You are on page 1of 194

i?

:,iJl +lÂil &yli|l i*6*t


çUt c"*,lb dUI d;trrb,
or$;p'rb .il i',t*
.rt ilb *t;lti.J(
çJl çsI! n lJl
r.i

Jl
&.rUt ûW
,#*lll
g"lQ &ltdl ii..^Jl ,3p
a*rtlll oLhll irr
iiâlûJl o!t-..$l

- Ir l tl , | .

rfàt -t* #rhot / J :JlJe)

zOzz 12021 :eg"tfl &-,Jl


ra{

f*
,Êi
"Y
iï"..rJ\ +14*l\ t;!f\ Âr:eÀ\
dir
$n
çur e^,+b .JU\ dJt ,b,
otF ,.1_l"rJt ,i\ o'"L-
dr\lJb ,.-,,\i!\ q,K
r
,\-àJ J\ .rr'i\.
. J LI\ -.^,5
l-

&-,rUt ùW
(.ttx\
,r.4 &JUJ\ Âr*J\ op
oL!i\ \',r
ÂrJ\
ti.ldj\ cib\-lj\ .ât
)\-'n\ ùa'â\

,*t ,* çrU\ /r :r\.ro!

zoZZ | 2O2L :iç^$\ i,r-,.J\

.q
.**
f,
r.S*"
ù{
{.*cr +lÂ-ù\ Lit*t ut4*.1

qul d-+,; JUl #l trlj,


-è:k- Ô-ri; uli'.'Ç
..r[Jll; -,tiYt 4f,

.4:.-,È1 .rlti'Jr: gU' C-.1t, 6r*tt + U ;)LJl iL


zo z z / i7V.:..r..;. J. It
1o
f+
..,ut uJ+t -F a Cfu
12:
ë\ ô$Jl L.:Ul o;-e.: + ?"6.lJ
4\ &t æ .j'?q
,+ b-r-) I i.;.. il+Jl a'-..tll rL:rl .!c Pt, c2022 t -{'\
"-t*t
"
çll Q o\Pv'
"..;jl F
,*l +o çât"ll : (;L::f.ill(;) iL-")\l
(zozzl06/13 :J T J 1ç)..L-r**l\ çDèl Çtf ic prYt -t": li^r
-tFJVl 'a"'*,j,, qJJl çJl (;)i+l -J, f' dJr
.1Ç ,-r_1-ù; ;.1 {t\'Jl rJ':Jl )I.1'..,1 :,..1\t jJU 01
;1.
dJ1i".*+t itrL ipr; ;r:-i -r]E JU.c 02

2022lt0/zq: eJ\t
, r-':.tl ,,!Llr!!4J:Jt -
ll;dl 4J d.âJl

.:Lellls rl5'{l :llzo

2022 :rri 3 1 'd


ùrl+' 2022/J.1.4.ù

stoû!
6i q-.rL*tl *GlrJlg .é$.lril d,-*.Jl_g .61Éll .rr+ Lô, -iK| J+ôrJl ,:ûLi
ç.Jl q,..i.4

:(ô)jh*.,X1

.,gdl _qr, :,_.ÂJJl9 p..,yl


çêl+rJl
\, ;z,ar.2l+a ik*.,i :+cJl
4.-t+Jl a;-.,J| Jyt a-..I+Jl tsf.,rt J";:Jl;,æ a+.f.|_r+ psLc.r (o)
ùS É
: _, u.aErJl ù._J.*Jl .r.J. C s_r+J,l 6rb_,2all ,aàe 2022/2021

a..;rJl çl!13 aiJJl :ùl4ll ,çUl


o,..jl *ÀJl
4ti*ldJl ùLil or,.lll :ua_+a;=iJl a"3illt oL*!.Jt :gaJl
alJUJl ar..tl :Li.4*,1| a;Jl
çfSljl ri;;Jl elr,,.r"lorl t

2022/10/'12:ç;h, Â+Arill 4jJgr


é éslrJl ,r..bf l i..i.rÇa-o "rl
http:/ / fll.univ -tiar et.dz/ p=320:!9_,/$yl
crsel/? r^,i l./l

(X4000) éJç JIJJI-lrJâill o.irâ,6L-


ù,6, 78 .a.o. * oJJi ûit Àùri LJ.. :ôlJà1,
vrpg.univ-tiaret.dz ;!tJti.ié 046208861rcÀkjt
,fUt.-"*JU dU\ #\b\jr

cbF o:i;,1'14-Ç:e-$\
ùl.rllb ç\i!\ .r,(:.ï,K\
.or\; {)LJl,; i;J :&Jl\
.grJ\ çr1! a,lll ;1.q" :6\.$\
.i,.r"ll\ oL!i\ {J :iîd\
.ÂJrlJ\ oÇt *lll :
r)",p;.;Jr\
t.ç.J riL4l :rrtlt
.d-"1!\ :ç,\.r..Jl

.\-"L)/ pl':ll i.u, :\dJ\ ;r--:l\


.,flX\ :;r\I\
"ùJ\..trc'
(oF\*) u".9 :ç,g\Çl ltJ\ ap9
.2022 | 2021 :af"\+\ il\

..-:ll ,* ç;r!\/ r :r\"ro!;,.


.\ r;t" r"rf+ i\:*,,1 :bJl
.tlJ\
& :u..a.A\
‫احملارضة ا ألول‬
‫حتديد املفاهي (عل النفس‬
‫اللغوي ‪/‬اللسانيات النفس ية)‪.‬‬
‫حتديد املفاهمي (عمل النفس اللغوي ‪/‬اللسانيات النفس ية)‪.‬‬ ‫احملارضة ا ألول‬

‫توطئة‪:‬‬
‫يعد التخصص الدقيق هو السمة الغالبة على البحث العلمي‪ ،‬والتفكري العلمي لكن حتدايت العوملة‪ ،‬وتفجر‬
‫الثورة املعلوماتية قد فرضت على العامل املعاصر توجهات‪ ،‬وأفكار مغايرة تؤكد على وحدة املعرفة‪ ،‬وأمهية التعاون بني‬
‫التخصصات والعلوم‪ ،‬وهذا التوجه املعريف اجلديد الذي يؤكد على تشابك وجهات النظر العلمي‪ ،‬وضرورة ربط املعلومات‬
‫يف نظام تتعاون فيه مجيع التخصصات‪ ،‬ولعل هذا سيمكننا من الوصول إىل خمرجات موضوعية للبحث العلمي‪ ،‬وتفسري‬
‫الظواهر‪ ،‬وحل املشكالت‪.‬‬
‫وحتظى العالقات التعاونية بني التخصصات املختلفة أبمهية ملحوظة يف املعرفة اإلنسانية احلديثة نظرا للتطور‬
‫املتسارع يف ميادين املعرفة‪ ،‬وجماالت البحث العلمي‪ ،‬ومناهجه‪ ،‬والتحوالت الكربى يف كافة ميادين املعرفة‪ ،‬وميكن القول‬
‫إن الدراسات التعاونية هي مرحلة من مراحل تطور العلم تلت مرحليت املوسوعية‪ ،‬والتخصصية‪ ،‬ولعل احلاجة إىل إجراء‬
‫الدراسات التعاونية أصبحت اآلن أقوى من أي وقت مضى‪ ،‬ويرجع ذلك إىل أن العديد من املشاكل املتزايدة اليت هتم‬
‫اجملتمع‪ ،‬واليت ال ميكن أن حتل بشكل كاف عن طريق ختصص واحد معني‪ ،‬وإمنا تتطلب دراسات تعاونية بني العلوم ذات‬
‫رؤى واضحة تعتمد على الطرق احلديثة‪ ،‬وعلى ابحثني مؤهلني إلنتاج معارف جديدة‪ ،‬ابإلضافة إىل أن التعاون بني‬
‫العلوم يساعد اجلامعات على مواكبة التطور اجلاري يف الكثري من التخصصات عامليا مبا يليب املتطلبات الديناميكية‬
‫املستمرة للمجتمعات احلديثة اليت تتطلب درجات أعلى من التخصص‪.‬‬
‫ولكون اللغة ظاهرة اجتماعي ة‪ ،‬شأهنا شأن العادات‪ ،‬والتقاليد‪ ،‬والطقوس‪ ،‬واملالبس‪ ،‬وطرائق املعيشة‪ ،‬كان هلا شأن‬
‫يف تعاون عدد من العلوم‪ ،‬وخباصة فيما خيص االستعمال اللغوي‪ ،‬واالكتساب اللغوي‪ ،‬فتشابك العلوم‪ ،‬وتداخل جماالهتا‬
‫البحثية ابت مسة الدرس املعريف احلديث‪ ،‬فالعلوم يف اقرتاهبا من حقيقة الظاهرة املدروسة تنفتح أمامها فضاءات أخرى‬
‫للبحث قد تكون متصلة‪ ،‬أو متشابكة مع غريها‪ ،‬فتزيد‪ ،‬وقتئذ إشكالية البحث تشعبا‪ ،‬أو غموضا؛ فالظاهرة االتصالية‬
‫اللغوية يف البحوث اللسانية املعاصرة‪ ،‬أضحت ال تنفك عن هذه السمة؛ أي االستعانة حبقائق املعارف األخرى اليت‬
‫تتقاطع معها‪ ،‬وترتبط هبا‪ ،‬ولعل سبب ذلك‪ ،‬وحموره طبيعة الدراسة اللسانية يف كوهنا "مركز االستقطاب بال منازع‪ ،‬فجل‬
‫العلوم صارت تلتجئ سواء يف مناهج حبثها‪ ،‬أو تقدير حصيلتها العلمية إىل اللسانيات‪ ،‬وإىل ما تقرره من تقريرات علمية‪،‬‬
‫وطرائق يف البحث‪ ،‬واالستخالص‪ ،‬ومرد كل هذه الظواهر أن علوم االنسان تسعى اليوم جاهدة إىل إدراك مرتبة‬
‫املوضوعية مبوجب تسلط التيار العلماين على االنسان احلديث‪ ،‬وملا كان للسانيات فضل السبق يف هذا الصراع فقد‬
‫غدت جسرا أمام بقية العلوم اإلنسانية من اتريخ‪ ،‬وأدب‪ ،‬وعلم اجتماع‪ ،‬يعربه مجعيها الكتساب القدر األدىن من‬
‫العلمانية يف البحث" ‪.1‬‬
‫إن الدراسات اإلنسانية احلديثة قد تبنت املبادئ اللسانية الغربية حينما انتهجت مجيع العلوم اإلنسانية يف أورواب‬
‫يف هناية األمر حقل اللسانيات ‪ ،2‬وأمست مبادئها الركائز األساسية جملاالت املعارف األخرى‪ ،‬وهي اليوم "موكول هلا‬

‫‪1‬‬
‫عبد السالم املسدي‪ ،‬التفكري اللساين يف احلضارة العربية‪ ،‬الدار العربية للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ 1986 ،02‬م‪ ،‬ص ‪.09‬‬
‫‪2‬‬
‫سعد مصلوح‪ ،‬األسلوب دراسة لغوية إحصائية‪ ،‬عامل الكتب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ 2002 ،03‬م‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪2‬‬
‫حتديد املفاهمي (عمل النفس اللغوي ‪/‬اللسانيات النفس ية)‪.‬‬ ‫احملارضة ا ألول‬

‫مقود احلركة التأسيسية‪ ،‬ال من حيث أتصيل املناهج‪ ،‬وتنظري طرق إخصاهبا فحسب‪ ،‬بل من حيث إهنا تعكف على‬
‫دراسة اللسان فتتخذ اللغة مادة هلا‪ ،‬وموضوعا‪ ،‬وال يتميز االنسان بشيء متيزه ابلكالم" ‪1‬؛ فاللسانيات كانت سباقة إىل‬
‫اختاذ اللغة كمادة‪ ،‬وموضوع للدراسة‪ ،‬وقد حاكتها علوم أخرى يف دراسة اللغة كمادة هلا أيضا‪ ،‬تتقاطع منهجيا مع‬
‫اللسانيات يف دراسة اللغة ‪ ،2‬متخذة طرائق‪ ،‬ومبادئ لسانية يف هذه الدراسة‪.‬‬
‫ومن أهم هذه العلوم "علم النفس" "‪"Psychologie‬؛ إذ تعد جماالته اليوم هي أكثر العلوم تداخال‪ ،‬وأتثرا‬
‫مبناهج علم اللسانيات‪ ،‬فقد شكلت اللغة حيزا معرفيا انل اهتمام علماء النفس‪ ،‬كوهنا إحدى مظاهر السلوك اإلنساين‬
‫‪3‬؛ بل أوىل علماء النفس اهتمامهم زمنا طويال للظواهر اللسانية‪ ،‬وذلك أهنم عدوها مصادر موثوقا هبا للمعلومات يف‬
‫موضوعات متنوعة ذات أمهية ابلغة للدراسات النفسية ‪ ،4‬أما علم اللغة يف احتكاكه بعلم النفس‪ ،‬فقد جعل من الظاهرة‬
‫النفسية بكل أبعادها درسا له‪ ،‬يتناول اللغة بوصفها ظاهرة هلا صالت مرتبطة مع تلك العوامل الداخلية للنفس البشرية‪،‬‬
‫فتتقاطع حينها خيوط الدرس النفسي مع تلك اللسانية‪ ،‬إىل حد يصعب فهم الظاهرة الكالمية مبنأى عن احلقل النفسي‪،‬‬
‫وقد يفرز ذلك التقاطع منواال مركبا ينعت منهجيا يف دراساتنا اللغوية احلديثة "بعلم اللغة النفسي" ‪ ،5‬أو "علم النفس‬
‫اللساين"‪ ،‬أو "اللسانيات النفسية" "‪."Psycholinguistique‬‬
‫علم النفس اللغوي‪:‬‬
‫يعاجل "علم النفس اللغوي" موضوعات عديدة ومهمة؛ منها‪ :‬الفكر‪ ،‬وتوقيف اللغة واصطالحها‪ ،‬واكتساب‬
‫اللغة "ونظرايهتا‪ ،‬والبنية العميقة‪ ،‬والسطحية"‪ ،‬ولغة اإلشارة‪ ،‬وأمراض الكالم وغري ذلك من املوضوعات ‪6‬؛ فهو علم يهتم‬
‫بدراسة السلوك اللغوي لإلنسان‪ ،‬والعمليات النفسية‪ ،‬والعقلية‪ ،‬واملعرفية اليت حتدث يف أثناء اللغة‪ ،‬واستعماهلا‪ ،‬اليت منها‬
‫يكتسب اإلنسان اللغة‪ ،‬فـ ـ "علم النفس اللغوي" هو العلم الذي يلجأ فيه اللسانيون إىل معطيات "علم النفس" يف جتاوز‬
‫العوائق اليت يتعرضون هلا يف أحباثهم ‪ ،7‬وجتمع "ايفلني ماركوسني" "‪ "Evelyn Marcusine‬عدة جوانب يف تعريفها‬
‫"لعلم النفس اللغوي"‪ ،‬فتقول أنه‪" :‬دراسة اللغة اإلنسانية‪ ،‬وفهمها‪ ،‬وإنتاجها‪ ،‬واكتساهبا" ‪ ،8‬وهذه العمليات يعىن‬

‫‪ 1‬عبد السالم املسدي‪ ،‬التفكري اللساين يف احلضارة العربية‪ ،‬ص ‪.09‬‬


‫‪ 2‬ينظر‪ :‬نور اهلدى لوشن‪ ،‬مباحث يف علم اللغة ومناهج البحث اللغوي‪ ،‬املكتبة اجلامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪ 2001 ،‬م‪ ،‬ص ‪.159‬‬
‫‪ 3‬ينظر‪ :‬عبد الكرمي جماهد‪ ،‬علم اللسان العريب وفقه العربية‪ ،‬دار أسامة للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ط ‪ 2007 ،01‬م‪ ،‬ص ‪.90‬‬
‫‪ 4‬ميلكا افيتش‪ ،‬اجتاهات البحث اللساين‪ ،‬ترمجة‪ :‬سعد عبد العزيز مصلوح‪ ،‬وفاء كامل فايد‪ ،‬اجمللس األعلى للثقافة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‬
‫‪ 2000 ،02‬م‪ ،‬ص ‪.309‬‬
‫‪ 5‬ينظر‪ :‬أمحد حساين‪ ،‬مباحث يف اللسانيات‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪ 1994 ،‬م‪ ،‬ص ‪.23‬‬
‫‪ 6‬ينظر‪ :‬عبد العزيز بن إبرا هيم العصيلي‪ ،‬علم اللغة النفسي‪ ،‬منشورات جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية‪ ،‬عمادة البحث العلمي‪،‬‬
‫الرايض‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪ ،‬ط ‪ 2006 ،01‬م‪ ،‬ص ‪.25‬‬
‫‪ 7‬سليمان ايقوت‪ ،‬منهج البحث اللغوي‪ ،‬دار املعرفة اجلامعية للطبع والنشر والتوزيع‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪ 2003 ،‬م‪ ،‬ص ‪.180‬‬
‫‪ 8‬جالل مشس الدين‪ ،‬موسوعة مرجعية ملصطلحات علم اللغة النفسي‪ ،‬مطبعة االنتصار للطباعة والنشر‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪ 2003 ،‬م‪،‬‬
‫ص ‪.441‬‬
‫‪3‬‬
‫حتديد املفاهمي (عمل النفس اللغوي ‪/‬اللسانيات النفس ية)‪.‬‬ ‫احملارضة ا ألول‬

‫بدراستها "علم النفس" أيضا‪ ،‬فيمكننا االستخالص أبن "علم النفس اللغوي" عند "ايفلني ماركوسني" يهتم بدراسة اللغة‬
‫البشرية يف نطاق ميليه عليها علم النفس‪.‬‬
‫ويرى العصيلي أن "علم اللغة النفسي" يعد من العلوم احلديثة؛ اليت مل تتضح معاملها‪ ،‬ومل تستقل استقالالً اتماً‬
‫إال يف النصف الثاين من القرن العشرين‪ ،‬وذلك إثر ظهور االجتاه املعريف الفطري يف علم اللغة الذي يعد مثرة االلتقاء‬
‫احلقيقي بني "علم اللغة" و"علم النفس"؛ إحالالً لالجتاه العقالين املعريف النفسي يف النظرة إىل طبيعة اللغة‪ ،‬وأساليب‬
‫اكتساهبا‪ ،‬وتعلمها وتعليمها حمل االجتاه السلوكي النفسي املرتبط بعلم اللغة البنيوي ‪ ،1‬فمعامل هذا العلم بدأت ابلظهور‬
‫أوال يف الوالايت املتحدة األمريكية‪ ،‬مث شاع‪ ،‬وانتشر بني اللغويني الشغوفني ابجملاالت‪ ،‬واألحباث النفسية‪ ،‬والذين نظروا‬
‫بوعي واهتمام إىل ظاهرة الكالم اإلنساين‪ ،‬وما له من صالت نفسية‪ ،‬وعقلية داخل الكيان البشري‪ ،‬مث حتول هذا‬
‫التخصص اجلديد دارسا وحسب حالة اإلنسان أثناء عملية التواصل‪ ،‬فرمست حدود هذه الدراسة ابلنظر إىل احلاالت‬
‫العضوية والنفسية اإلنتاج الكالم‪ ،‬وإدراكه‪ ،‬واملواقف العاطفية‪ ،‬والذهنية جتاه حدث من أحداث التواصل‪.‬‬
‫فالتعبري النفسي لدى اإلنسان يقوم على أساس نزعات نفسية ختتلف من فرد إىل آخر‪ ،‬كما أن السلوك اللفظي‬
‫خيتلف ابختالف نظرة األفراد لألشياء‪ ،‬واملفاهيم ‪ ،2‬واستجابة الفرد تكون ابلنسبة للمعاين اليت يراها هو مناسبة هلذا‬
‫املفهوم أو ذاك‪ ،‬ومن هنا ينشأ االختالف يف السلوك اللفظي‪ ،‬ألن كل فرد يفكر فيما يراه هو حقيقة األشياء‪،‬‬
‫واملوضوعات‪.‬‬
‫وابلرغم من أن هذه املعاين ال تعد يف الواقع احلقيقة ذاهتا‪ ،‬ألن املعىن الذي يراه الشخص قد خيالف واقعه‪ ،‬ومثال‬
‫ذلك عبارة "اجلو حار"‪ ،‬ال تعرب عن قراءة درجة احلرارة الراهنة كما هي ابلفعل‪ ،‬أو كحقيقة علمية‪ ،‬وملا كانت هي حالة‬
‫الفرد الذي يشعر هبا هو ذاته ابلنسبة احلرارة اجلو فيعرب عنه مبعىن معني ‪.3‬‬
‫إن الدراسات اللغوية احلديثة وجهت البحث اللغوي النفسي لدراسة إشكالية اللغة‪ ،‬وتعقيدات علم النفس‪،‬‬
‫والعمليات ا لعقلية اليت تسبق صدور العبارات اللغوية املنطوقة‪ ،‬وأيضا إىل اكتشاف قوانني عامة لتفسري السلوك اإلنساين‬
‫من خالل ظواهر عامة مثل التعلم‪ ،‬واإلدراك‪ ،‬والقدرات‪ ،‬فصارت أوىل اهتمامات هذا العلم؛ دراسة "ما يربط اجلهاز‬
‫العصيب‪ ،‬واجلهاز النطقي‪ ،‬كما يعمل على كيفية حتويل املتحدث لالستجابة إىل رموز لغوية‪ ،‬فهذه العملية العقلية تفرز‬
‫عنها إصدار اجلهاز الصويت للغة‪ ،‬وبدوره املتلقي يرتجم‪ ،‬وحيول هذه الرموز يف ذهنه إىل املعىن املراد أو املقصود‪ ،‬وهنا تتم‬
‫عملية عقلية أخرى ‪.4‬‬

‫‪ 1‬نفسه‪ ،‬ص ‪.25‬‬


‫‪ 2‬ينظر‪ :‬کرمي زكي حسام الدين‪ ،‬أصول تراثية يف علم اللغة‪ ،‬دار الرشاد‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ 2001 ،03‬م‪ ،‬ص ‪.72‬‬
‫‪ 3‬عزيز كعواش‪ ،‬علم اللغة النفسي بني األدبيات اللسانية والدراسات النفسية‪ ،‬جملة كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‪ ،‬العدد السابع‪ ،‬جامعة‬
‫حممد خيضر‪ ،‬بسكرة‪ ،‬جوان‪ 2010 ،‬م‪ ،‬ص ‪.340‬‬
‫‪ 4‬صاحل بلعيد‪ ،‬دروس يف اللسانيات التطبيقية‪ .‬دار هومة للطباعة والنشر‪ ،‬اجلزائر‪ 2003 ،‬م‪ ،‬ص ‪.17 -16‬‬
‫‪4‬‬
‫حتديد املفاهمي (عمل النفس اللغوي ‪/‬اللسانيات النفس ية)‪.‬‬ ‫احملارضة ا ألول‬

‫ويعد "فندرس" "‪ "Joseph Vendryes‬يف كتاابته اللغوية من الذين انتهجوا التفسري النفسي للظواهر اللغوية‬
‫بصفة خاصة‪ ،‬وكان يالحظ التقارب احلاد بني العمليات الكالمية العقلية بتلك الوجدانية النفسية‪ ،‬وانتهى بعد طول‬
‫دراسة جازما أن كل حدث كالمي حيمل أثرا انفعاليا‪ ،‬فاحلدث الكالمي عنده عبارة عن تعبري خاص ينتج انفعاال معينا‪،‬‬
‫فال يعطي شخص ما املعلومات ذاهتا بطريقة واحدة إطالقا ‪.1‬‬
‫وإىل جانب "فندرس" خاض العديد من الباحثني اللغويني بعد ذلك جمال هذه الدراسة‪ ،‬وطرقوا أبواب البحوث‬
‫النفسية يشاركون علماءها فيما له صلة جبوانب الكالم‪ ،‬وأخذوا يفصلون جماالت االهتمام اللغوي عن قضااي البحوث‬
‫النفسية‪ ،‬ويرمسون احلدود للعلم اجلديد‪ ،‬ويستنتجون التعريفات اليت أخذت يف التميز عما ورد يف دراسات علماء النفس‬
‫الذين تنبهوا أيضا لتلك اجلوانب اللغوية ذات الصلة بعوامل النفس‪ ،‬فحظي "علم النفس اللغوي" بعناية كبرية من علماء‬
‫النفس واللغويني معا‪ ،‬أو ما يطلق عليهم "النفسولغويون"‪.‬‬
‫ففي أملانيا كان "ويلهيلم فونت" "‪ "Wilhelm Vundt‬أول من أسس معمال لعلم النفس عام ‪ 1879‬م‪،‬‬
‫وهو أيضا أول عامل نفسي يكتب املقاالت الطوال حول سيكولوجية اللغة‪ ،‬لكنها مل تلق العناية الكافية هبا من طرف‬
‫اللغويني‪ ،‬رغم ما حتويه من مناقشات‪ ،‬وتفسريات تفصيلية جلوانب مهمة من السلوك اللغوي‪ ،‬وكشف "فونت" عن طريق‬
‫مالحظات استبطانية عما أطلق عليه التفكري بدون صورة‪ ،‬وهو عبارة عن نوع من السلوك الذايت الذي يالحظ يف عملية‬
‫التفكري ال ميكن إدراجه حتت موضوعات علم النفس املعروفة كاإلدراك‪ ،‬والشعور ‪ ،2‬وأاثرت فكرة "فونت" بلبلة حادة بني‬
‫علماء عصره‪ ،‬وكثرت املناقشات اجلادة‪ ،‬وازدادت شدة‪ ،‬واحتكاكا مبوضوعات "علم النفس"‪ ،‬إذ توصلوا معها إىل وجود‬
‫نزعات معينة‪ ،‬واستجاابت شعورية‪ ،‬واستعدادات خاصة تلعب دورا رئيسيا يف التفكري البشري عامة‪ ،‬ويف السلوك اللغوي‬
‫خاصة‪.‬‬
‫ويف "الوالايت املتحدة األمريكية" وصل االهتمام ابللغة وجماالت علم النفس ذروته‪ ،‬وظهر عدد من جملة "علم‬
‫النفس األمريكي" عام ‪ 1930‬خصص جله لدراسة املشكالت املختلفة يف "علم النفس اللغوي"‪ ،‬ويف ظل ثنائية؛ لسان‬
‫‪ /‬كالم‪ ،‬والسيما ما خيتص مبفهوم اللغة والكالم‪ .‬وهنا كان التنبؤ بلقاء وشيك بني علماء النفس وعلماء اللغة ‪ ،3‬وتدعم‬
‫هذا املنهج بظهور أفكار "واطسن" "‪ ،"John Broadus Watson‬مؤسس "علم النفس السلوكي" كان الفضل الكبري‬
‫هلذه الشخصية يف بناء علم نفس موضوعي‪ ،‬متخذا من املالحظة أساسا‪ ،‬مقتداي يف ذلك بعامل االجتماع الفرنسي‬
‫"أبوجست كونت" "‪ "Auguste Comte‬مؤسس "احلركة الوضعية"؛ إذ كان "كونت" يعتقد أن املعلومات اليت حيكم‬
‫عليها ابلصدق هي اليت أتيت عن طريق املالحظة املوضوعية‪ ،‬ومن مثة فإن املعرفة املعتمدة على املنهج االستبطاين يشوهبا‬
‫الكثري من األخطاء‪ ،‬كما أبدى "كونت" إنكاره الشديد للفعل الفردي ‪.4‬‬

‫‪1‬‬
‫ينظر‪ :‬مليكا ايفيتش‪ ،‬اجتاهات البحث اللساين‪ ،‬ص ‪. 132‬‬
‫‪2‬‬
‫ينظر‪ :‬حلمي خليل‪ ،‬دراسات يف اللسانيات التطبيقية‪ ،‬دار املعرفة اجلامعية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 2000 ،‬م‪ ،‬ص ‪.94‬‬
‫‪3‬‬
‫نفسه‪ ،‬ص ‪.95‬‬
‫‪4‬‬
‫نفسه‪ ،‬ص ‪.30‬‬
‫‪5‬‬
‫حتديد املفاهمي (عمل النفس اللغوي ‪/‬اللسانيات النفس ية)‪.‬‬ ‫احملارضة ا ألول‬

‫وظل "واطسون" دائم الرفض للبحث داخل العقل سواء عند احليوان‪ ،‬أو عند اإلنسان‪ ،‬ومل يقبل حىت مفاهيم‬
‫"الشعور"‪ ،‬و"الدافع"‪ ،‬و"الرغبة" وغريها من املفاهيم العقلية‪ ،‬أما التعريف الذي فضله "لعلم النفس" فإنه‪" :‬فرع جترييب‬
‫حبت من العلوم الطبيعية" ‪1‬؛ فكان هدفه النظري هو التنبؤ ابلسلوك‪ ،‬والتحكم فيه‪ ،‬إن سلوكية "واطسون" جاءت‬
‫موسومة ابثنني من العالمات الرئيسية اليت حتولت إىل مصطلحات مستعملة؛ املثري واالستجابة‪ ،‬وهي من األلفاظ اليت‬
‫لقيت سعة كبرية عند "واطسون"‪ ،‬ومعىن املثري عنده‪ ،‬احلاصل يف البيئة على العموم‪ ،‬أو أي تغيري فيها كأن مينع عن‬
‫احليوان الطعام‪ ،‬يف حني تعين االستجابة ما يفعله احليوان مثل االبتعاد‪ ،‬أو االقرتاب من مثري ضوئي‪ ،‬وقد تكون أكثر‬
‫تعقيدا‪.‬‬
‫ومن بني ما ميز العطاء الواطسوين الفكري أنه حدد بشكل صريح مسلمات علم النفس‪ ،‬وقد جاء يف مقدمتها‬
‫أن السلوك " مكون من عناصر االستجابة‪ ،‬وميكن حتليله بواسطة مناهج البحث العلمي املوضوعي‪ ،‬يليها أن السلوك‬
‫مكون أساسا من إفرازات غدية‪ ،‬وحركات عضلية‪ ،‬ومسلمة أخرى أن هناك استجابة فورية من نوع ما لكل مثري‪ ،‬وحتمية‬
‫قائمة بينهما املثري واالستجابة لتكون املسلمة األخرية هي العمليات الشعورية حىت وإن وجدت ال ميكن دراستها علميا"‬
‫‪ ،2‬و"واطسون" ال يعرتف مبفهوم الغريزة‪ ،‬ومظاهر السلوك اليت تبدو غريزية يف ظاهرها استجاابت متعلمة‪ ،‬كما أنكر‬
‫اخلصائص الوراثية‪ ،‬وأكد على إمكان تدريب الطفل أي شيء نريد ‪ ،3‬ويرى "واطسون" أن السلوك اإلنساين ما هو إال‬
‫سلوك ديناميكي‪ ،‬وأن العقل ال يعد موضوعا مواتيا الدراسة علم النفس‪ ،‬ألن "أي مالحظات على العقل تعد ذاتية‪ ،‬وهو‬
‫يقرتح دراسة السلوك الظاهري فحسب‪ ،‬والعالقة بني املثري واالستجابة" ‪.4‬‬
‫وبناء على هذا التصور‪ ،‬فإن اللغة بوصفها سلوكا ظاهراي فسرت على ضوء املذهب السلوكي تفسريا بسيطا‬
‫للغاية‪ .‬فهي عبارة عن جمموعة من ردود األفعال املشروطة‪ ،‬وأما العالقة الفعلية اليت نشأت بني علمي اللغة والنفس‪،‬‬
‫أرجعت إىل حامل لواء السلوكية اللغوي األمريكي "ليوانرد بلومفيلد" "‪ "Leonard Bloomfield‬الذي مزج دراسة‬
‫اللغة مبعطيات علم النفس ‪ ،5‬وقد جتلى ذلك بصورة واضحة يف كتابه الرائد املوسوم ب "مدخل إىل دراسة اللغة"‪ ،‬وقام‬
‫مبراجعته وإخراجه حتت عنوان‪" :‬اللغة" الذي يعد مرجعا مهما يف الدرس اللساين األمريكي ‪ ،6‬و"بلومفيلد" من املتأثرين‬
‫ابملنهج السلوكي‪ ،‬وقد انتهى إىل اعتبار "علم النفس السلوكي" الطريقة املثلى‪ ،‬والوحيدة اليت ميكن من خالهلا‪ ،‬وعلى‬

‫‪ 1‬حممد شحاته ربيع‪ ،‬اتريخ علم النفس ومدارسه‪ ،‬دار املعرفة اجلامعية للطبع والنشر والتوزيع‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪ 2005 ،‬م‪ ،‬ص‬
‫‪. 241‬‬
‫‪ 2‬جالل مشس الدين‪ ،‬موسوعة مرجعية ملصطلحات علم النفس اللغوي‪ ،‬ص ‪.31‬‬
‫‪ 3‬نفسه‪ ،‬ص ‪.31- 30‬‬
‫‪ 4‬حلمي خليل‪ ،‬دراسات يف اللغة واملعاجم‪ ،‬دار النهضة العربية للطباعة والنشر‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪ 1998 ،01‬م‪ ،‬ص ‪.143‬‬
‫‪ 5‬ينظر‪ :‬جالل الدين مشس‪ ،‬موسوعة مرجعية ملصطلحات علم اللغة النفسي‪ ،‬ص ‪.441‬‬
‫‪ 6‬ينظر‪ :‬أمحد مومن‪ ،‬اللسانيات النشأة والتطور‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪ 2002 ،‬م‪ ،‬ص ‪ ،193‬وينظر‪ :‬عبد القادر عبد‬
‫اجلليل‪ ،‬علم اللسانيات احلديثة نظم التحكم وقواعد البياانت‪ ،‬دار الصفاء للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ط ‪ 2002 ،01‬م‪ ،‬ص ‪.257‬‬
‫‪6‬‬
‫حتديد املفاهمي (عمل النفس اللغوي ‪/‬اللسانيات النفس ية)‪.‬‬ ‫احملارضة ا ألول‬

‫ضوئها دراسة الدالالت اللغوية‪ ،‬وعالمة ذلك توقفه أمام احلدث الكالمي ‪ ،1‬وأتثره بعامل النفس السلوكي "بول ويس"‬
‫"‪ "Bol Wiss‬يف كتابه " األصول النظرية للسلوك اإلنساين"‪ ،‬حيث يرى إمكانية وصف السلوك البشري؛ وذلك "بصدد‬
‫النظر إىل الظواهر الفيزيولوجية وغريها من الظواهر اليت تصحب سلوك األفراد" ‪ ،2‬وملا كانت اللغة عنده كغريها من‬
‫الظواهر اإلنسانية اليت تندرج حتت مظاهر السلوك‪ ،‬فإنه ما يصدق على دراسة السلوك يصدق عليها هي األخرى‪.‬‬
‫ومن الذين سامهوا أيضا يف إرساء دعائم علم اللغة النفسي‪ ،‬ونشأته بعد "بلومفيلد"‪" ،‬سكينر" " ‪Burrhus‬‬
‫‪ "Frederic Skinner‬صاحب االشرتاط اإلجرائي من خالل كتابه "السلوك اللفظي" ليبلور فيه النظرة السلوكية للغة‬
‫‪ ،3‬ويعد "سكينر" أحد وجوه علم النفس املعاصر‪ ،‬فهو قائ د السلوكية لسنوات عديدة يف أمريكا بال منازع‪ ،‬وإن أشد ما‬
‫اهتم له "سكينر" هو وصف السلوك الذي ميكن إخضاعه للمالحظة‪ ،‬لذلك فإن النسق الذي يتبعه دوما ينتمي إىل‬
‫السلوكية الوصفية‪ ،‬وهو يعتقد أن عمل البحث العلمي إقامة عالقات وظيفية بني ظروف املثري املنضبطة جتريبيا وبني‬
‫استجابة الكائن احلي‪ ،‬وقد أطلق على سلوكية "سكينر" "أبسلوب الكائن احلي الفارغ"؛ إذ ليس هناك شيء داخل‬
‫الكائن احلي له فائدة يف شرح السلوك‪ ،‬كونه خاضع لقوى العامل اخلارجي‪ ،‬ويف هذا يقوله‪" :‬إن الكائن احلي اإلنساين هو‬
‫عبارة عن آلة ومثله مثل أي آلة أخرى" ‪.4‬‬
‫ومما جاء به "سکينر" نظرية االشرتاط اإلجرائي "الفعال"‪ ،‬فحينما تعلم كلبا أن يتدرج‪ ،‬أو طفال أن يرقص‪ ،‬أو أن‬
‫يركب دراجة‪ ،‬فإنك تستخدم طريقة االشرتاط اإلجرائي؛ ذلك أن ما ميكن فعله غالبا يف هذه احلاالت هو أن "تستخرج‬
‫الكلب أو الطفل ليقوم مبا تريده أن يقوم به مث تكافئه بعد ذلك إما بقطعة من العظم‪ ،‬أو بقطعة من احللوى" ‪ ،5‬واهلدف‬
‫من هذا االشرتاط هو تعليم الكائن على أن يسلك سلوكا ما وفيه تكون االستجابة تبدو وكأهنا تلقائية حبيث ال ميكن‬
‫ردها إىل مثري ملحوظ؛ مبعىن أنه ليس هناك منبه ميكن اعتباره سببا لتلك االستجابة ابلذات ‪.6‬‬
‫يشري "سكينر" نفسه إىل مستويني من السلوك اللغوي يرتكز أحدمها على اآلخر؛ فالنسق األعلى يوجه ويغري‬
‫األسفل‪ ،‬إال أنه يرفض تقدمي أي اختالف‪ ،‬أو تباين يف العمل لكال النسقني بقوله‪" :‬إن املستوى األعلى ميكن أن يفهم‬
‫فقط بداللة عالقاته ابألدىن‪ ،‬وحىت التداول املعقد جدا للتفكري اللفظي ميكن أن حيلل بداللة السلوك الذي يستدعي‪ ،‬أو‬
‫يعمل يف السلوك األخر للمتكلم" ‪ ،7‬والسلوك اللفظي يف نظره هو سلوك انبعاثي‪ ،‬يتدعم ابملستمع مث ينمو طبقا لنفس‬

‫‪1‬‬
‫ينظر حممود سليمان ايقوت‪ ،‬منهج البحث اللغوي‪ ،‬ص ‪.166‬‬
‫‪2‬‬
‫حلمي خليل‪ ،‬دراسات يف اللغة واملعاجم‪ ،‬ص ‪.96‬‬
‫‪3‬‬
‫ينظر نور اهلدى لوشن‪ ،‬مباحث يف علم اللغة ومناهج البحث اللغوي‪ ،‬ص ‪.166‬‬
‫‪4‬‬
‫حممد شحاته ربيع‪ ،‬اتريخ علم النفس ومدارسه‪ ،‬ص ‪. 361‬‬
‫‪5‬‬
‫جالل مشس الدين‪ ،‬موسوعة مرجعية ملصطلحات علم النفس اللغوي‪ ،‬ص ‪.243‬‬
‫‪6‬‬
‫ينظر‪ :‬حممد شحاته ربيع‪ ،‬اتريخ علم النفس ومدارسه‪ ،‬ص ‪.361‬‬
‫‪7‬‬
‫جالل مشس الدين‪ ،‬موسوعة مرجعية ملصطلحات علم النفس اللغوي‪ ،‬ص ‪.318‬‬
‫‪7‬‬
‫حتديد املفاهمي (عمل النفس اللغوي ‪/‬اللسانيات النفس ية)‪.‬‬ ‫احملارضة ا ألول‬

‫مبادئ السلوك اإلجرائي اآلخر‪ ،‬والتدعيم يف االشرتاط اإلجرائي هو‪" :‬أي حدث ميكنه أن يزيد من إمهال صدور‬
‫االستجابة اليت تنتج هذا احلدث" ‪.1‬‬
‫لقد ظل "سكينر" من أبرز املنظرين املرتبطني ابلتفسري السلوكي لنمو الكالم واللغة‪ ،‬وهو من طور هذه النظرية‬
‫وأسقط معطياهتا على عملية التعليم ‪ ،2‬ونظر إىل الكالم ابعتباره سلوكا متعلما؛ بل كل السلوكيات املتعلمة عنده تقوم‬
‫على أساس مبادئ املتعلم‪ ،‬أو االشرتاط اإلجرائي ‪ ،3‬والتعلم عند "سكينر" يطلق عليه مصطلح "القوة اإلجرائية"‪ ،‬فقد‬
‫اهتم مبالحظة ما الذي حيدث بعد االستجابة‪ ،‬يف حني الشروط اليت تزيد من احتمال التكرار لالستجابة فهي مقياس‬
‫للقوة اإلجرائية ‪.4‬‬
‫ومن خالل جهود "سكينر" ونظريته يف التعليم‪ ،‬ذهب الدارسون إىل أن علماء النفس الذين درسوا اللغة قد‬
‫أتثروا مبؤثرين أساسيني مها‪" :‬نظرية التعلم‪ ،‬ونظرية االتصال اليت تبحث يف عملية االتصال بعامة واالتصال اللغوي خباصة"‬
‫‪ ،5‬ومبوجب التأثر هباتني النظرتني اكتمل أتسيس علم اللسانيات النفسية ‪.6‬‬
‫ومما زاد يف بلورة واستقالل "علم اللغة النفسي"‪ ،‬وأصبح له أدواته العلمية‪ ،‬وإجراءاته التطبيقية‪ ،‬ظهور "النظرية‬
‫التوليدية التحويلية" على يد "تشومسكي" "‪ "Noam Chomsky‬من خالل كتابة "األبنية النظامية"‪ ،‬ليفتح اباب أمام‬
‫النظرة اجلديدة للسلوك اللغوي‪ .‬يقول "ليونز" "‪" :"John Lyons‬إن لتشومسكي يرجع الفضل أوال وأخريا يف نشأة علم‬
‫اللغة النفسي‪ ،‬وذلك من خالل أفكاره‪ ،‬ونظرايته الثورية اليت وطدت أركان علم اللغة النفسي وأعلت من بنيانه" ‪،7‬‬
‫والطفرة اليت أحدثتها هذه النظرية‪ ،‬أهنا وضعت مفهوما للغة يعقد الصلة بني التحليل اللغوي‪ ،‬وجوانب معينه يف كل من‬
‫نظرييت التعلم واملعلومات‪ ،‬حيث يرى "تشومسكي" أن نظرية التعلم القائلة ابلعالقة الشرطية بني املثري واالستجابة‪ ،‬ال‬
‫تصلح لتفسري قدرة املتكلم على استخدام اللغة ‪.8‬‬
‫ويرى أيضا من اجلانب النفسي املتعلق بعملية اكتساب اللغة لدي الطفل‪ ،‬أن عقل الطفل حيتوي على خصائص‬
‫فطرية‪ ،‬أو ملكة متنحه القدرة على تعلم اللغة البشرية‪ ،‬وبذلك فهو مهيأ ليكون قواعد لغته من خالل الكالم الذي‬
‫يسمعه بصورة إبداعية ال تقليد‪ ،‬وهذا يعين أن الطفل قادر على أتليف مجل صحيحة حنوية مل يسمع هبا من قبل‪ ،‬وهبذا‬

‫‪1‬‬
‫سامل شاكر‪ ،‬مدخل إىل علم الداللة‪ ،‬ترمجة حممد حيياتني‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪ 1992 ،‬م‪ ،‬ص ‪.34 / 32‬‬
‫‪2‬‬
‫ينظر‪ :‬نور اهلدى لوشن‪ ،‬مباحث يف علم اللغة ومناهج البحث اللغوي‪ ،‬ص ‪.166‬‬
‫‪3‬‬
‫نفسه‪ ،‬ص ‪.392‬‬
‫‪4‬‬
‫ينظر‪ :‬جالل مشس الدين‪ ،‬موسوعة مرجعية ملصطلحات علم النفس اللغوي‪ ،‬ص ‪.393‬‬
‫‪5‬‬
‫نور اهلدى لوشن‪ ،‬مباحث يف علم اللغة ومناهج البحث اللغوي‪ ،‬ص ‪.166‬‬
‫‪6‬‬
‫نفسه‪ ،‬ص ‪.25‬‬
‫‪7‬‬
‫جالل الدين مشس‪ ،‬موسوعة مرجعية ملصطلحات علم اللغة النفسي‪ ،‬ص ‪.441‬‬
‫‪8‬‬
‫ينظر حلمي خليل‪ ،‬دراسات يف اللسانيات التطبيقية‪ ،‬ص ‪.99‬‬
‫‪8‬‬
‫حتديد املفاهمي (عمل النفس اللغوي ‪/‬اللسانيات النفس ية)‪.‬‬ ‫احملارضة ا ألول‬

‫فإن "تشومسكي" ينتقد التقليد الذي اندت به النظرية السلوكية‪ ،‬واليت استقر عليها الفكر اللغوي من حيث هي التفسري‬
‫املقبول لعملية االكتساب‪.‬‬
‫إن نظرية "تشومسكي" وحتليالته النفسية‪ ،‬وحماوالته ربط اللغة ابلبحوث النفسية‪ ،‬وإاثرة مناقشات حادة عنيفة‪،‬‬
‫سواء يف أصوهلا النفسية‪ ،‬أو العقلية‪ ،‬أو يف رؤيتها لعملية االكتساب اللغوي‪ ،‬قد زلزلت فعال فكرة التقليد‪ ،‬وأصبح من‬
‫الصعب أن تعد عامال حامسا يف عملية االكتساب ‪ ،1‬وذلك الوجود جوانب أساسية يف اللغة ال ميكن أن تكون عرضة‬
‫للمالحظة املباشرة حبيث ختضع للتقليد‪ ،‬مثل املعاين املتصلة برتكيب اجلملة وشبه اجلملة؛ أي املعاين اجملردة للقواعد‬
‫النحوية‪ ،‬والصرفية اليت تعد جزءا من القدرة اللغوية عند البالغني‪ ،‬لقد استطاع "تشومسكي" بنظرته هذه أن ينقل البحث‬
‫اللغوي من االقتصار على الوصف‪ ،‬والتحليل دون التفسري‪ ،‬إىل حماولة تفسري الظواهر‪ ،‬والتفرقة بني القدرة اللغوية واألداء‪،‬‬
‫واهتم أتباع هذا االجتاه بدراسة العقل البشري‪ ،‬ودوره يف العملية اللغوية حملاولة تفسري الظواهر اللغوية ‪.2‬‬
‫جماالت البحث اللغوي النفسي من خالل السلوك اللغوي‪:‬‬
‫إن حتديد العوامل النفسية اليت تؤثر‪ ،‬وتغري يف األداء اللغوي‪ ،‬أو اليت تقع خلف الكفاءة اللغوية ابالصطالح‬
‫"لتشومسكي"‪ ،‬هو املوضوع الرئيس هلذا العلم؛ فالعالقة بني اللغة والنفس البشرية‪ ،‬أو بني اللغة والعقل البشري‪ ،‬هي‬
‫االهتمام األساس أو العام "لعلم اللغة النفسي" ‪ ،3‬فاهتمام "علم اللغة النفسي" واقع على عملية الكالم ككل‪ ،‬مبا فيها‬
‫نية اإلبالغ لدى املتكلم‪ ،‬وما يتبعها من عملية الرتميز املرسلة اليت تتفق‪ ،‬وأهداف املتكلم‪ ،‬وتتماشى مع مقاصده‪ ،‬لينتهي‬
‫عند عملية االلتقاط ‪ -‬الرموز‪ ،‬وحماولة حتليلها‪ ،‬وفهمها من قبل املستمع ‪.4‬‬
‫وإذا كان علم اللغة خيتص بدراسة املستوى الصويت‪ ،‬وإصدار الكالم‪ ،‬أو ابألحرى الصوت‪ ،‬وذلك ابنطالق اهلواء‬
‫من الرئتني بضغط من احلجاب احلاجز‪ ،‬ومرورا ابلقصبة اهلوائية‪ ،‬واحلنجرة‪ ،‬واحللق‪ ،‬والفم انتهاء ابلشفتني‪ ،‬ومن مثة انتقال‬
‫هذا الصوت إىل املستمع هبذه املوجات‪ ،‬والعمليات السمعية اليت جتعله قادرا على التقاط الصوت عرب اهلواء‪" ،‬فعلم اللغة‬
‫النفسي" يبحث يف العمليات العقلية اليت يقوم هبا املستقبل للكالم بفك شفرة الرموز الصوتية الغاية فهم املقصود‬
‫وإدراكه‪ ،‬والبحث عن القدرة اليت ميتلكها املتكلم‪ ،‬والسامع على إنتاج اللغة وفهمها‪ ،‬وذلك عن طريق امتالكه جملموعة‬
‫من االستعدادات‪ ،‬والقواعد النحوية‪ ،‬واليت متكنه من إنتاج عدد ال هنائي من اجلمل‪ ،‬وهو ما ميثل جوهر النظرية‬
‫التشومسكية التوليدية ‪.5‬‬

‫‪ 1‬نفسه‪ ،‬ص ‪.101 ،100‬‬


‫‪ 2‬ينظر‪ :‬حممد حممد داود‪ ،‬العربية وعلم اللغة احلديث‪ ،‬دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 2001 ،‬م‪ ،‬ص ‪.92‬‬
‫‪ 3‬ينظر‪ :‬داود عبده‪ ،‬حماضرات يف علم اللغة النفسي‪ ،‬املطبوعات اجلامعية‪ ،‬الكويت‪ ،‬ط ‪ 1984 ،01‬م‪ ،‬ص ‪.10‬‬
‫‪ 4‬ينظر‪ :‬فاطمة الطبال بركة‪ ،‬النظرية األلسنية عند رومان جاكبسون‪ ،‬دراسة ونصوص‪ ،‬املؤسسة اجلامعية للدراسات والنشر‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫لبنان‪ ،‬ط ‪ 1993 ،01‬م‪ ،‬ص ‪.111‬‬
‫‪ 5‬نفسه‪ ،‬ص ‪.92-91‬‬
‫‪9‬‬
‫حتديد املفاهمي (عمل النفس اللغوي ‪/‬اللسانيات النفس ية)‪.‬‬ ‫احملارضة ا ألول‬

‫إن حتديد اهتمامات "علم اللغة النفسي"‪ ،‬وجماالت البحث فيه‪ ،‬إمنا يكون ابلنظر إىل املشكالت اليت يطرحها‪،‬‬
‫واحللول اليت يقرتحها هلذه املشكالت‪ ،‬أو من خالل اإلجاابت اليت تشغل ابل الباحثني‪ ،‬وقد تصور هؤالء تساؤالت كثرية‬
‫تصب يف هذا االهتمام‪ ،‬وميكننا عرضها كما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬ما العمليات العقلية اليت يتمكن هبا الناس من قول ما يريدون قوله؛ أي كيف يستطيع الفرد استخدام معرفته اللغوية‬
‫حني إنتاج الكالم‪ ،‬وفهمه؟‪ ،‬وهذا يرتبط ابلوظيفة اليت تؤديها اللغة حني نتكلم‪ ،‬ونسمع‪ ،‬ونقرأ‪ ،‬ونكتب‪ ،‬ورمبا حني‬
‫نفكر‪ ،‬وما العمليات العقلية اليت يتمكن هبا الناس من إدراك‪ ،‬وفهم ما يسمعونه؛ أي إدراك الكالم ؟ ‪.1‬‬
‫‪ .2‬وكيف ميكن للفرد اكتساب املعرفة اللغوية‪ ،‬والقدرة اليت متكنه من استخدامها ‪ ،2‬ويعود اهتمام اللسانيات النفسية‬
‫بظاهرة اكتساب اللغة إىل أتثرها بنظرية القواعد التوليدية "لتشومسكي"‪ ،‬والذي يرى أن األطفال يولدون‪ ،‬وهم‬
‫مزودون بقدرة فطرية للمبادئ الصورية اليت حتدد الرتاكيب النحوية يف مجيع اللغات‪ ،‬هذه القدرة الفطرية‪ ،‬أو ( املعرفة‬
‫النظرية) هي عماد اكتساب اللغة‪ ،‬وسرعتها لديهم ‪ ،3‬ويف هذا السياق يسعی علم اللغة النفسي إىل "دراسة املؤثرات‬
‫النفسية اليت تعصف هبذا االكتساب سلبا وإجيااب‪ ،‬وكذلك الوقوف على املهارات العقلية" ‪ ،4‬وأيضا يهدف إىل‬
‫دراسة العالقة بني اللغة والفكر‪ ،‬وأيضا عملية االكتساب و"كيفية فهم اجلمل والكلمات‪ ،‬وسرعة الفهم‪ ،‬وخطوات‬
‫الفهم‪ ،‬وعوامل صعوبة الفهم" ‪.5‬‬
‫‪ .3‬التعرف على تركيب الذاكرة من الناحية اللغوية‪ ،‬وطبيعة التذكر‪ ،‬وعملية اختزان األلفاظ‪ ،‬واملفردات يف الذاكرة‪ ،‬وهو‬
‫ما يطلق عليه اسم "املعجم الذهين"‪ ،‬وأيضا التعرف على "أسلوب استدعاء املخزون اللغوي من الذاكرة" ‪ ،6‬ومنه‬
‫كيف تتم عملية اختيار املتكلم للمفردات اليت حيتاجها للتعبري عن أفكاره‪ ،‬وتوصيلها إىل الطرف اآلخر بطريقة تؤدي‬
‫إىل فهمها يف سهولة‪ ،‬ويسر ؟‪ ،‬وكيف ميكن للمستمع أن حيلل األصوات اليت يلتقطها إىل وحدات حىت ميكنه‬
‫التوصل إىل املعىن‪ ،‬أو املعاين اليت يريدها املتكلم ؟‪ ،‬فمجال "علم اللغة النفسي" إذن دراسة العمليات العقلية عند‬
‫املتحدث قبل صدور اللغة‪ ،‬وعند صدور اللغة من قبل املتكلم‪ ،‬ويدرس االكتساب‪ ،‬واإلدراك لديه وفق املستوايت‬
‫الصويت‪ ،‬والصريف‪ ،‬والنحوي‪ ،‬والداليل‪ ،‬فعمليات االستدعاء تقع يف بؤرة اهتمامات "الدراسات النفسو لغوية" حيث‬
‫ختضع إىل اختبارات خاصة‪ ،‬ومثال ذلك أن يعطي املتكلم كلمة ما‪ ،‬وتصاغ غالبا بدون أن يكون هلا معىن معجمي‪،‬‬
‫ولكنها تستدعي إىل العقل عن طريق بنيتها النحوية مفردات موجودة يف لغة يعينها‪ ،‬مث يطلب من املتكلم‪ ،‬أو‬

‫‪1‬‬
‫ينظر‪ :‬عبد الكرمي جماهد‪ ،‬علم اللسان العريب وفقه العربية‪ ،‬ص ‪. 91‬‬
‫‪2‬‬
‫ينظر‪ :‬حممود سليمان ايقوت‪ ،‬منهج البحث اللغوي‪ ،‬ص ‪.169‬‬
‫‪3‬‬
‫ينظر‪ :‬عبد القادر عبد اجلليل‪ ،‬علم اللسانيات احلديثة‪ ،‬ص ‪.199‬‬
‫‪4‬‬
‫نفسه‪ ،‬ص ‪.199‬‬
‫‪5‬‬
‫حممد حممد داود‪ ،‬العربية وعلم اللغة احلديث‪ ،‬ص ‪.92‬‬
‫‪6‬‬
‫نفسه‪ ،‬ص ‪.93‬‬
‫‪10‬‬
‫حتديد املفاهمي (عمل النفس اللغوي ‪/‬اللسانيات النفس ية)‪.‬‬ ‫احملارضة ا ألول‬

‫الشخص اجملرى عليه االختبار أن جييب سريعا أبول كلمة ختطر على ابله ‪ ،1‬مع األخذ بعني االعتبار اخللفية‬
‫االجتماعية‪ ،‬والثقافية هلذا الشخص‪ ،‬ألن االنعكاس االستدعائي حمكوم إىل حد كبري هبما‪ ،‬مث تصنف نتائج االختبار‬
‫عن طريق استخدام طرق إحصائية‪ ،‬وعلى أساس هذه النتائج تبذل جهود حملاولة التوصل إىل القوانني احلاكمة يف‬
‫عملية االستدعاء ‪ ،2‬فعندما تعطى شخصا ما كلمة حىت‪ ،‬وإن مل يكن لديها معنی مفهوم‪ ،‬ويطلب منه أن يتلفظ‬
‫بكلمة مشاهبة هلا‪ ،‬فإنه يقوم بعملية عقلية تستدعي من خمزونه اللغوي الذهين كلمة مشاهبة هلا‪ ،‬ويسعى العلماء يف‬
‫ذلك إىل فهم اآلليات املتحكمة يف عملية االستدعاء هلذه الكلمة املشاهبة ابلضبط وليس لسواها‪ ،‬ويف طول عملية‬
‫االستدعاء لأللفاظ تراقب‪ ،‬وتالحظ عن طريق اللغة املنطوقة اليت أرست اللسانيات مبادئ دراستها‪.‬‬
‫‪ .4‬حماولة التعرف عن كثب "على قدرة الطفل على اكتساب اللغة؛ مىت وكيف ؟" ‪ ،3‬وما الطريق الذي يتبعه األطفال يف‬
‫تعلم كيفية إنتاج اللغة وفهمها يف املراحل العمرية املبكرة ؟؟‪ ،‬ويبدأ ذلك ابلتعرف على اكتسابه للمفردات‪ ،‬وطريقة‬
‫بناء الكلمة وتكوين اجلملة‪ ،‬والعالقة بني النمو اللغوي للطفل‪ ،‬ومنوه اإلدراكي‪.‬‬
‫‪ .5‬دراسة أمراض اللغة واضطراابت النطق وعيوب الكالم‪ ،‬مثل‪ :‬أتخر الكالم‪ ،‬واحتباس الكالم‪ ،‬وصعوبة القراءة‪،‬‬
‫والتأأتة‪ ،‬واللعثمة‪ ،‬واللجلجة‪ ،‬واخلمخمة أو ما يسمى ابخلنف ‪" ،4‬وهو صعوبة يف نطق أصوات اللغة خاصة صويت‬
‫امليم والنون" ‪ ،5‬وغري ذلك من الظواهر ذات الصلة ابللغة املنطوقة واليت تؤدي إىل عدم البيان وهو ضد الفصاحة‪،‬‬
‫وتؤدي إىل " اللحن" بكل جوانبه الصوتية‪ ،‬والصرفية‪ ،‬والنحوية‪ ،‬والداللية‪.‬‬
‫‪ .6‬كشف العالقة بني اللغة واألمراض النفسية الذي يندرج حتته ما يسمى "التخلف العقلي" الذي يؤدي إىل بعض‬
‫األمراض اللغوية‪ ،‬ويظهر ذلك يف أتويل الكالم على غري ما يفهم عامة الناس‪ ،‬واهلذاين‪ ،‬واهللوسة السمعية وغريها ؟‬
‫‪.6‬‬
‫‪ .7‬دراسة ما يسمى "ابللغة االنفعالية"‪ ،‬وذلك بتحليل األمناط اللغوية‪ ،‬وما حتمله من معىن تفسري انفعايل الذي هو غري‬
‫املعىن العلمي االصطالحي العام للكلمة يف املعجم‪ ،‬وذلك ألن الكثري من ألفاظنا إمنا هي مشحونة مبعاين نفسية‬
‫انفعالية‪ ،‬عکس خربات الفرد اخلاصة واجلماعية‪ ،‬وهذا هو التمايز الداليل للكلمات‪ ،‬وتدرس اللسانيات النفسية هنا‬
‫أيضا اختالف نسبة العاطفة بني األشخاص‪ ،‬وذلك عن طريق مالحظة التعبريات اللغوية لديهم‪ ،‬فمثال‪" :‬التعبريات‬

‫‪1‬‬
‫ينظر‪ :‬کرمي زكي حسام الدين‪ ،‬أصول تراثية يف اللسانيات احلديثة‪ ،‬ص ‪.73‬‬
‫‪2‬‬
‫ينظر‪ :‬ميلكا افيتش‪ ،‬اجتاهات البحث اللساين‪ ،‬ص ‪.310‬‬
‫‪3‬‬
‫حممد حممد داود‪ ،‬العربية وعلم اللغة احلديث‪ ،‬ص ‪.92‬‬
‫‪4‬‬
‫ينظر‪ :‬حلمي خليل‪ ،‬مقدمة لدراسة فقه اللغة‪ ،‬ص ‪.194‬‬
‫‪5‬‬
‫عبد القادر عبد اجلليل‪ ،‬علم اللسانيات احلديثة‪ ،‬ص ‪199‬‬
‫‪6‬‬
‫ينظر حممود سليمان ايقوت‪ ،‬منهج البحث اللغوي‪ ،‬ص ‪.171 ، 170‬‬
‫‪11‬‬
‫حتديد املفاهمي (عمل النفس اللغوي ‪/‬اللسانيات النفس ية)‪.‬‬ ‫احملارضة ا ألول‬

‫اليت هي تعاطف متدفق يف جمتمع ريفي بسيط رمبا تبدو أحياان اإلنسان املدينة املعقد نوعا من اجلالفة" ‪ ،1‬ويرى‬
‫علماء اللسانيات النفسية أن نوع االتصال لدى الفرد يربز شخصيته‪.‬‬
‫‪ .8‬ومثة جمال آخر من جماالت اللسانيات النفسية‪ ،‬وهو كيفية تعلم اللغة األجنبية‪ ،‬حيث سعى علماؤها إىل أتسيس‬
‫نظرية لتعليم اللغات األجنبية؛ أي كيف ميكن لتعليم اللغات أن يكون أكثر سهولة‪ ،‬وسرعة‪ ،‬وفاعلية‪.‬‬
‫‪ .9‬ويف هذا املضمار جتدر اإلشارة إىل جانب الداللة اللغوية الذي حيتل موضعا هاما يف علم اللغة‪ ،‬والذي أيخذ املوضع‬
‫ذاته يف علم اللغة النفسي ألنه يعاجل اجلانب الذايت للغة‪ ،‬ويف جمال علم النفس يهتم علماؤه ابإلدراك‪ ،‬وحيث كان‬
‫اإلدراك ظاهرة فردية فقد طوروا وسائل دراستهم ليعرفوا مدى االختالف بني الناس يف إدراكهم للكلمات‪ ،‬أو حتديد‬
‫مالحمها الداللية‪.‬‬
‫إن العالقة اليت قامت بني "علم الداللة" و"علم اللغة النفسي"‪ ،‬كانت بداية ابلتفرقة بني ما يعرف حتت اسم‬
‫املضمون املنطقي‪ ،‬واملضمون النفسي‪ ،‬حيث األول هو ما محلته القواميس على األغلب‪ ،‬وفهمه واحد بني األفراد وإن مل‬
‫يكن كذلك فهو متقارب‪ ،‬يف حني الثاين "املضمون النفسي" شديد التباين بني املتكلمني؛ لكن هذا ال مينع وجود اشرتاك‬
‫بينهم الناطقني يف كثري من دالالته اليت قد حتملها الكلمة الواحدة مع وجوب اإلشارة إىل أن كال منهما مرتبط ابآلخر ‪،2‬‬
‫ذلك أن الكلمة حينما تصدر فإهنا تكون مشبعة بكليهما "املنطقي والنفسي"‪ ،‬وعلى سبيل التمثيل لفظة "األهرام" اليت‬
‫تفهم عند الغالبية إن مل تكن عند اجلميع على أهنا تلك األبنية الشاخمة اليت بناها الفراعنة يف "اجليزة" من زمن سحيق‪،‬‬
‫وعليه فهي معان شبه مشرتكة متداولة ‪ ،3‬لكن قد ينفرد شخص ما بتجربة مر هبا كانت على صلة بتلك "األهرام"‪،‬‬
‫فيشري مساعه هلذه اللفظة بتلك املتعة مثال اليت أحسها عند زايرته هلا‪ ،‬وهو طفل مع والده مثال‪ ،‬لكن قد تثري يف نفس‬
‫آخر احلزن‪ ،‬واألسى ألهنا تذكره حبادث أليم واجهه عند زايرته هلا‪ ،‬إذن اخلالفات الفردية يف جتربة امللفوظات تظهر فروقا‬
‫يف املعاين املستدعاة‪.‬‬
‫من خالل هذه التشابكات بني األسئلة‪ ،‬وإجاابهتا حول اهتمامات علم اللغة النفسي‪ ،‬وجماالته‪ ،‬وميادينه‪ ،‬ميكننا‬
‫استخالص تعريف دقيق له‪ ،‬فهو "العلم الذي يبحث يف ظواهر اللغة ونظرايهتا‪ ،‬مستخدما أحد مناهج علم النفس" ‪.4‬‬

‫مصادر ومراجع احملاضرة‪:‬‬


‫‪ .1‬أمحد حساين‪ ،‬مباحث يف اللسانيات‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪ 1994 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .2‬أمحد مومن‪ ،‬اللسانيات النشأة والتطور‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪ 2002 ،‬م‪.‬‬

‫‪ 1‬ميلكا افيتش‪ ،‬اجتاهات البحث اللساين‪ ،‬ص ‪.312‬‬


‫‪ 2‬ينظر‪ :‬حممود السعران‪ ،‬علم اللغة مقدمة للقارئ العريب‪ ،‬دار النهضة للطباعة والنشر‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ 2003 ،‬م‪ ،‬ص ‪.278 ،277‬‬
‫‪ 3‬نفسه‪ ،‬ص ‪.278‬‬
‫‪ 4‬جالل مشس الدين‪ ،‬علم اللغة النفسي مناهجه ونظرايته وقضاايه‪ ،‬مؤسسة الثقافة اجلامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪ 2012 ،‬م‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص‬
‫‪.95‬‬
‫‪12‬‬
‫حتديد املفاهمي (عمل النفس اللغوي ‪/‬اللسانيات النفس ية)‪.‬‬ ‫احملارضة ا ألول‬

‫‪ .3‬جالل مشس الدين‪ ،‬علم اللغة النفسي مناهجه ونظرايته وقضاايه‪ ،‬مؤسسة الثقافة اجلامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫‪ 2012‬م‪.‬‬
‫‪ .4‬جالل مشس الدين‪ ،‬موسوعة مرجعية ملصطلحات علم اللغة النفسي‪ ،‬مطبعة االنتصار للطباعة والنشر‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪ 2003 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .5‬حلمي خليل‪ ،‬دراسات يف اللسانيات التطبيقية‪ ،‬دار املعرفة اجلامعية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 2000 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .6‬حلمي خليل‪ ،‬دراسات يف اللغة واملعاجم‪ ،‬دار النهضة العربية للطباعة والنشر‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪1998 ،01‬م‪.‬‬
‫‪ .7‬داود عبده‪ ،‬حماضرات يف علم اللغة النفسي‪ ،‬املطبوعات اجلامعية‪ ،‬الكويت‪ ،‬ط ‪ 1984 ،01‬م‪.‬‬
‫‪ .8‬سامل شاكر‪ ،‬مدخل إىل علم الداللة‪ ،‬ترمجة حممد حيياتني‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪ 1992 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .9‬سعد مصلوح‪ ،‬األسلوب دراسة لغوية إحصائية‪ ،‬عامل الكتب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ 2002 ،03‬م‪.‬‬
‫‪ .10‬سليمان ايقوت‪ ،‬منهج البحث اللغوي‪ ،‬دار املعرفة اجلامعية للطبع والنشر والتوزيع‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫‪2003‬م‪.‬‬
‫‪ .11‬صاحل بلعيد‪ ،‬دروس يف اللسانيات التطبيقية‪ .‬دار هومة للطباعة والنشر‪ ،‬اجلزائر‪ 2003 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .12‬عبد السالم املسدي‪ ،‬التفكري اللساين يف احلضارة العربية‪ ،‬الدار العربية للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪،02‬‬
‫‪1986‬م‪.‬‬
‫‪.13‬عبد العزيز بن إبراهيم العصيلي‪ ،‬علم اللغة النفسي‪ ،‬منشورات جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية‪ ،‬عمادة‬
‫البحث العلمي‪ ،‬الرايض‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪ ،‬ط ‪ 2006 ،01‬م‪.‬‬
‫‪ .14‬عبد القادر عبد اجلليل‪ ،‬علم اللسانيات احلديثة نظم التحكم وقواعد البياانت‪ ،‬دار الصفاء للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ط ‪ 2002 ،01‬م‪.‬‬
‫‪.15‬عبد الكرمي جما هد‪ ،‬علم اللسان العريب وفقه العربية‪ ،‬دار أسامة للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ط ‪،01‬‬
‫‪2007‬م‪.‬‬
‫‪ .16‬عزيز كعواش‪ ،‬علم اللغة النفسي بني األدبيات اللسانية والدراسات النفسية‪ ،‬جملة كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‪،‬‬
‫العدد السابع‪ ،‬جامعة حممد خيضر‪ ،‬بسكرة‪ ،‬جوان‪ 2010 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .17‬فاطمة الطبال بركة‪ ،‬النظرية األلسنية عند رومان جاكبسون‪ ،‬دراسة ونصوص‪ ،‬املؤسسة اجلامعية للدراسات‬
‫والنشر‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪ 1993 ،01‬م‪.‬‬
‫‪ .18‬کرمي زكي حسام الدين‪ ،‬أصول تراثية يف علم اللغة‪ ،‬دار الرشاد‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ 2001 ،03‬م‪.‬‬
‫‪ .19‬حممد شحاته ربيع‪ ،‬اتريخ علم النفس ومدارس ه‪ ،‬دار املعرفة اجلامعية للطبع والنشر والتوزيع‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫‪ 2005‬م‪.‬‬
‫‪ .20‬حممد حممد داود‪ ،‬العربية وعلم اللغة احلديث‪ ،‬دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 2001 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .21‬حممود السعران‪ ،‬علم اللغة مقدمة للقارئ العريب‪ ،‬دار النهضة للطباعة والنشر‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ 2003 ،‬م‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫حتديد املفاهمي (عمل النفس اللغوي ‪/‬اللسانيات النفس ية)‪.‬‬ ‫احملارضة ا ألول‬

‫‪ .22‬ميلكا افيتش‪ ،‬اجتاهات البحث اللساين‪ ،‬ترمجة‪ :‬سعد عبد العزيز مصلوح‪ ،‬وفاء كامل فايد‪ ،‬اجمللس األعلى‬
‫للثقافة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ 2000 ،02‬م‪.‬‬
‫‪ .23‬نور اهلدى لوشن‪ ،‬مباحث يف علم اللغة ومناهج البحث اللغوي‪ ،‬املكتبة اجلامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪2001 ،‬م‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫احملارضة الثانية‬
‫عالقة اللسانيات النفس ية ابلعلوم‬
‫ا ألخرى ‪.1‬‬
‫عالقة اللسانيات النفس ية ابلعلوم ا ألخرى ‪.1‬‬ ‫احملارضة الثانية‬

‫توطئة‪:‬‬
‫تشكل اللغة ابعتبارها موضوعا للسانيات بؤرة تتقاطع عندها عدة ختصصات إنسانية‪ ،‬واجتماعية‪ ،‬ونفسية‪ ،‬وحىت‬
‫تقنية‪ ،‬بل وتتمازج إىل احلد الذي جيعل من الصعب تلمس احلدود الفاصلة بني ختصصني‪ ،‬أو أكثر يدرسان اللغة‪ ،‬ولعل‬
‫أهم ما يفسر بينية اللغة ابعتبارها موضوعا للدراسة طبيعتها؛ فاللغة تعترب ظاهرة مرتبطة ابإلنسان‪ ،‬واجملتمع وعلى حد‬
‫تعبري "كلود ليفي شرتاوس" "‪ "Claude Lévi-Strauss‬حني يقول‪" :‬إننا حني نقول اإلنسان فإننا نعين اللغة‪ ،‬وحني نقول‬
‫اللغة فإننا نقصد اجملتمع" ‪ ، 1‬وعليه فإن أية دراسة سواء كانت جتريبية‪ ،‬أو جتريدية تروم دراسة اإلنسان ستصطدم ال حمالة‬
‫ابللغة‪ ،‬فالدارس املتخصص يف اجلهاز التنفسي‪ ،‬أو النطقي مثال سيجد نفسه مضطرا إىل معرفة النظام الصويت هلذه اللغة‪،‬‬
‫أو تلك‪ ،‬وكذلك األمر ابلنسبة إىل جانب األعصاب الذي يفرض عليه موضوع دراسته التعامل مع املناطق اللغوية على‬
‫مستوى الدماغ‪ ،‬وغري ذلك‪.‬‬
‫ولعل اللسانيات اليوم أصبحت مركز استقطاب بال منازع‪ ،‬فكل العلوم أصبحت تلتجئ إليها سواء أكان ذلك يف‬
‫مناهج حبثها‪ ،‬أم يف تقدير حصيلتها املعرفية‪ ،‬فإذا هي قطب الرحى يف احلركة التأسيسية لكثري من مرتكزات الفكر‬
‫اإلنساين املعاصر‪ ،‬ال من حيث أتصيل املنهج‪ ،‬وتطوير طرائق إخصابه فحسب‪ ،‬بل من حيث "أهنا تتخذ اللسان البشري‬
‫مادة هلا وموضوعا‪ ،‬األمر الذي أضفي على اللسانيات طابع الشمولية‪ ،‬واالتساع" ‪ ،2‬ولقد ترتب على خصوصية اللغة‬
‫أن قامت عدة علوم فرعية تبين موضوعها من خالل نسج جسر معريف بني علم اللغة‪ ،‬وعلم آخر" كعلم النفس"‪ ،‬أو‬
‫"علم االجتماع"‪ ،‬وحىت "العلوم التقنية" "كاحلاسوبية" مثال‪ ،‬فتولدت عن هذا التزاوج املعريف علوم معرفية "كاللسانيات‬
‫النفسية"‪ ،‬و"اللسانيات االجتماعية"‪ ،‬و"اللسانيات احلاسوبية"‪ ،‬و"اللسانيات التارخيية"‪ ،‬و"اللسانيات اجلنائية" وغريها ‪،3‬‬
‫وميكن هلذه البناءات املعرفية أن تتوسع لتشمل عشرات من العلوم املتولدة اليت يكون موضوع أحد طرفيها اللغة‪.‬‬
‫ف تلك العمليات النفسية والعقلية‪ ،‬اليت حتدث يف الذهن خيتص بدراستها اليوم ما يسمى "بعلم األصوات‬
‫النفسي" "‪ ،"Phonétique psychologique‬وقد يسمى أحياان "بعلم األصوات السمعي" " ‪Phonétique‬‬
‫‪ ،"auditoire‬ويسميه البعض بـ "‪.4 "Psych-acoustique‬‬
‫ولعل من أهم فروع "اللسانيات" هي "اللسانيات النفسية" أو ما يعرف "بعلم النفس اللغوي" الذي يعىن بظواهر‬
‫اللغة‪ ،‬ونظرايهتا‪ ،‬وطرائق اكتساهبا‪ ،‬وإنتاجها من الناحية النفسية مستخدما أحد مناهج علم النفس ‪ ،5‬فهو علم يهتم‬
‫بدراسة السلوك اللغوي لإلنسان‪ ،‬والعمليات النفسية العقلية املعرفية اليت حتدث يف أثناء فهم اللغة‪ ،‬واستعماهلا اليت هبا‬

‫‪1‬‬
‫كلود ليفي شرتاوس‪ ،‬األنثروبولوجيا البنيوية‪ ،‬ترمجة مصطفى صاحل وزارة الثقافة واإلرشاد القومي‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوراي‪ 1983 ،‬م‪ ،‬ص ‪.90‬‬
‫‪ 2‬أمحد حساين‪ ،‬مباحث يف اللسانيات‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪ 1994 ،‬م‪ ،‬ص ‪.17‬‬
‫‪ 3‬ينظر‪ :‬حلمي خليل‪ ،‬اللغة والطفل "دراسة ضوء علم اللغة النفسي"‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪ 1986 ،01‬م‪ ،‬ص ‪.26‬‬
‫‪ 4‬جالل مشس الدين‪ ،‬علم اللغة النفسي مناهجه ونظرايته وقضاايه‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪ 2003 ،‬م‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.10‬‬
‫‪ 5‬عبد العزيز بن إبراهيم العصيلي‪ ،‬علم اللغة النفسي‪ ،‬منشورات جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية‪ ،‬عمادة البحث العلمي‪ ،‬الرايض‪،‬‬
‫اململكة العربية السعودية‪ ،‬ط ‪ 2006 ،01‬م‪ ،‬ص ‪.27‬‬
‫‪16‬‬
‫عالقة اللسانيات النفس ية ابلعلوم ا ألخرى ‪.1‬‬ ‫احملارضة الثانية‬

‫يكتسب اإلنسان اللغة ‪1‬؛ يوضح لنا هذا الكالم ال عالقة بني اللغة والنفس‪ ،‬وبني الكالم والعقل‪ ،‬أي‪ :‬أن األصوات‬
‫املنبثقة من الفم املتجهة إىل األذن من انحية‪ ،‬والفكرة املسافرة مع هذه األصوات من مخ املتكلم إىل مخ السامع من‬
‫انحية أخرى ‪ ،2‬كل هذا يقودان إىل عالقات أخرى تربط "اللسانيات النفسية" مبجالت وعلوم أخرى‪.‬‬
‫عالقة "اللسانيات النفسية" "ابملنطق"‪:‬‬
‫تعترب اللغة وسيلة اتصال بني البشر‪ ،‬وأداة تعبري عن مكنوانت النفس‪ ،‬وفهم‪ ،‬واستيعاب املواضيع‪ ،‬واملفاهيم‪،‬‬
‫ومتغريات العامل‪ ،‬وأفكار اآلخرين‪ ،‬وهي تنشأ‪ ،‬وتتطور وفقا ملهارات االنتباه‪ ،‬واإلدراك‪ ،‬والتذكر‪ ،‬واحلركية‪ ،‬والذكاء‪ ،‬لذا‬
‫فإن أي اضطراب يصيب هذه املهارات‪ ،‬ويعرقل فعاليتها يؤدي إىل اضطراب يف اللغة‪ ،‬ويف وظيفتها‪ ،‬وقدرهتا على الفهم‬
‫والتعبري ‪ ،3‬ويتطلب التواصل الذي حتققه اللغة من جهة أخرى ما يلي‪:‬‬
‫‪" .1‬التشفري" "‪"Codage‬؛ أي‪ :‬إرسال رسالة بشكل مفهوم‪.‬‬
‫‪" .2‬فك الشفرة" "‪"Décodage‬؛ أي‪ :‬استقبال الرسالة‪ ،‬وفهمها ‪.4‬‬
‫وتعرف عملية تشفري‪ ،‬أو إرسال الرسائل أبهنا اللغة التعبريية‪ّ ،‬أما فك شفرة الرسائل‪ ،‬أو فهمها فتعرف ابللغة‬
‫االستقبالية‪ ،‬فلكل لغة منطق ونظام خاص هبا‪ ،‬يراعيه املتكلمون هبا "ألنه شرط الفهم‪ ،‬واالفهام يف البيئة اللغوية الواحدة‪،‬‬
‫وإذا أخل املتكلم هبذا النظام حكم السامع على كالمه ابلغرابة‪ ،‬والشذوذ‪ ،‬والغموض‪ ،‬ويرتبط هذا النظام بعقول أصحاب‬
‫اللغة‪ ،‬وتفكريهم إىل حد كبري‪ ،‬ولكنه النظام اخلاص الذي خيتلف من لغة إىل أخرى‪ ،‬ويتصف يف كل بيئة خبصائص معينة‬
‫جتعل لكل لغة استقالهلا‪ ،‬ومتيزها من غريها" ‪.5‬‬
‫فنظام أو منطق العربية – مثال ‪ -‬خيتلف عن نظام االجنليزية يف كثري من الظواهر‪ ،‬والقواعد‪ ،‬واألسس‪ ،‬والسيما‬
‫يف ترتيب اجلملة‪ ،‬ويف اإلفراد‪ ،‬والتثنية‪ ،‬واجلمع‪ ،‬ويف التأنيث‪ ،‬والتذكري‪ ،‬وغري ذلك فالصفة مثال يف نظام االجنليزية ختالف‬
‫املوصوف من حيث الرتبة‪ ،‬واملطابقة يف العدد‪ ،‬واجلنس‪ ،‬ويعد ذلك يف العربية حلنا‪ ،‬وخطأ ذلك أن نظامها ينأى عن‬
‫نظام اإلجنليزية ‪6‬؛ لذلك ربط القدماء بني اللغة‪ ،‬واملنطق العقلي‪ ،‬فدعا فالسفة اليوانن إىل طرائق هتيمن على التفكري‬
‫اإلنساين‪ ،‬وجعلوها بديهيات ال خيتلف فيها‪ ،‬ومقدمات لقضااي عقلية ينتهون منها إىل حكم خاص ال يرتدد العقل يف‬
‫قبوله ‪ ،7‬هذا املنهج العقلي هو "املنطق" "‪ "Logic‬الذي اكتمل لدى "أرسطو" "‪ ،"Aristote‬حيث ربط بينه وبني‬

‫‪ 1‬غازي خمتار طليمات‪ ،‬يف علم اللغة‪ ،‬دار طالس‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوراي‪ ،‬ط ‪ 2000 ،02‬م‪ ،‬ص ‪.30‬‬
‫‪ 2‬ينظر‪ :‬حممود السعران‪ ،‬علم اللغة مقدمة للقارئ العريب‪ ،‬دار النهضة للطباعة والنشر‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ 2003 ،‬م‪ ،‬ص ‪.64‬‬
‫‪ 3‬حسن اجلبايل‪ ،‬الكفيف واألصم بن االضطهاد والعظمة‪ ،‬مكتبة األجنلو املصرية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ 2005 ،01‬م‪ ،‬ص ‪.34‬‬
‫‪ 4‬دانيال هاالهان وجون لويد وجيمس كوفمان‪ ،‬صعوابت التعلم "مفهومها‪ ،‬طبيعتها‪ ،‬التعليم العالجي"‪ ،‬ترمجة عادل عبد هللا حممد‪ ،‬دار‬
‫الفكر عمان‪ ،‬ط ‪ 2008 ،01‬م‪ ،‬ص ‪.485‬‬
‫‪ 5‬إبراهيم انيس‪ ،‬من أسرار اللغة‪ ،‬مكتبة االجنلو املصرية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ 1978 ،06‬م‪ ،‬ص ‪.178‬‬
‫‪ 6‬وحنو ذلك‪ :‬قولنا‪ :‬ولدان ذكيان (‪ ،)Two clever boys‬بنتان ذكيتان (‪ ،)Two clever girls‬بنات ذكيات (‪،)Clever girls‬‬
‫ولد ذكي (‪ ،)a clever boy‬بنت ذكية (‪. )a clever girl‬‬
‫‪ 7‬ينظر‪ :‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪ 134‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪17‬‬
‫عالقة اللسانيات النفس ية ابلعلوم ا ألخرى ‪.1‬‬ ‫احملارضة الثانية‬

‫اللغة لتوضيحه‪ ،‬ووضعه يف قوالب حنوية‪ ،‬صاغها يف صور ألفاظ‪ ،‬وأصوات‪ ،‬واملنطقيون بعده حاولوا صب اللغات يف تلك‬
‫القوالب املنطقية "ألرسطو"‪.‬‬
‫وقد أعجب النحاة العرب "مبنطق أرسطو"‪ ،‬وحاولوا تطبيقه على النحو العريب لذا جند يف حبوثهم اللغوية من‬
‫األقيسة‪ ،‬واالستنباط‪ ،‬واالستقراء وغريها‪ ،‬ومل يقتصر أتثري املنطق على اللغة العربية فحسب بل تعداه إىل "علم الكالم"‪،‬‬
‫و"علم أصول الفقه"‪ ،‬ولعل هذا راجع إىل اتسـاع الدولة اإلسالمية‪ ،‬ودخول األعاجم يف دين املسلمني؛ إذ واجه املسلمون‬
‫نوازل جديدة دفعت اجملتهدين إىل بذل جمهود واسع يف االجتهاد والتشريع لتلك الوقائع‪ ،‬وقد نتج عن هذا السعي‬
‫الفقهي احلثيث أن اصطبغت األحكام الشرعية ابلصبغة العلمية فذكرت معها أدلتها‪ ،‬وعللها‪ ،‬واألصول العامة اليت تتفرع‬
‫منها ‪.1‬‬
‫وهنا تتجلى العالقة بني "اللسانيات النفسية" و"الفلسفة" وخباصة "املنطق األرسطي"‪ ،‬ومن الطبيعي أن يكون‬
‫مثل هذا التعاون ما بني علم النفس اللغوي واملنطق؛ فاللغة تعبري عن الفكر‪ ،‬وعليها أن تراعي مقوالته‪ ،‬وتراكيبه‪ ،‬واملنطق‬
‫حبث يف الفكر‪ ،‬وعليه أن يبحث يف أمر التعبري عن هذا الفكر؛ أي‪ :‬يف أمر اللغة‪ ،‬يقول "التوحيدي" يف "املقابسات"‬
‫على لسان "أيب سليمان السجستاين"‪" :‬النحو منطق عريب‪ ،‬واملنطق حنو عقلي‪ ،‬وجل نظر املنطقي يف املعاين‪ ،‬وإن كان ال‬
‫جيوز له اإلخالل ابأللفاظ اليت هي هلا كاحللل واملعارض‪ ،‬وجل نظر النحوي يف األلفاظ‪ ،‬وإن كان ال يسوغ له اإلخالل‬
‫ابملعاين اليت هي هلا كاحلقائق‪ ،‬واجلواهر" ‪ ،2‬يقول "أبو حيان التوحيدي" أيضا يف هذا الباب‪" :‬وهبذا يتبني لك أن البحث‬
‫عن املنطق قد يرمي بك إىل جانب النحو‪ ،‬والبحث عن النحو يرمي بك إىل جانب املنطق‪ ،‬ولوال أن الكمال غري‬
‫مستطاع لكان جيب أن يكون املنطقي حنواي والنحوي منطقيا‪ ،‬خاصة‪ ،‬والنحو واللغة عربية‪ ،‬واملنطق مرتجم هبا ومفهوم‬
‫عنها" ‪.3‬‬
‫فروع لسانية هلا عالقة ابللسانيات النفسية‪:‬‬
‫لعل من أهم الفروع اللسانية ارتباطا "ابللسانيات النفسية" "اللسانيات البيولوجية" "‪ ،"Biolinguistique‬و"اللسانيات‬
‫العصبية" "‪:"Neurolinguistique‬‬
‫أ‪ -‬اللسانيات البيولوجية (علم اللغة البيولوجي)‪:‬‬
‫حياول الباحثون يف "اللسانيات البيولوجية" اكتشاف التأثريات الدماغية على العمليات اللغوية والكالمية‪ ،‬هلذا‬
‫فإن اهلدف األول واألخري للبحث البيولوجي اللغوي‪ ،‬هو دراسة العالقة القائمة بني الوظيفة اللغوية عند اإلنسان‪ ،‬وبني‬
‫الوظائف األخرى يف الدماغ البشري‪ ،‬ومن بني القضااي اليت هتتم هبا الدراسة البيولوجية للغة‪ ،‬هي معرفة املراحل الطبيعية‬
‫للتطور اللغوي عند األطفال‪ ،‬كيف يبدأ األطفال ابلتكلم ؟‪ ،‬وما هي العوامل املختلفة اليت تسيطر على العملية اللغوية‬
‫عند األطفال ؟‪ ،‬ما هي العوامل السمعية‪ ،‬والنطقية اليت متكن األطفال من إتقان العملية اللغوية ؟‪ ،‬كما هتتم أيضا‬

‫‪1‬‬
‫عبد الوهاب خالف‪ ،‬علم أصول الفقه‪ ،‬دار النفائس‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ 1996 ،07‬م‪ ،‬ص ‪.16‬‬
‫‪2‬‬
‫أبو حيان التوحيدي‪ ،‬املقابسات‪ ،‬شرح وحتقيق‪ :‬حسن السندويب‪ ،‬اهليئة املصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 2006 ،‬م‪ ،‬ص ‪.169‬‬
‫‪3‬‬
‫نفسه‪ ،‬ص ‪.177‬‬
‫‪18‬‬
‫عالقة اللسانيات النفس ية ابلعلوم ا ألخرى ‪.1‬‬ ‫احملارضة الثانية‬

‫ابألمراض اللغوية املوجودة على سطح الدماغ البشري‪ ،‬واليت ميكن أن توقف العملية اللغوية‪ ،‬أو تسبب هلا أمراضا مؤذية‬
‫‪.1‬‬
‫وإضافة إىل ذلك‪ ،‬فإن الدراسة البيولوجية للغة‪ ،‬متكننا من قياس درجة النمو الفيزايئي‪ ،‬والفيزيولوجي من جهة نظر‬
‫لغوية حبتة‪ ،‬كما حتاول معرفة الظواهر الفيزيولوجية املسيطرة على السلوك اللغوي عند الناشئة ‪ ،2‬فمن حقول اللسانيات‬
‫احلقل الفيزايئي البيولوجي‪ ،‬وهذه الدراسة تعىن ابألصوات اللغوية من انحيتها اجلسمانية (الفيزيولوجية)‪ ،‬والفيزايئية‪ ،‬ذلك‬
‫أن الصوت جمرى هوائي يبدأ من الرئتني إىل احلنجرة إىل الفم إىل خمرج الفم‪ ،‬إال أن هذا اجملرى اهلوائي يف مسريه من الرئة‬
‫إىل الشفة‪ ،‬يتكيف‪ ،‬ويتحور‪ ،‬ويتغري تبعا ملا يعرتض سريه من حواجز‪ ،‬وعقبات‪ ،‬والتواءات تضعها يف سريه كل من األواتر‬
‫الصوتية‪ ،‬فمؤخ ر احلنك‪ ،‬فاللسان‪ ،‬فاألسنان‪ ،‬فالشفتان‪ ،‬لذلك فإن احلقل الفيزايئي البيولوجي‪ ،‬يتناول األصوات اللغوية‬
‫من انحيتني‪ :‬فيزيولوجية جسمية وتعىن بعملية التنفس‪ ،‬ووصف أعضاء النطق‪ ،‬احلنجرة‪ ،‬واألواتر الصوتية‪ ،‬ومؤخر احلنك‪،‬‬
‫واللهاة‪ ،‬واألنف‪ ،‬واللسان‪ ،‬والشفتني‪ ،‬وكل عضو قد يشرتك بعملية النطق‪ ،‬وفيزايئية وتعىن بطبيعة السمع ‪.3‬‬
‫فالعملية الكالمية "النطقية" أكثر العمليات تعقيدا‪ ،‬وهي نتاج تنوع الضغط الذي يصادفه تيار اهلواء يف أماكن‬
‫متنوعة من جمرى اهلواء ‪ ،4‬هلذا فإن عدد األصوات اليت ميكن أن ينتجها جهاز النطق ال تدخل حتت حصر‪ ،‬واألصوات‬
‫اليت تصدر عن جهاز التصويت‪ " ،‬عبارة عن ذبذابت تلتقطها األذن خالل القناة السمعية إىل الطبلة‪ ،‬مث سلسلة من‬
‫العظام الصغرية إىل األذن الداخلية‪ ،‬وتنتقل تلك اإلحساسات من هناك عن طريق العصب السمعي إىل املخ حيث‬
‫يسجلها" ‪.5‬‬
‫ومبا أن اللغة نفسها هي نظام من رموز وعالمات‪ ،‬أو هي األصوات اليت حيدثها جهاز النطق اإلنساين‪ ،‬واليت‬
‫تدركها األذن فتؤدي دالالت اصطالحية معينة يف اجملتمع املعني‪ ،‬كان هلا جانب اجتماعي وآخر نفسي‪ ،‬ومن مث "كان‬
‫لعلم اللسان نفسه صلة‪ ،‬وارتباط بعلوم االجتماع‪ ،‬واألجناس البشرية‪ ،‬والنفس‪ ،‬كما تقتضي دراسة أصوات اللغة االتصال‬
‫بعلوم أخرى‪ ،‬والتعرف عليها‪ ،‬وذلك "كالتشريح"‪ ،‬و"علم وظائف األعضاء"‪ ،‬و"علم احلياة العام" ‪.6‬‬
‫ولقد أث بت البحث البيولوجي أن هناك كثريا من املرضى الذين ال يستطيعون التكلم‪ ،‬ولكنهم يفهمون ماذا يقال‬
‫هلم‪ ،‬وقد اكتشف البحث احلديث "أ ن األطفال الصغار الذين ال ميلكون القدرة على التكلم‪ ،‬عندهم القدرة على الفهم‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬عبد السالم املسدي‪ ،‬اللسانيات من خالل النصوص‪ ،‬الدار التونسية‪ ،‬تونس‪ 1986 ،‬م‪ ،‬ص ‪.144‬‬
‫‪ 2‬ينظر‪ :‬نفسه‪ ،‬ص ‪.66 ،65‬‬
‫‪ 3‬ينظر‪ :‬أمحد خمتار عمر‪ ،‬دراسة الصوت اللغوي‪ ،‬عامل الكتب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 1997 ،‬م‪ ،‬ص ‪.113‬‬
‫‪ 4‬إدث سترين وألزا كاستنديك‪ ،‬الطفل العاجز‪ ،‬ترمجة فوزية حممد بدران‪ ،‬مراجعة أمحد زكي‪ ،‬دار الفكر العريب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 1997 ،‬م‪،‬‬
‫ص ‪.95‬‬
‫‪ 5‬عبد السالم املسدي‪ ،‬اللسانيات من خالل النصوص‪ ،‬ص ‪.50‬‬
‫‪ 6‬مازن الوعر‪ ،‬قضااي أساسية يف علم اللسانيات احلديث‪ ،‬ص ‪.311‬‬
‫‪19‬‬
‫عالقة اللسانيات النفس ية ابلعلوم ا ألخرى ‪.1‬‬ ‫احملارضة الثانية‬

‫واإلدراك اللغوي‪ ،‬وابلتايل ميلكون اللغة اليت تتطور بنفس املعيار البيولوجي الصاعد عند الناس العاديني" ‪ ،1‬ولقد اصطلح‬
‫علماء اللسانيات البيولوجية على تسمية املرض الذي يصيب األلياف الدماغية "احلبسة" "‪ ،"Aphasia‬اليت تفقد املرء‬
‫القدرة على الكالم‪ ،‬وهكذا إذا أصابت احلبسة املرء‪ ،‬فإن الوظائف اللغوية" واستعماالهتا املختلفة يف دماغه لن تعمل‬
‫بشكل منتظم‪ ،‬ومنسق ‪ ،2‬ومن هنا ميكن القول أبن العالقة الوشيجة اليت ميكن أن تكون بني "علم اللسانيات" و"علم‬
‫البيولوجيا"‪ ،‬هي األمل الوحيد لتقليص الفجوة الكبرية املتعلقة مبعارفنا بوظيفة الدماغ البشري‪ ،‬ومبعارفنا بوظيفة اللغة‪.‬‬
‫فمن خالل معرفة األمراض‪ ،‬والعاهات اللغوية املوجودة عند كثري من املرضى‪ ،‬يقول "مازن الوعر"‪" :‬ميكن أن‬
‫نصوغ نظرية لسانية موحدة ستكون بال شك نتيجة للجهود البيولوجية النفسية واللغوية عند اإلنسان‪ ،‬إن مثل هذه‬
‫النظرية اللسانية املوحدة ستمكننا من معاجلة بعض املرضى الذين ال يستطيعون التكلم" ‪ ،3‬وعليه فإن تشخيص‬
‫االضطراابت اللغوية‪ ،‬يتعلق مبعرفة نتائج اللسانيات البيولوجية‪ ،‬وما ميكن أن تقدمه لنا هذه األخرية يف معاجلة‬
‫االضطراابت اللغوية‪.‬‬
‫ب‪ -‬اللسانيات العصبية (علم اللغة العصيب)‪:‬‬
‫وهو ما يعرف "ابللسانيات العصبية" "‪ ،"Neurolinguistique‬يهدف هذا العلم إىل البحث يف طبيعة البناء‬
‫العصيب لإلنسان‪ ،‬وعالقته ابللغة‪ ،‬واإلصاابت اليت تعرتي اجلهاز املركزي‪ ،‬مما تسبب اضطراابت اللغة‪ ،‬وقد أفادت هذه‬
‫البحوث يف إدراك اللسانيات للمناطق اللغوية يف الدماغ اإلنساين؛ إذ يدرس هذا العلم عالقة اللغة والتواصل ابجلوانب‬
‫املختلفة لوظيفة الدماغ ‪ ،‬وبعبارة أخرى‪ ،‬حياول استكشاف كيفية فهم الدماغ للغة والتواصل‪ ،‬وإنتاجهما‪ ،‬هلذا جند أن‬
‫عمل "اللسانيات العصبية" يتمحور يف دراسة أمرين‪ :‬اللغة والدماغ‪ ،‬وما بينهما من عالقة تربطهما معا‪ ،‬هلذا كانت اللغة‬
‫والدماغ مها املوضوع األساس ي لعمل الدراسات اللسانية العصبية‪ ،‬فالدماغ هو اآللة اليت تقوم إبنتاج اللغة‪ ،‬واللغة هي‬
‫املنتج النهائي لعمل الدماغ ‪ ،4‬وألن املخ هو املدير الفعلي لكل العمليات اللغوية‪ ،‬فقد ظهر علم خيتص بدراسة آلة اللغة‪،‬‬
‫وعملها يف إطار العمليات العقلية‪ ،‬اليت هي النشاط الوظيفي للمخ‪ ،‬يعرف هذا العلم ابسم "اللسانيات العصبية" ‪.5‬‬
‫ويقوم هذا العلم كذلك على دراسة مراكز األعصاب‪ ،‬ووصفها وتفسري العمليات اليت تربط بني استعمال اللغة‬
‫بذلك مع بيان املشاكل واملعوقات اليت تواجه عملية التعلم‪ ،‬واكتساب اللغة‪ .‬وقد ميتزج مع ما يصطلح عليه بعلم اكتساب‬
‫اللغة عند الصغار والكبار ‪ ،6‬كما هتتم "اللسانيات العصبية" بدراسة العاهات الكالمية‪ ،‬مثل العثمة‪ ،‬احلبسة الكالمية‪،‬‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬نفسه‪ ،‬ص ‪.326 ،325‬‬


‫‪ 2‬مازن الوعر‪ ،‬قضااي أساسية يف علم اللسانيات احلديث‪ ،‬ص ‪.309‬‬
‫‪ 3‬ينظر‪ :‬عبد القادر عبد اجلليل‪ ،‬علم اللسانيات احلديثة‪ ،‬دار صفاء‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ط ‪ 2001 ،01‬م‪ ،‬ص ‪.188 ،187‬‬
‫‪ 4‬عطية سليمان أمحد‪ ،‬اللسانيات العصبية "اللغة يف الدماغ‪ :‬رمزية‪ ،‬عصبية‪ ،‬عرفانية‪ ،‬األكادميية احلديثة للكتاب اجلامعي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫‪ 2019‬م‪ ،‬ص ‪.163‬‬
‫‪ 5‬نفسه‪ ،‬ص ‪.142‬‬
‫‪ 6‬ينظر‪ :‬مصطفى فهمي‪ ،‬أمراض الكالم‪ ،‬دار مصر للطباعة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 1998 ،‬م‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪20‬‬
‫عالقة اللسانيات النفس ية ابلعلوم ا ألخرى ‪.1‬‬ ‫احملارضة الثانية‬

‫وصعوبة القراءة‪ ،‬وعالقة كل ذلك بعملية اإلدراك الكالمي‪ ،‬ونطق الكالم وإنتاجه‪ ،‬وتعتمد "اللسانيات العصبية" يف‬
‫حتقيق أهدافها على اللسانيات النفسية‪ ،‬ونظرايت السلوك‪ ،‬وعلم األمراض‪ ،‬وأسباهبا ‪.1‬‬
‫وملعرفة األساس العصيب للغة‪ ،‬البد من التعرف على تركيب الدماغ‪ ،‬واملناطق ذات العالقة املباشرة ابللغة يف الدماغ‪.‬‬
‫فقد أتثبتت التشرحيات الدماغية أبن الدماغ يتكون من‪:‬‬
‫الفص القفوي "‪ :"Occipital‬ويوجد فيه املركز احلسي للبصر‪.‬‬
‫الفص الصدغي "‪ :"Temporal‬ويوجد فيه املركز احلسي للسمع‪.‬‬
‫الفص اجلداري "‪ :"Parietal‬ويوجد فيه مركز اإلحساس اجلسمي‪ ،‬كالشعور ابحلرارة والربودة‪ ،‬والشعور ابألمل‪.‬‬
‫الفص اجلبهي "‪ : "Frontal‬ويوجد يف القشرة املخية أو اللحاء‪ ،‬وتوجد فيه مراكز احلركة‪ .‬وعند أسفل التلفيف‬
‫اجلبهي الثالث توجد املراكز اخلاصة أبعضاء احلنجرة والبلعوم والفم‪.‬‬
‫ولقد قدم "بنفيلد" " ‪ "Roberts Binifeld‬خريطة لتوزيع مناطق اللغة يف نصف الكرة املخي السائد على‬
‫النحو التايل‪:‬‬
‫‪" .1‬منطقة ورنيك" أو ما يسمى مبنطقة اللغة اخللفية‪ ،‬حيث توجد يف املنطقة الصدغية‪ ،‬وهي أهم املناطق اللغوية‬
‫املسؤولة عن فهم اللغة املنطوقة واملكتوبة‪.‬‬
‫‪" .2‬منطقة بروكا" منطقة اللغة األمامية‪ :‬وتوجد يف التلفيف اجليلي الثالث‪ ،‬واملسؤول أساسا على إنتاج اللغة ‪.2‬‬

‫وتشرتك كل من "منطقة ورنيك" و"منطقة بروكا" يف اإلنتاج اللغوي عند اإلنسان‪ ،‬ذلك أن "منطقة بروكا" تنتج‬
‫اللغة و"منطقة ورنيك" تعمل على فهم اللغة املستخدمة‪ ،‬فهما إذن تشرتكان يف عملييت التعبري الكالمي‪ ،‬والفهم‪.‬‬
‫إن أي ضرر‪ ،‬أو آفة حتصل يف "منطقة بروكا" يف دماغ اإلنسان تسبب اضطرااب يف حركة الدماغ الدينامية‪ ،‬ولكن‬
‫مثل هذا الضرر الدماغي لن يكون له أتثري على املقدرة اللغوية املتمركزة يف منطقة أخرى من الدماغ‪ ،‬فإذا حدث ضرر‬
‫يف املنطقة اجلانبية من الدماغ‪ ،‬فإن ذلك يسبب للمريض اضطرااب يف عملية الفهم سوءا أكان ذلك عن طريق السمع‪ ،‬أو‬
‫القراءة‪ ،‬بل ميكن أن جيعل ذلك املرض اإلنسان ينطق نطقا غري مفهوم‪ ،‬ولكن ذلك لن يؤثر على عملية التفكري املوجودة‬
‫يف منطقة أخرى من مناطق الدماغ البشري أيضا‪.‬‬
‫وبناء على ما سبق فلقد تبني أن املقدرة اللغوية يف الدماغ لن يؤثر على بقية املناطق األخرى الغشائية املرتبطة‬
‫بعضها ببعض إذا ما أصيبت آبفة‪ ،‬أو مرض معني ‪ ،3‬إذ تتم معاجلة التشابكات للمعلومات اللغوية وغري اللغوية ختزينا‬
‫واستدعاء كما هو موضح يف الشكل التايل‪:‬‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬فيوليت فؤاد ابراهيم وآخرون‪ ،‬حبوث ودراسات يف سيكولوجية اإلعاقة‪ ،‬مكتبة زهراء الشرق‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ 2001 ،01‬م‪،‬‬
‫ص ‪.207 ،206‬‬
‫‪ 2‬ينظر‪ :‬نفسه‪ :‬ص ‪.208‬‬
‫‪ 3‬مازن الوعر‪ ،‬قضااي أساسية يف علم اللسانيات احلديث‪ ،‬ص ‪.289‬‬
‫‪21‬‬
‫عالقة اللسانيات النفس ية ابلعلوم ا ألخرى ‪.1‬‬ ‫احملارضة الثانية‬

