You are on page 1of 128

‫إيمانيات الدعاة‬

‫إيمانيات الدعاة‬
‫إيمانيات الدعاة‬
‫إيمانيات الدعاة‬
‫إيمانيات الدعاة‬
‫إيمانيات الدعاة‬

‫ملف دعوي تربوي موجه للدعاة والمصلحيين‬


‫من إعداد‬
‫موقع اسلم اون لين‬
‫العناوين والعناصر‪:‬‬
‫حقيقة اليمان‬

‫•لمحات في إحياء الربّانية‬


‫•مشروع التربية الربانية‬
‫•أريد أن أكون ربانيّا ‪ ..‬الوصايا العشر‬

‫•عناء المسير إلى ال تعالى‪ :‬لنكن طمّاعين!‬


‫•كيف نحقق الفرار إلى ال؟؟ "وادعوه خوفا وطمعا"‬
‫•علمات حب ال للعبد‬

‫•في التقوى‪ ..‬والتوكل‪ ..‬والصبر‪ ..‬وإجابة الدعاء‬


‫•الهواجس المشككة ‪ ..‬الذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة‬

‫برامج إيمانية‬

‫•كيف أحافظ على إيمانياتي؟‬


‫•وِرد المحاسبة‪ ..‬بعيدا عن الرياء‬
‫•برنامج تربويّ شخصي‪ ..‬ول ننسى الخرين‬
‫•برنامج عملي لتطوير اليمان‪ ..‬المهمات التسع‬
‫•برنامج للتواصل الروحي‪ ..‬يتجاوز الحدود‬
‫•خطوات الوصول إلى الخشوع في الصلة‬

‫•حديث في الصحبة‬
‫•في الصحبة‪" ..‬المرء على دين خليله"‬
‫•مشروع دعوي لحياء الخوة‬
‫•عند فساد الخوة‪ ..‬ابحث عن العظمة الحقيقية‬

‫داء ودواء‬

‫•ملل الدعاة وفتورهم‪ ..‬دللت وأسباب‬


‫•كلماتٌ في‪ :‬الضعف‪ ..‬الفتور‪ ..‬التربية‬
‫•وصفة للمقصّرين ‪ ..‬بين الهمة والفتور‬
‫•الهمّة العالية‪ :‬كن رجلً ل رُجَيْل‬

‫•الرياء‪ ..‬أَوْلى الناس بالدعوة‪ ..‬وأشياء أخرى‬


‫•رياء البدايات والنهايات‪ ..‬بل عاجل بشرى المؤمن‬
‫•الخلص شرط‪ ..‬و"الكوماندوز السلميّ" وهم‬
‫•كلمات في الخلص‪ ..‬واشتراك النيات‪ ..‬وميزان قبول العمال‬

‫•تعصي! أنت إنسانٌ ولستَ ملَكا‬


‫•هكذا نحافظ على توبتنا‬
‫•يا غريق المعاصي‪ :‬هكذا تصبح منقذا‬
‫•داعية ناجح‪ ..‬معاصيه ستوقفه‪ :‬لااااا‬

‫ليس إيمانًا‬

‫•دعوتي سبب تقصيري!!‪ ..‬الجمع بينهما أولى‬


‫•العقيدة والسلوك ‪ ..‬الفصام النّـكِد‬
‫•داعيةٌ علنا‪ ..‬مخطئ ٌة سرا‪ :‬انفصام الدعاة‪ ..‬وافتراض الكمال‬
‫•كاتب‪ :‬يعظ الناس‪ ..‬ويقصر هو‬

‫•في زمن الفتن ‪ ..‬ننعزل أم نلتزم ؟؟ مشاركة‬


‫•النعزال خوفًا من الفتنة ‪ ..‬إنها الفتنة !!‬
‫•جماعتي ل تهتم باليمانيات‪ ..‬ل للنعزال من جديد‬

‫•بسبب العمل‪ ..‬تاهت إيمانيا!!‬


‫•الروحانية والعمل الداري ‪ ..‬الجناحان المتلزمان‬
‫•السمو الروحي‪ :‬كيف يتحقق في حياتنا المشغولة؟‬
‫•هل نترك الدنيا ونبيع العرق سوس؟!!‪ ..‬شبهات على الطريق‬
‫حقيقة اليمان‬

‫حقيقة اليمان‬
‫لحات ف إحياء الربّانية‬
‫السؤال‪:‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫لشكّ أنّ العبد الربانيّ الذي دعا إليه السلم هو ذو صفاتٍ ربانيّة‪ ،‬تبدأ بالفهم للمنهج‬
‫والطريق‪ ،‬وتنتهي إلى غايةٍ أسمى وهي ابتغاء مرضاة ال في كلّ حركةٍ وسكنةٍ ووجهةٍ وغاية‪.‬‬
‫أتمني وصفا وتبيانا تعرّفونني من أين أبدأ ؟ وجزاكم ال خيرا‪.‬‬

‫المستشار‪:‬‬
‫أسماء جبر أبو سيف‬

‫الرد‬
‫أخي الكريم‪،‬‬
‫يبدو أنّك ‪-‬ما شاء ال‪ -‬على درجةٍ من الثقافة والعلم رغم دراستك الثانويّة‪ ،‬فأهنّئك على جهدك‬
‫تجاه نفسك‪.‬‬
‫سأحاول إجابتك بطريقةٍ عمليّةٍ أكثر‪ ،‬وأترك القراءة النظريّة ‪-‬والتي لبدّ منها‪ -‬لك‪:‬‬
‫أوّل‪ :‬اعلم ‪-‬أخي الفاضل‪ -‬أنّ بقاءك وحدك ل يعينك على البداية الصحيحة‪ ،‬ولبدّ للسائر من‬
‫مجموعةٍ من المؤمنين يذكّرونه إذا نسي‪ ،‬ويعلّمونه إذا جهل‪ ،‬فالكتب وحدها ل تكفي وسط هذه‬
‫الفتن‪ ،‬فالتزم أ ّولً مجموعةً من الصفياء وطلبة العلم من أهل السنّة المطهّرة‪ ،‬تجتمعون إلى عال ٍم أو‬
‫فقيهٍ من أهل السنّة والجماعة تتدارسون القرآن الكريم وسنّة النبي عليه الصلة والسلم‪ ،‬تتآخون في‬
‫ال ويسند بعضكم بعضا‪.‬‬
‫ن وصفاء نفس‪ ،‬فتزوّج فتاةً صالح ًة متعلّم ًة مؤمنةً‬ ‫أمرٌ آخر يتعلّق بوحدتك‪ ،‬فأنت أرملٌ‪ ،‬والزواج سك ٌ‬
‫ب والفتن محيطة‪ ،‬حماك ال ورعاك‪.‬‬ ‫تسكن إليها وتعينك في شؤون دينك ودنياك‪ ،‬فأنت شا ّ‬
‫ثانيا‪ :‬اجتهد في تأديب نفسك وتعليمها فيما يقوّي سَيْرك إلى ال‪ ،‬ويجعل إيمانك على عل ٍم وبصيرة‪،‬‬
‫والكتب المنهجيّة كلّها متوفّرة‪ ،‬وضعها لنا ‪-‬مجّانا‪ -‬علماؤنا رضي ال عنهم‪ ،‬وقطعوا الصحاري‬
‫لجمعها كي تكون مطبوع ًة وميسورةً بين أيدينا‪.‬‬
‫واجتهد كذلك في تنويع ثقافتك ليبق تديّنك على صلةٍ بالعالم الواقعيّ وتطوّرات الدنيا‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬إنّ حياة القلب وصحوة المراقبة تدوم بالوِرد اليوميّ من الذكر والصلة والتلوة والقربات‬
‫المختلفة‪ ،‬ففيها الطمأنينة والتثبيت واليقظة الدائمة‪ ،‬ورقابتك على نفسك تزيد اليمان وتُنقّي البصيرة‪،‬‬
‫واحرص يا سيدي على ربط حياتك اليوميّة بأسماء ال الحسنى وآياته‪ ،‬وأضف عباد ًة مهمّ ًة يغفل‬
‫عنها الكثير‪ ،‬وهي التأمّل والتفكّر في آيات ال وأحوال الخلق وأحوالك القلبية أنت‪ ،‬فهذا باب يفتح لك‬
‫آفاقا ل تخطر على بال‪.‬‬
‫ل واحدا خيرٌ لك من أن يكون‬ ‫رابعا‪ :‬اجتهد في ممارسة الدعوة إلى ال تعالى‪" :‬لن يهدي ال بك رج ً‬
‫ل نوعٍ من أنواع الهداية يعيد هذا النسان‬ ‫حمُر ال ّنعَم"رواه البخاري ومسلم‪ ،‬وهذا يتمثّل في ك ّ‬
‫لك ُ‬
‫الضائع إلى الطريق السليم‪ ،‬ودعوتك غيرك تعينك على تثبيت إيمانك وتربية سلوكك‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬شارك المسلمين في همومهم وقضاياهم في بلدك وغير بلدك‪ ،‬فليس أحزن على القلب من‬
‫نور وجه الشهيد تراه على التلفاز وفي الصور‪ ،‬وليس أجلى للحزن من العمل على تجهيز غازٍ في‬
‫سبيل ال‪ ،‬وإن كنت ل تقدر فالدّالّ على الخير كفاعله‪ ،‬وانصر المظلوم وأطعم الفقير ودلّ عليه‬
‫وساعد على رعاية اليتام‪ ،‬فكلّ هذا له أث ٌر في النفس والقلب يفوق بعض النوافل‪ .‬وال تعالى أعلم‪.‬‬
‫وبنهاية حديث الستاذة أسماء أكرمها ال تعالى‪ ،‬أرى أنّه من المناسب أن أضيف أمرا سادسا هو‪:‬‬
‫سادسا‪ :‬ل تنسَ إيمان المعاملة وهو أل نقسّم حياتنا إلى قسمين‪ :‬قسمٍ لربّنا سبحانه متمثّلً في هذه‬
‫العبادات والطاعات‪ ،‬وقسمٍ لدنيانا نعيش فيه كيف نشاء!‬
‫فالناظر لسلمنا المدقّق فيه‪ ،‬يجد كلّ ذلك مخالفا لسسه وقواعده التي بُنِي عليها‪ ،‬عندما يصف‬
‫ربّنا سبحانه رسوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬وإنّك لعلى خلقٍ عظيم"‪ " ،‬فبما رحمةٍ من ال لِ ْنتَ لهم‪،‬‬
‫ولو كنت فظّا غليظ القلب لنفضّوا من حولك"‪ ،‬وعندما يحثّنا رسولنا صلى ال عليه وسلم بفعله على‬
‫حسن الخلق‪ ،‬كما وصفه عبد ال بن عمرو رضي ال عنهما‪" :‬لم يكن رسول ال فاحشا ول متفحّشا‪،‬‬
‫وإنّه كان يقول‪ :‬إنّ خياركم أحاسنكم أخلقا"رواه البخاري‪ ،‬وعندما يقول صلى ال عليه وسلم في‬
‫الحديث الرائع حقّا‪" :‬تبسّمك في وجه أخيك صدقةٌ لك‪ ،‬وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة‪،‬‬
‫وإرشادك الرجلَ في أرض الضللة لك صدقة‪ ،‬وبصرك للرجل الرديء البصر لك صدقة‪ ،‬وإماطتك‬
‫الحجر والشوكة والعظم عن الطريق لك صدقة‪ ،‬وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة"رواه‬
‫الترمذي‪ ،‬وقال‪ :‬حسنٌ غريب‪ ،‬ورواه ابن حبّان في صحيحه‪ ،‬وعندما يحكي صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫ق وجد غصن شوكٍ فأخذه‪ ،‬فشكر ال له‪ ،‬فغفر له"رواه أحمد والبخاري‬ ‫"بينما رجلٌ يمشي بطري ٍ‬
‫ومسلم وأبو داود والترمذي‪ ،‬وعندما يأمرنا صلى ال عليه وسلم بالسماحة‪" :‬رحم ال رجلً سمحا إذا‬
‫باع وإذا اشترى وإذا اقتضى"رواه البخاري وابن ماجه‪ ،‬ويصف المنافق بـ‪" :‬آية المنافق ثلث‪ :‬إذا‬
‫حدّث كذب‪ ،‬وإذا وعد أخلف‪ ،‬وإذا اؤتمن خان"رواه أحمد والبخاري ومسلم‪.‬‬
‫كلّ هذا الك ّم من الوامر والفضائل "المعاملتيّة" هل هي لمجرّد العلم‪ ،‬أم هي للممارسة أيضا؟ وهل‬
‫لها –إذا ما طبّقناها‪ -‬علقةٌ بزيادة اليمان في قلوبنا أم ل؟ لو كانت ليست لها علقة باليمان‪،‬‬
‫فمعذرة‪ ،‬فما فائدتها؟ ولماذا وردت؟ ولماذا حثّ ديننا عليها وأمر بها؟‬
‫أخي الكريم‪،‬‬
‫هذه مشكلةٌ كبرى نحيا فيها‪ ..‬الدين المعاملة‪ ،‬الدين المعاملة‪ ،‬الدين المعاملة‪ ،‬خذ زادك اليمانيّ من‬
‫هذه المعاملت‪ ..‬ابتسم في وجوه الناس تزدد إيمانا‪ ،‬أمط الذى عن الطريق‪ ،‬وتذكّر من فعل ذلك‬
‫وشكر ال فغفر ال له‪ ،‬فاشكر ال‪ ،‬واستشعر مغفرة ال لك‪ ،‬عامل الناس بخلق حسنٍ يكن مجلسك‬
‫بجوار مجلس نبيّك صلى ال عليه وسلم‪ ،‬كن سمحا سهلً ليّنا مع الناس يرتفع إيمانك‪ ،‬تقرّب إلى ال‬
‫بالمعاملة كما تقرّبت إليه بالطاعة‪.‬‬
‫أخي الكريم‪،‬‬
‫التزم بالمور الستّة السابقة‪ ،‬وعندئذٍ ستصل إلى الربّانيّة التي تريد بإذن ال تعالى‪ ...‬المحرر‪.‬‬

‫حقيقة اليمان‬
‫مشروع التربية الربانية‬
‫السؤال‪:‬‬
‫السلم عليكم ورحمة ال تعالى أما بعد‪ :‬جزاكم ال خيراُ على كل شيء‪ ...‬وندعو لكم بالتوفيق‬
‫ونشد على أياديكم ونحن من ورائكم نؤيدكم ونعاونكم‪ ...‬أنا طالب صيدلة في جامعة العلوم‬
‫والتكنولوجيا الردنية‪...‬وأنا تربيت على كتب الكثير من الدعاة كالشيخ محمد الغزالي رحمه ال‬
‫والشيخ القرضاوي‪ ،‬وأنا إن شاء ال من تلمذتكم وابنا من أبنائكم‪ ،‬قررت الدعوة في كليتي بكتابة‬
‫سلسلة اسمها الرعاية الربانية للحياة الجامعية‪...‬على أساس من التكامل في المواضيع والشمول في‬
‫الطرح فأسألكم العون والمساندة والشراف والنصيحة‪..‬فإنني ‪-‬بعد هداية ال‪-‬أحتاج إليكم فأنتم أرحم‬
‫بي من أمي وأبي وهذه أولى الرسائل للطلب في الكلية أبين فيها خطتي في الكتابة‪..‬أرجو أن‬
‫تحتملوا قراءتها وترشدوني إلى سواء الصراط وجزاكم ال خيرا‪.‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم الحمد ل ‪ ,‬والصلة والسلم على سيدنا محمد رسول ال ‪ ...‬اللهم ل علم لنا‬
‫إل ما علّمتنا ‪ .‬إنك أنت العليم الحكيم ‪...‬أما بعد ‪ :‬فإن على كل مسلم هداية الخرين بما لديه من‬
‫علم ‪ .‬وأن يجعل الدعوة إلى الحق والخير هدفا يضعه نصب عينيه‪ ...‬وأساليب الدعوة تتنوع بحسب‬
‫قدرة ذلك المسلم وطاقته‪ ...‬وتتغير بحسب المناسبات والظروف ‪ ...‬إن هذا الطريق ‪ -‬طريق الدعوة‬
‫‪ -‬قد سلكه النبياء جميعهم‪ ،‬وآخرهم رسول ال محمد صلى ال عليه وسلم‪...‬وتبعهم في ذلك‬
‫أصحابه الذين ورثوا الكتاب والحكمة ‪ُ " ....‬قلْ هَـ ِذهِ سَبِيلِي َأدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى َبصِي َرةٍ أَنَا َومَنِ‬
‫اتّ َبعَنِي وَسُ ْبحَانَ الّل ِه َومَا أَنَا مِنَ ا ْلمُشْ ِركِين" فمن رغب أن يقتفي آثار النبي وأصحابه الكرام فالسبيل‬
‫من هنا … بعد هذه المقدمة السريعة دعونا نلتفت إلى واقع الحياة الجامعية … إن كل من عاش في‬
‫كنف الجامعة‪ ،‬فاحتك مع الطلبة والزملء‪ ،‬وناقش أفكارهم‪ ،‬لعرف مدى بعدهم عن التصوّر‬
‫والتصرف السلمي السليم… وكنت أنظر من حولي بأسى وحسرة‪ ،‬وأحيانا بغضب وأنفاس مكبوتة‬
‫منتظرا أن تقوم مجموعة من الطلبة – أو واحد على القل‪ -‬بإصلحٍ ما … مبيّنين ومذكّرين …‬
‫مرشدين ومربّين…يخاطبون عقولهم ويصلون إلى قلوبهم … يصلون إليهم ما يفيدهم في حياتهم‬
‫الجامعية ‪ ،‬أو حتى في حياتهم العامة…كما فعل مؤمن آل فرعون في مصر‪ ،‬فقد كان واحدا منهم ‪،‬‬
‫أراد مصلحتهم ‪ ،‬وخاطبهم بأسلوب يفهمونه ‪ ،‬وأراد لهم الخير‪ ،‬ونصح لهم … ولكني لم أجد منذ‬
‫دخولي إلى الجامعة سوى محاولت مبعثرة ‪..‬أفكارها مرقّعة … ل يوجد تكامل فيما بينها ول‬
‫تخطيط … ثم إن هذه المحاولت في تراجع في الكم والمعنى ومستوى الطرح الفكري… فقررت –‬
‫بعد الستعانة بال والخلص له – أن أستثير النفوس المخلصة ‪ ،‬وأشحذ الهمم العالية لفعل شيء‬
‫‪...‬لن ل تقف مسيرة الدعاية للسلم ونشر تعاليمه وأفكاره ‪ ...‬فوضعت مشروع كتابة سلسلة‬
‫تهدف إلى التربية الربانية‪ .‬وتنقسم هذه السلسلة إلى محاور‪ - :‬العقيدة والتصوّر السلمي وما تأثيره‬
‫على النفس وما تضفي على النسان من مشاعر وأحاسيس وثمرات ونتائج ‪ - .‬الخلق‪ :‬مع ربطها‬
‫بالحياة الطلبية خاصة‪ - .‬السلوك‪ :‬في الحياة عامة وما يتعلق بالحياة الجامعية خاصة‪ - .‬صور‬
‫وخواطر‪ :‬رؤى ليات القرآن والسنة وللحياة النسانية من محب ولهان ‪ ،‬أو حزين مشفق ‪ ...‬وقد‬
‫أتناول في المقال الواحد هذه الجوانب كلها‪ ،‬فالسلم والقرآن يعزفان على هذه الوتار كلها‪ ...‬تلك‬
‫هي المحاور التي ارتأيتها مناسبة وصالحة‪ ...‬فإن كان لدى الطلب والطالبات أي اقتراح أو فكرة‬
‫ناصعة ‪ ...‬أو نصيحة سديدة ‪ ...‬أو خبرة سابقة ‪ ...‬أو مواضيع تحتل موقع الهمية والولوية فل‬
‫ضهُمْ َأوْلِيَاءُ َب ْعضٍ يَ ْأمُرُونَ‬
‫ن وَا ْل ُم ْؤمِنَاتُ َب ْع ُ‬
‫يبخل بها علينا ‪ ...‬ولنتناقش بها ونتحاور "وَا ْل ُم ْؤمِنُو َ‬
‫ل َة وَ ُيؤْتُونَ ال ّزكَا َة وَ ُيطِيعُونَ الّل َه وَرَسُولَهُ ُأوْلَـ ِئكَ‬‫ف وَيَ ْن َهوْنَ عَنِ ا ْلمُنكَرِ وَ ُيقِيمُونَ الصّ َ‬
‫بِا ْل َمعْرُو ِ‬
‫حكِيمٌ" وأخيراُ…أسألكم أن تغفروا زلتي وتقصيري … فإن أخطأت‬ ‫ح ُمهُمُ اللّهُ إِنّ اللّهَ عَزِيزٌ َ‬
‫سَيَ ْر َ‬
‫فمن نفسي ومن الشيطان‪ ،‬وإن أصبت فمن ال الرحمن الرحيم‪.‬‬

‫المستشار‪:‬‬

‫كمال المصري‬
‫الرد‬
‫كانت هذه مشاركة الخ الكريم ماجد‪ ،‬وهي ول شك مشاركة طيبة تحمل في طياتها عاطفة‬
‫إسلمية جياشة‪ ،‬وحماسة منطلقة‪ ،‬غير أني أحب أن أهمس في أذن أخي الكريم ماجد بأمرين‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن أطلب منه محاور تفصيلية عن مشروعه حول التربية الربانية‪ ،‬حتى تكون الصورة أكثر‬
‫وضوحا‪ ،‬وبالتالي تكون المشاركات أكثر فاعلية وتأثيرا‪ ،‬بل قد نستطيع تعميم مشروعه لينتفع به‬
‫الدعاة في كل مكان‪ ،‬والمر الثاني‪ :‬أن أوصيه بمطالعة تراث من سبقوه في هذا المجال‪ ،‬وهم كثير‪،‬‬
‫ومنهم الدكتور القرضاوي الذي تطرق لهذه القضايا في أكثر من كتاب‪ ،‬وقد ذكر أخانا الكريم أنه قد‬
‫تتلمذ على كتبه‪.‬‬

‫ومن جانب آخر أدعو كل أخواني الدعاة المساهمة‪ ،‬ل أعني المساهمة فقط مع أخينا في مشروعه‬
‫الطيب‪ ،‬بل المساهمة والتفاعل مع هذا الباب أيضا‪ ،‬بذكر تجربةٍ دعويةٍ شخصية‪ ،‬بإعطاء وسائل‬
‫وحلولٍ لمشكلت تعترض الدعاة‪ ،‬بالمشاركة في معالجة الستشارات التي تطرح…إلى غير ذلك‪.‬‬

‫ننتظر إذن من أخينا ماجد تفاصيل أكثر واطلعا أكبر‪ ،‬ونتوقع من الدعاة في كل مكان التفاعل‬
‫واليجابية‪ ،‬وال الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل‪.‬‬
‫حقيقة اليمان‬
‫أريد أن أكون ربانيّا ‪ ..‬الوصايا العشر‬
‫السؤال‪:‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫إخواني‪ ،‬وال ل أعرف ماذا كنت أفعل بدون موقع إسلم أون لين‪ ،‬علّمتموني الكثير‪ ..‬تربيت‬
‫في كنف كلماتكم‪ ..‬عرّفتموني الحقيقة‪ ..‬أريتموني الحقّ‪ ..‬وأبعدتموني عن الباطل‪ ،‬ل أجد ما‬
‫أشكركم به إل أنني أقول لكم إنّي أحبّكم في ال‪.‬‬
‫سؤالي قصير‪ ،‬وهو أنني أحبّ أن أدخل الجنّة‪ ..‬أحبّ أن أجاهد نفسي‪ ،‬أحبّ أن أقبّل يد أمي كلّ‬
‫يوم‪ ،‬أحبّ أن أبعد عن الهوى والشيطان‪ ،‬أحبّ أن يلقّبني ال يوم القيامة بالعبد الرباني إن شاء ال‪،‬‬
‫أحبّ أن أحبّ إخواني‪ ،‬أحبّ أن يستمرّ إيماني في الرتفاع‪.‬‬
‫ماذا أفعل ؟‬

‫المستشار‪:‬‬
‫فريق الستشارات الدعوية‬

‫الرد‬
‫يقول الشيخ على محمد الصفتي‪ ،‬الكاتب السلمي‪ ،‬والمام والخطيب بوزارة الوقاف والشئون‬
‫السلمية بالكويت‪:‬‬
‫الخ الفاضل محمد؛‬
‫نشكرك على إطرائك وثنائك على الموقع‪ ،‬وندعو ال أن يثبّتك على الحقّ دائمًا‪ ،‬وأن يحقّق‬
‫مرادك‪ ،‬وأن يجعلك من الوّابين العارفين بالحقّ والمدافعين عنه والمتمسكين بأهداب هذا الدين‬
‫وأخلقه العظيمة وتوجيهاته السامية‪.‬‬
‫أخي محمّد؛‬
‫إنّ التساؤلت التي طرحتها في استشارتك تدلّ على فطرةٍ سويّ ٍة ونقيّة‪ ،‬ورغبةٍ كبيرةٍ في‬
‫الوصول إلى المعالي وإعطاء كلّ ذي حقّ حقّه‪ ،‬وهذه أماني عظيمة تتحقّق باليمان‪ ،‬وكما ورد عن‬
‫سفيان الثوري قوله‪" :‬ليس اليمان بالتمنّي ول بالتحلي‪ ،‬ولكن ما وقر في القلب وصدّقه العمل"‪ ،‬ومن‬
‫هنا سوف نعرج معك أخي محمّد على قضيّة اليمان‪ ،‬وأهمّيّتها في الوصول إلى الربّانيّة‪ ،‬وتحقيق‬
‫رضى وبرّ الوالدين والفوز بالجنّة‪.‬‬
‫من طلب العل يا أخي الحبيب سهر الليالي‪ ،‬ول درّ الشاعر إذ يقول‪:‬‬
‫طوبى لمن سهرت بالليل عيناه……‪ .‬وبات في قلقٍ في حبّ موله‬
‫وقام يرعى نجوم الليل منفـردًا……‪ .‬شوقًا إليه وعين ال ترعـاه‬
‫ولذلك يقول الفضيل‪" :‬حرامٌ على قلوبكم أن تصيب حلوة اليمان حتى تزهدوا في الدنيا"‪ ،‬وقال‬
‫أيضًا‪" :‬إذا لم تقدر على قيام الليل وصيام النهار فاعلم أنّك محروم"‪.‬‬
‫فالداعية الصادق يحمل قلبًا كالجمرة الملتهبة‪ ،‬ولذلك روى الحاكم في مستدركه والطبراني في‬
‫معجمه بسندٍ صحيحٍ عن النبيّ صلى ال عليه وسلم‪( :‬إنّ اليمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق‬
‫الثوب‪ ،‬اسألوا ال أن يجدّد اليمان في قلوبكم)‪ ،‬يعنى أنّ اليمان يبلى في القلب كما يبلى الثوب إذا‬
‫اهترأ أو أصبح قديمًا‪.‬‬
‫وتعتري قلب المؤمن في بعض الحيان سحابةٌ من سحب المعصية‪ ،‬وهذه الصورة صوّرها لنا‬
‫الرسول صلى ال عليه وسلم في قوله‪( :‬ما من القلوب قلبٌ إل وله سحابةٌ كسحابة القمر‪ ،‬إذا علته‬
‫سحابةٌ أظلم وإذا تجلّت عنه أضاء) رواه الطبرانيّ في الوسط وصححه اللباني‪ ،‬كذلك قلب المؤمن‬
‫تعتريه أحيانًا سحبٌ مظلمةٌ فتحجب نوره فيبقى في ظلم ٍة ووحشةٍ‪ ،‬فإذا سعى لزيادة رصيده اليماني‬
‫واستعان بال انقشعت تلك السحب وعاد نور قلبه يضيء‪ ،‬ولذا يقول بعض السلف‪" :‬من فقه العبد أن‬
‫يعاهد إيمانه وما ينتقص منه" ومن فقه العبد أيضًا‪" :‬أن يعلم نزغات الشيطان أنّى تأتيه"‪.‬‬
‫فيا أخي الكريم‪ ،‬لبدّ من العودة إلى اليمان‪ ،‬فإذا عدت إلى اليمان ومقتضياته سيتحقّق لك ما‬
‫تريد‪ ،‬ولذا سأضع أمامك قاعدةً تستدلّ بها على وجود اليمان أو عدمه‪ ،‬يقول المام ابن الجوزي‪:‬‬
‫"يا مطرودًا عن الباب‪ ،‬يا محرومًا من لقاء الحباب‪ ،‬إذا أردت أن تعرف قدرك عند الملك‪ ،‬فانظر‬
‫فيما يستخدمك‪ ،‬وبأيّ العمال يشغلك‪ ،‬كم عند باب الملك من واقفٍ‪ ،‬لكن ل يدخل إل من عني به‪،‬‬
‫ما كلّ قلبٍ يصلح للقرب‪ ،‬ول كلّ صدرٍ يحمل الحبّ‪ ،‬ما كلّ نسيم يشبه نسيم السحر"‪.‬‬
‫فإذا أراد المرء أن يعرف أين هو من ال‪ ،‬وأين هو من أوامره ونواهيه‪ ،‬فلينظر إلى حاله وما‬
‫هو مشغول به‪ ،‬فإذا كان مشغولً بالدعوة وأمورها‪ ،‬وفى إنقاذ الخلق من النار‪ ،‬والعمل من أجل‬
‫الفوز بالجنّة ومساعدة الضعيف والمحتاج‪ ،‬وبرّ الوالدين‪ ،‬فليبشر بقرب منزلته من ملك الملوك‪ ،‬فإن‬
‫ال ل يوفّق للخير إل من يحبّ‪.‬‬
‫وإذا كان منصرفًا عن الدعوة‪ ،‬مبغضًا للدعاة‪ ،‬بعيدًا عن فعل الخيرات‪ ،‬منشغلً بالدنيا‬
‫وتحصيلها‪ ،‬والقيل والقال وكثرة السؤال‪ ،‬مع قلّة العمل‪ ،‬أو متّبعًا لهواه وشهواته‪ ،‬فليعلم أنّه بعيدٌ من‬
‫ال‪ ،‬وقد حُرِم ممّا يقرّبه من الجنّة‪ ،‬إذ يقول ال عزّ وجلّ في كتابه الكريم‪( :‬من كان يريد العاجلة‬
‫عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثمّ جعلنا له جهنّم يصلها مذمومًا مدحورًا * ومن أراد الخرة‬
‫وسعى لها سعيها وهو مؤمنٌ فأولئك كان سعيهم مشكورًا)‪.‬‬
‫أخي محمد؛‬
‫ل أوجه الخير‪ ،‬بما فيها أن تكون عبدًا ربّانيّا وبارّا بوالديك‪،‬‬
‫إن أردت أن تحظى بمرتبةٍ متقدّمةٍ في ك ّ‬
‫ومبتغيًا الجنّة‪ ،‬فعليك بالتي‪:‬‬
‫أوّلً‪ :‬عليك بإحياء وإيقاظ اليمان داخل نفسك‪ ،‬فاليمان موصلٌ جيّ ٌد لكلّ ما ينشده المسلم في‬
‫ق لكلّ شرّ‪ ،‬ووسائل بعث اليمان وتمكينه‬ ‫الدنيا والخرة‪ ،‬فالرجل اليمانيّ هو مفتاحٌ لكلّ خيرٍ مغل ٌ‬
‫في النفس كثيرةٌ ومتعدّدة‪ ،‬ومنها الكثار من الطاعات والعمال الصالحات‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬أن تقبل على مولك إقبالً صادقًا كما جاء في الثر‪" :‬إذا أقبل عليّ عبدي بقلبه وقالبه‬
‫أقبلت عليه بقلوب عبادي مو ّدةً ورحمة"‪ ،‬وأن تجعل ال عزّ وجلّ الغاية السمى والهدف العلى‪:‬‬
‫(وما خلقت الجنّ والنس إل ليعبدون)‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬أن تتطلّع دائمًا إلى الدرجات العل‪ ،‬وأن تجعل هدفك في الحياة هو رضى ال عزّ وجلّ‪،‬‬
‫والعمل من أجل الفوز بالجنّة‪ ،‬أو بالحرى الفوز بالفردوس العلى‪ ،‬وأن تعمل ما استطعت جاهدًا‬
‫على تحقيق هذه الهداف السامية‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬أن تتأسّى بأصحاب القدوة في التاريخ السلمي من الصحابة والتابعين والسلف الصالح‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬أن تغتنم كلّ دقيق ٍة وكلّ لحظ ٍة وكلّ خلجة قلبٍ في أن تجعلها خزانةً في رصيدك‬
‫اليماني‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬الصحبة الصالحة‪ ،‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬المرء على دين خليله فلينظر‬
‫أحدكم من يخالل) رواه أبو داود والترمذيّ بسندٍ حسن‪ ،‬فالصحبة الطيّبة هي خير معينٍ على الطاعة‬
‫وهجران المعاصي والشرور والوقوع في الخطايا‪.‬‬
‫سابعًا‪ :‬كثرة الفضائل من العمال الصالحات التي تحقّق لك سعادة العاجل والجل‪.‬‬
‫ثامنًا‪ :‬قيام الليل والدعاء في وقت السحر‪ ،‬فالرسول صلى ال عليه وسلم كانت تتفطّر قدماه‬
‫رغبةً في أن يكون عبدًا شكورًا‪ ،‬رغم أنّ ال قد غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر‪.‬‬
‫تاسعًا‪ :‬المداومة على الورد القرآني‪ ،‬وأوراد التفكّر والتأمّل والتدبّر في أسرار القرآن‪.‬‬
‫عاشرًا‪ :‬الحرص على نشر الدعوة في سبيل ال‪ ،‬والعمل للدين على قدر الستطاعة‪.‬‬
‫‪...................................................................................‬‬
‫أخي الحبيب محمد‪ ..‬شكر ال لك حسن ظنك بنا وثناءك علينا‪ ،‬ونسأل ال أن يتقبل منا ومنك‬
‫صالح العمل‪ ،‬وأن يحشرنا وإياك في مستقر رحمته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين‪،‬‬
‫وحسًن أولئك رفيقًا‪ ،‬وبعد ‪..‬‬
‫فإني أضيف إلى الوصايا العشر التي تفضل بها فضيلة الشيخ علي ‪ -‬لكي نصل إلى الربانية‬
‫التي نطمح لها ‪ -‬أن نكون كما أمر ال عز وجل نبيه صلى ال عليه وسلم‪( :‬قل إن صلتي ونسكي‬
‫ومحياي ومماتي ل رب العالمين) فالربانية هي النتساب للرب‪ ،‬وهذا النتساب ل يتحقق إل من‬
‫خلل تطبيقنا لهذه الية‪ ،‬أن نكون ل رب العالمين في كل أحوالنا‪.‬‬
‫فالربانية ل تتأتى مكتملة إل بهذا‪ ،‬ل تتأتى إل بعبادة ال عز وجل بالمفهوم الشامل للعبادة‪،‬‬
‫وهو جعل الحياة والممات‪ ،‬بل الحركات والسكنات ‪ -‬كما الصلة والنسك ‪ -‬له سبحانه‪ ،‬فل ننطق‬
‫إل بما يرضي ال‪ ،‬ول نعمل إل ما يرضاه ال‪ ،‬ول تتوجه نياتنا في تلك القوال والفعال إل ل‪ ،‬ل‬
‫أن نختزل العبادة في مجرد أن نرفع رءوسنا ونخفضها في أوقات معينة ومحددة‪ ،‬أو نخرج‬
‫دريهمات قليلة كل مدة من الزمن‪ ،‬أو نصوم أيامًا معدودات كل عام‪ ،‬أو نحرك ألسنتنا ببعض‬
‫التمتمات والذكار‪.‬‬
‫ولهذا فالعمال التي تؤدي إلى هذه المرتبة – الربانية – أكثر من تُحصَى أو تعد‪ ،‬وهي تتشعب‬
‫بتشعب مجالت حياتنا وأماكن وجودنا‪ ،‬وذلك من فضل ال علينا وعلى الناس‪.‬‬
‫فقط ابحث في كل مكان تتواجد فيه‪ ،‬وفي كل لحظة تمر عليك‪ ،‬عما يرضيه عز وجل‪ ،‬وعما‬
‫تظن أنه يريد أن يراك عليه‪ ،‬تكن بذلك ربانيّا‪.‬‬
‫وفقك ال أخي لما يحب ويرضى‪ ،‬وفي انتظار أخبارك‪ ،‬وستجد في الستشارات التالية زيادة‬
‫فائدة إن شاء ال‪..‬‬
‫حقيقة اليمان‬
‫!عناء السي إل ال تعال‪ :‬لنكن طمّاعي‬
‫السؤال‪:‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‪ ،‬السلم عليكم ورحمة ال وبركاته‪،‬‬
‫شيخنا الفاضل‪،‬‬
‫ما نريد أن نتفضّل به ليس مجرّد سؤالٍ يحتاج إلى إجابة‪ ..‬وإنّما هي مشاعر وأحاسيس تنتاب‬
‫الكثير من الشباب الملتزم؛ الذي هو فعلً بحاجةٍ إلى يدٍ تربّت على كتفه في ظلّ هذه الشبهات‬
‫والشهوات والمغريات والوساوس التي تحيط بقلبه‪ ،‬وتجعله في حالةٍ من عدم التوازن‪ ،‬وفي حالةٍ من‬
‫الخوف والضطّراب النفسيّ‪.‬‬
‫شيخنا الكريم‪،‬‬
‫نحن مجموعةٌ من طالبات قسم الدراسات السلميّة‪ ،‬ول الحمد والشكر الذي جعلنا ممّن يبدأ‬
‫يومه وينهيه بـ‪ :‬قال ال تعالى وقال رسوله صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ولكن –شيخي الفاضل‪ -‬جميعنا‬
‫يعيش في غربةٍ نفسيّةٍ رهيبة‪ ،‬كلّما بدأنا بعمل خيرٍ نستمرّ به قليلً ثمّ ل نكمله‪ ،‬جرّبنا كلّ شيء‪:‬‬
‫الذكار‪ ،‬الصلوات‪ ،‬الكتب‪ ،‬المحاضرات‪ ،‬حفظ القرآن‪ ،‬ولكن وللسف ل نشعر بحلوة اليمان‪،‬‬
‫نريد أن ننجز شيئا ينفع هذه المّة‪ ..‬نحمل في قلوبنا الكثير لهذه المّة‪ ..‬نريد أن يرضى ال عنّا‪،‬‬
‫ولكن ل ندري ما هو المفتاح الذي يوصلنا ل‪ ،‬نشعر بعظم هذه المانة الملقاة على عاتقنا‪ ،‬ولكن ل‬
‫ندري كيف نؤدّيها على الوجه الذي يرضي ربّنا‪ ..‬قرعنا أبواب السماء‪ ،‬ولم نعرف ما هي السباب‬
‫التي علينا الخذ بها‪ ..‬أحيانا كثيرةً نتساءل عن الطريقة التي نستشعر بها حلوة اليمان الحقيقيّة‬
‫وقُرْبَنا من ال عزّ وجلّ‪.‬‬
‫ماذا نفعل كي نكون دعاةً نستحقّ أن نحمل لقب مسلمٍ من أمّة محمّد صلى ال عليه وسلم؟‬
‫نحتاج إلى من يمسك بأيدينا‪ ،‬يربّت على كتفنا‪ ..‬نحتاج إلى من يهتمّ بنا وبطموحنا‪ ..‬نحتاج إلى‬
‫من ل يكلنا إلى الشيطان‪ ..‬نعم نعلم أنّ من أراد مؤنسا فال يكفيه‪ ،‬ونوقن بقوله تعالى‪" :‬أليس ال‬
‫بكافٍ عبده"‪ ،‬ولكن ما هو الذي نحتاجه؟ ل ندري‪ ..‬نشعر بالضطّراب وبالتشتّت‪ ..‬البيئة ل تساعد‪،‬‬
‫ج َمعَنا ونحن نحمل نفس الظروف المحيطة‪ ..‬الهمّة ل تساعد‪ ،‬ل‬ ‫س بفضل ال علينا أنْ َ‬‫وإن كنّا نح ّ‬
‫ندري بأيّ القلم نخطّ هذه المشاعر‪ ..‬ل نعرف كيف نصنّف أنفسنا وإلى أيّ أبواب الخير ننتمي أو‬
‫بالحرى تنتمي هممنا وقلوبنا‪ ..‬نشعر بالضياع الكبير‪ ،‬وأحيانا كثيرةً نترك العمل‪ ،‬بل نترك أبسط‬
‫العمال التي من المفروض أن يقوم بها النسان‪ ،‬أل وهي الوِرد اليوميّ للقرآن‪.‬‬
‫أخي‪،‬‬
‫نرجوك أن ل تتسرّع بالجابة علينا وتحليل ما نحن فيه من القراءة الولى لهذه الرسالة‪،‬‬
‫ونتمنّى أن تعيد قراءتها أكثر من مرّة‪ ،‬ففي كلّ حرفٍ من كلماتنا إحساسٌ باللم‪ ،‬وشعورٌ بالحيرة‬
‫التي مللنا منها‪ ..‬أضعنا الكثير من الوقت‪ ،‬ول نريد إضاعة المزيد منه في تلك الدوامة التي نعيش‬
‫فيها‪ ،‬ول نعرف كيف السبيل إلى الخروج منها‪.‬‬
‫فنرجوك أن تساعدنا ولو بدعاءٍ في ظهر الغيب‪ ..‬ول تبخل علينا أخانا الكريم‪.‬‬
‫وجزاك ال كلّ الخير‪.‬‬
‫وعذرا على الطالة‪.‬‬
‫مسلماتٌ حائرات‪..‬‬
‫المستشار‬

‫كمال المصري‬

‫الرد‬
‫أخواتي المسلمات‪،‬‬
‫ت ومرّات‪،‬‬ ‫أ ْبعَد ال عنّي وعنكنّ وعن كلّ المسلمين الحيرة والضطّراب‪ .‬قرأت رسالتكنّ مرّا ٍ‬
‫ن إلى التفكير والتفكير‪ ،‬إذ‬
‫وتمعّنت فيها كثيرا‪ ،‬وتوقّفت أمامها كثيرا كذلك‪ ،‬وقد دفعتني حرارة حديثك ّ‬
‫ق وهمّ‪ ،‬هو ما في قلوبنا جميعا‪ ،‬وفي قلوب‬ ‫الحديث ذو شجون‪ ،‬وما حواه حديثكنّ من حنينٍ وشو ٍ‬
‫الدعاة الذين يحملون همّ أمّتهم‪ ،‬فكلّنا نعاني منه‪ ،‬وكلّنا تتدافعنا أشواق الحساس بلذّة اليمان‬
‫وحلوته‪ ،‬وينبغي علينا كلّنا أن نبقى نعمل ونسعى كي نصل إلى أيّة درجةٍ منه‪ ،‬حتى نلقى ال تعالى‬
‫ونحن كذلك‪.‬‬
‫وبعد إثبات هذه الحقيقة‪ ،‬سأحدّثكنّ في نقاطٍ عدّة‪ ،‬وسأطرح نهايةً "نظريّة" مختلفةً نوعا ما عمّا‬
‫تأسّس في الذهان‪ ،‬والنقاط هي‪:‬‬
‫‪ -1‬التأكيد على مفهومٍ طرحناه كثيرا وردّدناه أكثر‪ ،‬وهو أنّنا بش ٌر ولسنا ملئكة‪ ،‬وأنّ نفوسنا‬
‫ط وفتور‪ ،‬وما علينا فعله حين تكون نفوسنا ضعيفةً هو ما أمرنا به رسولنا صلى ال‬ ‫ستبقى بين نشا ٍ‬
‫ل عملٍ شِرّة‪ ،‬ولكلّ شِرّة فترة‪ ،‬فمن كانت فترته إلى سنّتي فقد أفلح‪ ،‬ومن‬ ‫عليه وسلم حين قال‪" :‬لك ّ‬
‫كانت إلى غير ذلك فقد هلك"رواه أحمد والبزّار ورجاله رجال الصحيح‪ ،‬والشّرّة هي‪ :‬النشاط‬
‫ن لكلّ شيءٍ شِرّة‪ ،‬ولكلّ‬
‫والرغبة‪ ،‬والفترة هي‪ :‬النكسار والضعف‪ ،‬وروى الترمذيّ بسندٍ صحيح‪" :‬إ ّ‬
‫شِ ّرةٍ فترة‪ ،‬فإنْ صاحِبها سدّدَ وقارَب فأرجوه‪ ،‬وإن أشير إليه بالصابع فل تعدّوه"‪ ،‬فمن طبيعة النفس‬
‫إذن التقلّب‪ ،‬هكذا خلقها ال تعالى‪ ،‬وهكذا أرداها سبحانه أن تكون‪ ،‬والمطلوب في حالة الضعف‬
‫والفتور أن نُبقِي على الح ّد الدنى من الطاعات‪ ،‬وأل نقع في المعاصي‪ ،‬وهو ما عبّر عنه الحديث‬
‫الوّل بـ "فمن كانت فترته إلى سنّتي فقد أفلح"‪ ،‬أي التزام أوامر رسول ال صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫وهو ما قال فيه الحديث الثاني‪" :‬سدّد وقارَب"‪.‬‬
‫كما هناك الحديث الشهير الذي اعتدنا ذكره وتذكّره "حديث حنظلة"‪ ،‬ففي الحديث الشهير الذي‬
‫رواه المامان أحمد ومسلم عن حنظلة الُسَيديّ –وكان من كُتّاب رسول ال صلى ال عليه وسلم‪-‬‬
‫قال‪ :‬لقيني أبو بكر فقال‪ :‬كيف أنت يا حنظلة؟ قال‪ :‬قلت‪ :‬نافق حنظلة‪ ،‬قال‪ :‬سبحان ال‪ ،‬ما تقول؟‬
‫قال‪ :‬قلت نكون عند رسول ال صلى ال عليه وسلم يذكّرنا بالنار والجنّة حتى كأنّا رأيَ عين‪ ،‬فإذا‬
‫خرجنا من عند رسول ال صلى ال عليه وسلم عافسنا –أي لعبنا‪ -‬الزواج والولد والضيْعات‪،‬‬
‫فنسينا كثيرا‪ ،‬قال أبو بكر‪ :‬فوال إنّا لنلقى مثل هذا‪ ،‬فانطلقت أنا وأبو بكرٍ حتى دخلنا على رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬قلت‪ :‬نافق حنظلة يا رسول ال‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬وما‬
‫ذاك؟" قلت‪ :‬يا رسول ال نكون عندك تذكّرنا بالنار والجنة حتى كأنّا رأيَ عين‪ ،‬فإذا خرجنا من‬
‫عندك عافسنا الزواج والولد والضيْعات نسينا كثيرا‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬والذي‬
‫ن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملئكة على فُرُشكم وفي‬ ‫نفسي بيده‪ ،‬إ ْ‬
‫طرقكم‪ ،‬ولكن يا حنظلة ساعةٌ وساعة" ثلث مرات‪ .‬فلنتذكّر دائما‪" :‬ساعةٌ وساعة"‪.‬‬
‫‪ -2‬تحدّ َثتْ رسالتكنّ عن بعض أسباب هذه المشكلة‪ ،‬والحديث في السباب جزءٌ ها ّم في‬
‫المسألة‪ ،‬إذ هي جزءٌ من العلج‪ ،‬تحدّثتنّ عن الغربة النفسيّة‪ ،‬وعن البيئة غير المساعدة‪ ،‬وعن‬
‫الضطّراب وعدم معرفة ما عليكنّ عمله‪ ،‬وأضيف إليها سببا رابعا متعلّقا بفهمنا لمنطق اليمان‪.‬‬
‫هذه أسبابٌ علجها يكمن فيها‪ ،‬فالغربة النفسيّة منشأها الساسيّ –في نظري‪ -‬من المجتمعات‬
‫التربويّة المغلقة التي نضع أنفسنا فيها‪ ،‬والتي تفصلنا عن مجتمعنا الواسع وتجعلنا غير متوافقين‬
‫معه‪ ،‬والبيئة غير المساعدة مرتبط ٌة بضعفنا في دعوة أهلينا وعائلتنا‪ ،‬وبضعف صلتنا بالمجتمع‬
‫كملتزمين وعدم تواصينا في ما بيننا بالحقّ وبالصبر‪ ،‬والضطّراب مكمنه عدم وضوح الرؤيا‪ ،‬أو‬
‫عدم صبرنا على الطريق‪ ،‬وتنقّلنا بين وسيلةٍ وأخرى دون استكمال المطلوب‪ ،‬وأمّا منطق اليمان‬
‫ففهمنا المغلوط له يجعلنا نبحث عنه في قراءة القرآن‪ ،‬وقيام الليل‪ ،‬والصيام وغيرها من العبادات‬
‫فقط‪ ،‬وننسى أنّ ركنه الثاني هو إيمان المعاملة‪ ،‬أن نستشعر القرب من ال تعالى حين نعمل ل‪،‬‬
‫وحين نعين المحتاج‪ ،‬وحين نكون أعضاء صالحين ومنتجين في مجتمعنا‪ ،‬وحين نلتزم بأخلق‬
‫السلم في كلّ معاملةٍ نتعاملها مع الناس‪ ،‬أن تغدوا هذه المور روافد تصبّ اليمان في قلوبنا كما‬
‫يصبّ قيام الليل وقراءة القرآن والتصدّق والصيام‪.‬‬
‫‪ -3‬بالتأكيد وممّا لشكّ فيه أنّه كانت هناك لحظات تذوقتنّ فيها حلوة اليمان‪ ،‬واستشعرت ّ‬
‫ن‬
‫أنّكنّ فوق الدنيا وما فيها‪َ ،‬تطِرْنَ في رحب الكون وسعته‪ ،‬وتطاولن عنان السماء وسموّها‪ ،‬وأيقنتنّ‬
‫أل أحد في الدنيا أقرب إلى ال تعالى منكنّ‪ ،‬وهذه اللحظات طالت أم قصرت‪ ،‬فقد حقّقت المراد‪،‬‬
‫وأشعلت الهمّة‪ ،‬التي ما لبثت أن عادت إلى الهدوء‪.‬‬
‫ن صورة قلوبنا وإيماننا ليست مظلمةً باستمرار‪ ،‬إذ فيها دائما ومضات نور‪،‬‬ ‫ما أريد قوله هو أ ّ‬
‫وبريق أمل‪ ،‬علينا فقط أن نتمسّك بهذا النور‪ ،‬وأن نوسّع رقعته قدر استطاعتنا‪ ،‬كيف؟ عبر‬
‫ت ومعاملت) استشعرنا فيها أنّها الحبّ إلى نفوسنا‪ ،‬والسرع إلى رفع درجة‬ ‫ممارساتٍ (عبادا ٍ‬
‫إيماننا‪ ،‬فيصبح المطلوب منّا حينها أن نكثر من هذه الممارسات ونزيد‪ ،‬علّها تحقّق ما نصبو إليه أو‬
‫ن اليمان في النفوس يزيد وينقص‪ ،‬كما قرّر علماء العقيدة‪.‬‬‫بعضا منه‪ ،‬مع النتباه إلى أ ّ‬
‫‪" -4‬النظريّة" التي أودّ عرضها هي‪ :‬لماذا نفترض أنّنا سنصل إلى حلوة اليمان في الدنيا؟‬
‫من قال هذا ولماذا؟ لماذا ل تكون ضمن الشياء التي قد تؤخّر إلى الخرة كما أخبر صلى ال عليه‬
‫وسلم في مسألة إجابة الدعاء‪" :‬ما من مسلمٍ يدعو ال عزّ وجلّ بدعوةٍ ليس فيها إثمٌ ول قطيعة رحم‪،‬‬
‫إل أعطاه ال بها إحدى ثلث‪ :‬إمّا أن يعجّل له دعوته‪ ،‬وإمّا أن يؤخّرها له في الخرة‪ ،‬وإمّا أن‬
‫يصرف عنه من السوء مثلها"‪ ،‬قالوا‪ :‬إذا نكثر‪ ،‬قال‪" :‬ال أكثر وأطيب"رواه أحمد والطبرانيّ والبزّار‬
‫بسندٍ صحيح‪.‬‬
‫لماذا ل تؤخّر حلوة إيمان قلوبنا كي يتضاعف ثوابها؟‬
‫لقد أمرنا ال تعالى بالمسارعة والمسابقة‪ ،‬ولكن إلى ماذا؟ "وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربّكم وجنة‬
‫عرضها السماوات والرض أعدّت للمتّقين"‪" ،‬سابقوا إلى مغفرةٍ من ربّكم وجنةٍ عرضها كعرض‬
‫السماء والرض أعدّت للذين آمنوا بال ورسله"‪ ،‬إذن هي كلّها للجنّة وليست إلى حلوة اليمان في‬
‫الدنيا‪ ،‬فالحلّ إذن هو السعي والعمل والبذل‪ ،‬وعيننا إلى هناك حيث الجر المضاعف أضعافا كثيرةً‬
‫وال يضاعف لمن يشاء‪ ،‬لنكن طمّاعين إذن‪ ،‬ولنرضَ بهذا العنت في الدنيا –بل ولنسعد به ولنسعَ‬
‫إليه‪ -‬كي ننال الجزاء الوفى يوم القيامة‪ ،‬ولنكثر‪ ،‬فال تعالى أكثر وأطيب‪.‬‬
‫‪ -5‬بقي أن أتحدّث عن طلبكنّ منّي الدعاء‪ ،‬وهو أم ٌر قمت به منذ قراءتي الولى للستشارة‪،‬‬
‫ولكنّي أتمنّى لو تحوّل الدعاء إلى "اتّفاقيّة دعاءٍ عالميّة"‪ ،‬يقوم بها الدعاة رجالً ونساءً في كلّ مكان‪،‬‬
‫فيخصّصون في دعائهم دوما جزءا يدعون فيه لخوانهم وأخواتهم بالهداية والثبات في الدنيا‪،‬‬
‫والفلح والفوز في الخرة‪ ،‬أتمنّى لو أحيينا هذه الفكرة‪ ،‬لتكون تواصلً ربّانيّا يربط القلوب ويحيي‬
‫النفوس‪.‬‬
‫ختاما أخواتي الكريمات‪،‬‬
‫أرجو ال تعالى أن تكون كلماتي قد ربّتت على الكتاف‪ ،‬وخفّفت الحزان والهموم‪ ،‬وأزالت‬
‫الحيرة‪ ..‬اللهمّ آمين‪.‬‬
‫وكلّ ما أطلبه منكنّ‪:‬‬
‫‪ -‬أن ل تتوقّفن عن العمل مهما كانت الظروف أو النتائج‪ ،‬فعيوننا دوما ترنو إلى هناك ل إلى‬
‫الدنيا‪ ،‬فلنكن طمّاعين‪ ،‬فهذا هو موطن الطمع المحمود‪.‬‬
‫‪ -‬أن تتذكّرنني في اتّفاقيّة الدعاء العالميّة‪.‬‬
‫أمّا ما علينا جميعا فعله فهو‪ :‬أن نحبّ ربّنا سبحانه‪ ،‬وأن تردّد قلوبنا وأفعالنا دائما‪:‬‬
‫أبيع وربّـيَ منّي اشترى‪ .......‬أبـيع الحـيا َة ول أستشيرْ‬
‫وأُشهِد خلقك أنّـيَ عبدٌ‪ .......‬أحبّ المليكَ العزيزَ الغفورْ‬
‫وأسلم عند لِقاك الرّحال‪ .......‬وألقى لديك عناء المسيرْ‬
‫اللهمّ اشهد واقبل‪ ،‬وأرِحنا يوم نلقاك من عناء مسيرنا إليك‪.‬‬
‫وبانتظار ردّكنّ‪.‬‬

‫حقيقة اليمان‬
‫"كيف نقق الفرار إل ال؟؟ "وادعوه خوفا وطمعا‬
‫السؤال‪:‬‬
‫كيف يمكن أن يحقّق النسان الفرار إلى ال؟‬
‫وما الوسائل والمثلة على ذلك من الحاضر ومن الماضي؟‬
‫المستشار‪:‬‬

‫الشيخ ناظم المسباح‬

‫الرد‬
‫أخي الكريم‬
‫السلم عليكم ورحمة ال وبركاته‪،‬‬
‫حفظك ال ورعاك وأدام عليك نعمة الوبة إلى ال‪ ،‬وأعانك على الفرار إليه سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫واللجوء إلى ال –أخي العزيز‪ -‬والفرار إليه يكون باتّباع أوامره واجتناب نواهيه‪ ،‬والوقوف عند‬
‫حدود الحلل والحرام‪ ،‬والهتداء بتعاليم المصطفى صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فقد قال ال تعالى‪" :‬وما‬
‫آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا"‪.‬‬
‫ومن المور جيّدة التوصيل إلى ال تعالى ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬حبّ ال‪ :‬وهو قارب النجاة من الفتن‪ ،‬وعاصم المرء من الخطايا‪ ،‬فحبّ ال ينجى المسلم‬
‫من الغرق في بحر الدنيا وحطامها‪ ،‬واللهث وراء متعها وشهواتها‪ ،‬فالذي تعلّق قلبه بال ل يطغى‬
‫عليه حبّ آخر‪ ،‬وال تعالى يقول‪" :‬قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم‬
‫وأموالٌ اقترفتموها وتجارةٌ تخشون كسادها ومساكنُ ترضَونها أحبّ إليكم من ال ورسوله وجهادٍ في‬
‫سبيله فتربّصوا حتى يأتي ال بأمره وال ل يهدى القوم الفاسقين"‪ ،‬ويقول تعالى‪" :‬والذين آمنوا أشدّ‬
‫حبّا ل"‪ ،‬فحبّ ال والتعلّق به يصنع المعجزات‪ ،‬إذ يهتدي المسلم بهدى ال‪ ،‬ويسترشد بنوره‪.‬‬
‫‪ -2‬حبّ الرسول صلى ال عليه وسلم‪ :‬قول ال تعالى " قل إن كنتم تحبّون ال فاتّبعوني‬
‫يحببكم ال"‪ ،‬ويقول الرسول صلى ال عليه وسلم‪" :‬ل يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من والده‬
‫وولده والناس أجمعين"رواه البخاري‪ ،‬وحبّ الرسول صلى ال عليه وسلم يكون بتمثّل سنّته الشريفة‪،‬‬
‫والقتداء بأخلقه النبيلة‪ ،‬وأخذ العظة والعبرة من سيرته العطرة‪.‬‬
‫ي صلى ال عليه وسلم الورع في عبارةٍ واحدة‪ ،‬فقال‪" :‬من حسن إسلم‬ ‫‪ -3‬ال َورَع‪ :‬مع النب ّ‬
‫المرء تركه ما ل يعنيه"رواه الترمذيّ وابن ماجه بسندٍ حسن‪.‬‬
‫فالمسلم الذي يريد التقرّب إلى ال عزّ وجلّ لبدّ أن يكون ورعا‪ ،‬يدقّق في الحلل فيأتيه‪ ،‬ويعرف‬
‫الحرام فيتجنّبه‪ ،‬فقد كان الصحابة رضى ال عنهم يتحرّون في هذا الشأن‪.‬‬
‫‪ -4‬تجديد التوبة والستغفار دائما‪ :‬قول تعالى‪" :‬يأيّها الذين آمنوا توبوا إلى ال توبةً نصوحا"‪،‬‬
‫ويقول الرسول صلى ال عليه وسلم‪" :‬وال إنّي لستغفر ال وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين‬
‫مرّة"رواه البخاري‪ ،‬فالتوبة تجدّد اليمان‪ ،‬والستغفار يزيل الخطايا‪.‬‬
‫‪ -5‬الستعداد للخرة وتذكّر الموت‪ :‬قول تعالى‪" :‬كلّ نفسٍ ذائقة الموت وإنّما ُت َو ّفوْن أجوركم‬
‫يوم القيامة فمن زُحزِح عن النار وأُدخِل الجنّة فقد فاز وما الحياة الدنيا إل متاع الغُرور"‪.‬‬
‫‪ -6‬التقرّب إلى ال تعالى بالنوافل‪ :‬النوافل هي ماعدا الفرائض التي افترضها ال سبحانه‬
‫وتعالى على عباده من جميع أجناس الطاعات‪ ،‬من صلةٍ وصيامٍ وحجّ وصدق ٍة وأذكار‪ ،‬وكلّ ما ندب‬
‫ال سبحانه إليه ورغّب فيه من غير حتمٍ أو افتراض‪ ،‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬إنّ ال‬
‫ي ممّا افترضت‬‫ب إل ّ‬‫قال‪" :‬من عادى لي وليّا فقد آذنته بالحرب‪ ،‬وما تقرّب إليّ عبدي بشيءٍ أح ّ‬
‫عليه‪ ،‬وما يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أحبّه‪ ،‬فإذا أحببته‪ ،‬كنت سمعه الذي يسمع به‪،‬‬
‫وبصره الذي يُبصِر به‪ ،‬ويده التي يبطش بها‪ ،‬ورجله التي يمشى بها‪ ،‬وإن سألني لعطينّه ولئن‬
‫استعاذني لعيذنّه‪ ،‬وما تردّدت عن شيءٍ أنا فاعله تردّدي عن نفس المؤمن‪ ،‬يكره الموت‪ ،‬وأنا أكره‬
‫مساءته"رواه البخاري‪.‬‬
‫‪ -7‬الرفقة الصالحة‪ :‬الرسول صلى ال عليه وسلم يقول‪" :‬المرء على دين خليله‪ ،‬فلينظر‬
‫أحدكم من يُخالل"رواه أحمد والحاكم بسندٍ صحيح‪ ،‬والصحبة الصالحة تحقّق فوائد كثيرة‪ ،‬منها العون‬
‫على الخير والمعروف‪ ،‬والحفظ من الوقوع من في الش ّر والمنكر‪.‬‬
‫فالرفقة الصالحة هي التي تقود إلى الجنّة‪ ،‬بشرط التزامها بالشروط‪:‬‬
‫ق وتواصَوا بالصبر"‪" ،‬ل اختلف بينهم ول تباغض‪ ،‬قلوبهم قلب رجلٍ واحد‪،‬‬ ‫"وتواصَوا بالح ّ‬
‫يسبّحون ال بكرةً وعشيّا"كما وصفهم صلى ال عليه وسلم في الحديث الذي رواه المام البخاريّ‪.‬‬
‫ولذلك تعلّمها صحابته رضوان ال عليهم‪ ،‬وكانوا دائما ما يقول أحدهم للخر‪" :‬اجلس بنا نؤمن‬
‫ل نؤمن ساعة" كما روى ذلك المامان أحمد والبخاريّ‪.‬‬‫ساعة" أو "تعا َ‬
‫فهذه هي العمال التي تحقّق الوصال بال تعالى والفرار إليه رغَبا ورهَبا‪ ،‬خوفا وطمعا‪.‬‬

‫حقيقة اليمان‬
‫علمات حب ال للعبد‬
‫السؤال‪:‬‬
‫ما هي علمات محبة ال للعبد ورضاه عنه؟‬
‫المستشار‪:‬‬

