Professional Documents
Culture Documents
12-06-2023
12-06-2023
كان ألحد األشخاص خروفًا وأراد أن يبيعه ،وعندما أخذه إلى السوق رآه أربعة
لصوص ،واتفقوا على أن يسرقوا الخروف بطريقه ذكيه ،فتقاسموا
الجلوس على جانب الطريق المؤدية للسوق التي سيمر منها صاحب
الخروف ،حيث جلس األول في بداية الطريق ،وجلس الثاني في ربع الطريق
األول ،وجلس الثالث قريبًا من منتصف الطريق وجلس الرابع قبل نهاية
الطريق ،أي قبيل السوق بقليل.
وعندما مر صاحب الخروف من جانب اللص األول ألقى عليه السالم فرد
اللص عليه السالم وبادره بالسؤال :لماذا تربط هذا الكلب وتقوده خلفك ؟
فالتفت صاحب الخروف إلى اللص وقال له :هذا ليس كلبًا إنه خروف ،وأنا
ذاهب به إلى السوق ألبيعه.
ثم تركه وانصرف ،وبعد مسافة التقى باللص الثاني فرد عليه السالم وإذا
باللص يسأله :يا هذا ،لماذا تربط هذا الكلب وتقوده خلفك ؟
فالتفت صاحب الخروف إلى الخروف ونظر إلى اللص وقال له :هذا ليس كلبًا،
هذا خروف وأنا ذاهب به للسوق ألبيعه.
ثم تركه وأنصرف ،ولكن الشك قد بدأ يتسرب إلى قلبه ،فأخذ يتحسس
الخروف ليتأكد هل هو كلب فعالً كما قال له اللصان أم هو خروف كما
1
يعتقد هو ،ولكنه شعر أنه خروف .وبعد مسافة التقى باللص الثالث فرد
عليه السالم وإذا باللص يسأله نفس السؤال السابق :لماذا تربط هذا
الكلب وتقوده خلفك ؟
فأندهش صاحب الخروف وزادت حيرته ،ونظر إلى اللص ثم أنصرف ولم
يجبه على سؤاله ،ولكن بدأت فكرة أن يكون هذا الحيوان الذي يجره كلبًا
تطغى على فكره أن يكون خروفًا ،بل وتمسح فكرة أن يكون خروفًا تمامًا.
وبعد مسافة ألتقى باللص الرابع فرد عليه السالم وباشره اللص قائالً :لماذا
تربط هذا الكلب وتقوده خلفك ؟
في هذه اللحظة تأكد صاحب الخروف أنه يقود كلبًا فعالً وليس خروفًا،
فليس من المعقول أن يكون كل هؤالء األشخاص كاذبون ،فالتفت إلى
اللص وقال له :لقد كنت في عجلة من أمري فاعتقدت أن هذا الكلب خروفًا
فربطته ألذهب به إلى السوق ألبيعه ،ولم يتبين لي أنه كلب إال اآلن.
ثم فك وثاق الخروف ،وأطلق سراحه ،وعاد إلى بيته باحثًا عن خروفه ،وقام
اللصوص وأخذوا الخروف وانصرفوا وهم يتهامسون في سرور وغبطة.
وهكذا تتم صناعة الرأي العام ،فالرأي العام يزرع في عقلية اإلنسان عندما
توضع البذرة – قد تكون لنبتة طفيلية غير مرغوب في وجودها – ثم تسقى
بيد آثمة بين فترة وأخرى ،وبكل هدوء وصبر حتى تبدأ البذرة بالنمو من غير
أن يشعر بها أحد ،ومع توالي األيام تكبر البذرة لتصبح بادرة ،عندئذ تخرق
األرض وتمد سوقها إلى الشمس ،لتصبح تلك الفكرة النكرة حقيقة حتى
وإن لم يشأ صاحب األرض نمو هذه الشجرة ،وهكذا يريد الغرب أن يسرب
فكرة أن الشذوذ الجنسي حرية شخصية أيًا كانت هذه الفكرة مخالفة
للفطرة البشرية.
2
وفي الحقيقة ال نعرف بالضبط متى بدأت حركة الشذوذ الجنسي تتسرب
بين البشر ،إال أنه يعتقد أن الحاالت األولى تعود للحضارات القديمة ،إال أن
السرديات التاريخية ال توضح الكثير ،ولكن ما إن بدأت السبعينيات القرن
العشرين حتى بدأت تظهر بوادر بعض الصراعات بين رجاالت الفكر
والشواذ وحتى في دول الغرب ،فقد قام الباحث كنيسيون بنشر مقال في
مجلة الشذوذ الجنسي عام 1980ينعت فيه هؤالء األفراد باآلثم والفسوق
والدعارة ،وما إلى ذلك من نعوت ،فتزايد االشمئزاز وتعالت صيحات
الهجوم واإلدانة خاصة بعد انتشار مرض اإليدز في الغرب.
إال أنه في الخمسين سنة األخيرة شهدت أوروبا وأمريكا حركات احتجاجية
قوية ،لكنها هذه المرة احتجاج على إدانة الشذوذ والمطالبة باالعتراف به
وتخفيف أو إلغاء كافة القيود القانونية واالجتماعية واألخالقية الناتجة
عن هذه اإلدانة ،وقد أدت هذه الحركات االحتجاجية إلى اعتراف الجمعية
الطبية األمريكية النفسية بالشذوذ وإعالن أنه ليس مرضًا حتى يعالج،
وعندئذ تحول مصطلح (الشاذ) إلى مصطلح (مثلي الجنس) ،من أجل
التخفيف من حدة الحركات االحتجاجية.