‫استقبال‬ ‫معاجلة‬ ‫ختزين‬ ‫استدعاء‬

‫إذ تقوم اخللية العصبية هبذا العمل كله‪ ،‬ولكن على مراحل رئيسية وهي‪:‬‬
‫‪ .1‬مرحلة االستقبال‪ :‬يتم ختزين املعلومة يف الشبكات العصبية حتت إشراف اخللية العصبية فور وصوهلا من احلواس‪،‬‬
‫واملدركات املختلفة‪.‬‬
‫‪ .2‬مرحلة الرتميز‪ :‬تقوم اخللية مبعايرهتا أي تزهنا وتقدر قيمتها‪ ،‬وهل تستحق الرمز أم ال‪.‬‬
‫وهو عملية تكوين آاثر ذات مدلول معني للمدخالت احلسية يف الذاكرة‪ ،‬على حنو يساعد على االحتفاظ‬
‫هبا‪ ،‬ويسهل عملية معاجلتها الحقا؛ أي تغيري املدخالت احلسية‪ ،‬وحتويلها من شكلها الطبيعي إىل أشكال أخرى من‬
‫التمثيل املعريف على حنو صوري‪ ،‬أو رمزي‪ ،‬أو مسعي‪ ،‬وهذا حيدث يف الذاكرة العاملة‪ ،‬يقول "جورج اليكوف"‬
‫"‪" :"George Lakoff‬يتناول العلم املعريف سريورات الرموز والعالقات التمثيلية بني الرموز وما ترمز إليه‪ ،‬أو ما‬
‫متثله‪...‬إن البشر أيخذون املعلومات‪ ،‬وخيزنوها‪ ،‬ويسرتجعوهنا‪ ،‬وينقلوهنا‪ ،‬ويتصرفون بناء عليها" ‪.1‬‬
‫والواقع أن قدرة التعلم اللغوية هي عملية مرتبطة ابالنسجام‪ ،‬والتعاون بني املثريات املرئية‪ ،‬وبني املثريات السمعية‪،‬‬
‫يقول "مازن الوعر"‪ " :‬إن معرفتنا أبن العملية اللغوية عبارة عن جمموعة العمليات الدماغية اآللية ال مينع أن نبحث يف‬
‫العالقات العصبية العامة اليت حتدد بدورها نوع السلوك اللغوي‪ ،‬وذلك ألن الفاعلية اللغوية هي عبارة عن وظائف"‬
‫ونشاطات متنوعة أكثر من كوهنا صياغات‪ ،‬وتركيبات ميكن دراستها‪ ،‬وفحصها" ‪.2‬‬
‫من خالل هذا الكالم تتضح الصلة اليت تربط "اللسانيات العصبية" و"اللسانيات النفسية"؛ ذلك أن كال منهما‬
‫يستخدم مناذج االستقصاء لدى اآلخر لفحص وتفسري التفكري اإلنساين‪ ،‬اإلدراك واملعرفة‪ ،‬فيأيت "علم األعصاب" من‬
‫جمال "العلوم العصبية"؛ أي دراسة نسق الروابط العصبية‪ ،‬ووظائفها يف الدماغ‪ ،‬وأتيت من جمال "اللسانيات النفسية"‬
‫دراسة األبنية العرضية مثل‪ :‬التذكر‪ ،‬اإلدراك‪ ،‬واملعرفة ‪.3‬‬
‫ولقد كان لدى علماء النفس جمموعة من األسباب اليت تربر استخدامهم للمعلومات‪ ،‬واألساليب العلمية‬
‫الفنية املستمدة من العلم العصيب لكي يتمكنوا من مواصلة حتصيل املعرفة‪ ،‬وتتمثل هذه األسباب فيما يلي ‪:4‬‬
‫‪ .1‬احلاجة الكتشاف األداة اجلسمية لألبنية النظرية اليت تتصدى لتفسري عمل العقل‪.‬‬

‫‪ 1‬رافع النصري الزغول وعماد عبد الرحيم الزغول‪ ،‬علم النفس املعريف‪ ،‬دار الشروق للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ 2014 ،‬م‪ ،‬ص ‪.68‬‬
‫‪ 2‬ينظر‪ :‬نفسه‪ ،‬ص ‪.290‬‬
‫‪ 3‬روث ليسر‪ ،‬اللغوايت العصبية‪ ،‬املوسوعة اللغوية‪ ،‬ترمجة حمي الدين محيدي وعبد هللا احلميدان‪ ،‬جامعة امللك سعود للنشر العلمي‬
‫واملطابع‪ ،‬الرايض‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪ 1990 ،‬م‪ ،‬اجمللد ‪ ،2‬ج ‪ ،01‬ص ‪.65‬‬
‫‪ 4‬نفسه‪ ،‬ص ‪.63‬‬
‫‪22‬‬
‫عالقة اللسانيات النفس ية ابلعلوم ا ألخرى ‪.1‬‬ ‫احملارضة الثانية‬

‫‪ .2‬حاجة علماء األعصاب لربط نتائجهم بتصورات املخ‪ ،‬والسلوك األكثر مشوال‪ ،‬وتضمينا‪.‬‬
‫‪ .3‬االستخدام الزائد للوظائف العصبية يف شرح‪ ،‬وتكوين تصورات العقل النظرية‪.‬‬
‫‪ .4‬إجنازات علماء احلاسوب الذين حاولوا حماكاة املعرفة اإلنسانية‪ ،‬والذكاء عن طريق تطوير جمموعة من احلاسوابت‬
‫اليت تتصرف بطريقة تشبه تصرف الدماغ البشري‪ ،‬وتسمى هذه املناحي املتصلة بكل من الدماغ واحلاسوب‬
‫أحياان أببنية الشبكات العصبية؛ إذ تتطلب هذه التطورات اليت طرأت على بنية‪ ،‬ووظيفة احلاسوب فهما مفصال‬
‫لبنية‪ ،‬ووظيفة الدماغ‪.‬‬
‫ومن املوضوعات اليت يستعني فيها "علم اللغة" "بعلم النفس" للكشف عن بعض احلقائق‪ ،‬موضوع العالقة بني‬
‫"الكلمة" و"الصورة"‪ ،‬وذلك أن كل جمموعة معينة من األصوات اليت تكون الكلمة الفرنسية "‪( "Arbre‬شجرة) مرتبطة‬
‫ارتباطا وثيقا يف جمال استعمال اللغة الفرنسية بتمثيلها "‪ ،"Arbre‬وهذا االرتباط قد يبدأ من الكلمة إىل التمثيل‪ ،‬وقد‬
‫يبدأ على العكس من ذلك من التمثيل إىل الكلمة‪ ،‬فما أن أمسع الكلمة حىت تنبعث الصورة "‪ "Image‬حاال يف عقلي‬
‫"‪ ، "Esprit‬وعلى العكس من هذا إذا انبعثت الصورة يف عقلي فإهنا تثري الكلمة ولو مل تنطقها أعضاء النطق‪ ،‬وهكذا‬
‫فإنه يرتبط بكل جمموعة من األصوات عند الناطق هبا‪ ،‬وعند السماع إليها مجيعا "تصور لغوي" " ‪Concept‬‬
‫‪."linguistique‬‬
‫هبذه الطريقة يكون التعرف على معاين األلفاظ عند الشخص العادي‪ ،‬ذلك أن العالمة اللغوية ثنائية املبىن‬
‫تتكون من دال "‪ "signifié‬ومدلول "‪ ، "significant‬أو ما يعرف ابللفظ واملعىن‪ ،‬وهذه الثنائية تناولتها الدراسات‬
‫اللغوية القدمية واحلديثة؛ إذ تعد أهم الثنائيات اليت قامت عليها الدراسة اللسانية عند دي سوسري‪ ،‬ابعتبار أن العالمة‬
‫اللسانية "‪ "signe‬مكونة من حمتوى وصورة مسعية وال ميكن الفصل بينهما ‪.1‬‬
‫لذلك فإن "علم النفس اللغوي" يهدف إىل دراسة ظواهر (إدراك الكالم) إىل جانب أمراض الكالم (العاهات‬
‫الكالمية) مثل أتخر الكالم‪ ،‬احتباس الكالم‪ ،‬صعوبة القراءة‪ ،‬التأأتة‪ ،‬اللعثمة‪ ،‬اللجلجة…إخل‪ .‬واعترب بعض الباحثني أن‬
‫هذه األمراض تدخل يف اختصاص "اللسانيات العصبية" ‪.2‬‬
‫والتقاء علماء اللغة مع علماء النفس حتت علم النفس اللغوي‪ ،‬يبني أن لكل فريق مهمة خاصة يقوم هبا‪،‬‬
‫فعلماء اللغة يهتمون بدراسة العبارات اللغوية املنطوقة عند صدورها من اجلهاز الصويت لدى املتحدث‪ ،‬وأثناء مرورها يف‬
‫اهلواء‪ ،‬وعند تلقي اجلهاز السمعي للمخاطب هلا‪ ،‬أما عامل النفس فيتعامل مع اللغة ابعتبارها سلوكا ميكن إخضاعه‬
‫للدراسة ابستخدام املناهج‪ ،‬واألساليب السيكولوجية املختلفة‪ ،‬فهم يهتمون ابإلدراك‪ ،‬وكيف خيتلف الناس يف إدراكهم‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬عبد القادر عبد اجلليل‪ ،‬علم اللسانيات احلديثة‪ ،‬دار صفاء‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ط ‪ 2001 ،01‬م‪ ،‬ص ‪ ،199‬وينظر‪ :‬انيف خرما‪،‬‬
‫أضواء على الدراسات اللغوية املعاصرة‪ ،‬عامل املعرفة‪ ،‬اجمللس الوطين للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪ 1978 ،‬م‪ ،‬ص ‪.91‬‬
‫‪ 2‬ينظر‪ :‬أنسي حممد أمحد قاسم‪ ،‬اللغة والتواصل لدى الطفل‪ ،‬مركز اإلسكندرية للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 2005 ،‬م‪ ،‬ص ‪.19 ،18‬‬
‫‪23‬‬
‫عالقة اللسانيات النفس ية ابلعلوم ا ألخرى ‪.1‬‬ ‫احملارضة الثانية‬

‫للكلمات‪ ،‬وداللة هذه الكلمات‪ ،‬وكيفية اكتساب اللغة‪ ،‬وتعلمها‪ ،‬ودراسة السبل اليت يتم هبا التواصل البشري عن طريق‬
‫اللغة ‪.1‬‬
‫كما يضم جمال الدراسة النفسية للغة‪ ،‬كيفية حتويل املتحدث لالستجابة إىل رموز لغوية‪ ،‬وهي عملية عقلية‪ ،‬ينتج‬
‫عنها إصدار اجلهاز الصويت للغة‪ .‬وعندما تصل اللغة إىل املستقبل أو املتلقي‪ ،‬يقوم بفك هذه الرموز اللغوية يف العقل إىل‬
‫املعىن املقصود‪ ،‬وهي عملية عقلية أخرى تدخل يف إطار علم النفس أيضا‪ ،‬ومن الطبيعي أن يسعى "علم اللغة النفسي"‬
‫إىل حتقيق مجلة من األهداف اليت ختص دراسة اللغة من زاوية معينة منها‪:‬‬
‫‪ .1‬فهم اللغة سواء كانت منطوقة أو مكتوبة‪.‬‬
‫‪ .2‬استعمال اللغة‪ ،‬وإصدار الكالم‪ ،‬حيث يركز يف هذا اجملال على إنتاج الكالم بدءاً ابلعمليات النفسية‪ ،‬اليت‬
‫تسبق الكالم‪ ،‬مروراً إبنتاج الكالم نفسه فسيولوجيا‪ ،‬مث مروره ابلوسط الفيزايئي الناقل له حىت وصوله إىل أذن‬
‫السامع‪.‬‬
‫‪ .3‬اكتساب اللغة سواء كانت لغة أماً أم لغة اثنية‪ ،‬أو أجنبية‪.‬‬
‫‪ .4‬العمليات التواصلية وما يرتبط هبا من نواح فسيولوجية‪ ،‬وفيزايئية‪ ،‬ومسعية‪ ،‬وعصبية‪ ،‬والعوامل املؤثرة يف ذلك‪.‬‬
‫‪ .5‬املشكالت‪ ،‬واالضطراابت اللغوية‪ ،‬كعيوب النطق اخللقية‪ ،‬أو العيوب اللغوية اليت حتدث نتيجة إصابة عضو من‬
‫أعضاء النطق أو السمع أو البصر‪ ،‬أو ما يرتبط هبا من أعصاب‪ ،‬أو أجهزة يف مراكز اللغة يف الدماغ‪.‬‬
‫‪ .6‬الثنائية اللغوية‪ ،‬أو التعددية اللغوية‪.‬‬
‫‪ .7‬دراسة العمليات النفسية اليت حتدث أثناء القراءة‪ ،‬سواء يف اللغة األم أم يف اللغة الثانية أو األجنبية‪.‬‬
‫‪ .8‬لغة اإلشارة عند الصم من حيث االستعمال‪ ،‬واالكتساب‪ ،‬والتعقيد‪ ،‬وما يتعلق هبا من قضااي‪ ،‬ومشكالت‬
‫لغوية‪ ،‬ونفسية‪ ،‬واجتماعية‪.‬‬
‫‪ .9‬الذكاء االصطناعي الذي ازدهرت الدراسات فيه يف السنوات األخرية نتيجة ثورة املعلومات احلاسوبية ‪.2‬‬
‫هذا إىل جانب االهتمام ابلنظام اللغوي مبستوايته الصوتية‪ ،‬والصرفية‪ ،‬والنحوية‪ ،‬والداللية‪ ،‬ابإلضافة إىل االهتمام‬
‫ابلذكاء‪ ،‬والذاكرة‪ ،‬واضطراابت النطق‪ ،‬وغريها‪.‬‬
‫وبناء على ما سبق جند أن "علم اللغة النفسي" خيتص مبجاالت متعددة‪ ،‬ويهتم بزوااي خمتلفة ختص دراسة اللغة‬
‫البشرية‪ ،‬وهذا نتيجة اجلهود اليت يقوم هبا علماء اللغة وعلماء النفس‪.‬‬

‫مصادر ومراجع احملاضرة‪:‬‬


‫‪ .1‬إبراهيم انيس‪ ،‬من أسرار اللغة‪ ،‬مكتبة االجنلو املصرية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ 1978 ،06‬م‪.‬‬
‫‪ .2‬أمحد حساين‪ ،‬مباحث يف اللسانيات‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪ 1994 ،‬م‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫صاحل بلعيد‪ ،‬علم اللغة النفسي‪ ،‬دار هومه‪ ،‬اجلزائر‪ 2008 ،‬م‪ ،‬ص ‪.10‬‬
‫‪2‬‬
‫مازن الوعر‪ ،‬قضااي أساسية يف علم اللسانيات احلديث‪ ،‬دار طالس‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوراي‪ ،‬ط ‪ 1988 ،01‬م‪ ،‬ص ‪.285 ،284‬‬
‫‪24‬‬
‫عالقة اللسانيات النفس ية ابلعلوم ا ألخرى ‪.1‬‬ ‫احملارضة الثانية‬

‫‪ .3‬أمحد خمتار عمر‪ ،‬دراسة الصوت اللغوي‪ ،‬عامل الكتب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 1997 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .4‬إدث سترين وألزا كاستنديك‪ ،‬الطفل العاجز‪ ،‬ترمجة فوزية حممد بدران‪ ،‬مراجعة أمحد زكي‪ ،‬دار الفكر العريب‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬مصر‪ 1997 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .5‬أنسي حممد أمحد قاسم‪ ،‬اللغة والتواصل لدى الطفل‪ ،‬مركز اإلسكندرية للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 2005 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .6‬جالل مشس الدين‪ ،‬علم اللغة النفسي مناهجه ونظرايته وقضاايه‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪ 2003 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .7‬حسن اجلبايل‪ ،‬الكفيف واألصم بن االضطهاد والعظمة‪ ،‬مكتبة األجنلو املصرية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪،01‬‬
‫‪2005‬م‪.‬‬
‫‪ .8‬حلمي خليل‪ ،‬اللغة والطفل "دراسة ضوء علم اللغة النفسي"‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪،01‬‬
‫‪ 1986‬م‪.‬‬
‫‪ .9‬أبو حيان التوحيدي‪ ،‬املقابسات‪ ،‬شرح وحتقيق‪ :‬حسن السندويب‪ ،‬اهليئة املصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫‪ 2006‬م‪.‬‬
‫‪ .10‬دانيال هاالهان وجون لويد وجيمس كوفمان‪ ،‬صعوابت التعلم "مفهومها‪ ،‬طبيعتها‪ ،‬التعليم العالجي"‪ ،‬ترمجة‬
‫عادل عبد هللا حممد‪ ،‬دار الفكر عمان‪ ،‬ط ‪ 2008 ،01‬م‪.‬‬
‫‪ .11‬رافع النصري الزغول وعماد عبد الرحيم الزغول‪ ،‬علم النفس املعريف‪ ،‬دار الشروق للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪،‬‬
‫‪ 2014‬م‪.‬‬
‫‪.12‬روث ليسر‪ ،‬اللغوايت العصبية‪ ،‬املوسوعة اللغوية‪ ،‬ترمجة حمي الدين محيدي وعبد هللا احلميدان‪ ،‬جامعة امللك‬
‫سعود للنشر العلمي واملطابع‪ ،‬الرايض‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪ 1990 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .13‬صاحل بلعيد‪ ،‬علم اللغة النفسي‪ ،‬دار هومه‪ ،‬اجلزائر‪ 2008 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .14‬عبد السالم املسدي‪ ،‬اللسانيات من خالل النصوص‪ ،‬الدار التونسية‪ ،‬تونس‪ 1986 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .15‬عبد العزيز بن إبراهيم العصيلي‪ ،‬علم اللغة النفسي‪ ،‬منشورات جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية‪ ،‬عمادة‬
‫البحث العلمي‪ ،‬الرايض‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪ ،‬ط ‪ 2006 ،01‬م ‪.‬‬
‫‪ .16‬عبد القادر عبد اجلليل‪ ،‬علم اللسانيات احلديثة‪ ،‬دار صفاء‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ط ‪ 2001 ،01‬م‪.‬‬
‫‪ .17‬عبد القادر عبد اجلليل‪ ،‬علم اللسانيات احلديثة‪ ،‬دار صفاء‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ط ‪ 2001 ،01‬م‪.‬‬
‫‪ .18‬عبد الوهاب خالف‪ ،‬علم أصول الفقه‪ ،‬دار النفائس‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ 1996 ،07‬م‪.‬‬
‫‪ .19‬عطية سليمان أمحد‪ ،‬اللسانيات العصبية "اللغة يف الدماغ‪ :‬رمزية‪ ،‬عصبية‪ ،‬عرفانية‪ ،‬األكادميية احلديثة للكتاب‬
‫اجلامعي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 2019 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .20‬غازي خمتار طليمات‪ ،‬يف علم اللغة‪ ،‬دار طالس‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوراي‪ ،‬ط ‪ 2000 ،02‬م‪.‬‬
‫‪ .21‬فيوليت فؤاد ابراهيم وآخرون‪ ،‬حبوث ودراسات يف سيكولوجية اإلعاقة‪ ،‬مكتبة زهراء الشرق‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‬
‫‪ 2001 ،01‬م‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫عالقة اللسانيات النفس ية ابلعلوم ا ألخرى ‪.1‬‬ ‫احملارضة الثانية‬

‫‪ .22‬كلود ليفي شرتاوس‪ ،‬األنثروبولوجيا البنيوية‪ ،‬ترمجة مصطفى صاحل وزارة الثقافة واإلرشاد القومي‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوراي‪،‬‬
‫‪ 1983‬م‪.‬‬
‫‪ .23‬مازن الوعر‪ ،‬قضااي أساسية يف علم اللسانيات احلديث‪ ،‬دار طالس‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوراي‪ ،‬ط ‪ 1988 ،01‬م‪.‬‬
‫‪ .24‬حممود السعران‪ ،‬علم اللغة مقدمة للقارئ العريب‪ ،‬دار النهضة للطباعة والنشر‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ 2003 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .25‬مصطفى فهمي‪ ،‬أمراض الكالم‪ ،‬دار مصر للطباعة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 1998 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .26‬انيف خرما‪ ،‬أضواء على الدراسات اللغوية املعاصرة‪ ،‬عامل املعرفة‪ ،‬اجمللس الوطين للثقافة والفنون واآلداب‪،‬‬
‫الكويت‪ 1978 ،‬م‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫احملارضة الثالثة‬
‫عالقة اللسانيات النفس ية ابلعلوم‬
‫ا ألخرى ‪.2‬‬
‫عالقة اللسانيات النفس ية ابلعلوم ا ألخرى ‪.2‬‬ ‫احملارضة الثالثة‬

‫توطئة‪:‬‬
‫ترجع العالقة بني "اللغة" و"علم النفس" إىل طبيعة اللغة ابعتبارها أحد مظاهر السلوك اإلنساين‪ ،‬وحيث أن‬
‫"علم النفس" يعىن بدراسة السلوك اإلنساين عامة‪ ،‬فإن دراسة السلوك اللغوي تُعترب حلقة اتصال بني "علم اللغة" و"علم‬
‫النفس"‪.‬‬
‫"فاللسانيات النفسية" هي عبارة عن مجلة من العلوم املختلفة‪ ،‬واجملتمعة يف علم واحد‪ ،‬وهي "علم النفس"‪ ،‬و"علم‬
‫اللغة"‪ ،‬و"علم الطب"‪ ،‬و"علم التشريح"‪ ،‬و"علم الرتبية"‪ ،‬و"علم األدب" وغريها من العلوم‪ ،‬وكل حقل من هذه احلقول‬
‫يتناول تلك األسئلة من زاويته اخلاصة‪ ،‬وحياول أن جيد هلا أجوبة واضحة‪ ،‬وهلذا جند أن مثة تقسيمات عديدة هلذا العلم‪،‬‬
‫وذلك حسب املنظور الذي يدرس من خالله‪ ،‬فمن منظور علم اللغة‪ ،‬على سبيل املثال‪ ،‬ينقسم هذا العلم إىل فروع ميثل‬
‫كل منها مستوى ما من مستوايت اللغة البشرية‪ ،‬أو عنصراً‪ ،‬أو مكوانً من مكوانهتا‪.‬‬
‫نظرايت القراءة على ضوء علم اللغة النفسي‪:‬‬
‫يرى اللغوي ون أن األصل يف اللغة الكالم الشفوي‪ ،‬وأن الكتابة مظهر اثنوي طارئ على اللغة؛ ويستدلون على‬
‫ذلك أبن الغالبية العظمى من لغات العامل شفوية غري مكتوبة‪ ،‬وأن اإلنسان يكتسب لغته األم‪ ،‬ويعد انطقا هبا‪ ،‬ولو عاش‬
‫طول حياته أميا ال يقرأ‪ ،‬وال يكتب‪ ،‬فاللغويون البنيويون يؤكدون على هذه النظرة‪ ،‬ويعتمدون عليها أكثر من غريهم من‬
‫أصحاب املذاهب اللغوية األخرى القدمية‪ ،‬واحلديثة‪.‬‬
‫وعلى الرغم من صحة املبدأ الذي انطلقت منه هذه النظرة‪ ،‬فإن القراءة تبقى مظهرا لغواي مهما‪ ،‬ومتثل مرحلة من‬
‫مراحل النمو اللغوي‪ ،‬وخباصة يف مرحلة الدراسة األولية لألطفال؛ بل إن القراءة أهم مظهر لغوي يتميز به اإلنسان عن‬
‫غريه من املخلوقات األخرى؛ فهي مسة حضارية‪ ،‬وأداة لنقل العلوم واملعارف من جيل إىل جيل ومن أمة إىل أخرى‪،‬‬
‫خاصة يف الثقافة العربية اإلسالمية‪ ،‬بيد أن القراءة عملية عقلية ذهنية معقدة‪ ،‬ال يقدر عليها إال اإلنسان ما حباه هللا من‬
‫عقل‪ ،‬وما وهبه هللا من قدرات ذهنية‪.‬‬
‫واحلديث عن القراءة ليس حديثا عن نظام لغوي معني‪ ،‬وال حديثا عن عملية تربوية تعليمية‪ ،‬وإمنا هو حديث عن‬
‫العمليات املعرفية النفسية اليت يتبعها القارئ يف قراءة النصوص املكتوبة‪ ،‬وفهمها‪ ،‬وتفسري هذه العمليات تفسريا لغواي‬
‫نفسيا‪.‬‬
‫القراءة عملية لغوية نفسية‪:‬‬
‫توصف القراءة وصفا لغواي نفسيا أبهنا‪ :‬عملية اتصالية معقدة‪ ،‬يتفاعل فيها عقل القارئ‪ ،‬ومعلوماته اللغوية‪،‬‬
‫وخرباته مع النص يف سياق معني‪ ،‬وهذا ما يراه عدد من الباحثني يف سيكولوجية القراءة قبل ثالثة عقود‪ ،‬فقد وصفها‬
‫"كنث غودمان" "‪ "Kenneth Goodman‬أبهنا‪" :‬عملية انتقائية‪ ،‬يستغل فيها القارئ احلد األدىن من اإلشارات‬

‫‪28‬‬
‫عالقة اللسانيات النفس ية ابلعلوم ا ألخرى ‪.2‬‬ ‫احملارضة الثالثة‬

‫اللغوية اليت خيتارها من النص‪ ،‬اعتمادا على حدسه األويل للمعىن‪ ،‬واستنادا إىل معلوماته‪ ،‬وخرباته‪ ،‬وهذا احلدس قد يؤكده‬
‫النص‪ ،‬أو يرفضه‪ ،‬أو يصححه" ‪.1‬‬
‫ووصفها "فرانك مسيث" "‪ "Frank Smith‬أبهنا‪" :‬تبادل أو تناوب بني "املعلومات البصرية" " ‪visual‬‬
‫‪ "information‬و"غري البصرية" "‪ "non-visual information‬يف قراءة النص وفهمه‪ ،‬وبني أنه كلما زادت‬
‫معلومات القارئ‪ ،‬وخرباته عن النص املكتوب قل اعتماده على املعلومات البصرية فيه‪ ،‬وكلما نقصت هذه املعلومات زاد‬
‫اهتمامه‪ ،‬وأتكدت حاجته إىل التعرف على احلروف‪ ،‬والكلمات الستخالص املعىن من النص" ‪.2‬‬
‫القراءة وعلم اللغة النفسي‪:‬‬
‫ظهر االهتمام "بعلم النفس القرائي"‪ ،‬أو "سيكولوجية القراءة" "‪ "Psychologie de la lecture‬يف كتاابت‬
‫اللغويني منذ منتصف القرن العشرين‪ ،‬حني حتدث اللغوي البنيوي "ليوانرد بلومفيلد" "‪ "Leonard Bloomfield‬عن‬
‫القراءة‪ ،‬ووصفها أبهنا عملية "فك الرموز املكتوبة" "‪ ،"processus de décodage‬وذلك وفقا لنظرته العامة لطبيعة‬
‫اللغة بوصفها أبنية شكلية‪ ،‬وتفسريه الكتساهبا على أنه عملية سلوكية آلية‪.‬‬
‫بيد أن آراء "نعوم تشومسكي" "‪ "Noam Chomsky‬وأتباعه‪ ،‬اليت ظهرت يف هناية اخلمسينيات من القرن‬
‫العشرين‪ ،‬وحولت الدراسات اللغوية إىل دراسات لغوية نفسية معرفية‪ ،‬قد مهدت لدراسة عمليات القراءة دراسة لغوية‬
‫نفسية حقيقية‪ ،‬وفتحت لعلماء القراءة آفاقا جديدة لتفسري هذه العمليات تفسريا لغواي نفسيا معرفيا‪ ،‬وكانت آراء‬
‫"تشومسكي" حول اكتساب اللغة‪ ،‬ومتييزه بني الكفاية واألداء‪ ،‬وتفريقه بني األبنية السطحية والبنية العميقة؛ أبرز القضااي‬
‫اليت استفاد منها ميدان علم القراءة يف دراساته‪ ،‬وبناء نظرايته‪ ،‬وأبرز هذه القضااي ما قدمه اللغويون املعرفيون الفطريون من‬
‫أن الطفل ال يكتسب لغته ابلتقليد‪ ،‬والتكرار‪ ،‬والتعزيز‪ ،‬وإمنا يكتسبها ابلتفكري‪ ،‬والتحليل‪ ،‬وفرض الفروض‪ ،‬واختبارها‬
‫معتمدا على كفايته اللغوية الكامنة؛ وعلى الدخل اللغوي بنوعيه‪ :‬املنطوق واملكتوب ‪.3‬‬
‫وبناء على ذلك‪ ،‬برز يف ميدان القراءة عدد من القضااي اليت مل تكن معروفة يف مرحلة سيطرة االجتاهات‬
‫البنيوية السلوكية على دراسة اللغة‪ ،‬وكان من أهم هذه القضااي دراسة اللغة املكتوبة‪ ،‬وأمهيتها يف اكتساب اللغة‪ ،‬تلك‬
‫القضية اليت مل يعدها اللغويون البنيويون لغة طبيعية‪ ،‬ومل يدرسها علماء القراءة من قبل دراسة لغوية نفسية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Kenneth Goodman, Reading: a psycholinguistic guessing Game, In H. Singer and R. Ruddell‬‬
‫‪(eds.) Theoretical Models and Processes of Reading, International Reading Association, Newark,‬‬
‫‪Delaware, United States, 1976, P 260.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Frank Smith, Psycholinguistics and Reading. New York: Holt, Rinehart and Winston, Language‬‬
‫‪Arts, Vol 53, No. 3, MARCH, National Council of Teachers of English, Chicago, Illinois, United‬‬
‫‪States, 1976, P. 7.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪David Pearson & Diane Stephens, Learning about literacy: a 30-year journey, In R Ruddell, M.‬‬
‫‪Ruddell; and H. Singer (Eds.) Theoretical Models and Processes of Reading, (4th edition.),‬‬
‫‪International Reading Association, Newark, Delaware, United States, 1994, PP 25, 26.‬‬
‫‪29‬‬
‫عالقة اللسانيات النفس ية ابلعلوم ا ألخرى ‪.2‬‬ ‫احملارضة الثالثة‬

‫وكان أول من أتثر ابآلراء اللغوية النفسية من علماء القراءة‪ ،‬وطبقها يف دراساته "کنث جودمان"‪ ،‬و"فرانك‬
‫مسيث"‪ ،‬وذلك يف مدة مل تتجاوز عشر سنوات من إعالن "تشومسكي" نظريته اللغوية النفسية‪ ،‬فقد نشر "کنث‬
‫جودمان" دراسته األوىل عام ‪ 1965‬م اليت عنواهنا‪" :‬دراسة لغوية لإلشارات واألخطاء يف القراءة" " ‪A Linguistic‬‬
‫‪ ،1 "Study of cues and Miscues in Reading‬وفسر فيها أخطاء األطفال يف القراءة تفسريا لغواي نفسيا حني‬
‫عدها دليال على ما جيري يف داخل ذهن الطفل واملرحلة اليت مير هبا يف اكتساب لغته‪ ،‬ومعاجلته لفهم املقروء معاجلة‬
‫لغوية‪ ،‬بدال من النظر إليها بوصفها أخطاء جيب تصحيحها والتخلص منها‪ ،‬لكن دراسته اليت نشرها عام ‪ 1967‬م‬
‫بعنوان‪" :‬القراءة‪ :‬لعبة ختمني نفسية لغوية" "‪ "Reading: A Psycholinguistic Guessing Game‬متثل‬
‫الدخول احلقيقي لعلم النفس القرائي ميدان علم اللغة النفسي‪ ،‬وبداية العالقة احلميمة بني علم اللغة النفسي وميدان‬
‫القراءة؛ حيث أصبحت دراسة نظرايت القراءة منذ ذلك التاريخ جزءا من هذا العلم‪ ،‬وميداان من ميادين البحث فيه وفق‬
‫النظرة اللغوية النفسية املعرفية‪ ،‬فقد توصل "جودمان" يف هذه الدراسة إىل أن القارئ يعتمد يف فهم النص املكتوب على‬
‫ثالثة جوانب ال ينفصل بعضها عن بعض‪ ،‬وهي‪ :‬اجلوانب النحوية‪ ،‬واجلوانب الداللية واجلوانب الكتابية الصوتية ؟ ‪. 2‬‬
‫أما "فرانك مسيث" "‪ "Frank Smith‬فقد أعلن آراءه اللغوية النفسية يف تفسري القراءة يف كتاب أصدره عام‬
‫‪ 1981‬م بعنوان‪ " :‬فهم القراءة التحليل النفسي اللغوي للقراءة وتعلم القراءة" ‪Understanding Reading A‬‬
‫‪ ،"Psycholinguistic Analysis of Reading and Learning to Read‬حيث ذكر أن القراءة ليست‬
‫تعليما‪ ،‬وال تدريسا للمتعلم‪ ،‬ولكنها عملية تدرب يتعلمها اإلنسان حني ميارسها‪ ،‬ويؤديها بنفسه‪ ،‬وقد حدد وظيفة معلم‬
‫القراءة أبهنا‪ :‬ليست عملية تعليم الطفل طريقة القراءة بقدر ما هي مساعدة الطفل على القراءة ‪ ،3‬ويؤكد "مسيث" عالقة‬
‫القراءة "بعلم اللغة النفسي" يف عبارته املشهورة اليت يستشهد هبا الباحثون يف هذا امليدان‪ ،‬ويصدرون هبا مؤلفاهتم‪ ،‬و"علم‬
‫اللغة النفسي" ميكن أن يؤكد حقوق األطفال يف تعلم القراءة مبساعدة الناس ال ابألساليب‪.‬‬
‫وقد اهتم الباحثون يف "علم اللغة النفسي" مبيدان القراءة‪ ،‬ودراسة نظرايهتا‪ ،‬ومناذجها‪ ،‬وأساليبها لسببني‪:‬‬
‫أحدمها‪ :‬التطور الذي حدث يف علم اللغة النفسي‪ ،‬وشقيقه "علم اللغة االجتماعي" يف السنوات األخرية من القرن‬
‫العشرين‪.‬‬
‫واآلخر‪ :‬انصراف اللغويني املعرفيني إىل دراسة النصوص‪ ،‬وحتليلها‪ ،‬واالهتمام ابلدالالت املعجمية واملعاين التداولية‪ ،‬بدال‬
‫من االهتمام ابجلوانب الصوتية‪ ،‬والرتكيبية اليت كانت مسات املدرسة البنيوية الشكلية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Kenneth Goodman, A linguistic study of cues and miscues in reading, Vol. 42, No. 6 ,OCTOBER,‬‬
‫‪National Council of Teachers of English, Chicago, Illinois, United States, 1965, PP. 639-643.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Kenneth Goodman, Reading: a psycholinguistic guessing game, P 126-135.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Frank Smith, Understanding Reading: A Psycholinguistic Analysis of Reading and Learning to‬‬
‫‪Read, Routledge, London, United Kingdom, 1971, P. 3.‬‬
‫‪30‬‬
‫عالقة اللسانيات النفس ية ابلعلوم ا ألخرى ‪.2‬‬ ‫احملارضة الثالثة‬

‫ونظرية الربط "‪ "Théorie des schémas‬اليت هي العمود الفقري يف القراءة‪ ،‬تعد مصطلحا لغواي نفسيا من‬
‫حيث النشأة والنمو‪ ،‬وقد ساهم هذا االهتمام بنمو البحث يف القراءة يف الدراسات الرتبوية‪ ،‬لكنه مل يؤثر ‪ -‬بدرجة كافية‬
‫‪ -‬على منو البحث يف أساليب التدريس‪ ،‬وممارساته‪.‬‬
‫ويف مقابل ذلك‪ ،‬استفاد "علم اللغة النفسي" من ميدان القراءة يف تفسريه الفهم اللغة واكتساهبا ومنوها؛ حيث‬
‫عدها رافدا مهما من روافد الدخل اللغوي الكتساب اللغة األم واللغة الثانية‪ ،‬بل إن بعض اللغويني التطبيقيني‪ ،‬أمثال‬
‫"ستيفن کراشن" "‪ "Stephen Kraschen‬وغريه‪ ،‬قد اعتمدوا على القراءة أساسا لبناء لغة متعلم اللغة الثانية إذا‬
‫توافرت فيها شروط معينة‪.‬‬
‫عالقة اللسانيات النفسية ابلتعليمية‬
‫إن هذا اجملال من اجملاالت احلساسة‪ ،‬واملهمة ابلنظر إىل أن البحث فيه كان‪ ،‬وما يزال ينال األمهية البالغة عند‬
‫الباحثني يف امليدان الرتبوي والتعليمي‪ ،‬كما يشكل جانبا أساسيا من جوانب علم النفس اللغوي خاصة يف شقه التعليمي‬
‫املتعلق بتعليم اللغات خصوصا‪ ،‬فلما كانت ظاهرة التعلم من أهم ظواهر حياتنا‪ ،‬كان طبيعيا أن تنال االهتمام الكبري من‬
‫قبل العلماء‪ ،‬لذلك سيعمد بعض هؤالء ابلبحث يف هذه الظاهرة حماولني تنظيم ما يتوصلون إليه من آراء حول حقائق‬
‫التعلم‪ ،‬وتبسيط هذه احلقائق‪ ،‬وشرحها‪ ،‬والتنبؤ هبا‪ ،‬ونظرا حلساسية موضوع التعلم والتعليم ستظهر نظرايت تعلم كثرية‬
‫بدءا من القرن املاضي حتاول كلها الوقوف على هذه الظاهرة‪ ،‬تشرحيها‪ ،‬وتقدمي استفسارات‪ ،‬وحلول يف شأهنا‪.‬‬
‫إن االهتمام بنظرية التعلم قد واكب التطورات‪ ،‬والتحوالت املعرفية املختلفة أيضا‪ ،‬ويف كل مرحلة كانت نظرية‬
‫التعلم حتاول أن تقدم للممارسني األجوبة الكافية عن أسئلة كان يصعب اإلجابة عنها‪ ،‬حني حماولة تطبيق فعل التعلم‬
‫والتعليم على أرض الواقع‪ ،‬ومن هنا صار من غري املعقول أن يستغين املعلم والباحث عنها‪ ،‬لذلك فإن أمهيتها تكمن‬
‫خاصة يف أهنا "تزود املعلم‪ ،‬والباحث بنظام مفاهيمي متكامل يضع املفاهيم املنفصلة يف عالقة تسهم يف حتسني الفهم‬
‫املتكامل الذي يسهل املمارسة والتطبيق‪ ،‬ولنظرية التعلم‪ ،‬ومبادئها خاصية قابليتها للقياس‪ ،‬والتقدير" ‪.1‬‬
‫إضافة إىل ذلك فإن نظرايت التعلم قد اضطلعت ومازالت تضطلع مبجموعة من الوظائف اليت مكنت من‬
‫حتديد اإلطار النظري للبحث التعليمي وربطه ابملمارسة والتطبيق‪ ،‬ولقد حدد جمموعة من الباحثني‪ ،‬ومن بينهم "ابتريك‬
‫سبايس" "‪ "Patrick Spice‬مخس وظائف لنظرية التعلم وهي‪:‬‬
‫‪ .1‬تعمل نظرية التعلم كإطار نظري إلجراء البحوث‪.‬‬
‫‪ .2‬تزود نظرية التعلم الباحثني إبطار منظم حمدد للمعلومات املهمة‪.‬‬
‫‪ .3‬تكشف عن احلقائق املتعلقة ابألحداث البسيطة يف التعلم‪.‬‬
‫‪ .4‬حتديد اخلربات السابقة املتعلقة مبوضوع البحث يف التعلم‪.‬‬
‫‪ .5‬وظيفة النظرية أن تعمل كنموذج عامل لألحداث التعليمية املعقدة" ‪.2‬‬

‫‪1‬‬
‫يوسف حممود قطامي‪ ،‬نظرايت التعلم والتعليم‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ط ‪ 2005 ،01‬م‪ ،‬ص ‪.33‬‬
‫‪2‬‬
‫نفسه‪ ،‬ص ‪.33‬‬
‫‪31‬‬
‫عالقة اللسانيات النفس ية ابلعلوم ا ألخرى ‪.2‬‬ ‫احملارضة الثالثة‬

‫من هاهنا ميكن القول إن نظرايت التعلم أسهمت دائما مسامهة فعالة يف التفكري اجلدي يف العملية التعليمية‬
‫والبحث عن النتائج الفعالة‪ ،‬كما أنه جيب االعرتاف أبنه يعود هلا الفضل الكبري يف التقدم املستمر الذي تعرفه البحوث‬
‫التعليمية‪ ،‬والذي ينعكس ابستمرار على العملية التعليمية‪ ،‬إن نظرة عاجلة يف هذا اجملال تبني لنا أن نظرايت التعلم‬
‫نظرايت متعددة‪ ،‬لكل منها أسسها‪ ،‬ووسائلها‪ ،‬وخلفياهتا املعرفية اليت جتعلها متفردة عن غريها‪ ،‬واملتصفح هلذه النظرايت‬
‫جيد أن املختصني قد قسموها إىل ثالثة أقسام رئيسية‪ :‬أوهلا "نظرايت ارتباطية"‪ ،‬واثنيها "نظرايت وظيفية"‪ ،‬واثلثها‬
‫"نظرايت معرفية"‪.‬‬
‫النظرايت االرتباطية‪ "Théories de connexionnismes" :‬لقد اصطلح على هذه ابالرتباطية ألهنا تقوم على‬
‫االرتباط بني األحداث البيئية والسلوك‪ ،‬كما أهنا تعتمد على بعض أشكاال الرتباط املتمثلة يف االقرتان الذي يلعب دورا‬
‫فعاال يف تعليم اللغات ‪،‬والتشابه‪ ،‬والتضاد‪ ،‬والتتابع‪ ،‬واالرتباطية هي "املذهب القائل أبن كل العمليات العقلية تتألف من‬
‫توظيف االرتباطات املوروثة واملكتسبة بني املواقف واالستجاابت‪ ،‬وينظر إىل هذا املذهب ابعتبار أنه األساس يف نظرية‬
‫ارتباط املثري واالستجابة" ‪ ،1‬ومن أشهر هذا النوع من النظرايت نظريتان ‪.‬‬
‫أ ‪ -‬نظرية االرتباط لثورندايك‪ "la théorie de connexionnisme de Thorndike" :‬إن نظرية هذا العامل‬
‫كانت نظرية سلوكية حمضة ترتبط أساسا بقضييت املثري واالستجابة‪ ،‬وهي نظرية جوهرية يف الدراسات السلوكية‪ ،‬و"تقوم‬
‫نظرية "ثورندايك" "‪ "Edward Thorndike‬على االرتباط بني املوقف واالستجابة اليت يقوم هبا اإلنسان‪ ،‬أو أي كائن‬
‫حي آخر يف ذلك املوقف‪ ،‬أو ما يعرف ابسم االرتباط بني املثري واالستجابة" ‪.2‬‬
‫ويرتبط التعلم عنده مبجموعة من القوانني‪ ،‬اليت هي حتديدا‪" :‬قانون األثر"‪ ،‬و"قانون التمرين"‪ ،‬و"قانون‬
‫االستعداد"‪ ،‬وهي قوانني أساسية عنده يرتبط كل منها ابآلخر‪" ،‬فقانون األثر" مثال جيسد الرابطة بني املثريات‪ ،‬والسلوك‪،‬‬
‫قوهتا‪ ،‬وضعفها‪ ،‬انطالقا من االستجابة نتيجة اإلشباع‪ ،‬أما "قانون التدريب" فهو جتسيد للرأي القائل "إن التدريب هو‬
‫الكمال"‪ ،‬ففي رأيه ظهور االستجابة الصحيحة مرتبط أساسا بتكرار اخلربة‪ ،‬مع شرط تفادي غياب حالة اإلشباع‪ ،‬أما‬
‫قانون االستعداد فأساسي يف نظره "انطالقا من أن االستجابة اليت تقوي هي اليت يتم فيها عملية اإلشباع لدافع‪ ،‬أو رغبة‪،‬‬
‫بينما إجبار العضوية على العمل حينما ال يتوفر لديها االستعداد فإن ذلك يزعجها" ‪.3‬‬
‫إن املالحظ يف نظرية هذا العامل هو أنه استطاع على األقل أن يؤسس للبحث يف نظرايت التعلم خاصة‪ ،‬وأن‬
‫الباحثني يؤرخون بنظريته هذه كأول نظرية تعلم يف اتريخ البحوث النفسية الرتبوية التعليمية‪.‬‬

‫‪ 1‬مصطفى انصف وعطية حممود هنا‪ ،‬نظرايت التعلم دراسة مقارنة‪ ،‬عامل املعرفة‪ ،‬اجمللس الوطين للثقافة والفنون واآلداب الكويت‪ ،‬العدد‬
‫‪ ،108‬ديسمرب‪ 1986 ،‬م‪ ،‬ص ‪.19‬‬
‫‪ 2‬انيف خرما وعلي حجاج‪ ،‬اللغات األجنبية تعليمها وتعلمها‪ ،‬عامل املعرفة‪ ،‬اجمللس الوطين للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪ ،‬العدد‬
‫‪ ،126‬جوان‪ 1988 ،‬م‪ ،‬ص ‪.54‬‬
‫‪ 3‬حممود يوسف قطامي‪ ،‬نظرايت التعلم والتعليم‪ ،‬ص ‪.72‬‬
‫‪32‬‬
‫عالقة اللسانيات النفس ية ابلعلوم ا ألخرى ‪.2‬‬ ‫احملارضة الثالثة‬

‫ب ‪ -‬نظرية اإلشراط الكالسيكي ‪ "Théorie du reflexe conditionnel" :‬هي من النظرايت اليت ارتبطت‬
‫أيضا ابملقوالت السلوكية‪ ،‬وتعرف بنظرية "اإلشراط االستجايب" و"اإلشراط البافلويف"‪ ،‬وبعضهم اصطلح عليها" منوذج‬
‫التعلم اإلجيايب القائم على وجود املثري"‪ ،‬وترتبط هذه النظرية بصاحبها "إيفان ابفلوف" "‪ "Ivan Pavlov‬وهو عامل‬
‫النفس الروسي الشهري الذي وضع املفاهيم اخلاصة هلذه النظرية‪ ،‬واملتمثلة أساسا يف املثري غري الشرطي‪ ،‬واالستجابة غري‬
‫الشرطية‪ ،‬واملثري الشرطي‪ ،‬واالستجابة الشرطية‪ ،‬التنبيه‪ ،‬واالستثارة‪ ،‬والكف‪ ،‬تعميم املثري‪ ،‬التمييز وأخريا االنطفاء‪ ،‬وكل‬
‫هذه املفاهيم جوهرية يف "اإلشراط البافلويف" ابلنظر إىل أهنا ترتبط ببعضها ارتباطا وثيقا‪.‬‬
‫وتشرتك هذه النظرية مع "نظرية ثورندايك" يف املثري واالستجابة لذلك صنف كالمها يف خانة االرتباطية‪ ،‬لكنهما‬
‫خيتلفان يف طريقة متييز املثريات واالستجاابت لذلك "وكما يف النظرية السابقة فإن نظرية "ابفلوف" تقوم على االرتباط بني‬
‫املثري واالستجابة‪ ،‬ولكنه مييز أوال بني املثري غري الشرطي‪ ،‬واالستجابة غري الشرطية من جهة‪ ،‬واملثري الشرطي واالستجابة‬
‫الشرطية من جهة أخرى" ‪.1‬‬
‫وإذا كان "ثورندايك" قد ربط كل مثري ابستجابة خالل مواقف التعلم‪ ،‬فإن "ابفلوف" قد طور أساليب‬
‫االشرتاط االنعكاسي ابستخدام إجراء جتريب خمتلف‪ ،‬وقد تضمنت فرضيته "أن املثري احملايد ابرتباطه مع مثري طبيعي‬
‫تصبح له نفس القدرة على استجرار نفس االستجابة اليت يستجرها املثري الطبيعي‪ ،‬ويسمى املثري احملايد ابملثري الشرطي‬
‫واالستجابة اليت يستجرها ابالستجابة الشرطية " ‪.2‬‬
‫لقد أثرت "نظرية ابفلوف" أتثريا ابلغا يف الدراسات اليت جاءت بعده‪ ،‬وستؤسس هذه النظرية مع سابقتها ملا‬
‫سيعرف ابالجتاه السلوكي يف نظرايت التعلم وسيصطلح أيضا على هذا النوع من النظرايت ابلنظرايت السلوكية‪ ،‬والذي‬
‫سيسيطر وإىل زمن بعيد على األحباث الرتبوية التعليمية‪.‬‬
‫النظرايت الوظيفية‪ "Théories fonctionnelles" :‬إهنا نظرايت تعلم اعتمدت السلوكية أيضا‪ ،‬لكن بطريقة ختتلف‬
‫عن ما اعتمد يف النظرايت االرتباطية‪ ،‬لذلك وردت خمتلفة عنها يف كثري من األسس والوسائل اإلجرائية‪ ،‬وخاصة يف‬
‫املفاهيم‪ .‬فلم ختتصر التعلم يف عاملي املثري واالستجابة؛ بل ركزت على جوانب أخرى‪ ،‬وخاصة املعرفية منها‪ ،‬إضافة إىل‬
‫تركيزها على جوانب عقلية أخرى‪.‬‬
‫إن "التعلم ابلنسبة هلذه النظرايت ليس جمرد إقامة عالقات‪ ،‬أو ارتباطات بني املثري واالستجابة بل هي حتاول أوال‬
‫تضمني بعض املفاهيم املعرفية يف التحليل السلوكي‪ ،‬وال تستبعد األحداث العقلية مثل التفكري والتخيل وتصر على‬
‫اعتبارها أنواعا من السلوك‪ ،‬ويطلق على هذه النظرايت كذلك اسم النظرايت اإلجرائية" ‪ ،3‬ومن أهم هذه النظرايت‪:‬‬
‫"نظرية سكينر اإلجرائية"‪ ،‬و"نظرية احلافز" عند "كالرك هل" "‪."Clark Leonard Hull‬‬

‫‪ 1‬انيف خرما وعلي حجاج‪ ،‬اللغات األجنبية تعليمها وتعلمها‪ ،‬ص ‪.54‬‬
‫‪ 2‬حممود يوسف قطامي‪ ،‬نظرايت التعلم والتعليم‪ ،‬ص ‪.74‬‬
‫‪ 3‬انيف خرما وعلي حجاج‪ ،‬اللغات األجنبية تعليمها وتعلمها‪ ،‬ص ‪.53‬‬
‫‪33‬‬
‫عالقة اللسانيات النفس ية ابلعلوم ا ألخرى ‪.2‬‬ ‫احملارضة الثالثة‬

‫أ ‪ -‬نظرية سكينر اإلجرائية‪ Théorie de conditionnement Opérant (opérationalisme) :‬هي نظرية‬


‫اعتمدت السلوك موضوعا هلا‪ ،‬وأخذت بعني االعتبار ما يطلق عليه ابألحداث اخلاصة‪ ،‬أو األحداث العقلية كالتخيل‬
‫والتفكري‪ ،‬متجاوزة بذلك حصر التعلم يف ثنائية املثري‪ ،‬واالستجابة واالرتباط بينهما‪ ،‬لذلك نقول إن "النظرية اإلجرائية هي‬
‫شكل آخر من أشكال نظرية التعلم السلوكية‪ ،‬وملا كانت هذه النظرية نسقا منتظما ألحباث علم النفس فإنه يشار إليها‬
‫ابسم التحليل التجرييب للسلوك‪ ،‬ويطلق على الذين يقومون هبذا التحليل اسم حمللي السلوك" ‪.1‬‬
‫لقد ركز "سكينر" "‪ "Burrhus Frederic Skinner‬يف نظريته على ثالثة مفاهيم أساسية هي‪ :‬ردود الفعل‬
‫االستجابية‪ ،‬املعززات واملعاقبات‪ ،‬واإلجراءات املميزة‪ ،‬واقرتح أن ينظر إىل أي وحدة اختبارية انجتة عن عالقة مثري‬
‫واستجابة على أهنا انعكاس‪ ،‬ومن مثة فإن الدارس السلوكي ليس من اهتمامه اآللية الداخلية للسلوك‪ ،‬ما يعنيه فقط هو‬
‫السلوك الظاهر الذي ميكن لنا مالحظته‪ ،‬وإخضاعه للتجربة‪ ،‬واالختبار بناء على مظهره‪ ،‬وليس على آلياته الداخلية ‪.2‬‬
‫يكتسي التعزيز أمهية ابلغة يف إجرائية سكينر‪ ،‬كونه يسهم يف تقوية االستجابة‪ ،‬اليت تستدرج عن طريق املكافأة‪،‬‬
‫واجلزاء‪ ،‬والتعزيز عنده هو "حدث من أحداث املثري إذا ظهر يف عالقة زمنية مالئمة مع االستجابة فإنه مييل إىل احملافظة‬
‫على قوة االستجابة‪ ،‬أو زايدة هذه القوة‪ ،‬أو قوة العالقة بني املثري‪ ،‬واالستجابة‪ ،‬أو العالقة بني مثري ومثري" ‪.3‬‬
‫ما يالحظ يف نظرية التعلم هذه هو حتديد نوعني من أنواع السلوك مها السلوك االستجايب‪ ،‬والسلوك اإلجرائي‪،‬‬
‫وتدعيمهما مبفهوم أساسي هو التعزيز‪.‬‬
‫ب ‪ -‬نظرية احلافز للعامل "كالرك هل"‪ "Méthode du stimulant de Hull" :‬هي امتداد للنظرايت السلوكية من‬
‫جهة والنظرايت املعرفية من جهة أخرى وهي نظرية قامت على اإلشراط الكالسيكي والوسيلي‪ ،‬عرفت بشموليتها‬
‫وانطالقها من املواقف البسيطة‪ ،‬ويالحظ فيها أتثر ببعض مقوالت سابقيه خاصة "نورثدايك" و"ابفلوف"‪ ،‬و"يعتقد هل‬
‫أن التعلم هو عملية اكتساب عادة تتكون ابلتدريج عن طريق تكوين رابطة شرطية بني مثري واستجابة ترضي الكائن احلي‬
‫وتشبع فيه حاجة ما‪ ،‬ولذلك فإن الوحدة السلوكية األساسية عنده هي قوة العادة" ‪.4‬‬
‫يقيم "كالرك هل" نظريته على جمموعة من املفاهيم اليت منها‪ :‬قوة العادة‪ ،‬الباعث احلوافز الثانوية‪ ،‬دينامية‬
‫شدة املثري‪ ،‬جهد االستجابة‪ ،‬قوة العادة املعممة‪ ،‬جهد الكف اجملمع‪ ،‬التذبذب السلوكي‪ ،‬التعزيز األويل‪ ،‬عتبة رد الفعل‪،‬‬
‫التعزيز الثانوي‪ ،‬ولعل أهم مفهوم عنده هو مفهوم احلافز الذي مسيت النظرية ابمسه‪ ،‬وانطالقا من ذلك يرى "أن التعلم‬
‫حيدث من خ الل تكيف الكائن بيولوجيا مع البيئة احمليطة به بطريقة متكنه من العيش‪ ،‬وشعور الكائن ابحلاجة يعين أن‬

‫‪ 1‬مصطفى انصف وعطية حممود هنا‪ ،‬نظرايت التعلم دراسة مقارنة‪ ،‬ص ‪.127‬‬
‫‪ 2‬أمحد حساين‪ ،‬دراسات يف اللسانيات التطبيقية حقل تعليمية اللغات‪ ،‬ديوان مطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪ 2000 ،‬م‪ ،‬ص ‪.59‬‬
‫‪ 3‬ستيوارت هولس وآخرون‪ ،‬سيكولوجية التعلم‪ ،‬ترمجة فؤاد أبو حطب‪ ،‬الدار الدولية لالستثمارات الثقافية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 1993 ،‬م‪ ،‬ص‬
‫‪.30‬‬
‫‪ 4‬انيف خرما وعلي حجاج‪ ،‬اللغات األجنبية تعليمها وتعلمها‪ ،‬ص ‪.57‬‬
‫‪34‬‬
‫عالقة اللسانيات النفس ية ابلعلوم ا ألخرى ‪.2‬‬ ‫احملارضة الثالثة‬

‫هذا العيش ال حيظى مبا يستحقه من االهتمام‪ ،‬ومن هنا تظهر احلوافز األولية الرئيسية مثل اجلوع والعطش‪ ...‬وعند ظهور‬
‫هذه احلوافز فإن الكائن يبدأ يف العمل أي االستجابة هلذه احلوافز" ‪.1‬‬
‫ما ميكن أن نقوله وحنن نتحدث عن هذه النظرية إال أهنا وابعرتاف املتخصصني كانت أكثر النظرايت جتسيدا‬
‫للمنهج السلوكي العلمي "وميكن اعتبار "نظرية كالرك هل" منوذجا للمنهجية الدقيقة الذي يراه هل كأسلوب لتطوير‬
‫النظرية وقد مسي أسلوبه أبسلوب االستدالل الفرضي" ‪ ،2‬وما ينبغي اإلشارة إليه أن "كالرك هل" قد أتثر مبفهوم النشوء‬
‫واالرتقاء حبيث رأى أن وظيفة السلوك هو أتكيد للحياة العضوية لإلنسان واحليوان‪ ،‬وقد ارتبطت نظريته كثريا ابحلاجات‬
‫البيولوجية وحاجات اإلشباع‪.‬‬
‫وما خنلص إليه هو أن "كالرك هل" " وإن مل يستطع بلورة نظرية شاملة لتفسري التعليم إال أنه كان امللهم للكثري‬
‫من األحباث كما ساهم يف بناء نظام للحقائق التجريبية أكثر بكثري مما فعل غريه من أبناء عصره" ‪.3‬‬
‫النظرايت املعرفية‪"Théories congnitives" :‬‬
‫إن النظرايت املعرفية ظهرت إىل الوجود مواكبة لتحول معريف‪ ،‬رأى من الضرورة جتاوز التفسريات االرتباطية‬
‫واإلشراطية لكل معضالت التعلم‪ ،‬ورأى أنه من الواجب األخذ بعني االعتبار سيكولوجية التفكري‪ ،‬فعلى خالف‬
‫النظرايت السلوكية‪ ،‬اليت جعلت من عاملي املثري‪ ،‬واالستجابة‪ ،‬واالرتباط بينها دعامة أساسية من دعائمها‪ ،‬فإن هذه‬
‫النظرايت‪ ،‬وكما يدل عليه امسها تركز على التفكري‪ ،‬والتخطيط‪ ،‬واختاذ القرار‪ ،‬وحل املشاكل‪ ،‬وكل ما له عالقة ابلبيئة‬
‫اخلارجية‪ ،‬وعلى عكس النظرايت السلوكية اليت كانت تركز علة مبدأ تعلم اجلزء فإن هذه النظرايت سرتكز على اجملموع‬
‫الكلي لألجزاء‪.‬‬
‫ومن أهم النظرايت يف هذا امليدان نظريتان مها‪" :‬النظرية اجلشطلطية"‪ ،‬و"النظرية البنائية" ومها نظريتان كان هلما‬
‫الباع الكبري يف حتول النظرة إىل عمليات التعلم والتعليم وتطورمها متاشيا مع تطور فكري شامل ارتبط بكل جوانب املعرفة‪.‬‬
‫أ ‪ -‬النظرية اجلشطلطية‪ :‬يطلق عليها البعض نظرية التعلم ابالستبصار‪ ،‬منطلقها التفكري يف العالقة الداخلية اليت تكون‬
‫الشكل يف كليته‪،‬والبحث يف العالقات القائمة بني الوسائل والغاايت‪ ،‬و"النظرية اجلشطلطية هي أساسا نظرية يف التفكري‬
‫وحل املشكالت مع أن من بني اهتماماهتا الرئيسة العمليات املعرفية األخرى مثل اإلدراك والتعلم" ‪.4‬‬
‫ومن مفاهيمها األساسية‪ :‬البنية‪ ،‬أو الرتكيب والتوزيع الذايت‪ ،‬وحتديد العالقات‪ ،‬والتنظيم‪ ،‬وإعادة التنظيم‪،‬‬
‫واملعىن‪ ،‬وكذلك االستبصار‪ ،‬واالستبصار هاهنا "هو الطريقة اليت بواسطتها يتمكن املتعلم من التوجل يف بنية املوقف‬
‫التعليمي‪ ،‬وفهمه من حيث هو كل‪ ،‬إذ ال ميكن لنا احتواء ذلك املوقف إال إبدراك العالقات اليت تكونه" ‪.5‬‬

‫‪ 1‬نفسه‪ ،‬ص ‪.57‬‬


‫‪ 2‬حممود يوسف قطامي‪ ،‬نظرايت التعلم والتعليم‪ ،‬ص ‪.92‬‬
‫‪ 3‬انيف خرما وعلي حجاج‪ ،‬اللغات األجنبية تعليمها وتعلمها‪ ،‬ص ‪.59‬‬
‫‪ 4‬انيف خرما وعلي حجاج‪ ،‬اللغات األجنبية تعليمها وتعلمها‪ ،‬ص ‪.59‬‬
‫‪ 5‬أمحد حساين‪ ،‬دراسات يف اللسانيات التطبيقية حقل تعليمية اللغات‪ ،‬ص ‪.65‬‬
‫‪35‬‬
‫عالقة اللسانيات النفس ية ابلعلوم ا ألخرى ‪.2‬‬ ‫احملارضة الثالثة‬

‫لقد شكل اإلدراك العامل األساسي يف املفهوم اجلشطلطي‪ ،‬انطالقا من كونه هو الذي حيدد أسباب سلوكه‬
‫وهو "يف رأي علماء النظرية اجلشطلطية أنه إذا أردان أن نفهم ملاذا يقوم الكائن ابلسلوك الذي يسلكه فال بد لنا من أن‬
‫نفهم كيف يدرك هذا الكائن نفسه‪ ،‬واملوقف الذي جيد نفسه فيه‪ ،‬ومن هنا كان اإلدراك من القضااي يف التحليل‬
‫اجلشطلطي مبختلف أشكاله" ‪.1‬‬
‫لقد استطاعت هذه النظرية أن ترتك صدى إجيابيا كبريا عند املختصني يف ميادين "علم النفس" و"التعليم"‪،‬‬
‫نظرا العتمادها على البياانت التجريبية‪ ،‬فكانت بذلك من أكثر النظرايت أتثريا على امليدانني املذكورين‪ ،‬خاصة وأهنا‬
‫اعتمدت على سيكولوجية التفكري‪ ،‬وعلى مشاكل املعرفة بصورة عامة‪.‬‬
‫ب ‪ -‬النظرية البنائية‪ :‬هي نظرية معرفية أخرى تركز على تطور الفكر الطبيعي منذ الوالدة وحىت سن الرشد‪ ،‬وحتاول أن‬
‫ترصد العوامل املؤثرة يف التطور املعريف واليت منها‪ :‬البيئة الطبيعية‪ ،‬النضج‪ ،‬التأثريات االجتماعية‪ ،‬وعمليات الضبط الذايت‬
‫لدى املتعلم‪ ،‬وصاحب هذه النظرية هو "جان بياجيه" "‪ " Jean Piaget‬الذي "يعرتف أن التعلم يتم جزئيا بفعل‬
‫عوامل البيئة االجتماعية واملادية كما يعرتف بوجود الكائن احلي بصورة سليمة مل متس كشرط أول حلدوث التعلم‪ ،‬ولكنه‬
‫يضيف إىل ذلك عامال آخر هو عامل املوازنة اليت تقود التعلم أي الطريقة اليت يستطيع اإلنسان هبا تنظيم املعلومات‬
‫املتناثرة يف نظام معريف غري متناقض" ‪.2‬‬
‫إن نظرية تعلم "لبياجيه" تركز على حمور أساسه االنتقال ابلفرد من مستوى معريف معني إىل مستوى معريف‬
‫أكثر رقيا وتطورا‪ ،‬وأن هذه املعرفة إمنا تبىن انطالقا من التفاعل املستمر مع بيئته "وحيدد بياجيه ثالث عمليات أساسية‬
‫تؤثر يف عملية التطور املعريف هي التمثل‪ ،‬والتكيف‪ ،‬والتوازن" ‪ ،3‬وامللفت لالنتباه أن "جان بياجيه" حدد يف نظريته‬
‫جمموعة من القضااي الرئيسية‪ ،‬وربطها مبجموعة أخرى من املفاهيم األساسية‪ ،‬ولعل أهم القضااي يف نظره هي‪ :‬تعريف‬
‫التعلم‪ ،‬قياسه‪ ،‬حمدداته‪ ،‬فجائيته‪ ،‬وتدرجييته ففي تعريفه للتعلم "يصر على أن التعلم الذي له معىن‪ ،‬أو أن التعلم احلقيقي‬
‫هو التعلم الذي ينشأ عن التأمل والرتوي"‪ ،‬وهو يف ذلك خيتلف عن سابقيه يف نظرايت أخرى‪ ،‬والذين ركزوا على‬
‫التدريب وتعزيزه‪ ،‬أما املفاهيم األساسية اليت اعتمدها يف نظريته فتمثلت يف رصده ملصادر املعرفة اليت جعلها نوعني‬
‫إحدامها شكلية وأخرى إجرائية‪ ،‬كما ركز على أنواعها‪ ،‬ومستوايهتا‪.‬‬
‫التعلم ابملالحظة‪ :‬هي من النظرايت املعرفية اليت القت استحساان لدى املتخصصني يف هذا اجملال‪ ،‬وتقوم هذه كما يدل‬
‫عليه امسها على املالحظة أساسا‪ ،‬وجتعلها من القضااي األساسية يف بناء نظرية التعلم عندها ‪ .‬ورائدها هو "العامل بندورا"‬
‫"‪ "Albert Bandura‬أحد رواد التعلم عن طريق احملاكاة‪ ،‬ومن أهم القضااي اليت يستند إليها "ابندورا" حني تقدمي‬
‫نظريته اهتمامه بكيفية تعلم اإلنسان الستجابة جديدة‪ ،‬مث توضيحه لقدرة اإلنسان اليت تتوسط بني مالحظة منوذج‬

‫‪ 1‬مصطفى انصف وعطية حممود هنا‪ ،‬نظرايت التعلم دراسة مقارنة‪ ،‬ص ‪.200‬‬
‫‪ 2‬انيف خرما وعلي حجاج‪ ،‬اللغات األجنبية تعليمها وتعلمها‪ ،‬ص ‪.60‬‬
‫‪ 3‬حممود يوسف قطامي‪ ،‬نظرايت التعلم والتعليم‪ ،‬ص ‪.258‬‬
‫‪36‬‬
‫عالقة اللسانيات النفس ية ابلعلوم ا ألخرى ‪.2‬‬ ‫احملارضة الثالثة‬

‫االستجاابت‪ ،‬وما يعقب ذلك من أداء هلذه السلوكيات من قبل ا ملالحظ‪ ،‬وأخريا يركز على اجلانب االنتقائي هلذه‬
‫العملية‪.‬‬
‫إن "ابندورا" يعطي األمهية الكربى يف نظريته للجانب االنتقائي انطالقا من حماولة تفسريه سبب احتفاظ املتعلم‬
‫ببعض اجلوانب‪ ،‬وجتاوزه غريها ففي نظره "نظرية شاملة للتعلم ابملالحظة ال بد من أن تفسر ليس فقط كيفية اكتساب‬
‫أمناط االستجاابت فحسب بل ملاذا يهتم املالحظ ببعض ببعض اجلوانب‪ ،‬وحيتفظ هبا دون غريها من اجلوانب األخرى‬
‫كذلك" ‪.1‬‬
‫إضافة إىل القضااي اليت ذكرانها‪ ،‬يربط التعلم ابملالحظة أبربعة جماالت هي‪ :‬اجلدة‪ ،‬والقدرة‪ ،‬واالنتقائية‬
‫والدافعية‪ ،‬ويركز معها على ثالثة مفاهيم أساسية تتمثل يف العمليات اإلبدالية‪ ،‬والعمليات املعرفية‪ ،‬وعمليات تنظيم الذات‬
‫وجعل منها آليات أساسية يف نظريته‪ ،‬وبناء على ذلك فإن مجيع الظاهر التعليمية الناجتة عن التجربة املباشرة ميكنها أن‬
‫حتدث على أساس تباديل من خالل مالحظة سلوك اآلخرين‪ ،‬ونتائجه على الشخص املالحظ" ‪ ،2‬ما ميكن أن نقوله يف‬
‫األخري هو أن هذه النظرية قد أسهمت كثريا يف تطوير عملييت التعلم والتعليم‪ ،‬واستطاعت حبق أن تستثمر آلياهتا خاصة‬
‫يف التعلم املبكر‪.‬‬
‫نظرية التعلم االجتماعي‪ :‬هي نظرية رآها البعض نظرية عن الشخصية أكثر منها نظرية تعلم‪ ،‬وهي نظرية معرفية شأهنا‬
‫شأن النظرايت اليت سبق احلديث عنها‪ ،‬صاحبها العامل األمريكي "جوليان روتر" "‪ " Julien Rotter‬الذي عرف‬
‫بدفاعه عن فكرة تعلم اإلنسان لسلوكياته انطالقا من البيئة االجتماعية اليت يتفاعل معها‪ ،‬ويقر ذلك صراحة يف قوله "إهنا‬
‫نظرية تعلم اجتماعي ألهنا تؤكد على احلقيقة القائلة إن أشكال السلوك األساسية‪ ،‬أو الرئيسية جيري تعلمها بصورة ال‬
‫فكاك فيها مع احلاجات اليت يتطلب إرضاؤها بتوسط أشخاص آخرين " ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫إن "جوليان روتر" يف نظريته هذه‪ ،‬شأنه شأن سابقيه‪ ،‬قد ركز على جمموعة من القضااي اليت رآها جوهرية‬
‫فيها‪ ،‬مثل الرتكيب العقلي الذي رآه أساسيا حيث ربطه ابلنفعية‪ ،‬كما حث على ضرورة تطوير لغة الوصف‪ ،‬واعتماد‬
‫التعريفات اإلجرائية‪ ،‬يضاف إليها االستناد على الدافعية واملعرفية‪ ،‬كما ركز على ضرورة اعتماد األداء مقابل االكتساب‪،‬‬
‫إضافة إىل ذلك اعتمد على جمموعات من املفاهيم اليت تتمحور مجيعها حول السلوك‪ ،‬مثل إمكانية السلوك‪ ،‬والتوقع‪،‬‬
‫وقيمة التعزيز‪ ،‬واحملددات األساسية للسلوك‪ ،‬واملوقف السيكولوجي‪ ،‬وعليه ميكن أن خنلص إىل أن "نظرية التعلم‬
‫االجتماعي كما يدل امسها تبحث يف سلوك األفراد يف املواقف االجتماعية‪ ،‬فالتعلم حيدث يف بيئة مليئة ابملعاين ويكتسب‬
‫من خالل التفاعل االجتماعي مع الناس اآلخرين" ‪.4‬‬
‫نظرايت التعلم وعالقتها ابللسانيات النفسية وبتعليمية اللغات‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫مصطفى انصف وعطية حممود هنا‪ ،‬نظرايت التعلم دراسة مقارنة‪ ،‬ص ‪.135‬‬
‫‪2‬‬
‫نفسه‪ ،‬ص ‪.136 ،135‬‬
‫‪3‬‬
‫نفسه‪ ،‬ص ‪.189‬‬
‫‪4‬‬
‫انيف خرما وعلي حجاج‪ ،‬اللغات األجنبية تعليمها وتعلمها‪ ،‬ص ‪.63‬‬
‫‪37‬‬
‫عالقة اللسانيات النفس ية ابلعلوم ا ألخرى ‪.2‬‬ ‫احملارضة الثالثة‬

‫إن املتصفح يف اتريخ هذه النظرايت جيد أهنا واكبت التحوالت اليت حصلت على مستوى البحوث النفسية‪،‬‬
‫والرتبوية‪ ،‬والتعليمية عامة‪ ،‬وحبوث تعليم اللغات خاصة‪ ،‬فبعضها اعتمد عليه عندما تعلق األمر ابلبحث يف ميدان‬
‫البيداغوجيا‪ ،‬والبعض اآلخر ساير األطروحات اليت قدمت يف سياق اللسانيات التطبيقية والنفيسة خصوصا‪ ،‬وبعضها كان‬
‫سندا أساسيا للتعليمية عامة وتعليمية اللغات خصوصا‪.‬‬
‫وملا كان األمر متعلقا ابلبحوث البيداغوجية األوىل‪ ،‬كانت النظرايت االرتباطية واإلشراطية‪ ،‬هي املتكأ عليها‪،‬‬
‫فما من حبث بيداغوجي حينها‪ ،‬إال وفيه حديث عن ارتباطية "ثورنداتيك"‪ ،‬أو إشراطية "ابفلوف"‪ ،‬وواصلت هذه‬
‫البحوث االعتماد على هذه الدراسات السلوكية بعد ذلك خاصة اليت اعتمدت اجلانب الوظيفي‪ ،‬واليت جتسدت فيها‬
‫أطروحات "سكينر" ‪ ،‬و"كالرك هل" ‪ ،‬ومفاهيم "واطسن" "‪ ،"John Broadus Watson‬و"بلومفيلد" " ‪Leonard‬‬
‫‪ "Bloomfield‬وغريهم‪ ،‬واملالحظ أن هذه املرحلة ستساير حتوال آخر على مستوى البحث اللغوي‪ ،‬حيث سيتم‬
‫االنتقال من الدراسات املعيارية إىل الدراسات الوصفية البينوية للغة‪ ،‬وسيكون لذلك أثره الكبري على البحث يف هذا‬
‫امليدان ‪.‬‬
‫إن األمر امللفت لالنتباه هو أن أغلبية النظرايت السلوكية‪ ،‬إمنا قدمت إشارات عامة عن ظاهريت التعلم‬
‫والتعليم بصورة عامة‪ ،‬ومل تقدم شيئا خاصا يتعلق بتعليم اللغات‪" ،‬فليس هناك فرق عند السلوكي بني تعلم لغة وتعلم أي‬
‫شيء آخر‪ ،‬فهم ال يفرتضون أي مواهب داخلية معقدة أكثر من أن اإلنسان ميلك القدرة على تعلم اللغة‪ ،‬فالعامل‬
‫السلوكي يلتزم أبخذ الدليل على التعلم من السلوك الذي ميكن مالحظته كاالستجابة ملثري ما" ‪ ،1‬إن السلوكيني إضافة‬
‫إىل ربطهم قضية التعلم بثنائية املثري واالستجابة سواء أتعلق األمر ابللغة أو غريها‪ ،‬فإهنم "يرون أن التعلم ميكن أن يكون‬
‫متشاهبا بني مجيع الناس ألن هذا التعلم حمكوم ابلعوامل اخلارجية‪ ،‬وابلتايل فإنه ابستطاعتنا عند تعلم اللغة أن نضمن أن‬
‫كل الناس سيتعلمون بنفس القدر؛ إذا ما استطعنا أن خنلق ظروفا تعلمية متشاهبة" ‪.2‬‬
‫بعد حبوث البيداغوجيا وما قدمته من إسهامات يف ميدان التعلم‪ ،‬ستسهم اللسانيات النفسية بدورها يف تقدمي‬
‫إضافات نوعية هلذا اجملال من الدرس‪ ،‬ورغم أهنا بداية ستعتمد على بعض أطروحات السلوكيني "كواطسن"‪ ،‬و"سكينر"‪،‬‬
‫و"بلومفيلد" وغريهم‪ ،‬إال أهنا ستحتضن أكثر آراء بعض العلماء الذين اثروا على السلوكيني من أمثال "تشومسكي"‬
‫"‪ "Noam Chomsky‬و"بياجيه" وغريمها‪ ،‬وستقرتب بذلك أكثر من أطروحات أصحاب النظرايت املعرفية فيما يتعلق‬
‫بتعليم اللغة‪ ،‬و"وجهة النظر املعرفية تقول إن كل إنسان يتعلم اللغة ال ألن اجلميع خيضعون لعمليات إشراط متشاهبة‪ ،‬بل‬
‫ألن كل إنسان ميتلك قدرة فطرية تسمح له بتعلم اللغة‪ ،‬وهذه القدرة عامة بطبيعتها مبعىن أهنا تنطبق على مجيع البشر يف‬
‫كل زمان ومكان" ‪ ،3‬مع تبلور نشاط تعليمية اللغات‪ ،‬وبداية االهتمام بتعليم اللغات كمجال معريف مهم‪ ،‬سنرى تشبثا‬
‫أكرب ابلنظرايت املعرفية‪ ،‬ووجهات نظرها فيما يتعلق بتعليم اللغات خاصة منها تلك اليت آثرت االهتمام ابجلوانب‬

‫‪1‬‬
‫انيف خرما وعلي حجاج‪ ،‬اللغات األجنبية تعليمها وتعلمها‪ ،‬ص ‪.68‬‬
‫‪2‬‬
‫نفسه‪ ،‬ص ‪.69‬‬
‫‪3‬‬
‫نفسه‪ ،‬ص ‪.70‬‬
‫‪38‬‬
‫عالقة اللسانيات النفس ية ابلعلوم ا ألخرى ‪.2‬‬ ‫احملارضة الثالثة‬

‫االجتماعية واملالحظة‪ ،‬على شاكلة نظرية التعلم ابملالحظة‪ ،‬أو نظرية التعلم االجتماعي‪ ،‬اليت انسجمت مع التحوالت‬
‫الرتبوية والتعليمية اليت اقتضتها املراحل املعاصرة‪ ،‬وقد وجدت تعليمية اللغات ضالتها يف هذه النظرايت حيث أمدهتا‬
‫آبليات‪ ،‬ووسائل ج ديدة مكنتها من التعامل مع حقل تعليم اللغات إن األصلية‪ ،‬أو اللغات الدخيلة‪.‬‬

‫مصادر ومراجع احملاضرة‪:‬‬


‫‪ .1‬أمحد حساين‪ ،‬دراسات يف اللسانيات التطبيقية حقل تعليمية اللغات‪ ،‬ديوان مطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪،‬‬
‫‪ 2000‬م‪.‬‬
‫‪ .2‬ستيوارت هولس وآخرون‪ ،‬سيكولوجية التعلم‪ ،‬ترمجة فؤاد أبو حطب‪ ،‬الدار الدولية لالستثمارات الثقافية‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬مصر‪ 1993 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .3‬مصطفى انصف وعطية حممود هنا‪ ،‬نظرايت التعلم دراسة مقارنة‪ ،‬عامل املعرفة‪ ،‬اجمللس الوطين للثقافة والفنون‬
‫واآلداب الكويت‪ ،‬العدد ‪ ،108‬ديسمرب‪ 1986 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .4‬انيف خرما وعلي حجاج‪ ،‬اللغات األجنبية تعليمها وتعلمها‪ ،‬عامل املعرفة‪ ،‬اجمللس الوطين للثقافة والفنون‬
‫واآلداب‪ ،‬الكويت‪ ،‬العدد ‪ ،126‬جوان‪ 1988 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .5‬يوسف حممود قطامي‪ ،‬نظرايت التعلم والتعليم‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ط ‪ 2005 ،01‬م‪.‬‬
‫املراجع األجنبية‪:‬‬
‫‪1. David Pearson & Diane Stephens, Learning about literacy: a 30-year journey,‬‬
‫‪In R Ruddell, M. Ruddell; and H. Singer (Eds.) Theoretical Models and‬‬
‫‪Processes of Reading, (4th edition.), International Reading Association,‬‬
‫‪Newark, Delaware, United States, 1994.‬‬
‫‪2. Frank Smith, Psycholinguistics and Reading. New York: Holt, Rinehart and‬‬
‫‪Winston, Language Arts, Vol 53, No. 3, MARCH, National Council of Teachers‬‬
‫‪of English, Chicago, Illinois, United States, 1976.‬‬
‫‪3. Frank Smith, Understanding Reading: A Psycholinguistic Analysis of Reading‬‬
‫‪and Learning to Read, Routledge, London, United Kingdom, 1971.‬‬
‫‪4. Kenneth Goodman, A linguistic study of cues and miscues in reading, Vol. 42,‬‬
‫‪No. 6 ,OCTOBER, National Council of Teachers of English, Chicago, Illinois,‬‬
‫‪United States, 1965.‬‬
‫‪5. Kenneth Goodman, Reading: a psycholinguistic guessing Game, In H. Singer‬‬
‫‪and R. Ruddell (eds.) Theoretical Models and Processes of Reading,‬‬
‫‪International Reading Association, Newark, Delaware, United States, 1976.‬‬

‫‪39‬‬
‫احملارضة الرابعة‬
‫قضاي اللسانيات النفس ية‪.‬‬
‫قضااي اللسانيات النفس ية‪.‬‬ ‫احملارضة الرابعة‬

‫توطئة‪:‬‬
‫تدرس "اللسانيات النفسية" العمليات العقلية املتعلقة بلفهم واإلدراك أبدوات مستقاة من اللسانيات‪ ،‬وأخرى‬
‫من علم النفس‪ ،‬وكيف أن استخدام اللغة يتأثر بعمليات عقلية غري مباشرة‪ ،‬و تقريبا هناك ثالثةُ ٍ‬
‫أسئلة رئيسة حتاول‬
‫"اللسانيات النفسية" اإلجابةَ عليها وهي‪ :‬كيف يكتسب اإلنسان اللغة ؟‪ ،‬وكيف يفهمها ؟‪ ،‬وكيف ينتجها ؟‪ .‬ومن أهم‬
‫القضااي األخرى اليت يهتم هبا هذا العلم هي فهم اللغة‪ ،‬سواء أكانت منطوقة أم مكتوبة‪ ،‬واستعمال اللغة‪ ،‬أو إصدار‬
‫الكالم‪ ،‬واكتساب اللغة؛ سواء أكانت لغة أم‪ْ ،‬أم لغة اثنية أو أجنبية‪ ،‬واملشكالت واالضطرابت اللغوية؛ كعيوب النطق‬
‫اخللقية‪ ،‬أو العيوب اللغوية اليت حتدث نتيجة إصابة عضو من أعضاء النطق‪ ،‬أو السمع‪ ،‬أو البصر‪ ،‬أو ما يرتبط هبا من‬
‫أعصاب‪ ،‬أو أجهزة يف مراكز اللغة يف الدماغ‪ ،‬والثنائية اللغوية والتعددية اللغوية‪ ،‬ودراسة ما يتعلق هبما من مسائل‬
‫ومشكالت يف اكتساب اللغات األم أو الثانية‪ ،‬زد على ذلك لغة اإلشارة عند الصم من حيث االستعمال واالكتساب‬
‫والتقعيد‪ ،‬وما يتعلق هبا من قضااي‪ ،‬ومشكالت لغوية‪ ،‬ونفسية واجتماعية‪ .‬ولعلنا سنركز يف هذه احملاضرة على فهم اللغة‪،‬‬
‫سواء أكانت منطوقة أم مكتوبة‪ ،‬ولغة اإلشارة عند الصم‪ ،‬واملنطوق‪.‬‬
‫فهم اللغة‪ ،‬سواء أكانت منطوقة أم مكتوبة‪:‬‬
‫إن من أهم القضااي اليت يهتم هبا "علم النفس اللغوي" هي تلك العالقة الوطيدة اليت جتمع بني الـمفهوم‬
‫والـمنطوق‪ ،‬الذي يبحث فـي كيفية وقوع األسـماء على مسمياتـها ‪ ،1‬وهذا يعنـي دراسة التفكيـر اللغوي اإلنسانـي انطالقا‬
‫من لغة معينة لـها سـماتـها‪ ،‬وطبيعتها فـي النظرة إلـى التجربة اإلنسانية تـختلف عن غيـرها‪ ،‬فاللغة ليست مـجرد وسيلة‬
‫لتبليغ األفكار فال تتحدد هذه األفكار وتظهر إال بفضل اللغة‪ ،‬وعلى هذا ركز اللغويون على اللغة كونـها الـمعيار األساس‬
‫فـي تـحديد الـخطأ والصواب فـي فهم الـمعنـى‪.‬‬
‫فمن خالل هذا يوصف الـمدلول اللغوي بلـمنطوق اترة وبلـمفهوم اترة أخرى‪ ،‬فيقال مدلول منطوقي‪ ،‬ومدلول‬
‫مفهومي‪ ،‬كما توصف الداللة بـهما أيضا ويقال داللة منطوقية‪ ،‬وداللة مفهومية‪ ،‬فيقع الكالم فـي أنـهما من أوصاف‬
‫الـمدلول‪ ،‬أو الداللة‪ ،‬والظاهر أنـهما من أوصاف الـمدلول‪ ،‬وينقسم الـمعنـى بعتبار الـمدلول إلـى منطوق ومفهوم‪ ،‬وبـما‬
‫أن الـمدلول هو الـمعنـى الذي دل عليه اللفظ الدال فتنقسم الداللة أيضا بعتبار الـمدلول إلـى منطوقية ومفهومية‪.‬‬
‫يعد الـمفهوم "‪ "Concept‬أحد الـمباحث الـمهمة فـي "علم النفس اللغوي"‪ ،‬بعتباره ما دل عليه اللفظ فـي‬
‫غيـر مـحل النطق‪ ،‬عكس الـمنطوق الذي ما دل عليه اللفظ فـي مـحل النطق‪ ،‬وقد أولـى اللغويون جل اهتماماتـهم‬
‫بلـمفهوم‪ ،‬ذلك بتحرير معانيه‪ ،‬وأقسامه من موافقة‪ ،‬ومـخالفة ذلك الرتباطه بلصورة الذهنية لإلنسان الـمتلقي للخطاب‬

‫‪1‬‬
‫ابن حزم األندلسي‪ ،‬التقريب لـحد الـمنطق‪ ،‬تح إحسان عباس‪ ،‬منشورات مكتبة الـحياة‪ ،‬بيـروت‪ ،‬لبنان‪ 1959 ،‬م‪ ،‬ص ‪.03‬‬
‫‪41‬‬
‫قضااي اللسانيات النفس ية‪.‬‬ ‫احملارضة الرابعة‬

‫بلفهم والـمعرفة؛ إذ أن "الـمعانـي تتـرتب فـي النفس أوال‪ ،‬ثـم تتـرتب األلفاظ تبعا لـها فـي النطق" ‪1‬؛ فالـمفهوم هو‬
‫الـمعقول بلعقل الـمعلوم‪ ،‬والـمعروف بلـمعرفة‪.‬‬
‫وينقسم الـمفهوم إلـى قسميـن‪ :‬مفهوم موافقة‪ ،‬ومفهوم مـخالفة؛ فاألول "ما يفهم من الكالم بطريقة‬
‫الـمطابقة؛ وأما الثانـي ف هو ما يفهم منه بطريقة االلتزام‪ ،‬وقيل أن يثبت الـحكم فـي الـمسكوت على خالف ما ثبت فـي‬
‫الـمنطوق" ‪ ،2‬ومن خالل هذا الرأي "للشريف الـجرجانـي" حول الـمفهوم يتضح أن هذا الـمصطلح يرتبط بلـمسكوت‬
‫عنه فـي داللة الـخطاب‪ ،‬كما يهتم بـمنطوقه‪ ،‬فيكون بذلك الـمسكوت عنه موافقا للمنطوق به فـي النفي واإلثبات‪ ،‬أو‬
‫مـخالفا له فيهما؛ فإن كان موافقا سـمي مفهوم موافقة‪ ،‬وإن كان مـخالفا له سـمي مفهوم مـخالفة ‪.‬‬
‫أما "الالند" "‪ "André Lalande‬هو اآلخر فـي موسوعته الفلسفية يقسم الـمفهوم إلـى نوعيـن من مفهوم‬
‫أحدهـما قبلي واآلخر بعدي‪ ،‬ويركز "الالند" على الـمفاهيم "الناجـمة على التجربة الذاتية والـمفاهيم الـمستفادة من‬
‫التجربة الـموضوعية" ‪ ،3‬ويعتبـر "الالند" فـي ذات الـموسوعة أن مصطلح التصور "‪ "Conception‬أوسع داللة من‬
‫مصطلح الـمفهوم‪ ،‬ذلك بوصف التصور " عملية إجرائية‪ ،‬فكل عمل فكري منطبق على شيء ما‪ ،‬بنحو أخص عملية‬
‫اإلدراك والنظر‪ ،‬فـي مقابل عمليات اخليال‪ ،‬سواء أكان استنساخيا أم إبداعيا" ‪ ،4‬أما مصطلح املفهومية‬
‫"‪ "Conceptualisme‬فهي "مذهب خاص بطبيعة األفكار العامة‪ ،‬بوصفها تصورات عقلية‪ ،‬هذه األفكار هي أشكال‬
‫أو عمليات إجرائية خاصة بلفكر" ‪ ،5‬فمن خالل رأي "أندريه الالند" يتضح االختالف فـي الطرح بينه وبني "الشريف‬
‫اجلرجاين"‪.‬‬
‫والفهم عكس اإلفهام‪ ،‬إذ أن األول "تصور الشيء من لفظ الـمخاطب‪ - ،‬وأما الثانـي‪ -‬إيصال الـمعنـى‬
‫اها ُسلَْي َما َن﴾‬
‫بللفظ إلـى فهم السامع" ‪ ،‬إذن فإن الفهم ما يتحقق به إدراك معانـي ما يقال‪ ،‬يقول تعالـى‪﴿ :‬فَ َف َه ْمنَ َ‬
‫‪6‬‬

‫[األنبياء‪ ،]79 :‬يقول "الراغب األصفهانـي"‪" :‬وذلك أن هللا جعل من فضل قوة الفهم ما أدرك به ذلك‪ ،‬وإما أبن ألقى‬
‫ذلك فـي روعه أو أبن أوحى إليه‪ ،‬وخصه به"‪ ،‬وأفهمته إذا قلت له حتـى تصوره‪ ،‬واالستفهام أن يطلب من غيـره أن‬

‫‪ 1‬جابر عصفور ‪ ،‬الصورة الفنية فـي التـراث النقدي والبالغي عند العرب‪ ،‬الـمركز الثقافـي العربـي‪ ،‬بيـروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪ 1992 ،03‬م‪ ،‬ص‬
‫‪.320‬‬
‫‪ 2‬الشريف الـجرجانـي‪ ،‬التعريفات‪ ،‬مكتبة لبنان‪ ،‬بيـروت‪ ،‬لبنان‪ 1985 ،‬م‪ ،‬ص ‪.240‬‬
‫‪ 3‬أندريه الالند‪ ،‬موسوعة الالند الفلسفية‪ ،‬ترجـمة خليل أحـمد خليل‪ ،‬منشورات عويدات‪ ،‬بيـروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬وبريس‪ ،‬فرنسا‪ ،‬ط ‪،02‬‬
‫‪ 2001‬م‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.194‬‬
‫‪ 4‬نفسه‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.195‬‬
‫‪ 5‬نفسه‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.196‬‬
‫‪ 6‬أبو البقاء الكفوي‪ ،‬الكليات‪ ،‬حتقيق عدانن درويش ومـحمد الـمصري‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيـروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪ 1998 ،02‬م‪ ،‬ص ‪.697‬‬
‫‪42‬‬
‫قضااي اللسانيات النفس ية‪.‬‬ ‫احملارضة الرابعة‬

‫يفهمه"‪ ،1 ،‬والـمفهوم عند الـمنطقييـن "ما حصل فـي العقل أي من شأنه أن يـحصل فـي العقل سواء حصل بلفعل‪ ،‬أو‬
‫بلقوة" ‪ ،2‬هذا يعنـي أن الـمفهوم والـمعنـى عند الـمنطقييـن متطابقان ومتحدان‪.‬‬
‫فكل من الـمفهوم والـمعنـى هو الصورة الذهنية اإلدراكية الـحاصلة فـي الذهن أو العقل "فمن حيث إنـها تقصد‬
‫اللفظ سـميت معنـى ومن حيث إنـها تـحصل فـي العقل سـميت بلـمفهوم" ‪ ،3‬والـمفهوم والـمعنـى يـختلفان من شخص‬
‫إلـى آخر على حسب شخصية الـمتلقي ووجهة نظره قد نقول مثال " إن الـمعنـى الذي ال تعبـر عنه اللغة ليس معنـى على‬
‫اإلطالق وال وجود له أصال‪ ،‬ألننا ال نفكر إال بللغة ومن خاللـها‪ ،‬فليست كلماتنا إال الـمعانـي ذاتـها‪ ،‬وليس هناك تعقل‬
‫يعقبه وضع‪ ،‬وإنـما هناك وضع ال يفارق حركة التعقل‪ ،‬ولكن التسليم بوضع اللغة إزاء الفكر‪ ،‬وفصلها عنه‪ ،‬البد أن‬
‫يؤدي إلـى فصل األلفاظ عن معانيها" ‪ ،4‬وعلى هذا فإن الـمفهوم إدراك حسي عقلي أو أمر نسبـي مـختلف من متلقي‬
‫آلخر؛ إذ ينطلق من اهتماماته الـخاصة‪ ،‬وخبـراته‪ ،‬وثقافته الشخصية فـي تكوين أفق توقعاته للخطاب‪" ،‬فالـمعنـى هو‬
‫الفكرة السابقة على األلفاظ من حيث وجودها واكتمالـها فـي الذهن" ‪ ،5‬فالفهم يطرح كإشكالية حيـن يتعلق األمر‬
‫بلنصوص القديـمة التـي تفصلنا عنها مدة زمنية معينة‪ ،‬ذلك أن الـخطاب كلما كان منتميا إلـى عصر ليس عصران‪ ،‬إال‬
‫واجتهد الدارس فـي تفكيكه‪ ،‬واستنطاقه بغية االقتـراب من فهمه‪ ،‬ومن ثـم فإن الفهم يكون فعال يسعى إلـى احتواء النص‬
‫واستكناه حقيقته فـي تعددها‪ ،‬إذ النظر إلـى التـراث من زاوية اتريـخية‪ ،‬يولد إحساسا بلفهم‪.‬‬
‫فحيـن يعود الدارس اللغوي إلـى التـراث‪ ،‬فإنه ينطلق من فهمه الـخاص الذي تتفاعل فيه مكوانت سياقه العام‪،‬‬
‫بـمعنـى أنه مـحكوم أبفق وانتظار يصدر عن طبيعة التساؤالت‪ ،‬والقضااي الـمطروحة‪ ،‬بعتبار "أن الفهم هو مـحاولة‬
‫الدارس إدراك الـمعانـي والدالالت التـي تتفجر فـي الـخطاب وهو يستلزم دائما إعادة بناء اتريـخية لعالـم الـماضي‪ ،‬حيث‬
‫يشكل هذا العمل جزءا منه‪ ،‬وسيكون هناك دائما‪ ،‬فـي فهمنا وعي بالنتماء الـمشتـرك لـهذا العالـم" ‪ ،6‬فعلى هذا‬
‫األساس يرتبط الـمفهوم بـمصطلح الوعي الـمرتبط بلـمتلقي‪ ،‬والعملية القرائية ككل‪.‬‬
‫فعملية القراءة تشكل جدال بيـن أفق مستقبل فارغ ينبغي أن يـمأل‪ ،‬وأفق قد تـحقق وال يتوقف عن االنـمحاء ‪،7‬‬
‫إذ ال يـمكن الـحديث بصورة جازمة‪ ،‬عن إمكانية تغييب الـحاضر أثناء العودة إلـى الـماضي؛ "ذلك ألن ما نريد‪ ،‬بل ما‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬الراغب األصفهانـي‪ ،‬الـمفردات فـي غريب القرآن‪ ،‬حتقيق مـحمد سيد كيالنـي‪ ،‬دار الـمعرفة‪ ،‬بيـروت‪ ،‬لبنان‪ 2008 ،‬م‪ ،‬ص‬
‫‪.386‬‬
‫‪ 2‬التهاونـي‪ ،‬كشاف اصطالحات الفنون‪ ،‬حتقيق علي دحروج بـمراجعة رفيق العجم‪ ،‬مكتبة لبنان‪ ،‬بيـروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪ 1996 ،01‬م‪ ،‬ج‬
‫‪ ،2‬ص ‪. 1617‬‬
‫‪ 3‬نفسه‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬
‫‪ 4‬جابر عصفور‪ ،‬الصورة الفنية فـي التـراث النقدي والبالغي عند العرب‪ ،‬ص ‪.321‬‬
‫‪ 5‬نفسه‪ ،‬ص ‪.319‬‬
‫‪6‬‬
‫‪H.G. Gadamer, Vérité et méthode, 2ème édition, Ed Seuil, Paris, France, 1976, p 130 .‬‬
‫‪7‬‬
‫‪W Izer, L’acte de lecture, Traduit de l’allemand par Evelyne Sznycer, Ed. Pierre Mardaga,‬‬
‫‪Bruxelles, Belgique, 1985, p 205.‬‬
‫‪43‬‬
‫قضااي اللسانيات النفس ية‪.‬‬ ‫احملارضة الرابعة‬

‫يـمكن‪ ،‬أن نتعامل معه نـحن اليوم من التـراث‪ ،‬ليس التـ راث كما عاشه أجدادان‪ ،‬وكما تـحتفظ به الكتب‪ ،‬بل ما تبقى‬
‫منه‪ ،‬أي ما بقي منه صالـحا ألن يعيش معنا بعض مشاغلنا الراهنة وقابال للتطوير واالغناء ليعيش معنا مستقبلنا‪ ،‬وذلك‬
‫هو معنـى األصالة" ‪ ،1‬وهذا وضع معرفـي يفيد منه قارئ التـراث النقدي من حيث هو مؤرخ آخر يكتب اتريـخه بعينـي‬
‫الـحاضر ومن منظور مشاكله؛ أي بألدوات الـمعرفية لعصره‪ ،‬وداخل عالقاته‪ ،‬وأبساليبها‪ ،‬التـي يستعيـن بـها على فهم‬
‫تراثه فهما واقعيا غيـر مـجرد؛ وهو فهم يتنزه عن ادعاء نزعة علمية وضعية تفصل التـراث الـمقروء عن الوعي أو النزعة‬
‫الذاتية التـي تفصل التـراث الـمقروء عن عصره ‪ ،2‬من هنا يكون الفهم هو الـمكون الـجوهري لعملية القراءة‪.‬‬
‫ففهم الـخطاب هو الوعي آبليات تـحليله‪ " ،‬فاللغة نظام يربط بوسائله الـمعينة بيـن ما يقال وبيـن طريقة فهمه‪،‬‬
‫سواء كان القول سعيا إلـى إيضاح القصد أم إلـى إخفائه‪ ،‬وكأنـى إبظهار الـمقصود يبدو ألصق بلتزام الطابع العرفـي‬
‫لألداء اللغوي كما يكون إخفاء القصد ألصق بلطابع األسلوبـي الفردي" ‪ ،3‬ولعل التأويل هو الشكل الظاهر للفهم‪،‬‬
‫ذلك أن الفهم والقراءة والتأويل وجوه متعددة لعملة واحدة‪ ،‬يستدعي كل منها اآلخر‪ ،‬ويـمهد السابق منها لالحق‪ ،‬إن‬
‫فهم النص‪ ،‬وفهم لغته‪ ،‬يعنـي النجاح فـي القيام بعمل يستوجبه النص‪ ،‬ولكن لتحقيق ذلك ينبغي فهم النص الذي‬
‫يتضمن خلفية معرفية "‪ ،"4‬يتحرك فيها إلـى جانب صيـرورته التاريـخية؛ ألن فهم التـراث يستلزم أفقا اتريـخيا ‪،5‬كما أن‬
‫الفهم يعنـي تـحديد مكان النص فـي سياق اتريـخي معيـن من لغة وشكل أدبـي أسلوبـي فـي مـجموع السياق التاريـخي‪،‬‬
‫غيـر أن مـحاولة الفهم تقتضي مـحاولة الوصول إلـى "الـمغزى" الـمعاصر للنص التـراثي‪ ،‬وليس الوصول إلـى هذا الـمغزى‬
‫بألمر االختياري‪ ،‬بـحيث تتحقق القراءة فـي الـحاضر بكل ما تعنيه الكلمة من وجود ثقافـي إيديولوجي‪ ،‬ومن أفق معرفـي‬
‫وخبـرة مـحددين ‪ ،6‬األمر الذي يساهم فـي البحث عن أتويالت ووجود دالالت النصوص خارج الصورة اللغوية الـمعطاة‪.‬‬
‫بناء على ما تقدم‪ ،‬يشكل الـمفهوم أهم اآلليات الـموظفة فـي فعل القراءة‪ ،‬بل ويتمثل الوجه الـحقيقي لـها‪،‬‬
‫فالقراءة تضع فـي مقدمة اهتماماتـها فهم ملفوظ النص‪ ،‬أو مكتوبه على أساس الـحالة الـملموسة التـي تشكل فيها‪ ،‬وال‬
‫يعنـي الـمفهوم مـجرد عملية الوعي لـمعطى مـحدد سلفا‪ ،‬له وجود خارجي مـحايد عن الـمتلقي الذي يـحاول أن يفهم‪،‬‬
‫"فـبيـن الـمتلقي والنص األدبـي شيئا مشتـركا هو تـجربة الـحياة‪ ،‬هذه التجربة ذاتية عند الـمتلقي‪ ،‬ولكنها تـحدد له الشروط‬
‫الـمعرفية التـي ال يستطيع تـجاوزها‪ ،‬وهذه التجربة – من جانب آخر‪ -‬موضوعية فـي العمل األدبـي‪ ،‬وعملية الفهم تقوم‬

‫‪ 1‬مـحمد عابد الـجابري‪ ،‬نـحن والتـراث "قراءات معاصرة فـي تراثنا الفلسفي"‪ ،‬الـمركز الثقافـي العربـي‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الـمملكة الـمغربيـة‪،‬‬
‫ط ‪ 1993 ،06‬م‪ ،‬ص ‪.47‬‬
‫‪ 2‬ينظر‪ :‬جابر عصفور‪ ،‬قراءة التـراث النقدي‪ ،‬مؤسسة عيبال‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوراي‪ ،‬ط ‪ 1991 ،01‬م‪ ،‬ص ‪.36‬‬
‫‪ 3‬تـمام حسان‪ ،‬اجتهادات لغوية‪ ،‬عالـم الكتب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ 2007 ،01‬م‪ ،‬ص ‪.150 ،149‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Umberto Eco, Les limites de l’interprétation, Traduit de l’italien par. Myriem Bouzaher, Bernard‬‬
‫‪Grasset, 1992, p 95.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪H.G. Gadamer, Vérité et méthode, p 145.‬‬
‫‪6‬‬
‫ينظر‪ :‬نصر حامد أبو زيد‪ ،‬إشكاليات القراءة وآليات التأويل‪ ،‬الـمركز الثقافـي العربـي‪ ،‬بيـروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪ 1996 ،04‬م‪ ،‬ص ‪.06‬‬
‫‪44‬‬
‫قضااي اللسانيات النفس ية‪.‬‬ ‫احملارضة الرابعة‬

‫على نوع من الـحوار بيـن تـجربة الـمتلقي الذاتية والتجربة الـموضوعية الـمتجلية فـي األدب من خالل الوسط الـمشتـرك"‬
‫‪ ،1‬ويبقى الـمفهوم هو الطريقة لتوضيح الفكر عن معانـي األشياء الـمبهمة الغامضة‪.‬‬
‫لغة اإلشارة عند الصم من حيث االستعمال واالكتساب والتقعيد‪:‬‬
‫ومن بني القضااي املهمة للسانيات النفسية "لغة اإلشارة" "‪ "Langue des signes‬أحدى طرق االتصال بني‬
‫األصم وبني أفراد اجملتمع‪ ،‬وليس احلديث عنها قاصراً على عملية وضع قاموس هلذه اإلشارات‪ ،‬فقد ننسى فيه األصم‬
‫وإشاراته اخلاصة به دون الرجوع إليه؛ ألن هذه اإلشارات اليت يتعامل هبا األصم مع أقرانه أو مع احمليطني به ممن يسمعون‬
‫أو حىت القائمني على تعليمه‪ ،‬ورعايته ختتلف من مكان آلخر‪ ،‬من صف دراسي إىل آلخر‪ ،‬من معلم إىل معلم‪ ،‬من بيئة‬
‫إىل أخرى‪ ،‬من دولة إىل دولة‪ ،‬من أصم صغري إىل أصم بلغ‪ ،‬من أصم مل تقدم إليه خدمات تعليمية إىل آخر وصل إىل‬
‫درجة عالية من التعليم‪.‬‬
‫إن لغة اإلشارة ليست قاصرة على الصم فقط‪ ،‬فجميعنا نستعملها‪ ،‬ونستخدمها خاصة إذا كنا يف أماكن حتتاج إىل‬
‫اهلدوء والصمت‪ ،‬وترمجها أهل فرق الكشافة إىل رموز للتفاهم هبا فيما بينهم يف معسكراهتم‪ ،‬وخميماهتم‪ ،‬ولغة اإلشارة‬
‫يستخدمها الطفل الرضي ع الذي مل يصل إىل مرحلة الكالم‪ ،‬أبن يعطي إشارة الكوب يف حالة طلبة للماء‪ ،‬أو إشارة إىل‬
‫الفم يف حالة طلبه للطعام‪ ،‬مع إضافة مقاطع صغرية من الكلمات اليت توضح املطلوب‪ ،‬فهو يلفظ (ماء) انقصة املقطع‬
‫األخري (ما) مع اإلشارة لرمز الكوب أو لفظ (فم) عند طلب الطعام‪ ،‬وينتهي األمر هبذا الطفل إىل إن يبدأ بستخدام‬
‫كلمات مثل‪" :‬طعام" يف الوقت الذي ميد يده حنو الطعام‪ ،‬وجيد صعوبة يف البداية يف إن خيرج األصوات بطريقة األم أو‬
‫األب‪ ،‬ألن بعض األصوات يصعب عليه نطقها ‪ -‬ولكن األبوين يساعدانه يف تقدمي ما يطلب إليه وجيب غليهما يف‬
‫تلك اللحظة إن يدربنه على النطق الصحيح ورويداً رويداً يتعلم الطفل الكلمات مث اجلمل‪ ،‬وقد يسأل هذا الطفل عن‬
‫أشياء ال ميكنه إن يراها يسأل عن "بب" عندما يغادر البيت ويطمئن عندما جنيبه أبنه سوف يعود بعد قليل‪ ،‬ألنه مع‬
‫التكرار والتعود فيما يالحظ من حياة وأنظمة داخل البيت يستطيع أن يفهم معىن أن يغيب املرء فرتة مث يعود بعدها‪.‬‬
‫لغة اإلشارة عند الصم الصغار‪:‬‬
‫الطفل األصم الذي يولد يف أسرة كل أفرادها صم‪ ،‬يستخدمون لغة اإلشارة للتخاطب واالتصال فيما بينهم‪،‬‬
‫فعندما ميد الطفل يده إىل "تفاحة" مثالً فنجد أن الوالد والوالدة يستجيبان فوراً إبشارة التفاحة هذه التفاحة‪ :‬أتريد هذه‬
‫التفاحة ؟‪ ،‬وقد أثبتت الدراسات إن الطفل األصم الذي يعيش يف أسرة كل أفرادها صم فإن حتصيله الدراسي‪ ،‬وإتقانه‬
‫لإلشارات‪ ،‬وتفهمها أفضل بكثري من الطفل األصم الذي يوجد يف أسرة كل أفرادها يتكلمون؛ ألن لغة اإلشارة هي لغة‬
‫طبيعية يف البيت‪ ،‬وبلرغم من ذلك فان بعض اإلشارات اليت أييت هبا الطفل ال تطابق متاما إشارات والديه فقد يصادف‬
‫صعوبة يف التحكم يف بعض أصابعه‪ ،‬ولكن لغته تقرتب قليالً من لغتهما‪ ،‬وبلتدريج‪.‬‬
‫أما الطفل األصم الذي يولد ألسرة أفرادها يسمعون‪ ،‬وليست لديهم خربة يف لغة اإلشارة‪ ،‬أو كيفية التعامل مع‬
‫الصم فهو جيد صعوبة يف التعامل معهم‪ ،‬وهم أيضا يبادلونه تلك الصعوبة يف التفاهم معه‪ ،‬ورمبا ينتهي األمر هبما إىل إن‬