‫الشيخ عبدالحميد البللي‬


‫الرد‬
‫"يسأل الخ الفاضل شادي عن علمات حب ال للعبد‪ ،‬وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على‬
‫حرصه على محبة ال تعالى‪ ،‬وعلى العلمات الصحيحة الدالة على ذلك ليميز بين الوهم والحقيقة‪.‬‬
‫وعلمات حب ال للعبد كثيرة ذكر ال بعضها في القرآن الكريم وذكر الرسول صلى ال عليه وسلم‬
‫البعض الخر في سنته الشريفة ومن أبرز هذه العلمات ما يلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬اتباع هدي النبي صلى ال عليه وسلم‪ :‬حيث قال تعالى في كتابه الكريم "قل إن كنتم‬
‫تحبون ال فاتبعوني يحببكم ال ويغفر لكم ذنوبكم وال غفور رحيم" فحب ال لعبده مرتبط ارتباطًا‬
‫وثيقًا باتباع هذا العبد لسنة نبيه صلى ال عليه وسلم بكل ما قال وما عمل‪.‬‬
‫‪ - 2‬محبة المؤمنين والتواضع لهم‪ :‬حيث قال تعالى في كتابه الكريم "يا أيها الذين آمنوا من‬
‫يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي ال بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين" في هذه الية ذكر‬
‫لصفات القوم الذين يحبهم ال‪ ،‬وكانت أولى هذه الصفات التواضع وعدم التكبر عليهم‪ ،‬وتقديم‬
‫المسامحة والعفو على النتقام‪ ،‬ويبتعد عن الخلف الذي يوغر الصدور‪.‬‬
‫‪ - 3‬أعزة على الكافرين‪ :‬فل يذل لهم ول يخضع‪ ،‬ول يتبعهم ويأخذ منهم القوانين والخلق‪،‬‬
‫ول يواليهم ويعينهم على المسلمين‪ ،‬وأن يشعر أن ما لديه أرفع مما لديهم من الباطل‪.‬‬
‫‪ - 4‬يجاهدون في سبيل ال‪ :‬وهي الصفة الثالثة التي ذكرت في اليات‪ ،‬ومعنى الجهاد‪ :‬جهاد‬
‫العداء وجهاد النفس وإخضاعها لما يحب ال‪ ،‬جهاد الشيطان وما يلقي في النفس من الباطل‪ ،‬جهاد‬
‫الهوى فهو في تزكية دائمة لنفسه‪ ،‬حتى يصل إلى الجنة‪.‬‬
‫‪ - 5‬ول يخافون لومة لئم‪ :‬وهي الصفة الرابعة في اليات‪ ،‬فعندما يقوم بواجبه من المر‬
‫بالمعروف والنهي عن المنكر ل يهمه من يلومه‪ ،‬وكذلك إذا ما قام بالتزامه بأوامر دينه ل يهمه من‬
‫يستهزئ به ويلومه‪ ،‬كما ل يكون هذا اللوم عائقًا يمنعه من القيام بواجبه‪.‬‬
‫‪ - 6‬القيام بالفرائض‪:‬وذلك لما جاء في صحيح البخاري "من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب‬
‫وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه…"‪.‬‬
‫‪ - 7‬القيام بالنوافل‪ :‬وتكملة الحديث السابق "وما زال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه"‬
‫والنوافل كل عبادة ليست فرضًا‪ ،‬كقراءة القرآن والصدقات والذكار وزيارة المقابر ومساعدة‬
‫الضعفاء‪.‬‬
‫‪ - 8‬الحبّ في ال‪ :‬حيث ذكر الرسول صلى ال عليه وسلم فيما يرويه عن ربه ما رواه أحمد‬
‫وابن حبان والحاكم وقال‪ :‬صحيح على شرطهما ولم يخرجاه‪" :‬حقت محبتي للمتحابين فيّ‪ "...‬فكلما‬
‫أحببت أخاك في ال أحبك ال‪.‬‬
‫‪ - 9‬التواصل في ال‪ :‬وتكملة الحديث السابق "وحقت محبتي للمتواصلين فيّ‪ "...‬أي أن تكون‬
‫العلقات والصلة مبنية على محبة ال ل لمصلحة من مصالح الدنيا‪.‬‬
‫‪ -10‬التناصح في ال‪ :‬تكملة الحديث "وحقت محبتي للمتناصحين فيّ‪."...‬‬
‫‪ -11‬التزاور في ال‪" :‬وحقت محبتي للمتزاورين فيّ‪."...‬‬
‫‪ -12‬التباذل في ال‪" :‬وحقت محبتي للمتباذلين فيّ…" أي يبذل كل منهم ما لديه لخيه ل وليس‬
‫لي غرض من أغراض الدنيا‪.‬‬
‫هذه بعض صفات محبة ال للعباد نسأل ال تعالى أن نكون من عبيده الذين يحبهم"‪.‬‬
‫وهناك أيضا حبّ الناس له والقبول في الرض ‪ ،‬كما في حديث البخاري‪" :‬إذا أحب ال العبد‬
‫نادى جبريل إن ال يحب فلنا فأحببه فيحبه جبريل فينادي جبريل في أهل السماء إن ال يحب فلنا‬
‫فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الرض"‪.‬‬
‫وأوضح رسول ال صلى ال عليه وسلم أسباب حبّ الناس له في الحديث‪" :‬أحبّ الناس إلى ال‬
‫ب العمال إلى ال سرور تدخله على مسلم‪ ،‬أو تكشف عنه كربةً‪ ،‬أو تقضي عنه‬ ‫أنفعهم للناس‪ ،‬وأح ّ‬
‫دينا أو تطرد عنه جوعا‪ ،‬ولئن أمشي مع أخ لي في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد‬
‫شهرا‪ ،‬في مسجد المدينة‪ ،‬ومن كف غضبه ستر ال عورته‪ ،‬ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه‬
‫أمضاه‪ ،‬مل ال قلبه رجاء يوم القيامة‪ ،‬ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يثبتها له ثبت ال قدمه‬
‫يوم تزول القدام" المعجم الصغير"‪.‬‬
‫انتهت إجابة الشيخ البللي حول علمات وأسباب حبّ ال للعبد‪ ،‬وللمام أبي حامد الغزالي‬
‫كلمٌ طيبٌ في علمات محبة ال للعبد‪ ،‬يجدر بنا ذكره هنا رغم طوله‪" :‬اعلم أن المحبة يدعيها كل‬
‫أحد‪ ،‬وما أسهل الدعوى وما أعز المعنى‪ .‬فل ينبغي أن يغتر النسان بتلبيس الشيطان وخدع النفس‬
‫مهما ادعت محبة ال تعالى‪ ،‬ما لم يمتحنها بالعلمات‪ ،‬ولم يطالبها بالبراهين والدلة‪ ،‬والمحبة شجرة‬
‫طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء‪ ،‬وثمارها تظهر في القلب واللسان والجوارح‪ ،‬وتدل تلك الثار‬
‫الفائضة منها على القلب والجوارح على المحبة دللة الدخان على النار‪ ،‬ودللة الثمار على‬
‫الشجار‪.‬‬
‫صوّر أن‬‫وهي كثيرة‪ ،‬فمنها حب لقاء الحبيب بطريق الكشف والمشاهدة في دار السلم‪ ،‬فل يُ َت َ‬
‫يحب القلب محبوبًا إل ويحب مشاهدته ولقاءه‪ ،‬وإذا علم أنه ل وصول إل بالرتحال من الدنيا‬
‫ومفارقتها بالموت فينبغي أن يكون محبًا للموت غير فارّ منه‪ ،‬فإن المحب ل يقل عليه السفر عن‬
‫وطنه إلى مستقر محبوبه ليتنعم بمشاهدته‪ ،‬والموت مفتاح اللقاء‪ ،‬وباب الدخول إلى المشاهدة‪ ،‬قال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪" :‬من أحب لقاء ال أحب ال لقاءه"‪.‬‬
‫ق العمل‬
‫ومنها‪ :‬أن يكون مؤْثِرًا ما أحبه ال تعالى على ما يحبه في ظاهرة وباطنه‪ ،‬فيلزم مشا ّ‬
‫ويجتنب اتباع الهوى‪ ،‬ويعرض عن دَعة الكسل‪ ،‬ول يزال مواظبًا على طاعة ال ومتقربًا إليه‬
‫بالنوافل‪ ،‬وطالبًا عنده مزايا الدرجات كما يطلب المحب مزيد القرب في قلب محبوبه‪ ،‬وقد وصف‬
‫ال المحبين باليثار فقال‪" :‬يحبون من هاجر إليهم ول يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا‬
‫ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة"‪.‬‬
‫ولذلك قال ابن المبارك فيه‪:‬‬
‫تعصي الله وأنت تظهر حبّه‪ ...‬هذا لعمري في الفعال بديعُ‬
‫لو كان حبّك صادقًا لطعـته‪ ...‬إن المحـب لمـن يـحـب مطـيعُ‬
‫ومنها‪ :‬أن يكون مستهترًا (المستهتر بالشيء‪ :‬المولع به) بذكر ال تعالى‪ ،‬ل يفتر عنه لسانه‬
‫ول يخلو عنه قلبه‪ ،‬فمن أحب شيئًا أكثر بالضرورة من ذكر ما يتعلق به‪ ،‬فعلمة حب ال حب‬
‫ذكره‪ ،‬وحب القرآن الذي هو كلمه‪ ،‬وحب رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وحب كل من ينسب‬
‫إليه‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أن يكون أنسه بالخلوة‪ ،‬ومناجاته ل تعالى‪ ،‬وتلوة كتابه‪ ،‬فيواظب على التهجد‪ ،‬ويغتنم‬
‫هدوء الليل وصفاء الوقت بانقطاع العوائق‪ ،‬وأقل درجات الحب التلذذ بالخلوة بالحبيب والتنعم‬
‫بمناجاته‪ ،‬فمن كان النوم والشتغال بالحديث ألذ عنده وأطيب من مناجاة ال كيف تصح محبته؟‬
‫ومنها‪ :‬أن ل يتأسف على ما يفوته مما سوى ال عز وجل‪ ،‬ويعظم تأسفه على فوت كل ساعة‬
‫خلت عن ذكر ال تعالى وطاعته‪ ،‬فيكثر رجوعه عن الغفلت بالستعطاف والستعتاب والتوبة‪ ،‬قال‬
‫بعض العارفين‪ :‬إن ل عبادا أحبوه واطمأنوا إليه‪ ،‬فذهب عنهم التأسف على الفائت‪ ،‬فلم يتشاغلوا‬
‫بحظ أنفسهم إذ كان مُلك مليكهم تامًا‪ ،‬وما شاء كان‪ ،‬فما كان لهم فهو واصل إليهم‪ ،‬وما فاتهم فبحسن‬
‫تدبيره لهم‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أن يتنعم بالطاعة ول يستثقلها‪ ،‬ويسقط عنه تعبها‪ ،‬كما قال بعضهم‪ :‬كابدتُ الليل‬
‫عشرين سنة‪ ،‬ثم تنعمتُ به عشرين سنة‪.‬‬
‫وقال الجنيد‪ :‬علمة المحب دوام النشاط والدءوب‪ ،‬بشهوة تفتر بدنه ول تفتر قلبه‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أن يكون مشفقًا على جميع عباد ال‪ ،‬رحيمًا بهم‪ ،‬شديدًا على جميع أعداء ال وعلى كل‬
‫من يقارف شيئًا مما يكرهه‪ ،‬كما قال ال تعالى‪" :‬أشداء على الكفار رحماء بينهم"‪ ،‬ول تأخذه لمة‬
‫لئم‪ ،‬ول يصرفه عن الغضب ل صارف‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أن يكون في حبه خائفًا متضائلً‪ ،‬تحت الهيبة والتعظيم‪ ،‬وقد يظن أن الخوف يضاد‬
‫الحب‪ ،‬وليس كذلك‪ ،‬بل إدراك العظمة يوجب الهيبة‪ ،‬كما أن إدراك الجمال يوجب الحب‪،‬‬
‫ولخصوص المحبين مخاوف في مقام المحبة ليست لغيرهم‪ ،‬وبعض مخاوفهم أشد من بعض‪.‬‬
‫فأولها‪ :‬خوف العراض‪ ،‬وأشد منه خوف الحجاب‪ ،‬وأشد منه خوف البعاد‪ ،‬وهذا المعنى في‬
‫سورة هود هو الذي شيب سيد المحبين (إشارة إلى حديث قوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬شيبتني هود")‬
‫إذ سمع قوله تعالى‪" :‬أل ُب ْعدًا لثمود"‪" ،‬أل بعدًا لمدين كما بعدت ثمود""‪.‬‬
‫وأبرز ملحظةٍ في هذه العلمات والسباب أنها في معظمها أفعالٌ إنسانيةٌ تعاملية‪ ،‬ترتبط‬
‫بالمجتمع والناس وحياتهم وسلوكهم‪.‬‬
‫أخي الداعية‪ :‬تريد حبّ ال تعالى؟ التزم الفرائض وتزود بالنوافل‪ ،‬واتبع نبيك صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وكن نافعا للناس‪ ،‬شاركهم حياتهم‪ ،‬زرهم‪ ،‬ابذل لهم‪ ،‬اخدمهم‪ ،‬اسع في حاجتهم‪ ،‬أدخل السرور‬
‫إلى قلوبهم‪.‬‬
‫افعل ذلك وسينادي ال تعالى جبريل عليه السلم ليخبره أنه يحبك‪ ...‬المحرر‪.‬‬

‫حقيقة اليمان‬
‫ف التقوى‪ ..‬والتوكل‪ ..‬والصب‪ ..‬وإجابة الدعاء‬
‫السؤال‪:‬‬
‫لقد قرأت في كتاب ال العزيز‪" :‬ومن يتّقِ ال يجعل له مخرجا‪ ،‬ويرزقه من حيث ل يحتسب‬
‫ومن يتوكّل على ال فهو حسبه" وإن شاء ال تكونون من المأجورين‪.‬‬
‫سؤالي هو‪ :‬كيف تتحقّق تقوى ال؟ وما الشروط التي يجب أن أتّبعها كي أصبح تقيّة‪ ،‬ويجعل ال لي‬
‫مخرجا؟ وما التوكّل على ال؟ وكيف يكون؟‬
‫لي سؤالٌ أخيرٌ أيضا‪ :‬كيف أصبر على مصائب الدهر؟ كيف أشعر باليقين حين أتّجه ال بإجابة‬
‫الدعاء‪ ،‬حيث إنّني قرأت في حديثٍ عن عمر بن الخطاب رضي ال عنه عندما سئل عن الدعاء‪،‬‬
‫قال بأنّه ل يجد همّا في الدعاء‪ ،‬ولكن في اليقين إجابة الدعاء؟‬
‫أرجو أن أجد لديكم الجواب الشافي الذي يثلج صدري‪.‬‬
‫المستشار‪:‬‬

‫الشيخ عبدالحميد البللي‬

‫الرد‬
‫ابنتي عبلة‪،‬‬
‫زادك ال حرصا على تعلّم دينك‪ ،‬لقد سألت عن خمس مسائل‪ ،‬كلّ واحدةٍ منها تحتاج إلى مجلّدات‪،‬‬
‫ولذلك فسوف أركّز في إجابتي على أهمّ هذه السئلة‪ ،‬أل وهو سؤالك عن التقوى وشروطها‪ ،‬حيث‬
‫إنّ الية المشهورة في سورة الطلق تحتوي على قاعدةٍ إيمانيّةٍ كبيرة‪ ،‬إنّها قاعدةٌ ربّانيّ ٌة ل تخطئ‬
‫ق فيها‪" :‬ومن يتّقِ ال‬ ‫أبدا‪ ،‬فإذا ما تحقّق شرطها الوّل تحقّق الثاني دون إبطاء‪ ،‬حيث يقول الح ّ‬
‫يجعل له مخرجا‪ ،‬ويرزقه من حيث ل يحتسب"‪.‬‬
‫ما التقوى؟‬
‫التقوى هي الحماية‪ ،‬والحماية إمّا أن تكون من الخطار الخارجيّة أو الداخليّة‪ ،‬والخطار كثيرةٌ‬
‫ومتنوّعة‪ ،‬وأشدّها خطرا تلك التي تمنع النسان من دخول الجنّة‪ ،‬وتكون سببا لدخوله النار‪ ،‬وأَولى‬
‫أجزاء النسان بالحماية هو قلبه‪ ،‬حيث إنّه إذا صلح وسلم من الخطار صلح وسلم سائر الجسد‪،‬‬
‫حيث يقول النبيّ صلى ال عليه وسلم‪" :‬أل وإنّ في الجسد مضغة‪ ،‬إذا صلحت صلح الجسد كلّه‪ ،‬وإذا‬
‫فسدت فسد الجسد كلّه‪ ،‬أل وهي القلب"متّفقٌ عليه‪.‬‬
‫يقول حجّة السلم الغزالي‪" :‬العبادة شطران‪ ،‬اكتساب‪ :‬وهو فعل الطاعات‪ ،‬واجتناب‪ :‬وهو‬
‫تجنّب السيّئات‪ ،‬وهو التقوى‪ ،‬وشطر الجتناب أصلح وأفضل وأشرف للعبد من الكتساب‪ ،‬يصومون‬
‫نهارهم ويقومون ليلهم‪ ،‬واشتغل المنتبهون أولو البصائر بالجتناب‪ ،‬إنّما همّتهم حفظ القلوب عن‬
‫الميل لغيره تعالى‪ ،‬والبطون عن الفضول‪ ،‬واللسنة عن اللغو‪ ،‬والعين عن النظر إلى ما ل‬
‫يعنيهم"‪.‬‬
‫مراتب التقوى‪:‬‬
‫وحماية القلب والجوارح له ثلث درجات‪ ،‬أو ما يطلق عليه المام ابن القيّم بمراتب التقوى‬
‫الثلث‪ ،‬حيث يقول‪" :‬التقوى ثلث مراتب‪:‬‬
‫إحداها‪ :‬حمية القلب والجوارح من الثام والمحرّمات‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬حميتها عن المكروهات‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬الحمية عن الفضول وما ل يعني‪.‬‬
‫فالولى‪ :‬تعطي العبد حياته‪ ،‬والثانية تفيد صحّته وقوّته‪ ،‬والثالثة تكسبه سروره وفرحه وبهجته"‪.‬‬
‫الخطر الكبر‪:‬‬
‫ومن حمى نفسه من هذه الخطار‪ ،‬فقد حمى نفسه من الخطر الكبر‪ ،‬وهو النار التي أمر ال‬
‫تعالى في كتابه الكريم المؤمنين بالحماية من شرّها حيث قال‪" :‬يا أيّها الذين أمنوا قوا أنفسكم وأهليكم‬
‫نارا وَقودها الناس والحجارة عليها ملئكةٌ غلظٌ شدادٌ ل يعصون ال ما أمرهم ويفعلون ما‬
‫يؤمرون"‪.‬‬
‫وكذلك نتّقي هذا الخطر الكبر بالعمل الصالح‪ ،‬فهو السبب الرئيسيّ ‪-‬بعد رحمة ال‪ ،‬وحماية‬
‫القلب والجوارح من المعصية– في دخول الجنّة‪ ،‬والبتعاد عن النار‪ ،‬حيث يقول الرسول صلى ال‬
‫ق تمرة"رواه البخاري‪ ،‬ويقول الرسول صلى ال عليه وسلم‪" :‬من‬ ‫عليه وسلم‪" :‬اتّقوا النار ولو بش ّ‬
‫صام يوما في سبيل ال باعد ال وجهه عن النار سبعين خريفا"رواه البخاريّ ومسلم‪.‬‬
‫صفات المتّقين‪:‬‬
‫إنّ للمتّقين صفاتٌ كثيرةٌ تحميهم من نار جهنّم‪ ،‬يجاهدون أنفسهم للتّصاف بها طيلة بقائهم في‬
‫هذه الحياة الدنيا‪ ،‬وتتكامل هذه الصفات‪ ،‬وتزداد عمقا يوما بعد يومٍ كلّما تقرّبوا إلى ربّهم‪ ،‬ومن أبرز‬
‫هذه الصفات‪:‬‬
‫‪ -1‬استواء الظاهر مع الباطن‪ :‬أو هو الخلص في أحد صوره الجميلة‪ ،‬فالمخلص الذي يريد‬
‫وجه ال ل يفرّق في ذلك عندما يكون خاليا أو أمام الناس‪ ،‬حيث يستوي عنده الظاهر والباطن‪ ،‬أمّا‬
‫أولئك الذين يتظاهرون بالتقوى أمام الناس‪ ،‬وإذا خلَوا بمحارم ال انتهكوها‪ ،‬فأولئك يفضحهم ال في‬
‫الدنيا والخرة‪ ،‬ويسلبهم ال نور اليمان الذي يظهر جليّا على وجوه أولئك المخلصين‪ ،‬ويكون أثره‬
‫كالمغناطيس يجذب القلوب إليهم‪ ،‬بينما يتباعد الناس عن أولئك المتظاهرين‪ ،‬وينادي المام ابن القيّم‬
‫هذا المتظاهر بالتقوى متعجّبا‪" :‬سبحان ال‪ ،‬ظاهرك متج ّملٌ بلباس التقوى‪ ،‬وباطنك باطيةٌ لخمر‬
‫الهوى‪ ،‬فكلّما طيّبت الثوب فاحت رائحة المسكر من تحته فتباعد منك الصادقون‪ ،‬وانحاز إليك‬
‫الفاسقون" (الباطية هو الناء الذي تشرب فيه الخمر)‪ .‬إنّهم يتظاهرون بالتقوى ولكنّ قلوبهم مملوءةٌ‬
‫بحبّ غير ال‪ ،‬وقد اتّخذوا أهواءهم آلهةً من دون ال‪ ،‬وكلّ إناءٍ بما فيه ينضح‪.‬‬
‫‪ -2‬تقديم العمل على المظاهر‪ :‬إنّهم يعلمون حقّ العلم بأنّه ما من آيةٍ في القرآن الكريم ذكرت‬
‫اليمان إل وقرنته بالعمل‪ ،‬ويعلمون بأنّه لن يُنجِي العلم من غير عمل‪ ،‬ول المظاهر من غير عمل‪،‬‬
‫فإنّ ال ل ينظر إلى القلوب‪ ،‬وإذا عمرت القلوب بحبّ ال دفعها للعمل‪ ،‬وإذا ما عمل النسان طفح‬
‫أثر العمل على الجوارح‪ ،‬وكان إمام التابعين الحسن البصريّ يؤذيه رؤية ذلك الصنف من الناس‬
‫الذين يهتمّون بمظاهرهم على العمل‪ ،‬ويظنّون أنّ ذلك من التقوى‪ ،‬فقد رأى يوما فرقد السنجيّ‬
‫ن التقوى ليست في الكساء‪،‬‬‫وعليه جبّة صوف‪ ،‬فأخذ بجبّته ثمّ قال‪" :‬يا بن فرقد ‪-‬مرّتين أو ثلثة– إ ّ‬
‫إنّما التقوى ما وقر في القلب‪ ،‬وصدّقه العمل والفعل"‪.‬‬
‫ل لتقوية القلوب‪ ،‬فالقلب هو المضغة التي إذا‬ ‫‪ -3‬الهتمام بتقوية القلب‪ :‬إنّهم يتّجهون أ ّو ً‬
‫صلحت صلح سائر الجسد‪ ،‬ول يصلح الظاهر حتى يصلح الباطن‪ ،‬وما أجمل ما كان يقول الواعظ‬
‫يحيى بن معاذ‪" :‬عملٌ كالسراب‪ ،‬وقلبٌ من التقوى خراب‪ ،‬وذنوبٌ بعدد الرمل والتراب‪ ،‬ثمّ تطمع في‬
‫الكواعب التراب؟ هيهات‪ ،‬أنت سكرانٌ بغير شراب‪ ،‬ما أكملك لو بادرت أملك‪ ،‬ما أجلّك لو بادرت‬
‫أجلك‪ ،‬ما أقواك لو بادرت هواك"‪ .‬فما كمال العقل إل بمعرفة أهمّيّة الوقت‪ ،‬والمبادرة قبل انقضائه‬
‫بقيل وقال وكثرة السؤال‪ ،‬وإضاعته فيما ل يرتفع إلى السماء‪.‬‬
‫‪ -4‬الهتمام بالعلم والعمل‪ :‬فالتقوى هي العاصمة من القواصم‪ ،‬ومن كلّ فتن ٍة عاصفة‪ ،‬ول‬
‫يمكن أن تثبت حقيقة التقوى من غير علمٍ وعملٍ وإخلص‪ ،‬وقد نصح التابعيّ الجليل والزاهد‬
‫البصريّ الكبير طلق بن حبيب أتباعه باتّقاء الفتن بالتقوى فقال‪" :‬اتّقوها بالتقوى"‪ ،‬فقيل له‪ :‬صف لنا‬
‫التقوى‪ ،‬فقال‪" :‬العمل بطاعة ال‪ ،‬على نورٍ من ال‪ ،‬رجاء ثواب ال‪ ،‬وترك معاصي ال على نورٍ‬
‫من ال‪ ،‬مخافة عذاب ال"‪ .‬ونور ال هو العلم‪ ،‬ورجاء ثواب ال أي ابتغاء وجه ال بالعمل‪،‬‬
‫والخلص له‪ ،‬دون رجاء الثواب من غيره من المخلوقين‪ ،‬وترك المعاصي بالعلم مخافة عذاب ال‬
‫وليس مخافة البشر أو بانتظار ثنائهم‪.‬‬
‫ومن اتّصف بهذه الصفة‪ ،‬وهذا العمل المكمّل للعمل‪ ،‬وابتغاء وجه ال في ذلك فإنّه يكون في‬
‫مأمنٍ من الفتن‪ ،‬وإنّما يقع في الفتنة من جهل‪ ،‬وقلّت مخافته من ال تعالى‪ ،‬وابتغى غير وجه ال في‬
‫عمله‪.‬‬
‫‪ -5‬تنقية الطمع والغضب‪ :‬وهي من أبرز صفات المتّقين‪ ،‬حيث إنّهم يمارسون التوحيد‬
‫الخالص ل تعالى‪ ،‬ول يُدخِلون إلى قلوبهم أحدٌ غيره‪ ،‬كما قال أبو النبياء إبراهيم عليه السلم‪،‬‬
‫وجعلها رسولنا صلى ال عليه وسلم سنّةً في افتتاح كلّ صلة‪ ،‬عندما رغّبنا بأن نقول‪" :‬قل إنّ‬
‫صلتي ونسكي ومحياي ومماتي ل ربّ العالمين"‪.‬‬
‫وبالتالي يكون كلّ ما يقومون به نقيّا إل من ال تعالى‪ ،‬سلوكهم وقلوبهم ومعاملتهم‪ ،‬وممّا‬
‫يذكره بكر بن عبد ال المُزنيّ عن المؤمن أنّه‪" :‬ل يكون تقيّا حتى يكون نقيّ الطمع نقيّ الغضب"‪.‬‬
‫فل يغضب إل ل تعالى‪ ،‬ول يطمع بشيءٍ من زينة الدنيا‪ ،‬وإنّما يقصر طمعه لما عند ال من‬
‫النعيم‪ ،‬فكلّما رأى من جواذب الدنيا شيئا تذكر أنّ ما عند ال خي ٌر وأبقى‪ ،‬وكلّما أغضبه شيءٌ من‬
‫أمور الدنيا‪ ،‬تذكّر أنها ل تستحق أن يغضب لها وهي زائلة‪ ،‬فهو في تنقيةٍ دائمةٍ لغضبه وطمعه‬
‫وسلوكه ومعاملته‪ ،‬حتى يبقى على التوحيد الخالص ل تعالى‪.‬‬
‫‪ -6‬محاسبة النفس‪ :‬يقول التابعيّ الجليل ميمون بن مهران‪" :‬ل يكون الرجل تقيّا حتى يكون‬
‫لنفسه أشدّ محاسبةً من الشريك لشريكه‪ ،‬وحتى يعلم من أين ملبسه‪ ،‬ومطعمه‪ ،‬ومشربه"‪.‬‬
‫فهو امتدادٌ لصفة التنقية للطمع والسلوك والغضب‪ ،‬ذلك لنّ المحاسبة هي أحد الضمانات بعدم‬
‫تراكم الخطاء‪ ،‬ومراجعة العمال التي لم يكن فيها النقاء كما ينبغي‪ ،‬والمحاسبة صفةُ عظيمةٌ أقسم‬
‫ال سبحانه بها فقال‪" :‬ول أقسم بالنفس اللوّامة"‪ ،‬وهي تلك التي تلوم صاحبها على كلمه وأفعاله‪،‬‬
‫لينقّيها ممّا شابها من أدران المعاصي‪ ،‬وابتغاء غير وجهه سبحانه‪ ،‬وكان أمير المؤمنين عمر بن‬
‫الخطاب يقول‪" :‬حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا‪ ،‬وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا‪ ،‬وتزيّنوا للعرض‬
‫الكبر"‪.‬‬
‫‪ -7‬كراهية الثناء‪ :‬فالمتّقي ل تعالى‪ ،‬ل يبتغي وجها سواه‪ ،‬ول يطمع بشيءٍ سوى ما عنده من‬
‫الجنّة والرضى والجر العظيم‪ ،‬وكلّ ما دون ذلك ل يساوي في عينيه شيئا مهما قيل عنه وأثني‬
‫عليه‪ ،‬فهو أعلم الناس بنفسه‪ ،‬وبالتالي تراه ل يحرص على ثناء الخرين‪ ،‬ويتضايق منه لنّه يخشى‬
‫أن يسبب له انتفاخا ينسيه فضل ال عليه‪ ،‬وأن يكله إلى نفسه‪.‬‬
‫وكان التابعيّ الجليل ميمون بن مهران من هذا الصنف من المتّقين الذين يكرهون الثناء خوفا‬
‫ل وقال له‪ :‬يا أبا أيّوب‪ ،‬ما يزال الناس بخيرٍ ما أبقاك ال لهم‪ ،‬فردّ عليه‬‫على أنفسهم‪ ،‬فقد جاء رج ٌ‬
‫حال‪" :‬أقبِل على شأنك‪ ،‬ما يزال الناس بخيرٍ ما اتّقوا ربّهم"‪.‬‬
‫ولذلك نهى الرسول صلى ال عليه وسلم عن الثناء‪ ،‬وأمرنا بحثو الرمل في وجوه المدّاحين‪ ،‬إل‬
‫إذا أمنت من انتعاش الممدوح‪ ،‬وكان الهدف من ذلك تشجيعا على بعض أخلقه‪ ،‬أو تثبيت ذلك‬
‫الخلق في نفسه‪ ،‬كما مدح الرسول صلى ال عليه وسلم أبا بكرٍ وعمر وغيرهم ممّن يعلم أنّ المدح‬
‫ل يؤثّر فيهم‪.‬‬
‫يجعل له مخرجا‪:‬‬
‫فإذا ما حقّق المؤمن الشرط الوّل للمعادلة بتحقيق التقوى في نفسه‪ ،‬حقّق له الشطر الثاني من‬
‫المعادلة‪ ،‬بأن يجعل له مخرجا‪ ،‬ويرزقه من حيث ل يحتسب‪.‬‬
‫يقول المام ابن الجوزيّ‪" :‬تأمّلت قوله تعالى‪" :‬فمن اتّبع هداي فل يضلّ ول يشقى"‪،‬قال‬
‫ن كلّ من اتّبع‬
‫المفسّرون‪" :‬هداي"‪ :‬رسول ال صلى ال عليه وسلم وكتابي‪ ،‬فوجدتّه على الحقيقة أ ّ‬
‫القرآن والسنّة وعمل بما فيهما‪ ،‬فقد سلم من الضلل بل شكّ‪ ،‬وارتفع في حقّه شقاء الخرة بل شكّ‪،‬‬
‫إذا مات على ذلك‪ ،‬وكذلك شقاء الدنيا‪ ،‬فل يشقى أصل‪ ،‬وبيّن هذا قوله تعالى‪" :‬ومن يتّقِ ال يجعل‬
‫له مخرجا" فإن رأيته في شدّة‪ ،‬فله من اليقين بالجزاء ما يصير الصابَ عنده عسل‪ ،‬وإل غلب طيش‬
‫العيش في كلّ حال‪ ،‬والغالب أنّه ل ينزل به شدّة‪ ،‬إل إذا انحرف عن جادّة الصواب‪ ،‬فأمّا الملزم‬
‫لطريق التقوى فل آفة تطرقه‪ ،‬ول بليّة تنزل به‪ ،‬هذا هو الغلب‪ ،‬فإن ندر من تطرقه البليا مع‬
‫التقوى فذلك في الغلب لتقدّم ذنبٍ يجازى عليه‪ ،‬فإن قدّرنا عدم الذنب‪ ،‬فذاك لدخال ذهب صبره‬
‫كير البلء‪ ،‬حتى يخرج تِبْرًا أحمرا"‪.‬‬
‫وصايا النبيّ صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫والوصيّة ل تخرج إل من حريص‪ ،‬والرسول صلى ال عليه وسلم أحرص الناس على أمّته‪،‬‬
‫ولذلك جاءت وصاياه بما ينجي أمّته‪ ،‬ويجعلهم في أعلى علّيّين يوم القيامة‪.‬‬
‫ص التقوى‪ ،‬حيث قال في الحديث‪" :‬أوصيك بتقوى ال تعالى فإنّه‬
‫ومن هذه الوصايا ما كان يخ ّ‬
‫رأس كلّ شيء"رواه المام أحمد‪ ،‬ورجاله ثقات‪.‬‬
‫ق والخلق‪ ،‬وشاملةٌ لخير‬
‫يقول المام المناوي‪" :‬إذ التقوى وإن ‪-‬قلّ لفظها‪ -‬جامعةٌ لحقّ الح ّ‬
‫ل منهيّ‪ ،‬وفعل كلّ مأمور"‪ .‬والوصيّة عندما تصدر من محبّ‪ ،‬فهي أَولى‬ ‫الدارين‪ ،‬إذ هي تجنّب ك ّ‬
‫ي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬ ‫بالتّباع‪ ،‬فكيف إذا ما صدرت من محبّ‪ ،‬ومن أتقى التقياء‪ ،‬وهو النب ّ‬
‫ما المخرج؟‬
‫تعدّدت أقوال أهل التفاسير في هذا المخرج‪ ،‬وإن كانت جميعها تحتمل معاني المخرج الكثيرة‪ ،‬التي‬
‫يستحقّها من اتّقى ال تعالى‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫أ‪ -‬النجاة من الكربين‪ ،‬وهو ما رواه ابن عبّاسٍ رضي ال عنهما بقوله‪" :‬ينجيه من كلَّ كربٍ‬
‫في الدنيا والخرة"‪.‬‬
‫ب‪ -‬القناعة‪ ،‬وهو ما قاله عليّ بن صالح‪" :‬المخرج هو أن يقنعه ال بما رزقه"‪.‬‬
‫ج‪ -‬النجاة من النار إلى الجنّة‪ ،‬قاله القلبيّ‪.‬‬
‫د‪ -‬مخرجا من النهى‪ :‬قاله الحسن البصريّ‪.‬‬
‫هـ‪ -‬من كلّ شدّة‪ ،‬وما قاله ابن خيثم‪" :‬من كلّ شيءٍ ضاق على الناس"‪.‬‬
‫و‪ -‬من العقوبة‪.‬‬
‫ز‪ -‬من شبهات الدنيا‪.‬‬
‫ح‪ -‬الكرب عند الموت‪.‬‬
‫ط‪ -‬الفرح يوم القيامة‪.‬‬
‫نراها في حياتنا‪:‬‬
‫إنّنا نرى بأعيننا من غير رواية‪ ،‬تلك الشدائد العظيمة التي تنقشع واحدةً تلو الخرى لولئك‬
‫الشباب المدمن عندما يرجعون إلى ال تعالى ويسلكون طريق التقوى‪ ،‬إنّ أحدهم يصاب بعد تركه‬
‫للمخدّر بأعراضٍ انسحابيّة‪ ،‬من صداع‪ ،‬وإسهال‪ ،‬وآلمٍ في جميع أنحاء جسده‪ ،‬وترجّع‪ ،‬وأرَق‪ ،‬وآلمٍ‬
‫في المفاصل‪ ،‬وعَرَق‪ ،‬وبرد‪ ،‬إضافةً إلى تراكم الديون‪ ،‬وقضايا المحاكم الكثيرة‪ ،‬وخلفاتٍ بينه وبين‬
‫فلنٍ أو علّن‪.‬‬
‫التوكّل‪:‬‬
‫أمّا التوكّل على ال‪ ،‬فهو تفويض أمر العبد كلّه ل‪ ،‬مع يقينه بأنّ ال هو المتصرّف بالمور‬
‫كلّها‪ ،‬والعتقاد الجازم بذلك‪ ،‬بشرط أن يبذل السباب المطلوبة منه كبشر‪ ،‬ولكن ل يركن إليها‪ ،‬ول‬
‫يربط التوفيق والنجاح بها‪ ،‬وينسى صاحب السباب وميسّرها‪.‬‬
‫ن المتوكّل هو الذي يبذل السباب ثمّ يتوجّه إلى ال بالمساعدة‬
‫والفرق بين التوكّل والتواكل‪ ،‬أ ّ‬
‫والتوفيق‪ ،‬وهو معتقدّ مستيقنٌ بأنّ ال سيقضي حاجته‪ ،‬ول يسند الفضل إل ل‪.‬‬
‫بينما المتواكل ل يبذل من السباب شيئا‪ ،‬ويريد قضاء حاجته من ال‪.‬‬
‫أمّا المور المعينة على الصبر فهي‪:‬‬
‫‪ -1‬أن تعتقدي بأنّ ما أصابك مقدّرٌ من ال‪.‬‬
‫‪ -2‬وأنّ ال له حكمة في ذلك‪.‬‬
‫‪ -3‬وأنّك تؤجرين عن هذه المصيبة‪.‬‬
‫‪ -4‬ويكفّر من سيّئاتك‪.‬‬
‫‪ -5‬ويرفع درجاتك‪.‬‬
‫‪ -6‬وأنّ العبد ليس له أن يعترض على سيّده‪.‬‬
‫‪ -7‬أن تتذكّري بأنّ وراء هذه المصيبة خير‪ ،‬وذلك بتذكّرك قول ال تعالى‪" :‬وعسى أن تكرهوا‬
‫شيئا وهو خيرٌ لكم"‬
‫‪ -8‬إنّه تحذيرٌ من ال‪ ،‬سببه معصيةٌ أو تقصير‪ ،‬ولنّ ال يحبّك فإنّه يبتليك كي تكتشفي خطأك‬
‫ومعصيتك‪.‬‬
‫‪ -9‬البتلء علمةٌ من علمات حبّ ال للعبد‪.‬‬
‫‪ -10‬أن تتذكّري بأنّ هناك من هو أكثر منك بلء‪.‬‬
‫‪ -11‬أن تتذكّري أنّ ال صرف عنك بلءً أعظم ممّا أنت فيه‪.‬‬
‫‪ -12‬أن تتذكّري بأنّ ال أبقى لك من النعم أكثر ممّا أخذ منك‪ ،‬ويكفي أنّه أبقى لك العقل‬
‫والسمع والبصر والشمّ وبقيّة الجوارح‪.‬‬
‫اليقين بالدعاء‪:‬‬
‫وبالنسبة لليقين بالدعاء‪ ،‬فإنّه مطلوبٌ من كلّ مسلمٍ أن يستيقن بأنّ ال سيجيب دعاءه‪ ،‬حيث قال‬
‫في كتابه الكريم‪" :‬وقال ربكم ادعوني أستجب لكم"‪ ،‬وقال‪" :‬وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريبٌ أجيب‬
‫دعوة الداع إذا دعان"‪ ،‬وقال صلى ال عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد والترمذيّ‪:‬‬
‫"ادعوا ال‪ ،‬وأنتم موقنون بالجابة"‪ ،‬وقال صلى ال عليه وسلم بأنّ ال ينزل في الثلث الخير من‬
‫الليل في السماء الولى‪ ،‬ويقول‪" :‬من يدعوني فاستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني‬
‫فأغفر له؟"متّفقٌ عليه‪.‬‬
‫فالشعور باليقين عند الدعاء جزءٌ من اليمان بقدرة ال‪ ،‬وأنّه ل يُعجِزه شيءٌ في الرض ول‬
‫في السماء‪ ،‬وهو الذي بيده ملكوت السماوات وما بينهما‪.‬‬
‫أمّا بالنسبة لمير المؤمنين عمر رضي ال عنه‪ ،‬فالمشهور عنه أنّه قال‪" :‬ل أحمل همّ الجابة‪،‬‬
‫بل أحمل همّ الدعاء‪ ،‬فإذا فتح ال عليّ بالدعاء‪ ،‬جاءت الجابة"‪.‬‬
‫وال أعلم‪.‬‬
‫أسأل ال أن يفتح عليك في الدنيا والخرة‪.‬‬

‫حقيقة اليمان‬
‫الواجس الشككة ‪ ..‬الذين يؤتون ما آتوا وقلوبم وجلة‬
‫السؤال‪:‬‬
‫السلم عليكم …‬
‫أنا ‪ -‬والحمد ل ‪ -‬أجاهد أن أكون مسلمًا ملتزمًا‪ ،‬ولكن تأتي لي هواجس وتشكّكني في أعمالي وكلّما‬
‫قرأت عن شخصيّةٍ صالحةٍ ‪ -‬من السلف أو الحاضر ‪ -‬أحسّ أنّي تاف ٌه ضئيلٌ جدّا‪ ،‬وأنّ ما أفعله ل‬
‫شيء!!!‪.‬‬
‫ويزيد ذلك إذا حدث منّي ذنبٌ‪ ،‬فأحسّ بأنّي ضعت‪ ،‬حتى أنّه في م ّر ٍة تعصّبت مع والدتي‪ ،‬وأحسست‬
‫بالذّنب بعدها‪ ،‬فلم أستطع أن أصلّي الفرض في جماعةٍ‪ ،‬وضاع عليّ هذا الفرض‪.‬‬
‫فكيف أتخلّص من هذه المشكلة ؟ وكيف أصل إلى ما أريد ؟‪.‬‬
‫جزاكم ال خيرًا‪.‬‬
‫المستشار‪:‬‬

‫فريق الستشارات الدعوية‬


‫الرد‬
‫يقول فضية الشيخ إدريس بنزاكور‪ ،‬الداعية المغربي‪:‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‪ ،‬وصلى ال وسلم على سيّدنا محمّدٍ وعلى آله وصحبه‪.‬‬
‫أخي محمد‪ ،‬أرجو من ال لك الستقامة‪ ،‬كما أمر سبحانه وتعالى حيث قال‪( :‬فاستقم كما ُأمِرتَ‬
‫ومن تاب معك ول تطغوا)‪ ،‬وهذه هي التي شيّبت رسول ال صلى ال عليه وسلم!!‪.‬‬
‫والستقامة توفيقٌ من ال الكريم المنان لعباده الصالحين‪ ،‬الذين سبقت لهم الحسنى من ال‪،‬‬
‫جعلنا ال وإيّاكم منهم‪ ..‬آمين‪.‬‬
‫والستقامة هي مطابقة الفعل والعمل للقول‪ ،‬مع مدافعة ومغالبة النفس والهوى والشيطان‬
‫والطبع الفاسد‪ ،‬وحسن معاملة بني جلدتنا من بني النسان‪.‬‬
‫أخي محمد‪ ،‬إن هذه الهواجس التي تأتيك هي من الشيطان الرجيم‪ ،‬فكلّما أتتك استعذ بال منها‪،‬‬
‫وحافظ على وضوئك للصلة‪ ،‬ول تستمع لما يوحيه إليك الشيطان‪ ،‬فإنّه يريد أن يفسد عليك كلّ‬
‫شيءٍ؛ لنّه عدوّ لك ولبيك آدم‪.‬‬
‫وإذا جاءك الهاجس الذي يشكّكك في عملك فردّ عليه وقل له‪ :‬من ناحية صلح هذه العمال‬
‫فأنا ل أتكل عليها؛ لنّي ل أرجو إل رحمة ربّي‪ ،‬كما قال النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬لن يُنجي‬
‫أحدًا منكم عمله)‪ ،‬قالوا‪ :‬ول أنت يا رسول ال؟ قال‪( :‬ول أنا‪ ،‬إل أن يتغمّدني ال برحمة) رواه‬
‫البخاري‪.‬‬
‫ومن ناحية فسادها أو بطلنها‪ ،‬فأنا معدن النقص والخطأ‪ ،‬وأرجو ال أن يصلحها‪ ،‬وأن يقبلها‬
‫منّي على ضعفها‪.‬‬
‫أما بالنسبة للذّنب‪ ،‬فباب ال مفتوح على الدوام‪ ،‬وإنّ ال يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار‪،‬‬
‫ن ال ل يغفر أن يُشرَك به‬
‫ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها‪ ،‬وإ ّ‬
‫ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء‪.‬‬
‫كن من التائبين يوميّا عند النوم‪ ،‬وتوجه بالستغفار والتوبة‪ ،‬وقل‪" :‬رب اغفر لي وتب عليّ‪،‬‬
‫إنك أنت التواب الرحيم"‪ ،‬وأصلح لسانك مع الناس أجمعين‪ ،‬وقل لهم حُسنًا‪ ،‬وخصوصًا والدتك التي‬
‫قلت إنّك تعصبت معها‪ ،‬فاطلب منها السماح والرضى عنك‪ ،‬واخدمها‪ ،‬وادع لها يوميّا‪ ،‬وأهدِ لها‬
‫هدايا ماديةً‪ ،‬كما يمكنك أن تقرأ ما تيسر من القرآن وتهدي ثواب ذلك لوالدتك‪ ،‬والحمد ل رب‬
‫العالمين‪.‬‬
‫……………………………………………………………………………………‪.‬‬
‫ويقول الستاذ ياسر محمود من فريق الستشارات‪:‬‬
‫أخي الكريم محمد‪،‬‬
‫جزاك ال خيرًا على تواصلك معنا‪ ،‬وأعانك ال على مجاهدتك لنفسك‪ ،‬ونسأل المولى عزّ وجلّ‬
‫أن يثبّتك على هذه المجاهدة وأن يدخلك في عباده الصالحين‪.‬‬
‫واسمح لنا أخي الكريم أن نتناول استشارتك من خلل النقاط التالية‪:‬‬
‫أولً‪ -‬هواجس مشكّكة‪:‬‬
‫أخي الكريم‪ ،‬لم أستطع أن أحدّد بالضبط ما المقصود بالهواجس التي تأتيك لتشكّكك في‬
‫أعمالك‪ ،‬ولكن دعنا نفترض بعض الهواجس التي قد تسيطر على البعض منّا‪ ،‬محاولةً إيقافه عن‬
‫الستمرار في الجد والعمل في مجاهدته لنفسه‪.‬‬
‫‪ -1‬وسوسةٌ وشكوك‪ :‬إن كانت ‪ -‬أخي الكريم ‪ -‬هذه الهواجس التي تأتيك نوعًا من الوسوسة‬
‫التي تشكّكك في صحة أعمالك‪ ،‬وذلك من حيث كمال أركانها واستيفاء شروطها‪ ،‬كأن تشك بصورةٍ‬
‫دائمةٍ في صحة صلتك لحتمال فقدك للوضوء قبل الدخول في الصلة‪ ،‬أو لحساسك بخروج شيءٍ‬
‫منك أثناء الصلة‪ ،‬أو تشكّ في عدد الركعات أو السجدات التي تصلّيها‪ ،‬أو غير ذلك من صور‬
‫الوسوسة‪.‬‬
‫إذا كانت الهواجس التي تأتيك من هذا النوع‪ ،‬فيمكنك التعامل معها من خلل المور التالية‪:‬‬
‫‪ -‬الستعانة بال والستعاذة به تعالى من هذه الهواجس إذا ما جاءتك‪.‬‬
‫‪ -‬أن تتقن العمل من البداية‪ ،‬وتجوّده‪ ،‬وتحرص على استيفاء أركانه‪ ،‬حتى ل تترك مجالً للشك‬
‫بعد ذلك‪ ،‬ولكن أيضًا دون مبالغةٍ في هذا المر‪ ،‬حتى ل تقع في هذه الهواجس من باب الحرص‬
‫على التقان‪.‬‬
‫‪ -‬أل تغيّر حالة اليقين لشكّ شعرت به‪ ،‬فالقاعدة أن اليقين ل يزول بالشك‪ ،‬وهذا ما أشار إليه‬
‫ث أوْ لَمْ‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم حين قال‪( :‬إذا كانَ أحَدكم في الصّلة فوجد حركة في دُبُره أحْ َد َ‬
‫سمَ َع صوتًا أوْ يَجدَ ريحًا) رواه أبو داود بسند صحيح‪ ،‬وهكذا‬ ‫ش ِكلَ عليه فَل يَ ْنصَرف حتى يَ ْ‬
‫ح ِدثْ فُأ ْ‬
‫يُ ْ‬
‫ل العمال‪ ،‬ل تستجب للشك‪ ،‬ول تلتفت إليه‪ ،‬ما لم يصل إلى درجة اليقين‪.‬‬ ‫في ك ّ‬

‫‪ -2‬خوف من عدم القبول‪ :‬وإن كانت تلك الهواجس التي تأتيك هي خوفٌ من عدم قبول‬
‫العمال‪ ،‬ففي اعتقادنا أنّ هذا المر خير؛ وذلك لنّ الخوف من عدم قبول العمال‪ ،‬هو من صفات‬
‫المؤمنين الذين يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون‪ ،‬وهذا كما فهمنا من حديث النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم‪ ،‬حينما سألته السيدة عائشة – رضي ال عنها – عن هذه الية (وَالذّيِنَ يُؤتون ما آ َتوْا‬
‫وقلوبهم َوجِلَة) وقالت‪ :‬أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ فيرد عليها النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫ن ويُصلّون ويتصَدّقون وهُم يخَافُونَ أن ل تُقبلَ مِ ْنهُم؛‬‫قائلً‪( :‬ل يا بنت الصدّيق ولكنهُم الّذين َيصُومُو َ‬
‫أولئك الّذِين ُيسَارِعُونَ في الخَيرات وَهُمْ لها سابقون"‪ .‬رواه الترمذي وابن ماجة‪ ،‬والحاكم وصححه‪.‬‬
‫وهذا هو الحسن البصري‪ ،‬يصف حال المؤمنين فيقول‪( :‬عملوا وال بالطاعات‪ ،‬واجتهدوا فيها‪،‬‬
‫وخافوا أن تُرَد عليهم‪ ،‬إنّ المؤمن جمع إحسانًا وخشية‪ ،‬وإنّ المنافق جمع إساء ًة وأمنًا)‪.‬‬
‫وهكذا يكون حال المؤمن‪ ،‬يبذل ما في وسعه في طاعة ال‪ ،‬ثم هو يخشى أل يٌقبل منه‪ ،‬ولكنه‬
‫مع ذلك يطمع في كرم ال وفضله وجوده ورحمته أيضًا‪.‬‬
‫ثانيًا‪ -‬ليكن شعورك بالضآلة دافعًا للعمل‪:‬‬
‫أما عن إحساسك بالضآلة والتقصير في جنب ال‪ ،‬وأنّ ما تفعله ل شيء‪ ،‬فل نرى فيه مشكلة‪،‬‬
‫بل نظنه أمرًا طيبًا‪ ،‬وذلك لن شعور المسلم بالتقصير في جنب ال يدفعه إلى الجدّ والجتهاد في‬
‫طاعة ال والبعد عن كل ما يغضبه سبحانه‪.‬‬
‫فهكذا – أخي الكريم – حال الصالحين من السلف والخلف‪ ،‬فهم في حالةٍ دائمةٍ من الشعور بالتقصير‬
‫في جنب ال‪ ،‬ودائمًا ما يظنون أنّهم ل يقومون بما عليهم ل من حقوق‪ ،‬وذلك رغم كل ما يقومون‬
‫به من العمال الصالحة‪ ،‬ابتداءً بمحافظتهم على أداء الفرائض واجتناب المحارم‪ ،‬وانتهاءً بالجتهاد‬
‫والجد في أداء النوافل من قيامٍ لليل‪ ،‬وصيامٍ للنهار‪ ،‬وصدقاتٍ بالسر والعلنية‪ ..‬إلخ‪.‬‬
‫فها هو مالك بن دينار‪ ،‬العابد المشهور بالصلح والتقوى يقول‪( :‬وال لو وقف مَلَك بباب‬
‫المسجد‪ ،‬وقال‪ :‬يخرج شر من في المسجد لبادرتكم إليه)!!‪ ،‬وهذا الفضيل بن عياض‪ ،‬وهو من هو‬
‫من العبّاد الزّاهدين يأخذ بيد سفيان بن عيينة ويقول له‪( :‬إن كنت تظن أنّه بقي على ظهر الرض‬
‫من هو شرّ منّي ومنك فبئس ما تظن)‪.‬‬
‫هذا هو شأن الصالحين دائمًا‪ ،‬ل يرون لنفسهم فضلً‪ ،‬بل يعتبر كلّ منهم نفسه شر الخلق‪ ،‬لما‬
‫يظنه في نفسه من سوء‪ ،‬فكان ذلك الحساس دافعًا وحافزًا لهم على الجدّ والجتهاد في العبادات‪،‬‬
‫وبذل طاقتهم في التقرب إلى ال تعالى‪.‬‬
‫إذن ‪ -‬أخي الكريم ‪ -‬ليس هناك ما يدعو إلى القلق من إحساسك بالتقصير في جنب ال‪ ،‬ولكن‬
‫من الضروري أن يتبع هذا الحساس عملٌ وجدٌ واجتهادٌ في التقرب إلى ال تعالى‪.‬‬
‫ثالثًا‪ -‬وأتبع السيئة الحسنة تمحها‪:‬‬
‫أما عن إحساسك بالضياع عند ارتكابك لذنبٍ ما‪ ،‬فجميلٌ منك هذا الشعور؛ لنّ المؤمن يرى أنّ‬
‫معصيته للحق تبارك وتعالى ل ينبغي أن تكون‪ ،‬ويعظم ارتكابه للذّنب في قلبه‪ ،‬لعلمه بجلل ال‬
‫تعالى‪ ،‬بل ويرى معصيته كأنّها جبل سيقع عليه‪ ،‬كما عبر عن ذلك النبي صلى ال عليه وسلم حينما‬
‫قال‪( :‬إِنّ المؤمن يَرَى ذُنوبه كأنّه قاعدٌ تحت جَبلٍ يخافُ أن يقع عليه‪ ،‬وإنّ الفاجِر يرى ذُنوبَه كذبابٍ‬
‫مَرّ على أنفه‪ ،‬فقال به هَكذا" رواه البخاري‪.‬‬
‫ولكن من الضروري أيضًا – أخي الكريم – أن يصاحب هذا الحساس بالذّنب ويتبعه عدة‬
‫أمور‪:‬‬
‫المر الول‪ :‬اليقين بعفو ال ومغفرته‪ ،‬وأنّ ال سبحانه وتعالى غفّار لمن تاب وآمن وعمل‬
‫صالحًا‪ ،‬وأنّه سبحانه يقبل التوبة عن عباده‪ ،‬وأنّه تبارك وتعالى يفرح بتوبة عبده حين يتوب إليه‪،‬‬
‫كما أخبر بذلك النبي حين قال‪( :‬ل أشد فرحًا بتوبة عبده‪ ،‬حين يتوب إليه من أحدكم كان على‬
‫راحلته بأرضٍ فلة‪ ،‬فانفلتت منه‪ ،‬وعليها طعامه وشرابه‪ ،‬فأيس منها‪ ،‬فأتى شجرة‪ ،‬فاضطجع في‬
‫ظلها‪ ،‬قد أيس من راحلته‪ ،‬فبينا هو كذلك إذا هو بها‪ ،‬قائمة عنده‪ ،‬فأخذ بخطامها‪ ،‬ثم قال من شدة‬
‫الفرح‪ :‬اللهم أنت عبدي وأنا ربك‪ ،‬أخطأ من شدة الفرح" رواه مسلم‪.‬‬
‫وأنّه سبحانه يغفر الذّنب‪ ،‬وإن تكرر الوقوع فيه‪ ،‬كما علّمنا ذلك النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫عندما قال‪( :‬إن عبدًا أذنب ذنبًا‪ ،‬فقال‪ :‬ربّ أذنبت‪ ،‬فاغفر لي‪ ،‬فقال ربه‪ :‬أعَلِمَ عبدي أن له ربّا يغفر‬
‫الذّنب ويأخذ به؟ غفرتُ لعبدي‪ ،‬ثم مكث ما شاء ال‪ ،‬ثم أذنب ذنبًا‪ ،‬فقال‪ :‬ربّ أذنبت آخر فاغفره‪،‬‬
‫فقال‪ :‬أعَلِمَ عبدي أن له ربّا يغفر الذّنب ويأخذ به؟ غفرتُ لعبدي‪ ،‬ثم مكث ما شاء ال‪ ،‬ثم أذنب ذنبًا‪،‬‬
‫قال‪ :‬ربّ أذنبت آخر فاغفره لي‪ ،‬فقال‪ :‬أعَلِمَ عبدي أن له ربّا يغفر الذّنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي‪،‬‬
‫ثلثًا‪ ،‬فليعمل ما شاء)‪ .‬رواه البخاري‪.‬‬
‫فيترتب على ذلك مسارعة في التوجه إلى ال تعالى‪ ،‬والتوسل إليه سبحانه أن يغفر الذّنب وأن‬
‫يعفو عنه برحمته وعفوه ومغفرته‪.‬‬
‫المر الثاني‪ :‬أن نُتبع هذا الشعور بالندم بعملٍ صالح‪ ،‬فليس معنى الشعور بالذّنب ‪ -‬أخي‬
‫الكريم ‪ -‬أن نتوقف عن أداء الفرائض ونقعد عن العمل‪ ،‬بل نُتبعه بالستغفار والتوبة والجتهاد في‬
‫العمل الصالح حتى نمحو ما ارتكبناه من الخطايا‪ ،‬كما دعانا إلى ذلك النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫حين قال‪( :‬وأتبع السيئة الحسنة تمحُها" رواه الترمذي بسند صحيح‪.‬‬

‫في النهاية ‪ -‬أخي الكريم ‪ -‬ندعو ال عزّ وجلّ أن يكون عونا لك في مجاهدتك لنفسك‪ ،‬وأن‬
‫يتقبّل منك هذه المجاهدة‪.‬‬
‫وتابعنا بأخبارك‪.‬‬

‫برامج إيمانية‬

‫برامج إيمانية‬

‫•كيف أحافظ على إيمانياتي؟‬


‫•وِرد المحاسبة‪ ..‬بعيدا عن الرياء‬
‫•برنامج تربويّ شخصي‪ ..‬ول ننسى الخرين‬

‫•برنامج عملي لتطوير اليمان‪ ..‬المهمات التسع‬


‫•برنامج للتواصل الروحي‪ ..‬يتجاوز الحدود‬
‫•خطوات الوصول إلى الخشوع في الصلة‬

‫•حديث في الصحبة‬
‫•في الصحبة‪" ..‬المرء على دين خليله"‬
‫•مشروع دعوي لحياء الخوة‬
‫•عند فساد الخوة‪ ..‬ابحث عن العظمة الحقيقية‬
‫برامج إيمانية‬
‫كيف أحافظ على إيانيات؟‬
‫السؤال‪:‬‬
‫كيف يحتفظ الداعية المسلم بروحانياته وسط هذا المجتمع المادي اللهث؟‬

‫المستشار‪:‬‬
‫كمال المصري‬

‫الرد‬
‫سامحك ال يا أخي محمد‪ ،‬لقد أدخلتنا مبكرًا في الطريق الشائك‪ ،‬نعم هو طرق شائك لننا كلنا‬
‫نقاسي منه‪ ،‬ونعاني أشد المعاناة كي نحافظ –قدر المستطاع‪ -‬على روحانياتنا في ظل انشغالت‬
‫الحياة‪ ،‬ومشاهدات الواقع‪ ،‬التي تبعدنا –شئنا أم أبينا‪ -‬عن صفائنا وإخلصنا وإيماننا‪ ،‬وسنزيد المر‬
‫صعوبة على أنفسنا لو أخذ بمنطق الفاروق عمر رضي ال عنه حين وصل معاوية بن خديج المدينة‬
‫ظهرا‪ ،‬باحثا عنه ومبشرا له بفتح السكندرية‪ ،‬فمال معاوية إلى المسجد ظانا أن عمر في قيلولة‪،‬‬
‫فأرسل إليه عمر‪ ،‬فقال له‪" :‬وماذا قلتَ يا معاوية حين أتيتَ المسجد؟"‪ ،‬قال‪" :‬قلتُ أمير المؤمنين‬
‫قائلٌ"(أي نائم)‪ ،‬قال عمر‪" :‬بئس ما قلت‪ ،‬أو بئس ما ظننت‪ ،‬لئن نمت النهار لضيعنّ الرعية‪ ،‬ولئن‬
‫ن نفسي‪ ،‬فكيف بالنوم مع هذين يا معاوية؟"‪.‬‬ ‫نمت الليل لضيع ّ‬
‫لو أخذنا بهذا المنطق ما استطعنا‪ ،‬ولعجزنا‪ ،‬ولكن‪ ،‬ول ما أبدع رسولنا صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫لقد عرف ذلك في النفس البشرية‪ ،‬ففي الحديث الشهير "نافق حنظلة"‪ ،‬الذي رواه المام مسلم‪ ،‬عن‬
‫أبي عثمان النهدي عن حنظلة السيدي قال‪ :‬وكان من كتاب رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬قال‪:‬‬
‫(لقيني أبو بكر‪ ،‬فقال‪ :‬كيف أنت يا حنظلة؟ قال‪ :‬قلت‪ :‬نافق حنظلة‪ ،‬قال‪ :‬سبحان ال‪ ،‬ما تقول؟ قال‪:‬‬
‫قلت‪ :‬نكون عند رسول ال صلى ال عليه وسلم يذكرنا بالنار والجنة‪ ،‬حتى كأنا رأي عين‪ ،‬فإذا‬
‫خرجنا من عند رسول ال صلى ال عليه وسلم عافسنا الزواج والولد والضيعات فنسينا كثيرا‪،‬‬
‫قال أبو بكر‪ :‬فوال إنا لنلقى مثل هذا‪ ،‬فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم‪ ،‬قلت‪ :‬نافق حنظلة يا رسول ال‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬وما ذاك؟" قلت‪:‬‬
‫يا رسول ال‪ ،‬نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأى عين‪ ،‬فإذا خرجنا من عندك عافسنا‬
‫الزواج والولد والضيعات‪ ،‬نسينا كثيرا‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬والذي نفسي بيده‪،‬‬
‫إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملئكة على فرشكم وفي طرقكم‪ ،‬ولكن‬
‫يا حنظلة ساعة وساعة" قالها ثلث مرات)‪.‬‬
‫نعم ساعة وساعة‪ ،‬ولكن ليس بالمعنى النفصاليّ "العلماني" الذي قد يستقر في أذهاننا‪ ،‬إننا‬
‫نخطئ كثيرًا حين نفصل – دون أن نشعر أو نقصد– ديننا عن دنيانا‪ ،‬فتجدنا نقسم حياتنا إلى قسمين‪،‬‬
‫قسم لربنا‪ ،‬وقسم لحياتنا‪ ،‬فنقول لنفسنا سأجعل لي زادًا يوميًا من القرآن‪ ،‬وقيام الليل مثلً‪ ..‬استعين‬
‫به في يومي‪ ،‬ولن أقول لك ل تفعل ذلك‪ ،‬بل يجب أن تفعل ذلك‪ ،‬لنه فعلً زاد يعينك كثيرًا‪ ،‬ولكن‬
‫ما أقصده هنا هو أين زادك في حياتك وممارساتك؟ عندما يقول رسول ال صلى ال عليه وسلم في‬
‫الحديث الذي رواه المام مسلم‪" :‬اليمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة‪ ،‬فأفضلها قول ل إله‬
‫إل ال‪ ،‬وأدناها إماطة الذى عن الطريق‪ ،‬والحياء شعبة من اليمان"‪.‬‬
‫فلماذا ل استشعر القرب من ال حين أزيل هذا الذى عن طريق الناس؟ حين يأمرنا ديننا‬
‫بغض البصر‪ ،‬لماذا ل استشعر معية ال وأنا أفعل ذلك؟ حين أحفظ لساني من القول الفاحش البذيء‪،‬‬
‫لماذا ل أضع في قلبي وعقلي ونفسي أنني قد فعلت ذلك لن ال أمرني بذلك؟ فيرفع كل ذلك من‬
‫إيمانياتي وروحانياتي‪.‬‬
‫فخذ لـك زاديـن من سيـرة ومن عمـل صـالح ُيدّخَرْ‬
‫وكن في الطريق عفيف الخطا شريف السماع كريم النظرْ‬
‫خذ زادك من العلم والقرآن واليمان‪ ،‬وقُ ِم الليل‪ ،‬وصُ ِم النوافل‪ ،‬واجعل هذا خاصًا بينك وبين‬
‫غضّ البصر‪ ،‬وتصدّق‪ ،‬وَأمِطِ الذى‪ ،‬واحفَظْ لسانك‪ ،‬وصُنْ ُأذُنَيكَ‪ ،‬وغير ذلك من الفعال‬ ‫ربك‪ ،‬و ُ‬
‫المرتبطة بالخلق‪ ،‬افعل كل ذلك‪ ،‬وقلبك متيقّنٌ أنه يفعل ذلك ل وحده‪ ،‬تعامل مع مجريات الحداث‬
‫بمنطق اليمان‪ ،‬وبمنطلق التعامل مع ال سبحانه‪ ،‬وثق أنك إن فعلت ذلك‪ :‬أخذت الزاد الخاص بك‬
‫بينك وبين ربك‪ ،‬وأخذت الزاد بالتعامل مع العباد من منطلق التقرب إلى ال‪ ،‬ثق أنك بهذين الزادين‬
‫تكون قد اقتربت كثيرًا وكثيرًا لما ترجو وتروم‪.‬‬
‫قد تكون هذه رؤية جديدة لمفهوم اليمانيات والروحانيات‪ ،‬وقد يكون الدافع إليها تغير الزمان‬
‫والحوال‪ ،‬ولكن حسبها أنها لم تخرج عن إطار السلم في شيء‪ ،‬بل قد تكون أقرب إلى معناه‬
‫والمراد منه‪ ،‬ودعنا نجربها‪ ،‬علّها تكون العلج‪.‬‬
‫نعم أعلم أن تنفيذ ذلك صعب‪ ،‬بل قد يقول قائل‪ :‬إنه مستحيل‪ ،‬ولكن‪ ..‬الصعب يمكن إنجازه‪،‬‬
‫والمستحيل يحتاج لبعض الوقت‪ ،‬وأنت رجلُ ذلك كلّه‪ ..‬أليس كذلك؟‬

‫برامج إيمانية‬
‫وِرد الحاسبة‪ ..‬بعيدا عن الرياء‬
‫السؤال‪:‬‬
‫أ ّولً جزاكم ال كلّ خيرٍ على هذا الجهد الرائع‪.‬‬
‫سؤالي هو أنّني أتابع مجموعةً من الشباب دعويّا‪ ،‬وأقوم بعمل جداول متابعةٍ للعبادات لهم أو ما‬
‫يسمّى "أوراد المحاسبة"‪ ،‬ولكنّ واحدا منهم لم يقم بملء تلك الوراد‪ ،‬وقال لي أنّه يخاف من الرياء‪،‬‬
‫وآخر يملؤه ويواظب عليه‪.‬‬
‫فأريد أن أعرف هل هذا المر خطرٌ تربويّا عليهم؟‬
‫وهل حقّا يزرع فيهم الرياء أم أنّ المر مجرّد أنّه مدخلٌ شيطانيّ؟‬
‫وكيف أوصل المعنى الصحيح لهم عن هذا المر أو أتعامل معهم به؟‬
‫وجزاكم ال خيرا‪.‬‬
‫المستشار‪:‬‬
‫أ‪ .‬فتحي عبد الستار‬