وفي دراسة نشرت قبل فترة يشير الباحث إلى أن %10من الرجال
األمريكيين البيض كانت ممارساتهم الجنسية مقصورة على نفس الجنس
لمدة ثالث سنوات على األقل فيما بين 16و 55سنة ،و %4منهم كانت
الممارسة مقصورة على نفس الجنس مدى الحياة ،و %73من كل سكان
أمريكا قد جربوا الشذوذ مرة واحدة على األقل أثناء حياتهم.
3
أما بالنسبة للنساء فإن الدراسة تشير إلى أن %19من السيدات الغربيات
كن يمارسن المساحقة حتى سن األربعين ،وأن %3منهن مارسن الشذوذ
طيلة حياتهن.
وربما من أقوى التعزيزات التي حصل عليها الشاذين جنسيًا تلك الوقفة
التي طالب الرئيس األمريكي باراك أوباما في خطاب إلى المحكمة العليا
للواليات المتحدة بمساواة األزواج الشاذين جنسيًا في كاليفورنيا
بأقرانهم من األزواج العاديين.
واليوم فإن الغرب يحاول أن يُصدّر لنا هذا االنحدار األخالقي ،ليحطم قيمنا
وأفكارنا وديننا ،من خالل العديد من األفالم والمسلسالت الهوليودية
الغربية بصفة عامة ،ولم يكتفي بذلك وإنما يريد أن يغلغلها وكأنه أمر
مسلم به لعقول أطفالنا وجيلنا الصاعد من خالل المباريات ولعبة كرة القدم
الرياضة األكثر شهرة في العالم ،ومن خالل األفالم الكرتونية ،ومن يرفض
ذلك فإنه متطرف وإرهابي ويقف ضد حرية الراي.
4
نحن والغرب اليوم كما هو حال الرجل الذي ذهب ليبيع الخروف ولكنه اقتنع
في النهاية أنه يجر كلبًا خلفه ،فالغرب يحاول أن يزرع في عقول أجيالنا
فكرة أن الشذوذ الجنسي أمر حضاري ،وأن هذا الخروف هو في الحقيقة كلب
ال يستحق البيع ،وإنما يفضل أن يتم التخلص منه ألنه عبء علينا،
فاألخالق والقيم عبء ،والزواج الطبيعي ليس من المهم أن يتم ألنه عبء،
والعالقات الجنسية – أيًا ما كانت – يمكنها أن تتم خارج حدود الفطرة
البشرية ،البذرة تقول" :تخلص من الكلب فهو ليس خروفًا" ،ففكرة الزواج
التقليدية هي أن تزرع بذرة لتنجب طفالً ،فاليوم ليس من الضروري أن تتزوج
من الجنس اآلخر لتنجب طفالً وإنما يمكنك أن تتبرع بالحيوانات المنوية
لبنك األجنة ،وتتبرع المرأة من طرفها ببويضاتها لنفس البنك ،فيحدث
التلقيح في المختبر وتحت ظروف صحية محكمة فيتكون الجنين ،وأما
العالقات الجنسية فليس لها عالقة بالزواج بأي صورة كانت ،هذه الفكرة
التي يحاول الغرب أن يروجها وينشرها في مجتمعاتنا ،لذلك يحاول أن
يوهمنا وأن يزرع في أذهاننا أن الخروف كلبًا.
فالحياة األسرية القائمة على مبدأ الجنسين تؤدي إلى إزالة الكثير من
التوترات واألمراض المجتمعية سواء النفسية أو االجتماعية أو حتى
5
الصحية ،إذ أثبتت الكثير من الدراسات هذا الفكرة ،وحتى نكون واقعيين
هناك الكثير من حاالت الطالق تحدث بين الجنسين واألزواج ،ولكن هذه
قضية أخرى ،وإن كان الشواذ يركزون على هذه الفكرة فإن االضطرابات
النفسية واالجتماعية التي تصاحب العالقات الزوجية القائمة على الجنس
الواحد دائمًا تكون مضافة على كل المشاكل الناجمة من األسر القائمة على
مبدأ الزواج بين الجنسين ،إال أن الغرب الذي يروج لفكرة الشذوذ الجنسي
يحاول أن يخفي كل هذا من أجل ترويج فكرته.
وأما في اإلسالم فقد كانت الفكرة واضحة لدينا ،وال توجد فيها مواربة،
فقوم لوط عليه السالم الذين سلكوا هذا المنهج الشاذ في الحياة فإنه
أتتهم العقوبة المشددة ،وليس هم فقط ،فنحن ال نعتقد أن القرية كلها
كانت شاذة ،ولكن نحسب أن بعضًا منهم لم يكن كذلك ،وربما منهم زوجة
سيدنا لوط عليه السالم نفسها ،إال أنها عوقبت بنفس العقوبة وذلك
ألنها لم تستنكر هذا الشذوذ ،وهذا يعني أنه ليس الشواذ هم فقط
مغضوب عليهم وإنما من يقف ويسكت وال يستنكر هذا الشذوذ هو واحد
منهم ،فالقضية في اإلسالم ليست مجرد شخصين يمارسان حقهم
وبطريقتهم الخاصة ،وإنما هو مرض مجتمعي يدمر الحياة واإلنسان
والمجتمع واألخالق وكل القيم اإلنسانية السوية ،لذلك يجب أن تحارب
هذه الظاهرة ال أن تنتشر كما يريد الغرب أن يوهمنا أنها هي الحضارة ،فإن
كانت هذه هي الحضارة فنحن ال نريدها ألنها حضارية بوهيمية ،وعجبًا
فإن الحيوانات ترفض الشذوذ ،فلم نسمع قط أن الحيوانات تمارس
الشذوذ الجنسي ،فما بال اإلنسان ؟
6