‫‪1‬‬
‫نفسه‪ ،‬ص ‪.27‬‬
‫‪45‬‬
‫قضااي اللسانيات النفس ية‪.‬‬ ‫احملارضة الرابعة‬

‫يكفا عن التحدث إليه‪ ،‬إذ يراين أنه ال يفهم حديثهما‪ ،‬وقد تلجا إىل بعض اإلشارات‪ ،‬أو احلركات مثل وضع اليد حتت‬
‫اخلد للداللة على أن علية الذهاب إىل الفراش‪ ،‬ويقتصر األمر بينهم‪ ،‬وبينه على بضعة أوامر تتعلق أبمور بلغة البساطة‪،‬‬
‫وقد يرتكانه وشأنه‪ ،‬ويبدأ يف الرتدد على أقرانه الصغار ممن يسمعون فال يفهم شيئاً مما يدور حوله‪ ،‬لذلك جند أن الطفل‬
‫الذي يسمع‪ ،‬ويوجد يف أسرة كل أفرادها يسمعون يستخدم لغة صوتية‪ ،‬أما الطفل األصم يف أسرة أفرادها صم فأنه‬
‫يستخدم لغة اإلشارة‪ ،‬وكل منهما حيصل لغة وينمو بنفس الطريقة عقلياً‪ ،‬واجتماعياً‪ ،‬ووجدانياً‪ ،‬ويشعر كالً منهما أبنه‬
‫معوق وسط أسرته‪ ،‬والفرق بينهما هو أن أحدهم يتكلم‪ ،‬ويتحدث بينما اآلخر فلغة احلديث لديه هي اإلشارة‪.‬‬
‫والطفل األصم ال حيس إبعاقته إال عندما يواجه اجملتمع السامع‪ ،‬ويتمثل عائقه عندئذ يف عجزة عن االتصال ألنه‬
‫ال يستطيع أن خياطب أانساً يسمعون بألسلوب الذي يناسبهم‪ ،‬فالطفل األصم الذي يعيش يف وسط أسرة كل أفرادها‬
‫يسمعون‪ ،‬وال يستخدمون شكالً من أشكال التخاطب املرئي‪ ،‬فإنه ال يتعلم كيف يتحدث‪ ،‬وال كيف يستخدم اإلشارة‪،‬‬
‫وحيس بعزلته اللغوية اليت ينتج عنها مشكالت حادة سواء اجتماعية‪ ،‬وفكرية‪ ،‬ووجدانية‪ ،‬لذلك فعائق هذا الطفل ليس‬
‫عائق اتصال فقط أل ن األم واألب مل يعرفان كيف يزيلون حاجز االتصال فيتضاعف عائق الطفل‪ ،‬ويتفاقم‪.‬‬
‫لغة اإلشارة واللسانيات النفسية‪:‬‬
‫اعتاد الباحثون يف "الرتبية"‪ ،‬و"علم النفس" على دراسة لغة اإلشارة يف موضوعات الصم والصمم‪ ،‬وهي موضوعات‬
‫تندرج يف موضوعات اضطرابت النطق ومشكالت الكالم‪ ،‬وكان ينظر إىل هذه اللغة نظرة تعليمية يف أحسن األحوال‪،‬‬
‫بل إهنا كانت ‪ -‬إىل عهد قريب ‪ -‬تناقش على استحياء يف معظم دول العامل حىت يف الدول األوربية واألمريكية؛ وذلك‬
‫بسبب حظر استعماهلا يف املدارس‪ ،‬واملعاهد‪ ،‬واملراكز األكادميية؛ حبجة ضرورة تعليم الصم لغة الشفاه إلدماجهم يف احلياة‬
‫العامة‪ ،‬والتواصل مع الناس السامعني بلغة منطوقة‪.‬‬
‫وبعد سيطرة املذاهب املعرفية الفطرية على الدراسات اللغوية بعامة‪ ،‬والدراسات اللغوية النفسية خباصة‪ ،‬واهتمام‬
‫اللغويني بدراسة اللغة دراسة لغوية نفسية معرفية هتتم بكتساب اللغة ومنوها عند األطفال والكبار ‪ ،1‬وما تطلبته هذه‬
‫الدراسة من اهتمام مبراكز اللغة‪ ،‬ومناطقها يف الدماغ؛ برز االهتمام بلغة اإلشارة للصم‪ ،‬واكتساهبا ومنوها‪ ،‬وما يتعلق‬
‫بذلك من مشكالت‪.‬‬
‫وقد تنوعت أهداف الباحثني يف لغة اإلشارة على ضوء اللسانيات النفسية‪ ،‬وتنوعت أساليبهم أيضا‪ ،‬فمنهم من‬
‫درسها دراسة لغوية عصبية ضمن دراسة حاالت غري طبيعية‪ ،‬ومنهم من درسها دراسة لغوية نفسية من حيث االكتساب‬
‫والنمو‪ ،‬ومنهم من درسها ألهداف لغوية سلوكية أبساليب تشبه أساليب دراسة السلوكيني للغات النحل‪ ،‬والقرود وحنوها‬
‫؟‪ ،‬ولقد ظهرت يف السنوات األخرية دراسات يف لغة اإلشارة هدفها أتييد النظرية اللغوية العامة‪ ،‬من ذلك مثال کتاب‪:‬‬
‫"لغة اإلشارة والنظرية اللغوية" "‪" "Sign Language and Linguistic Theory‬لساندر" " ‪Wendy‬‬
‫‪ ،"Sandler‬و"داين" "‪ "Diane Lillo-Martin‬أو مقارنة نظرية أبخرى يف جانب معني‪ ،‬أو إثبات احلاجة إىل مزيد‬

‫‪ 1‬عبد العزيز بن إبراهيم العصيلي‪ ،‬علم اللغة النفسي‪ ،‬منشورات جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية‪ ،‬عمادة البحث العلمي‪ ،‬الرايض‪،‬‬
‫اململكة العربية السعودية‪ ،‬ط ‪ 2006 ،01‬م‪ ،‬ص ‪.373‬‬
‫‪46‬‬
‫قضااي اللسانيات النفس ية‪.‬‬ ‫احملارضة الرابعة‬

‫من الدراسات اللغوية النفسية العصبية حول طبيعة اللغة‪ ،‬واكتساهبا ومنوها‪ ،‬لكن معظم الدراسات كانت هتدف إىل‬
‫البحث عن مزيد من األدلة على أتييد النظرايت املعرفية العصبية‪ ،‬أو دحض نظرايت أخرى‪ ،‬إضافة دراسات يف لغة‬
‫اإلشارة لتأييد نظرايت لغوية؛ "كالكليات اللغوية" "‪ ،"Universels linguistiques‬و"القواعد الكلية"‬
‫"‪ ،"Grammaire universelle‬بل من اللغويني النفسني من بدأ يف نشر دراسات عن لغة اإلشارة‪ ،‬بعد أن أمضى‬
‫عقودا يف دراسة اكتساب اللغات املنطوقة‪ ،‬ومن أبرز هؤالء اللغوي النفسي "دان سلوبني" "‪."Don Slobin‬‬
‫وأاي ما كان األمر‪ ،‬فإن لغة اإلشارة هي لغة الصم اليت يستعملوهنا ويتواصلون هبا مع الناس القادرين على فهمها‬
‫واستعماهلا‪ .‬وبناء على ذلك‪ ،‬ال بد من تعريف األصم نفسه‪ ،‬ومتييزه عن غريه من ضعاف السمع‪ ،‬أو من يعانون من‬
‫مشکالت مسعية‪ ،‬أو نطقية‪ ،‬قبل التفصيل يف لغة اإلشارة وطبيعتها‪ ،‬ومراحل اكتساهبا‪.‬‬
‫ولعل اللسانيات النفسية تتناول جمموعة من الوظائف ختدم من خالهلا الفرد كما ختدم اجلماعة‪ ،‬ونذكر منها‪:‬‬
‫‪ .1‬التواصل بني الناس‪ ،‬وتبادل املعرفة‪ ،‬واملشاعر‪ ،‬وإرساء دعائم التفاهم‪ ،‬واحلياة املشرتكة‪.‬‬
‫‪ .2‬التعبري عن حاجات الفرد املختلفة‪.‬‬
‫‪ .3‬النمو الذهين املرتبط بلنمو اللغوي‪ ،‬وتعلم اللغة الشفوية‪ ،‬أو اإلشارية يولد لدى الفرد املفاهيم‪ ،‬والصور الذهنية‪.‬‬
‫‪ .4‬ارتباط اللغة أبطر حضارية مرجعية حضارية تضرب عمقاً يف التاريخ واجملتمع‬
‫‪ .5‬الوظيفة النفسية فاللغة تنفث عن اإلنسان‪ ،‬وختفف من حدة املضغوطات الداخلية اليت تكبله‪ ،‬ويبدو ذلك يف‬
‫مواقف االنفعال‪ ،‬والتأثر‪ ،‬لذلك كله فإن تطوير وسائل التعبري لدى األصم‪ ،‬وتذليل الصعوبت ليصل إىل التعبري‬
‫عن ذاته كله‪ ،‬وحاجاته وموليه‪ ،‬يساعده على اخلروج من عامل العزلة‪ ،‬واخلوف‪ ،‬واإلحباط إىل عالة متفتح على‬
‫الناس‪ ،‬وعلى احمليط مما يؤدي به إىل التوازن‪ ،‬والتكيف‪ ،‬وتنمية قدراته للمسامهة يف احلياة االجتماعية‪ ،‬وعلى‬
‫البذل‪ ،‬والعطاء يف جماالت املعرفية‪ ،‬واملهنية والثقافية‪ ،‬لذلك جيب مراعاة االستعداد الطبيعي لألصم‪ ،‬وتلقائيته‪،‬‬
‫وعدم فرض وسيلة للتواصل‪ ،‬وإلغاء الوسائل األخرى اليت فيها ارتياحاً‪ ،‬ومتنفساً لعزلته النفسية‪ ،‬واالجتماعية‪.‬‬
‫طرق االتصال اإلشاري‪:‬‬
‫تعتمد أنظمة االتصال لدى األصم على االتصال الشفوي‪ ،‬أو االتصال اإلشاري‪ ،‬ولكن هناك العديد من طرق‬
‫االتصال املنبثقة عن هذين النظامني‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫أ ‪ -‬األسلوب الشفوي‪ :‬وهو تعليم الصم‪ ،‬وتدريبهم دون استخدام لغة اإلشارة‪ ،‬أو التهجئة بألصابع فال يستخدم‬
‫االتصال الشفوي سوى القراءة والكتابة‪.‬‬
‫ب ‪ -‬اإلشارات اليدوية املساعدة لتعليم النطق‪ :‬وهي أشكال عفوية من حتريك اليدين‪ ،‬وهتدف إىل املساعدة يف تلقني‬
‫األصم اللغة املنطوقة‪ ،‬ومتثل بوضع اليدين على الفم‪ ،‬أو األنف‪ ،‬أو احلنجرة‪ ،‬أو الصدر‪ ،‬للتعبري عن طريقة خمرج حرف‬
‫معني من اجلهاز الكالمي‪.‬‬
‫ج ‪ -‬قراءة الشفاه‪ :‬وتعتمد االنتباه‪ ،‬وفهم ما يقوله شخص مبراقبة حركة الشفاه‪ ،‬وخمارج احلروف من الفم‪ ،‬واللسان‬
‫واحللق‪ ،‬أثناء نطق الكالم‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫قضااي اللسانيات النفس ية‪.‬‬ ‫احملارضة الرابعة‬

‫د ‪ -‬لغة التلميح‪ :‬وهي وسيلة يدوية لدعم اللغة املنطوقة‪ ،‬يستخدم املتحدث فيها جمموعة من حركات اليد تنفذ قرب‬
‫الفم مع كل أصوات النطق وهذه التلميحات تقدم للقارئ لغة الشفاه‪ ،‬واملعلومات اليت توضح ما يلتبس عليه يف هذه‬
‫القراءة‪ ،‬وجعل وحدات الصوتية غري الواضحة مرئية‪.‬‬
‫ه ‪ -‬أجبدية األصابع االشارية‪ :‬وهي تقنية االتصال‪ ،‬والتخاطب تعتمد متثيل احلروف األجبدية‪ ،‬وتستخدم غالباً يف أمساء‬
‫األعالم‪ ،‬أو الكلمات اليت ليس هلا إشارة متفق عليها‪.‬‬
‫و ‪ -‬طريقة اللفظ املنغم‪ :‬وتعتمد يف مجلة من املبادئ أمهها أن الكالم ال ينحصر يف خروج األصوات بطريقة جمردة‪ ،‬بل‬
‫إن الكالم تعبري شامل تتدخل فيه حركات اجلسم كاإلمياء‪ ،‬ومالمح الوجه‪ ،‬واإليقاع‪ ،‬والنربة‪ ،‬واإلشارة‪ ،‬فاملتكلم يستخدم‬
‫كل إمكانيات التعبري‪ ،‬وتعتمد هذه الطريقة استعمال البقااي السمعية‪ ،‬واستغالهلا عن طريق أجهزة خاصة‬
‫ز ‪ -‬االتصال الشامل (الكلي)‪ :‬ويعين ذلك استعمال كافة الوسائل املمكنة‪ ،‬واملتاحة‪ ،‬ودمج كافة أنظمة االتصال‪،‬‬
‫والتخاطب السمعية‪ ،‬واليدوية‪ ،‬والشفوية‪ ،‬واإلمياءات‪ ،‬واإلشارات‪ ،‬وحركات اليدين‪ ،‬واألصابع‪ ،‬والشفاه‪ ،‬والقراءة‪،‬‬
‫والكتابة لتسهيل االتصال‪ ،‬وتيسريه‪.‬‬
‫املنطوق‪:‬‬
‫ساد لدى اللغوييـن أن اللغة تفتـرض وجود بعث للخطاب ومتلق له‪ ،‬وبينهما أداة نقل وإعالم هي اللغة‪ ،‬أو نظام‬
‫التـرميز‪ ،‬واألصوات تتكون عند بعث الـخطاب فـي منطقة بعينها هي الـجهاز الـمكون من الوترين الصوتييـن‪ ،‬واللسان‪،‬‬
‫واحلنجرة‪ ،‬واألسنان‪ ،‬والشفتني ‪ ،1‬وتتخذ هذه األعضاء أوضاعا متمايزة ينتج عنها انفتاح‪ ،‬واحنباس‪ ،‬وجهر‪ ،‬ومهس‪،‬‬
‫وشدة‪ ،‬ورخاوة‪ ،‬تصاحب مرور الـهواء الذي هو مادة الصوت‪ ،‬والتقاؤه بـهذه األعضاء فـي نقطة معينة ‪ ،2‬يقول "ابن‬
‫سينا"‪ " :‬تقديري أن السبب القريب للصوت تـموج الـهواء دفعة بسرعة‪ ،‬وقوة من أي سبب كان‪ ،‬واشتـراط أمر القرع فيه‬
‫ممكن أال يكون سببا كليا للصوت‪ ،‬بل سببا أكثراي‪ ،‬وإن كان سببا كليا فهو سبب بعيد‪ ،‬ال مالصق وجود الصوت" ‪.3‬‬
‫وكغيـرهم من األمم‪ ،‬عنـي العرب فـي سياق دراسة لغة القرآن الكريـم وحـمايتها من اللحن بلدرس الصوتـي‪،‬‬
‫وكان الـخليل أول من فتح الباب ليلج منه علماء كبار "كسيبويه"‪ ،‬و"ابن جنـي" "‪ ،"4‬وعلماء القراءات على وجه‬
‫الـخصوص؛ كما شاركهم األطباء والـحكماء كابن سينا فـي رسالته الشهيـرة "أسباب حدوث الـحروف"‪ ،‬ونستطيع القول‬
‫إن الدرس الصوتـي العربـي – بعتـراف الغربيـيـن ‪ -‬قد سبق الـمحدثيـن بنتائج مهمة ال يـمكن إغفالـها‪.‬‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬ابن حزم األندلسي‪ ،‬الفصل فـي الـمـلل واألهواء والنحل‪ ،‬حتقيق سـميـر أميـن الزهري‪ ،‬مكتبة الـخانـجي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪،02‬‬
‫‪ 1978‬م‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.09‬‬
‫‪ 2‬مـحمود فهمي حجازي‪ ،‬علم اللغة بيـن التـراث والـمناهج الـحديثة‪ ،‬الـهيئة الـمصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 1970 ،‬م‪ ،‬ص ‪،28‬‬
‫‪.29‬‬
‫‪ 3‬ابن سينا‪ ،‬أسباب حدوث الـحروف‪ ،‬حتقيق مـحمد حسان الطيان ويـحي ميـر علم‪ ،‬مراجعة شاكر الفحام وأحـمد راتب النفاخ‪،‬‬
‫مطبوعات مـجمع اللغة العربية‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوراي‪ ،‬ص ‪.103‬‬
‫جون كانتينو‪ ،‬دروس فـي علم أصوات العربية‪ ،‬ترجـمة صالـح القرمادي‪ ،‬الـجامعة التونسية‪ ،‬تونس‪1966 ،‬م‪ ،‬ص ‪.18‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪48‬‬
‫قضااي اللسانيات النفس ية‪.‬‬ ‫احملارضة الرابعة‬

‫فإدراك للعالقة الكائنة بيـن اللغة وصاحبها بوصفه مـجموع األصوات التـي يصدرها جهاز نطق إنسانـي يؤلف‬
‫بينها لقصد مـحدد‪ ،‬فالـهواء الـمندفع بلتحريك يكون مـحركا؛ إذ تتداخل األحداث الصوتية الـمنطوق بـها وفق مبدأ‬
‫الـمواضعة والقصد لتتشكل الكلمات ومن ثـم الكالم الـمفيد؛ فالـمنطوق هو أحد الركائز األساسية التـي تقوم عليها‬
‫اللسانيات النفسية ‪ ،‬يقول "أبو الفتح الشهرستانـي"‪" :‬النفس الناطقة هي اإلنسان من حيث الـحقيقة" ‪1‬؛ ويقول "أبو‬
‫البقاء الكفوي" "النطق كل لفظ يعبـر به عما فـي الضميـر مفردا كان‪ ،‬أو مركبا فهو النطق والـمنطق فـي التعارف‪ ،‬وقد‬
‫يطلق لكل ما يصوت به على التشبيه أو التبع" ‪ ،2‬والـمنطوق عند اللغوييـن فهو أيضا على شاكلة الـمفهوم من أقسام‬
‫الداللة وهو "ما فهم من اللفظ نطقا أي فـي مـحل النطق‪ ،‬أما الـمفهوم ما فهم من اللفظ فـي غيـر مـحل النطق" ‪ ،3‬وقال‬
‫بعض اللغوييـن أن "األلفاظ إما أن تدل بـمنطوقها‪ ،‬أو بفحواها‪ ،‬وبقتضائها‪ ،‬وضرورتـها‪ ،‬أو بـمعقولـها الـمستنبط منها"‬
‫‪ ،4‬من خالل هذا القول نستنتج أن هناك أربع دالالت للخطاب‪ ،‬فألفاظ تدل بـمنطوقها‪ ،‬وأخرى بـمفهومها‪ ،‬واثلثة تدل‬
‫بداللة االقتضاء‪ ،‬ورابعة عن طريق اإلشارة‪.‬‬
‫والنطق عند الـمنطقييـن "لفظ مشتـرك بيـن القوة اإلنسانية التـي يتكون بـها الكالم‪ ،‬وبيـن الكالم الـمبـرز بلصوت"‬
‫‪ ،5‬والـمنطوق عند األصولييـن هو على عكس الـمفهوم؛ "فالـمنطوق ما دل عليه اللفظ فـي مـحل النطق ؛ أي يكون‬
‫حكما للمذكور وحاال من أحواله ‪ ،‬سواء ذكر الـحكم أو ال‪ ،‬فيعم الصريح وغيـر الصريح‪ ،‬أما الـمفهوم هو ما دل عليه‬
‫اللفظ ال فـي مـحل النطق أبن يكون حكما لغيـر الـمذكور وحاال من أحواله" ‪ ،6‬ومن هنا فإن الـمنطوق قسمان أحدهـما‬
‫صريح واألخر غيـر صريح‪ ،‬فاألول ما طابق لفظه معناه‪ ،‬والثانـي ما يستدعي إلـى داللة اإلشارة واإليـماء فيتوقف على‬
‫تصديق الـمتلقي لـهذا الـخطاب أو تكذيبه‪.‬‬
‫ويهتم الـخطاب الـمنطوق بوظيفة اإلسناد فـي الكالم؛ إذ تعد "مربوطة بدور وضعية الـحديث ضمن إطار تبادل‬
‫اللغة نفسها‪ ،‬ففي تبا دل الكالم يكون الـمتحداثن حاضرين أحدهـما أمام اآلخر‪ ،‬وحاضرين أيضا فـي اإلطار الظرفـي‬
‫للحديث‪ ،‬ال فـي البيئة الـمدركة حسيا وحسب بل وفـي الثقافية الـمعرفة لدى الـمتحدثيـن كلهيما‪ ،‬فالـحديث فيما يتعلق‬
‫أيضا بـهذه الوضعية يكون مغزاه الكامل‪ ،‬فاإلسناد إلـى الواقع ما هو فـي التحليل األخيـر إال إسناد لذلك الواقع الذي من‬
‫الـممكن تـحديده أنه حول مثال الـحديث نفسه إذا جاز التعبيـر" ‪ ،7‬ومـما تـجدر اإلشارة إليه أن األلفاظ ال تتـرتب فـي‬

‫‪ 1‬الشهرستانـي‪ ،‬نـهاية األقدام فـي علم الكالم‪ ،‬حتقيق أحـمد فريد الـمزيدي ومـحمد حسن إسـماعيل‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيـروت‪ ،‬لبنان‪،‬‬
‫‪ 2004‬م‪ ،‬ص ‪.325‬‬
‫‪ 2‬أبو البقاء الكفوي‪ ،‬الكليات‪ ،‬ص ‪.887‬‬
‫‪ 3‬التهاونـي‪ ،‬كشاف اصطالحات الفنون‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.1660‬‬
‫‪ 4‬نفسه‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.1661‬‬
‫‪ 5‬الراغب األصفهانـي‪ ،‬الـمفردات فـي غريب القرآن‪ ،‬ص ‪.396‬‬
‫‪ 6‬التهاونـي‪ ،‬كشاف اصطالحات الفنون‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.1660 ،1659‬‬
‫‪ 7‬إدوارد سعيد‪ ،‬العلم والنص والناقد‪ ،‬العلم والنص والناقد‪ ،‬ترجـمة عبد الكريـم مـحفوظ‪ ،‬مط‪ ،‬منشورا ت احتاد الكتاب العرب‪ ،‬دمشق‪،‬‬
‫سوراي‪ 2000 ،‬م‪ ،‬ص ‪.39‬‬
‫‪49‬‬
‫قضااي اللسانيات النفس ية‪.‬‬ ‫احملارضة الرابعة‬

‫النطق إال بعد أن تتـرتب الـمعانـي فـي الفكر وتنتظم فيه على قضية العقل "فإنك تتوخى التـرتيب فـي الـمعانـي‪ ،‬وتعمل‬
‫الفكر هناك‪ ،‬فإذا تـم لك ذلك أتبعتها األلفاظ‪ ،‬قفوت بـها آاثرها" ‪ ،1‬فإذا وجب لـمعنـى أن يكون أوال فـي النفس‪،‬‬
‫وجب أن يكون اللفظ الدال عليه أوال فـي النطق‪.‬‬
‫وذهب "عبد القاهر الـجرجانـي" إلـى أن األلفاظ هي‪" :‬خدم الـمعانـي‪ ،‬والـمصرفة فـي حكمها‪ ،‬والـمعانـي هي‬
‫الـمالكة سياستها والـمستحقة طاعتها" ‪ ،2‬فالـخطاب نسيج من األصوات الـمتعددة‪ ،‬كما أنه نسيج من العالقات‬
‫اللغوية‪ ،‬والـمعرفية‪ ،‬والتاريـخية‪ ،‬التـي تتقاطع ضمن عالقات داللية منفتحة؛ وهو ما ينتج عنه ظهور فجوات تظل فـي‬
‫حاجة لـملئها من قبل الـمتلقي‪ ،‬ويـخضع هذا إلـى السياق الثقافـي الذي تتم فيه هذه القراءة‪ ،‬أي الـحاضر الـمتجدد‪،‬‬
‫بعتباره خطاب منطوقا‪ ،‬وإذا استبعدان التعامل بلـخط‪ ،‬أو الكتابة‪ ،‬اتضح لنا عمق الفكرة التـي تتعامل بألصوات‪ ،‬ولعل‬
‫هذا يظهر جليا فيما قدمه "ابن جنـي"‪ ،‬و"ابن خلدون" عن طبيعة األلسنية الصوتية‪.‬‬
‫فنجد "ابن جنـي" مثال يعلل كل صوت لغوي‪ ،‬أو رمز داللـي أبنه على وجه الـحكمة كيف وقع‪ ،‬ويكاد يقول‬
‫أيضا أبي لغة ينطق به‪ ،‬ولعله هو الذي قدم أفضل‪ ،‬وأدق تعريف للغة حيـن قال‪" :‬حد اللغة أصوات يعبـر بـها كل قوم‬
‫عن أغراضهم" ‪ ،3‬أما "ابن خلدون" فجاء تعريفه للغة مـماثال للذي قدمه "ابن جنـي" من أكثر من وجه‪ ،‬وإن كان أكثر‬
‫تفصيال‪ ،‬وأوضح تـميزا لطبيعتها الصوتية عن رسومها الـمدونة بلـحروف‪ ،‬وذلك عندما قال‪" :‬اللغة فـي الـمتعارف هي‬
‫عبارة الـمتكلم عن مقصوده‪ ،‬وتلك العبارة فعل لسانـي انشئ عن قصد إلفادة الكالم‪ ،‬فال بد أن تصيـر ملكة متقررة فـي‬
‫العضو الفاعل لـها وهو اللسان‪ ،‬وهو فـي كل أمة بـحسب اصطالحتهم" ‪ ،4‬وكان "ابن خلدون" قد مهد لذلك بقوله‪:‬‬
‫" اللغة ملكة فـي اللسان‪ ،‬وكذا الـخط صناعة ملكتها فـي اليد" ‪ ،5‬ومـما تـجدر اإلشارة إليه أن هذه الـحقيقة التـي أتى‬
‫بـها كل من "ابن جنـي" و"ابن خلدون" لـم تكشف إال فـي األبـحاث علماء اللغة الغربيـيـن فـي النصف الثانـي من القرن‬
‫التاسع عشر‪ ،‬ولـم تستقل مناهجها على مستوى الصيغ اإلفرادية‪ ،‬والبنـى التـركيبية القائمة دائما على الـمادة الصوتية إال‬
‫فـي منتصف القرن العشرين‪.‬‬

‫مصادر ومراجع احملاضرة‪:‬‬

‫‪ .1‬إدوارد سعيد‪ ،‬العلم والنص والناقد‪ ،‬العلم والنص والناقد‪ ،‬ترجـمة عبد الكريـم مـحفوظ‪ ،‬مط‪ ،‬منشورا ت احتاد‬
‫الكتاب العرب‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوراي‪ 2000 ،‬م‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫عبد القاهر الـجرجانـي‪ ،‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬حتقيق مـحمود مـحمد شاكر‪ ،‬دار الـمدنـي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ 1992 ،03‬م‪ ،‬ص ‪.38‬‬
‫‪2‬‬
‫عبد القاهر الـجرجانـي‪ ،‬أسرار البالغة‪ ،‬تح هلموت ريتـر‪ ،‬مطبعة وزارة الـمعارف‪ ،‬إسطنبول‪ ،‬تركيا‪ ،‬ص ‪.08‬‬
‫‪3‬‬
‫ابن جنـي‪ ،‬الـخصائص‪ ،‬حتقيق مـحمد علي النجار‪ ،‬دار الكتب الـمصرية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 1952 ،‬م‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.33‬‬
‫‪4‬‬
‫ابن خلدون‪ ،‬الـمقدمة‪ ،‬حتقيق سهيل زكار‪ ،‬وخليل شحاتة‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيـروت‪ ،‬لبنان‪ 2001 ،‬م‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪. 753‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -‬نفسه‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪. 751‬‬
‫‪50‬‬
‫قضااي اللسانيات النفس ية‪.‬‬ ‫احملارضة الرابعة‬

‫‪ .2‬أندريه الالند‪ ،‬موسوعة الالند الفلسفية‪ ،‬ترجـمة خليل أحـمد خليل‪ ،‬مط‪ ،‬منشورات عويدات‪ ،‬بيـروت‪ ،‬لبنان‪،‬‬
‫وبريس‪ ،‬فرنسا‪ ،‬ط ‪ 2001 ،02‬م‪.‬‬
‫‪ .3‬أبو البقاء الكفوي‪ ،‬الكليات‪ ،‬حتقيق عدانن درويش ومـحمد الـمصري‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيـروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪،02‬‬
‫‪ 1998‬م‪.‬‬
‫‪ .4‬تـمام حسان‪ ،‬اجتهادات لغوية‪ ،‬عالـم الكتب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ 2007 ،01‬م‪.‬‬
‫‪ .5‬التهاونـي‪ ،‬كشاف اصطالحات الفنون‪ ،‬حتقيق علي دحروج بـمراجعة رفيق العجم‪ ،‬مكتبة لبنان‪ ،‬بيـروت‪ ،‬لبنان‪،‬‬
‫ط ‪ 1996 ،01‬م‪.‬‬
‫‪ .6‬جابر عصفور‪ ،‬الصورة الفنية فـي التـراث النقدي والبالغي عند العرب‪ ،‬الـمركز الثقافـي العربـي‪ ،‬بيـروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‬
‫‪ 1992 ،03‬م‪.‬‬
‫‪ .7‬جابر عصفور‪ ،‬قراءة التـراث النقدي‪ ،‬مؤسسة عيبال‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوراي‪ ،‬ط ‪ 1991 ،01‬م‪.‬‬
‫‪ .8‬ابن جنـي‪ ،‬الـخصائص‪ ،‬حتقيق مـحمد علي النجار‪ ،‬دار الكتب الـمصرية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 1952 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .9‬جون كانتينو‪ ،‬دروس فـي علم أصوات العربية‪ ،‬ترجـمة صالـح القرمادي‪ ،‬الـجامعة التونسية‪ ،‬تونس‪1966 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .10‬ابن حزم األندلسي‪ ،‬التقريب لـحد الـمنطق‪ ،‬تح إحسان عباس‪ ،‬منشورات مكتبة الـحياة‪ ،‬بيـروت‪ ،‬لبنان‪1959 ،‬‬
‫م‪.‬‬
‫‪.11‬ابن حزم األندلسي‪ ،‬الفصل فـي الـمـلل واألهواء والنحل‪ ،‬حتقيق سـميـر أميـن الزهري‪ ،‬مكتبة الـخانـجي‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫مصر‪ ،‬ط ‪ 1978 ،02‬م‪.‬‬
‫‪.12‬ابن خلدون‪ ،‬الـمقدمة‪ ،‬حتقيق سهيل زكار‪ ،‬وخليل شحاتة‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيـروت‪ ،‬لبنان‪ 2001 ،‬م‪.‬‬
‫‪.13‬الراغب األصفهانـي‪ ،‬الـمفردات فـي غريب القرآن‪ ،‬حتقيق مـحمد سيد كيالنـي‪ ،‬دار الـمعرفة‪ ،‬بيـروت‪ ،‬لبنان‪،‬‬
‫‪ 2008‬م‪.‬‬
‫‪ .14‬ابن سينا‪ ،‬أسباب حدوث الـحروف‪ ،‬حتقيق مـحمد حسان الطيان ويـحي ميـر علم‪ ،‬مراجعة شاكر الفحام‬
‫وأحـمد راتب النفاخ‪ ،‬مطبوعات مـجمع اللغة العربية‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوراي‪.‬‬
‫‪ .15‬الشريف الـجرجانـي‪ ،‬التعريفات‪ ،‬مكتبة لبنان‪ ،‬بيـروت‪ ،‬لبنان‪ 1985 ،‬م‪.‬‬
‫‪.16‬الشهرستانـي‪ ،‬نـهاية األقدام فـي علم الكالم‪ ،‬حتقيق أحـمد فريد الـمزيدي ومـحمد حسن إسـماعيل‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بيـروت‪ ،‬لبنان‪ 2004 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .17‬عبد العزيز بن إبراهيم العصيلي ‪ ،‬علم اللغة النفسي‪ ،‬منشورات جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية‪ ،‬عمادة‬
‫البحث العلمي‪ ،‬الرايض‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪ ،‬ط ‪ 2006 ،01‬م‪.‬‬
‫‪.18‬عبد القاهر الـجرجانـي‪ ،‬أسرار البالغة‪ ،‬تح هلموت ريتـر‪ ،‬مطبعة وزارة الـمعارف‪ ،‬إسطنبول‪ ،‬تركيا‪.‬‬
‫‪.19‬عبد القاهر الـجرجانـي‪ ،‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬حتقيق مـحمود مـحمد شاكر‪ ،‬دار الـمدنـي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪،03‬‬
‫‪ 1992‬م‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫قضااي اللسانيات النفس ية‪.‬‬ ‫احملارضة الرابعة‬

‫‪.20‬مـحمد عابد الـجابري‪ ،‬نـحن والتـراث "قراءات معاصرة فـي تراثنا الفلسفي"‪ ،‬الـمركز الثقافـي العربـي‪ ،‬الدار‬
‫البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬ط ‪ 1993 ،06‬م‪.‬‬
‫‪.21‬مـحمود فهمي حجازي‪ ،‬علم اللغة بيـن التـراث والـمناهج الـحديثة‪ ،‬الـهيئة الـمصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫مصر‪ 1970 ،‬م‪.‬‬
‫‪.22‬نصر حامد أبو زيد‪ ،‬إشكاليات القراءة وآليات التأويل‪ ،‬الـمركز الثقافـي العربـي‪ ،‬بيـروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪1996 ،04‬‬
‫م‪.‬‬
‫املراجع ابللغة األجنبية‪:‬‬

‫‪1. H.G. Gadamer, Vérité et méthode, 2ème édition, Ed Seuil, Paris, France,‬‬
‫‪1976 .‬‬
‫‪2. Umberto Eco, Les limites de l’interprétation, Traduit de l’italien par. Myriem‬‬
‫‪Bouzaher, Bernard Grasset, 1992.‬‬
‫‪3. W Izer, L’acte de lecture, Traduit de l’allemand par Evelyne Sznycer, Ed.‬‬
‫‪Pierre Mardaga, Bruxelles, Belgique, 1985.‬‬

‫‪52‬‬
‫احملارضة اخلامسة‬
‫الاكتساب اللغوي‪.‬‬
‫الاكتساب اللغوي‪.‬‬ ‫احملارضة الامسة‬

‫توطئة‪:‬‬
‫يعد االكتساب اللغوي من أهم القضای اليت أمجع لقیت اهتماما ابلغا يف جمال "اللسانیات النفسیة"؛ كوهنا‬
‫تبحث يف عالقة الطفل ابللغة‪ ،‬وعالقة الطفل ابألسرة‪ ،‬واملدرسة‪ ،‬واجملتمع ‪ ،‬فهي تبحث يف مرحلة عمرية تعترب من أهم‬
‫مرتكزات احلیاة لدى اإلنسان‪ ،‬فالطفل يتأثر خالل حیاته يف بناء شخصیته‪ ،‬وتكوين معارفه ابحتكاكه مع جمتمعه‪ ،‬وبیئته‬
‫اليت ينتمي إلیها ‪ ،1‬فكل كائن حي يبدأ ضعیفا‪ ،‬مث يتدرج من انحیة الكمیة‪ ،‬والكیفیة حىت يبلغ مرحلة يتوقف خالهلا‬
‫منوه‪ ،‬وال يلبث بعد ذلك أن جیتاز مرحلة ختامیة‪ ،‬وقد أثبتت بعض الدراسات اللغوية والنفسیة أن النمو اللغوي یضع‬
‫لعدة عوامل تؤثر علیه سواء كانت اجیابیة أم سلبیة‪ ،‬إال أهنا تساعد على التمییز بنی قدرات األطفال‪ ،‬وتتیح لنا‬
‫الصعوابت اليت تعرتضه يف مرحلة مبكرة‪ ،‬والقیام مبعاجلتها‪ ،‬ومیكن حصرها يف جمموعتنی رئیسیتنی مها ‪:2‬‬
‫‪ .1‬جمموعة العوامل التكوينیة "الوراثیة" أو الفردية وتتبع من ذات الطفل‪.‬‬
‫‪ .2‬جمموعة العوامل البیئیة "االجتماعیة" وتتبع من إاثرة األفراد اآلخرين احملیطنی ابلطفل‪.‬‬
‫فاكتساب اللغوي هو عملیة غي الشعورية‪ ،‬وغي املقصودة‪ ،‬يتم هبا تعلم اللغة األم‪ ،‬ذلك أن الفرد يكتسب لغته‬
‫األم يف مواقف طبیعیة‪ ،‬وهو غي واع بذلك‪ ،‬ودون أن يكون هناك تعلیم خمطط له‪ ،‬وهذا ما حيدث لألطفال‪ ،‬وهم‬
‫يكتسبون لغتهم األوىل‪ ،‬فهم ال يتلقون دروسا منظمة يف قواعد اللغة‪ ،‬وطرائق استعماهلا‪ ،‬وإمنا يعتمدون على أنفسهم يف‬
‫عملیة التعلم‪ ،‬مستعیننی بتلك القدرة اليت زودهم هبا هللا تعاىل‪ ،‬واليت متكنهم من اكتساب اللغة يف فرتة قصية ومبستوى‬
‫رفیع‪ ،‬فعندما يولد الطفل يصح عضوا يف األسرة‪ ،‬ویضع يف نشأته‪ ،‬وتربیته للظروف البیئة احملدودة اليت حتیط به‪ ،‬واليت‬
‫تتسع دائرهتا فیما بعد‪ ،‬والطفل يستجیب دائما للمؤثرات املختلفة اليت يتلقاها من البیئة‪ ،‬واستجاابته ختضع لنوع املؤثرات‬
‫اخلارجیة وقوهتا من انحیة‪ ،‬وما لديه من قدرات‪ ،‬ودوافع‪ ،‬واستعدادات‪ ،‬ومیول فطرية من انحیة أخرى‪ ،‬ومنو اللغة عند‬
‫الطفل كنموه االجتماعي‪ ،‬والعقلي‪ ،‬واالنفعايل يتأثر بعاملي البیئة والوارثة‪ ،‬كما أن النمو اللغوي ارتباطه قوي أبنواع النمو‬
‫املختلفة املشار إلیها‪.‬‬
‫االكتساب اللغوي‪:‬‬
‫قد عنیت البحوث األكادمییة حول االكتساب اللغوي بعناية فائقة عند الرتاثنی واملعاصرين على حد سواء‪ ،‬واهتمت‬
‫هذه الدراسات على املالحظات العائلیة‪ ،‬وانتهجت الدراسة حبسب احملور الزمن لتطور الطفل‪ ،‬واملنطلقات اللغوية‪،‬‬
‫والداللیة اليت تتكون داخل اللغة نفسها‪ ،‬كما اهتمت ابلدراسة النفسیة اليت هي األساس يف تكون أدوات احلماية‬
‫املوضوعیة مثل‪ :‬تكون املفاهیم‪ ،‬واملنعكسات الشرطیة‪ ،‬ولعل اللغوينی العرب القدامى حتدثوا عن ظاهرة اكتساب اللغة‬
‫يبا‪ ،‬ومن بنی هؤالء الذين حتدثوا عن هذه الظاهرة عند‬
‫"األم والثانیة" يف موسوعاهتم العلمیة القیمة منذ اثن عشر قرانً تقر ً‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬أبو معال عبد الفتاح‪ ،‬تنمیة االستعداد اللغوي عند الطفل يف األسرة والروضة واملدرسة‪ ،‬دار الشروق للنشر والتوزيع‪ ،‬األردن‪،‬‬
‫عمان‪ ،‬ط ‪ 2006 ،01‬م‪ ،‬ص ‪.13‬‬
‫‪ 2‬معمر نواف اهلوازنة‪ ،‬دراسة بعض املتغيات ذات الصلة ابلنمو اللغوي لدى أطفال الروضة‪ ،‬دار املسية للنشر والتوزيع‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوری‪،‬‬
‫جملد ‪ ،28‬العدد ‪ 2005 ،01‬م‪ ،‬ص ‪.233‬‬
‫‪54‬‬
‫الاكتساب اللغوي‪.‬‬ ‫احملارضة الامسة‬

‫األطفال "اجلاحظ" حیث يقول‪" :‬واملیم والباء ّأو ُل ما يتهیّأ يف أفواه األطفال‪ ،‬كقوهلم‪ :‬ماما‪ ،‬واباب؛ ألهنما خارجان من‬
‫عمل اللسان‪ ،‬وإمنا يظهران ابلتقاء الشفتنی" ‪ ،1‬فهذان احلرفان مها أول ما ينطقهما األطفال عند اكتساهبم أصوات اللغة‬
‫ابإلضافة إىل األلف الذي ينطقونه حلظة والدهتم؛ وأهنما أسهل احلروف علیهم‪ ،‬لكوهنما ال حيتاجان إىل فعل اللسان‬
‫الذي يكون ‪ -‬عادة ‪ -‬ثقیالً علیهم يف النطق يف مستهل اكتساهبم للغة‪.‬‬
‫ومن الظواهر األخرى اليت عاجلها "اجلاحظ" ظاهرة اكتساب اللغة الثانیة يف وقت متأخر من العمر‪ ،‬ويطُلَ ُق على‬
‫هذه الظاهرة ‪ -‬يف اللغة املرحلیة أو الوسطى "‪ "Interlanguage‬اسم "التَ َح ُّجر" "‪"Fossilization‬؛ وهو أن الكبي‬
‫ِ‬
‫الكالم فإن‬ ‫ال يستطیع أن يكتسب اللغة الثانیة بشكل صحیح مهما حاول ذلك؛ وهلذا تراه يقول‪" :‬فأما حروف‬
‫اجلیم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جیعل َ‬ ‫ب كبيا فإنه ال يستطیع إال أن َ‬ ‫السْندي إذا ُجل َ‬
‫خالف هذا احلكم‪ ،‬أال ترى أن ّ‬‫ُ‬ ‫كمها إذا متكنت يف األلسنة‬ ‫ُح َ‬
‫خالف املِغالق الذي‬
‫ُ‬ ‫طي ال ُق ُّح‬
‫أقام يف عُلیا متیم‪ ،‬ويف ُسفلَى قیس‪ ،‬وبنی َع ُجز هواز َن‪ ،‬مخسنی عاما‪ ،.‬وكذلك النَّبَ ُّ‬ ‫زای ولو َ‬
‫ورق قال‪َ :‬س ْورق‪ ،‬وجیعل العنی مهزة‪ ،‬فإذا أراد‬ ‫سینا‪ ،‬فإذا أراد أن يقول‪َ :‬ز َ‬
‫اي ً‬‫الز َ‬
‫طي ال ُق َّح جیعل َّ‬ ‫نشأَ يف بالد النَّبَط‪َّ ،‬‬
‫ألن النبَ َّ‬ ‫َ‬
‫ظن أهنا رومیة وأهلُها يزعمون أهنا مولدة أبن تقول‪:‬‬ ‫أن يقول ُم ْش َمعِ ّل‪ ،‬قال‪ُ :‬م ْش َمئِ ّل‪ ،‬والنخاس میتحن لسا َن اجلارية إذا َّ‬
‫مرات متوالیات" ‪.2‬‬ ‫انعمة‪ ،‬أو تقول مشس ثالث َّ‬
‫ويبنی "اجلاحظ" السبب يف عدم اكتسابه النطق السلیم للغة ألنه‪" :‬مىت ترك مشائله على حاهلا‪ ،‬ولسانه على‬
‫سجیته‪ ،‬كان مقصوراً بعادة املنشأ على الشكل الذي مل يزل فیه" ‪" ،3‬فاجلاحظ" يبنی لنا أتثي اللغة األم يف اكتساب‪،‬‬
‫وتعلم اللغة األجنبیة‪ ،‬أو الثانیة يف املراحل املتأخرة من العمر عند املتعلمنی األجانب‪.‬‬
‫ولقد عاجل "علم اللغة النفسي احلديث" هذه الظاهرة أيضا‪ ،‬يقول "موفق احلمداين"‪" :‬إن التعرض املتأخر‬
‫للغة قد يكون جیداً‪ ،‬وأن الناس يتعلموهنا بشكل سلیم‪ ،‬ولكن اعرتض بعض الباحثنی على هذه النتائج‪ ،‬وقد جاءت‬
‫أانسا‪ ،‬تعلموا لغة اثنیة يف‬
‫بعض االعرتاضات مستندة إىل روایت‪ ،‬أو قصص واقعیة‪ ،‬فقد يعرف الناس‪ ،‬أو تعرفون أنتم ً‬
‫كربهم‪ ،‬وأبدعوا فیها (فقد كتب األديب ذائع الصیت "جوزيف كونراد" "‪ "Joseph Conrad‬ابإلجنلیزية بعد أن‬
‫تعلمها على كرب‪ ،)...‬ولكن أصحاب هذه النظرية يردون على ذلك ابلقول‪ :‬إن نظريتهم تدور حول عامة الناس‪ ،‬وال‬
‫يقاس على عدد قلیل من املبدعنی النابغنی‪ ،‬ولكن من النادر جداً أن يتعلم الشخص لغة اثنیة بعد الشباب بطالقة تشبه‬
‫طالقة أصحاب اللغ ة األصلینی‪ ،‬وعندما يشاهد الناس مثل هذه احلالة اخلاصة‪ ،‬فهم يتحدثون عنها إبعجاب ودهشة‬
‫كبيين‪ ،‬فكبي السن الذي يتعلم لغة جديدة إمنا متنعه عاداته الراسخة يف التلفظ‪ ،‬والقواعد يف لغته القدمیة من االعتیاد‬
‫على العادات اجلديدة" ‪.4‬‬

‫‪ 1‬اجلاحظ‪ ،‬البیان والتبینی‪ ،‬حتقیق عبد السالم حممد هارون‪ ،‬مكتبة اخلاجني‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ 1998 ،07‬م‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.62‬‬
‫‪ 2‬نفسه‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.70‬‬
‫‪ 3‬ينظر‪ :‬اجلاحظ‪ ،‬البیان والتبینی‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ ،70‬وينظر‪ :‬عبد العزيز بن إبراهیم العصیلي‪ ،‬التحجر يف لغة متعلمي اللغة العربية الناطقنی‬
‫بغيها‪ ،‬جملة جامعة أم القرى لعلوم الشريعة واللغة العربية وآداهبا‪ ،‬ج ‪ ،1‬جملد ‪ ،33‬ماي‪ 2005 ،‬م‪ ،‬ص ‪ 303‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ 4‬موفق احلمداين‪ ،‬علم نفس اللغة من منظور معريف‪ ،‬دار املسية للنشر والتوزيع والطباعة‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ط ‪ 2007 ،02‬م‪ ،‬ص ‪.200‬‬
‫‪55‬‬
‫الاكتساب اللغوي‪.‬‬ ‫احملارضة الامسة‬

‫وهذا ما يؤكده "دوجالس براون" "‪ "Douglas Brun‬بقوله‪" :‬إن الدارسنی بعد سن البلوغ ال يصلون إىل نطق‬
‫طبیعي للغة األجنبیة يف األغلب األعم" ‪ ،1‬إن هذه اآلراء حول اكتساب اللغة الثانیة تؤكد ما قاله "اجلاحظ" منذ اثن‬
‫عشر قران تقريبا‪ ،‬ويتبنی لنا هنا أمهیة ما قاله "اجلاحظ" يف هذا املوضوع‪ :‬إن اكتساب اللغة يف مرحلة الطفولة أسرع‪ ،‬وأفید‬
‫للمرء من أن يتعلمها يف الكرب‪ ،‬ويضرب لذلك مثالً ابلرجل السندي الذي تعلم اللغة العربیة يف مرحلة عمرية متأخرة‪،‬‬
‫فهو ال يستطیع أن ينطق احلروف بشكل صحیح؛ ولو بقي مخسنی عاماً بنی ظهراين العرب الفصحاء‪ ،‬وهذا ما أكدته‬
‫الدراسات اللغوية النفسیة احلديثة‪ ،‬وهناك ثالث نظریت حديثة تطرقت لتفسي اكتساب اللغة عند اإلنسان‪ ،‬وهي كما‬
‫يلي‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬النظرية السلوكية‪ :‬ومیثلها يف تراثنا اللغوي القدمي "ابن فارس" حیث يقول عن اكتساب اللغة األم عند األطفال‬
‫العريب يسمع أبويه وغيمها‪ ،‬فهو أيخذ اللغة عنهم على مر األوقات‪ ،‬وتؤخذ تلقُّناً من‬
‫أبهنا‪" :‬تؤخذ اللغةُ اعتیاداً كالصيب ّ‬
‫مل ّقن‪ ،‬وتؤخذ مساعاً من الرواة الثقات ذوي الصدق‪ ،‬واألمانة‪ ،‬ويُتَّقى املظنون" ‪ِّ ،2‬‬
‫ويعزُز هذا الرأي ويدعمه قول "ابن‬
‫خلدون" أيضاً‪" ،‬فاملتكلم من العرب حنی كانت ملكة اللغة العربیة موجودة فیهم يسمع كالم أهل جیله‪ ،‬وأسالیبهم يف‬
‫خماطباهتم‪ ،‬وكیفیة تعبيهم عن مقاصدهم كما يسمع الصيب استعمال املفردات يف معانیها‪ ،‬فیلقنها أوالً‪ ،‬مث يسمع‬
‫الرتاكیب بعدها فیلقنها كذلك‪ ،‬مث ال يزال مساعهم لذلك يتجدد يف كل حلظة ومن كل متكلم‪ ،‬واستعماله يتكرر‪ ،‬إىل أن‬
‫يصي ذلك ملكة وصفة راسخة‪ ،‬ويكون كأحدهم‪ .‬هكذا تصيت األلسن واللغات من جیل إىل جیل‪ ،‬وتعلمها العجم‬
‫واألطفال" ‪.3‬‬
‫"فالنظرية السلوكیة" "‪ "Béhaviorisme‬يف "علم اللغة النفسي احلديث" أتخذ هبذا الرأي‪ ،‬وتنتصر له‬
‫وتؤكده‪ ،‬حیث يقول "العصیلي"‪" :‬فإن املبدأ األساس الذي اعتمدت علیه هذه النظرية يف اكتساب اللغة األم هو أن‬
‫الطفل يولد وعقله صفحة بیضاء‪ ،‬خالیة من املعلومات اللغوية‪ ،‬وأن البیئة اليت ينشأ فیها تسطر يف هذه الصفحة ما‬
‫تشاء‪ ،‬سواء أكانت بیئة طبیعة كالوالدين‪ ،‬واإلخوان‪ ،‬واألقران‪ ،‬أم بیئة تعلیمیة تربوية كاملدرسة مبا فیها من معلمنی‪،‬‬
‫وبرامج‪ ،‬ومناهج" ‪ ،4‬ويرى أصحاب هذه النظرية أن الطفل يكتسب اللغة ابلسماع والتلقنی والتدريب واملران‪ ،‬ويعتمد‬

‫‪ 1‬دوجالس براون‪ ،‬أسس تعلم اللغة وتعلیمها‪ ،‬ترمجة عبده الراجحي وعلي شعبان‪ ،‬دار النهضة العربیة‪ ،‬بيوت‪ ،‬لبنان‪ 1994 ،‬م‪ ،‬ص‬
‫‪.66‬‬
‫‪ 2‬ابن فارس‪ ،‬الصاحيب يف فقه اللغة وسنن العرب يف كالمها‪ ،‬حتقیق أمحد حسن بسج‪ ،‬دار الكتب العلمیة‪ ،‬بيوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪،01‬‬
‫‪ 1997‬م‪ ،‬ص ‪.34‬‬
‫‪ 3‬ابن خلدون‪ ،‬املقدمة‪ ،‬حتقیق علي عبد الواحد وايف‪ ،‬دار هنضة مصر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ ،3‬ج ‪ ،3‬ص ‪ 1278‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ 4‬عبد العزيز بن إبراهیم العصیلي‪ ،‬علم اللغة النفسي‪ ،‬منشورات جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمیة‪ ،‬عمادة البحث العلمي‪ ،‬الریض‪،‬‬
‫اململكة العربیة السعودية‪ ،‬ط ‪ 2006 ،01‬م‪ ،‬ص ‪.248‬‬
‫‪56‬‬
‫الاكتساب اللغوي‪.‬‬ ‫احملارضة الامسة‬

‫أحیاان‪ ،‬ويؤمنون أبن تصويب احملیطنی به ألخطائه اللغوية – حنی الوقوع‬


‫ً‬ ‫كلیا‪ ،‬وقد يلجأ إىل القیاس‬
‫على التقلید اعتماداً ً‬
‫فیها – يعدل من سلوكه اللغوي‪ ،‬ويقوده إىل اكتساب لغة سلیمة صحیحة ‪.1‬‬
‫يتضح لنا من خالل رأي هذه النظرية السلوكیة احلديثة أتثرها برأيي "ابن فارس" و"ابن خلدون" يف هذا‬
‫اجملال؛ من أن اللغة تكتسب ابلسماع‪ ،‬والتلقنی‪ ،‬والتمرين‪ ،‬واحملاكاة‪.‬‬
‫اثنياً‪ :‬النظرية املعرفية الفطرية‪ :‬ومیثلها "ابن خلدون"؛ حیث يقول‪ :‬إن اإلنسان جاهل ابلذات عامل ابلكسب‪ ،‬وقد میز‬
‫هللا تعاىل اإلنسان عن احلیوان ابلفكر‪ ،‬وهذا الفكر إمنا حيصل له بعد كمال احلیوانیة فیه‪ ،‬ويبدأ من التمییز‪ ،‬فهو قبل‬
‫التمییز خلو من العلم ابجلملة‪ ،‬معدود من احلیواانت‪ ،‬الحق مببدئه يف التكوين من النطفة‪ ،‬والعلقة‪ ،‬واملضغة‪ ،‬وما حصل‬
‫له بعد ذلك فهو مبا جعل هللا له من مدارك احلس‪ ،‬واألفئدة اليت هي الفكر‪ ،‬قال تعاىل يف االمتنان علینا‪َ ﴿ :‬و َج َع َل لَ ُك ُم‬
‫ار َواألَفْئِ َدة ﴾ [ امللك‪ ،]23 :‬فهو يف احلالة األوىل قبل التمییز هیويل فقط جلهله جبمیع املعارف‪ ،‬مث‬ ‫صَ‬ ‫الس ْم َع َواألَبْ َ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫ك‬‫تستكمل صورته ابلعلم الذي يكتسبه آبالته‪ ،‬فتكمل ذاته اإلنسانیة يف وجودها‪ ،‬وانظر إىل قوله تعاىل‪ ﴿ :‬اق َْرأ ِِب ْس ِم َربِ َ‬
‫ِ‬
‫سا َن َما ََلْ يَ ْعلَ ْم ﴾ [ العلق‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫َّ ِ َّ ِ‬ ‫سا َن ِم ْن َعلَ ٍق؛ اق َْرأ َوَربُّ َ‬
‫ك األَ ْك َرُم؛ الذي َعل َم ِبل َقلَ ِم؛ َعل َم ا ِإلنْ َ‬ ‫الذي َخلَ َق؛ َخلَ َق ا ِإلنْ َ‬
‫َّ ِ‬
‫‪]05/01‬؛ أي أكسبه من العلم مامل يكن حاصالً له بعد أن كان علقة‪ ،‬ومضغة‪ ،‬فقد كشفت لنا طبیعتُه‪ ،‬وذاتهُ ما هو‬
‫علیه من اجلهل الذايت‪ ،‬والعلم الكسيب‪ ،‬وأشارت إلیه اآلية الكرمیة تقرر فیه االمتنان علیه أبول مراتب وجوده وهي‬
‫اإلنسانیة‪ ،‬وحالتاها الفطرية‪ ،‬والكسبیة يف أول التنزيل‪ ،‬ومبدأ الوحي" ‪.2‬‬
‫"فالنظرية املعرفیة الفطرية" يف "علم اللغة النفسي احلديث" اليت يتزعمها "تشومسكي" " ‪Noam‬‬
‫‪ "Chomsky‬ترى رأي "ابن خلدون" وأتخذ به؛ وهو أن اللغة فطرة خاصة ابإلنسان دون غيه من املخلوقات‪ ،‬وأن‬
‫اكتساهبا فطرة‪ ،‬وقدرة عقلیة مغروسة فیه منذ والدته‪ ،‬وأن أي طفل يولد يف بیئة بشرية معینة سوف يكتسب لغة هذه‬
‫البیئة اليت يعیش فیها‪ ،‬بغض النظر عن مستواه التعلیمي واالجتماعي‪ ،‬مامل يكن مصاابً اإلنسان أبمراض‪ ،‬أو عاهات‬
‫عقلیة متنعه من تلقي اللغة‪ ،‬أو فهمها‪ ،‬أو استعماهلا‪ ،‬واللغة – هبذا املفهوم – لیست سلوكاً يكتسب ابلتقلید‪ ،‬والتلقنی‪،‬‬
‫والتعلیم‪ ،‬واملران‪ ،‬واملمارسة‪ ،‬وحسب – كما يعتقد السلوكیون‪ ،‬وإمنا هي فطرة عقلیة معرفیة" ‪.3‬‬
‫وابإلضافة إىل ذلك‪ ،‬يقول "احلمداين" يف هذا اجملال‪" :‬إن جزءاً من القدرة على تعلم اللغة فطري‪ ،‬ويف الوقت‬
‫نفسه البد وأن اللغة متعلمة‪ .‬كیف نوفق بنی هاتنی املقولتنی‪ :‬اللغة فطرية‪ ،‬واللغة متعلمة ؟‪ ،‬إن اكتساب اللغة شأنه شأن‬
‫تسي النمو يف مسارات حمددة‬‫العملیات النمائیة لدى احلیواانت كافة‪ ،‬يتضمن تعلیما یضع بشدة لشروط بیولوجیة ِّ‬
‫تقررها میول‪ ،‬ومؤهالت‪ ،‬وقدرات معینة حيملها الفرد وراثیا‪ ،‬من الواضح أن الطفل العريب ال يتكلم العربیة ابلفطرة‪ ،‬وال‬

‫‪ 1‬جورج ام غازدا ورمیوند كورسین‪ ،‬نظریت التعلم‪ :‬دراسة مقارنة‪ ،‬ترمجة علي حسنی حجاج وعطیة حممود هنا‪ ،‬عامل املعرفة‪ ،‬اجمللس الوطن‬
‫للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪ 1984 ،‬م‪.‬‬
‫‪ 2‬ابن خلدون‪ ،‬املقدمة‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.1018 ،1017‬‬
‫‪ 3‬عبد العزيز بن إبراهیم العصیلي‪ ،‬النظریت اللغوية والنفسیة وتعلیم اللغة العربیة‪ ،‬مطابع التقنیة لألوفست‪ ،‬الریض‪ ،‬اململكة العربیة‬
‫السعودية‪ 1999 ،‬م‪ ،‬ص ‪.81‬‬
‫‪57‬‬
‫الاكتساب اللغوي‪.‬‬ ‫احملارضة الامسة‬

‫الطفل الربتغايل يتكلم الربتغالیة ابلفطرة‪ ،‬وعلینا أن نتعلم اللغة اليت نتحدث هبا" ‪1‬؛ أي إن اإلنسان يتعلم اللغة‪ ،‬ويكتسبها‬
‫بعد الوالدة من خالل احملیط‪ ،‬والوسط االجتماعي الذي يعیش فیه‪ ،‬مبا زوده هللا من أجهزة النطق‪ ،‬والكالم ‪.‬‬
‫وتؤكد "نوال حممد عطیة" هذا الرأي يف حديثها عن اكتساب اللغة؛ حیث تقول‪" :‬إن اللغة تكتسب‪،‬‬
‫وتتعلم‪ ،‬ال أثر للوراثة فیها فإن أي طفل يولد من أبوين عربینی مثالً‪ ،‬وينشأ‪ ،‬ويتعلم اللغة بعیداً عنهما يف بیئة أخرى‪،‬‬
‫ولتكن فرنسیة مثالً‪ ،‬أو أملانیة‪ ،‬فإنه حتماً ينطق لغة هاتنی البیئتنی اللتنی نشأ فیهما بطالقة واضحة وكأنه ولد من أبوين‬
‫أجنبینی فعالً" ‪ ،2‬فاكتساب اللغة إذن أييت بعد الوالدة‪ ،‬وكما قال تعاىل‪﴿ :‬وللا أَ ْخرج ُكم ِمن بطُ ِ‬
‫ون أ َُّم َهاتِ ُكم ال‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ ََ‬
‫ار َواألَفْئ َدةَ ل ََعلَّ ُكم تَ ْش ُك ُرو َن ﴾ [ النحل‪]78 :‬؛ أي أن هللا سبحانه وتعاىل‬
‫صَ‬ ‫الس ْم َع َواألَبْ َ‬
‫تَ ْعلَ ُمو َن َش ْيئاً َو َج َع َل لَ ُك ُم َّ‬
‫شیئا‪ ،‬وأوجد فیكم وسائل العلم واإلدراك؛ وهي السمع‪ ،‬والبصر‪،‬‬ ‫أخرجكم من أرحام أمهاتكم أطفاالً ال تعلمون ً‬
‫والقلوب‪ ،‬لتؤمنوا ابهلل عن يقنی‪ ،‬وعلم اتم‪ ،‬وتشكروه على نعمائه ابستعمال كل عضو من أعضائكم فیما خلق له من‬
‫خي ‪.3‬‬
‫ولقد أكد "ابن خلدون" هذا القول‪ :‬أبن التعلیم كسيب‪ ،‬وحيصل للمرء بعد الوالدة‪ ،‬حیث يقول‪" :‬وذلك أن‬
‫احلذق يف العلم‪ ،‬والتفنن فیه‪ ،‬واالستیالء علیه إمنا هو حبصول ملَ َكة يف اإلحاطة مببادئه‪ ،‬وقواعده‪ ،‬والوقوف على مسائله‪،‬‬
‫واستنباط فروعه من أصوله‪ ،‬وما مل حتصل هذه امللكة مل يكن احلذق يف ذلك املتناول حاصالً‪ ،‬وهذه امللكة هي غي‬
‫الفهم‪ ،‬والوعي‪ ،‬ألان جند فهم املسألة الواحدة من الفن الواحد‪ ،‬ووعیها مشرتكاً بنی من شدا يف ذلك الفن‪ ،‬وبنی من هو‬
‫مبتدئ فیه‪ ،‬وبنی العامي الذي مل حيصل علما وبنی العامل النحرير‪ ،‬وامللكة إمنا هي للعامل‪ ،‬أو الشادي يف الفنون دون‬
‫سوامها‪ ،‬فدل على أن هذه امللكة غي الفهم والوعي‪ ،‬وامللكات كلها جسمانیة سواء كانت يف البدن‪ ،‬أو يف الدماغ من‬
‫الفكر‪ ،‬وغيه كاحلساب‪ ،‬واجلسمانیات كلها حمسوسة؛ فتفتقر إىل التعلیم" ‪.4‬‬
‫نستنتج من هذه النظرية املعرفیة الفطرية احلديثة‪ ،‬أن ما جاءت به من أفكار يف هذا املضمار إمنا يعتمد على‬
‫آراء "ابن خلدون" حیث يقول‪" :‬اللغة ملكة لسانیة يف نظم الكالم متكنت‪ ،‬ورسخت فظهرت يف ابدئ األمر أهنا ِجبِلَّة‪،‬‬
‫وطبع‪ ،‬وهذه امللكة إمنا حتصل مبمارسة كالم العرب‪ ،‬وتكرره على السمع‪ ،‬والتفطن خلواص تركیبه‪ ،‬ومثاله لو فرضنا صبیاً‬
‫وريب يف جیلهم فإنه يتعلم لغتهم وحيُكِ ُم شأن اإلعراب‪ ،‬والبالغة فیها حىت تستويل على غايتها؛ ولیس‬
‫من صبیاهنم نشأ ِ َ‬
‫من العلم القانوين يف شيء‪ ،‬وإمنا هو حبصول هذه امللكة يف لسانه ونطقه‪ ،‬وكذلك حتصل هذه امللكة ملن بعد ذلك اجلیل‬

‫‪ 1‬موفق احلمداين‪ ،‬علم نفس اللغة من منظور معريف‪ ،‬ص ‪.186 ،185‬‬
‫‪ 2‬نوال حممد عطیة‪ ،‬علم النفس اللغوي‪ ،‬مكتبة األجنلو املصرية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ 1975 ،01‬م‪.26 ،‬‬
‫‪ 3‬ينظر‪ :‬وهبة الزحیلي وآخرون‪ ،‬املوسوعة القرآنیة املیسرة‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوری‪ ،‬ودار الفكر املعاصر‪ ،‬بيوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪2004 ،03‬‬
‫م‪ ،‬ص ‪.276‬‬
‫‪ 4‬ابن خلدون‪ ،‬املقدمة‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.1024 /1019‬‬
‫‪58‬‬
‫الاكتساب اللغوي‪.‬‬ ‫احملارضة الامسة‬

‫ِ‬
‫ورِ َ‬
‫يب‬ ‫صل امللكة‪ ،‬ويصي كواحد ممن نشأ يف جیلهم‪َ ،‬‬ ‫حبفظ كالمهم‪ ،‬وأشعارهم‪ ،‬وخطبهم‪ ،‬واملداومة على ذلك حبیث حيُ ّ‬
‫بنی أجیاهلم‪ ،‬والقواننی مبعزل عن هذا" ‪.1‬‬
‫يريد "ابن خلدون" أن يقول‪ :‬إن ملكة اللغة عند اإلنسان لیست وراثیة‪ ،‬أو طبیعیة‪ ،‬ولكنها حتتاج إىل ممارسة‪،‬‬
‫وتدريب‪ ،‬وحفظ لكالم أهل اللغة حىت يصبح الناطق هبا كأنه واحد منهم‪ ،‬وهذا ما اندى به "تشومسكي" من أن اللغة‬
‫فطرة خاصة ابإلنسان‪ ،‬وأن اكتساهبا فطرة‪ ،‬وقدرة عقلیة مغروسة فیه منذ الوالدة‪.‬‬
‫اثلثاً‪ :‬النظرية الوظيفية‪ :‬تبحث "النظرية الوظیفیة" "‪ "Fonctionnalisme‬يف "علم اللغة النفسي احلديث" عن‬
‫اجلوانب املعرفیة احلقیقیة؛ كالذاكرة‪ ،‬واإلدراك‪ ،‬والفكر‪ ،‬والعاطفة‪ ،‬واملعىن‪ ،‬وغيها من اجلوانب اليت تتكامل لتكون املعىن‬
‫والوظیفة اللغوية‪ ،‬وحتقق اهلدف احلقیقي من الكالم وهو التواصل ‪.2‬‬
‫ونستطیع أن نتحسس خیوط هذه النظرية‪ ،‬ومبادئها‪ ،‬وأسسها يف الرتاث العريب‪ ،‬من خالل حديث‬
‫"اجلرجاين" عن "نظرية النظم"‪ ،‬حیث يقول‪" :‬ومن املعلوم أن ال معىن هلذه العبارات وسائر ما جیري جمراها‪ ،‬مما ي ُفرد فیه‬
‫الفضل واملِزيةَّ إلیه دون املعىن غي وصف الكالم حبسن الداللة‪ ،‬ومتامها فیما لو كانت‬‫ُ‬ ‫ظ ابلنعت والصفة‪ ،‬وينُسب فیه‬ ‫اللف ُ‬
‫داللة‪ ،‬فینبغي أن ينُظر إىل الكلمة قبل دخوهلا يف التألیف‪ ،‬وقبل أن تصي إىل الصورة اليت هبا يكون ال َكلِ ُم إخباراً‪ ،‬وأمراً‪،‬‬
‫معىن من املعاين اليت ال سبیل إىل إفادهتا إال بضم كلمة إىل كلمة‪ ،‬وبناء لفظة‬ ‫ً ِ‬
‫ي يف اجلملة ً‬ ‫وتعجبا‪ ،‬وتُ َؤّد َ‬ ‫وهنیاً‪ ،‬واستخباراً‪،‬‬
‫على لفظة‪ ،‬هل يتصور أن يكون بنی اللفظتنی تفاضل يف ال ِّداللة حىت تكون هذه َأد َّل على معناها الذي ُوضعت له من‬
‫سن‬
‫وح َ‬ ‫صاحبتها على ما هي َموسومة به‪ ،‬وهل جتد أحداً يقول‪" :‬هذه اللفظة فصیحة"‪ ،‬إال وهو يعترب مكاهنا من النظم‪ُ ،‬‬
‫جمردةٌ‪ ،‬وال من‬ ‫ِ‬
‫مالئمة معناها ملعاين جاراهتا‪ ،‬وفضل مؤانستها ألخواهتا ؟‪ ،‬وإن األلفاظ ال تتفاضل من حیث هي ألفاظ ّ‬
‫وخالفَها‪ ،‬يف مالءمة معىن اللفظة ملعىن اليت تلیها‪ ،‬وما أشبه ذلك‪ ،‬مما ال تعلُّق له‬ ‫حیث هي َكلِم مفردةٌ‪ ،‬وأن الفضیلة ِ‬
‫ٌ‬
‫بصريح اللفظ" ‪.3‬‬
‫من خالل هذا النص نستطیع أن نقرر أبن "اجلرجاين" يركز على أمرين اثننی‪:‬‬
‫أوهلما‪ :‬املعىن الذي يقوم علیه مدار النظم حیث يقول‪ :‬ال معىن هلذه العبارات وسائر ما جیري جمراها مما ي ُفرد فیه‬ ‫•‬

‫ظ دون املعىن‪ ،‬فاألمهیة إذن هي للمعاين ولیست لأللفاظ‪ ،‬والعبارات اجملردة من املعاين‪.‬‬
‫اللف ُ‬
‫واثنيهما‪ :‬الرتكیز على العملیة التواصلیة يف الكالم حیث يقول‪" :‬فینبغي أن ينُظر إىل الكلمة قبل دخوهلا يف‬ ‫•‬

‫التألیف حىت تكون هذه َأد َّل على معناها الذي ُوضعت له من صاحبتها على ما هي َموسومة به"‪.‬‬

‫‪ 1‬نفسه‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ 1289‬وما بعدها‪.‬‬


‫‪ 2‬عبد العزيز بن إبراهیم العصیلي‪ ،‬علم اللغة النفسي‪ ،‬ص ‪.255‬‬
‫‪ 3‬عبد القاهر اجلرجاين‪ ،‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬حتقیق حممود حممد شاكر‪ ،‬دار املدين‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ 1992 ،03‬م‪ ،‬ص ‪.46/43‬‬
‫‪59‬‬
‫الاكتساب اللغوي‪.‬‬ ‫احملارضة الامسة‬

‫"فالنظرية الوظیفیة" يف "علم اللغة النفسي احلديث" ُتويل املعىن‪ ،‬والوظائف االتصالیة للغة أمهیة كبية يف اكتساب‬
‫اللغة؛ "فاجلرجاين" يبنی لنا هنا‪ ،‬أن النظم ال يعن معرفة قواعد النحو‪ ،‬وقوانینه‪ ،‬ومناهجه فحسب‪ ،‬وإمنا هو معرفة معاين‬
‫النحو وأحكامه ‪.1‬‬
‫يتضح لنا من خالل هذه األمثلة‪ ،‬والشروح أتثي "اجلرجاين" ‪ -‬بل وتفوقه – على "تشومسكي" يف عرضه‬
‫لنظرية النظم‪ ،‬واليت تعن معرفة معاين النحو‪ ،‬وأحكامه‪ ،‬بینما يعدها "تشومسكي" معرفة قواعد اللغة (النحو) فقط ويطلق‬
‫علیها اسم الكفاية‪ ،‬ومما يؤكد لنا صواب رأي "اجلرجاين"‪ ،‬وأحقیته‪ ،‬ومشولیته‪ ،‬وبعُد أفقه‪ ،‬ونظرته؛ ما قاله "جاك ريتشارد"‬
‫"‪ " Jack Richards‬و"ثیودر روجرز" "‪ "Theodore Rodgers‬حینما انتقدا "تشومسكي" يف تعريف "الكفاية"‪:‬‬
‫"إن الكفاية تعن املعرفة بقواعد اللغة والقدرة على استعماهلا بطريقة صحیحة لغوی ومقبولة اجتماعیا" ‪.2‬‬
‫وعالوة على ذلك‪ ،‬اهتم "اجلرجاين" ابلفصاحة والبالغة‪ ،‬اليت هي مطابقة الكالم ملقتضى احلال؛ حیث‬
‫يد ُّل علیه ابأللفاظ‪ ،‬وقوهلم‪:‬‬
‫أوصاف راجعة إىل املعاين‪ ،‬وإىل ما ُ‬
‫ٌ‬ ‫يقول‪" :‬الفصاحة‪ ،‬والبالغة‪ ،‬وسائر ما جیري يف طريقهما‬
‫"ال يستحق الكالم اسم البالغة حىت يسابق معناه لفظه‪ ،‬ولفظهُ معناه‪ ،‬وال يكون لفظه أسبق إىل مسعك من معناه إىل‬
‫قلبك" وأنه‪" :‬يدخل يف األذُن بال إذن"‪ ،‬فهذا يرجع إىل داللة املعىن على املعىن‪ ،‬وأن من شرط البالغة أن يكون املعىن‬
‫األول الذي جتعله دلیالً على املعىن الثاين‪ ،‬ووسیطاً بینك وبینه‪ ،‬متمكناً يف ِداللته‪ ،‬مستقالً بوساطته‪ِ ،‬‬
‫يسف ُر بینك وبینه‬
‫أحسن ِسفارة‪ ،‬ويشي لك إلیه أبنی إشارة‪ ،‬حىت ییل إلیك أنك فهمته من ِّ‬
‫حاق اللفظ‪ ،‬وذلك لقلة ال ُكلفة فیه علیك‪،‬‬
‫بعضها إىل بعض‪ ،‬وأن‬‫ض َّم ُ‬
‫وسرعة وصوله إلیك‪ ،‬وإن الفصاحة ال تكون يف أفراد الكلمات‪ ،‬وأهنا إمنا تكون فیها إذا ُ‬ ‫ُ‬
‫طق‬
‫وجعل بعضها بسبب من بعض‪ ،‬ال أن ينُ َ‬ ‫ُ‬ ‫املعىن أيضاً يكون يف ِّ‬
‫"ضم بعضها إىل بعض"‪ ،‬وتعلیق بعضها ببعض‪،‬‬
‫ويعلم كذلك ضرورةً إذا ف ّكر‪ ،‬أن التعلُّق يكون فیما بنی معانیها‪،‬‬ ‫ُّ‬
‫بعضها يف أثر بعض‪ ،‬من غي أن يكون فیما بینها تعلق‪ُ ،‬‬
‫ال فیما بنی أَنْ ُفسها" ‪.3‬‬
‫ويؤكد هذا الرأي "ابن خلدون"؛ حیث يقول‪" :‬إن اللغات ملكات يف اللسان للعبارة عن املعاين‪ ،‬وجودهتا‬
‫وقصورها حبسب متام امللكة أو نقصاهنا‪ ،‬ولیس ذلك ابلنظر إىل املفردات‪ ،‬وإمنا هو ابلنظر إىل الرتاكیب‪ ،‬فإذا حصلت‬
‫امللكة التامة يف تركیب األلفاظ املفردة للتعبي هبا عن املعاين املقصودة‪ ،‬ومراعاة التألیف الذي يطبق الكالم على مقتضى‬
‫احلال‪ ،‬بلغ املتكلم حینئذ الغاية من إفادة مقصوده للسامع‪ ،‬وهذا هو معىن البالغة" ‪ ،4‬وحتدث "اجلرجاين" أيضاً عن‬
‫أيضا‪" :‬إن الفكر ال‬
‫مسألة الفكر‪ ،‬وعالقته ابلنظم‪ ،‬ورأى أن النظم صنعة يستعان علیها ابلفكرة‪ ،‬ويستخرج ابلروية‪ ،‬وقال ً‬

‫‪ 1‬نفسه‪ ،‬ص ‪.415‬‬


‫‪ 2‬جاك ريتشارد وثیودر روجرز‪ ،‬مذاهب وطرائق يف تعلیم اللغات‪ ،‬ترمجة حممود صین وعبد الرمحن العبدان وعمر الصديق‪ ،‬دار عامل الكتب‬
‫للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬الریض‪ ،‬اململكة العربیة السعودية‪ 1990 ،‬م‪ ،‬ص ‪. 137‬‬
‫‪ 3‬عبد القاهر اجلرجاين‪ ،‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬ص ‪ ،259‬و ‪ ،268 /267‬و ‪.466‬‬
‫‪ 4‬ابن خلدون‪ ،‬املقدمة‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.1278‬‬
‫‪60‬‬
‫الاكتساب اللغوي‪.‬‬ ‫احملارضة الامسة‬

‫يتعلق مبعاين الكلم املفردة اجملردة من معاين النحو‪ ،‬ومنطوقا هبا على وجه ال يتأتى معه تقدير معاين النحو‪ ،‬وتوخیها فیها"‬
‫‪ ،1‬هذا ابختصار عن رأي "اجلرجاين" يف "النظرية الوظیفیة"‪ ،‬وفیما يلي نبنی جوانبها يف "علم اللغة النفسي احلديث"‪.‬‬
‫يتلخص تفسي الوظیفینی الكتساب اللغة يف أن الوظیفة اليت يؤديها الكالم الذي يصدره الطفل يف موقف‬
‫معنی هو املعىن احلقیقي ملا يقول‪ ،‬ال املعىن الذي يفسره الوالدان‪ ،‬وال البنیة الشكلیة الظاهرة فقط‪ ،‬وهذا املعىن یتلف‬
‫حسب مقصود الطفل املتكلم‪ .‬فاألطفال – يف نظر هؤالء – يتكلمون األبنیة العمیقة اليت متثل املعاين والوظائف‪ ،‬ال‬
‫األبنیة السطحیة للمفردات والرتاكیب ‪ -‬مبعىن آخر االهتمام ابملعىن ال ابللفظ ‪ ،-‬وأن اجلانب الداليل هو الذي حيدد‬
‫مسار اكتساب اللغة ولیس اجلانب البنائي‪ .‬فالنمو الوظیفي حتدده القدرات اإلدراكیة واالتصالیة اليت ترتبط إبطار فطري‬
‫معريف‪ ،‬أما النمو البنائي الشكلي فتحدده القدرات اإلدراكیة اليت تعاجل املعلومات‪ ،‬وترتبط إبطار فطري تركیيب‪ ،‬وأن ما‬
‫يعرف األطفال هو الذي حيدد ما يتعلمونه من الكالم والفهم‪.‬‬
‫وقد تبنی للباحثنی فیما بعد أن الطبیعة الوظیفیة للغة تتجاوز الفكر املعريف‪ ،‬وبنیة الذاكرة‪ ،‬وأن النظام‬
‫السلوكي التباديل جیري بنی لغة الطفل النامیة‪ ،‬ولغة الكبار املكتملة‪ ،‬يف أثناء تعلم الطفل طبیعة احلیاة‪ ،‬وتكیفه مع‬
‫جمتمعه‪ ،‬وقد أدت هذه النظرة إىل االهتمام ابلوظائف التواصلیة للغة؛ فتطلب هذا االهتمام بدراسة هذه الوظائف‪،‬‬
‫وحتديدها‪ ،‬فاهتم الباحثون بتحديد ما يعرفه األطفال‪ ،‬وما يتعلمونه من اآلخرين‪ ،‬وما يعرفونه عن ترابط أجزاء اجلملة‬
‫وعالقات اجلمل ببعضها‪ ،‬وطبیعة التفاعل بنی املتحدث والسامع‪ ،‬ومفاتیح احلوار‪ ،‬وحنو ذلك من الوظائف االتصالیة ‪2‬؛‬
‫وهذا ما عناه "اجلرجاين" ابلبالغة والفصاحة‪.‬‬
‫ويف هذا اخلصوص‪ ،‬يقول‪" :‬جاك ريتشارد"‪ ،‬و"ثیودر روجرز" ما ملخصه‪" :‬إن "هامیز" " ‪Dell‬‬
‫‪ "Hathaway Hymes‬و"هالیداي" "‪ "Michael Alexander Halliday‬وغيهم توسعوا يف الكفاية اللغوية ‪-‬‬
‫اليت اندى به "تشومسكي" واملقصورة على معرفة قواعد اللغة‪ ،‬فهي كفاية حنوية فقط يف نظرهم ‪ -‬إىل الكفاية التواصلیة؛‬
‫اليت تعن املعرفة أبصول الكالم‪ ،‬ومراعاة طبیعة املخاطبنی‪ ،‬مع القدرة على تنويع الكالم حسب مقتضى احلال‪ ،‬من طلب‬
‫واعتذار‪ ،‬وشكر‪ ،‬ودعوة وحنو ذلك‪ ،‬إضافة إىل املعرفة بقواعد اللغة ومفرداهتا‪ ،‬فهذه الكفاية إذن تعىن املعرفة بقواعد اللغة‬
‫وقوانینها الصرفیة والنحوية‪ ،‬مع القدرة على استعماهلا بطريقة صحیحة لغویً‪ ،‬ومقبولة اجتماعیاً" ‪.3‬‬
‫من خالل عرض هذه اآلراء عن "النظرية الوظیفیة" وجدان تفسيها عند "اجلرجاين" بشكل واضح‪ ،‬وذلك‬
‫من خالل حديثه عن النظم ‪4‬؛ والذي يعن االهتمام مبعاين الكلم‪ ،‬وتوخي معاين النحو فیه‪ ،‬ومعرفة أحكامه‪ ،‬وفروقه‪،‬‬
‫ووجوهه‪ ،‬والعمل بقوانینه‪ ،‬وأصوله‪ ،‬والقدرة على استعمال اللغة بشكل صحیح ومقبول‪ ،‬واالهتمام ابلوظائف االتصالیة‬

‫‪ 1‬عبد القاهر اجلرجاين‪ ،‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬ص ‪.51‬‬


‫‪ 2‬عبد العزيز بن إبراهیم العصیلي‪ ،‬علم اللغة النفسي‪ ،‬ص ‪.255‬‬
‫‪ 3‬جاك رشاردز وثیودر روجرز‪ ،‬مذاهب وطرا ئق يف تعلیم اللغات‪ ،‬ترمجة حممود صین وعبد الرمحن العبدان وعمر الصديق‪ ،‬دار عامل الكتب‬
‫للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬الریض‪ ،‬اململكة العربیة السعودية‪ 1990 ،‬م‪ ،‬ص ‪. 258‬‬
‫‪ 4‬عبد القاهر اجلرجاين‪ ،‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬ص ‪.451‬‬
‫‪61‬‬
‫الاكتساب اللغوي‪.‬‬ ‫احملارضة الامسة‬

‫للغة‪ ،‬وترابط الكالم فیما بینه‪ ،‬ومطابقته ملقتضى احلال‪ ،‬وعالقة الفكر ابللغة أيضا‪ ،‬وهذا ما عنته النظرية الوظیفیة احلديثة‬
‫من أن اهلدف احلقیقي للكالم هو التواصل‪ ،‬وأن الكفاية لیست معرفة قواعد اللغة (النحو)‪ ،‬وإمنا هي معرفة قواعد اللغة‪،‬‬
‫اجتماعیا‪.‬‬
‫ً‬ ‫والقدرة على استعماهلا بطريقة صحیحة لغوی‪ ،‬ومقبولة‬
‫مراحل اكتساب اللغة‬
‫يكتسب الطفل اللغة غي اللفظیة واللفظیة منذ املیالد‪ ،‬ويف مدارج العمر املختلفة حىت يصل إىل املستوى‬
‫اللغوي املناسب والذي میكنه من استخدام اللغة بسهولة‪ ،‬ويسر يف تعامله االجتماعي‪ ،‬ومن املراحل اليت تنمو فیها اللغة‬
‫ومیكن اكتساهبا‪ ،‬واليت تتمثل يف مرحليت الطفولة واملراهقة‪ ،‬والنمو له مراحل ختتلف يف أبعادها ويف مظاهرها اليت متیز كل‬
‫مرحلة عن غيها من املراحل األخرى يف أشكال السلوك‪ ،‬ويف الدوافع النفسیة ‪ ،1‬وهذه املراحل هي‪:‬‬
‫‪ .1‬مراحل ما قبل املیالد‪ ،‬وتبدأ من حلظة التلقیح إىل تكوين اجلننی قبل املیالد‪ ،‬ومدة هذه املرحلة ‪ 52‬يوم إىل ‪310‬‬
‫يوم واملتوسط ‪ 280‬يوم‪.‬‬
‫‪ .2‬مرحلة املهد من حلظة الوالدة إىل هناية العام الثاين‪.‬‬
‫‪ .3‬مرحلة الطفولة من ‪ 03‬إىل ‪ 12‬سنة‪.‬‬
‫‪ .4‬مرحلة املراهقة من ‪ 13‬إىل ‪ 17‬سنة‪.‬‬
‫‪ .5‬مرحلة أواسط العمر وهضبته من ‪ 18‬سنة إىل ‪ 50‬سنة‪.‬‬
‫‪ .6‬مرحلة الشیخوخة املبكرة من ‪ 51‬سنة إىل ‪ 65‬سنة‪.‬‬
‫‪ .7‬مرحلة الشیخوخة املتأخرة من ‪ 66‬إىل هناية املطاف‪.‬‬
‫إن القدرة على اكتساب لغة من اللغات أمر یتص به اإلنسان دون سائر املخلوقات‪ ،‬واللغة مبفهومها الواقعي‪،‬‬
‫أساسها قدرة فطرية‪ ،‬ختتص ابجلنس البشري‪ ،‬ولقد اهتم علماء البیولوجیة والفسیولوجیة اخلاصة ابلقدرة الفطرية‪ ،‬واليت‬
‫متكن اإلنسان من اكتساب اللغة‪ ،‬ومن أشهر الباحثنی يف هذا اجملال "جرينربج" "‪"Joseph Harold Greenberg‬‬
‫والذي أشارت أ حباثه إىل وجود خصائص ببیولوجیة تتوافر عند اإلنسان حبیث متكنه من اكتساب اللغة‪ ،‬وتتمثل هذه‬
‫اخلصائص يف‪:‬‬
‫‪ .1‬وجود بعض العالقات بنی اللغة اليت يتحدث هبا اإلنسان‪ ،‬والنواحي الفسیولوجیة والتشرحيیة اخلاصة جبسم‬
‫اإلنسان‪.‬‬
‫‪ .2‬الرتتیب الزمن للنمو اللغوي‪.‬‬
‫‪ .3‬صعوبة كبت اللغة‪ ،‬أو وقف منوها‪ :‬فمن الناحیة البیولوجیة‪ ،‬ال يتمكن اإلنسان من كبت اللغة‪ ،‬أو أن تقف لغته‬
‫يف منوها‪.‬‬
‫‪ .4‬اللغة البشرية میكن تعلیمها لغي البشر‪ :‬فلیست هناك خملوقات أخرى –غي البشر‪ -‬هلا القدرة على االتصال‬
‫املنظم‪ ،‬والقدرة على االبتكار مثل اإلنسان‪ ،‬كما أنه لیس يف مقدور سائر الكائنات تعلم لغة البشر‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫صربي إبراهیم السید‪ ،‬علم اللغة االجتماعي‪ ،‬دار املعرفة اجلامعیة‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪ 1975 ،‬م‪ ،‬ص ‪.82/80‬‬
‫‪62‬‬
‫الاكتساب اللغوي‪.‬‬ ‫احملارضة الامسة‬

‫‪ .5‬تشي دراسات "تشومسكي"‪" ،‬جرينربج" "‪ ،"Joseph Harold Greenberg‬و"هیلمسلف" " ‪Louis‬‬
‫‪ "Hjelmslev‬على أن هناك أسسا صوتیة‪ ،‬وحنوية‪ ،‬وداللیة مشرتكة بنی مجیع لغات العامل‪ ،‬ففي مجیع لغات‬
‫العامل مفردات تدل على األشیاء‪ ،‬واملشاعر‪ ،‬والصفات‪ ،‬واألفعال‪ ،‬والعالقات املختلفة‪ ،‬ومن الناحیة البیولوجیة‬
‫لیست هناك فروق جوهرية من حیث د الالت هذه املفردات كما أن هناك أسسا اخرى مشرتكة بنی اللغات‪،‬‬
‫ففي قدرة أي طفل‪ ،‬أو راشد أن يتعلم أية لغة يف العامل‪.‬‬
‫‪ .6‬تركز الدراسات احلديثة على حماولة الكشف عما إذا كانت مجیع العملیات الالزمة للكالم مركزة يف املنطقة‬
‫البشري من املخ‪ ،‬أم أن بعضا منها میكن أن تكوم به املنطقة األخرى ‪.1‬‬

‫مصادر ومراجع احملاضرة‪:‬‬

‫‪ .1‬اجلاحظ‪ ،‬البیان والتبینی‪ ،‬حتقیق عبد السالم حممد هارون‪ ،‬مكتبة اخلاجني‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ 1998 ،07‬م‪.‬‬
‫‪ .2‬جاك رشاردز وثیودر روجرز‪ ،‬مذاهب وطرا ئق يف تعلیم اللغات‪ ،‬ترمجة حممود صین وعبد الرمحن العبدان وعمر‬
‫الصديق‪ ،‬دار عامل الكتب للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬الریض‪ ،‬اململكة العربیة السعودية‪ 1990 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .3‬جاك ريتشارد وثیودر روجرز‪ ،‬مذاهب وطرا ئق يف تعلیم اللغات‪ ،‬ترمجة حممود صین وعبد الرمحن العبدان وعمر‬
‫الصديق‪ ،‬دار عامل الكتب للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬الریض‪ ،‬اململكة العربیة السعودية‪ 1990 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .4‬جورج ام غازدا ورمیوند كورسین‪ ،‬نظریت التعلم‪ :‬دراسة مقارنة‪ ،‬ترمجة علي حسنی حجاج وعطیة حممود هنا‪،‬‬
‫عامل املعرفة‪ ،‬اجمللس الوطن للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪ 1984 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .5‬ابن خلدون‪ ،‬املقدمة‪ ،‬حتقیق علي عبد الواحد وايف‪ ،‬دار هنضة مصر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪.3‬‬
‫‪ .6‬دوجالس براون‪ ،‬أسس تعلم اللغة وتعلیمها‪ ،‬ترمجة عبده الراجحي وعلي شعبان‪ ،‬دار النهضة العربیة‪ ،‬بيوت‪،‬‬
‫لبنان‪ 1994 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .7‬سید أمحد منصور‪ ،‬علم اللغة النفسي‪ ،‬مطبوعات جامعة امللك سعود‪ ،‬الریض‪ ،‬اململكة العربیة السعودية‪،‬‬
‫‪ 1982‬م‪.‬‬
‫‪ .8‬صربي إبراهیم السید‪ ،‬علم اللغة االجتماعي‪ ،‬دار املعرفة اجلامعیة‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪ 1975 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .9‬عبد العزيز بن إبراهیم العصیلي‪ ،‬التحجر يف لغة متعلمي اللغة العربية الناطقنی بغيها‪ ،‬جملة جامعة أم القرى لعلوم‬
‫الشريعة واللغة العربية وآداهبا‪ ،‬ج ‪ ،1‬جملد ‪ ،33‬ماي‪ 2005 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .10‬عبد العزيز بن إبراهیم العصیلي‪ ،‬النظریت اللغوية والنفسیة وتعلیم اللغة العربیة‪ ،‬مطابع التقنیة لألوفست‪،‬‬
‫الریض‪ ،‬اململكة العربیة السعودية‪ 1999 ،‬م‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫سید أمحد منصور‪ ،‬علم اللغة النفسي‪ ،‬مطبوعات جامعة امللك سعود‪ ،‬الریض‪ ،‬اململكة العربیة السعودية‪ 1982 ،‬م‪ ،‬ص ‪.156 ،153‬‬
‫‪63‬‬
‫الاكتساب اللغوي‪.‬‬ ‫احملارضة الامسة‬

‫‪ .11‬عبد العزيز بن إبراهیم العصیلي‪ ،‬علم اللغة النفسي‪ ،‬منشورات جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمیة‪ ،‬عمادة‬
‫البحث العلمي‪ ،‬الریض‪ ،‬اململكة العربیة السعودية‪ ،‬ط ‪ 2006 ،01‬م‪.‬‬
‫‪ .12‬عبد القاهر اجلرجاين‪ ،‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬حتقیق حممود حممد شاكر‪ ،‬دار املدين‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪1992 ،03‬م‪.‬‬
‫‪.13‬ابن فارس‪ ،‬الصاحيب يف فقه اللغة وسنن العرب يف كالمها‪ ،‬حتقیق أمحد حسن بسج‪ ،‬دار الكتب العلمیة‪،‬‬
‫بيوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ 1997 ،01‬م‪.‬‬
‫‪.14‬أبو معال عبد الفتاح‪ ،‬تنمیة االستعداد اللغوي عند الطفل يف األسرة والروضة واملدرسة‪ ،‬دار الشروق للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬األردن‪ ،‬عمان‪ ،‬ط ‪ 2006 ،01‬م‪.‬‬
‫‪.15‬معمر نواف اهلوازنة‪ ،‬دراسة بعض املتغيات ذات الصلة ابلنمو اللغوي لدى أطفال الروضة‪ ،‬دار املسية للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوری‪ ،‬جملد ‪ ،28‬العدد ‪ 2005 ،01‬م‪.‬‬
‫‪ .16‬موفق احلمداين‪ ،‬علم نفس اللغة من منظور معريف‪ ،‬دار املسية للنشر والتوزيع والطباعة‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ط ‪،02‬‬
‫‪ 2007‬م‪.‬‬
‫‪ .17‬نوال حممد عطیة‪ ،‬علم النفس اللغوي‪ ،‬مكتبة األجنلو املصرية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ 1975 ،01‬م‪.‬‬
‫‪ .18‬وهبة الزحیلي وآخرون‪ ،‬املوسوعة القرآنیة املیسرة‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوری‪ ،‬ودار الفكر املعاصر‪ ،‬بيوت‪ ،‬لبنان‪،‬‬
‫ط ‪ 2004 ،03‬م‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫احملارضة السادسة‬
‫مراحل اكتساب اللغة‪.‬‬
‫مراحل اكتساب اللغة‪.‬‬ ‫احملارضة السادسة‬

‫توطئة‪:‬‬
‫إن وظيفة اللغة اليت تنشأ تدرجيياً انطالقا من معطيات عقلية حبتة‪ ،‬وأخرى حميطية ظلت الشغل الشاغل للعلماء‬
‫املعاصرين‪ ،‬إذن كيف ميكن أن نصل إىل نتائج واقعية‪ ،‬وملموسة تسند إىل أسس بيولوجية‪ ،‬وأخرى فيزايئية اثبتة وغري‬
‫متناقضة‪ ،‬وألجل ذلك سعى "بياجيه" "‪ " Jean Piaget‬منذ زمن إىل أن يبلور هذا التساؤل يف حبث أكادميي علمي‬
‫حبت على الرغم من ظلمة هذه األحباث وغيب الدقة الالزمة لتكريسها‪ ،‬ومنه ينتهي إىل أن الوظائف البيولوجية املختلفة‪،‬‬
‫واليت منها اللغة تندرج حتت أشد الوظائف البيولوجية عموما وهي‪ :‬التكيف‪ ،‬والتنظيم‪ ،‬واملالئمة ويرى "أن التكيف نوع‬
‫من التوازن بني التمثيل واملالئمة" ‪ ،1‬ويعترب أن الذكاء نوع من التكيف البيولوجي له عالقة وظيفية بني التفكري‪ ،‬واألشياء‪.‬‬
‫إن هناك وظائف قابلة للتغري‪ ،‬وأخرى غري قابلة لذلك‪ ،‬فالوظائف الكربى موجودة لدى مجيع الكائنات‬
‫لكنها تتصل أبعضاء ختتلف اختالفا كبريا ابختالف طوائف هذه الكائنات العضوية‪ ،‬فلدى الطفل والبالغ تكوين مستمر‬
‫لرتاكيب خمتلفة على الرغم من الوظائف الكربى يف التفكري تظل دون تغيري‪ ،‬وتندرج الوظائف الثابتة حتت أشد الوظائف‬
‫البيولوجية عموما (وظيفتا‪ :‬التنظيم والتكيف)‪ ،‬ويرى "بياجيه"‪" :‬أن التكيف نوع من التوازن بني التمثيل واملالئمة" ‪،2‬‬
‫فالذكاء نوع من التمثيل أي إدخال كل عناصر التجربة بكل حدودها‪ ،‬ويتضمن التكيف العقلي وجود عنصر متثيل‬
‫بوجود تركيبات جديدة إبدخال احلقائق اخلارجية يف نطاق األشكال اليت حيددها نشاط الذات املدركة ابالستعانة ابلتفكري‬
‫الذي يدجمها يف ما سبقت معرفته‪ ،‬أو االستعانة ابلذكاء احلسي احلركي إبرجاعها إىل الصورة اإلمجالية‪.‬‬
‫إن كال من احلياة العضوية أي "تلك احلياة اليت تعد األشكال إعدادا ماداي‪ ،‬وتتيح هلذه األشكال متثيل املواد‪،‬‬
‫وضروب النشاط يف البيئة احمليطة هبا"‪ ،‬والذكاء العملي‪ ،‬أو الذكاء احلسي احلركي أي "الذكاء الذي ينظم األفعال‪ ،‬وجيعل‬
‫الصور العامة هلذه الضروب احلركية من السلوك قادرة على متثيل خمتلف املواقف اليت جتود هبا البيئة‪ ،‬وبني الذكاء الفكري‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫أو ذكاء املعرفة؛ أي "الذي يقنع ابلتفكري يف األشياء‪ ،‬أو تكوينها تكوينا داخليا حىت يسمح هلا بتمثيل التجارب"‬
‫تتكيف البيئة من طريق متثيل الذات املدركة لألشياء‪.‬‬
‫العوامل املؤثرة على اكتساب ومنو اللغة‪:‬‬
‫يتأثر اكتساب ومنو اللغة منذ طفولة بعوامل خمتلفة‪ ،‬وتنقسم هذه العوامل إىل قسمني ‪:4‬‬
‫‪ .1‬العوامل الداخلية‪:‬‬
‫هي العوامل املؤثرة على اكتساب اللغة ابلتكوين العصيب النفسي؛ يعين يتأثر النمو اللغوي بنسبة الذكاء‪ ،‬وللعاهات‬
‫البصرية‪ ،‬والسمعية‪ ،‬والصوتية‪ ،‬وجنس الطفل ذكرا كان أم أنثى‪ ،‬يقول "تشومسكي" "‪" "Noam Chomsky‬أن الطفل‬

‫‪ 1‬جان بياجيه‪ ،‬ميالد الذكاء عند الطفل‪ ،‬ترمجة حممود قاسم وحممد حممد القصاص‪ ،‬مكتبة اآلجنلو املصرية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 1948 ،‬م‪،‬‬
‫ص ‪.15‬‬
‫‪ 2‬نفسه‪ ،‬ص ‪.15‬‬
‫‪ 3‬نفسه‪ ،‬ص ‪.17‬‬
‫‪ 4‬سيد أمحد منصور‪ ،‬علم اللغة النفسي‪ ،‬مطبوعات جامعة امللك سعود‪ ،‬الرايض‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪ 1982 ،‬م‪ ،‬ص ‪.149‬‬
‫‪66‬‬
‫مراحل اكتساب اللغة‪.‬‬ ‫احملارضة السادسة‬

‫يولد أبلة الكتساب اللغة هبا ميكنه أن ينال لغة األم‪ ،‬أو اللغة األوىل بدون أن يتعلم قواعد اللغة بعمد"‪ ،‬هذا رأي يتعلق‬
‫ابلظواهر التالية ‪:1‬‬
‫• كل الطفل العادي يكتسب لغة األم أبطرافها إليه‪.‬‬
‫اكتساب اللغة غري متعلق مباشرة ابرتفاع‪ ،‬أو اخنفاض قدر العقل عند الطفل‪.‬‬ ‫•‬
‫يسمع الطفل القواعد من اجلمل غري كاملة‪ ،‬وعددها قليلة‪ ،‬ولكنه يستطيع أن يتسلّط عليه‪.‬‬ ‫•‬
‫ومن العوامل الداخلية املهمة منها‪:‬‬
‫أ‪ .‬الذكاء‪ :‬تدل أحباث ميد على أن الطفل العادي يبدأ الكالم حينما يبلغ من العمر مثانية أشهر‪ ،‬والقصد ببدء نطق‬
‫األلفاظ بطريقة صحيحة‪ ،‬وفهم معناها‪،‬‬
‫ب‪ .‬املرض‪ :‬من دراسة مقارنة مسيت تدل أن املرض الذي ينتاب الطفل يف السنني األوىل من حياته يؤخر منوه اللغوي إىل‬
‫حد ما‪ ،‬ويرتبط مدى التأخر اللغوي عند األطفال بنوع املرض الذي يصابون به‪.‬‬
‫ت‪ .‬الفروق اجلنسية‪ :‬اإلانث حمافظات يف استعمال اللغة أكثر من الذكور ‪.2‬‬
‫ث‪ .‬عدد األطفال أو عدد األسرة‪ :‬عدد األطفال أو عدد األسرة الكثرية بذل املزيد من التطوير السريع بلغة األطفال‬
‫مقارنة مع عدم وجود العديد من االعضاء‪.‬‬
‫ج‪ .‬ترتيب الطفل‪ :‬فتطوير اللغة لألطفال املولودين يف موقف األوسط تكون أسرع من بكر‪ ،‬أو أصغر طفل‪ .‬ويرجع هذا‬
‫إىل االبنة الكربى لديها اجتاه النزويل االتصاالت فقط‪ ،‬وأصغر طفل فقط اجتاه الصعودي االتصاالت فقط‪.‬‬
‫‪ .2‬العوامل اخلارجية‬
‫اكتساب اللغة األوىل يتعلق بنشأة اجتماعي الطفل‪ ،‬ويتعلق أيضا بتشكيل شخصية اجملتمع‪ ،‬تعليم لغة األم هو‬
‫من نشأة كاملة عند الطفل كأعضاء اجملتمع‪ ،‬فاللغة هي تيسر للطفل للتعبري الفكرة‪ ،‬واإلرادة بطريقة مقبولة عند اجملتمع‪،‬‬
‫واللغة هي وسيلة من وسائل يستخدمها الطفل لينال نتائج الثقافة‪ ،‬السلوك‪ ،‬الدين‪ ،‬ونتائج أخرى يف اجملتمع‪.‬‬
‫تدل الدراسات العلمية املختلفة على أن أطفال البيئات االجتماعية االقتصادية املمتازة يتكلمون أسرع‪ ،‬وأدق‪،‬‬
‫وأقوى من أطفال البيئة االجتماعية الدنيا‪ ،‬ويتأثر النمو مبدى اختالط الطفل ابلبالغني الراشدين العتماد اكتساب اللغة‬
‫ومنو اللغة على التقليد‪ ،‬ولغة الراشدين تعترب أفضل النماذج اللغوية الصاحلة لتعلم الطفل‪ ،‬هلذا تساعده على اكتساب‬
‫املهارة اللغوية ‪.3‬‬
‫ومن العوامل اخلارجية املهمة هي‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫نفسه‪ ،‬ص ‪.151‬‬
‫‪2‬‬
‫صربي إبراهيم السيد‪ ،‬علم اللغة االجتماعي‪ ،‬دار املعرفة اجلامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪ 1975 ،‬م‪ ،‬ص ‪.219‬‬
‫‪3‬‬
‫سيد أمحد منصور‪ ،‬علم اللغة النفسي‪ ،‬ص ‪.149‬‬
‫‪67‬‬
‫مراحل اكتساب اللغة‪.‬‬ ‫احملارضة السادسة‬