‫الرد‬
‫مرحبا بك‪ ،‬ونشكرك على مجاملتك الرقيقة‪ ،‬وتقبّل ال منك صالح العمل‪ ،‬أنت ومن تتابعهم‬
‫وتربّيهم‪.‬‬
‫جميلٌ منك يا أخي أن تحرص على متابعة عبادات من تربّيهم‪ ،‬ومدى التزامهم بأدائها‪ ،‬انطلقا‬
‫من حثّ النبيّ صلى ال عليه وسلم على دوام محاسبة النفس‪ ،‬واستدراك أخطائها‪ ،‬وعلج جوانب‬
‫القصور فيها‪ ،‬حيث قال صلى ال عليه وسلم‪" :‬الكَيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت‪ ،‬والعاجز‬
‫ي وحسّنه‪ ،‬وقال‪" :‬ومعنى قوله من دان نفسه يقول‬ ‫من أتبع نفسه هواها وتمنّى على ال"رواه الترمذ ّ‬
‫يحاسب نفسه في الدنيا قبل أن يحاسب يوم القيامة‪ ،‬ويروى عن عمر بن الخطّاب قال‪ :‬حاسبوا‬
‫أنفسكم قبل أن تحاسبوا‪ ،‬وتزينوا للعرض الكبر وإنّما يخفّ الحساب يوم القيامة على من حاسب‬
‫نفسه في الدنيا‪ ،‬ويروى عن ميمون بن مهران قال‪ :‬ل يكون العبد تقيّا حتى يحاسب نفسه كما‬
‫يحاسب شريكه من أين مطعمه وملبسه"‪.‬‬
‫واستخدامك للجداول في تلك المتابعات أو ما يسمّى بأوراد المحاسبة أمرٌ جيّد‪ ،‬ولكن له‬
‫ضوابطه التي تجعل منه وسيل ًة متميّزةً للتذكير والصلح‪ ،‬حيث إنّ التطبيق الخاطئ لهذه الوسيلة‬
‫بنزع تلك الضوابط منها يفرغها من مضمونها تماما‪ ،‬بل وقد يؤدّي إلى عكس المراد‪.‬‬
‫أوّل هذه الضوابط وأهمّها أنّه يجب عليك أ ّولً أن تبيّن لهؤلء الشباب‪ ،‬وتزرع في نفوسهم‬
‫مراقبة ال عزّ وجلّ‪ ،‬ل مراقبتك أنت‪ ،‬وأنّهم يتوجّهون بتلك العمال إليه سبحانه وتعالى وحده‪،‬‬
‫وليس إليك أو إلى الهيئة التي تجمعكم أو تعملون من خللها‪.‬‬
‫فغرس مثل تلك المفاهيم في النفوس مع تعهّدها دوما بالرعاية والمتابعة‪ ،‬يحمي الفرد من أن‬
‫تتسرّب إلى نفسه وساوس الرياء ودوافع النفاق‪.‬‬
‫وهناك ضابطٌ آخر هامّ‪ ،‬وهو أنّ العبادات الفرديّة‪ ،‬والتي يجب أن تكون سرّيّةً بين العبد وربّه‪،‬‬
‫كقراءة القرآن‪ ،‬وقيام الليل‪ ،‬والصدقة‪ ،‬والصيام‪ ،‬ل ينبغي أن يطّلع عليها أحد‪ ،‬حتى المربّي‪ ،‬إل‬
‫بصورةٍ جماعيّةٍ ل تقوم على إبراز التقصير‪ ،‬وإنّما إبراز الصورة اليجابيّة‪ ،‬ليتأسّى بصاحبها‬
‫المقصّرون‪ ،‬كما فعل صلى ال عليه وسلم حين قال لصحابه يوما‪" :‬من أصبح منكم اليوم صائما؟"‬
‫قال أبو بكرٍ رضي ال عنه‪ :‬أنا‪ ،‬قال‪" :‬فمن تبع منكم اليوم جنازة؟" قال أبو بكرٍ رضي ال عنه‪ :‬أنا‪،‬‬
‫قال‪" :‬فمن أطعم منكم اليوم مسكينا؟" قال أبو بكرٍ رضي ال عنه‪ :‬أنا‪ ،‬قال‪" :‬فمن عاد منكم اليوم‬
‫مريضا"‪ ،‬قال أبو بكرٍ رضي ال عنه‪ :‬أنا‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬ما اجتمعن في‬
‫امرئٍ إل دخل الجنّة"‪.‬‬
‫ل العمال‬
‫ولو أنّنا يا أخي الكريم استجبنا لهاجس الرياء‪ ،‬وجعلناه سببا للمتناع عن إظهار ك ّ‬
‫الصالحة‪ ،‬كصلة الجماعة والجهاد‪ ،‬حدث فسادٌ عظيمٌ في الدين‪ ،‬بل هو عين الرياء‪ ،‬حيث قال‬
‫ك العمل لجل الناس رياء‪ ،‬والعمل لجل الناس شِرك‪ ،‬والِخلصُ‬ ‫الفضيل بن عيّاض رحمه ال‪" :‬تر ُ‬
‫أن يعافيَك ال منهما"‪.‬‬
‫ولقد كان الصحابة الكرام يعملون أعمالً جليلةً أمام الناس‪ ،‬ولم يرمهم أحدٌ بالرياء أو بالنفاق إل‬
‫ضعفاء النفوس من المنافقين‪ ،‬فقد وجدنا عمر بن الخطّاب رضي ال عنه يأتي بنصف ماله ويدفعه‬
‫ي صلى ال عليه وسلم على مرأى ومسمعٍ من الصحابة‪ ،‬ووجدنا أبا بكرٍ الصديق رضي ال‬ ‫إلى النب ّ‬
‫عنه يأتي بماله كلّه وينثره في حجر النبيّ صلى ال عليه وسلم على مرأى ومسمعٍ أيضا من الناس‪،‬‬
‫وكذلك فعل عثمان رضي ال عنه حينما جهّز جيش العسرة من ماله‪ ،‬وغيرهم وغيرهم‪ ،‬في شتّى‬
‫مجالت العمل الصالح‪ ،‬وربّما كان إظهار مثل هذه العمال من أناسٍ اطمأنّت قلوبهم بالخلص ل‬
‫عزّ وجلّ‪ ،‬ربّما كان هذا دافعا لغيرهم لكي يبذلوا وينشطوا فيما يرضي ال سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫فالطاعات أساسا خاصّةٌ بين العبد وربّه‪ ،‬وإن كان هناك من داعٍ لقياسها‪ ،‬فليكن قياسا جماعيّا ل‬
‫فرديّا‪ ،‬ينفي الرياء‪ ،‬ول يؤدّي إلى الكذب‪ ،‬وإن كان هناك من أعمالٍ ظاهرةٍ فلتكن كذلك‪ ،‬فليس هذا‬
‫من الرياء‪.‬‬
‫وأريد أن أعرض عليك طريقةً مجرّبةً لجراء هذا الوِرد‪ ،‬أحسب أنّها تنفي دواعي الرياء التي‬
‫قد تتولّد في قلب الشابّ‪ ،‬وهي كالتالي‪:‬‬
‫ل واحدٍ منهم أن‬ ‫يقوم كلّ شابّ بتسجيل أعماله في ورقةٍ خاصّةٍ به‪ ،‬وعندما تلتقون اطلب من ك ّ‬
‫يحسب النسبة المئويّة لنتظامه في كلّ عملٍ أو عبادةٍ أثناء الفترة التي اتّفقتم عليها‪ ،‬ويسجّلها في‬
‫ورقته ثمّ ل تأخذ أوراقهم تلك منهم‪ ،‬بل قم أنت بتجهيز ورقةٍ أخرى تكتب فيها العمال التي يقيسها‬
‫ل عملٍ خاناتٍ فارغةً بعدد هؤلء الشباب‪ ،‬ثمّ تعطيهم هذه الورقة ومعها قلم‪،‬‬ ‫الوِرد‪ ،‬وتترك أمام ك ّ‬
‫ب معيّن‪ ،‬وأن‬ ‫وتتركهم وتخرج لدقائق بعد أن تطلب منهم أن يمرّروا هذه الورقة فيما بينهم دون ترتي ٍ‬
‫ل عمل‪ ،‬وبهذا يغدو كلّ منهم متأكّدا أن ل أحد‬ ‫ل واحدٍ منهم بقلمك نسبته المئويّة في ك ّ‬
‫يسجّل ك ّ‬
‫يستطيع تمييز صاحب النسب العالية من صاحب النسب المنخفضة‪ ،‬فالكلّ في ورق ٍة واحدة‪ ،‬وبقلمٍ‬
‫واحد‪ ،‬ودون ترتيب‪ ،‬فيدفعهم ذلك إلى تحرّي المانة والخلص عند التسجيل‪.‬‬
‫ل عملٍ كذلك‪ ،‬ثمّ اطلب من واحدٍ منهم أن يأخذ تلك‬ ‫وعندما تعود‪ ،‬اكتب أنت نسبتك في ك ّ‬
‫الورقة ويحسب النسبة المئويّة للنتظام في العبادات المختلفة بالنسبة للكلّ‪ ،‬ثمّ يعلن تلك النسبة‪،‬‬
‫فيقول مثل‪ :‬كان انتظامنا كلّنا في صلة الفجر لهذا السبوع بنسبة ‪ ،%60‬وفي صلة الجماعة‬
‫‪ ،%80‬وفي تلوة الذكار ‪ ،%50‬وهكذا‪.‬‬
‫ثمّ تبدءون معا مناقشة النسب المنخفضة‪ ،‬وأسباب ذلك‪ ،‬وكيفيّة رفع هذه النسب‪ ،‬وعلج‬
‫ص معيّن‪.‬‬
‫القصور‪ ،‬دون أن يكون الكلم عن شخ ٍ‬
‫وبما أنّ الشيء بالشيء يُذكَر‪ ،‬أعرض عليك طريقةً أحسبها جيّدةً لجراء هذا الوِرد‪ ،‬وتحقّق في‬
‫النفس أهدافه‪ ،‬هذه الفكرة تقوم على استحضار أنّ هذه الورقة الخاصّة بكلّ فردٍ والتي يُسجّل فيها‬
‫العمال‪ ،‬هي صورةٌ طبق الصل من الصحيفة التي يكتبها الملَكان الموكّلن بالعبد‪ ،‬واللذان يسجّلن‬
‫حسناته وسيئاته‪ ،‬فإذا قام الشابّ بالعمل المطلوب يترك خانته بيضاء دون أيّة علمة‪ ،‬وإذا لم يقم به‬
‫سوّد تلك الخانة بالقلم السود‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫وعندما تنتهي المدّة التي يحاسِب نفسه فيها‪ ،‬ينظر إلى الورقة‪ ،‬ويعلم أنّ مقدار البياض الذي‬
‫فيها هو نفس مقدار البياض واليمان الذي في قلبه‪ ،‬ومقدار السواد الذي في الورقة هو نفسه مقدار‬
‫السواد المنكوت في قلبه نتيجة سوء عمله وتقصيره‪ ،‬وكأنّه يرى صحيفته التي دوّنتها الملئكة رأي‬
‫العين‪.‬‬
‫إنّ هذه الطريقة لها أثرٌ كبيرٌ في النفوس المؤمنة‪ ،‬وحَرِيّةٌ بأن تدفع العبد المقصّر للستدراك‬
‫والتوبة‪.‬‬
‫ربّما تقول أخي أنّك تودّ معرفة انتظام كلّ فردٍ منهم على حدةٍ في هذه العبادات‪ ،‬لتضع له‬
‫تقييما مثل‪ ،‬أو لتهيئته لدورٍ منتظَر‪ ..‬إلخ‪ ،‬ولكنّ الحقيقة ‪-‬أخي الكريم‪ -‬أنّ هذا ل يتأتّى عن طريقٍ‬
‫ن الوِرد بهذه‬
‫مثل هذه الجداول والوراد التي تعقدها له‪ ،‬وهو يعلم أنّك وغيرك ستطّلعون عليها‪ ،‬فإ ّ‬
‫الصورة بالتأكيد ل يخلو من بواعث الكذب والرياء‪ ،‬ووضع الشابّ في اختبارٍ وابتلءٍ صعبٍ ينبغي‬
‫أن نحافظ على دينه بإعفائه منه‪ ،‬وتستطيع أن تعرف ما تريد عن طريق المعايشة الطبيعيّة‪،‬‬
‫واللتصاق‪ ،‬والتعامل العفويّ بينكما‪ ،‬وسؤال المقرّبين منه المؤتمنين‪ ،‬ل أن تطلب منه أن يكتب لك‬
‫أفعاله ودرجة انتظامه‪ ،‬وبهذا يتربّى الشابّ على الخلص ل وحده‪ ،‬وعدم مراقبة الخلق في أفعاله‪.‬‬
‫إنّ المحاسبة الفرديّة قد تصلح في أعمالٍ أخرى غير العبادات المحضة‪ ،‬فقد تصلح مثلً في‬
‫ط معيّنٍ طُلِب منه أن يقوم به؛ لنّ مثل هذه‬
‫متابعة مهمّةٍ دعويّ ٍة معيّنةٍ كلّفتَ بها هذا الشابّ‪ ،‬أو نشا ٍ‬
‫المور داخلةٌ في نسيج العمل الدعويّ الذي تشتركون فيه‪ ،‬وتؤثّر عليه‪ ،‬ويحقّ لك أن تسأل عنها‬
‫وتتابعها‪.‬‬
‫أمّا العبادات المحضة والتطوعيّة‪ ،‬فليس لك إل أن تحثّ عليها وتشجّع على التيان بها‪ ،‬دون‬
‫أن تسأل عليها الشابّ سؤالً مباشرا‪.‬‬
‫أخي صابر‪ ،‬صبّرك ال وقوّاك وأعانك وتقبّل منك‪ ،‬ونسأله سبحانه أن يهدي بك هؤلء‬
‫الشباب‪ ،‬فهو خيرٌ لك من حمُر ال ّنعَم‪ ،‬ومرحبا برسائلك دائما"‪.‬‬

‫برامج إيمانية‬
‫برنامج تربويّ شخصي‪ ..‬ول ننسى الخرين‬
‫السؤال‪:‬‬
‫السلم عليكم ورحمة ال‪،‬‬
‫بدايةً أرجو قبول شكري الجزيل على ما تقدّمونه من خدماتٍ ونصائح عظيمة‪ ،‬فبارك ال فيكم‬
‫وجزاكم عنّا وعن المسلمين خير الجزاء‪.‬‬
‫منذ شهورٍ قليلة‪ ،‬انتقلت أنا وزوجي من بلدنا العربيّ إلى أميركا‪ ،‬وللسف‪ ،‬فإنّ الجالية‬
‫ن معظم‬
‫السلميّة في المدينة حيث نسكن صغيرةٌ جدّا ل تتعدّى العشر عائلت‪ ،‬وللسف أيضا فإ ّ‬
‫هذه العائلت ليست ملتزمة‪ ،‬الصلة في المسجد تقام فقط يوم الجمعة‪ ،‬وأحيانا قليل ًة يقيمون صلة‬
‫المغرب‪ ،‬وطبعا التراويح في رمضان‪.‬‬
‫المهمّ أنّني وزوجي نرغب بأن تكون لنا حياةٌ إسلميّةٌ صحيحةٌ داخل المنزل‪ ،‬وبما أنّ طبيعة‬
‫عمل زوجي ل تتيح له الكثير من الفراغ‪ ،‬فإنّني أرجو منكم أن تنظّموا لنا برنامجا دينيّا يوميّا‪ ،‬ولكن‬
‫بحيث ل يأخذ أكثر من نصف ساعةٍ أو ساع ٍة على الكثر‪ ،‬ما أفضل ما يمكن أن نعمله ويكون به‬
‫الجر الكبير من ال؟‬
‫وفي النهاية‪ ،‬أرجو منكم خالص الدعاء لنا بالتوفيق‪ ،‬حيث إنّنا نحاول إيجاد عملٍ في مدينةٍ بها‬
‫جاليةٌ مسلمةٌ كبيرة‪ ،‬خصوصا أنّني حامل‪ ،‬وأريد لبني تربيةً إسلميّةً ممتازة‪.‬‬
‫فادعوا ال أن ييسّر لنا النتقال‪ ،‬ولكم من ال الثواب والبركة‪.‬‬
‫المستشار‪:‬‬

‫فريق الستشارات الدعوية‬

‫الرد‬
‫يقول الستاذ فتحي عبد الستّار المحرّر بصفحة "دعوة ودعاة" بالموقع‪:‬‬
‫"أختنا الفاضلة‪،‬‬
‫بداية‪ ،‬جزاك ال خيرا على عباراتك الرقيقة التي توجّهين فيها الشكر إلينا‪ ،‬وفي الواقع أنّ الذي‬
‫يستحقّ الشكر أ ّولً هو ال عزّ وجلّ على توفيقه لنا واستعماله إيّانا‪ ،‬وثانيا جميع إخواننا وأخواتنا‬
‫الذين يزورون موقعنا ويتفاعلون معنا‪ ،‬ويشدّون من أزرنا‪ ،‬نسأل ال سبحانه وتعالى أن يتقبّل منّا‬
‫ومنكم‪ ،‬وبعد‪..‬‬
‫فبقدر ما أثلجت رسالتك صدورنا وأسعدتنا‪ ،‬وبثّت فينا المل والطمأنينة‪ ،‬لوجود أمثالك من‬
‫المسلمين الحريصين على التمسّك بتعاليم دينهم واللتزام بها في بلد الغربة‪ ،‬بقدر ما أقلقتنا على‬
‫ن معظم عائلت المسلمين في المدينة التي تقيمين فيها‬ ‫بعض إخواننا المسلمين هناك‪ ،‬عندما ذكرت أ ّ‬
‫غير ملتزمٍ بالسلم‪ ،‬ممّا يعرض الجيال القادمة لضياع الهويّة‪ ،‬والذوبان في محيط تلك المجتمعات‬
‫البعيدة عن السلم‪ ،‬ويجعلهم ل يحملون من السلم إل السم فقط‪ ،‬إن حملوه‪.‬‬
‫لذا فإنّي أريد أن تنتقل رغبتك التي عبّرت عنها بأن تكون لك أنت وزوجك حياةً إسلميّ ًة‬
‫صحيحةً داخل المنزل‪ ،‬أن تنتقل بعد تثبيت النفس إلى رغبةٍ في أن تكون نفسُ الحياة لجميع من‬
‫تحتكّان بهم وتعرفانهم من المسلمين هناك‪ ،‬بعد أن ننقل إلى قلوبهم وعقولهم تلك الرغبة‪ ،‬بل ونتعدّى‬
‫حدود بيوتنا إلى محاولة التأثير في المجتمع المحيط‪ ،‬وفي غير المسلمين من أهل تلك البلد‪.‬‬
‫من الممكن أن نضع لنفسنا برنامجا إسلميّا نطبّقه يوميّا في بيوتنا‪ ،‬ولكن لكي نضمن بقاء هذا‬
‫البرنامج‪ ،‬وبقاء تأثيره فينا‪ ،‬وصموده أمام المغريات والعقبات التي يموج بها المجتمع من حولنا‪،‬‬
‫لبدّ أن تكون لهذا البرنامج حوائط صدّ‪ ،‬وبرامج دفاعيّ ٌة ووقائيّ ٌة تقف خارج أسوار بيوتنا‪ ،‬وإل‬
‫اقتحم الباطل علينا تلك البيوت‪ ،‬وهدم برامجنا وزلزل عقائدنا‪.‬‬
‫ت قويّةٍ مع أسر المسلمين هناك‪،‬‬
‫وتتمثّل حوائط الصدّ هذه والبرامج الدفاعيّة في تكوين علقا ٍ‬
‫وأن تكون تلك البرامج مشتركةً فيما بين هذه السر‪ ،‬يجتمعون عليها بشكل دوريّ‪ ،‬ويؤدّونها سويّا‪،‬‬
‫ولعلّ اتساع هامش الحريّة في تلك البلد يكون مشجّعا على ذلك‪.‬‬
‫فرسالة المسلم ليست إصلح نفسه هو وأسرته فقط‪ ،‬وإنّما إصلح العالم كلّه من حوله‪ُ ،‬كلّ‬
‫بحسب قدراته وإمكاناته واستطاعته‪.‬‬
‫كوني أنت وزوجك الرائدَين‪ ،‬واشرعا في زيارة أسر وعائلت المسلمين حولكما‪ ،‬وتعرّفا‬
‫عليهم‪ ،‬وكوّنا معهم العلقات‪ ،‬وادعواهم لتبادل الزيارات‪ ،‬وقضاء بعض العطلت سويّا‪ ،‬واجعل ذلك‬
‫نواةً لتفاعلٍ أكبر‪ ،‬ونشاطٍ أعمّ‪.‬‬
‫وبالطبع ينبغي أن يكون لك مع زوجك برنامجٌ خاصّ‪ ،‬يكون زادا ومعينا لكما‪ ،‬ينظّم الوقت‬
‫كلّه‪ ،‬ويستوعب العمال كلّها‪ ،‬فنحن ل نستطيع أن نفصل التزامنا بديننا عن حركتنا ونشاطنا‪،‬‬
‫ونحصره في نصف ساعةٍ أو ساعة‪" :‬قل إنّ صلتي ونُسُكي ومحياي ومماتي ل ربّ العالَمين ل‬
‫شريك له وبذلك ُأمِرتُ وأنا أوّل المسلمين"‪ ،‬فينبغي أن يكون السلم معنا في كلّ حركةٍ وسكنة‪،‬‬
‫ويرافقنا في جميع أنشطة حياتنا‪ ،‬طوال يومنا‪ ،‬في صحونا ومنامنا‪.‬‬
‫ويمكن أن نسمّي هذا البرنامج جلسةً إيمانيّةً أو برنامجا ثقافيّا وتربويّا‪ ،‬ويفضّل أن يكون‬
‫أسبوعيّا‪ ،‬على أن يشمل أعمالً وطاعاتٍ يوميّة‪ ،‬فالقليل الدائم خيرٌ من الكثير المنقطع‪ ،‬وأحبّ‬
‫العمال إلى ال عزّ وجلّ أدومها وإن قلّ‪ ،‬فتكون لكما جلسةٌ أسبوعيّة‪ ،‬تُعدّان لها جيّدا‪ ،‬من حيث‬
‫الزمان والمكان‪ ،‬وتستعدّان لها نفسيّا وروحيّا‪ ،‬تدرسان فيه منهجا بسيطا‪ ،‬يشمل‪:‬‬
‫‪ -1‬حفظ عشر آياتٍ على الكثر أسبوعيّا‪ ،‬مع دراسة تفسيرها‪.‬‬
‫‪ -2‬حفظ حدي ٍ‬
‫ث نبويّ واحدٍ أسبوعيّا‪ ،‬مع دراسة فقهه‪.‬‬
‫‪ -3‬دراسة فصلٍ من السيرة‪.‬‬
‫‪ -4‬قراءةً في أحد كتب الرقائق‪.‬‬
‫‪ -5‬دراسة كتابٍ في العقيدة‪.‬‬
‫‪ -6‬دراسة كتابٍ في الفقه "هذا البند إذا كنتما تستطيعان ذلك‪ ،‬وإل يمكن الستعاضة عن ذلك‬
‫بسؤال شيخٍ أو مشاهدة برامج الفتاوى على أيّة قنا ٍة من القنوات الفضائيّة أو عبر النترنت وما إلى‬
‫ذلك"‪.‬‬
‫‪ -7‬دراسة رسالةٍ في تربية الولد والداب السريّة‪.‬‬
‫‪ -8‬دراسة رسالةٍ في فقه الدعوة‪.‬‬
‫‪ -9‬متابعة أخبار المسلمين في العالم عن طريق وسائل العلم المختلفة‪.‬‬
‫‪ -10‬مناقشة المشكلت الطارئة على السرة والجتهاد في حلّها والتغلّب عليها وفق ما تفهمان‬
‫من قواعد عامّةٍ للسلم‪.‬‬

‫وبالطبع لن يتمّ هذا كلّه في جلسةٍ واحدة‪ ،‬ولكن يمكن التقسيم والتوزيع والتنويع‪ ،‬والتبديل بين‬
‫هذه المحاور كلّ أسبوع‪ ،‬وأنصحكما أن تقوما بعد النتهاء من دراسة كلّ جزئيّةٍ بالتّفاق على واجبٍ‬
‫معيّنٍ تستخرجانه ممّا قرأتما‪ ،‬وتقومان بأدائه خلل السبوع‪ ،‬ليتوافق ويتصاحب العلم مع العمل‪.‬‬
‫كما يراعى ‪-‬إن لم يكن هذا حادثا‪ -‬تعلّم لغة المجتمع جيّدا‪ ،‬ليسهل التفاهم والتواصل مع‬
‫أفراده‪ .‬هذا مع مراعاة الواجبات اليوميّة‪ ،‬مثل المحافظة على الصلوات في أوقاتها جماعة‪ ،‬ل سيّما‬
‫الفجر والعشاء ‪-‬والجماعة هنا حتى لو كانت بكما فقط‪ -‬وأداء نوافل الصلوات‪ ،‬وتلوة أذكار‬
‫الصباح والمساء‪ ،‬وأدعية الحوال‪ ،‬وصيام الثنين والخميس وثلثة أيّامٍ من كلّ شهر‪ ،‬وإخراج‬
‫ل يوميّا‪.‬‬
‫الصدقات‪ ،‬تلوة جزءٍ من القرآن على الق ّ‬
‫كلّ هذا بحسب الستطاعة والجهد‪" :‬والذين جاهدوا فينا لَ َنهْدِينّهم سُبُلَنَا وإنّ ال َلمَع المحسنين"‪،‬‬
‫ولتتواصيا أنت وزوجك دائما بالحقّ والصبر‪ ،‬وليذكّر كلّ منكما الخر إذا نسي‪ ،‬ويعينه على طاعة‬
‫ال عزّ وجلّ والثبات على دينه‪.‬‬
‫مع ملحظةٍ هامّةٍ ينبغي اللتفات إليها‪ ،‬وهي "إيمان المعاملة" التي تحدّثنا عنها في استشاراتٍ‬
‫سابقة‪ ،‬أي أن تأخذا الزاد اليمانيّ من دعوة الناس‪ ،‬ومساعدتهم‪ ،‬والمشاركة في نشاطاتهم وأعمالهم‬
‫التي فيها الخير وليس فيها منكر‪ ،‬علينا أن نكون إيجابيّين في مجتمعنا‪ ،‬وتكون إيجابيّتنا هذه مشبعةً‬
‫بروح الدعوة والحرص على هداية الناس‪ ،‬وحينما تمتلئ قلوبنا بهذا المفهوم‪ ،‬تكون إيجابيّتنا حينها‬
‫رافدا قويّا من روافد زيادة اليمان‪.‬‬
‫وفّقكما ال لما يحبّه ويرضاه‪ ،‬وأتمّ حملك على خير إن شاء ال‪ ،‬ونسأله سبحانه وتعالى أن‬
‫يرزقكما الذرّيّة الصالحة‪ ،‬التي تقرّ أعينكما بها‪ ،‬وأن ييسّر لكما القامة حيث فيه خيركما في الدنيا‬
‫والخرة‪ ،‬إنّه على ما يشاء قدير‪ ،‬وفي انتظار رسائلك دائما"‪.‬‬

‫برامج إيمانية‬
‫برنامج عملي لتطوير اليان‪ ..‬الهمات التسع‬
‫السؤال‪:‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‪،‬‬
‫في البداية جزاكم ال ألف خير‪ ،‬وجعل ذلك في ميزان حسناتكم‪.‬‬
‫آبائي الكرام‪،‬‬
‫أسأل ال أن أجد لكلماتي عندكم صدى‪ ،‬أبدأ بمشكلتي وأقول‪ :‬أنا شابّ أبلغ من العمر عشرين‬
‫عاما‪ ،‬أكرمني ال بحفظ كتابه الكريم‪ ،‬ولكن ل أعرف أنّني راجعته في شهرٍ م ّرةً واحدة‪ ،‬وهذا ما‬
‫يؤلمني‪ ،‬ليس هذا فحسب‪ ،‬فأنا والحمد ل أعرف طريق الدعوة وأحبّه‪ ،‬ولكن الن الروحانيّة التي‬
‫كانت لديّ في الصغر‪ ،‬ل أجدها الن‪ ،‬وهذا لشكّ فيه أنّها الذنوب الذنوب‪.‬‬
‫أساتذتنا الكرام‪،‬‬
‫باختصار‪:‬‬
‫‪ -‬أريد أن أحسّ بلذّة العبادة وبالقرب من ال‪.‬‬
‫‪ -‬أريد أن أكون ناجحا في دعوتي مع نفسي أ ّولً ثمّ مع أهلي ثمّ مع الناس‪.‬‬
‫‪ -‬أريد أن أعمل لديني حتى يغمض الجفن‪.‬‬
‫ج يكون‬
‫ي يتضمّن تطوير الذات إيمانيّا وثقافيّا‪ ،‬برنام ٍ‬
‫ج عمل ّ‬
‫وأطلب منكم أن ترشدوني إلى برنام ٍ‬
‫‪-‬إن شاء ال‪ -‬بداية النطلق من جديد‪ ،‬والخروج من الفتور الذي أعيشه‪.‬‬
‫أرجو أن يجيب على التساؤل الستاذ فتحي يكن‪ ،‬والستاذ كمال المصري‪.‬‬
‫والسلم عليكم ورحمة ال وبركاته‪ ،‬ولكم من ال جزيل الجر والثواب‪.‬‬

‫المستشار‪:‬‬

‫د‪ .‬فتحي يكن‬

‫الرد‬
‫أخي الكريم‪،‬‬
‫السلم عليكم ورحمة ال وبركاته‪ ،‬وبعد‪،‬‬
‫إنّ ظاهرة تراجع الروحانيّات واحدةٌ من الظواهر الخذة في النتشار والتفاقم‪ ،‬وأسباب ذلك‬
‫كثيرة‪ :‬منها ما يعود إلى البيئة والعشرة نفسها‪ ،‬ومنها ما يعود إلى غلبة الهموم الدنيويّة على الهمّ‬
‫الخرويّ‪ ،‬ومنها ما يتّصل بحالة الستهلك اليمانيّ المتزايد مقابل تراجع النتاج اليمانيّ الملحوظ‪.‬‬
‫وحول هذه الظاهرة المرضيّة‪ ،‬كنت ألقيت محاضرةً عنوانها‪" :‬النسان بين هداية الرحمن‬
‫وغواية الشيطان"‪ ،‬عرضت فيها لمعادلة النتاج والستهلك اليمانيّ غير المتكافئة‪ ،‬أضع بين يديك‬
‫ملخّصا لها‪ ،‬ولمشروعٍ متواض ٍع وسهلٍ لزيادة النتاج اليمانيّ ختمت به محاضرتي‪ ،‬وهو مقتبسٌ‬
‫من كتابات بعض الخيار المنشغلين بهذا الجانب الربانيّ الهامّ جزاهم ال عنّا كلّ خير‪ ،‬ول أنسى أن‬
‫أذكّرك وأذكّر نفسي بالوصايا العشر التي أوصى بها المام الشهيد حسن البنّا العاملين على الساحة‬
‫ج تربويّ‬
‫ي لكلّ منه ٍ‬
‫السلميّة في كلّ مكان‪ ،‬إضافةً إلى "رسالة التعاليم" التي تشكّل العمود الفقر ّ‬
‫"روحيّ وثقافيّ"‪ ،‬أرجو أن تكون متوافرةً عندكم‪ ،‬فإن تعذّر ذلك فيمكن إرسالها إليك هديّة حبّ في‬
‫ال‪.‬‬
‫عصر الستهلك اليمانيّ‪:‬‬
‫يشهد هذا العصر استهلكا إيمانيّا مريعا‪ ،‬من شأنه أن يدفع بالكثير من المسلمين إلى هاوية‬
‫ف أضاعوا الصلة واتّبعوا الشهوات فسوف‬ ‫الفلس اليمانيّ‪ ،‬يقول تعالى‪" :‬فخلف من بعدهم خل ٌ‬
‫يلقَون غيّا"‪ ،‬ويقول الرسول صلى ال عليه وسلم‪" :‬خيركم قرني‪ ،‬ثمّ الذين يلونهم‪ ،‬ثمّ الذين‬
‫يلونهم"رواه مسلم‪.‬‬
‫ن كلّ ما حولنا يصرفنا عن ال‪ ،‬ويغرينا بالدنيا وشهواتها‪" :‬زُيّن للناس حبّ الشهوات من‬‫إّ‬
‫النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضّة والخيل المسوّمة والنعام والحرث ذلك متاع‬
‫حفّت‬
‫الحياة الدنيا وال عنده حسن المآب"‪ ،‬وصدق رسول ال صلى ال عليه وسلم حيث يقول‪ُ " :‬‬
‫حفّت النار بالشهوات"رواه مسلم‪.‬‬
‫الجنّة بالمكاره‪ ،‬و ُ‬
‫أكتفي بعرض نموذجٍ بسيطٍ حول عمليّة الستهلك اليمانيّ في زحمةٍ من المواقع الستهلكيّة‬
‫التي ل تُبقي ول تذر‪:‬‬
‫أمام "نشرةٍ أسبوعيّةٍ مجانيّة" تقع في نحو أربعين صفحة‪ ،‬كلّ صفحةٍ فيها تمتلئ بعشرات‬
‫الدعوات والدعايات التي تستهلك اليمان والخلق والوقت والمال‪ ،‬ول تترك للنسان فرصةً للتنفّس‬
‫اليمانيّ السليم؛ فهذه دعوةٌ إلى تنحيف الجساد‪ ،‬وتأمين الصدقاء‪ ،‬واستيراد خادماتٍ وحاضناتٍ‬
‫تتناسب مع جميع الذواق والميزانيّات‪ ،‬وعرضٌ لمقاعد بكبسة زرّ تساعدك على النهوض‪ ،‬وعرضٌ‬
‫لمعالجة الصلع‪ ،‬أو إزالة الشعر نهائيّا عن الجساد إلى البد‪ ،‬وعروضٌ ل تعدّ في عالم التجميل‪،‬‬
‫وعروضٌ لرفع الصدر وتنحيف الخصر والوشم والتغيير في خلق ال‪ ،‬ناهيك عن عروض بيع‬
‫السيارات والمفروشات والدوات الكهربائيّة والكومبيوترات والفيلّت والشقق والشاليهات‪ ،‬يرافق كلّ‬
‫س في‬
‫ذلك عروضٌ سخيّةٌ بالبيع المقسّط يمكن أن يستهلك عمر النسان كلّه‪ ،‬يضاف إلى ذلك تناف ٌ‬
‫عروض المطاعم وحفلت الطرب والرقص وما يمنع الحياء عن ذكره‪ ،‬هذه مفرد ٌة صغيرةٌ ومحدودةٌ‬
‫من وسائل الستهلك اليمانيّ‪ ،‬يُضاف إليها عالم النترنت وعالم الفضائيّات‪ ،‬وكلّ ما تمخّض عنه‬
‫العقل البشريّ‪ ،‬ووُضع في خدمة الشيطان‪ ،‬فماذا يتبقّى بعد ذلك؟‬
‫‪ -‬هل يتبقّى وقت؟ هل يتبقّى جهد؟ هل يتبقّى عقل؟‬
‫‪ -‬هل يتبقّى مال؟ هل يتبقّى دين؟ هل يتبقّى أخلق؟‬
‫النتيجة‪ :‬ضياع العمر وسوء المصير‪.‬‬
‫‪ -‬كيف نواجه هذا الكمّ من قوارض اليمان؟‬
‫لبدّ من مشاريع إنتاجيّةٍ لليمان تغالب الستهلك وتغلبه‪ ،‬إنّ ذلك يحتاج إلى قوّة إرادة‪،‬‬
‫وعزيمة‪ ،‬وصبر‪ ،‬ومجاهدة نفس‪ ،‬ومغالبة هوى‪ ،‬ل تفتر ول تتوقّف‪ ،‬إنّه يحتاج إلى إنما ٍء إيمانيّ‬
‫ي على القلّ‪.‬‬
‫يماثل حجم الستهلك اليمان ّ‬
‫إنّ صوم رمضان‪ ،‬وأداء مناسك العمرة والحجّ‪ ،‬وإقام الصلة فرائض ونوافل‪ ،‬والقيام بواجب‬
‫المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬وقراءة كتاب ال‪ ،‬وذكر الموت‪ ،‬والنهوض بواجب الدعوة إلى‬
‫ال‪ ،‬والسهام قدر المستطاع بأحد جوانب الجهاد في سبيل ال‪ ،‬هذه وغيرها محطّاتٌ للنتاج‬
‫اليمانيّ‪ ،‬ومعارج رقيّ وارتقاءٍ إلى ال عزّ وجلّ‪ ،‬نحن مطالبون بالقبال عليها والستفادة منها‪.‬‬
‫مشروع العصر‪:‬‬
‫"الدنيا ساعة‪ ..‬فاجعلها طاعة"‬
‫ثماني مهمّاتٍ على طريق الجنة‬
‫هذا المشروع‪ :‬مقترحٌ كحدّ أدنى لكلّ مسلمٍ ومسلمة‪ ،‬يتضمّن ثماني مهمّات‪ ،‬محدّدة الوقت‪،‬‬
‫معلومة الثواب‪ ،‬محقّقةً الفائدة بإذن ال تعالى‪ ،‬من ذلك‪ :‬مغفرة الذنوب‪ ،‬المان من فتنة القبر‪ ،‬بناء‬
‫ن كلّ ذلك ل‬‫بيتٍ في الجنّة‪ ،‬استجابة الدعاء‪ ،‬المان من الفقر‪ ،‬قضاء الحوائج‪ ،‬تفريج الهمّ‪ ،‬إ ّ‬
‫يستغرق أكثر من ستّين دقيقة‪.‬‬
‫‪ -1‬المهمّة الولى‪:‬‬
‫أداء اثني عشرة ركعةً نافلة "السنن الراتبة"‪ ،‬وهي‪ :‬اثنتان قبل الفجر ‪ +‬أربعٌ قبل الظهر واثنتان‬
‫بعده ‪ +‬اثنتان بعد المغرب ‪ +‬اثنتان بعد العشاء‪.‬‬
‫الفائدة المرجوّة‪ :‬يبني ال للمداوم بيتا في الجنّة‪.‬‬
‫الدليل‪ :‬قوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬من صلّى في يومٍ ثنتي عشرة سجدة‪ ،‬تطوّعا‪ ،‬بني له بيتٌ‬
‫في الجنّة"رواه مسلم‪.‬‬
‫‪ -2‬المهمّة الثانية‪:‬‬
‫صلة ركعتين في الليل‪،‬‬
‫الفائدة المرجوّة‪ :‬يستجاب الدعاء ‪ +‬يُغفَر الذنب ‪ +‬تُقضَى الحاجة‪.‬‬
‫الدليل‪ :‬قوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬يتنزّل ربّنا تبارك وتعالى كلّ ليلةٍ إلى السماء الدنيا‪ ،‬حين‬
‫يبقى ثلث الليل الخر‪ ،‬يقول‪ :‬من يدعوني فأستجيب له‪ ،‬من يسألني فأعطيه‪ ،‬من يستغفرني فأغفر‬
‫له"رواه البخاري‪.‬‬
‫‪ -3‬المهمّة الثالثة‪:‬‬
‫أداء صلة الضحى ركعتين‪ ،‬أو أربعا‪ ،‬أو ثماني ركعات‪.‬‬
‫الفائدة المرجوّة‪ :‬تؤدّي صدقةً عن كلّ مفصلٍ من مفاصل العظام‪.‬‬
‫الدليل‪ :‬قوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬يصبح على كلّ سُلمى من أحدكم صدقة‪ ،‬فكلّ تسبيح ٍة‬
‫صدقة‪ ،‬وكلّ تحميدةٍ صدقة‪ ،‬وكلّ تهليلةٍ صدقة‪ ،‬وكلّ تكبيرةٍ صدقة‪ ،‬وأمرٌ بالمعروف صدقة‪ ،‬ونهيٌ‬
‫عن المنكر صدقة‪ ،‬ويجزئ من ذلك‪ ،‬ركعتان يركعهما من الضحى"رواه مسلم‪ ،‬وروى البخاريّ‬
‫جزءا منه‪.‬‬
‫‪ -4‬المهمّة الرابعة‪:‬‬
‫قراءة سورة الملك‪.‬‬
‫الفائدة المرجوّة‪ :‬تنجي من عذاب القبر‪.‬‬
‫غفِر‬
‫الدليل‪ :‬قوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬إنّ سورةً من القرآن ثلثون آية‪ ،‬شفعت لرجلٍ حتى ُ‬
‫له‪ ،‬وهي "تبارك الذي بيده الملك"" رواه الترمذيّ وأحمد‪ ،‬وقال الترمذيّ‪ :‬هذا حديثٌ حسن‪.‬‬
‫‪ -5‬المهمّة الخامسة‪:‬‬
‫قول‪" :‬ل إله إل ال وحده ل شريك له‪ ،‬له الملك وله الحمد‪ ،‬وهو على كلّ شيءٍ قدير"‪.‬‬
‫الفائدة المرجوّة‪ :‬تعدل فكّ عشر رقاب‪ ،‬وتُكتَب مائة حسنة‪ ،‬وتمحو مائة سيّئة‪ ،‬وتكون حرزا‬
‫من الشيطان‪.‬‬
‫الدليل‪ :‬قوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬من قال ل إله إل ال وحده ل شريك له‪ ،‬له الملك وله‬
‫الحمد‪ ،‬وهو على كلّ شيءٍ قدير‪ ،‬في يومٍ مائة مرّة‪ ،‬كانت له عدل عشر رقاب‪ ،‬وكتبت له مائة‬
‫حسنة‪ ،‬ومحيت عنه مائة سيّئة‪ ،‬وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي‪ ،‬ولم يأت أحدٌ‬
‫بأفضل ممّا جاء به‪ ،‬إل أحدٌ عمل أكثر من ذلك"رواه مسلم‪.‬‬
‫‪ -6‬المهمّة السادسة‪:‬‬
‫الصلة على النبيّ محمّدٍ صلى ال عليه وسلم مائة مرّة‪.‬‬
‫الفائدة المرجوّة‪ :‬براءةٌ من البخل‪ ،‬وصلةٌ من ال‪.‬‬
‫ي صلةً صلّى ال عليه بها عشرا"رواه‬
‫الدليل‪ :‬قوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬فإنّه من صلّى عل ّ‬
‫مسلم‪.‬‬
‫وقوله‪" :‬البخيلُ الذي منْ ُذكِرت عنده فلم يصلّ عليّ"رواه الترمذيّ‪ ،‬وقال‪ :‬هذا حديثٌ حسنٌ‬
‫غريبٌ صحيح‪.‬‬
‫‪ -7‬المهمّة السابعة‪:‬‬
‫قول‪" :‬سبحان ال وبحمده‪ ،‬سبحان ال العظيم" مائة مرّة‪.‬‬
‫الفائدة المرجوّة‪ :‬تُغرَس له في الجنّة مائة نخلة‪.‬‬
‫الدليل‪ :‬قوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬من قال سبحان ال العظيم وبحمده غُرِست له نخلةٌ في‬
‫الجنّة"رواه الترمذيّ‪ ،‬وقال‪ :‬حديثٌ حسنٌ غريب‪.‬‬
‫‪ -8‬المهمّة الثامنة‪:‬‬
‫قول‪" :‬أستغفر ال" مائة مرّة‪.‬‬
‫الفائدة المرجوة‪ :‬يفرّج ال كربه‪ ،‬ويوسّع رزقه‪.‬‬
‫الدليل‪ :‬قوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬من لزم الستغفار جعل ال له من كلّ ضيقٍ مخرجا‪ ،‬ومن‬
‫كلّ همّ فرجا‪ ،‬ورَزَقه من حيث ل يحتسب"رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم بسندٍ صحيح‪.‬‬
‫فنسأل ال تعالى الهدى والسداد‪ ،‬وآخر دعوانا أن الحمد ل ربّ العالمين‪.‬‬
‫وبإجابة الدكتور فتحي أكرمه ال تعالى الوافية الكافية‪ ،‬أختم بالشارة إلى موضوعٍ تحدّثت فيه‬
‫كثيرا‪ ،‬ويحسن الحديث فيه هنا في مقام زيادة اليمان‪ ،‬ودعني أسمّيه المهمّة التاسعة‪ ،‬وهو أنّ‬
‫ل ومعاملةٌ كذلك‪ ،‬فعندما يقول‬ ‫اليمان في ديننا ليس صلةً وقراءة قرآنٍ فقط‪ ،‬بل هو ممارس ٌة وفع ٌ‬
‫صلى ال عليه وسلم مثلً في الحديث الرائع حقّا‪" :‬تبسّمك في وجه أخيك صدق ٌة لك‪ ،‬وأمرك‬
‫بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة‪ ،‬وإرشادك الرجل في أرض الضللة لك صدقة‪ ،‬وبصرك‬
‫للرجل الرديء البصر لك صدقة‪ ،‬وإماطتك الحجر والشوكة والعظم عن الطريق لك صدقة‪،‬‬
‫وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة"رواه الترمذيّ‪ ،‬وقال‪ :‬حسنٌ غريب‪ ،‬ورواه ابن حبّان في‬
‫صحيحه‪،‬‬
‫هل هذه الوامر والفضائل "المعاملتيّة" لمجرّد العلم‪ ،‬أم هي للممارسة أيضا؟ وهل لها –إذا ما‬
‫طبّقناها‪ -‬علقةٌ بزيادة اليمان في قلوبنا؟ ولو كانت ليست لها علقةٌ باليمان‪ ،‬فمعذرة‪ ،‬فما فائدتها؟‬
‫ولماذا وردت؟ ولماذا حثّ ديننا عليها وأمر بها؟‬
‫لقد أخبرنا رسولنا صلى ل عليه وسلم بعظم أجر هذه المعاملت حين قال‪" :‬بينما رجلٌ يمشي‬
‫بطريق‪ ،‬وجد غصن شوك‪ ،‬فأخذه‪ ،‬فشكر ال له‪ ،‬فغفر له"رواه أحمد والبخاريّ ومسلم وأبو داود‬
‫والترمذيّ‪.‬‬
‫علينا إذن أن نتقرّب إلى ال بالمعاملة كما تقرّبنا إليه بالطاعة‪ ..‬بالتقان واللتزام في كلّ شيءٍ‬
‫في حياتنا صغر أم كبر‪ ،‬يبدأ من التزام الكلمة وصولً إلى التزام العمل والطاعة والحياة‪ ،‬لنجعل‬
‫س بقسوة القلب أو بالتراجع‬
‫حياتنا قرب ًة إلى ال تعالى‪ ،‬في الطاعة وفي المعاملة‪ ،‬وعندئذ لن نح ّ‬
‫اليمانيّ‪ ،‬وصدق ربّنا سبحانه حين قال‪" :‬قل إنّ صلتي ونسكي ومحياي ومماتي ل ربّ العالمين‪،‬‬
‫ل شريك له وبذلك ُأمِرت وأنا أوّل المسلمين"‪.‬‬
‫ومحياي‪ :‬قال المام القرطبيّ في تفسيرها‪ :‬أي ما أعمله في حياتي‪.‬‬
‫ل ما نقوم به في حياتنا من أعمال‪.‬‬
‫فالسلم إذن‪ :‬صلةٌ ونسكٌ أي طاعةٌ وعبادة‪ ،‬وك ّ‬
‫وهذه كلّها يجب أن تكون ل ربّ العالمين‪ ،‬وبدونها ل يكون المسلم مسلما‪.‬‬
‫جزاك ال خيرا يا أخي الكريم‪ ،‬وأتمنّى أن نكون أوفيناك الجابة‪ ...‬المحرر‪.‬‬

‫برامج إيمانية‬
‫برنامج للتواصل الروحي‪ ..‬يتجاوز الدود‬
‫السؤال‪:‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‪،‬‬
‫الخوة الكرام‪،‬‬
‫السلم عليكم ورحمة ال وبركاته‪،‬‬
‫انطلقا من الحرص على الترابط الرّوحيّ والتّقرّب من المولى تعالى‪ ،‬كان هذا التفكير الدعو ّ‬
‫ي‬
‫البسيط‪ ،‬لسيّما وإشراقات أرواحنا قد أجدبت ِلمَا تعانيه قلوبنا من ُن َكتٍ سوداء تمحقه‪.‬‬
‫الخوة الكرام؛‬
‫هذا التفكير يربط إخو ًة وأخواتٍ عبر دولٍ مختلفة‪ ،‬فمن القدس وغزّة إلى مكّة المكرّمة‪ ،‬وانتهاءً‬
‫إلى حيث أكون‪.‬‬
‫الخوة الكرام؛‬
‫وكما ذكرت هو تفكيرٌ بسيطٌ ل حول ول قوّة له‪ ،‬أعلم أنّه يحتاج إلى تنقيحٍ أو إعادة تشكيلٍ كما‬
‫يقال‪ ،‬ولذا طرقت بابكم‪ ،‬وناشدتكم أل تهملوا فكرتنا‪.‬‬
‫الخوة الكرام‪،‬‬
‫أورد لكم بعض الشروحات المطلوبة‪:‬‬
‫‪ -1‬بداي ًة في النقطة الولى المدوّنة أدناه‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫(تحديد الشيء الذي ل يمكن تركه‪ ،‬ولبدّ من فعله‪ ،‬ول يمضي يومٌ دون أن يت ّم فعله)‪ ،‬ونعني‬
‫بهذه النقطة التصميم الراديّ‪ ،‬فل يُقبِل النسان على هذا الفعل (مثل فتح النترنت‪ ،‬الجلوس على‬
‫الكمبيوتر‪ ،‬النوم‪ )...‬إل بعد تلوة نصف الجزء‪.‬‬
‫‪ -2‬يتمّ تقييم كلّ نقطةٍ بعد كلّ أسبوعٍ من تنفيذها‪ ،‬حتى يتمّ القرار؛ إمّا بضرورة الستمرار‬
‫ل تلوة نصف جزء‪ ،‬والدعاء عقب كلّ‬ ‫أسبوعا آخر بنفس النقطة‪ ،‬أو النتقال إلى نقطةٍ أخرى‪ ،‬فمث ً‬
‫صلةٍ في السبوع الوّل‪ ،‬وبعد انتهاء السبوع الوّل‪ ،‬يتمّ مراجعة الخوة في كيفيّة تطبيقهم‪ ،‬فإن‬
‫ذكر أحدهم أنّه لم يطبّق كما يجب‪ ،‬يُمدّد له أسبوعٌ آخر‪ ،‬فإن تمادى ولم يطبّق كما يجب يعاقَب بأيّ‬
‫عقاب‪ ،‬وقد يكون مثلً الصدقة أو استغفار ‪ 1000‬م ّر ٍة وهكذا‪ ،...‬وفي حالة التطبيق الكفء يتمّ‬
‫النتقال إلى النقطة الثانية وهي (استغفارٌ ‪ 100‬مرةٍ صباحا ومساء) وهكذا‪.‬‬
‫الخوة الكرام‪،‬‬
‫نرجو منكم توجيهنا وإرشادنا في كيفيّة الستمرار‪ ،‬علما بأنّي المسؤول عن هذا البرنامج‪ ،‬فإن‬
‫كان لكم رأيٌ آخر أو أيّ تعديلٍ فما أروع ما تجودون به‪.‬‬
‫ملحظة‪ :‬نحن الن في النقطة (تلوة سورة تبارك كلّ يومٍ) ولكن ليس الجميع‪ ،‬الشياء‬
‫الممكنة‪ ،‬تحديد الشيء الذي ل يمكن تركه‪ ،‬ولبدّ من فعله‪ ،‬ول يمضي يومٌ دون أنْ يت ّم فعله‪ ،‬تلوة‬
‫ل صلةٍ‪ ،‬استغفار ‪ 100‬مرةٍ‬ ‫نصف جز ٍء يوميّا قبل التيان بهذا الفعل (أساسيّ دائم)‪ ،‬الدعاء عقب ك ّ‬
‫صباحا ومساء‪ ،‬تلوة سورة تبارك كلّ يومٍ‪ ،‬سبحان ال وبحمده سبحان ال العظيم ‪ 100‬مرةٍ فقط‪،‬‬
‫قراءة المعوّذات (الخلص‪ ،‬الفلق‪ ،‬النّاس) مرةً في الصباح ومرةً في المساء‪ ،‬صلة سنّة الصبح‪،‬‬
‫صلة ركعتين سنّةً بعد صلة الظهر‪ ،‬صلة ركعتين سنّةً بعد صلة المغرب‪ ،‬صلة ركعتين سنّةً‬
‫بعد صلة العشاء‪ ،‬تلوة سورة الواقعة‪ 100 ،‬مر ٍة صلةً على النبيّ الكريم صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫الوضوء قبل النوم‪ ،‬صدقة (خلل هذا السبوع ولو دره ٌم واحدٌ فقط)‪ ،‬ركعتا الضحى‪ ،‬ركعتا الشفع‪،‬‬
‫ركعة الوتر‪ ،‬سورة الدّخان‪ 100 ،‬مرةٍ ل إله إل ال‪.‬‬

‫المستشار‪:‬‬

‫كمال المصري‬

‫الرد‬
‫أخي الكريم الذي لم يذكر لنا اسمه‪،‬‬
‫أجمل ما في برنامجك هذا هو الجماعيّة واستخدام وسائل التقنيّة الحديثة‪ ،‬فهو برغم أنّ تنفيذه‬
‫فرديّ‪ ،‬إل أنّه في مجمله ومتابعاته جماعيّ‪ .‬كما أنّه برنامجٌ تجاوز المكان والزمان والحدود‪ ،‬فأصبح‬
‫تطبيقه سهل‪ ،‬والتواصل عبره يسيرا‪ ،‬ل فرق في أيّ مكانٍ أنت‪ ،‬أو كم فارق التوقيت بيني وبينك‪،‬‬
‫ل العمال المتعلّقة بهذا البرنامج‪.‬‬ ‫فببساطة‪ ،‬يمكن عبر النترنت التواصل والمتابعة وممارسة ك ّ‬
‫هو في النهاية مشروعٌ رائد‪.‬‬
‫أمّا إن كان لي من ملحظات‪ ،‬فل أكثر من مجرّد نصائح‪ ،‬ألخّصها في التالي‪:‬‬
‫‪ -‬عدم الكتفاء بالعمال العباديّة‪ ،‬بل ربطها بالعمال الدنيويّة أو بـ"إيمان المعاملة" مثل‬
‫اليجابيّة‪ ،‬وإعانة المحتاج والعاجز‪ ،‬قضاء حاجة أخ‪ ،‬التقان في العمل‪ ،‬المشاركة في أعمال الخير‪،‬‬
‫إلى غير ذلك من أعمال "معاملتيّة"‪ ،‬وما اقتراحي هذا إل كي تكتمل الصورة البديعة التي رسمتها‬
‫بإيمانك‪ ،‬وكي نحقّق ديننا كما أنزله ربّنا سبحانه‪ ..‬وهذه أهمّ نصائحي لكم‪.‬‬
‫‪ -‬أتمنّى لو طوّرتم البرنامج‪ ،‬أو لو استهدفتم في مراحل متقدّمةٍ منه أن يحوي كذلك القراءة‬
‫والثقافة والطّلع‪ ،‬وتبادل الكتب المطبوعة من مكانٍ لخر حسب مكان طباعتها‪ ،‬وكتابة البحاث‬
‫والدراسات‪ ،‬ومتابعة الخبار وأحوال العالم‪ ،‬وغير ذلك من الملَكات المهمّة والضروريّة لكلّ مسلم‪،‬‬
‫والمعلومات التي يجب أن يُلمّ بها طالما هو عائشٌ في هذا الكون‪.‬‬
‫‪ -‬بما أنّه برنامجٌ تجاوز الحدود والعوائق‪ ،‬فلنستفد منه في معرفة أحوال وثقافة مجتمعاتنا‪ ،‬وفي‬
‫محاولت إعانة بعضنا بعضا‪ ،‬وفي التواصل البنّاء والمفيد في كلّ المجالت‪ ،‬حتى ولو كانت‬
‫مجالت تجار ٍة وعمل‪.‬‬
‫‪ -‬لو استطعتم تقسيمه إلى أجزاء يناسب كلّ جزءٍ مرحلةً عمريّةً ما‪ ،‬بحيث يكون شاملً لك ّ‬
‫ل‬
‫فئات المّة‪ ،‬ول يقتصر على المستفيدين فقط‪ ،‬بل يكون مرشدا للباء حيال أبنائهم‪ ،‬وللمعلّمين تجاه‬
‫تلميذهم‪ ،‬وللخوة نحو إخوانهم‪.‬‬
‫ت ل ظهرا‬
‫ن المنب ّ‬
‫‪ -‬راعِ التدرّج في كلّ مراحلك وخطواتك‪ ،‬وخذ الناس باليسر والناة‪ ،‬فإ ّ‬
‫أبقى‪ ،‬ول أرضا قطع‪.‬‬
‫‪ -‬حاول أن تستفيد من خبرات من سبقك في هذه المجالت‪ ،‬فل تؤسّس من جديدٍ لما تأسّس‬
‫سابقا‪ ،‬وإنّما تبني عليه وتكمّل‪ ،‬كما تؤسّس لمن سيأتي بعدك في ما لم يبنِ فيه أحد‪.‬‬
‫هذه ‪-‬أخي‪ -‬نصائحي إليك‪ ،‬وأتمنّى لو شاركنا إخواننا الخبرة والنصيحة‪.‬‬
‫وأعلمنا بتطوّرات برنامجك علّنا نستطيع المشاركة فيه‪.‬‬
‫شكرا أيّها الرائد‪.‬‬
‫برامج إيمانية‬
‫خطوات الوصول إل الشوع ف الصلة‬
‫السؤال‪:‬‬
‫السلم عليكم‪ ،‬أواجه مشكلةً في مسألة الخشوع في الصلة‪ ،‬فكلّما دخلت في الصلة‪ ،‬أنسى‬
‫نفسي‪ ،‬وأفكّر في أشياء كثيرة‪.‬‬
‫بدأ هذه الحالة تحدث –غالبا‪ -‬منذ زواجي‪ ،‬فأنا أعاني من مشاكل كثيرةٍ بسبب زواجي‪،‬‬
‫أصبحت دائمة التفكير‪ ،‬والحقيقة أنّ هذا المر يؤلمني بسبب إحساسي أنّي أصلّي بل خشوع‪ ،‬أشعر‬
‫أنني أؤدّي الفرض وفقط‪ ،‬حتى لقد فكّرت في بعض الحيان أن أنقطع عن الصلة حتى وأنا أؤدّيها‪،‬‬
‫لنّني أشعر أنّني ل أؤدّيها بالطريقة الصحيحة‪.‬‬
‫من فضلكم حاولوا مساعدتي في هذه المشكلة‪.‬‬
‫المستشار‪:‬‬

‫فريق الستشارات الدعوية‬

‫الرد‬
‫تقول الدكتورة عزّة لبيب من فريق الستشارات الدعويّة‪:‬‬
‫"أختي الفاضلة‪،‬‬
‫كثيرٌ من الناس يعاني من هذه المشكلة‪ ،‬وهي عدم الخشوع في الصلة‪ ،‬وغزو الخواطر‬
‫الدنيويّة لهم وهم واقفون بين يدي ال‪ ،‬والكلّ يعرض شكواه متأثّرا متألّما‪.‬‬
‫ضعْف العباد‪ ،‬فلم يجعل الخشوع‬
‫الخشوع ضروريّ في الصلة‪ ،‬ومن رحمة ال أنّه اطّلع على َ‬
‫شرطا في صحّة الصلة‪ ،‬وليس ركنا إن تركه بطلت‪ ،‬فإذا حاول العبد الخشوع أو لم يحاوله فصلته‬
‫صحيحةٌ على الراجح من أقوال العلماء‪.‬‬
‫إنّ الخشوع ضروريّ‪ ،‬وجديرٌ بالمسلم أن يحرص عليه‪ ،‬وأن يأتي بأسبابه الموصلة إليه‪ .‬وقد‬
‫عرّف المام ابن القيم" في مدارج السالكين" الخشوع بأنّه‪ :‬قيام القلب بين يدي الربّ بالخضوع‬
‫والذلّ‪ ،‬وإذا خشع القلب تبعه خشوع جميع الجوارح والعضاء؛ لنّها تابعةٌ له‪ ،‬والخشوع محلّه‬
‫القلب‪.‬‬
‫وعادةً ما يحاول الشيطان أن يصرف النسان عن خشوعه في الصلة ب َمكْ ِرهِ وكيده‪ ،‬فيلجأ إلى‬
‫الوسوسة‪ ،‬ويحاول أن يحول بين المرء والصلة والقراءة‪ ،‬فيلبسها عليه‪ ،‬فإذا حصل شيءٌ من ذلك‬
‫فليستعذ العبد بال‪.‬‬
‫وثمرة الخشوع عظيمة‪ ،‬ويجب أن نحرص عليها كلّ الحرص بالمجاهدة المستمرة‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫تكفير الذنوب‪ -‬تحصيل الثواب الذي أعدّه ال للطائعين الخاشعين من عباده‪ -‬استجابة الدعاء في‬
‫الصلة‪ -‬القيام بالواجبات والبُعد عن المحرمات‪ ،‬فقد قال تعالى‪" :‬اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم‬
‫الصلة إنّ الصلة تنهى عن الفحشاء والمنكر"‪ ،‬وعن عثمان بن عفان رضي ال عنه قال‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬ما من امرئٍ مسلمٍ تحضره صلةٌ مكتوبة‪ ،‬فيُحسِن وضوءها‬
‫وخشوعها وركوعها إل كانت له كفّارةً من الذنوب ما لم تُؤتَ كبيرة‪ ،‬وذلك الدهر كلّه"رواه مسلم‪.‬‬
‫أمّا ارتباط عدم الخشوع بالزواج‪ ،‬فهذا أمرٌ طبيعيّ جدّا فل تنزعجي‪ ،‬أنت حديثة الزواج‪ ،‬وهذا‬
‫المر ربّما يؤدّي إلى مشاكل تحيطك من كلّ جانب‪ ،‬للحياة الجديدة‪ ،‬لكثرة المسؤوليّات‪ ،‬وغير ذلك‪،‬‬
‫ل المشاكل أو الصعوبات التي تواجهينها‪.‬‬ ‫كلّ ما عليك هو أن تأخذي بالسباب‪ ،‬ومحاولة ح ّ‬
‫وإليك الن بعض المور التي تُعين على الخشوع في الصلة‪:‬‬
‫‪ - 1‬استحضار عظمة ال ملك الملوك‪ ،‬وجبّار السماوات والرض‪ ،‬الملك‪ ،‬القدوس‪ ،‬السلم‪،‬‬
‫المؤمن‪ ،‬المهيمن‪ ،‬العزيز‪ ،‬الجبّار‪ ،‬المتكبّر‪.‬‬
‫‪ - 2‬استحضار تقصيرك‪ ،‬وضعفك‪ ،‬وحاجتك إلى ال كي يعينك على الخشوع‪.‬‬
‫‪ - 3‬استحضار تفاهة الدنيا‪ ،‬وأنّ البقاء فيها مهما طال إلى رحيل‪ ،‬وأنّ متاعها متاع الغَرور‪،‬‬
‫وأنّنا صائرون إلى ال ليوفّينا أعمالنا‪.‬‬
‫‪ - 4‬عدم الستعجال في أداء الصلة‪ ،‬فالعجلة قد تؤدّي إلى ضياع بعض الخشوع‪ ،‬فالصلة‬
‫تحتاج إلى نفسٍ مجتمعة‪ ،‬وفكرٍ متدبّر‪ ،‬وقلبٍ حاضر‪.‬‬
‫‪ - 5‬الصلة في أوّل الوقت أَعْون على الخشوع‪ ،‬كذلك إحسان الوضوء‪.‬‬
‫‪ - 6‬أداء السنن الرواتب القبلية يوقظ القلب (أداء الرواتب والنوافل يسهّل الوصول إلى‬
‫الخشوع)‪.‬‬
‫‪ - 7‬تقليل الحركة في أثناء الصلة (إل لضرورة)‪ ،‬فسكون الجوارح يعين على حضور القلب‪.‬‬
‫‪ - 8‬استبعاد المشاغل كلّها في وقت الصلة‪ ،‬كان أبو الدرداء يقول‪" :‬من فقه الرجل أن ينهي‬
‫حاجته قبل دخوله في الصلة؛ ليدخل في الصلة وقلبه فارغ"‪ ،‬وعلينا أل نشغل أنفسنا بأمر الدنيا في‬
‫أثناء الصلة‪ ،‬وأن نطرد الخواطر كلّما وردت‪ ،‬وأن نستعيذ بال من الشيطان ووسوسته‪ .‬وقد أوصانا‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم أن نصلّي "صلة مودّع"رواه الطبرانيّ ورجاله ثقات‪.‬‬
‫‪ - 9‬البعد عن النمطيّة والعتياد في الصلة‪ ،‬وذلك يؤدّي إلى عدم التأثّر والتدبّر‪ ،‬وعلج ذلك‬
‫بالوسائل التي تعين على الخشوع والوصول بال‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫‪ -‬تدبّر معنى الذكار واليات التي قرئت في الصلة‪.‬‬
‫‪ -‬قراءة الفاتحة وآياتٍ جديدةٍ غير التي قرئت في الصلوات السابقة‪.‬‬
‫‪ -‬تدبّر ما يُقرَأ‪ ،‬والموازنة بين حالنا وحال من يمرّ بنا ذكرهم في آيات القرآن من أهل الجنّة‪.‬‬
‫لنرى مدى تقصيرنا‪ ،‬أو من يمرّ بنا ذكرهم من أهل النار وخصالهم التي تشبهنا‪ ،‬وهذا يجعلنا‬
‫نراجع أنفسنا‪ ،‬ونحسّ بالحاجة لمغفرة ال وعفوه سبحانه‪ ،‬وربّما يؤدّي بنا ذلك إلى البكاء‪ ،‬وهو من‬
‫الخشوع‪.‬‬
‫‪ - 10‬العمل على الزدياد من العلم الشرع ّ‬
‫ي ومعرفة ال تعالى‪ ،‬ومحبّته‪ ،‬والخوف منه‪،‬‬
‫ورجاء رحمته‪ ،‬والثقة بما عنده‪ ،‬كلّ ذلك يؤدّي إلى الوصول إلى الخشوع في الصلة‪.‬‬
‫‪ - 11‬التوبة إلى ال من الذنوب‪ ،‬وتجديد هذه التوبة م ّرةً بعد مرّة‪.‬‬
‫‪ - 12‬الكثار من قراءة القرآن‪ ،‬وذكر ال‪ ،‬والكثار من ذكر الموت‪ ،‬ومحاسبة النفس‪ ،‬والبعد‬
‫عن الرياء كذلك‪.‬‬
‫وهناك حقيقةٌ إسلميّ ٌة مقرّرة‪ ،‬وهي أنّ ال ل يكلّفنا ما ل نطيق‪ ،‬قال سبحانه‪" :‬ل ُيكَّلفُ ال َنفْسا‬
‫إل وُسْعها"‪ ،‬فعلينا أن نسعى جهدنا إلى الخشوع في الصلة‪ ،‬ولنجاهد وساوس الشيطان‪ ،‬ونطلب من‬
‫ال العون والمساعدة‪.‬‬
‫وأنبّه أخيرا إلى عدم تركك للصلة أو الخروج منها أيّا كانت السباب‪ ،‬وذلك لسببين‪:‬‬
‫السبب الوّل‪ :‬أنّها أوّل ما يُسأل عنه العبد يوم القيامة‪ ،‬وأنت بالطبع ل تريدين أن تكون إجابتك‬
‫سلبيّة‪ ،‬قد تقولين‪" :‬ولكنّها صلةٌ بل فائدة"‪ ،‬فأقول‪ :‬حتى وإن كانت صلتك بل خضوع‪ ،‬فهي في هذه‬
‫الحالة ناقصة‪ ،‬ولكنّها ليست معدومة‪ ،‬والعقل والمنطق يقول أنّ من فعل شيئا ناقصا فعليه استكمال‬
‫نقصه ل تركه تماما‪ ،‬أليس كذلك؟‬
‫السبب الثاني‪ :‬تركك للصلة هو اعترافٌ منك بالهزيمة‪ ،‬وتسليم أمرك للشيطان‪ ،‬وهذا ما ل‬
‫يقبله عاقل‪ ،‬فالواجب الستكمال مع محاولة سدّ العجز والنقص‪ ،‬وعدم التسليم للعدوّ‪ ،‬أليس كذلك‬
‫أيضا؟‬
‫وأذكر هنا كلما طيّبا للستاذ الشيخ علي الطنطاوي رحمه ال تعالى‪ ،‬فقد قال‪" :‬فلمّا انتهيت من‬
‫صلتي قال لي "أي الشيطان"‪ :‬ما هذه الصلة؟! أين هذه الصلة من صلة الخاشعين؟ إنّ الصلة إذا‬
‫لم تكن على وجهها كان وجودها كعدمها‪.‬‬
‫فأدركت أنّ هذه حيلةٌ من حِيَل الشيطان طالما أضاع على كثيرٍ من المسلمين صلتهم بها‪.‬‬
‫يقول لهم‪" :‬ليست الصلة ركوعا وتلوةً وذكرا‪ ،‬ولكنّ الصلة الحقّ هي التي تنهي عن الفحشاء‬
‫والمنكر‪ ،‬فل يأتي المرء معها معصيةً ول ذنبا‪ ،‬والتي يقف منها بين يدي موله ل يفكّر في شيءٍ‬
‫قطّ من أمور الدنيا"‪.‬‬
‫فلمّا استق ّر ذلك في نفوس طائفةٍ من الناس ورأوا أنّهم ل يقدرون عليه‪ ،‬قالوا‪ :‬إذا لم تكن‬
‫صلتنا صلة‪ ،‬ولم نقدر على خيرٍ منها‪ ،‬فما لنا نتعب أنفسنا بالركوع والسجود في غير ثواب؟‬
‫وتركوا الصلة جملة‪.‬‬
‫فكان لبليس ما أراد‪ ،‬مع أنّ ال ل يكلّف نفسا إل وسعها‪ ،‬وليس على المصلّي إل أن يخشع ما‬
‫استطاع‪ ،‬وأقلّ درجات الخشوع أن يدرك معاني ما ينطق به‪ ،‬وكلّما عرض له عارضٌ من الذكار‬
‫الدنيويّة التي ل يخلو منها ذهن مصلّ ذكر أنّه بين يدي ال‪ ،‬وأنّ ال أكبر منها‪ ،‬فطردها بقوله "ال‬
‫أكبر"‪ ،‬يفعلها كلّما قام أو ركع أو سجد"‪.‬‬
‫فاعلمي يا أختي أنّ المبالغة في هذا الموضوع وأمثاله تؤدّي إلى تضييع الواجبات‪ ،‬وهذا يؤدّي‬
‫إلى الوقوع في المحرّمات‪.‬‬
‫هدانا ال وإيّاك إلى الخشوع واليمان‪ ،‬وداومي الحديث إلينا"‪.‬‬
‫برامج إيمانية‬
‫حديث ف الصحبة‬
‫السؤال‪:‬‬
‫السلم عليكم‪،‬‬
‫استشارتي ربّما تبدو غريبةً بعض الشيء‪ ،‬وهي ليست باستشارة‪ ،‬وإنّما ‪-‬ربّما‪ -‬رجاءٌ وأمنية‪..‬‬
‫فأنا طبيبة‪ ،‬قارئةٌ جيّدةٌ للكتب الدينيّة‪ ،‬أكتب الشعر‪ ..‬كلّ مشكلتي تتلخّص في الصحبة الصالحة‬
‫والعالمة في نفس الوقت‪ ..‬فالنساء للسف ‪-‬ولست أنزّه نفسي‪ -‬يُضيّعن الوقت في أشياء ليست من‬
‫صميم اهتماماتي‪.‬‬
‫لذا ل أجد من تأخذ بيدي‪ ،‬وتساعدني‪ ،‬ونتعلّم سويّا‪ ..‬وكما قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫"إنّما يأكل الذئب من الغنم القاصية"رواه أبو داود بإسنادٍ حسن‪ ،‬فالصحبة ‪-‬إذن‪ -‬مهمّةٌ حتى ل‬
‫نضلّ‪ ،‬وحتى ل تأخذنا دوائر الحياة المُفرَغة بعيدا عن الصراط المستقيم‪.‬‬
‫بال عليكم أين أجد هذه الصحبة؟؟؟‬
‫جزاكم ال خيرا‪.‬‬

