثر في دخل األفراد ومستويات معيشتهم.
لم يهدأ العالم ولم يستقر من جائحة فيروس كوفيد 19-حتى أعلنت
منظمة الصحة العالمية من أن على كافة الدول االستعداد للتصدي
للفيروس المتحور الجديد ،فكيف حدث ؟
ومن جانب آخر فقد ذكرت المنظمة العالمية لألرصاد الجوية التابعة
لألمم المتحدة في 1سبتمبر 2021أن عدد الكوارث الطبيعية ،مثل
الفيضانات وموجات الحر ،الناتجة عن تغير المناخ زادت خمس مرات على
مدى الخمسين عامًا الماضية وأودت بحياة أكثر من مليوني شخص،
وتسببت في خسائر بلغت 3.64تريليونات دوالر ،وحسب تقرير أممي،
حذر من أن العالم سيشهد المزيد من (نوبات الطقس المتطرف).
6
كما تشير التقارير أن موجات الحر غير المسبوقة باتت أمرًا شائعًا في
عدد من واليات أمريكا كواشنطن وأوريغون وكذلك مقاطعة بريتيش
كولومبيا الكندية ،وتسببت المستويات القياسية من الحرارة الناجمة
عن (قبة حرارية) نادرة القوة حيث حُبس الهواء الساخن أيامًا ،في وفاة
المئات.
كما أنه مما يجدر ذكره أنه وصل عدد النازحين جراء الصراعات والكوارث
الطبيعية في 2020إلى أعلى معدل له في عشر سنوات إذ بلغ رقمًا
قياسيًا تجاوز عتبة 55مليون شخص فروا إلى أماكن أخرى في بالدهم.
كذلك اضطر قرابة 26مليون شخص إلى عبور حدود بالدهم واللجوء إلى
دول أخرى.
هذه بعض المالمح ،تُرى ماذا يحدث في العالم ،هل كل هذه األزمات
والكوارث مدبره ،أم أنها بالفعل بأسباب طبيعية غير بشرية ؟ وربما
السؤال األهم ،أين العالم العربي من كل ذلك ؟ ال أعرف.
7