‫البيئة االجتماعية‪ :‬تشري أحباث "أرنولد جيزل" "‪ "arnold gesell‬اليت أجريت على أطفال الرايض أبن األطفال الذين‬
‫ينتسبون إىل البيئات االجتماعية املمتازة يتكلمون تلقائيا‪ ،‬ويعربون بوضوح عن آرائهم‪ ،‬وأن أطفال البيئات الفقرية‬
‫يصيحون‪ ،‬ويضحكون يف ألعاهبم احلرة‪ ،‬وال مييلون كثريا إىل احلوار‪.‬‬
‫البيئة اللغوية‪ :‬يعتمد الطفل على التقليد يف تعلمه اللغوي فإذا اتصف بعض أقرابئه بعيوب لغوية خاصة أثر ذلك سلبا‬
‫على اكتسابه اللغوي‪.‬‬
‫السلوك املضاد‪ :‬يبالغ بعض اآلابء يف تدريب أطفاهلم على الكالم يف سن مبكرة‪ ،‬وذلك قبل وصوهلم إىل مراحل النمو‬
‫املناسبة لتعلم اخلربة اجلديدة‪.‬‬
‫االزدواج اللغوي‪ :‬األطفال الذين يراد هبم تعلم لغتني خمتلفني يف سن مبكرة يتأخرون يف تقدمهم اللغوي‪ ،‬ألن لكل لغة‬
‫صفاهتا اخلاصة اليت متيزها عن أية لغة أخرى‪.‬‬
‫مراحل اكتساب اللغة‪:‬‬
‫مرحلة الطفولة ‪:1‬‬
‫أوال‪ :‬مرحلة الوليد والرضيع‪ :‬أهم اخلصائص اليت متيز هذه املرحلة واليت تؤثر يف مقدرة الطفل على اكتساب اللغة‪ ،‬هي‪:‬‬
‫‪ .1‬يتأثر النمو اللغوي يف تطوره مبظاهر منو املهارات األخرى‪.‬‬
‫‪ .2‬يتأثر التكوين العقلي للوليد ابلنمو احلركي لديه فقد لوحظ أن الذكاء يف مستوايته العالية يرتبط‪ -‬بصفة عامة‪-‬‬
‫بسرعة النمو اجلسمي‪ ،‬يف حني يقرتن الضعف العقلي ابلتخلف يف منو اجلسم‪.‬‬
‫‪ .3‬التكوين العقلي للوليد له دور كبري يف اكتسابه اللغة‪ ،‬فالوليد يكتسب اللغة ويبدأ يف الكالم‪ ،‬وابلنسبة لإلدراك‬
‫احلسي فهو عملية التمثيل العقلي لإلحساسات اليت يتقبل الوليد‪.‬‬
‫والكالم عند اإلنسان مير أبدوار متعاقبة حىت يصبح انضجا‪ :‬االستماع‪ ،‬الفهم‪ ،‬التقليد‪ ،‬التحدث‪ ،‬القراءة‪،‬‬
‫الكتابة‪ ،‬واملراحل اليت مير فيها الوليد حىت يتمكن من الكالم املفيد هي‪:‬‬
‫أ‪ .‬مرحلة الصراخ‪ :‬تبدأ حياة الوليد بعد الوالدة مباشرة بصراخ‪ ،‬وهناك أسباب الصراخ عند الطفل‪ ،‬منها األمل املتعلق‬
‫ابلتغدية‪ ،‬واالخراج‪ ،‬املنبهات القوية‪ ،‬األوضاع غري املرحية‪ ،‬االضطراابت القوية أثناء النوم‪ ،‬التعب‪ ،‬اخلوف ‪.2‬‬
‫ب‪ .‬مرحلة الثرثرة‪ /‬البأأبة‪ /‬املناغة‪ /‬التنغيم‪ /‬املنازعات‪ :‬فاملناغاة أصوات ال حتمل انفعاالت‪ ،‬والمعىن‪ ،‬وإمنا هي من‬
‫اللعب ابألصوات الغري هادف‪ ،‬والذي جيد الوليد فيه سرورا‪ ،‬وارتياحا‪.‬‬
‫ج‪ .‬مرحلة التقليد‪ :‬يسمع الطفل الكلمة وقد يفهم هلا معىن‪ ،‬واستعماله هلا إمنا يكون تقليدا للراشدين‪ ،‬وتقليد آنذاك ال‬
‫يكون كامال لعدم تكامل اجلهاز الصويت لديه‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫سيد أمحد منصور‪ ،‬علم اللغة النفسي‪ ،‬ص ‪.165‬‬
‫‪2‬‬
‫انسى حممد أمحد قاسم‪ ،‬مقدمة يف سيكولوجية اللغة‪ ،‬مركز االسكندرية للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 2000 ،‬م‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪68‬‬
‫مراحل اكتساب اللغة‪.‬‬ ‫احملارضة السادسة‬

‫د‪ .‬مرحلة املعاين‪ :‬يستطيع الولد فهما لغة األفراد احمليطني به قبل أن يستطيع التعبري عما يدور يف نفسه تعبريا لفظيا‬
‫صحيحا‪.‬‬
‫ه‪ .‬مرحلة الكلمة الواحدة‪ :‬مرحلة تعبريية غامضة للسامع‪.‬‬
‫و‪ .‬مرحلة الكلمتني‪ :‬الكلمتان تغلب عليهما األمساء‪ ،‬وتدخلها األفعال قليال‪ ،‬والتعبري هنا سليم من الناحية الوظيفية‬
‫وغري صحيح من انحية الرتكبية اللغوي‪.‬‬
‫ز‪ .‬مرحلة اجلملة القصرية البسيطة‪ :‬تدخلها عناصر حروف اجلر والضمائر‪.‬‬
‫ك‪ .‬مرحلة اجلمل الكاملة‪ :‬يستطيع الطفل أتليف مجل صحيحة من كلمات متعددة تؤدي املعىن أبسلوب موجز سهل‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬مرحلة الطفولة املبكرة‪" :‬من ‪ 03‬إىل ‪ 05‬سنوات" من اخلصائص من هذه املرحلة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ .1‬التكوين العقلي واكتساب اللغة‪ ،‬ابلنسبة للتكوين العقلي فإن إدراك الطفل يف هذه املرحلة إدراك حسي مادي فالطفل‬
‫يعلل األشياء أبسباهبا املادية‪ ،‬والطفل يف هذه املرحلة مييل إىل اخليال الومهي‪.‬‬
‫‪ .2‬منو املفردات اللفظية‪.‬‬
‫‪ .3‬يعرف الطفل العددي‪.‬‬
‫‪ .4‬يعرف الطفل الزمن‪.‬‬
‫اثلثا‪ :‬مرحلة الطفولة املتوسطة‪" :‬من ‪ 06‬إىل ‪ 07‬سنوات" تتميز هذه الفرتة املتوسطة بنضوج بعض القدرات العقلية‪،‬‬
‫وعملياهتا االدراكية‪ ،‬ومن خصائص هذه املرحلة هي‪:‬‬
‫‪ .1‬التفكري بواسطة الصور البصرية‪.‬‬
‫‪ .2‬لعب اخليال العلمي‪.‬‬
‫‪ .3‬التفكري اجملرد يف القدرة على الكتابة‪ ،‬وتعلم احلساب‪ ،‬واألعداد‪.‬‬
‫‪ .4‬بداية قدرة الطفل على الكتابة‪ ،‬والقراءة‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬مرحلة الطفولة املتأخرة‪" :‬ما بعد ‪ 09‬سنوات" من خصائص هذه املرحلة‪:‬‬
‫‪ .1‬مهارة الكتابة‪ :‬حماولة الطفل يف حتسني اخلط‪.‬‬
‫‪ .2‬منو الرصيد اللغوي‪ ،‬والقراءة‪ :‬كلمات من السماع‪ ،‬والتقليد أثناء خرباته العلمية‪ ،‬وعن طريق القراءة يستفيد الكثري من‬
‫املفردات‪.‬‬
‫‪ .3‬منو التعبري الشفهي والتحريري‪ :‬فالطفل مييل يف حواره مع والدته‪ ،‬وأقرانه إىل استخدام اجلمل القصرية‪ ،‬وهو يف حواره‬
‫مع البالغني الراشدين يصوغ عبارته يف مجل طويلة‬
‫خامسا‪ :‬مرحلة املراهقة‪" :‬من ‪ 13‬سنة إىل ‪ 25‬سنة" من أهم مظاهر هذه املرحلة ما يلي ‪:1‬‬
‫‪ .1‬يتأثر إدراك املراهق بنموه العضوي‪ ،‬والفسيولوجي‪ ،‬والعقلي‪ ،‬واالنفعايل‪ ،‬واالجتماعي‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫انسى حممد أمحد قاسم‪ ،‬مقدمة يف سيكولوجية اللغة‪ ،‬ص ‪.193‬‬
‫‪69‬‬
‫مراحل اكتساب اللغة‪.‬‬ ‫احملارضة السادسة‬

‫‪ .2‬التذكر وهو إحدى العمليات العقلية اهلامة يف التعلم‪.‬‬


‫‪ .3‬التفكري عند املراهق أكثر تنافسا‪ ،‬وانتظاما عنه يف عامل الطفولة لذلك املراهق يستمع بنشاطه العقلي‪.‬‬
‫‪ .4‬من أهم القدرات العقلية اليت حتتاج إىل رعاية‪ ،‬وتنمية من تتوافر لديهم هذه القدرات‪.‬‬
‫آراء يف اكتساب اللغة‬
‫من أهم وجهات النظر املختلفة يف هذا اجملال‪:‬‬
‫أ‪ .‬وجهة نظر "واطسون" يف اكتساب اللغة‪ :‬يلخص "واطسون" "‪ " John Broadus Watson‬املراحل اليت مير هبا‬
‫الطفل حىت ينطلق الكلمة فيما يلي‪:‬‬
‫املرحلة األوىل‪ :‬عندما يصدر الطفل صوات وليكن "وا" فإنه حيفر نفسه على املستوى السمعي‪ ،‬وعلى مستوى‬
‫اإلحساسات احلركية الداخلية‪ ،‬ولكن هذا احلوافر تقتضي جوااب وهذا اجلواب هو النطق من جديد ابملقطع "وا"‪.‬‬
‫املرحلة الثانية‪ :‬إذا مضى بعض الوقت فإن إصدار الوقت "وا" ميكن أن يستأثر ابحلوافر السمعي وحده‪ ،‬إذا مل يعد‬
‫"املثري" احلافز احلركي الداخلي ضروراي‪ ،‬وهذا ما يتيح للمحيطني ابلطفل أن يتدخلوا حلمله على تكرار الصوت "دا"‪،‬‬
‫والطفل الذي يكرر إصدار هذا املقطع ال يقلد‪ ،‬وهنا تكون العالقة بني الطفل واحمليطني به حمدودة جدا‪.‬‬
‫املرحلة الثالثة‪ :‬عندما يقدم الطفل مصاصة حليب‪ ،‬وينطق املقطع "دا" مع كل مرة تقدم فيها املصاصة‪ ،‬عندها يعمل‬
‫الطفل إىل تكرار هذا املقطع لدى رؤية املصاصة‪.‬‬
‫املرحلة الرابعة‪ :‬يرى "واطسن" أن رؤية الشيء فيما لن تكن ضرورة إلاثرة لفظ الكلمات‪ ،‬إذ يرى أن الكلمة حركة‪ ،‬أو‬
‫إشارة تتم يف حضور الشيء أوال مث يف غيابه‪.‬‬
‫وجهة نظر "جون ديوي" يف اكتساب اللغة‪ :‬يرى "ديوي" "‪ " John Dewey‬أن الكالم لدى الطفل يبدأ ابلطبع جمرد‬
‫أصوات‪ ،‬وأنغام خالية من أي معىن‪ ،‬أو تعبري أي أهنا ال حتمل فكرة ما‪ ،‬وهذه األصوات ماهي إال نوع من املنبهات‪،‬‬
‫فلفظ "قبعة" يبقى خالياً من املعىن كأي صوت إال إذا لفظ مقروانً بعمل قد اشرتك فيه نفر من الناس‪ ،‬فلما تصطحب‬
‫األم الطفل إىل خارج دارها تضع شيئاً فوق رأسه‪ ،‬وهي تقول له قبعة‪ ،‬ففي خروج الطفل مع أمه لذة له‪ ،‬بل أن كليهما‬
‫يهتم يف ذلك ألهنا ميتعان به معاً‪ ،‬مكتسب كلمة "القبعة" ل دى الطفل املعىن نفسه الذي تفهمه منه أمه ابقرتاهنا مبختلف‬
‫العوامل اليت تدخل يف نشاطهما‪ ،‬وإذ ذاك تتحول الكلمة إىل رموز لنوع العمل الذي اقرتنت به‪.‬‬
‫على أن احلقيقة اجملردة هي أن اللغة تتألف من مجلة أصوات يفهمها عدد من الناس كافية للداللة على أن‬
‫معىن اللغة يعتمد على اقرتاهنا خبربات مشرتكة بني الناس‪ ،‬ويشري "جون ديوي" أن الوسط االجتماعي يعمل على تكوين‬
‫العادات اللغوية إذ أن أساليب الكلم األساسية‪ ،‬واجلانب األكرب من املفردات اللغوية تتكون من سياق احلياة املعتادة‬
‫بسبب كوهنا ضرورة اجتماعية‪ ،‬والطفل كما يقول الناس يتعلم لغة أمه‪.‬‬
‫وجهة نظر "سكينر" يف اكتساب اللغة‪ :‬يرى "سكينر" "‪ "Burrhus Frederic Skinner‬أن اكتساب اللغة يتم يف‬
‫الوسط االجتماعي بطريق املثري واالستجابة‪ ،‬وهو الذي أدخل مفهوم السلوك األدائي فأشار إىل أن السلوك اللفظي ميثل‬
‫املستوى األدائي‪ ،‬وعرفه أبنه السلوك التلقائي الذي ميكن أن يدعم‪ ،‬أو دعم فعالً متمايز ابالشرتاط الوسيلي فالسلوك‬

‫‪70‬‬
‫مراحل اكتساب اللغة‪.‬‬ ‫احملارضة السادسة‬

‫اللفظي التلقائي عند الطفل ميكن أن خيضع يف نظر "سكينر" لعملية تدعيم اجتماعي‪ ،‬فالطفل يتعلمها أن أحداث بعض‬
‫األصوات اليت تشبه ظاهرايً على األقل بعض األصوات املقبولة اجتماعياً لبعض الكلمات مثل‪" :‬لنب"‪ ،‬أو "ماء" يؤدي‬
‫إىل استجابة ابلتشجيع‪ ،‬ومن مث تقوي هذه األصوات‪ ،‬أو الكلمات أما األصوات أو الكلمات األخرى اليت ال تكافئ‬
‫هبذه الصورة فإهنا تنطفئ‪ ،‬وميكن أن ميتد هذا التفسري الذي ذهب إليه "سكينر" ليشمل الظواهر اللغوية كلها‪.‬‬
‫فالطفل مييل إىل تعلم االستجابة اليت تدعم سواء أكان التدعيم بطريق الثواب املباشر الذي يؤدي إىل خفض‬
‫حدة التوتر‪ ،‬أم كان بطريق بعض األدلة الثانوية غري املباشرة للثواب النهائي‪ ،‬أما االستجاابت اليت ال تدعم فتميل إىل‬
‫االنطفاء‪ ،‬واالختفاء من حصيلة استجاابت الطفل‪ ،‬واالستجاابت املتضمنة يف هذه األحداث قد تكون استجاابت‬
‫مباشرة ملثريات خارجية‪ ،‬أو قد تكون استجاابت إغوائية "كاملناغاة" فتثار داخلياً إىل حد ما‪ ،‬ويقول "سكينر" عن‬
‫الذخرية اللفظية لدى الطفل أو املتكلم "نالحظ أن املتكلم ميتلكم ذخرية لفظية‪ ،‬مبعىن أن أنواعاً خمتلفة من االستجاابت‬
‫تظهر من وقت آلخر يف سلوكه على ارتباط بظروف ميكن حتديدها‪ ،‬ويشري تعبري "الذخرية اللفظية" على أهنا جمموعة من‬
‫االستجاابت اإلجرائية اللفظية إىل السلوك احملتمل للمتكلم‪.‬‬
‫وجهة نظر "جون كارول" يف اكتساب اللغة‪ :‬ينطلق "جون كارول" "‪ "John Carrol‬من أن الطفل يف أثناء منوه‬
‫اللغوي واحلركية سوف يوصله إىل ما يريده‪ ،‬أو تبعده عما يكره‪ ،‬وأي استجاابت لآلخرين ميكن أن ميكن أن تتخذ ملا‬
‫يريد وملا يرى‪ ،‬وتكون االستجاابت املتضمنة يف البدء عامة جدا‪ ،‬وشاملة‪ ،‬ولكنها تتمايز ابلتدريج‪ ،‬وتتشكل‪ ،‬والطفل‬
‫يتعلم أن يقلد استجاابت اآلخرين‪ ،‬ولكنه يتعلم حماولة القيام ابستجاابت جديدة‪ ،‬وارتباطات بني االستجاابت‪ ،‬كما‬
‫حياول التعميم أيضا‪.‬‬
‫قامت الدراسات احلديثة برصد إجراءات معينة لتسجيل التطورات اللغوية احلاصلة عند الطفل مثل‪:‬‬
‫‪ .1‬توفري وسط مالئم مثل وضعهم داخل خمابر‪ ،‬وتوفري ألعاب مثالً‪ ،‬وكذلك توفري خمتلف متطلباهتم من تغذية‪،‬‬
‫ونظافة‪ ،‬وراحة‪.‬‬
‫‪ .2‬دجمهم يف جمموعة متفاوتة السنوات‪ ،‬فالطفل كثريا ما حياول أن يقلد األكرب سناً منه‪ ،‬خاصة أقرانه‪.‬‬
‫‪ .3‬توفري األجهزة اليت ستدقق املالحظة‪ ،‬وأخرى حتاول أن تعوض املثريات الطبيعية‪.‬‬
‫‪ .4‬اختبار الطفل يف مواضع وتلبية رغباته يف‪:‬‬
‫• املناسبات احملرجة ابلنسبة إليه‪.‬‬
‫• ابملقارنة بظهور سلوكات أخرى مثل استعمال البصر‪ ،‬ومعرفة ذاته‪ ،‬وحميطه‪ ،‬وغري ذلك‪.‬‬
‫• مث يطلب منه إعادة قوالب لغوية تكون عادة مقرونة يف البدء مبحررات دوافعه الداخلية‪.‬‬
‫‪ .5‬حتويل االختبار اللفظي إىل اختبار مسعي‪ ،‬ومن مث اختبار قدرة الفهم عند الطفل من طريق بث مجل يتوقع منها‬
‫أهنا غري مفهومة ابلنسبة إليه‪.‬‬
‫‪ .6‬اختبار اإلنتاج الذايت‪ :‬الصويت‪ ،‬اجلملي‪.‬‬
‫‪ .7‬تتبع مرحلة التأليف بعد أن يكون الطفل قد امتلك آلية تفسري املعطيات‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫مراحل اكتساب اللغة‪.‬‬ ‫احملارضة السادسة‬

‫‪ .8‬اختبار البناء املعريف الذي أييت من أتسيس العالقات املختلفة بني األشياء واحمليط‪ ،‬وبني األصوات واملفاهيم‬
‫ومراجعها‪.‬‬
‫‪ .9‬حتليل املعطيات اللسانية وذلك من طريق االندماج يف التبادل‪ ،‬والتواصل مع غريه من املراهقني‪ ،‬واألطفال‪.‬‬
‫وغري ذلك من املراحل اليت كونتها دراسة اكتساب اللغة عند الطفل ‪.1‬‬
‫العوامل املؤثرة يف السلوك اللغوي‪:‬‬
‫إن السلوك اللغوي كغريه من مظاهر السلوك اإلنساين تؤثر فيه عوامل خمتلفة الكتسابه‪ ،‬ومنوه ومن أهم‬
‫العوامل ما يلي ‪:2‬‬
‫أ‪ -‬الوراثة‪ :‬أو انتقال الصفات من الوا لدين إىل أبنائهم‪ ،‬وهي العوامل الداخلية اليت كانت موجودة يف اجلينات اليت‬
‫حتملها الصبغيات‪ ،‬كما أن ا لصفات الوراثية ختتلف ابختالف اجلنسني ‪.3‬‬
‫ب ‪ -‬البيئة‪ :‬وهي العوامل اخلارجية اليت تؤثر أتثريا مباشرا وغري مباشر على الفرد‪ ،‬وتشمل العوامل املادية‪ ،‬واالجتماعية‪،‬‬
‫والثقافية ‪،‬واحلضارية‪ ،‬وهلا الدور الكبري واإلجيايب يف تعيني أمناط السلوك‪ ،‬وأساليبه‪ ،‬فالبيئة االجتماعية‪ ،‬واالقتصادية‪،‬‬
‫والرتبوية للفرد‪ ،‬وتوجيهه النفسي‪ ،‬والفرص املتاحة أمامه تؤثر يف عملية النمو ‪ ،4‬ومن أوضح العوامل املؤثرة‪ :‬التعليم‪،‬‬
‫الوسط الثقايف‪ ،‬األخالقي‪ ،‬والديين‪ ،‬ومستوى الذكاء‪ ،‬وسن الزواج‪ ،‬واستقراره‪ ،‬وعدد األطفال وغريها‪ ،‬ويكتسب الفرد‬
‫مناذج سلوكه نتيجة للتفاعل االجتماعي مع غريه من الناس من خالل عملية التنشئة‪ ،‬والتطبيع االجتماعي‪ ،‬وخالل‬
‫سنوات حياته األوىل تكون األسرة (الوالدين واألخوة) هي أبرز عوامل التأثري االجتماعي‪ ،‬وبعد ذلك أييت دور الصحبة‪،‬‬
‫والرفاق يف املدرسة ويف اجملتمع الكبري‪.‬‬
‫كما تؤثر وسائل اإلعالم والنمط الثقايف يف شخصية الفرد ‪ ،5‬كما أن للبيئة احلضارية دوراً يف عملية النمو‬
‫االجتماعي للفرد‪ ،‬ومنها اختالف األدوار االجتماعية لكل من اجلنسني‪ ،‬والثقافات املختلفة ‪ ،6‬وتؤثر البيئة اجلغرافية مبا‬

‫‪1‬‬
‫‪Jean Adolphe Rondal & Michel Hurtig, Introduction à la psychologie d’enfant, éditions Mardaga,‬‬
‫‪Bruxelles, Belgique, 1981, P 459‬‬
‫‪ 2‬ينظر‪ :‬حامد عبد املنعم الزهران‪ ،‬علم نفس النمو‪ ،‬الطفولة واملراهقة‪ ،‬عامل الكتب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ 1977 ،04‬م‪ ،‬ص ‪.139 /135‬‬
‫‪ 3‬ينظر‪ :‬علي عبد الواحد وايف‪ ،‬عوامل الرتبية‪ ،‬مكتبة األجنلو مصرية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ 1958 ،01‬م‪ ،‬ص ‪ ،215 ،214‬وينظر‪ :‬جون‬
‫فويل وأان ستازي‪ ،‬سيكولوجية الفروق بني األفراد واجلماعات‪ ،‬ترمجة السيد حممد خريي ومصطفى سويف‪ ،‬الشركة العربية للطباعة والنشر‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ 1959 ،01‬م‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.98‬‬
‫‪ 4‬ينظر‪ :‬حامد عبد املنعم الزهران‪ ،‬علم نفس النمو‪ ،‬الطفولة واملراهقة‪ ،‬ص ‪.137 ،136‬‬
‫‪ 5‬ينظر‪ :‬أمحد حممد معتوق‪ ،‬احلصيلة اللغوية‪ ،‬عامل املعرفة‪ ،‬اجمللس الوطين للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪ ،‬العدد ‪ ،212‬أوت‪1996 ،‬‬
‫م‪ ،‬ص ‪ 71‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ 6‬أمحد خمتار عمر‪ ،‬اللغة واختالف اجلنسني‪ ،‬عامل الكتب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 1982 ،‬م‪ ،‬ص ‪.16‬‬
‫‪72‬‬
‫مراحل اكتساب اللغة‪.‬‬ ‫احملارضة السادسة‬

‫تفرضه من ظروف طبيعية واقتصادية وبشرية يف النمو‪ ،‬وعلى العموم فكلما كانت البيئة صحية‪ ،‬ومتنوعة كان أتثريها‬
‫حسناً‪ ،‬وكلما كانت البيئة غري مالئمة أثرت أتثرياَ سلبيا ‪.1‬‬
‫ج ‪ -‬الوراثة والبيئة‪ :‬إنه من الصعب فصل الوراثة عن البيئة‪ ،‬وتتفاعل العوامل الوراثية والبيئة يف حتديد الصفات السلوكية‬
‫اللغوية‪ ،‬وتوضح التباين يف النمو‪ ،‬ومستوى النضج‪ ،‬وأمناط سلوكه‪ ،‬ومدى توافقه وشذوذه وإىل جانب اخلصائص الوراثية‬
‫اخلالصة‪ ،‬والصفات البيئية جند هناك مسات تتأثر ابلوراثة والبيئة معاً هي يف معظمها استعدادات وراثية تعتمد على البيئة‬
‫يف نضجها وتتأثر هبا‪ ،‬ومن أمثلة ذلك الذكاء والتحصيل‪ ،‬إن الوراثة ال تصل إىل مداها الصحيح إال يف البيئة املناسبة هلا‪،‬‬
‫وهلذا فإنه على املربني العمل على هتيئة العوامل البيئية املساعدة على منو استعدادات الفرد الوراثية ‪ ،2‬إن مسات الفرد‬
‫الراشد ال تظل كما حددهتا اجلينات‪ ،‬بل إن التفاعالت‪ ،‬واملعامالت ضرورية لكي تصبح يف شكلها النهائي‪.‬‬
‫د – الغدد‪ :‬إن جهاز الغدد له أمهية كبرية يف تنظيم النمو‪ ،‬ووظائف اجلسم‪ ،‬وللغدد وإفرازاهتا (اهلرموانت) أتثريها الواضح‬
‫يف عملية النمو‪ ،‬والغدد نوعان‪:‬‬
‫• الغدد الصماء أو غري القنوية‪ :‬اليت تطلق إفرازاهتا اهلرمونية يف الدم مباشرة لتحكم وظائف اجلسم‪ ،‬وهي‬
‫يف عملها يؤثر إحداها يف األخرى‪. 3‬‬
‫• الغدد القنوية‪ :‬وهي اليت تطلق إفرازاهتا يف القنوات الناقلة إايها إىل املواضع اليت تستعمل فيها مثل الغدد‬
‫اللعابية‪ ،‬والدهنية‪ ،‬والعرقية‪ ،‬والدمعية‪ ،‬واملعوية‪ ،‬والربوستاات‪.‬‬
‫وتؤثر الغدد يف السلوك بشكل واضح يف النشاط العام للفرد‪ ،‬ويف سرعة‪ ،‬وشدة السلوك االنفعايل‪ ،‬ويف كم‪،‬‬
‫ونوع‪ ،‬واستمرار السلوك الذي خيتاره الفرد‪ ،‬ومعروف أن التوازن يف إفرازات الغدد جيعل من الفرد شخصا سليما نشطا‪،‬‬
‫ويؤثر أتثريا حسنا على سلوكه بشكل عام‪ ،‬وتؤدي إضراابت الغدد إىل املرض النفسي‪ ،‬وردود األفعال املرضية‪ ،‬كما أهنا‬
‫حتدث اضطراابً حيواي‪ ،‬وتشوها جسميا مما يسبب االضطراابت النفسية ‪.4‬‬
‫ه – الغذاء‪ :‬وهو أصل املادة اليت تعمل على تكوين اجلسم‪ ،‬ومنوه‪ ،‬واملصدر األساسي للطاقة والسلوك‪ ،‬جسمياً‪،‬‬
‫وعقلياً‪ ،‬وله دور يف بناء اخلالاي التالفة‪ ،‬وجتديد الطاقة‪ ،‬ويتأثر منو الفرد بنوع‪ ،‬وكمية الغذاء؛ فاملواد الغذائية هلا وظائف‬
‫حيوية هامة مثل توليد الطاقة الالزمة لتحريك العضالت‪ ،‬وتشغيل الفكر‪ ،‬ويؤدي الغذاء غري الكايف‪ ،‬أو غري الكامل إىل‬
‫إخفاق يف حتقيق إمكاانت منوه‪ ،‬ويؤدي نقص التغذية إىل أمراض خاصة‪ ،‬ابإلضافة إىل أنه يؤدي إىل ضعف الفرد إىل‬
‫مقاومة األمراض‪ ،‬وإىل أتخري النمو‪ ،‬وإىل نقص النشاط‪ ،‬والتبلد‪ ،‬والسقم ‪.5‬‬

‫‪1‬‬
‫ميشال زكراي‪ ،‬امللكة اللسانية يف مقدمة ابن خلدون "دراسة ألسنية"‪ ،‬دار الطليعة‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ 1986 ،‬م‪ ،‬ص ‪.32 ،31‬‬
‫‪2‬‬
‫جون فويل وأان ستازي‪ ،‬سيكولوجية الفروق بني األفراد واجلماعات‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.281‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Jacques Poirier & Jean-Louis Ribadeau Dumas, Abrégé d’histologie, Masson Et Cie Editeurs,‬‬
‫‪paris, France, 1974, p 117.‬‬
‫‪4‬‬
‫مصطفى خليل الشرقاوي‪ ،‬علم الصحة النفسية‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ 1986 ،‬م‪ ،‬ص ‪.141 ،140‬‬
‫‪5‬‬
‫نفسه‪ ،‬ص ‪.77 ،76‬‬
‫‪73‬‬
‫مراحل اكتساب اللغة‪.‬‬ ‫احملارضة السادسة‬

‫وسوء التغذية له آاثره الضارة على مستوى التحصيل‪ ،‬إذ جيعل التعليم جمهدا وغري مثمر‪ ،‬كما يالحظ أن‬
‫اإلفراط يف الغذاء له نتائج ضارة ابجلسم ال تقل خطورة من تلك اليت يؤدي إليها سوء‪ ،‬أو نقص التغذية ‪.1‬‬
‫و ‪ -‬النضج‪ :‬يتضمن النضج عمليات النمو الطبيعي التلقائي‪ ،‬واليت تؤدي إىل تغريات منتظمة يف سلوك الفرد بصرف‬
‫النظر عن أي تدريب‪ ،‬أو خرب سابقة‪ ،‬أي أنه أمر تقرره الوراثة‪ ،‬فال ميكن للطفل أن يكتب مامل تنضج عضالته‪ ،‬وقدراته‬
‫الالزمة للكتابة ‪.2‬‬
‫ز – التعلم‪ :‬وهو تغري السلوك نتيجة للخربة واملمارسة‪ ،‬ويتعلم األطفال اجلديد من السلوكات بصفة مستمرة ‪.3‬‬
‫على العموم فإن االكتساب اللغوي خاضع لعدة اعتبارات منها‪:‬‬
‫‪ .1‬إن تكون اللغة خاضع للتكون العقلي ولتكون املفهوم؛ فالطفل وإن كان يردد يف ابدئ األمر أصواات فإن املفاهيم‬
‫تظل غائبة‪ ،‬وعندما يتكون املفهوم فإنه سيلتحم أبدىن جزء ليصبح هو الناقل لذلك‪ ،‬وقد نلحظ أن املفهوم‬
‫الذي يعرب عادة مبفهوم اجلملة‪ ،‬وقد حيتوي صوات مميزا‪ ،‬وغوغاء أخرى مدا وجزرا لرتمنات أخرى لتدل يف ابدئ‬
‫األمر على املفهوم‪.‬‬
‫‪ .2‬إن اكتساب اللغة خاضع كذلك للتطور املعريف‪ ،‬أو لنسبة الذكاء لدى الطفل ألنه العامل الوحيد الذي يسمح‬
‫له ابلتكيف البيولوجي‪ ،‬ومينحه وظيفة التفكري حول األشياء‪ ،‬والذي ستتبناه اللغة يف آخر املطاف‪.‬‬
‫‪ .3‬إن هناك وظائف قابلة للتغري‪ ،‬وأخرى غري قابلة لذلك فهناك وظائف كربى موجودة لدى مجيع الكائنات لكنها‬
‫ال تتصل أبعضاء‪ ،‬وختتلف ابختالف طوائف هذه الكائنات العضوية‪ ،‬فلدى الطفل والبالغ تكوين مستمر‬
‫لرتاكيب خمتلفة على الرغم من أن الوظائف الكربى يف التفكري تظل دون تغيري ‪.4‬‬

‫مصادر ومراجع احملاضرة‪:‬‬

‫‪ .1‬أمحد حممد معتوق‪ ،‬احلصيلة اللغوية‪ ،‬عامل املعرفة‪ ،‬اجمللس الوطين للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪ ،‬العدد ‪،212‬‬
‫أوت‪ 1996 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .2‬أمحد خمتار عمر‪ ،‬اللغة واختالف اجلنسني‪ ،‬عامل الكتب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 1982 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .3‬انسى حممد أمحد قاسم‪ ،‬مقدمة يف سيكولوجية اللغة‪ ،‬مركز االسكندرية للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 2000 ،‬م‪.‬‬

‫‪ 1‬حممد مصطفى زيدان‪ ،‬دراسة سيكولوجية تربوية لتلميذ التعليم العام‪ ،‬دار الشروق للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬جدة‪ ،‬اململكة العربية‬
‫السعودية‪ 1983 ،‬م‪ ،‬ص ‪.68 ،67‬‬
‫‪ 2‬حامد عبد املنعم الزهران‪ ،‬علم نفس النمو‪ ،‬الطفولة واملراهقة‪ ،‬ص ‪.139 ،138‬‬
‫‪ 3‬نفسه‪ ،‬ص ‪.48‬‬
‫‪ 4‬جان بياجيه‪ ،‬ميالد الذكاء عند الطفل‪ ،‬ص ‪.13‬‬
‫‪74‬‬
‫مراحل اكتساب اللغة‪.‬‬ ‫احملارضة السادسة‬

‫‪ .4‬جان بياجيه‪ ،‬ميالد الذكاء عند الطفل‪ ،‬ترمجة حممود قاسم وحممد حممد القصاص‪ ،‬مكتبة اآلجنلو املصرية‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬مصر‪ 1948 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .5‬جون فويل وأان ستازي‪ ،‬سيكولوجية الفروق بني األفراد واجلماعات‪ ،‬ترمجة السيد حممد خريي ومصطفى سويف‪،‬‬
‫الشركة العربية للطباعة والنشر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ 1959 ،01‬م‪.‬‬
‫‪ .6‬حامد عبد املنعم الزهران‪ ،‬علم نفس النمو‪ ،‬الطفولة واملراهقة‪ ،‬عامل الكتب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ 1977 ،04‬م‪.‬‬
‫‪ .7‬سيد أمحد منصور‪ ،‬علم ال لغة النفسي‪ ،‬مطبوعات جامعة امللك سعود‪ ،‬الرايض‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪،‬‬
‫‪ 1982‬م‪.‬‬
‫‪ .8‬صربي إبراهيم السيد‪ ،‬علم اللغة االجتماعي‪ ،‬دار املعرفة اجلامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪ 1975 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .9‬علي عبد الواحد وايف‪ ،‬عوامل الرتبية‪ ،‬مكتبة األجنلو مصرية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ 1958 ،01‬م‪.‬‬
‫‪.10‬حممد مصطفى زيدان‪ ،‬دراسة سيكولوجية تربوية لتلميذ التعليم العام‪ ،‬دار الشروق للطباعة والنشر والتوزيع‪،‬‬
‫جدة‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪ 1983 ،‬م‪.‬‬
‫‪.11‬مصطفى خليل الشرقاوي‪ ،‬علم الصحة النفسية‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ 1986 ،‬م‪.‬‬
‫‪.12‬ميشال زكراي‪ ،‬امللكة اللسانية يف مقدمة ابن خلدون "دراسة ألسنية"‪ ،‬دار الطليعة‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ 1986 ،‬م‪.‬‬

‫املصادر األجنبية‪:‬‬
‫‪1. Jacques Poirier & Jean-Louis Ribadeau Dumas, Abrégé d’histologie, Masson‬‬
‫‪Et Cie Editeurs, paris, France, 1974.‬‬
‫‪2. Jean Adolphe Rondal & Michel Hurtig, Introduction à la psychologie d’enfant,‬‬
‫‪éditions Mardaga, Bruxelles, Belgique, 1981.‬‬

‫‪75‬‬
‫احملارضة السابعة‬
‫الفروق بي اكتساب لغة املنشأ‬
‫وتعل اللغة الثانية أو الجنبية‪.‬‬
‫الفروق بني اكتساب لغة املنشأأ وتعمل اللغة الثانية أأو ا ألجنبية‪.‬‬ ‫احملارضة السابعة‬

‫توطئة‪:‬‬
‫تعد اللغة أحد أهم اجلوانب‪ ،‬والعوامل اليت متيز اإلنسان عن غيه من املخلوقات األخرى‪ ،‬فاهلل أنعم علينا ابلعقل‬
‫وهو ما منحنا القدرة على الكالم‪ ،‬والتواصل مع بعضنا البعض فقط من خالل األصوات والكلمات املنطوقة‪ ،‬فاكتساب‬
‫اللغة يتعلق ابلتطور البشري من املنظور النفسي واملعريف‪ ،‬فالبشر العاديون يكتسبون اللغة اليت يواجهوها ألول مرة وهم‬
‫أطفال‪ ،‬وبعد ذلك قد يتمكنوا من تعلم لغات خمتلفة‪ ،‬ومتعددة‪ ،‬ولكن دائماً ما تكون اللغة األوىل‪ ،‬أو ما يعرف ابللغة‬
‫األم مميزة وخمتلفة عن غيها من اللغات‪ ،‬ويبدو واضحاً أبنه هناك الكثي من الفروقات‪ ،‬واالختالفات بني اللغة األوىل‬
‫واللغة الثانية للشخص‪.‬‬
‫فاللغة إذن أساس الوجود البشري‪ ،‬وهي شكل من أشكال التعبي الثقايف‪ ،‬ولذلك نصت كل املواثيق الدولية يف‬
‫جمال حقوق اإلنسان على ضرورة محايتها‪ ،‬فلما كانت نظاما رمزاي‪ ،‬ووجدانيا بني اإلنسان واملوضوعات‪ ،‬والتبادالت اليت‬
‫حتدد وجوده االجتماعي والثقايف‪ ،‬فإن العديد من القضااي اجملتمعية‪ ،‬كالتحديث‪ ،‬والتنمية‪ ،‬واملواطنة‪ ،‬تطرح يف مداخلها‪،‬‬
‫ومنطلقها القضية الثقافية‪ ،‬واللغوية‪ ،‬حيث يبقى حتقيق هذه املشاريع رهينا جبعل اإلنسان صلبها‪ ،‬وغايتها‪ ،‬انطالقا من‬
‫تدبي منصف للوضع اللغوي والثقايف مبا حيفظ كرامة اإلنسان‪ ،‬واخنراطه يف احلياة‪.‬‬
‫لقد اعتبت هذا املواثيق الدولية اللغة "قاطرة لتحقيق التنمية املستدامة‪ ،‬وبناء ثقافة احلداثة‪ ،‬واملواطنة احلوارية‬
‫املنتجة‪ ،‬وتكوين اهلوية‪ ،‬أو الذاتية الوطنية‪ ،‬واحلضارية اليت يتميز هبا جمتمع من اجملتمعات؛ فاللغة ليست فقط حقا‪ ،‬بل‬
‫إهنا حمور جمموعة من احلقوق اللغوية‪ ،‬والرتبوية‪ ،‬والثقافية" ‪.1‬‬
‫اللغة األم‪:‬‬
‫نشأ مفهوم "اللغة األم" "‪ "Langue mère‬مع هناية "احلرب العاملية الثانية" حيث بدأت الدول املستعمرة‬
‫تنال استقالهلا‪ ،‬فحصل احلديث عن اهلوية‪ ،‬والوحدة الوطنية‪ ،‬والشخصية‪ ،‬والتنمية الشاملة‪ ،‬ونظام احلكم "وقد شعرت‬
‫ِ‬
‫املستعمر‪ ،‬وذلك من خالل‬ ‫الدول احلديثة االستقالل بتعزيز اللّغة األم بعد أن تضاءل دورها‪ ،‬أو كاد يتالشى أايم حكم‬
‫اجنرت يف بعضها صراعات حول ترسيم اللّغة األم يف منظومة الرتبية‬ ‫اعتمادها لغة رمسية للوطن ولغة تعلّم وتعليم" ‪ ،‬و ّ‬
‫‪2‬‬

‫تبّن لغة أجنبية‪ ،‬أو اإلبقاء على‬


‫والتعليم‪ ،‬كما اجنر ّاّتاه حتقيي يف بعض البالد‪ ،‬وما خرجت من ذلك الصراع إالّ بعد ّ‬
‫لكل‬
‫لغة املستعمر‪ ،‬وع ّدهتا رمسية‪ ،‬فكانت بعد مدة زمانية لغة األم ألجيال الحقة‪ ،‬ومع ذلك فإنّه مل يكتب النجاح التام ّ‬
‫األمم اليت تبنّت اللّغة األجنبية‪ ،‬بل أصبح هلا ذلك انتحارا فلم حتصد من وراء ذلك إالّ احلروب األهلية‪.‬‬
‫مل حيصل اتّفاق هنائي حول مصطلح "اللّغة األم"‪ ،‬بعدما أطلق جزافاً على اللّغة الرمسية‪ ،‬واللّغة الوطنية‪ ،‬واللّغة‬
‫تشعب‪ ،‬وانل أحبااثً كبية؛ خاصة عند الباحثني‬ ‫كل تعريف كان مصاحباً بوجهة نظر إيديولوجية‪ ،‬ولذلك ّ‬ ‫اجلهوية ‪ ،‬و ّ‬
‫‪3‬‬

‫‪ 1‬حسن علوض ‪ ،‬احلقوق اللغوية وجدلية اهلوية والتعدد الثقايف "رؤية تربوية حضارية يف املسألة اللغوية يف املغرب والعامل العريب التوجهات‬
‫والتحليالت"‪ ،‬جملة عالم الرتبية‪ ،‬املغرب‪ ،‬العدد ‪ 2016 ،26‬م‪ ،‬ص ‪.130‬‬
‫‪ 2‬جمموعة من املؤلفني‪ ،‬اللغة والتعليم‪ ،‬دار قابس للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬بيوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪ 2000 ،01‬م‪ ،‬ص ‪.07‬‬
‫‪ 3‬صاحل بلعيد‪ ،‬اللّغة األم‪ ،‬والواقع اللغوي يف اجلزائر‪ ،‬جملة اللغة العربية‪ ،‬اجمللد ‪ ،05‬العدد ‪ ،02‬اجلزائر‪ ،‬أكتوبر‪ 2003 ،‬م‪ ،‬ص ‪.128‬‬
‫‪77‬‬
‫الفروق بني اكتساب لغة املنشأأ وتعمل اللغة الثانية أأو ا ألجنبية‪.‬‬ ‫احملارضة السابعة‬

‫مهمة بغية حتديدها بعدما أخذت تسميات‪ :‬اللّغة األم‪ ،‬لغة املنشأ‪ ،‬اللّغة الوطنية‪ ،‬اللّغة‬
‫الغربيني‪ ،‬حيث أجروا دراسات ّ‬
‫القومية‪ ،‬اللّغة اجلهوية‪ ،...‬وهذا مع ظهور األايدي العاملة يف أورواب‪ ،‬وامل ّد القومي‪ ،‬وظهور احلكم الكونفدرايل بل وصل‬
‫األمر أن محل يف بعض املناطق نزعة لالستقاللية "احلكم الذايت" حتت مظلّة اخلصوصيات اللغوية كما ساعدت العوامل‬
‫بتنوع الباحثني يف هذا اجملال‪،‬‬
‫متنوعة ّ‬
‫اجلغرافية‪ ،‬وفروق البيئة ظهور االهتمام ابللغات األم‪ ،‬وهكذا انل التعريف دالالت ّ‬
‫ومن بني هذه التعريفات‪:‬‬
‫‪ - 1‬التعريف التقليدي‪ :‬وميكن أن نسميه التعريف األويل‪ ،‬وينظر إىل اللّغة األم على أ ّهنا لغة األم ابإلضافة يف املقابل‬
‫الفرنسي "‪ "Langue maternelle‬وتكون الرتمجة احلرفية "لغة األمومة"‪ ،‬ويف معناها اللغوي هي تلك اللّغة اليت تنطق‬
‫هبا ّأم الطفل‪ ،‬أو تلك اللّغة اليت يلتقطها من أمه حبكم مالزمته هلا يف مرحلته األوىل من بداية اكتساب اللّغة‪ ،‬أو الكالم‬
‫البلدي للطفل‪ ،‬والذي يوظّفه بصورة عادية يف وسطه املنزيل‪ ،‬وهي اللّغة الطبيعية اليت يتلقاها دون تدريس‪ ،‬قد يكون هذا‬
‫املتغيات االجتماعية فنّدت هذا التعريف؛ إذ إ ّن األم املعاصرة أصبحت تغادر‬ ‫لكن ّ‬
‫املفهوم يف أول ما أطلق صحيحاً‪ّ ،‬‬
‫البيت للعمل‪ ،‬وتستعني ابملربية اليت قد تكون بنت البلد أو أجنبية ال تعرف لغة البلد‪ ،‬فالطفل ال يالزم أمه البيولوجية إالّ‬
‫يلّب التعريف الدقيق للغة‬
‫ساعات قليلة‪ ،‬فيعيش ساعات وساعات مع املربية‪ ،‬ومع التلفاز‪ ،‬ومن هنا فإ ّن هذا املفهوم ال ّ‬
‫األم‪ ،‬بل ليس متطابقاً يف كل اجملتمعات‪ ،‬ودون أن نذهب بعيداً جند أ ّن لغة أطفال املهاجرين يتكلّمون لغة غي لغة أمهم‬
‫احلقيقية‪ ،‬وتع ّد ابلنسبة إليهم لغة أم‪.‬‬
‫‪ - 2‬التعريف املنشئ‪ :‬نعلم أ ّن اللّغة وليدة البيئة‪ ،‬والطفل أسي جمتمعه‪ ،‬فهو ال يتعلّم كالم أمه البيولوجية كما يعتقد‬
‫يدل عليه املفهوم اللغوي للغة األم؛ أل ّن الطفل يف مرحلة التلغية ينغمس يف "احلمام اللغوي" " ‪Bain‬‬ ‫البعض‪ ،‬أو كما ّ‬
‫‪ 1 "linguistique‬عن طريق أبويه‪ ،‬أو الوسائل اليت يسمع هلا يومياً‪ :‬تلفاز‪ ،‬راديو‪ ،‬ألعاب لغوية ‪ ،....‬كما قد يسمع‬
‫الديْن يتكلمان لغتني خمتلفتني‪ ،‬ويصبح لسانه مزدوجاً‪ ،‬ويتأثّر هبما وابلشخص األقرب إليه‪ ،‬وهذا ما يراه‬
‫يف البيت و َ‬
‫"ستيفن كراشني" "‪ "Stephen Krashen‬يف نظرية اإلدخال اللغوي على أ ّن قدرة اإلنسان على الكالم ال أتتى من‬
‫حيتك بغيه‪ ،‬وال يقوم التعلّم الواعي إالّ‬
‫التعلّم الواعي الذي ينتهجه‪ ،‬بل من االكتساب الذي هو معرفة شبه واعية حاملا ّ‬
‫احملرر‪ ،‬أو املراقب فحسب‪.‬‬
‫بدور ّ‬
‫وعلى العموم َّ‬
‫فإن الطفل أيخذ الكالم من البيئة احمليطة به يف سنواته األوىل‪ ،‬ألن اللّغة عند األطفال مسألة‬
‫معني‪ ،‬واللّغة اليت يتعلّمها هي اليت يسمعها ممّن حييطون به‪ ،‬فمثالً طفل يولد من أب‪ ،‬وأم‬
‫فضاء‪ ،‬فيتعلّم الكالم يف وقت ّ‬
‫أقره "شارل أزانفور"‬
‫هلم لغة ما‪ ،‬وينشأ يف حميط غي لغة األم واألب فتصبح اللّغة األم هنا هي لغة الشارع‪ ،‬وهذا ما ّ‬
‫"‪ "Charles Aznavour‬األ رميّن‪ ،‬ولغة أبيه وأمه أرمينية‪ ،‬وكذلك احلال ابلنسبة للهجناء فيستعملون لغة احمليط‬

‫‪ 1‬مساه "عبد الرمحان احلاج صاحل" "ابالنغماس اللغوي"‪ ،‬وقد وضعه ليدل على البيئة الطبيعية (أو احمليط) الذي ال يسمع فيها صوت‪ ،‬أو‬
‫لغو إال بتلك اللغة اليت يراد اكتساهبا‪ ،‬وتعلمها‪ ،‬ويعتقد الباحث أن أعظم شيء أثبته العلماء هو أن امللكة اللغوية ‪ -‬كما يسميها علماؤان‬
‫القدامى ‪-‬ال تنمو وال تتطور إال يف بيئتها– أو حميطها ‪ -‬الطبيعية تلك املنغمس فيها‪ ،‬أما خارج ذلك اجلو فصعب جدا أن تنمو تلك‬
‫امللكة‪ ،‬فمن أراد أن يتعلم لغة من اللغات‪ ،‬فال بد أن يعيشها هي وحدها ملدة كافية‪ ،‬وهذا ما تفطن إليه علماؤان القدامى مثل "اجلاحظ"‪.‬‬
‫‪78‬‬
‫الفروق بني اكتساب لغة املنشأأ وتعمل اللغة الثانية أأو ا ألجنبية‪.‬‬ ‫احملارضة السابعة‬

‫الطبيعية املخلوطة مبا يسمعه من أمه وأبيه "لغة هجينة"‪ ،‬وكذلك طفل يعيش أكثر أوقاته أمام التلفاز فتصبح لغة األم هنا‬
‫هي اللّغة األوىل له ‪.1‬‬
‫تعب بواسطتها عن املفاهيم‪ ،‬واألفكار فقط‪ ،‬فهي عنصر‬ ‫‪ - 3‬التعريف السياسي‪ :‬إ ّن اللّغة األم ليست أداة اتّصال ّ‬
‫يرمسها الدستور‪ ،‬وهي‬
‫املكونة للثقافة‪ ،‬والفكر‪ ،‬واهلوية‪ ،‬واللّغة األم اليت ي ّقر هبا هذا التعريف هي اليت ّ‬
‫جوهري من العناصر ّ‬
‫كل األداءات اللغوية اليت يتواصل هبا اجملتمع‪ ،‬ويع ّد ابقيها هلجات ال ترقى حظوهتا‪ ،‬وستخلق بعدها عاميات‬ ‫لغة أم فوق ّ‬
‫فيعول على املدرسة ابعتبارها مكاانً حلفظ التوازانت اللغوية اإلجيابية يف تعميق مفهوم اللّغة‬
‫حمل جدل‪ ،‬ومن هنا ّ‬ ‫وتصبح ّ‬
‫األم وهي اللّغة الرمسية‪ ،‬كما أ ّن املصلحة العامة جيب أن تكون الفيصل يف املسائل اللغوية‪ ،‬وال جيب أن يكون التع ّدد‬
‫يؤدي إىل الفتنة‪ ،‬أو يضعف اللّغة الرمسية‪ ،‬ابعتبار البيئة القابلة للتدهور هي بيئة متع ّددة اللغات‪ ،‬وتصبح‬
‫اللغوي الذي ّ‬
‫ملوثة ابخلصوص عندما تطغى فيها لغة أجنبية دخيلة على اللّغة احمللية‪ ،‬يستهدف التعريف السياسي التوحيد اللغوي‬ ‫ّ‬
‫ط‬
‫الذي هو ترميز للوحدة الوطنية‪ ،‬ومتكني القاعدة من فهم خطاب احلكم املركزي‪ ،‬واضفاء قيمة على ثقافة مركزية‪ ،‬واحل ّ‬
‫من قيمة الثقافات اجلهوية‪ ،‬ويف هذا التعريف كثرت اآلراء حىت اختلطت ابجلانب اإليديولوجي‪ ،‬إىل أن أطلق على اللّغة‬
‫كل العواصم السياسية على‬‫الرمسية إمسنت الوحدة الوطنية‪ ،‬أو هي اجليش‪ ،‬والنظام‪ ،‬وهي القوة‪ ،‬والفرض‪ ،‬ولذلك تعمل ّ‬
‫وابملؤسسات اليت تقوم على ترقيتها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫محاية لغتها الرمسية ابلقوانني‪،‬‬
‫‪ - 4‬التعريف الديين‪ :‬يقرتب هذا التعريف كثياً إىل التعريف السياسي‪ ،‬فيى أ ّن اللّغة من جنس الدين؛ الدين مق ّدس‪،‬‬
‫كل أشكال التواصل األخرى‪ ،‬فهي اللّغة األم‪ ،‬ومتتلك سلطة ملحوظة‬
‫واللّغة اليت نزل هبا الدين مق ّدسة‪ ،‬وتعلوا عن ّ‬
‫ومتارس نفوذاً كبياً‪ ،‬وتع ّد اللّغة النموذجية اليت لديها قوة فرض نفسها بسبب ترفّعها عن خصائص اللهجات؛ وهذا مثل‬
‫العربية عند املسلمني فتع ّد لغة أم حبكم قدسيتها‪ ،‬فهي من الواجب على اعتبار أ ّن الدين اإلسالمي نزل هبا‪ ،‬وما ال يتّم به‬
‫الواجب فهو واجب‪ ،‬وأحياانً جند لغتني من لغات األم‪ ،‬مثلما يوجد يف "اهلند"؛ فاملسلمون لغتهم األم هي األوردية‪،‬‬
‫لكل إثنية منها واللّغة الرمسية هي اهلندية واألوردية‪.‬‬
‫والسيخ لغتهم البنجالية‪ ،‬وهذا متاشياً مع الداينة ّ‬
‫‪ - 5‬التعريف الشعبوي‪ :‬اللّغة األم هي لغة املساواة‪ ،‬وتكافؤ احلظوظ‪ ،‬تعمل على ّتنّب التمييز بني اللغات‪ ،‬والفئات‪،‬‬
‫موحدة حبكم أن‬ ‫كل لغة تو ٍ‬
‫اصل يف البلد هي اللّغة األم‪ ،‬وميكن أن تش ّكل جمموعات لغوية متع ّددة‪ ،‬وكلّها أتخذ تسمية ّ‬ ‫و ّ‬
‫ال تعايل للغة على لغة أخرى‪ ،‬ولو كانت هناك لغة رمسية‪ ،‬رغم ما فيها من تفاوت يف فاعلية اللغات‪ ،‬ودورها يف اجملتمع‬
‫والرقعة اجلغرافية اليت تتواجد فيها‪ ،‬ومن حيث املشافهة والتحرير‪ ،‬وهذا التعريف يستم ّده بعض الباحثني من اللسانيات‬
‫كل لغة هي لغة أم‪ ،‬وقد‬
‫كل وسيلة تواصل هي لغة‪ ،‬وهؤالء يضيفون أبن ّ‬
‫تفرق بني اللّغة واللهجات‪ ،‬ابعتبار ّ‬
‫اليت ال ّ‬
‫يصبح يف البلد أكثر من لغة أم‪.‬‬
‫‪ - 6‬التعريف اللساين‪ :‬تقول "لويز دابني" "‪ "Louise Dabène‬هي تلك اللّغة اليت يتل ّقاها يف احمليط املدرسي مهما‬
‫تكن الوضعية الشرعية لتلك اللّغة‪ ،‬واليت يعيش فيها التلميذ‪ ،‬فالباحثة تؤّكد شرطاً أساسياً‪ ،‬وهو أن تُتلقى اللّغة يف الوسط‬
‫املدرسي‪ ،‬وال يكفي أن تكون شفاهية "تكون اللّغة األم اترة هلجة عربية‪ ،‬واترة عربية‪ ،‬واترة هلجة بربرية‪ ،‬وهي يف احلالتني‬

‫‪1‬‬
‫صاحل بلعيد‪ ،‬اللّغة األم‪ ،‬والواقع اللغوي يف اجلزائر‪ ،‬ص ‪.130‬‬
‫‪79‬‬
‫الفروق بني اكتساب لغة املنشأأ وتعمل اللغة الثانية أأو ا ألجنبية‪.‬‬ ‫احملارضة السابعة‬

‫يتم ابللّغة الكالسيكية ‪ ،1‬وما يقصد هنا ابللّغة الكالسيكية هي اللّغة‬‫معاً لغة شفاهية‪ ،‬وقد كان االنتقال إىل الكتابة ّ‬
‫كل األداءات اللغوية األخرى‪.‬‬
‫الرمسية اليت تعب عبها ّ‬
‫ومتشعبة الفروع‪ ،‬ولكنّها تعّن تلك اللّغة اليت‬
‫ّ‬ ‫ما نلحظه يف هذه التعاريف للغة األم أهنا متع ّددة العناصر‪،‬‬
‫تستعمل بشكل طبيعي من قبل مجاعة لغوية‪ ،‬وميكن أن هت ّذب يف املدرسة‪ ،‬وهي لغة البلد‪ ،‬واالنتماء‪ ،‬واهلوية اليت تستطيع‬
‫احليلولة دون االندماج‪ ،‬والتالشي يف الثقافة األجنبية‪ ،‬حتمل اجلوهر اللغوي‪ ،‬واملفاهيم اإليديولوجية‪ ،‬ابعتبارها اللّغة األصل‬
‫قبل أن خيتلط هبا غيها‪ ،‬وليست تلك اللّغة اليت يتعلّمها املهاجر بعدما اكتسب لغته األوىل‪ ،‬وقد تكون يف البلد أكثر من‬
‫لغة أم‪ ،‬وميكن تبسيط مستوايت لغة األم اليت تتح ّدد يف اّتاهني مها‪:‬‬
‫• اللّغة العامة اليت يتعلمها الفرد يف البيت هبدف التواصل العادي‪ ،‬وهي مكتسبة‪.‬‬
‫ويتم تعلمها بشكل اختياري‪ ،‬ووفق قرارات فردية‪ ،‬وحكومية‪ ،‬وتعد زايدة يف رأس‬ ‫• اللّغة العلمية‪ ،‬والتكنولوجية‪ّ ،‬‬
‫املال البشري للفرد وللمجتمع ‪.2‬‬
‫كل‬
‫وهكذا جند تعريفات للغة األم متعددة‪ ،‬وأحياانً متضاربة‪ ،‬ولكل تعريف نظرة خصوصية‪ ،‬ونالحظ أ ّن ّ‬
‫التعريفات تؤك ّد اآليت‪:‬‬
‫‪ .1‬أن تكون لغة طبيعية انطقة‪.‬‬
‫أن تتداول يف الوسط العائلي‪ ،‬أو احمليط‪ ،‬أو املدرسة‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫ينص دستور البلد على ترسيمها‪.‬‬ ‫أن ّ‬ ‫‪.3‬‬
‫أن يكون هلا نظام خطي‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫أن تدرس يف املدرسة‪.‬‬ ‫‪.5‬‬
‫مفهوم اللّغة الثانية‪:‬‬
‫يتعلمها اإلنسان بعد أن يتقن لغتُّه األوىل‪،‬‬
‫يطلق مصطلح "الّلغة الثَّانية" "‪ "Langue seconde‬على أية لغة ّ‬
‫ويشمل ّتعلم أي لغة من الّلغات ‪ -‬وأبي قدر كان‪ -‬شريطة أن أييت ّتعلم "الّلغة الثّانية" يف وقت متأخر عن تعلم الّلغة‬
‫األوىل‪ ،‬ومن هنا يقصد ابكتساب الّلغة الثَّانية ّتعلم الّلغة الثّانية واألجنبية على حد سواء‪ ،‬كما يقصد به أيضا ّتعلم لغة‬
‫اثلثة‪ ،‬أو رابعة‪.‬‬
‫كما أننا نستطيع إدخال مصطلح الّلغات األجنبية يف مفهومنا الواسع ملسمى "الّلغات الثّانية" ألننَّا ننظر إىل‬
‫اليت هلا وجود حمّلي‪ ،‬أو الّلغات اهلدف األكثر بعدا على‬ ‫عمليات التَّعلم على َّأهنا متماثلة يف جوهرها‪ ،‬سواء يف الّلغات ّ‬
‫اليت يتعلمها الطَّالب تعلما رمسيا على إحدى‬ ‫الرغم من اختالف أهداف التّعلم وظروفه‪ ،‬والّلغة األجنبية هي الّلغة ّ‬
‫الرتبوية‪،‬‬
‫موضوعات املناهج املدرسة‪ ،‬وخيتلف السن الّذي يقدم فيه تعليم الّلغة األجنبية ابختالف اجملتمعات‪ ،‬والفلسفات َّ‬

‫‪ 1‬جولبي غرانغيوم‪ ،‬اللغة والسلطة واجملتمع يف املغرب الكبي‪ ،‬ترمجة حممد أسليم‪ ،‬دار الفارايب للنشر‪ ،‬مكناس‪ ،‬املغرب‪ 2005 ،‬م‪ ،‬ص ‪.78‬‬
‫‪ 2‬حممد مرااييت‪ ،‬أثر اللغة العلمية والتكنولوجية يف النمو االقتصادي العريب‪ ،‬جملة أسئلة اللغة‪ ،‬منشورات معهد الدراسات واألحباث‬
‫للتعريب‪ ،‬الرابط‪ ،‬املغرب‪ 2002 ،‬م‪ ،‬ص ‪.19‬‬
‫‪80‬‬
‫الفروق بني اكتساب لغة املنشأأ وتعمل اللغة الثانية أأو ا ألجنبية‪.‬‬ ‫احملارضة السابعة‬

‫اليت يتم فيها ّتعلم إحدامها‬


‫ويتوقف التَّمييز بني تعلم الّلغة األوىل‪ ،‬والّلغة األجنبية على أساس البيئة‪ ،‬والظروف السياسية ‪ّ ،‬‬
‫‪1‬‬

‫فمكتسب الّلغة األوىل يلتقطها من بيئتها الّيت تستخدم فيها للتَّواصل اليومي العادي بينما يعتمد متعلم الّلغة األجنبية‬
‫الرتبوية داخل القسم يف املدرسة‪.‬‬
‫اعتمادا كليا على عدد حمدد من احلصص َّ‬
‫إالَّ أن هناك فرقًا أساسيا بني كفاية املواطن اجلزائري وكفاية األجنّب ال ّذي ينجح يف إتقان اللَّغة العربية‪ ،‬ذلك ألن‬
‫للجزائري معرفة ضمنية الشعورية بقواعد لغته‪ ،‬بينما تكون معرفة األجنّب بقواعد الّلغة العربية معرفة مباشرة ‪.2‬‬
‫أهداف تعليم اللغات الثانية أو األجنبية‪:‬‬
‫مثل األهداف العامة لتعليم اللغات األجنبية انعكاسا لألهداف اليت تتبناها الدولة وتتدرج األهداف يف‬
‫مستوايهتا‪ ،‬وأمهيتها كما تتدرج يف عموميتها‪ ،‬وهذه األهداف تستمد من طبيعة اجملتمع‪ ،‬ودينه‪ ،‬وفلسفته‪ ،‬وتراثه القومي‬
‫مع مسايرة يف ذلك ملستجدات‪ ،‬وتغيات العصر‪ ،‬كما تراعي يف ذلك استعدادات‪ ،‬وخصائص املتعلمني املعرفية‪ ،‬وهذا يف‬
‫ضوء االّتاهات الرتبوية املعاصرة‪ ،‬ولذلك فتعليم الّلغات األجنبية يهدف إىل‪:‬‬
‫‪ .1‬أتهيل املتعلم للتمكن من وسائل التعبي الكتايب والشفهي‪ ،‬وتنمية التفاهم الدويل‪ ،‬واكتساب املصطلحات الفنية‪،‬‬
‫والعلمية‪ ،‬واملهنية‪ ،‬وتنمية القدرة على التحليل والرتكيب من خالل االتصال‪.‬‬
‫‪ .2‬متكني ال ِطّفل من فهم احمليط االجتماعي‪ ،‬والثَّقايف بسهولة أكثر‪ ،‬وذلك بتوسيع فكره احملدود‪ ،‬وعدم االكتفاء‬
‫بلغة واحدة‪.‬‬
‫‪ .3‬تسهيل عملية االتصال بني البلدان املتخلفة والبلدان املتقدمة يف خمتلف اجملاالت؛ إذ أصبح ّتعلم اللُّغات‬
‫األجنبية‪ ،‬خاصةً تلك الّيت هلا رصيد حضاري‪ ،‬وتراث ثقايف‪ ،‬من متطلبات العصر‪ ،‬ألن ّتعلمها معناه االنفتاح‬
‫على العامل اخلارجي وعلى ثقافات العامل‪.‬‬
‫‪ .4‬إثراء الّلغة العربية يف مجيع املستوايت‪ ،‬حيث إن احلاجة إىل لغة أخرى جبانب الّلغة األوىل‪ ،‬تبز نتيجة لعدد من‬
‫أبناؤها يف بناء‬
‫الظروف املتنوعة‪ ،‬فبعض الّلغات حمدودة يف خباهتا العلمية نتيجة للدور اهلامشي ال ّذي يلعبه ُ‬
‫الصرح العلمي العاملي‪.‬‬
‫طرائق تعليم اللغات األجنبية‪:‬‬
‫اليت يستعني هبا املدرس لتحقيق األهداف املطلوبة من ّتعلم الّلغة‪،‬‬
‫املقصود بطريقة التّعليم اخلطة الشَّاملة َّ‬
‫وتتضمن الطريقة ما يتبعه املدرس من أساليب‪ ،‬وإجراءات ملساعدة تالميذه على حتقيق األهداف‪ ،‬وتكون تلك‬
‫اإلجراءات مناقشات‪ ،‬أو توجيه أسئلة‪ ،‬أو إاثرة ملشكلة تدعو التَّالميذ إىل التساؤل ‪ ،3‬وتشمل أيضا ما يستخدمه املدرس‬
‫من مادة تعليمية‪ ،‬ووسائل معينة‪.‬‬

‫‪ 1‬حممد أمحد العمايرة‪ ،‬حبوث يف اللغة والرتبية‪ ،‬دار وائل للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ 2001 ،‬م‪ ،‬ص ‪.55‬‬
‫‪ 2‬ميشال زكراي‪ ،‬مباحث يف النظرية األلسنية وتعليم اللغة‪ ،‬املؤسسة اجلامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬بيوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪ 1985 ،02‬م‪،‬‬
‫ص ‪.96‬‬
‫‪ 3‬عبد الرمحان عبد السالم جامل‪ ،‬طرق التدريس العامة‪ ،‬دار املناهج للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ط ‪ 2002 ،03‬م‪ ،‬ص ‪.16‬‬
‫‪81‬‬
‫الفروق بني اكتساب لغة املنشأأ وتعمل اللغة الثانية أأو ا ألجنبية‪.‬‬ ‫احملارضة السابعة‬

‫‪ .1‬طريقة القواعد والرتمجة‪ :‬تعتب من أقدم الطرائق اليت استخدمت يف تعليم اللغات األجنبية‪ ،‬حيث مسيت ابلطريقة‬
‫الكالسيكية نسبة إىل استعماهلا يف تدريس اللغات الكالسيكية كالالتينية‪ ،‬واإلغريقية‪ ،‬ويف بداية هذا القرن استعملت‬
‫هذه الطريقة ملساعدة الطالب على قراءة‪ ،‬وتذوق آداب اللغات األجنبية ‪ ،1‬وما زالت هذه الطريقة تستخدم يف عدد من‬
‫بالد العامل ّتعل هذه الطريقة هدفها األول تدريس قواعد اللغة األجنبية‪ ،‬ودفع الطالب إىل حفظها‪ ،‬واستظهارها‪ ،‬وتدرس‬
‫للتالميذ قواعد اللغة األجنبية أمال يف أن ذلك سيساعدهم يف التعرف بصورة أفضل على قواعد لغتهم األوىل‪.‬‬
‫كما ركزت هذه الطريقة على تعليم اللغة عن طريق الرتمجة بني اللغتني األوىل واألجنبية حيث كانت الرتمجة هي‬
‫وسيلة املدرسني يف تقريب لغة أجنبية كالالتينية ألذهان املتعلمني‪ ،‬هذا إضافة إىل تلقينهم القواعد النحوية من أجل‬
‫حفظها عن ظهر قلب ‪ ،2‬وهتتم هذه الطريقة بتنمية مهاريت القراءة والكتابة يف اللغة األجنبية‪ ،‬فقد كان الرتكيز منصبا على‬
‫تعليم الكتابة والقراءة‪ ،‬مع استعمال "املنهج الدايكروين" "‪ "diachronique‬يف البحث والتّعليم‪ ،‬نظرا ألمهية التَّحليل‬
‫التارخيي ابلنسبة لتعليم لغات قدمية كهذه‪ ،‬حيث أصبح استعماهلا مقتصرا على نطاق حمدود‬
‫‪ .2‬الطريقة املباشرة‪ :‬ظهرت هذه الطريقة كرد فعل طبيعي للعيوب اليت كانت تتصف هبا طريقة النحو والرتمجة‪ ،‬وكما هو‬
‫واضح من التسمية تعتمد هذه الطريقة على تعليم الل غة اجلديدة مباشرة‪ ،‬ودون اللجوء للغة أخرى اليت غالبا ما تكون‬
‫اللغة األوىل‪ ،‬واستمدت تسميتها من حقيقة أن املعىن يرتبط مباشرة ابللغة اجلديدة دون املرور بعمليات الرتمجة إىل اللغة‬
‫األوىل ‪ ،3‬وتعتمد هذه الطريقة على تعليم اللغة اجلديدة مباشرة دون وساطة لغة أخرى فاملدرس إذا أراد تدريس مفردات‬
‫مثل‪ :‬كرسي‪ ،‬وابب‪ ،‬وانفذة‪ ،‬ما عليه إال أن يعني هذه األشياء يف الفصل‪ ،‬وأمام الطالب معلنا أن هذا كرسي‪ ،‬وهذا‬
‫ابب‪ ،‬وهذه انفذة‪ ،‬وإذا أراد أن يعلم بعض أفعال احلركة مثل‪ :‬سار‪ ،‬وأكل‪ ،‬وكتب‪ ،‬فما عليه إال أن يقلد الفعل؛ ويقول‬
‫أان أسي‪ ،‬أان آكل‪ ،‬أان أكتب ‪.4‬‬
‫وأساس هذه الطريقة‪ ،‬هو أن التعليم السليم ال يكتمل إال ابالتصال مباشرة مع اللغة األجنبية‪ ،‬وهي مشخصة يف‬
‫مواقف مادية حمسوسة‪ ،‬ألنّه ال يكفي االتصال ابللغة مباشرة كي يتم تعلمها بل جيب أن يوضع هلا ختطيط حمكم تتضح‬
‫فيه األهداف والوسائل‪ ،‬وتنظم يف مقررات متدرجة ختصص ملستوايت تصاعدية خمتلفة ‪ ،5‬وتعتمد هذه الطريقة على وضع‬
‫الدارس داخل "احلمام اللغوي" حيث حتدث داخل القسم الظروف الطبيعية الكتساب اللغة‪ ،‬ويعتقد واضعو هذه الطريقة‬

‫‪ 1‬دااين الرسن فرميان‪ ،‬أساليب ومبادئ يف تدريس اللغة‪ ،‬ترمجة عائشة موسى السعيد‪ ،‬مطابع جامعة امللك سعود‪ ،‬الرايض‪ ،‬اململكة‬
‫العربية السعودية‪ 1997 ،‬م‪ ،‬ص ‪.05‬‬
‫‪ 2‬املصطفى بن عبد هللا بوشوك‪ ،‬تعليم وتعلم اللغة العربية وثقافتها‪ ،‬اهلالل العربية للطبع والنشر‪ ،‬الرابط‪ ،‬املغرب‪ ،‬ط ‪ 1994 ،02‬م‪ ،‬ص‬
‫‪.45‬‬
‫‪ 3‬دااين الرسن فرميان‪ ،‬أساليب ومبادئ يف تدريس اللغة‪ ،‬ص ‪.21‬‬
‫‪ 4‬إبراهيم محادة‪ ،‬االّتاهات املعاصرة يف تدريس اللغة العربية واللغات احلية األخرى لغي الناطقني هبا‪ ،‬دار الفكر العريب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫‪ 1987‬م‪ ،‬ص ‪.50‬‬
‫‪ 5‬املصطفى بن عبد هللا بوشوك‪ ،‬تعليم وتعلم اللغة العربية وثقافتها‪ ،‬ص ‪.47‬‬
‫‪82‬‬
‫الفروق بني اكتساب لغة املنشأأ وتعمل اللغة الثانية أأو ا ألجنبية‪.‬‬ ‫احملارضة السابعة‬

‫أن الطفل يتعلم اللغة األوىل من فرط تعرضه هلذه اللغة كذلك فإن دارس اللغة الثانية لن يبلغ درجة التمكن من اللغة‬
‫األجنبية‪ ،‬إال إذا وفّر له التدريس فرصة املمارسة الدائمة‪ ،‬واملكثفة هلذه اللغة ‪.1‬‬
‫‪ .3‬الطريقة السمعية الشفوية‪ :‬بدأت الطريقة السمعية الشفوية يف "الوالايت املتحدة األمريكية" إابن "احلرب العاملية‬
‫الثانية"‪ ،‬وألسباب عسكرية احتاج الناس يف ذلك الوقت إىل أسلوب سريع لتعلم اللغات األجنبية ‪ ،2‬فتلبية حلاجيات‬
‫الفيالق األمريكية اليت كانت ترسل إىل أورواب‪ ،‬وآسيا‪ ،‬حيث تضطلع مبهمة تنظيم دروس مكثفة للجنود األمريكيني هبدف‬
‫تكوينهم تكوينا لغوايً حمكماً وسريعاً يف نطق اللغات األجنبية‪ ،‬اعتمادا على الطريقة السمعية النطقية ‪.3‬‬
‫ومن أهم أسس هذه الطريقة عرض اللغة األجنبية على املتعلمني مشافهة يف البداية‪ ،‬أما القراءة‪ ،‬والكتابة‬
‫فتقدمان يف فرتة الحقة‪ ،‬وتعرضان من خالل مادة شفهية‪ُ ،‬د ِّرب املتعلم عليها‪ ،‬وينحصر اهتمام املعلم يف املرحلة األوىل يف‬
‫مساعدة املتعلمني على إتقان النظام الصويت‪ ،‬والنحوي للغة األجنبية بشكل تلقائي‪ ،‬وال يصرف اهتماما كبيا يف البداية‬
‫لتعليم املفردات إذ يكتفي منها ابلقدر الذي يساعد املتعلم على تعلم النظام الصويت والنحوي للغة األجنبية‪ ،‬وترى هذه‬
‫الطريقة أنَّه جيب وضع املتعلم يف مواجهة اللغة حىت ميارسها‪ ،‬ويستخدمها‪ ،‬وال مانع من اللجوء إىل الرتمجة إذا استدعى‬
‫األمر ذلك‪ ،‬وينبغي استعمال الوسائل السمعية البصرية بصورة مكثفة‪ ،‬واستخدام أساليب متنوعة لتعليم اللغة مثل‬
‫احملاكاة‪ ،‬والرتديد‪ ،‬واالستظهار‪ ،‬والرتكيز على أسلوب القياس‪ ،‬مع التقليل من الشرح والتحليل النحوي‪ ،‬وبدال من ذلك‬
‫يتم تدريب املتعلمني تدريباً مركزاً على أمناط الّلغة‪ ،‬وتراكيبها النحوية‪ ،‬ومما يؤخذ على هذه الطريقة؛ تركيزها الشديد على‬
‫تكرار األمناط مما جيعل املتعلم يتعامل مع اللغة املدروسة بصفة آلية‪ ،‬األمر الذي قد مينعه من القدرة على التعبي احلر‪.‬‬
‫واهتمت هذه الطريقة ابلكالم على حساب املهارات األخرى‪ ،‬واعتمدت على القياس دون األحكام النحوية‪،‬‬
‫ومل تلجأ إىل الرتمجة بكثرة‪.‬‬
‫‪ .4‬الطريقة السمعية البصرية‪ :‬تتحرك الطريقة السمعية البصرية كأي نوع من أنواع الطرائق األخرى يف ظل قيود متعددة‬
‫فهي اترة تعتمد على اهلدف املطلوب حتقيقه‪ ،‬واترة أخرى تعتمد على الوسيلة املستعملة‪ ،‬ومرة تقوم على أساس لغوي‪،‬‬
‫أو على أساس نفسي‪ ،‬أو تكون متأثرة إبحدى فلسفات التعليم القدمية‪ ،‬وسي الدرس يف هذه الطريقة جيمع بني السمعي‬
‫والبصري‪ ،‬فإن ما مييز النوع األول الفصل بني مراحل الدرس‪ ،‬وأما النوع الثاين فإنه ميزج بني هذه املراحل‪ ،‬ويعتبها‬
‫متكاملة يف االستعمال العادي للغة‪.‬‬
‫‪ .5‬الطريقة التواصلية االتصالية‪ّ :‬تعل هذه الطريقة هدفها النهائي اكتساب املتعلم القدرة على استخدام اللغة األجنبية‬
‫وسيلة اتصال لتحقيق أغراضه املختلفة‪ ،‬وعلماء هذا املذهب االتصايل يعرتفون كذلك أبمهية الرتاكيب‪ ،‬واملفردات‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫إبراهيم محادة‪ ،‬االّتاهات املعاصرة يف تدريس اللغة العربية واللغات احلية األخرى لغي الناطقني هبا‪ ،‬ص ‪.05‬‬
‫‪2‬‬
‫دااين الرسن فرميان‪ ،‬أساليب ومبادئ يف تدريس اللغة‪ ،‬ص ‪.27‬‬
‫‪3‬‬
‫املصطفى بن عبد هللا بوشوك‪ ،‬تعليم وتعلم اللغة العربية وثقافتها‪ ،‬ص ‪.47‬‬
‫‪83‬‬
‫الفروق بني اكتساب لغة املنشأأ وتعمل اللغة الثانية أأو ا ألجنبية‪.‬‬ ‫احملارضة السابعة‬

‫ولكنهم يعتقدون أن هذه النقاط وحدها ال تكفي‪ ،‬فقد يتقن املتعلم معرفة قواعد استعمال اللغة‪ ،‬ولكنه يفشل يف‬
‫استعماهلا عمليا ‪ ،1‬وال تنظر هذه الطريقة إىل اللغة بوصفها جمموعة من الرتاكيب‪ ،‬والقوالب مقصودة لذاهتا‪ ،‬وإمنا بوصفها‬
‫وسيلة التعبي عن الوظائف اللغوية املختلفة‪ ،‬كالطلب والرتجي واألمر والنهي‪ ،‬والوصف‪ ،‬والتقرير‪ ،‬فمن خالل التواصل‬
‫بني املتحدث‪ ،‬واملستمع‪ ،‬أو الكاتب‪ ،‬والقارئ تتضح املعاين فاملستمع يثري املتحدث لغته ابلكثي من املعاين حماوال‬
‫توضيح معانيه ما أمكن‪.‬‬
‫تعليم اللغة األجنبية وأثره على لغة املنشأ‪:‬‬
‫إن احلديث عن أتثي اللغة األجنبية على اللغة األوىل‪ ،‬يقودان إىل احلديث عن تعلم اللغة األوىل والثانية‪ ،‬وما جيدر‬
‫التنويه به يف هذا السياق أن تعلم اللغة األم ميتاز عن تعلم اللغة األجنبية أبنه يتم يف ظروف طبيعية‪ ،‬فالطفل يتعلم هذه‬
‫اللغة يف سن مبكرة كجزء ال يتجزأ من منوه املعريف‪ ،‬والعقلي‪ ،‬واالجتماعي‪ ،‬والسيكولوجي‪ ،‬وكوسيلته للتعامل مع جمتمعه‪،‬‬
‫واالخنراط فيه‪ ،‬والبقاء كواحد من أفراده‪ ،‬والنتيجة احلتمية لذلك هي أن الطفل يتقن يف هناية األمر لغته أميا إتقان‪ ،‬ولكن‬
‫األمر خمتلف ابلنسبة لتعلم اللغة األجنبية؛ فدارس اللغة األجنبية يكون قد تعلم لغته األصلية أوال‪ ،‬ولذلك فإن الّلغة‬
‫األجنبية ليست جزءا أساسيا من عملية منوه‪ ،‬ونضجه ‪.2‬‬
‫ومبا أن تعلم اللغة األجنبية ال يتم يف الظروف الطبيعية اليت يتم فيها تعلم اللغة األم‪ ،‬هلذا جيمع املختصون يف‬
‫ميدان التعليم أن عامل السن يعتب أحد العوامل الضرورية يف تعلم اللغة األجنبية ابعتباره يؤثر كثيا على سي هذه العملية‪،‬‬
‫فإذا كان العديد من املختصني يؤكدون على أن اكتساب اللغة األم يتم أكثر ما يتم يف "الفرتة احلرجة" " ‪La période‬‬
‫‪"critique‬؛ ‪-‬أي املرحلة العمرية اليت يكون فيها الفرد صغيا‪ ،-‬فإهنم يرون أن هذه املرحلة ال يصادفها املرء إال مرة‬
‫واحدة يف حياته‪ ،‬وهذا ما جعلهم يعللون الصعوابت اليت تعرتض الكبار يف تعلم اللغة‪.‬‬
‫واملرحلة احلرجة يف التعلم هي مرحلة حمددة من العمر بيولوجيا يكون فيها اكتساب اللغة أسهل ما يكون‪،‬‬
‫ويصبح هذا االكتساب بعدها أكثر صعوبة‪ ،‬وابلنظر إىل الدراسات اليت أجريت حول أثر هذه املرحلة يف تعلم الّلغة األوىل‬
‫والثانية‪ ،‬توصلت تلك الدراسات إىل حقيقة أن مسألة "الفرتة احلرجة" وهي فرتة من العمر حمددة بيولوجيا حيث ميكن‬
‫لإلنسان فيها أن يكتسب اللغة يف يسر مث تظهر الصعوبة بعدها يف اكتساب اللغة‪ ،‬وقد ارتبطت هذه الفرتة ابكتساب‪،‬‬
‫اللغة األوىل؛ أي "اللغة األم" ‪.3‬‬
‫ومن هذا املنطلق‪ ،‬ونظرا ألمهية السن يف ّتعلم الّلغة األجنبية‪ ،‬وابلتحديد يف فرتة املرحلة احلرجة‪ ،‬تباينت اآلراء‪،‬‬
‫وتضاربت‪ ،‬واختلفت بني مؤيد هلذا التعليم املبكر ومعارض له‪ ،‬وبني من اختذ موقفا وسطا بني الرأيني‪ ،‬ولكل رأي من‬
‫هذه اآلراء حجج وبراهني يؤيد هبا موقفه‪.‬‬

‫‪ 1‬دااين الرسن فرميان‪ ،‬أساليب ومبادئ يف تدريس اللغة‪ ،‬ص ‪.139‬‬


‫‪ 2‬انيف خرما وعلي حجاج‪ ،‬اللغات األجنبية تعليمها وتعلمها‪ ،‬عامل املعرفة‪ ،‬الكويت‪ ،‬اجمللس الوطّن للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬العدد‬
‫‪ ،126‬جوان‪ 1988 ،‬م‪ ،‬ص ‪.52‬‬
‫‪ 3‬دااين الرسن فرميان‪ ،‬أساليب ومبادئ يف تدريس اللغة‪ ،‬ص ‪.36‬‬
‫‪84‬‬
‫الفروق بني اكتساب لغة املنشأأ وتعمل اللغة الثانية أأو ا ألجنبية‪.‬‬ ‫احملارضة السابعة‬

‫مصادر ومراجع احملاضرة‪:‬‬

‫‪ .1‬إبراهيم محادة‪ ،‬االّتاهات املعاصرة يف تدريس اللغة العربية واللغات احلية األخرى لغي الناطقني هبا‪ ،‬دار الفكر‬
‫العريب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 1987 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .2‬جولبي غرا نغيوم‪ ،‬اللغة والسلطة واجملتمع يف املغرب الكبي‪ ،‬ترمجة حممد أسليم‪ ،‬دار الفارايب للنشر‪ ،‬مكناس‪،‬‬
‫املغرب‪ 2005 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .3‬حسن علوض‪ ،‬احلقوق اللغوية وجدلية اهلوية والتعدد الثقايف "رؤية تربوية حضارية يف املسألة اللغوية يف املغرب‬
‫والعامل العريب التوجهات والتحليالت"‪ ،‬جملة عالم الرتبية‪ ،‬املغرب‪ ،‬العدد ‪ 2016 ،26‬م‪.‬‬
‫‪ .4‬دااين الرسن فرميان‪ ،‬أساليب ومبادئ يف تدريس اللغة‪ ،‬ترمجة عائشة موسى السعيد‪ ،‬مطابع جامعة امللك سعود‪،‬‬
‫الرايض‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪ 1997 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .5‬صاحل بلعيد‪ ،‬اللّغة األم‪ ،‬والواقع اللغوي يف اجلزائر‪ ،‬جملة اللغة العربية‪ ،‬اجمللد ‪ ،05‬العدد ‪ ،02‬اجلزائر‪ ،‬أكتوبر‪،‬‬
‫‪ 2003‬م‪.‬‬
‫‪ .6‬عبد الرمحان عبد السالم جامل‪ ،‬طرق التدريس العامة‪ ،‬دار املناهج للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ط ‪،03‬‬
‫‪ 2002‬م‪.‬‬
‫‪ .7‬جمموعة من املؤلفني‪ ،‬اللغة والتعليم‪ ،‬دار قابس للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬بيوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪ 2000 ،01‬م‪.‬‬
‫‪ .8‬حممد أمحد العمايرة‪ ،‬حبوث يف اللغة والرتبية‪ ،‬دار وائل للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ 2001 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .9‬حممد مرااييت‪ ،‬أثر اللغة العلمية والتكنولوجية يف النمو االقتصادي العريب‪ ،‬جملة أسئلة اللغة‪ ،‬منشورات معهد‬
‫الدراسات واألحباث للتعريب‪ ،‬الرابط‪ ،‬املغرب‪ 2002 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .10‬املصطفى بن عبد هللا بوشوك‪ ،‬تعليم وتعلم اللغة العربية وثقافتها‪ ،‬اهلالل العربية للطبع والنشر‪ ،‬الرابط‪ ،‬املغرب‪ ،‬ط‬
‫‪ 1994 ،02‬م‪.‬‬
‫‪ .11‬ميشال زكراي‪ ،‬مباحث يف النظرية األلسنية وتعليم اللغة‪ ،‬املؤسسة اجلامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬بيوت‪،‬‬
‫لبنان‪ ،‬ط ‪ 1985 ،02‬م‪.‬‬
‫‪.12‬انيف خرما وعلي حجاج‪ ،‬اللغات األجنبية تعليمها وتعلمها‪ ،‬عامل املعرفة‪ ،‬الكويت‪ ،‬اجمللس الوطّن للثقافة‬
‫والفنون واآلداب‪ ،‬العدد ‪ ،126‬جوان‪ 1988 ،‬م‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫احملارضة الثامنة‬
‫انتاج اللغة وتفكيكها‪.‬‬
‫إنتاج إللغة وتفكيكها‪.‬‬ ‫إحملارضة إلثامنة‬

‫توطئة‪:‬‬
‫شك َّ‬
‫أن‬ ‫نسق من اإلشارات اليت ميكن أن تستعمل للتواصل‪ ،‬وال َّ‬ ‫تعد اللُّغة وسيلة للتعبري والتبليغ‪ ،‬وهي عبارة عن ٍ‬
‫العامل األساسي يف نشأة اللُّغة اإلنسانيَّة يرجع إىل اجملتمع ِ‬
‫نفسه‪ ،‬وإىل احلياة االجتماعية؛ فلوال اجتماع األفراد فيما‬
‫جدت لغة‪ ،‬فهي ظاهرةٌ اجتماعيَّة تَنشأ كما يَنشأ‬‫عما جيول خبواطرهم ما ُو َ‬‫اصل‪ ،‬والتعبري َّ‬
‫بينهم‪ ،‬وحاجتهم للتفاهم‪ ،‬والتو ُ‬
‫غريها من الظَّواهر االجتماعيَّة‪ ،‬فتنشأ بصورة طبيعية تلقائيَّة‪ ،‬تنبعث عن احلياة اجلماعيَّة‪ ،‬وما تقتضيه من شؤون‪ ،‬إالَّ َّ‬
‫أن‬
‫ضعت الكلمات؟‪ ،‬وكيف ننتج اللغة ؟‪ ،‬وما هي العالقة‬ ‫نفسه ابستمرار‪ :‬ما هو أصل اللغة؟‪ ،‬وكيف ُو َ‬ ‫هناك سؤاالً يطرح َ‬
‫بني الكلمة‪ ،‬والشيء‪ ،‬أو املعىن الذي تدل عليه؟ ‪.1‬‬
‫تدل عليه‪ ،‬ومبعىن أوضح عالقة اللُّغة ِ‬
‫ابلفكر‪:‬‬ ‫إنَّ اإلجابة على هذه األسئلة َجيعلنا نفكِر يف عالقة الكلمة‪ ،‬وما ُّ‬
‫ً‬
‫بد للفكر من لغة ِ‬
‫يعّب هبا اإلنسان عن أفكاره‪ ،‬ورغباته‪ ،‬وال بد للُّغة من فك ٍر‬ ‫وجهان ٍ‬
‫لعملة واحدة‪ ،‬فال َّ‬ ‫ِ‬ ‫"فاللغة و ِ‬
‫الفكر‬
‫حىت ِ‬
‫يطورها‪ ،‬ويَسمو هبا" ‪.2‬‬
‫انتاج اللغة الفكر‪:‬‬
‫إن التمييز بني اللغة والتفكري يف غاية األمهية حيث ظهرت مشادات كبرية بني الباحثني‪ ،‬فمنهم من يرى أن اللغة‬
‫والتفكري مها شيء واحد‪ ،‬وال يتم أحدمها بغري األخر فال يستطيع اإلنسان التفكري من غري اللغة‪ ،‬لكن من يعتمد على‬
‫املقاربة املعرفية للغة وخاصة على فكرة مقاييس اللغة فإن هلم رأي آخر‪ ،‬حيث يعتقدون‪ ،‬أو يتبنون استقاللية التفكري عن‬
‫اللغة‪ ،‬واللغة عن التفكري فكل واحد منهما هو قدرة عقلية منفردة هلا عمليتها‪ ،‬وسريوراهتا اخلاصة هبا‪ ،‬وال ميكن ربط‬
‫أحدمها ابألخر‪ ،‬ومن بني املّبرات اليت يصوغها أصحاب الفصل بني اللغة والتفكري ما جنده يف احلاالت املرضية ‪.3‬‬
‫قدم عامل النفس الروسي "فيجوتسکي" "‪ "Lev Semionovitch Vygotski‬أفضل التحاليل استنارة‬
‫للتفاعل بني الفكر واللغة‪ ،‬حيث نشر کتابه‪" ،‬الفكر واللغة"‪ ،‬للمرة األوىل عام ‪ 1934‬م‪ ،‬ويرى "فيجوتسكي" أن للغة‬
‫وظيفتني مستقلتني‪ :‬االتصال "اخلارجي"‪ ،‬وما يعادل هذا يف األمهية من استخدام "الداخلي" ألفكار املرء‪ ،‬إن معجزة‬
‫االدراك البشري هي أن كال من هذين النظامني يستخدمان نفس الشفرة اللغوية‪ ،‬ومن مث ميكن ترمجة الواحد منهما اىل‬
‫األخر بدرجة ما من النجاح ‪.4‬‬
‫وحتدث "تشومسكي" "‪ "Noam Chomsky‬عن االستعداد الفطري الكتساب اللغة‪ ،‬وبني أن هناك جزء يف‬
‫الدماغ وظيفته اكتساب اللغة يسمى‪ ،"LAD Language Acquisition Device" :‬هذه النظرية تنسف ما قاله‬
‫علماء األنثروبولوجيا أبن اإلنسان األول مل يكن يستخدم لغة منطوقة لكي يتواصل مبا مع من حوله‪ ،‬ابلنظر إىل جهاز‬

‫‪ 1‬علي عبد الواحد وايف‪ ،‬نشأة اللغة عند اإلنسان والطفل‪ ،‬دار هنضة مصر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 2002 ،‬م‪ ،‬ص ‪.29‬‬
‫‪ 2‬أمحد عبد الرمحن محاد‪ ،‬العالقة بني اللغة والفكر "دراسة للعالقة اللزومية بني الفكر واللغة"‪ ،‬دار املعرفة اجلامعية للطباعة والنشر والتوزيع‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪ 1985 ،‬م‪ ،‬ص ‪.07‬‬
‫‪ 3‬ينظر‪ :‬جوديث جرين‪ ،‬التفكري واللغة‪ ،‬ترمجة عبد الرحيم جّب‪ ،‬اهليئة املصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 1992 ،‬م‪ ،‬ص ‪.15/13‬‬
‫‪ 4‬نفسه‪ ،‬ص ‪.114‬‬
‫‪87‬‬
‫إنتاج إللغة وتفكيكها‪.‬‬ ‫إحملارضة إلثامنة‬

‫النطق الذي وهبه هللا سبحانه وتعاىل لإلنسان ندرك مدى دقة ذلك اجلهاز‪ ،‬وتعقيده‪ ،‬وتكامله فهو مكون من رئتني‪،‬‬
‫وشفتني‪ ،‬وأحبال صوتية‪ ،‬ولسان حيتوي وحده على سبع عشرة عضلة مشعبة‪.‬‬
‫لقد أوضح "تشومسكي" يف كتاابته مصطلحني هامني يف حقل اكتساب اللغة ومها "املعرفة" أو "الكفاءة اللغوية"‬
‫"‪ ،"Competence‬وتوجد يف دماغ املتحدث فكل انسان حيتوي دماغه على هذه املعرفة حبيث تتم تغذيتها الحقا من‬
‫خالل احمليط الذي يعيش فيه‪ ،‬ومصطلح "القدرة اللغوية على إنتاج اللغة"‪ ،‬أو "األداء اللغوي" "‪"Performance‬‬
‫فبعد أن يتم اضافة املدخالت اللغوية اليت اكتسبها املتحدث من بيئته اىل الكفاءة اللغوية يصبح االنسان قادرة على انتاج‬
‫اللغة‪.‬‬
‫وقد انل هذان املصطلحان اهتماما كبرية من الدارسني‪ ،‬ولكن "ابن خلدون" حتدث عن هذا اجلانب قبل‬
‫"تشومسکي"‪ ،‬وقد مساه ب ـ "ملكة اللسان"‪ ،‬وضح "ابن خلدون" الفرق بني "الكفاءة اللغوية" و"األداء اللغوي" فقال‬
‫"وكذلك جند كثرية من جهابذة النحاة‪ ،‬واملهرة يف صناعة العربية احمليطني علما بتلك القوانني‪ ،‬إذا سئل يف كتابة سطرين‬
‫إىل أخيه‪ ،‬أو ذي مودته‪ ،‬أو شكوى ظالمه‪ ،‬أو قصد من قصوده‪ ،‬أخطأ فيها الصواب‪ ،‬وأكثر من اللحن‪ ،‬ومل جيد أتليف‬
‫الكالم لذلك‪ ،‬والعبارة عن املقصود فيه على أساليب اللسان العريب‪ ،‬وكذلك جند كثرية ممن حيسن هذه امللكة‪ ،‬وجييد‬
‫الفنني من املنظور واملنشور‪ ،‬وهو ال حيسن إعراب الفاعل من املفعول‪ ،‬وال املرفوع من اجملرور‪ ،‬وال شيئا من قوانني صناعة‬
‫العربية" ‪ ،1‬إن توضيح "ابن خلدون" للفرق بني هذين املفهومني كان أوضح من تعريف "تشومسكي" فقد تطرق إىل ما‬
‫مساه "هاميز" "‪" "Dell Hymes‬ابلكفاية اللغوية االتصالية" "‪."communicative competence‬‬
‫قراءة يف دالالت املصطلحات‪:‬‬
‫"اإلنتاج" و"اإلجناز"‪:‬‬
‫‪ .1‬اإلنتاج "‪ :"production‬انتقل مفهوم اإلنتاج من داللته األصلية يف جمال االقتصاد إىل داللته يف جمال اللغة على‬
‫توليد الكالم؛ وهو يف اللغة يدل على التوليد؛ حيث جاء يف "مقاييس اللغة" "البن فارس" "نـَتَ َج‪ :‬النون‪ ،‬والتاء‪ ،‬واجليم‬
‫كلمة واحدة‪ :‬النِتَاج‪ ،‬ونُتِ َجت الناقة‪ ،‬ونـَتَ َج َها أهلها‪ ،‬وفرس نـَتُوج استبيان نِتَاجها" ‪ ،2‬أما يف "لسان العرب" "البن‬
‫منظرو"‪" :‬النِتَاج يف مجيع الدواب‪ ،‬والولود يف الغنم‪ ،‬يقال‪ :‬نُتِ َجت الناقة أُنْتِ ُج َها‪ :‬إذا وليت نِتَاَجها‪ ،‬فأان َانتِ ٌج؛ وهي‬
‫اج َها‪ ،‬ونـَتَجت الناقة أُنْتِ ُجها‪ :‬إذا ولدهتا‪ ،‬وأما‬ ‫ِ‬
‫وجة‪ ،‬وعن الليث ال يقال نـَتَ َجت الشاة إال أن يكون إنسان يلي نتَ َ‬ ‫َمْنـتُ َ‬
‫اجها‪ ،3 "...‬نستنتج من ذلك أن ُكال من النتاج واإلنتاج أيخذ معىن واحدا هو‬ ‫ِ‬
‫أَنْـتَ َجت فمعناه‪ :‬إذا محلت وحان نتَ ُ‬
‫التوليد‪ ،‬وأن عملية اإلنتاج تتطلب طرفني منتجا‪ ،‬ومتلقيا‪.‬‬

‫‪ 1‬ابن خلدون‪ ،‬الـمقدمة‪ ،‬تح سهيل زكار‪ ،‬وخليل شحاتة‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيـروت‪ ،‬لبنان‪ 2001 ،‬م‪ ،‬ص ‪.773‬‬
‫‪ 2‬ابن فارس‪ ،‬الـمقاييس فـي اللغة‪ ،‬تح عبد السالم مـحمد هارون‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوراي‪ 1979 ،‬م‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪ ،386‬مادة "نتج"‪.‬‬
‫‪ 3‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬تح‪ ،‬عبد هللا علي الكبيـر وآخرون‪ ،‬دار الـمعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 1998 ،‬م‪ ،‬ج ‪ ،48‬ص ‪ ،4334‬مادة‬
‫"نتج" ‪.‬‬
‫‪88‬‬
‫إنتاج إللغة وتفكيكها‪.‬‬ ‫إحملارضة إلثامنة‬

‫ويف االصطالح‪ :‬هو مصطلح يستعمل يف إطار النشاطات اإلنسانية للداللة على العملية اليت من خالهلا‪ِ ،‬‬
‫حيول‬
‫اإلنسان الطبيعة واألشياء ‪ ،1‬أما داللته يف جمال اللغة فهو‪" :‬عملية توليد‪ ،‬أو إنتاج مقولة بواسطة القواعد النحوية للغة‬
‫ما" ‪ ،2‬وهو لصيق ابإلنتاجية اليت هي ظروف إنتاج الداللة‪ ،‬ومحلها على الدال املتواضع عليه بتسويقه فيما بعد عند كل‬
‫عملية إبالغ ُُيري حبمل داللة قيمية‪ ،‬ووظيفة متعلقة ابملدلول املتواضع عليه يف بيئة إنتاجه‪ ،‬ما ميكن أن نفهمه من هذه‬
‫التعريفات هو أن اإلنتاج هو سلوك إنساين يسعى به إىل تغيري األشياء من حوله‪ ،‬وإعطائها قيمة نفعية‪ ،‬وهو يف‬
‫اللسانيات‪ :‬القدرة على توليد الكالم‪ ،‬أما اإلنتاجية فربطت فعل اإلنتاج ابلعملية التواصلية اليت تتطلب مراعاة ظروف‪،‬‬
‫ومقام اإلنتاج‪ ،‬والكيفية اليت يتم من خالهلا استعمال اللغة‪ ،‬وبذلك خنلص إىل أن ظروف اإلنتاج حندد استعمالنا للغة‪،‬‬
‫وأنه فعل تبديل مستمر‪.‬‬
‫‪ .2‬اإلجناز "‪ :"Performance‬جاء يف مقاييس اللغة‪َ :‬‬
‫"جنََز‪ :‬النون‪ ،‬واجليم‪ ،‬والزاي‪ :‬أصل صحيح يدل على شيء يف‬
‫عجلة من غري بطء‪ ،‬يقال‪َ :‬جنََز الوعد يـَْن ُج ُز‪ ،‬وأ َْجنَْزتُهُ أان‪ :‬أعجلته‪...‬وأعطيته ما عندي حىت َجنََز آخره أي‪ :‬وصل إليه‬
‫بيد‪ :‬تعجيل بتعجيل‪ ،‬والـ ُمناجزة يف العرب أن يتبادر الفارسان أي يعجالن القتال‪،‬‬ ‫اجز كقوهلم يدا ٍ‬ ‫انجزا بت ِ‬
‫آخره‪ ،‬وبِعه ِ‬
‫َ‬
‫وجنََز الوعد يـَْن ُج ُز َْجنزا‪ :‬حضر؛ قال "ابن‬‫وجنَُز الكالم‪ :‬انقطع‪َ ،‬‬‫"جنََز‪َِ ،‬جنَز َ‬
‫وال يتوقفان" ‪ ،3‬ويف "اللسان" "البن منظور" َ‬
‫ت به‪ ،‬وإِ ْجنَ ُازَك‪ :‬وفاؤك به‪َ ،‬‬
‫وجنََز‬ ‫ِ ِ‬
‫وجنيز وأ َْجنزتُه أان‪َِ ،‬‬
‫وجن ْز ُ‬ ‫السكيت"‪ :‬كأن َجنََز فىن وانقضى‪ ،‬وقد أ َْجنََز الوعد ووعد َانجٌز َ ٌ َْ ُ‬
‫ك؛ أي‪ :‬ألجزينك جزائك‪ ،‬والـ ُمناجزة يف القتال‪ :‬املبارزة؛ وقال "أبو املقدام‬ ‫ك َِجنيَـَزتَ َ‬ ‫احلاجة وأ َْجنزها‪ :‬قضاها‪ ،‬وأل ِْ‬
‫ُجنَزت َ‬ ‫ََ َ‬
‫السلمى"‪ :‬أ َْجنََز عليه وأوجز عليه وأجهز عليه مبعىن واحد" ‪ ،4‬إذن فالداللة اللغوية لإلجناز أتخذ عدة معاين منها‪:‬‬
‫االستعجال‪ ،‬االنتهاء‪ ،‬االنقطاع‪ ،‬قضاء احلاجة‪ ،‬املواجهة بني طرفني‪ ،‬اجلزاء‪ ،‬اإلجياز‪.‬‬
‫تعّب امللكة عند "تشومسكي" عن‬ ‫واصطالحا‪ ،‬وابألخص يف اللسانيات التوليدية ح ٌد للثنائية ملكة‪ /‬إجناز‪ ،‬إذ ِ‬
‫معرفة املتكلم‪ ،‬السامع املثايل ابلقواعد الضمنية للغته‪ ،‬بينما ميثِل اإلجناز التجسيد الفعلي لتلك القدرات الذهنية يف سياق‬
‫حمدد فهو يؤكد أن‪" :‬البحث يف االستعمال اللغوي الفعلي جيب أن يتنبه إىل التأثري املتبادل لعدد من العوامل‪ ،‬ال متثِل‬
‫الكفاءة األساسية للمتكلم السامع إال واحدا منها" ‪ ،5‬واإلجناز بذلك هو فعل استعمال امللكة اللغوية لكن بشروط‪،‬‬
‫ومؤثرات خارجة عن نطاق اللغة‪ ،‬حتدد تلك االستعماالت‪.‬‬
‫واإلجناز يوافق الكالم عند "دي سوسري" "‪ "Ferdinand de Saussure‬حيث يرى أن‪ :‬الكالم جمموع ما‬
‫يقوله األفراد‪ ،‬يتضمن النشاطات الفردية اخلاضعة لرغبة املتكلم‪ ،‬واألفعال الصوتية اليت ختضع هي األخرى إلرادة املتكلم‪،‬‬