‫المستشار‪:‬‬

‫فريق الستشارات الدعوية‬

‫الرد‬
‫يقول الستاذ أحمد سعد من قسم الفتوى بالموقع‪:‬‬
‫"الخت الفاضلة الدكتورة حنان‪،‬‬
‫ق نقول‪ :‬أ ّنكِ قد سألت عن عظيم ينمّ عن الخير الذي تتفجّر‬
‫ما أسعد قلوبنا بتلقّي رسالتك‪ ،‬والح ّ‬
‫ينابيعه داخل قلبك‪.‬‬
‫أختنا الفاضلة‪،‬‬
‫إنّ صاحب الخير يجد بداخله ما يحمله على تلمّس مواطنه‪ ،‬واقتفاء أثره‪ ،‬فيجد خيره يقوده إلى‬
‫خير‪ ،‬وصلحه يقوده إلى صلح‪ ،‬وهذه الرغبة الصادقة منك في تلمّس صحبةٍ طاهرةٍ تدلّ على‬
‫مدى الصلح الذي يفيض به قلبك‪ .‬إنّ الصديق الصالح ‪-‬حقيقة‪ُ -‬يعِين النسان على الخير ويدفعه‬
‫إليه دفعا‪ ،‬ورحم ال الحسن البصريّ الذي قال‪" :‬إخواننا أحبّ إلينا من أهلينا وبنينا‪ ،‬فإخواننا‬
‫يذكّروننا بال‪ ،‬وأهلونا يذكّروننا بالدنيا"‪ ،‬ولقد بلغ من حرص المسلمين الوائل على صحبةٍ صالح ٍة‬
‫أن قالوا‪" :‬اختر الرفيق قبل الطريق"‪ ،‬وقبلهم قال نبيّنا صلى ال عليه وسلم‪" :‬المرء على دين خليله‪،‬‬
‫فلينظر أحدكم من يخالل"رواه أبو داود والترمذيّ بسندٍ صحيح‪.‬‬
‫ل العيوب‪ ،‬فإذا رضيَ منه خلقا‪،‬‬‫بيد أنّ من الصعوبة بمكانٍ أن يجد المرء صديقا خالصا من ك ّ‬
‫لبدّ أن يجد خُلقا أخر ل يرضاه‪ ،‬والحسن من غلبت حسناته‪ ،‬والصالح من صَالَح الخير‪ ،‬والناجح‬
‫من نجح في قيادة نفسه إلى الهدى‪.‬‬
‫ش َعثٍ أيّ الرجال المهذّب؟‬
‫ولست بمستبقٍ أخا ل تلمّه‪ .......‬على َ‬
‫وقبله قال آخر‪:‬‬
‫ت في كلّ المور مُعـاتِبا‪ .......‬صـديقك لم تلـقَ الـذي ل تُعاتِبهْ‬
‫إذا كن َ‬
‫فعِش واحدا أو صِل أخـاك فإنّه‪ .......‬مُـقارِف ذنـبٍ مـ ّر ًة ومُجانِبـهْ‬
‫ومن ذا الذي تُرضَى سجاياه كلّها‪ .......‬كفى المرءَ نُبـلً أن تُعدّ معايبـهْ‬
‫وبعد أيّتها الخت الفاضلة حنان‪،‬‬
‫إن كرهت من هؤلء النسوة كثرة الكلم‪ ،‬فلبدّ من خيرٍ لن تُعدَميه فيهنّ‪ ،‬ولبدّ من جانبٍ‬
‫مضيءٍ يمكنك أن تلتمسيه‪ ،‬فل يُعدَم الخير في إنسانٍ أبدا‪ ،‬ول يُعدَم الصلح في إنسانٍ على الدوام‪.‬‬
‫ويمكنك أن تجدي تلك الصحبة الطاهرة بين جنبات المسجد في رحاب ال حيث تنشر الملئكة‬
‫أجنحتها‪ ،‬وحيث الخير كلّه‪ ،‬فهناك الجباه الساجدة‪ ..‬والقلوب المطمئنّة‪.‬‬
‫عمُرت قلوبهم باليقين‪ ،‬فإن عرفت طريق المسجد‬‫في تلك المساجد تجدين صحبةً طاهرةً ممّن َ‬
‫عرفت طريقهم‪ ،‬وإن سرت إليه صرت إليهم‪ ..‬وصرتم في الجنّة بعملكم إن شاء ال‪.‬‬
‫ب ويرضى‪ ،‬ول تنسنا من صالح‬
‫وفقك ال إلى الخير ‪-‬أختنا الفاضلة‪ ،-‬وهدانا وإيّاك لما يح ّ‬
‫الدعوات"‪.‬‬
‫ويضيف الستاذ هاني محمود من فريق الستشارات‪:‬‬
‫"أختي الكريمة الدكتورة حنان‪،‬‬
‫ك في هذه الروح المُحلّقة‬
‫جزاك ال خيرا على هذه المشاعر الفيّاضة‪ ،‬وأسأل ال أن يبارك ل ِ‬
‫طالب ًة المعالي‪ ،‬وأن يرزقك ما تأملينه من الصحبة التي تعينك في أمر ال‪.‬‬
‫ولكن عندي أمورٌ –أختي‪ -‬أريد أن أُحدّثك فيها‪ ،‬ولنجمل كلمنا في هذه النقاط‪:‬‬
‫‪ -‬أمرٌ ط ّيبٌ جدّا أن يبحث النسان عمّن يرافقه في طريق ال‪ ..‬فإن ذكر ال أعانه‪ ،‬وإن نسي‬
‫ذكّره‪ ،‬بل إنّه من مطلوبات الدين‪ ،‬وكما ذكرتِ حديث رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬إنّما يأكل‬
‫الذئب من الغنم القاصية"رواه أبو داود بإسنادٍ حسن‪.‬‬
‫فل تتخلّي عن هذا المطلب‪ ،‬ولو بعذر "أنّك ل تجدين من يصلح"‪.‬‬
‫‪ -‬أمرٌ أظنّ أنّك تتّفقين معي فيه‪ ،‬وهو أنّ النموذج البشريّ الكامل قد انتهى بموت رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وكلّ الناس بعده يتفاوتون قُربا أو بُعدا عن هذا الكمال‪ ،‬وكما قيل قديما‪:‬‬
‫من ذا الذي ما ساء قط‪ .......‬ومن له الحسنى فقط‬
‫وما ذكره الستاذ أحمد من أبيات "النابغة" منذ قليل‪:‬‬
‫ومن ذا الذي تُرضَى سجاياه كلّها‪ .......‬كفى المرءَ نُبـلً أن تُعدّ معايبـهْ‬
‫‪ -‬أمرٌ أرى أيضا أنّنا غالبا سنتّفق عليه‪ ،‬وهو أنّ الصل في البشر أنّهم قابلون للهدى‪ ،‬ولكن‬
‫شريطة أن يأخذ أحدٌ بأيديهم إلى النور برفقٍ ومحبّة‪ ،‬ول يسعني –إن أردت أن أعبّر عن هذه‬
‫النقطة‪ -‬إل أن أنقل إليك هذه الكلمات الرقيقات المعبّرات‪ ،‬لستاذنا سيّد قطب رحمه ال‪ ،‬من‬
‫خواطره "أفراح الروح"‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫"عندما نلمس الجانب الطيّب في نفوس الناس‪ ،‬نجد أنّ هناك خيرا كثيرا قد ل تراه العيون أوّل‬
‫وهلة!"‪.‬‬
‫ب والعطف والخير نُعفِي أنفسنا من أعبا ٍء ومشقّاتٍ‬ ‫ويقول‪" :‬عندما تنمو في نفوسنا بذور الح ّ‬
‫كثيرة‪ ،‬إنّنا لن نكون في حاجةٍ إلى أن نتملّق الخرين‪ ..‬لنّنا سنكون يومئذٍ صادقين مخلصين إذ‬
‫نُزجِي إليهم الثناء‪ ..‬إنّنا سنكشف في نفوسهم عن كنوزٍ من الخير‪ ،‬وسنجد لهم مزايا طيّبةً نُثنِي عليها‬
‫حين نُثنِي ونحن صادقون‪ ..‬ولن يُعدَم إنسانٌ ناحيةً خيّر ًة أو مِزيَةً حسنةً تؤهّله لكلمةٍ طيّبة‪ ..‬ولكنّنا‬
‫ل نطّلع عليها ول نراها إل حين تنمو في نفوسنا بذرة الحبّ‪..‬‬
‫كذلك لن نكون في حاجةٍ لن نُحمّل أنفسنا مؤونة التضايق منهم‪ ،‬ول حتى مؤونة الصبر على‬
‫أخطائهم وحماقاتهم‪ ،‬لنّنا سنعطف على مواضع الضعف والنقص‪ ،‬ولن نفتّش عليها لنراها‪ ..‬يوم‬
‫تنمو في نفوسنا بذرة الحبّ!‬
‫وبطبيعة الحال لن نُجشّم أنفسنا عناء الحقد عليهم أو عبء الحذر منهم‪ ،‬فإنّما نحقد على الخرين لنّ‬
‫بذرة الخير لم تن ُم في نفوسنا نموّا كافيا‪ ،‬ونتخوّف منهم لنّ عنصر الثقة في الخير ينقصنا!‪ ..‬كم‬
‫نمنح أنفسنا من الطمأنينة والراحة والسعادة‪ ..‬حين نمنح الخرين عطفنا وحبّنا وثقتنا‪ ..‬يوم تنمو في‬
‫نفوسنا بذرة الحبّ والعطف والخير!"‪.‬‬
‫أختاه‪،‬‬
‫هذه رؤيتي أجملها لك في هذه النقاط‪:‬‬
‫* ابحثي عن أفضل "من حولك" من المحيطات بك‪ ،‬ويقيني أ ّنكِ ستجدين فيهنّ من تصلح أن‬
‫تصيبي من صحبتها خيرا‪ ،‬وإن لم يكن كلّ الخير الذي تنشدين‪ ،‬فجيّدٌ أن نطلب الفضل‪ ..‬ولكن‬
‫يجب أن نعرف أل أفضليّة مطلقة‪..‬‬
‫* امنحيهم حبّك الصادق‪ ..‬واعلمي أنّ الحبّ الصادق يُحتّم عليك أن تأخذي بأيديهنّ إلى الخير‬
‫الذي لمستِهِ في معرفة ال‪ ،‬فإذا لم يكن فيهنّ من تعينك‪ ،‬فاجتهدي أنت أن ُتعِينيهنّ‪ ،‬وتأخذي بأيديهنّ‬
‫إلى طريق ال‪ ،‬فكوني مصدر العطاء‪ ..‬وكوني أنت الرائدة‪:‬‬
‫اجتمعي معهنّ على قراءة القرآن‪..‬‬
‫أو على حضور درس علمٍ لحد العلماء‪..‬‬
‫أو إذا اجتمعتنّ في زيارةٍ اقترحي عليهنّ تخصيص جز ٍء من وقت هذه الزيارة للقراءة في‬
‫كتابٍ من الكتب المفيدة‪..‬‬
‫حاولي توجيه أحاديثهنّ إلى الموضوعات المفيدة والمهمّة‪.‬‬
‫* لديك من المواهب –بفضل ال‪ -‬ما يفتح لك أبواب الخير الكثير‪ ،‬وما يمكنك توظيفه بشكلٍ‬
‫مُثمِرٍ في توفير صحبتك التي تبغين‪ ،‬بل والقيام بمهمّة الدعوة إلى ال تعالى‪ ،‬فأتمنّى أن تجتهدي في‬
‫ت و ِنعَم‪.‬‬
‫ك ال من ملكا ٍ‬
‫نشر الخير حولكِ بما آتا ِ‬
‫ول تكتفي أبدا "بطرق البواب"‪ ،‬بل افتحي‪ ..‬وادخلي‪ ..‬وتقدّمي‪ ..‬رائدةً لمن حولك‪ ،‬فإذا فتحت‬
‫فإنّ فتح ال لك قريبٌ بإذن ال تعالى‪.‬‬
‫ن موقعك الشعريّ بدايةً طيّبة‪ ،‬وأتمنّى أن تتوسّعي فيه‪ ،‬وأن تُنوّعي‪ ..‬ف ُتفِيدي وتنفعي‬
‫وأرى أ ّ‬
‫أكثر وأكثر إن شاء ال‪.‬‬

‫برامج إيمانية‬
‫"ف الصحبة‪" ..‬الرء على دين خليله‬
‫السؤال‪:‬‬
‫السلم عليكم؛‬
‫أوجّه سؤالي إلى فضيلة الدكتور‪ /‬فتحي يكن؛‬
‫قرأت للشيخ‪ /‬عبد السلم ياسين وأعجبتني كتاباته‪ ،‬وهو يركّز على ضرورة الصحبة‪ ،‬ويعتبرها‬
‫مفصلً أساسيّا في التزكية أو التربية‪ ،‬فما هي حقيقة الصحبة؟ وكيف نستفيد منها في تربية أنفسنا؟‬
‫أرجو التفصيل‪ .‬وجزاكم ال خيرا‪.‬‬

‫المستشار‪:‬‬

‫د‪ .‬فتحي يكن‬

‫الرد‬
‫أخي الكريم الحسين رعاك ال ووفقك ِلمَا يحبّه ويرضاه‪،‬‬
‫ل أكون مبالغا إذا قلت أنّ "الصحبة" من المؤثّرات الساسيّة والهامّة في تكوين الشخصيّة ورسم‬
‫معالم الطريق‪ ..‬فإن كانت صحبة أخيارٍ أفاضت على الصحاب كلّ خير‪ ،‬وإن كانت صحبة أشرار‬
‫–والعياذ بال تعالى– فمن المحتوم أنّها ستترك بصمات الشرّ في حياة هؤلء جميعا‪.‬‬
‫ي صلى ال عليه‬ ‫وليس أدلّ على ذلك ممّا رواه أبو موسى الشعريّ رضي ال عنه‪ ،‬عن النب ّ‬
‫وسلم قال‪" :‬مثل الجليس الصالح والسوء‪ ،‬كحامل المسك ونافخ الكير‪ ،‬فحامل المسك إمّا أنْ يُحذيَك‪،‬‬
‫وإمّا أنْ تبتاع منه‪ ،‬وإمّا أن تجد منه ريحا طيّبة‪ ،‬ونافخ الكير إمّا أن يُحرق ثيابك‪ ،‬وإمّا أن تجد ريحا‬
‫خبيثة"رواه البخاري‪.‬‬
‫ولهمّيّة الصحبة أو العشرة أو الخوّة‪ ،‬فقد اختصّها رسولنا صلى ال عليه وسلم بكثيرٍ من‬
‫أحاديثه الشريفة التي ورد ذكرها في كلّ كتب ومصنّفات الحديث والسنّة النبويّتين‪ ،‬كما أفرد لها‬
‫علماء السلف والخلف المؤلّفات والكتب‪ ،‬تأكيدا على أهمّيّتها في عمليّة الهدم والبناء‪ ،‬وفي المثال‪:‬‬
‫"قل لي من تعاشر أقل لك من أنت"‪.‬‬
‫حضّ رسولنا على حسن اختيار الخلّن‬
‫وللهمّيّة التي يلعبها الخليل في حياة المرء‪ ،‬فقد دعا رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى حسن‬
‫الختيار‪ ،‬حيث قال‪" :‬المرء على دين خليله‪ ،‬فلينظر أحدكم من يخالل"رواه أبو داود والترمذيّ‪ ،‬بسندٍ‬
‫حسن‪.‬‬
‫تأكيدٌ نبويّ على مصاحبة الخيار‬
‫ي آخر للصفات التي يجب توافرها في العشير‪ ،‬يقول رسول ال صلى ال عليه‬ ‫وفي تحديدٍ نبو ّ‬
‫وسلم‪" :‬ل تصاحب إل مؤمنا‪ ،‬ول يأكل طعامك إل تقيّ"رواه أحمد وأبو داود والترمذيّ‪ ،‬بسندٍ‬
‫صحيح‪.‬‬
‫الصحبة كالبيئة‬
‫والصحبة كالبيئة‪ ،‬إمّا أن تكون ملوّثةً أو تكون نظيفة‪ ..‬فمن عاش في بيئ ٍة ملوّثةٍ ناله نصيبٌ‬
‫وافرٌ من المراض والوبئة المهلكة‪ ،‬أمّا من حرص على العيش في بيئةٍ نظيفةٍ فسيبقى في منأى‬
‫عن كلّ ذلك‪ ،‬والغريب أن يختار النسان ما يهلكه ويشقيه‪ ،‬وصدق أنسٌ رضي ال عنه حيث يقول‪:‬‬
‫ع ّدةٌ في البلء"‪ ،‬وقال رجلٌ لداود‬
‫"عليك بإخوان الصدق‪ ،‬فعش في أكنافهم‪ ،‬فإنّهم زينةٌ في الرخاء‪ ،‬و ُ‬
‫الطائيّ‪ :‬أوصني؟ قال‪" :‬اصحب أهل التقوى‪ ،‬فإنّهم أيسر أهل الدنيا عليك مؤونة‪ ،‬وأكثرهم لك‬
‫معونة"‪.‬‬
‫الصاحب مرآة النفس‬
‫والصاحب أشبه ما يكون بمرآة النفس‪ ،‬تكشف محاسنها ومساوءها‪ ،‬قبحها وجمالها‪ ،‬وبقدر ما‬
‫تكون نظيفةً صافيةً بقدر ما تعكس صورة صاحبها نقيّةً من غير غشّ أو "رتوش" مصداقا لقوله‬
‫صلى ال عليه وسلم‪" :‬المؤمن مرآة المؤمن‪ ،‬والمؤمن أخو المؤمن‪ ،‬يكفّ عليه ضيعته‪ ،‬ويحوطه من‬
‫ورائه"رواه البخاري‪.‬‬
‫الصحبة الصالحة صمام أمان‬
‫والصحبة الصالحة صمام أمان المتصاحبين‪ ،‬يعين بعضهم بعضا على شؤون الدنيا والدين‪،‬‬
‫فعن مالك بن دينار أنّه قال لختنه (أي صهره)‪ :‬يا مغيرة‪ ،‬انظر كلّ أخٍ لك‪ ،‬وصاحبٍ لك‪ ،‬وصديقٍ‬
‫لك‪ ،‬ل تستفيد في دينك منه خيرا‪ ،‬فانبذ عنك صحبته‪ ،‬فإنّما ذلك لك عدوّ‪ ،‬يا مغيرة‪ ،‬الناس أشكال‪:‬‬
‫الحَمام مع الحَمام‪ ،‬والغراب مع الغراب‪ ،‬والصّعر ‪-‬العصفور الصغير‪ -‬مع الصّعر‪ ،‬وكلّ مع شكله"‪.‬‬
‫أخي الكريم الحسين‪،‬‬
‫هذا غيضٌ من فيضٍ ممّا جاء وورد و ُنقِل عن فضل وأثر وقيمة الصحبة الصالحة‪ ،‬وتضيق‬
‫الصفحات والكتب عن إعطاء هذا الموضوع الهامّ حقّه‪ ،‬إنّما هي عيّنةٌ قدّمتها بين يدي سؤالك‪ ،‬وما‬
‫كتبه الخ العالم المجاهد عبد السلم ياسين ‪-‬قوّاه ال وحفظه‪ -‬إنّما يقع ضمن هذه الدائرة‪ ،‬والرجل‬
‫عندنا من العدول في هذا العصر‪.‬‬
‫وأختم كلمي إليك بمختاراتٍ من الشعر لتأكيد أهميّة وقيمة الصحبة‪:‬‬
‫فعن سفيان الثوريّ قوله‪:‬‬
‫ن أمــورهم وتفقّدِ‬
‫ابلُ الرجال إذا أردت إخاءهم‪ .......‬وتوسـَـم ّ‬
‫فإذا وجدت أخا المانة والتّقى‪ .......‬فبه اليدين –قرير عينٍ– فاشددِ‬
‫ودع التذلّل والتخشّـع تبتـغي‪ .......‬قرب امرئٍ إن تدنُ منه تُبعَدِ‬
‫وقال أحد الشعراء‪:‬‬
‫ما ذاقت النفس على شهوةٍ‪ .......‬ألذّ من حبّ صديقٍ أمينِ‬
‫حقّ يقينِ‬
‫من فاتـه ودّ أخٍ صـالحٍ‪ .......‬فذلك المغبـون َ‬
‫هيّأ ال لك أيّها الكريم صحبةً صالحة‪ ،‬وصرف عنّا وعنك أصحاب السوء‪ ،‬وهيّأ لنا من أمرنا‬
‫رشَدا‪.‬‬
‫ومع خالص تحيّاتي لك وللستاذ عبد السلم ياسين‪.‬‬

‫برامج إيمانية‬
‫مشروع دعوي لحياء الخوة‬
‫السؤال‪:‬‬
‫السلم عليكم ورحمة ال وبركاته‪ ،‬أود أن أعرض عليكم مشروعًا دعويّا أعتقد أنه على درجة‬
‫رهيبة من الهمية‪ :‬نَشْر الُخوّة في ال‪.‬‬
‫وأنا هنا ل أتكلم عن نشر هذه الخوة بالمواعظ الجافة‪ ،‬فمثلً كل مساجد مصر عليها حديث‪:‬‬
‫(ل يؤمن أحدكم حتى يحب لخيه ما يحب لنفسه)‪ ،‬والواقع الفعلي أن الناس ل يتجاوبون مع هذا‬
‫الحديث‪ ،‬برغم أنه كلم سيد الخلق صلى ال عليه وسلم‪ ،‬والسبب في ذلك أن الناس يريدون من‬
‫يخاطبهم بأسلوب عمليّ يحل لهم مشكلتهم‪ ،‬ل بأسلوب نظريّ يفرض عليهم أمورًا ثقيلةً جدّا عليهم‪.‬‬
‫لذلك أدعو كل المسلمين في كل بقاع الرض إلى عمل استقصاءات في كل الحياء عن‬
‫المشكلت المادية القائمة فيما بين كثير من الخوة (كل أخ في حيه)‪ :‬سواء كانوا شركاء فيما بينهم‪،‬‬
‫أو جيران‪ ،‬أو إخوة لب واحد‪ ،‬أو موظفين يتقاتلون على علوات‪ ،‬أو أي شيءٍ من هذا القبيل‪ ،‬ففقه‬
‫الواقع يؤكد أن هذه المشكلت قد تفاقمت بشكل رهيب حاليّا بسبب النهيار القتصادي الذي تعاني‬
‫منه المة وشبح الحرب المتسلط عليها‪ ،‬ول وسيلة لنشر الخوة في ال إل عن طريق الغنياء الذين‬
‫يقومون طواعية بحل هذه المشكلت‪ ،‬وهم راغبون فيما عند ال من الثواب في الخرة‪ ،‬وكذلك فيما‬
‫عنده سبحانه من النصر في الدنيا‪ ،‬فمن الواضح أنه قد أزفت الحرب الشاملة !!‪.‬‬
‫فهناك فارق جبار بين أن أقوم أنا بالصلح بين الناس (التقليدي الروتيني)‪ ،‬بمعنى أن أقول‬
‫لهم‪( :‬أحبوا بعضكم)‪ ،‬و(الدم لن يكون مياهًا)‪ ،‬وما إلى ذلك‪ ،‬وبين أن أقدم شيئًا فعليّا طواعية لثبت‬
‫أني فعلً وحقّا موقن بأن الخوة في ال تستحق كل تضحية (فلكل قول دليل!!)‪.‬‬
‫ونحن كدعاة منذ سنين نحاول توحيد المة‪ ،‬ولكن كثيرًا من الدعاة قد أغفلوا أن التوحيد يتم‬
‫بدءًا من السرة والحيّ‪ ،‬بمعنى أن كل إنسان ينبغي أن يكون أخًا لجاره وصديقه وزميله في العمل‬
‫وزميله في قضاء المصالح (في المصالح الحكومية)‪ ،‬ومنافسه في مهنته أو تجارته‪.‬‬
‫ي وفي كل منطقة‪ ،‬ستنتقل إلى المدينة‪ ،‬ثم إلى الدولة‪ ،‬ثم‬
‫إذا حدثت فعلً هذه الخوة في كل ح ّ‬
‫إلى مجموعة الدول السلمية‪ ،‬ثم إلى كل المسلمين في كل بقاع الرض‪ ،‬هذه هي ‪ -‬في رأيي ‪-‬‬
‫الطريقة الناجعة فعلً في تثبيت الخوة في ال‪ ،‬وأعتقد أن الخوة في ال هي أول خطوة على‬
‫الطلق في بناء أمة إسلمية حقيقية‪ ،‬كما تشهد بذلك قصص السيرة النبوية الشريفة والصحابة‬
‫الكرام‪.‬‬
‫وإليكم مجموعة اقتراحات أخرى في هذا الصدد‪:‬‬
‫‪ -‬كل أخ يسير في طرق مزدحمة عليه أن يبطئ قليلً‪ ،‬كي يكثر من السلم على الناس‪ ،‬ويا‬
‫حبذا لو تكون صيغة السلم تعكس تعصب النسان للسلم وللخوة في ال‪ ،‬بمعنى‪" :‬السلم عليكم‬
‫ورحمة ال وبركاته يا أخي"‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬ففي هذا تثبيت كذلك للعقيدة‪ ،‬ولعدم الخوف من‬
‫أنصار الكفر‪ ،‬الذين صار لهم صوت في كل مكان‪.‬‬
‫‪ -‬تخصيص جزء من كل خطبة أو ندوة أو محاضرة أو درس في أي مكان من الرض لهذا‬
‫الموضوع‪( :‬أخوّتنا هي طوق نجاتنا الول!!)‪.‬‬
‫‪ -‬بالنسبة للجماعات الدعوية‪ ،‬يُلزَم الخ الذي في جماعة ما بأن يخرج بنفسه مع جماعة أخرى‬
‫(طالما أن أسلوبها الدعوي ليس حرامًا بإجماع علماء المة كلهم)‪ ،‬حتى ولو لم يكن الخ مقتنعًا بهذا‬
‫السلوب‪ ،‬وذلك لتثبيت مبدأ هام جدّا‪ ،‬هو أن الخوة في ال أعلى ‪ 700‬مرة من اختلف الرأي (وفقًا‬
‫لسيرة الصحابة وكبار علماء السلم)‪ ،‬ويا حبذا لو يفعل كل أخ في جماعة هذا المر مع كل‬
‫الجماعات الخرى‪( ،‬طالما أنها ل ترتكب في أسلوب دعوتها منكرًا أجمع عليه علماء المة)‪.‬‬
‫‪ -‬في المساجد‪ :‬أن يُنشَر في أوضح مكان من باب المسجد الخارجي‪ ،‬لفتات وبوسترات بهذا‬
‫المعنى (طبعا باللغة الدراجة لكل حيّ‪ ،‬وليس فقط باللغة الفصحى)‪ ،‬ويا حبذا لو تتضمن هذه اللفتات‬
‫حكايات عن أناس من هذا الزمن (ويا حبذا من نفس الحي أو المدينة أو الدولة) يقومون فعليّا‬
‫بالصلح بين الناس‪ ،‬ويتحملون في سبيل ذلك المشاق والمبالغ المالية والساءات‪( ،‬ومن المثلة‬
‫على هؤلء الناس‪ :‬في مصر‪ :‬فضيلة الداعية والعالم الكبير الدكتور‪ /‬عمر عبد الكافي شحاتة‪ ،‬قبل‬
‫أن يُنفَى إلى ألمانيا‪ ،‬جعله ال ذخرا لمة السلم)‪ ،‬ويضاف إلى هذه السير سير أناس قاموا بذلك‬
‫على فترات تاريخية متفاوتة‪( ،‬مثلً‪ :‬عثمان بن عفان‪ ،‬ثم أناس من التابعين‪ ،‬ثم أناس من القرن‬
‫الخامس الهجري‪ ،‬ثم العاشر‪ ،‬وهكذا‪.)..‬‬
‫لمّيين) في كل مكان إلى مخطط "المبراطورية المريكية" القائمة‬ ‫‪ -‬تنبيه الناس (خصوصًا ا ُ‬
‫بالتحالف مع كل من إسرائيل والصين‪ ،‬فقد صار هذا المخطط فعلً حقيقة ل يتجاهلها عاقل‪ ،‬في‬
‫الوقت الذي ل يعلم عنه أغلب الميين أي شيء‍‍!!!‪.‬‬
‫‪ -‬أي اقتراحات أخرى يقترحها أي إنسان ‪ -‬كبيرًا كان أم صغيرًا ‪ -‬للعودة مرة أخرى إلى‬
‫الخوة الحقّة في ال‪ ،‬وهي التي جعلت هذه المة عبر العصور تقف في وجه العداء‪ ،‬فإذا كنت أنا‬
‫مستعدّا لن أموت كي يعيش أخي‪ ،‬فكيف يفرق بيننا أحدٌ مهما امتلك من أساليب الغراء أو‬
‫التنكيل؟‍‍!!!‬
‫ملحظة‪ :‬بالطبع ليس هذا هو السلوب الوحد لمواجهة كيد الكفار للسلم‪ ،‬ولكنني موقن أنه‬
‫أهم الساليب على الطلق‪.‬‬
‫المستشار‪:‬‬

‫كمال المصري‬

‫الرد‬
‫أخي الكريم محمد‪،‬‬
‫أشكرك على فاعليتك وإيجابيتك‪ ،‬وتفكيرك في أمتك‪ ،‬في زمنٍ غدا مبدأ معظم أهله "اللهم نفسي‪ ،‬اللهم‬
‫نفسي"‪ ،‬فبارك ال تعالى فيك‪.‬‬
‫أخي محمد‪،‬‬
‫ليس لدي أي اعتراضٍ على فكرة مشروعك الدعوي الذي طرحته‪ ،‬مع اختلفي معك في بعض‬
‫ف تفصيلي‪ ،‬وسألتفت لما هو أهم‪ ،‬وما‬
‫تفاصيله الداخلية‪ ،‬ولكني لن أتطرق لهذا الخلف؛ لنه خل ٌ‬
‫هو أهم – من وجهة نظري – هو في ‪ 4‬نقاطٍ مما طرحتَ‪:‬‬
‫‪ -‬النقطة الولى‪ :‬قيمة الخوة‪.‬‬
‫‪ -‬النقطة الثانية‪ :‬الخوة الفعل‪.‬‬
‫‪ -‬النقطة الثالثة‪ :‬حديث الجماعات‪.‬‬
‫‪ -‬النقطة الرابعة‪ :‬ما علينا هو علينا‪.‬‬
‫النقطة الولى‪ :‬قيمة الخوة‪:‬‬
‫أوافقك الرأي في أن الخوة في ال تعالى معنى عظيم ومهم جدّا‪ ،‬وقيمة غالية نفيسة لو أتقنتها‬
‫أمتنا لما صرنا إلى ما صرنا إليه‪.‬‬
‫لو أدركنا كمّ النعمة التي أنعم ال تعالى بها علينا حين أعطانا "الخوة في ال تعالى" لكنا‬
‫عضضنا عليها بالنواجذ والصابع واليدي والرجل‪ ،‬ولما تركناها تفلت من أيدينا أو تبعد عنا قيد‬
‫أنملة‪ ،‬ولكننا جهلنا قيمتها‪ ،‬وعجزنا عن أداء حقها‪ ،‬ففقدناها‪ ،‬وفقدنا معها كل ما من شأنه أن يرفعنا‬
‫ويعزنا‪ .‬إن الخوة الحقة هي مفتاح ريادتنا لو كنا نعلم‪.‬‬
‫النقطة الثانية‪ :‬الخوة الفعل‪:‬‬
‫استتباعًا للنقطة السابقة‪ ،‬عليّ التأكيد على أن الخوة ليست قولً أو لفظًا‪ ،‬الخوة الحقة هي‬
‫الخوة الفعل‪ ،‬أن تتحول علقتنا ومشاعرنا إلى فعلٍ نقدّمه لمة السلم ومجتمع المسلمين‪ ،‬أن‬
‫نترجم حبنا للمسلمين إلى شيءٍ نقدّمه لهم‪ ،‬نقدّمه من باب الواجب ل من باب الفضل‪ ،‬وكاذبٌ من‬
‫يدّعي الخوة وهو لم يحقق ما تتطلبه من واجبات‪.‬‬
‫إننا حين نغيث الملهوف‪ ،‬ونقوي الضعيف‪ ،‬ونهدي الضالّ‪ ،‬ونتداعى إذا اشتكى منا عضوٌ‬
‫حمّى له‪ ،‬ونتعاون على البر والتقوى‪ ،‬ونأمر بالمعروف‪ ،‬وننهى عن المنكر‪ ،‬ونقوم بكل ما‬ ‫بالسهر وال ُ‬
‫افترضه ال علينا من حقوق الخوة‪ ،‬حينها نستطيع أن نعلن أننا حققنا الخوة في ال تعالى‪ ،‬بعيدًا‬
‫ص الكلمات‪.‬‬
‫ص الفعال ل ترا ّ‬‫عن اللفاظ المنمقة والكلمات المزينة‪ .‬الخوة الحقة هي ترا ّ‬
‫النقطة الثالثة‪ :‬حديث الجماعات‪:‬‬
‫تطرقنا كثيرًا لموضوع تعاون الجماعات وتقاربهم وتراحمهم‪ ،‬وشددنا كثيرًا على ضرورة‬
‫ارتباط الفراد بعضهم ببعض برابط الخوة بعيدًا عن النتماءات المقيتة‪ ،‬وأكدنا مرارًا على أن‬
‫انتماء شخصٍ ما لجماعةٍ أو تجمعٍ ما ل يعني أبدًا أن يقطع كل وشائج الخوة في ال تعالى مع غير‬
‫المنتمين إلى جماعته أو تجمعه‪ ،‬وكررنا الدعوة للتعاون بين هذه الجماعات والتجمعات وفق مظلة‬
‫السلم الواسعة الشاملة‪ ،‬مع احتفاظ كل طرفٍ بما يراه أنه الحق‪ ،‬ودون أن تحمل النفوس ضغينةً‬
‫من أخٍ مسلمٍ لخيه المسلم‪ ،‬لمجرد أنه خالفه في الرأي أو في الفكر أو في الجتهاد الفقهيّ أو‬
‫الدعويّ‪ ،‬فليتعاون الجميع على البر والتقوى ما دام الجميع غايته ال تعالى‪.‬‬
‫‪ -‬سلفي‪ ،‬أم إخواني‪ ،‬أم ‪. ..‬؟؟؟ السؤال الخطأ‬
‫النقطة الرابعة‪ :‬ما علينا هو علينا‪:‬‬
‫أكثرتَ يا أخي محمد الحديث عن "الحرب الشاملة"‪ ،‬و"المبراطورية المريكية"‪ ،‬وعن‬
‫التحالفات هنا وهناك‪ ،‬وقد أتفق معك في معظم ما قلت‪ ،‬وقد أختلف في بعضه‪ ،‬لكن ليس هذا ما‬
‫يعنيني‪ ،‬ما يعنيني هو أن نفهم أن ما علينا هو علينا‪ ،‬بصرف النظر عن وجود مؤامراتٍ وحروبٍ‬
‫شاملةٍ أو عدم وجودها‪.‬‬
‫إن ما هو واجبٌ علينا‪ ،‬علينا أن نقوم به على الوجه الحسن؛ لن المر ببساط ٍة "فرضٌ" علينا‪ ،‬لو‬
‫قامت الدنيا أو نامت‪ ،‬سيبقى فرضًا علينا‪ ،‬وسنحاسب عليه إن لم نقم به حق القيام‪.‬‬
‫أخي محمد‪،‬‬
‫أوافقك على ضرورة أن تتحول أفكارنا وبرامجنا إلى برامج عملية حقيقية وواقعية وتلمس‬
‫حاجة الناس‪ ،‬وأذكّر بالواجب الذي مفروضٌ علينا‪ ،‬فلنقم به حتى نُعفَى من السؤال عنه يوم نلقى ربنا‬
‫سبحانه‪.‬‬
‫شكرًا لك‪ ..‬وأهلً بك‪.‬‬

‫برامج إيمانية‬
‫عند فساد الخوة‪ ..‬ابث عن العظمة القيقية‬
‫السؤال‪:‬‬
‫الخوة الفاضل‪ ،‬تحيّةٌ ربّانيّةٌ مباركة‪ ،‬فالسلم عليكم ورحمة ال وبركاته‪،‬‬
‫أريد أهنّئكم على هذا الجهد الطيّب الذي يتسنّى لنا نحن من نخوض بداية الطريق من خلله أن‬
‫نوفّر على أنفسنا الوقوع في كثير من الخطاء وإضاعة أوقاتنا التي نحن في أمسّ الحاجة لها في‬
‫هذا الزمن‪ ،‬عبر إعطائنا الفرصة للطّلع على تجارب إخوةٍ لنا سبقونا علما وعمل‪ ،‬وبارك ال‬
‫فيكم وفي كلّ من بذل جهدا ‪-‬ولو بسيطا‪ -‬في رفع راية الحقّ في زمان تكالبت فيه المم على أل‬
‫ترتفع هذه الراية‪.‬‬
‫وبعد إخواني‪،‬‬
‫أودّ أن اطرح عليكم هذه المشكلة التي قد تظهر بسيطة‪ ،‬ولكنّني أراها من أعظم الحواجز التي‬
‫تعيق من العمل السلميّ النشط‪.‬‬
‫ففي يومٍ كنت أعاتب أخا لي على عدم مداومته التزاور مع إخوانه وانعدام علقاته بهم‪ ،‬وعلى‬
‫تعلّقه كثيرا بمن نعتبرهم أصحاب كبائر‪.‬‬
‫وأرى أنا أنّ الداعية عليه البعد عنهم إذا شعر أنّه سيتأثّر بهم ول يؤثّر فيهم‪( ،‬وهو ما يحدث‬
‫مع هذا الخ الحبيب) فكان ردّه مفزعا لي رغم أنّي عندما فكّرت فيه وجدته على حقّ إلى حدّ ما‪،‬‬
‫وكان جوابه‪" :‬أنا ل أجد الخوّة التي نتحدّث عنها في كثيرٍ من لقاءاتنا‪ ،‬ونقرأها في الكتب المثاليّة‪،‬‬
‫ولكنّني أرى الشعور الصادق بالصداقة مع هؤلء الذين نعدّهم بعيدين عنا كثيرا"‪.‬‬
‫كان هذا الجواب عجيبا‪ ،‬ولكنّه صادقٌ نوعا ما‪ ،‬فأخوّتنا في هذا المجتمع أصابتها الماديّة‪،‬‬
‫وتداخلت فيها المصالح الشخصيّة‪ ،‬ممّا أدّى في كثيرٍ من الحيان إلى انزواء الكثير من الخوة‪،‬‬
‫واكتفائهم بالعلقات الرسميّة وفقط‪.‬‬
‫فل أدري هل هذا البتلء هو عامّ كما أشعر؟؟‬
‫وبارك ال فيكم‪.‬‬

‫المستشار‪:‬‬

‫كمال المصري‬

‫الرد‬
‫أخي الفاضل "أبو البراء"‪،‬‬
‫أشكرك على ما بدأت به من كلمات‪ ،‬وعموما فإنّ تواصل الخبرات وتناقلها‪ ،‬هو من أه ّم‬
‫الهداف التي ابتغينا تحقيقها عبر هذه الصفحة‪ ،‬والحمد ل أن بدأت بذورها تثمر‪ ،‬ونسأل ال تعالى‬
‫العون والسداد‪.‬‬
‫أخي "أبو البراء"‪،‬‬
‫ما تفضّلتَ به في استشارتك هو في الواقع مشكلةٌ حقيقيّةٌ ل متخيّلة‪ ،‬وإنّني وإن كنت أختلف مع‬
‫أخيك في التفاصيل‪ ،‬إل أنّني أتّفق معه في العموم‪.‬‬
‫ما أتّفق في عمومه هو أنّنا في عمومنا –ملتزمين وغير ملتزمين‪ -‬قد تأثّرنا بالدنيا تأثّرا كبيرا‪،‬‬
‫وغدا لها في قلوبنا مكانةٌ كبيرة‪ ،‬وهذه المشكلة ليست وليدة اليوم‪ ،‬بل هي قديمة‪ ،‬فقد ورد عن أنّ‬
‫سفيان الثوري كان يقول‪" :‬أدركنا الناس وهم يحبّون من قال لحدهم‪" :‬اتّق ال تعالى"‪ ،‬وقد صاروا‬
‫اليوم يتكدّرون من ذلك"‪.‬‬
‫ق الخوّة‪ ،‬ول كلّ‬
‫ن التعميم خطأ‪ ،‬فليس كلّ "الخوة" ل يقومون بح ّ‬
‫وما أختلف فيه هو أ ّ‬
‫"البعيدين" هم إخوةٌ بصدق‪.‬‬
‫كلّ ما في المر –من وجهة نظري‪ -‬هو أنّنا نطلب من إخواننا أكثر ممّا نطلب من غيرهم‪،‬‬
‫فإذا هم لم يقدّموا لنا ما نطلب‪ ،‬بدَوا كأنّهم مقصّرون أهل دنيا‪ ،‬وفي المقابل ل نطبّق هذا الميزان‬
‫ل القليل‪ ،‬ونعتبرهم أفضل من إخواننا‪.‬‬‫على "البعيدين"‪ ،‬فنقبل منهم أق ّ‬
‫جزءٌ من خطئنا في ذلك أنّنا نفترض في "الخوة" العصمة والكمال‪ ،‬فنطالبهم بما فوق طاقة‬
‫البشر‪ ،‬أو نعتبر المثاليّة هي الساس‪ ،‬متناسين بشريّتهم وإنسانيّتهم‪.‬‬
‫نعم ينبغي أن يكون الملتزمون من أكثر الناس التزاما بدينهم‪ ،‬وأخلقهم وسلوكيّاتهم يجب أل‬
‫يخالطها عيب‪ ،‬لنّهم ببساط ٍة فهموا وعلموا‪ ،‬فيجب أن يتحوّل هذا الفهم‪ ،‬وذلك العلم إلى واق ٍع وعمل‪،‬‬
‫لنّ ديننا دين عمل‪ ،‬وليس دينا نظريّا فقط‪.‬‬
‫نعم لكلّ ذلك‪ ،‬لكنّ ذلك كلّه ل ينفي بشريّتهم التي من أساس تكوينها الخطأ والسهو والعيب‪،‬‬
‫وهو الذي نقبله من "البعيدين"‪ ،‬ول نقبله من "الخوة‪ ،‬ولعلّ هذا ما يجعل تأثّرنا بخطأ "الخوة" أعظم‬
‫وأشدّ‪ .‬ولست هنا أبرّر الخطأ‪ ،‬بقدر ما أوصّف الحالة‪ ،‬ولذلك أدعو كلّ إخواني أن ينتبهوا لنفسهم‬
‫وفعلهم‪ ،‬وأن يتعلّموا دينهم ويفهموه حقّ الفهم‪ ،‬وأن يحقّقوا في أنفسهم وسلوكهم أعلى درجاته‬
‫ومراتبه‪ ،‬كما ل أنفي وجود قدرٍ كبيرٍ من الخلق والصفات الطيّبة في "البعيدين"‪ ،‬فهم ليسوا‬
‫شياطين أو مجموع ًة من اللصوص وقطّا ع الطرق‪.‬‬
‫أنا هنا لست في مجال المفاضلة بين الطرفين‪ ،‬لنّني أعتبر أنّ النحياز إلى أيّة فئةٍ من الفئتين‬
‫خطأ‪ ،‬فل حياتنا كلّها "مجتمع الخوة"‪ ،‬ول هي "مجتمع البعيدين"‪ ،‬نحن نعيش مجتمعنا بكلّ فئاته‬
‫وأصنافه وتنوّعاته‪ ،‬وعلينا أن نتفاعل ونؤثّر في كلّ هذه الدوائر‪ ،‬ل ننعزل‪ ،‬فنخسر ويخسرون‪ ،‬ول‬
‫ننخرط فنغرق ويغرقون‪ ،‬بل نعيش حياتنا بين الجميع بأخلقنا‪ ،‬والتزامنا‪ ،‬وديننا‪ ،‬فنعمل الصواب‬
‫مهما أخطأ الناس‪ ،‬ونبتعد عن الخطأ مهما وقعوا فيه‪ ،‬وندعو كلّ من حولنا‪ ،‬بأفعالنا وأقوالنا‪ ،‬إلى‬
‫الهداية والفلح في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫هذا الختلط الصعب هو المتعة الحقيقيّة‪ ،‬وهو الذي جعل مقام الدعاة هو مقام النبياء‪،‬‬
‫وللستاذ سيّد قطبٍ رحمه ال تعالى كلمٌ بديعٌ في هذه المسألة حيث يقول‪:‬‬
‫"حين نعتزل الناس لنّنا نحسّ أنّنا أطهر منهم روحا‪ ،‬أو أطيب منهم قلبا‪ ،‬أو أرحب منهم نفسا‪،‬‬
‫أو أذكى منهم عقل‪ ،‬ل نكون قد صنعنا شيئا كبيرا… لقد اخترنا لنفسنا أيسر السبل‪ ،‬وأقلّها مؤونة!‪.‬‬
‫إنّ العظمة الحقيقيّة‪ :‬أن نخالط هؤلء الناس مشبعين بروح السماحة والعطف على ضعفهم‬
‫ونقصهم وخطئهم‪ ،‬وروح الرغبة الحقيقيّة في تطهيرهم وتثقيفهم ورفعهم إلى مستوانا بقدر ما‬
‫نستطيع!‪.‬‬
‫إنّه ليس معنى هذا أن نتخلّى عن آفاقنا العليا ومثلنا السامية‪ ،‬أو أن نتملّق هؤلء الناس ونثني‬
‫على رذائلهم‪ ،‬أو أن نشعرهم أنّنا أعلى منهم أفقا‪ ..‬إنّ التوفيق بين هذه المتناقضات‪ ،‬وسعة الصدر‬
‫لما يتطلّبه هذا التوفيق من جهد‪ :‬هو العظمة الحقيقيّة!"‪.‬‬
‫فهلّ طالبنا أنفسنا وإخواننا بكثيرٍ من اللتزام‪ ،‬وبتحقيق الخوّة بمعناها الشامل العميق؟‬
‫وهلّ –في ذات الوقت‪ -‬خفّفنا الوطء على أحدهم إن أخطأ أو ضعف لنّه بشر؟‬
‫وهلّ خالطنا الناس مشبعين بأهدافنا ومثلنا العليا؟‬
‫إنّ ذلك كلّه هو بحقّ‪ :‬العظمة الحقيقيّة‪.‬‬
‫وأهلً بك يا أبا البراء‪.‬‬
‫داء ودواء‬

‫داء ودواء‬

‫•ملل الدعاة وفتورهم‪ ..‬دللت وأسباب‬


‫•كلماتٌ في‪ :‬الضعف‪ ..‬الفتور‪ ..‬التربية‬
‫•وصفة للمقصّرين ‪ ..‬بين الهمة والفتور‬
‫•الهمّة العالية‪ :‬كن رجلً ل رُجَيْل‬

‫•الرياء‪ ..‬أَوْلى الناس بالدعوة‪ ..‬وأشياء أخرى‬


‫•رياء البدايات والنهايات‪ ..‬بل عاجل بشرى المؤمن‬
‫•الخلص شرط‪ ..‬و"الكوماندوز السلميّ" وهم‬
‫•كلمات في الخلص‪ ..‬واشتراك النيات‪ ..‬وميزان قبول العمال‬

‫•تعصي! أنت إنسانٌ ولستَ ملَكا‬


‫•هكذا نحافظ على توبتنا‬
‫•يا غريق المعاصي‪ :‬هكذا تصبح منقذا‬
‫•داعية ناجح‪ ..‬معاصيه ستوقفه‪ :‬لااااا‬
‫داء ودواء‬
‫ملل الدعاة وفتورهم‪ ..‬دللت وأسباب‬
‫السؤال‪:‬‬
‫أولً‪ :‬أتقدم بأحسن تقديري وشكري بمناسبة فتح مجال الستشارات الدعوية‪ ،‬وهي حاجة ل تقل‬
‫أهميةَ من سائر صفحات مشروع السلم علي النترنت‪.‬‬
‫ثانيا‪ َ:‬أطرح المشكلة التي أن بصددها الن وهي‪ :‬أن هناك ظاهرة سلبية في أوساط الشباب‬
‫الذين بقوا فترة غير يسيرة مثلَ عقد من الزمن أو أكثر في مجال النشاط التربوي فالن بعد هذه‬
‫الفترة عدد منهم ل يرغبون في النشاطات التربوية من الدرس السبوعي إلى الحضور إلى مجالس‬
‫إيمانية أو استماع محاضرة أو مجلس وعظ وتذكير وما إلى ذلك مع اقتناعهم الكامل بالخذ بالمنهج‬
‫وبضرورة العمل التربوي كحجر أساس للعمل الدعوي السليم‪ .‬ما سبب هذه الظاهرة وكيف نعالجها؟‬
‫وجزاكم ال عنا وعن المسلمين خير الجزاء‬

‫المستشار‪:‬‬

‫د‪ .‬فتحي يكن‬


‫الرد‬
‫هذه المشكلة أخي الكريم مشكلة عامة شائعة‪ ،‬وأسبابها متشعبة كثيرة‪ ،‬منها ما هو متعلق‬
‫بالفراد أنفسهم‪ ،‬ومنها ما هو متعلق بطريقة تربيتهم‪ ،‬ومنها ما له كبير الصلة بحالة الجمود وعدم‬
‫مواكبة العصر‪ ،‬وهي الحالة التي اعترت الكثير من القائمين على العمل السلمي‪ ،‬فلزموا حالة‬
‫واحدة لم تراع اختلف الزمان‪ ،‬ول تغير الفكار‪ ،‬ول تعدد البلد‪ ،‬ول تنوع طرق التفكير‪.‬‬
‫يقول الدكتور فتحي يكن في توصيف المشكلة‪" :‬هذه المشكلة تعكس حالة الجمود وعدم التجدد في‬
‫واقع العمل السلمي المعاصر‪ ،‬فضلً عن التخلف عن واقع العصر وعدم الخذ بالسباب‬
‫والمكانات المتوافرة فيه‪.‬‬
‫إن السبب الرئيسي لهذه المشكلة يكمن في سوء فهم المقاصد التربوية والدعوية‪ ،‬وبذلك تبقى "التربية"‬
‫استفادة بدون إفادة‪ ،‬كما تبقى "الدعوة" أخذا بدون عطاء‪.‬‬
‫أما المنهج السلمي – قرآنا وسنّة وسيرة وتاريخاً – فيعتبر العطاء ثمرة الخذ والتلقي‪،‬‬
‫مصداقا لقوله صلى ال عليه وسلم "بلغوا عني ولو آية"رواه البخاري والترمذي‪.‬‬
‫وهل أدل على هذا المعنى من قوله تعالى "ل خير في كثير من نجواهم‪ ،‬إل من أمر بصدقة أو‬
‫معروف أو إصلح بين الناس‪ ...‬الية"؟‪.‬‬
‫وفي ضوء هذا التصور تصبح "التربية" كما"الدعوة" مفردات في إطار "المشروع السلمي"‬
‫الذي يهدف إلى إصلح وتغيير الواقع الجتماعي‪ ،‬كما يصبح لكل فرد دوره في هذا المشروع‪.‬‬
‫* النظرية التربوية‪:‬‬
‫إن هذه العتبارات الموضوعية وغيرها تفرض على الحركة السلمية أن تعمل على إعادة‬
‫النظر في نظريتها التربوية‪ ،‬وتعمد إلى تطويرها بما يتكافأ والدور الموكول إليها‪.‬‬
‫إن النظرية التربوية للمشروع السلمي يجب أن ترتقي من إطار تربية الشريحة إلى مساحة‬
‫تربية المّة‪ ،‬وإلى نظرية تصلح لن تُبنى عليها السياسات التربوية في المؤسسات الهلية والرسمية‬
‫على حد سواء‪.‬‬
‫* النظرية الدعوية‪:‬‬
‫وما يقال عن ضرورة إعادة النظر في النظرية التربوية يجب أن يُقال كذلك في النظرية‬
‫الدعوية‪ ،‬تربية وخطابا وأداءً ونهجا ووسائل وآليات‪ .‬لم يعد جائزا بقاء الدور الدعوي محصورا في‬
‫خطبة الجمعة والمناسبات التاريخية‪ ،‬على كبير أهميتها وقيمتها‪ ،‬فالمجتمع من حيث المساحة يتعدى‬
‫مساحة المسجد والقاعة أو المنتدى‪ ..‬والدعوة يجب أن تصل إلى كل موقع وتبلغ كل قطاع‪ ،‬ليتحقق‬
‫الشهود العام على الناس‪ ،‬أفرادا ومؤسسات‪" ،‬لئل يكون للناس على ال حجة بعد الرسل"‪.‬‬
‫والنظرية الدعوية – منهجية ومادة – غير محصورة بطبقة معينة من الناس‪ ،‬فهي ليست وظيفة‬
‫علماء الشريعة لوحدهم ‪ -‬على سبيل المثال ‪ -‬وإنما هي وظيفة الجميع في كل مواقعهم‬
‫واختصاصاتهم ومنابرهم‪.‬‬
‫من خلل هذا التصور يبقى المسجد منبرا دعويا رئيسيا‪ ،‬مضافا إليه المنبر التعليمي (المدرسي‬
‫والجامعي) والمنبر العلمي‪ ،‬والمنبر الجتماعي الخيري‪ ،‬والمنبر النيابي والسياسي وسائر المنابر‬
‫الخرى‪.‬‬
‫إن النظرية التربوية والدور الدعوي يجب أن يتجاوز حدود الشريحة السلمية الواحدة ليبلغا‬
‫آفاق المة السلمية‪ ،‬فضلً عن آفاق العالم أجمع‪ ،‬تحقيقا لعالمية الخطاب القرآني الدعوي‪" :‬يا أيها‬
‫الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته وال يعصمك من الناس إن ال ل‬
‫يهدي القوم الكافرين"‪.‬‬
‫وإذا كان الدكتور فتحي قد تطرق لجوانب على الحركة السلمية مراعاتها‪ ،‬وهي جديرة‬
‫بالنظر والنتباه‪ ،‬إل أن هناك جانبا آخر جدير بالذكر والملحظة أيضا‪ ،‬وهو ما يتعلق بالفرد نفسه‪،‬‬
‫الذي يتحول – كنتيجة لعدة عوامل داخلية – إلى شخصية سلبية غير فاعلة‪ ،‬رغم اقتناعها الكامل‬
‫بضرورة العمل‪ ،‬وهذا ما يزيد المر تعقيدا وصعوبة في تغيير هذه النفوس‪ ،‬ويمكن إجمال هذه‬
‫العوامل الداخلية بما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬الحباط لعدم رؤية نتائج العمل ظاهرة بينة‪.‬‬
‫‪ -2‬الملل والفتور نظرا لطول الفترة وامتدادها‪.‬‬
‫‪ -3‬ضعف الوازع الديني وهو الشعلة المحركة‪ ،‬والجذوة الموقدة لنار الحركة والفعل‪.‬‬
‫‪ -4‬كثرة العباء التي تثقل كاهل الدعاة‪ ،‬مما يصيبهم بالرهاق والنهاك‪.‬‬
‫وقد تم مناقشة هذه العوامل‪ ،‬ووضع بعض البرامج العملية لها في أكثر من استشارة‪ ،‬ويمكنك‬
‫لو تكرمتَ مطالعتها من خلل آلية البحث في الصفحة‪.‬‬
‫المحرر‪.‬‬
‫داء ودواء‬
‫كلماتٌ ف‪ :‬الضعف‪ ..‬الفتور‪ ..‬التربية‬
‫السؤال‬
‫أرى ضعفا شديدا في الشباب المسلم الملتزم من النواحي العباديّة والدراسيّة خاصّة‪ ،‬وأرى‬
‫نقصا في الهمّة وفتورا‪.‬‬
‫فما الحلّ؟ ما الطريق المثل في التربية؟‬
‫المستشار‬