‫‪ 1‬رشيد بن مالك‪ ،‬قاموس مصطلحات التحليل السيميائي‪ ،‬دار احلكمة‪ ،‬اجلزائر‪ 2004 ،‬م‪ ،‬ص ‪.146‬‬
‫‪ 2‬مبارك مبارك‪ ،‬معجم املصطلحات األلسنية‪ ،‬دار الفكر اللبناين‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ 1995 ،‬م‪ ،‬ص ‪.238‬‬
‫‪ 3‬ابن فارس‪ ،‬الـمقاييس فـي اللغة‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪ ،393‬مادة "جنز"‪.‬‬
‫‪ 4‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬ج ‪ ،48‬ص ‪ ،4351‬مادة "جنز" ‪.‬‬
‫‪ 5‬برجييته ابرتشت‪ ،‬مناهج علم اللغة من هرمان إىل نعوم تشومسكي‪ ،‬ترمجة سعيد حسن حبريي‪ ،‬املختار للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫ط ‪ 2004 ،01‬م‪ ،‬ص ‪.287‬‬
‫‪89‬‬
‫إنتاج إللغة وتفكيكها‪.‬‬ ‫إحملارضة إلثامنة‬

‫وهذه األفعال البد منها لتحقيق تلك النشاطات‪ ،‬وعليه فإن "دي سوسري" يؤكد على أن الكالم هو إجناز فعل ُيضع‬
‫لقصدية املتكلم‪ ،‬واليت ال ميكن حتققها إال من خالل فعل القول الذي تتنوع فيه استعماالت اللغة‪ ،‬أما "جون سورل"‬
‫"‪ "John Searle‬فيذهب إىل أن التكلُّم هو سلوك مقصود تضبطه قواعد‪ ،‬وقوانني‪ ،‬وأن هذا السلوك يتمثل إبجناز‬
‫أفعال لغوية وفق القواعد اليت حتكم استعمال تلك العناصر ‪ ،1‬وبذلك فاإلجناز هو‪ :‬جمموعة أفعال حمكومة بقوانني يريد‬
‫يضم‬
‫ومكثَّف ُّ‬ ‫هبا املتكلم حتقيق مقاصده‪ ،‬وهذا ما يتوافق مع مفهوم "دي سوسري" للكالم‪ ،‬وعليه فاإلجناز؛ فعل موجز‪ُ ،‬‬
‫تضمن‪ ،‬إذ أن اإلنتاج اللغوي‬
‫أفعاال قصدية تؤدي إىل استمرار العملية التواصلية‪ ،‬والعالقة بني اإلنتاج‪ ،‬واإلجناز هي عالقة ُّ‬
‫يتضمن تركيبة أفعال ُمنجزة يوظف فيها املتكلم قدراته الذهنية‪ ،‬ومعارفه لتحقيق أغراضه التواصلية‪.‬‬
‫اللغوي‪/‬استعمال اللغة‬
‫ّ‬ ‫الفعل‬
‫‪ .1‬الفعل اللغوي "‪ :"Acte de Langage‬يعد الفعل اللغوي ِ‬
‫املكون األساسي لنظرية لغوية‪ ،‬كانت فاعلة يف توجيه‬
‫البحث اللساين‪ ،‬ومتفاعلة مع غريها من النظرايت‪ ،‬أرسى دعائمها الفيلسوف االجنليزي "جون أوست" " ‪John‬‬
‫‪ "Langshaw Austin‬مث طورها من بعده "جون سورل" ‪ ،‬وهو فعل ينخرط يف شبكة من املفاهيم اليت تضمن حتقُّقه‬
‫وإجنازه‪ ،‬فيعرفه "مانغنو" "‪ "Dominique Maingueneau‬أبنه‪" :‬الوحدة الصغرى اليت بفضلها ُحتقق اللغة فِعال بعينه‬
‫(أمر‪ ،‬طلب‪ ،‬تصريح‪ ،‬وعد‪ )...،‬غايته تغيري حال املتخاطبني" ‪ ،2‬ومنه ميز "أوستني" بني ثالثة أنواع من األفعال يف‬
‫احلدث الكالمي ‪:3‬‬
‫‪ .1‬الفعل القويل‪ ،‬أو العبارة‪ :‬وهي التمثيل املادي لسنن اللغة الداخلي‪.‬‬
‫‪ .2‬الفعل الالقويل‪ ،‬أو الالعبارة‪ :‬وهو أتويل العبارة يف سياق تلفُّظها‪.‬‬
‫‪ .3‬فعل التأثري ابلقول (أثر العبارة)‪ :‬ويتمثل يف ردود أفعال املتخاطبني‪.‬‬
‫ويف ذات السياق يتطرق "بول ريكو" "‪ "Paul Ricoeur‬لفعل اخلطاب‪ ،‬ويرى أنه يقوم حسب "أوستني"‪،‬‬
‫و"سريل" "على تراتبية أفعال اتبعة‪ ،‬موزعة على مستوايت ثالثة‪ :‬مستوى الفعل التعبريي‪ ،‬أو االفرتاضي‪ ،‬ومستوى الفعل‬
‫الالتعبريي‪ ،‬ومستوى الفعل التعبريي املولَّد" ‪ ،4‬وابلتايل فإن فعل اللغة هو فعل منجز يف إطار التواصل يتصف أبنه‪ :‬حيمل‬
‫ِضمنيا قصدية املتكلم‪ ،‬والقدرة على تغيري الواقع‪ ،‬وهو ثالثي األبعاد‪ :‬بعد قويل‪ ،‬وبعد إجنازي‪ ،‬وبعد أتثريي‪ ،‬كما أن‬

‫‪ 1‬أبو بكر العزاوي‪ ،‬اللغة واحلجاج‪ ،‬العمدة يف الطبع‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬ط ‪ 2010 ،01‬م‪ ،‬ص ‪.117‬‬
‫‪ 2‬دومينيك مانغنو‪ ،‬املصطلحات املفاتيح يف حتليل اخلطاب‪ .‬تر‪ :‬حممد حيياتن‪ ،‬منشورات دار االختالف‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬ط ‪ 2008 ،01‬م‪ ،‬ص‬
‫‪.07‬‬
‫‪ 3‬فيليب بالئشيه‪ ،‬التداولية من أوست إىل غوفمان‪ ،‬ترمجة صابر احلباشة‪ ،‬دار احلوار للنشر والتوزيع‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوراي‪ ،‬ط ‪ 2007 ،01‬م‪،‬‬
‫ص ‪.59‬‬
‫‪ 4‬بول ريكو‪ ،‬من النص إىل الفعل أحباث التأويل‪ ،‬ترمجة حممد برادة وحسان بورقية‪ ،‬عني للدراسات والبحوث اإلنسانية واالجتماعية‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ 2003 ،01‬م‪ ،‬ص ‪.81‬‬
‫‪90‬‬
‫إنتاج إللغة وتفكيكها‪.‬‬ ‫إحملارضة إلثامنة‬

‫أساسه الفعل القويل الذي يتضمن بقية األفعال‪ ،‬إضافة إىل أنه فعل مولَّد من عدد حمدود من األصوات املشكلة يف‬
‫تراكيب ذات معىن لُينتج عددا ال هنائيا من األفعال اللغوية يف أثناء التواصل‪.‬‬
‫فقولنا مثال‪" :‬افتح الباب" ميثل حسب "أوستني" فعال لغواي حيمل قصدا ينوي به املتلفظ تغيري حال متلقيه‪،‬‬
‫فهو فعل مكون من ثالثة أفعال‪:‬‬
‫‪ .1‬فعل القول‪ :‬هو ما صدر من أصوات مادية شكلت تركيبا إسناداي مكون من الفعل (فتح) مسندا إىل‬
‫فاعل(أنت) ومفعول (الباب)‪ ،‬وهو حيمل داللة معنية‪.‬‬
‫‪ .2‬الفعل اإلجنازي‪ :‬وذلك أن هذا القول جاء فعله بصيغة األمر(افتح)الذي تضمن قوة إجنازية تؤثر يف املتلقي‪.‬‬
‫‪ .3‬الفعل التأثريي‪ :‬هو رد فعل املتلقي إزاء هذا القول بعد أتويله‪ ،‬فقد يفهم على أنه أمرا لكنه يضمر أفعاال أخرى‬
‫انجتة عنه‪ ،‬متعلقة ابملتلقي كاخلوف‪ ،‬التحذير‪ ،‬التهديد‪.‬‬
‫وإمجاال ملا سبق ميكننا القول أبن‪ :‬الفعل اللغوي هو عملية إنتاجية‪ ،‬متزامنة‪ ،‬ومستمرة مللفوظات منجزة يف‬
‫ِ‬
‫املخاطب الذي يريد التأثري يف متلقيه‪ ،‬يف ظل‬ ‫سياق اتصايل معني‪ ،‬وهو إجراء استعمال قصدي واختياري للغة‪ُ ،‬يص‬
‫شروط سياقية تؤمنها املعرفة املشرتكة بينهما‪.‬‬
‫استعمال اللغة "‪ :"Emploi de Langage‬تتجاوز اللغة بطبيعتها الرتميزية تلك األهداف الظاهرة ‪-‬كتحقيق‬
‫التواصل مع اآلخرين‪ ،‬والوصول ألغراض معينة‪ -‬إىل إجناز أفعال خترج هبا من دائرة الثوابت إىل نطاق التغري‪ ،‬واحلركية‬
‫املستمرة‪ ،‬وذلك لن حيدث إال من خالل فعل االستعمال الذي يعطي للرموز اللغوية قيمتها‪ ،‬هذه القيمة تتغري بتغري‬
‫السياقات‪ ،‬واستعمال اللغة بذلك "هو توظيف العناصر اللغوية‪ ،‬واملعجمية‪ ،‬أو اجلمل مبختلف أنواعها يف الكالم املنطوق‬
‫أو املكتوب‪ ،‬ويطلق أيضا هذا املصطلح على الكلمة الواحدة اليت حتمل دالالت خمتلفة تبعا الختالف السياق الواردة‬
‫فيه" ‪ ،1‬أي أنه يعين الطرق واإلسرتاتيجيات اليت هي‪" :‬حماولة التكيف مع عناصر السياق احمليطة ابلفعل" ‪ ،2‬حيث يتم‬
‫توظيف عناصر اللغة عن طريق اختيار ما يناسب استعماهلا أثناء عملية التلفظ ابخلطاب‪ ،‬مبنظور فلسفي‪.‬‬
‫مييز "فتجنشتاين" "‪ "Ludwig Wittgenstein‬بني نوعني من استعمال اللغة‪ :‬استعمال نظمي ال تكون فيه‬
‫األمساء دالة على األشياء إال إذا استعملت يف قضااي أولية‪ ،‬مرتبة ترتيبا منطقيا‪ ،‬واستعمال اجتماعي لعناصر لغوية حتقق‬
‫أغراضا حتكمه عناصر السياق املختلفة (مرسل‪ ،‬مرسل إليه‪ ،‬الزمان‪ ،‬املكان) ‪ ،3‬إنه بذلك نشاطا لغواي فعاال‪ ،‬يتم تفعيله‬
‫مبنظومتني متداخلتني‪ :‬منظومة قواعدية حتكم الشكل املادي الذي جتسده العالمات اللغوية‪ ،‬ومنظومة خارجة عن قواعد‬
‫اللغة توجه استعماهلا حسب السياقات اخلارجية‪ ،‬ومنه فالعالقة بني الفعل واالستعمال يف اللغة هي عالقة اتصال‬

‫‪ 1‬حممد اهلادي بوطارن‪ ،‬املصطلحات اللسانية والبالغية واألسلوبية والشعرية‪ ،‬دار الكتاب احلديث‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 2008 ،‬م‪ ،‬ص ‪.176‬‬
‫‪ 2‬عبد اهلادي بن ظافر الشهري‪ ،‬إسرتاتيجيات اخلطاب "مقاربة لسانية تداولية"‪ ،‬دار الكتاب اجلديد املتحدة‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪،01‬‬
‫‪ 2004‬م‪ ،‬ص ‪.55‬‬
‫‪ 3‬مجال محود‪ ،‬فلسفة اللغة عند فتجنشاين‪ ،‬منشورات دار االختالف‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬ط ‪ 2009 ،01‬م‪ ،‬ص ‪.307‬‬
‫‪91‬‬
‫إنتاج إللغة وتفكيكها‪.‬‬ ‫إحملارضة إلثامنة‬

‫وتكامل‪ ،‬ألن استعمال اللغ ة لن يتحقق إال ابألفعال القولية اليت تشرتط قصدية املتكلم‪ ،‬كما أن األفعال الكالمية ال‬
‫تظهر إال من خالل االستعمال‪.‬‬
‫االنتاج اللغوي عند الطفل‪:‬‬
‫يبدو أن إنتاج اللغة هي قضية شائكة على عكس إدراك الكالم‪ ،‬أو فهمه‪ ،‬أما دليلنا على ذلك هو ندرة‬
‫التجريب على إنتاج اللغة داخل هذه القضية‪ ،‬ودليل أخر هو ذلك الفرض الذي افرتضه "النفسلغويون"‪ ،‬ومؤداه "أن‬
‫إدراك الكالم صورة معكوسة (كصورة املرأة للعمليات املتضمنة يف إنتاج الكالم" ‪ ،1‬وهذا يعين أن فهم أحد الطرفني‬
‫سوف يغين عن فهم الطرف اآلخر‪ ،‬ولقد افرتضت "جودث جرين" "‪ "Judith Green‬أن املتكلم سوف حياول إنتاج‬
‫اجلملة اليت يتوقع أن يفهمها املستمع بسهولة‪ ،‬ولكن ذلك ال يعين أن ما يفهم بسهولة ينتج بسهولة‪ ،‬فلقد يعاين املتكلم‬
‫كثريا من اجلهد لكي جيعل كالمه سهال مفهوما‪.‬‬
‫يقوم الطفل الوليد إبصدار أصوات عشوائية غري متمايزة‪ ،‬يصحبها حركات جسمية كثرية يعّب هبا عن حاجاته‬
‫وانفعاالته ‪ِ ،2‬ألنه ال ميتلك القدرة على استخدام أجهزة النطق‪ ،‬إلصدار إلصدار الكالم‪ ،‬على الرغم من أهنا قد وصلت‬
‫إىل مرحلة من االكتمال التشرحيي‪ ،‬قبل ميالد الطفل؛ معىن ذلك أن الطفل مهيأ بيولوجياً للكالم‪ ،‬قبل ممارسته للكالم‬
‫ابلفعل؛ فالنوع اإلنساين كله يستغل نفس اجلهاز الفسيولوجي يف الكالم‪ ،‬أو على األقل فإن هذا اجلهاز مهيأ وراثيا‬
‫للقيام هبذا العمل ‪ ،3‬غري أن هذا اجلهاز ال يقوم بعمله‪ ،‬إال إذا وصل الطفل إىل مرحلة معينة من النضج العضوي‪،‬‬
‫فالطفل يكون مهيئا للكالم عندما تكون أعضاؤه الكالمية‪ ،‬ومراكزه العصبية قد بلغت درجة كافية من النضج‪ ،‬وقد أثبت‬
‫"جوردون تشايلد" "‪ "Vere Gordon Childe‬أن عدد األخطاء يف كالم الطفل يتناقص تدرجيياً مع تقدم الطفل يف‬
‫النضج‪ ،‬وتدل األحباث احلديثة أن األجهزة الصوتية املختلفة‪ ،‬كعضالت الفم‪ ،‬واللسان‪ ،‬واحلنجرة تصل يف منوها إىل‬
‫املستوى الذي ميكنها من أداء وظيفتها قبل امليالد ‪.4‬‬
‫وإنتاج اللغة حيتاج إىل تضافر جمموعة من األجهزة نطلق عليها جتاوزاً أجهزة النطق‪ ،‬وتتكون من ثالثة أقسام‬
‫وهي ‪:5‬‬
‫‪ .1‬أعضاء التنفس اليت تقدم اهلواء اجلاري املطلوب إلنتاج معظم األصوات اللغوية‪.‬‬

‫‪ 1‬جودث جرين‪ ،‬علم اللغة النفسي "تشومسكي وعلم النفس"‪ ،‬اهليئة املصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 1993 ،‬م‪ ،‬ص ‪.210‬‬
‫‪ 2‬ينظر‪ :‬عبد العزيز السيد الشخص‪ ،‬اضطراابت النطق والكالم‪ ،‬مكتبة الصفحات الذهبية‪ ،‬الرايض‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪ ،‬ط ‪،01‬‬
‫‪ 1997‬م‪ ،‬ص ‪.63‬‬
‫‪ 3‬جون ليونز‪ ،‬نظرية تشومسكي اللغوية‪ ،‬ترمجة حلمي خليل‪ ،‬دار املعرفة اجلامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪ 1995 ،‬م‪ ،‬ص ‪ ،45‬وينظر‪ :‬كمال‬
‫بشر‪ ،‬علم األصوات‪ ،‬دار غريب للطباعة والنشر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 2000 ،‬م‪ ،‬ص ‪.133‬‬
‫‪ 4‬سهري حممد سالمة شاش‪ ،‬علم نفس اللغة‪ ،‬مكتبة زهراء الشرق‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ 2006 ،01‬م‪ ،‬ص ‪ ،65‬وينظر‪ :‬عبد العزيز السيد‬
‫الشخص‪ ،‬اضطراابت النطق والكالم‪ ،‬ص ‪.92‬‬
‫‪ 5‬أمحد خمتار عمر‪ ،‬دراسة الصوت اللغوي‪ ،‬عامل الكتب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 1997 ،‬م‪ ،‬ص ‪ ،100‬وينظر‪ :‬برتيل ماملّبج‪ ،‬علم األصوات‪،‬‬
‫ترمجة عبد الصبور شاهني‪ ،‬مكتبة الشباب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 1984 ،‬م‪ ،‬ص ‪.43‬‬
‫‪92‬‬
‫إنتاج إللغة وتفكيكها‪.‬‬ ‫إحملارضة إلثامنة‬

‫‪ .2‬احلنجرة اليت تنتج معظم الطاقة الصوتية املستعملة يف الكالم‪ ،‬وتعد مبثابة صمام ينظم تدفق تيار اهلواء‪.‬‬
‫‪ .3‬التجاويف فوق املزمارية اليت تقوم بدور حجرات الرنني‪ ،‬وفيها تتم معظم أنواع الضوضاء اليت تستعمل يف الكالم‪.‬‬
‫ولكن البد أن نقرر أربعة حقائق هامة‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ .1‬أن اإلنسان ال ميتلك جهازاً خاصاً ابلكالم وحده‪ ،‬وأن ما نطلق عليه أعضاء النطق إمنا هي تسمية جمازية حيث إن‬
‫هذه األعضاء هلا وظائف أساسية هامة‪ ،‬وهي حفظ حياة اإلنسان‪ ،‬ومن هذه الوظائف‪ :‬ما تقوم به الشفتان واللسان‪،‬‬
‫فالشفتان تقومان حبجز الطعام من اخلروج من الفم يف أثناء املضغ‪ ،‬أما اللسان فيقوم بتقليب الطعام وتذوقه‪ ،‬وتقوم‬
‫األسنان واألضراس بتقطيع الطعام وطحنه‪ ،‬أما األنف والتجويف األنفي‪ ،‬فإهنما يقومان بتكييف اهلواء قبل وصوله إىل‬
‫الرئتني حىت تتناسب مع درجة حرارهتا‪ ،‬والدليل على ذلك أن األطباء ينصحون بتجنب التنفس من الفم؛ ألنه له أتثري‬
‫مباشر وضار على احلنجرة‪ ،‬واألواتر الصوتية والرئتني‪ ،‬إذ مير تيار اهلواء البارد‪ ،‬أو الساخن اجلاف‪ ،‬أو الرطب احململ بكل‬
‫ملواثت البيئة‪ ،‬على احللق واحلنجرة والرئتني مباشرة مما يؤدي إىل اإلضرار هبا‪.‬‬
‫ويعد احللق ممراً هاما للطعام واهلواء على السواء‪ ،‬أما األواتر الصوتية فهي مبثابة صمام أمان للرئتني حيث إهنا‬
‫تعمل على منع دخول األجسام الغريبة إىل الرئتني مع اهلواء الداخل هلما‪ ،‬وتقوم كذلك بعملية حفظ اهلواء‪ ،‬وختزينه داخل‬
‫الرئتني عند احلاجة إليه‪ ،‬أما القصبة اهلوائية فتعد ممراً للهواء يف حاليت الشهيق‪ ،‬والزفري على السواء‪.‬‬
‫أما الرئتان فتقومان بعملية تنقية اهلواء من اثين أكسيد الكربون‪ ،‬وإعطاء اجلسم الكمية املناسبة من األوكسجني‬
‫الذي حيتاج إليه حيث يتم توزيعه عن طريق القلب إىل مجيع أعضاء اجلسم ‪.1‬‬
‫ولكن ضرورة االجتماع‪ ،‬ودرجة الذكاء اليت يتمتع هبا اإلنسان عن غريه من احليواانت‪ ،‬جعلت اإلنسان حيدث‬
‫وظيفة أخرى غري تلك الوظائف احليوية األساسية اليت تقوم هبا هذه األجهزة‪ ،‬وهي وظيفة الكالم ‪2‬؛ بدليل أن اإلنسان‬
‫األصم األبكم يستخدم هذه األجهزة بكفاءة عالية على الرغم من عدم قدرته على الكالم ‪.3‬‬
‫وميكن أن ُيرج من كل جزء من أجزاء هذا اجلهاز (جهاز النطق) عدد ال حصر له من األصوات‪ ،‬مبساعدة‬
‫حركة أجزائه املتحركة‪ ،‬غري أن الشعوب البشرية‪ ،‬قد اختلفت فيما بينها يف استخدام إمكاانت اجلهاز النطقي‪ ،‬استخداماً‬
‫كامال؛ وهذا هو السبب يف أن اللغات اإلنسانية‪ ،‬تتفق فيما بينها يف بعض األصوات‪ ،‬وختتلف يف بعضها اآلخر‪ ،‬وذلك‬
‫ً‬
‫تبعا الختالفها يف استخدام إمكاانت اجلهاز النطقي املتعددة‪" ،‬فالشعوب اهلندو أوربية" مثال مل تستخدم كل إمكاانت‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬حسام البهنساوي‪ ،‬علم األصوات‪ ،‬مكتبة الثقافة الدينية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪ 2004 ،01‬م‪ ،‬ص ‪ ،31‬ينظر‪ :‬حسام البهنساوي‪،‬‬
‫الدراسات الصوتية عند العلماء العرب والدرس الصويت احلديث‪ ،‬مكتبة زهراء الشرق‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ 2005 ،01‬م‪ ،‬ص ‪ ،23‬وينظر‪:‬‬
‫عبد الرمحن أيوب‪ ،‬أصوات اللغة‪ ،‬مطبعة الكيالين‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ 1968 ،02‬م‪ ،‬ص ‪ ،40‬وينظر‪ :‬متام حسان‪ ،‬مناهج البحث يف‬
‫اللغة‪ ،‬مكتبة األجنلو املصرية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 1990 ،‬م‪ ،‬ص ‪ ،65 ،64‬وينظر‪ :‬إرنست بوجلرام‪ ،‬مدخل إىل التصوير الطيفي للكالم‪ ،‬سعد‬
‫مصلوح‪ ،‬عامل الكتب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 2002 ،‬م‪ ،‬ص ‪. 28‬‬
‫‪ 2‬أمحد خمتار عمر‪ ،‬دراسة الصوت اللغوي‪ ،‬ص ‪ ،100‬وينظر‪ :‬متام حسان‪ ،‬مناهج البحث يف اللغة‪ ،‬ص ‪.65‬‬
‫‪ 3‬حسام البهنساوي‪ ،‬علم األصوات‪ ،‬ص ‪ ،32‬وينظر‪ :‬عبد الرمحن أيوب‪ ،‬أصوات اللغة‪ ،‬ص ‪.40‬‬
‫‪93‬‬
‫إنتاج إللغة وتفكيكها‪.‬‬ ‫إحملارضة إلثامنة‬

‫النطق يف إخراج األصوات من احللق‪ ،‬ولذلك ختلو بعض لغاهتم من صويت اخلاء والعني‪ ،‬وذلك بعكس اللغة العربية‪،‬‬
‫ومعظم اللغات السامية مثال ‪.1‬‬
‫فإذا نظران إىل بدء اللغة وتطورها عند مجيع أطفال العامل جند أهنا تتبع جدوال زمنيا يكاد يكون اثبتاً ابلنسبة‬
‫هلؤالء مجيعاً‪ ،‬مهما اختلفت لغاهتم‪ ،‬وحضارهتم ‪.2‬‬
‫‪ .2‬يتكون جهاز النطق من أعضاء عدة تتضافر فيما بينها للقيام بعملية الكالم حيث إهنا عبارة عن منظومة تفعلها‬
‫ميكانيكية على درجة عالية من الدقة واالنضباط‪.‬‬
‫‪ .3‬أعضاء النطق ليست متحركة كلها‪ ،‬فمعظمها اثبت ال يتحرك‪ ،‬وقليل منها قابل للحركة مثل اللسان والشفتني ‪.3‬‬
‫‪ .4‬جهاز النطق بكل مكوانته‪ ،‬واحد عند اإلنسان السوي ال ُيتلف من شخص إىل شخص‪ ،‬وال من قوم إىل قوم‪،‬‬
‫لكن طريقة تفعيل هذه األعضاء‪ ،‬وطريقة توظيفها ختتلف وفقا للعادات النطقية‪ ،‬والبيئات اللغوية املختلفة ‪.4‬‬
‫كیف يتم انتاج اللغة‬
‫إن اللغة وظيفة مكتسبة هلا أساس حركي‪ ،‬وآخر حسي‪ ،‬وإن عملية التوافق بني املظهرين هلا شأن كبري يف منو اللغة‬
‫لدى الطفل‪ ،‬وكلما كان هذا التوافق طبيعيا ‪ ،‬كان الكالم بدوره طبيعيًا كذلك ‪ ،5‬وتقوم عملية الكالم الطبيعي على‬
‫دعامتني أساسيتني تتعلق األول فيهما ابجلهاز العصيب املركزي‪ ،‬وتتعلق الثانية منهما أبجهزة النطق‪ ،‬أي أن هلا بعداً مركزايً‬
‫وآخر طرفياً‪ ،‬فباإلضافة إىل مالمح اجلهاز العصيب املركزي اليت متيز البشر‪ ،‬وجتعلهم ينفردون مبيزة التواصل‪ ،‬من خالل‬
‫اللغة املنطوقة‪ ،‬توجد مالمح أخرى تقع حتت فئة املالمح الطرفية‪.‬‬
‫وأهم املالمح الطرفية لدى البشر‪ ،‬هي جهازهم النطقي البارع‪ ،‬فالبشر ميتلكون جمموعة متعددة من العضالت‬
‫الوجهية تسمح حبركة كبرية للشفتني‪ ،‬والوجنات (اخلدود) والفكني‪ ،‬كما أهنم ميتلكون عضالت قوية‪ ،‬ولساانً مران ميكنه‬
‫التحرك حبرية داخل جتويف الفم‪ ،‬كما أهنم ميتلكون أسناان مرتاصة جنبا إىل تكون معا حاجزاً وسياجاً حول اللثة‪ ،‬وتلتقي‬
‫هناية كل من الفك العلوي والفك السفلي عندما نطبق الفم‪ ..‬كل هذه املالمح التشرحيية تعطي البشر قدرة فريدة على‬
‫إنتاج األصوات الكالمية ‪.6‬‬
‫وابلتايل فإن عملية الكالم الطبيعي متر مبرحلتني أساسيتني ومها‪:‬‬

‫‪ 1‬رمضان عبد التواب‪ ،‬املدخل إىل علم اللغة ومناهج البحث اللغوي‪ ،‬مكتبة اخلاجني‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ 1997 ،03‬م‪ ،‬ص ‪،29‬‬
‫وينظر‪ :‬إرنست بوجلرام‪ ،‬مدخل إىل التصوير الطيفي للكالم‪ ،‬ص ‪.78‬‬
‫‪ 2‬انيف خرما‪ ،‬أضواء على الدراسات اللغوية املعاصرة‪ ،‬عامل املعرفة‪ ،‬اجمللس الوطين للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪ ،‬العدد ‪ ،09‬سبتمّب‪،‬‬
‫‪ 1978‬م‪ ،‬ص ‪. 176‬‬
‫‪ 3‬كمال بشر‪ ،‬علم األصوات‪ ،‬ص ‪.132‬‬
‫‪ 4‬جون ليونز‪ ،‬نظرية تشومسكي اللغوية‪ ،‬ص ‪. 45‬‬
‫‪ 5‬ينظر‪ :‬مصطفى فهمي‪ ،‬أمراض الكالم‪ ،‬مكتبة مصر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 1998 ،‬م‪ ،‬ص ‪.28‬‬
‫‪ 6‬مجعة سيد يوسف‪ ،‬سيكولوجية اللغة واملرض العقلي‪ ،‬عامل املعرفة‪ ،‬اجمللس الوطين للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪ ،‬العدد ‪ ،145‬يناير‪،‬‬
‫‪ 1990‬م‪ ،‬ص ‪.164‬‬
‫‪94‬‬
‫إنتاج إللغة وتفكيكها‪.‬‬ ‫إحملارضة إلثامنة‬

‫أوال‪ :‬مرحلة التكوين‪( :‬سواء أكان الكالم منطوقاً أم مكتوابً)‪ ،‬وتعتمد هذه املرحلة ابلضرورة على ثالثة أجهزة‪:‬‬
‫ً‬
‫‪ .1‬اجلهاز احلسي‪ :‬ويشمل‪ :‬مناطق اإلبصار‪ ،‬ومناطق السمع‬
‫‪ .2‬اجلهاز احلركي‪ :‬ويشمل‪" :‬منطقة بروكا" "وهي املركز احلركي للكالم كما أهنا املنطقة املسؤولة عن اإلنتاج‬
‫الكالمي"‪" ،‬منطقة إكسنر" " وهي املركز احلركي للكتابة‪ ،‬واملسؤولة عن صياغة الكلمات املكتوبة"‪.‬‬
‫‪ .3‬اجلهاز الرتابطي‪ :‬ويشمل‪ :‬منطقة التلفيف فوق احلايف وهي املنطقة املسئولة عن ختزين‪ ،‬واسرتجاع‪.‬‬
‫• األفكار الكالمية‪.‬‬
‫األفكار املعقدة املتعلقة ابلنشاط احلركي اإلرادي‪.‬‬ ‫•‬

‫اثنیاً‪ :‬مرحلة النطق‪ :‬وميكن تعريف النطق من الناحية اإلجرائية‪ ،‬أبنه ترمجة حركية للرموز اللغوية املوجودة يف مناطق حمددة‬
‫من الدماغ‪ ،‬حيث تؤدي احلركات املتتابعة ألعضاء النطق إىل سلسلة دائمة‪ ،‬ومتصلة من املوجات الصوتية تصل إىل أذن‬
‫املستمع اليت تقوم بتحليل تغريات ضغط اهلواء‪ ،‬ونقلها على شكل موجات عصبية إىل مراكز معينة من الدماغ‪ ،‬مث تقوم‬
‫بتحليلها حسب الرموز اللغوية‪ ،‬ومن مث تقوم مناطق معينة يف دماغ املستمع بتحضري الرسالة اللغوية املناسبة للجواب‪،‬‬
‫وحتويلها إىل مناطق أخرى هتيئ أعضاء النطق‪ ،‬وتعطيها األوامر على شكل موجات عصبية لتقوم حبركات متتابعة لتحدث‬
‫تغريات حمددة يف ضغط اهلواء‪ ،‬ويشرتك يف عملية النطق ابإلضافة إىل‬
‫اجلهاز العصيب املركزي والطريف‪ ،‬اجلهاز التنفسي الذي يزوده ابهلواء الالزم لتحريك األواتر داخل احلنجرة‪ ،‬واليت بدورها‬
‫تعطي اهلواء تردداً‪ ،‬وشدة حمددين‪ ،‬ينتقل بعدها اهلواء املهتز إىل األنبوب النطقي املتكون من البلعوم‪ ،‬والفم‪ ،‬واجملاري‬
‫األنفية ليحدث حتويراً‪ ،‬وتغرياً لعمود اهلواء املهتز عند كل حركة من احلركات املتتابعة ألعضاء النطق وهي‪( :‬الفكان‪،‬‬
‫والشفتان‪ ،‬واللسان أبجزائه املختلفة‪ ،‬وسقف احللق‪ ،‬والعضالت احمليطة ابلبلعوم) معطية لكل صوت لغوي ميزاته اخلاصة‬
‫من حيث الرتدد‪ ،‬وضغط اهلواء‪ ،‬ونوعية الصوت املسموع ‪.1‬‬

‫مصادر ومراجع احملاضرة‪:‬‬

‫‪ .1‬ابن خلدون‪ ،‬الـمقدمة‪ ،‬تح سهيل زكار‪ ،‬وخليل شحاتة‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيـروت‪ ،‬لبنان‪ 2001 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .2‬أمحد عبد الرمحن محاد‪ ،‬العالقة بني اللغة والفكر "دراسة للعالقة اللزومية بني الفكر واللغة"‪ ،‬دار املعرفة اجلامعية‬
‫للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪ 1985 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .3‬أمحد خمتار عمر‪ ،‬دراسة الصوت اللغوي‪ ،‬عامل الكتب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 1997 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .4‬إرنست بوجلرام‪ ،‬مدخل إىل التصوير الطيفي للكالم‪ ،‬سعد مصلوح‪ ،‬عامل الكتب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 2002 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .5‬برتيل ماملّبج‪ ،‬علم األصوات‪ ،‬ترمجة عبد الصبور شاهني‪ ،‬مكتبة الشباب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 1984 ،‬م‬

‫‪1‬‬
‫حممد علي كامل حممد‪ ،‬االنتباه واللغة بني االضطراب والتدخل السيكولوجي‪ ،‬دار الطالئع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 2006 ،‬م‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.150‬‬
‫‪95‬‬
‫إنتاج إللغة وتفكيكها‪.‬‬ ‫إحملارضة إلثامنة‬

‫‪ .6‬برجييته ابرتشت‪ ،‬مناهج علم اللغة من هرمان إىل نعوم تشومسكي‪ ،‬ترمجة سعيد حسن حبريي‪ ،‬املختار للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ 2004 ،01‬م‪.‬‬
‫‪ .7‬أبو بكر العزاوي‪ ،‬اللغة واحلجاج‪ ،‬العمدة يف الطبع‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬ط ‪ 2010 ،01‬م‪.‬‬
‫‪ .8‬بول ريكو‪ ،‬من النص إىل الفعل أحباث التأويل‪ ،‬ترمجة حممد برادة وحسان بورقية‪ ،‬عني للدراسات والبحوث‬
‫اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ 2003 ،01‬م‪.‬‬
‫‪ .9‬متام حسان‪ ،‬مناهج البحث يف اللغة‪ ،‬مكتبة األجنلو املصرية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 1990 ،‬م‪.‬‬
‫‪.10‬مجال محود‪ ،‬فلسفة اللغة عند فتجنشاين‪ ،‬منشورات دار االختالف‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬ط ‪ 2009 ،01‬م‪.‬‬
‫‪.11‬مجعة سيد يوسف‪ ،‬سيكولوجية اللغة واملرض العقلي‪ ،‬عامل املعرفة‪ ،‬اجمللس الوطين للثقافة والفنون واآلداب‪،‬‬
‫الكويت‪ ،‬العدد ‪ ،145‬يناير‪ 1990 ،‬م‪.‬‬
‫‪.12‬جودث جرين‪ ،‬علم اللغة النفسي "تشومسكي وعلم النفس"‪ ،‬اهليئة املصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫‪ 1993‬م‪.‬‬
‫‪.13‬جوديث جرين‪ ،‬التفكري واللغة‪ ،‬ترمجة عبد الرحيم جّب‪ ،‬اهليئة املصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 1992 ،‬م‪.‬‬
‫‪.14‬جون ليونز‪ ،‬نظرية تشومسكي اللغوية‪ ،‬ترمجة حلمي خليل‪ ،‬دار املعرفة اجلامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪ 1995 ،‬م‪.‬‬
‫‪.15‬حسام البهنساوي‪ ،‬الدراسات الصوتية عند العلماء العرب والدرس الصويت احلديث‪ ،‬مكتبة زهراء الشرق‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ 2005 ،01‬م‪.‬‬
‫‪.16‬حسام البهنساوي‪ ،‬علم األصوات‪ ،‬مكتبة الثقافة الدينية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪ 2004 ،01‬م‪.‬‬
‫‪ .17‬دومينيك مانغنو‪ ،‬املصطلحات املفاتيح يف حتليل اخلطاب‪ .‬تر‪ :‬حممد حيياتن‪ ،‬منشورات دار االختالف‪ ،‬اجلزائر‪،‬‬
‫ط ‪ 2008 ،01‬م‪.‬‬
‫‪ .18‬رشيد بن مالك‪ ،‬قاموس مصطلحات التحليل السيميائي‪ ،‬دار احلكمة‪ ،‬اجلزائر‪ 2004 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .19‬رمضان عبد التواب‪ ،‬املدخل إىل علم اللغة ومناهج البحث اللغوي‪ ،‬مكتبة اخلاجني‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪،03‬‬
‫‪ 1997‬م‪.‬‬
‫‪.20‬سهري حممد سالمة شاش‪ ،‬علم نفس اللغة‪ ،‬مكتبة زهراء الشرق‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ 2006 ،01‬م‪.‬‬
‫‪.21‬عبد الرمحن أيوب‪ ،‬أصوات اللغة‪ ،‬مطبعة الكيالين‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ 1968 ،02‬م‪.‬‬
‫‪.22‬عبد العزيز السيد الشخص‪ ،‬اضطراابت النطق والكالم‪ ،‬مكتبة الصفحات الذهبية‪ ،‬الرايض‪ ،‬اململكة العربية‬
‫السعودية‪ ،‬ط ‪ 1997 ،01‬م‪.‬‬
‫‪ .23‬عبد اهلادي بن ظافر الشهري‪ ،‬إسرتاتيجيات اخلطاب "مقاربة لسانية تداولية"‪ ،‬دار الكتاب اجلديد املتحدة‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪ 2004 ،01‬م‪.‬‬
‫‪.24‬علي عبد الواحد وايف‪ ،‬نشأة اللغة عند اإلنسان والطفل‪ ،‬دار هنضة مصر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 2002 ،‬م‪.‬‬
‫‪.25‬ابن فارس‪ ،‬الـمقاييس فـي اللغة‪ ،‬تح عبد السالم مـحمد هارون‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوراي‪ 1979 ،‬م‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫إنتاج إللغة وتفكيكها‪.‬‬ ‫إحملارضة إلثامنة‬

‫‪ .26‬فيليب بالئشيه‪ ،‬التداولية من أوست إىل غوفمان‪ ،‬ترمجة صابر احلباشة‪ ،‬دار احلوار للنشر والتوزيع‪ ،‬دمشق‪،‬‬
‫سوراي‪ ،‬ط ‪ 2007 ،01‬م‪.‬‬
‫‪.27‬كمال بشر‪ ،‬علم األصوات‪ ،‬دار غريب للطباعة والنشر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 2000 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .28‬مبارك مبارك‪ ،‬معجم املصطلحات األلسنية‪ ،‬دار الفكر اللبناين‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ 1995 ،‬م‪.‬‬
‫‪.29‬حممد اهلادي بوطارن‪ ،‬املصطلحات اللسانية والبالغية واألسلوبية والشعرية‪ ،‬دار الكتاب احلديث‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫‪ 2008‬م‪.‬‬
‫‪.30‬حممد علي كامل حممد‪ ،‬االنتباه واللغة بني االضطراب والتدخل السيكولوجي‪ ،‬دار الطالئع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫‪ 2006‬م‪.‬‬
‫‪.31‬مصطفى فهمي‪ ،‬أمراض الكالم‪ ،‬مكتبة مصر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 1998 ،‬م‪.‬‬
‫‪.32‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬تح‪ ،‬عبد هللا علي الكبيـر وآخرون‪ ،‬دار الـمعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 1998 ،‬م‪.‬‬
‫‪.33‬انيف خرما‪ ،‬أضواء على الدراسات اللغوية املعاصرة‪ ،‬عامل املعرفة‪ ،‬اجمللس الوطين للثقافة والفنون واآلداب‪،‬‬
‫الكويت‪ ،‬العدد ‪ ،09‬سبتمّب‪ 1978 ،‬م‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫احملارضة التاسعة‬
‫عل أمراض التخاطب ‪.1‬‬
‫عمل أمراض التخاطب ‪.1‬‬ ‫احملارضة التاسعة‬

‫توطئة‪:‬‬
‫إن العملية التخاطبية تنتقل عرب أجهزة اإلدراك املختلفة املتوفرة عند اإلنسان‪ ،‬أي مجيع احلواس اليت تعطينا‬
‫إحساسات (لغات) متنوعة فبوساطتها ميكن أن نتصل‪ ،‬ونتواصل مع العامل اخلارجي‪ ،‬ولعل الوظيفة املهيمنة عند اإلنسان‪،‬‬
‫هي اللغة اليت تعتمد الكالم‪ ،‬ومتثالته املختلفة‪ ،‬ومن مث ميكن أن نقسم اجلهاز التخاطيب إىل‪:‬‬
‫أجهزة استقبال‪ :‬ومنها جهازي اإلدراك املتمثلني يف األذن‪ ،‬والعني‪ ،‬فاألذن تستقبل الرسائل الشفوية‪ ،‬والعني تقوم ابلقراءة‪.‬‬
‫أجهزة تنفيذ لألوامر املخية املسدة للغة الكالمية‪ ،‬ومنها جهازي التصويت‪ ،‬والنطق املتدخلني يف عملية الكالم‪ ،‬وجهاز‬
‫الكتابة املتمثل يف اليد‪ ،‬وجهاز اإلدراك‪ ،‬والتنفيذ‪ ،‬ويتمثل يف الدماغ‪.‬‬
‫اضطراب عسر القراءة "‪:"Dyslexie‬‬
‫ال ينكر أحد األمهية القصوى لنشاط القراءة لبناء أطر املعرفة واستيعاب العلوم‪ ،‬والتقنيات املختلفة‪ ،‬كما يعترب‬
‫أداة ترفيه وراحة‪ ،‬وغالبا ما يكون هذا النشاط عاجزا عن حتقيق فوائده لتخلف بعض من أفراد املتمع عن اكتساب هذه‬
‫املهارة‪ ،‬وعدم إتقاهنا ابلدرجة اليت تسمح بتحصيل أكثر ملفاهيم الكتابة‪ ،‬مما دعا إىل ضرورة بناء برامج بيداغوجية تعتمد‬
‫طرق عدة قائمة على نظرايت خمتلفة‪ ،‬وشروط تعلمها‪ ،‬مما اضطر الباحثون إىل تبين املشاريع الرتبوية اليت تعطي تعليما‬
‫أرقى يف مستوى التعليم‪ ،‬والتكفل مبن يعاين عسر القراءة يف مدارس خاصة‪ ،‬وقامت هذه املشاريع على نظرايت حول‬
‫اختالل شروط إجناز النشاط القرائي‪ ،‬ومن فشل طرق تعلم القراءة‪.‬‬
‫تعريف عسر القراءة "‪:"Dyslexie‬‬
‫استعملت عدة مصطلحات للتعرف أو احلديث عن هذا االضطراب ابللغة العربية فقد يستعمل مباشرة مصطلح‬
‫"الديسالكسيا"‪ ،‬أو مصطلح "عسر القراءة" كما استعمل مصطلح "مرض خلل القراءة"‪ ،‬ومصطلح "العجز القرائي"‪ ،‬أو‬
‫"التأخر يف القراءة"‪ ،‬وعلى العموم فإن هذا املصطلح يتكون هذا املصطلح من "‪ "Dys‬ومعناه يف الالتينية القدمية الضعف‬
‫أو عدم الكفاية‪ ،‬ومن "‪ "lexie‬ويعين اللغة اللفظية ‪ ،1‬أو معىن القراءة؛ أي أن آلية نشاط القراءة ال تؤدي وظيفتها‬
‫ابلشكل املطلوب‪ ،‬وهذا املصطلح استحدثه طبيب العيون األملاين "رودولف برلني" "‪ "Rudolf Berlin‬يف القرن ‪،19‬‬
‫ووصفه بـ "صعوبة التعامل مع الكلمات"‪ ،‬أو "عُسر‪ /‬قصور القراءة"‪.‬‬
‫وجتدر اإلشارة أن مفهوم "عسر القراءة" استعمل ألول مرة يف الطب‪ ،‬وابلتايل كانت أكثر التعاريف تداوالً هي‬
‫التعاريف الطبية‪ ،‬وانتشر منوذج طيب لتفسري "عسر القراءة" أبنه عيب حيدث يف النظام البيولوجي يتم تصحيحه إذا كان‬
‫ذلك ممكنا من خالل مهنة الطب‪ ،‬وبدأت إحدى الرتبوايت ابإلشارة إىل الصعوابت اليت يواجهها أطفال "الدسلكسيا"‬
‫وكانت األكثر مصداقية‪ ،‬وأدى ذلك إىل إحداث منوذج تربوي ملعاجلة هذه الصعوابت‪ ،‬وضعت نظرايت أكثر حداثة‬
‫اعتربت عسر القراءة كواحد من احملددات ذات املنشأ االجتماعي‪ ،‬وحيتل النموذج االجتماعي اليوم مكانة هامة يف‬
‫تعريف "عسر القراءة"‪ ،‬حمتجة بذلك أبن املتمع هو الذي جيعل اليوم من "عسر القراءة" حاجزا يف احلياة بدال من‬
‫اعتبارها الشرط يف حد ذاهتا‪ ،‬وميكن تفسري الشرط هنا ابلقياس مثال ابستخدام كرسي متحرك لكن املكتب يف الطابق‬

‫‪1‬‬
‫حممد احلجار‪ ،‬الطب السلوكي املعاصر‪ ،‬دار العلم للماليني‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪ 1989 ،01‬م‪ ،‬ص ‪.176‬‬
‫‪99‬‬
‫عمل أمراض التخاطب ‪.1‬‬ ‫احملارضة التاسعة‬

‫العلوي‪ ،‬فإنه ليس الكرسي املتحرك احلا جز ولكن الدرج هي احلاجز يف ذلك‪ ،‬يقول البعض أهنا مزيج من االثنني‪ ،‬ولدينا‬
‫حىت اآلن النماذج التعليمية والنماذج املتمعية‪ ،‬واليت تتماشى مع بعضها جنبا إىل جنب‪.‬‬
‫إن عسر القراءة هو من االضطراابت اليت اختلف يف تعريفها العلماء‪ ،‬والباحثون لتشعبه‪ ،‬واختالف نظرايت‬
‫تفسريه؛ إذ يعرفها "صمؤيل أورتون" "‪ "Samuel Torrey Orton‬على أهنا‪" :‬صعوبة يف دمج العناصر الرمزية املدركة‬
‫يف الوحدة‪ ،‬كلمة كانت أم مجلة مهما تكن آليات هذا الدمج" ‪ ،1‬ويعرفها البعض على أهنا‪" :‬عدم القدرة الوالدية على‬
‫القراءة"‪ ،‬أما "روجيه ماكيلي" "‪ "Roger Mucchielli‬فيعرفها أبهنا "اضطراب اكتسح وبصورة تلقائية ميدان التعبري‪،‬‬
‫والتواصل" ‪ ،2‬أما عاملة النفس الفرنسية "سوزان بوريل ميزوين" "‪ "Suzanne Borel-Maisonny‬فتعرف "عسر‬
‫القراءة" على أنه‪" :‬صعوبة خاصة يف التعرف‪ ،‬والفهم‪ ،‬وإعادة إنتاج الرموز املكتوبة واليت من نتائجها اضطراب عميق‬
‫لتعلم القراءة والنحو" ‪ ،3‬أما الباحث األمريكي "فيليتينو" "‪ "F.R. Velitino‬فيعتربها‪" :‬مشكلة لغوية دقيقة هلا جذورها‬
‫يف جماالت أخرى منها عجز يف الرتميز الصويت؛ أي عدم القدرة على صوت الكلمة‪ ،‬والوصول هلا بغية تسهيل تذكرها"‬
‫‪ ،4‬وميكن تصنيف هذه التعاريف إىل ثالث جمموعات هي‪:‬‬
‫أ‪ -‬التعاريف الوصفية‪ :‬تتمثل يف مجع مظاهر االضطراب‪ ،‬وهذا اجلمع ال يشمل ما يدركه األولياء‪ ،‬واملربون فقط‪ ،‬لكن‬
‫أيضاً جزئيات األمراض كاخللط بني احلروف املتشاهبة من حيث الكتابة‪ ،‬أو النطق‪ ،‬واخللط بني األصوات‪ ،‬ومشاكل‬
‫اهليكلة الزمانية – املكانية‪ ،‬وهذا ما ملسناه يف تعريف "سوزان بوريل ميزوين"‪.‬‬
‫ب‪ -‬التعاريف الوراثية‪ :‬تتمثل يف تعريف "روجيه ماكيلي" الذي حصر االضطراب يف اختالل العالقة بني األان‪ ،‬والعامل‪،‬‬
‫انفياً بذلك عامل آخر ميكن أن يتدخل كالعامل العصيب‪ ،‬أو العامل الرتبوي‪.‬‬
‫ج‪ -‬التعاريف التصورية‪ :‬يتجلى يف تعريف "صمؤيل أورتون" الذي أعطى أمهية لتصور العنصر الرمزي الكتايب؛ أي أن‬
‫عسر القراءة هو خلل وظيفي ظاهر يف اإلدراك البصري‪ ،‬أو الذاكرة البصرية‪.‬‬
‫ولفهم عميق لفحوى االضطراب وجب علينا أن نتطرق إليه من جانبه السبيب والتشخيصي‪ ،‬مث نتطرق إىل أهم الطرق‬
‫العالجية املعتمدة ‪.5‬‬
‫أسباب عسر القراءة‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫نفسه‪ ،‬ص ‪.176‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Roger Mucchielli & Arlette Mucchielli-Bourcier, la dyslexie maladie du siècle, E.S.F, Paris,‬‬
‫‪France, 1968, P 84.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Suzanne Borel Maisonny, Langage oral et écrit, Delachaux et Niestlé, Paris, France, 1960, P 39.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Velitino, Dyslexie, Revue de science & vie, Montrouge, France, N° 06, 1987, P 18.‬‬
‫‪ 5‬اجلمعي بولعراس‪ ،‬مدخل إىل اللسانيات النفسية العصبية‪ ،‬مركز امللك عبد بن عبد العزيز خلدمة اللغة العربية‪ ،‬الرايض‪ ،‬اململكة العربية‬
‫السعودية‪ ،‬ط ‪ 2017 ،01‬م‪ ،‬ص ‪.311‬‬

‫‪100‬‬
‫عمل أمراض التخاطب ‪.1‬‬ ‫احملارضة التاسعة‬

‫لقد ظهرت عدة دراسات تفسر أسباب "عسر القراءة" منها من يرجعها إىل خلل وظيفي ظاهر يف اإلدراك‬
‫البصري‪ ،‬والذاكرة البصرية‪ ،‬ويذهب فيما بعد إىل أنه انتج عن أتخر يف النضج‪ ،‬نتيجة إخفاق أحد نصفي الدماغ يف‬
‫السيطرة على النمو اللغوي للطفل‪ ،‬وأبرز من ميثل هذا االجتاه العامل النفساين األمريكي "صمؤيل أورتون" عام ‪ 1925‬م‬
‫‪ ،1‬ولقد برهنت عدة دراسات‪ ،‬وأحباث على خطأ هذه الفرضية‪ ،‬وقدمت براهني كوجود أطفال معسوري القراءة لديهم‬
‫جانبية جيدة‪ ،‬فقد طلب من الضعاف يف القراءة أن ينسخوا أشكاال‪ ،‬وكلمات‪ ،‬وأعدادا عشوائية الرتتيب‪ ،‬بعد إلقاء نظرة‬
‫سريعة عليها‪ ،‬وطلب منهم بعد ذلك تسمية املنبهات‪ ،‬فوجد أن أولئك الضعاف يف القراءة استطاعوا أن ينسخوا احلروف‬
‫يف الكلمة املنبهة بشكل صحيح اجتاها‪ ،‬وترتيباً حىت عندما مل يتمكنوا من تسمية الكلمة بدقة‪ ،‬أما الفرضية الثانية‬
‫فتذهب إىل أن السبب الرئيسي هو ضعف والدي لوظيفة التحليل والرتكيب‪ ،‬هذه الوظيفة اليت من شأهنا أن تسمح‬
‫بتمييز احلروف يف مقطوعة كتابية‪ ،‬وجتميعها يف مقاطع‪ ،‬وكلمات‪.‬‬
‫ويف احلقيقة أن هذه الوظيفة ما هي إال مهارات فرعية من املكوانت األساسية‪ ،‬والضرورية لقابلية القراءة‪ ،‬هذا‬
‫من جهة ومن جهة أخرى ميكن القول على حد سواء إن الطفل يعاين ضعفا لغواي أعم يؤثر يف مجيع مهاراته الفرعية‪،‬‬
‫وهذا ما جعل عاملة النفس األمريكية "إيزابيل ليربمان" "‪ "Isabelle Yoffe Liberman‬تقول إن ضعاف القراءة ال‬
‫يعرفون بشكل واضح أنه ميكن تقطيع الكلمات املقروءة واملكتوبة إىل أصوات منفصلة‪ ،‬وهذا ما جيعل من الصعب‬
‫عليهم تعلم التعرف على الكلمات من خالل املسح األجبدي‪ ،‬وتركيب أصوات احلروف‪ ،‬أو ما يدعي حبل الرتميز الصويت‬
‫للكلمة‪.‬‬
‫ويعتقد أن ضعف التقطيع الصويت مظهر من مظاهر مشكلة أعم من الرتميز الصويت تتجلى يف اختزان الذاكرة‬
‫رموزاً عقيمة ألصوات احلروف‪ ،‬وألفاظ الكلمات‪ ،‬ولذلك فإن الكلمات ختتزن دون ترميز الصويت املناسب هلا‪ ،‬فإذا طلب‬
‫من الطفل أن يستعيد الكلمة املناسبة من الذاكرة‪ ،‬وجد أنه مل حيتفظ ابلدالالت املكانية ليتوصل إىل لفظ هذه الكلمة‪،‬‬
‫وهناك عدة فرضيات حسب العامل األمريكي "فيليتينو" تقول أن سبب "عسر القراءة" يكمن يف الوظائف غري اللغوية‪،‬‬
‫إحدى هذه الفرضيات هي فرضيات القصور االنتباهي اليت تنسب الصعوبة يف القراءة إىل عجز عام يف الرتكيز‪ ،‬واالنتباه‪،‬‬
‫والنقد املوجه هلذه الفرضية يتمثل يف أن األطفال الذين يعانون من هذه العجز يواجهون صعوبة يف أمور أخرى غري القراءة‬
‫وال ميثلون أولئك الذين تنحصر مشكلتهم يف القراءة‪ ،‬وبصفة عامة مت تصنيف نظرايت "عسر القراءة" إىل حماور رئيسة‪:‬‬
‫احملور األول‪ :‬يتمثل يف االضطراابت األدائية ذات األصل الوظيفي إذ غالباً ما يفسر االضطراب‪ ،‬ابضطراب اجلانبية‬
‫وصعوابت دمج الصورة اجلسدية‪ ،‬والتنظيم الزماين واملكاين ‪ ،‬وأتخر أو اضطراب اللغة‪ ،‬وعجز اإلدراك السمعي والبصري‪.‬‬
‫احملور الثاين‪ :‬يتمثل يف األسباب الوراثية فحسب طبيب األعصاب الربيطاين "ماك كريتشلي" " ‪Mac Donald‬‬
‫‪ "Critchley‬عسر القراءة راجع إىل أصل تكويين وليس للمحيط أي دخل يف ظهور‪ ،‬هذا ما برهن عليه "برتيل‬
‫هاجلرين" "‪ "Bertil Hallgren‬إذ وجد نسبته ‪ %89.7‬ختضع لسوابق عائلية يف عينة تتكون من ‪ 160‬معسور‬

‫‪1‬‬
‫حممد احلجار‪ ،‬الطب السلوكي املعاصر‪ ،‬ص ‪.179 /178‬‬
‫‪101‬‬
‫عمل أمراض التخاطب ‪.1‬‬ ‫احملارضة التاسعة‬

‫القراءة‪،‬كما أن دراسة ظهور هذا االضطراب عند التوائم وجدت يف دراسة مسحية بفرنسا سنة ‪ 1969‬أجريت على ‪18‬‬
‫زوجا من التوائم احلقيقة‪ ،‬أن نسبة ظهور االضطراب لديهم هي ‪.%100‬‬
‫احملور الثالث‪ :‬فقد أعطى أصحابه األولية لألسباب العصبية ففي دراسات الطبيب الفرنسي "ريتزان" " ‪Pierre‬‬
‫‪ "Debray-Ritzen‬وجد أن "عسر القراءة" كان موجوداً عند أطفال مصابني بعجز حركي ذي أصل عصيب مصحوب‬
‫خبصائص غري عادية للحفظ الدماغي الكهرابئي‪.‬‬
‫احملور الرابع‪ :‬وموضوعه األسباب الوجدانية فقد بني معظم الباحثني وجود اضطراابت وجدانية‪ ،‬وسلوكية عند الطفل‬
‫املصاب بعسر القراءة فحسب "ريتزان" طفالن من ثالثة يبدون املقاومة‪ ،‬العنف االنطواء حول الذات‪ ،‬التبول غري‬
‫اإلرادي‪ ،‬واضطراابت النوم‪ ،‬وقد اختلف فيما إذا كانت هذه االضطراابت نتيجة لعسر القراءة‪ ،‬أم أعراض رئيسية له‪،‬‬
‫ومن احملتمل أن تكون هذه االضطراابت رد الفعل ملشكل أعم‪.‬‬
‫احملور اخلامس‪ :‬وهو السبب االجتماعي الثقايف‪ ،‬فاضطراب "عسر القراءة" ليس له وجود‪ ،‬ولكن األمر يتعلق بعدم‬
‫تكيف ثقايف ألطفال الطبقات احملرومة اليت مل يرق مستواها اللغوي إىل املستوى املطلوب الذي تتمتع به الطبقات ذات‬
‫املستوى االقتصادي واالجتماعي العايل‪.‬‬
‫احملور السادس‪ :‬وهي السبب البيداغوجي‪ ،‬إذ أن "عسر القراءة" قد يكون راجعاً إىل نظام تربوي فاشل‪ ،‬وغري مكيف مع‬
‫قدرات الطفل‪ ،‬وال يستجيب ملستواه املعريف‪.‬‬
‫وميكن تقسيم أسباب "عسر القراءة" يف جممل أسباب اضطراابت اللغة عند الطفل على اختالف أنواعها إىل‪:‬‬
‫‪ .1‬األسباب الوظيفية أو النفسية‪ :‬وهي أسباب مرتبطة أبساليب التنشئة األسرية‪ ،‬واملدرسية وخاصة ما ارتبط منها‬
‫ابلعقاب أبشكاله املعنوية‪ ،‬واجلسدية‪ ،‬مما يؤدي إىل ظهور التأأتة‪ ،‬أو السرعة الزائدة يف الكالم‪ ،‬أو التلعثم‪.‬‬
‫‪ .2‬األسباب العصبية‪ :‬ويقصد بذلك تلك األسباب املرتبطة ابجلهاز العصيب املركزي‪ ،‬وما يصيب ذلك اجلهاز من‬
‫تلف‪ ،‬أو إصابة قبل‪ ،‬أو بعد‪ ،‬أو أثناء الوالدة‪ ،‬فاجلهاز العصيب مسؤول عن النطق واللغة‪ ،‬وتظهر االضطراابت‬
‫بشكل واضح لدى املصابني ابلشلل الدماغي‪ ،‬ومما يدل على آاثر األسباب العصبية مشكلة فقدان النطق‬
‫"‪ ،"Aphasia‬أو صعوبة القراءة‪ ،"dyslexia" ،‬أو الكتابة "‪ ،"Dysgraphia‬وصعوبة فهم الكلمات أو‬
‫اجلمل "‪ ،"Agnosia‬وصعوبة تركيب اجلمل من حيث قواعد اللغة ومعناها "‪ ،"language Deficit‬وكذلك‬
‫احلاالت الفردية إىل شكل من أشكال االضطراابت اللغوية مثل الشفة الشرماء "‪ ،"Cleft Lip‬وسقف احللق‬
‫املشقوق "‪ "Cleft Plate‬حيث يواجه صاحبها مشكلة يف نطق بعض احلروف مثل (ج‪ ،‬ل‪ ،‬ت‪ ،‬ط‪ ،‬د‪ ،‬ب‪،‬‬
‫ف) أو يف حالة اضطراب حركة اللسان وهي مشكلة يف نطق احلروف مثل (ت‪ ،‬ذ‪ ،‬ط‪ ،‬ر)‪ ،‬وحالة اضطراب‬
‫تناسق األسنان مشكلة نطق احلروف (ز‪ ،‬س‪ ،‬ي‪ ،‬ف‪ ،‬ذ‪ ،‬ز)‪.‬‬
‫‪ .3‬االضطراابت املرتبطة إبعاقات أخرى‪ :‬ويقصد بذلك أن االضطراابت تظهر بشكل مميز لدى األفراد ذوي‬
‫اإلعاقات السمعية‪ ،‬والعقلية‪ ،‬واالنفعالية‪ ،‬وصعوابت التعلم‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫عمل أمراض التخاطب ‪.1‬‬ ‫احملارضة التاسعة‬

‫‪ .4‬األسباب العضوية‪ :‬وتتعلق بسالمة األجهزة املسؤولة عن إصدار األصوات‪ ،‬ونطقها؛ مثل‪ :‬احلنجرة‪ ،‬ومزمار‬
‫احللق‪ ،‬والفكني‪ ،‬واألنف‪ ،‬والشفتني‪ ،‬واألسنان‪ ،‬واللسان‪ ،‬واليت تعد شرطا رئيسيا من شروط سالمة الفرد من‬
‫اضطراابت اللغة على اختالف أنواعها‪.‬‬
‫مؤشرات العسر القرائي‪:‬‬
‫توجد عالمات‪ ،‬ومؤشرات تساعد املدرس‪ ،‬أو القائم ابلتشخيص للتعرف على التالميذ الذين يعانون من العسر‬
‫القرائي‪ ،‬أو حتديدهم‪ ،‬وهذه املؤشرات‪ ،‬أو العالمات تساعد فقط يف التعرف على هؤالء التالميذ‪ ،‬وقد ورد يف األدب‬
‫السيكولوجي اخلاص ابلعسر القرائي العديد من هذه املؤشرات لعدد كبري من الباحثني والكتاب‪ ،‬يذكر "تومسون"‬
‫"‪ "Michel Thompson‬بعض املؤشرات اليت تظهر على األطفال الذين لديهم عسر قرائي‪ ،‬ومن هذه املؤشرات ‪:1‬‬
‫‪ .1‬هؤالء األطفال حتصيلهم يف القراءة أقل بصورة كبرية عما هو متوقع فيما يتعلق بعمرهم العقلي‪ ،‬وسنوات‬
‫تواجدهم ابملدرسة‪ ،‬وغالبا أقل حتصيلهم يف احلساب‪.‬‬
‫‪ .2‬هؤالء األطفال ال يظهرون أي دليل على وجود أي عجز متعلق حباسيت السمع‪ ،‬واإلبصار‪ ،‬أو تلف املخ‪ ،‬أو أي‬
‫احنراف أساسي ابلشخصية‪.‬‬
‫‪ .3‬يظهر هؤالء األطفال صعوبة كبرية يف تذكر مناذج الكلمة كاملة‪ ،‬وهو ال يتعلمون بسهولة من خالل الطريقة‬
‫البصرية للقراءة‪ ،‬ومييلون إلحداث نوع من االضطراابت فيما يتعلق ابلكلمات الصغرية‪ ،‬واليت تتشابه يف الشكل‬
‫العام‪.‬‬
‫‪ .4‬وهم قراء ضعاف فيما يتعلق جبانب القراءة اجلهرية‪ ،‬وأساسا فهم ضعاف من انحية اهلجاء على الرغم من أهنم‬
‫يستطيعون يف بعض األحيان التسميع‪ ،‬أو اسرتجاع قائمة حمفوظة من كلمات اهلجاء ملدة خمتلفة من الوقت‪.‬‬
‫عالج عسر القراءة‪:‬‬
‫حاول الباحثون وضع خطط عالجية لتحسني القدرة القرائية‪ ،‬وتكوين مهارات فعالة‪ ،‬ومستقلة يف القراءة لدى الطفل‪،‬‬
‫وقد اختلفت هذه اخلطط ابختالف نظرايت إعادة الرتبية اليت يتبناها كل ابحث‪ ،‬هذه النظرايت اليت ميكن تلخيصها‬
‫فيما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬نظرية "بوريل ميزوين" "‪ 2 "Suzanne Borel-Maisonny‬واليت ترتكز على العرض‪ ،‬ومفهوم صويت‪ -‬خطي‬
‫للنشاط القرائي‪.‬‬
‫‪ .2‬نظرية "بورسيه ماكيلي" "‪ "Arlette Mucchielli-Bourcier‬وهي ذات االجتاه النفسي لكنها أتخذ بعني‬
‫االعتبار العرض‪ ،‬واللغة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫ينظر‪ :‬أمحد عبد الكرمي محزة‪ ،‬سيكولوجية عسر القراءة‪ ،‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ط ‪ 2008 ،01‬م‪ ،‬ص ‪.16 ،15‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Suzanne Borel Maisonny, Langage oral et écrit, P 89.‬‬
‫‪103‬‬
‫عمل أمراض التخاطب ‪.1‬‬ ‫احملارضة التاسعة‬

‫‪ .3‬نظرية االجتاه النفسي فقط ‪.1‬‬


‫‪ .4‬نظرية "فرانسواز إستيان" "‪ 2 "Françoise Estienne‬واليت تتمحور حول النشاط اللغوي‪ ،‬ومفهوم التصور‬
‫اخلطي للقراءة‪.‬‬
‫ابإلضافة إىل هذا إن العالج يسطر خمططه حسب نوعية األخطاء وطريقة تعلم القراءة‪ ،‬هلذا فاالختصاصي يف‬
‫البلدان اليت وضعت فيها خمتلف املخططات ونذكر منها "فرنسا"‪ ،‬و"بلجيكا"‪ ،‬و"سويسرا"‪ ،‬جيد نفسه أمام كثري من‬
‫املشاريع العالجية اليت على الرغم من اختالف قواعد إعدادها إال أن النتائج اليت توصلت إليها كانت جد إجيابية‪،‬‬
‫وابلتايل ما على االختصاصي إال تطبيق ما يراه مناسباً لوجهة نظره‪ ،‬وما تتطلبه احلالة اليت أمامه‪.‬‬
‫اضطراابت الكتابة "‪:"dysgraphie‬‬
‫إن الكتابة هي وظيفة خاصة ابإلنسان‪ ،‬واحلضارة‪ ،‬فهي نشاط خاص جيعل من اللغة املنطوقة مادة‪ ،‬ويسمح‬
‫ابكتساب املعارف‪ ،‬وختزينها‪ ،‬واالتصاالت غري املباشرة اخلارجية عن إطار وجود املرسل‪ ،‬كما أن للكتابة دور الوسيلة‬
‫الفردية‪ ،‬والدور االجتماعي ب اعتبارها شكال من أشكال التعبري اللغوي إذ يدمج فيها اتصال رمزي بوساطة رموز‬
‫منفصلة عن بعضها البعض موضوعة من قبل اإلنسان‪ ،‬تلك الرموز تتغري حسب تغري احلضارات‪ ،‬وتعترب الكتابة اكتسااب‬
‫متأخرا نوعاً ما يف اتريخ اإلنساين‪ ،‬كما أهنا متأخرة عن اللغة املنطوقة من حيث التكوين‪.‬‬
‫إن الكتابة ابعتبارها نشاطا اصطالحيا‪ ،‬ومرمزا‪ ،‬ومثرة االكتساب الذي ال يكون ممكناً إال إذا توفر قسط معني‬
‫من النمو العقلي‪ ،‬واحلركي‪ ،‬والعاطفي‪ ،‬والكل يكون منسقاً يف إطار خاص‪ ،‬وذلك وفق معايري خاصة‪ ،‬وتتطلب الكتابة‬
‫تعلماً طويالً حبيث إن الفعل الكتايب هو فعل معقد‪ ،‬وحساس على املستوى العصيب‪ ،‬إنه يدخل احلركية العامة واحلركية‬
‫الدقيقة لليد‪ ،‬واألصابع‪ ،‬ويتطلب نضجاً فيزيولوجياً الذي يتوصل إليه الطفل تدرجيياً والذي جيعل منو الكتابة يرتبط بشكل‬
‫كبري بعمر الطفل‬
‫تعريف اضطراب الكتابة‪:‬‬
‫يعرف اضطراب "عسر الكتابة" على أنه صعوبة يف النشاط اخلطي‪ ،‬واضطراب يف منو الكتابة يشخص‬
‫ابتداء من السنة السابعة إىل الثامنة من عمر الطفل‪ ،‬وهو التشوه يف احلركة الكتابية‪ ،‬يف سري اخلط‪ ،‬وصعوبة الربط‪ ،‬وعدم‬
‫االنتظام يف ترك الفراغات بني الكلمات ‪ ،3‬كما يعرف "عسر الكتابة" بوجود املشكالت اخلطية اليت ال يتجاوزها الطفل‬
‫عند بلوغ سن معني‪ ،‬وإمنا تستمر معه مكونة بذلك هذا املرض‪ ،‬ويستخدم الباحثون احلوادث اخلطية لإلشارة إىل‬
‫املشكالت اليت تظهر يف البداية‪ ،‬ومييز "رميون تريالت" "‪ "Raymond Trillat‬بني نوعني من احلوادث اخلطية احلوادث‬

‫‪1‬‬
‫‪Pierre Debray-Ritzen & Flora Debray, Comment dépiste une dyslexie chez des petits écoliers,‬‬
‫‪Éditions Nathan, Paris, France, 1979, P 84 et les suites.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Françoise Estienne, Lecture et dyslexie, Ensycl Universitaire de Paris, Paris, France, 1983, P‬‬
‫‪102.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Jacqueline Peugeot, La Connaissance par l’écriture, Editions L'Harmattan, Paris, France, 2010,‬‬
‫‪P 101‬‬
‫‪104‬‬
‫عمل أمراض التخاطب ‪.1‬‬ ‫احملارضة التاسعة‬

‫اخلفيفة‪ ،‬ويالحظ فيها ما يلي اخللط بني احلروف املتشاهبة يف النطق واخللط بني احلروف الغنية‪ ،‬احلوادث اخلطرية‪،‬‬
‫ويالحظ فيها قلب للحروف‪ ،‬وهو األمر الذي يشري إىل عدم توازن مكاين‪ ،‬وكتابة مقلوبة تظهر خاصة عند اليساريني‪،‬‬
‫وعدم اتباع السطر املستقيم يف الكتابة‪.‬‬
‫ويعترب بعض علماء النفس املدرسي‪ ،‬واألخصائيني النفسانيني‪ ،‬وعلماء األعصاب أبن هناك جمموعة من األطفال‬
‫لديهم مستوى عادي من الذكاء‪ ،‬ويفشلون يف التعلم بسبب صعوابت عصبية عضوية‪ ،‬واليت ترتكز على االضطراابت‬
‫العضوية مثل‪" :‬عسر الكتابة"‪ ،‬واليت تعين ضعف القدرة على التعبري عن األفكار بلغة مكتوبة‪ ،‬واإلعاقات اإلدراكية‪ ،‬وقد‬
‫متثلت املصطلحات اليت قامت على منط مصطلح عسر الكتابة يف جمموعتني‪:‬‬
‫األوىل تبدأ ابحلرف الالتيين "‪"A‬؛ والذي يعين "بدون"‪ ،‬أو "الفقدان التام"‪ ،‬والثانية تبدأ ابملقطع الالتيين "‪ "Dys‬والذي‬
‫يشري إىل احلالة املضطربة‪ ،‬أو الفقدان اجلزئي‪ ،‬وعلى هذا األساس فإن مصطلح "أجرايف" "‪"Agraphie‬؛ وتعين الفقدان‬
‫التام للقدرة على التعبري عن األفكار بلغة مكتوبة‪ ،‬و"ديس جرايف" "‪ "Dysgraphie‬فيشري إىل مدى االضطراب يف‬
‫القدرة على أداء احلركات الدقيقة بصفة خاصة كما يف الكتابة‪ ،‬والرسم ‪.1‬‬
‫فصعوبة الكتابة هي "عبارة عن مستوى من الكتابة اليدوية ابلغ السوء‪ ،‬أو عدم القدرة على أداء احلركات‬
‫الالزمة للكتابة‪ ،‬وهي حالة ترتبط ابضطراب يف وظائف املخ" ‪ ،2‬كما يرى البعض أن صعوابت الكتابة ترجع إىل صعوبة‬
‫التحكم يف العضالت الصغرية أو الدقيقة‪ .‬وهذه تقف أمام قدرة الطفل على ضبط التآزر احلركي لألصابع اليت تعتمد‬
‫عليها كتابة احلروف أو األشكال أو الصيغ والكلمات ‪.3‬‬
‫فصعوبة أو عسر الكتابة يتعلق ابللغة املكتوبة‪ ،‬وهي عبارة عن "اضطراب يف التمثيل اخلطي ألشكال‬
‫احلروف‪ ،‬واجتاهاهتا يف حيزها املكاين‪ ،‬والتنسيق بينها‪ ،‬فالطفل يرسم احلروف‪ ،‬وال يكتبها فهو يرمسها دون معرفة أساس‪،‬‬
‫ومبدأ كل حرف من حيث التوجيه املكاين" ‪ ،4‬ويعرف " كرميان بدير" صعوبة الكتابة أبهنا "عبارة عن تشوه يف شكل‬
‫احلروف‪ ،‬أو تباعد حجمها‪ ،‬وتباعد املسافات بني الكلمات‪ ،‬مع متايل السطور‪ ،‬وتباعد درجات ضغط القلم أثناء الكتابة‬
‫‪ ،5‬وتوصف هذه احلالة أبهنا فشل يف إنتاج لغة مقبولة‪ ،‬وقابلة للفهم‪ ،‬والقراءة‪ ،‬بشكل يعكس املعرفة ابملوضوع الذي‬
‫كتب عنه‪ ،‬ويواجه التالميذ ذوي صعوابت التعلم مشاكل يف اخلط‪ ،‬حيث أن كتاابهتم خبط اليد عادة ما تكون بطيئة‪،‬‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬عبد الناصر أنيس عبد الوهاب‪ ،‬الصعوابت اخلاصة يف التعلم األسس النظرية والتشخيصية‪ ،‬دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر‪،‬‬
‫االسكندرية‪ ،‬مصر‪ 2003 ،‬م‪ ،‬ص ‪.120‬‬
‫‪ 2‬نبيل عبد الفتاح حافظ‪ ،‬صعوابت التعلم والتعليم العالجي‪ ،‬مكتبة زهراء الشرق‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ 2000 ،01‬م‪ ،‬ص ‪.03‬‬
‫‪ 3‬فتحي مصطفى الزايت‪ ،‬صعوابت التعلم‪ ،‬دار املسرية للنشر والتوزيع والطباعة‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ط ‪ 1997 ،01‬م‪ ،‬ص ‪.516‬‬
‫‪ 4‬حورية ابي‪ ،‬عالج اضطراابت اللغة املنطوقة واملكتوبة يف املدارس العادية‪ ،‬دار القلم للنشر والتوزيع‪ ،‬الكويت ط ‪ 2002 ،01‬م‪ ،‬ص‬
‫‪.86‬‬
‫‪ 5‬كرميان بدير‪ ،‬التعلم اإلجيايب وصعوابت التعلم‪ :‬رؤية تربوية ونفسية معاصرة‪ ،‬عامل الكتب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ 2006 ،01‬م‪ ،‬ص ‪.164‬‬
‫‪105‬‬
‫عمل أمراض التخاطب ‪.1‬‬ ‫احملارضة التاسعة‬

‫وغري مقروءة‪ ،‬ويف جمال التعبري الكتايب‪ ،‬فإن األطفال ذوي صعوابت التعلم يرتكبون الكثري من األخطاء القواعدية‪،‬‬
‫واألسلوبية ‪.1‬‬
‫تتشكل صعوبة الكتابة سواء يف جمال اإلمالء‪ ،‬أو التعبري الكتايب‪ ،‬وترجع مشكالت التعبري إىل القلق‪ ،‬وضحالة‬
‫املعرفة‪ ،‬وعدم القدرة على صياغة مجل مرتابطة تراعي القواعد النحوية‪ ،‬والتنقيط‪ ،‬ويكثر فيها عكس احلروف‪ ،‬ووضع‬
‫النقط يف غري مكاهنا‪ ،‬وعدم التزام السطور يف الكتابة ‪ ،2‬إن تعلم الطفل للكتابة يرتبط بكونه انضجا‪ ،‬وله قدر كاف من‬
‫الرغبة‪ ،‬واالهتمام يف تعلم كيفية الكتابة‪ ،‬كما البد أن يطور الطفل التناسق احلركي‪ ،‬والبصري‪ ،‬والتوجه املكاين‪ ،‬وصورة‬
‫اجلسم‪ ،‬وضبطه مبا خيدم الكتابة‪ ،‬وحتديد اليد املفضلة‪ ،‬وهبذا ترتبط صعوابت الطفل يف الكتابة ابلعديد من العوامل اليت‬
‫ميكن تقسيمها إىل شقني مها ‪:‬‬
‫‪ .1‬عوامل خاصة ابلطفل "عوامل داخلية"‪.‬‬
‫‪ .2‬عوامل خاصة ابلبيئة األسرية‪ ،‬واملدرسية‪.‬‬
‫وفيما يلي عرض هلذه العوامل‪.‬‬
‫أ‪ -‬العوامل املرتبطة ابلطفل‪ :‬وتشمل‪:‬‬
‫‪ .1‬عوامل نفسية عصبية‪ :‬إن حدوث أي خلل يف اجلهاز العصيب املركزي لدى الطفل الذي يعاين من صعوابت التعلم‬
‫ينعكس متاما على سلوك الطفل‪ ،‬وهو ما يؤدي إىل حدوث قصور‪ ،‬أو خلل‪ ،‬أو اضطراب يف الوظائف املعرفية‪،‬‬
‫واإلدراكية‪ ،‬واللغوية‪ ،‬واألكادميية‪ ،‬واملهارات السلوكية‪ ،‬ومنها مهارة الكتابة ‪.3‬‬
‫‪ .2‬عوامل انفعالية‪ :‬إن اضطراب بعض الوظائف النفسية العصبية لدى ذوي صعوابت التعلم يرتك آاثره على النواحي‬
‫االنفعالية‪ ،‬حيث لوحظ على هؤالء األطفال االكتئاب‪ ،‬واإلحباط‪ ،‬وامليل إىل االنسحاب من مواقف التنافس التحصيلي‬
‫القائم على استخدام الكتابة والتعبري الكتايب‪ ،‬إضافة إىل الغياب املتكرر من حصص التعبري واإلمالء‪ ،‬كما لوحظ عليهم‬
‫كذلك افتقار القدرة على التآزر احلسي احلركي‪ ،‬واستخدام اليد‪ ،‬واألصابع‪ ،‬وإدراك املسافات‪ ،‬والعالقات بني احلروف‪،‬‬
‫والرموز‪ ،‬والكلمات ‪.4‬‬

‫‪ 1‬أسامة حممد البطانية وآخرون‪ ،‬علم النفس الطفل غري العادي‪ ،‬دار املسرية للنشر والتوزيع والطباعة‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ط ‪ 2007 ،01‬م‪،‬‬
‫ص ‪.216 ،215‬‬
‫‪ 2‬مصطفى نوري القمش وآخرون‪ ،‬سيكولوجية األطفال ذوي االحتياجات اخلاصة‪ ،‬دار املسرية للنشر والتوزيع والطباعة‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪،‬‬
‫ط ‪ 2007 ،01‬م‪ ،‬ص ‪.181‬‬
‫‪ 3‬سامي حممد ملحم‪ ،‬صعوابت التعلم‪ ،‬دار املسرية للنشر والتوزيع والطباعة‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ط ‪ 2002 ،01‬م‪ ،‬ص ‪.310‬‬
‫‪ 4‬فتحي مصطفى الزايت‪ ،‬صعوابت التعلم‪ ،‬ص ‪.496‬‬
‫‪106‬‬
‫عمل أمراض التخاطب ‪.1‬‬ ‫احملارضة التاسعة‬

‫‪ .3‬اضطراب اإلدراك البصري‪ :‬يستدعي تعلم الطفل للكتابة التمييز البصري بني األشكال‪ ،‬واحلروف‪ ،‬والكلمات‬
‫واألعداد‪ ،‬وكذا متييز االجتاهات "اليمني‪ ،‬واليسار"‪ ،‬ومتييز اخلط "الرأسي واألفقي"‪ ،‬ومطابقة األشكال على مناذجها‪،‬‬
‫ورسم اخلرائط‪ ،‬واستخدامها‪ ،‬وكل هذا إذا مل يتعلمه الطفل سيؤدي إىل صعوابت تعلم الكتابة ‪.1‬‬
‫‪ .4‬اضطراب الذاكرة البصرية‪ :‬إن من العوامل املسامهة يف ظهور صعوبة الكتابة لدى الطفل هو صعوبة تذكر أشكال‬
‫احلروف‪ ،‬والكلمات‪ ،‬والتعرف عليها بصراي‪ ،‬رغم أن بصره سليم‪ ،‬ويعرف اضطراب الذاكرة البصرية بصعوبة يف استدعاء‪،‬‬
‫أو إعادة إنتاج احلروف‪ ،‬والكلمات من الذاكرة‪ ،‬والذي ميكن مالحظته عندما حياول الطفل تشكيل سلسلة احلروف اليت‬
‫يتم تذكرها‪ ،‬فعدم قدرة الطفل معرفة األشياء ابلرغم من سالمة احلاسة البصرية يدعى بفقدان الذاكرة البصرية ‪.2‬‬
‫‪ .5‬نقص الدافعية‪ :‬وقد يرجع هذا العامل إىل دور كل من املعلمني‪ ،‬والوالدين املنعدم يف تشجيع الطفل‪ ،‬واستثارته‪،‬‬
‫ومكافأته‪ ،‬وتعليمه خطوة خطوة فضال عن ميله للحركة الزائدة‪ ،‬وفرط النشاط‪ ،‬واللهو‪ ،‬واللعب ‪.3‬‬
‫ب‪ -‬العوامل املتعلقة ابلبيئة املدرسية واألسرية‪:‬‬
‫أمجع املختصون يف جمال صعوابت التعلم أنه ال ميكن احلديث عن صعوبة الكتابة مبعزل عن العوامل األسرية‬
‫واملدرسية‪ ،‬حيث أثبتت الدراسات أن دور كل من األسرة‪ ،‬واملدرس‪ ،‬ونوعية التدريس تظل عوامل رئيسية تدعم تعلم‬
‫التلميذ‪ ،‬ذلك أن صعوابت التعلم تظل ظاهرة متعددة األبعاد‪ ،‬وأهنا ذات آاثر سلبية‪ ،‬ومشكالت تتجاوز النواحي‬
‫األكادميية إىل نواح أخرى انفعالية‪ ،‬واجتماعية تلقي بظالهلا على شخصية الطفل من مجيع النواحي‪ ،‬وهذا ما شجع‬
‫الباحثني على االهتمام ابلعوامل األسرية‪ ،‬واملدرسية‪ ،‬ومدى فاعليتها يف تنمية‪ ،‬وتطوير عملية التعلم عند الطفل ‪ ،4‬وتتمثل‬
‫هذه العوامل فيما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬غياب دور األسرة يف متابعة الطفل‪ :‬ال أحد ينكر أن الكتابة هي إحدى املهارات اليت تستوجب التدريب املستمر‪،‬‬
‫ومبا أن وقت احلصة يف املدرسة غري كاف لتمرين الطفل على الكتابة الصحيحة‪ ،‬فال بد من استكمال هذا التدريب يف‬
‫املنزل؛ أي املتابعة مع األسرة اليت أييت دورها يف متابعة منو قدرة اإلتقان لدى الطفل‪ ،‬وحتسني الكتابة اليدوية‪ ،‬ألن‬
‫الفشل‪ ،‬واإلمهال يف هذا سيؤدي ال حمالة إىل صعوابت تعلم الكتابة‪ ،‬وابلتايل خيفق الطفل‪ ،‬وال يتمكن من كتابة كثري من‬
‫الكلمات‪ ،‬واجلمل بشكل صحيح‪ ،‬وسليم ‪.5‬‬
‫‪ .2‬طرق التدريس السيئة‪ :‬جيمع هذا العامل بني األسرة‪ ،‬واملدرسة معا‪ ،‬ونعين بطريقة التدريس السيئة االنتقال من‬
‫أسلوب آلخر يف تعليم الكتابة‪ ،‬ونقصد بذلك كتابة حروف منفصلة‪ ،‬وحروف متصلة دون مربر بعد أن يكون التلميذ قد‬

‫‪ 1‬حممد عوض هللا سامل وآخرون‪ ،‬صعوابت التعلم التشخيص والعالج‪ ،‬دار الفكر للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ط ‪ 2006 ،02‬م‪ ،‬ص‬
‫‪.172‬‬
‫‪ 2‬أسامة حممد البطانية وآخرون‪ ،‬علم النفس الطفل غري العادي‪ ،‬ص ‪.159‬‬
‫‪ 3‬حممد عوض هللا سامل وآخرون‪ ،‬صعوابت التعلم التشخيص والعالج‪ ،‬ص ‪.172‬‬
‫‪ 4‬سامي حممد ملحم‪ ،‬صعوابت التعلم‪ ،‬ص ‪.311‬‬
‫‪ 5‬حممد عوض هللا سامل وآخرون‪ ،‬صعوابت التعلم التشخيص والعالج‪ ،‬ص ‪.173‬‬
‫‪107‬‬
‫عمل أمراض التخاطب ‪.1‬‬ ‫احملارضة التاسعة‬

‫تعود على أسلوب واحد‪ ،‬إضافة إىل االكتفاء مبتابعة التلميذ يف حصص اخلط فقط دون غريها من احلصص؛ مثل‪:‬‬
‫اإلمالء‪ ،‬التعبري‪ ،‬التطبيق ‪ ،...‬وكذا غياب احلوافز للتلميذ لزايدة الرغبة يف تعلم مهارات الكتابة‪ ،‬إضافة إىل التدريس‬
‫اجلماعي الذي ال يراعي قدرات وميول التلميذ اخلاصة ‪.1‬‬
‫ويشري البعض أن هناك ثالثة أنواع من صعوابت الكتابة‪ ،‬واليت تظهر لدى ذوي صعوابت التعلم بشكل جلي‬
‫وتتمثل يف ‪:2‬‬
‫‪ .1‬أن التالميذ ذوي صعوابت التعلم ال يعرفون اهلدف من الكتابة‪.‬‬
‫‪ .2‬أن كتاابهتم تفتقر إىل الطالقة‪.‬‬
‫‪ .3‬ال يفهمون بشكل جيد اسرتاتيجيات الكتابة؛ مثل‪ :‬التخطيط‪ ،‬والتنظيم‪ ،‬وكتابة النسخة األولية‪ ،‬والتحرير‪.‬‬
‫وميكن مالحظة صعوبة الكتابة لدى الطفل من خالل طريقة جلوسه‪ ،‬ومسكه للقلم‪ ،‬ومن خالل كراسته‪،‬‬
‫حيث تظهر صعوبة الكتابة من خالل إمساك القلم بطريقة غري صحيحة بشكل ال حيقق املرونة أثناء الكتابة‪ ،‬تقرتب فيها‬
‫األصابع بشدة من القلم‪ ،‬ووضع الورقة بطريقة غري مناسبة‪ ،‬مع االقرتاب‪ ،‬أو االبتعاد كثريا ابلرأس عن الورقة كما قد تكون‬
‫عيوهنم قريبة جدا من الصفحة عند الكتابة ‪.3‬‬
‫ويرى البعض أن الغالبية العظمى من التالميذ ذوي صعوابت التعلم لديهم مشكالت ذات درجة كبرية يف‬
‫الكتابة‪ ،‬ويضيف أن االختبار الذي مت على النتاج الكتايب هلؤالء التالميذ يشري إىل ما يلي ‪:4‬‬
‫‪ .1‬حتتوي أوراقهم يف الغالب على أخطاء يف التهجي‪ ،‬واستعمال الفواصل‪ ،‬والنقاط‪ ،‬واحلروف االستهاللية‪.‬‬
‫‪ .2‬يالحظ أن لديهم صعوبة يف تنفيذ العمليات الالزمة للكتابة الفعالة‪.‬‬
‫‪ .3‬يظهر أن كتاابهتم متيل نوعا ما إىل أن تكون مكتوبة بطريقة غري عادية قصرية‪ ،‬وضعيفة التنظيم‪.‬‬
‫‪ .4‬تبدو مراجعاهتم لكتاابهتم غري فعالة‪ ،‬وتتميز ابلتبسيط يف اكتشاف‪ ،‬وتصحيح األخطاء امليكانيكية‪.‬‬
‫وميكن أن حندد بشكل عام عدة أشكال من الصعوابت يف قدرة األطفال ذوي صعوابت التعلم على كتابة‬
‫موضوعات التعبري فيما يلي ‪:5‬‬
‫‪ .1‬مشكلة يف التعبري عن األفكار اجليدة على الورقة‪.‬‬
‫‪ .2‬عدم تنظيم الكتابة‪.‬‬

‫‪ 1‬ينظر‪ :‬نبيل عبد الفتاح حافظ‪ ،‬صعوابت التعلم والتعليم العالجي‪ ،‬ص ‪.112‬‬
‫‪ 2‬أسامة حممد البطانية وآخرون‪ ،‬علم النفس الطفل غري العادي‪ ،‬ص ‪.216‬‬
‫‪ 3‬ينظر‪ :‬عبد الناصر أنيس عبد الوهاب‪ ،‬الصعوابت اخلاصة يف التعلم األسس النظرية والتشخيصية‪ ،‬ص ‪ ،120‬وينظر‪ :‬أسامة حممد‬
‫البطانية وآخرون‪ ،‬علم النفس الطفل غري العادي‪ ،‬ص ‪.168‬‬
‫‪ 4‬حممد علي كامل‪ ،‬صعوابت التعلم األكادميية بني الفهم واملواجهة‪ ،‬مركز االسكندرية للكتاب‪ ،‬االسكندرية‪ ،‬مصر‪ 2003 ،‬م‪ ،‬ص ‪.55‬‬
‫‪ 5‬خالد حممد أبو شعرية وآخرون‪ ،‬صعوابت التعلم بني النظرية والتطبيق‪ ،‬مكتبة املتمع العريب للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ط ‪،01‬‬
‫‪ 2009‬م‪ ،‬ص ‪.35 ،34‬‬
‫‪108‬‬
‫عمل أمراض التخاطب ‪.1‬‬ ‫احملارضة التاسعة‬

‫‪ .3‬خط اليد غري واضح‪ ،‬ومشوه بشكل يصعب على القراءة‪.‬‬


‫‪ .4‬تباعد األحرف‪ ،‬وحجمها غري مالئم‪.‬‬
‫‪ .5‬استعمال غري مالئم لرتاكيب النص‪.‬‬
‫‪ .6‬كثرة األخطاء النحوية‪ ،‬وأخطاء الرتقيم داخل اجلمل‪.‬‬
‫‪ .7‬حذف بعض األحرف‪ ،‬والكلمات‪.‬‬
‫‪ .8‬التنظيم الرديء للفقرات‪.‬‬
‫‪ .9‬عدم القدرة على الكتابة املرتبة من هامش السطر‪.‬‬
‫‪.10‬عدم القدرة على وضع‪ ،‬واستعمال الفواصل‪.‬‬

‫مصادر ومراجع احملاضرة‪:‬‬

‫‪ .1‬أمحد عبد الكرمي محزة‪ ،‬سيكولوجية عسر القراءة‪ ،‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ط ‪ 2008 ،01‬م‪.‬‬
‫‪ .2‬أسامة حممد البطانية وآخرون‪ ،‬علم النفس الطفل غري العادي‪ ،‬دار املسرية للنشر والتوزيع والطباعة‪ ،‬عمان‪،‬‬
‫األردن‪ ،‬ط ‪ 2007 ،01‬م‪.‬‬
‫‪ .3‬اجلمعي بولعراس‪ ،‬مدخل إىل اللسانيات النفسية العصبية‪ ،‬مركز امللك عبد بن عبد العزيز خلدمة اللغة العربية‪،‬‬
‫الرايض‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪ ،‬ط ‪ 2017 ،01‬م‪.‬‬
‫‪ .4‬حورية ابي‪ ،‬عالج اضطراابت اللغة املنطوقة واملكتوبة يف املدارس العادية‪ ،‬دار القلم للنشر والتوزيع‪ ،‬الكويت ط‬
‫‪ 2002 ،01‬م‪.‬‬
‫‪ .5‬خالد حممد أبو شعرية وآخرون‪ ،‬صعوابت التعلم بني النظرية والتطبيق‪ ،‬مكتبة املتمع العريب للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ط ‪ 2009 ،01‬م‪.‬‬
‫‪ .6‬سامي حممد ملحم‪ ،‬صعوابت التعلم‪ ،‬دار املسرية للنشر والتوزيع والطباعة‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ط ‪ 2002 ،01‬م‪.‬‬
‫‪ .7‬عبد الناصر أنيس عبد الوهاب‪ ،‬الصعوابت اخلاصة يف التعلم األسس النظرية والتشخيصية‪ ،‬دار الوفاء لدنيا‬
‫الطباعة والنشر‪ ،‬االسكندرية‪ ،‬مصر‪ 2003 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .8‬فتحي مصطفى الزايت‪ ،‬صعوابت التعلم‪ ،‬دار املسرية للنشر والتوزيع والطباعة‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ط ‪1997 ،01‬‬
‫م‪.‬‬
‫‪ .9‬كرميان بدير‪ ،‬التعلم اإلجيايب وصعوابت التعلم‪ :‬رؤية تربوية ونفسية معاصرة‪ ،‬عامل الكتب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‬
‫‪ 2006 ،01‬م‪.‬‬
‫‪.10‬حممد احلجار‪ ،‬الطب السلوكي املعاصر‪ ،‬دار العلم للماليني‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪ 1989 ،01‬م‪.‬‬
‫‪ .11‬حممد علي كامل‪ ،‬صعوابت التعلم األكادميية بني الفهم واملواجهة‪ ،‬مركز االسكندرية للكتاب‪ ،‬االسكندرية‪،‬‬
‫مصر‪ 2003 ،‬م‪.‬‬
‫‪109‬‬
.1 ‫عمل أمراض التخاطب‬ ‫احملارضة التاسعة‬

،‫ األردن‬،‫ عمان‬،‫ دار الفكر للنشر والتوزيع‬،‫ صعوابت التعلم التشخيص والعالج‬،‫ حممد عوض هللا سامل وآخرون‬.12
.‫ م‬2006 ،02 ‫ط‬
‫ دار املسرية للنشر والتوزيع‬،‫ سيكولوجية األطفال ذوي االحتياجات اخلاصة‬،‫ مصطفى نوري القمش وآخرون‬.13
.‫ م‬2007 ،01 ‫ ط‬،‫ األردن‬،‫ عمان‬،‫والطباعة‬
2000 ،01 ‫ ط‬،‫ مصر‬،‫ القاهرة‬،‫ مكتبة زهراء الشرق‬،‫ صعوابت التعلم والتعليم العالجي‬،‫ نبيل عبد الفتاح حافظ‬.14
.‫م‬
:‫املراجع األجنبية‬

1. Françoise Estienne, Lecture et dyslexie, Ensycl Universitaire de Paris, Paris,


France, 1983.
2. Jacqueline Peugeot, La Connaissance par l’écriture, Editions L'Harmattan,
Paris, France, 2010.
3. Pierre Debray-Ritzen & Flora Debray, Comment dépiste une dyslexie chez des
petits écoliers, Éditions Nathan, Paris, France, 1979.
4. Roger Mucchielli & Arlette Mucchielli-Bourcier, la dyslexie maladie du siècle,
E.S.F, Paris, France, 1968..
5. Suzanne Borel Maisonny, Langage oral et écrit, Delachaux et Niestlé, Paris,
France, 1960.
6. Velitino, Dyslexie, Revue de science & vie, Montrouge, France, N° 06, 1987.

110
‫احملارضة العارشة‬
‫عل أمراض التخاطب ‪.2‬‬
‫عمل أمراض التخاطب وعيوب النطق ‪.2‬‬ ‫احملارضة العارشة‬

‫توطئة‪:‬‬
‫إ ن أهم ما مييز اإلنسان عن الكائنات األخرى قدرته على الكالم؛ أي‪ :‬التحدث ابللغة‪ ،‬حبيث مكنت اللغة‬
‫اإلنسان من بناء‪ ،‬وتطوير حضارته اليت يلزمها السلوك‪ ،‬والتفكري‪ ،‬وخماطبة من حوله من بين جنسه‪ ،‬وهناك لغات‪،‬‬
‫وهلجات متعددة بني األجناس البشرية املختلفة‪ ،‬ومن املعروف علميًّا أن الصوت يف اإلنسان حيدث نتيجة الستخدامه‬
‫اهلواء اخلارج من الرئتني يف إحداث ذبذبة للحبلني الصوتيني املوجودين يف صندوق الصوت "تفاحة آدم"‪ ،‬أو احلنجرة‪،‬‬
‫وي الحظ أن كل شخص له صوته املميز عند الكالم‪ ،‬وذلك ألن مرور اهلواء يف الفم‪ ،‬واألنف يؤثر على الصوت املنتج‪،‬‬
‫وهذا هو الذي يسبب الصوت املميز للفرد‪ ،‬ويعد اللسان هو عضو الكالم الرئيس‪ ،‬إضافة إىل وظيفته يف عملية التذوق‪،‬‬
‫كما أن هناك أجزاء أخرى تشرتك يف عملية النطق‪.‬‬
‫والكالم هو وظيفة‪ ،‬أو سلوك يهدف إىل نقل املعاين إىل الغري والتأثري عليه بواسطة الرموز اليت قد تكون كلمات‪،‬‬
‫رموزا رايضية‪ ،‬أو إشارات‪ ،‬أو نغمات‪ ،‬أو إمياءات‪ ،‬وعالوة على كون الكالم وسيلة اتصال بني الفرد وغريه فإن له‬ ‫أو ً‬
‫عالقة كبرية ابلعمليات العقلية‪ ،‬والفكرية‪ ،‬والسلوكية‪ ،‬ويقول البعض "إن الكالم وليد العقل‪ ،‬وعالقة الكالم ابلعقل عالقة‬
‫املعلول ابلعلة ألن الكالم أداة اصطنعها العقل‪ ،‬لذلك فإن للكالم واللغة أثرا يف تكوين الفكر ومنوه‪ ،‬وموضوع اضطراابت‬
‫النطق والكالم من املواضيع اهلامة اليت لقيت اهتماما كبريا من طرف الدارسني القدامى‪ ،‬وعلماء الرتبية‪ ،‬وعلماء علم‬
‫النفس‪ ،‬وعلماء األرطفونيا وغريهم‪.‬‬
‫اضطراابت النطق والكالم‪:‬‬
‫تعرف اضطراابت النطق والكالم‪ ،‬أبهنا اضطراب ملحوظ يف النطق‪ ،‬أو الصوت‪ ،‬أو الطالقة الكالمية‪ ،‬أو‬
‫التأخر اللغوي‪ ،‬أو عدم تطور اللغة التعبريية‪ ،‬أو اللغة االستقبالية‪ ،‬األمر الذي جيعل الطفل حباجة إىل برامج عالجية‪ ،‬أو‬
‫تربوية خاصة‪ ،‬وحىت نطلق على الصعوبة يف التواصل اضطرااب ال بد من أن تتوافر الشروط اآلتية‪:‬‬
‫‪ .1‬اخلطأ يف عملية إرسال الرسائل‪ ،‬أو استقباهلا‪.‬‬
‫‪ .2‬إذا أثر هذا اخلطأ على الفرد تعليما‪ ،‬أو اجتماعيا‪.‬‬
‫‪ .3‬إذا أثرت هذه الصعوبة على تعامل الفرد مع اآلخرين حبيث يكونون اجتاها سلبيا حنوه‪.‬‬
‫وتنتشر هذه االضطراابت بني الصغار والكبار‪ ،‬وهي حتدث يف الغالب لدى الصغار نتيجة أخطاء يف إخراج‬
‫أصوات حروف الكالم من خمارجها‪ ،‬وعدم تشكيلها بصورة صحيحة‪ ،‬وختتلف درجات النطق من جمرد اللثغة البسيطة إىل‬
‫االضطراب احلاد‪ ،‬حيث خيرج الكالم غري مفهوم نتيجة احلذف‪ ،‬واإلبدال‪ ،‬والتشويه‪ ،‬وقد حتدث لدى بعض الكبار‬
‫نتيجة إصابة يف اجلهاز العصيب املركزي‪ ،‬ويؤدي ذلك إىل إنتاج الكالم بصعوبة‪ ،‬أو بعناء ‪.1‬‬
‫وهناك تصنيفات متعددة الضطراابت النطق والكالم ختتلف حسب األسس اليت يعتمد عليها يف التصنيف فمن‬
‫الباحثني من يصنف االضطراابت الكالمية إىل اضطراابت يرجع أساسها إىل عوامل عضوية واضحة؛ مثل‪ :‬األفازاي أو‬
‫احتباس الكالم‪ ،‬أو إىل اضطراابت ترجع إىل عوامل وظيفية مثل فقد الكالم اهلستريي‪ ،‬واألسباب العضوية غالباً ما تكون‬

‫‪ 1‬فيصل العفيف‪ ،‬اضطراابت النطق واللغة‪ ،‬مكتبة الكتاب العريب‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ص ‪.03‬‬
‫‪112‬‬
‫عمل أمراض التخاطب وعيوب النطق ‪.2‬‬ ‫احملارضة العارشة‬

‫إصابة من أجزاء جهاز الكالم مبا يف ذلك جهاز السمع‪ ،‬واألسباب الوظيفية غالباً ما ترجع إىل عوامل تربوية‪ ،‬ونفسية‪،‬‬
‫أو اجتماعية‪ ،‬إال أن ذلك ال مينع من وجود عوامل عضوية ووظيفية معاً يف االضطراب‪.‬‬
‫وهناك أيضاً تصنيفات أخرى مثل تصنيف "هاريسون" "‪ "Alan Harrison‬الطيب الذي يصنف اضطراابت‬
‫الكالم إىل أربعة أشكال من االضطراابت اللغوية هي‪:‬‬
‫‪ .1‬االضطراابت اللغوية الدماغية اليت حيدث فيها نقص يف إنتاج الكالم‪ ،‬واللغة املكتوبة‪ ،‬أو الكالمية‪.‬‬
‫‪ .2‬االضطراابت اللغوية اللفظية مع سالمة الوظائف العقلية‪ ،‬وسالمة فهم وتذكر الكلمات‪.‬‬
‫‪ .3‬احتماالت فقدان الصوت الناجم عن مرض يف احلنجرة‪ ،‬أو يف أعصاهبا‪ ،‬مما يسبب عسرة الصوت‪.‬‬
‫‪ .4‬اضطراابت كالمية حتدث يف األمراض اليت تصيب تكامل الوظائف الدماغية العليا‪.‬‬
‫مفهوم عملية النطق‪:‬‬
‫يتمثل النطق يف تلك العمليات اليت يتم من خالهلا تشكيل األصوات‪ ،‬اللبنات األوىل للكالم‪ ،‬الصادرة عن اجلهاز‬
‫الصويت كي تظهر يف صورة رموز ‪ ،1‬ويعرفه البعض أبنه نشاط اجتماعي يصدر عن الفرد بقصد التواصل مع الغري‪ ،‬وهو‬
‫أهم وسائل االتصال االجتماعي‪ ،‬وله دور مهم يف منو التفكري عند الفرد‪ ،‬وإصابة طفل ما بعيوب يف النطق والكالم‬
‫سيؤثر على نظرة اآلخرين إليه‪ ،‬ويقلل من قيمته‪ ،‬ويؤثر يف مستقبله‪ ،‬أما "مصطفى فهمي" فيعتب عملية الكالم أبهنا‬
‫"وظيفة مكتسبة هلا جانب حركي‪ ،‬وآخر حسي‪ ،‬وعمل ية التوافق بني املظهرين هلا شأن كبري يف منو اللغة لدى الطفل‪،‬‬
‫وكلما كان هذا التوافق طبيعيا كان الكالم طبيعيا كذلك" ‪.2‬‬
‫فعملية النطق تتم عن طريق جهاز يسمى جبهاز النطق‪ ،‬وهو اسم يطلق على األعضاء اليت تسهم يف عملية‬
‫إحداث الكالم‪ ،‬وهي مشتملة على الرئتني‪ ،‬والقصبة اهلوائية‪ ،‬واحلنجرة إىل غري ذلك‪ ،‬واحلق أن تسميتها أبعضاء النطق‬
‫تسمية جمازية‪ ،‬ألن كل منها له وظائف أخرى أهم من ذلك بكثري‪ ،‬فاللسان وظيفته ذوق الطعام‪ ،‬والشفتان وظيفتها‬
‫تلقي الطعام عند دخوله الفم‪ ،‬ومتنعانه من اخلروج أثناء املضغ‪ ،‬كما تستعمالن للمص‪ ،‬والرشف‪ ،‬وما إىل ذلك ‪،3‬‬
‫ويتشكل هذا اجلهاز من األعضاء التالية ‪:4‬‬
‫اللهاة‪ :‬وهي عضلة شكلها اخلارجي خمروطي توجد يف آخر احلنك األعلى الرخو‪ ،‬وهي مرنة قابلة للتحرك‪ ،‬ومن وظائفها‬
‫أهنا عند البلع تغلق احلنجرة األنفية فتفصلها عن احلنجرة الفموية ‪.5‬‬

‫‪ 1‬عبد العزيز الشخص‪ ،‬اضطراابت النطق والكالم‪ :‬خلفيتها‪ ،‬تشخيصها‪ ،‬أنواعها‪ ،‬عالجها‪ ،‬شركة الصفحات الذهبية‪ ،‬الرايض‪ ،‬اململكة‬
‫العربية السعودية‪ ،‬ط ‪ 1997 ،01‬م‪ ،‬ص ‪.31‬‬
‫‪ 2‬مصطفى فهمي‪ ،‬أمراض الكالم‪ ،‬دار مصر للطباعة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ 1975 ،05‬م‪ ،‬ص ‪.28‬‬
‫‪ 3‬خليل إبراهيم العطية‪ ،‬يف البحث الصويت عند العرب‪ ،‬منشورات دار اجلاحظ‪ ،‬بغداد‪ ،‬العراق‪ 1983 ،‬م‪ ،‬ص ‪.12‬‬
‫‪ 4‬حازم علي كمال الدين‪ ،‬دراسة يف علم األصوات‪ ،‬مكتبة اآلداب القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ 1999 ،01‬م‪ ،‬ص ‪.17‬‬
‫‪ 5‬علي حسني مزاين‪ ،‬علم األصوات بني القدماء واحملدثني‪ ،‬دار مشوع الثقافة‪ ،‬ليبيا‪ ،‬ط ‪ 2003 ،01‬م‪ ،‬ص ‪.17‬‬
‫‪113‬‬
‫عمل أمراض التخاطب وعيوب النطق ‪.2‬‬ ‫احملارضة العارشة‬

‫الغار‪ :‬يعرف ابحلنك الصلب‪ ،‬وهو اجلزء األوسط‪ ،‬وهو صلب أملس أوله من األمام ما يلي النطع وهنايته أول احلنك‬
‫الرخو‪.‬‬
‫اللثة‪ :‬وهي مغرز األسنان‪.‬‬
‫اللسان‪ :‬وهو عضو عضلي يغشيه نسيج شبه خماطي‪ ،‬وهو يرقد بني حليي الفك األسفل‪ ،‬ويرتبط به‪ ،‬وميتاز ابملرونة‬
‫الشديدة ويقسم إىل ‪:1‬‬
‫أ‪ .‬حد‪.‬‬
‫ب‪ .‬طرف‪ :‬وهي القطعة اليت تستلقي يف حالة الراحة ضد اللثة‪ ،‬ورمبا حتركت يف اجتاه األسنان‪ ،‬أو اللثة‪ ،‬أو الطبق‪.‬‬
‫ت‪ .‬مقدمة‪ :‬يسميها البعض وسط‪ ،‬وهي قطعة تستلقي يف حالة الراحة ضد اجلزء األمامي للطبق (احلنك الصلب)‪،‬‬
‫ورمبا حتركت ضد اللثة‪ ،‬أو الطبق الصلب‪ ،‬أو الطبق اللني‪.‬‬
‫ث‪ .‬مؤخرة‪ :‬وهي القطعة اليت تستلقي يف حالة الراحة ضد الطبق اللني‪ ،‬أو اجلزء اخللفي من الطبق‪ ،‬ومن املمكن أن‬
‫تتحرك ضد أي جزء من مؤخر الطبق حىت اللهاة‪.‬‬
‫ج‪ .‬أصل اللسان‪ :‬وهو الذي يشكل احلائط األمامي للحلق‪ ،‬وال يشار إليه إال اندرا على أنه عضو نطقي‪ ،‬لذلك‬
‫فإنه يؤثر يف إنتاج األصوات عن طريق تغيري شكل‪ ،‬وحجم‪ ،‬وجتويف احللق‪.‬‬
‫لسان املزمار‪ :‬يشبه ورقة الشجرة‪ ،‬ميتد من قاعدة اللسان حبيث يغطي أعلى احلنجرة عند بلع الطعام‪ ،‬ودوره يف إحداث‬
‫الصوت االجنذاب إىل اخللف عند تفخيم الصوت‪ ،‬وإىل األمام عند ترقيقه‪.‬‬
‫الوتران الصوتيان‪ :‬مها رابطان مرانن يشبهان الشفتني‪ ،‬ميتدان أفقيا من اخللف إىل األمام حيث يلتقيان عند ذلك البوز‬
‫الذي نسميه بتفاحة آدم‪ ،‬أما الفراغ الذي بني الوترين فيسمى ابملزمار‪ ،‬وفتحة املزمار تنقبض‪ ،‬وتنبسط بنسب خمتلفة مع‬
‫األصوات‪ ،‬ويرتتب عن هذا اختالف نسبة شدة الوترين‪ ،‬واستعدادمها لالهتزاز فكلما زاد توترمها زادت نسبة اهتزازمها يف‬
‫الثانية‪ ،‬فتختلف تبعا هلذا درجة الصوت‪ ،‬وللمزمار غطاء نسميه لسان املزمار‪ ،‬وظيفته األصلية أن يكون مبثابة صمام‬
‫حيمي طريق التنفس أثناء عملية البلع ‪.2‬‬
‫الفراغ األنفي‪ :‬وهو العضو الذي يندفع خالله النفس مع بعض األصوات كامليم والنون‪ ،‬هذا إىل أنه يستغل كفراغ رانن‬
‫يضخم بعض األصوات أثناء النطق‪.‬‬
‫احللق‪ :‬وهو جتويف على شكل قناة قاعة ينفتح فيه من اخللف قناة املريء ومن األمام جتويف احلنجرة الذي يغطيه لسان‬
‫املزمار ويرتفع مقابل جذع اللسان‪ ،‬أما جانبه اخللفي فهو غالف العمود الفقري‪ ،‬وينقسم إىل ثالثة أقسام هي‪:‬‬
‫أ‪ .‬احللق األقصى‪.‬‬
‫ب‪ .‬احللق األدىن‪.‬‬
‫ت‪ .‬فتحة اخليشوم اخللفية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫أمحد خمتار عمر‪ ،‬دراسة الصوت اللغوي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 1997 ،‬م‪ ،‬ص ‪.107‬‬
‫‪2‬‬
‫إبراهيم أنيس‪ ،‬األصوات اللغوية‪ ،‬مكتبة هنضة مصر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ص ‪.20‬‬
‫‪114‬‬
‫عمل أمراض التخاطب وعيوب النطق ‪.2‬‬ ‫احملارضة العارشة‬

‫األسنان‪ :‬تعد األسنان من أعضاء النطق الثابتة‪ ،‬وهلا وظيفة أساسية من الناحية الصوتية‪ ،‬كما ميكن إدراك أمهيتها عند‬
‫مساع إنسان فقد بعض أسنانه‪ ،‬عندها خترج األصوات من فمه مشوهة‪ ،‬فاألسنان تساهم يف خمارج األصوات ‪ ،1‬وعدد‬
‫هذه األسنان إثنان وثالثون موزعة على النحو التايل‪:‬‬
‫أ‪ .‬الثنااي‪ :‬وهي أربع يف كل فك اثنتان‪ ،‬وتقع يف اجلزء األمامي من الفم من األعلى واألسفل‪ ،‬وتظهر عند فتح الفم‪،‬‬
‫أو عند التحدث‪.‬‬
‫ب‪ .‬الرابعيات‪ :‬وهي أربع تلي الثنااي من اجلانبني‪.‬‬
‫ت‪ .‬األنياب‪ :‬وهي أربع تلي الرابعيات وظيفتها متزيق الطعام‪.‬‬
‫ث‪ .‬األضراس‪ :‬وهي عشرون منها الضواحك‪ ،‬وهي اليت تبدو عند الضحك‪ ،‬ومهمتها طحن‪ ،‬الطعام أو مضغه‪،‬‬
‫ومنها النواجد‪ ،‬وهي ما نسميها ابلعامية أضراس العقل ‪.2‬‬
‫الشفتان‪ :‬ومها عبارة عن شريطني عريضني يشكالن فتحة الفم‪ ،‬ومها من أعضاء النطق املتحركة‪ ،‬ألن انطباقهما‪،‬‬
‫وانفراجهما يساعد يف نطق كثري من األصوات‪ ،‬هلما دورمها‪ ،‬وحركتهما اخلاصة مع الصوائت اليت قسمت على أساسه إىل‬
‫صوائت مستديرة‪ ،‬وصوائت غري مستديرة‪ ،‬فالشفتان عضو مهم يف عملية التأثري يف صفة الصوت‪ ،‬ونوعه ملا يتمتعان به‬
‫من مرونة متكنهما من اختاذ أوضاع‪ ،‬وأشكال خمتلفة من االنفراج‪ ،‬واإلغالق لفتحة الفم‪ ،‬واالستدارة‪ ،‬واالنبساط‪،‬‬
‫واالنطباق ‪.3‬‬
‫الرئتان‪ :‬ومها املنفاخ الرئيسي يف اجلهاز التنفسي الذي ميد ابهلواء‪ ،‬وهو املادة اخلام للنطق‪ ،‬والرئتان تعمالن على قذف‬
‫اهل واء حنو مناطق النطق العليا عن طريق القصبة اهلوائية‪ ،‬وهذا التيار يكون مصدر طاقة رئيسية حيث تتالعب أعضاء‬
‫الكالم األخرى هب ذا التيار حمدثة أنواعا عديدة من األصوات‪ ،‬ومن املعروف أن معظم أصوات الكالم حتدث أثناء عملية‬
‫الزفري ‪.4‬‬
‫القصبة اهلوائية‪ :‬وهي سلسلة من حلقات غري كاملة االستدارة من جانبها اخللفي‪ ،‬ودورمها يف إحداث الصوت‪ ،‬هو‬
‫إيصال اهلواء اخلارج من الرئة إىل احلنجرة‪ ،‬وما فوقها حيث حيدث مبروره الصوت كما أهنا تعتب من الفراغات الراننة‪.‬‬
‫احلنجرة‪ :‬تقع أعلى القصبة اهلوائية‪ ،‬وهي أوسع منها قطرا‪ ،‬واجلزء العلوي منها يشبه املثلث يف شكله‪ ،‬وحتيط أبجزائها‬
‫الداخلية احلساسة غضاريف حتميها وأهم هذه الغضاريف‪:‬‬
‫‪ .1‬الغضروف احللقي‪ :‬وهو قاعدة احلنجرة‪ ،‬وأعلى حلقات القصبة اهلوائية‪ ،‬وهو الغضروف الوحيد التام االستدارة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫غامن قدوري احلمد‪ ،‬علم التجويد‪ :‬مدارس صوتية‪ ،‬دار عمار‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ط ‪ 2005 ،01‬م‪ ،‬ص ‪.30‬‬
‫‪2‬‬
‫عبد الغفار حامد هالل‪ ،‬أصوات اللغة العربية‪ ،‬مكتبة وهبة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ 1996 ،03‬م‪ ،‬ص ‪.50‬‬
‫‪3‬‬
‫حسام البهنساوي‪ ،‬علم األصوات‪ ،‬مكتبة الثقافة الدينية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪ 2004 ،01‬م‪ ،‬ص ‪.36‬‬
‫‪4‬‬
‫مسري استيتية‪ ،‬اللسانيات‪ :‬اجملال والوظيفة واملنهج‪ ،‬عامل الكتب احلديث‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ 2005 ،‬م‪ ،‬ص ‪.27‬‬
‫‪115‬‬
‫عمل أمراض التخاطب وعيوب النطق ‪.2‬‬ ‫احملارضة العارشة‬

‫‪ .2‬الغض روف الدرقي‪ :‬هو عبارة عن صحيفتني رابعييت الشكل تلتحمان يف شكل كتاب مفتوح كعبه الغضروف يف‬
‫مقدمة الرقبة‪ ،‬ومييل يف قيامه إىل األمام حبيث يشكل الزاوية العليا من كعبة نتوءا يسمى البوز احلنجري الذي‬
‫يظهر بوضوح يف أعناق الرجال وهو ما يعرف يف العربية ابسم الغلصمة‪.‬‬
‫تصنيف اضطراابت النطق والكالم‪:‬‬
‫تتعدد مظاهر االضطراابت اللغوية تبعا لتعدد األسباب املؤدية‪ ،‬فهناك بعض االضطراابت اللغوية املرتبطة ابلقدرة‬
‫على إصدار األصوات وتشكيلها‪ ،‬ومع ذلك ميكن ذكر املظاهر التالية لالضطراابت اللغوية بشكل عام‪:‬‬
‫أوال‪ :‬اضطراابت النطق وتشمل املظاهر التالية‪:‬‬
‫‪ .1‬التحريف‪ :‬يتضمن التحريف نطق الصوت بطريقة تقربه من الصوت العادي‪ ،‬وينتشر التحريف بني الصغار‬
‫والكبار وغالبا ما يظهر يف أصوات معينة مثل س‪ ،‬ش‪ ،‬حيث ينطق صوت س مصحواب بصفري طويل‪ ،‬أو ينطق‬
‫صوت ش من جانب الفم واللسان ‪.1‬‬
‫‪ .2‬احلذف‪ :‬يف هذا النوع من عيوب النطق حيذف الطفل صوات من األصوات اليت تتضمنها الكلمة‪ ،‬ومن مثة ينطق‬
‫جزءا من الكلمة فقط‪ ،‬وقد يشمل احلذف أصواات متعددة‪ ،‬وبشكل اثبت يصبح كالم الطفل يف هذه احلالة غري‬
‫مفهوم على اإلطالق حىت ابلنسبة لألشخاص الذين يودون االستماع إليه كالوالدين وغريهم‪ ،‬متيل عيوب احلذف‬
‫ألن حتدث لدى األطفال الصغار بشكل أكثر شيوعا مما هو مالحظ بني األطفال األكب سنا‪ ،‬كذلك متيل هذه‬
‫العيوب إىل الظهور يف نطق احلروف الساكنة اليت تقع يف هناية الكلمة أكثر مما تظهر يف احلروف الساكنة يف‬
‫بداية الكلمة‪ ،‬أو يف وسطها ‪.2‬‬
‫‪ .3‬اإلبدال‪ :‬يتمثل يف وضع التلميذ حرفا مكان آخر كأن يقرأ كلمة (يعفو) (يفعو) بوضع الفاء مكان العني‬
‫وهكذا ‪ ،3‬وعلى سبيل املثال قد يستبدل الطفل حرف (س) حبرف (ش)‪ ،‬أو يستبدل حرف (ر) حبرف(و)‪،‬‬
‫ومرة أخرى تبدو عيوب اإلبدال أكثر شيوعا مما هو مالحظ بني األطفال األكب سنا ‪ ،4‬ويؤدي هذا النوع من‬
‫االضطراب إىل خفض قدرة اآلخرين على فهم كالم الطفل‪.‬‬
‫‪ .4‬اإلضافة‪ :‬يتضمن هذا االضطراب إضافة صوات زائدا إىل الكلمة‪ ،‬وقد يسمع الصوت الواحد‪ ،‬وكأنه يتكرر‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬اضطراابت الكالم‪ :‬يعتب الكالم من أهم وسائل التواصل ابآلخر‪ ،‬ويستدعي كونه عدة توافقات عصبية دقيقة‬
‫يشرتك يف أدائها اجلهاز التنفسي لتوفري التيار اهلوائي للنطق‪ ،‬وإخراج األصوات بواسطة احلنجرة‪ ،‬واحلبال الصوتية‪،‬‬
‫وامليكانزم السمعي للتمييز بني األصوات‪ ،‬واملخ‪ ،‬واجلهاز العصيب السليم‪ ،‬ونطق احلروف ابستخدام اللسان‪ ،‬واألسنان‪،‬‬
‫والشفاه‪ ،‬وسقف احللق الصلب‪ ،‬والرخو والفك‪ ،‬ومن عيوب الكالم جند‪:‬‬

‫‪ 1‬فيصل العفيف‪ ،‬اضطراابت النطق واللغة‪ ،‬ص ‪.04‬‬


‫‪ 2‬نفسه‪ ،‬ص ‪.05‬‬
‫‪ 3‬علي أمحد مذكور‪ ،‬تدريس فنون اللغة العربية‪ ،‬دار الفكر العريب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 2006 ،‬م‪ ،‬ص ‪.160‬‬
‫‪ 4‬فيصل العفيف‪ ،‬اضطراابت النطق واللغة‪ ،‬ص ‪.05‬‬
‫‪116‬‬
‫عمل أمراض التخاطب وعيوب النطق ‪.2‬‬ ‫احملارضة العارشة‬

‫اللجلجة‪ :‬وهي احتباس يف الكالم يعقبه انفجار للكلمة بني شفيت الطفل مضطربة بعد معاانة تتمثل يف حركات‬
‫ارتعاشية‪ ،‬وتعتب طبيعية من عمر ‪ 02‬إىل ‪ 05‬سنوات‪ ،‬بعد ذلك حتتاج لبانمج عالجي نفسي‪ ،‬وكالمي‪ ،‬ومن أشكاهلا‪:‬‬
‫• تكرار احلرف أو الكلمة عدة مرات‪.‬‬
‫التوقف املفاجئ‪ ،‬والطويل قبل نطق احلرف‪ ،‬أو الكلمة مث نطقها دفعة واحدة‪.‬‬ ‫•‬
‫إطالة النطق ابحلرف قبل نطق الذي يليه‪.‬‬ ‫•‬
‫أما أسباهبا فتعود يف الغالب إىل مرحلة الطفولة املبكرة‪ ،‬حيث يتأثر الطفل سلبا من الرعاية الزائدة‪ ،‬أو احلرمان‬
‫العاطفي‪ ،‬وتضارب أساليب الرتبية داخل األسرة‪ ،‬والشقاء العائلي‪ ،‬وكثرة املخاوف‪ ،‬والسخرية اليت يتعرض هلا الطفل‪ ،‬وأاي‬
‫كانت األسباب اليت تقف وراء اللجلجة ابعتبارها علة من‬
‫علل اللسان‪ ،‬فهي من العيوب الكالمية اليت ميكن عالجها ومن أبرزها‪:‬‬
‫أ ‪ -‬العالج السلوكي‪.‬‬
‫ب ‪-‬العالج النفسي املختصر الذي يكون على النمط التايل‪:‬‬
‫‪ .1‬طريقة اللعب‪.‬‬
‫‪ .2‬التحليل ابلصور‪.‬‬
‫اختبارات الشخصية‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫اإلقناع‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫اإلحياء‪.‬‬ ‫‪.5‬‬
‫االسرتخاء‪.‬‬ ‫‪.6‬‬
‫اللثغة‪ :‬هي استبدال حرف حبرف‪ ،‬ومرد ذلك عامل التقليد‪ ،‬أو وجود تشوهات يف الفم‪ ،‬واألسنان‪ ،‬أو بسبب عوامل‬
‫نفسية‪ ،‬أو اجتماعية‪ ،‬واحلروف اليت تلحقها اللثغة هي "القاف"‪ ،‬و"السني"‪ ،‬و"الالم"‪ ،‬و"الراء"‪ ،‬وقد فصلها "اجلاحظ"‬
‫شرحا ومتثيال‪ ،‬فمن أمثلة اللثغة اليت تعرض هلا هي السني تكون اثء مثل‪" :‬بسم هللا" "بثم هللا"‪ ،‬والقاف طاء مثل "قلت‬
‫له" "طلت له"‪ ،‬أما اللثغة اليت تقع يف الالم فإن صاحبها جيعل الالم ايء مثل "مجي" بدال من "مجل"‪ ،‬ويعد اخللل يف‬
‫أعضاء اجلهاز النطقي السبب األبرز يف حدوث مثل هذا االضطراب‪ ،‬فعندما تكون األسنان مشوهة‪ ،‬وغري طبيعية‬
‫الرتكيب يتوقع حدوث نطق غري سليم هلذه األصوات‪.‬‬
‫السرعة الزائدة يف الكالم‪ :‬نتيجة عدم وجود تناسق بني الناحية العقلية‪ ،‬والناحية اللفظية‪ ،‬ويكون العالج بتنظيم عملية‬
‫التفكري لدى املريض بعرض صورة أمامه‪ ،‬ومراعاة الرتتيب املنطقي أثناء عرضه احملادث الوارد فيها‪.‬‬
‫أتخر الكالم‪ :‬هو اضطراب ينجم عن عدم متكن الطفل من نطق الكلمات بصفة جيدة خاصة املركبة منها‪ ،‬فالطفل ال‬
‫ميتلك القدرة على نطقها بصفة جيدة‪ ،‬إضافة إىل عدم متكنه من تنظيم األصوات واملقاطع داخل الكلمة‪ ،‬أو اكتسابه‬

‫‪117‬‬
‫عمل أمراض التخاطب وعيوب النطق ‪.2‬‬ ‫احملارضة العارشة‬

‫لذلك متأخرا؛ إذ أن هذا االضطراب يرتبط كثريا بتأثري اللغة‪ ،‬فالطفل املتأخر يف الكالم جيد صعوبة يف نطق بعض املقاطع‬
‫الصوتية داخل الكلمة‪ ،‬كما جيد صعوبة يف التتابع الزمين هلذه األصوات داخل الكلمة الواحدة ‪.1‬‬
‫عسر الكالم‪ :‬يتمثل يف عدم التحكم إبنتاج الكالم إرادي نتيجة عدم القدرة على التنسيق بني اجلهاز العصيب‪ ،‬والعضلي‬
‫مثل حاالت الشلل الدماغي حيث جيب أن يكون هناك تدريب مستمر ألعضاء النطق اليت يصعب حتريكها‪ ،‬وذلك‬
‫ابالستعانة أبخصائي التنفس‪ ،‬والعالج الطبيعي‪.‬‬
‫اثلثا‪ :‬اضطراابت الصوت‪ :‬ويقصد هبا االضطراابت اللغوية املتعلقة بدرجة الصوت من حيث شدته‪ ،‬أو ارتفاعه‪ ،‬أو‬
‫اخنفاضه‪ ،‬أو نوعيته‪ ،‬وتظهر آاثر مثل هذه االضطراابت اللغوية يف االتصال االجتماعي ابآلخرين‪.‬‬
‫أسباب اضطراابت النطق‪:‬‬
‫أ ‪ -‬أسباب تعود إىل خلل يف عضو من أعضاء اجلهاز النطقي مثل‪:‬‬
‫أوال‪ :‬احلنك املشقوق‪ :‬ينقسم احلنك إىل نوعني‪ :‬احلنك الصلب‪ ،‬واحلنك الرخو‪ ،‬لذا فإن حدوث أي خلل فيه يؤدي إىل‬
‫اضطراب النطق ‪.2‬‬
‫إن اضطراب النطق الذي يظهر لدى األطفال ذوي احلنك املشقوق يرجع إىل خلل‪ ،‬أو عيوب تكوينية حتدث‬
‫بسبب عدم التئام عظام‪ ،‬أو أنسجة احلنك‪ ،‬ومعظمنا ال يدرك أننا مجيعا يف فرتة ما من الزمن يكون لدينا احلنك املشقوق‬
‫خالل األشهر األوىل من احلمل‪ ،‬ولكن ينمو اجلنني بشكل طبيعي‪ ،‬وتلتئم هذه األنسجة معا لتشكل احلنك‪ ،‬واللهاة‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬شق الشفاه‪ :‬الشفتان عضوان مهمان يف عملية التأثري يف صفة الصوت ونوعه‪ ،‬وذلك ملا يتمتعان به من مرونة‬
‫متكنها من اختاذ أوضاع وأشكال خمتلفة االنفراج واإلغالق لفتحة الفم‪ ،‬واالستدارة‪ ،‬واالنبساط‪ ،‬واالنطباق‪ ،‬وتعتب الوراثة‬
‫عامال رئيسيا لإلصابة هبذه احلالة‪ ،‬حيث تتم عند ما ال يتم منو أجزاء الوجه بشكل سليم يف األشهر األوىل من حياة‬
‫اجلنني‪.‬‬
‫اثلثا‪ :‬مشكالت اللسان‪ :‬حيتل اللسان جزءا كبريا من التجويف الفموي‪ ،‬إذ ميتد من الثنااي إىل أعلى التجويف احللقي‪،‬‬
‫وهو متصل ابلفك السفلي ومرتبط حبركته‪ ،‬ويعد اللسان أهم عضو يف إنتاج الكالم‪ ،‬ومن املشكالت اليت حتدث له وتؤثر‬
‫يف النطق ما يلي‪:‬‬
‫• عقدة اللسان‪.‬‬
‫• اختالف حجم اللسان‪.‬‬
‫• أورام اللسان‪.‬‬
‫ب ‪ -‬أسباب مردها إىل خلل عصيب‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫أمحد حول‪ ،‬األرطفونيا علم اضطراب اللغة والكالم‪ ،‬دار هومة‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬ط ‪ 2008 ،02‬م‪ ،‬ص ‪.35‬‬
‫‪2‬‬
‫خمتار محزة‪ ،‬سيكولوجية املرضى وذوي العاهات‪ ،‬دار البيان العريب‪ ،‬ط ‪ 1979 ،04‬م‪ ،‬ص ‪.230‬‬
‫‪118‬‬
‫عمل أمراض التخاطب وعيوب النطق ‪.2‬‬ ‫احملارضة العارشة‬

‫أوال‪ :‬عسر الكالم‪ :‬هو عبارة عن اضطراب حيدث يف املراكز العصبية اليت تصيب الدماغ‪ ،‬ومن أكثر أنواع االضطراابت‬
‫عسر الكالم التشنجي‪ ،‬وعسر الكالم الرخو‪ ،‬فيظهر الكالم يف هذه احلالة مرتعشا وغري منسجم‪ ،‬وحيتاج إىل مزيد من‬
‫اجلهد إلخراج األصوات‪ ،‬فقد خترج املقاطع الصوتية غري منتظمة‪ ،‬كما قد تنطلق األصوات بصورة انفجارية‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬إصاابت املخ‪ :‬تتمثل يف التداخل الكبري بني احلروف الساكنة واملتحركة‪ ،‬حيث ينطق املصاب الكلمات الفردية‬
‫بصعوبة‪ ،‬كما جيد صعوبة كبرية يف إخراج ونطق الكالم الطويل‪.‬‬
‫اثلثا‪ :‬إصاابت النخاع املستطيل‪ :‬إن األعصاب املتصلة ابلنخاع تتحكم يف توجيه األعصاب املستعملة يف الكالم‪ ،‬مثل‬
‫األعصاب اخلاصة حبركة اللسان والشفتني‪ ،‬ومن الثابت أن أي إصابة يف هذه األعصاب ينتج عنها صعوبة يف إخراج‬
‫الكالم وعدم وضوحه‪.‬‬
‫ج ‪ -‬أسباب مردها إىل الوسط االجتماعي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬سن الوالدين‪ :‬يلعب السن دورا حيواي يف اكتساب الطفل للغة وسالمة النطق‪ ،‬ورمبا تكون هناك عوامل انفعالية‬
‫معينة هي املؤثرة يف تطور الكالم‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬اجلو األسري‪ :‬إن معرفة اجلو األسري يعد أمرا مهما لفهم مشكلة الطفل‪ ،‬فالتعرف على اجلو األسري‪ ،‬وما به من‬
‫خالفات ومشاحنات بني الوالدين وأسلوب تعاملهم مع أطفاهلم من قسوة‪ ،‬أو إمهال‪ ،‬أو عناية وغريها هي من األساليب‬
‫اليت ميكن بدورها أن تسبب يف اضطراابت النطق لدى هؤالء ‪.1‬‬
‫اثلثا‪ :‬التقليد واحملاكاة‪ :‬يعد التقليد أحد العوامل املسببة الضطراابت النطق‪ ،‬وكثريا ما حيدث نتيجة للمناغاة‪ ،‬وحماكاة‬
‫نطق الطفل يف سنوات عمره األوىل‪ ،‬مما يرسخ يف الذهن أن ما يسمعه من الكبار هو النطق الصحيح للصوت اللغوي ‪.2‬‬
‫رابعا‪ :‬دور املدرسة‪ :‬تعتب املدرسة عامل من العوامل املسببة الضطراابت النطق لدى الطفل‪ ،‬وتكمن يف منط الرتبية املتبع‬
‫ومنط طرق التدريس‪ ،‬وأشكال العقاب‪ ،‬وأساليب معاملة املعلمني‪ ،‬وإدارة الرتبية املتبع وغريها من األسباب اليت تكون‬
‫سببا يف اضطراابت النطق ‪.3‬‬
‫د‪ -‬أسباب مردها إىل خلل الوظائف يف بعض احلواس‪:‬‬
‫أوال‪ :‬اإلعاقة السمعية‪ :‬تتأثر اإلعاقة السمعية بعاملني مها‪:‬‬
‫حدة الفقد السمعي الذي يتمثل يف العالقة املوجودة بني شدة الفقدان السمعي‪ ،‬واضطراب النطق‪.‬‬ ‫•‬

‫العمر الذي وقع عنده الفقد السمعي‪ :‬فإذا كان الفقد السمعي منذ امليالد يكون وقتها اكتساب اللغة أمر‬ ‫•‬
‫صعبا‪ ،‬وابلتايل كلما زادت حدة الفقد السمعي زادت اضطراابت النطق ‪.4‬‬

‫‪1‬‬
‫نفسه‪ ،‬ص ‪.234‬‬
‫‪2‬‬
‫حممد عبد الرمحان العيسوي‪ ،‬علم النفس العام‪ ،‬دار املعرفة اجلامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪ 2000 ،‬م‪ ،‬ص ‪.97‬‬
‫‪3‬‬
‫نفسه‪ ،‬ص ‪. 98‬‬
‫‪4‬‬
‫مصطفى نوري القمش‪ ،‬اإلعاقة السمعية واضطراابت النطق واللغة‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ط ‪ 1999 ،01‬م‪ ،‬ص ‪.32‬‬
‫‪119‬‬
‫عمل أمراض التخاطب وعيوب النطق ‪.2‬‬ ‫احملارضة العارشة‬

‫اثنيا‪ :‬اإلعاقة العقلية‪ :‬ختتلف نسبة االضطراابت عند املتخلفني عقليا بصورة أكب مما هو عند العاديني‪ ،‬وتشمل اإلعاقة‬
‫عند هؤالء كل املستوايت مبا فيها املفردات‪ ،‬واملعاين‪ ،‬الرتاكيب‪ ،‬االستخدام البغمايت‪ ،‬فقد أوضحت الدراسات أن أغلب‬
‫املتخلفني عقليا ليس لديهم منط يف متثلهم للغة ‪.1‬‬
‫اثلثا‪ :‬التوحد‪ :‬هو اضطراب النمو العصيب الذي يتصف بضعف التفاعل االجتماعي‪ ،‬والتواصل اللفظي وغري اللفظي‪،‬‬
‫وأبمناط سلوكية مقيدة‪ ،‬ومتكررة‪ ،‬وتتطلب معايري التشخيص ضرورة أن تصبح األعراض واضحة قبل أن يبلغ الطفل من‬
‫العمر ثالث سنوات حىت ال حيصل عجز يف التحصيل اللغوي‪ ،‬واللعب‪ ،‬والتواصل االجتماعي‬
‫خصائص اضطراابت النطق‪:‬‬
‫‪ .1‬تنتشر هذه االضطراابت بني األطفال الصغار يف مرحلة الطفولة املبكرة‪.‬‬
‫‪ .2‬ختتلف االضطراابت اخلاصة ابحلروف املختلفة من عمر زمين إىل آخر‪.‬‬
‫‪ .3‬يشيع اإلبدال بني األطفال أكثر من أي اضطراابت أخرى‪.‬‬
‫‪ .4‬إذا بلغ الطفل السابعة‪ ،‬واستمر يعاين من هذه االضطراابت فهو حيتاج إىل عالج‪.‬‬
‫‪ .5‬تتفاوت اضطراابت النطق يف درجتها‪ ،‬أو حدهتا من طفل إىل آخر ومن مرحلة عمرية إىل أخرى‪ ،‬ومن موقف‬
‫إىل آخر‪.‬‬
‫‪ .6‬كلما استمرت اضطراابت النطق مع الطفل رغم تقدمه يف السن كلما زادت أكثر رسوخا وأصعب يف العالج ‪.2‬‬
‫طرق وأساليب عالج اضطراابت النطق والكالم‪:‬‬
‫هناك طرق وأساليب لعالج هذه االضطراابت ومنها‪:‬‬
‫أوال‪ :‬العالج النفسي‪ :‬يهدف إىل عالج مشكالت الطفل النفسية من خجل وقلق وخوف‪ ،‬وصراعات ال شعورية‪،‬‬
‫وذلك لتقليل األثر االنفعايل‪ ،‬والتوتر النفسي للطفل‪ ،‬كذلك لتنمية شخصيته‪ ،‬ووضع حد خلجله‪ ،‬وشعوره ابلنقص‪ ،‬مع‬
‫تدريبه على األخذ‪ ،‬والعطاء حىت تقلل من ارتباكه‪.‬‬
‫والواقع أن العالج النفسي لألطفال يعتمد جناحه على مدى تعاون اآلابء‪ ،‬واألمهات لتفهمهم اهلدف منه‪ ،‬بل‬
‫ويعتمد أيضا على درجة الصحة النفسية هلم‪ ،‬وعلى اآلابء مساعدة أبنائهم على أن ال يكونوا متوتري األعصاب أثناء‬
‫الكالم وغري حساسا لعيوبه يف النطق‪ ،‬بل عليهم أن يعودوه على اهلدوء‪ ،‬والرتاخي‪ ،‬وذلك جيعل جو العالقة مع الطفل‬
‫جوا يسوده الود‪ ،‬والتفاهم‪ ،‬والتقدير‪ ،‬والثقة املتبادلة‪ ،‬كما جيب على املعلمني تفهم الصعوابت اليت يعاين منها الطفل‬
‫نفسيا سواء يف املدرسة‪ ،‬أو يف األسرة‪ ،‬كالغرية من أخ له يصغره‪ ،‬أو اعتداء أقران املدرسة عليه‪ ،‬أو غري ذلك‪ ،‬وقد‬
‫يستدعي العالج النفسي تغيري الوسط املدرسي ابالنتقال إىل مدرسة أخرى جديدة إن كانت هناك أسباب تؤدي إىل‬
‫ذلك‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫حممود أمحد السيد‪ ،‬علم النفس اللغوي‪ ،‬منشورات جامعة دمشق‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوراي‪ ،‬ط ‪ 2000 ،03‬م‪ ،‬ص ‪.294‬‬
‫‪2‬‬
‫فيصل العفيف‪ ،‬اضطراابت النطق واللغة‪ ،‬ص ‪. 06‬‬
‫‪120‬‬
‫عمل أمراض التخاطب وعيوب النطق ‪.2‬‬ ‫احملارضة العارشة‬

‫اثنيا‪ :‬العالج الكالمي‪ :‬وهو عالج ضروري ومكمل للعالج النفسي وجيب أن يالزمه يف أغلب احلاالت‪ ،‬ويتلخص يف‬
‫تدريب املريض عن طريق االسرتخاء الكالمي‪ ،‬والتمرينات اإليقاعية‪ ،‬ومترينات النطق على التعليم الكالمي من جديد‬
‫ابلتدريج من الكلمات واملواقف السهلة إىل الكلمات‪ ،‬واملواقف الصعبة‪ ،‬وتدريب جهاز النطق‪ ،‬والسمع عن طريق‬
‫استخدام املسجالت الصوتية‪ ،‬مث تدريب املريض على تقوية عضالت النطق واجلهاز الكالمي بوجه عام‪.‬‬
‫اثلثا‪ :‬العالج التقوميي‪ :‬ويتم ذلك بوسائل ومتارين خاصة تستخدم فيها آالت‪ ،‬وأجهزة توضع حتت اللسان‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬العالج االجتماعي‪ :‬ويهدف إىل تعديل اجتاهات املصاب اخلاطئة‪ ،‬واملتعلقة مبشكلته كاجتاهاته حنو والديه‪ ،‬ورفاقه‪،‬‬
‫وعالج البيئة احمليطة ابلطفل مثل املعاملة‪ ،‬وتوفري احلاجات اخلاصة له‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬العالج اجلسمي‪ :‬يتمثل يف التأكد من أن املريض ال يعاين من أسباب عضوية خصوصا النواحي التكوينية‪،‬‬
‫واجلسمية يف اجلهاز العصيب‪ ،‬وكذلك أجهزة السمع والكالم‪ ،‬وعالج ما قد يوحد من عيوب‪ ،‬أو أمراض سواء كان‬
‫عالجا طبيا‪ ،‬أو جراحيا‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬العالج البيئي‪ :‬يقصد به إدماج الطفل املريض يف نشاطات اجتماعية تدرجييا حىت يتدرب على األخذ‪،‬‬
‫والعطاء‪ ،‬وتتاح له فرصة التفاعل االجتماعي‪ ،‬وتنمو شخصيته على حنو سوي‪ ،‬ويعاجل من خجله‪ ،‬وانزوائه‪ ،‬وانسحابه‬
‫االجتماعي‪ ،‬مما يساعد على تنمية الطفل اجتماعيا‪ ،‬كما يتضمن هذا العالج إرشادات لآلابء القلقني على أسلوب‬
‫التعامل السوي مع الطفل كي يتجنبوا إجباره على الكالم حتت ضغوط انفعالية أو يف مواقف يهاهبا‪ ،‬فاألحسن ترك‬
‫األمور تتدرج من املواقف السهلة إىل املواقف الصعبة مع مراعاة املرونة ألقصى حد حىت ال يعاين من اإلحباط‪ ،‬واخلوف‪،‬‬
‫وحىت تتحقق له مشاعر األمن‪ ،‬والطمأنينة بكل الوسائل‪.‬‬
‫اآلاثر الناجتة عن عيوب النطق والكالم‪:‬‬
‫‪ .1‬تعرض الطفل للسخرية‪ ،‬واالستهزاء من اآلخرين‪.‬‬
‫‪ .2‬ظهور ثورات من الغضب‪ ،‬واالنفعال‪ ،‬كرد فعل انتقامي لسخرية اآلخرين منه‪.‬‬
‫‪ .3‬حرمان املصاب من بعض الفرص الوظيفية‪ ،‬واملهنية املرغوبة‪.‬‬
‫‪ .4‬الشعور ابلنقص‪ ،‬واخلجل‪ ،‬واحلرمان من فرض النجاح‪ ،‬والزواج‪.‬‬
‫‪ .5‬يواجه مشكالت أثناء تعليمه‪ ،‬خاصة إذا كان املعلم غري مؤهل للتعامل مع طالب لديهم مشكالت‪،‬‬
‫واضطراابت عيوب النطق والكالم‪.‬‬
‫‪ .6‬يف بعض املواقف ال يستطيع أن يبدي رأيه ابلشكل املطلوب‪ ،‬وال يستطيع الدفاع عن حقوقه‪ ،‬وهذا قد يؤدي‬
‫إىل ردود فعل عكسية‪.‬‬

‫مصادر ومراجع احملاضرة‪:‬‬

‫‪ .1‬إبراهيم أنيس‪ ،‬األصوات اللغوية‪ ،‬مكتبة هنضة مصر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫عمل أمراض التخاطب وعيوب النطق ‪.2‬‬ ‫احملارضة العارشة‬

‫‪ .2‬أمحد حول‪ ،‬األرطفونيا علم اضطراب اللغة والكالم‪ ،‬دار هومة‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬ط ‪ 2008 ،02‬م‪.‬‬
‫‪ .3‬أمحد خمتار عمر‪ ،‬دراسة الصوت اللغوي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 1997 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .4‬حازم علي كمال الدين‪ ،‬دراسة يف علم األصوات‪ ،‬مكتبة اآلداب القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ 1999 ،01‬م‪.‬‬
‫‪ .5‬حسام البهنساوي‪ ،‬علم األصوات‪ ،‬مكتبة الثقافة الدينية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪ 2004 ،01‬م‪.‬‬
‫‪ .6‬خليل إبراهيم العطية‪ ،‬يف البحث الصويت عند العرب‪ ،‬منشورات دار اجلاحظ‪ ،‬بغداد‪ ،‬العراق‪ 1983 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .7‬مسري استيتية‪ ،‬اللسانيات‪ :‬اجملال والوظيفة واملنهج‪ ،‬عامل الكتب احلديث‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ 2005 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .8‬عبد العزيز الشخص‪ ،‬اضطراابت النطق والكالم‪ :‬خلفيتها‪ ،‬تشخيصها‪ ،‬أنواعها‪ ،‬عالجها‪ ،‬شركة الصفحات‬
‫الذهبية‪ ،‬الرايض‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪ ،‬ط ‪ 1997 ،01‬م‪.‬‬
‫‪ .9‬عبد الغفار حامد هالل‪ ،‬أصوات اللغة العربية‪ ،‬مكتبة وهبة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ 1996 ،03‬م‪.‬‬
‫‪ .10‬علي أمحد مذكور‪ ،‬تدريس فنون اللغة العربية‪ ،‬دار الفكر العريب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 2006 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .11‬علي حسني مزاين‪ ،‬علم األصوات بني القدماء واحملدثني‪ ،‬دار مشوع الثقافة‪ ،‬ليبيا‪ ،‬ط ‪ 2003 ،01‬م‪.‬‬
‫‪ .12‬غامن قدوري احلمد‪ ،‬علم التجويد‪ :‬مدارس صوتية‪ ،‬دار عمار‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ط ‪ 2005 ،01‬م‪.‬‬
‫‪ .13‬فيصل العفيف‪ ،‬اضطراابت النطق واللغة‪ ،‬مكتبة الكتاب العريب‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪.14‬حممد عبد الرمحان العيسوي‪ ،‬علم النفس العام‪ ،‬دار املعرفة اجلامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪ 2000 ،‬م‪.‬‬
‫‪.15‬حممود أمحد السيد‪ ،‬علم النفس اللغوي‪ ،‬منشورات جامعة دمشق‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوراي‪ ،‬ط ‪ 2000 ،03‬م‪.‬‬
‫‪ .16‬خمتار محزة‪ ،‬سيكولوجية املرضى وذوي العاهات‪ ،‬دار البيان العريب‪ ،‬ط ‪ 1979 ،04‬م‪.‬‬
‫‪.17‬مصطفى فهمي‪ ،‬أمراض الكالم‪ ،‬دار مصر للطباعة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ 1975 ،05‬م‪.‬‬
‫‪ .18‬مصطفى نوري القمش‪ ،‬اإلعاقة السمعية واضطراابت النطق واللغة‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ط ‪،01‬‬
‫‪1999‬م‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫احملارضة الادية عرشة‬
‫فقدان اللغة‪.‬‬
‫فقدان اللغة‪.‬‬ ‫احملارضة احلادية عش‬

‫توطئة‪:‬‬
‫إن الكالم هو تلك العملية االختيارية الفردية اليت تنبئ عن اآلراء لتلك الكفاءات الناشئة من اخنراط تدرجيي‬
‫يف اجملتمع‪ ،‬واملطورة لالستعداد الوراثي املسبق‪ ،‬واليت تتمثل يف االكتساب اللغوي من طريق السمع جلملها‪ ،‬وحماولة‬
‫تكلمها تلقائيا "فيكتسب الطفل لغة احمليط الذي ترعرع فيه بسرعة مدهشة‪ ،‬ففي ثالث سنوات يتواصل إحرازه القدرة‬
‫التامة على إنتاج مجل لغته‪ ،‬وتفهمها" ‪ ، 1‬إن احملاولة الكالمية متر عرب برجمة لغوية معينة فذهن الطفل ميكن أن يشبه آبلية‬
‫مربجمة هيأهتا الطبيعة البشرية إلمتام عملية تعلم اللغة الربجمة اللغوية تتم من طريق استقبال مؤثرات خارجية تسمى‬
‫ابملداخالت‪ ،‬وهي تلك املظاهر اليت يتعرض هلا الطفل مث تستوعب معانيها‪ ،‬وبعدها حتول إىل إشارات‪ ،‬واختيارات‬
‫تتجسد يف املخرجات‪ ،‬وهي خصائص اللغة املكتسبة القائمة يف الكفاءة‪ ،‬ومن طريق الربجمة اآللية اليت يقوم با الطفل‬
‫انطالقا من جمموعة املالحظات اليت ميكن أن يلتزم با الطفل‪ ،‬واملبادئ املعينة اليت تنظم املالحظات‪ ،‬وتعممها‪ ،‬وجمموعة‬
‫املعلومات اللغوية اليت تتوفر للطفل؛ إذ يقوم بتطبيق املبادئ على املعطيات اللغوية‪ ،‬وهو ال يقوم بذا إال بعد مدة‬
‫تستغرقها مراحل النمو اللغوي اليت ستنتهي بتنظيم فونولوجي‪ ،‬وتركييب مكتسب من احمليط العائلي‪ ،‬وكذلك من املمارسة‬
‫العملية خالل هذه املدة اليت ستعمل على توسيع اللغة‪ ،‬وتوجيهه من أجل احلصول عل املدونة الكالمية ‪ ،2‬غري أن‬
‫الكالم من هذه للحظة سيكون نتيجة عملية نفسية إدراكية ‪ 3‬تربمج انطالقا من البن الدماغية املركزية‪ ،‬غري أن هذه‬
‫الربجمة ختتل عند بعض األشخاص فيبدون أشكاال تتعسر فيها القدرة على التعبري أبشكاله املختلفة‪ ،‬كما يؤدي هذا حتما‬
‫إىل فقدان القدرة على الفهم‪.‬‬
‫احلبسة ‪L'aphasie‬‬
‫إن مرض اللغة الناجم عن إصابة النظام العصيب املركزي كان الشغل الشاغل ملختلف التخصصات‪ ،‬خاصة‬
‫علوم األعصاب‪ ،‬والنفس‪ ،‬واللسانيات‪ ،‬فتحليل املعطيات املرضية مسح أوال إبجياد استدالالت على تنظيم الوظيفة املخية‪،‬‬
‫ومتايزها‪ ،‬ومن جهة اثنية حتليل اضطراابت اللغة أعطى فهما أحسن لوظيفة هذا التصرف اإلنساين املعقد‪ ،‬ولتنظيمه‪ ،‬كما‬
‫أن إقران هذا التحليل ابملعطيات اللسانية األخرى كون لنا من جهته رؤى أفضل حلقيقة هذا السلوك؛ أي أن الدراسات‬
‫املقتصرة على جانب من هذه اجلوانب تعترب مقصرة‪ ،‬لذلك استدعيت الدراسة النفسية العصبية لفهم حقيقة هذا التصرف‬
‫بكل جوانبه‪.‬‬
‫كان من الصعوبة مبكان متييز العناصر املكونة لألمراض اليت تكمن يف مقارنتها ابلتصرفات اللفظية العادية من‬
‫جهة أن الدراسة اآللية للتصرف ستكون عائقا لتحليل املرض‪ ،‬وفهمه‪ ،‬مث إن جمموع العمليات الداخلية مبهمة سواء تعلق‬
‫األمر بفهم امللفوظ‪ ،‬أو بثه‪ ،‬وهي عمليات غري قابلة للفصل على أساس املالحظة الظاهرية للتصرفات اللفظية السليمة‬

‫‪ 1‬ميشال زكري‪ ،‬مباحث يف النظرية األلسنية وتعليم اللغة‪ ،‬املؤسسة اجلامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪ 1985 ،02‬م‪،‬‬
‫ص ‪.26‬‬
‫‪ 2‬نفسه‪ ،‬ص ‪ 28‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ 3‬جون ليونز‪ ،‬نظرية تشومسكي اللغوية‪ ،‬ترمجة حلمي خليل‪ ،‬دار املعرفة اجلامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ 1985 ،01‬م‪ ،‬ص ‪.206‬‬
‫‪124‬‬
‫فقدان اللغة‪.‬‬ ‫احملارضة احلادية عش‬

‫للكبار يف حياهتم اليومية ‪ ،1‬ومن أجل حتليل يراعي خمتلف العوائق‪ ،‬افرتض علماء اللسانيات النفسية طرقاً ملقاربة الظاهرة‬
‫وذلك بدراسة ‪:2‬‬
‫‪ .1‬األساس التطوري وأولياته‪ :‬الذي يصف التكوين املتنامي للغة عند الطفل‪ ،‬ويكشف بذلك عن بعض أنظمة‬
‫االكتساب اللغوي وابستنتاج مستويت التعقد‪ ،‬وحتليل الوظائف املتكونة يف كل مرحلة من مراحل العمر‬
‫للفعاليات اللفظية‪ ،‬وبذلك نقيم دراسة اقتصادية عامة للتطور‪.‬‬
‫‪ .2‬إقامة أحباث جتريبة‪ :‬اليت ميكن أن تقودان يف مناسبات خاصة لتحليل ردود األفعال اللفظية سواء تعلق األمر‬
‫بسرعة الرد أو بطبيعته‪ ،‬وذلك ألشخاص خيضعون لتحريضات معينة ما يسمح لنا ابستنتاج بعض قوانني نظام‬
‫التصرفات اللغوية‪.‬‬
‫‪ .3‬االه تمام ابألمراض املخية‪ :‬اليت تؤدي إىل اختالالت يف النظام السلوكي املسجل عند بعض األشخاص‪ ،‬ومن مث‬
‫فالسريورة اليت تظهر يف كل مرة شكالً لتطور لفظي تتعطل‪ ،‬وختتل‪ ،‬وهكذا فمجمل االختالالت الفردية‬
‫واجلماعية النامجة من إصابة النظام العصيب املركزي تستثين بعض املظاهر اليت قد تلحظ يف أتخرات اللغة‪،‬‬
‫وصعوبة استذكار كلمات معينة دون تسجيل أي اضطراب حنوي‪ ،‬وغريها مما ميكن أن يكون وظيفيا ‪ ،3‬وهي‬
‫االختالالت املولدة للحبسة النامجة عن إصابة حمددة‪ ،‬وبؤرية يف النسيج العصيب‪ ،‬وهي اليت تظهر فجأة عند‬
‫شخص يتكلم طبيعيا‪ ،‬وتسلك االضطراابت احلبسية منحنيني يف ظهورها تتعلق إحداها مبدرج الفهم واألخرى‬
‫ببث الرسائل اللسانية ‪.4‬‬
‫إن احلبسة كانت موضوعا مشرتكا لثالث رؤى كربى على مدى فرتتني من تطورها وهي‪ :‬علم األعصاب‪،‬‬
‫واللسانيات‪ ،‬والوظائفيني أو أصحاب نظرية التفكك اآليل – اإلرادي للسلوك‪ ،‬وهي اليت أنتجت مجيعها مبحث "علم‬
‫احلبسة" يف "اللسانيات النفسية"‪.‬‬
‫تعريف احلبسة‪:‬‬
‫يعترب عامل األعصاب اإلجنليزي "هنري هيد" "‪ "Henry Head‬احلبسة" "على أهنا اختالل يف التشكيل‪ ،‬والتعبري‬
‫الرمزي‪ ،‬ومتس الفهم‪ ،‬واستعمال الرموز اخلاصة ابللغة" ‪ ،5‬ويرى كذلك من خالل تطور هذا االضطراب‪ ،‬أن اإلنتاجات‬
‫اللغوية اخلاضعة للقواعد النحوية‪ ،‬ختتل قبل اإلنتاجات اللغوية األتوماتية‪ ،‬وهذه ال تصاب إال اثنويً هذا ما مييز بني‬

‫‪1‬‬
‫‪Colette Durieu, La rééducation des aphasiques, Charles et Dessart, Bruxelles, Belgique, 1969, P‬‬
‫‪24.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Anne Van Hout & Xavier Seron, L’aphasie de l’enfant et les bases biologiques du langage, Pierre‬‬
‫‪Mardaga, Bruxelles, Belgique, 1983, P 13 à 17 .‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Anne Van Hout & Xavier Seron, L’aphasie de l’enfant et les bases biologiques du langage, p 14.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Théophile Alajouanine, l’aphasie et le langage pathologique, Bailliere Editions, Paris, France,‬‬
‫‪1968, P 16.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪André Roch Lecours & François Lhermitte, L’aphasie, Editions Flammarion, Paris, France,‬‬
‫‪1979, P 35.‬‬
‫‪125‬‬
‫فقدان اللغة‪.‬‬ ‫احملارضة احلادية عش‬

‫حبسة امسية‪ ،‬وحبسة لفظية داللية‪ ،‬ويعرفها آخرون "أبهنا اضطراب للوظيفة الرمزية؛ أي فقدان القدرة على استعمال‬
‫الرموز‪ ،‬واإلشارات‪ ،‬والصور"‪ ،‬أو "هي اضطراب للغة نتيجة الضطراب عقلي‪ ،‬والتوجد إال عندما تضطرب مجيع‬
‫النشاطات اللغوية‪ ،‬واحلبسة هي "خلل يف اآلليات احلس حركية‪ ،‬والنفسية اخلاصة ابإلدراك‪ ،‬والتعبري اللغويني‪ ،‬واليت حتدد‬
‫يف منطقة من نصف الكرة املخية املسيطر" ‪.1‬‬
‫إن من الصعب أن حندد تعريفا دقيقا للحبسة‪ ،‬لذلك فاحلبسة اضطراب لغوي ذو طبيعة مميزة تظهر تبعا‬
‫إلصابة النظام العصيب‪ ،‬ويف اللغة املوجودة عند الفرد الذي يعاين هذه اإلصابة‪ ،‬وهذا التعريف يوضح عنصرين يتدخالن‬
‫يف تكونه‪ ،‬إحدامها عصيب آت من طبيعة اإلصابة املخية‪ ،‬واثنيهما لساين عصيب يتمثل يف خاصية اضطراب اللغة؛ فتعترب‬
‫احلبسة من انحية تعريفها العصيب كل اضطراب حبسي انتج من إصابة خمية عادة ما تكون بؤرية؛ أي ال حتتل جزءا معتربا‬
‫من املخ‪ ،‬وإمنا حدودها تكون أقل حتديدا‪.‬‬
‫وهي غالبا ما تقع يف اجلزء املركزي لنصف الكرة املخية اليسرى فنستبعد بذلك حبسة االختالالت احلادثة عند‬
‫اإلصاابت اآلتية من النظام العصيب املركزي ذاته مثل العته الشيخوخي‪ ،‬وقبل الشيخوخي‪ ،‬وعلى الرغم من ذلك فإن‬
‫الباحثني ال يبدون اتفاقا حول مسألة احلبسة النامجة عن العته إال أن احلديث عن نوع من هذه احلبسة يوقعنا يف إشكال‪،‬‬
‫فكما نلحظ إصابة مناطق اللغة هنا إال أنه يف هذه احلالة ال ميكننا أن منيز بني اضطراب اللغة ذات الطبيعة النفسية‬
‫اللسانية من غريها املستخرجة من اضطراابت سلوكية أكثر عموما‪ ،‬وابإلضافة إىل هذا فالفعل الذي جيعل من أن اإلصابة‬
‫تكون بؤرية ال يستبعد مع ذلك أهنا قد تكون يف بعض املرات إدراكية مثلما يلحظ يف حالة استئصال نصف الكرة املخي‬
‫األيسر؛ أي إجراء عملية جراحية عصبية تتطلب نزع مجيع النصف الكروي املخي األيسر من أجل وجود ورم خبيث‪ ،‬أو‬
‫نتيجة الصرع العضال‪ ،‬كما يالحظ وجود إصاابت بؤرية إدراكية أتيت على مجيع مناطق اللغة دون إفساد عضوي خمي‬
‫فمثال املرض الناجم من تسمم مناطق اللغة فقط بغاز أكسيد الكربون األحادي‪.‬‬
‫أما من انحية تعريفها النفسي اللساين ‪ ،‬فيفرق العياديون بني ما هو اضطراب حبسي من غريه‪ ،‬ويف هذا‬
‫املستوى النظري كثري من األمور قد اتضحت ؛ فمن خالل دراسة أين تبدأ وأين تتوقف الفعالية اللغوية يف منوها نستطيع‬
‫أن نتبني االضطراابت ونوعها‪ ،‬وقد أدت هذه الدراسة اليت تقرتن بدراسة اتريخ احلبسة إىل ظهور مدرستني إحدامها‬
‫التوحيدية "‪ ،"Unitaire‬وتبحث عن حتديد النواة املركزية التأسيسية خلاصية التصرفات اللغوية‪ ،‬ومن مث فهناك حبسة‬
‫واحدة ال ميكن تفريقها عن بعضها‪ ،‬واثنيهما كاشفة عن تنوع االضطراابت احلبسية بقدر اختالل تنظيمات الفعالية‬
‫اللغوية‪ ،‬واليت تكون قابلة للفصل عن بعضها البعض‪ ،‬فبالنسبة "للمدرسة التوحيدية" فإنه ال توجد أي حبسة إذا كان‬
‫جمموع قوالب الفعالية اللغوية مضطراب‪ ،‬ومن هذا املنظور فاالضطراب األساسي للغة يتنوع حبسب بث الرسائل اللغوية‪،‬‬
‫وإدراكها يف أشكاهلا الكتابية والشفوية‪ ،‬ومن بني القائلني "ابلنظرية التوحيدية" جند بعض الباحثني يعتربون أن اضطراابت‬

‫‪1‬‬
‫‪Théophile Alajouanine, Abrégé de neuro- psychologie, elsevier masson edition, Paris, France,‬‬
‫‪1977, P 34‬‬

‫‪126‬‬
‫فقدان اللغة‪.‬‬ ‫احملارضة احلادية عش‬

‫اللغة هي نتاج اثنوي إلصابة وظيفية أكثر عموما‪ ،‬ولعل "العقليني" رأوا كذلك أن احلبسة هي نتاج يف اضطراب فكري‪،‬‬
‫أو اضطراب الوظيفة الرمزية؛ أي قدرة استعمال التمثيالت مثل العالمات والرموز والصور وغريها‪.‬‬
‫علم احلبسة واللسانيات النفسية‪:‬‬
‫لقد اهتمت اللسانيات بشرح علم احلبسة اعتمادا على التحليالت‪ ،‬واألوصاف القائمة على الشكل اللساين مل‬
‫ظهر احلبسة اللفظية‪ ،‬أما التيار الوظائفي فقد وصف النشاطات اللفظية يف تداعياهتا اآللية واإلرادية يف احلدث التواصلي‪،‬‬
‫وأما تيار علم األعصاب فقد حلل الفعاليات اللفظية اعتمادا على األنظمة املنفذة‪ ،‬واملستقبلة املتداخلة‪ ،‬وعلى خمتلف‬
‫أشكال اإلضراابت امللحوظة يف املواقع املسؤولة عن اإلصابة‪.‬‬
‫أ‪ -‬التيار العصيب‪ :‬إن املعيار الذي يستند إليه هذا التيار هو النظام العصيب الفسيولوجي لظواهر التكلم‪ ،‬وفهم الرسائل‬
‫الشفوية‪ ،‬والكتابة‪ ،‬والقراءة املتضمنة يف األنظمة احملركة‪ ،‬ووصف األجهزة‪ ،‬ومراكز املعاجلة احمليطية‪ ،‬واملركزية واليت تؤمنها‬
‫ويرتجم السلوك اللغوي فيها من طريق السيالة العصبية املنتقلة بني األجهزة املتحكمة يف اللغة‪ ،‬ومراكز املعاجلة‪ ،‬واليت تتميز‬
‫اجتاها واختيارا ‪ ،‬كما أن وصف اضطراابت اللغة هنا يتطلب التحقق من مكان وجود االختالل الوظيفي داخل هذا‬
‫النظام الفسيولوجي العصيب‪.‬‬
‫إن مقاربة السلوكات احلاصلة تقودان إىل متييز جمموعة الفعاليات اللفظية حسب التقسيم الثنائي املزدوج‬
‫(شفوي‪ /‬كتايب‪ ،‬استقبال‪ /‬بث )‪ ،‬ونسجل من ذلك السلوكات النمطية التالية‪:‬‬
‫• شفوي ‪ +‬استقبال = استقبال أصوات اللسان (فهم شفوي )‪.‬‬
‫• شفوي ‪ +‬بث = نطق أصوات اللسان (الكالم)‪.‬‬
‫• كتايب ‪ +‬استقبال = قراءة‪.‬‬
‫• كتايب ‪ +‬بث = كتابة‪.‬‬
‫ومع ذلك فإن هذه الفعاليات األربع متصلة مع بعضها البعض‪ ،‬فمثال عندما نقرأ بصوت مرتفع فإننا نستدعى‬
‫فعالية القراءة‪ ،‬ونطق األصوات اللسانية فهناك إذن انتقال مكاين لألنظمة فيما بينها واليت تولد روائز اختيارية جديدة‪،‬‬
‫وكانت وجهة النظر احلسية‪ /‬احلركية هذه املنطلق يف تصنيف احلبسات اليت تفرتض وجود مراكز متخصصة لكل هذه‬
‫األنشطة من طرق اتصالية خمتلفة للمراكز املسؤولة عن اللغة‪ ،‬ومن مث فإصابة أي مركز‪ ،‬أو أي طريق يؤدي إىل نوع حمدد‬
‫من احلبسة ‪ ،‬فهناك حبسات خالصة‪ ،‬أو شبهة خالصة‪ ،‬فإصابة جمموعة البث الشفوي تنتج مرض "عسر النطق"‬
‫"‪ "Anarthrie‬وذلك الذي يصيب البث الكتايب يدعى "العمه الكتايب" "‪ "Agraphie‬والذي يصيب االستقبال‬
‫الشفوي يسمى "الصمم اللفظي" "‪ "Surdité verbale‬والذي يصيب االستقبال الكتايب يسمى "العمه القرائي"‬
‫"‪"Alexie‬‬
‫إن املقاربة احلسية احلركية برهنت على مواءمة جيدة للعالقات الكائنة بني املعطيات التشرحيية املرضية‬
‫وأعراضها‪ ،‬كما يبينت أن هناك قوالب وظيفية خمية مستقلة‪ ،‬وأخرى تتأتى من الطرق الرابطة بينها من طريق انتقال‬

‫‪127‬‬
‫فقدان اللغة‪.‬‬ ‫احملارضة احلادية عش‬

‫السيالة العصبية من مركز إىل آخر‪ ،‬واليت أطلق عليها القوالب الرتابطية‪ ،‬أو الرتابطات العقلية " ‪Néo-‬‬
‫‪" associationnistes‬‬
‫إن التيار القائل بنظرية الرتابط مهد دراسات علم األعصاب النفسي والذي عرف يف بداية هذا القرن وتبع‬
‫بتحديد املواقع بطريقة متناهية الدقة‪ ،‬وظهرت بذلك أعمال العامل العصيب النفسي "نورمان جيشويند" " ‪Norman‬‬
‫‪ "Geschwind‬يف عام ‪ 1968‬م‪ ،‬لتقرير حقيقة هذه املواقع‪ ،‬والرتابطات املوجودة بينها ولعل هذه النظرية أقرت بوجود‬
‫ما يلي ‪:1‬‬
‫مراكز معاجلة‪ ،‬حيث يتم تنفيذ العمليات اخلاصة‪.‬‬ ‫•‬
‫طرق العبور بني خمتلف املراكز اليت تسمح بتحويل املعلومات‪.‬‬ ‫•‬
‫املسارات املتعددة ضمن املخطط هي اليت متكننا من حتليل خمتلف الفعاليات اللفظية‪.‬‬ ‫•‬
‫تبيني صورة البن العصبية التحتية فالطرق‪ ،‬واملراكز واقعة ضمن النظام العصيب املركزي‪.‬‬ ‫•‬

‫إن هذه النظرية ميكن أن تعطي قيمة توقعية عند قطع انتقائي للطرق‪ ،‬واملراكز اخلاصة‪ ،‬وتسجل حينئذ خمتلف‬
‫أشكال احلبسة املصادفة يف التشخيص العيادي احلديث‪ ،‬وحىت اليت ال تالحظ يف التشخيص‪.‬‬
‫أمثلة من عالج مرض احلبسة‪:‬‬
‫هناك بعض التقنيات احلديثة يف جمال عالج املصابني ابحلبسة "كالعالج النغمي اإليقاعي" " ‪Molodic‬‬
‫‪ ،"Intervention therapy‬و"املوسيقى العالجية" "‪ "Musicothérapie‬اليت انتشر استعماهلا يف بلدان خمتلفة‬
‫وبطرق خمتلفة ‪ ،2‬ويرى "فان ايكوت " "‪ "Van Eckout‬أن الطرق العالجية النغمية حتاول إعادة الرتبية بصفة شاملة‬
‫لالضطراابت الكالمية وهتتم هذه الطرق ابخلصائص الوظيفية‪ ،‬واالنفعالية لالتصال‪ ،‬وهو يبني لنا تلك الصعوبة اليت‬
‫جيدها املصاب ابحلبسة يف إعادة مجلة بسيطة بينما هو قادر على تتبع مقطع موسيقي‪ ،‬أو الغناء‪ ،‬وأكد على دور‬
‫النصف األمين للدماغ يف تفاعله مع املوسيقى‪ ،‬والنشاطات االنفعالية‪ ،‬ودوره كذلك يف إعادة تربية احلبسة ابستعمال تقنية‬
‫العالج النغمي اإليقاعي‪ ،‬واليت تعتمد على الوحدات العروضية واليت تسمى ابلرواج وكذا النربة‪ ،‬والوترية‪ ،‬والوقف بتقدمي‬
‫مادة لغوية ‪.3‬‬
‫إن النغم يعترب أكثر تقبال عند الطفل ابلنظر إىل فنون اللعب األخرى‪ ،‬فهو جد مهم يف االتصال حيث ميثل‬
‫التعبريات األوىل لدى الطفل ( الصراخ والبكاء قبل الكالم )‪ ،‬ولقد أاثرت تلك املطابقة بني املوسيقى واالتصال‪ ،‬وبني‬
‫البواعث الروحية والدينية مما جعل البعض يلتفت إىل أمهية القرآن الكرمي وجتويده‪ ،‬فالتعبريات املوسيقية املختلفة كان القرآن‬
‫قد مشلها حيث ميثل القرآن التعبري بلغة فصيحة يف غاية االنسجام‪ ،‬والبالغة‪ ،‬لتتحرك فيه ذبذابت العواطف‪ ،‬واجلوارح مع‬

‫‪1‬‬
‫‪Théophile Alajouanine, Abrégé de neuro- psychologie, P 54‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Zellal Nacera, étude de cas de la recherche en orthophonie,O.P.U, Alger,1992, P 81.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Van Eckout, Rôle de cas de l’hémisphère droit dans la rééducation de l’aphasie, IN‬‬
‫‪ORTHOPHONIA, N° 1 -2, O.P.U, Alger, 1993 /1994, P 101.‬‬
‫‪128‬‬
‫فقدان اللغة‪.‬‬ ‫احملارضة احلادية عش‬

‫االتصال ابخلالق‪ ،‬والتأمل العميق‪ ،‬فاالتصال يف القرآن درب من حترير الفرد من قيوده اللغوية‪ ،‬والنفسية‪ ،‬واجلسدية‪ ،‬فكل‬
‫التقنيات من التنفس‪ ،‬واالسرتخاء‪ ،‬والنغم هي الطرق األكثر اكتسااب للراحة‪ ،‬فالسورة القرآنية عند اكتسابا تصبح آليات‬
‫تساعد يف االستقاللية اليت يقوم عليها االتصال "فالطفل منذ والدته مولع ابلبحث عن الذات‪ ،‬أو الذاتية فهو عند انتقاله‬
‫إىل مرحلة االتصال سيميل إىل كل ما يكسبه من طريق االستقاللية عن حميطه االجتماعي‪ ،‬والثقايف"‪ ،‬فاحتفاظ الطفل‬
‫ابلسورة يف ذهنه ستعترب من املكاسب اليت تساعده على االستقاللية‪ ،‬كما أن النغم يقوم ابستثمار اجلانب اجلمايل‪ ،‬والفين‬
‫معا‪ ،‬وهو بذلك يف عالقة وطيدة بتكوين الشخصية من الناحية احلسية‪ ،‬واحليوية‪.‬‬
‫من هنا يصح أن نوجه أنظاران إىل العالج السماوي "القرآن الكرمي" من أجل إثراء امليدان العالجي‪ ،‬فإعجاز‬
‫القرآن يشمل النواحي الصوتية واللفظية كذلك‪.‬‬
‫التأأتة ‪Le bégaiement‬‬
‫لقد كان موضوع التأأتة كغريه من أمراض الكالم‪ ،‬واالضطراابت اللغوية جمال اهتمام كل األمم اليت درس‬
‫ابحثوها مظاهر تشوش التواصل نتيجة األمراض‪ ،‬أو العيوب العضوية‪ ،‬والوظيفية ذاهبني يف ذلك مذاهب شىت حسب‬
‫ميدان الدراسة‪ ،‬وطبيعتها‪ ،‬ومنهجيتها‪ ،‬ووسائل كشفها‪ ،‬وهناك من طرق املوضوع فلسفيا تكلم فيه عن طاقات الفكر‪،‬‬
‫والذكاء‪ ،‬وعامل املعرفة‪ ،‬ومن حاول أن يعطيه بعدا نفسيا سلوكيا‪ ،‬وآخر من دونه تناول األمر فنيا‪ ،‬وابملقابل تنشأ دراسة‬
‫تعتمد العقاقري‪ ،‬واألعشاب الطبية‪ ،‬وممارسات السيطرة الروحانية النفسانية… وهلم جرا مما كان يعكس ميادين أي علم‬
‫يف أي زمن حبسب طبيعة التفكري‪ ،‬ودرجته‪ ،‬وتوفر آليات البحث‪ ،‬واستقامة منهجياته‪.‬‬
‫ومل يتخلف العرب عن الركب يف طرق أبواب الدراسة اللغوية كغريهم من األمم املتحضرة حبثا عن متثل‬
‫الفصاحة‪ ،‬وجودة النطق‪ ،‬والبعد عن اللكنة‪ ،‬والعجمة اليت هي مظهر من املعامل احلضرية االجتماعية الراقية؛ لقد سجل لنا‬
‫املرياث العلمي العريب كثريا من املصطلحات اليت كانت تدور يف فلك املالحظة اللغوية‪ ،‬و اضطراابهتا مثل قوهلم‪:‬‬
‫الغمغمة‪ ،‬والطمطمة‪ ،‬واحلكلة‪ ،‬والعسلطة؛ وهي أمراض يروهنا انمجة عن سوء األداء‪ ،‬وقلة القدرة‪ ،‬ومنها كذلك قوهلم‪:‬‬
‫القلب‪ ،‬والعقلة‪ ،‬واحلصر‪ ،‬والتمتمة‪ ،‬والرتة‪ ،‬والفأفأة‪ ،‬واهلتهتة‪ ،‬واللجلجة‪ ،‬واحلبسة‪ ،‬والتأأتة‪ ،‬والليغ‪ ،‬واخلنخنة‪ ،‬واملقمقة‪،‬‬
‫واللثغة ‪ ،1‬وغريها من مظاهر نقص السالمة اللغوية‪ ،‬واختالل الكالم السوي‪ ،‬واعتربت التأأتة سلوكا آتيا من التقصري‪،‬‬
‫والنسيان‪ ،‬ومن مث يتناهى إىل أمساعنا أخطاء كثرية سببها زالت اللسان‪ ،‬وهي أمراض نتاج السرعة غالبا ألن دوافعها‬
‫متعددة مثل اخلوف‪ ،‬والسرعة‪ ،‬واهلذر الكثري‪ ،‬وامليل إىل الكتمان‪ ،‬واضطراب الذهان‪ ،‬والشرود‪ ،‬و بذا يتعثر اللسان‬
‫فيسلك سلوكا مغايرا ملا يسلكه يف أحواله الطبيعية‪ ،‬وحيصل أثناء ذلك القلب‪ ،‬أو اإلبدال‪ ،‬أو اخللط يف احلروف‪،‬‬
‫والكلمات وغريها من األخطاء اليت قد يتنبه إليها عقب التعليق عليها من قبل احلاضرين ضحكا‪ ،‬أو امشئزازا ‪ ،2‬وغريها‬
‫من مظاهر الرفض‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫حممد كشاش‪ ،‬علل اللسان وأمراض اللغة‪ ،‬املكتبة العصرية للطباعة والنشر‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪ 1998 ،01‬م‪ ،‬ص ‪ 30‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫نفسه‪ ،‬ص ‪.42‬‬
‫‪129‬‬
‫فقدان اللغة‪.‬‬ ‫احملارضة احلادية عش‬

‫وإذا صح هذا القول على التأأتة فإنه يصح أن يطلق على غريها من مظاهر االضطراب لكن هناك من‬
‫يستفحل فيه املرض‪ ،‬ويستعصى معه العالج‪ ،‬وآخر يستطيع أن يهذب ألفاظه حريً ويقوم لسانه ملياً ‪ ،1‬وتنشأ حديثا‬
‫دراسة قائمة على منحى توجيهي استدعى مواقف ومشاريع عمل خمتلفة‪ ،‬وتفسريات مبدئية ترتكز عليها منهجيات‬
‫الدراسة‪ ،‬وتقنياهتا‪ ،‬وكذلك التفسريات‪ ،‬والشروحات املختلفة‪ ،‬والعالجات املتنوعة القائمة على أسس ميدانية استطاعت‬
‫أن تنجزها‪ ،‬وتناقش مسائلها املختلفة ميادين اللسانيات النفسية‪ ،‬والعصبية‪.‬‬
‫تعريف التأأتة‪:‬‬
‫لقد أعطى الباحثون تعاريف خمتلفة للتأأتة نذكر منها تعريف "دانفيل" "‪ "Claire Dinville‬الذي يرى أن‬
‫"التأأتة اضطراب يف التعبري اللفظي الذي يؤدي إىل إصابة إيقاع الكالم‪ ،‬وهو اضطراب وظيفي دون تشوه على مستوى‬
‫أعضاء الكالم‪ ،‬وهو دائما مرتبط بوجود املستمع‪ ،‬فهو ابلضرورة اضطراب يف االتصال اللفظي‪ ،‬وأما عن الصعوابت‬
‫العقلية اليت يعانيها فتعود إىل املشاكل النفسية‪ ،‬ويف بعض األحيان تصل إىل حد أن تصبح مشكلة اجتماعية يف غاية‬
‫األمهية" ‪ ،2‬وأما "أجوريجريا" "‪ "Julian de Ajuriaguerra‬فيؤيد التعريف السابق حبيث يرى أن "التأأتة خلل يف‬
‫إنتاج اللغة يف إطار مرضي علقي" ‪ ،3‬ويعترب البعض أن "حلظة التأأتة تتضمن كلمة غري منظمة من الناحية الزمانية"‪ ،‬ويرى‬
‫آخرون أن "التأأتة اختالل يف التعبري الشفوي يتميز بتكرار‪ ،‬أو تردد أثناء إرسال وحدة كالمية"‪ ،‬وأما "اجلمعية الفرنسية‬
‫لعلم النفس" فقد أعطت تعريفاً للتأأتة مع اإلشارة إىل األسباب املؤدية له مع ذكر بعض من أنواعها إذ تعرفه أبنه‬
‫"اضطراب يف البنية السردية حيث يكون املقطع مكررا "التأأتة التكرارية"‪ ،‬وهناك حالة أخرى حيث ال يستطيع النطق‬
‫"التأأتة االنفجارية"‪ ،‬وأسباب هذه الظاهرة املعقدة‪ ،‬وراثية‪ ،‬وعاطفية خاصة" ‪.4‬‬
‫كما تعرف التأأتة على أهنا "اضطراب يف جمرى التدفق لألشكال املصوتة للكالم يف موقف التواصل"‪ ،‬وشرح‬
‫"فودال" "‪ "Marie-Claude Monfrais-Pfauwadel‬االضطراب على أنه "إصابة عميقة يف التواصل اإلنساين‬
‫تصيب الفرد يف عالقته مع نفسه واآلخرين؛ فاملصاب ال يتأتئ حني يتكلم مع نفسه وال يتأتئ يف الكالم ابلطريقة‬
‫اآللية"‪ ،‬وخنلص إىل أن التأأتة ببساطة هي اضطراب يف جمرى الكالم‪ ،‬أو سرده‪ ،‬خيتل إيقاعه‪ ،‬إذ ال يعد اضطرااب لغوي‬
‫شفوي‪ ،‬ويعترب اضطرااب يف العالقة التواصلية حيث إن الشخص املتأتئ ال يتأتئ إال عند اتصاله مع اآلخرين‪ ،‬والتأأتة‬
‫أنواع‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫نفسه‪ ،‬ص ‪.43‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Claire Dinville, le bégaiement, symptomatologie et traitement, elsevier masson edition, Paris,‬‬
‫‪France, 1980, P 05‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Julian de Ajuriaguerra, le bégaiement, trouble du langage de la réalisation de langage dans le‬‬
‫‪cadre d’une pathologie de relation, Press Nied, Paris, France, 1958, P 11 et 12.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Clément Launay & Borel Maisonny, les troubles du langage, de la parole et de la voix chez‬‬
‫‪l’enfant Masson, 2ème Ed, elsevier masson edition, Paris, France, 1975, P 362.‬‬
‫‪130‬‬
‫فقدان اللغة‪.‬‬ ‫احملارضة احلادية عش‬

‫أ‪ -‬التأأتة القرارية "‪ :"Tonique‬وتتمثل يف توقف عند املقطع األول‪ ،‬أو الثاين‪ ،‬أو أي مقطع يف احلالة الكالمية‬
‫الشفوية مع استئناف الكالم‪.‬‬
‫ب‪ -‬التأأتة االختالجية "‪ :"Clonique‬تتمثل يف تكرار املقطع األول‪ ،‬أو الثاين‪ ،‬أو أي مقطع يف احللقة الكالمية‬
‫الشفوية مع استئناف الكالم‪ ،‬وحماولة للتصحيح الذايت‪.‬‬
‫ج‪ -‬التأأتة القرارية االختالجية "‪ :"Clono-Tonique‬تشمل النوعني السابقني ابشرتاك‪.‬‬
‫د – التأأتة الشبه الكفية "‪ :"Para-inhibition‬وهو توقف مفاجئ للكالم دون استئناف متيزه خاصة اضطراابت‬
‫التنفس ‪.1‬‬
‫أعراض التأأتة‪:‬‬
‫تصاحب التأأتة اضطراابت ال تظهر إال أثناء الكالم‪ ،‬ومنها عدم التحكم يف عملية التنفس فالزفري يكون قصريا‬
‫مفاجئا‪ ،‬أو قد يكون غائباً‪ ،‬ويكون الشهيق انفجاري‪ ،‬ارجتاجيا‪ ،‬واالضطراابت احلركية اليت تظهر خاصة يف النوع القراري‪،‬‬
‫وختص الشفتني‪ ،‬والفك‪ ،‬وعضالت الوجه‪ ،‬وقد تتعدى إىل عضالت أخرى ليس هلا عالقة ابلنطق‪ ،‬وكذلك تصحب‬
‫اضطراابت وعائية حركية يف الدورة الدموية‪ ،‬واضطراابت إفرازية تتمثل إما يف زيدة اللعاب‪ ،‬أو يف حدوث جفاف يف‬
‫الفم‪ ،‬وزيدة عملية التعرق وامحرار الوجه وزيدة خفقان القلب‪ ،‬وارجتاج العينني وكثرياً ما يالزم اضطراب التأأتة اضطراب‬
‫اجلانبية ‪.2‬‬
‫وتتميز التأأتة بعدة أشكال ختتلف ابختالف املواقف‪ ،‬والظروف نذكر منها ما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬االرتعاش العضلي‪ :‬وختص عضالت أعضاء الكالم‪ ،‬وهذه االرتعاشات انجتة عن جهد كبري يبذله املتأتئ حىت‬
‫يتخلص‪ ،‬ويتحرر من احلبس يف الكالم‪ ،‬وهي األكثر ترددا عند املتأتئ‪.‬‬
‫‪ .2‬االنغالق واالنطواء‪ :‬ومها شكالن من أكثر األشكال اليت يتميز با املتأتئ‪ ،‬ويف الوقت نفسه تعترب من بني‬
‫الصفات األكثر عرقلة للشخص‪.‬‬
‫‪ .3‬سلوكات التجنب‪ :‬حياول املصاب جتنب املواقف اليت توجب عليه االتصال الكالمي‪.‬‬
‫‪ .4‬احلركات املفاجئة‪ :‬وتتمثل يف حركات الرأس‪ ،‬واجلذع‪ ،‬وحركات اليدين‪ ،‬والساقني‪ ،‬والتكشرات على مستوى‬
‫الوجه‪ ،‬واالمحرار‪.‬‬
‫أسباب التأأتة‪:‬‬
‫التأأتة حالة معقدة تشمل جوانب من السلوك احلركي‪ ،‬والوجداين السيكولوجي‪ ،‬واللغوي ‪ ،3‬وميكن تلخيص‬
‫أسبابا فيما يلي‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Clément Launay & Borel Maisonny, les troubles du langage, de la parole et de la voix chez‬‬
‫‪l’enfant Masson, P 335.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Paul Pialoux, Précis d’orthophonie, elsevier masson edition, Paris, France, 1975, P 265‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Clément Launay & Borel Maisonny, les troubles du langage, de la parole et de la voix chez‬‬
‫‪l’enfant Masson, P 347.‬‬
‫‪131‬‬
‫فقدان اللغة‪.‬‬ ‫احملارضة احلادية عش‬

‫‪ .1‬التأأتة اضطراب وظيفي انفعايل‪ :‬تتولد عن التأأتة عقدة يف االتصال مع الغري‪ ،‬ختتل فيه العالقة‪ ،‬ذلك أن املتأتئ‬
‫ال يتأتئ إال عند وجود الطرف اآلخر‪ ،‬وهذا ميس سلوكه اللغوي االنفعايل ‪.1‬‬
‫‪ .2‬التأأتة اضطراب يف البنية الزمنية‪ :‬حيدث على املستوى اللغوي توزيع عشوائي للمجموعات اإليقاعية؛ أي ما‬
‫نسميه ابلرواج‪ ،‬الذي يقصد به عدد من التقطعات يف القياس اإليقاعي مما خيل ابلتسلسل الزمين للكالم ‪.2‬‬
‫‪ .3‬التأأتة اضطراب يف اإليقاع‪ :‬مبا أن اخللل يكون على مستوى جمموعات إيقاعية‪ ،‬وهي متضمنة يف اخلصائص‬
‫النغمية أو ما فوق مقطعية "‪ "les trais suprasegmentaux‬للغة‪ ،‬يعين هذا أن جمرى الكالم يفقد إيقاعه‬
‫يف السلسلة الكالمية‪ ،‬وينعدم االنسجام يف موسيقية الكالم‪.‬‬
‫‪ .4‬التأأتة اض طراب يف األفكار والصور الذهنية‪ :‬فالتأأتة وليدة إحياءات املصاب وانطباعاته‪ ،‬فاملتأتئ تتكون لديه‬
‫أفكار سلبية سببتها املواقف االجتماعية‪ ،‬والرتبوية غري املالئمة فتصبح هذه األفكار‪ ،‬واالنطباعات إحياءات ذاتية‬
‫سلبية يف ذهنية املصاب لتتجسد هذه الصور الذهنية املتكونة لديه يف العضوية لتولد اضطراب التأأتة‪ ،‬ويصحبه‬
‫اضطراب يف إيقاع التنفس الذي ميثل أحد إيقاعات العضوية املهمة‪.‬‬
‫‪ .5‬التأأتة اضطراب يف إيقاع التنفس‪ :‬مبا أن هناك خلال يف إيقاع الكالم‪ ،‬ونظراً لعالقة التنفس به فإنه يورث خلال‬
‫يف إيقاع التنفس الذي يعد أحد أهم اإليقاعات اليت تعمل عليها عضويتنا‪ ،‬السيما وأنه مرتبط إبيقاع املصواتت؛‬
‫إذ يعترب إطالقا للنفس‪ ،‬وهو ذو طبيعة صوتية مطابق ألصوات الطبيعة‪ ،‬و أما التنفس فهو نشاط حيوي‬
‫إيقاعي‪ ،‬وطبيعي عند اإلنسان‬
‫وجممل القول إن أسباب التأأتة عديدة‪ ،‬وارأتت هلا تفاسري متعددة حبسب رؤى متنوعة‪.‬‬
‫الطرق العالجية‪:‬‬
‫‪ .1‬العالج ابألدوية‪ :‬وهي طريقة ال تقضي على االضطراب لوحدها‪ ،‬فما هي إال مساعدة ملرحلة معينة‪ ،‬وتتدخل‬
‫للتقليل من حالة القلق‪ ،‬أو للتدخل يف املستوى العضلي‪ ،‬إن هناك أعراضا خالصة ابلتأأتة تتطلب أدوية خاصة با‪،‬‬
‫وأخرى تصاحب مرض الصرع ويف هذه احلالة يتطلب العالج أدوية ضد االرتباك العضلي بعد إخضاعه لعملية الرسم‬
‫الكهرابئي الدماغي‪ ،‬والذي وجب أن يدوم مدة طويلة حىت تزول خطورة املرض‪.‬‬
‫وهناك من يرى أن التأأتة الناجتة عن خلل وظيفي للعصب "الودي املبهم"‪ ،‬ومن مث فاألدوية اليت تعيد التوازن‬
‫هي الت ريق املفيد لعالجها‪ ،‬وإذا تعلقت ابضطراب الشخصية فإنه حينئذ يستحيل تقوميها ابألدوية إال أن تعمل على‬
‫املساعدة الظرفية‪ ،‬ولعالج حمدود املدى‪ ،‬وأكثرها استعماال األدوية ذات صنف املخدرات العصبية مثل املخدرات اخلفيفة‬
‫املعروفة قدميا‪ ،‬وأما حاليا فهناك أنواع أكثر فعالية واستعماهلا ال يؤدي إىل أي خطأ‪ ،‬ويستعملها املريض لعدة أسابيع‬
‫فقط‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Claire Dinville, le bégaiement, symptomatologie et traitement, P 25‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Julian de Ajuriaguerra, le bégaiement, trouble du langage de la réalisation de langage dans le‬‬
‫‪cadre d’une pathologie de relation, P .114‬‬
‫‪132‬‬
‫فقدان اللغة‪.‬‬ ‫احملارضة احلادية عش‬

‫أما املتأتؤون الذين يعانون قلقا نفسيا فيفضل استعماهلم لبعض املهدائت‪ ،‬وهناك من يوصي ابستعمال األدوية‬
‫العصبية البسيطة وجتنب املريض خطر النعاس فهي مساعدة لألدوية األخرى‪ ،‬وهناك من يوصي ابستعمال املزيل للتشنج‬
‫العضلي من أجل إزالة القلق النفسي وهو تريق يستعمل ضد التشنج العضلي‪.‬‬
‫يف الواقع ال يوجد أي وسيلة عالجية انفعة وحدها‪ ،‬بل جيب إقراهنا أخرى مع والطريقة املختارة تكون حسب‬
‫املصاب‪ ،‬وبكل حالة للمتأتئ‪.‬‬
‫‪ .2‬احلوارات‪ :‬إبقامة احلوارات نستطيع التعليق على ما قدم وألقى على مسامعنا من قبل املتأتئ‪ ،‬وبذلك نقيم أسئلة‬
‫ابلصدفة اليت جتعل املتأتئ يهتز ويندفع تدرجييا إىل احملاورة‪ ،‬واملشاركة يف احلوار‪ ،‬وتعترب القصة اليت ميكن أن تدوم من‬
‫عشرين إىل ثالثني دقيقة‪ ،‬وتسبق احلوار مهيئة للمناقشة‪ ،‬أو احلوار ألهنا أكثر سهولة إذ توجد يف بنية‪ ،‬أو تركيب حيب‬
‫املتأتئ اتباعه واليت سوف جترب املصاب على التصريح أبفكاره‪ ،‬وتسرد األحداث بطريقة منطقية‪ ،‬وواضحة ‪ ،1‬وهنا يظهر‬
‫بعض املصابني سرعة يف كالمهم‪ ،‬مع التصرفات اليت تقرتح عليهم لكون القصة مبكرة االستعمال‪ ،‬وكذلك مهيئة للحوار‪.‬‬
‫يف بعض احلاالت تتطلب املرحلة العالجية حصصا بدل حصة خاصة لدى الذين ميلكون صعوابت كبرية‬
‫لتجاوز االضطراب والتأقلم مع واقع التطرق إىل القصة‪ ،‬أو النص‪ ،‬إذ تتطلب عدة مترينات تنجز بوساطة املسرع لضبط‬
‫السرعة ابلتوافق مع التمرينات‪ ،‬واستجاابت املصاب‪ ،‬وأثناء هذا التدريب األكثر أمهية جيب أن يهدف إىل جعل املتأتئ‬
‫يعي جسمه‪ ،‬والبقاء يف حالة االسرتخاء التام بوساطة مترين جيعله حيس بوجود اآللية الفيزيولوجية للتنفس أثناء التصويت؛‬
‫فاالسرتخاء يساعد على التهيئة الشعورية‪ ،‬والالشعورية لكل مقطع بوساطة الوقت الذي يفرق كالمه‪ ،‬أو القصة اليت‬
‫حيكيها‪ ،‬وابلتايل يعطي وقتا للتفكري‪ ،‬والتبصر‪ ،‬وأيضا يعطي لنفسه قسطا من الراحة‪ ،‬واليت سوف تصبح اعتيادية بوساطة‬
‫عدة مترينات‪ ،‬وابلتايل يصبح كالمه أكثر سهولة‪ ،‬وسيولة هذا يف حالة ما إذا كان املصاب يستعمل املواجهة التنفسية يف‬
‫كالمه ‪ ،2‬ومن هنا يصبح كالمه أكثر طالقة‪ ،‬والذي يكون شديد االرتباط‪ ،‬ووجب أن نصل إىل مرحلة يشعر فيها‬
‫املتأتئ أنه قادر على االحتفاظ إبحساسه ابلتسرب اللفظي‪ ،‬والذي جيب أن يدعم حبركة تسهيلية ملدة تكون نوعا ما‬
‫طويلة‪.‬‬
‫إنه جيب أن حنصل على االرختاء ابتداءً من احلصة األوىل والذي جيب أن يكون مالزما لعملية الكالم ومستمرا‬
‫أثناء الكالم التلقائي يف سرد القصة ويكون له فائدة كرب ى خاصة عند املصابني القلقني‪ ،‬والذين يعانون أتأتة كفية واليت‬
‫يكون سببها الوضعية اجلسمية‪ ،‬والنفسية؛ إذ حيوهلم إىل سهولة يف الكالم واحلوار‪.‬‬
‫إن الصعوابت النطقية الظاهرة‪ ،‬وكذا التنفسية للمتأتئ تزول تدرجيياً كوهنا عوامل تتأزم مبرور الزمن‪ ،‬وبتأثري‬
‫احمليط‪ ،‬فيجب أن نشرح للمصاب أتثري احمليط على كالمه إذ إن أخطاءه ختتفي مبجرد عودته إىل احلالة الطبيعية‪ ،‬وتبقى‬
‫بعض آاثر األخطاء اآللية الراجعة للتنفس بصفة خاصة‪ ،‬فهي ظاهرة فيزيولوجية ال جيب جلب النظر إليها خوفاً من‬
‫ظهور مبالغة يف احلركة التنفسية‪ ،‬واليت تصبح يف الغالب مالزمة لعملية الكالم‪ ،‬وتسبب جهداً يف املنطقة احلنجرية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Lennone .EJ, le Bégaiement, thérapeutiques modernes, Editions doin, Paris, France, 1962 , P 55‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Claire Dinville, le bégaiement, symptomatologie et traitement, P 46‬‬
‫‪133‬‬
‫فقدان اللغة‪.‬‬ ‫احملارضة احلادية عش‬

‫ووجب أن نلفت املريض إىل تكييف عملية الشهيق؛ إذ إهنا حركة غري إرادية‪ ،‬وال شعورية‪ ،‬واليت تدوم عرب‬
‫اإللقاء فيجب توجيهها حنو الفم؛ إذ تكون صامتة وقصرية‪ ،‬وتقام هذه العملية بطريقة سليمة حىت يكون جمرى الكالم‬
‫غري سريع‪ ،‬وأوقات التوقفات كافية للمصاب‪ ،‬ووجب أن نصر على الزفري الذي ميثل هذه األوقات‪.‬‬
‫‪ .3‬تقنية االسرتخاء‪ :‬إن اعتبار التأأتة نتيجة صراع عقلي يستبد ابملصاب مث يتعدى سائر أفكاره‪ ،‬وتصوراته إىل ذاته‪ ،‬فإن‬
‫سلمنا بذلك فيمكن أن نقو ل إن كل فرد متأتئ فقد جهازه العصيب‪ ،‬أو فقد معيار اتزانه بتأثري صدمة هذا الصراع‬
‫العقلي‪ ،‬فنجم بذلك تنافر‪ ،‬أو عدم انسجام بني أفعال املريض العقلية‪ ،‬واجلسمية‪ ،‬وخدمة هلذا االعتبار وضع "رومان‬
‫جاكبسون" "‪ "Roman Jakobson‬طريقة االسرتخاء اليت استطاع با تدريب املريض على إرخاء عضالته‪.‬‬
‫فقد تبني له أنه ابالسرتخاء التدرجيي للعضالت تتالشى شيئاً فشيئاً آاثر النشاط الذهين‪ ،‬واالضطراابت‬
‫االنفعالية‪ ،‬وأ ن هذه احلاالت ال تربز إىل الوجود عند االسرتخاء التام ألعضاء اجلسم ‪ ،1‬فالشيء الوحيد الذي يعني‬
‫املتأتئ على اسرتداد اتزانه العقلي‪ ،‬والعصيب دون أية خماطرة بزيدة مصاحبة إمنا هو االسرتخاء‪ ،‬وذكر البعض أنه "ليس يف‬
‫وسعنا إطالق أحكام الرتابط الذي يهيمن على العقل‪ ،‬واجلسم دون إطالق املتلجلج من أسر توتره‪ ،‬وعلى ذلك فكل‬
‫درس يلقن إليه ملعاجلة كالمه ينبغي أن يسبقه درس االسرتخاء" ‪.2‬‬
‫والرأي األصوب يف نظر الباحثني أن االسرتخاء وجب أن يستخدم ابعتباره عامال مساعدا‪ ،‬لكن دون أن‬
‫تكون له أمهية جوهرية؛ إذ إن أثر االسرتخاء قاصر على إحداث استقرار عقلي‪ ،‬واتزان ذهين‪ ،‬وأكدوا على عالج علة‬
‫نشوء االضطراب‪ ،‬فالقلق‪ ،‬واخلوف‪ ،‬واهلموم‪ ،‬والتوترات اليت تالزم املصاب ابلتأأتة ال ميكن أن تتالشى‪ ،‬وتزول مبجرد‬
‫ممارسة االسرتخاء العالجي ذلك أهنا مجيعا ميتأل با صدر الطفل‪ ،‬ويشتبك بعضها مع بعض يف نزال عنيف‪ ،‬وهذا الصراع‬
‫هو الذي يولد مشاعر القلق‪ ،‬وفقدان االتزان‪ ،‬واالنفعال‪ ،‬والتوتر‪.‬‬
‫‪ .4‬العالج النفسي‪ :‬وذلك حينما يتقرر أن العالج النفسي ضروري للطفل إذ يساهم يف عملية إعادة الرتبية ذلك يكون‬
‫من جانب عصايب ‪ ،un aspect névrotique‬ومن النادر جداً مالحظة أن االضطراب املداخل التأأتئية اليت تساعد‬
‫على اختفاء التأأتة ابلطرق العالجية األخرى‪ ،‬فاألخصائيون يستعملون عدة طرق لعالج االضطراب النفسي لدى‬
‫املراهقني عادة أكثر من األطفال‪.‬‬
‫‪ .5‬العالج عن طريق االحياء‪ ،‬والتسلية‪ ،‬واالقناع‪ :‬الطريقة العالجية ابإلحياء‪ ،‬وإبزالة التوتر‪ ،‬واإلقناع كانت مستعملة‬
‫منذ القدم يف التعامل مع التأأتة من طرف اختصاصيني كثريين موجهة بوجه خاص ملكافحة قصور الطفل‪ ،‬وخوفه الناجم‬
‫عن عيوب الكالم لديه‪ ،‬وما ورثه من خيبة‪ ،‬وإحساس ابلنقص نتيجة لذلك يف بيئة اجتماعية‪ ،‬أكثر من إدراك األسباب‬
‫اخلفية اليت سببت له االضطراابت النفسية‪.‬‬
‫‪ .6‬العالج عن طريق العقاب والتعزيز‪ :‬البعض يقدر أن العقاب هي الطريقة األجنع لعالج هذا العيب‪ ،‬فمن املمكن أن‬
‫يكون الطفل الذي هو من ضمن ‪ % 80‬من األطفال الذين يصلون إىل الكالم السليم دون تدخل اختصاصي للعالج‬

‫‪1‬‬
‫مصطفى فهمي‪ ،‬يف علم النفس‪ :‬أمراض الكالم‪ ،‬دار مصر للطباعة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ 1976 ،04‬م‪ ،‬ص ‪.216 ،215‬‬
‫‪2‬‬
‫نفسه‪ ،‬ص ‪.216‬‬
‫‪134‬‬
.‫فقدان اللغة‬ ‫احملارضة احلادية عش‬

‫ فهو‬،‫ إن التنوع يف العقاب التجرييب واإلكلينيكي جد معترب‬،‫ وقبل األوان بعد أن يتعرض هلذه املعاملة‬،‫متحررا من التأأتة‬
ً‫ وبعض املربني يعزز إجيابيا‬،‫ وهذا ما يسمى ابلتعزيز السليب‬،‫يثري عقوابت جد متباينة كقبلة من طرف املربية أثناء التأأتة‬
،‫ فيجب تعزيز الكلمة وشبه اجلملة‬،‫ وهذا ما يؤدي إىل حتسني كالمه‬،‫ واالتساق عند املتأتئ‬،‫األوقات املتسمة ابلقابلية‬
.‫واجلملة‬

:‫مصادر ومراجع احملاضرة‬

،01 ‫ ط‬،‫ مصر‬،‫ اإلسكندرية‬،‫ دار املعرفة اجلامعية‬،‫ ترمجة حلمي خليل‬،‫ نظرية تشومسكي اللغوية‬،‫ جون ليونز‬.1
.‫ م‬1985
.‫ م‬1998 ،01 ‫ ط‬،‫ لبنان‬،‫ بريوت‬،‫ املكتبة العصرية للطباعة والنشر‬،‫ علل اللسان وأمراض اللغة‬،‫ حممد كشاش‬.2
.‫ م‬1976 ،04 ‫ ط‬،‫ مصر‬،‫ القاهرة‬،‫ دار مصر للطباعة‬،‫ أمراض الكالم‬:‫ يف علم النفس‬،‫ مصطفى فهمي‬.3
،‫ بريوت‬،‫ املؤسسة اجلامعية للدراسات والنشر والتوزيع‬،‫ مباحث يف النظرية األلسنية وتعليم اللغة‬،‫ ميشال زكري‬.4
.‫ م‬1985 ،02 ‫ ط‬،‫لبنان‬

:‫املصادر ابللغة األجنبية‬

1. André Roch Lecours & François Lhermitte, L’aphasie, Editions Flammarion,


Paris, France, 1979.
2. Anne Van Hout & Xavier Seron, L’aphasie de l’enfant et les bases biologiques
du langage, Pierre Mardaga, Bruxelles, Belgique, 1983.
3. Claire Dinville, le bégaiement, symptomatologie et traitement, elsevier masson
edition, Paris, France, 1980.
4. Clément Launay & Borel Maisonny, les troubles du langage, de la parole et de
la voix chez l’enfant Masson, 2ème Ed, elsevier masson edition, Paris, France,
1975.
5. Colette Durieu, La rééducation des aphasiques, Charles et Dessart, Bruxelles,
Belgique, 1969.
6. Julian de Ajuriaguerra, le bégaiement, trouble du langage de la réalisation de
langage dans le cadre d’une pathologie de relation, Press Nied, Paris, France,
1958.
7. Lennone .EJ, le Bégaiement, thérapeutiques modernes, Editions doin, Paris,
France, 1962 .
8. Paul Pialoux, Précis d’orthophonie, elsevier masson edition, Paris, France,
1975.
9. Théophile Alajouanine, Abrégé de neuro- psychologie, elsevier masson edition,
Paris, France, 1977.

135
.‫فقدان اللغة‬ ‫احملارضة احلادية عش‬

10.Théophile Alajouanine, l’aphasie et le langage pathologique, Bailliere


Editions, Paris, France, 1968.
11.Van Eckout, Rôle de cas de l’hémisphère droit dans la rééducation de
l’aphasie, IN ORTHOPHONIA, N° 1 -2, O.P.U, Alger, 1993 /1994.
12.Zellal Nacera, étude de cas de la recherche en orthophonie,O.P.U, Alger,1992.