‫فريق الستشارات الدعوية‬


‫الرد‬
‫يقول الدكتور محمّد منصور من فريق الستشارات‪:‬‬
‫"الخت الكريمة‪،‬‬
‫علج التقصير في العبادات‪ ،‬وفي الدراسة‪ ،‬وعلج ضعف الهمة والفتور‪ ،‬إنّما يكون بالعلم‬
‫والعمل‪:‬‬
‫ونقصد بالعلم هنا‪:‬‬
‫‪ -1‬بالنسبة للعبادات (كالصلة‪ ،‬والصيام‪ ،‬والحج‪ ،‬والذكر‪ ،‬وقراءة القرآن‪ ،‬ونحو ذلك)‪ :‬العلم‬
‫بفوائدها في الدنيا‪ ،‬حيث جعلها ال تعالى شحناتٍ للقلب؛ ليدفع الجسد إلى حسن العمل‪ ،‬والنتاج‪،‬‬
‫والتعامل مع الناس‪ ،‬حتى يقوى المجتمع‪ ،‬ويزدهر‪ ،‬ويسعد أفراده‪ ،‬والعلم بفوائدها في الخرة حيث‬
‫الثواب العظيم‪.‬‬
‫فعلى سبيل المثال ل الحصر‪ :‬من فوائد بعض العبادات في الدنيا قوله صلى ال عليه وسلم في‬
‫ن الستغفار سببٌ في الرزق‪" :‬من لزم الستغفار جعل ال له من كلّ ضيقٍ مخرجا‪ ،‬ومن كل همّ‬‫أّ‬
‫فرجًا‪ ،‬ورزقه من حيث ل يحتسب"رواه أبو داود وابن ماجه بسندٍ صحيح‪.‬‬
‫ومن فوائد بعض العبادات قوله تعالى‪" :‬وما كان ال ليعذّبهم وأنت فيهم وما كان ال معذّبهم‬
‫وهم يستغفرون"‪.‬‬
‫ومن أضرار التقصير في العبادات في الدنيا والخرة قوله تعالى‪" :‬ومن أعرض عن ذكري فإنّ‬
‫له معيشةً ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى"‪.‬‬
‫‪ -2‬بالنسبة للدراسة‪ :‬العلم بفرضيّة العلم على كلّ مسلم ومسلمة‪ ،‬والعلم بأهمّيّته في إسعاد‬
‫الناس في الدنيا والخرة‪ ،‬كما قال تعالى‪" :‬قل هل يستوي الذين يعلمون والذين ل يعلمون"‪ ،‬وقال‬
‫تعالى‪" :‬يرفعِ ال الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات"‪ ،‬مع العلم بأضرار التقصير فيه‪ ،‬في‬
‫الدنيا حيث التخلّف‪ ،‬والتعاسة‪ ،‬والذلّة‪.‬‬
‫‪ -3‬بالنسبة لضعف الهمّة والفتور‪ :‬العلم بفوائد الهمّة العالية في الدنيا‪ ،‬حيث جودة النتاج‬
‫والسعادة به‪ ،‬سواء أكانت جودةً في مستلزمات الحياة أم جود ًة في نوعيّة البشر الذين "تنتجهم" الهمّة‬
‫في الدعوة‪ ،‬حيث يلتزم الجميع بنظام السلم‪ ،‬ويطمئنّون لعدله‪ ،‬ويعرفون حقوقهم وواجباتهم‬
‫فيسعدون‪ ،‬وفوائدها في الخرة كما قال تعالى‪" :‬وفضّل ال المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما"‪.‬‬
‫إضافةً إلى العلم بأضرار ضعف الهمّة‪ ،‬دنيويّا حيث الكسل والنهيار‪ ،‬وأخرويّا حيث الحساب‪.‬‬
‫ونقصد بالعمل‪:‬‬
‫بصّفةٍ عامّة‪ ،‬لكلّ أنواع التقصير‪:‬‬
‫‪ -1‬الستعانة بال تعالى ودعاؤه؛ ليكشف المر كما قال سبحانه‪" :‬بل إيّاه تدعون فيكشف ما‬
‫تدعون إليه إن شاء"‪ ،‬والستعاذة به من الشيطان الرجيم‪ ،‬كما قال‪" :‬قل أعوذ بربّ الناس‪ ،‬مِلكِ‬
‫الناس‪ ،‬إله الناس‪ ،‬من شرّ الوسواس الخنّاس"‪.‬‬
‫‪ -2‬التواجد في وسطٍ صالحٍ يُعين على التغيّر نحو الفضل‪ ،‬قال صلى ال عليه وسلم‪" :‬المرء‬
‫على دين خليله‪ ،‬فلينظر أحدكم من يخالل"رواه أبو داود والترمذيّ‪ ،‬وحسّنه‪.‬‬
‫‪ -3‬البدء بالعلج وعدم اليأس‪ ،‬مع المل في وجه ال تعالى في الشفاء بمجرّد البدء في اتّخاذ‬
‫أسبابه‪ ،‬قال تعالى‪" :‬إنّ ال ل يغيّر ما بقومٍ حتى يغيّروا ما بأنفسهم"‪.‬‬
‫‪ -4‬تجنّب السباب المؤدّية للتقصير ما أمكن‪ ،‬فالوقاية خيرٌ من العلج كما قال صلى ال عليه‬
‫وسلم في الوقاية من المراض عموما‪" :‬ل يُورَد ُممْرِض على ُمصِحّ"رواه البخاريّ‪.‬‬
‫ومن الوقاية حسن العداد بحسن التربية‪ ،‬وأفضل طرق التربية (وهذه هي إجابة الشقّ الخير‬
‫من السؤال) كما علّمنا السلم تكون بالتي‪:‬‬
‫البَدء بزرع الحبّ والحنان بين المُربّي ومن يربّيه منذ صغره‪ ،‬وربطه بال تعالى‪ ،‬وتعريفه‬
‫الصواب‪ ،‬والخطأ‪ ،‬والحلل‪ ،‬والحرام‪ ،‬والخلق الحسنة‪ ،‬والخلق السيّئة‪ ،‬وتدريبه على بعض‬
‫العبادات تدريجيّا‪ ،‬كلّ ذلك من خلل القدوة له‪ ،‬والحوار‪ ،‬والتفاهم معه‪ ،‬بما يناسب سنّه‪ ،‬وحلّ‬
‫مشاكله‪ ،‬والثقة فيه‪ ،‬وتحميله بعض المسؤوليّات المناسبة وتشجيعه كلّما أنجز‪ ،‬فذلك يدفع النفس إلى‬
‫مزيدٍ من النجاح‪ ،‬وتدريبه على المحافظة على الوقات‪ ،‬ومعرفة أولويّاته‪ ،‬حتى ينشأ محبّا ل تعالى‪،‬‬
‫طائعا له سبحانه‪.‬‬
‫‪ -5‬معرفة الداء‪ ،‬فقد شكا رجلٌ إلى الرسول صلى ال عليه وسلم قسوة قلبه‪ ،‬فأشار عليه‬
‫بالعلج قائل‪" :‬امسح رأس اليتيم‪ ،‬وأطعم المسكين"رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح‪.‬‬
‫‪ -6‬المواظبة والتدريب‪ ،‬أي يفعل الخُلُق الحسن الذي يريد أن يتخلّق به عدّة مرّات‪ ،‬حتى تألفه‬
‫نفسه‪ ،‬وتعتاد عليه‪ ،‬ويصير طبعا لها ل تستطيع أن تخالفه‪.‬‬
‫‪ -7‬تربية الرادة‪ ،‬لتقوى تدريجيّا‪ ،‬وتتمكّن من تخطّي العقبات والزمات‪ ..‬بالصوم مث ً‬
‫ل وبفعل‬
‫ما تكرهه النفس أحيانا‪ ،‬وترك ما تحبّه‪ ،‬قال صلى ال عليه وسلم مقويّا إرادة من لم يستطع الزواج‬
‫من الشباب حتى ل يقع في معصية‪ …" :‬ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنّه له وِجَاء"رواه مسلم‪،‬‬
‫ووِجاء أي ضابطا للشهوة‪.‬‬
‫‪ -8‬التدرّج‪ :‬كما نزلت أحكام السلم‪ ،‬لنّ ذلك أدعى لتيسير تطبيقها على النسان دون‬
‫إحساسٍ بصعوبة ذلك على نفسه‪.‬‬
‫‪ -9‬تشجيع النفس‪ :‬بالتفكير في ما تمّ إنجازه‪ ،‬والتعاهد على عدم العودة للوراء‪ ،‬بل إلى مزي ٍد‬
‫من التقدّم‪ ،‬قال تعالى في الحديث القدسيّ مشجّعا عباده على المزيد من التقدم‪ …" :‬ومن تقرّب إليّ‬
‫شِبْرا تقرّبت إليه ذراعا…"جزءٌ من حديثٍ رواه البخاريّ ومسلم‪.‬‬
‫علجاتٌ خاصّة‪:‬‬
‫أ‪ -‬بالنسبة للعبادات‪:‬‬
‫يمكن ضبط الساعة على مواقيت الصلة‪ ،‬ومحاولة صلة ركعتين قبل النوم كقيام ليل‪،‬‬
‫واستغلل ركوب السيارة ووسيلة المواصلت في تدبّر مخلوقات ال تعالى‪ ،‬والذكر‪ ،‬والستغفار‪،‬‬
‫وقراءة القرآن‪ ،‬أو سماعه‪ ،‬وما شابه ذلك‪ ،‬والهتمام بحلقات التجويد‪ ،‬ودروس العلم بالمساجد‪،‬‬
‫ج وعمرة‪،‬‬ ‫والتّفاق على إفطارٍ جماعيّ يشجّع على التدريب على الصوم‪ ،‬وعمل رحلت ح ّ‬
‫وحضور المحاضرات‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫ب‪ -‬بالنسبة للدراسة‪:‬‬
‫معرفة الطرق الصحيحة للمذاكرة وحسن الستيعاب‪ ،‬كحضور المحاضرات‪ ،‬والنتباه لها‪،‬‬
‫والسؤال عمّا خفِي منها‪ ،‬والستذكار اليوميّ أ ّولً بأوّل‪ :‬مع البدء باستحضار النوايا في هذه العلوم‬
‫من أجل نفع النفس والسلم والمسلمين‪ ،‬والبدء بالتسمية وببعض آياتٍ من القرآن الكريم‪ ،‬واختيار‬
‫مكانٍ مريحٍ يُعين على التحصيل‪ ،‬والقيام بمراجعةٍ سريعةٍ لدروس اليوم السابق‪ ،‬وتحديد الولويّات‬
‫والبدء بالهمّ ث ّم القلّ أهمّيّة‪ ،‬وربط الفقرات ببعضها‪ ،‬وحلّ السئلة عليها‪ ،‬واستخدام أكثر من حاسّة‪،‬‬
‫وهو ما يعين على حفظ المعلومات في الذهن أطول فترةٍ ممكنة‪ ،‬كالكتابة‪ ،‬والرسم‪ ،‬وتعدّد اللوان‪،‬‬
‫والستماع‪ ،‬والرؤية‪ ،‬والمناقشة‪ ،‬والحوار‪ ،‬ثمّ مراجعة كلّ ما سبق تحصيله كلّ فترة –أسبوعيّا أو‬
‫شهريّا‪ ،-‬من أجل تثبيته‪.‬‬
‫جـ– بالنسبة لضعف الهمّة والفتور‪:‬‬
‫تنويع أساليب الدعوة‪ ،‬فل يقتصر مثلً على أنشطة المسجد فقط‪ ،‬بل تتمّ الدعوة داخل البيوت‬
‫مع الجيران‪ ،‬والزوجات‪ ،‬والباء‪ ،‬والبناء‪ ،‬ومع القارب‪ ،‬وفي الشارع مع أهل الحيّ‪ ،‬ومع زملء‬
‫المهنة‪ ،‬من خلل مطويّات‪ ،‬أو معلّقات‪ ،‬أو شرائط‪ ،‬أو كتيّبات‪ ،‬أو اسطواناتٍ ضوئيةٍ فيها الخلق‪،‬‬
‫والمعاملت‪ ،‬والحكام السلميّة التي يحتاجها الناس‪.‬‬
‫كذلك تتمّ الدعوة من خلل المؤسّسات القريبة كالجمعيّات الخيريّة‪ ،‬ودور الحضانة‪ ،‬وكفالة‬
‫اليتام والرامل‪ ،‬وفصول التقوية‪ ،‬ومحو الميّة‪ ،‬وتعليم الخياطة‪ ،‬والمهامّ المنزليّة‪ ،‬وتجميع‬
‫الزكاوات‪ ،‬واستثمارها‪ ،‬وتوزيعها‪ ،‬وما شابه ذلك‪.‬‬
‫وعلينا بالوسائل الحديثة التي يمكن استخدامها؛ لتوصيل دعوة السلم لكلّ الناس بق ّوةٍ وسهولةٍ‬
‫ووضوح‪ ،‬كالنترنت‪ ،‬والفضائيّات‪ ،‬ونحوها‪.‬‬
‫مع استغلل مجهودات كلّ المسلمين‪ ،‬كلّ حسب طاقته‪ ،‬فهذا ينفع المسلمين بماله‪ ،‬وذاك بعلمه‪،‬‬
‫وثالثٌ بمنصبه‪ ،‬ورابعٌ بفكره‪ ،‬وهكذا‪ ،‬فإنّ في ذلك توسيعا لدائرة العاملين للسلم‪ ،‬وتشغيلً للدعاة‬
‫أنفسهم من خلل إيجابيّة المسلمين حولهم‪ ،‬وتنشيطا لنفوس الذين تضعف همّتهم حينما يرون يوما‬
‫بعد يومٍ بشائر النصر وعودة المسلمين لسلمهم‪.‬‬
‫الخت الكريمة‪،‬‬
‫إن كانت لك بعض الملحظات السلبيّة على بعض الشباب المسلم –ذكورا وإناثا‪ -‬في بعض‬
‫الماكن‪ ،‬فذلك لنّهم ما يزالون على درجةٍ من درجات اللتزام‪ ،‬ولم يلتزموا التزاما كاملًا بعد‪ ،‬لكن‬
‫في المقابل هناك العديد من الملحظات اليجابيّة عليهم‪ ،‬فيكفيهم أنّهم نشأوا في عصرٍ مليءٍ بالفتن‬
‫التي يسهل وصولها لكلّ بيت‪ ،‬ومع ذلك بدأ هؤلء يحبّون ربّهم‪ ،‬ويعودون إليه ولسلمهم‪،‬‬
‫ويتمسّكون به‪ ،‬ويدافعون عنه‪ ،‬ويجاهدون‪ ،‬بل ويُستشهَدون في سبيله‪ ،‬ويكفيهم أنّهم يفهمون السلم‬
‫فهما شاملً يدير كلّ شؤون الحياة‪ ،‬ولم َيعُد فهمهم قاصرا على العبادات وحدها‪ ،‬كما كان فهم‬
‫الملتزمين منذ حوالي ربع قرن فقط‪.‬‬
‫فنحن نأمل فيهم خيرا كثيرا‪ ،‬أن يحسنوا عرض السلم على العالم كلّه‪ ،‬وأن تتمّ دعوة الخرين‬
‫للسلم‪ ،‬حتى يسعد الناس بعدله في الدنيا‪ ،‬وبجنّة ربّهم في الخرة‪.‬‬
‫جزاكم ال خيرا‪ ،‬وأهلً بك دائما"‪.‬‬

‫داء ودواء‬
‫وصفة للمقصّرين ‪ ..‬بي المة والفتور‬
‫السؤال‬
‫السلم عليكم ورحمة ال وبركاته‪ ،‬أردت برسالتي أن أستشيركم في أمرٍ أهمّني من نفسي‬
‫كثيرا‪ :‬وهو أنّني أكسل عن القيام بواجبات الصلة‪ ،‬والصيام (كتطوّع) والمر يستمرّ عندي لفتراتٍ‬
‫غير محدودة‪ ،‬حتى يشاء ال لي الرجوع إليه من جدي ٍد والتوبة‪ ،‬ومن ثَمّ العودة إلى سابق عهدي‬
‫بإهمال الصلة وإهمال الصيام (والذي أنا بحاجةٍ ماسّةٍ إليه لنّني أشعر براحةٍ كبير ٍة وفوزٍ كبيرٍ‬
‫عندما أؤدّيه)‪ ،‬شعوري هذا بالندم ل يلبث أن يختفي مع شروق اليوم التالي وكأنّني لم أندم وكأنّني لم‬
‫أفعل معصية‪ ،‬فأكون متلهّفةً أوّل توبتي وأفتر بعدها بيو ٍم أو يومين وأشعر بثقلٍ كبي ٍر يثقلني‪ ،‬ول‬
‫ت مصلّياتٍ كنت نشيطة‪،‬‬ ‫أعرف كيف الخلص منه‪ ،‬مع العلم أنّني عندما كنت مع مجموعة صديقا ٍ‬
‫ن وضعي الن قد تغيّر فأنا أسمع صوت الذان ف ُيهَيّأ‬ ‫بل النشط‪ ،‬وكنت الداعية لقامة الصلة‪ ،‬لك ّ‬
‫ل الوقت الذي في العالم لؤدّيه ولكن ليس في اللحظة النيّة‪.‬‬ ‫لي بأنّ عندي ك ّ‬
‫أوّد أن أحيطكم بجانبٍ آخر من شخصيّتي وأمزجتي المتقلّبة‪ ،‬وهو أنّني أحيانا يصدق عندي‬
‫العزم جدّا فأُقدّم على أفعال كثيرةٍ جيّدةٍ كالصيام لمدّة مجموعةٍ من اليّام المتواصلة (وقد استطعت‬
‫صيام شهرٍ غير شهر رمضان) والقيام بركعاتٍ كثيرةٍ في إحدى الليالي المتفرّقة‪ ،‬وعندما أتثاقل‬
‫أنظر لنفسي بعينٍ مشدوهة‪ ،‬ول أعرف خلصا من تقاعسي ول إهمالي‪ ،‬فهل لي من استشارةٍ آخذ‬
‫بها؟ أو حتى بشرحٍ ُيفَسّر لي ما الذي يحدث معي بالضبط؟‬
‫ولكم جزيل الشكر مع السف الشديد للطالة عليكم‪.‬‬
‫المستشار‬

‫الستاذة سميرة المصري‬


‫الرد‬
‫الخت الكريمة أحلم‬
‫السلم عليكم ورحمة ال وبركاته‬
‫لشكّ أنّ الخير متجذّرٌ في نفسك ودللته ذاك الشعور بالهمّ والندم الذي يتبع تكاسلك عن القيام‬
‫بالنوافل وعدم رضاك عما أنت فيه من الدبار‪ ،‬وهذا الشعور هو بداية العلج‪ ،‬ولست وحدك من‬
‫تلزمك هذه الحالة‪ ،‬فهذه طبيعة البشر جميعا‪.‬‬
‫حتى إنّ الصحابة الكرام كانوا يشكون من عدم دوام حالهم في القبال على ال‪ ،‬ففي الحديث‬
‫الشهير الذي رواه المامان أحمد ومسلم عن حنظلة الُسَيديّ –وكان من كُتّاب رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم‪ -‬قال‪ :‬لقيني أبو بكر فقال‪ :‬كيف أنت يا حنظلة؟ قال‪ :‬قلت‪ :‬نافق حنظلة‪ ،‬قال‪ :‬سبحان ال‪،‬‬
‫ما تقول؟ قال‪ :‬قلت نكون عند رسول ال صلى ال عليه وسلم يذكّرنا بالنار والجنّة حتى كأنّا رأيَ‬
‫عينٍ‪ ،‬فإذا خرجنا من عند رسول ال صلى ال عليه وسلم عافسنا –أي لعبنا‪ -‬الزواج والولد‬
‫والضيْعات‪ ،‬فنسينا كثيرا‪ ،‬قال أبو بكر‪ :‬فوال إنّا لنلقى مثل هذا‪ ،‬فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا‬
‫على رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬قلت‪ :‬نافق حنظلة يا رسول ال‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم‪" :‬وما ذاك؟" قلت‪ :‬يا رسول ال نكون عندك تذكّرنا بالنار والجنة حتى كأنّا رأيَ عين‪،‬‬
‫فإذا خرجنا من عندك عافسنا الزواج والولد والضيْعات نسينا كثيرا‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم‪" :‬والذي نفسي بيده‪ ،‬إنْ لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملئكة‬
‫على فُرُشكم وفي طرقكم‪ ،‬ولكن يا حنظلة ساعةٌ وساعة" ثلث مرات‪.‬‬
‫ن اليمان ل َيخْلِق في جوف أحدكم كما َيخْلِق الثوب فاسألوا ال‬
‫وكما جاء في الحديث النبويّ‪" :‬إ ّ‬
‫تعالى أن يجدّد اليمان في قلوبكم" رواه الطبرانيّ بإسنادٍ حسن‪.‬‬
‫وأنت أيتها الخت قد ذكرت في رسالتك أحد حلول مشكلتك في قولك‪" :‬كنت نشيطةً عندما كنت‬
‫مع مجموعةٍ من الصديقات المصلّيات‪ ،‬بل كنت النشط والداعية لقامة الصلة"‪ ،‬وهنا يكمن العلج‪،‬‬
‫بإيجاد الرفقة الصالحة التي تشدّ من أزرك وتثبّتك على الطاعة‪ ،‬والرسول صلى ال عليه وسلم‬
‫يدعونا لحسن الختيار‪ ،‬لنّ المرء على دين خليله‪ ،‬والحديث النبويّ يقول‪" :‬ل تصاحب إل مؤمنا‬
‫ول يأكل طعامك إل تقيّ"رواه الترمذيّ بإسنادٍ ل بأس به‪ ،‬والشيطان أقرب إلى الواحد وأبعد عن‬
‫الثنين‪ ،‬وأكثر بُعدا عن المجموعة المتآخية في ال التي تجتمع عليه وتفترق عليه‪ ،‬فأين صديقاتك‬
‫المصلّيات الن؟ ولماذا زهدتّ في صحبتهنّ؟ وإن كانت الظروف فرّقت جمعكنّ فعليك إيجاد‬
‫مثيلتهنّ‪.‬‬
‫ول تنسي أختي الكريمة أنّ مجاهدة النفس على قيام الليل في ثلثه الخير هي إحدى الوسائل‬
‫الفعّالة على شحن الروح وازدياد الرغبة في التقرّب إلى ال‪ ،‬لنّ ال فرض قيام الليل على الرسول‬
‫صلى ال عليه وسلم استعدادا لحمل تكاليف الرسالة قائلً له‪" :‬يا أيّها الم ّزمّل‪ ،‬قم الليل إل قليل‪،‬‬
‫نصفه أو انقص منه قليل"‪.‬‬
‫بالضافة إلى أنّ المسلم قد يُحرَم نعمة الطاعة بذنوبٍ يتهاون في فعلها أو صغائر ُيصِرّ عليها‪،‬‬
‫ج َعتْ إحدانا أعمالها يمكنها أن تتعرّف سريعا على سبب فتورها‪.‬‬‫وإذا را َ‬
‫ولي تجربةٌ شخصيّة‪ ،‬فقد أصبت بفتورٍ لم أعرف له سببا حتى اكتشفت بعد فتر ٍة تهاوني بالتزام‬
‫سنّة رسول ال صلى ال عليه وسلم في النوم على وضوء واعتماد الجانب اليمن‪ ،‬وبعد التزامي‬
‫خ ّففْتُ من عقدة الذنب التي كنت أستشعرها بعد كلّ‬
‫ي الهمّة للطاعة‪ ،‬وتَ َ‬
‫بهذا الهدي النبويّ عادت إل ّ‬
‫تقصير‪ ،‬كما أنّ سماع المحاضرات والطّلع على سيرة رسول ال صلى ال عليه وسلم تحفّز‬
‫المسلم على القبال على طاعة ال‪.‬‬
‫ول تغفلي ‪-‬أختي‪ -‬عن طلب عون ال‪ ،‬وسوف تنالين الحظوة عنده عندما تصدقين في الطلب‪.‬‬
‫أسأل ال لك كلّ التوفيق‪ ،‬ول تنسيني من دعوةٍ صالحة‪ ،‬لنّني أحببتُك في ال‪.‬‬
‫أختي الكريمة أحلم‬
‫ما حدّثتك به أستاذتنا الستاذة سميرة المصري كان حديث "الهمّة"‪ ،‬وهو ما نحتاجه دائما‪ ،‬ولكن‬
‫دعيني أحدّثك حديث "الفتور" إن صحّ التعبير‪ ،‬ولكنّي سأؤجّل ذلك لتحدّث أوّلً في نقطتين‪:‬‬
‫الولى‪ :‬طبيعة تعاملنا مع نفسنا البشريّة‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬كلّ ميسّرٌ لما خُلِق له‪.‬‬
‫الولى‪ :‬طبيعة تعاملنا مع نفسنا البشريّة‪:‬‬
‫من المعروف والملحظ والمشاهد أنّ النسان حين يلتزم‪ ،‬يكون في بداية التزامه نشيطا متلهّفا‬
‫مستعجل‪ ،‬يريد أن يقوم بكلّ الطاعات‪ ،‬ويتمسّك بكلّ السنن‪ ،‬ويقبض على كلّ القربات‪ ،‬يسابق الزمن‬
‫والحياة والناس كي يفعل كلّ شيء‪ ،‬ثمّ بعد فترةٍ تبدأ هذه الهمّة في الهدوء‪ ،‬وهذه الرغبة تبدأ في‬
‫التمهّل‪ ،‬ويبقى الواحد منّا أبد الدهر يذكر بداياته ويتمنّى لو يرجع إليها‪.‬‬
‫أقول هذا لؤكّد على أمرٍ نتعامل فيه دائما مع أنفسنا‪ ،‬وهو أن نأخذها بالشدّة دائما‪ ،‬ونكثر من‬
‫لومها والضغط عليها‪ ،‬فنصعّب المر عليها وعلينا‪ .‬هذا بالضبط ما فعلتِه مع نفسك يا أختي الكريمة‪،‬‬
‫سكِ في اللتزام بها في‬ ‫ت لومها‪ ،‬وحمّلتها بأعباء وطاعاتٍ كثيرة‪ ،‬قد تنجح نف ُ‬
‫شدّدتّ عليها‪ ،‬وأكثر ِ‬
‫البداية‪ ،‬ثمّ ما تلبث أن تفتر وتتعب‪ ،‬فيزيد غضبك عليها‪ ،‬ويكثر لومك لها‪ ،‬فيصل المر بك وبها إلى‬
‫ما تشعرين به الن من يأسٍ وضيقٍ وطريقٍ مسدود‪.‬‬
‫ن المنبتّ ل ظهرا أبقى ول أرضا قطع‪ ،‬فخفّفي الوطء قليلً أختي أحلم‪ ،‬وخذي المر‬ ‫إّ‬
‫بالتدرّج والتوالي‪ ،‬وخطوةً خطوة‪ ،‬وثقي أنّ النتائج ستكون أفضل وأحسن ممّا تتوقعّين‪ ..‬وال أعلم‪.‬‬
‫سرٌ لما خُلِق له‪:‬‬
‫الثانية‪ :‬كلّ مي ّ‬
‫ن قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول ال؛ فيما يعمل العاملون؟‬
‫روى المام البخاريّ عن عمران بن حصي ٍ‬
‫قال‪" :‬كلّ مُيَسّرٌ ِلمَا خُلِقَ له"‪ ،‬وروى المام مسلم نحوه‪.‬‬
‫أقول هذا لؤكّد على عدم تحميل النفس فوق طاقتها‪ ،‬فلكلّ امرئٍ مجاله الذي يبدع فيه وينطلق‬
‫منه‪ ،‬فلم نُخلَق كلّنا لنكون قوّام ليل‪ ،‬ولم يوجدنا ربّنا سبحانه لنكون كلّنا فرسانا في المعارك‪ ،‬ونظرةٌ‬
‫سريعةٌ في صحابة رسول ال صلى ال عليه وسلم تثبت ذلك‪ ،‬فلم يثبت عن خالد بن الوليد أنّه كان‬
‫صوّاما قوّاما‪ ،‬ولكن ثبت عنه أنّه كان فارسا مغوارا‪ ،‬ولم نعرف أبا الدرداء رضي ال عنه واليا أو‬
‫حاكما أو زعيما‪ ،‬وهو من هو في الزهد والورع والطاعة والعبادة‪ ،‬ورسولنا صلى ال عليه وسلم‬
‫يعلم ذلك جيّدا‪ ،‬ولذلك وضع كلّ إنسانٍ في مكانه الصحيح‪ ،‬ولم يطالب أحدا منهم بما لم يُخلَق له‪.‬‬
‫نعم كان على الجميع أن يقوموا بالطاعة بالقدر الذي يربطهم بربّهم سبحانه حقّ الرتباط‪ ،‬وقد‬
‫كانوا يقومون بذلك‪ ،‬ولكن ما طاعاتهم بخي ٍر ممّا خُلِقوا له وبرعوا فيه‪ ،‬ما داموا يقومون بذلك‬
‫إرضاءً لربّهم سبحانه وابتغاء فضله‪ ،‬ول دَرّ المام مالك بن أنس ما أفقهه‪ ،‬حين كان يعلّم الناس‬
‫ويفقّههم‪ ،‬فقام أحد المستمعين فصلّى ركعتين ثمّ عاد إلى الدرس‪ ،‬فقال له المام مالك‪" :‬ما الذي قمتَ‬
‫له بأفضل ممّا قمتَ عنه"‪.‬‬
‫هذا هو مفهوم "كلّ ميسّرٌ لما خُلِقَ له"‪ ،‬أن نقوم كلّنا بما خُلِقنا له مريدين به وجه ال تعالى‪ ،‬مع‬
‫عدم إغفالنا الحدّ الدنى –على القلّ‪ -‬من القربات‪.‬‬
‫وإذا كان المر كذلك‪ ،‬فلنسعَ إلى التقرّب من ال تعالى من خلل أمرين‪:‬‬
‫المر الوّل‪ :‬أن نتقرّب إليه سبحانه بما نحبّ من الطاعات‪ ،‬وما يؤثّر فينا أكثر‪ ،‬فكلّ امرئٍ منّا‬
‫له أنواع من الطاعات هو لها أحبّ‪ ،‬وهو منها أدنى وأقرب‪ ،‬وهي في نفسه أوقع‪ ،‬وكلّنا بالممارسة‬
‫قد عرف ذلك‪ ،‬فأكثري من العبادات التي تحبّين يا أختي الكريمة‪ ،‬فهذا أدعى لن تستمرّي ول‬
‫تتقطّعي فيها‪ ،‬كما أنّه أكثر تأثيرا في قلبك ونفسك‪ ،‬ممّا يشعرك بالقرب من ربّك سبجانه وتعالى‪ ،‬ويا‬
‫له من قريبٍ عزّ وجلّ‪.‬‬
‫المر الثاني‪ :‬القضيّة التي تحدّثت فيها كثيرا من قبل وسأبقى أتحدّث‪" :‬إيمان المعاملة"‪ ،‬نحن ل‬
‫نأخذ الزاد اليمانيّ يا أختي أحلم من العبادات والطاعات وقيام الليل وصيام النوافل وقراءة القرآن‬
‫ل فعلٍ خيّرٍ نقوم به‪ ،‬سواءً أفرادا أو مجموعات‪ ،‬إذا ساعدنا المحتاج‬ ‫فقط‪ ،‬نحن نأخذ هذا الزاد مع ك ّ‬
‫أخذنا الزاد‪ ،‬إذا أغثنا الملهوف أخذنا الزاد‪ ،‬إذا أصلحنا شيئا في حيّنا أو مجتمعنا أخذنا الزاد‪ ،‬إذا أتقنّا‬
‫عملنا وأخلصنا فيه أخذنا الزاد‪ ،‬إذا تعاونّا في الخير مع غيرنا أخذنا الزاد‪ ،‬وهكذا تكون كلّ حياتنا‬
‫زادا إيمانيّا يتكوّم ويتراكم داخلنا ما حيينا‪ ،‬حقّقي هذه النقطة في نفسك تحقّقي القرب من ربّك‬
‫سبحانه‪ ،‬وثانيةً يا له من قريبٍ عزّ وجلّ‪.‬‬
‫هاتان يا أختي وسيلتا العودة إلى ال تعالى‪ :‬عمل ما نحبّ من الطاعات‪ ،‬وإيمان المعاملة‪.‬‬
‫في ضوء النقطتين السابقتين أعود الن إلى حديث "الفتور"‪ ،‬وهو الحديث الذي يدور عندما‬
‫تكون نفسنا في حالة فتورٍ وكسل وضعف‪.‬‬
‫ل عملٍ شِرّة‪ ،‬ولكلّ شِرّة فترة‪ ،‬فمن كانت فترته إلى سنّتي فقد أفلح‪،‬‬
‫يقول صلى ال عليه وسلم‪" :‬لك ّ‬
‫ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك"رواه أحمد والبزّار ورجاله رجال الصحيح‪ ،‬والشّرّة هي‪ :‬النشاط‬
‫والرغبة‪ ،‬والفترة هي‪ :‬النكسار والضعف‪.‬‬
‫ن لكلّ شيءٍ شِرّة‪ ،‬ولكلّ شِ ّرةٍ فترة‪ ،‬فإنْ صاحِبها سدّدَ وقارَب‬
‫وروى الترمذيّ بسندٍ صحيح‪" :‬إ ّ‬
‫ن لكلّ‬‫فأرجوه‪ ،‬وإن أشير إليه بالصابع فل تعدّوه"‪ ،‬يقول المام المباركفوري في شرح الحديث‪(" :‬إ ّ‬
‫شيءٍ شِرّة) أي حرصا على الشيء ونشاطا ورغبةً في الخير أو الشرّ‪( ،‬ولكلّ شِ ّرةٍ فترة) أي وهَنا‬
‫وضعفا وسكونا‪( ،‬فإنْ) شرطيّة (صاحِبها سدّد وقارَب) أي جعل صاحب الشِرّة عمله متوسّطا‬
‫وتجنّب ط َرفَي إفراط الشّرّة وتفريط الفترة (فأرجوه) أي أرجو الفلح منه فإنّه يمكنه الدوام على‬
‫ب العمال إلى ال أدومها (وإن أشير إليه بالصابع) أي اجتهد وبالغ في العمل ليصير‬ ‫الوسط‪ ،‬وأح ّ‬
‫مشهورا بالعبادة والزهد وصار مشهورا مشارا إليه (فل تعدّوه) أي ل تعتدّونه ول تحسبوا من‬
‫الصالحين لكونه مرائيا‪ ،‬ولم يقل فل ترجوه إشارة إلى أنه قد سقط ولم يمكنه تدارك ما فرط"‪.‬‬
‫شاهدي من كلّ هذا أمران‪:‬‬
‫المر الوّل‪ :‬أنّ من طبيعة النفس التقلّب‪ ،‬هكذا خلقها ال تعالى‪ ،‬وهكذا أرداها سبحانه أن‬
‫تكون‪ ،‬فما المطلوب منّا في فترة الفتور؟ المطلوب هو المر الثاني‪.‬‬
‫المر الثاني‪ :‬في حالة الضعف والفتور‪ ،‬المطلوب أن نُبقِي على الحدّ الدنى من الطاعات‪ ،‬وأل‬
‫نقع في المعاصي‪ ،‬وهو ما عبّر عنه الحديث الوّل بـ "فمن كانت فترته إلى سنّتي فقد أفلح"‪ ،‬أي‬
‫التزام أوامر رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وهو ما قال فيه الحديث الثاني‪" :‬سدّد وقارَب"‪ ،‬وقد‬
‫عبّر عنه المام المباركفوريّ بـ "جعل عمله متوسّطا"‪ ،‬فالحفاظ على النفس من الوقوع في الخطأ‬
‫والتوسّط في مرحلة الفتور ل الضغط ول الهمال‪ ،‬هما الحلّ‪.‬‬
‫كان هذا حديث "الفتور"‪ ،‬فإذا ما شدّت النفس بعد ذلك نعود إلى حديث "الهمّة" الذي تفضّلت به‬
‫الستاذة سميرة‪.‬‬
‫وأؤكّد أخيرا على ما أكّدته الستاذة سميرة‪ ،‬وهو ضرورة وجود الصحبة الصالحة التي تعين‬
‫وتساعد وتقوّي وتحمّس‪.‬‬
‫أعانك ال أختي أحلم‪ ،‬وحقّق أحلمك بأن تعودي كما كنتِ وأفضل‪ ،‬ووالينا بتطوّرات نفسك‬
‫أعزّك ال وحفظك‪ ...‬المحرر‪.‬‬

‫داء ودواء‬
‫المّة العالية‪ :‬كن رجلً ل ُرجَيْل‬
‫السؤال‬
‫كيفيّة تُحقّق الهمّة العالية لكلّ مسلم؟ أريد أمثلةً من السيرة‪ ،‬وبعض أسماء كتبٍ تتكلّم في نفس‬
‫الموضوع‪.‬‬
‫المستشار‪:‬‬

‫فريق الستشارات الدعوية‬


‫الرد‬
‫يقول الدكتور محمّد منصور من فريق الستشارات‪:‬‬
‫"أخي الكريم مصطفى‪،‬‬
‫موضوع الهمّة هذا ذو شقّين‪:‬‬
‫‪ -1‬السباب التي تعين على تحقيق الهمّة‪.‬‬
‫‪ -2‬العوائق التي تف ّ‬
‫ت الهمّة وتضعفها‪.‬‬
‫أمّا السباب التي تعين على تحقيق الهمّة العالية للمسلم في حياته كثيرة‪ ،‬وأمثلتها من السيرة‬
‫كثيرة‪ ،‬نذكر منها‪:‬‬
‫‪ - 1‬حبّ ال ورسوله‪ ،‬وحبّ جنّته‪ ،‬واليقين بها والشوق إليها‪:‬‬
‫عن أنس رضي ال عنه قال‪ :‬انطلق رسول ال صلى ال عليه وسلم وأصحابه حتى سبقوا‬
‫المشركين إلى بدر‪ ،‬وجاء المشركون‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬ل يقدمَنّ أحدٌ منكم إلى‬
‫شيءٍ حتى أكون أنا دونه"‪ ،‬فدنا المشركون‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪":‬قوموا إلى جنّةٍ‬
‫حمَام النصاريّ رضي ال عنه‪ :‬يا رسول ال‪،‬‬ ‫عمَيْر بن ال ُ‬
‫عرضها السماوات والرض"‪ ،‬قال‪" :‬يقول ُ‬
‫جنّةٌ عرضها السماوات والرض؟! قال‪" :‬نعم"‪ ،‬قال‪" :‬بَخٍ بَخ"‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫"ما يحملك على قولك بَخٍ بَخ؟!" قال‪ :‬ل وال يا رسول ال إل رجاء أن أكون من أهلها‪ ،‬قال‪" :‬فإنّك‬
‫من أهلها"‪ ،‬فأخرج تمراتٍ من قَرْنه فجعل يأكل منهنّ‪ ،‬ثم قال‪ :‬لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه‬
‫إنّها لحياةٌ طويلة! فرمى بما كان معه من التمر‪ ،‬ثم قاتلهم حتى قُتِل‪.‬رواه مسلم‪.‬‬
‫فحبّه ل ورسوله وتصديقه بهما‪ ،‬ويقينه بقيمة الجنّة وشوقه إليها‪ ،‬كلّ ذلك كان حافزا له‬
‫لتحصيل الثواب ولتخاذ أسباب الوصول لعلى درجاتها‪ ،‬مع الصبر على ذلك‪" :‬إنّما ُي َوفّى‬
‫الصابرون أجرهم بغير حساب"‪.‬‬
‫‪ - 2‬الخوف من النار‪ ،‬واليقين بعذابها‪:‬‬
‫عن أنس رضي ال عنه قال‪ :‬خطبنا رسول ال صلى ال عليه وسلم خطبةً ما سمعتُ مثلها‬
‫قط‪ ،‬فقال‪" :‬لو تعلمون ما أعلم‪ ،‬لضحكتم قليل‪ ،‬ولبكيتم كثيرا"‪ ،‬فغطّى أصحاب رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم وجوههم ولهم خنين"‪.‬رواه البخاري‪ ،‬خنين‪ :‬أي بكاءٌ مع صوتٍ وانتشاقٍ من النف‪.‬‬
‫فقد دفعهم يقينهم بالنار وخوفهم من عذابها إلى النطلق في اللتزام بالسلم وحمايته ودعوة‬
‫الناس إليه‪.‬‬
‫‪ – 3‬تذكّر عِظَم الرسالة التي تحملها‪:‬‬
‫فأنت يا أخي المسلم صاحب أعلى لوا ٍء على الرض‪ ،‬ودينك هو الذي ل يأتيه الباطل من بين‬
‫يديه ول من خلفه‪ ،‬كيف ل وهو مرتبطٌ مباشرةً بالعزيز الغالب سبحانه‪ ،‬ويا له من ارتباط‪.‬‬
‫ودينٌ عظيمٌ بهذه الدرجة يحتاج إلى رجالٍ عظام‪ ،‬ومهمّة الدعوة إلى دين ال تعالى هي أعلى‬
‫المهمّات وأشرفها‪ ،‬يقول ابن الجوزيّ رحمه ال‪" :‬ألست تبغي القرب منه؟ فاشتغل بدللة عباده عليه‪،‬‬
‫فهي حالت النبياء عليهم السلم‪ ،‬أما علمتَ أنّهم آثروا تعليم الخلق على خلوات التعبّد‪ ،‬لعلمهم أنّ‬
‫ذلك آثر عند حبيبهم؟ هل كان شغل النبياء إل معاناة الخلق‪ ،‬وحثّهم على الخير ونهيهم عن الشرّ؟"‪،‬‬
‫ويؤكّد ذلك المام ابن القيّم رحمه ال فيقول‪" :‬الشجاع الشديد الذي يهاب العدو سطوته‪ :‬وقوفه في‬
‫الصف ساعة‪ ،‬وجهاده أعداء ال‪ ،‬أفضل من الحجّ والصوم والصدقة والتطوّع‪ ،‬والعالِم الذي قد‬
‫عرف السنّة‪ ،‬والحلل والحرام‪ ،‬وطرق الخير والشرّ‪ :‬مخالطته للناس وتعليمهم ونصحهم في دينهم‪،‬‬
‫أفضل من اعتزاله وتفريغ وقته للصلة وقراءة القرآن والتسبيح"‪ ،‬ويقول المام عبد القادر الكيلني‬
‫رحمه ال‪" :‬هذه ‪-‬أي الدعوة‪ -‬هي الغاية القصوى في بني آدم‪ ،‬ل منزلة تفوق منزلته إل النبوة"‍‪.‬‬
‫‪ -4‬النتماء إلى "العزيز" سبحانه‪:‬‬
‫انتمِ إلى ربّك العزيز سبحانه‪ ،‬انظر في قيمة ما تحمل‪ ،‬تزدد عزّا وفخرا‪ ،‬يقول تعالى‪" :‬ول‬
‫العزّة ولرسوله وللمؤمنين ولكنّ المنافقين ل يعلمون" ويقول جلّ شأنه‪" :‬الذين يتّخذون الكافرين أولياء‬
‫من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزّة فإنّ العزّة ل جميعا"‪ ،‬ويقول سبحانه‪ " :‬ول يحزنك قولهم إنّ‬
‫ل وعل‪" :‬من كان يريد العزّة فلله العزّة جميعا"‪ ،‬وقد‬‫العزّة ل جميعا وهو السميع العليم"‪ ،‬ويقول ج ّ‬
‫وصف ربّنا سبحانه نفسه بـ"العزيز" في أكثر من تسعين موضعا في القرآن الكريم‪ ،‬كما علّمنا‬
‫رسولنا صلى ال عليه وسلم وصحابته الكرام رضوان ال عليهم العزّة بأفعالهم‪ ،‬فلم يعطوا الدنيّة من‬
‫دينهم‪ ،‬وقاتلوا حتى تكون كلمة ال هي العليا‪ ،‬وكلمة الذين كفروا السفلى‪ ،‬ولم يهدأ لهم بالٌ حتى‬
‫أعلى ال بهم دينه ولواءه‪ ،‬وكذلك فعل النبياء السابقون عليهم السلم‪.‬‬
‫فهذه هي مكانة العزّة في ديننا‪ ،‬ربّ عزيزٌ سبحانه‪ ،‬أمرنا أل نعطي الدنيّة من ديننا‪ ،‬ونهانا عن‬
‫الذلّة والمهانة‪ ،‬بل ونهانا عن كلّ ما يؤدي لذلك‪ ،‬قال صلى ال عليه وسلم‪" :‬ما يزال الرجل يسأل‬
‫الناس‪ ،‬حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم"رواه البخاريّ ومسلم‪ ،‬والمرّة الوحيدة التي‬
‫سمح لنا ربّنا فيها بالذلّة هي مع إخواننا المسلمين‪" :‬يا أيّها الذين آمنوا من يرتدّ منكم عن دينه فسوف‬
‫يأتي ال بقومٍ يحبّهم ويحبّونه أذلّةٍ على المؤمنين أع ّزةٍ على الكافرين يجاهدون في سبيل ال ول‬
‫يخافون لومة لئم ذلك فضل ال يؤتيه من يشاء وال واسعٌ عليم"‪ ،‬وهذه الية العظيمة تحتاج إلى‬
‫وقفة‪ :‬فالقوم الذين يحبّهم ال تعالى وسوف يأتي بهم بدلً ممن ارتدّوا عن دينهم‪ ،‬من شروطهم أن‬
‫عظَم هذا‬
‫يكونوا أع ّزةً ول يخافون لومة لئم ول يذلّون إل لخوانهم‪ ،‬أل تكفي هذه الية للتدليل على ِ‬
‫الدين ورقيّه وعلى اشتراطه العزّة كشرطٍ أساسيّ للمنتمين إليه؟‬
‫انتمِ إلى العزيز سبحانه‪ ،‬وستجد همّتك تطاول عنان السماء‪.‬‬
‫‪ -5‬الوفاء بالوعد مع ال ورسوله وإسلمه‪:‬‬
‫فالمسلم من نطق الشهادتين بصدقٍ كان بينه وبين ربّه ورسوله وإسلمه وعدٌ بأن يتمسك بدينه‪،‬‬
‫ويحافظ عليه‪ ،‬ويدافع عنه‪ ،‬وينشره لغيره‪ ،‬وهذا الوعد ُيعِين النفس على السعي لتنفيذه خوفا من‬
‫إخلفه‪ ،‬وحبّا في ثواب الوفاء به‪.‬‬
‫عن أنس رضي ال عنه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم أخذ سيفا يوم أُحُد‪ ،‬فقال‪" :‬من يأخذ‬
‫منّي هذا؟" فبسطوا أيديهم‪ ،‬كلّ إنسانٍ يقول‪ :‬أنا أنا‪ ،‬قال‪" :‬فمن يأخذه بحقّه؟" فأحجم القوم‪ ،‬فقال أبو‬
‫دجانة رضي ال عنه‪ :‬أنا آخذه بحقّه‪ ،‬فأخذه ففَلَق به هام المشركين"‪.‬رواه مسلم‪.‬‬
‫‪ -6‬الشعور المؤلم بالتقصير‪ ،‬ومحاولة التعويض‪:‬‬
‫فاستشعار مقدار الثواب الذي يفوت المسلم بسبب تقصيره أو غفلته أو إعراضه أو نسيانه أو‬
‫نحو ذلك يكون دافعا له للعمل من أجل تعويض ما فاته‪.‬‬
‫عن أنس رضي ال عنه قال‪" :‬غاب عمّي أنس بن النضر رضي ال عنه عن قتال بدرٍ فقال‪ :‬يا‬
‫رسول ال غبت عن أوّل قتالٍ قاتلتَ المشركين‪ ،‬لئن ال أشهدني قتال المشركين لَيَرَيَنّ ال ما أصنع‪،‬‬
‫فلما كان يوم ُأحُدٍ انكشف المسلمون‪ ،‬فقال‪ :‬اللهمّ إنّي أعتذر إليك ممّا صنع هؤلء ‪-‬يعني أصحابه‪-‬‬
‫وأبرأ إليك ممّا صنع هؤلء ‪-‬يعني المشركين‪ -‬ثم تقدّم فاستقبله سعد بن معاذ فقال‪ :‬يا سعد بن معاذ‪،‬‬
‫الجنّة وربّ النضر‪ ،‬إنّي أجد ريحها من دون ُأحُد‪ ،‬فقال سعد‪ :‬فما استطعتُ يا رسول ال ما صنع‪،‬‬
‫قال أنس‪ :‬فوجدنا به ِبضْعا وثمانين ضربةً بالسيف أو طعنةً برمحٍ أو رميةً بسهم‪ ،‬ووجدناه قد قُتِل‬
‫ومثّل به المشركون‪ ،‬فما عرفه أحدٌ إل أخته ببنانه‪ ،‬قال أنس‪ :‬كنّا نرى أو نظنّ أنّ هذه الية نزلت‬
‫فيه وفي أشباهه‪" :‬من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا ال عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من‬
‫ينتظر وما بدّلوا تبديل"رواه البخاريّ ومسلم‪.‬‬
‫‪ -7‬البشريات‪:‬‬
‫فمن طباع البشر أنّ النجاح يدفع إلى مزيدٍ من النجاح‪ ،‬فما نراه الن من بدايات العودة ل‬
‫تعالى والسلم ممثّلةً في انتشار الحجاب‪ ،‬ومراكز حفظ القرآن‪ ،‬وامتلء المساجد بالمصلّين‪،‬‬
‫والمدارس السلمية‪ ،‬وانتشار الخلق بين الناس‪ ،‬وعودة روح الجهاد والدفاع عن السلم‬
‫ونصرته‪ ،‬وإعادة عزّته‪ ،‬كلّ ذلك وغيره من ال ُبشْرَيات الكثيرة ‪-‬رغم أنّها كلّها ما زالت بدايات‪-‬‬
‫يدفع إلى مزيدٍ من العمل والنجاز حتى يُتمّ ال نصره‪.‬‬
‫ل في قصّة دعوة مصعب بن عمير رضي ال عنه لهل المدينة للدخول في السلم ما يدلّ‬ ‫ولع ّ‬
‫على ذلك؛ إذ أرسله الرسول صلى ال عليه وسلم مع الذين بايعوه في بيعة العقبة الولى حين أتَوا‬
‫للحجّ وكانوا اثنا عشر فردا ليعلّمهم إسلمهم‪ ،‬فانتقل من بيتٍ لخر يدعو فآمن من آمن‪ ،‬وكان ذلك‬
‫دافعا له لمزيد من توصيل دعوة ال تعالى‪ ،‬حتى جاء حجّ العام الذي بعده فبايع فيه سبعون رجلً‬
‫وامرأتان رسولَ ال صلى ال عليه وسلم بيعة العقبة الثانية على الدفاع عنه وعن دعوته‪ ،‬ثم انتشر‬
‫السلم شيئا فشيئا بعد ذلك‪.‬‬
‫كذلك لما أسلم عمر بن الخطاب رضي ال عنه بمكّة كانت هذه البُشرى دافعا للمسلمين لمزيدٍ‬
‫من نشر دعوة السلم والجهر بها‪.‬‬
‫‪ - 8‬التواجد في وسط الصالحين‪ ،‬والتعاون معهم‪:‬‬
‫فيُعين بعضهم بعضا على زيادة اليمان بالطاعة كالصلة والصوم والذكر والتدبّر وقراءة‬
‫القرآن وغيره‪ ،‬ويحضّ بعضهم بعضا عند النسيان‪ ،‬ويشارك بعضهم بعضا عند الدعوة لدينهم‪،‬‬
‫ويقوّي بعضهم بعضا عند الدفاع عنه‪ ،‬فقد كان هذا هو فعل الصحابة رضوان ال عليهم أجمعين‪،‬‬
‫فقد كانوا يلتقون في صلوات الجماعة‪ ،‬ويتدارسون القرآن‪ ،‬ويشتركون في الفراح والحزان‪،‬‬
‫ويعملون ويتاجرون ويجاهدون‪ ،‬فأصبحت حياتهم كلّها همّةً ونشاطا‪ ،‬وأحسنوا إعمار الكون وخلفة‬
‫ال تعالى فيه‪.‬‬
‫‪ -9‬القراءة في رفع الهمّة‪:‬‬
‫وهي كثيرة‪ ،‬حفلت بها كتبنا‪ ،‬وامتلت بها أسفارنا‪ ،‬فقط افتح وطالع واقرأ‪ ،‬فأنصحك بالقراءة‬
‫في كتب الرقائق وتزكية النفس‪ ،‬إذ فيها الكثير من الحديث عن الهمّة‪ ،‬وأخصّ بالذكر كتابات المام‬
‫ابن قيّم الجوزيّة والحارث المحاسبي رحمه ال‪ ،‬وشيخ زهّاد بغداد الشيخ عبد القادر الكيلني‪،‬‬
‫والستاذ مصطفى صادق الرافعي‪.‬‬
‫ودعني أذكّرك ببعض الدبيّات التي وردت في ذلك‪:‬‬
‫حوَيْجة –تصغير حاجة‪ ،-‬فقال‪ :‬ابحث لها عن ُرجَيْل –تصغير‬
‫‪ -‬قيل لحد التابعين‪ :‬أريدك في ُ‬
‫رجل‪.‬‬
‫فأصحاب الهمم العالية هم للمور العظام ل الحاجات الصغيرة‪.‬‬
‫‪ -‬مجموعةٌ من الشعار في رفع الهمم‪:‬‬
‫يقول المتنبّي‪:‬‬
‫‪ -‬سبحان خالِق نفسي كيف لذّتها……‪ .‬فيما النفوس تراه غايةَ اللمِ‬
‫الدهر يعجب من حملي نوائبه……‪ .‬وصبر جسمي على أحداثه الحطمِ‬
‫‪ -‬وما الدهر إل من رُوا ِة قصـائدي…‪ ….‬إذا قلتُ شعرا أصبح الدهر منشدا‬
‫ي مغَرّدا‬
‫وسـار به من ل يسـير مشمّرا……‪ .‬وغنّـى به من ل يغن ّ‬
‫‪ -‬ذريني أنل ما ل يُنال من العلى……‪ .‬فصعبُ العُلى في الصعب والسهل فيالسهلِ‬
‫تريدين لقيان المعالي رخيصةً……‪ .‬ولبدّ دون الشهد من إبَر النحلِ‬
‫‪ -‬وإذا كانت النفوس كبارا……‪ .‬تعبت في مرادها الجسامُ‬
‫‪ -‬إذا غامرتَ في شرفٍ مرومِ……‪ .‬فل تقنع بما دون النجومِ‬
‫ويقول طرَفة‪:‬‬
‫إذا القوم قالوا‪ :‬من فتى؟ خِ ْلتُ أنّني……‪ .‬عُنيتُ فلم َأجْبُن ولم أتبلّدِ‬
‫وغير ذلك كثير‬
‫ت الهمّة وتضعفها‪ ،‬ويمكن تلخيصها‬
‫هذه وسائل رفع الهمّة‪ ،‬وبقي الحديث عن العوائق التي تف ّ‬
‫في أمورٍ أربع‪:‬‬
‫‪ -1‬الوقوع في الذنوب والمعاصي‪:‬‬

‫‪ -2‬الفتور والملل‪:‬‬

‫‪ -3‬اعتلء سحب اليأس‪:‬‬

‫‪ -4‬نقص الثقة في النفس‪:‬‬

‫أخي الكريم‪:‬‬
‫ب في‬ ‫ي كتا ٍ‬
‫إضافةً إلى ما سبق‪ ،‬فإنّ لك في كتب السيرة الزاد‪ ،‬ولو اطّلعت على أيّ بابٍ من أ ّ‬
‫السيرة؛ لمواقف لرسول ال صلى ال عليه وسلم أو لصاحبته الكرام إل وستس َتخْرِج أنت منه همّةً‬
‫وعملً وإنجازًا وتفاؤل‪ ،‬فما عليك إل أن تتدبّر في معانيه وتطبّقها في حياتك‪.‬‬
‫جزاكم ال عن السلم والمسلمين خيرا‪ ،‬ونتمنّى مداومة التّصال بنا"‪.‬‬
‫داء ودواء‬
‫الرياء‪َ ..‬أوْل الناس بالدعوة‪ ..‬وأشياء أخرى‬
‫السؤال‪:‬‬
‫بعد السلم والتحيّة‪ ،‬كيف تكون الدعوة إلى ال خالصةً لوجهه تعالى خاليةً من الرياء والسمعة؟‬
‫ومن هم َأوْلى الناس بالدعوة؟ وما الرأي في من يحاول التعرّف على امرأةٍ بقصد هدايتها ثمّ الزواج‬
‫منها‪ ،‬مع العلم أنّها على طريقٍ غير سليم؟‬
‫شاكرا لكم حسن التعاون‪.‬‬
‫المستشار‪:‬‬

‫الشيخ ناظم المسباح‬


‫الرد‬
‫الرياء والحرص على الشهرة من الفات التي إذا أصابت الداعية إلى ال‪ ،‬أدّت إلى عدم قبول‬
‫العمل لدى ال عزّ وجلّ‪ ،‬ومن ثمّ فقدان الجر وضياع الثواب‪ ،‬والرسول صلى ال عليه وسلم يقول‪:‬‬
‫"من تعلّم علما مما يُبتغَى به وجه ال ل يتعلّمه إل ليصيب به عَرَضا من الدنيا‪ ،‬لم يجد عُرفَ الجنّة‬
‫يوم القيامة" ‪ -‬يعني ريحها‪-‬رواه أبو داود والحاكم‪ ،‬وقال‪ :‬هذا حديثٌ صحيح‪.‬‬
‫وخير ما يوصل النسان إلى رضا ال سبحانه وتعالى أن يبتغي بعلمه ودعوته وجه ال مخلصا‬
‫له الدين‪ ،‬بعيدا عن شهوات حبّ الظهور والمناصب والجاه والمادّة‪ ،‬وهذا يعني أنّ الدعوة إلى ال‬
‫إذا أراد بها الداعية عَرَض الدنيا وأن يصبح ملء السمع والبصر في نظر الناس كانت وبالً شديدا‬
‫عليه‪ ،‬وإذا أراد بها مرضاة ال ونفع المة والرتقاء بأبنائها نال ثوابا عظيما ودرجاتٍ رفيعةً في‬
‫الدنيا والخرة‪ ،‬واستطاع أن يمتلك قلوب من يدعوهم‪.‬‬
‫ن أول‬ ‫وعن أبي هريرة رضي ال عنه قال‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪" :‬إ ّ‬
‫الناس يقضى يوم القيامة عليه‪ ،‬رجلٌ استشهد فأُتي به فعرّفه نعمته فعرفها‪ ،‬قال‪" :‬فما عملت فيها؟"‬
‫قال‪ :‬قاتلت فيك حتى استشهدت‪ ،‬قال‪" :‬كذبت‪ ،‬ولكنّك قاتلت لن يقال جريء‪ ،‬فقد قيل"‪ ،‬ثم ُأمِر به‬
‫فسُحِب حتى ألقي في النار‪ ،‬ورجلٌ تعلّم العلم وعلّمه‪ ،‬وقرأ القرآن‪ ،‬فأُتي به فعرّفه نعمته فعرفها‪،‬‬
‫قال‪" :‬فما عملت فيه؟" قال‪ :‬تعلّمت العلم وعلّمته‪ ،‬وقرأت فيك القرآن قال‪" :‬كذبت‪ ،‬ولكنّك تعلّمت‬
‫ليقال هو قارئ‪ ،‬فقد قيل"‪ ،‬ثم ُأمِر به فسُحِب على وجهه حتى ألقي في النار‪ ،‬ورجلٌ وسّع ال عليه‬
‫وأعطاه من أضعاف المال‪ ،‬فأُتي به فعرّفه نعمته فعرفها‪ ،‬قال‪" :‬فما عملت فيها؟" قال‪ :‬ما تركتُ من‬
‫سبيلٍ تحبّ أن يُنفَق فيها إل أنفقت فيها لك‪ ،‬قال‪" :‬كذبت‪ ،‬ولكنّك فعلت ليقال هو جواد‪ ،‬فقد قيل"‪ ،‬ثم‬
‫ُأمِر به فسُحِب على وجهه حتى ألقي في النار"رواه مسلم‪.‬‬
‫هذا الحديث يوضّح إلى أي مدى يكون فضل الخلص ل والنيّة الصادقة في جميع العمال‪،‬‬
‫وخطورة وشؤم النيّة السيّئة‪.‬‬
‫أمّا كيفيّة التخلّص من آفات الرياء وحبّ الشهرة‪ ،‬فإنّما تأتي بالتطهّر من المراض الباطنيّة‬
‫التي تصيب القلب‪ ،‬ومنها‪ :‬الكِبْر والتكبّر‪ ،‬والخُيَلء‪ ،‬والعُجْب‪ ،‬والغضب‪ ،‬والحسد‪ ،‬والمراض‬
‫الظاهريّة‪ ،‬ومنها‪ :‬الغَيْبة‪ ،‬والكذب‪ ،‬والظلم‪.‬‬
‫ي ل يكون إل بالورع والتقوى‪ ،‬قال‬ ‫والتطهّر من هذه المراض بنوعيها الظاهريّ والباطن ّ‬
‫تعالى‪" :‬وتزوّدوا فإنّ خير الزاد التقوى"‪ ،‬وملزمة كتاب ال وسنّة رسوله عملً وتطبيقا‪ ،‬واستحضار‬
‫ل عملٍ يقوم به الداعية‪ ،‬والتزوّد بالعلم‪ ،‬ومعرفة الحكام الشرعيّة‪ ،‬وخطورة العمل من‬
‫النيّة في ك ّ‬
‫أجل الناس كما ورد في الحديث السابق‪ ،‬ومصادقة الخيار من أهل العلم والتُقَى والهدى‪.‬‬
‫أمّا َأوْلى الناس بالدعوة‪ :‬فإنّ الدعوة في هذا العصر ينبغي أن يقوم بها كلّ مسلم؛ انطلقا من‬
‫قول الرسول صلى ال عليه وسلم‪" :‬بلّغوا عنّي ولو آية"رواه البخاري‪ ،‬وذلك في حدود معارف القائم‬
‫بأعمال الدعوة‪.‬‬
‫أمّا ترتيب الناس في مجال وجوب الدعوة عليهم فل شكّ أنّ هناك مستويات‪:‬‬
‫‪ -‬المستوى الول‪ :‬العلماء‪ ،‬وهم ورثة النبياء‪ ،‬وعليهم يقع العبء الكبر في توصيل الدعوة‪،‬‬
‫وكلّ عالمٍ سوف يُسأَل عن علمه يوم القيامة وهل بلّغ هذا العلم أم بخل به وتكاسل عن القيام بمهام‬
‫الدعوة‪ ،‬أو تأثّر بالسلطان وخضع لسياساته‪.‬‬
‫‪ -‬المستوى الثاني‪ :‬طلبة العلم الشرعيّ‪ ،‬وهم بحكم تخصّصهم ودراساتهم واجبٌ عليهم أل‬
‫يتردّدوا في القيام بمهامّ الدعوة على التوازي مع مواصلة تحصيل العلم الشرعيّ‪ ،‬وهؤلء هم علماء‬
‫الغد‪ ،‬وعليهم أن يتمرّسوا على العمل في مجال الدعوة‪.‬‬
‫‪ -‬المستوى الثالث‪ :‬الدعاة‪ ،‬وهم هؤلء الناس الذين صدقوا في القول‪ ،‬وتخلّقوا بأخلق‬
‫السلم‪ ،‬وحملوا َهمّ الدعوة وضحّوا من أجلها‪ ،‬وانتشروا في دوائر مختلفةٍ ومحيطاتٍ متعدّدة‪ ،‬ومنهم‬
‫الطبيب والمهندس والمدرّس والمحامي والعامل وغيرهم‪ ،‬داعين إلى الحقّ ورافعين راية السلم في‬
‫كلّ ميدان‪.‬‬
‫‪ -‬المستوى الرابع‪ :‬جميع المسلمين مدعوون إلى القيام بأمر الدعوة والقتداء بمن سبقوهم من‬
‫الصحابة رضوان ال عليهم‪.‬‬
‫أمّا من أراد التعرّف على امرأةٍ بقصد هدايتها من أجل الزواج منها رغم أنّها على طريقٍ غير‬
‫سليم‪ ،‬فننصح هذا الخ بأن يرتبط من باب َأوْلى بالخوات الملتزمات وما أكثرهنّ‪ ،‬والنبيّ صلى ال‬
‫طفِكم‪ ،‬وأنكحوا الكْفَاء" أخرجه ابن ماجه عن السيّدة عائشة وصحّحه‬
‫عليه وسلم يقول‪ " :‬تخيّروا ل ُن َ‬
‫الحاكم‪ ،‬وأخرجه أبو ُنعَيم عن عمر رضي ال عنه وفي إسناده مقال‪ ،‬قال المام ابن حجر‪" :‬ويقوّى‬
‫أحد السنادين بالخر"‪.‬‬
‫ويقول صلى ال عليه وسلم في موضعٍ آخر‪" :‬فاظفر بذات الدين تَرِ َبتْ يداك"متّفقٌ عليه‪ ،‬لكنّ‬
‫الخ السائل لم يوضّح الطريق "غير السليم" الذي تسلكه هذه المرأة‪ ،‬وما الذي يدعوه إلى الزواج‬
‫منها‪ ..‬هل لمجرّد هدايتها أم لغراضٍ واعتباراتٍ أخرى؟‬
‫على أيّة حال‪ ،‬فإن أمِن هذا الخ عدم الوقوع في الفتنة‪ ،‬خاصّةً أنّ هذه المرأة غير حسنة‬
‫الخُلُق‪ ،‬فل بأس أن يدعوها من خلل إهدائها شريط كاسيت يعالج الخلل الذي تقع فيه‪ ،‬أو كتابا يبيّن‬
‫لها خطورة تماديها في هذا الطريق غير السليم‪ ،‬أو دعوتها بشكلٍ مباشرٍ عن طريق أخته أو أمّه أو‬
‫غير ذلك من الوسائل المأمونة التي ل توقعه في حرجٍ شرعيّ‪.‬‬
‫وال الموفّق وهو الهادي إلى سواء السبيل‪.‬‬
‫وبإجابة فضيلة الشيخ ناظم المسباح أكرمه ال تعالى‪ ،‬أذكر أخيرا أنّنا سبق أن تحدّثنا في‬
‫موضوع الرياء في استشارةٍ سابقة‪ ،‬وفيها تمّ التطرّق إلى بعض الخطوات العمليّة في علج الرياء‪،‬‬
‫وعنوان هذه الستشارة‪:‬‬
‫‪ -‬ويمنعني الرياء‬
‫وفّقك ال‪ ،‬ومرحبا بك دائما‪ ...‬المحرر‪.‬‬

‫داء ودواء‬
‫رياء البدايات والنهايات‪ ..‬بل عاجل بشرى الؤمن‬
‫السؤال‪:‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‪ ،‬السلم عليكم ورحمة ال وبركاته‪،‬‬
‫في البداية أشكر سيادتكم على هذا العمل العظيم‪ ،‬وأتمنّى من ال أن يكون في ميزان حسناتكم‪.‬‬
‫الستشارة عندي هو أنّه في بعض الحيان يتسلّل إلى قلبي بعض الفكار الشيطانيّة التي هي‬
‫أصلً ليست من تكوين شخصيّتي‪ ،‬ففي بعض الحيان عندما أعمل عملً ل أبتغي فيه سوى مرضاة‬
‫ال وتكون نيّتي خالص ًة لفعل هذا العمل سواء كان أمرا بمعروفٍ أو نهيا عن منكر‪ ،‬أشعر بهذه‬
‫الفكار تدخل قلبي‪ ،‬يعني على سبيل المثال وليس الحصر‪ :‬عندما أذهب لكي أصلّي في المسجد‬
‫وليس في نفسي أيّ شيءٍ سوى أداء فريضة الصلة‪ ،‬تأتي هذه الهواجس وتقول لنفسي‪ :‬إنّ الناس‬
‫ستقول عنك بأنّك مصلّ‪ ،‬وإذا أخرجت مالً على سبيل الزكاة أو الصدقة‪ ،‬وإذا بهذه الفكار تأتي‬
‫وتقول لنفسي بأنّ الناس ستقول عليك كريما‪ ،‬وعندما أقول لحدٍ نصيحةً أيّا كانت هذه النصيحة تأتي‬
‫هذه الفكار م ّرةً أخرى وتقول بأنّ هذا الشخص سيمدحك ويُعجَب بك وبأسلوبك‪.‬‬
‫ولكن مع ملحظة أنّني أعمل هذه العمال ليس فقط إل ابتغاء مرضاة ال‪ ،‬ولكن ل أدري من‬
‫أين تأتي هذه الفكار الشيطانيّة‪ ،‬فإنّني أخشى أل تُتَقبّل هذه العمال منّي‪ ،‬وذلك لنّ العمال‬
‫بالنيّات‪ ،‬وأخشى أكثر بأن أندرج تحت طائفة المنافقين فتصبح هذه الفكار ذات تأثيرٍ سلبيّ على‬
‫علقتي بربّي‪.‬‬
‫فماذا أفعل وأنا بصدد هذه المشكلة الكبيرة؟ وما الحلّ القاطع لها؟ أفيدوني أفادكم ال‪.‬‬
‫وجزاكم خيرا‪ ،‬والسلم عليكم ورحمة ال وبركاته‪.‬‬
‫المستشار‪:‬‬

‫د‪ .‬عبد الرحمن عبد ال سليمان الغبري‬


‫الرد‬
‫الحمد ل والصلة والسلم على رسول ال‪ ،‬وبعد‪،‬‬
‫ن القلب ل يخلو من الخواطر والفكار‪ ،‬والشيطان لبن آدم بالمرصاد‪ ،‬قال‬ ‫اعلم ‪-‬رحمك ال‪ -‬أ ّ‬
‫تعالى‪" :‬إنّ الشيطان لكم عدوّ فاتّخذوه عدوّا"‪ ،‬فهو يلقي في قلب العبد الوساوس والفكار المضرّة‬
‫ويحاول أن يحول بينه وبين القيام بالعمل الصالح‪ ،‬وما ذكرته في السؤال يدلّ على علمة خيرٍ‬
‫وإيمانٍ بإذن ال‪ ،‬والمؤمن ل يزال في جهادٍ إلى أن يلقى ربّه‪ ،‬وعليك أن تعلم أنّ الخلص وضدّه‬
‫يتواردان على القلب ول يكونان إل في القصد والنيّة‪ ،‬والنيّة حقيقتها ترجع إلى إجابة الباعث‬
‫والداعي‪ ،‬ومن كان غرضه محض التقرّب إلى ال عزّ وجلّ فهو مخلصٌ ول عبرة ول التفات لما‬
‫يعتري القلب من الوساوس والخطرات التي هي ضدّ الخلص‪ ،‬فالنيّة والباعث ل يعلمها إل ال‪ ،‬ل‬
‫يعلمها مََلكٌ فيكتبها ول شيطانٌ فيفسدها‪ ،‬وإنّما لهم الظاهر وال يتولّى السرائر‪ ،‬فما عليك أخي إل أن‬
‫تقوم بما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬أن تجاهد نفسك وتَقْلَع مغارس الرياء من قلبك‪.‬‬
‫‪ -2‬أن تقطع الطمع وتستحقر مدح المخلوقين لك إنّما يكفيك نظر ال إليك‪.‬‬
‫‪ -3‬ألّ تنقطع عن العمل‪ ،‬بل استمرّ فيه‪ ،‬فالشيطان يريد منك ترك العمل بخواطر الرياء‪.‬‬
‫‪ -4‬عليك أن تعلم أنّ خوف المؤمن على نفسه من النفاق هي علمة صحّةٍ ل مرض‪ ،‬قال ابن‬
‫أبي مليكة‪ :‬أدركت سبعين صحابيّا من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬كلّ واحدٍ منهم‬
‫يخشى على نفسه النفاق‪.‬‬
‫‪ -5‬الخواطر تهجم على القلب‪ ،‬ول سبيل له لدفعها إل باليمان والدعاء‪ ،‬بل واللحاح بطلب‬
‫العون من ال‪.‬‬
‫‪ -6‬أكثِر من العمال الصالحة فيما بينك وبين ال في السرّ بحيث تتربّى النفس أنّها يكفيها نظر‬
‫ال إليها‪.‬‬
‫وأختم كلمي أنّ الشيطان ل يترك العبد المسلم أبدا‪ ،‬فعن أبي هريرة رضي ال عنه قال‪ :‬جاء‬
‫ناسٌ من أصحاب النبيّ صلى ال عليه وسلم فسألوه‪ :‬إنّا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلّم به‪،‬‬
‫قال‪" :‬وقد وجدتّموه؟" قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪" :‬ذاك صريح اليمان"رواه مسلم‪.‬‬
‫وال أعلم‪.‬‬
‫وبكلم الدكتور عبد الرحمن الغبري أكرمه ال تعالى وبارك فيه‪ ،‬أحبّ أن أشير إلى ثلث‬
‫نقاط‪:‬‬
‫‪ -‬لعّل ما يحدث معك أخي هو عاجل بشرى المؤمن كما سمّاه صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فعن أبي‬
‫ذرّ رضي ال عنه قال‪ :‬قيل لرسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير‪،‬‬
‫ويحمده الناس عليه؟ قال‪" :‬تلك عاجل بشرى المؤمن"رواه مسلم‪ ،‬فمن عمل عملً أراد به وجه ال‬
‫تعالى‪ ،‬ثمّ حمده الناس عليه فإنّ هذا العمل ل يفسد‪ ،‬بل هو من خير المؤمن‪.‬‬
‫– إنّ فعل الشيطان هذا هو ما أخبرنا به صلى ال عليه وسلم‪" :‬إنّ الشيطان قد أيِس أن يُعبَد‬
‫بأرضكم هذه‪ ،‬ولكن قد رضي منكم بالمحقّرات"رواه البزّار ورجاله رجال الصحيح‪ ،‬وروى أحمد‬
‫والبيهقيّ نحوه بسندٍ حسن‪.‬‬
‫قال الطيبي رحمه ال في معنى المحقّرات‪" :‬أي ممّا يتهجّس في خواطركم وتتفوّهون عن‬
‫هنّاتكم وصغائر ذنوبكم"‪.‬‬
‫وهذا ل يكون إل مع المؤمن الذي يئس الشيطان منه‪ ،‬فل تحزن أخي‪ ،‬فأنت على خيرٍ إن شاء‬
‫ال تعالى‪ ،‬بشرط أل تترك ما تقوم به من خيرٍ مهما حدث‪.‬‬
‫‪ -‬الحديث في موضوع النيّة والرياء‪ ،‬والنيّة القبليّة والبعديّة‪ ،‬وتداخل الرياء معها مع بدء العمل‬
‫أو في وسطه أو بعد نهايته حديثٌ طويل‪ ،‬وأنصحك لمعرفة تفصيل ذلك أن تقرأ في الكتب التي‬
‫تحدّثَت في المر‪ ،‬مثل‪ :‬تهذيب إحياء علوم الدين للمام أبي حامد الغزاليّ‪ -‬مختصر منهاج‬
‫القاصدين للمام ابن قدامة المقدسيّ‪ -‬رسالة المسترشدين للمام الحارث المحاسبيّ بتحقيق الدكتور‬
‫عبد الفتّاح أبو غدّة‪ -‬تلبيس إبليس للمام ابن الجوزيّ‪ -‬مؤلّفات المام ابن قيّم الجوزيّة‪.‬‬
‫طمْئِن قلبك إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫ارجع لهذه الكتب وستجد فيها ما يروي غليلك ويُ َ‬
‫كلّ ما أطلبه منك أخي أمران‪:‬‬
‫‪ -1‬أل تتوقّف عن العمل مهما سعى الشيطان لفساده‪.‬‬
‫‪ -2‬أن تستمرّ في مقاومة الوسوسة وأل تستسلم لها‪ ،‬وعليك بالمعوذتين ليل نهار‪.‬‬
‫بارك ال فيك وفي عملك أخي محمود‪ ،‬ورزقنا جميعا الخلص‪ ،‬وأبعد عنّا الشيطان‬
‫ووسوسته‪ ...‬المحرر‪.‬‬

‫داء ودواء‬
‫الخلص شرط‪ ..‬و"الكوماندوز السلميّ" وهم‬
‫السؤال‪:‬‬
‫الحمد ل وبعد‪ ،‬الخوة الدعاة الفاضل‪ ،‬من دافع عشقنا لدعوتنا وانتمائنا الصادق لها‪ ،‬ومن‬
‫منطلق سؤال أهل العلم أردنا سؤالكم‪ ،‬هل يكون لضعف الدعاة أثرا سلبيّا على المسيرة الدعويّة؟‬
‫وهل هنالك أسباب أخرى لهذا الضعف غير قلّة الخلص وعدم الحاكميّة ل؟ وجزاكم ال خيرا‪.‬‬
‫المستشار‪:‬‬

‫الشيخ ناظم المسباح‬


‫الرد‬
‫الخ الفاضل إبراهيم‪ ،‬أدعو ال أن تزداد عشقا وهياما بدعوتك‪ ،‬وأن يزداد انتماؤك لها عمقا‬
‫وصدقا‪ ،‬وأن يكثر من أمثالك‪.‬‬
‫أمّا تعليقي على سؤالك بعد حمد ال والصلة والسلم على نبيّه صلى ال عليه وسلم خير من‬
‫بلّغ الرسالة وأدّى المانة‪ ،‬فهو كالتالي‪:‬‬
‫لشكّ أنّ العلماء لهم منزلةٌ عظيم ٌة ومهمّةٌ جليلة‪ ،‬هم ورثة النبياء‪ ،‬إذا صلحوا واستقامت‬
‫أمورهم تستقيم أمور المة‪ ،‬وإذا ساء خلق العلماء وقلّ علمهم ترتّب على ذلك ما ل يُحمَد عقباه‪،‬‬
‫لماذا؟ لنّ هؤلء هم الذين يقودون السفينة إلى برّ المان‪ ،‬وهم النجوم الذين نهتدي بهم في أوقات‬
‫الفتن والظلمات‪.‬‬
‫وإذا ضعُف الخلص فيهم ‪-‬كما جاء في السؤال‪ -‬ولم تُزكّ نفوسهم‪ ،‬ولم يُحدث العمل في‬
‫قلوبهم الثر المطلوب فماذا يكون حال عامّة المسلمين؟‬
‫ن المّة أحوج ما تكون إلى علماء مخلصين ربّانيّين‪ ،‬يقتدون بهدي سيّد البريّة محمّدٍ صلى‬ ‫لشكّ أ ّ‬
‫ال عليه وسلم‪ ،‬قلوبهم متعلّقةٌ بال حتى يسدّدهم في آرائهم وفتاواهم من الفتن‪.‬‬
‫ومن معوقات المسيرة الدعويّة أو الصحوة السلميّة عدم توفّر العدد المطلوب من هذه‬
‫النوعيّة‪ ،‬ول أعني بذلك أنّ الساحة تخلو من الخيّرين والمخلصين‪ ،‬كما أنّ انشغال العلماء بالكسب‬
‫وخضوعهم للضغوط المالية قد يحول دون تفرّغهم للعمل‪ ،‬والقيام بالمهامّ الدعويّة على النحو‬
‫الملئم‪ ،‬ويضاف إلى ذلك حرص البعض على التقرّب من السلطان واعتلء المناصب وهذا من شأنه‬
‫أن يؤثر سلبيّا على المسيرة الدعويّة‪.‬‬
‫ولذلك؛ فإنّ العالِم ينبغي أن يكون شخصا كمُلت نفسه وتهذّب خلقه‪ ،‬ورشُد عقله‪ ،‬يعمل بما علم‪،‬‬
‫يقف عند حدود ما رسمه الشارع‪ ،‬وهو مليءٌ قلبه بخشية ال‪ ،‬ل يداهن ول يساوم‪ ،‬بصيرٌ بأحوال‬
‫الناس‪ ،‬خبير بأمورهم‪ ،‬ل يعرف اليأس إليه سبيل‪ ،‬يعرف القرآن جدّ المعرفة‪ ،‬ويعرف أعمال‬
‫الرسول صلى ال عليه وسلم وهديه‪ ،‬حكيمٌ يأتي للناس من وجهة ما يعرفون‪ ،‬نَبِيهٌ يستطيع أن يع َ‬
‫ظ‬
‫كلّ صنفٍ من الناس‪ ،‬فهو بذكائه يستطيع أن يردّ شاردهم‪ ،‬ويثلج جامحهم إلى حيث يسمعون عظته‬
‫البليغة وقولته الساحرة‪،‬‬
‫والعالِم يجب أن يكون قدوة؛ إذ يقول مالك بن دينار رحمه ال‪" :‬إنّ العالِم إذا لم يعمل بعلمه زلّت‬
‫موعظته عن القلوب كما تزلّ القطرة عن الصفا"‪.‬‬
‫ن الموعظة إذا لم تتأدّ في أسلوبها الحيّ كانت بالباطل أشبه‪ ،‬وإنّه‬
‫والرافعي رحمه ال يقول‪" :‬إ ّ‬
‫ل يغيّر النفس إل النفس التي فيها قوّة التحويل والتغيير‪ ،‬كنفوس النبياء ومن كان في طريقة‬
‫روحهم‪ ،‬وإنّ هذه الصناعة إنّما هي نور البصيرة في الكلم‪ ،‬ل وضع القياس والحجة"‪.‬‬
‫واستتباعا لحديث أستاذنا الشيخ ناظم المسباح أكرمه ال تعالى أقول‪ :‬إنّ الخلص هو حجر‬
‫الساس ومحور الصلح في نفوس الناس جميعا قبل نفوس الدعاة‪ ،‬وهو أحد ركنين ل ثالث لهما‬
‫يقبل ال بهما العمل‪ ،‬ويثيب عليه‪ ،‬وينمّيه‪ :‬الخلص وموافقة هدي الرسول صلى ال عليه وسلم في‬
‫العمل "فمن كان يرجو لقاء ربّه فليعمل عملً صالحا ول يشرك بعبادة ربّه أحدا"‪.‬‬
‫هذه واحدة‪ ،‬أمّا الثانية فأنبّه كما نبّهتُ من قبلُ مرارا وتكرارا إلى ضرورة تحلّي المسلم بالعمل‬
‫الذاتيّ واليجابيّة الشخصيّة‪ ،‬وأل يكتفي بانتظار أن ينصلح حال الدعاة ويقوموا بدورهم نحو أمّتهم‪،‬‬
‫بل نحو العالَمين‪ ،‬فهذا الدور نحو العالَمين مطالبٌ به كلّ مسل ٍم كلّ بقدر طاقته ووسعه وحالته‪ ،‬هذا‬
‫مفهوم "الدعوة" في السلم‪ ،‬وهذا ما عناه نبيّنا صلى ال عليه وسلم بقوله‪" :‬بلّغوا عنّي ولو آية"رواه‬
‫ي واحدةٌ ليسارع كلّ سامعٍ إلى تبليغ ما وقع‬‫البخاري‪ ،‬وقال المام ابن حجر في شرح "ولو آية"‪" :‬أ ٌ‬
‫له من الي ولو قلّ"‪.‬‬
‫فعلى المسلمين ‪-‬كلّ المسلمين‪ -‬أن يقوموا بدورهم‪ ،‬سواء قام الدعاة بدورهم أم لم يقوموا‪،‬‬
‫وسواءً أخلص هؤلء أم لم يُخلِصوا‪.‬‬
‫وبما أنّ الشيء بالشيء يُذكَر‪ ،‬فلعلّها فرصةٌ للحديث عن أم ٍر متعلّقٍ بهذه الستشارة‪ ،‬وإن لم‬
‫يكن صاحبها يقصده‪ ،‬فمن عجائب هذا الزمان أنّ المسلمين قد استقرّت في رؤوسهم فكرة "المنقذ"‪،‬‬
‫بكافّة تداعياتها وأشكالها‪ :‬فالمنقذ في تحرير فلسطين هو "صلح الدين"‪ ،‬والمنقذ في عودة السلم‬
‫لقيادة الركب هو "عمر بن الخطّاب"‪ ،‬والمنقذ في صلح المجتمع هو "الداعية"‪ ،‬وهكذا ضمن سلسلةٍ‬
‫من "المنقذين" أو قل "كتيبة المنقذين" كأنّهم كتيب ٌة من "الكوماندوز السلميّ"!‬
‫أخواني المسلمين‪ ...‬من فضلكم أخرجوا فكرة "الكوماندوز السلميّ" من رؤوسكم‪ ..‬وقوموا‬
‫بالواجب المطلوب منكم‪ ،‬والذي ستثابون على فعله‪ ،‬وستحاسبون على تركه‪ ،‬هذا دوركم جاء من‬
‫جاء وذهب من ذهب‪ ،‬وإن كان ولبدّ من "الكوماندوز" فلنكن نحن هذه الكتيبة‪ ،‬ول نستوردها من‬
‫الخارج‪.‬‬
‫شكرا لك أخي إبراهيم‪ ،‬وأهلً بك دائما‪ ...‬المحرر‪.‬‬

‫داء ودواء‬
‫كلمات ف الخلص‪ ..‬واشتراك النيات‪ ..‬وميزان قبول العمال‬
‫السؤال‪:‬‬
‫الخ الكريم كمال المصري أعانك ال علينا وسدّد خطاك‪،‬‬
‫أخي الكريم‪،‬‬
‫إنّني أسبح في بحرٍ ل ساحل له‪ ،‬وأريد النجاة!!! فهل مددتّ يدك لي؟!!‬
‫‪ -1‬ما حقيقة الشرك في الرادات والنيّات؟‬
‫‪ -2‬ما ميزان قبول العمل عند ال سبحانه وتعالى؟‬
‫‪ -3‬ما حقيقة الخلص؟‬
‫ساعدني أخي العزيز‪ ،‬كيف أجعل عملي خالصا لوجه ال‪ ،‬ليس لح ٍد نصيبٌ فيه‪ ،‬ل لنفسي‪،‬‬
‫ول لطلب حظّ من الدنيا‪ ،‬ول لحد من الخلق؟ وهل أستطيع أن أجدّد النوايا فيما فات من أعمال؟‬
‫ساعدني رجاء‪ ،‬فأنا أحبّكم‪ ،‬وأثق بكم‪.‬‬
‫المستشار‪:‬‬

‫كمال المصري‬
‫الرد‬
‫أختي الكريمة‪،‬‬
‫أحبّك ال تعالى الذي أحببتنا فيه‪ ،‬وجزاكم ال خيرا على ثقتكم بنا‪ ،‬وأسأل ال تعالى أن نكون أه ً‬
‫ل‬
‫لهذه الثقة‪.‬‬
‫أمّا أسئلتك الثلث‪ ،‬فبيانها التالي‪:‬‬
‫‪ -1‬ما حقيقة الشرك في الرادات والنيّات؟‬
‫الحديث هنا في النقاط التالية‪:‬‬
‫‪ -‬ما النيّة؟‬
‫يقول المام البيضاوي‪" :‬النيّة عبارةٌ عن انبعاث القلب نحو ما يراه موافقا لغرضٍ من جلب نف ٍع‬
‫أو دفع ضررٍ حالً أو مآل‪ ،‬والشرع خصّصه بالرادة المتوجّهة نحو الفعل لبتغاء رضا ال وامتثال‬
‫حكمه"‪.‬‬
‫‪ -‬الخلص ضرورة‪:‬‬
‫ي عملٍ ليس فيه إخلصٌ ل ثواب فيه‪ ،‬مهما عل وعظم‪ ،‬قال صلى ال عليه وسلم‪" :‬إنّما‬ ‫فأ ّ‬
‫ئ ما نوى‪ ،‬فمن كانت هجرته إلى ال ورسوله‪ ،‬فهجرته إلى ال ورسوله‪،‬‬ ‫العمال بالنيّة‪ ،‬وإنّما لمر ٍ‬
‫ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها‪ ،‬أو امرأةٍ يتزوّجها‪ ،‬فهجرته إلى ما جاهر إليه"رواه البخاريّ‬
‫ومسلم‪.‬‬
‫‪ -‬هل يجوز الشتراك في النيّات؟‬

‫وأعيد الحديث ثانيةً بأن أنقل ما كتبه المام ابن حجر رحمه ال تعالى في شرح حديث "إنّما‬
‫العمال بالنيّة"‪:‬‬
‫"من نوى بهجرته مفارقة دار الكفر وتزوّج المرأة معا فل تكون قبيحةً‪ ،‬ول غير صحيحة‪ ،‬بل‬
‫هي ناقصةٌ بالنسبة إلى من كانت هجرته خالصة‪ ،‬وإنّما أشعر السياق بذمّ من فعل ذلك بالنسبة إلى‬
‫من طلب المرأة بصورة الهجرة الخالصة‪ ،‬فأمّا من طلبها مضمومةً إلى الهجرة‪ ،‬فإنّه يثاب على‬
‫قصد الهجرة‪ ،‬لكن دون ثواب من أخلص‪ ،‬وكذا من طلب التزويج فقط ل على صورة الهجرة إلى‬
‫ال‪ ،‬لنّه من المر المباح الذي قد يثاب فاعله إذا قصد به القربة كالعفاف‪.‬‬
‫ومن أمثلة ذلك ما وقع في قصة إسلم أبي طلحة فيما رواه النسائيّ عن أنس قال‪ :‬تزوّج أبو‬
‫طلحة أمّ سليم‪ ،‬فكان صداق ما بينهما السلم‪ ،‬أسلمت أمّ سليم قبل أبي طلحة‪ ،‬فخطبها‪ ،‬فقالت‪ :‬إنّي‬
‫قد أسلمت‪ ،‬فإن أسلمت تزوّجتك‪ .‬فأسلم‪ ،‬فتزوّجته‪.‬‬
‫وهو محمولٌ على أنّه رغِب في السلم ودخله من وجهة‪ ،‬وضمّ إلى ذلك إرادة التزويج‬
‫المباح‪ ،‬فصار كمن نوى بصومه العباد والحميّة‪ ،‬أو بطوافه العبادة وملزمة الغريم‪.‬‬
‫واختار الغزاليّ فيما يتعلّق بالثواب أنّه إن كان القصد الدنيويّ هو الغلب لم يكن فيه أجر‪ ،‬أو‬
‫الدينيّ ُأجِر بقدره‪ ،‬وإن تساويا فتردّد القصد بين الشيئين فل أجر‪.‬‬
‫وأمّا إذا نوى العبادة‪ ،‬وخالطها بشي ٍء ممّا يغاير الخلص‪ ،‬فقد نقل أبو جعفر بن جري ٍر‬
‫الطبريّ عن جمهور السلف أنّ العتبار بالبتداء‪ ،‬فإن كان ابتداؤه ل خالصا لم يضرّه ما عرض له‬
‫بعد ذلك من إعجابٍ أو غيره‪ ،‬وال أعلم"‪.‬‬

‫‪ -2‬ما ميزان قبول العمل عند ال سبحانه وتعالى؟‬


‫ميزان القبول عند ال تعالى حدّده ربّنا سبحانه في سورة الكهف بقوله‪" :‬فمن كان يرجو لقاء‬
‫ربّه فليعمل عملً صالحا ول يشرك بعبادة ربّه أحدا"‪.‬‬
‫ومنها استنبط العلماء أنّ ميزان قبول العمل‪:‬‬
‫‪ -‬الخلص‪.‬‬
‫‪ -‬موافقة الشرع أو ما جاء به النبيّ صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ول يكون بدعةً ابتدعها النسان‪.‬‬
‫‪ -3‬ما حقيقة الخلص؟‬

‫وكذلك ما كتبه المام ابن قدامة المقدسيّ في كتابه القيّم‪" :‬مختصر منهاج القاصدين"‪.‬‬
‫بقي سؤالٌ رابعٌ ورد في طيّ حديثك هو‪" :‬وهل أستطيع أن أجدّد النوايا فيما فات من أعمال؟"‪.‬‬
‫لم أفهم كيف ستجدّدين النوايا في ما فات‪ ،‬ما فات قد فات‪ ،‬وعليك تجديد النوايا في ما هو قادم‪،‬‬
‫هذا في حالة أن يكون ما فات قد انتهى‪ ،‬أمّا إذا كان ما فات لم ينتهِ بعد‪ ،‬كالصدقة الجارية مثل‪،‬‬
‫فيمكن تجديد النيّة فيه‪ ،‬وإدراك أجر القادم من العمل‪ ،‬ولعلّ ال يأجر من أصلح نيّته أضعافا فيأجره‬
‫على ما فات أيضا‪ ،‬وال تعالى أكثر وأطيب‪.‬‬
‫ويمكنك في ما فات أن تطلبي من ال تعالى أن يقبله منك‪ ،‬وأن يعتبره كما لو كنت أخلصت فيه‬
‫النيّة له سبحانه‪ ،‬فأكثري من الدعاء بذلك وألحّي فيه‪ ،‬ولعلّ ال تعالى يغفر ويتقبّل منك‪ ،‬وال تعالى‬
‫أكثر وأطيب‪.‬‬
‫أعاننا ال جميعا على الخلص‪ ،‬ورزقنا النوايا الصالحة‪ ،‬والعمال الموافقة للشرع‪ ..‬وأهلً‬
‫بك‪.‬‬
‫داء ودواء‬
‫ت ملَكا‬
‫تعصي! أنت إنسانٌ ولس َ‬
‫السؤال‪:‬‬
‫السلم عليكم ورحمة ال وبركاته‪ ،‬أنا شابّ أبلغ من العمر ‪26‬عاما‪ ،‬يصفني الناس بأنني ملتزمٌ‬
‫ويلقبونني بالشيخ‪ ،‬وأنا ول الحمد محافظٌ على الصلة‪ ،‬ولكنني مسرفٌ على نفسي في بعض‬
‫المعاصي التي هي للسف أنني ل أستطيع غضّ البصر عن النساء‪ ،‬وعندي شهوةٌ جامحة‪ ،‬ول‬
‫الحمد لم أقع في معصية الزنا‪ ،‬وكذلك أعاني من تقصيري الشديد في صلة الفجر‪ ،‬فبماذا تنصحني‬
‫مع العلم أنني في غربةٍ وأمامي ما ل يقل عن ‪ 8‬أشهر لكي أتم زواجي‪ ،‬مع العلم أيضا أنني أنتمي‬
‫إلى إحدى الجماعات السلمية المشهورة بالتربية‪ ،‬ولكنني في حرجٍ من الحديث في هذا المر مع‬
‫أحدٍ من إخواني‪ ،‬وأودّ أن أوضّح لكم أيضا أن ال عز وجل يمنّ عليّ بالخير الكثير مما يجعلني‬
‫كثيرَ القلق‪ ،‬حيث إنني أخاف أن يكون ال يعجّل إليّ نصيبي في الدنيا وأن أكون في الخرة من‬
‫الخاسرين‪ ،‬فبال عليكم دلّوني على النجاة وساعدوني‪ ،‬وجزاكم ال خيرا‪.‬‬
‫المستشار‪:‬‬

‫أ‪.‬د‪ .‬محمد عبد القادر أبو فارس‬


‫الرد‬
‫"أسأل ال تبارك وتعالى أن يتوب عليك‪ ،‬وأن يقسم لك من خشيته ما يحول بينك وبين هذه‬
‫المعاصي التي ذكرت ثم أما بعد‪ ،‬فإنّ خير وسيلةٍ لتتجنب هذه المعاصي ومنها النظر المتكرر‬
‫المحرّم للنساء‪ ،‬هو أن تتذكّر دائما أن ذلك حرام‪ ،‬وأن تقرأ اليات والحاديث التي تحرّم ذلك‪ ،‬وأن‬
‫تتذكّر العقوبة الخروية لمرتكب هذه الجريمة‪ ،‬فقد أخبر الرسول صلى ال عليه وسلم في الحديث‬
‫الذي رواه المام مسلم أن العين تزني وزناها النظر‪ .‬وعليك تجنب الماكن الموبوءة‪ ،‬والمجالس‬
‫المختلطة بالرجال والنساء‪ ،‬والحاديث مع النساء‪ ،‬وكل وسيلة تغريك بالنظر إلى ما حرّم ال‪.‬‬
‫أكثر من ذكر الموت‪ ،‬وأن المرء يحشر على ما مات عليه‪ ،‬وقد تكون لحظةُ النظر لحظة فراق‬
‫الدنيا فتحشر على هذه الصورة الثمة فتُفضَح أمام الخلئق يوم المحشر‪ ،‬ولت ساعة مندم‪ ،‬تذكّر‬
‫هذا كله‪ ،‬فإنه يردعك عن هذه المعاصي وأمثالها‪.‬‬
‫وأقول لك أيضا‪ :‬هل تقبل أن ينظر أحد بشهوةٍ إلى أحدٍ من أهلك؟ فإذا كنت ل ترضى ول تقبل‬
‫ذلك لهلك‪ ،‬فل تقبل لنفسك أن تنظر إلى أمهات الناس وأخواتهم وبناتهم‪ ،‬وقريباتهم‪.‬‬
‫ينبغي أن تعلم أن الغيرة على العرض‪ ،‬عرضِك أو عرضِ أيّ مسلم من اليمان‪ ،‬وأن عدم‬
‫الغيرة على أعراض الناس من النفاق‪ ،‬واعلم أن فاقد الغيرة على أعراض المسلمين بالنظر إلى‬
‫نسائهم بشهوةٍ جامحةٍ وبإسرافٍ في هذه المعصية يحتاج إلى حزمٍ مع نفسه أرشد إليه النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم حين وصّى عليّا رضي ال عنه‪" :‬يا عليّ‪ ،‬ل تتبع النظرة النظرة‪ ،‬فإن لك الولى‪ ،‬وليست‬
‫لك الخرة" روه الترمذي والحاكم‪ ،‬وقال‪ :‬هذا حديث صحيح على شرط مسلم‪ ،‬ولم يخرجاه‪ ،‬فاقلب‬
‫نظرك إلى جهةٍ أخرى إذا وقع على امرأةٍ أجنبيةٍ أو نحوها بل قصد‪ ،‬فإنْ صرفتَه حالً لم تأثم‪ ،‬وإن‬
‫استدمت أثمت‪ ،‬جاء في فيض القدير‪" :‬والغضّ عن المحارم يوجب حلوة اليمان‪ ،‬ومن ترك شيئا ل‬
‫عوّضه ال خيرا منه‪ ،‬ومن أطلق لحظاته دامت حسراته"‪.‬‬
‫هذا وال تبارك وتعالى أمر رسوله أن يبلّغ المؤمنين ويأمرهم بغض البصر‪ ،‬فقال تعالى‪":‬قل‬
‫للمؤمنين يغضوا من أبصارهم"‪ ،‬وأنت مسلمٌ يأمرك ال تبارك وتعالى بذلك‪ ،‬فاستشعر عظمة ال‬
‫وعقوبته إن عصيتَه وخالفتَ أمره فلم تغضّ بصرك‪ ،‬ولتكن هذه اليات والحاديث المرة بغضّ‬
‫البصر الناهية عن النظر إلى ما حرّم ال حاضر ًة في كل لحظة‪ ،‬وراقب ال في كل طرفةٍ عين‬
‫جلّ ما تشكوا منه‪ ،‬وأنصحك أن تسرع بالزواج فإن‬‫يذهبِ ال تبارك وتعالى عنك كل ما تعاني أو ُ‬
‫ذلك يخفّف عنك ما تعاني من النظر‪ ،‬ويعفّك عن هذه المعاصي وأمثالها‪.‬‬
‫وأما تقصيرك في صلة الفجر فأنصحك أن تنام مبكرا حتى تأخذ قسطا من الراحة‪ ،‬فتكون‬
‫قادرا على الستيقاظ على صلة الفجر‪ ،‬وتجنّب السهر الطويل فإنه يعيقك عن الستيقاظ مبكرا‪،‬‬
‫واستعن بساعةٍ منبهٍ عند الستيقاظ‪ ،‬أو استعن بأخٍ لك في ال‪ ،‬أو جارٍ لك يحافظ على صلة الفجر‬
‫ليوقظك وتصلي معه ومع غيره في الجماعة‪ ،‬ويمكنك أن تستفيد من الهاتف عندك في الستيقاظ‬
‫لصلة الفجر بأن يهاتفك صديقك المحافظ على الصلة ويوقظك في الوقت المناسب‪ ،‬وعليك أن تلهج‬
‫إلى ال بالدعاء أن يوقظك على صلة الفجر ويعينك على ذلك عند النوم‪ ،‬وأخيرا أنصحك أن تقرأ‬
‫فضل صلة الفجر وثواب من يحافظ عليها وخسارة من تفوته من الثواب‪ ،‬فيتكون لديك الدافع‬
‫للحصول على هذا الثواب الجزيل بتأدية صلة الفجر‪.‬‬
‫وفقك ال وإيانا لطاعته وجنّبنا جميعا معصيته"‪.‬‬
‫أخي الشابّ أحمد‪ ،‬وبعد أن أوضح لك فضيلة الدكتور محمد أبو فارس عِظَم وخطورة هذا‬
‫ث القلوب‪ ،‬حديثا نتفق من خلله على نقاطٍ قد تغيب عن أذهاننا في خضمّ‬ ‫المر‪ ،‬دعني أحدّ ْثكَ حدي َ‬
‫محاولت التزامنا الدائمة بدين ربنا سبحانه وسنّة نبيّنا عليه الصلة والسلم‪ ،‬وحديث قلبي إليك‬
‫يتمثّل في نقاطٍ أربع‪:‬‬
‫الولى‪ :‬يا أخي الكريم‪ ،‬إن ال تعالى حين خلقنا خلقنا بشرا ل ملئكة‪ ،‬خلقنا وهو يعلم أننا‬
‫نخطئ ونصيب‪ ،‬نحسن ونسيئ‪ ،‬ولو شاء سبحانه لخلقنا ملئكةً‪ ،‬كما وصفهم سبحانه‪" :‬ل يعصون‬
‫ال ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون"‪ ،‬فلماذا ل نرضى بالحال التي خلقنا ربّنا عليها ونرغب في أن‬
‫نتحوّل إلى حالة الملئكة؟؟؟ منطقٌ غريبٌ نحكم به أنفسنا فنعذّبها‪.‬‬
‫لنتعامل مع أنفسنا بمنطق السلم‪ ،‬هذا المنطق الذي وصفه رسولنا صلى ال عليه وسلم بقوله‪:‬‬
‫"لو لم تذنبوا لذهب ال بكم‪ ،‬ولجاء بقومٍ يذنبون فيستغفرون ال‪ ،‬فيغفر لهم"رواه أحمد ومسلم‪ ،‬وبذلك‬
‫نتفق ابتداءً على أن ال خلق النسان وهو يعلم أنه يخطئ‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬ما دام المر كذلك‪ ،‬فماذا يفعل من يخطئ؟ من الطبيعي أن يبادر إلى التوبة والستغفار‬
‫والندم‪ ،‬والعزم على عدم العودة إلى ذلك الذنب‪ ،‬ولكن إن عاد فما العمل؟ يعود للتوبة والندم ثانيةً‪،‬‬
‫ويزيد من عزمه على ترك هذا الذنب‪ ،‬فإن عاد وجب أن يلزم نفسه بعقابٍ يشتد كلما عاد لنفس‬
‫الذنب‪ ،‬وما يحدث من المسلم هذا تقصيرٌ نعم‪ ،‬ولكنه بالتوبة يعود أحسن مما كان‪ ،‬وقد أقسم ال‬
‫تعالى بالنفس اللوامة للدللة على عظم قدرها‪ ،‬فقال سبحانه‪" :‬ل أقسم بيوم القيامة‪ ،‬ول أقسم بالنفس‬
‫اللوامة"‪ ،‬وأخبرنا رسولنا صلى ال عليه وسلم بحقيقة خطأ ابن آدم‪ ،‬وبيّن لنا مَنْ خير الخطائين‪،‬‬
‫فقال‪" :‬كل ابن آدم خطاء‪ ،‬وخير الخطائين التوابون"رواه الترمذي وابن ماجه والحاكم‪ ،‬وقال‪ :‬هذا‬
‫حديث صحيح السناد‪ ،‬ولم يخرجاه‪.‬‬
‫فل تضيق صدور الدعاة عند الذنب بل عليهم المسارعة إلى التوبة والندم والعزم على عدم‬
‫الوقوع في الذنب ثانية‪ ،‬وما دمنا خطّائين فلنكن خير التوابين‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬عجيبٌ أمرك يا أخي أحمد وال‪ ،‬أنت في حرجٍ من مفاتحة إخوانك؟ أيّ منطقٍ هذا؟؟‬
‫إذا لم يكن انتماؤك إلى هذه الجماعة لصلح نفسك فلِمَ يكون؟ لدعوة الناس؟؟ ل يا أخي‪ ،‬ثق أن‬
‫الناس ل يريدون شخصا غير قادرٍ على تربية نفسه أوّل‪.‬‬
‫إخوانك –يا أخي‪ -‬أ ّولً كي يعينونك وتعينهم على اللتزام وعلى الطاعة‪ ،‬فإن لم يكن‪ ،‬فل‬
‫حاجةَ لك بهم‪ ،‬ول حاجة لهم بك‪،.‬‬
‫يقول أحد الدعاة‪" :‬لن ينفكّ الداعيةُ المؤمن بين جذبَيْن‪ :‬جذبِ إيمانه‪ ،‬ونيته‪ ،‬وهمته‪ ،‬ووعيه‪ ،‬وشعوره‬
‫بمسؤوليته‪ ،‬فهو من ذلك في عملٍ صالح‪ ،‬أو عزمه خير‪.‬‬
‫وجذبِ الشيطان من جهةٍ أخرى‪ ،‬وتزيينه الفتور‪ ،‬وحبّ الدنيا‪ ،‬فهو من ذلك في غفلة‪ ،‬وكسل‪ ،‬وطول‬
‫أمل‪ ،‬وتراخٍ عن تعلّم ما يجهل‪.‬‬
‫وهذا التردد بين الجذبين أزليّ قديم ل ينقطع‪ ،‬وبسببه أوجب المؤمنون على أنفسهم جلسات‬
‫تفكّرٍ وتأ ّملٍ وتناصح‪ ،‬يتفقّدون فيها النفس أن يطرأ عليها كِبْرٌ أو َبطَر‪ ،‬والقلب أن يعتوره مَيْل‪،‬‬
‫ط يهمل أمرًا وإرشادًا‪.‬‬ ‫والعلم واليمان أن يتلبّسا بإفراطٍ يزيد بدعة‪ ،‬أو تفري ٍ‬
‫وقد ترجم معاذ بن جبل رضي ال عنه هذا الحساس بكلمةٍ غدت ماد ًة في دستور أجيال‬
‫المؤمنين‪ ،‬فقال لصاحبه وهو يذكّره‪" :‬اجلس بنا نؤمن ساعة" رواه البخاري‪.‬‬
‫فأخذها ابن رواحة‪ ،‬فقال لبي الدرداء‪ ،‬رضي ال عنهما‪ ،‬وهو آخذٌ بيده‪" :‬تعال نؤمن ساعة‪ ،‬إنّ‬
‫القلب أسرع تقلّبا من القِدْر إذا استجمعت غليانا"‪.‬‬
‫فأخذناها عنهما‪ ،‬ندعو معنا داعية السلم أن يجلس مع كل موعظةٍ ساعة‪ ،‬يؤمن ويراجع نفسَه‪،‬‬
‫وعلمَه‪ ،‬وهمّته"‪.‬‬
‫فالخوة ما كانوا إل ليزيدوا اليمان‪ ،‬والنتماء لكيانٍ ما تمّ إل ليحفظ ويرفع ويعين‪ ،‬فل تتردّد‬
‫–يا أخي أحمد‪ -‬أن تحادث إخوانك‪ ،‬وإن كنتَ في حرجٍ من إظهار ضعفك أمامهم‪ ،‬فل أقلّ من أن‬
‫تطلب منهم مشاركتكَ في برامج إيمانيةٍ تقومون بها سويّا‪ ،‬وتركّز أنت فيها على عيوبك وتقصيرك‪،‬‬
‫فترفع نفسك وترفع إخوانك معك‪ ،‬وتذكّر دائما‪ :‬هم بشرٌ مثلك وليسوا ملئكة‪.‬‬
‫الرابعة‪ :‬هل ال عزّ وجلّ ظالم؟ هل يهوى سبحانه تعذيب العباد؟ حاشاه سبحانه جلّ شأنه‬
‫وتعالى عن ذلك علوّا كبيرا "ما يفعل ال بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان ال شاكرا عليما" ستقول‬
‫لي‪ :‬وِلمَ تقول هذا؟ سأرد ببساطة‪ :‬لنك ظننت أنّ ما أنتَ فيه من خيرٍ هو تعجيل نصيبك في الدنيا!‬
‫يا أخي الكريم‪ ،‬أنت مجرّد إنسانٍ يخطئ ويصيب‪ ،‬وما عليكَ إل أن تتوب وتعزم على عدم العودة‪،‬‬
‫وتسأل ال تعالى أن يعينك‪ ،‬إن النسان إذا تقرّب من إنسانٍ آخر فإن هذا الخر غالبا ما يقدّر ويحفظ‬
‫ودّ من تقرّب إليه‪ ،‬فكيف بال الرحمن الرحيم العدل سبحانه‪ ،‬الذي لم يكتفِ سبحانه بالتقّرب إلى من‬
‫تقرّب منه‪ ،‬بل يسبق لذلك؟ وهذا ليس كلمي‪ ،‬بل أنقل إليك بشارتين حديثيتين‪ :‬في حديث أبي‬
‫هريرة‪ :‬قال النبي صلى ال عليه وسلم‪" :‬يقول ال تعالى‪ :‬أنا عند ظن عبدي بي‪ ،‬وأنا معه إذا‬
‫ذكرني‪ ،‬فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي‪ ،‬وإن ذكرني في ملٍ ذكرته في ملٍ خيرٍ منه‪ ،‬وإن‬
‫تقرّب إليّ بشبرٍ تقرّبتُ إليه ذراعا‪ ،‬وإن تقرّب إليّ ذراعا تقرّبتُ إليه باعا‪ ،‬وإن أتاني يمشي أتيته‬
‫هرولة"رواه البخاري ومسلم‪ ،‬والبشارة الثانية‪" :‬ل أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه‪ ،‬من أحدكم‬
‫كان على راحلته بأرض فلة‪ ،‬فانفلتت منه‪ ،‬وعليها طعامه وشرابه‪ ،‬فأيِس منها‪ ،‬فأتى شجرة‪،‬‬
‫فاضطجع في ظلها‪ ،‬قد أيِس من راحلته‪ ،‬فبينّا هو كذلك إذا هو بها‪ ،‬قائمةٌ عنده‪ ،‬فأخذ بخطامها‪ ،‬ثم‬
‫قال من شدة الفرح‪ :‬اللهمّ‪ ،‬أنت عبدي وأنا ربّك‪ ،‬أخطأ من شدة الفرح"رواه البخاري ومسلم‪ ،‬فهل من‬
‫يفرح بتوبة عبده هكذا يغضب على عبده إذا أراد التقرّب منه؟ أحمدك ربي ما أرحمك‪.‬‬
‫أخي الحبيب أحمد‪ ..‬أنت إنسانٌ ولستَ ملَكا‪ ،‬المطلوب منك هو مجاهدة النفس‪ ،‬وليس ‪-‬أبدا‪-‬‬
‫المطلوب منك أل تخطئ‪ ،‬فإذا أخطأتَ فسارع إلى التوبة والعزم على عدم العودة للذنب‪ ،‬وثق بأن‬
‫ال أرحم بعباده من أنفسهم‪.‬‬
‫ك المعاصي والذنوب‪ ..‬وهدانا جميعا إلى التوبة السريعة‬
‫حفظك ال ورعاك‪ ..‬وجنّبنا وإيا َ‬
‫دائما‪ ...‬المحرر‪.‬‬

‫داء ودواء‬
‫هكذا نافظ على توبتنا‬
‫السؤال‪:‬‬
‫كيف أحافظ على توبتي؟‬
‫المستشار‪:‬‬

‫أسماء جبر أبو سيف‬


‫الرد‬
‫مباركٌ عليك توبتك يا أخي‪ ،‬ثبّتك ال وختم لك ولنا بالحسنى‪ ،‬آمين‪.‬‬
‫وقبل أن أخبرك بكيفيّة الحفاظ على توبتك وتقويتها واستثمارها‪ ،‬لتكون ربحا لك في الدنيا والخرة‬
‫بإذن ال‪ ،‬قبل ذلك أذكّرك بشروط التوبة الصحيحة‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬القلع تماما عن المعاصي والذنوب التي كنت ترتكبها‪.‬‬
‫ب ومعاص‪ ،‬بحيث تكره‬‫‪ -2‬أن تستشعر في نفسك الندم على ما اقترفته من سيّئاتٍ وذنو ٍ‬
‫الذنب‪ ،‬ويؤلمك كلّما تذكّرته‪ ،‬وتشتعل في قلبك نار الخشية من عقاب ال عزّ وجلّ‪.‬‬
‫‪ -3‬العزم على أن ل تعود في المستقبل إلى تلك الذنوب ول إلى أمثالها‪ ،‬أو ما ُيقَرّب منها‪،‬‬
‫وأن تعزم على ذلك عزما مؤكّدا ل تردّد فيه‪ ،‬ول رغبات خفيّة‪ ،‬ول تحدّث نفسك لحظةً أنّك ربّما‬
‫ن ال غفورٌ رحيم‪ ،‬بل اصرف تفكيرك تماما عنها‪ ،‬وجاهدها بكلّ عزم‪.‬‬ ‫تعود إليها؛ معتمدا على أ ّ‬
‫‪ -4‬إن كانت المعاصي والذنوب متعلّقةً بحقّ من حقوق العباد‪ ،‬فعليك ردّ هذه الحقوق إلى‬
‫أصحابها ما استطعت إلى ذلك سبيل‪.‬‬
‫وللحفاظ على توبتك وتقويتها واستثمارها‪ ،‬عليك بالتي‪:‬‬
‫أوّل‪ :‬تذكّر وتجديد الذكرى دوما أنّ المعصية تؤثّر في القلب‪ :‬قال صلى ال عليه وسلم‪" :‬إ ّ‬
‫ن‬
‫صقِل قلبُه‪ ،‬وإن عاد‬
‫العبد إذا أخطأ خطيئةً ُنكِ َتتْ في قلبه ُنكْتَةٌ سوداء‪ ،‬فإذا هو نزع واستغفر وتاب ُ‬
‫زيد فيها حتى تعلو قلبه‪ ،‬وهو الران الذي ذكر ال‪" :‬كل بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون"رواه‬
‫ي وقال‪ :‬هذا حديثٌ حسنٌ صحيح‪ ،‬وقال الحسن رحمه ال تعالى‪" :‬الحسنة نورٌ في القلب‪،‬‬ ‫الترمذ ّ‬
‫وق ّوةٌ في البدن‪ ،‬والسيّئة ظلمةٌ في القلب‪ ،‬ووَهَنٌ في البدن"‪.‬‬
‫والمعصية تؤثّر على الرزق أيضا‪ ،‬قال صلى ال عليه وسلم‪" :‬إنّ الرجل لَ ُيحْرَمُ الرزقَ بالذنب‬
‫ُيصِيبُهُ"رواه ابن ماجه بسندٍ حسن‪ ،‬ول تأمننّ أخي الكريم هجوم الموت عليك بارك ال في حياتك‬
‫فجدّد التوبة أوّل بأوّل‪ ،‬ليبقى قلبك صافيا نقيّا‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الحفاظ على ح ّد معيّنٍ من العبادات ل تهبط عنه بأيّ حالٍ من الحوال‪ ،‬من نوافل وأذكار‬
‫مختلفة‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬النقطاع تماما عن الماكن التي تزيّن لك العودة إلى المعصية أو تذكّرك بها‪ ،‬ومقاطعة‬
‫كلّ شخصٍ له علق ٌة بها‪ ،‬ول تقل لنفسك‪ :‬أريد أن أدعوه للتوبة كما تُبت‪ ،‬فليس هذا وقته‪ ،‬وتخلّص‬
‫من كلّ الشياء التي تعيد إليك الحنين إلى لذّة المعصية‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬التزام رفقةٍ صالحةٍ من الصحاب المتمسّكين بدينهم‪ ،‬الناجحين في دنياهم‪ ،‬فإنّهم خير‬
‫عونٍ لك ووقايةٌ من العودة إلى المعصية‪ ،‬ويمكن أن تكون هذه الرفقة متمثلّةً في فتاةٍ صالحةٍ‬
‫تتزوّجها‪ ،‬تعينك على الطاعة‪ ،‬وتساعدك في التوبة‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬الشتغال بالعلم النافع‪ ،‬وحضور مجالس العلماء ومحاضراتهم وندواتهم‪ ،‬واعمل على‬
‫تطوير تخصّصك الكاديميّ وأدائك المهنيّ‪ ،‬وأشغل عقلك بالقراءة النافعة في علوم الدنيا والخرة‪،‬‬
‫وخاصّةً كتب الرقائق وتزكية النفس‪ ،‬وأنصحك بقراءة كتاب‪ :‬مختصر منهاج القاصدين للعلّمة ابن‬
‫قدامة المقدسيّ‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬برّ الوالدين‪ ،‬والتزام صلة الرحم‪ ،‬ومساعدة إخوتك الصغار على شؤون دراستهم‬
‫وعبادتهم‪.‬‬
‫سابعا‪ :‬الشتغال بما يفيد المجتمع من مشروعاتٍ للشباب المسلم‪ ،‬ورعاية الفقراء المسنّين‪.‬‬
‫ثبّتنا ال وإيّاك‪ ،‬وأهلً بك دائما أخانا التائب‪.‬‬

‫داء ودواء‬
‫يا غريق العاصي‪ :‬هكذا تصبح منقذا‬
‫السؤال‪:‬‬
‫السلم عليكم ورحمة ال وبركاته‪،‬‬
‫الخوة الفضلء القائمون على هذا الموقع الكريم‪،‬‬
‫تحيّةً من عند ال مباركةً طيّبة‪،‬‬
‫أريد أن تدلّوني على الطريق الصحيح وسط الوحلة التي غرقت بها‪ ،‬ومعذرةً أرجو أن ل‬
‫تتضمّن الجابة ثناءً عليّ وعلى حرصي على التوبة‪ ،‬فأنا كما سأروي لكم ل أثبت على توبة‪ ،‬ول‬
‫التزم السلوك السلميّ من كلمةٍ طيّبة‪ ،‬وحديثٍ مهذّب‪ ،‬وخشوعٍ في الصلة‪ ،‬وإخلصٍ في النيّة‪ ،‬إل‬
‫عندما تأتيني مصيب ٌة تهمّنى وتغمّنى فل أجد مفرّا ول ملجأ سوى الدعاء‪ ،‬فوال ل أدري متى وكيف‬
‫تكون النهاية‪ ،‬ويا حسرةً على نفسٍ لم أقوَ عليها‪ ،‬فلم أتورّع عن الكذب‪ ،‬والنميمة‪ ،‬والغيبة‪ ،‬وعدم‬
‫نصرة المظلوم‪ ،‬وعدم غضّ الطرْف عن ما حرّم ال‪ ،‬وليت المر انتهى عند ذلك‪ ،‬ولكن الطامّة‬
‫الكبرى أنّ المحيطين بي يعلمون عنّى غير ذلك‪ ،‬فقد مرّت عليّ فترةٌ كنت قد التزمت فيها (على ما‬
‫أظنّ) أشاعت عنّى سيرةً حسنةً كاذبةً وخادعة‪ ،‬ومشكلتي الكبيرة أيضا هي عدم القلع عن ممارسة‬
‫العادة السرّيّة‪ ،‬بل أمارسها بشراهةٍ كبيرةٍ جدّا‪ ،‬في الوقت الذي أسمع وأرى عمّا يجري في البلدان‬
‫السلميّة المستضعفة من قتل‪ ،‬وتنكيل‪ ،‬واغتصاب‪ ،‬ولكنّ ذلك كلّه ل يؤثّر فيّ إل فترةً ل تتجاوز‬
‫عدّة دقائق بل ثوان‪.‬‬
‫إنّني يا سيّدي الفاضل لي أصدقاء ملتزمين‪ ،‬وأظنّهم على خي ٍر ول أزكّي على ال أحد‪ ،‬وهم‬
‫ت لعرضها عليّ للزواج ظنّا منه أنني ذو‬ ‫يظنّون بي الخير‪ ،‬بل إنّ بعضا منهم قال أنّه لو كان له أخ ٌ‬
‫أخلقٍ حسنة‪ ،‬وكثيرا ما ادّعي الرغبة في الجهاد ودفع الظلم‪ ،‬ولكنّي أخاف إن قامت الحرب أن‬
‫تكون هذه النيّة مجرّد انفعالٍ كاذب‪ ،‬أو تخدير‪ ،‬واستمرارٍ لمسلسل البعد عن الطريق الصحيح‪ ،‬لقد‬
‫علمت أنّ الناصر صلح الدين كان ل يضحك ول يفرح قط‪ ،‬وعندما سئل عن ذلك‪ ،‬أجاب بأنّه‬
‫يستحيي أن يراه ال ضاحكا والمسجد القصى بين يدي الصليبيّين‪ ،‬فإنّي أخاف إن استُدعيت للجهاد‬
‫أن أرى نفسي مفضّلً الجبن والهرب والذلّ‪ ،‬على الدفاع عن عرض المسلمين ‪-‬معاذ ال–‪ ،‬وقد‬
‫أكون عكس ذلك‪ ،‬فمن يدري؟‬
‫وصدّقني ‪-‬سيّدي الفاضل‪ -‬ل أعلم ماذا حقّا أريد منك‪ ،‬هل تعظني بكلماتٍ لطالما سمعتها‬
‫وردّدتها‪ ،‬بل قمت أنا بنصح غيري بها‪ ،‬أم أطلب منك أن تأتى لتمسك بي وترغمني على ترك‬
‫المنكر‪ ،‬أم تسحر لي أم تدعو لي دعوةً مستجاب ًة كما كان يفعل النبيّ لصحابه فيتبدّل حالهم إلى خير‬
‫حال؟‬
‫هل أدعو ال أن يرزقني مصيبةً عظيمة ل تنفكّ عنّي إل بالموت حتى أتّعظ أم ماذا؟‬
‫هل أقول لك –سيّدي‪ -‬أنّني أكتب لك وأنا يائسٌ من جدوى ردّك‪ ،‬وللسف الشديد ل أرى نفسي‬
‫إل منافقا أتأثّر وأخشع لي موقفٍ طالما كنت بين الناس‪ ،‬وأجتهد في النصح لغيري طالما يراني‬
‫ل للمنكرات‪ ،‬وتركٌ للخيرات‪ ،‬أرجو أن تدلّني ماذا أفعل في نفسي‪ ،‬إنّني‬
‫الناس‪ ،‬أمّا الخلوة فكلّها فع ٌ‬
‫أحسّ بمدى الحقارة العظيمة التي تليق بي‪ ،‬فالكلّ يظنّ بي الخير‪ ،‬حيث إنّ معظم ذنوبي تكون في‬
‫الخفاء للسف الشديد‪ ،‬ومعذرةً للطالة والتكرار‪ ،‬وإن كنتم ‪-‬سيّدى الفاضل‪ -‬ستردّون عليّ‪ ،‬أرجو‬
‫أن تردّوا عليّ إجاب ًة واقعيّ ًة مفصّلةً مسهبة‪ ،‬فالحزن والخزي يملني‪.‬‬
‫وأرجو منك أن ل تظن بي أنّني أهوّل من مصيبتي‪ ،‬و أتسلّى أو أكذب‪ ،‬فكلّ ما كتبت صحيح‪.‬‬
‫والسلم عليكم ورحمة ال وبركاته‪.‬‬
‫المستشار‪:‬‬

‫كمال المصري‬
‫الرد‬
‫أخي الكريم "الغريق"‪،‬‬
‫لن أقول لك شيئا‪ ،‬ولن أحمد‪ ،‬ولن أشكر‪ ،‬وسأكون معك واقعيّا جدّا جدّا‪ ،‬بل قد أكون قاسيا‬
‫بعض الشيء‪ ،‬فاعذرني‪.‬‬
‫حديثي في نقاطٍ ثلث‪:‬‬
‫‪ -‬النقطة الولى‪ :‬بشريّتنا‪.‬‬
‫‪ -‬النقطة الثانية‪ :‬الهمّة والعزم‪.‬‬
‫‪ -‬النقطة الثالثة‪ :‬انتهاك محارم ال تعالى‪.‬‬
‫النقطة الولى‪ :‬بشريّتنا‪:‬‬
‫قلت سابقا مرارا‪ ،‬وأعيد التكرار‪ :‬نحن بشرٌ ولسنا ملئكة‪ ،‬هكذا خلقنا ربّنا سبحانه‪ ،‬وهكذا‬
‫أرادنا‪ ،‬أن يتنازعنا الخير والشرّ‪ ،‬أن نخطئ ونصيب‪ ،‬أن نكبو ونقوم‪.‬‬
‫الشرط الوحيد في كلّ ذلك هو أن نعود إلى ربّنا سبحانه وتعالى دائما‪ ،‬أن نئوب إليه ونتوب‬
‫بعد كلّ خطأ‬
‫النقطة الثانية‪ :‬الهمّة والعزم‪:‬‬
‫أبرز ما في رسالتك يا أخي الغريق‪ ،‬أنّها تنبئ عن رجلٍ خائر القوى‪ ،‬فاقد العزيمة والرادة‪.‬‬
‫ذكّرتني رسالتك بقصيدةٍ سمعتها منذ سنين طوال‪ ،‬تصف حال أمّتنا وما آلت إليه‪ ،‬ويقول جزءٌ‬
‫منها‪:‬‬
‫قد اتّـسع الخَـرْق‪ ،‬والراقعون‪ ........‬نيـامٌ‪ ،‬ويقظانهم حائرُ‬
‫وذو الرأي فيهم بطيء الخطى‪ ........‬بليدُ المدى عزمه خائرُ‬
‫وذو العـزم جُـنّ أنـانـيّـةً‪ .......‬وأفسـده المسلك الجائرُ‬
‫قد اتّسـع الخرقُ والرّتْق أَعْيَى‪ .......‬وطـوّقنا الخطر السائرُ‬
‫وما أخالك إل أحد أهل الرأي بليدي المدى‪ ،‬خائري العزمات‪.‬‬
‫من السبب في ذلك؟؟ من أوصلك لهذا؟؟ أنت وحدك من يملك الجابة‪.‬‬
‫قد أجلس بالساعات أحدّثك في ضرورة أن يكون المسلم كذا وكذا‪ ،‬وأن يفكّر لمّته ويعمل لها‪،‬‬
‫ولكن –كما قلتَ أنت‪ -‬كلّ ذلك أنت تعرفه أكثر منّي‪ ،‬ويمكنك أن تلقي فيه محاضراتٍ لي ولغيري‪،‬‬
‫ولذلك لن أتحدّث فيه‪ ،‬وإنّما سأطلب منك أن تفكّر في أمرين‪ ،‬ثمّ سأحيلك إلى استشارات تحدّثت عن‬
‫الهمم‪ ،‬علّها تفيدك‪.‬‬
‫المران اللذان أودّ أن أحدّثك فيهما هم‪:‬‬
‫‪ -1‬فكّر كيف تعرف ربّك سبحانه وتعالى وتحبّه‪ ،‬انظر في نفسك‪ ،‬تفكّر في الكون‪ ،‬تتبّع‬
‫مخلوقاته كيف تعيش‪ ،‬عاين ال ِنعَم التي أحاطك بها من فوقك ومن تحتك ومن حولك ومن كلّ مكان‪،‬‬
‫ث ّم توقّف كثيرا أمام رحمته بنا وحلمه علينا سبحانه‪ ،‬ونحن العبيد المقصّرين العاصين البعيدين‪ ،‬وهو‬
‫ب المنعِم الذي يقترب منّا‪ ،‬إنّنا إذا خفنا من شيءٍ هربنا منه‪ ،‬ولكنّنا حين نخاف من ربّنا‬
‫ال الر ّ‬
‫سبحانه نهرب إليه‪ ،‬فالجأ إليه واهرب‪ ،‬واطلب منه العون بعد أن تأخذ بالسباب‪ ،‬و"الدنيا لن تمطر‬
‫ذهبا ول فضّة" كما قال الفاروق رضي ال عنه لمن يفكّر أن يجلس في بيته ويدعو ال تعالى أن‬
‫يرزقه‪.‬‬
‫همّ المّة وهمّ نفسك قد أضناك وأتعبك‪ ،‬فخذ بالسباب‪ ،‬وقوّ عزيمتك‪ ،‬كي تنقذ نفسك وأمّتك‪ ،‬ثمّ‬
‫قف مع هذا الشاعر وردّد معه‪:‬‬
‫فيـا ربّ يـا بارئ الكائنـات‪ .......‬ويـا عالما بخفايـا الصـدورْ‬
‫ألستَ تـرى الهمّ يشوي كياني‪ ........‬ويُلهـب قلبـي بنـا ٍر ونورْ؟‬
‫ففـكّ لبـأسي قيـود الزمـان‪ .......‬وأطلق يدي في عنان الدهورْ‬
‫و َهبْ لي من الحزم والعزم أمرا‪ .......‬ودعني لقومي أكون النشورْ‬
‫‪ -2‬تدرّب على تقوية همّتك وعزيمتك‪ ،‬فهذا من الخذ بالسباب‪ ،‬عاقب نفسك مثلً إذا عقدتّ‬
‫عزما على فعل أو تركٍ أمرٍ بما‪ ،‬ثمّ خالفتَ هذا العزم‪ ،‬عاقب نفسك بأن تجري مساف ًة معيّنةً عند‬
‫المخالفة‪ ،‬وزد المسافة كلّما كرّرت الخطأ‪ ،‬أو ألزم نفسك بالتصدّق بمبلغٍ من المال كلّما خالفت‪ ،‬وزد‬
‫المبلغ بزيادة المخالفة وتكرارها‪ ،‬أو اختر أيّة طريقةٍ تناسبك‪ ،‬وتؤثّر فيك‪.‬‬
‫ول أعني هنا الوامر الشرعيّة فقط‪ ،‬بل أعني كلّ شيءٍ مرتبطٍ بك‪ ،‬فإذا قلت كلمةً فالتزم بها‪،‬‬
‫وإذا عملت فأتقن عملك‪ ،‬وإذا عزمت على زيارة أحدٍ أو قضاء حاجة أحد‪ ،‬فافعل دون تردّد‪ ،‬فإذا‬
‫خالفت ما عزمت على فعله أيّا كان هذا العزم‪ ،‬فالجأ للعقوبة‪.‬‬

‫النقطة الثالثة‪ :‬انتهاك محارم ال تعالى‪:‬‬


‫هذه أه ّم نقطةٍ أودّ التركيز عليها‪ ،‬حديث رسولنا صلى ال عليه وسلم الذي يقول‪" :‬لعلم ّ‬
‫ن‬
‫أقواما من أمّتي يأتون يوم القيامة بحسناتٍ أمثال جبال تِهامة بيضا‪ ،‬فيجعلها ال عزّ وجلّ هباءً‬
‫منثورا"‪ ،‬قال ثوبان‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬صِفْهم لنا‪ ،‬جَلّهم لنا‪ ،‬أَن ل نكون منهم ونحن ل نعلم‪ ،‬قال‪" :‬أما‬
‫إنّهم إخوانكم ومن جلدتكم‪ ،‬ويأخذون من الليل كما تأخذون‪ ،‬ولكنّهم أقوامٌ إذا خلَوا بمحارم ال‬
‫انتهكوها"رواه ابن ماجه بسندٍ صحيح‪.‬‬
‫وأوّل ما أقول فيه‪ ،‬أنّه ليس المقصود منه من يخطئون ويئوبون‪ ،‬وإنّما المقصود المنافقون‬
‫الذين يُظهِرون شيئا ويُبطِنون شيئا آخر‪ ،‬ولكن هذا ل يعني أل نحذر إذا كنّا نفعل فعلهم من غير أن‬
‫نكون نقصد النفاق‪ ،‬الخوف يكمن في أن نستمرئ الشيء ونعتاده‪ ،‬فنغدو مثلهم‪ ،‬وقد يصيبنا ما‬
‫أصابهم‪ ،‬نعوذ بال تعالى من ذلك‪.‬‬
‫وأمّا علجه فليس في يدي‪ ،‬ول في يد أحدٍ غيرك‪ ،‬أنت من تستطيع أن تغيّر‪ ،‬ولكن بشرطين‪:‬‬
‫الوّل‪ :‬أن تمتلك إرادة الفعل والهمّة والعزم قلبا وفعل‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن تثابر وتصبر وتعتمد سياسة النفَس الطويل‪ ،‬دون مللٍ أو يأس‪ ،‬حتى وإن أفلحتَ‬
‫وانتكست‪ ،‬وأفلحتَ وانتكست‪.‬‬
‫بهذين الشرطين بعد توفيق ال تعالى وتيسيره وعونه‪.‬‬
‫عزيزي "الغريق"‪،‬‬
‫دعك من الناصر صلح الدين‪ ،‬ودعك من أصحابك‪ ،‬ودعك من ظنّ الناس‪ ،‬ودعك من الدنيا‬
‫بما كان فيها وما هو فيها وما سيكون فيها‪ ،‬اجعل المر بينك وبين ربّك سبحانه فقط‪ ،‬أنت وحدك‪،‬‬
‫ل معك‪ ..‬وقدّم له حججك وأدلّتك‪ ،‬وأحسن الظنّ به‪ ،‬فبعونه تعالى وبالهم ّة والصبر‬
‫وهو تعالى وج ّ‬
‫والمثابرة‪ ،‬صدّقني ستصبح منقذا للناس من الغرق ل مجرّد غريقٍ تمّ انتشاله قبل أن يلفظ أنفاسه‬
‫الخيرة‪.‬‬
‫هذا ما عندي بعيدا عن المدائح و"التشكّرات"‪ ،‬ويبقى ما بيدك أو ما عندك‪..‬‬
‫وأخبرني بأخبارك بعد النجاة بتوفيق ال تعالى‪.‬‬
‫داء ودواء‬
‫داعية ناجح‪ ..‬معاصيه ستوقفه‪ :‬لااااا‬
‫السؤال‪:‬‬
‫أزمةٌ نفسيّة‪،‬‬
‫إلى الستاذ فتحي يكن‪:‬‬
‫إنّي والحمد ل أتمتّع بمستوى ثقافيّ وعلميّ واجتماعيّ جيّد‪ ،‬وعلى قدرٍ ط ّيبٍ من اللتزام‪ ،‬وقد‬
‫لقيت والحمد ل توفيقا في مجال الدعوة‪ ،‬وتعلّق الناس في بلدتي بي كثيرا‪.‬‬
‫ولكنّي في الفترة الخيرة وجدتني أقع في الكثير من المعاصي التي لم يكن من السهل القلع‬
‫جدّيا في الكفّ عن الدعوة‪ ،‬وذلك خوفا من عقاب الخرة‪ ،‬لنّي قرأت عن ذلك كثيرا‪.‬‬‫عنها‪ ،‬ففكّرت ِ‬
‫فبمَ تنصحني؟‬
‫المستشار‪:‬‬