136
‫احملارضة الثانية عرشة‬
‫اللغة والتحليل النفس ‪.1‬‬
‫اللغة والتحليل النفيس ‪.1‬‬ ‫احملارضة الثانية عرشة‬

‫توطئة‪:‬‬
‫مل ختل كتاابت اللغويني‪ ،‬منذ نشأة علم اللغة يف أواخر القرن التاسع عشر‪ ،‬من اإلشارات إىل أمهية اجلوانب‬
‫النفسية يف دراسة اللغة‪ ،‬بيد أن نشأة "علم اللغة النفسي" كانت نتيجة االلتقاء مث التزاوج بني "علم اللغة" و"علم النفس"‬
‫لكن هذا التزاوج مل حيدث فجأة‪ ،‬ومل يكتمل بناء العلم الوليد ‪ -‬نتيجة هذا التزاوج ‪ -‬يف فرتة زمانية واحدة‪ ،‬وإمنا استغرق‬
‫فرتة جتاوزت نصف قرن‪ ،‬مر خالهلا مبراحل‪ ،‬وأتثر بنظرايت‪ ،‬ومذاهب‪ ،‬وآراء لغوية‪ ،‬ونفسية‪ ،‬واجتماعية‪ ،‬واستفاد من علوم‬
‫خمتلفة‪ ،‬وانتهت هذه املراحل بظهور علم اللغة النفسي علما مستقال تغلب عليه النزعة اللغوية وفق املفهوم الشامل للغة‪.‬‬
‫علم اللغة النفسي أم علم النفس اللغوي؟‬
‫يتعاور هذا العلم مصطلحان‪ :‬أحدمها "علم اللغة النفسي" "‪ ،"Psycholinguistique‬واآلخر‪" :‬علم النفس‬
‫اللغوي" "‪ ،"Psychologie du langage‬فهل مثة فرق بني املصطلحني؟‪ ،‬أم أهنما مصطلحان املسمی واحد‪ ،‬وأن‬
‫األمر ال يعدو تالعب ابأللفاظ؟‬
‫يرى فريق من الباحثني أن املصطلحني مرتادفان‪ ،‬وأهنما امسان لعلم واحد؛ عرف أول األمر "بعلم النفس اللغوي"‪،‬‬
‫مث تطور فأضيف إليه مصطلح آخر هو "علم اللغة النفسي"‪ ،‬كغريه من العلوم النفسية املرتبطة ابلعلوم األخرى؛ كالرتبية‪،‬‬
‫والصحة النفسية‪ ،‬وعلم االجتماع‪ ،‬وعلم اللغة وما شاهبها من العلوم اليت تفرع منها علوم مركبة من جزأين؛ كعلم النفس‬
‫الرتبوي‪ ،‬وعلم النفس العيادي‪ ،‬وعلم النفس االجتماعي‪ ،‬ابإلضافة إىل علم النفس اللغوي‪.‬‬
‫غري أن املتتبع للدراس ات اللغوية والنفسية والرتبوية يدرك أن مثة فروقا دقيقة بني املصطلحني‪ ،‬سواء من الناحية‬
‫التارخيية أم من الناحية الوظيفية‪ ،‬فمن الناحية التارخيية‪ ،‬يالحظ أن مصطلح "علم النفس اللغوي"‪ ،‬أسبق يف الظهور من‬
‫مصطلح "علم اللغة النفسي"‪ ،‬فقد ظهر األول يف أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين‪ ،‬وظهر الثاين يف بداية‬
‫النصف الثاين من القرن العشرين ‪.1‬‬
‫ومن الناحية الوظيفية يعد األول فرعا من فروع "علم النفس"‪ ،‬ويعد الثاين يف وفروع "علم اللغة"‪ ،‬ولكل واحد‬
‫منهما وظائفه وجماالته‪" ،‬فعلم النفس اللغوي" ‪ ،‬أو سيكولوجية اللغة كما يسميه علماء النفس‪ ،‬فرع من فروع علم النفس؛‬
‫يهتم بعلم نفس اللغة؛ فيدرس اللغة بوصفها مكوان من املكوانت النفسية‪ ،‬وظاهرة من ظواهر النفس البشرية‪ ،‬ويتناوهلا أداة‬
‫لشرح املفاهيم النفسية؛ كالذكاء‪ ،‬والذاكرة‪ ،‬واالنتباه‪ ،‬واخلوف‪ ،‬وعيوب النطق‪ ،‬والتعلم‪ ،‬وحتديد وظائفها يف السلوك‪ ،‬كما‬
‫يهتم ابحلديث املفصل عن املذاهب النفسية املختلفة يف تعليم األطفال‪.‬‬
‫أما "علم اللغة النفسي" فهو فرع من فروع علم اللغة‪ ،‬يهتم أصحابه ابلتفسري اللغوي للعمليات العقلية ذات‬
‫العالقة بفهم اللغة‪ ،‬واستعماهلا‪ ،‬واكتساهبا‪ ،‬كما يهتمون ابلبحث يف أثر القيود النفسية على فهم اللغة واستعماهلا‪ ،‬وخباصة‬
‫ما يتعلق ابلذاكرة؟ ‪ ،2‬وقد ظهر "علم اللغة النفسي" يف الساحة اللغوية علما مستقال هبذا املفهوم عندما طرح اللغوي‬

‫‪1‬‬
‫حلمي خليل‪ ،‬اللغة والطفل‪ :‬دراسة يف ضوء علم اللغة النفسي‪ ،‬دار املعرفة اجلامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪ 1987 ،‬م‪ ،‬ص ‪.19‬‬
‫‪2‬‬
‫‪David Crystal, A Dictionary of Linguistics and Phonetics, Blackwell Publishing, New Jersey,‬‬
‫‪United States, 1980, P 285.‬‬
‫‪138‬‬
‫اللغة والتحليل النفيس ‪.1‬‬ ‫احملارضة الثانية عرشة‬

‫األمريكي "تشومسكي" "‪ "Noam Chomsky‬نظرايته وآراءه حول طبيعة اللغة ووظيفتها‪ ،‬ومنهج دراستها‪ ،‬وحتليلها‪،‬‬
‫وأساليب اكتساهبا‪ ،‬تلك النظرايت‪ ،‬واآلراء اليت تعد ثورة على البنيويني الذين ينظرون إىل اللغة نظرة شكلية فقط‪ ،‬وعلى‬
‫السلوكيني الذين يرون أهنا سلوك آيل تكتسب كما تكتسب العادات السلوكية األخرى‪.‬‬
‫لقد رفض "تشومسكي" هذه النظرة الشكلية السطحية للغة‪ ،‬ودعا إىل التعمق فيها‪ ،‬ودراسة جوانبها‪ ،‬وأسرارها‬
‫العقلية املعرفية؛ ألن اللغة ‪ -‬يف نظره ‪ -‬ليست أشكاال سطحية فحسب‪ ،‬وإمنا هي ‪ -‬ابإلضافة إىل ذلك ‪ -‬أبنية عميقة‪،‬‬
‫ونظام فطري عاملي‪ ،‬كامن يف عقل كل إنسان مهما كانت لغته اخلاصة‪ ،‬وبيئته‪ ،‬وثقافته‪.‬‬
‫وقد أدت هذه النظرة إىل تغيري املفاهيم األساسية لدراسة اللغة‪ ،‬وأكدت أن دراسة اللغة ينبغي أن تتجه إىل‬
‫اجلوانب اللغوية النفسية‪ ،‬وهي البحث يف اكتساب اللغة‪ ،‬وتعلمها‪ ،‬وعملية االتصال‪ ،‬والعمليات العقلية املرتبطة بذلك‪،‬‬
‫تلك اجلوانب اليت هي وظيفة الباحث يف علم اللغة النفسي‪ ،‬وقد أدت هذه النظرة ‪ -‬أيضا ‪ -‬إىل حتويل الدراسات اللغوية‬
‫من دراسات نظرية هتتم بوصف اجلوانب البنيوية الشكلية للغة فقط‪ ،‬كاألصوات‪ ،‬والصرف‪ ،‬والنحو‪ ،‬واملعجم‪ ،‬إىل دراسات‬
‫لغوية نفسية هتتم ابملعىن‪ ،‬واجلوانب العقلية املعرفية يف اللغة‪ ،‬وعدم االقتصار على وصفها وصفا شكليا آليا ‪.1‬‬
‫وهذا مما يقود إىل االعتقاد أبن علم اللغة ابملفهوم املعريف الفطري احلديث هو نفسه علم اللغة النفسي‪ ،‬أو أن‬
‫علم اللغة النفسي هو الوجه احلقيقي لعلم اللغة‪ ،‬وأن "تشومسكي" نفسه عامل لغة نفسي‪ ،‬وعلى الرغم من أن "تشومسكي"‬
‫حاز قصب السبق‪ ،‬وانل الشهرة الواسعة يف عدد من النظرايت‪ ،‬واآلراء اللغوية النفسية اليت سيطرت على الدراسات اللغوية‬
‫يف العقود األخرية من القرن العشرين‪ ،‬فإن علم اللغة النفسي املعاصر مل يقتصر على اآلراء‪ ،‬واملوضوعات اليت طرحها‬
‫"تشومسكي"‪ ،‬ودعا إىل األخذ هبا‪ ،‬وإمنا مشل موضوعات أخرى‪ ،‬استمدت من علم النفس املعريف‪ ،‬وعلم اللغة العصب‪،‬‬
‫وعلم اللغة التطبيقي‪ ،‬وعلم اللغة االجتماعي‪ ،‬وعلم اللغة اإلثين‪ ،‬وعلم النفس وعلم الرتبية‪ ،‬أو ارتبطت هبا من العلوم اليت‬
‫قربت هذا العلم إىل امليادين التطبيقية‪ ،‬بل إن عددا من طالب "تشومسكي" وأتباعه‪ ،‬ممن اشتغلوا بعلم النفس املعريف‪ ،‬وعلم‬
‫نفس النمو اللغوي‪ ،‬قد طرحوا قضااي لغوية نفسية طرحا أدق مما كان يطرحه "تشومسكي" نفسه‪ ،‬وطبقوها علی ميادين مل‬
‫يكن تشومسكي يرى إمكان تطبيقها عليها‪ ،‬وخباصة ميدان تعليم اللغات‪ :‬األم والثانية واألجنبية؛ ألنه كان مشغوال إبثبات‬
‫آرائه ونظرايته إثباات فلسفيا جدليا‪ ،‬غري معتمد على معلومات علمية‪ ،‬وال مدوانت لغوية من أطفال‪ ،‬أو بيئات لغوية‬
‫حقيقية‪.‬‬
‫ومن املالحظ أن معظم املؤلفات العربية يف هذا العلم‪ ،‬خاصة ما نشر منها يف السبعينيات والثمانينات من القرن‬
‫العشرين‪ ،‬تفضل مصطلح "علم النفس اللغوي" على مصطلح علم اللغة النفسي‪ ،‬وهذا أمر طبيعي؛ ألن مؤلفيها كانوا من‬
‫املتخصصني يف علم النفس‪ ،‬أو يف الرتبية‪ ،‬أو يف علم النفس الرتبوي‪ ،‬أو من املتأثرين هبم‪ ،‬ورمبا استعمل بعضهم مصطلح‬
‫علم اللغة النفسي واهتم ‪ -‬يف الوقت نفسه ‪ -‬موضوعات علم النفس اللغوي‪ ،‬أما اللغويون فيستعملون يف كتاابهتم مصطلح‬

‫‪1‬‬
‫جودت جرين‪ ،‬علم اللغة النفسي‪ :‬تشومسكي وعلم النفس‪ ،‬ترمجة مصطفى التوين‪ ،‬اهليئة املصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪1993 ،‬‬
‫م‪ ،‬ص ‪.34‬‬
‫‪139‬‬
‫اللغة والتحليل النفيس ‪.1‬‬ ‫احملارضة الثانية عرشة‬

‫علم اللغة النفسي‪ ،‬ورمبا استعملوا مصطلحات قريبة منه ؛ مثل‪ :‬علم اللغة وعلم النفس‪ ،‬والعالقة بني علم اللغة وعلم النفس‪،‬‬
‫وحنو ذلك‪.‬‬
‫وسواء استعملنا املصطلح األول "علم اللغة النفسي"‪ ،‬أو املصطلح الثاين "علم النفس اللغوي"‪ ،‬فكالمها يدل على‬
‫عالقة وثيقة بني علم اللغة وعلم النفس؛ بسبب العالقة الوثيقة بني اللغة اإلنسانية والنفس البشرية؛ إذ ال يطلق على الكالم‬
‫لغة إال إذا أدي وظيفة نفسية قائمة على التحليل‪ ،‬والتصور‪ ،‬وردود الفعل‪ ،‬كما أن اللغة ال ميكن دراستها مبعزل عن العوامل‬
‫النفسية‪ ،‬والعقلية واالجتماعية‪ ،‬مثلما أنه ال تغفل اجلوانب الشكلية من اللغة‪ ،‬غري أن طبيعة الدراسات اللغوية النفسية‪،‬‬
‫وتوجهاهتا يف الوقت احلاضر تقود إىل األخذ مبصطلح علم اللغة النفسي‪ ،‬وترجيحه على مصطلح علم النفس اللغوي؛ نتيجة‬
‫اهتمام اللغويني املعاصرين بدراسة اللغة دراسة نفسية‪ ،‬ولعل من أهم مراحل هذ ا العلم‬
‫مرحلة ما قبل البنيوية‪:‬‬
‫من املعروف أن الدراسات النفسية سبقت الدراسات اللغوية احلديثة؛ لذا تطورت جوانب من "علم اللغة النفسي"‬
‫وفق مفاهيم علم النفس ونظرايته قبل أن تتضح رؤية اللغويني للجوانب النفسية يف دراسة اللغة‪ ،‬فقد أشارت بعض املصادر‬
‫إىل أن علم اللغة النفسي مر مبرحلة ازدهار وفق نظرايت علم النفس‪ ،‬ومذاهبه يف بداية القرن العشرين‪ ،‬يف الوقت الذي مل‬
‫تصدر فيه الطبعة األوىل من حماضرات رائد علم اللغة احلديث "فرديناند دي سوسري" "‪"Ferdinand de Saussure‬‬
‫‪ ،1‬وقد ظهرت هذه املرحلة النفسية يف أورواب على يد "وليام فند" "‪ "Wilhelm Wundt‬املؤسس األول هلذا العلم وفق‬
‫مفاهيم علم النفس‪ ،‬عندما أشار إىل أن دراسة اللغة ال تتم مبعزل عن األسس النفسية‪ ،‬لكن هذا العلم يعرف هبذا االسم‬
‫"علم اللغة النفسي" يف تلك املرحلة‪.‬‬
‫وميكن القول أبن اهتمام اللغويني ابجلوانب النفسية من اللغة بدأ مع ظهور علم اللغة احلديث يف هناية القرن التاسع‬
‫عشر وبداية القرن العشرين‪ ،‬حني دعا اللغويون إىل دراسة اللغة دراسة علمية‪ ،‬مبا يف ذلك اجلوانب النفسية املعرفية‪ ،‬وخباصة‬
‫ما يتعلق ابلسلوك اللغوي واكتساب اللغة‪ ،‬فهذا رائد علم اللغة احلديث‪" ،‬فرديناند دي سوسري" يعرف اللغة أبهنا نظام من‬
‫اإلشارات أو العالمات اللغوية‪ ،‬ويرى أن كل إشارة مرتبطة مبشري صويت لغوي يسميه الدال‪ ،‬يتحد مع تصور ذهين يسميه‬
‫املدلول‪ ،‬وهو الشيء املتحدث عنه أو املشار إليه‪ ،‬والعالقة بني الدال واملدلول عالقة رمزية اعتباطية‪ ،‬مث يؤكد أن اإلنسان‬
‫يكتسب اللغة من خالل التمييز بني اإلشارات‪ ،‬أو العالمات اللغوية املختلفة والتفريق بينها‪.‬‬
‫وحتدث "دي سوسري" حديثا مباشرة عن ارتباط "علم اللغة" "بعلم النفس"‪ ،‬وخباصة "علم النفس االجتماعي"‬
‫"‪"Psychologie sociale‬؛ حيث قال يف حماضراته‪" :‬فكل ما يف اللغة إمنا هو يف جوهره نفسي‪ ،‬مبا يف ذلك مادة اللغة‬
‫ومظاهرها اآللية" ‪ ،2‬بل إنه أشار إىل مركز اللغة يف الدماغ‪ ،‬وهي "منطقة بروکا" املوجودة يف اجلزء األمامي من اجلانب‬

‫‪1‬‬
‫‪Joseph Kess, Psycholinguistics: Psychology, Linguistics, and the Study of Natural Language, John‬‬
‫‪Benjamins Publishing Co, Philadelphia, United States, 1992, P. 14.‬‬
‫‪ 2‬فرديناند دي سوسري‪ ،‬علم اللغة العام‪ ،‬ترمجة يوئيل يوسف عزيز‪ ،‬مراجعة مالك يوسف املطلب‪ ،‬دار آفاق عربية‪ ،‬بغداد‪ ،‬العراق‪1985 ،‬‬
‫م‪ ،‬ص ‪.24‬‬
‫‪140‬‬
‫اللغة والتحليل النفيس ‪.1‬‬ ‫احملارضة الثانية عرشة‬

‫األيسر من الدماغ‪ ،‬مؤكدا أن ما حيدث لإلنسان من اضطراابت يف الكالم‪ ،‬أو الكتابة نتيجة خلل يف هذا اجلزء‪ ،‬دليل على‬
‫أمهية اللغة‪ ،‬اليت يصفها أبهنا ملكة حقيقية‪ ،‬توديها حركات األعضاء‪ ،‬وتتحكم فيها ملكة عقلية عامة‪ ،‬ورسم لدائرة الكالم‬
‫‪ -‬بني املتحدث والسامع ‪ -‬رمسا لغواي نفسيا؛ فقسمه إىل أربعة أجزاء‪ ،‬كل جزء ميثل جمموعة‪ ،‬أو صنفا‪ ،‬ووصفها على‬
‫النحو اآليت ‪:1‬‬
‫‪ .1‬جزء خارجي يضم الرانت الصوتية اليت خترج من الفم‪ ،‬وتسري إىل األذن‪ ،‬وجزء داخلي يضم األمور األخرى‪.‬‬
‫‪ .2‬جزء نفسي وآخر غري نفسي‪ ،‬ويضم اجلزء الثاين األعمال الفسيولوجية اليت تقوم هبا األعضاء الصوتية‪ ،‬ويضم‬
‫احلقائق الفيزايئية الواقعة خارج الفرد‪.‬‬
‫‪ .3‬جزء إجيايب فعال وآخر سلي غري فعال‪ ،‬فكل شيء ينتقل من مركز االرتباط للمتكلم إىل أذن السامع إجيايب فعال‪،‬‬
‫وكل شيء ينتقل من أذن السامع إىل مركز االرتباط عنده سالب غري فعال‪.‬‬
‫‪ .4‬كل األشياء الفعالة يف اجلزء النفسي من الدائرة تقوم ابلتنفيذ‪ ،‬وكل األشياء غري الفعالة تقوم ابالستقبال‪.‬‬
‫وعلى الرغم من ذلك‪ ،‬فإن "علم اللغة النفسي" يف هذه املرحلة مل يتعد اإلشارات إىل أمهية اجلوانب النفسية يف‬
‫دراسة اللغة‪ ،‬والدعوة إىل دراستها دراسة علمية‪ ،‬ومل جتر دراسات لغوية نفسية مستقلة يف هذه املرحلة؛ ألسباب كثرية من‬
‫أبرزها‪ :‬انشغال فريق من اللغويني بوضع قواعد للدراسات الوصفية الشكلية‪ ،‬واهتمام فريق منهم ابلدراسات اللغوية‬
‫االجتماعية‪ ،‬واعتقاد فريق آخر بصعوبة دراسة اللغة دراسة نفسية علمية دقيقة‪.‬‬
‫املرحلة البنيوية السلوكية‪:‬‬
‫إن إشارات اللغويني إىل أمهية اجلوانب النفسية من اللغة‪ ،‬والدعوة إىل دراستها دراسة علمية ال تعد بداية حقيقية‬
‫لعلم اللغة النفسي‪ ،‬كما بينت يف الفقرة السابقة‪ ،‬فالنشأة احلقيقية هلذا العلم كانت نتيجة االلتقاء بني "علم اللغة" و"علم‬
‫النفس" ‪ ،‬ذلك االلتقاء الذي انتهى ابلتزاوج بني العلمني على يدي كل من عامل النفس السلوكي "بروس سکنر" " ‪Burrhus‬‬
‫‪ ،"Frederic Skinner‬واللغوي البنيوي "ليوانرد بلومفيلد" "‪ ،"Leonard Bloomfield‬وذلك يف منتصف القرن‬
‫العشرين‪ ،‬حيث كان األول زعيم املدرسة النفسية السلوكية‪ ،‬والثاين زعيم املدرسة اللغوية البنيوية‪ ،‬خاصة يف "الوالايت املتحدة‬
‫األمريكية" ‪.2‬‬
‫لقد فسر "سکنر" اللغة أبهنا سلوك إنساين آيل‪ ،‬تكتسب بطريقة حسية آلية كما تكتسب اجلوانب األخرى من‬
‫السلوك اإلنساين‪ ،‬كاجلري‪ ،‬ولعب الكرة‪ ،‬والسباحة‪ ،‬وقيادة السيارة‪ ،‬والضرب على اآللة الكاتبة‪ ،‬وحنو ذلك من أنواع‬
‫السلوك اآليل‪ ،‬وهذا التفسري يتفق مع النظرة البنيوية للغة اليت تنظر إليها نظرة شكلية سطحية‪.‬‬
‫ويف الوقت نفسه اعتنق "بلومفيلد" هذه النظرة السلوكية احلسية اآللية‪ ،‬كما هي عند "سكنر" وأسالفه‪ ،‬أمثال‬
‫"جون واطسون" "‪ ،"John Watson‬و"بول فايس" "‪ "Paul Weis‬وغريمها؛ ألهنا تتفق مع نظرته البنيوية الشكلية للغة‪.‬‬

‫‪ 1‬فرديناند دي سوسري‪ ،‬علم اللغة العام‪ ،‬ص ‪.31‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Adrian Akmajian & Richard Demers & Ann Farmer & Robert Harnish, Language to Introduction‬‬
‫‪An Linguistics: Communication, Cambridge, MA: MIT Press, 1986, PP. 14.15‬‬
‫‪141‬‬
‫اللغة والتحليل النفيس ‪.1‬‬ ‫احملارضة الثانية عرشة‬

‫ويبدو أن بلومفيلد مل يتأثر هبؤالء السلوكيني وحسب‪ ،‬وإمنا أتثر ابآلراء النفسية لدى علماء النفس يف وقت‬
‫مبكر من القرن العشرين‪ ،‬أي قبل ظهور "سکنر"‪ ،‬وسيطرة املدرسة السلوكية على امليدان؛ بدليل إشادته بعلم النفس كما‬
‫هو عند "وليام فند"‪ ،‬وذلك يف كتابه‪" :‬مدخل إىل دراسة اللغة" الذي أصدره عام ‪ 1914‬م‪ ،‬لكن "بلومفيلد" غري نظرته‬
‫هذه إىل اكتساب اللغة بعد اتصاله برواد املدرسة السلوكية يف الثالثينيات من القرن العشرين‪ ،‬وبدت هذه النظرة اجلديدة‬
‫واضحة يف مراجعته هلذا الكتاب الذي أصدره مرة أخرى عام ‪ 1933‬م‪ ،‬بعنوان‪" :‬اللغة"‪.‬‬
‫لقد أتثر اللغوي البنيوي األمريكي "بلومفيلد" هبذه اآلراء السلوكية يف اكتساب اللغة‪ ،‬واستطاع أن يكون مدرسة‬
‫لغوية نفسية مستقلة ذات معامل واضحة‪ ،‬هي املدرسة السلوكية اليت نسبت إليه شخصيا‪ ،‬فعرفت "مبدرسة بلومفيلد"‪ ،‬وهي‬
‫متثل االجتاه السلوكي البنيوي الذي مجع بني املذهب البنيوي يف علم اللغة واملذهب السلوكي يف علم النفس‪ ،‬وبناء على‬
‫ذلك‪ ،‬يرى "بلومفيلد" أن اللغة مظهر من مظاهر السلوك اإلنساين اآليل اخلاضع لقانون املثري‪ ،‬واالستجابة دون ارتباط‬
‫ابلتفكري العقلي ‪1‬؛ أي إن اإلنسان يف سلوكه اللغوي يشبه احليوان‪ ،‬أو اآللة‪ ،‬وأن اللغة ليست إال نوعا من االستجاابت‬
‫الصوتية حلدث معني يثبت منها ما يلقى حافزا‪ ،‬أو تعزيزا إجيابيا يف حالة الصحة‪ ،‬فيصبح سلوكا أو عادة؛ أي يكتسب‪،‬‬
‫وينطفئ منها ما مل يكن كذلك‪ ،‬أي ينسى فال يكتسب‪.‬‬
‫ففي حمال وصف اللغة مثال كان االهتمام بتعريف الفونيم واملورفيم وغريمها تعريفا إجرائيا يعتمد على التقابل والتشابه‬
‫والتوزيع‪ ،‬ويف الوقت نفسه كان وصف السلوك اللغوي مركزا على السلوك الظاهر الذي يفسر على أساس من املثري‪،‬‬
‫واالستجابة‪ ،‬والتعزيز وغريها من املظاهر الشكلية اليت ميكن وصفها‪ ،‬وحتديدها دون الغوص يف الناحية العقلية املعرفية اليت‬
‫تتحكم يف هذا السلوك الظاهر ‪.2‬‬
‫مرحلة التكوين‪:‬‬
‫تعد مرحلة التكوين أو التأسيس امتدادا للمرحلة السابقة ومكملة هلا‪ ،‬وقد بدأت هذه املرحلة حينما أدرك بعض‬
‫أتباع االجتاه السلوكي صعوبة تفسري السلوك اللغوي لدى اإلنسان على أساس من قوانني املثري‪ ،‬واالستجابة‪ ،‬تلك القوانني‬
‫السلوكية الشكلية اليت أكد عليها "سکنر"‪ ،‬و"فايس"‪ ،‬و"بلومفيلد" وأتباعهم؛ ففكروا يف العوامل النفسية الباطنية غري‬
‫املالحظة اليت حتدث بني املثري واالستجابة‪ ،‬وشبهوا هذه العوامل ‪،‬ابلصندوق األسود‪ ،‬الذي ينبغي الكشف عنه‪ ،‬وفكروا‬
‫يف العوامل األخرى اليت تتدخل يف تكيف االستجاابت ‪.3‬‬
‫وقد أدى هذا التفكري إىل تطوير االجتاه السلوكي حىت حتول إىل منهج جديد عرف ‪ -‬فيما بعد ‪ -‬ابلسلوكية‬
‫اجلديدة "‪ "Neo-Behaviorism‬وتزعمه لغويون نفسيون أكثر نشاطا من أسالفهم يف إجراء البحوث اليت دفعت هبذا‬

‫‪ 1‬عبد العزيز بن إبراهيم العصيلي‪ ،‬النظرايت اللغوية والنفسية وتعليم اللغة العربية‪ ،‬مطابع التقنية لألوفست‪ ،‬الرايض‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪،‬‬
‫‪ 1999‬م‪ ،‬ص ‪.53 ،52‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Adrian Akmajian , Language to Introduction An Linguistics: Communication, P 16.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Jean Caron, An Introduction to Psycholinguistics, University of Toronto Press, Toronto, Canada,‬‬
‫‪1992, P 03.‬‬
‫‪142‬‬
‫اللغة والتحليل النفيس ‪.1‬‬ ‫احملارضة الثانية عرشة‬

‫امليدان إىل اإلنتاج‪ ،‬واالستقالل‪ ،‬وكان من أشهر هؤالء "تشارلز أوسكود" "‪ ،"Charles Osgood‬و"إدوارد توملان"‬
‫"‪ ،"Edward Tolman‬و"مورر" "‪.1 "Orval Hobart Mowrer‬‬
‫لقد ظهرت بوادر هذا التحول منذ عام ‪1950‬م عندما اقرتنت الدراسات اللغوية النفسية بعلم آخر هو "علم‬
‫املعلومات" "‪"Science de l'information‬؛ وذلك نتيجة اقرتاب هذا العلم األخري إىل علم اللغة‪ ،‬مث توج هذا االقرتان‬
‫ابالتصال الذي مت بني ابحثني يف علم اللغة وعلم النفس يف "جامعة كورنيل" "‪" "Corneal University‬ابلوالايت‬
‫املتحدة األمريكية" يف صيف عام ‪ 1951‬م‪ ،‬وتال ذلك اللقاء لقاء آخر يف "جامعة إندايان" "‪"Indiana University‬‬
‫ابلتنسيق مع معهد علم اللغة عام ‪ 1953‬م‪ ،‬وقام كل من "أسكود" "‪ "Charles Egerton Osgood‬و"سيبك"‬
‫"‪ "Thomas Sebeok‬بعرض علم اللغة النفسي اترخييا يف كتاب أصدراه عام ‪ 1954‬م بعنوان‪" :‬علم اللغة النفسي‪ :‬مسح‬
‫للنظرية و مشكالت البحث" "‪ ،"Psycholinguistics: A survey of theory and research problems‬مث‬
‫تال ذلك عدة لقاءات وندوات حتت عناوين خمتلفة؛ لتأصيل هذا العلم اجلديد‪ ،‬ابإلضافة إىل مناقشات حول "الكليات‬
‫اللغوية" "‪."Universels linguistiques‬‬
‫وقد ساعد على إجناح مرحلة التأسيس هذه دخول شريك اثلث يف امليدان هو "علم املعلومات"‪ ،‬أو "النظرية‬
‫املعلوماتية" "‪ ،"Théorie de l'information‬املنبثقة من أفكار مهندسي االتصاالت يف ذلك الوقت أمثال "شانون"‬
‫"‪ ،"Claude Shannon‬و"سيبوك" "‪ ،"Thomas Sebeok‬وريفري" "‪ ،"Warren Weaver‬وغريهم ممن كانوا‬
‫يعملون مع شركة "بل األمريكية لالتصاالت" "‪ ،"Bell Communication‬وكان هذا الشريك اجلديد دور يف حتديد‬
‫بعض املصطلحات يف إنتاج الكالم‪ ،‬وفهمه‪ ،‬واالستفادة منها يف تفسري الكالم‪ ،‬وخباصة مصطلح إرسال الرسالة اللغوية‪،‬‬
‫وفهمها جبميع مراحلها املتمثلة يف إصدار الصوت‪ ،‬وإرساله عرب وسط فيزايئي‪ ،‬مث استقباله‪ ،‬والتعرف عليه وتفسريه‪ ،‬وقد‬
‫متيزت هذه املرحلة بغلبة اجلانبني النفسي‪ ،‬واملعلومايت على اجلانب اللغوي ‪.2‬‬
‫وهبذا أصبح علم اللغة النفسي ‪ -‬يف هذه املرحلة ‪ -‬مكوان من ثالثة علوم‪ ،‬هي‪" :‬علم اللغة"‪ ،‬و"علم النفس"‪،‬‬
‫و"علم املعلومات"‪ ،‬لكن علم النفس بدأ منذ ذلك الوقت يبتعد عن النظرة السلوكية للغة يف الوقت الذي بدأ فيه علم اللغة‬
‫يبتعد عن البنيوية؛ نتيجة االنتقادات املوجهة إليهما‪ ،‬أما "علم املعلومات" فقد كانت مشاركاته ألغراض حبثية‪ ،‬متثلت يف‬
‫أعمال املهندس "كلود شانون"‪ ،‬الذي شارك يف دراسة عن "االحتمالية"‪ ،‬ودورها يف نوعية االستجاابت‪ ،‬مثال "لشركة بل‬
‫األمريكية لالتصاالت"‪.‬‬
‫لقد كان العلم املعلومات إذن وظيفة ال تنكر يف تطوير البحوث يف مرحلة من املراحل اليت مر هبا علم اللغة‬
‫النفسي؛ حيث قدم هلذا العلم إطارا نظراي يف التعرف على األصوات وحتليلها‪ ،‬وتفسري العالقة بني املتحدث والسامع‪،‬‬
‫وخباصة عمليات حتويل املرسل (املتحدث) رسالته إىل رموز كالمية صوتية‪ ،‬وإرساهلا إىل السامع‪ ،‬وقيام السامع (املستقبل)‬
‫بفك رموزها‪ ،‬وفهمها‪ ،‬ومثل ذلك حتويل الرموز الصوتية إىل كتابة مقروءة وحتويل الرموز الكتابية إىل أصوات‪ ،‬ونبه "علم‬

‫‪1‬‬
‫‪Adrian Akmajian , Language to Introduction An Linguistics: Communication, P 17.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Adrian Akmajian , Language to Introduction An Linguistics: Communication, P 17, 18.‬‬
‫‪143‬‬
‫اللغة والتحليل النفيس ‪.1‬‬ ‫احملارضة الثانية عرشة‬

‫املعلومات" أيضا إىل ضرورة دراسة مرحلة معاجلة املعلومات العقلية الداخلية اليت تتم بني استقبال الدخل اللغوي‪ ،‬وحتويله‬
‫إىل خمرج لغوي م فهوم‪ ،‬لكن علم املعلومات سرعان ما خرج من هذا االحتاد‪ ،‬وبقي فيه علم اللغة وعلم النفس وحدمها‪.‬‬
‫مرحلة االستقالل‪:‬‬
‫يقصد ابالستقالل يف هذه املرحلة استقالل علم اللغة النفسي عن علم النفس‪ ،‬وتبعيته إىل علم اللغة نتيجة غلبة‬
‫القضااي اللغوية فيه على القضااي النفسية‪ ،‬حىت أطلق على هذه املرحلة‪" :‬املرحلة اللغوية"‪ ،‬وهذه املرحلة هي مرحلة النشأة‬
‫احلقيقية "لعلم اللغة النفسي" اليت مهدت الستقالله‪ ،‬وقد بدأت يف أواخر اخلمسينيات من القرن العشرين‪ ،‬حينما أفصح‬
‫اللغوي األمريكي "تشومسكي" عن آرائه حول طبيعة اللغة‪ ،‬وأساليب دراستها‪ ،‬وحتليلها‪ ،‬وطرائق اكتساهبا‪ ،‬من خالل كتابه‬
‫املوسوم "ابألبنية النحوية" "‪ "Syntactic Structures‬الذي أصدره عام ‪ 1957‬م‪ ،‬وكتاابته اليت نشرها يف جملة اللغة‬
‫"‪ "Language‬وغريها يف أواخر اخلمسينيات من القرن العشرين‪.‬‬
‫استهل "تشومسكي" كتاابته هذه ابهلجوم على البنيوية‪ ،‬والبنيويني بسبب نظرهتم السطحية للغة‪ ،‬وعلى السلوكية‬
‫والسلوكيني بسبب تفسريهم الكتساهبا تفسري آليا‪ ،‬وخص عامل النفس السلوكي "سكنر" بنصيب وافر من هذا اهلجوم‪،‬‬
‫وكانت "النظرية التحويلية التوليدية" يف تلك األايم أوسع نظرية لغوية شرح "تشومسكي" فيها نظرته لطبيعة اللغة‪ ،‬ومنهج‬
‫دراستها‪ ،‬وأساليب اكتساهبا‪ ،‬وقدم فيها عددا من املفاهيم اللغوية النفسية اليت خالف فيها أسالفه من البنيويني‪ ،‬والسلوكيني؛‬
‫كضرورة التفريق بني البنية السطحية‪ ،‬والبنية العميقة يف التحليل اللغوي‪ ،‬والتفريق بني الكفاية اللغوية‪ ،‬واألداء يف اكتساب‬
‫اللغة‪ ،‬والتأكيد على اجلانب اإلبداعي يف اكتساب اللغة واستعماهلا‪ ،‬وضرورة االعتماد على املبادئ اللغوية العامة اليت متثلت‬
‫يف القواعد الكلية‪ ،‬وحنو ذلك‪.‬‬
‫وقد أوجز "تشومسكي" مفهومه للغة‪ ،‬يف نظريته هذه أبهنا نظام فطري کامن يف عقل اإلنسان منذ الوالدة‪ ،‬يتحكم‬
‫فيه جهاز ومهي أطلق عليه‪" :‬جهاز اكتساب اللغة" ‪ ،‬ويستطيع اإلنسان بواسطته‪ ،‬ومن خالل عدد حمدود من اجلمل اليت‬
‫يسمعها بلغته‪ ،‬أن ينتج‪ ،‬أو يولد عددا غري حمدود من اجلمل‪ ،‬ولو مل يسمعها من قبل‪ ،‬وأن حيكم ‪ -‬ابلصحة أو اخلطأ ‪-‬‬
‫على ما يسمعه منها‪ ،‬وهذا اإلنسان قادر على حتويل املعىن العميق يف ذهنه إىل شكل‪ ،‬أو أشكال سطحية مفهومة من‬
‫خالل قواعد حتويلية توليدية‪ ،‬فصلها "تشومسكي"‪ ،‬وذكر شروطها‪ ،‬وأنواعها يف "نظريته التوليدية التحويلية" ‪.1‬‬
‫ويعتقد "تشومسكي" أن وصف اللغة ينبغي أن يركز على هذا اجلانب العقلي املعريف‪ ،‬أي وصف القواعد احملدودة‪،‬‬
‫وكيفية إنتاجها مجال غري حمدودة‪ ،‬والعوامل اليت تتحكم يف ذلك‪ ،‬وعدم االقتصار على وصف البناء السطحي اللغة‪ ،‬وأن‬
‫الكفاية اللغوية أوىل ابلدراسة‪ ،‬والتحليل من األداء اللغوي ‪.2‬‬
‫مث طور "تشومسكي" نظريته اللغوية النفسية هذه إىل ما عرف "ابلنظرية املعيارية" وشرحها يف كتاب أصدره عام‬
‫‪1965‬م‪ ،‬ومساه‪" :‬جوانب من النظرية النحوية" "‪ "Aspects of the theory of syntax‬ركز يف هذا الكتاب على‬
‫الرتاكيب اللغوية‪ ،‬واملعاين الداللية اليت عرب عنها ابألبنية "العميقة" يف مقابل "األبنية السطحية"‪ ،‬مث حتدث عن املفردات‬

‫‪1‬‬
‫عبد العزيز بن إبراهيم العصيلي‪ ،‬النظرايت اللغوية والنفسية وتعليم اللغة العربية‪ ،‬ص ‪ 69‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Jean Caron, An Introduction to Psycholinguistics, P 06, 07.‬‬
‫‪144‬‬
‫اللغة والتحليل النفيس ‪.1‬‬ ‫احملارضة الثانية عرشة‬

‫املعجمية وكيف ميكن إدخاهلا لتكوين البنية العميقة‪ ،‬وشرح املقصود "ابلكفاية اللغوية" اليت يعين هبا املعرفة الضمنية بقواعد‬
‫اللغة‪ ،‬وفرق بينها وبني "األداء اللغوي" الذي يعين به االستخدام الفعلي للغة‪ ،‬كما أابن عن آرائه يف اكتساب اللغة ومراحل‬
‫النمو اللغوي‪.‬‬
‫ولعل ما قدمته عن آراء "تشومسكي" اللغوية كاف لتوضيح املالمح العامة عن املنهج املعريف الفطري الذي استطاع‬
‫من خالله حتويل الدراسات اللغوية من دراسات نظرية جم ردة ألبنية شكلية‪ ،‬إىل دراسة لغوية نفسية عميقة هتتم ابللغة‬
‫بوصفها ظاهرة إنسانية فطرية عقلية‪ ،‬تظهر يف شكل أبنية سطحية يصعب الوقوف على حقيقتها دون حتليل جوانبها العقلية‬
‫والسطحية‪.‬‬
‫أوالها‪ :‬الرتكيز على الناحية النفسية من خالل دراسة اسرتاتيجيات األداء اللغوي‪ ،‬الذي يفرتض أنه يعكس القدرة اللغوية‪،‬‬
‫بدال من الرتكيز على وصف الكفاية اللغوية وصفا فلسفية عقالنية‪.‬‬
‫واألخرى‪ :‬رفض االقتصار يف تفسري السلوك اللغوي على نظرية واحدة؛ املعرفيون أن خيتار الباحث من آراء اللغويني‪،‬‬
‫والنفسيني‪ ،‬واالجتماعيني‪ ،‬والفالسفة ما خيدم امليدان‪ ،‬ويفسر السلوك اللغوي تفسريا مقبوال‪ ،‬لقد متيزت هذه املرحلة‬
‫ابالستفادة مما تستفيد منه العلوم احلديثة من أدوات‪ ،‬ووسائل حبثية‪ ،‬وخباصة علم احلاسوب الذي بين على أساس من بنية‬
‫العقل البشري‪ ،‬ووظائفه‪ ،‬ومتيزت هذه املرحلة بزايدة التفاعل بني "علم اللغة النفسي" و"علم النفس املعريف"‬
‫"‪ "Psychologie cognitive‬؛ فازداد االهتمام بدراسة العمليات العقلية اليت حتدث يف أثناء فهم الكالم وإنتاجه‪ ،‬اليت‬
‫ظهرت أمهيتها يف تفسري اكتساب اللغة وتعلمها‪ ،‬مما فتح آفاقا جديدة يف البحث عن أجزاء الدماغ‪ ،‬وتقسيماته‪ ،‬ووظائفه‪،‬‬
‫والبحث يف مراكز اللغة فيه‪.‬‬
‫ولقد متيزت هذه املرحلة أيضا ابتساع املداخل حول دراسة اللغة؛ فبدال من الرتكيز على النحو الذي كان سائدا‬
‫يف الستينيات عند "تشومسكي"‪ ،‬زاد االهتمام ابلداللة‪ ،‬والبحث عن كيفية إيصال املتحدث الرسالة إىل السامع‪ ،‬مث ترمجة‬
‫السامع هلذه الرسالة‪ ،‬ابإلضافة إىل االهتمام ابملعاين الرمزية التداولية‪ ،‬وكيف تكون املعاين االتصالية العملية‪ ،‬وما عالقة ذلك‬
‫كله ابلسياق وأحوال كل من املتحدث والسامع أخريا استفاد هذا العلم من نتائج الدراسات اللغوية النفسية اليت أجريت‬
‫يف ميدان القراءة‪ ،‬وعرفت "بعلم نفس القراءة" "‪ ،"Psychologie de la lecture‬اليت برزت فيها آراء‪ ،‬ومناذج تكشف‬
‫عن العمليات النفسية العقلية‪ ،‬وتفسر ما حيدث للقارئ يف أثناء عملية القراءة؛ حىت أصبحت نتائج هذه البحوث ميداان‬
‫خصبا‪ ،‬ورافدا مهما للبحث يف اكتساب اللغة‪ ،‬وتعلمها‪ ،‬وتعليمها‪ ،‬سواء كانت لغة أما‪ ،‬أم لغة اثنية‪ ،‬أو أجنبية ‪.1‬‬
‫وما زال "علم اللغة النفسي" يف منو‪ ،‬وتطور كغريه من العلوم احلديثة‪ ،‬فكما اعتمد على علم النفس يف فرتة‪ ،‬وعلى‬
‫علم اللغة فرتة أخرى‪ ،‬فإنه اآلن أكثر استفادة من العلوم األخرى عما كان عليه من قبل‪ ،‬وخباصة "علم النفس املعريف"‪،‬‬
‫و"علم الذكاء الصناعي"‪ ،‬و"علم األعصاب"‪ ،‬و"الفلسفة"‪ ،‬و"علم االجتماع"‪ ،‬و"علم األجناس املعريف"‪ ،‬كل ذلك حتت‬
‫مضلة عامة‪ ،‬هي‪" :‬علم اإلدراك املعريف"‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Jean Caron, An Introduction to Psycholinguistics, P 09 /12.‬‬
‫‪145‬‬
‫اللغة والتحليل النفيس ‪.1‬‬ ‫احملارضة الثانية عرشة‬

‫مصادر ومراجع احملاضرة‪:‬‬

‫‪ .1‬جودت جرين‪ ،‬علم اللغة النفسي‪ :‬تشومسكي وعلم النفس‪ ،‬ترمجة مصطفى التوين‪ ،‬اهليئة املصرية العامة للكتاب‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬مصر‪ 1993 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .2‬حلمي خليل‪ ،‬اللغة والطفل‪ :‬دراسة يف ضوء علم اللغة النفسي‪ ،‬دار املعرفة اجلامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪1987 ،‬‬
‫م‪.‬‬
‫‪ .3‬عبد العزيز بن إبراهيم العصيلي‪ ،‬النظرايت اللغوية والنفسية وتعليم اللغة العربية‪ ،‬مطابع التقنية لألوفست‪ ،‬الرايض‪،‬‬
‫اململكة العربية السعودية‪ 1999 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .4‬فرديناند دي سوسري‪ ،‬علم اللغة العام‪ ،‬ترمجة يوئيل يوسف عزيز‪ ،‬مراجعة مالك يوسف املطلب‪ ،‬دار آفاق عربية‪،‬‬
‫بغداد‪ ،‬العراق‪ 1985 ،‬م‪.‬‬

‫املراجع ابللغة األجنبية‪:‬‬

‫‪1. Adrian Akmajian & Richard Demers & Ann Farmer & Robert Harnish,‬‬
‫‪Language to Introduction An Linguistics: Communication, Cambridge, MA:‬‬
‫‪MIT Press, 1986.‬‬
‫‪2. David Crystal, A Dictionary of Linguistics and Phonetics, Blackwell Publishing,‬‬
‫‪New Jersey, United State, 1980.‬‬
‫‪3. Jean Caron, An Introduction to Psycholinguistics, University of Toronto Press,‬‬
‫‪Toronto, Canada, 1992.‬‬
‫‪4. Joseph Kess, Psycholinguistics: Psychology, Linguistics, and the Study of‬‬
‫‪Natural Language, John Benjamins Publishing Co, Philadelphia, United States,‬‬
‫‪1992.‬‬

‫‪146‬‬
‫احملارضة الثالثة عرشة‬
‫اللغة والتحليل النفس ‪.2‬‬
‫اللغة والتحليل النفيس ‪.2‬‬ ‫احملارضة الثالثة عرشة‬

‫توطئة‪:‬‬
‫إن التحليل النفسي للغة هو مصطلح يشري إىل تقاطع نظرية التحليل النفسي مع علم اللسانيات‪ ،‬وعلم‬
‫النفس اللغوي‪ ،‬إذ تُعترب اللغة جزءًا ال يتجزأ من نطاق نظرية التحليل النفسي منذ بداايهتا‪ ،‬فاللغة ترتبط ابلتحليل النفسي‬
‫من انحيتني أساسيتني‪ ،‬أوًال‪ ،‬تُعترب اللغة مهمة يف العملية العالجية؛ إذ تشكل وسيلةً رئيسيةً للتعبري عن العمليات العقلية‬
‫الالواعية‪ ،‬وذلك من خالل التبادل اللفظي بني احمللل النفسي واملريض كالتداعي احلر‪ ،‬وتفسري األحالم‪ ،‬وديناميكيات‬
‫االنتقال‪ ،‬واالنتقال املقابل‪ ،‬وترتبط كذلك ابلظواهر اللغوية يف العديد من النواحي‪ ،‬وتُعترب منزلقات "فرويد"‪ ،‬وإلقاء‬
‫النكات من األمثلة على هذه العالقة‪ ،‬إذ يعتقد فرويد أن االختالف األساسي بني أمناط التفكري اليت حتددها عمليات‬
‫التفكري األولية؛ أي العمليات غري املنطقية اليت حيكمها اهلو‪ ،‬وعمليات التفكري الثانوية؛ أي العمليات املنطقية اليت‬
‫حيكمها كل من األان والواقع اخلارجي متمثل يف الفرق بني الطرق قبل الكالمية‪ ،‬ونقيضها من الطرق الكالمية اليت تصور‬
‫العامل‪.‬‬
‫التحليل النفسي عند "فرويد"‪:‬‬
‫میثل التحليل النفسي الفرويدي يف اتريخ علم النَّفس حلظة فارقة بل انقالبية؛ مبوجبه أعيد النّظر على ََّّنو‬
‫جذري يف كثري من املعتقدات الفكرية السائدة‪ ،‬من ذلك املفهوم التقليدي عن اإلنسان بوصفه الكائن الواعي‪ ،‬والعاقل‪،‬‬
‫واملسؤول أخالقيا‪ ،‬ويف مقابل هذا أكدت نظرية التحليل النَّفسي أن مفهوم اإلنسان كما تقدمه فلسفة األان‪ ،‬والفلسفة‬
‫الديكارتية منها على وجه اخلصوص‪ ،‬ليس إالَّ ومها من أوهام الذاتية‪ ،‬وأوهام احلداثة‪ ،‬وأنه آن األوان إلحلاق اثلث اجلروح‬
‫ابلنرجسية اإلنسانية؛ فبالقدر الذي جذب التحليل النفسي كثريا من األنصار واملؤيدين‪ ،‬جلب الكثري من األعداء له‪،‬‬
‫واملنشقني عنه واملعارضني له‪ ،‬وهكذا تعددت القراءات اليت اختذت من املنت الفرويدي نصا هلا‪ ،‬والسمة الغالبة على هذا‬
‫التعدد هو التعارض الذي وصل حد التناقض بينها‪.‬‬
‫ولعل بني هذه القراءات قراءة أتباع "فرويد" "‪ "Sigmund Freud‬وتالميذه‪ ،‬وهي قراءة ادعت األمانة‪،‬‬
‫والوفاء يف التعامل مع التحليل النفسي الفرويدي‪ ،‬إال أن أغلبها شوه العمق الفرويدي وأساء إليه‪ ،‬ومن القراءات كذلك‬
‫القراءة اليت قدمها الفرويديون اجلدد‪ ،‬أو من يشكلون ما يسمى ابليسار الفرويدي‪ ،‬هؤالء أيضا أخطأوا يف نظر البعض‬
‫ألهنم اَّنرفوا عن املسار الفرويدي‪ ،‬وحرفوا "فرويد"‪ ،‬زد على ذلك "القراءة التأويلية" "لبول ريكور" "‪،"Paul Ricœur‬‬
‫و"القراءة التفكيكية" "جلاك دريدا" "‪ ،" Jacques Derrida‬و "القراءة البنيوية" اليت میثلها "جاك الكان" " ‪Jacques‬‬
‫‪ "Lacan‬الذي اندي بضرورة إعادة قراءة "فرويد" قصد الكشف عن اجلانب املهمل يف التحليل النفسي الفرويدي‪.‬‬
‫انهيك عن تلك اإلصدارات اليت تظهر من وقت إىل آخر‪ ،‬واليت تشكك يف مزاعم "فرويد" واعتبار أن ما قدمه‬
‫هذا األخري ال میت بصلة إىل العلم بل جمرد ترهات وافرتاءات‪ ،‬ويعد "الكتاب األسود للتحليل النفسي" " ‪Le Livre‬‬

‫‪148‬‬
‫اللغة والتحليل النفيس ‪.2‬‬ ‫احملارضة الثالثة عرشة‬

‫منوذجا عن هذه‬ ‫‪"noir de la psychanalyse. Vivre, penser et aller mieux sans Freud‬‬
‫‪1‬‬

‫املؤلفات‪.‬‬
‫وجد "فرويد" أن طريقة "التداعي احلر" "‪ "Association libre‬تلقى صعوابت معينة؛ إذ يصل املريض إىل‬
‫نقطة ال يرغب أو ال يستطيع فيها أن يواصل رواية قصة حياته‪ ،‬واعتقد "فرويد" أن هذه املقاومة معناها أن املريض‬
‫استدعى إىل ذاكرته أحدااث‪ ،‬أو وقائع فظيعة‪ ،‬وخمجلة‪ ،‬وقد اعترب "فرويد" أن املقاومة هي صورة من صور حتاشی مواجهة‬
‫املشاعر املؤملة اليت تثريها هذه الذكرايت املكروهة‪ ،‬أو املستهجنة‪ ،‬وعلى هذا فهو يرى أن املقاومة تعين أن العالج يسري يف‬
‫االجتاه الصحيح‪ ،‬وقد أكد "فرويد" على أمهية معاونة املريض على ختطي هذه املقاومة خالل اجللسات العالجية ‪.2‬‬
‫وفكرة املقاومة هذه أدت إىل صياغة "فرويد" ملفهوم "الكبت" "‪ "repression‬وهو مبثابة نبذ األفكار‪،‬‬
‫والذكرايت املؤملة‪ ،‬وترحيلها من منطقة الشعور إىل الالشعور‪ ،‬والكبت يف نظر "فرويد" هو التفسري الوحيد للمقاومة‪،‬‬
‫وعلى املعاجل أن يساعد املريض على استحضار هذه املواد املكروهة املكبوتة يف الالشعور إىل الشعور حبيث يستطيع‬
‫املريض أن يواجهها‪ ،‬ويتعايش معها‪.‬‬
‫الشعور والالشعور‪:‬‬
‫من أكثر األمور غرابة أن املهتمني بعلم النفس التجرييب يف أواخر القرن التاسع عشر كانوا على اقتناع أبن موضوع "علم‬
‫النفس" هو حمتوايت الشعور‪ ،‬وال يوجد إال عامل النفس األملاين "غوستاف فخنر" "‪ "Gustav Fechner‬الذي شذ عن‬
‫ذلك وأشار إىل الالشعور‪ ،‬وإىل أن العقل أشبه جببال الثلوج اليت جتوب البحار الباردة‪ ،‬اجلزء األصغر منها ظاهر واجلزء‬
‫األكرب منها غاطس خيبء‪ ،‬وقد أتثر "فرويد" أتثرا كبريا أبراء "فخنر"‪ ،‬وأشار إليها يف كتاابته‪.‬‬
‫أما "اجلزء الظاهر" فهو اجلزء األصغر أمساه "فرويد" الشعور‪ ،‬وهو برغم أنه ظاهر واضع إال أنه مظهر سطحي‬
‫للشخصية‪ ،‬أما الغاطس من هذا اجلبل وهو اجلزء األكرب واألهم يف شخصية اإلنسان فقد أمساه الالشعور‪ ،‬وهو مستودع‬
‫املكبواتت‪ ،‬والغرائز اليت هي حمركات السلوك اإلنسان‪ ،‬وقد افرتض "فرويد" أيضا وجود "القبشعور" "‪"preconscious‬‬
‫وهو منطقة ضبابية بني الشعور والالشعور‪ ،‬واملواد القبشعورية مل تكبت بعد‪ ،‬ومیكن استحضارها إىل الشعور بشيء من‬

‫‪" 1‬الكتاب األسود للتحليل النفسي‪ :‬العيش والتفكري والتحسن بدون فرويد" هو عبارة عن عمل مجاعي نُشر يف سبتمرب ‪ 2005‬حتت‬
‫إشراف "كاثرين ماير" "‪ "Catherine Meyer‬جيمع بني أربعني مسامهة من مؤلفني من جنسيات خمتلفة‪ ،‬ومن عدة جماالت ختصصية‪،‬‬
‫مثل التاريخ‪ ،‬والطب النفسي‪ ،‬والفلسفة على وجه اخلصوص‪ ،‬الذين يضعون أنفسهم يف منظور نقدي فيما يتعلق ابلتحليل النفسي‪ ،‬وتتعلق‬
‫هذه االنتقادات بشكل خاص بتاريخ التحليل النفسي‪ ،‬وعلمية نظرايت "فرويد"‪ ،‬ويسلطون الضوء على الفشل العالجي للتحليل النفسي‪،‬‬
‫امتدادا لالنتقادات اليت سبق أن صاغها العلماء ساب ًقا‪ ،‬وال سيما علماء "فرويد"‪ ،‬أاثر نشر هذا العمل انتقادات‬
‫ً‬ ‫وتعد بعض املسامهات‬
‫عديدة من األطباء النفسيني‪ ،‬وعلماء النفس‪ ،‬واحملللني النفسيني الفرنسيني‪ ،‬واألمريكيني‪.‬‬
‫‪ 2‬حممد ربيع شحاتة‪ ،‬اتريخ علم النفس ومدارسه‪ ،‬دار الصحوة للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 1986 ،‬م‪ ،‬ص ‪.302‬‬
‫‪149‬‬
‫اللغة والتحليل النفيس ‪.2‬‬ ‫احملارضة الثالثة عرشة‬

‫اليسر ‪ ،1‬هذا ولقد رفض البنائيون مبدا الالشعور ألن عملهم العلمي كان منصبا على العناصر البنائية للشعور‪ ،‬أما‬
‫السلوكيون رفضوا املبدأين معا‪ :‬الشعور والالشعور‪.‬‬
‫قوي الشخصية‪:‬‬
‫قسم فرويد الشخصية إىل قوى ثالث هي "اهلو" "‪ ،"id‬وهو أكثر قوي الشخصية بدائية‪ ،‬ومهجية‪ ،‬ويتضمن الغرائز‬
‫اجلنسية‪ ،‬والعدوانية‪ ،‬وهو جانب الشخصية قبل أن يتناوله اجملتمع ابلتحرير‪ ،‬والتهذيب‪ ،‬فهو ال يعرتف ابلقيم‪ ،‬وهو يبتغي‬
‫اإلرضاء الفوري بال أتجيل لدوافعه‪ ،‬وحاجاته‪ ،‬أما املبدأ الذي يتخذه فهو مبدأ اللذة‪ ،‬ويهدف إىل ختفيف التوتر يف التو‬
‫واللحظة‪ ،‬كما أن الطاقة النفسية األساسية "اللبدو" تتكون داخل اهلو‪.‬‬
‫والقوة الثانية هي "األان" "‪ "ego‬بوظيفتها وسيطا‪ ،‬ومصلحا بني "اهلو" والعامل اخلارجي‪ ،‬و"األان" میثل العقالنية حيال‬
‫اندفاع "اهلو"‪ ،‬وغلوائه‪ ،‬و"األان" هو جزء من "اهلو" انفصل عنه‪ ،‬ومتيز عنه بفعل االحتكاك ابلعامل اخلارجي‪.‬‬
‫أما القوة الثالثة يف الشخصية يف نظر "فرويد" فهي "األان األعال" "‪ ،"super ego‬وهي عادة ما تبدأ يف التكون يف‬
‫بواكري الطفولة‪ ،‬وذلك من خالل التعاليم السلوكية اليت يلقاها الطفل من الوالدين‪ ،‬ومن ممارسة الوالدين األساليب الثواب‬
‫والعقاب‪ ،‬وعندما يشب الطفل عن الطوق‪ ،‬ويكمل نضجه‪ ،‬يصبح لديه مندوب مقيم للوالدين‪ ،‬واألعراف‪ ،‬والتقاليد‬
‫االجتماعية‪ ،‬هذا املندوب هو "األان األعلى" أو الضمري‪ ،‬وهو أعلى وأرقی جانب يف شخصية اإلنسان‪ ،‬ومن البديهي أن‬
‫ومثل‪ ،‬بينما اهلو اندفاعات وغرائز‪.‬‬
‫يكون "األان األعلى" يف صراع مع اهلو" ألن "األان األعلى" هو معايري‪ ،‬وأخالقيات‪ُ ،‬‬
‫النقد املوجه ملدرسة التحليل النفسي‪:‬‬
‫أول املالحظات أن "فرويد" مجع مادته العلمية اليت توصل منها إىل نظرايته من مرضاه‪ ،‬وهم حتت حالة التنومي‬
‫املغناطيسي‪ ،‬أو حالة االستسالم للتحليل النفسي‪ ،‬وهذه حاالت مؤقتة يكون اإلنسان فيها على غري طبيعته ‪ ،2‬ومن‬
‫مجلة املالحظات تلك التداخالت الواضحة بني املفاهيم اليت أوردها يف نظريته مثل الالشعور‪ ،‬والقبشعور‪ ،‬والشعور‪ ،‬واهلو‪،‬‬
‫واألان‪ ،‬واألان األعلى‪ ،‬ذلك أن لغة العلم هي لغة يتوخي فيها الدقة‪ ،‬والتحديد‪.‬‬
‫وجه احلاجة إىل إعادة قراءة "فرويد"‪:‬‬
‫حبسب "جاك الكان" أن إعادة قراءة "فرويد" أصبحت ضرورية أكثر من أي وقت مضى ألن "فرويد" يف‬
‫نسخته األصلية مل يعد موجودا‪ ،‬لقد وقع تشويهه‪ ،‬وحتريفه‪ ،‬وال سبيل ملعرفته معرفة صحيحة إال ابلعودة إىل "فرويد"‪ ،‬وهو‬
‫الشعار الذي محله "الكان"‪ ،‬وكان قصده من ذلك تصحيح االَّنراف احلاصل يف األوساط التحليلية يف أتويل نظرايت‬
‫"فرويد"‪ ،‬إضافة إىل ذلك أراد أن يعطي للتحليل النفسي بعدا جديدا يعمق اجلذور اليت رسخها "فرويد"‪ ،‬ويضفي عليها‬
‫طابعا علميا انطالقا من معطيات ألسنية‪ ،‬وبنيوية‪ ،‬ورايضية مل تكن متيسرة يف زمن "فرويد"‪.‬‬
‫وقصد حتقيق مبتغاه سعی "الکان" إىل إحداث قطيعة مع القراءة احلرفية لنصوص "فرويد"؛ وهي القراءة اليت‬
‫قدمها اتباعه وتالميذه‪ ،‬أو من يعرفون أبنصار "سيكولوجيا األان" "‪ ،"Ego psychology‬وهو اجتاه معاصر يف التحليل‬

‫‪1‬‬
‫نفسه‪ ،‬ص ‪.304‬‬
‫‪2‬‬
‫نفسه‪ ،‬ص ‪.308‬‬
‫‪150‬‬
‫اللغة والتحليل النفيس ‪.2‬‬ ‫احملارضة الثالثة عرشة‬

‫النفسي‪ ،‬أسسه سنة ‪ 1939‬كل من "هانز هرمتان" "‪ ،"Heinz Hartmann‬و"إرنست کريس" "‪،"Ernst Kris‬‬
‫و"ردولف لوفينشتاين" "‪ ،"Loewenstein Rudolph Maurice‬وينطلق هؤالء من فهم األان بوصفها وحدة فاعلة‬
‫تؤلف الفرد‪ ،‬وتصوغ تصوره الكلي عن نفسه‪ ،‬واهلدف األساس للعالج عندهم هو تقوية آليات الدفاع النفسية اليت‬
‫تتوسط العالقة بني األان واهلو‪ ،‬إن هؤالء يف نظر "الکان" ال يقدرون أمهية الكالم الذي يصدر عنهم يف عملية التحليل‬
‫النفسي عندما يعاجلون أوهام مرضاهم‪ ،‬أو عندما يناقشون عالقة املوضوع الليبيدي‪.‬‬
‫إن هذه القراءة أساءت فهم العمق الفرويدي‪ ،‬وجردت التحليل النفسي من فاعليته االنقالبية‪ ،‬وسلبته‬
‫خاصيته الثورية‪ ،‬وجعلته جمرد نظرة اثبتة املعامل واألبعاد‪ ،‬وإىل ظهور نزعات موازية للفرويدية من قبيل الفرويدية اجلديدة‬
‫"‪ "Neo-freudisme‬وهي مدرسة من مدارس علم النفس املعاصرة من أعالمها‪" :‬إريك فروم" "‪،"Erich Fromm‬‬
‫و"كارن هورين" "‪ ،"Karen Horney‬و"هاري ستاك سوليفان" "‪ "Harry Stack Sullivan‬ولن يتأتى تصحيح‬
‫هذا الوضع أي الرجوع إىل أصل التحليل النفسي إال ابالحتكام إىل خربة "فرويد" بوصفها اخلربة األساسية‪ ،‬والنموذج‬
‫املثايل‪ ،‬لكل من أراد مزاولة مهنة التحليل النفسي‪.‬‬
‫وألن القراءة احلرفية ال میكنها النفاذ إىل عمق املنت الفرويدي فالبد من القيام مبا میكن وصفه "ابلقراءة‬
‫التشخيصية" "‪ "Lecture Symptomale‬حسب مصطلح الفيلسوف الفرنسي املعاصر "لوي ألتوسري" " ‪Louis‬‬
‫‪"Althusser‬؛ وتتميز القراءة التشخيصية عن نظريهتا (القراءة احلرفية) أبهنا قراءة فلسفية نقدية (إبستيمولوجية)‬
‫متشككة؛ تتهم املباشر‪ ،‬وترفض البديهيات‪ ،‬إهنا قراءة تنحو إىل تتبع ما يف اخلطاب من فجوات‪ ،‬وبياضات‪ ،‬وأماكن‬
‫يظهر فيها خطاب الصمت على حد قول "ألتوسري"‪ ،‬إهنا قراءة تبحث يف ال وعي اخلطاب ال لشيء إال ألنه ال توجد‬
‫قراءة بريئة ‪.1‬‬
‫والقراءة التشخصية اليت ارتضاها "الكان" تقوم على تصحيح بعض األجزاء يف أعمال "فرويد" ابالستعانة‬
‫أبجزاء أخرى متثل النص النموذج‪ ،‬أو البنية األساسية لقراءة "فرويد" على َّنو صحيح‪ ،‬وقد يكون هذا النص النموذج هو‬
‫"كتاب تفسري األحالم"‪ ،‬واالكتشاف الذي يضعه "الكان" يف املركز من منجزات "فرويد"‪ ،‬ويستعمله بوصفه وسيلته‬
‫الفكرية األساسية لتصحيح "فرويد" من الداخل‪ ،‬هو الالوعي ابعتباره لغة متلك بنية خاصة‪.‬‬
‫وبناء على ذلك تكون تلك العودة هي الرجوع إىل ذلك احلقل املهمل‪ ،‬أو الذي أسيئ فهمه‪ ،‬أال وهو حقل‬
‫القول اللغة ألن جوهر التحليل النفسي هو اللغة‪ ،‬لقد طرح هذا األخري منذ بواكريه األوىل عالقة قوية مع اللغة بدا ذلك‬
‫يف كتابه "إسهام يف مفهوم احلبسات اللغوية" وحبسبه كلما كا ن الالوعي معنيا مباشرة كلما ارتفعت نسبة التحليل اللغوي‬
‫هو األمر يف كتابه "تفسري األحالم"‪ ،‬ويف هذا يقول "الكان"‪" :‬افتحوا أي صفحة من صفحات الكتاب حول األحالم‪،‬‬
‫الصفحة اليت تفتحون عليها أوال‪ ،‬فلن جتدوا فيها إال حديثا عن شؤون الكلمات‪ ،‬جتدون "فرويد" يتحدث عنها حديثا‬
‫تلحظون من خالله أهنا قد كتبت فيها ابألحرف الكاملة‪ ،‬وابلضبط قوانني البنية اليت أشاعها السيد "سوسري" يف أَّناء‬

‫‪1‬‬
‫‪Louis Althusser, Lire le Capital (Vol. 1), Éditions Maspero, Paris, France, 1973, P 106.‬‬
‫‪151‬‬
‫اللغة والتحليل النفيس ‪.2‬‬ ‫احملارضة الثالثة عرشة‬

‫العامل‪ ،‬ومع أنه مل يكن األول يف ذلك لكنه كان الناقل املتحمس لتشكيل ما ينجز حاليا من األعمال الراسخة حتت لواء‬
‫اللسانيات" ‪.1‬‬
‫إن هذا القول يكشف عن اعتقاد راسخ لدى "الكان" من أن مؤسس اللسانيات البنيوية "دي سوسري"‬
‫"‪ "Ferdinand de Saussure‬مل يكن إال انقال متحمسا‪ ،‬وليس خمرتعا لقوانني البنية فكل الفضل يف ذلك يعود إىل‬
‫مؤسس التحليل النفسي‪ ،‬و"فرويد" نفسه على وعي اتم بوجود هذه العالقة لذلك سعي لتقصي املصدر املشرتك لالوعي‬
‫وللكالم‪ ،‬وابلفعل ملح مظاهر هذا التقارب يف عدد من دراسات لغويي عصره‪ ،‬ومنهم "هانس سبريبر" " ‪Hans‬‬
‫‪ "Sperber‬املختص يف الفيلولوجيا املقارنة‪ ،‬وعامل املصرايت "كارل أبيل" "‪ "Carl Abel‬استخدم "فرويد" نتائج هذه‬
‫الدراسات ليوضح العالقة املوجودة بني صيغ الداللة يف الكالم‪ ،‬ومثيالهتا يف احللم‪ ،‬ومنتجات الالوعي األخرى‪ ،‬طاملا أن‬
‫احلياة النفسية تنطوي على قسط وفري من الرمزية‪ ،‬وابالستناد إىل هذه احلقيقة‪ ،‬ميز "فرويد" بني املضمون الظاهر للحلم‪،‬‬
‫ويتمثل يف أحداث احللم كما يتذكرها احلامل‪ ،‬واملضمون الكامن الذي يقصد به املعىن الذي يتوصل إليه احمللل‪ ،‬وهو يفسر‬
‫احللم‪ ،‬وعلى غرار قارئ الكتاابت اهلريوغليفية الذي يرى العديد من الصور حليواانت وألشياء خمتلفة‪ ،‬لكن يتبني له أهنا‬
‫استعارات‪ ،‬وجمازات استعملت ابلرتاتب بعد أن فقدت صلتها ابألصل‪ ،‬لكي تستخرج داال يدخل يف إطار املعرفة ‪.2‬‬
‫يدرك احمللل النفسي أن احللم كناية عن نص نقرأه يف شكله الظاهر‪ ،‬ونستأصل منه عن طريق التأويل النص‬
‫الباطن فاحللم هبذا املعىن بنية َّنوية رمزية ال میكن الوصول إليه بطريقة مباشرة‪ ،‬بسبب األقنعة‪ ،‬واحلواجز اليت خيضع هلا‪،‬‬
‫وتتمثل يف التكثيف النقل الرمزية‪ ،‬وعلى َّنو ما تقدم استطاع "فرويد" اكتشاف لغة جديدة هي لغة الالوعي‪ ،‬وانتهى من‬
‫خالهلا إىل أن ماهية اإلنسان‪ ،‬أصبحت خارج الكوجيتو الديكاريت "أان أفكر أان موجود"‪ ،‬فاإلنسان نص ينبغي فك‬
‫رموزه‪ ،‬و هذا ابلضبط ما أكده "الكان"‪.‬‬
‫فاكتشاف "فرويد" هو هذا االكتشاف احلقل التأثريات هذه‪ ،‬يف طبيعة اإلنسان الناجتة عن عالقاته مع الرمزي‪،‬‬
‫غض النظر عن النظام الرمزي‪ ،‬يعين احلكم على هذا االكتشاف ابلنسيان ‪3‬؛ أي أن عدم إدراك هذه احلقيقة معناه ضياع‬
‫جوهر التحليل النفسي بل معناه االبتعاد عن حقيقة اإلنسان‪ ،‬واليت ال میكن فهمها من دون اإلقرار أبسبقية اللغة على‬
‫الذات‪ ،‬وهي جواب "الكان" عن سؤال أيهما يصنع اآلخر‪ :‬هل اإلنسان يصنع اللغة‪ ،‬أم أن اللغة هي اليت تصنع‬
‫اإلنسان؟‪ ،‬لقد كانت اللغة يف علم النفس الكالسيكي تعرب عن الذات‪ ،‬ومتثلها مع "الكان" الفرد اإلنساين "الطفل" ال‬
‫يصبح ذاات إنسانية إال بعد دخوله النسق الرمزي للثقافة‪ ،‬وهو اللغة‪.‬‬
‫وتكمن ‪ -‬ابلنظر إىل ما سبق ‪ -‬يف نظر "مالكوم بوي" "‪ "Malcolm Bowie‬قيمة مشروع "الكان" من‬
‫خالل إعادة قراءة "فرويد" يف ضوء اللسانيات املعاصرة قراءة نقدية‪ ،‬مكنته ال من جتاوز القراءات املبسطة للتحليل‬

‫‪ 1‬ميشال أريفيه‪ ،‬اللساين والالوعي‪ ،‬ترمجة حممد خري حممود البقاعي‪ ،‬دار الكتاب اجلديدة‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪ 2011 ،01‬م‪ ،‬ص ‪.188‬‬
‫‪ 2‬فرويد‪ ،‬تفسري األحالم‪ ،‬ترمجة مصطفى صفوان‪ ،‬دار الفارايب‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪ 2003 ،01‬م‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Dylan Evans, An Introductory Dictionary of Lacanian Psychoanalysis, Rutledge, London and‬‬
‫‪New York, 1966, P 204.‬‬
‫‪152‬‬
‫اللغة والتحليل النفيس ‪.2‬‬ ‫احملارضة الثالثة عرشة‬

‫النفسي فقط‪ ،‬بل أيضا من تقريب العالقة بني "فرويد" ومؤسس اللسانيات البنيوية "دي سوسري" مبا يتيح لكل منهما أن‬
‫يعاد النظر فيه يف ضوء أفكار اآلخر ‪.1‬‬
‫إن ادراك مثل هذه العالقة هو موطن من مواطن اجلدة يف املشروع السكاين‪ ،‬غري أن ما جتدر اإلشارة إليه أن‬
‫"ميشال أريفيه" "‪ "Michel Arrivé‬يف رأي خمالف يذكر أن دراسة "الكان" "لفرويد" عرب اللسانيات السوسريية‪ ،‬مل‬
‫تكن األوىل من نوعها‪ ،‬خاصة صيغته الشهرية‪" :‬الالشعور منتظم بنيواي على هيأة لغة"‪ ،‬فتلك الصيغة جتد رافدا يرفدها يف‬
‫كتاب غري معروف لعاملي القواعد الفرنسيني "جاك داموريت" "‪ ،"Jacques Damourette‬و"إدوارد بيشون"‬
‫"‪ "Edourrad Pichon‬لقد كاان أول من مجع بني السمتني؛ اللسانيات والتحليل النفسي‪ ،‬ففي نظرمها "الكالم هو‬
‫مرآة بديعة ألعماق الالوعي"‪ ،‬وأن البىن القواعدية للغة ما تغوص يف قسم كبري منها يف الالوعي‪ ،‬وقد استعار منهما‬
‫"الكان" عددا من املفاهيم البناء نظريته يف الالوعي ‪.2‬‬
‫منجزات القراءة الالكانية التحليل النفسي الفرويدي‪.‬‬
‫السجالت الثالث وبنية الذات عند فرويد‪ :‬لعل من أهم منجز "جلاك الكان" من خالل قراءة "فرويد" قراءة تشخيصية‬
‫هو مقابلة الثالوث الفرويدي‪ :‬األان‪ ،‬اهلو‪ ،‬األان األعلى ابلثالوث الالكاين أو ما يعرف ابلسجالت‪ ،‬أو األنظمة الثالث‪:‬‬
‫"النظام اخليايل" "‪" ،"imaginaire‬النظام الرمزي" "‪" ،"le symbolique‬النظام الواقعي" "‪ ،3 "Le Reel‬وهذا‬
‫املثلث يقع يف القلب من التفكري الالكاين وهو يسلط ضوء ابلغ األمهية على أعمال فرويد‪ ،‬أو على حد تعبري "الکان"‬
‫" إذا مل نعمل على ضوء هذه املنظومة الثالثية فسيكون من املتعذر علينا فهم شيء ما من تقنية وجتربة فرويد" ‪ ،4‬وهذه‬
‫السجالت الثالثة فصلها "الكان" منذ بداية تنظريه لعالقة اإلنسان مع نفسه‪ ،‬مع اآلخر‪ ،‬ومع العامل‪.‬‬
‫أول هذه األنظمة أو السجالت‪ ،‬هو "النظام اخليايل"‪ ،‬ولقد استخدم "الكان" املصطلح خيايل منذ البداية‬
‫(‪ )1936‬للداللة على الوهم‪ ،‬واالفتتان‪ ،‬والغواية‪ ،‬وارتبط بشكل حمدد ابلعالقة الثنائية بني األان‪ ،‬والصورة املنعكسة املراوية‬
‫مع أن اخليايل يرتبط ابلوهم‪ ،‬والغواية‪ ،‬وحييل إليهما‪ ،‬إال أنه ليس مرادفا للوهم‪ ،‬حيث يكون هذا األخري متضمنا شيئا غري‬
‫منطقي فاخليايل بعيد كل البعد عن الالمنطق‪ ،‬وال نستطيع ببساطة االستغناء عنه‪ ،‬حيث تظهر أتثرياته الفعالة يف الواقع‪.‬‬
‫لكن اخليايل ويف تطور الحق وحتديدا منذ (‪ ) 1953‬أصبح واحدا من األنظمة الثالثة متخذا موقعه يف مواجهة الواقعي‬
‫والرمزي‪ ،‬ومن خالله تتشكل بنية الذات حيث تبدأ احلياة النفسية ابملستوى اخليايل‪ ،‬ويستخدم "الكان" مفهوم اخليايل‬
‫للداللة على صورة األان لدى الطفل يف حلظة متخيلة يسميها "مرحلة املرأة" "‪ ،"Le Stade du Miroir‬فالذات‬
‫البشرية ال تظهر إىل حيز الوجود إال بعد أن تكتسب وعيا ذاتيا‪ ،‬وهو ما حيدث يف هذه املرحلة‪ ،‬ومثل "فرويد"‪ ،‬ال يبدأ‬

‫‪ 1‬جون سرتوك‪ ،‬البنيوية وما بعدها‪ ،‬سلسلة عامل املعرفة‪ ،‬ترمجة حممد عصفور‪ ،‬اجمللس الوطين للثقافة واآلداب والفنون‪ ،‬الكويت‪ 1966 ،‬م‪،‬‬
‫ص ‪.149‬‬
‫‪ 2‬ميشال أريفيه‪ ،‬اللساين والالوعي‪ ،‬ص ‪.09 ،08‬‬
‫‪ 3‬كاترين كليمان‪ ،‬التحليل النفسي‪ ،‬ترمجة حممد سبيال‪ ،‬مطبعة النجاح اجلديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ 2004 ،‬م‪ ،‬ص ‪.25‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Dylan Evans, An Introductory Dictionary of Lacanian Psychoanalysis, P 135.‬‬
‫‪153‬‬
‫اللغة والتحليل النفيس ‪.2‬‬ ‫احملارضة الثالثة عرشة‬

‫الطفل عند "الكان" منفصال عن أمه‪ ،‬فال متييز بني الذات واآلخرين عنده‪ ،‬وال متييز بني الطفل وأمه‪ ،‬فهو أييت إىل العامل‬
‫بال أان‪ ،‬بال معىن للذات منفصل عن اآلخر‪.‬‬
‫لكن‪ ،‬خالفا "لفرويد" الذي يؤكد "أبن األان هو أوال وابلذات أان بدين"‪ ،‬يرى "الكان" أن الصورة الكلية للبدن‬
‫ليست معطى أويل‪ ،‬فاملعطي ا ألويل هو الصورة املمزقة للبدن املنشطر‪ ،‬فالطفل يشبه كتلة ليس لديها أي تصور جلسدها‬
‫على أنه كل موحد متماسك‪ ،‬بل هو اجلسد اجملزأ‪ ،‬وهي احلالة اليت يكون عليها الطفل قبل أن میر خبربة املرأة اليت جتمع‬
‫أجزاء البدن املمزق يف صورة كلية لتنقل الطفل إىل الشعور ابلوحدة الكلية‪ ،‬واحلديث عن طور املرأة هو حديث أحد أهم‬
‫اسهامات "جاك الكان" يف النظرية التحليلية‪ ،‬إذ يعد هذا االكتشاف بداية لقاء "جاك الكان" مع البنيوية‪ ،‬ومبقتضى‬
‫هذا االكتشاف قام بتقويض جذري الكل فلسفة تنبثق مباشرة من الكوجيتو‪ ،‬وتقدمیه صورة جديدة للصيغة الديكارتية‬
‫"أان أفكر إذن أان موجود" حيث يذكر "الكان" يف صيغة مستحدثة ومناقضة "أان أفكر حيث ال أوجد‪ ،‬إذن إنين موجود‬
‫حيث ال افكر" ‪ ،1‬وانتهى إىل هذا من خالل نظريته عن مرحلة املرأة بوصفها تشكيال جديدا لألان بعيدا عن الوعي‪.‬‬
‫ومفهوم املرأة لدى "الكان" هو أبعد من أن يكون جمرد اختبار‪ ،‬أو اكتشاف سريري إهنا بنية اثبتة للذاتية‪،‬‬
‫وحيثية مؤسسة هلا‪ ،‬وهي ليست حلظة زمنية عابرة يف حياة الطفل بل إهنا أمنوذج النظام اخليايل‪ ،‬وهي تشري إىل نقطة حتول‬
‫حامسة يف التطور النفسي للطفل‪ ،‬وهلا قيمة مضاعفة؛ فهي متثل مرحلة تصورية حبتة‪ ،‬يسيطر عليها اخليال قبل أن تصبح‬
‫نقطة انطالق لتكوين األان‪ ،‬وينتج عن الصورة املروية عن تلك املرحلة عمليتان أساسيتان‪ ،‬ومها‪ :‬إدراك الطفل لوجوده‬
‫ككائن يتحدد ابلنسبة لآلخر‪ ،‬وبداية عملية التعيني الذايت ابآلخر ‪.2‬‬
‫واستطاع "الكان" من خالل هذه املرحلة أن يفسر كيف وملاذا ال توجد األان منذ البداية؟‪ ،‬وما الفرق بني‬
‫األان والذات؟‪ ،‬إن االنتقال الذي يقع يف هذه املرحلة انتقال أساسي‪ :‬فهو يضمن اللذات صورة كاملة عن نفسها‪ ،‬ويضع‬
‫األان كهيأة نفسية لكنه يضعها بتعبري "الكان" يف خط الوهم ‪ ،3‬إن األان كوهم ينتج عن التواجه القائم يف املرأة بني‬
‫الذات واملسافة اليت تفصلها عن صورهتا‪ ،‬ومما هو مؤكد أن "الكان" استخدم مفهوم اخليايل لشرح‪ ،‬وتطوير الصيغة‬
‫الفرويدية يف احلوافز‪ ،‬حيث يوجه اخليايل جتاه الشكل عنه إىل املضمون‪ ،‬فاخليايل میارس قوة األسر على الذات من خالل‬
‫أتثري الصورة املرآوية‪ ،‬ومیثل النسيج اخليايل للمرأة أول سبيل لتوظيف الطاقة الليبيدية اليت ستؤثر يف كل التخيالت‬
‫الالحقة‪ .‬ويغدو على هذا البعد اخليايل بوجه عام بعدا نفتقد فيه؛ أي مركز حمدد‪ ،‬وتتبادل فيه الذات املوضع مع‬
‫املوضوعات تبادال منغلقا على نفسه ال يكف عن احلركة‪ ،‬يف جمال من الصور اليت ال تنفصل فيها األطراف االنفصال‬
‫احلاد ‪.4‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Jacques Lacan, Ecrits, Editions du Seuil, Paris, France, 1966, P 509.‬‬
‫‪ 2‬حب هللا عدانن‪ ،‬التحليل النفسي للرجولة واألنوثة من فرويد إىل الكان‪ ،‬دار الفارايب‪ ،‬اجلزائر‪ 2004 ،‬م‪ ،‬ص ‪.71 ،70‬‬
‫‪ 3‬كاترين كليمان‪ ،‬التحليل النفسي‪ ،‬ص ‪.113‬‬
‫‪ 4‬إديث كرزويل‪ ،‬عصر البنيوية من ليفي شرتاوس إىل فوكو‪ ،‬ترمجة جابر عصفور‪ ،‬سلسلة آفاق عربية‪ ،‬بغداد‪ ،‬العراق‪ 1985 ،‬م‪ ،‬ص‬
‫‪.390‬‬
‫‪154‬‬
‫اللغة والتحليل النفيس ‪.2‬‬ ‫احملارضة الثالثة عرشة‬

‫أما اثين األنظمة أو السجالت اليت حتدث عنها "الكان"‪ ،‬فهو النظام الرمزي (البنيوي)؛ إذ يضطلع ابلدور‬
‫احلاسم يف التحليل النفسي‪ ،‬لذلك ينتقد "الكان" التحليل النفسي املعاصر له ألنه يتجاهل النظام الرمزي‪ ،‬وخيتزل مجيع‬
‫األمور إىل اخليايل‪ ،‬ومن وجهة نظر "جاك الكان" ليس هذا سوى خيانة االكتشافات "فرويد" األكثر جذرية‪ ،‬ويتجلى‬
‫عرب النظام الرمزي االختالف بني كل من "الكان" و"فرويد" يف موضعة حافز املوت وطبيعته؛ ففي حني اعترب "فرويد"‬
‫حافز املوت مرتبطا ابلبيولوجيا الطبيعة‪ ،‬وارأتى "الكان" أن حافز املوت ينتمي للنظام الرمزي‪ ،‬وهو املشكل هلو "يتجلى‬
‫الرمز أوال كقتل للشيء‪ ،‬ومیثل هذا املوت ابلنسبة إىل الذات ختليدا لرغبتها" ‪ ،1‬وألن الرمز مكافئ ملوت الشيء فهو يقوم‬
‫مقام الشيء املرموز له‪ ،‬فإن اللغة فيما يرى "الكان" تتحدث عما هو مفقود‪ ،‬أو غائب‪ ،‬فنحن َّنتاج إىل الكلمات‬
‫عندما تكون األشياء اليت نريدها غائبة‪ ،‬ولو كان عاملنا ممتلئا بال غياب فيه فنحن ال َّنتاج إىل اللغة‪.‬‬
‫وابلتوافق مع ما سبق‪ ،‬خيطئ من يتصور أن النظام الرمزي هو من صنع اإلنسان‪ ،‬أو تشكيله "فاإلنسان يتكلم‬
‫ألن الرمز قد جعل منه إنساان" ‪ ،2‬ومعىن هذا أن اإلنسان جمرد نتاج هلذا النظام الرمزي‪ ،‬والوظيفة الرمزية هي العلة الكافية‬
‫اليت حتدد كل وجوده‪ ،‬فهي البنية القصوى اليت تتحكم يف كل أنشطته‪ ،‬وهو ما انتهى إليه كان من خالل دراسة حالة‬
‫ظهرت يف كتاب "فرويد" "ما وراء مبدأ اللذة"؛ إذ حتدث "فرويد" عن ابن اخته البالغ من العمر مثانية عشر شهرا‪ ،‬والذي‬
‫يلعب بكرة من اخليوط مربوطة بغزل من الصوف‪ ،‬إن الطفل يلقي الكرة بعيدا‪ ،‬ويقول "راحت ‪ ،"Fort‬تعود الكرة إليه‬
‫مرة أخرى فيقول "جاءت ‪ ،"da‬لقد شخص "فرويد" حالة الطفل على أهنا عصاب قهري تكراري‪ ،‬ومن جانبه حاول‬
‫"الكان" أن يبني الدور الذي يلعبه الرمز يف قصة هذا الصيب‪ ،‬فمن الواضح أن لعبة ‪ ،Fort / da‬مل تكن سوى حماولة‬
‫رمزية للسيطرة على املوقف (غياب األم وحضورها) عن طريق متثله‪ ،‬وابملوازاة دخول الطفل العامل الرمزي‪ ،‬أو دخوله إىل‬
‫بنية اللغة نفسها ‪.3‬‬
‫ورغم أن اللغة تقوم ابلدور الفصل يف النظام الرمزي إال أن "الكان" مل جيعلها مكافئة هلذا النظام بشكل مطلق؛‬
‫فاللغة تشتمل على بعدي اخليايل‪ ،‬والواقعي ابإلضافة إىل البعد الرمزي‪ ،‬وهو الدال‪ ،‬والكالم املليء الصحيح بينما البعد‬
‫اخليايل هو املدلول والكالم الفارغ‪ ،‬كما خيتلف مفهوم الرمزي عند "الکان" عن مفهوم الرمزية عند "فرويد"‪ ،‬فاملفهوم عند‬
‫"فرويد" ختتلط فيه العالقة بني الشكل واملعىن يف حني أن املفهوم عند سكان تغيب فيه أية عالقات خيتلط فيها الدال‬
‫ابملدلول ‪ ،4‬فيه يتم االنتقال من النظام اخليايل الذي تسيطر عليه الصورة إىل مستوى استخدام الكلمات (الرمز) الذي‬
‫تسيطر عليه اللغة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫كاترين كليمان‪ ،‬التحليل النفسي‪ ،‬ص ‪.62‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Jacques Lacan, Ecrits, P 276.‬‬
‫‪ 3‬إبراهيم زكراي‪ ،‬مشكلة البنية‪ ،‬دار مصر للطباعة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 1976 ،‬م‪ ،‬ص ‪.282‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Dylan Evans, An Introductory Dictionary of Lacanian Psychoanalysis, P 203, 204.‬‬
‫‪155‬‬
‫اللغة والتحليل النفيس ‪.2‬‬ ‫احملارضة الثالثة عرشة‬

‫لكن هذا االنتقال ليس انتقاال تسلسليا‪ ،‬وتدرجييا من اخليايل إىل الرمزي؛ فهما جماالن غريبان كلية الواحد عن‬
‫اآلخر‪ ،‬ففي الوقت الذي يتميز فيه اخليايل ابلعالقات الثنائية فإن النظام الرمزي يتميز ابلبين الثالثية ‪ ،1‬فهناك مفهوما‬
‫اثلثا يتوسط يف العالقات البني ذاتية هو اآلخر الكبري‪ ،‬واالنتقال من البنية الثنائية إىل البنية الثالثية ليست إال نقلة من‬
‫اخليايل إىل الرمزي‪ ،‬وتعد "عقدة أوديب" هي البنية الثالثية األمنوذج منذ دخول األب يف عالقة بني األم والطفل ومن‬
‫خالله تبىن الذات عرب الرمز ويتم االنتقال من الطبيعة إىل الثقافة‪ .‬واثلث األنظمة فهو النظام الواقعي‪ ،‬وال يضع "جاك‬
‫الكان" الواقعي منذ (‪ )1953‬مقابل اخليايل فقط‪ ،‬بل ويضعه يف ما عرب الرمزي‪ ،‬فليس كما الرمزي املبين مبفاهيم األضداد‬
‫كالتناقض بني الوجود والعدم‪ ،‬وفيما يكون الرمزي جمموعة من العناصر املتمايزة‪ ،‬واملتفردة‪ ،‬واملدعوة دوال‪ ،‬فإن الواقعي يف‬
‫حد ذاته فاقد للتمايزات؛ ال يوجد يف الواقعي غياب‪ ،‬أو فقد‪ ،‬أو نقص‪ ،‬إن الواقعي ممتلئ متاما‪ ،‬وكامل حيث ال توجد‬
‫فيه حاجة ال میكن إشباعها‪ ،‬وما دام األمر كذلك فالواقعي خلو من اللغة‪ ،‬إنه يقاوم الرتميز بشكل مطلق فمجاله قائم‬
‫خارج الرتميز ‪.2‬‬
‫وعلى الرغم من أن هذه األنظمة ختتلف اختالفا جوهراي فيما بينها؛ إذ حييل كل واحد منها إىل مظهر من مظاهر‬
‫جتربة التحليل النفسي خمتلف جذراي‪ ،‬مما جيعل من الصعب رؤية املشرتك بينها‪ ،‬مع هذا يتعامل "جاك الكان" معها‬
‫كثالثة أنظمة تشري إىل وجود صفة مشرتكة ما‪ ،‬ويقوم "جاك الكان" ابلبحث عن إجابة هذا السؤال "ما املشرتك بني‬
‫األنظمة الثالثة؟" بواسطة طوبولوجيا العقدة الربومينية "‪ "Naeud borromeen‬أدخلها "الكان" يف دراساته سنة‬
‫‪ 1972‬وهي كناية عن عقدة مؤلفة من ثالث حلقات‪ :‬منعقدة فيما بينها‪ ،‬حبيث إذا قطعت إحدى العقد حترر الثالث‬
‫يف آن واحد ‪ ،3‬فكل نظام يعرف ضمن نطاق العالقة اليت يقيمها مع كال النظامني اآلخرين‪ ،‬هذه هي البنية املشكلة‬
‫للذات عند "الكان" ‪ ،‬والسؤال الذي يطرح نفسه هو‪ :‬هل هذه البنية تقع على الطرف النقيض‪ ،‬مع نظام "فرويد" (‬
‫األان‪ ،‬اهلو‪ ،‬األان األعلى) ؟ جند جواب هذا السؤال عند الفيلسوفة‪ ،‬والروائية الفرنسية "كاترين كليمان" " ‪Catherine‬‬
‫‪ "Clement‬فاألان األعلى يصبح هو الرمزي "‪ "Le symbolique‬جمال النظام‪ ،‬والقانون‪ ،‬ومكان اخلطاب األبوي‪،‬‬
‫و(األان) يصبح هو املتخيل "‪ ،"imaginaire‬مكان الوهم واحلقيقة‪ ،‬والتغري‪ ،‬و(اهلو) ليس له مكان إال جمازا فهو املكان‬
‫الذي ليس له مكان‪ ،‬وهو العلة الغائبة للبنية‪ ،‬ويطلق عليه الكان اسم الواقعي "‪ ،"Le reel‬وانتاجه يقع على مستوى‬
‫موضوعات الرغبة ‪. 4‬‬
‫يقودان كل هذا إىل النتيجة اآلتية‪ :‬صحيح أن البنية السكانية (األنظمة الثالث)‪ ،‬ليست إال تطويرا للبنية الفرويدية‬
‫(األان‪ ،‬اهلو‪ ،‬األان األعلى) يف إطار التحليل األلسين البنيوي‪ ،‬مبا يتفق‪ ،‬والفكرة القائلة أن التحليل النفسي الفرويدي جماله‬
‫القول واخلطاب‪ ،‬لكنه تطوير حامل للجديد املختلف‪ ،‬ما يعين وجود أوجه اختالف بينهما‪ ،‬على مستوى ثالثية "الكان"‬

‫‪1‬‬
‫كاترين كليمان‪ ،‬التحليل النفسي‪ ،‬ص ‪.27‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Dylan Evans, An Introductory Dictionary of Lacanian Psychoanalysis, P 163.‬‬
‫‪3‬‬
‫عبد هللا عسكر‪ ،‬مدخل إىل التحليل النفسي‪ ،‬دار الكتب احلديثة‪ ،‬إربد‪ ،‬األردن‪ 2001 ،‬م‪ ،‬ص ‪.122‬‬
‫‪4‬‬
‫كاترين كليمان‪ ،‬التحليل النفسي‪ ،‬ص ‪.114 ،113‬‬
‫‪156‬‬
‫اللغة والتحليل النفيس ‪.2‬‬ ‫احملارضة الثالثة عرشة‬

‫"األان والذات واآلخر"‪ ،‬وعلى مستوى "عقدة أوديب"‪ ،‬ابلنظر إىل العالقة املباشرة هلذه املفاهيم‪.‬‬
‫ومیثل مفهوم األان يف اخلطاب الالكاين‪ ،‬نتاجا عيانيا للتوحدات اخليالية املتتابعة اليت علقت يف الذهن كقاعدة‬
‫راسخة‪ ،‬فبنيته خيالية‪ ،‬حيث تتشكل عرب النظرة‪ ،‬والصورة‪ ،‬يقول "الكان"‪" :‬أبن األان اليت طاملا تكلمنا عليها‪ ،‬من‬
‫املستحيل فصلها عن االرهتاانت اخليالية اليت تكوهنا من الرأس إىل القدم‪ ،‬سواء يف نشوؤها‪ ،‬أو يف وضعيتها‪ ،‬أو حىت يف‬
‫وظيفتها احلاضرة‪ ،‬ألهنا تنطلق من آخر ألجل آخر" ‪ ،1‬ومن املعروف أن "الكان" قد اختذ موقفا متطرفا من األان‬
‫الفرويدي؛ ففي حني أعطى "فرويد" لألان وظيفة هامة تتمثل يف التفاوض مع الواقع اخلارجي‪ ،‬فإن كان نظر إىل األان‬
‫بوصفه نتاجا لسوء التعرف‪ ،‬أما الذات فال توازي الشعور الواعي‪ ،‬الذي ليس سوى وهم ينشئه األان‪ ،‬بل هي موازية‬
‫الالوعي فذات "الكان" هي ذات الالوعي ‪ ،2‬وميالدها من اللغة ‪ 3‬وعلى هذا فالذات عند "الكان" ليست معطا أوليا‪،‬‬
‫إن املعطي األويل هو اآلخر الكبري‪ ،‬ومن هنا يطرح السؤال‪ :‬كيف تتكون الذات لتحل حمل اآلخر الذي يسبقها يف‬
‫الوجود؟‪.‬‬
‫يقدم "الكان" إجاابت كثرية منها‪ ،‬أوال‪ :‬إن التجربة التحليلية تشكل العملية اليت يتحقق هبا وجود الذات اليت‬
‫تكون يف البدء غري موجودة حتت وطأة الدال‪ ،‬اثنيا‪ :‬إن أي تشكل لالشعور يشهد على ميالد ذات الالشعور‪ ،‬وبروزها‬
‫يف الوقت الذي يعمل فيه علی حموها‪ ،‬اثلثا‪ :‬إن الذات هي ما يصدر عن اإلنسان بفعل اللغة ابحملصلة الذات من حيث‬
‫بنيتها تنتمي إىل النظام الرمزي وهي حتدد من خالل األخر األخر الكبري‪ ،‬ويتحدد مفهوم اآلخر يف التحليل النفسي على‬
‫أنه كل ما هو خارج الذات‪ ،‬ولقد ميز "الكان" بني اآلخر الصغري "‪ ،"petit autrele‬واآلخر الكبري " ‪le grand‬‬
‫‪ ،"Autre‬حيث يشري األول إىل اآلخر املراوي‪ ،‬ويلتقي مع املفهوم الالكاين وهو موضوع الرغبة‪ ،‬أما اآلخر الكبري‬
‫"‪ "Autre‬عند "جاك الكان" فيدل على النظام الرمزي الذي حيدد الذات؛ إذ هي تتكون من خالل عبورها إىل العامل‬
‫الرمزي بواسطة اللغة ابعتبارها ما میيز الكائن اإلنساين‪ ،‬أي الكائن املتكلم "‪ "parletrele‬حسب املصطلح الالكاين‪،‬‬
‫وكما يرتدد كثريا عرب صفحات کتاب "الكان" أن اآلخر الكبري هو "مكان الكالم" " ‪L'Autre lieu de la‬‬
‫‪ ،4 "parole‬ومن ذلك أيضا أنه مكان الدال‪ ،‬ومكان نقصان الوجود‪.‬‬
‫وبشكل عام‪ ،‬الغريية كما بينت "كاترين كليمان" "‪ "Catherine Clement‬تظهر يف النسق الالكاين حرة‬
‫"طليقة من أي أقنوم‪ ،‬إهليا‪ ،‬كان‪ ،‬أو بشراي" ‪ ،‬إهنا مبثابة املكان الغريب الذي يصدر عنه كل خطاب‪ :‬مكان العائلة‪،‬‬
‫القانون كاألب ضمن النظرية الفرويدية‪ ،‬مكان التاريخ مكان ترد إليه كل ذاتية ‪ ،5‬يعين هذا أن اخلطاب الذي جتد فيه‬
‫الذاتية نفسها فيه هو دائما خطاب اآلخر‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫حب هللا عدانن‪ ،‬التحليل النفسي للرجولة واألنوثة من فرويد إىل الكان‪ ،‬ص ‪.164‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Dylan Evans, An Introductory Dictionary of Lacanian Psychoanalysis, P 198.‬‬
‫‪3‬‬
‫حب هللا عدانن‪ ،‬التحليل النفسي للرجولة واألنوثة من فرويد إىل الكان‪ ،‬ص ‪.160‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Jacques Lacan, Ecrits, P 627.‬‬
‫‪5‬‬
‫كاترين كليمان‪ ،‬التحليل النفسي‪ ،‬ص ‪.112‬‬
‫‪157‬‬
‫اللغة والتحليل النفيس ‪.2‬‬ ‫احملارضة الثالثة عرشة‬

‫الالوعي كبنية لغوية‬


‫طور "الکان" التحليل النفسي إىل أبعاد غري مسبوقة‪ ،‬وقدم معادلة جديدة للعالقة بني اللغة والذات معادلة‬
‫أصبحت مبوجبها الذات ممكنة فقط داخل اللغة (النظام الرمزي)‪ ،‬بعد أن كانت اللغة يف علم النفس الكالسيكي تعرب‬
‫عن الذات‪ ،‬ومتثلها فالفرد اإلنساين ابلنسبة إىل "الكان" يصبح ذاات إنسانية بعد دخوله إىل النسق الرمزي للثقافة‪ ،‬وهو‬
‫اللغة‪ ،‬وإضافة إىل هذا‪ ،‬يوجد بعد آخر يشكل حمور النظرية الالكانية ومبدأها‪ ،‬هو حمور الالوعي الفرويدي‪ ،‬الذي يعده‬
‫"الكان" حداث جديدا أحدث انقالاب يف مفاهيم ومنهجية الفكر اإلنساين‪ ،‬وأعاد النظر يف كثري من املعتقدات السائدة‬
‫فلسفية كانت‪ ،‬أو علمية حىت أن "فرويد" نفسه يعرتف بذلك يف العديد من املرات‪ ،‬ولئن انطلق "جاك الكان" يف‬
‫التأسيس لنظريته اللغوية من نظرية فرويد‪ ،‬فإن هدفه مل يكن إعادة اكتشاف التحليل النفسي من جديد‪ ،‬بل على العكس‬
‫من ذلك أقام تعليمه يف البداية حتت شعار "العودة إىل فرويد"؛ واكتفى أبن يتساءل‪ :‬ما هي الشروط اليت يكون فيها قيام‬
‫التحليل النفسي ممكنا؟ فأجاب‪ :‬الشرط الالزم والكايف إلمكانية التحليل النفسي هو أن يشكل الالشعور بنية مثل اللغة‪.‬‬
‫ويتحدى "جاك الكان" معارضيه أبن يعودوا إىل قراءة كتب "فرويد"‪ ،‬وخاصة كتابه "تفسري األحالم"‪ ،‬فمن أول‬
‫الكتاب إىل آخره حاول "فرويد" الربهان على أن الالوعي هو بنية لغوية يف حد ذاهتا‪ ،‬هلا تركيبة شبهة برتكيبة اللغة ‪،1‬‬
‫وليس مستودعا للغرائز كما يعتقد تالميذ "فرويد" وغريهم من احملللني النفسيني‪ ،‬الذين أساءوا فهم ما قدمه "فرويد"‪ ،‬ومل‬
‫يدركوا املغزى الذي أعطاه لألوعي‪.‬‬
‫وإذ يقطع املفهوم الالكاين الالوعي الفرويدي الصلة متاما مع نظرة تالميذ "فرويد" فإنه يقدم مقاربة عن‬
‫الالشعور على هذا النحو‪" :‬الالشعور منتظم بنيواي على هيأة لغة"‪ ،‬وأن "الالشعور هو خطاب اآلخر" ‪ ،2‬وعلى هذا‬
‫يكون أهم ما اكتشفه فرويد يف نظر "جاك الكان" ليس هو أن الالوعي موجود ‪ -‬فهذا أمر واضح ‪ -‬بل هو أن الالوعي‬
‫قد بُنني مثل اللغة‪ ،‬وهذا يعين أن يف اإلمكان التعبري عن آليات الالشعور عن طريق بعض العمليات اللغوية‪ ،‬أو بعض‬
‫األشكال البالغية كما يظهر بوضوح من خالل عملية تكوين األعراض العصابية‪ ،‬لكن داللة تلك العبارة ال میكن أن‬
‫تنكشف بوضوح‪ ،‬وعلى َّنو اتم‪ ،‬إال إذا أحلقناها بتلك الصيغة اليت مضموهنا‪" :‬إن من شأن الالشعور أن يؤدي عمله‬
‫الوظيفي على َّنو ما تؤديه اللغة مبا هلا من طابع بنيوي ذلك أنه ال سبيل إىل تعقل الالشعور إال بتحويله إىل بنيوية لغوية"‬
‫‪.3‬‬
‫وهبذا الطرح خيالف "جاك الكان" ما هو سائد‪ ،‬ومتداول بشأن اللغة؛ إن ما هو سائد أن اللغة هي الوسيلة‬
‫اليت يتم عربها التعرف على الالوعي بدليل أن احمللل النفساين يستند إىل ملفوظ املريض ملعرفة أحالمه‪ ،‬وهواجسه‪،‬‬
‫وأوهامه‪ ،‬غري أن أطروحة "الكان" تبدو مفارقة‪ ،‬وخمالفة؛ فهو يرى أن الطابع الذي يسم كال من اللغة‪ ،‬والالشعور‪ ،‬وهو‬
‫الطابع البنيوي‪ ،‬وألجل ذلك طابق بني مفهومي اللغة‪ ،‬والالشعور عند اإلنسان فجوهر اللغة الشعوري‪ ،‬واللغة تشكل‬

‫‪1‬‬
‫حب هللا عدانن‪ ،‬التحليل النفسي للرجولة واألنوثة من فرويد إىل الكان‪ ،‬ص ‪.56‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Jacques Lacan, Ecrits, P 16.‬‬
‫‪ 3‬إبراهيم زكراي‪ ،‬مشكلة البنية‪ ،‬ص ‪.174‬‬
‫‪158‬‬
‫اللغة والتحليل النفيس ‪.2‬‬ ‫احملارضة الثالثة عرشة‬

‫منطق الالشعور‪ ،‬وماهيته‪ ،‬وقد أسس "الكان" هلذه الفكرة‪ ،‬من خالل تفسري "فرويد" لألليتني الرئيسيتني يف عمليات‬
‫الالوعي‪ :‬التكثيف‪ ،‬واالزاحة (اإلحالل)‪ ،‬وكلتهما ظاهرة لغوية‪ ،‬إن عملية التكثيف اليت تتمثل يف استبدال داللة أبخرى‪،‬‬
‫تقارب عملية اجملازات األدبية اليت أتخذ اجتاها واضحا يف الصياغات األدبية‪ ،‬واليت يتم من خالهلا حتويل داللة خاصة غري‬
‫مناسبة السم ما إىل داللة أخرى‪ ،‬وذلك من خالل املقارنة اليت جتري داخل النفس ‪ ،1‬فالالشعور كما يريد "جاك الكان"‬
‫أن يقول يؤدي عمله‪ ،‬وكأنه لغة فهو الذي يتكلم داخل اإلنسان‪.‬‬
‫إن لغة الالشعور هي ابلضبط لغة احلرف‪ ،‬أو لغة الدال‪ ،‬وألجل ذلك ‪ -‬وفيما ترى "ملكوم بوي" ‪ -‬میكن‬
‫النظر إىل العالقة بني اللغة والالشعور من جهتني‪ :‬فمن املمكن أوال‪ ،‬أن تكون التوترات والصراعات النفسية قد أسهمت‬
‫بتحدث املريض عن أحالمه‪ ،‬وأوهامه‪ ،‬ويقاطعه احمللل‪ ،‬ويضع تصوراته حول ذلك احلديث فإن ذلك الالشعور ال يتبدى‬
‫هلما إال يف شكل واسطته اللغوية‪ ،‬وابحملصلة ليس الالوعي الفرويدي‪ ،‬كما ينظر إليه غالبا ‪ -‬خزاان للنزوات‪ ،‬ومركزا للغرائز‬
‫إنه بنية لغوية‪ ،‬وجيب أن يقرأ على هذا النحو إذا أردان فهما عميقا‪ ،‬وحقيقيا لإلنسان‪.‬‬

‫مصادر ومراجع احملاضرة‪:‬‬

‫‪ .1‬إبراهيم زكراي‪ ،‬مشكلة البنية‪ ،‬دار مصر للطباعة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 1976 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .2‬إديث كرزويل‪ ،‬عصر البنيوية من ليفي شرتاوس إىل فوكو‪ ،‬ترمجة جابر عصفور‪ ،‬سلسلة آفاق عربية‪ ،‬بغداد‪،‬‬
‫العراق‪ 1985 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .3‬جون سرتوك‪ ،‬البنيوية وما بعدها‪ ،‬سلسلة عامل املعرفة‪ ،‬ترمجة حممد عصفور‪ ،‬اجمللس الوطين للثقافة واآلداب‬
‫والفنون‪ ،‬الكويت‪ 1966 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .4‬حب هللا عدانن‪ ،‬التحليل النفسي للرجولة واألنوثة من فرويد إىل الكان‪ ،‬دار الفارايب‪ ،‬اجلزائر‪ 2004 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .5‬عبد هللا عسكر‪ ،‬مدخل إىل التحليل النفسي‪ ،‬دار الكتب احلديثة‪ ،‬إربد‪ ،‬األردن‪ 2001 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .6‬فرويد‪ ،‬تفسري األحالم‪ ،‬ترمجة مصطفى صفوان‪ ،‬دار الفارايب‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪ 2003 ،01‬م‪.‬‬
‫‪ .7‬كاترين كليمان‪ ،‬التحليل النفسي‪ ،‬ترمجة حممد سبيال‪ ،‬مطبعة النجاح اجلديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ 2004 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .8‬حممد ربيع شحاتة‪ ،‬اتريخ علم النفس ومدارسه‪ ،‬دار الصحوة للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 1986 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .9‬ميشال أريفيه‪ ،‬اللساين والالوعي‪ ،‬ترمجة حممد خري حممود البقاعي‪ ،‬دار الكتاب اجلديدة‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‬
‫‪ 2011 ،01‬م‪.‬‬
‫املراجع ابللغة األجنبية‪:‬‬

‫‪1. Louis Althusser, Lire le Capital (Vol. 1), Éditions Maspero, Paris, France,‬‬
‫‪1973.‬‬

‫‪ 1‬إبراهيم زكراي‪ ،‬مشكلة البنية‪ ،‬ص ‪.172‬‬


‫‪159‬‬
.2 ‫اللغة والتحليل النفيس‬ ‫احملارضة الثالثة عرشة‬

2. Dylan Evans, An Introductory Dictionary of Lacanian Psychoanalysis,


Rutledge, London and New York, 1966.
3. Jacques Lacan, Ecrits, Editions du Seuil, Paris, France, 1966.