‫د‪ .‬فتحي يكن‬


‫الرد‬
‫أخي الكريم طارق حفظه ال‪ ،‬وثبّتنا وإيّاك على طريقه القويم وصراطه المستقيم‪ .‬هالني حالك‪،‬‬
‫وأفزعني مقالك وسؤالك‪ ..‬أيُعقل أن تستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير؟‬
‫القضيّة الساسيّة ل تكمن في اقتراف أحدنا لمعصية‪ ،‬فكما قال النبيّ صلى ال عليه وسلم‪" :‬كلّ‬
‫بني آدم خطّاء‪ ،‬وخير الخطّائين التوّابون"رواه أحمد والترمذيّ والنسائيّ وابن ماجه‪ ،‬بسندٍ صحيح‪،‬‬
‫وفي الحديث الشريف قوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬لو لم تخطئوا لجاء ال عزّ وجلّ بقومٍ يخطئون ثمّ‬
‫يستغفرون فيغفر لهم"رواه المام أحمد‪ ،‬بسندٍ صحيح‪ ،‬وروى المام مسلم نحوه‪.‬‬
‫إنّني هنا ل أهوّن من أمر المعصية‪ ،‬وإنّما أعجب لخيار المعالجة‪ ،‬الذي من شأنه أن يزيد‬
‫المشكلة تعقيدا والمر سوءا ‪-‬ل قدّر ال‪.-‬‬
‫أل تعلم يا أخي الكريم أنّ قيامك بأمر الدعوة هو في حدّ ذاته علج‪ ،‬وأنّ هذا العلج إن لم ينفع‬
‫ي صلى ال عليه‬ ‫اليوم فسينفع غدا بإذن ال‪ ،‬فعن أبي هريرة رضي ال عنه قال‪ :‬جاء رجلٌ إلى النب ّ‬
‫وسلم فقال‪ :‬إنّ فلنا يصلّي بالليل‪ ،‬فإذا أصبح سرق‪ ،‬فقال‪" :‬سينهاه ما تقول"رواه المام أحمد‪ ،‬بسندٍ‬
‫صحيح‪.‬‬
‫ن "الكفّ عن الدعوة" يعني الخروج من دائرة الرعاية والحماية الربانيّة‪ ،‬ويعني النغماس أكثر‬
‫إّ‬
‫فأكثر فيما أنت تشكو منه‪ ،‬ويعني اختيار طريق الغواية ل الهداية‪ ،‬أعاذني ال وإيّاك أن نكون من‬
‫سالكيها‪.‬‬
‫ل وتفكير‪ ،‬وإلى‬
‫ثم إنّ ما تقع فيه من المعاصي –على حدّ قولك– لَيحتاج إلى تو ّقفٍ وتأمّ ٍ‬
‫استكشاف أسباب ذلك ومعالجته‪ ،‬وليس إلى الهروب منه‪ ،‬فأعمال النسان هي ثمرات غرسه ونِتاج‬
‫تكوينه‪ ،‬وقد يحتاج أحدنا إلى إعادة النظر في الغرس والتكوين‪ ،‬إن جاء الثمر سقيما وغير سليم‪.‬‬
‫فمن أسباب الخلل أحيانا‪ :‬عدم ترتيب العمال والهتمامات وفق الولويّات الشرعيّة والمراتب‬
‫التكليفيّة‪ ،‬كأن يكون اهتمامنا بالخرين أكثر من اهتمامنا بأنفسنا‪ ،‬وهو مخالفٌ لقوله تعالى في تبيان‬
‫الولويّات‪" :‬يا أيّها الذين آمنوا قُوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة"‪.‬‬
‫ومن أسباب الخلل كذلك‪ :‬عدم معرفتنا لعوامل نجاحنا وتوفيقنا كدعاةٍ في مجال دعوة الخرين‪،‬‬
‫والثبات على ما ندعو إليه‪ ،‬كتنقيتنا وتصفيتنا الدائمة لشوائب أعمالنا وتصرّفاتنا‪ ،‬ممّا يداخلها ويدخل‬
‫عليها ويعتريها من نوازع الرياء والشهرة والمصلحة وغيرها‪ ،‬والذي أشار إليه سيّدنا عليّ بن أبي‬
‫طالبٍ رضي ال عنه بقوله‪" :‬من نصّب نفسه للناس إماما فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره‪ ،‬وليكن‬
‫تهذيبه بسيرته قبل تهذيبه بلسانه‪ ،‬ومعلّم نفسه ومهذّبها أحقّ بالجلل من معلّم الناس ومهذّبهم"‪.‬‬
‫ثم إنّنا في زمنٍ يستهلك اليمان والقِيَم والخلق استهلكا كبيرا‪ ،‬ممّا يحتاج إلى مضاعفة‬
‫ي والقِيَميّ والخلقيّ‪ ،‬خوفا من التعرّض للفلس‪.‬‬ ‫النتاج اليمان ّ‬
‫وأخيرا‪ ،‬فإنّ علينا كمسلمين وإسلميّين ودعاة‪ ،‬أن نجعل التوبة والنابة إلى ال مخرجنا من كلّ‬
‫ل مكروه‪ ،‬والكير الذي ينفي خبثنا‪ ،‬ويشحذ همّتنا‪ ،‬ويوقظنا من غفلتنا‪.‬‬
‫ضيق‪ ،‬وملجأنا من ك ّ‬
‫فكيف نقنط ونحبَط ونحن نقرأ قوله تعالى‪" :‬قل يا عباديَ الذين أسرفوا على أنفسهم ل تقنطوا‬
‫ن ال يغفر الذنوب جميعا إنّه هو الغفور الرحيم‪ ،‬وأنيبوا إلى ربّكم وأسلموا له من‬ ‫من رحمة ال إ ّ‬
‫قبل أن يأتيكم العذاب ثمّ ل تُنصَرون"‪.‬‬
‫إنّ لمعالجة ما يعترض طريقنا من عقبات‪ ،‬وما نقع فيه من معاصٍ ومخالفات‪ ،‬طرائق أخرى‬
‫شرعيّة‪ ،‬وليس في تخلّينا عن دعوتنا‪ ،‬وخسارتنا الكلّيّة لنفسنا‪.‬‬
‫ولقد عبّر المام البوصيري عن هذه المعاني مجتمعةً فيما نظم شعرا جاء فيه قوله‪:‬‬
‫ن الكبـائر في الغفـران كـاللّممِ‬
‫ظمَت‪ .......‬إ ّ‬
‫عُ‬‫س ل تقنطي من ذِلّةٍ َ‬
‫يا نف ُ‬
‫لعلّ رحمة ربّـي حيـن يقسمها‪ .......‬تأتي على حسب الغفران في القسمِ‬
‫صمِ أو َيصِم‬
‫ن الهوى ما تولّى ُي ْ‬
‫فاصرف هـواها وحاذر أن تولّيَه‪ .......‬إ ّ‬
‫وخالف النفس والشيطان واعصِهما‪ .......‬وإن هما محّضاك النصح فاتّهمِ‬
‫حكَما‪ .......‬فأنت تعرف كَيد الخصم والحكَمِ‬
‫ول تطع منهما خصـما ول َ‬
‫واستفرغ الدمع من عينٍ قد امتلت‪ .......‬من المحارم والزم حمية النـدم‬
‫ول ترُم بالمعاصي كسـر شهوتها‪ .......‬إنّ الطعام يقوّي شهـوة النهِـم‬
‫أعانك ال تعالى‪ ،‬وأنصحك بقراءة الستشارة التالية‪:‬‬
‫‪ -‬ويمنعني الرياء‬
‫ليس إيمانًا‬

‫ليس إيمانًا‬

‫•دعوتي سبب تقصيري!!‪ ..‬الجمع بينهما أولى‬


‫•العقيدة والسلوك ‪ ..‬الفصام النّـكِد‬
‫•داعيةٌ علنا‪ ..‬مخطئ ٌة سرا‪ :‬انفصام الدعاة‪ ..‬وافتراض الكمال‬
‫•كاتب‪ :‬يعظ الناس‪ ..‬ويقصر هو‬

‫•في زمن الفتن ‪ ..‬ننعزل أم نلتزم ؟؟ مشاركة‬


‫•النعزال خوفًا من الفتنة ‪ ..‬إنها الفتنة !!‬
‫•جماعتي ل تهتم باليمانيات‪ ..‬ل للنعزال من جديد‬

‫•بسبب العمل‪ ..‬تاهت إيمانيا!!‬


‫•الروحانية والعمل الداري ‪ ..‬الجناحان المتلزمان‬
‫•السمو الروحي‪ :‬كيف يتحقق في حياتنا المشغولة؟‬
‫•هل نترك الدنيا ونبيع العرق سوس؟!!‪ ..‬شبهات على الطريق‬
‫ليس إيمانًا‬
‫دعوت سبب تقصيي!!‪ ..‬المع بينهما أول‬
‫السؤال‪:‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‪،‬‬
‫أودّ أن أشكر كلّ القائمين على هذا الموقع العظيم‪ ،‬وجزاكم ال تعالى خيرا للتيسير على‬
‫المسلمين‪ ،‬ومحاولتكم التخفيف عنهم‪ ،‬إنّه على كلّ شئٍ قدير‪.‬‬
‫مشكلتي أنّني أدعو إلى ال بإخلصٍ شديد‪ ،‬ولكنّي بعد كلّ م ّرةٍ أجد أنّني أقصّر في عبادتي‪ ،‬إمّا‬
‫أن أسرح في صلتي أو أتكاسل عن قيام الليل‪ ،‬أو يحدث ما يمنعني من صيام النوافل‪ ...‬وما إلى‬
‫ذلك‪ ،‬وتكرّرت هذه الظاهرة لدرجة أنّني أحيانا أفكّر بأن أتوقّف عن الدعوة خوفا على طاعتي‪.‬‬
‫ما رأيكم دام فضلكم؟‬
‫المستشار‪:‬‬

‫فريق الستشارات الدعوية‬


‫الرد‬
‫يقول الستاذ هاني محمود من فريق الستشارات‪:‬‬
‫"أختي الكريمة أماني‪،‬‬
‫سعدت جدا حينما قرأت رسالتك‪ ،‬سعدت لهذا الحساس الحيّ الذي نحتاجه جميعا‪ ،‬إحساس‬
‫المراقب لنفسه‪ ،‬العالم بحاله‪ ،‬القيّم على أمره‪ ،‬الذي إذا حدث تغيّرٌ في حاله مع ال كان سريع النتباه‬
‫له‪.‬‬
‫وأتّفق معكِ ‪-‬أختي الكريمة‪ -‬في الصل المطلوب في حال الداعي إلى ال‪ ،‬وكيف أنّه يجب أن‬
‫يكون الرائد والسابق دوما إلى ال‪ ،‬أن يكون حاله أبلغ من مقاله‪ ،‬ل أن يكون كما اللفتة على‬
‫الطريق إلى ال‪ ،‬فهي تشير للناس "الطريق من هنا" ثمّ هي مكانها ل تتقدّم‪ ،‬أو كما عبّر عنها بعض‬
‫أساتذتنا‪" :‬ل تكن كالقنطرة يعبر الناس عليها إلى الجنّة ثمّ يُلقَى بها في النار"‪ ،‬أو كما قال الحادي‪:‬‬
‫"ل تكن كالشمعة‪ ،‬تُضيء لغيرها وتحرق نفسها"‪.‬‬
‫وأتّفق معكِ أيضا في مدى ما للنوافل من أث ٍر في تصفية النفس وتقريبها من خالقها ومولها‬
‫جلّ وعل‪ ،‬وهل أبلغ في ذلك من هذا الحديث الرائع عن أبي هريرة رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬إنّ ال قال‪ :‬من عادى لي وليّا فقد آذنته بالحرب‪ ،‬وما تقرّب إليّ عبدي‬
‫ب إليّ ممّا افترضته عليه‪ ،‬وما يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أحبّه‪ ،‬فإذا أحببته؛‬
‫بشيءٍ أح ّ‬
‫كنت سمعه الذي يسمع به‪ ،‬وبصره الذي يبصر به‪ ،‬ويده التي يبطش بها‪ ،‬ورجله التي يمشي بها‪،‬‬
‫وإن سألني لعطينّه‪ ،‬ولئن استعاذني لعيذنّه‪ ،‬وما تردّدت عن شيءٍ أنا فاعله تردّدي عن نفس‬
‫المؤمن‪ ،‬يكره الموت وأنا أكره مساءته"رواه البخاريّ‪.‬‬
‫ولكن ‪-‬أختي الكريمة‪-‬؛ أظنّك تتّفقين معي أيضا أنّ من أراد التقرّب إلى ال لن يجد وسيلةً‬
‫خيرا من التي دلّ ال عليها للتقرّب بها إليه‪ ،‬أليس كذلك؟‬
‫فلنرجع سويّا إذن إلى هذا الحديث القدسيّ العظيم الذي رسم بوضوحٍ طريق السالكين إلى ال‬
‫ي مما‬
‫ب إل ّ‬
‫كما يحبّ ال‪ ،‬أل تَرين معي ماذا قدّم ال‪ ،‬وما جعله الولى؟! أل تستمعين إلى قوله "أح ّ‬
‫افترضته عليه"؟!‬
‫فانظري –حفظك ال‪ -‬أيّهما الولى‪ ،‬الفرض أم النافلة؟ أنا ل أحبّ الفصل بهذه الصورة‪ ،‬فكل‬
‫المران يُكمل الخر‪ ،‬ولكن مادمنا نحسّ أنّ هناك مشكلة‪ ،‬فيجب إذن أن نرجع إلى الصول نستقي‬
‫من معينها الصافي الفهم الصحيح‪.‬‬
‫وحقيقةً –أختي‪ -‬لم أستطع أن أفهم معنى كلمك‪" :‬بعد كلّ م ّرةٍ أجد أنّني أقصّر في عبادتي"‪،‬‬
‫بعد كلّ م ّرةٍ من ماذا؟ أبعد كلّ م ّرةٍ من ممارسة الدعوة تجدين التقصير؟! يا أختي ألست تَدعين إلى‬
‫ال؟! فكيف إذن تكون دعوتك إلى ال بابا إلى التقصير في طاعة ال؟!‬
‫سأفترض معك أنّه ربّما يكون الجهد الكثير الذي يُبذَل في الدعوة يؤدّي إلى الرهاق والتعب‬
‫البدنيّ‪ ،‬وإذا كان ذلك فهل نجعله مدعاةً إلى التفكير بالتوقّف عن الدعوة‪ ،‬بدلً من أن يكون مصدر‬
‫ن بعض العمال الدعويّة التي‬ ‫فرحٍ أن اصطفانا ال لنأخذ بأيدي عباده لنرشدهم إليه؛ أو ربّما نحسّ أ ّ‬
‫نقوم بها تفتقد إلى الجانب الروحيّ فيها‪ ،‬وهذا ل يعيب العمل‪ ،‬لكنّه يتطلب منّا تلمّس أرواحنا في ما‬
‫نقوم به من أعمال‪.‬‬
‫أفزعتني الكلمة ‪-‬أختي الكريمة‪ -‬حينما قرأتها‪ ،‬أشعرتني بالقلق إذ كثيرا ما صرت أسمعها‬
‫تتكرّر على ألسنة الدعاة‪ ،‬ول أدري لماذا؟! لماذا صار أوّل طرحٍ يمكن أن نقدّمه لحلّ مشكلتنا هو‬
‫أن "أتوقّف عن الدعوة"؟!‬
‫ن ممّا يرويه لنا التابعيّ الجليل عامر الشعبي‪" :‬أنّ رجالً خرجوا من الكوفة‪ ،‬ونزلوا قريبا‬
‫إّ‬
‫يتعبّدون‪ ،‬فبلغ ذلك عبد ال بن مسعودٍ رضي ال عنه‪ ،‬فأتاهم‪ ،‬ففرحوا بمجيئه إليهم‪ ،‬فقال لهم‪ :‬ما‬
‫حملكم على ما صنعتم؟ قالوا‪ :‬أحببنا أن نخرج من غمار الناس نتعبّد؛ فقال ابن مسعود‪ :‬لو أنّ الناس‬
‫فعلوا مثل ما فعلتم فمن كان يقاتل العدو؟ وما أنا ببارحٍ حتى ترجعوا"‪.‬‬
‫ولئن توقّف كلّ داعيةٍ يرى من نفسه تقصيرا‪ ،‬فلمن ندع مجال التوجيه والرشاد إذن؟ أللشيطان‬
‫وأتباعه؟! فاعلمي أنّ في دعوتك إلى ال زا ٌد لك في القُربى من ال تعالى‪.‬‬
‫دعينا من كلّ ما سبق‪ ،‬ولنُجمل نقاط العلج‪:‬‬
‫‪ -‬يقول رسول ال صلّى ال عليه وسلم‪" :‬من فاته ورده من الليل‪ ،‬فليقرأه في صل ٍة قبل‬
‫الظهر‪ ،‬فإنّها تعدل صلة الليل"رواه النّسائيّ بسندٍ صحيح‪ ،‬فلنجعل لنفسنا حدّا ل نتجاوزه في‬
‫الطاعات ول نتنازل عنه‪ ،‬وليكن لنا في ذلك وردٌ نحاسب عليه أنفسنا‪ ،‬فإن فاتنا شيءٌ من وردنا‬
‫استدركناه‪ ،‬وبذلك نحافظ على القدر الكبر من طاعاتنا‪.‬‬
‫‪ -‬يقول المام ابن الجوزيّ‪" :‬إنّما يتعثّر من لم يخلص"‪ ،‬ويقول شيخ زهّاد بغداد عبد القادر‬
‫الكيلنيّ رحمه ال‪" :‬السير سير القلب"‪.‬‬
‫فالنيّة في كلّ شيء‪ ،‬واستحضار القلب في كلّ عمل‪ ،‬حتى لو كان هذا العمل خارج دائرة العبادات‪،‬‬
‫ي من المعاملت كما يأتينا من‬ ‫وهو ما أسميناه من قبل بـ"إيمان المعاملة"‪ ،‬حيث يأتينا الزاد اليمان ّ‬
‫العبادات‪.‬‬
‫‪ -‬موقفٌ رُوي عن المام الجُنَيْد رحمه ال‪ ،‬قال أبو بكر الكتّاني‪" :‬جرت مسألةٌ في محبّة ال‬
‫تعالى بمكّة فتكلّم الشيوخ فيها‪ ،‬وكان الجُنَيْد أصغرهم سنّا‪ ،‬فقالوا‪ :‬هاتِ ما عندك يا عراقيّ؛ فأطرق‬
‫رأسه ودمعت عيناه‪ ،‬ث ّم قال‪ :‬عبدٌ ذاهبٌ عن نفسه‪ ،‬متّصلٌ بذكر ربّه‪ ،‬قائمٌ بأداء حقوقه‪ ،‬ناظرٌ إليه‬
‫بقلبه؛ فإن تكلّم فبال‪ ،‬وإن نطق فعن ال‪ ،‬وإن تحرّك فبأمر ال‪ ،‬وإن سكن فمع ال؛ فهو بال ول‬
‫ومع ال"‪.‬‬
‫فلنستحضر ال في كلّ أحوالنا‪ ،‬ويعيننا على ذلك أذكار الحوال الواردة عن النبيّ صلّى ال‬
‫عليه وسلم‪ ،‬مع التفكّر فيها‪.‬‬
‫‪ -‬اجعلي علج معاذٍ رضي ال عنه‪ ،‬والذي رواه البخاريّ‪" :‬اجلس بنا نؤمن ساعة" ُنصْب‬
‫عينيك دائما؛ فاتّخذي رفقةً تعينك‪ ،‬تتّفقون معا على التزوّد والتذكير‪.‬‬
‫ل واع‪ ،‬وقد نادانا السابقون فيه‬
‫ولنتذكّر دوما أنّ طريق الجنّة طويلٌ شاقٌ يحتاج إلى صبرٍ جمي ٍ‬
‫وقالوا‪" :‬أصلح نفسك‪ ،‬وادع غيرك" على قدم المساواة فل يُغني أحدهما عن الخر‪.‬‬
‫أسأل ال أن يهديك إلى أرشد أمرك؛ وتابعينا بأخبارك"‪.‬‬

‫ليس إيمانًا‬
‫العقيدة والسلوك ‪ ..‬الفصام النّـكِد‬
‫السؤال‪:‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‪،‬‬
‫أتمنّى أن يردّ على سؤالي د‪ .‬كمال المصري‪.‬‬
‫أمّا سؤالي فهو‪ :‬كيف يقدِر المرء أن ينتقل من مرحلة النفصال الذي يعيشه بين عقيدته‬
‫وسلوكه إلى مرحلة تصديق السلوك لما يقرّ في القلب ؟‬
‫رضي ال عنّا وعنكم‪.‬‬
‫المستشار‪:‬‬

‫كمال المصري‬
‫الرد‬
‫أخي الحبيب المهدي‪ ،‬جعلك ال تعالى هاديًا مهديّا‪،‬‬
‫آمين يا ربّنا الكريم‪ ..‬فما لنا من غايةٍ غير رضاك‪ ،‬حيث نُسلِم عند لقاك الرحال‪ ،‬ونُلقِي لديك‬
‫عناء المسير‪.‬‬
‫ما سألته يا أخي الحبيب هو أمرٌ عظيم‪ ،‬والحديث فيه ليس بالهيّن‪ ،‬ليس لنّه صعب الفهم‪ ،‬وإنّما‬
‫لنّه صعب المنال‪ ،‬فدائمًا ما تكون الفكار والنظريّات برّاقةً جذابةً بهيّة‪ ،‬غير أنّ واقعها عاد ًة ل‬
‫يكون كذلك‪ ،‬وهذا لسبابٍ كثيرةٍ عديدة‪.‬‬
‫أمّا عندما نتحدّث تخصيصًا في مسألة منهج ال تعالى "السلم"‪ ،‬فيغدو المر أيسر وأصعب في‬
‫نفس الوقت‪ ،‬أيسر لنّ تيسير ال تعالى سيكون مع من يلتزم المنهج الصحيح الكامل‪ ،‬وأصعب جدّا‬
‫ط قويّ يشدّ بعضه بعضًا‪ ،‬فحينئذٍ يصبح من‬
‫حين ل يلتزم الناس بتكامليّة السلم؛ لنّه دينٌ متراب ٌ‬
‫العسير أن تختزله أو تجتزئ منه شيئًا‪.‬‬
‫دعْنا من العموميّات‪ ،‬ولنكن أكثر تحديدًا‪:‬‬
‫ي السلوكيّ منشؤها في الحقيقة ثلث مشكلت‪:‬‬
‫مشكلة هذا النفصال العقد ّ‬
‫‪ -‬مشكلةٌ في الفهم‪.‬‬
‫‪ -‬مشكلةٌ في الروافد إلى القلب‪.‬‬
‫‪ -‬مشكلةٌ في التطبيق‪.‬‬
‫‪ -‬مشكلةٌ في الفهم‪:‬‬
‫هذه المشكلة أظهرها بجلءٍ الفاروق رضي ال عنه في موقفين من مواقفه الرائعة‪:‬‬
‫الموقف الوّل‪ :‬الفاروق والحجر السود‪:‬‬
‫عن عابس بن ربيعة‪ ،‬عن عمر رضي ال عنه‪ ،‬أنّه جاء إلى الحَجَر السود فقبّله‪ ،‬فقال‪" :‬إنّي‬
‫أعلم أنّك حجر‪ ،‬ل تض ّر ول تنفع‪ ،‬ولول أنّي رأيتُ النبيّ صلى ال عليه وسلم يقبّلك ما قبّلتك"‪ .‬رواه‬
‫البخاريّ ومسلم‪.‬‬
‫قال المام الطبريّ‪" :‬إنّما قال ذلك عمر لنّ الناس كانوا حديثي عهدٍ بعبادة الصنام‪ ،‬فخشي عمر أن‬
‫جهّال أنّ استلم الحَجَر من باب تعظيم بعض الحجار كما كانت العرب تفعل في الجاهليّة‪،‬‬ ‫يظنّ ال ُ‬
‫فأراد عمر أن يُعلّم الناس أنّ استلمه اتّباعٌ لفعل رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ل لنّ الحجر ينفع‬
‫ويضرّ بذاته‪ ،‬كما كانت الجاهليّة تعتقده في الوثان"‪.‬‬
‫الموقف الثاني‪ :‬الفاروق مع المادح‪:‬‬
‫جاء في المواعظ للعسكري أن رجلُ قال لعمر رضي ال عنه‪ :‬إنّ فلنًا رجل صِدق‪ ،‬فقال له‪ :‬هل‬
‫سافرت معه؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬فهل كانت بينك وبينه معاملة؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬فهل ائتمنته على شيء؟‬
‫قال‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬فأنت الذي ل علم لك به‪ ،‬أراك رأيته يرفع رأسه ويخفضه في المسجد!!‪.‬‬
‫لقد عانى المسلمون من طغيان رهبانيّة النصارى على فهم المسلمين لدينهم‪ ،‬فأراحوا عقولهم‬
‫من التفكير فيه‪ ،‬وحكموا على الناس بمنطق الرهبانيّة هذا‪ ،‬ولم يكن السلم يومًا دينًا يمنع الفكر‪،‬‬
‫ويدعو للرهبنة‪.‬‬
‫ن أمر العقل بأن يفكّر‪ ،‬ونهى عن تقييم الشخاص بمدى ما يُظهرونه من رهبنة‪.‬‬ ‫السلم دي ٌ‬
‫هذه المشكلة في الفهم‪ ،‬هي التي أوجدت فصامًا بين ما يعتقده العديد من المسلمين‪ ،‬وبين ما‬
‫يمارسونه‪ ،‬إذ فهمهم لدينهم هو ما يعتقدون ل ما يمارسون‪.‬‬
‫مشكلةٌ في الروافد إلى القلب‪:‬‬
‫تأسيسًا على نفس المنطق الخاطئ في الفهم‪ ،‬نشأ منطقٌ خاطئٌ في استقاء اليمان‪ ،‬انبنى على‬
‫أنّ رافد اليمان هو هذه الرهبنة‪ ،‬هو العبادات من صلةٍ وصيامٍ وقيام ليلٍ وغيرها من الطاعات‬
‫فقط‪ ،‬ونسي المسلمون ركنا أساسيّا ورافدا قويّا يجب أن يستقوا منه إيمانهم وتقواهم وقربهم من ال‬
‫تعالى‪.‬‬
‫هذا الرافد هو "المعاملة"‪ ،‬فكما أن الدين العبادة‪ ،‬فالدين المعاملة كذلك‪ ،‬وإل فماذا نفعل بهذا‬
‫التراث الضخم الذي أتانا من ديننا‪ ،‬وكلّه مبنيّ على المعاملة والسلوك ل على العبادة والصلة ؟؟‪.‬‬
‫عندما يصف ربّنا سبحانه رسوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬وإنّك لعلى خلقٍ عظيم"‪ " ،‬فبما رحمةٍ‬
‫من ال لنتَ لهم ولو كنتَ فظّا غليظ القلب لنفضّوا من حولك"‪ ،‬ويحثّنا رسولنا صلى ال عليه وسلم‬
‫بفعله على حسن الخلق‪ ،‬كما وصفه عبد ال بن عمرو رضي ال عنهما‪ :‬لم يكن رسول ال فاحشًا‬
‫ول متفحّشًا‪ ،‬وإنّه كان يقول‪" :‬إنّ خياركم أحاسنكم أخلقًا" رواه البخاريّ‪.‬‬
‫حينما أسمع رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪" :‬تبسّمك في وجه أخيك لك صدقةٌ‪ ،‬وأمرك‬
‫بالمعروف ونهيُك عن المنكر صدقة‪ ،‬وإرشادك الرجل في أرض الضللة لك صدقة‪ ،‬وبصرك‬
‫للرجل الرديء البصر لك صدقة‪ ،‬وإماطتك الحَجَر والشوكة والعظم عن الطريق لك صدقة‪،‬‬
‫وإفراغك من دَ ْلوِك في دلو أخيك لك صدقة" رواه الترمذيّ بسندٍ حسن‪.‬‬
‫شوْك على الطريق‬
‫غصْن َ‬
‫وعندما يحكي صلى ال عليه وسلم‪" :‬بينما رجل يمشي بطريق‪ ،‬وجد ُ‬
‫فأخّرَه‪ ،‬فشكر ال له فغفر له" رواه البخاريّ‪.‬‬
‫وعندما يأمرُنا صلى ال عليه وسلم بالسماحة‪" :‬رحم ال رجلً سمحًا إذا باع وإذا اشترى وإذا‬
‫اقتضى" رواه البخاريّ‪ ،‬ويصف المنافق بـ‪ " :‬آية المنافق ثلث‪ :‬إذا حدّث كذب‪ ،‬وإذا وَعَد أخلف‪،‬‬
‫وإذا اؤتمن خان" رواه البخاريّ‪.‬‬
‫هذا كلّه من الوامر والفضائل "المعاملتيّة" هل هي لمجرّد العلم‪ ،‬أم هي للممارسة أيضًا ؟‬
‫وهل لها – إذا ما طبقناها ‪ -‬علقةٌ بزيادة اليمان في قلوبنا أم ل ؟‪.‬‬
‫لو كانت ليست لها علقةٌ باليمان‪ ،‬فمعذرة‪ ،‬ما فائدتها ؟ ولماذا وردت ؟ ولماذا حثّ ديننا عليها‬
‫وأمر بها ؟‪.‬‬
‫لن يغفر ال تعالى لرجلٍ لم يزد اليمان في قلبه حين َرفَع الذى عن طريق الناس‪ ،‬ولن يرحم‬
‫ن ينغرس في القلب‪ ،‬ولن‬
‫ربّنا تعالى رجلً لم يتسامح في حياته‪ ،‬إل إذا كان هذا التسامح هو إيما ٌ‬
‫تنهال الصدقات على المسلم حين يساعد غيره‪ ،‬فيرشد الضالّ‪ ،‬ويبصر لضعيف البصر‪ ،‬ويتبسّم في‬
‫وجه إخوانه‪ ،‬لن تصله هذه الصدقات إل لوقعها اليمانيّ عليه‪.‬‬
‫نقص هذا الرافد "المعاملتيّ" في قلوب المسلمين أوجد عندهم انفصامًا آخر‪ ،‬فعاشوا في‬
‫انفصال بين حياتهم "العباديّة" مع ربّهم‪ ،‬وحياتهم "المعاملتيّة" مع بني البشر‪.‬‬
‫‪ -‬مشكلةٌ في التطبيق‪:‬‬
‫المشكلتان السابقتان أنتجتا واقعًا تطبيقيّا ل يتّفق بشيءٍ مع السلم‪ .‬أصبح مفهوم "الصلح"‬
‫عندنا هو في مدى التزامنا في صلتنا‪ ،‬وصيامنا‪ ،‬وتلوتنا للقرآن الكريم فقط‪.‬‬
‫وغدا القُرب من ال تعالى يكون عبر قيام الليل‪ ،‬وكثرة السجود فحسب‪.‬‬
‫حسْن الخلق‪ ،‬أمّا مساعدة الخرين‪ ،‬أمّا حُسْن المعاملة‪،‬‬
‫أمّا التطبيق‪ ،‬أمّا اللتزام‪ ،‬أمّا إتقان العمل‪ ،‬أمّا ُ‬
‫أمّا‪ ،..‬أمّا‪ ...‬إلخ من الممارسات مع البشر‪ ،‬فهذه كلّها ل شأن لها بال تعالى‪ ،‬وليست ثمّة علقةٌ‬
‫بينها وبين اليمان‪.‬‬
‫تطبيق خلصته‪" :‬أن إيمانك هو علقتك بربّك في عباداتك‪ ،‬أمّا خلق ال تعالى فليذهبوا هم وحقوقهم‬
‫ل قوّامًا بكّاءً‪ ،‬ثمّ أهمِل في عملك‪ ،‬وكن غليظا فظّا مع الناس كما‬
‫إلى الجحيم‪ :‬وقانونه‪" :‬كُنْ رج ً‬
‫تشاء"‪.‬‬
‫وكم رأينا من هؤلء الذين من هذه النوعيّة ‪ -‬للسف ‪ -‬التزامًا في الملبس وفي العبادة‪،‬‬
‫وتقصيرًا وغلظةً ل مثيل لهما مع البشر‪.‬‬
‫ت بعضها على بعض‪ ،‬هو الذي أنتج النفصال بين‬
‫هذا الفصام الناتج من مشكلت ثلثٍ بُنِي ْ‬
‫العقيدة والسلوك‪.‬‬
‫إنّ عقيدتنا وعبادتنا وأخلقنا وممارساتنا لتخرج من مشكا ٍة واحد ٍة ل انفصام بينها‪ ،‬فحين تنبني‬
‫أفهامنا على أنّ ديننا عقيدةٌ ومعاملة‪ ،‬وحين ندرك أنّ روافد اليمان إلى قلوبنا رافدان‪ :‬عباديّ‬
‫ومعاملتيّ‪ ،‬وحين نتعلّم كيف نحوّل زيادة قربنا من ربّنا سبحانه إلى زياد ٍة في إتقان العمل وإجادته‪،‬‬
‫وإكثارٍ من حُسن الخلق وحُسن المعاملة مع خلق ال تعالى‪ ..‬حين نفعل كلّ ذلك يختفي النفصال‬
‫والنفصام من حياتنا‪.‬‬
‫المر يسيرٌ حين نفهم ديننا كاملً‪ ،‬عسي ٌر صعبٌ حين نمارس الفصام النكِد‪.‬‬
‫هذا ما ارتأيته أخي الحبيب المهدي‪ ..‬غفر ال تعالى لي ولك ولجميع المسلمين‪ ..‬وعفا عنّا‬
‫جميعا ورضي‪.‬‬
‫وفي انتظار رسائلك‪.‬‬

‫ليس إيمانًا‬
‫داعيةٌ علنا‪ ..‬مطئةٌ سرا‪ :‬انفصام الدعاة‪ ..‬وافتراض الكمال‬
‫السؤال‪:‬‬
‫السلم عليكم ورحمة ال وبركاته‪،‬‬
‫تخبرني أختي في ال وهي في قمّة الحيرة‪ :‬أعرف داعيةً تقيم الدروس والمواعظ‪ ،‬والنساء‬
‫يتأثّرن بها وبدعوتها‪ ،‬ولكن حين أجلس معها جلسةً خاصّة‪ ،‬أراها ترتكب معصيةً هي من أعظم‬
‫المعاصي‪ ،‬فهي تستغيب الناس‪ ،‬بل وقد تستغيب والديها وتنتقدهما بش ّدةٍ أمام الناس دون احترامهما‬
‫ول توقيرهما!!‪.‬‬
‫تتساءل أختي كيف يمكن لنسانٍ أن يحقّق إنجازاتٍ دعويّة‪ ،‬وأن تسيل دموعه بغزارةٍ بين يدي‬
‫ال في الصلة ‪-‬وهذان المران نعمةٌ عظيم ٌة ل يؤتاهما إل إنسانٌ تقيّ‪ -‬بينما هي ترتكب هذه‬
‫المعاصي الشنيعة؟؟؟؟ ما تفسير ذلك؟؟‬
‫المستشار‪:‬‬

‫الدكتورة منى حداد‬


‫الرد‬
‫أختي الكريمة‪،‬‬
‫هنا تكمن المشكلة التي تعاني منها مجتمعاتنا السلميّة‪ ،‬الدعاة ليسوا القدوة الصالحة‪ ،‬لهذا فهم‬
‫يتركون الناس في بلبلةٍ فكريّة‪ ،‬وحيرةٍ نفسيّة‪.‬‬
‫في جلسات الدعوة يظهرون بصورةٍ إيمانيّةٍ رائعة‪ ،‬وفي غيرها يمارسون المعاصي الشنيعة‬
‫التي ل يمكن أن يتقبلّها الناس‪ ،‬ليقينهم بأنّها من الموبقات‪.‬‬
‫إنّ الناس يراقبون في الداعية كلّ تصرّفاته‪ ،‬ول يتقبّلون بأن يمارس هذا الداعية اللمم‪ ،‬فكيف‬
‫بالكبائر؟‬
‫إنّ من أعطاه ال رقّ ًة في القلب‪ ،‬ودمعا في العين خشيةً منه تعالى‪ ،‬يجب أن يستشعر بأنّ ال‬
‫معه أينما كان في السرّ والعلن‪ ،‬في المجالس الخاصّة كما في المجالس العامّة‪.‬‬
‫وإنّ مَنْ منحه ال القدرة على التأثير في الناس وتحقيق إنجازاتٍ دعويّة‪ ،‬لبدّ له من مراجعة‬
‫سلوكه يوميّا وهو بين يدي ال‪ ،‬فيسأل نفسه ويحاسبها‪ :‬ماذا ارتكب اليوم من الخطاء‪ ،‬فكيف‬
‫بالعيوب؟‬
‫أرى –أختي الكريمة– بأن تنصحي هذه الداعية باستعمال أسلوبين للنصيحة‪:‬‬
‫أوّلهما‪ :‬طرح المشكلة عليها أمام المل‪ ،‬كأن تُسأَل‪ :‬ما رأي الشريعة في كذا؟ أو ما حكم‬
‫السلم فيمن تمارس الكبائر التالية؟ طبعا دون الغمز بشخصها‪ ،‬ودون أن يكون للسائلة أيّ علقةٍ‬
‫شخصيّةٍ بها؟‬
‫وثانيهما‪ :‬مفاتحتها بشكلٍ مباشرٍ ودون تشهيرٍ بها كي ل تُحرَج‪ ،‬ومكاشفتها بأنّ ما تعمله من‬
‫ذنوبٍ سيبطل كلّ عملها إذا استمرّت على هذا النحو من السلوك‪ ،‬وتذكيرها بأنّ من نصّب نفسه‬
‫للناس إماما فليبدأ بتعليم نفسه قبل غيره‪ ،‬وَلفْتِها إلى ضرورة تهذيب نفسها قبل تهذيب الناس‪ ،‬ول‬
‫يغرّنها أنّ الناس تستمع إليها وتتأثّر بها اليوم‪ ،‬فإنّهم عندما يكتشفون هذا العقوق الذي تتّصف به هذه‬
‫الداعية فسيصابون بخيبة المل وسيُصدَمون بها‪ ،‬وربّما بجميع الدعاة‪ ،‬لنّها تستهتر بكرامة والديها‬
‫وتعرّض اسميهما للزراية والمتهان‪ ،‬وهما اللذان ربيّاها وأحاطاها بكلّ ألوان الرعاية والعناية‪،‬‬
‫متناسيةً أو ناسيةً أنّ ال تعالى قرن اسميهما باسمه في العديد من اليات‪ ،‬كما قرن شكره بشكرهما‬
‫ورضاه برضاهما‪.‬‬
‫أمّا غيبتها للناس‪ ،‬فربّما كانت تقصد بذلك ضرب المثل أثناء حديثها وتوجيهها للعتبار شرط‬
‫أل تحدّد أسماء هؤلء‪ ،‬إل إذا كان هؤلء الناس من المجاهرين بمعاصيهم أو الفسقة والعياذ بال‪.‬‬
‫المهمّ‪ ،‬يجب أن يدرك الجميع أنّ في الدعاة أمراضا أيضا كغيرهم من الناس‪ ،‬وإن كنّا نتمنّى‬
‫أل نرى فيهم أيّ عيب‪ ،‬كي يستطيعوا أن يكونوا المثل والمثال في نظرنا‪ ،‬وكي نتأسّى بهم ونأخذ‬
‫عنهم الكثير‪ ،‬وبالتالي تصل دعوتهم إلى قلوبنا صافي ًة نقيّةً ل تشوبها شائبة‪.‬‬
‫هذا ما تفضّلت به الدكتورة منى من إجابة‪ ،‬وقد حدّدتْ لك –أختي الكريمة‪ -‬ما عليكنّ عمله مع‬
‫مثل هذه الداعية‪ ،‬ويبقى لي تعليقان‪:‬‬
‫الوّل‪ :‬ما أشارت إليه الدكتورة منى في آخر حديثها من أنّ على الجميع أن يدرك أنّ الدعاة‬
‫ليسوا ملئكةً منزلين من السماء‪ ،‬بل هم بشر‪ ،‬خرجوا من مجتمعاتهم بكلّ ما فيها من حسناتٍ‬
‫ت وعيوب‪ ،‬وبالتالي فهم يخطئون‪.‬‬
‫وسيّئات‪ ،‬مميّزا ٍ‬
‫ولست –بالطبع‪ -‬هنا أؤيّد أن يخطئ الدعاة‪ ،‬بل أشدّد كثيرا على وجوب أن يكونوا حذرين في‬
‫كلّ تصرّفاتهم وشئونهم‪ ،‬وأدعوهم أن يمتثلوا ما قاله إمام المدينة يحيى بن سعيد حين قال لمام‬
‫مصر الليث بن سعد‪ ،‬وقد أراد أن يفعل أمرا ليس بالذنب ولكنّه ينافي العزيمة‪" :‬يا إمام‪ ،‬ل تفعل‪،‬‬
‫فإنّك منظورٌ إليك"‪ ،‬وحبّذا لو وضع الدعاة هذه القاعدة "فإنّك منظورٌ إليك" أمام أعينهم ليلَ نهار‪،‬‬
‫داخل وخارج بيوتهم‪ ،‬إذن لعصموا أنفسهم وعصمونا من كثيرٍ من المشاكل التي عانت منها بيوتهم‬
‫أوّل‪ ،‬والمسلمون ثانيا في كلّ مكان‪ .‬كما أدعو من يستمع إليهم أل يفترض فيهم الكمال‪.‬‬
‫ويستتبع هذا مفهوم‪" :‬أل تزر وازرةٌ وزر أخرى"‪ ،‬أي ل ينبغي بحالٍ أن نجعل تصرّفا خاطئا‬
‫من داعيةٍ مبرّرا لنا كي نخطئ أو نتقاعس عن الدعوة‪ ،‬لنّ ال تعالى لن يسألنا إل عمّا فعلته أيدينا‪،‬‬
‫ولن يحاسبنا إل على ما طلبه منّا‪ ،‬وبالتالي ل حجّة لحدٍ –أيّا كان‪ -‬على أحد‪ .‬هذه النقطة يجب أن‬
‫تكون واضحةً جليّة‪ ،‬فدعوا التقاعس وابدءوا العمل‪.‬‬
‫ح من تقمّص العديد من الدعاة لشخصيّتين‪ ،‬ومن تمثيلهم لدورين‪،‬‬ ‫ل واض ٍ‬ ‫الثاني‪ :‬عانينا بشك ٍ‬
‫ولعلّ هذا من أهمّ أسباب ما ذكرتِ يا أختي الكريمة من سلوك هذه الداعية‪ ،‬فقد رأينا وسمعنا عن‬
‫عددٍ من الدعاة يظهر أمام الناس بطريقة‪ ،‬ويتصرّف حين يخلو بنفسه بطريقةٍ أخرى‪ ،‬ول أتحدّث هنا‬
‫عن الذنوب والمعاصي‪ ،‬بل المر وصل إلى درجةٍ أدنى من ذلك‪ ،‬إذ دخلت فيه المباحات أيضا‪،‬‬
‫فتراه ل يقوم بعمل مباحٍ ما أمام أخيه لنّه قد يقلّل من قدره‪ ،‬ولكنّ يمارسه بينه وبين نفسه‪ ،‬وتراه‬
‫يتصرّف بلطفٍ ورقّةٍ أمام الناس‪ ،‬ولكنّه يكون جلفا قاسيا مع أهله –كحال هذه الداعية‪ -‬أو مع‬
‫الجيران والقارب‪ ،‬وتراه يدعو الناس إلى إتقان العمل وهو أوّل المقصّرين في عمله الوظيفيّ‪.‬‬
‫صورٌ كثيرةٌ شهدناها –للسف‪ -‬من حالة "انفصام الشخصيّة الدعويّة"‪ ،‬أرى أنّ سببها الوّل أنّنا‬
‫ل نتعامل مع ال تعالى ول نبتغيه‪ ،‬وإنّما نبتغي الدنيا وحمد الناس‪ ،‬وهؤلء جميعا أذكّرهم بحديث‬
‫النبيّ صلى ال عليه وسلم الذي كلّما قرأته أقف مع نفسي في خوفٍ ورعب‪ ،‬فعن أبي هريرة رضي‬
‫ن أوّل الناس يُقضَى يوم القيامة عليه‪،‬‬‫ال عنه قال‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪" :‬إ ّ‬
‫رجلٌ استشهد‪ ،‬فأَتى به‪ ،‬فعرّفه نعمه فعرفها‪ ،‬قال‪ :‬فما عملت فيها؟ قال‪ :‬قاتلت فيك حتى استشهدت‪،‬‬
‫ت لن يقال جريء‪ ،‬فقد قيل‪ ،‬ثمّ ُأمِر به‪ ،‬فسُحِب على وجهه حتى ألقي في‬ ‫قال‪ :‬كذبت‪ ،‬ولكنّك قاتل َ‬
‫النار‪ ،‬ورجلٌ تعلّم العلم وعلّمه‪ ،‬وقرأ القرآن‪ ،‬فأُتي به‪ ،‬فعرّفه نعمه فعرفها‪ ،‬قال‪ :‬فما عملت فيها؟‬
‫قال‪ :‬تعلّمت العلم وعلّمته‪ ،‬وقرأت فيك القرآن‪ ،‬قال‪ :‬كذبت‪ ،‬ولكنّك تعلّمت العلم ليقال عالم‪ ،‬وقرأت‬
‫القرآن ليقال هو قارئ‪ ،‬فقد قيل‪ ،‬ثمّ ُأمِر به‪ ،‬فسُحِب على وجهه حتى ألقي في النار‪ ،‬ورجلٌ وسّع ال‬
‫عليه وأعطاه من أصناف المال كلّه‪ ،‬فأُتي به فعرّفه نعمه فعرفها‪ ،‬قال‪ :‬فما عملت فيها؟ قال‪ :‬ما‬
‫تركت من سبيلٍ تحبّ أن يُنفَق فيها إل أنفقت فيها لك‪ ،‬قال‪ :‬كذبت‪ ،‬ولكنّك فعلت ليقال هو جواد‪ ،‬فقد‬
‫قيل‪ ،‬ثمّ ُأمِر به‪ ،‬فسُحِب على وجهه‪ ،‬ثمّ أُلقي في النار"رواه مسلم‪.‬‬
‫وأخيرا‪ ،‬أجدني ملزَما بأن أذكّر الجميع‪ :‬لن يسألنا ال إل عن فعلنا‪ ،‬ولن يعذر أحدٌ منّا تقاعس‬
‫غيره أو فعله الخطأ‪ ،‬فهل وعينا‪ ،‬وفهمنا‪ ،‬وعملنا؟؟‬
‫شكرا لك أختي الكريمة‪ ،‬وأسأل ال تعالى أن يصلح حالنا وحال الدعاة‪ ،‬وواصلي مراسلتنا من‬
‫فضلك‪ ...‬المحرر‪.‬‬

‫ليس إيمانًا‬
‫كاتب‪ :‬يعظ الناس‪ ..‬ويقصر هو‬
‫السؤال‪:‬‬
‫شابّ يدعو إلى ال عن طريق الكتابة للصحف والمجلت‪ ،‬فيدعو إلى الخلق وإلى اللتزام‪،‬‬
‫وينقد بعض الظواهر الجتماعيّة الخاطئة‪ ،‬ويقدّم لها الحلول على ضوء القرآن والسنّة‪ ،‬ويُنفّر من‬
‫المنكرات‪ ،‬ويحثّ على الخير والصلح‪ ،‬ويشارك في الردّ على النصارى‪ ،‬وتوضيح مبادئ السلم‪،‬‬
‫ولكنّه ل يلتزم بما يقوله إل قليلً على الرغم من أنّه مؤمنٌ به ومقتنعٌ تمام القتناع‪ ،‬ويشعر باللم‬
‫وهو يرى الناس ينجرفون إلى الخطأ‪ ،‬ويرغب أن يقول كلمةً لعلّها تُصلِح شيئا‪.‬‬
‫وهو بالكتابة ينشر علما آتاه ال إيّاه‪ ،‬ويستثمر موهبةً منحها ال عزّ وجلّ له‪ ،‬وهي البراعة في‬
‫الكتابة والسلوب الجميل‪ ،‬إضافةً إلى النّيّة الصادقة‪ ،‬والخلص في العمل‪ ،‬ولكنّه ل يلتزم‪ ..‬ليس‬
‫تعمّدا للمخالفة‪ ،‬ولكن إهمالً أو ضعفا في مجاهدة النفس‪ ،‬ويشعر بالسى والحزن عندما يكتب ول‬
‫يطبّق ذلك في واقعه‪ ..‬وعدم اللتزام هذا ل يعني أنّه يرتكب حراما أو منكرا ولكنّه ل يقوم بما‬
‫يتوجّه به من نُصحٍ للناس‪ ،‬وكذلك الحلول التي يطرحها‪ ،‬وأيضا بعض أوامر الشرع ‪-‬مثل الدعوة‬
‫إلى ذكر ال دائما‪ ،‬والكثار من تلوة القرآن‪ ،‬وزيارة الرحام‪.-‬‬
‫كما أنّه ل يقوم بالدعوة في محيط أسرته ومعارفه‪ ،‬ويفكّر دائما في التراجع عن الدعوة‬
‫الكتابيّة‪ ،‬ويخشى أن يدخل في قوله تعالى‪" :‬لم تقولون ما ل تفعلون‪ ،‬كبر مقتا عند ال أن تقولوا ما‬
‫ل تفعلون"‪ ،‬ولهذا يريد التوقّف عن الكتابة‪.‬‬
‫فهل التوقّف هو التصرّف السليم لمن هو مثله؟ مع العلم أنّ القرّاء ل يعرفونه‪ ،‬وبالتالي فليس‬
‫هناك خوفٌ من الثر العكسيّ الناجم عن انعدام القدوة‪.‬‬
‫فهل يُعطّل تلك الموهبة ويُوقِف تلك الرغبة العارمة في صدره‪ ،‬الراغبة في نشر الخير‬
‫وإصلح الناس بما يستطيع وما فتحه ال عليه؛ وهو كامنٌ في الظلّ ل يريد شهرةً ول معرفة‪ ،‬إل‬
‫الخير للناس‪ ،‬مخلصا نيّته ل عزّ وجلّ‪ ،‬محاولً أن يكون كما يعرف من شخصيّة المسلم الحقيقيّ‪،‬‬
‫وكما يتمنّى للناس‪.‬‬
‫هل يتوقّف مطلقا أو مؤقّتا أو يواصل؟‬
‫إنّه يريد فتوى من عالم‪ ،‬وردّا من خبير‪.‬‬
‫ادعوا له ‪..‬‬
‫وجزاكم ال خيرا‪.‬‬
‫أرجو أن تنظروا إلى المر كما ُقدّم لكم‪ ،‬ثمّ توسيعه‪ ،‬أي‪ ..‬هل يختلف الحكم إن كان يقوم‬
‫بمنكرات؟ أو يهمل فروض الدين؟ أو إن كان معرّضا لكشف أمره من قِبَل قرّائه؟ أو إن كان فتا ًة أو‬
‫طالبا أو داعيةً رسميّا؟‬
‫وذلك من باب توسيع المر ليشمل أكثر من حال ٍة في القالب نفسه‪ ،‬فإنّ في عالم الدعاة شيئا من‬
‫ذلك للسف‪.‬‬
‫المستشار‪:‬‬

‫فريق الستشارات الدعوية‬


‫الرد‬
‫يقول الستاذ هاني محمود من فريق الستشارات‪:‬‬
‫"أخي الحبيب‪،‬‬
‫تحيّةً طيّبةً وبعد‪،‬‬
‫أسعدني تواصلك معنا‪ ،‬فمن المور التي تُسعِد القلب أن يتواصل الدعاة إلى ال مع بعضهم‬
‫البعض‪ ،‬يفيدون ويستفيدون؛ ويبثّون بعضهم البعض همومهم‪ ..‬وإنّني لسعيدٌ جدّا –أخي الحبيب‪ -‬لنّ‬
‫الدعاة إلى ال تعالى عندهم الحساسية تجاه أحوالهم مع ال‪ ،‬وأنّهم يهتمّون ببعضهم البعض انطلقا‬
‫من أساس علقتهم وهو الحبّ في ال تعالى‪.‬‬
‫أمّا بالنسبة لهذا الشابّ فإنّ ال قد حباه بنعمٍ ليست عند الكثير‪ ،‬فهو يُجيد وسيلةً من وسائل‬
‫التوجيه الدعويّ العامّ‪ ..‬هو يملك قلما يجيد استغلله في تعريف الناس بربّ الناس‪ ..‬وهو ‪-‬إن‬
‫صدق الوصف عليه في جهده وصدق نيّته وإخلصه‪ -‬فهو على حالٍ طيّبة‪ ،‬وال حسيبه ول نزكّيه‬
‫على ال‪ ،‬ول أظنّ أنّ ال تعالى َي َهبُ لعبدٍ هذه الخصال وهو يريد به شرّا‪.‬‬
‫هذا أمر‪ ،‬والمر الخر الذي أودّ الشارة إليه هو أنّه ليس معنى أنّني ل أؤدّي كلّ ما آمر‬
‫ل ومطلوب‪ -‬ولكنّ‬ ‫الناس به أن أتوقّف عن التبليغ حتى يستقيم حالي مع مقالي ‪-‬وإن كان هذا أص ٌ‬
‫ال عزّ وجلّ خلقنا بشرا‪ ،‬وجعل من صفاتنا النقص فل كمال لبشر‪ ،‬لذا فإنّ النبي صلى ال عليه‬
‫ن لكلّ‬‫وسلم يقول‪" :‬عليكم من العمل ما تطيقون‪ ،‬فوال‪ ،‬ل يملّ ال حتى تملّوا"رواه مسلم‪ ،‬ويقول‪" :‬إ ّ‬
‫نفسٍ ش ّر ٍة ولكلّ ش ّرةٍ فترة‪ ،‬فمن كانت فترته إلى سنّتي فقد هُدي‪ ،‬ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد‬
‫ضلّ"رواه البيهقي بسندٍ صحيح؛ وكما هو واضحٌ من السؤال أنّ هذا الشاب ليس مقيما على المخالفة‬
‫عامدا‪ ،‬إذن فهو يفعل بعض ما يأمر به لفترةٍ ثمّ تغلبه نفسه وإنسانيّته فينسى أو يكسل‪ ،‬وليس ذلك‬
‫بحالٍ من الحوال داعٍ إلى أن يترك ما يقوم به من تبليغ الناس ودعوتهم لجل إصلح حاله‪ ،‬فلو‬
‫صدق المر لصلح نفسه وهو يدعو غيره‪ ،‬فالمران ل يتعارضان‪ ،‬بل إنّ الدعوة لَوسيلةٌ ُمعِينةٌ له‬
‫على نفسه‪ ،‬إذ لولها لما تفكّر في سوء فعله إذ يأمر الناس ول يفعل‪ ،‬وكيف بربّك يفكّر أن يتوقّف‬
‫فيصبح حاله ل هو يعمل‪ ،‬ول هو يُذكّر الناس فيأخذ أجر عملهم بتذكرته؟ أليس رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم يقول‪" :‬من دعا إلى هدىً كان له من الجر مثل أجور من تبعه ل يُنقِص ذلك من‬
‫أجورهم شيئا"رواه مسلم‪.‬‬
‫يا أخي‪،‬‬
‫يقول المام القرطبيّ في تفسيره الجامع لحكام القرآن‪" :‬وليس من شرط الناهي أن يكون عد ً‬
‫ل‬
‫عند أهل السنّة‪ ،‬خلفا للمبتدعة حيث تقول‪ :‬ل يغيّره إل عدل‪ ،‬وهذا ساقط؛ فإنّ العدالة محصور ٌة في‬
‫القليل من الخلق‪ ،‬والمر بالمعروف والنهي عن المنكر عامّ في جميع الناس؛ فإن تشبّثوا بقوله‬
‫تعالى‪" :‬أتأمرون الناس بالبرّ وتنسون أنفسكم"‪ ،‬وقوله‪" :‬كَبُر مقتا عند ال أن تقولوا ما ل تفعلون"‬
‫ونحوه‪ ،‬قيل لهم‪ :‬إنّما وقع الذمّ هاهنا على ارتكاب ما نُهي عنه ل على نهيه عن المنكر؛ ولشكّ في‬
‫أنّ النهي عنه ممّن يأتيه أقبح ممّن ل يأتيه‪ ،‬ولذلك يدور في جهنّم كما يدور الحمار بالرحى"‪.‬‬
‫إذن فالمطلوب إصلح النفس ل ترك المر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعليم الناس الخير؛‬
‫إذ إنّ ذلك في حدّ ذاته من المعينات على تَمثّل ما تدعو له كما سبق وقلنا‪.‬‬

‫تعالَ الن نفكّر سويّا كيف نغيّر هذا الوضع إلى الوضع الذي نأمَله ونرجوه جميعا‪ ..‬أن نكون‬
‫دعاة فعلٍ قبل أن نكون دعاة قول‪.‬‬
‫ن من صفات النسان التي‬ ‫أرى ‪-‬يا أخي‪ -‬أنّ سؤالك تضمّن إجابته؛ ودعني أوضّح قصدي‪ .‬إ ّ‬
‫خُلِق بها الضعف‪" :‬وخُلِق النسان ضعيفا"‪ ،‬وهذا الضعف ل يقوّيه إل استعانته بغيره‪ ،‬لذلك يقول‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬الشيطان مع الواحد وهو من الثنين أبعد"رواه الترمذيّ بسندٍ‬
‫صحيح‪ ،‬ويقول‪" :‬إنّما يأكل الذئب من الغنم القاصية"رواه أبو داود بإسنادٍ حسن‪.‬‬
‫ل ل يريد شهرة"‪ ،‬وعدم حبّ الشهرة –أخي‪ -‬صفةٌ جيّدة‪ ،‬ولكنّ‬ ‫وأنت تقول أنّه‪" :‬كامنٌ في الظ ّ‬
‫العزلة‪ ،‬والنكفاء على الذات‪ ،‬وعدم وجود صحبةٍ خيّرةٍ طائعةٍ تُعيِن وتذكّر‪ ،‬هو الذي ل يُقبَل‪،‬‬
‫وخاصّةً من داعية‪ ..‬واذكر معي قول رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬المؤمن الذي يخالط الناس‬
‫ويصبر على أذاهم أعظم أجرا من المؤمن الذي ل يخالط الناس ول يصبر على أذاهم"رواه ابن‬
‫ماجه بسندٍ صحيح؛ لذلك فإنّي أنصح بالبحث عن الصحبة المعينة‪.‬‬
‫وتخيّر من هذه الصحبة من تجعله مرآتك التي تعكس لك صورة نفسك‪ ،‬فتتّفقان على جدول‬
‫طاعةٍ تعينان بعضكما عليه‪ ،‬وتتحاسبان فيه‪ ،‬وتتذاكران في ال‪.‬‬
‫أمرٌ آخر ‪-‬أخي‪ -‬آخذه من كلمك أيضا؛ أل وهو قولك‪" :‬أنّ القرّاء ل يعرفونه‪ ،‬وبالتالي فليس‬
‫هناك خوفٌ من الثر العكسيّ الناجم عن انعدام القدوة"‪ ،‬وأنا أظنّ أنّ هذا من العوامل المهمّة التي‬
‫أدّت إلى ضعفه في مجاهدة نفسه أو إهماله؛ فكونه قد َقصَر دعوته على الكتابة في الصحف‬
‫والمجلت‪ ،‬ولم ينزل بها إلى الحتكاك المباشر بالناس‪ ،‬ولم يضع نفسه موضع القدوة الذي يُعايش‬
‫ل كلّ‬
‫الناس ويعايشونه‪ ،‬ويتعامل مع سلوكيّاتهم ونفوسهم‪ ،‬فكيف إذن يمكنه من إصلح نفسه في ظ ّ‬
‫هذه العوامل –مادام يشكو من نفسه الضعف‪-‬؛ وافهم قولي جيّدا‪ ،‬فأنا ل أعني أن يعمل من أجل‬
‫الناس‪ ،‬ولكنّ تذكيره للناس وتذكيرهم له يعينه ويأخذ بيديه‪.‬‬
‫لذلك فإنّه من الفضل أن يجعل له ممّن حوله مجموع ًة يتعهّدهم بالدعوة والتذكير‪ ،‬فإنّ في ذلك‬
‫نعم العون له على نفسه‪ ،‬وهي الوسيلة النجع في تقويم الذات‪ ،‬لنّه بذلك سيجد نفسه يرتع ‪-‬أغلب‬
‫أوقاته‪ -‬في رياض الجنّة ومجالس الخير‪.‬‬

‫ثمّ تأتي وسيلة إصلحٍ أخرى لم أتجاوز كلمك حين طرحتها‪ ..‬فأنت تقول‪" :‬إنّه ل يقوم‬
‫بالدعوة في محيط أسرته ومعارفه"‪ ،‬مع أنّ الجتهاد في دعوة الهل أولى إذ هي الفرض والوجب‬
‫في الدعوة‪ ،‬أل تذكر معي قول ال تعالى‪" :‬وأنذر عشيرتك القربين"‪ ،‬هذا من حيث هي واجبٌ عليه؛‬
‫أمّا من حيث أنّها عونٌ له‪ ،‬فإنّ الهل هم أقرب الناس إليه وأكثرهم التصاقا به‪ ،‬فهو بدعوته لهم‬
‫سيجعل له من خاصّة بيته مُذكّرا ومعينا‪ ،‬ذلك بالطبع إلى جانب ما يأخذه من الجر عنهم‪.‬‬