160
‫احملارضة الرابعة عرشة‬
‫اللغة وا إلدراك‪.‬‬
‫اللغة والإدراك‪.‬‬ ‫احملارضة الرابعة عرشة‬

‫توطئة‪:‬‬
‫أحدثت اللسانيات ثورة كبرية يف اتريخ العلوم اإلنسانية‪ ،‬فقد غريت مجيع حقوهلا‪ ،‬وأدت إىل ثورة على مستوى‬
‫اللغة‪ ،‬ويعترب "دي سوسري" "‪ "Ferdinand de Saussure‬أحد روادها الذين أكدوا أن اللغة تكمن يف التواصل‬
‫الكالمي ال يف النظام اللساين اجملرد من أشكال اللغة‪ ،‬وبذلك أدى التقارب بني هدف اللسانيني وأحباث مهندسي‬
‫التواصل إىل اهتمام اللسانيات بنظرية التواصل هبدف إحداث تكامل معريف‪ ،‬وهكذا شرع اللسانيون يف استعمال‬
‫مصطلحات التواصل من قبيل (املرسل‪ ،‬املرسل إليه‪ ،‬السنن‪ ،‬الرسالة‪ ..... ،‬إخل)‪ ،‬وحبثا منها عن العلمية حاولت هذه‬
‫النظرية االستفادة من خمتلف احلقول املعرفية مبا فيها علم النفس‪ ،‬وعلم االجتماع‪ ،‬واألنثروبولوجيا‪ ...،‬بغية حتليل خمتلف‬
‫الظواهر اإلنسانية‪ ،‬وتعترب الظاهرة التعليمية جماال خصبا الستثمار خمتلف النظرايت يف هذا اجملال‪.‬‬
‫ولعل من أهم جماالت الدراسة عالقة اللغة ابلفكر؛ أي إن كل فكر إنساين يستتبع ابلضرورة استعمال لغة معينة‬
‫يتم تشكيلها‪ ،‬وتكييفها من طرف اإلنسا ن من أجل التواصل بني الذوات‪ ،‬وقد استخلص "جان بياجيه" " ‪Jean‬‬
‫‪ "Piaget‬يف أحباثه حول لغة الطفل‪ ،‬وحدة اللغة ابلفكر‪ ،‬ويصرح "آدم تشاف" "‪ "Adam Schaff‬أن اللغة ال ميكنها‬
‫أن توجد بدون وجود فكر على اعتبار أن اللغة هي الوحدة بني احلامل املادي أي نسق العالقات واملضامني الداللية هلذه‬
‫العالمات (ففي حالة انعدام هذا احلامل املادي ينتفي حتول العالمات إىل لغة)‪ ،‬فبدون العالمات اللسانية ال وجود‬
‫لتحقق واقعي للفكر اإلنساين املبدئي إن وحدة الفكر واللغة وحدة عضوية‪ ،‬فالفكر واستعمال اللغة عنصران ال ميكن‬
‫فصلهما داخل النسق التطوري للمع رفة‪ ،‬وعدم إمكانية استقالل أحدمها عن اآلخر هبذا القدر من االتساع‪ ،‬هو ما جيعل‬
‫كل عنصر ال ميكنه أن يتمظهر مبعزل عن اآلخر‪ ،‬فالفكر واستعمال اللغة جيب أن نضبطهما كمظهرين لنسق واحد‪:‬‬
‫النسق املتجانس ملعرفة العامل وللتفكري‪ ،‬وذلك لوجود عالقة بني النسق التطوري العقلي لإلنسان والنسق اللساين يف عملية‬
‫اكتساب املعرفة‪.‬‬
‫اللغة واإلدراك‬
‫ميثل اإلدراك وعالقته ابللغة موضوعا رئيسيا يف "علم اللغة النفسي"‪ ،‬فهناك قضية هامة نشأت من أحباث لغة‬
‫الطفل مؤداها أن اللغة ما هي إال واحدة فقط من األنشطة التحليلية املتعددة اليت تعتمد مجيعا على منو اإلدراك‪ ،‬وينظر‬
‫الكتساب اللغة على أنه حيتاج ملتطلبات مسبقة‪ ،‬أو حمايثة معينة‪ ،‬ذلك أن الطفل لن تنمو لديه الصيغ اللغوية قبل‬
‫اكتساب املبادئ اإلدراكية هلذه الصيغ‪ ،‬فمثال نتوقع أن يتعلم الطفل اإلجابة على السوال (أين‪/‬املكان) قبل أن يتعلم‬
‫اإلجابة عن السؤال (مىت‪/‬الزمان) ألن مفهوم املكان يكتسب قبل مفهوم الزمان‪ ،‬وهذا الرتتيب حمدد إدراكيا ‪.1‬‬
‫اتسم القرن العشرون ‪ -‬كما يرى "سلوبن" "‪ - "Dan Isaac Slobin‬يف اتريخ العلم ابلتزامه الصارم‬
‫بشروط املنهج العلمي‪ ،‬ومن ضمن هذه الشروط أن تكون الدراسة منصبة على ما هو حمسوس‪ ،‬واستبعاد كافة املواضيع‬
‫املعقولة اليت ندركها ابلعقل‪ ،‬وكان هلذه الشروط انعکاس واضح على علم النفس حيث استبعدت مواضيع عديدة من هذا‬

‫‪1‬‬
‫‪Evelyn Marcussen, Psycholinguistics, A Second Language Perspective, Hatch, Newbury House‬‬
‫‪Publishers, Cambridge U.S.A, 1983, P 219.‬‬
‫‪162‬‬
‫اللغة والإدراك‪.‬‬ ‫احملارضة الرابعة عرشة‬

‫العلم مثل تلك اخلاصة ابلعقل‪ ،‬والفكر‪ ،‬والشعور‪ ،‬والعقل الباطن‪ ،‬والتصور العقلي‪ ،‬وما إىل ذلك‪ ،‬وبقيت املواضيع اليت‬
‫ميكن اإلحساس هبا وقياسها‪ ،‬ولقد أدى ذلك إىل أن يرتبع املذهب السلوكي على عرش علم النفس‪ ،‬ومن الطبيعي أن‬
‫يكون "لواطسن" "‪ "John Broadus Watson‬زعيم علم النفس السلوكي األمريكي موقفه من العالقة بني اللغة‬
‫والكالم‪ ،‬والفكر ‪ ،1‬يراه "سلوبن" متطرفا‪ ،‬ولقد صاغ "واطسن" موقفه كما يلي‪" :‬إن عمليات الفكر هي يف الواقع‬
‫عادات حركية يف احلنجرة‪ ،‬وبذلك وعلى الفكر ميكن احلصول عليه مباشرة من خالل الدراسة العلمية يف شكل قياس‬
‫للحركات الصادرة من اجلهاز العضلى للكالم ‪.2‬‬
‫غري أنه حديثا جدا يف أواسط القرن املاضي تقريبا ظهر علماء نفس آخرون يرون أن األطرادات يف السلوك‬
‫املالحظ‪ ،‬واملقيس ميكن التعامل معها ابن نصادر أببنية وعمليات داخلية ‪3‬؛ أي ابفرتاض أبنية ال مرئية‪ ،‬وال ملموسة‪،‬‬
‫ولكنها رغم ذلك ذات دالالت ملموسة‪ ،‬ولقد مسي هؤالء العلماء ابلعرفانيني‪ ،‬يقول "طوملان" "‪"Edward Tolman‬‬
‫عن عوامله البينية أ هنا متغريات جيب أن تؤخذ يف االعتبار يف وصف السلوك‪ ،‬إهنا ال تقبل املالحظة‪ ،‬ولكن ميكن التدليل‬
‫عليها من السلوك املالحظ موضوعيا ‪4‬؛ أي أن هؤالء العلماء مل يبتعدوا متاما عن املنهج العلمي‪ ،‬إذ تقع هذه األبنية‪،‬‬
‫واملصادرات يف فلسفة العلم يف نطاق ما يسمى ابلفرض اخلصب‪ ،‬وكان على رأس هؤالء العلماء "جان بياجيه" " ‪Jean‬‬
‫‪ ،"Piaget‬و"فيجوتسکي" "‪ ،"Lev Vygotski‬ولقد مسوا ابلنفسانيني العرفانيني حيث بدا هؤالء العلماء يف دراسة‬
‫التفكري من املفاهيم اليت كان حمرما دخوهلا يف حقل علم النفس‪ ،‬وبذلك أصبح ممكنا دراسة العالقة بني اإلدراك واللغة‪.‬‬
‫وأاي كان األمر فإن العالقة بني اللغة واإلدراك هلا ثالثة أوجه‪:‬‬
‫• الوجه األول‪ :‬أن "اللغة علة اإلدراك"؛ أي كلما زادت القدرة اللغوية‪ ،‬زادت درجة اإلدراك‪ ،‬وكلما قلت القدرة‬
‫اللغوية‪ ،‬قلت درجة اإلدراك‪.‬‬
‫الوجه الثاين‪ :‬هو عكس الوجه األول‪ ،‬أي أن اإلدراك علة اللغة؛ أي كلما زادت درجة اإلدراك‪ ،‬زادت القدرة‬ ‫•‬
‫اللغوية‪ ،‬وكلما قلت درجة اإلدراك‪ ،‬قلت القدرة اللغوية‪.‬‬
‫الوجه الثالث‪ :‬ويشمل الوجهني السابقني معا؛ أي أن اللغة علة لإلدراك‪ ،‬واإلدراك علة للغة يف نفس الوقت‪.‬‬ ‫•‬

‫اللغة علة لإلدراك‪:‬‬


‫وهو الوجه األول للمشكلة؛ أي أن اإلدراك يتأثر ابللغة‪ ،‬وصاحب هذا االجتاه هو "إدوارد سابري"‬
‫"‪ ،"Edward Sapir‬مث جاء بعده "بنيامني وورف" "‪ "Benjamin Lee Whorf‬وأيد فرضية "سابري" حيث وضع‬
‫نظرية يف ذلك‪ ،‬ومن أهم التجارب تلك اليت توضح أن استخدام لغة ذات فصائل معينة؛ "أي األمساء‪ ،‬واألفعال‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫عبده الراجحي‪ ،‬النحو العريب والدرس احلديث‪ :‬حبث يف املنهج‪ ،‬دار الثقافة للنشر‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪ 1977 ،‬م‪ ،‬ص ‪.27‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Dan Isaac Slobin, Psycholinguistics, Second Edition, Scott, Foresman and Company, Glenview‬‬
‫‪Illinois, Dallas, Ten. U.S.A. 1979, P 144.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Dan Isaac Slobin, Psycholinguistics, P 144.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Wilga Rivers, The Psycholinguists and the Foreign Language Teacher, The University of Chicago‬‬
‫‪Press, U.S.A, 1964, P 170.‬‬
‫‪163‬‬
‫اللغة والإدراك‪.‬‬ ‫احملارضة الرابعة عرشة‬

‫واحلروف‪ ،‬والدالالت ‪ ...‬اخل حتتم التفكري بطريقة معينة‪ ،‬فإذا كانت فصائل اللغة هتتم ابألشكال‪ ،‬واهليئات مثال‪ ،‬جاء‬
‫تفكري أصحاهبا مهتما كذلك ابألشكال واهليئات؛ ولعل اجلانب النفسي يف هذه التجربة هو "اإلدراك"‪ ،‬وقد يكون‬
‫الشعور ابلراحة النفسية الختيار هذين الشيئني ابلذات‪ ،‬أما املنهج النفسي يف الدراسة فهو "االستبطان"‪ ،‬حيث أن‬
‫اجملرب يستبطن مشاعر املفحوص جتاه اختيار معني‪ ،‬ولقد مت هذا االستبطان يف إطار "املنهج اجلشطاليت" حتت مبدأ‬
‫االستمرار احلسن الذي يشري إىل أننا ندرك األشياء بطريقة تبني تالؤمها معا يف جمموعة متزنة‪ ،‬ومنسقة تنسيقا حسنا‪.‬‬
‫ومن األدلة اليت تستبعد أتثري اللغة على اإلدراك‪ ،‬تلك األحباث اليت أجريت على األطفال الصم الذين ال‬
‫يستخدمون اإلشارة‪ ،‬وهو دليل على عدم امتالكهم لغة ما؛ فقد أابنوا عن أن النمو اإلدراكي ميكنه أن يسري قدما يف‬
‫غياب اللغة‪ ،‬ومن هذه املالحظة يتبني أن اجلانب النفسي هو "اإلدراك"‪ ،‬أما املنهج النفسي فهو السلوکي‪ ،‬حيث يتعرض‬
‫األطفال الصم ملثريات معينة فيستجيبون هلا‪ ،‬حيث ترصد هذه االستجاابت‪ ،‬وتستخرج منها النتائج اليت تلزم عنها‪ ،‬وهي‬
‫أهنم مل حيرموا من اإلدراك ابلرغم من حرماهنم من اللغة‪ ،‬وهذه التجربة هتم علم النفس اإلدراكي‪ ،‬كما هتم علم اللغة‬
‫النفسي‪.‬‬
‫ولقد أورد بعض النفسانيني أن األطفال لديهم كلمات ملفاهيم قبل اكتساهبم هذه املفاهيم‪ ،‬والعكس صحيح‬
‫أيضا؛ أي أن لديهم مفاهيم بدون ألفاظ تدل عليها ‪1‬؛ أي أهنم ألغوا العالقة بني اللغة واإلدراك بوجهيها‪ ،‬واحلقيقة أن ما‬
‫أورده هؤالء النفانيني موضع شك؛ فإذا كان األطفال ميتلكون أحياان بعض الكلمات قبل أن ميتلكوا مفاهيم هذه‬
‫األلفاظ‪ ،‬فإهنم ال ميتلكون هذه الكلمات جمردة متاما من املفاهيم‪ ،‬بل ميتلكوهنا مبفاهيم أخرى حىت لو كانت شائهة‪ ،‬وهذا‬
‫حيدث أحياان لنا حنن الكبار‪.‬‬
‫ومما يؤيد أيضا وجود اإلدراك بدون لغة‪ ،‬ما أابنته "کورتس" "‪ "Susan Curtiss‬يف أحباثها عن الفتاة "جيين"‬
‫"‪ "Genie‬اليت عثر عليها يف الوالايت املتحدة األمريكية‪ ،‬وقد عزهلا أهلها عن احلياة يف غرفة منعزلة دون أي تواصل‬
‫لغوي معها ملدة ‪ 13‬عاما‪ ،‬فلم تكتسب لغة ما‪ ،‬فهذه الطفلة كانت تفتقر إىل اللغة‪ ،‬وإىل اجملتمع ملدة طويلة‪ ،‬ومع ذلك‬
‫فقد منت لديها قدرات إدراكية غري لغوية يف غياب منو اللغة‪ ،‬مما يدل على انفصام العالقة بني النمو اللغوي والنمو‬
‫اإلدراكي ‪. 2‬‬
‫ويف هذه املالحظة‪ ،‬فإن اجلانب النفسي فيها هو "الفهم"‪ ،‬أو "اإلدراك" الذي أابنت "جيين" عنه‪ ،‬أما املنهج‬
‫النفسي املستخدم يف الدراسة فهو املنهج السلوکي حيث تعرضت املفحوصة ‪ -‬يف أغلب الظن ‪ -‬املثريات عديدة‪،‬‬
‫فاستجابت هلا استجابت مطردة‪ ،‬مما جيعلنا نستنتج وجود الفهم‪ ،‬أو اإلدراك لديها‪ ،‬وهي أيضا من الدراسات اليت تدخل‬
‫ضمن علم النفس اإلدراكي‪.‬‬
‫ومن األدلة أيضا على أننا نستطيع أن نفكر بدون كالم ‪ -‬أی بدون لغة ‪ -‬وإن كان ال يرقى إىل مستوى‬
‫الدليل العلمي‪ ،‬ما نالحظه يف الفرتة األوىل حلضانة فكرة‪ ،‬أو مسالة متبوعة بتحليل مفاجئ فيواجه املبدع بعدة صعوبة‬

‫‪1‬‬
‫‪Evelyn Marcussen, Psycholinguistics, A Second Language Perspective, P 220.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Evelyn Marcussen, Psycholinguistics, A Second Language Perspective, P 220.‬‬
‫‪164‬‬
‫اللغة والإدراك‪.‬‬ ‫احملارضة الرابعة عرشة‬

‫ابلغة يف وضع نتيجة تفكريه يف وسط تعبريي‪ ،‬أي حتويل األفكار إىل كالم ‪ ،1‬فإذا كانت فرتة احلضانة تتمثل يف وجود‬
‫فكر غائم‪ ،‬فال يعين ذلك أنه حتما يف معزل عن األلفاظ‪ ،‬بل قد يكون هذا الفكر الغائم مصوغا يف عبارات ‪ -‬ركيكة‬
‫مفككة هي األخرى‪ ،‬وتظل عملية التفكري تسري قدما فيتزايد الفكر وضوحا وتزايد التعبري اللغوي إحكاما إىل أن يتم‬
‫نضوج الفكرة يف نفس الوقت الذي تسبح فيه األلفاظ واضحة متاما والرتاكيب كاملة اإلحكام‪.‬‬
‫ومن األدلة أيضا على وجود تفكري بدون کالم أي بدون لغة‪ ،‬ما يقوله العامل "ألربت أينشتني" " ‪Albert‬‬
‫‪ ،"Einstein‬وهو يصف حلظات إبداعه العلمي "إن كلمات اللغة ال يبدو أهنا تؤدي أي دور يف آلية تفكريي‪،‬‬
‫فالكائنات الفيزيقية اليت يبدو أهنا تعمل كعناصر يف الفكر هي عالمات معينة‪ ،‬وصور واضحة إىل حد ما‪ ،‬يعاد إنتاجها‬
‫إراداي‪ ،‬وتوصل ببعضها‪ ،‬وهناك طبعا ترابط معني بني هذه العناصر‪ ،‬واملفاهيم املنطقية املعنية‪ ،‬وواضح أيضا أن الرغبة يف‬
‫الوصول ملفاهيم مرتابطة منطقيا هو األساس العاطفي هلذه التمثيلية الغامضة إىل حد ما مع العناصر املذكورة سابقا‪ ،‬غري‬
‫أن هذه التمثيلية املرتابطة من الوجهة السيكلوجية تبدو أهنا امللمح األساسي يف الفكر املنتج قبل أن يكون هناك أي‬
‫اتصال ببناء منطقي ابلكلمات‪ ،‬أو أي أنواع أخرى من العالمات‪ ،‬واليت ميكن توصيلها لألخرين‪ ،‬إن العناصر املذكورة‬
‫سابقا ‪ -‬هي ‪ -‬يف حاليت هذه ‪ -‬ذات طبيعة مرئية‪ ،‬وبعضها ذو طبيعة عضلية‪ ،‬والكلمات االصطالحية والعالمات‬
‫األخرى يبحث عنها عمليا فقط يف املقام الثاين ‪.2‬‬
‫هذا النص قائم على االستبطان لذلك فإن اجملرب ال يستطيع أن يالحظ "أينشتني" يف حلظات إيداعه‪ ،‬ورغم‬
‫ذلك فإننا حىت من التحليل اللغوي هلذا االستبطان لن نعلم أن جند صورا للتعبري اللفظي ساعة التفكري اجملرد "ألينشتني"‬
‫رغم أنه يقرر أبن "كلمات اللغة ال يبدو أهنا تؤدي أي دور يف آلية تفكريي"‪ ،‬فما هي تلك الكائنات الفيزيقية اليت تعمل‬
‫كعناصر يف الفكر؟‪ ،‬إهنا ليست شيئا أخر سوى "الكتلة"‪ ،‬و"املسافة"‪ ،‬و"الزمن"‪ ،‬و"القوة"‪ ،‬و"عجلة اجلانبية"‪،‬‬
‫و"السرعة"‪ ،‬وكلها ألفاظ لغوية ال ميكن االستغناء عنها يف التفكري الفيزيقي‪.‬‬
‫مث يقول "اينشتني"‪ :‬وهناك طبعا ترابط معني بني هذه العناصر‪ ،‬واملفاهيم املنطقية‪ ،‬فإذا جئنا هلذه املفاهيم‬
‫املنطقية وجدان أهنا أيضا مجلة من األلفاظ احملددة سلفا مثل‪ :‬يساوي ‪ -‬أصغر من ‪ -‬أكرب من ‪ -‬يتضمن ‪ -‬كل ‪ -‬بعض‬
‫‪ -‬ليس ‪ -‬إما ‪ -‬أو ‪ -‬و ‪ ..‬اخل‪ ،‬أما عن الرتابط املميز بني العناصر واملفاهيم املنطقية‪ ،‬فإنه يتم أيضا ابلفاظ لغوية مثل‪:‬‬
‫من ‪ -‬إىل ‪ -‬عن ‪ -‬على ‪ -‬يف ‪ -‬فرق ‪ -‬حتت ‪ -‬مع ‪ ..‬اخل‪ ،‬وكل ما سبق ألفاظ لغوية ال ميكن "ألينشتني" أو غريه من‬
‫العلماء أن يفكر بدوهنا حىت ولو كان التفكري يف بدايته‪.‬‬
‫وعلى أية حالة فنحن ال ننكر إمكاية وجود فكر حبت بدون الكالم أی بدون لغة عند اإلنسان‪ ،‬فعلم نفس‬
‫احليوان يثبت ابألدلة التجريبية القاطعة أن احليوان يفكر يف الوقت الذي ال ميتلك فيه أي لغة أو كالم‪ ،‬أي أن لديه فكرا‬
‫حبتا‪ ،‬فلماذا ال يوجد مثل هذا الفكر البحت لدى اإلنسان‪ ،‬غري أن الذي نراه أن اإلنسان إذا كان يفكر تفكريا حبتا فإن‬
‫ذلك يكون يف مرحلة الطفولة‪ ،‬أي مرحلة ما قبل الكالم‪ ،‬وهناك الكثري من التجارب واملالحظات اليت تثبت أن األطفال‬

‫‪1‬‬
‫‪Dan Isaac Slobin, Psycholinguistics, P 198.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Dan Isaac Slobin, Psycholinguistics, P 197, 198.‬‬
‫‪165‬‬
‫اللغة والإدراك‪.‬‬ ‫احملارضة الرابعة عرشة‬

‫يفكرون حىت‪ ،‬ولو مل يكونوا قد بلغوا مرحلة الكالم‪ ،‬ولكنه إذا امتلك اللغة فإنه من العسري عليه أن يفكر بدون کالم‪،‬‬
‫وهو لو فعل ذلك لكان مثل من حيبو بعد أن تعلم املشي‪ ،‬ويف هذا املعىن تقول "حازمة وايف" و"أشرف شريت"‪" :‬حنن ال‬
‫نستطيع كبشر أن نفكر يف شيء ال تسمح به كفاءتنا اللغوية‪ ،‬كما أننا ال نستطيع أن نتكلم عن شيء ال نستطيع‬
‫التفكري فيه" ‪ ،1‬لذلك فسوف يكون بعيدا عن الواقع ‪ -‬كما يرى ‪" -‬مهدي بندق" أن يصل "حي بن يقظان" بعقله إىل‬
‫إدراك هللا‪ ،‬وإدراك وجوده مهما بلغت قوة هذا العقل طاملا أنه مل يتعلم الكالم‪ ،‬وابلتايل فهو يفتقر ‪ -‬على األقل ‪ -‬إىل‬
‫األلفاظ اليت حيتاج إليها لكي يربهن هبا على وجود هللا‪ ،‬بل إنه ليفتقر إىل لفظ اجلاللة ذاته‪ ،‬حقا يستطيع "حي ابن‬
‫يقظان" أن يفكر‪ ،‬ولكن هذا الفكر ال يرقى أبدا إىل حد إثبات وجود هللا‪.‬‬
‫ويف نطاق مدى أتثري اللغة على اإلدراك‪ ،‬أنيت أخريا إىل دراسة ال تقصم العالقة بني اللغة واإلدراك ولكنها‬
‫تبني ضعف أتثريها‪ ،‬تلك الدراسة اليت أجرهتا الباحثة "هرمني سنكلري" "‪ "Hermine Sainclair‬على أطفال من سن‬
‫‪ 08-05‬سنوات‪ ،‬وکانت هذه العاملة متخصصة يف اللغة‪ ،‬وكانت على قناعة اتمة أبن املستوى اللغوي عند األطفال يؤثر‬
‫يف مستواهم العلمي‪ ،‬وكانت يف ذلك اتبعة ملوقف الوضعيني املناطقة‪ ،‬بيد أن "جان بياجيه" أقنعها أن تدرس هذه املسألة‬
‫عن قرب‪.‬‬
‫وكنتيجة لذلك أجرت التجربة التالية‪ :‬قسمت عددا من األطفال إىل جمموعتني‪ ،‬اشتملت اجملموعة األوىل على‬
‫األطفال احلافظني‪ ،‬وهم أولئك الذين أدركوا أن كمية السائل الذي يسكب من زجاجة ذات شكل معني إىل زجاجة‬
‫ذات شكل أخر‪ ،‬ال تتغري برغم اختالف الشكلني‪ ،‬أما اجملموعة األخرى فقد اشتملت على األطفال غري احلافظني‪ ،‬وهم‬
‫أولئك الذين حكموا على كمية السائل من شكل الزجاجة‪ ،‬وليس طبقا ألي عالقة بني االرتفاع واالتساع‪ ،‬أو أی‬
‫استدالل أخر مستند إىل حقيقة أن السائل مل يضف‪ ،‬أو ينتقص منه أی كمية‪ ،‬مث قدمت السيدة "سنكلري" لكال‬
‫اجملموعتني أشياء بسيطة جدا‪ ،‬وذلك بغرض وصفها‪ ،‬وعادة ما كانت تقدم لكل منهم زوجني من األشياء‪ ،‬حىت يتسنی‬
‫هلم وصفها‪ ،‬وذلك ابملقارنة بينهما‪ ،‬أو حىت يتسىن هلم وصف كل شيء على حدة‪ ،‬فأعطتهم مثال‪ ،‬أقالم رصاص ذات‬
‫أحجام خمتلفة‪ ،‬وأطوال خمتلفة‪ ،‬فوجدت اختالفات ملحوظة يف اللغة اليت يستخدمها األطفال احلافظني‪ ،‬واللغة اليت‬
‫يستخدمها األطفال غري احلافظني‪ ،‬يف وصف هذه األشياء‪ ،‬فلقد مال األطفال غري احلافظني إىل وصف األشياء بطريقة‬
‫غري مرتابطة‪ ،‬وهي تلك الطريقة اليت يطلق عليها اللغويون اسم غياب حمددات الفصائل اللغوية‪ ،‬فقد وصفوا الشيء يف‬
‫زمن‪ ،‬وخاصيته يف زمن آخر‪ ،‬إذ قالوا‪" :‬هذا القلم طويل‪ ،‬وذاك القلم ضخم ‪ ..‬إنه قصري"‪ ،‬ومالحظات أخرى شبيهة‬
‫بذلك‪ ،‬أما األطفال احلافظون من جهة أخرى‪ ،‬فقد استخدموا ما يسميه اللغويون املوجهات‪ ،‬ألهنم احتفظوا يف عقلهم‬
‫ابلشيئني يف نفس الوقت‪ ،‬كما احتفظوا أبكثر من خاصية واحدة يف نفس الوقت‪ ،‬إذ قالوا‪" :‬هذا القلم أطول من ذلك‪،‬‬
‫ولكن ذاك اضخم من هذا" بنفس هذه اجلمل القصرية‪.‬‬

‫‪ 1‬حازمة علي عبد الوايف وأشرف حممد عبد الغين شريت‪ ،‬علم النفس اللغة‪ :‬أسسه وتطبيقاته‪ ،‬املكتب العلمي للكمبويرت‪ ،‬اإلسكندرية‪،‬‬
‫مصر‪ 2000 ،‬م‪ ،‬ص ‪.282‬‬
‫‪166‬‬
‫اللغة والإدراك‪.‬‬ ‫احملارضة الرابعة عرشة‬

‫وعليه فيبدو أن التجربة تبني عالقة ما بني املستوى العلمي واملستوى اللغوي‪ ،‬ولكننا ال نعرف بعد الوسيلة‬
‫اليت مت هبا التاثري بني املستويني‪ ،‬هل يؤثر املستوى اللغوي على املستوى العملي‪ ،‬أم أن املستوى العملي هو الذي يؤثر‬
‫على املستوى اللغوي؟‪ ،‬ولكي نعثر على إجابة واضحة عن هذا السؤال‪ ،‬اختارت "السيدة سنكلري" جانبا آخر من هذه‬
‫التجربة‪ ،‬فأخذت على عاتقها أن جتري تدريبا لغواي اجملموعة األطفال غري احلافظني‪ ،‬وذلك يف إطار الطرق الكالسيكية‬
‫لنظرية التعلم‪ ،‬فقد علمت هؤالء األطفال أن يصفوا األشياء بنفس األلفاظ اليت سبق أن استخدمها األطفال احلافظون‪،‬‬
‫وعندئذ فحصت مرة أخرى األطفال الذين كانوا فيما مضى غري ح افظني مث تعلموا صورا لغوية متقدمة أكثر‪ ،‬لرتى ما إذا‬
‫كان التدريب قد أثر على مستواهم العملي‪ ،‬فأجرت هذه التجربة على جماالت خمتلفة عديدة للعمليات‪ ،‬وليس فقط على‬
‫احلفاظ‪ ،‬وإمنا أجرته على التسلسل أيضا‪ ،‬وعلى جماالت أخرى عديدة‪.‬‬
‫ولقد وجدت‪ ،‬يف كل حالة‪ ،‬أن هناك تقدما طفيفا بعد التدريب اللغوي‪ ،‬فلقد تقدم ‪ % 10‬يف املائة من‬
‫األطفال فقط‪ ،‬من مرحلة فرعية إىل أخرى‪ ،‬وقد تنفع مثل هذه النسبة الضئيلة ابملرء إىل أن يتعجب؛ إذ مل يكن هؤالء‬
‫األطفال يف املرحلة املتوسطة ابلفعل‪ ،‬وإمنا كانوا ابألحرى على عتبة املرحلة الفرعية التالية‪ ،‬والنتيجة اليت استخلصتها‬
‫"السيدة سنكلري" بناء على هذه التجارب هي أن العمليات العقلية تظهر‪ ،‬فتسبب التقدم اللغوي‪ ،‬وليس العكس‬
‫ابلعكس ‪.1‬‬
‫هذا ورغم د قة هذه التجربة‪ ،‬وأهنا قد حققت اهلدف املطلوب منها‪ ،‬إال أن نتائجها ما تزال مرتبطة ابلسن ‪-05‬‬
‫‪ 08‬سنوات؛ إذ أن اإلدراك يف هذه السن الصغرية ال يتأثر ابللغة أتثريا كبريا‪ ،‬ومن مث فمن اخلطأ تعميم نتائجها حبيث‬
‫تسري على كافة األعمار‪ ،‬ومن جهة أخرى فإن اإلدراك ال يتأثر لغواي ابلوصف فقط‪ ،‬ولكنه يتأثر ابلقدرة على االستنباط‬
‫أيضا‪ ،‬حيث تقدم اللغة القوالب املنطقية اليت تساعد على إجراء العمليات االستنباطية‪ ،‬ومن مث فما زالت هناك فرصة‬
‫الختبار أتثري اللغة على الفكر يف سن أكرب من ذلك‪ ،‬ويف نطاق آخر غري الوصف‪ ،‬وعلى أي حال فقد كان "بياجيه"‬
‫من الذين يعارضون فكرة أتثري اللغة على اإلدراك‪ ،‬وإن كان ال يرفض فكرة تبادل التأثري بينهما‪.‬‬
‫ب ‪ -‬اإلدراك علة للغة‪:‬‬
‫وهو الوجه الثاين للمشكلة‪ ،‬إذ يرى أصحاب هذا الرأي أن اللغة ما هي إال واحدة من األنشطة التحليلية‬
‫املتعددة اليت تعتمد مجيعا على منو اإلدراك ‪ ،‬وأن الطفل لن تنمو لديه الصيغ اللغوية قبل اكتساب املبادئ اإلدراكية هلذه‬
‫الصيغ‪ ،‬وكان دليلهم على هذا أن الطفل يتعلم اإلجابة على السؤال "أين املكان" قبل أن يتعلم اإلجابة عن السؤال "مىت‬
‫الزمان"؛ ألن مفهوم املكان يكتسب قبل مفهوم الزمان‪ ،‬وهذا الرتتيب حمدد إدراكيا‪.‬‬
‫غري أن هذا الرأي قد وجد له معارضون أيضا‪ ،‬ومن األدلة اليت قدمت لكي تدحض ذلك‪ ،‬تلك الدراسة اليت‬
‫أجراها بعض العلماء‪ ،‬واليت ورد هبا أن األفراد املرضى مبرض "متالزمة ترينر" "‪ ،"Turner syndrome‬قد تالحظ‬
‫امتالكهم قدرات لغوية عادية‪ ،‬أو عالية يف ظل مشاكل إدراكية يف األنشطة املرئية املكانية‪ ،‬املتتابعة زمنيا وأنشطة‬
‫العمليات العددية‪ ،‬والعمليات املنطقية‪ ،‬وقد لوحظ أيضا أن مرضی "اهلايدروسيفاليك" "‪ "hydrocephalics‬هلم‬

‫‪1‬‬
‫جان بياجيه‪ ،‬اإلبستيمولوجيا التكوينية‪ ،‬ترمجة السيد نفادي‪ ،‬دار الثقافة اجلدية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 1991 ،‬م‪ ،‬ص ‪.75 /73‬‬
‫‪167‬‬
‫اللغة والإدراك‪.‬‬ ‫احملارضة الرابعة عرشة‬

‫قدرات لغوية تتخطى كثريا قدراهتم اإلدراكية غري اللغوية‪ ،‬وعلى أي حال ففي هاتني احلالتني فإن اللغة قد ال تنمو‬
‫منتظمة؛ فبينما تكون القدرات النظمية قد منت جيدا‪ ،‬فلقد تالحظ أن القدرات الداللية مل تنم منوا كامال‪ ،‬إن كالم هؤالء‬
‫املرضى قد يكون طلقا‪ ،‬ولكنه حيمل معىن قليال حىت ميكن أن نطلق عليه "كالم حفلة للكوكتيل" (أي ثرثرة قليلة‬
‫القيمة)‪ ،‬وهذا يفرتض أن الداللة قد تكون أكثر ارتباطا ابلقدرات اإلدراكية من النظم ‪ ،1‬ويرى البعض أن هذا النص ال‬
‫يقدم لنا دليال على انفصام العالقة بني النمو اإلدراكي والنمو اللغوي‪ ،‬بل ابلعكس يربط بينهما طاملا أن "الداللة" تعتل‬
‫عند اعتالل اإلدراك‪.‬‬
‫وعلى ذلك ميكن تعديل التفاعل لكي يصبح اإلدراك أكرب من الداللة؛ أي أن اإلدراك ال يؤثر على الداللة‬
‫فقط ال اللغة بكاملها "أاي كان األمر‪ ،‬فواضح أن اجلانب النفسي هنا هو اإلدراك أو الفهم‪ ،‬أما املنهج النفسي املستخدم‬
‫فهو املنهج السلوکي‪ ،‬حيث يسلك هؤالء املرضى يف املواقف املعينة سلوكا لغواي غري مفهوم‪ ،‬وهتم هذه الدراسة أيضا علم‬
‫النفس اإلدراكي وتدخل فيه‪.‬‬
‫غري أ ن هناك دليال قواي يؤيد انفصام العالقة بني منو اإلدراك والنمو اللغوي‪ ،‬فلقد تبني أن متعلمي اللغة‬
‫"التابعيني" "‪"apprenants séquentiels‬؛ أي الذين تعلموا اللغة الثانية بعد أن تعلموا اللغة األوىل وليس معها‪،‬‬
‫يفرتض املرء أهنم قد منوا إدراكيا‪ ،‬ولكنهم رغم ذلك ما زالوا يكتسبون بعض أقسام اللغة الثانية بنفس النظام الذي اكتسبوا‬
‫به هذه األقسام يف اللغة األوىل‪ ،‬فالعالقة "ملاذا ‪ /‬بسبب" يف اللغة الثانية أتيت بعد العالقة "أين ‪ /‬املكان" وليس قبلها؛ أي‬
‫بنفس الرتتيب الذي حدثت به يف اللغة األوىل ابلرغم من منوهم إدراكيا‪ ،‬وكما يرى البعض ‪ -‬فإن أتثري النمو اإلدراكي‬
‫على اكتساب اللغة أصبح موضع شك وواضح أن اجلانب النفسي هنا هو التعلم‪ ،‬حيث أهنم ‪ -‬من خالل حتليل كالمهم‬
‫‪ -‬تبني أهنم قد تعلموا صيغة معينة قبل صيغة أخرى‪ ،‬أما املنهج املستخدم فهو املنهج السلوكي‪ ،‬حيث تعرضوا ملثري معني‬
‫هو تعلم اللغة الثانية فسلكوا سلوكا معينا هو عدم تقدم صيغة متعلمة على أخرى‪.‬‬
‫ج‪ -‬اللغة واإلدراك لكل منهما يؤثر يف صاحبه‪:‬‬
‫ويعزى هذا الرأي إىل "جان بياجيه"‪ ،‬وإىل ما نالحظه حنن يف حياتنا العادية؛ فلقد الحظ "بياجيه" أن اإلدراك‬
‫ال يسري جنبا إىل جنب مع الكالم‪ ،‬ولكنه ليس منفصال عنه متاما‪ ،‬فطبقا "ملدرسة جان بياجيه" فإن النمو اإلدراكي‬
‫يتقدم على عاتقه‪ ،‬وعموما يتقدم متبوعا ابلنمو اللغوي‪ ،‬أو واجدا انعكاسا يف لغة الطفل‪ ،‬إن عقل الطفل ينمو من‬
‫خالل التفاعل مع األشياء‪ ،‬والناس املوجودين يف البيئة‪ ،‬وإىل الدرجة اليت تكون اللغة حاضرة يف هذه التفاعالت فإهنا‬
‫ميكن أن تعظم أو تسهل النمو يف بعض احلاالت‪ ،‬ولكنها ال ميكن يف ذاهتا أن تسبب منو اإلدراك" ‪.2‬‬
‫وهناك رأی شبيه هبذا هو رأي العامل الروسي "فاجيوتسکي" "‪ ،"Lev Vygotski‬فكما يقول "جودث جرين"‪،‬‬
‫حاول هذا العامل يف كتابه "الفكر واللغة" "أن يفض التشابك ما بني التطور املتوازي ‪ -‬الذي هو ابلرغم من ذلك متبادل‬
‫التأثري ‪ -‬بني الل غة والفكر‪ ،‬وتقوم نظريته على أن الفكر واللغة يبدأن على أهنما من األنشطة املنفصلة واملستقلة‪ ،‬يف كل‬

‫‪1‬‬
‫‪Evelyn Marcussen, Psycholinguistics, A Second Language Perspective, P 220.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Dan Isaac Slobin, Psycholinguistics, P 145.‬‬
‫‪168‬‬
‫اللغة والإدراك‪.‬‬ ‫احملارضة الرابعة عرشة‬

‫طفل حديث الوالدة يستمر التفكري دون استخدام اللغة‪ ،‬مثال ذلك يتجسد يف حماوالت الطفل خالل األشهر األوىل‬
‫حلل مسائل مثل ملس األشياء‪ ،‬وفتح األبواب‪ ،‬وما إىل ذلك‪ ،‬بنفس الدرجة ميكن أن نعترب أن األصوات غري املرتابطة اليت‬
‫يصدرها الطفل كالما بدون تفكري يسعى فيه إلشباع غاايت اجتماعية مثل جنب االنتباه‪ ،‬وارضاء الكبار‪ ،‬واللحظة‬
‫احلامسة طبقا لرؤية "فاجيوتسکي" تتم يف حنو السنة الثانية من العمر عندما حيدث للمنحين املستقل للفكر فيما قبل مرحلة‬
‫اللغة‪ ،‬واملنحىن املستقل للغة فيما قبل مرحلة العمليات العقلية‪ ،‬عندما يلتقي هذان املنحنيان ويلتحمان ليعلنا بدء نوع‬
‫جديد من السلوك‪ ،‬عند هذه النقطة‪ ،‬يصبح الفكر لفظيا‪ ،‬و الكالم عقالنيا" ‪.1‬‬
‫هذا النص يبني أن اإلدراك ينمو مبعزل عن اللغة من خالل التفاعل مع األشياء والناس‪ ،‬ولكن إذا كانت اللغة‬
‫حاضرة يف أثناء هذا التفاعل‪ ،‬فمن املمكن أن تسهل‪ ،‬أو تعظم النمو للعقل‪ ،‬فيكون التفاعل يف هذه احلالة كاأليت‪:‬‬
‫اللغة‪ :‬اإلدراك أما الدليل الثاين على أن اللغة واإلدراك متفاعالن‪ ،‬ويؤثر كل منهما يف صاحبه‪ ،‬فهو ما نشاهده حنن لدى‬
‫األطفال الصغار من أن اللغة واإلدراك ينموان معا خطوة خطوة‪ ،‬فكلما زادت القدرة اللغوية زادت درجة اإلدراك‪ ،‬وكلما‬
‫زادت درجة اإلدراك‪ ،‬زادت القدرة اللغوية‪ ،‬كل ذلك حيدث يف ذات الوقت‪ ،‬ولكن قد يقول قائل‪ :‬حقا إهنما ينموان‬
‫معا‪ ،‬ولكن ما هو الدليل على أهنما يتفاعالن وأ ن كال منهما يؤثر يف صاحبه‪ ،‬فقد ينمو كل منهما مستقال عن األخر‪.‬‬
‫واحلقيقة أن هذا الرأي ‪ -‬وهو أن اللغة واإلدراك يتفاعالن ‪ -‬على أمهيته‪ ،‬وخطورته‪ ،‬مل تصادفنا دراسات جتريبية‬
‫له‪ ،‬رمبا للصعوبة الشديدة اليت سوف تواجه هذه الدراسات‪ ،‬إذ كيف ميكن دراسة عاملني يكون كل منهما مستقال‪،‬‬
‫واتبعا يف وقت واحد؟‪ ،‬فمن املعروف أنه حني يكون أحد العاملني مستقال يكون الثاين اتبعا‪ ،‬ولكن ال ميكن أن يكون‬
‫كل منهما مستقال‪ ،‬واتبعا يف نفس الوقت‪ ،‬وإن كانت هذه الدراسة ليست مستحيلة فهناك من النماذج اجلديدة يف‬
‫التصميم التجرييب ما يستند إىل مفاهيم ختتلف اختالفا جوهراي عن املفاهيم الكالسيكية من حيث عدد األسئلة اليت ميكن‬
‫أن تتضمنها التجربة الواحدة‪ ،‬إذ تسمح التخطيطات التجريبية اجلديدة‪ ،‬أبن تتغري كل العوامل موضع االختبار يف الوقت‬
‫نفسه يف كل ما يستطاع من ضروب الرتكيب‪ ،‬وليست هذه التخطيطات التجريبية املعقدة يف حقيقة األمر إال امتدادا‬
‫للمنهج الدوري‪ ،‬وهي تستند إىل منهج إحصائي يسمى حتليل التباين‪ ،‬وهذه الطرق تتيح قدرا أكرب من الكفاية عن طريق‬
‫املتغري املستقل املفرد الكالسيكية"‬
‫وأخريا‪ ،‬إذا كانت هناك بعض التجارب اليت أثبتت أن اللغة مل تؤثر على اإلدراك‪ ،‬فنحن نظن أن ذلك يكون‬
‫داخل مستوايت إدراكية دنيا ال يتأثر فيها كثريا اإلدراك ابللغة‪ ،‬ولكننا لو انتقلنا إىل مستوايت إدراكية أعلى‪ ،‬فأغلب‬
‫الظن أننا سوف جند أتثريا قواي للغة على اإلدراك؛ إذ كيف ميكن للمرء أن يعرف مقولة (إما ‪ ...‬أو) إما أن يكون‬
‫األكسوجني حرا أو متحدا مع غريه من العناصر‪ ،‬أو مقولة (إذا ‪ ...‬ف ـ)‪( :‬إذا ارتفعت درجة احلرارة فسوف حيدث‬
‫التفاعل)‪ ،‬وكيف يعرف مقولة التضمن (أ يتضمن ب)‪ :‬قولك أن القضية أ صادقة‪ ،‬يتضمن قولك أن القضية ب صادقة‪،‬‬
‫كيف يعرف ذلك إال عن طريق اللغة؟‪ ،‬إن الطفل يعرف ابلتأكيد أن هذا املكعب أكرب من ذلك‪ ،‬ولكنه ال يعرف أنه‬

‫‪ 1‬جودث جرين‪ ،‬التفكري واللغة‪ ،‬علم اللغة النفسي‪ :‬تشومسكي وأصوله النظرية‪ ،‬ترمجة مصطفى التوين‪ ،‬اهليئة املصرية للكتاب‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫مصر‪ 1993 ،‬م‪ ،‬ص ‪.124‬‬
‫‪169‬‬
‫اللغة والإدراك‪.‬‬ ‫احملارضة الرابعة عرشة‬

‫إذا كان املكعب (أ) أكرب من املكعب (ب)‪ ،‬واملكعب (ب) أكرب من املكعب (ج)‪ ،‬فإن ذلك يتضمن أن املكعب (أ)‬
‫أكرب من املكعب (ج)‪ ،‬لن يعرف ذلك إال عن طريق اللغة‪.‬‬
‫وال شك أن األمثلة السابقة متثل عمليات منطقية‪ ،‬وخبالف القوالب منطقية هناك العديد من األلفاظ مثل‪:‬‬
‫حبيث‪ ،‬على شرط أن‪ ،‬أو بشريطة أن طاملا‪ ،‬وبناء على ذلك ‪ ...‬إىل عشرات األلفاظ‪ ،‬ورمبا املئات منها‪ ،‬وكل ذلك ‪-‬‬
‫سواء القوالب‪ ،‬أو األلفاظ ‪ -‬من صميم اإلدراك‪ ،‬وال ميكنه أبدا يف مستوايته العليا أن يعمل أو يتقدم بدوهنا‪ ،‬ولن يتوصل‬
‫إليها إال عن طريق اللغة‪ ،‬ولكن قد يقول لك قائل إننا نستطيع أن نصل إىل النتائج السابقة عن غري طريق اللغة‪ ،‬فعلى‬
‫سبيل املثال لو أحضران املكعبات الثالثة أمام الطفل‪ ،‬استطاع أن يشري إىل أكربها وإىل أصغرها‪ ،‬أجبنا أن ذلك لن حيدث‬
‫إال عيانيا يف وجود الثالثة مكعبات معا‪ ،‬ولكنه لن يستطيع أن يصل إىل ذلك لو عرضناها عليه مثنواي‪ ،‬أي (أ) مع (ب)‬
‫و(ب) مع (ج) إال عن طريق اللغة‪ ،‬والتفكري األول تفكري عياين‪ ،‬أما الثاين فهو تفكري جمرد‪ ،‬وهو من صميم اإلدراك‪،‬‬
‫وإمنا الذي يسره هو اللغة‪.‬‬
‫إن التفكري العياين ليس معيبا يف حد ذاته‪ ،‬ولكنه حمدود مبستوايت معرفية معينة‪ ،‬إذ ال ميكن مثال تطبيق قضية‬
‫املكعبات الثالثة على أجسام ضخمة ال ميكن وضعها أمام املشاهد كالكرة األرضية مثال؛ والعكس صحيح‪ ،‬أي ال ميكن‬
‫تطبيقها ابلنسبة لألجسام املتناهية يف الصغر اليت ال ترى ابلعني اجملردة كاإللكرتون مثال‪.‬‬
‫هذا ولقد أحسن ابحثوا علم النفس اإلدراكي صنعا حينما أدخلوا (اللغة) عنصرا يف تقدير القدرة العامة‬
‫(الذكاء)‪ ،‬فهذه القدرة تقدر لديهم من حاصل مجع جمموعة معينة من القدرات املقيسة ‪.1‬‬

‫مصادر ومراجع احملاضرة‪:‬‬

‫‪ .1‬جان بياجيه‪ ،‬اإلبستيمولوجيا التكوينية‪ ،‬ترمجة السيد نفادي‪ ،‬دار الثقافة اجلدية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 1991 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .2‬جودث جرين‪ ،‬التفكري واللغة‪ ،‬علم اللغة النفسي‪ :‬تشومسكي وأصوله النظرية‪ ،‬ترمجة مصطفى التوين‪ ،‬اهليئة‬
‫املصرية للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 1993 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .3‬حازمة علي عبد الوايف وأشرف حممد عبد الغين شريت‪ ،‬علم النفس اللغة‪ :‬أسسه وتطبيقاته‪ ،‬املكتب العلمي‬
‫للكمبويرت‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪ 2000 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .4‬عبده الراجح ي‪ ،‬النحو العريب والدرس احلديث‪ :‬حبث يف املنهج‪ ،‬دار الثقافة للنشر‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪1977 ،‬‬
‫م‪.‬‬
‫‪ .5‬فتحي مصطفى الزايت‪ ،‬علم النفس املعريف‪ ،‬دار النشر للجامعات‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 2001 ،‬م‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫فتحي مصطفى الزايت‪ ،‬علم النفس املعريف‪ ،‬دار النشر للجامعات‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 2001 ،‬م‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.42 ،41‬‬
‫‪170‬‬
.‫اللغة والإدراك‬ ‫احملارضة الرابعة عرشة‬

:‫املراجع ابللغة األجنبية‬

1. Dan Isaac Slobin, Psycholinguistics, Second Edition, Scott, Foresman and


Company, Glenview Illinois, Dallas, Ten. U.S.A. 1979.
2. Evelyn Marcussen, Psycholinguistics, A Second Language Perspective, Hatch,
Newbury House Publishers, Cambridge U.S.A, 1983.
3. Wilga Rivers, The Psycholinguists and the Foreign Language Teacher, The
University of Chicago Press, U.S.A, 1964.

171
‫فهرس املصادر‬
‫واملراجع‬
‫املصادر واملراجع العامة‬

‫مصادر ومراجع احملاضرة‪:‬‬

‫‪ .1‬إبراهيم أنيس‪ ،‬األصوات اللغوية‪ ،‬مكتبة هنضة مصر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪.‬‬


‫‪ .2‬إبراهيم انيس‪ ،‬من أسرار اللغة‪ ،‬مكتبة االجنلو املصرية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ 1978 ،06‬م‪.‬‬
‫‪ .3‬إبراهيم محادة‪ ،‬االجتاهات املعاصرة يف تدريس اللغة العربية واللغات احلية األخرى لغي الناطقني هبا‪ ،‬دار الفكر‬
‫العريب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 1987 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .4‬إبراهيم زكرای‪ ،‬مشكلة البنية‪ ،‬دار مصر للطباعة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 1976 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .5‬أمحد حساين‪ ،‬دراسات يف اللسانيات التطبيقية حقل تعليمية اللغات‪ ،‬ديوان مطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪،‬‬
‫‪ 2000‬م‪.‬‬
‫‪ .6‬أمحد حساين‪ ،‬مباحث يف اللسانيات‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪ 1994 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .7‬أمحد حول‪ ،‬األرطفونيا علم اضطراب اللغة والكالم‪ ،‬دار هومة‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬ط ‪ 2008 ،02‬م‪.‬‬
‫‪ .8‬أمحد عبد الرمحن محاد‪ ،‬العالقة بني اللغة والفكر "دراسة للعالقة اللزومية بني الفكر واللغة"‪ ،‬دار املعرفة اجلامعية‬
‫للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪ 1985 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .9‬أمحد عبد الكرمي محزة‪ ،‬سيكولوجية عسر القراءة‪ ،‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ط ‪ 2008 ،01‬م‪.‬‬
‫‪.10‬أمحد حممد معتوق‪ ،‬احلصيلة اللغوية‪ ،‬عامل املعرفة‪ ،‬اجمللس الوطين للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪ ،‬العدد ‪،212‬‬
‫أوت‪ 1996 ،‬م‪.‬‬
‫‪.11‬أمحد خمتار عمر‪ ،‬اللغة واختالف اجلنسني‪ ،‬عامل الكتب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 1982 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .12‬أمحد خمتار عمر‪ ،‬دراسة الصوت اللغوي‪ ،‬عامل الكتب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 1997 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .13‬أمحد مومن‪ ،‬اللسانيات النشأة والتطور‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪ 2002 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .14‬إدث ستين وألزا كاستنديك ‪ ،‬الطفل العاجز‪ ،‬ترمجة فوزية حممد بدران‪ ،‬مراجعة أمحد زكي‪ ،‬دار الفكر العريب‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬مصر‪ 1997 ،‬م‪.‬‬
‫‪.15‬إدوارد سعيد‪ ،‬العلم والنص والناقد‪ ،‬العلم والنص والناقد‪ ،‬ترجـمة عبد الكريـم مـحفوظ‪ ،‬مط‪ ،‬منشورا ت احتاد‬
‫الكتاب العرب‪ ،‬دمشق‪ ،‬سورای‪ 2000 ،‬م‪.‬‬
‫‪.16‬إديث كرزويل‪ ،‬عصر البنيوية من ليفي شرتاوس إىل فوكو‪ ،‬ترمجة جابر عصفور‪ ،‬سلسلة آفاق عربية‪ ،‬بغداد‪ ،‬العراق‪،‬‬
‫‪ 1985‬م‪.‬‬
‫‪.17‬إرنست بوجلرام‪ ،‬مدخل إىل التصوير الطيفي للكالم‪ ،‬سعد مصلوح‪ ،‬عامل الكتب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 2002 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .18‬أسامة حممد البطانية وآخرون‪ ،‬علم النفس الطفل غي العادي‪ ،‬دار املسية للنشر والتوزيع والطباعة‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪،‬‬
‫ط ‪ 2007 ،01‬م‪.‬‬
‫‪173‬‬
‫املصادر واملراجع العامة‬

‫‪.19‬أندريه الالند‪ ،‬موسوعة الالند الفلسفية‪ ،‬ترجـمة خليل أحـمد خليل‪ ،‬مط‪ ،‬منشورات عويدات‪ ،‬بيـروت‪ ،‬لبنان‪،‬‬
‫وابريس‪ ،‬فرنسا‪ ،‬ط ‪ 2001 ،02‬م‪.‬‬
‫‪ .20‬انسى حممد أمحد قاسم‪ ،‬مقدمة يف سيكولوجية اللغة‪ ،‬مركز االسكندرية للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 2000 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .21‬أنسي حممد أمحد قاسم‪ ،‬اللغة والتواصل لدى الطفل‪ ،‬مركز اإلسكندرية للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 2005 ،‬م‪.‬‬
‫‪.22‬برتيل ماملربج‪ ،‬علم األصوات‪ ،‬ترمجة عبد الصبور شاهني‪ ،‬مكتبة الشباب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 1984 ،‬م‬
‫‪ .23‬برجييته ابرتشت‪ ،‬مناهج علم اللغة من هرمان إىل نعوم تشومسكي‪ ،‬ترمجة سعيد حسن حبيي‪ ،‬املختار للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ 2004 ،01‬م‪.‬‬
‫‪.24‬أبو البقاء الكفوي‪ ،‬الكليات‪ ،‬حتقيق عدانن درويش ومـحمد الـمصري‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيـروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪،02‬‬
‫‪ 1998‬م‪.‬‬
‫‪.25‬أبو بكر العزاوي‪ ،‬اللغة واحلجاج‪ ،‬العمدة يف الطبع‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬ط ‪ 2010 ،01‬م‪.‬‬
‫‪ .26‬بول ريكو‪ ،‬من النص إىل الفعل أحباث التأويل‪ ،‬ترمجة حممد برادة وحسان بورقية‪ ،‬عني للدراسات والبحوث‬
‫اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ 2003 ،01‬م‪.‬‬
‫‪.27‬تـمام حسان‪ ،‬اجتهادات لغوية‪ ،‬عالـم الكتب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ 2007 ،01‬م‪.‬‬
‫‪.28‬متام حسان‪ ،‬مناهج البحث يف اللغة‪ ،‬مكتبة األجنلو املصرية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 1990 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .29‬التهاونـي‪ ،‬كشاف اصطالحات الفنون‪ ،‬حتقيق علي دحروج بـمراجعة رفيق العجم‪ ،‬مكتبة لبنان‪ ،‬بيـروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‬
‫‪ 1996 ،01‬م‪.‬‬
‫‪.30‬جابر عصفور‪ ،‬الصورة الفنية فـي التـراث النقدي والبالغي عند العرب‪ ،‬الـمركز الثقافـي العربـي‪ ،‬بيـروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‬
‫‪ 1992 ،03‬م‪.‬‬
‫‪.31‬جابر عصفور‪ ،‬قراءة التـراث النقدي‪ ،‬مؤسسة عيبال‪ ،‬دمشق‪ ،‬سورای‪ ،‬ط ‪ 1991 ،01‬م‪.‬‬
‫‪.32‬اجلاحظ‪ ،‬البيان والتبيني‪ ،‬حتقيق عبد السالم حممد هارون‪ ،‬مكتبة اخلاجني‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ 1998 ،07‬م‪.‬‬
‫‪ .33‬جاك رشاردز وثيودر روجرز‪ ،‬مذاهب وطرائق يف تعليم اللغات‪ ،‬ترمجة حممود صيين وعبد الرمحن العبدان وعمر‬
‫الصديق‪ ،‬دار عامل الكتب للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬الرایض‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪ 1990 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .34‬جان بياجيه‪ ،‬اإلبستيمولوجيا التكوينية‪ ،‬ترمجة السيد نفادي‪ ،‬دار الثقافة اجلدية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 1991 ،‬م‪.‬‬
‫‪.35‬جان بياجيه‪ ،‬ميالد الذكاء عند الطفل‪ ،‬ترمجة حممود قاسم وحممد حممد القصاص‪ ،‬مكتبة اآلجنلو املصرية‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫مصر‪ 1948 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .36‬جالل مشس الدين‪ ،‬علم اللغة النفسي مناهجه ونظرایته وقضاایه‪ ،‬مؤسسة الثقافة اجلامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫‪ 2012‬م‪.‬‬

‫‪174‬‬
‫املصادر واملراجع العامة‬

‫‪ .37‬جالل مشس الدين‪ ،‬موسوعة مرجعية ملصطلحات علم اللغة النفسي‪ ،‬مطبعة االنتصار للطباعة والنشر‪ ،‬اإلسكندرية‪،‬‬
‫مصر‪ 2003 ،‬م‪.‬‬
‫‪.38‬مجال محود‪ ،‬فلسفة اللغة عند فتجنشاين‪ ،‬منشورات دار االختالف‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬ط ‪ 2009 ،01‬م‪.‬‬
‫‪.39‬مجعة سيد يوسف‪ ،‬سيكولوجية اللغة واملرض العقلي‪ ،‬عامل املعرفة‪ ،‬اجمللس الوطين للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪،‬‬
‫العدد ‪ ،145‬يناير‪ 1990 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .40‬اجلمعي بولعراس‪ ،‬مدخل إىل اللسانيات النفسية العصبية‪ ،‬مركز امللك عبد بن عبد العزيز خلدمة اللغة العربية‪،‬‬
‫الرایض‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪ ،‬ط ‪ 2017 ،01‬م‪.‬‬
‫‪.41‬ابن جنـي‪ ،‬الـخصائص‪ ،‬حتقيق مـحمد علي النجار‪ ،‬دار الكتب الـمصرية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 1952 ،‬م‪.‬‬
‫‪.42‬جودت جرين‪ ،‬علم اللغة النفسي‪ :‬تشومسكي وعلم النفس‪ ،‬ترمجة مصطفى التوين‪ ،‬اهليئة املصرية العامة للكتاب‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬مصر‪ 1993 ،‬م‪.‬‬
‫‪.43‬جوديث جرين‪ ،‬التفكي واللغة‪ ،‬ترمجة عبد الرحيم جرب‪ ،‬اهليئة املصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 1992 ،‬م‪.‬‬
‫‪.44‬جورج ام غازدا ورميوند كورسيين‪ ،‬نظرایت التعلم‪ :‬دراسة مقارنة‪ ،‬ترمجة علي حسني حجاج وعطية حممود هنا‪ ،‬عامل‬
‫املعرفة‪ ،‬اجمللس الوطين للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪ 1984 ،‬م‪.‬‬
‫‪.45‬جولبي غرانغيوم‪ ،‬اللغة والسلطة واجملتمع يف املغرب الكبي‪ ،‬ترمجة حممد أسليم‪ ،‬دار الفارايب للنشر‪ ،‬مكناس‪ ،‬املغرب‪،‬‬
‫‪ 2005‬م‪.‬‬
‫‪.46‬جون سرتوك‪ ،‬البنيوية وما بعدها‪ ،‬سلسلة عامل املعرفة‪ ،‬ترمجة حممد عصفور‪ ،‬اجمللس الوطين للثقافة واآلداب والفنون‪،‬‬
‫الكويت‪ 1966 ،‬م‪.‬‬
‫‪.47‬جون فويل وأان ستازي‪ ،‬سيكولوجية الفروق بني األفراد واجلماعات‪ ،‬ترمجة السيد حممد خيي ومصطفى سويف‪،‬‬
‫الشركة العربية للطباعة والنشر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ 1959 ،01‬م‪.‬‬
‫‪.48‬جون كانتينو‪ ،‬دروس فـي علم أصوات العربية‪ ،‬ترجـمة صالـح القرمادي‪ ،‬الـجامعة التونسية‪ ،‬تونس‪1966 ،‬م‪.‬‬
‫‪.49‬جون ليونز‪ ،‬نظرية تشومسكي اللغوية‪ ،‬ترمجة حلمي خليل‪ ،‬دار املعرفة اجلامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪،01‬‬
‫‪ 1985‬م‪.‬‬
‫‪.50‬حازم علي كمال الدين‪ ،‬دراسة يف علم األصوات‪ ،‬مكتبة اآلداب القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ 1999 ،01‬م‪.‬‬
‫‪ .51‬حازمة علي عبد الوايف وأشرف حممد عبد الغين شريت‪ ،‬علم النفس اللغة‪ :‬أسسه وتطبيقاته‪ ،‬املكتب العلمي‬
‫للكمبويرت‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪ 2000 ،‬م‪.‬‬
‫‪.52‬حامد عبد املنعم الزهران‪ ،‬علم نفس النمو‪ ،‬الطفولة واملراهقة‪ ،‬عامل الكتب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ 1977 ،04‬م‪.‬‬
‫‪.53‬حب هللا عدانن‪ ،‬التحليل النفسي للرجولة واألنوثة من فرويد إىل الكان‪ ،‬دار الفارايب‪ ،‬اجلزائر‪ 2004 ،‬م‪.‬‬

‫‪175‬‬
‫املصادر واملراجع العامة‬

‫‪ .54‬ابن حزم األندلسي‪ ،‬التقريب لـحد الـمنطق‪ ،‬تح إحسان عباس‪ ،‬منشورات مكتبة الـحياة‪ ،‬بيـروت‪ ،‬لبنان‪1959 ،‬‬
‫م‪.‬‬
‫‪.55‬ابن حزم األندلسي‪ ،‬الفصل فـي الـمـلل واألهواء والنحل‪ ،‬حتقيق سـميـر أميـن الزهري‪ ،‬مكتبة الـخانـجي‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫مصر‪ ،‬ط ‪ 1978 ،02‬م‪.‬‬
‫‪.56‬حسام البهنساوي‪ ،‬الدراسات الصوتية عند العلماء العرب والدرس الصويت احلديث‪ ،‬مكتبة زهراء الشرق‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫مصر‪ ،‬ط ‪ 2005 ،01‬م‪.‬‬
‫‪ .57‬حسام البهنساوي‪ ،‬علم األصوات‪ ،‬مكتبة الثقافة الدينية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪ 2004 ،01‬م‪.‬‬
‫‪ .58‬حسن اجلبايل‪ ،‬الكفيف واألصم بن االضطهاد والعظمة‪ ،‬مكتبة األجنلو املصرية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪2005 ،01‬‬
‫م‪.‬‬
‫‪.59‬حسن علوض‪ ،‬احلقوق اللغوية وجدلية اهلوية والتعدد الثقايف "رؤية تربوية حضارية يف املسألة اللغوية يف املغرب‬
‫والعامل العريب التوجهات والتحليالت"‪ ،‬جملة عالم الرتبية‪ ،‬املغرب‪ ،‬العدد ‪ 2016 ،26‬م‪.‬‬
‫‪ .60‬حلمي خليل‪ ،‬اللغة والطفل "دراسة ضوء علم اللغة النفسي"‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬بيوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪1986 ،01‬‬
‫م‪.‬‬
‫‪ .61‬حلمي خليل‪ ،‬دراسات يف اللسانيات التطبيقية‪ ،‬دار املعرفة اجلامعية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 2000 ،‬م‪.‬‬
‫‪.62‬حلمي خليل‪ ،‬دراسات يف اللغة واملعاجم‪ ،‬دار النهضة العربية للطباعة والنشر‪ ،‬بيوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪ 1998 ،01‬م‪.‬‬
‫‪ .63‬حورية ابي‪ ،‬عالج اضطراابت اللغة املنطوقة واملكتوبة يف املدارس العادية‪ ،‬دار القلم للنشر والتوزيع‪ ،‬الكويت ط‬
‫‪ 2002 ،01‬م‪.‬‬
‫‪.64‬أبو حيان التوحيدي‪ ،‬املقابسات‪ ،‬شرح وحتقيق‪ :‬حسن السندويب‪ ،‬اهليئة املصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫‪ 2006‬م‪.‬‬
‫‪ .65‬خالد حممد أبو شعية وآخرون‪ ،‬صعوابت التعلم بني النظرية والتطبيق‪ ،‬مكتبة اجملتمع العريب للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪،‬‬
‫األردن‪ ،‬ط ‪ 2009 ،01‬م‪.‬‬
‫‪.66‬ابن خلدون‪ ،‬الـمقدمة‪ ،‬تح سهيل زكار‪ ،‬وخليل شحاتة‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيـروت‪ ،‬لبنان‪ 2001 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .67‬خليل إبراهيم العطية‪ ،‬يف البحث الصويت عند العرب‪ ،‬منشورات دار اجلاحظ‪ ،‬بغداد‪ ،‬العراق‪ 1983 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .68‬دانيال هاالهان وجون لويد وجيمس كوفمان‪ ،‬صعوابت التعلم "مفهومها‪ ،‬طبيعتها‪ ،‬التعليم العالجي"‪ ،‬ترمجة عادل‬
‫عبد هللا حممد‪ ،‬دار الفكر عمان‪ ،‬ط ‪ 2008 ،01‬م‪.‬‬
‫‪ .69‬داود عبده‪ ،‬حماضرات يف علم اللغة النفسي‪ ،‬املطبوعات اجلامعية‪ ،‬الكويت‪ ،‬ط ‪ 1984 ،01‬م‪.‬‬

‫‪176‬‬
‫املصادر واملراجع العامة‬

‫‪ .70‬دااین الرسن فرميان‪ ،‬أساليب ومبادئ يف تدريس اللغة‪ ،‬ترمجة عائشة موسى السعيد‪ ،‬مطابع جامعة امللك سعود‪،‬‬
‫الرایض‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪ 1997 ،‬م‪.‬‬
‫‪.71‬دوجالس براون‪ ،‬أسس تعلم اللغة وتعليمها‪ ،‬ترمجة عبده الراجحي وعلي شعبان‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬بيوت‪،‬‬
‫لبنان‪ 1994 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .72‬دومينيك مانغنو‪ ،‬املصطلحات املفاتيح يف حتليل اخلطاب‪ .‬تر‪ :‬حممد حيياتن‪ ،‬منشورات دار االختالف‪ ،‬اجلزائر‪،‬‬
‫ط ‪ 2008 ،01‬م‪.‬‬
‫‪ .73‬الراغب األصفهانـي‪ ،‬الـمفردات فـي غريب القرآن‪ ،‬حتقيق مـحمد سيد كيالنـي‪ ،‬دار الـمعرفة‪ ،‬بيـروت‪ ،‬لبنان‪2008 ،‬‬
‫م‪.‬‬
‫‪ .74‬رافع النصي الزغول وعماد عبد الرحيم الزغول‪ ،‬علم النفس املعريف‪ ،‬دار الشروق للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪،‬‬
‫‪ 2014‬م‪.‬‬
‫‪ .75‬رشيد بن مالك‪ ،‬قاموس مصطلحات التحليل السيميائي‪ ،‬دار احلكمة‪ ،‬اجلزائر‪ 2004 ،‬م‪.‬‬
‫‪.76‬رمضان عبد التواب‪ ،‬املدخل إىل علم اللغة ومناهج البحث اللغوي‪ ،‬مكتبة اخلاجني‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪،03‬‬
‫‪ 1997‬م‪.‬‬
‫‪.77‬روث ليسر‪ ،‬اللغوایت العصبية‪ ،‬املوسوعة اللغوية‪ ،‬ترمجة حمي الدين محيدي وعبد هللا احلميدان‪ ،‬جامعة امللك سعود‬
‫للنشر العلمي واملطابع‪ ،‬الرایض‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪ 1990 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .78‬سامل شاكر‪ ،‬مدخل إىل علم الداللة‪ ،‬ترمجة حممد حيياتني‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪ 1992 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .79‬سامي حممد ملحم‪ ،‬صعوابت التعلم‪ ،‬دار املسية للنشر والتوزيع والطباعة‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ط ‪ 2002 ،01‬م‪.‬‬
‫‪ .80‬ستيوارت هولس وآخرون‪ ،‬سيكولوجية التعلم‪ ،‬ترمجة فؤاد أبو حطب‪ ،‬الدار الدولية لالستثمارات الثقافية‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫مصر‪ 1993 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .81‬سعد مصلوح‪ ،‬األسلوب دراسة لغوية إحصائية‪ ،‬عامل الكتب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ 2002 ،03‬م‪.‬‬
‫‪ .82‬سليمان ایقوت‪ ،‬منهج البحث اللغوي‪ ،‬دار املعرفة اجلامعية للطبع والنشر والتوزيع‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪2003 ،‬‬
‫م‪.‬‬
‫‪.83‬مسي استيتية‪ ،‬اللسانيات‪ :‬اجملال والوظيفة واملنهج‪ ،‬عامل الكتب احلديث‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ 2005 ،‬م‪.‬‬
‫‪.84‬سهي حممد سالمة شاش‪ ،‬علم نفس اللغة‪ ،‬مكتبة زهراء الشرق‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ 2006 ،01‬م‪.‬‬
‫‪ .85‬سيد أمحد منصور‪ ،‬علم اللغة النفسي‪ ،‬مطبوعات جامعة امللك سعود‪ ،‬الرایض‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪1982 ،‬‬
‫م‪.‬‬

‫‪177‬‬
‫املصادر واملراجع العامة‬

‫‪ .86‬سيد أمحد منصور‪ ،‬علم اللغة النفسي‪ ،‬مطبوعات جامعة امللك سعود‪ ،‬الرایض‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪1982 ،‬‬
‫م‪.‬‬
‫‪.87‬ابن سينا‪ ،‬أسباب حدوث الـحروف‪ ،‬حتقيق مـحمد حسان الطيان ويـحي ميـر علم‪ ،‬مراجعة شاكر الفحام وأحـمد‬
‫راتب النفاخ‪ ،‬مطبوعات مـجمع اللغة العربية‪ ،‬دمشق‪ ،‬سورای‪.‬‬
‫‪ .88‬الشريف الـجرجانـي‪ ،‬التعريفات‪ ،‬مكتبة لبنان‪ ،‬بيـروت‪ ،‬لبنان‪ 1985 ،‬م‪.‬‬
‫‪.89‬الشهرستانـي‪ ،‬نـهاية األقدام فـي علم الكالم‪ ،‬حتقيق أحـمد فريد الـمزيدي ومـحمد حسن إسـماعيل‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بيـروت‪ ،‬لبنان‪ 2004 ،‬م‪.‬‬
‫‪.90‬صاحل بلعيد‪ ،‬اللّغة األم‪ ،‬والواقع اللغوي يف اجلزائر‪ ،‬جملة اللغة العربية‪ ،‬اجمللد ‪ ،05‬العدد ‪ ،02‬اجلزائر‪ ،‬أكتوبر‪،‬‬
‫‪ 2003‬م‪.‬‬
‫‪ .91‬صاحل بلعيد‪ ،‬دروس يف اللسانيات التطبيقية‪ .‬دار هومة للطباعة والنشر‪ ،‬اجلزائر‪ 2003 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .92‬صاحل بلعيد‪ ،‬علم اللغة النفسي‪ ،‬دار هومه‪ ،‬اجلزائر‪ 2008 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .93‬صربي إبراهيم السيد‪ ،‬علم اللغة االجتماعي‪ ،‬دار املعرفة اجلامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪ 1975 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .94‬عبد الرمحان عبد السالم جامل‪ ،‬طرق التدريس العامة‪ ،‬دار املناهج للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ط ‪2002 ،03‬‬
‫م‪.‬‬
‫‪.95‬عبد الرمحن أيوب‪ ،‬أصوات اللغة‪ ،‬مطبعة الكيالين‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ 1968 ،02‬م‪.‬‬
‫‪.96‬عبد السالم املسدي ‪ ،‬التفكي اللساين يف احلضارة العربية‪ ،‬الدار العربية للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪1986 ،02‬‬
‫م‪.‬‬
‫‪ .97‬عبد السالم املسدي‪ ،‬اللسانيات من خالل النصوص‪ ،‬الدار التونسية‪ ،‬تونس‪ 1986 ،‬م‪.‬‬
‫‪.98‬عبد العزيز الشخص‪ ،‬اضطراابت النطق والكالم‪ :‬خلفيتها‪ ،‬تشخيصها‪ ،‬أنواعها‪ ،‬عالجها‪ ،‬شركة الصفحات‬
‫الذهبية‪ ،‬الرایض‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪ ،‬ط ‪ 1997 ،01‬م‪.‬‬
‫‪.99‬عبد العزيز بن إبراهيم العصيلي‪ ،‬التحجر يف لغة متعلمي اللغة العربية الناطقني بغيها‪ ،‬جملة جامعة أم القرى لعلوم‬
‫الشريعة واللغة العربية وآداهبا‪ ،‬ج ‪ ،1‬جملد ‪ ،33‬ماي‪ 2005 ،‬م‪.‬‬
‫عبد العزيز بن إبراهيم العصيلي‪ ،‬النظرایت اللغوية والنفسية وتعليم اللغة العربية‪ ،‬مطابع التقنية لألوفست‪،‬‬ ‫‪.100‬‬
‫الرایض‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪ 1999 ،‬م‪.‬‬
‫عبد العزيز بن إبراهيم العصيلي ‪ ،‬علم اللغة النفسي‪ ،‬منشورات جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية‪،‬‬ ‫‪.101‬‬
‫عمادة البحث العلمي‪ ،‬الرایض‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪ ،‬ط ‪ 2006 ،01‬م‪.‬‬
‫عبد الغفار حامد هالل‪ ،‬أصوات اللغة العربية‪ ،‬مكتبة وهبة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ 1996 ،03‬م‪.‬‬ ‫‪.102‬‬

‫‪178‬‬
‫املصادر واملراجع العامة‬

‫عبد القادر عبد اجلليل‪ ،‬علم اللسانيات احلديثة نظم التحكم وقواعد البياانت‪ ،‬دار الصفاء للنشر والتوزيع‪،‬‬ ‫‪.103‬‬
‫عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ط ‪ 2002 ،01‬م‪.‬‬
‫عبد القاهر اجلرجاين‪ ،‬أسرار البالغة‪ ،‬تح هلموت ريتـر‪ ،‬مطبعة وزارة الـمعارف‪ ،‬إسطنبول‪ ،‬تركيا‪.‬‬ ‫‪.104‬‬
‫عبد القاهر اجلرجاين‪ ،‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬حتقيق حممود حممد شاكر‪ ،‬دار املدين‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪،03‬‬ ‫‪.105‬‬
‫‪ 1992‬م‪.‬‬
‫عبد الكرمي جماهد‪ ،‬علم اللسان العريب وفقه العربية‪ ،‬دار أسامة للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ط ‪،01‬‬ ‫‪.106‬‬
‫‪ 2007‬م‪.‬‬
‫عبد هللا عسكر‪ ،‬مدخل إىل التحليل النفسي‪ ،‬دار الكتب احلديثة‪ ،‬إربد‪ ،‬األردن‪ 2001 ،‬م‪.‬‬ ‫‪.107‬‬
‫عبد الناصر أنيس عبد الوهاب‪ ،‬الصعوابت اخلاصة يف التعلم األسس النظرية والتشخيصية‪ ،‬دار الوفاء‬ ‫‪.108‬‬
‫لدنيا الطباعة والنشر‪ ،‬االسكندرية‪ ،‬مصر‪ 2003 ،‬م‪.‬‬
‫عبد اهلادي بن ظافر الشهري‪ ،‬إسرتاتيجيات اخلطاب "مقاربة لسانية تداولية"‪ ،‬دار الكتاب اجلديد‬ ‫‪.109‬‬
‫املتحدة‪ ،‬بيوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪ 2004 ،01‬م‪.‬‬
‫عبد الوهاب خالف‪ ،‬علم أصول الفقه‪ ،‬دار النفائس‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ 1996 ،07‬م‪.‬‬ ‫‪.110‬‬
‫عبده الراجحي‪ ،‬النحو العريب والدرس احلديث‪ :‬حبث يف املنهج‪ ،‬دار الثقافة للنشر‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪،‬‬ ‫‪.111‬‬
‫‪ 1977‬م‪.‬‬
‫عزيز كعواش‪ ،‬علم اللغة النفسي بني األدبيات اللسانية والدراسات النفسية‪ ،‬جملة كلية اآلداب والعلوم‬ ‫‪.112‬‬
‫اإلنسانية‪ ،‬العدد السابع‪ ،‬جامعة حممد خيضر‪ ،‬بسكرة‪ ،‬جوان‪ 2010 ،‬م‪.‬‬
‫عطية سليمان أمحد‪ ،‬اللسانيات العصبية "اللغة يف الدماغ‪ :‬رمزية‪ ،‬عصبية‪ ،‬عرفانية‪ ،‬األكادميية احلديثة‬ ‫‪.113‬‬
‫للكتاب اجلامعي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 2019 ،‬م‪.‬‬
‫علي أمحد مذكور‪ ،‬تدريس فنون اللغة العربية‪ ،‬دار الفكر العريب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 2006 ،‬م‪.‬‬ ‫‪.114‬‬
‫علي حسني مزاین‪ ،‬علم األصوات بني القدماء واحملدثني‪ ،‬دار مشوع الثقافة‪ ،‬ليبيا‪ ،‬ط ‪ 2003 ،01‬م‪.‬‬ ‫‪.115‬‬
‫علي عبد الواحد وايف‪ ،‬عوامل الرتبية‪ ،‬مكتبة األجنلو مصرية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ 1958 ،01‬م‪.‬‬ ‫‪.116‬‬
‫علي عبد الواحد وايف‪ ،‬نشأة اللغة عند اإلنسان والطفل‪ ،‬دار هنضة مصر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 2002 ،‬م‪.‬‬ ‫‪.117‬‬
‫غازي خمتار طليمات‪ ،‬يف علم اللغة‪ ،‬دار طالس‪ ،‬دمشق‪ ،‬سورای‪ ،‬ط ‪ 2000 ،02‬م‪.‬‬ ‫‪.118‬‬
‫غامن قدوري احلمد‪ ،‬علم التجويد‪ :‬مدارس صوتية‪ ،‬دار عمار‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ط ‪ 2005 ،01‬م‪.‬‬ ‫‪.119‬‬
‫ابن فارس‪ ،‬الصاحيب يف فقه اللغة وسنن العرب يف كالمها‪ ،‬حتقيق أمحد حسن بسج‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬ ‫‪.120‬‬
‫بيوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ 1997 ،01‬م‪.‬‬

‫‪179‬‬
‫املصادر واملراجع العامة‬

‫ابن فارس‪ ،‬الـمقاييس فـي اللغة‪ ،‬تح عبد السالم مـحمد هارون‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪ ،‬سورای‪ 1979 ،‬م‪.‬‬ ‫‪.121‬‬
‫فاطمة الطبال بركة‪ ،‬النظرية األلسنية عند رومان جاكبسون‪ ،‬دراسة ونصوص‪ ،‬املؤسسة اجلامعية للدراسات‬ ‫‪.122‬‬
‫والنشر‪ ،‬بيوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪ 1993 ،01‬م‪.‬‬
‫فتحي مصطفى الزایت‪ ،‬صعوابت التعلم‪ ،‬دار املسية للنشر والتوزيع والطباعة‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ط ‪،01‬‬ ‫‪.123‬‬
‫‪ 1997‬م‪.‬‬
‫فتحي مصطفى الزایت‪ ،‬علم النفس املعريف‪ ،‬دار النشر للجامعات‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 2001 ،‬م‪.‬‬ ‫‪.124‬‬
‫فرديناند دي سوسي‪ ،‬علم اللغة العام‪ ،‬ترمجة يوئيل يوسف عزيز‪ ،‬مراجعة مالك يوسف املطليب‪ ،‬دار آفاق‬ ‫‪.125‬‬
‫عربية‪ ،‬بغداد‪ ،‬العراق‪ 1985 ،‬م‪.‬‬
‫فرويد‪ ،‬تفسي األحالم‪ ،‬ترمجة مصطفى صفوان‪ ،‬دار الفارايب‪ ،‬بيوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪ 2003 ،01‬م‪.‬‬ ‫‪.126‬‬
‫فيصل العفيف‪ ،‬اضطراابت النطق واللغة‪ ،‬مكتبة الكتاب العريب‪ ،‬بيوت‪ ،‬لبنان‪.‬‬ ‫‪.127‬‬
‫فيليب بالئشيه‪ ،‬التداولية من أوسنت إىل غوفمان‪ ،‬ترمجة صابر احلباشة‪ ،‬دار احلوار للنشر والتوزيع‪ ،‬دمشق‪،‬‬ ‫‪.128‬‬
‫سورای‪ ،‬ط ‪ 2007 ،01‬م‪.‬‬
‫فيوليت فؤاد ابراهيم وآخرون‪ ،‬حبوث ودراسات يف سيكولوجية اإلعاقة‪ ،‬مكتبة زهراء الشرق‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫‪.129‬‬
‫مصر‪ ،‬ط ‪ 2001 ،01‬م‪.‬‬
‫كاترين كليمان‪ ،‬التحليل النفسي‪ ،‬ترمجة حممد سبيال‪ ،‬مطبعة النجاح اجلديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪،‬‬ ‫‪.130‬‬
‫‪ 2004‬م‪.‬‬
‫كرميان بدير‪ ،‬التعلم اإلجيايب وصعوابت التعلم‪ :‬رؤية تربوية ونفسية معاصرة‪ ،‬عامل الكتب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪،‬‬ ‫‪.131‬‬
‫ط ‪ 2006 ،01‬م‪.‬‬
‫كلود ليفي شرتاوس‪ ،‬األنثروبولوجيا البنيوية‪ ،‬ترمجة مصطفى صاحل وزارة الثقافة واإلرشاد القومي‪ ،‬دمشق‪،‬‬ ‫‪.132‬‬
‫سورای‪ 1983 ،‬م‪.‬‬
‫كمال بشر‪ ،‬علم األصوات‪ ،‬دار غريب للطباعة والنشر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 2000 ،‬م‪.‬‬ ‫‪.133‬‬
‫کرمي زكي حسام الدين‪ ،‬أصول تراثية يف علم اللغة‪ ،‬دار الرشاد‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ 2001 ،03‬م‪.‬‬ ‫‪.134‬‬
‫مازن الوعر‪ ،‬قضاای أساسية يف علم اللسانيات احلديث‪ ،‬دار طالس‪ ،‬دمشق‪ ،‬سورای‪ ،‬ط ‪ 1988 ،01‬م‪.‬‬ ‫‪.135‬‬
‫مبارك مبارك‪ ،‬معجم املصطلحات األلسنية‪ ،‬دار الفكر اللبناين‪ ،‬بيوت‪ ،‬لبنان‪ 1995 ،‬م‪.‬‬ ‫‪.136‬‬
‫جمموعة من املؤلفني‪ ،‬اللغة والتعليم‪ ،‬دار قابس للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬بيوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪2000 ،01‬‬ ‫‪.137‬‬
‫م‪.‬‬
‫حممد أمحد العمايرة‪ ،‬حبوث يف اللغة والرتبية‪ ،‬دار وائل للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ 2001 ،‬م‪.‬‬ ‫‪.138‬‬

‫‪180‬‬
‫املصادر واملراجع العامة‬

‫حممد احلجار‪ ،‬الطب السلوكي املعاصر‪ ،‬دار العلم للماليني‪ ،‬بيوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪ 1989 ،01‬م‪.‬‬ ‫‪.139‬‬
‫حممد اهلادي بوطارن‪ ،‬املصطلحات اللسانية والبالغية واألسلوبية والشعرية‪ ،‬دار الكتاب احلديث‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫‪.140‬‬
‫مصر‪ 2008 ،‬م‪.‬‬
‫حممد ربيع شحاتة‪ ،‬اتريخ علم النفس ومدارسه‪ ،‬دار الصحوة للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 1986 ،‬م‪.‬‬ ‫‪.141‬‬
‫مـحمد عابد الـجابري‪ ،‬نـحن والتـراث "قراءات معاصرة فـي تراثنا الفلسفي"‪ ،‬الـمركز الثقافـي العربـي‪ ،‬الدار‬ ‫‪.142‬‬
‫البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬ط ‪ 1993 ،06‬م‪.‬‬
‫حممد عبد الرمحان العيسوي‪ ،‬علم النفس العام‪ ،‬دار املعرفة اجلامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪ 2000 ،‬م‪.‬‬ ‫‪.143‬‬
‫حممد علي كامل حممد‪ ،‬االنتباه واللغة بني االضطراب والتدخل السيكولوجي‪ ،‬دار الطالئع‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫‪.144‬‬
‫مصر‪ 2006 ،‬م‪.‬‬
‫حممد علي كامل‪ ،‬صعوابت التعلم األكادميية بني الفهم واملواجهة‪ ،‬مركز االسكندرية للكتاب‪،‬‬ ‫‪.145‬‬
‫االسكندرية‪ ،‬مصر‪ 2003 ،‬م‪.‬‬
‫حممد عوض هللا سامل وآخرون‪ ،‬صعوابت التعلم التشخيص والعالج‪ ،‬دار الفكر للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪،‬‬ ‫‪.146‬‬
‫األردن‪ ،‬ط ‪ 2006 ،02‬م‪.‬‬
‫حممد كشاش‪ ،‬علل اللسان وأمراض اللغة‪ ،‬املكتبة العصرية للطباعة والنشر‪ ،‬بيوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪1998 ،01‬‬ ‫‪.147‬‬
‫م‪.‬‬
‫حممد حممد داود‪ ،‬العربية وعلم اللغة احلديث‪ ،‬دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪2001 ،‬‬ ‫‪.148‬‬
‫م‪.‬‬
‫حممد مراایيت‪ ،‬أثر اللغة العلمية والتكنولوجية يف النمو االقتصادي العريب‪ ،‬جملة أسئلة اللغة‪ ،‬منشورات‬ ‫‪.149‬‬
‫معهد الدراسات واألحباث للتعريب‪ ،‬الرابط‪ ،‬املغرب‪ 2002 ،‬م‪.‬‬
‫حممد مصطفى زيدان‪ ،‬دراسة سيكولوجية تربوية لتلميذ التعليم العام‪ ،‬دار الشروق للطباعة والنشر والتوزيع‪،‬‬ ‫‪.150‬‬
‫جدة‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪ 1983 ،‬م‪.‬‬
‫حممود أمحد السيد‪ ،‬علم النفس اللغوي‪ ،‬منشورات جامعة دمشق‪ ،‬دمشق‪ ،‬سورای‪ ،‬ط ‪ 2000 ،03‬م‪.‬‬ ‫‪.151‬‬
‫حممود السعران‪ ،‬علم اللغة مقدمة للقارئ العريب‪ ،‬دار النهضة للطباعة والنشر‪ ،‬بيوت‪ ،‬لبنان‪ 2003 ،‬م‪.‬‬ ‫‪.152‬‬
‫مـحمود فهمي حجازي‪ ،‬علم اللغة بيـن التـراث والـمناهج الـحديثة‪ ،‬الـهيئة الـمصرية العامة للكتاب‪،‬‬ ‫‪.153‬‬
‫القاهرة‪ ،‬مصر‪ 1970 ،‬م‪.‬‬
‫خمتار محزة‪ ،‬سيكولوجية املرضى وذوي العاهات‪ ،‬دار البيان العريب‪ ،‬ط ‪ 1979 ،04‬م‪.‬‬ ‫‪.154‬‬

‫‪181‬‬
‫املصادر واملراجع العامة‬

‫املصطفى بن عبد هللا بوشوك‪ ،‬تعليم وتعلم اللغة العربية وثقافتها‪ ،‬اهلالل العربية للطبع والنشر‪ ،‬الرابط‪،‬‬ ‫‪.155‬‬
‫املغرب‪ ،‬ط ‪ 1994 ،02‬م‪.‬‬
‫مصطفى خليل الشرقاوي‪ ،‬علم الصحة النفسية‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬بيوت‪ ،‬لبنان‪ 1986 ،‬م‪.‬‬ ‫‪.156‬‬
‫مصطفى فهمي‪ ،‬أمراض الكالم‪ ،‬دار مصر للطباعة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 1998 ،‬م‪.‬‬ ‫‪.157‬‬
‫مصطفى فهمي‪ ،‬يف علم النفس‪ :‬أمراض الكالم‪ ،‬دار مصر للطباعة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ 1976 ،04‬م‪.‬‬ ‫‪.158‬‬
‫مصطفى انصف وعطية حممود هنا‪ ،‬نظرایت التعلم دراسة مقارنة‪ ،‬عامل املعرفة‪ ،‬اجمللس الوطين للثقافة‬ ‫‪.159‬‬
‫والفنون واآلداب الكويت‪ ،‬العدد ‪ ،108‬ديسمرب‪ 1986 ،‬م‪.‬‬
‫مصطفى نوري القمش وآخرون‪ ،‬سيكولوجية األطفال ذوي االحتياجات اخلاصة‪ ،‬دار املسية للنشر‬ ‫‪.160‬‬
‫والتوزيع والطباعة‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ط ‪ 2007 ،01‬م‪.‬‬
‫مصطفى نوري القمش‪ ،‬اإلعاقة السمعية واضطراابت النطق واللغة‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ط‬ ‫‪.161‬‬
‫‪ 1999 ،01‬م‪.‬‬
‫أبو معال عبد الفتاح‪ ،‬تنمية االستعداد اللغوي عند الطفل يف األسرة والروضة واملدرسة‪ ،‬دار الشروق للنشر‬ ‫‪.162‬‬
‫والتوزيع‪ ،‬األردن‪ ،‬عمان‪ ،‬ط ‪ 2006 ،01‬م‪.‬‬
‫معمر نواف اهلوازنة‪ ،‬دراسة بعض املتغيات ذات الصلة ابلنمو اللغوي لدى أطفال الروضة‪ ،‬دار املسية‬ ‫‪.163‬‬
‫للنشر والتوزيع‪ ،‬دمشق‪ ،‬سورای‪ ،‬جملد ‪ ،28‬العدد ‪ 2005 ،01‬م‪.‬‬
‫ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬تح‪ ،‬عبد هللا علي الكبيـر وآخرون‪ ،‬دار الـمعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 1998 ،‬م‪.‬‬ ‫‪.164‬‬
‫موفق احلمداين‪ ،‬علم نفس اللغة من منظور معريف‪ ،‬دار املسية للنشر والتوزيع والطباعة‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪،‬‬ ‫‪.165‬‬
‫ط ‪ 2007 ،02‬م‪.‬‬
‫ميشال أريفيه‪ ،‬اللساين والالوعي‪ ،‬ترمجة حممد خي حممود البقاعي‪ ،‬دار الكتاب اجلديدة‪ ،‬بيوت‪ ،‬لبنان‪،‬‬ ‫‪.166‬‬
‫ط ‪ 2011 ،01‬م‪.‬‬
‫ميشال زكرای‪ ،‬امللكة اللسانية يف مقدمة ابن خلدون "دراسة ألسنية"‪ ،‬دار الطليعة‪ ،‬بيوت‪ ،‬لبنان‪1986 ،‬‬ ‫‪.167‬‬
‫م‪.‬‬
‫ميشال زكرای‪ ،‬مباحث يف النظرية األلسنية وتعليم اللغة‪ ،‬املؤسسة اجلامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪،‬‬ ‫‪.168‬‬
‫بيوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪ 1985 ،02‬م‪.‬‬
‫ميلكا افيتش‪ ،‬اجتاهات البحث اللساين‪ ،‬ترمجة‪ :‬سعد عبد العزيز مصلوح‪ ،‬وفاء كامل فايد‪ ،‬اجمللس األعلى‬ ‫‪.169‬‬
‫للثقافة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ 2000 ،02‬م‪.‬‬

‫‪182‬‬
‫املصادر واملراجع العامة‬

‫ اجمللس الوطين للثقافة‬،‫ الكويت‬،‫ عامل املعرفة‬،‫ اللغات األجنبية تعليمها وتعلمها‬،‫انيف خرما وعلي حجاج‬ .170
.‫ م‬1988 ،‫ جوان‬،126 ‫ العدد‬،‫والفنون واآلداب‬
،‫ اجمللس الوطين للثقافة والفنون واآلداب‬،‫ عامل املعرفة‬،‫ أضواء على الدراسات اللغوية املعاصرة‬،‫انيف خرما‬ .171
.‫ م‬1978 ،‫الكويت‬
،01 ‫ ط‬،‫ مصر‬،‫ القاهرة‬،‫ مكتبة زهراء الشرق‬،‫ صعوابت التعلم والتعليم العالجي‬،‫نبيل عبد الفتاح حافظ‬ .172
.‫ م‬2000
،04 ‫ ط‬،‫ لبنان‬،‫ بيـروت‬،‫ الـمركز الثقافـي العربـي‬،‫ إشكاليات القراءة وآليات التأويل‬،‫نصر حامد أبو زيد‬ .173
.‫ م‬1996
.‫ م‬1975 ،01 ‫ ط‬،‫ مصر‬،‫ القاهرة‬،‫ مكتبة األجنلو املصرية‬،‫ علم النفس اللغوي‬،‫نوال حممد عطية‬ .174
،‫ مصر‬،‫ اإلسكندرية‬،‫ املكتبة اجلامعية‬،‫ مباحث يف علم اللغة ومناهج البحث اللغوي‬،‫نور اهلدى لوشن‬ .175
.‫ م‬2001
،‫ بيوت‬،‫ ودار الفكر املعاصر‬،‫ سورای‬،‫ دمشق‬،‫ دار الفكر‬،‫ املوسوعة القرآنية امليسرة‬،‫وهبة الزحيلي وآخرون‬ .176
.‫ م‬2004 ،03 ‫ ط‬،‫لبنان‬
.‫ م‬2005 ،01 ‫ ط‬،‫ األردن‬،‫ عمان‬،‫ دار الفكر‬،‫ نظرایت التعلم والتعليم‬،‫يوسف حممود قطامي‬ .177

:‫املراجع األجنبية‬

1. Adrian Akmajian & Richard Demers & Ann Farmer & Robert Harnish,
Language to Introduction An Linguistics: Communication, Cambridge, MA:
MIT Press, 1986.
2. André Roch Lecours & François Lhermitte, L’aphasie, Editions Flammarion,
Paris, France, 1979.
3. Anne Van Hout & Xavier Seron, L’aphasie de l’enfant et les bases biologiques
du langage, Pierre Mardaga, Bruxelles, Belgique, 1983.
4. Claire Dinville, le bégaiement, symptomatologie et traitement, elsevier masson
edition, Paris, France, 1980.
5. Clément Launay & Borel Maisonny, les troubles du langage, de la parole et de
la voix chez l’enfant Masson, 2ème Ed, elsevier masson edition, Paris, France,
1975.
6. Colette Durieu, La rééducation des aphasiques, Charles et Dessart, Bruxelles,
Belgique, 1969.
7. Dan Isaac Slobin, Psycholinguistics, Second Edition, Scott, Foresman and
Company, Glenview Illinois, Dallas, Ten. U.S.A. 1979.

183
‫املصادر واملراجع العامة‬

8. David Crystal, A Dictionary of Linguistics and Phonetics, Blackwell Publishing,


New Jersey, United State, 1980.
9. David Pearson & Diane Stephens, Learning about literacy: a 30-year journey,
In R Ruddell, M. Ruddell; and H. Singer (Eds.) Theoretical Models and
Processes of Reading, (4th edition.), International Reading Association,
Newark, Delaware, United States, 1994.
10.Dylan Evans, An Introductory Dictionary of Lacanian Psychoanalysis,
Rutledge, London and New York, 1966.
11.Evelyn Marcussen, Psycholinguistics, A Second Language Perspective, Hatch,
Newbury House Publishers, Cambridge U.S.A, 1983.
12.Françoise Estienne, Lecture et dyslexie, Ensycl Universitaire de Paris, Paris,
France, 1983.
13.Frank Smith, Psycholinguistics and Reading. New York: Holt, Rinehart and
Winston, Language Arts, Vol 53, No. 3, MARCH, National Council of Teachers
of English, Chicago, Illinois, United States, 1976.
14.Frank Smith, Understanding Reading: A Psycholinguistic Analysis of Reading
and Learning to Read, Routledge, London, United Kingdom, 1971.
15.H.G. Gadamer, Vérité et méthode, 2ème édition, Ed Seuil, Paris, France, 1976 .
16.Jacqueline Peugeot, La Connaissance par l’écriture, Editions L'Harmattan,
Paris, France, 2010.
17.Jacques Lacan, Ecrits, Editions du Seuil, Paris, France, 1966.
18.Jacques Poirier & Jean-Louis Ribadeau Dumas, Abrégé d’histologie, Masson
Et Cie Editeurs, paris, France, 1974.
19.Jean Adolphe Rondal & Michel Hurtig, Introduction à la psychologie d’enfant,
éditions Mardaga, Bruxelles, Belgique, 1981.
20.Jean Caron, An Introduction to Psycholinguistics, University of Toronto Press,
Toronto, Canada, 1992.
21.Joseph Kess, Psycholinguistics: Psychology, Linguistics, and the Study of
Natural Language, John Benjamins Publishing Co, Philadelphia, United States,
1992.
22.Julian de Ajuriaguerra, le bégaiement, trouble du langage de la réalisation de
langage dans le cadre d’une pathologie de relation, Press Nied, Paris, France,
1958.
23.Kenneth Goodman, A linguistic study of cues and miscues in reading, Vol. 42,
No. 6 ,OCTOBER, National Council of Teachers of English, Chicago, Illinois,
United States, 1965.
24.Kenneth Goodman, Reading: a psycholinguistic guessing Game, In H. Singer
and R. Ruddell (eds.) Theoretical Models and Processes of Reading,
International Reading Association, Newark, Delaware, United States, 1976.
25.Lennone .EJ, le Bégaiement, thérapeutiques modernes, Editions doin, Paris,
France, 1962 .
26.Louis Althusser, Lire le Capital (Vol. 1), Éditions Maspero, Paris, France, 1973.
184
‫املصادر واملراجع العامة‬

27.Paul Pialoux, Précis d’orthophonie, elsevier masson edition, Paris, France,


1975.
28.Pierre Debray-Ritzen & Flora Debray, Comment dépiste une dyslexie chez des
petits écoliers, Éditions Nathan, Paris, France, 1979.
29.Roger Mucchielli & Arlette Mucchielli-Bourcier, la dyslexie maladie du siècle,
E.S.F, Paris, France, 1968..
30.Suzanne Borel Maisonny, Langage oral et écrit, Delachaux et Niestlé, Paris,
France, 1960.
31.Théophile Alajouanine, Abrégé de neuro- psychologie, elsevier masson edition,
Paris, France, 1977.
32.Théophile Alajouanine, l’aphasie et le langage pathologique, Bailliere Editions,
Paris, France, 1968.
33.Umberto Eco, Les limites de l’interprétation, Traduit de l’italien par. Myriem
Bouzaher, Bernard Grasset, 1992.
34.Van Eckout, Rôle de cas de l’hémisphère droit dans la rééducation de l’aphasie,
IN ORTHOPHONIA, N° 1 -2, O.P.U, Alger, 1993 /1994.
35.Velitino, Dyslexie, Revue de science & vie, Montrouge, France, N° 06, 1987.
36.W Izer, L’acte de lecture, Traduit de l’allemand par Evelyne Sznycer, Ed. Pierre
Mardaga, Bruxelles, Belgique, 1985.
37.Wilga Rivers, The Psycholinguists and the Foreign Language Teacher, The
University of Chicago Press, U.S.A, 1964.
38.Zellal Nacera, étude de cas de la recherche en orthophonie,O.P.U, Alger,1992.

185
‫فهرس املوضوعات‬
‫فهرس املوضوعات‪.‬‬

‫فهرس املوضوعات‬

‫احملاضرة األوىل‪14/02...........................................................................‬‬

‫احملاضرة الثانية‪26/16...........................................................................‬‬

‫احملاضرة الثالثة‪39/28...........................................................................‬‬

‫احملاضرة الرابعة ‪52/41..........................................................................‬‬

‫احملاضرة اخلامسة‪64/54.........................................................................‬‬

‫احملاضرة السادسة‪75/66........................................................................‬‬

‫احملاضرة السابعة‪85/77.........................................................................‬‬

‫احملاضرة الثامنة‪97/87..........................................................................‬‬

‫احملاضرة التاسعة‪110/99........................................................................‬‬

‫احملاضرة العاشرة‪122/112.......................................................................‬‬

‫احملاضرة احلادية عشرة‪136/124..................................................................‬‬

‫احملاضرة الثانية عشرة‪146/138...................................................................‬‬

‫احملاضرة الثالثة عشرة‪160/148...................................................................‬‬

‫احملاضرة الرابعة عشرة‪171/162 ..................................................................‬‬

‫املصادر واملراجع العامة‪185/173............................. ...................................‬‬

‫‪187‬‬

You might also like