‫يا أخي‪،‬‬
‫إنّ السلم منهج حيا ٍة كامل‪ ،‬وليس مجرّد مجموعةٍ من القواعد السلوكيّة النظريّة التي تُطرَح‬
‫على أوراق الكتب أو الصحف وتخشى التّصال بالواقع‪ ،‬كي يخاف دعاته من التّصال بالناس‬
‫‪-‬بدورهم‪ -‬خوفا من الثر السلبيّ للقدوة‪ ،‬فلو لم يُحقّق المنهج السلميّ أهدافه في نفوس الداعين‬
‫إليه‪ ،‬فبربّك هل تظنّ أنّ أحدا غيرهم سيأبه لقولهم؟‬
‫ل عملٍ نعمله‪،‬‬
‫دعنا نجاهد أنفسنا ونتذكّر دوما فضل كلّ كلمةٍ ننطقها‪ ،‬وكلّ ذكرٍ نقوله‪ ،‬وك ّ‬
‫عظُم الجر أمامها‪ ،‬كلّما سارعت إليه‪ ،‬واجتهدت في الحصول عليه –إن كانت موقنةً‬ ‫فالنفس كلّما َ‬
‫حقّا به‪.-‬‬
‫وختاما أخي‪،‬‬
‫استعن بال‪ ،‬ول يدخلنّ بك الشيطان مدخلً تصعب السلمة فيه‪.‬‬
‫فأصلح نفسك وأنت تدعو غيرك‪..‬‬
‫ول تنسنا من صالح دعائك‪ ..‬وتابعنا بأخبارك"‪.‬‬
‫ليس إيمانًا‬
‫ف زمن الفت ‪ ..‬ننعزل أم نلتزم ؟؟ مشاركة‬
‫السؤال‪:‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫الحمد ل ربّ العالمين‪ ،‬الرحمن الرحيم‪ ،‬والصلة والسلم على سيّدنا محمّدٍ المين‪ ،‬وعلى آله‬
‫وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫إنّ لديننا الحنيف خصائص عامّة أشار لها العلماء وهي‪:‬‬
‫الربانيّة‪ ،‬النسانيّة‪ ،‬الشمول‪ ،‬الوسطيّة‪ ،‬الواقعيّة‪ ،‬الوضوح‪ ،‬الجمع بين الثبات والمرونة‪.‬‬
‫وإن كان يصعب فصل هذه المور عن بعضها البعض‪ ،‬ولكنّني أشير هنا إلى بعضها فقط لسببين‪:‬‬
‫أوّلً‪ :‬تجنّب التكديس في الخطاب‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬لرتباطها الوضح بموضوع المشاركة‪.‬‬
‫ي واقعيّ مرنٍ‪ ،‬فإنّنا نحلّ الحيرة‬
‫وبداي ًة أقول‪ :‬لو أنّنا ركّزنا الحديث عن السلم كدينٍ إنسان ّ‬
‫التي قد يقع فيها النسان حين يرى السلم ويقارنه بحال المسلم وطرق الحل المطروحة‪.‬‬
‫ومن طرق التعامل مع الواقع أو الحلول التي قد يلجأ إليها النسان المسلم هو العتزال أو‬
‫النعزال‪ ،‬ويقابل ذلك من البعض نقدًا شديدًا أو تقريعًا‪ ،‬وكما هو حال الكثير من النقاشات‬
‫المطروحة‪ ،‬ترى وكأنّ الفريقين يتحدّثان في نفس موضوع الخلف‪ ،‬وهم في رأيي غير ذلك‪.‬‬
‫حيث لو أنّنا سلّمنا بالخصائص الثلث المشار إليها‪ ،‬لرحنا أنفسنا من عناء الخذ والرد‪.‬‬
‫إنّ من إنسانيّة السلم الواقعيّة المرنة أنّه قدّم النسان كمخلوقٍ له تفرّده في القدرات كما هو‬
‫متفرّدٌ في الطباع‪ ،‬فمع أنّ هناك أخوّة إنسانيّة تجمعنا‪ ،‬إل أنّنا مختلفون في الطباع والقدرات والميول‬
‫كما يوضّحه واقع الحال‪ ،‬وكما أوضحه لنا ال سبحانه وتعالى في أكثر من موضع‪ ،‬فمنّا مثلً الظالم‬
‫لنفسه‪ ،‬ومنّا المقتصد‪ ،‬ومنّا السابق بالخيرات‪.‬‬
‫بل إنّ مرونة السلم توضّح إنسانيّة هذا المخلوق "النسان"‪ ،‬فتعترف بتغيّر حالة الفرد منّا بين‬
‫السمو الروحيّ أحيانًا‪ ،‬والهبوط الطينيّ أحيانًا أخرى‪ ،‬وبين الوقوع في الفاحشة وبين التوبة والرجوع‬
‫إلى ال وتقبله ول ترفضه‪.‬‬
‫وتتّضح واقعيّة السلم ومرونته وإنسانيّته أيضًا في مراعاته للظروف الستثنائية التي يمرّ بها‬
‫النسان‪ ،‬ومنها التغيّر النفسيّ والجسميّ والترحال والحرب والضطرار‪.‬‬
‫بل وشملت هذه الستثناءات الحدود التي شدّد على أهمّيّتها ذلك النسان الكامل صلى ال عليه‬
‫وسلم فقال‪( :‬وايم ال‪ ،‬لو سرقت فاطمة بنت محمّدٍ لقطعت يدها) رواه البخاري‪ ،‬فإذا به يقول صلى‬
‫ال عليه وسلم‪( :‬ل تقطع اليدي في الغزو) رواه الترمذي بسند صحيح‪ ،‬خشية أن يُفتَن الجاني‬
‫ويلحق بالكفار‪.‬‬
‫وفي زمن الفتن نراه صلى ال عليه وسلم يوجّه بما هو مناسبٌ له‪ ،‬فيصف لنا الزمان‬
‫وعلماته‪ ،‬ثمّ يعلّمنا كيفيّة التعامل في هذا الزمن الصعب‪ ،‬فيقول فيما رواه عنه ابن مسعود رضي‬
‫ال عنه‪( :‬تكون فتنة‪ ،‬النائم فيها خيرٌ من المضطجع‪ ،‬والمضطجع فيها خيرٌ من القاعد‪ ،‬والقاعد فيها‬
‫خيرٌ من القائم‪ ،‬والقائم فيها خيرٌ من الماشي‪ ،‬والماشي خيرٌ من الراكب‪ ،‬والراكب خيرٌ من المجري‪،‬‬
‫قتلها كلّها في النار‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬ومتى ذلك؟ قال‪ :‬ذلك أيّام الهرج‪ ،‬قلت‪ :‬ومتى أيّام‬
‫الهرج؟ قال‪ :‬حين ل يأمن الرجل جليسه‪ ،‬قال‪ :‬فبم تأمرني إن أدركت ذلك الزمان؟ قال‪ :‬اكفف نفسك‬
‫ويدك‪ ،‬وادخل دارك‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬أرأيت إن دخل عليّ داري؟ قال‪ :‬فادخل بيتك‪ ،‬قال‪:‬‬
‫قلت‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬أرأيت إن دخل عليّ بيتي؟ قال‪ :‬فادخل مسجدك‪ ،‬واصنع هكذا – وقبض بيمينه‬
‫على الكوع – وقل‪ :‬ربي ال حتى تموت على ذلك) رواه أبو داود بسند صحيح‪.‬‬
‫وفي مقامٍ آخرٍ يروي عبد ال بن عمرو بن العاص‪ :‬بينما نحن حول رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ ،‬إذ ذكر الفتنة فقال‪( :‬إذا رأيتم الناس قد مرجت عهودهم‪ ،‬وخفّت أماناتهم‪ ،‬وكانوا هكذا ‪-‬‬
‫وشبّك بين أصابعه ‪ -‬قال‪ :‬فقمت إليه فقلت‪ :‬كيف أفعل عند ذلك جعلني ال فداك؟ قال‪ :‬الزم بيتك‪،‬‬
‫واملك عليك لسانك‪ ،‬وخذ بما تعرف‪ ،‬ودع ما تنكر‪ ،‬وعليك بأمر خاصّة نفسك‪ ،‬ودع عنك أمر‬
‫العامّة) رواه أبو داود بسند صحيح‪.‬‬
‫فمع أنّ أحد أهمّ أعمدة السلم هي الدعوة‪ ،‬ول يكتفي السلم من النسان أن يكون صالحًا في‬
‫ح وتواصٍ‬ ‫ن وعملٍ صال ٍ‬‫ن صلح النسان في نظر السلم في إيما ٍ‬ ‫ق مغلوبًا‪ ،‬ومع أ ّ‬
‫نفسه ثمّ يدع الح ّ‬
‫ق وتواصٍ بالصبر ‪ -‬كما في سورة العصر ‪ -‬ودون ذلك الخسران المبين‪ ،‬ومع أنّ سيّدنا لقمان‬ ‫بالح ّ‬
‫يعظ ابنه قائلً‪( :‬يا بُنيّ أقم الصلة وأمر بالمعروف وانهَ عن المنكر واصبر على ما أصابك إنّ ذلك‬
‫من عزم المور)‪ ،‬مع ذلك كله نرى ال سبحانه يُحمّلنا أيضًا مسئوليّة أنفسنا وأهلينا في قوله تعالى‪:‬‬
‫(يا أيّها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارًا وقودها الناس والحجارة)‪.‬‬
‫ع وكلّكم‬
‫ورسوله المين يعلّمنا مسئوليّة الفرد في بيته‪ ،‬فيقول صلى ال عليه وسلم‪( :‬كلّكم را ٍ‬
‫مسئول عن رعيّته‪ ،‬المام راع ومسئول عن رعيته‪ ،‬والرجل في بيته راعٍ وهو مسئول عن رعيّته)‬
‫رواه البخاري‪.‬‬
‫فهل في لزومنا بيتنا التزامٌ أم اعتزال؟‪.‬‬
‫هنا يجب التفريق والتوضيح بين من يعتزل تهرّبًا من المسئوليّة‪ ،‬ومن يلتزم بتعاليم المصطفى صلى‬
‫ال عليه وسلم‪ ،‬وبين من يلتزم بدوره تجاه نفسه وأهله‪ ،‬وينسى دوره نحو مجتمعه‪.‬‬
‫فلو كان معنى العتزال تحصين وحماية للنفس من الفتن‪ ،‬بالبعد عنها والتقرّب إلى ال‪،‬‬
‫والتفرّغ لطلب العلم والفهم واليمان‪ ،‬كي نقدر على المواجهة والمجابهة‪ ،‬فما المانع؟‪.‬‬
‫بل كيف نعلّم النفس إن لم نبتعد عن لغط العامّة وتشويش المشوّشين؟‪.‬‬
‫فطبيعة النسان في زمن المان ل تدفعه إل إلى تعلّم ما يناسبه والعمل به‪ ،‬أمّا حالت‬
‫"الطوارئ"‪ ،‬فلها قانونها الخاصّ الذي يعرفه البعض من خاصّة أهل العلم‪ ،‬وليس من الواقع في شيءٍ‬
‫أن يكون الجميع من هؤلء‪.‬‬
‫إذن يحتاج النسان منّا إلى النظر والتأمل والبحث والتأنّي حتى نتجنّب أحد المرين‪ ،‬وهما إمّا‬
‫الوقوع في الفتنة – والعياذ بال ‪ -‬أو التسبّب في فتنةٍ هي أكبر وأشدّ بسبب تسرّعنا ورعونتنا‪ ،‬أو‬
‫بالصحّ بسبب عدم التزامنا‪.‬‬
‫بل حتى الصبر الذي هو أحد صفات أولي العزم وصفة صلح النسان ل يكون له المفعول‬
‫المرجوّ إن لم يكن مبنيّا على دراية‪ ،‬فكيف أصبر؟ وعلى ماذا أصبر؟ وما فائدة الصبر وحكمته؟ وما‬
‫هي مدّته؟ بل وما معنى الصبر؟‪.‬‬
‫ل يفهم كلّ ذلك من كانت حياته هانئةً بنعم ال إل فهمًا قد يوصف بأنّه فهمٌ أكاديميّ أو نظري‪.‬‬
‫والبعد عن الهرج والمرج هو السبيل لتوطين النفس على ذلك الفهم اليمانيّ الصحيح من قبل أن‬
‫نخوض بها بحرًا هائجًا يميل يمينًا ويسارًا بصفةٍ ما زالت غير عميقةٍ في النفس حتى يخلعها‪،‬‬
‫ويودي بصاحبها إلى التهلكة‪.‬‬
‫والسعيد كما جاء في الحديث‪( :‬إنّ السعيد لمن جُنّب الفتن‪ ،‬ولمن ابتلي فصبر)‪ ،‬رواه أبو داود‬
‫بسند صحيح‪ ،‬فالصبر يطلب حين البلء ل حين الرخاء‪.‬‬
‫إذن هي مسألة البعد عن الوباء حمايةً للنفس من العدوى‪ ،‬وفرصةً للخذ بمصل المناعة ل‬
‫تهرّبًا من مواجهة المسئوليّة‪.‬‬
‫وليست هي مسألة اهتمامٍ بالنفس اهتمامًا يلغي دور الفرد في المجتمع‪ ،‬فهذه أنانيةٌ يرفضها‬
‫الدين‪ ،‬وكما جاء في الحديث‪ :‬مرّ رجلٌ من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم بشعبٍ فيه‬
‫عُيينة من ماءٍ عذبةٌ فأعجبته‪ ،‬فقال‪ :‬لو اعتزلت الناس فأقمت في هذا الشعب ‪ -‬يعني لتعبد ‪ -‬ولن‬
‫أفعل حتى أستأذن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فذكر ذلك لرسول ال فقال‪( :‬ل تفعل‪ ،‬فإنّ مقام‬
‫أحدكم في سبيل ال تعالى أفضل من صلته في بيته سبعين عامًا) رواه الترمذي بسندٍ حسن‪.‬‬
‫وهذا العتزال الملتزم هو من باب المسئوليّة الفرديّة نحو النفس‪ ،‬كما في قوله تعالى‪( :‬ك ّ‬
‫ل‬
‫نفسٍ بما كسبت رهينة)‪ ،‬وليس من باب ترك النصيحة أو نبذ الدعوة تخ ّوفًا من أذى أو امتحان‪.‬‬
‫أيضًا من واقعيّة السلم التيسير ورفع الحرج‪ ،‬يقول تعالى‪( :‬ل يكلّف ال نفسًا إل ما آتاها)‬
‫والتدرّج في العداد والتأهيل‪.‬‬
‫فإذا أردنا أن نقيم مجتمعًا إسلميّا حقيقيّا فل نتوهّم أنّ ذلك يتحقّق بجرّة قلم‪ .‬فلو كان منّا‬
‫الضعيف وجب علينا حمايته من العواصف حتى يقوَى‪ ،‬فل نقول له‪ :‬ارمِ نفسك في النار ث ّم نقول له‪:‬‬
‫اصبر‪ ،‬مع علمنا بضعفه‪ ،‬فنفتنه أو نُهلكه‪.‬‬
‫إنّه من الضروري نشر العلم المناسب للزمن المناسب وللشخص المناسب‪ .‬وإنه من أولويّات‬
‫هذه المّة هذه اليّام نشر ثقافةٍ إسلميّةٍ صحيحةٍ ومتزن ٍة وواضحةٍ عن كيفيّة التعامل مع المستجدّات‬
‫الحالية والتعامل معها‪ ،‬فكما جاء في الحديث‪( :‬أمّتي هذه أمّةٌ مرحومة‪ ،‬ليس عليها عذاب في‬
‫الخرة‪ ،‬عذابها في الدنيا الفتن والزلزل والقتل) رواه أبو داود بسند صحيح‪.‬‬
‫فكم منّا من يعرف الطريقة الصحيحة للتصرّف عند وقوع الزلزل؟‪.‬‬
‫وال أعلم‪.‬‬
‫المستشار‪:‬‬

‫فريق الستشارات الدعوية‬


‫الرد‬
‫يقول الستاذ هاني محمود من فريق الستشارات‪:‬‬
‫أخانا الفاضل الدكتور جمال؛‬
‫شكر ال لك‪ ،‬وتقبل منا ومنك صالح العمال‪.‬‬
‫لطالما أسعدتنا بمشاركاتك وأفكارك‪ ،‬وإننا لنرحب منك ومن كل رواد صفحتنا الكرام بما‬
‫يفيضون به علينا من مشاركاتهم اليجابية‪.‬‬
‫ليس إيمانًا‬
‫!! النعزال خوفًا من الفتنة ‪ ..‬إنا الفتنة‬
‫السؤال‪:‬‬
‫كنت أتحدث مع إحدى الصديقات‪ ،‬وأدهشني ما قالته‪ ،‬فهي تقول‪ :‬إنها وبعد تفكير طويل‬
‫توصلت إلى أن النعزال عن المجتمع والعمل الدعوى أفضل حالً للمرأة‪ ،‬فهو يحميها من فتن‬
‫كثيرة‪ ،‬قد تضعف أمامها حال خروجها للدعوة‪ ،‬وقد تناقشت هي مع بعض الفتيات اللتي يعتنقن هذه‬
‫الفكرة‪ ،‬وهى معجبة بمنهجهن‪ ،‬وتقول‪ :‬إنهن أفضل حالً من الخوات اللتي يعملن في الحقل‬
‫الدعوى‪ ،‬فهن بمنأى عن الفتن الموجودة ويحافظن على دينهن‪ ،‬وفي نفس الوقت فإنهن يؤثّرن في‬
‫الناس بسلوكهن‪ ،‬دون النخراط في عمل دعوى‪ ،‬وقد اقتنعت صديقتي بهذا الفكر على ما يبدو ‪-‬فكر‬
‫جماعة التوقف أو القطبيين كما يسمون أنفسهم ‪ -‬و لست أدري بماذا أجيب‪ ،‬ول كيف أقنعها بخطأ‬
‫هذا النعزال‪.‬‬
‫المستشار‪:‬‬

‫أسماء جبر أبو سيف‬


‫الرد‬
‫أختي الحبيبة داليا‪ ،‬سلم ال عليك‪ ،‬وأحيي فيك غيرتك على مجتمعك وعلى أخواتك الداعيات‪،‬‬
‫وأتمنى لك السداد في الرأي‪ ،‬وبعد‪..‬‬
‫فإن فكرة النعزال ينادي بها البعض من الشباب لكثر من سبب في نظري‪ ،‬منها اليأس من‬
‫صعُد‪ ،‬ومنها العجز عن واجبات الدعوة الملقاة على‬‫التغيير في المجتمع‪ ،‬مع ازدياد الفساد على كل ال ّ‬
‫كاهل الداعية‪ ،‬فيشعر أنها أكثر من طاقته فيقعد ويستسلم لمكاناته المتواضعة‪ ،‬سواء في الحديث إلى‬
‫الناس أو هدايتهم‪ ،‬أو ضعف الثقافة الدينية‪ ،‬أو محدودية الثقافة في الشئون الدعوية فقط‪ ،‬وعدم‬
‫الطلع على شئون الدنيا الخرى التي تشغل الشباب وتحتاج لمن يتحدث بها بكل تفهّم وحكمة‪.‬‬
‫ومن السباب أيضًا الخوف من التعرض للذى‪ ،‬سواء من السرة أو الحكومات أو غيرها‪،‬‬
‫وسواء كان الذى نفسيّا أو جسديّا‪ .‬وسبب آخر لحظته لدى بعض الشباب الذين لم يكتمل اعتزازهم‬
‫بإيمانهم ودينهم‪ ،‬حيث يشعرون بالنقص أمام مجتمعات تحب المظاهر وشباب يتباهى بالقشور‪.‬‬
‫ومهما كانت الدوافع يا أختي فل شك أن فكرة النعزال هروبية‪ ،‬وفيها من الضعف والنهزام‬
‫وتفضيل الراحة ما فيها‪ ،‬فهم المستريحون الذين يبررون راحتهم بالبعد عن الفتن والتفرغ للخلوة‬
‫والتعبد ‪ -‬وما هو بتعبد ‪ -‬حتى يصبح النعزال نمطًا للتفكير‪ ،‬ينفصل عن السباب‪ ،‬ويقتنع به‬
‫هؤلء‪ .‬وهل انعزال المسلمة الداعية هو الذي يحقق سلمتها من الفتن؟ وأين فتنة الغرور بالنفس‪،‬‬
‫والمراض الخرى التي قد تصيبك وأنت في عزلتك‪ ،‬والشيطان يسرى في ابن آدم مجرى الدم؟‪.‬‬
‫إننا في هذا الوقت أحوج ما نكون للمرأة التي تعمل بدينها وتنشر تعاليمه‪ ،‬وهل اهتدت النساء‬
‫إلى ال إل بسبب الداعيات اللواتي يتنقلن بين الجموع والمساجد والبيوت‪ ،‬يلقين المواعظ وينصحن‬
‫العاصيات ويهدين التائهات ؟ من يقوم بهذا الدور بين النساء إن قعدت عنه الداعيات ؟!!‪.‬‬
‫وفتيات المدارس والجامعات ونساء البيوت والعاملت في مختلف القطاعات‪ ،‬من يعلمهن أمور‬
‫دينهن ؟‪.‬‬
‫إنكِ إن درستِ أحوال هؤلء اللتي يفضّلن العزلة‪ ،‬ستجدين أنهن من ذوات القدرات‬
‫المتواضعة‪ ،‬ومنها القدرات الجتماعية التي تؤثر في الناس كالحديث إليهم والتأثير فيهم‪ ،‬وإنشاء‬
‫ن متواضعات العلم والثقة بالنفس والشخصية‪.‬‬ ‫علقات أخوية مؤثرة معهم‪ ،‬وهنّ قد يك ّ‬
‫إن الداعية المؤثرة هي ذات العلم المتطور‪ ،‬المتوازنة الشخصية‪ ،‬القادرة على التأثير في‬
‫الخرين وتحسين حياتهم وقدرتهم على التعايش‪ ،‬وليس فقط تعلمهم الدين‪ ،‬فكل ما هو مفيد للمرأة في‬
‫حياتها هو دين‪ ،‬وكل خير هو دين‪ ،‬وكل علم نافع يخدم البشر هو دين‪.‬‬
‫ول زلت أعتقد أن مشكلة بعضهن (الداعيات إلى العزلة) هي مسألة قوة ثقة بالنفس أو ضعفها‪،‬‬
‫ن ل يثقن بإيمانهن حتى يقعن في الفتن؟؟ وهل من السهل أن تقع المرأة المؤمنة في الفتن؟؟‬
‫فهل ه ّ‬
‫وهل هي ممن يعبد ال على حرف حتى تقع عند أول فتنة تتعرض لها؟؟‪.‬‬
‫مهما أحسنت الظن بالدعاة إلى العزلة فإن هذا النوع من التدين المنعزل يحبه أعداء السلم‬
‫وتدعمه الحكومات المناهضة للسلم لنه ل يزعجها‪ ،‬ول يزعج وسائل العلم ول مؤسسات‬
‫الفساد‪ ،‬فتفعل كلها ما تشاء في غياب المرأة المسلمة بحُجّة حماية نفسها من الفتن‪.‬‬
‫حدثيهن ‪ -‬يا داليا ‪ -‬عن جماعات النساء المسيحيات المبشرات بدينهن‪ ،‬وكيف يعملن في‬
‫مجتمعات المسلمين تنصيرًا وإخراجًا من دين ال عز وجل‪ ،‬وهنّ في كل مكان‪ ،‬يعملن ليل نهار‬
‫لدعم خروج المرأة سافرة‪ ،‬ل دين لها ول أخلق‪.‬‬
‫الكل يعمل ضد السلم‪ ،‬والعداء يضعون نساءهن في المقدمة ويجيشوهنّ‪ ،‬فأين المرأة‬
‫المسلمة؟!! وهل تنتظر حتى تقف المرأة اليهودية أو المبشرة على باب دارها تأمرها بالكفر أو‬
‫الموت؟!!‪.‬‬
‫الواقع أنني متفائلة يا داليا‪ ،‬فهذه الفئة من الداعيات إلى النعزال فئة محدودة‪ ،‬والداعيات يملن‬
‫المدارس والجامعات والمؤسسات المختلفة‪ ،‬ويقفن بكامل حشمتهن وإيمانهن ل يفتنهن شيء‪ ،‬يُثبِتْنَ‬
‫وجودهن في العمل والعلم والمنزل‪ ،‬ويزددن ثقة بأنفسهن‪ ،‬ويزداد المجتمع بهن اعتزازًا وثقة والحمد‬
‫ال حمدًا كثيرًا‪.‬‬
‫إنني أتخيل المرأة الفلسطينية في محنتها‪ ،‬كم تعتب علينا‪ ،‬وكم هي متألمة وبائسة وحزينة‬
‫وبحاجة لكل جهد منا لدعم وحدتها في ميدان المعركة‪ ،‬مكلومة وأرملة وثكلى وفقيرة وبل مأوى‪،‬‬
‫ونحن ل زلنا نفكر هل نعتزل أم ل؟؟ هل نعمل بالدعوة العامة أم ل؟؟ من سيحمل قضيتها؟ هل‬
‫ستحملها المرأة السافرة التي ل فكر لها ول همّ إل نفسها ومظهرها ومتعتها أم مَن يا أختاه؟!!!‪.‬‬
‫وأين حديث الحبيب محمد صلى ال عليه وسلم الذي يقول فيه‪( :‬المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر‬
‫على أذاهم‪ ،‬أعظم أجرًا من الذي ل يخالط الناس ول يصبر على أذاهم) رواه أحمد بسند صحيح‪.‬‬
‫وأين نحن من المسلمات اللواتي كنّ يخرجن مع رسول ال صلى ال عليه وسلم في الغزوات‬
‫والحروب ضد أعداء ال‪ ،‬فلم نسمع ولم نقرأ أنه صلى ال عليه وسلم أعاد المرأة إلى بيتها لنها‬
‫(عورة)‪ ،‬ويخشى عليها وعلى الجيش من الفتنة؟ وأين نحن من عائشة رضي ال عنها مرجع‬
‫الرجال والنساء في الفقه والحديث بعد وفاة الحبيب المصطفى صلى ال عليه وسلم؟‪.‬‬
‫أختي داليا‪ ،‬ل تدعي هؤلء (المستريحات) في حالهن‪ ،‬قوّي من عزائمهن‪ ،‬وشدي من أزرهن‪،‬‬
‫ناقشيهن واستفزيهن لدين ال عز وجل ونصرته‪ ،‬اعملي ليل نهار لقناعهن بالخروج إلى المساجد‬
‫والمدارس وتجمعات النساء‪ ،‬ليُعّلمْنَ الناس الخير والحق والعلم والدين‪( ،‬إنّ ال عز وجل‪ ،‬وملئكته‪،‬‬
‫وأهل السموات والرضين‪ ،‬حتى النملة في جحرها‪ ،‬وحتى الحوت‪ ،‬ليصلّون على معلم الناس الخير)‬
‫رواه الترمذي بسند صحيح‪ .‬و(المؤمن يَأْلف ويُؤلَف‪ ،‬ول خير فيمَن ل يألف ول يُؤلَف‪ ،‬وخير الناس‬
‫أنفعهم للناس) رواه الدارقطني بسند حسن‪.‬‬
‫إن سَيْرك إلى عملك أو إلى المسجد أو حتى إلى السوق‪ ،‬تعينين امرأة على طفلها‪ ،‬أو تتصدقين‬
‫على فقيرة‪ ،‬أو تنصحين عاصية‪ ،‬أو تساعدين عجوزًا في قطع شارع‪ ،‬أو تعقدين حفلً تجمعين به‬
‫التبرعات لدعم أختك في فلسطين‪ ،‬أو موعظة تعلمين بها الناس الخير‪ ،‬فذلك كله خير لك وال‪ ،‬ومن‬
‫شاء أن يتعبد فله الليل كله‪ ،‬يخلو به مع ربه وحبيبه‪ ،‬ويتزود من قوته ويدعوه‪ ،‬ويناجيه ما شاء ال‬
‫له أن يفعل لساعات الليل الطويلة الرائعة‪ ،‬فهل يحتاج أكثر من ذلك خلوة وجنة ونقاء وصلة مع ال‬
‫عز وجل‪ ،‬تضيء نهاره وتقوي عزيمته على الحق؟!‪.‬‬
‫كان الفضيل بن عياض من الناسكين العابدين الذين ل يفارقون الحرمين الشريفين‪ ،‬حتى عُرف‬
‫بلقب (عابد الحرمين) فبعث إليه عبد ال بن المبارك وهو في ركاب المجاهدين على تخوم المسلمين‬
‫هذه البيات في سنة سبعين ومائة للهجرة مع أحد أصدقائه‪:‬‬
‫يا عابد الحرمين لو أبصرتنا……لعلمت أنك في العبادة تلعبُ‬
‫من كان يخضب جيده بدموعه……فنحورنا بدمائنا تتخضب‬
‫أو كان يتعب خيله في باطل…‪..‬فخيولنا يوم الصبيحة تتعب‬
‫ريح العبير لكم ونحن عبيرنا……رهج السنابك والغبار الطيب‬
‫ولقد أتانا من مقال نبينا……قول صحيح صادق ل يكذب‬
‫ل يستوي غبار خيل اللّه في……أنف امرئ ودخان نار تلهب‬
‫هذا كتاب اللّه ينطق بيننا……ليس الشهيد بميت ل يكذب‬
‫أختي الحبيبة داليا‪ ،‬أنصحك بعقد حلقات علمية لهؤلء المنعزلت‪ ،‬تتناول خطورة هذا النعزال‬
‫على المجتمع‪ ،‬وتقوي العزائم‪ ،‬وترفع التقدير الذاتي والثقة بالنفس‪ ،‬وتعمّق اليمان‪ ،‬فكلما ازدادت‬
‫المعرفة بال عز وجل ودينه‪ ،‬كلما ازداد الداعيات حبّا في تعليم الناس الخير‪ ،‬ودعيهن يرون منك‬
‫ومن أخواتك قوة اليمان والرادة العالية ومقاومة الفتن‪ ،‬بل وتجنيد النفس والعلم والمكانات المادية‬
‫والمعنوية لمحاربة الفتن‪ ،‬وإن محاربتها ل يزيدك إل صلبة في الدين وقوة في اليقين‪ ،‬وفهمًا للقرآن‬
‫الكريم‪ ،‬والرغبة القوية لتطبيقه في واقع العالم وإنقاذ المجتمع‪.‬‬
‫إن لديك الكثير لتقومي به‪ ،‬فبادري‪ ،‬وإن بقين على حالهن فسوف ينساهن التاريخ واليام‪،‬‬
‫وتبقى بركة الصدقة الجارية‪ ،‬ونورها بين الناس‪ ،‬ول أجمل أن تهتدي بك فتاة‪ ،‬فتبقى طوال العمر‬
‫تدعو لك‪ ،‬وقد قال صلى ال عليه وسلم‪( :‬لن يهدي ال بك رجلً خير لك من الدنيا وما فيها)‪ ،‬أو‬
‫قال‪( :‬خير لك من حمر النعم) رواه الشيخان وأحمد‪ .‬صدق رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وإلى‬
‫المام يا داليا‪ ،‬أسمعينا أخبارك المشتعلة بالغيرة على المسلمات‪ ،‬وزوّدينا بالنشاطات التي تقومين بها‬
‫لعلنا نستفيد كذلك‪.‬‬
‫وفقك ال لما يحب ويرضى‪.‬‬

‫ليس إيمانًا‬
‫جاعت ل تتم باليانيات‪ ..‬ل للنعزال من جديد‬
‫السؤال‪:‬‬
‫جزاكم ال خيرا على هذا الباب‪ ،‬وأسأل ال أن يكون في ميزان أعمالك ‪...‬وبعد‪ ،‬أفتقد الخوة‬
‫وكل معاني الخوة في الحقل الذي أعمل به‪ ،‬أصبحت المعاملت في كل القطاعات التي أعمل بها‬
‫إداري ًة ول يوجد معي شخصٌ يحمل هذا الهمّ‪ ،‬ول يوجد شخص يتطابق في مستواي وحتى تفكيري‪،‬‬
‫والمشكلة أن قيادة الجماعة ل تهتمّ بهذا الموضوع‪ ،‬وهدفها التربية المستمرة لفرادها لكي يمسكوا‬
‫زمام العمل لنها تفتقد القياديين والرواد‪ ،‬فأصبحت المعاملة جافة من الخوّة واليمانيات‪ ،‬وقد‬
‫حاولت الكثير ولكن ل جدوى‪ ،‬واتخذت لنفسي قرارا هو النعزال عن هذه المور مع البقاء في‬
‫الجماعة والعمل المتواصل في تربية نفسي ومن معي من الفراد‪ ،‬فهل هذا صحيح؟ وما الحل‬
‫لمشكلتي؟‬
‫المستشار‪:‬‬

‫د‪ .‬فتحي يكن‬


‫الرد‬
‫"أخي الكريم‪ ..‬السلم عليكم ورحمة ال وبركاته‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫سأتناول المشكلة التي طرحتها من خلل ثلث دوائر‪:‬‬
‫الدائرة الولى‪ :‬ما يتعلق بالظاهرة نفسها‪..‬‬
‫الدائرة الثانية‪ :‬ما يتعلق بخلفية هذه الظاهرة‪..‬‬
‫الدائرة الثالثة‪ :‬ما يتعلق بموقفك من الظاهرة‪..‬‬
‫‪ - 1‬ما يتعلق بالظاهرة نفسها؟‬
‫اعلم ‪-‬يرحمني ويرحمك ال‪ -‬أن هذه الظاهرة المرضية تكاد تكون عامةً‪ ،‬تتجاوز حدود‬
‫القطار والحركات والجماعات وإنْ بنسبٍ مختلفة‪ ..‬ويمكن تلخيص السباب المباشرة لنشأتها‬
‫بالتالي‪:‬‬
‫أ ‪ -‬تراجعُ مستوى التربية عموما‪ ،‬ومنها التربية الربانية والخوية منها بشكلٍ خاص‪.‬‬
‫ب ‪ -‬غلبةُ الهتمامات ‪ -‬الدارية والسياسية وما يشابهها ‪ -‬على الهتمامات التربوية‪.‬‬
‫ج ‪-‬عدم خضوع القياديين والداريين للمناهج التربوية وانقطاعهم عن محاضنها ودوراتها‬
‫المختلفة‪ ،‬مما يؤدي مع الزمن إلى غياب "القدوة الحسنة" التي هي مناط الفعل والتأثير في القواعد‬
‫والفراد‪.‬‬
‫د ‪ -‬إن غياب معاني الخوّة ودللتها وسماتها من حياة الدعاة سيؤدي حتما إلى غيابها من‬
‫حياة المدعوين‪ ،‬وإن سوء علئق القياديين بعضهم ببعض سيتحول إلى سوء علئق الفراد فيما‬
‫بينهم كذلك‪ ،‬لن القاعدة أنه "إذا رتع الكبار رتع الصغار أو كانوا أكثرَ رتعا"‪.‬‬
‫‪ - 2‬ما يتعلق بخلفية الظاهرة؟‬
‫هناك أسباب وخلفيات كثيرة ومتعددة تقف وراء ظاهرة ضعف الروابط الخوية وذبول "الحب‬
‫في ال"‪ ..‬إنما هناك سبب أساسي ورئيسي إن تم إدراكه ومعالجته أمكن تجاوز هذه الحالة المرضية‪،‬‬
‫والتماثل إلى الشفاء والعافية بعون ال تعالى‪.‬‬
‫فما هذا السبب الساسي والرئيسي؟‬
‫وحتى ل نذهب بعيدا أو نُتّهم في تعقيد المسألة‪ ،‬فلندخل في صلب القضية وفي عمقها‪ ..‬وإذا‬
‫عرف السبب بطل العجب‪ ،‬وسهل الحلّ‪ ،‬وهان العلج‪ ،‬وال المستعان‪..‬‬
‫إن الخوّة السلمية آصرةٌ مقدسة‪ ،‬يعقدها ال عز وجل بين قلوب عباده المؤمنين المتحابين‬
‫فيه‪ ..‬فهي ليست عقدا تنظيميا تفرضه اعتبارات حزبية ولو كانت إسلمية‪ ..‬وهي ليست علقة‬
‫بشرية تقتضيها مصالح دنيوية‪ ..‬وهي كذلك ليست صحبة طريق أو رفقة درب‪ ..‬وإنما هي فوق كل‬
‫هذا وذاك إلفةٌ ربانية‪ ،‬ومِنّةٌ رحمانية‪ ،‬أشار إليها كتاب ال تعالى في أبلغ وصف حيث قال‪" :‬هو‬
‫الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين‪ ،‬وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم‬
‫ولكن ال ألف بينهم إنه عزيز حكيم"‪.‬‬
‫إن تصورنا للخوة السلمية وللحب في ال على هذا الساس يفضي إلى وضع الصبع على‬
‫خلفية التداعيات الخوية كافة‪ ،‬مع العتراف بوجود أسباب جانبية متعددة للمشكلة‪ ،‬تناولتها بإضافة‬
‫وإسهاب أقلم وأدبيات الكثير من المفكرين والكتاب‪..‬‬
‫إنه ل بد من الجزم بأن الخوة هي "حجر الساس الرباني" في إقامة "البنيان المرصوص" الذي‬
‫يشد بعضه بعضا‪ ،‬مصداقا لقوله‪ :‬صلى ال عليه وسلم‪" :‬مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم‬
‫وتعاطفهم‪ ،‬مثل الجسد‪ ،‬إذا اشتكى منه عضو‪ ،‬تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"رواه مسلم‪,‬‬
‫وقوله‪"( :‬المؤمن للمؤمن كالبنيان‪ ،‬يشد بعضه بعضا" وشبك بين أصابعه) رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫وإذا كانت الخوة السلمية وشيجة ربانية يؤلف ال بها بين قلوب عباده المؤمنين‪ ،‬فإن حب‬
‫هؤلء في ال هو غذاء هذه الوشيجة وإكسيرها ونبضها‪ ،‬وهو بالتالي ثمرة حبهم ل‪ ..‬وكما يستحيل‬
‫وجود فرع بدون أصل‪ ،‬فإنه يستحيل قيام حب في ال من غير حب ال‪ ..‬وفي ضوء هذا يمكن أن‬
‫يفهم المقصود الرباني من الدعاء‪" :‬اللهم اجعل الموت راحةً لنا من كل شر‪ ،‬واجعل الحياة زيادة لنا‬
‫في كل خير‪ ،‬وألهمنا حبك وحب من يحبك‪ ،‬وحب عمل يقربنا إلى حبك"‪ .‬وانطلقا من هذه القاعدة‬
‫وتأسيسا عليها يصبح الوفاء بين الناس ثمرة وفائهم مشتقة كلها من هذا البعد اللهي الرباني‪.‬‬
‫وفي ضوء هذا كذلك‪ ،‬يمكن الحكم على أية ظاهرة من ظواهر الخلف والشقاق‪ ،‬وأعراض‬
‫ضعف الصرة‪ ،‬وذبول الحب في ال‪ ،‬بأنها نتيجة طبيعية لفساد العلقة مع ال سبحانه‪ ،‬واجتراح‬
‫مساخطه والوقوع فيما نهى عنه‪ ،‬وإلى تحكم الهواء والمصالح الدنيوية في المسار‪ ،‬وهو مناقض‬
‫لما ينبغي أن يكون عليه حال المسلمين مصداقا لقوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬ثلث من كن فيه وجد‬
‫حلوة اليمان‪ :‬أن يكون ال ورسوله أحب إليه مما سواهما‪ ،‬وأن يحب المرء ل يحبه إل ل‪ ،‬وأن‬
‫يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار" رواه البخاري ومسلم‪ ،‬وصدق ال تعالى حيث‬
‫يقول‪" :‬قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة‬
‫تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من ال ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي‬
‫ال بأمره وال ل يهدي القوم الفاسقين"‪.‬‬
‫‪ - 3‬ما يتعلق بموقعك من الظاهرة؟‬
‫أخي الكريم‪ ..‬كنت معك في عرض الظاهرة المرضية‪ ،‬وتبيان خطورتها‪ ،‬وتوصيف‬
‫أعراضها‪ ،‬واستنكار وجودها داخل الحركة السلمية‪ ،‬ولكنني لست معك بحالٍ في القرار الذي‬
‫اتخذته والقاضي باعتزالك (هذه المور) أي بترك هذه الظاهرة والهتمام بتربية نفسك ومن معك‬
‫من الفراد!‬
‫إن اهتمامنا بأنفسنا أولً مبدأ ثابت في "فقه التكليف" كما في "فقه الولويات" مصداقا لقوله‬
‫تعالى‪" :‬يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة"‪.‬‬
‫غير أن واجب اهتمامنا بتربية أنفسنا ل يسقط عنا واجب اهتمامنا بالخرين‪ ،‬وعدم تقبل‬
‫الخرين لنصحنا يجب أن ل يدفعنا لليأس منهم والقعود عن نصحهم وتذكيرهم‪ ،‬فكيف وأن في قيامنا‬
‫بذلك مثوبة من ال‪ ،‬وهو القائل‪" :‬وذكّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين" والقائل‪" :‬فذكّر إنما أنت مذكر‪،‬‬
‫لست عليهم بمسيطر"‪.‬‬
‫إن انعزالك الن ‪-‬وكما تقول‪ -‬عن مسرح هذه القضية سيؤدي حتما ‪-‬وبعد فترة من الزمن‪-‬‬
‫إلى انعزالك عن مسرح الدعوة والحركة بالكلية‪ ،‬كما يمكن أن يلج بك ‪-‬ل قدّر ال‪ -‬إلى مسارح من‬
‫الفتن تجعل الحليم حيرانا‪ .‬إن الهروب من المرضى ل يوقف المرض أو يعالجه‪ ..‬وهو قد ينتقل إلى‬
‫الطبيب والمعافى وقد يقتله‪ ..‬والمطلوب في كل الحوال الصبر والمصابرة‪ ،‬وتخوّل الخرين بالكلمة‬
‫الطيبة والموعظة الحسنة "ولو كنت فظا غليظ القلب لنفضوا من حولك"‪ ،‬والقلوب أيها الخ العزيز‬
‫إنما جبلت على حب من أحسن إليها‪ ..‬جعلنا وإياك من المتواصين بالحق والصبر‪".‬‬
‫وما ذكره أستاذنا الداعية اللبناني المعروف الدكتور فتحي يكن هو تحليلٌ عميقٌ وشاملٌ‬
‫للظاهرة التي عانت وتعاني منها العديد من الجماعات والحركات السلمية‪ ،‬وبالطبع فما زالت‬
‫الكثير من الحركات والجماعات من تهتم بالجوانب اليمانية والتربوية لعضائها‪ ،‬بل تجد في داخل‬
‫الحركات التي أهملت التربية واليمانيات مجموعاتٍ ما زالت تهتم بالتربية‪ ،‬وبالتأكيد ستجد يا أخي‬
‫الكريم في من حولك من إخوانك من يشاركك الهمّ‪ ،‬وبالتأكيد أنك لست وحدك‪ ،‬فتعاونوا في نصح‬
‫إخوانكم وتنبيههم‪ ،‬ول تيأسوا أو تتوانوا عن ذلك‪ ،‬وإياكم والنعزال فل أضر منه‪ ،‬وحقا القلوب‬
‫‪-‬كما قال أستاذنا فتحي يكن‪ -‬جبلت على حبّ من أحسن إليها‪ ،‬أل يستحق إخوانك أن تُحسِن إليهم؟‬
‫وراسلنا بتطوراتك من فضلك‪ ،‬وجزاكم ال خيرا‪ ...‬المحرر‪.‬‬
‫ليس إيمانًا‬
‫!!بسبب العمل‪ ..‬تاهت إيانيا‬
‫السؤال‪:‬‬
‫السلم عليكم ورحمة ال وبركاته‪ ،‬شكرا لكم على الموقع المتميّز‪.‬‬
‫كيف نقوّي صلتنا بربّنا في ظلّ التغيّرات التي نواجهها في عصرنا والغراءات الكثيرة؟‬
‫أنا فتاةٌ قبل أن أعمل كنت "إنسانة" ملتزمةً في النواحي الدينيّة‪ ،‬ولكن بعد أن عملت‪ ،‬كلّ شيءٍ تغيّر‬
‫نحوي‪ ،‬فانجرفت في دوّامة‪ ،‬ول أعرف كيف أخرج منها‪.‬‬
‫كلّ أخلقي تغيّرت عن ذي قبل‪ .‬فهل ترشدونني إلى طريق الصواب؟‬
‫التائهة‬
‫المستشار‪:‬‬

‫كمال المصري‬
‫الرد‬
‫أختي الكريمة "التائهة"‪ ،‬أكرمك ال تعالى حين استشعرتِ تراجعك اليمانيّ‪ ،‬وهذا –كما نقول‬
‫دائما‪ -‬هو بداية طريق العلج والصلح‪ ..‬وها قد وضعت رجلك على الطريق‪.‬‬
‫والحقيقة أنّ مسألة دخول النسان في دوّامة العمل‪ ،‬هي مشكلة معظم "الملتزمين"‪ ،‬فهم ينتقلون‬
‫من بيئةٍ طيّبةٍ فيها من الوقت وراحة البال الكثير‪ ،‬وهي البيئة الدراسيّة بأقسامها المختلفة‪ ،‬إلى بيئةٍ‬
‫تكثر فيها اللتزامات والنشغالت والعباء و"الهموم"‪ ،‬وهي بيئة العمل‪.‬‬
‫وهذا النتقال –بالتأكيد‪ -‬له آثاره السلبيّة وظلله التي تحطّ على النسان‪ ،‬وقد تستهلكه وتقضي‬
‫عيه‪ ،‬لول رحمة ال تعالى به حين ينبّهه ويذكّره‪ ..‬فيغدو عليه أن يقتنص إيمانه قبل فوات الوان‪.‬‬
‫فحالك يا أختي الكريمة ليس حالك وحدك‪ ،‬بل هو حال معظمنا‪.‬‬
‫أمّا العلج‪ ،‬فيكمن في أربعة أمور‪:‬‬
‫‪ -1‬تنظيم الوقت وترتيبه‪.‬‬
‫‪ -2‬إيمان المعاملة‪.‬‬
‫‪ -3‬الصحبة الصالحة‪.‬‬
‫‪ -4‬العيش مع المّة‪.‬‬
‫‪ -1‬تنظيم الوقت وترتيبه‪:‬‬
‫الوقت هو الحياة‪ ،‬وهو إن لم ندركه أدركنا‪ ،‬وما المرء إل دقائق وثوانِ‪ ،‬فإذا ذهب وقته ذهب‬
‫بعضه‪.‬‬
‫لهذا كانت مسألة ترتيب الوقت‪ ،‬وتحديد المتطلّبات واللتزامات أمرٌ أساسيّ وضروريّ‪.‬‬
‫لذلك فلنعمل وفق أربعة قواعد‪:‬‬
‫‪ -‬تحديد ما علينا من مسؤوليّات‪.‬‬
‫‪ -‬عمل قائمةٍ تسمّى‪" :‬أعمالٌ يجب إنجازها اليوم"‪.‬‬
‫‪ -‬ترتيب هذه العمال وتحديد أوقاتها‪.‬‬
‫‪ -‬زحزحة جدار التعب‪.‬‬
‫وسأضرب مثالً توضيحيّا‪:‬‬
‫لديك اليوم العمال التالية‪ :‬العمل– الزاد اليوميّ من قرآنٍ وذكرٍ وما إلى ذلك‪ -‬بعض‬
‫اللتزامات السريّة‪ :‬كزيارة أحدٍ مثل‪ ،‬أو ترتيب شراء بعض الحتياجات‪ ،‬أو ترتيب بعض المور‬
‫في البيت‪ ..‬وما إلى ذلك‪ -‬بعض اللتزامات الدعويّة‪ :‬كحضور درسٍ‪ ،‬أو قراءة قرآن‪ ،‬أو قيام ليلٍ‬
‫أو ما إلى ذلك‪ ..‬صمّمي جدولً أو قائمةً بأوقات اليوم بالساعات‪" ،‬وهي القاعدة الثانية"‪ ،‬ث ّم ضعي‬
‫هذه اللتزامات أمامك‪ ،‬حدّدي منها ما لها مواعيد ل يمكن تأجيلها أو تغييرها كالعمل مثل‪ ،‬ضعي‬
‫هذه المواعيد الثابتة في الجدول‪ ،‬ثمّ انظري في الباقي‪ ،‬وحاولي ترتيبه في الجدول حسب طبيعته‬
‫وأفضل أوقاته‪ ،‬وهكذا حتى تنتهي منها كلّها‪.‬‬
‫افعلي ما سبق‪ ..‬اختاري منها ما يجب إنجازه في هذا اليوم‪ ..‬فإن كانت أكثر من الوقت المتاح‪،‬‬
‫لوْلَى‪ ،‬ثمّ "القاعدة‬
‫لوْلَى فا َ‬
‫رتّبيها حسب أولويّاتها وضروراتها "وهي القاعدة الثالثة"‪ ،‬وقومي بتنفيذ ا َ‬
‫الرابعة"‪ ،‬وهي‪" :‬زحزحة جدار التعب"‪:‬‬
‫يخبرنا علماء النفس أنّ النسان ل يستهلك كلّ طاقته‪ ،‬وبالتالي يبقى في قدرة النسان جزءٌ‬
‫يمكن الستفادة منه‪ ،‬حاولي أن تمدّدي وقت تعبك قليل‪ ،‬فإذا كنت متعوّد ًة أن تنهي كلّ أعمالك‬
‫والتزاماتك الخارجيّة والداخليّة الساعة العاشرة مساءً مثل‪ ،‬اجعليها العاشرة والنصف‪ ،‬وهذه النصف‬
‫ساعة ليست بالوقت الكبير‪ ،‬ول تحتاج إلى مجهودٍ فائق‪ ،‬فقط ثلثون دقيقة‪ ،‬خذي فيها زادا إيمانيّا؛‬
‫قيام‪ ،‬قراءة قرآن‪ ،‬قراءة كتابٍ في الرقائق‪ ،...‬وثقي بأنّ هذه الفترة الزمنيّة البسيطة ستزوّدك بالكثير‬
‫ما التزمت بها‪ ..‬ولن أذيع لك سرّا حين أقول‪ :‬ستجدين –بعد فترةٍ ليست بالطويلة‪ -‬أنّ هذه الثلثون‬
‫دقيقةً قد تمدّدت وتطاولت أضعافا مضاعفة‪.‬‬
‫بهذا الترتيب والتنظيم –أختي الكريمة‪ -‬تستطيعين فعل الكثير إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫‪ -2‬إيمان المعاملة‪:‬‬
‫ذكرت هذه القضيّة من قبل في استشاراتٍ عديدة‪ ،‬وأعيد التأكيد عليها‪ ،‬لماذا تسلّل إلى نفوسنا‬
‫من غير أن نشعر مفهوم النصارى للدين‪ ،‬أو منطق العلمانيّة في التعامل معه‪ ،‬فغدا ديننا ‪-‬بحسب‬
‫مفهوم النصارى– مجموعة صلواتٍ وعباداتٍ وطاعات‪ ،‬ولم يتعدّ ذلك إلى سلوكٍ ومعامل ٍة وفعل‪،‬‬
‫وأصبحنا –بحسب المنطق العلمانيّ– نقسّم حياتنا إلى قسمين‪ :‬قسمٍ لربّنا سبحانه متمثّلً في هذه‬
‫العبادات والطاعات‪ ،‬وقسمٍ لدنيانا نعيش فيه كيف نشاء؟!‬
‫الناظر لسلمنا المدقّق فيه‪ ،‬يجد كلّ ذلك مخالفا لسسه وقواعده التي بُني عليها‪ ،‬عندما يصف‬
‫ربّنا سبحانه رسوله صلى ال عليه وسلم‪" :‬وإنّك لعلى خلق عظيم"‪" ،‬فبما رحمةٍ من ال لنت لهم ولو‬
‫كنت فظّا غليظ القلب لنفضّوا من حولك"‪ ،‬وعندما يحثّنا رسولنا صلى ال عليه وسلم بفعله على‬
‫حسن الخلق‪ ،‬كما وصفه عبد ال بن عمرو رضي ال عنهما‪" :‬لم يكن رسول ال فاحشا ول متفحّشا‪،‬‬
‫وإنّه كان يقول‪ :‬إنّ خياركم أحاسنكم أخلقا"رواه البخاري‪ ،‬وعندما يقول صلى ال عليه وسلم في‬
‫الحديث الرائع حقّا‪" :‬تبسّمك في وجه أخيك صدقةٌ لك‪ ،‬وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة‪،‬‬
‫وإرشادك الرجل في أرض الضللة لك صدقة‪ ،‬وبصرك للرجل الرديء البصر لك صدقة‪ ،‬وإماطتك‬
‫الحجر والشوكة والعظم عن الطريق لك صدقة‪ ،‬وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة"رواه‬
‫الترمذيّ‪ ،‬وقال‪ :‬حسنٌ غريب‪ ،‬ورواه ابن حبّانٍ في صحيحه‪ ،‬وعندما يحكي صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫"بينما رجلٌ يمشي بطريق‪ ،‬وجد غصن شوك فأخذه‪ ،‬فشكر ال له‪ ،‬فغفر له"رواه البخاريّ ومسلم‪،‬‬
‫وعندما يأمرنا صلى ال عليه وسلم بالسماحة‪" :‬رحم ال رجلً سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا‬
‫اقتضى"رواه البخاري‪ ،‬ويصف المنافق بـ‪" :‬آية المنافق ثلث‪ :‬إذا حدّث كذب‪ ،‬وإذا وعد أخلف‪،‬‬
‫وإذا اؤتمن خان"رواه البخاريّ ومسلم‪.‬‬
‫كلّ هذا الك ّم من الوامر والفضائل "المعاملتيّة" هل هي لمجرّد العلم‪ ،‬أم هي للممارسة أيضا؟‬
‫وهل لها –إذا ما طبّقناها‪ -‬علقةٌ بزيادة اليمان في قلوبنا أم ل؟ لو كانت ليست لها علقة باليمان‪،‬‬
‫فمعذرة‪ ،‬فما فائدتها؟ ولماذا وردت؟ ولماذا حثّ ديننا عليها وأمر بها؟‬
‫أختي الكريمة‪ ،‬هذه مشكلةٌ كبرى نحيا فيها‪ ..‬الدين المعاملة‪ ،‬الدين المعاملة‪ ،‬الدين المعاملة‪،‬‬
‫خذي زادك اليمانيّ من هذه المعاملت‪ ..‬ابتسمي في وجوه الناس تزدادي إيمانا‪ ،‬أميطي الذى عن‬
‫الطريق‪ ،‬وتذكّري من فعل ذلك وشكر ال فغفر ال له‪ ،‬فاشكري ال‪ ،‬واستشعري مغفرة ال لك‪،‬‬
‫ن تكوني في مجلس نبيّك صلى ال عليه وسلم‪ ،‬تقرّبي إلى ال تعالى‬ ‫عاملي الناس بخلقٍ حس ٍ‬
‫ي انفصالٍ إيمانيّ‪ ،‬ولن تشعري بقسوة القلب‬ ‫بالمعاملة كما تقرّبت إليه بالطاعة‪ ..‬وعندئذ لن تحسّي بأ ّ‬
‫وجفاف اليمان‪.‬‬
‫‪ -3‬الصحبة الصالحة‪:‬‬
‫الصحبة الصالحة‪ ،‬والرفقة المنة‪ ،‬مفتاحان رائعان للحفاظ على النسان‪ ،‬ولعلّ أبرز ما يميّز‬
‫الجامعة أنّها مبنيّةٌ على التلقي والتواصل‪ ،‬وهو ما قد يُفقَد عند العمل‪.‬‬
‫فحاولي قدر جهدك ترتيب أعمالٍ إيمانيّةٍ مع أخواتك‪ ،‬قمن بزيارة ملجئ اليتام والمستشفيات‪،‬‬
‫اتّفقن على صيام وإفطار يومٍ سويّا‪ ،‬أو التزام عدد ركعاتٍ قيام ليلٍ أسبوعيّا‪ ،‬أو مبلغٍ شهريّ تتصدّقن‬
‫ج أو معوِز‪ ،‬أو عملٍ لهل حيّك‪ ،‬منطقتك‪ ،‬ومجتمعك‪ ،‬شاركي في‬ ‫به‪ ،‬أو خدمةٍ تؤدّينها لمحتا ٍ‬
‫الجمعيّات الهليّة والخيريّة وما أكثرها في الردن‪ ،‬المهمّ أن تجدي الرفقة الصالحة‪ ،‬وتلتزمي بها‪،‬‬
‫وتعرفي أنّ الذئب ل يأكل إل من الغنم القاصية‪.‬‬
‫‪ -4‬العيش مع المّة‪:‬‬
‫من وجهة نظري أنّ من اكثر ما يرفع إيماننا أن نعيش مع أمّتنا‪ ،‬نعرف أخبارها‪ ،‬نطمئ ّ‬
‫ن‬
‫عليها‪ ،‬نحزن لحزنها‪ ،‬ونفرح لفرحها‪ .‬هذا كلّه حريّ أن يرفع إيماننا حين نستشعر ارتباطنا بأمّتنا‪..‬‬
‫رغم أنّ الحداث والخبار في معظمها ل تسرّ‪ ،‬غير أنّ الحزن والهمّ والبكاء رغم قسوته ما هو إل‬
‫زا ٌد إيمانيّ يدعونا إلى اللتزام أكثر‪ ،‬والتشبّث بالدين أكثر‪ ،‬والعضّ على جذع اليمان والسلم‪.‬‬
‫أختي الكريمة "التائهة"‪ ،‬بهذه المور الربعة نبدأ الطريق إلى إزالة كلّ تيهٍ وحيرة‪ ،‬ونسعى إلى‬
‫ن أفضل‪ ،‬وقربٍ من ال تعالى أعلى‪.‬‬ ‫إيما ٍ‬
‫أختي "غير" التائهة‪ ،‬أما زلت تائهة؟؟‬
‫أنتظر الجابة من فضلك‪.‬‬

‫ليس إيمانًا‬
‫الروحانية والعمل الداري ‪ ..‬الناحان التلزمان‬
‫السؤال‪:‬‬
‫الخوة الحبّة في موقع إسلم أون لين‪ ،‬جزاكم ال كلّ خيرٍ على هذا الداء الرائع في الموقع‪،‬‬
‫والذي جعل من الموقع موروثًا حضاريّا لجيال المسلمين‪.‬‬
‫السادة العلماء‪ ،‬أنا أقيم في دولة أوروبية‪ ،‬وأعمل في مؤسسة إسلمية دعوية‪ ،‬والعمل في هذه‬
‫المؤسسة تطوعي في الغالب‪ ،‬ويعتمد على التضحية والروحانية والربانية من قبل الخوة العاملين‪،‬‬
‫ولكنه في نفس الوقت يعتمد على المؤسساتية والعمل الداري اليومي‪.‬‬
‫وقد لحظنا نحن الدعاة من أنفسنا جفوة‪ ،‬وأحيانًا مشاحنات لم تكن في السابق‪ ،‬وقد عزونا‬
‫السبب بشكل رئيسي إلى تأثير الدارة والعمل المؤسسي على الجانب التربوي والروحي‪ ،‬وقد كُلفت‬
‫من قبل القسم التربوي عندنا بإعداد دراسة حول العمل الداري وتأثيره على الجانب التربوي‪ ،‬وذلك‬
‫بتأصيل المشكلة كظاهرة موجودة‪ ،‬وذكر مظاهرها وأعراضها والحلول المناسبة لها‪.‬‬
‫لذلك أرجو إفادتي بأية ومضات أو ملحظات أو مساعدات تفيدني في هذا المجال‪ ،‬كما أرجو‬
‫تزويدي بأية مراجع تخدم هذه الدراسة من كتب أو من خلل الموضوعات المشابهة التي طُرِحَت‬
‫في موقعكم الغر‪.‬‬
‫علمًا بأن مؤسستنا هي المؤسسة الدعوية الولى على ساحة البلد الذي أقيم فيه‪ ،‬وأن أية‬
‫ملحظة أو خدمة تقدمونها سوف تؤثر إيجابًا على الساحة الدعوية في بلدي‪.‬‬
‫ملحظات‪:‬‬
‫‪ -‬عمر العمل الدعوي عندنا ‪ 12‬سنة‪ ،‬أما عمر المؤسسة ‪ 6‬سنوات‪.‬‬
‫‪ -‬في السابق كان الجميع يعمل تطوعًا ودون أي مقابل مادي‪ ،‬أما الن فإن البعض يتقاضى‬
‫راتبًا ولكنه للكفاف فقط‪.‬‬
‫‪ -‬في السابق كان الجميع من طلبة الجامعات في مرحلة البكالوريوس والذين جاءوا للدراسة‬
‫فقط‪ ،‬أما الن فإن البعض يحمل شهادة الدكتوراه‪ ،‬ول يبقيه هنا سوى خدمة الدعوة أو المشكلت‬
‫المنية في وطنه الصلي‪.‬‬
‫‪ -‬في السابق كانت الغالبية من الشباب العزب‪ ،‬أما الن فإن الغالبية متزوجون ويعولون ُأسَرًا‬
‫وأبناء‪.‬‬
‫‪ -‬في السابق كان العمل داخليّا خاصّا‪ ،‬أما الن فهو عمل يشمل الدعوة والعمل الجتماعي‬
‫ن ومراكز وجمعيات‪ ،‬وتحت أيدينا موظفون وعمال من أهل‬ ‫والغاثي وغيره‪ ،‬وقد أصبح عندنا مبا ٍ‬
‫البلد‪.‬‬
‫أدري أنني أطلت عليكم‪ ،‬ولكنها دعوة ال‪ ،‬وهي أمانة في أعناقنا‪ ،‬مع العلم أن الخوة جميعًا‬
‫يشعرون لحد ما بهذه المشكلة‪ ،‬ولديهم الرغبة في التغيير نحو الفضل إن شاء ال‪.‬‬
‫عذرًا على الطالة وضعف الصياغة‪ ،‬وأرجو منكم المسامحة‪ ،‬وأنا في انتظار الرد إن شاء ال‪،‬‬
‫مع خالص الدعاء بالتوفيق والمغفرة لكل من كان سببًا أو شارك ولو بحرف واحد لنجاح هذا‬
‫الموقع الرائد‪.‬‬
‫ابنكم فاروق‪.‬‬
‫المستشار‪:‬‬
‫فريق الستشارات الدعوية‬
‫الرد‬
‫يقول الستاذ أحمد محمد علي خبير التنمية الدارية بالموقع‪:‬‬
‫الخ الكريم فاروق‪ ،‬نشكرك على شعورك الطيب تجاه شبكة إسلم أون لين‪.‬نت‪ ،‬ونسألك‬
‫الدعاء في استمرار هذا الجهد الذي وصفته بالرائع وزيادة نجاحه‪ ،‬ونسأل ال معك القبول‬
‫والخلص‪.‬‬
‫وسؤالك – أخي ‪ -‬قد أصاب مني مصابًا عزيزًا‪ ،‬وجعلني أبتسم وأنا أرد عليك الن‪ ،‬ابتسامة‬
‫الفخور بعملكم وجهدكم في سبيل إيصال دعوة ال للناس جميعًا‪ ،‬ممزوجة بابتسامة الدعاء أن يلهمكم‬
‫ال تعالى السداد والصواب في هذا العمل‪.‬‬
‫أخي الحبيب‪ ،‬إن أكثر ما لفت نظري بشدة في رسالتك هي قولك‪" :‬وقد لحظنا نحن الدعاة من‬
‫أنفسنا جفوة وأحيانًا مشاحنات لم تكن في السابق‪ ،‬وقد عزونا السبب بشكل رئيسي إلى تأثير الدارة‬
‫والعمل المؤسسي على الجانب التربوي والروحي" !!‪.‬‬
‫ودعني أبدأ من هنا؛ لن هذا هو مربط الفرس في سؤالك‪ ،‬فالعمل الذي تقومون به أخي هو‬
‫عمل دعوي‪ ،‬ول شك أنه يحتاج إلى سمو روحي وعلو تربوي كبير للمشاركين‪ ،‬وأيضًا هذا العمل‬
‫من أهم خصائصه أنه عمل مؤسسي منظم ل تستطيع أن تؤديه على خير وجه دون أن يكون هناك‬
‫تنظيم وإدارة ونظام‪ ،‬والقاعدة‪ :‬أن ما ل يتم الواجب إل به فهو واجب‪.‬‬
‫وعليه فإننا وكبداية ننوه إلى أن الجناحين اللذين يحلق بهما عملكم هذا هما‪:‬‬
‫‪ -1‬الروح الدعوية التطوعية‪.‬‬
‫‪ -2‬الروح المؤسسية المنظمة‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فحين يكون هناك خلل في أحد الجناحين‪ ،‬فل يُعقَل أن نتهم الجناح الخر بأنه السبب‪،‬‬
‫ولكن تعالى ننظر إلى المشكلة من زاوية مختلفة تمامًا‪ .‬أنتم تحتاجون في هذه الرؤية إلى فقه إداري‬
‫جيد‪ ،‬وهو ما نفتقده في كثير من المؤسسات الدعوية‪ ،‬هذا الفقه يقوم على المحاور التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬رسالة واضحة للمؤسسة وأهداف محددة‪.‬‬
‫‪ -2‬هيكل تنظيمي واضح ومحدد المعالم‪.‬‬
‫‪ -3‬توصيفات وظيفية واضحة لكل الوظائف ومحددة المعالم والمسئوليات والصلحيات‪.‬‬
‫‪ -4‬موارد بشرية ماهرة ومحفّزة‪.‬‬
‫بالضافة إلى ُنظُم معلومات تخدم قراراتكم الستراتيجية‪.‬‬
‫وأعلم الن أنك تقول في نفسك‪ :‬إنك أردت إجابة عن سؤالك‪ :‬كيف يمكن أن أقوي الروح‬
‫العالية التي كانت سائدة‪ ،‬فإذا بك تفاجأ بأنني أتكلم عن مزيد من العمل الداري!!‬
‫ولكن ‪ -‬أخي ‪ -‬كما قلت لك‪ :‬إن العمل الذي تقومون ينهض على جناحين‪ :‬العمل الروحي‬
‫التطوعي‪ ،‬والعمل المنظم المؤسسي‪.‬‬
‫ودعنا نناقش كل محور من هذه المحاور – محاور الفقه الداري ‪ -‬لنعرف كيف تؤثر على‬
‫عملنا‪.‬‬
‫‪ -1‬رسالة واضحة للمؤسسة‪:‬‬
‫هل لديكم رسالة مكتوبة للمؤسسة التي تعملون بها‪ ،‬ويعرفها جميع من يعمل في مؤسستكم‪،‬‬
‫وهذه الرسالة تجيب بوضوح عن سبب وجود المؤسسة والغرض من إنشائها‪ ،‬وماذا تقدم هذه‬
‫المؤسسة للمجتمع الذي توجد فيه‪ ،‬وما هي القيمة المضافة التي تضيفها هذه المؤسسة‪ ،‬سواء للمجتمع‬
‫أو للحقل الدعوي الغاثي الذي تعملون فيه ؟؟‪.‬‬
‫هل هذه الرسالة يعرفها جميع العاملون معكم ويسترشدون بها في عملكم أم ل ؟؟‬
‫هل هذه الرسالة تحدد أهدافكم خلل فترة زمنية محددة (‪ 3‬سنوات مثلً) ؟؟‬
‫وسوف تسألني‪ :‬وما الفائدة من وجود هذه الرسالة ؟ وهذا هو ردي‪:‬‬
‫هذه الرسالة المؤسسية سوف توضح الرؤية التي تعملون من خللها‪ ،‬وبالتالي سوف تضع أمام‬
‫أعين العاملين جميعًا الهدف الذي يسعون إليه وينشغلون به‪ ،‬فيركز كل شخص على الوصول لذلك‬
‫الهدف‪.‬‬
‫والرسالة أخي ليست خطبة عصماء حماسية تستثير المشاعر للحظات ثم تُنسَى ككثير من‬
‫خطب الجمعة في مساجدنا‪ ،‬ولكنها دستور مكتوب يراه الجميع ويسعى لتحقيقه‪ ،‬فإن من يلمح َفجْر‬
‫الجر يهون عليه ظلم التكليف‪ ،‬وحين تتضح الرؤية فإن التضحيات تهون‪ ،‬وأنتم بحاجة لهذه‬
‫التضحيات‪ ،‬فعليكم توضيح الرؤية لمن تريدون منه أن يضحي‪.‬‬
‫وهذه الرؤية تتضح حين يكون لديكم هذه الرسالة التي تصوغونها وتتفقون عليها‪.‬‬
‫‪ -2‬هيكل تنظيمي واضح ومحدد المعالم‪:‬‬
‫أيضًا حين يُعاد تنظيم المؤسسة من جديد‪ ،‬تحتاجون إلى رسم الهيكل التنظيمي الذي يحدد‬
‫العلقات بين إداراتكم المختلفة‪ ،‬وبالتالي يحدد العمل الذي تقوم به كل إدارة وصلحياتها‬
‫ومسئولياتها‪ ،‬فل يُعقَل أن تقوم إدارة التسويق مثلً بالتدخل في أعمال الدارة المالية أو القيام‬
‫بمسئولياتها‪ ،‬ثم ل يحدث تشاحن وجفوة بين الخوة‪ ،‬فالطبيعي أنه حين تكون المور غير منتظمة أن‬
‫يحدث هذا التشاحن وهذه الجفوة‪ ،‬للتداخل بين الدارات وبعضها‪.‬‬
‫‪ -3‬توصيفات وظيفية واضحة المعالم‪:‬‬
‫وهذه التوصيفات تُكتَب لكل وظيفة لديكم‪ ،‬بحيث تُحدّد لكل فرد في المؤسسة ما هو العمل الذي‬
‫يقوم به بالفعل‪ ،‬وما هي صلحياته ومسئولياته‪ ،‬وبذلك وباحترام هذه التوصيفات سوف تقل كثيرًا‬
‫المشاحنات والجفوة‪.‬‬
‫‪ -4‬موارد بشرية ماهرة ومحفّزة‪:‬‬
‫فاسألوا أنفسكم‪:‬‬
‫‪ -‬كيف يتم اختيار عناصر الموارد البشرية ؟‬
‫‪ -‬هل يتم استقبالهم وتفهيمهم لطبيعة العمل ونظامه ؟‬
‫‪ -‬هل يستشعرون رسالة المؤسسة التي يعملون بها ؟‬
‫‪ -‬هل يعرفون واجباتهم الوظيفية جيدًا من خلل التوصيف الوظيفي الواضح لهم ؟‬
‫‪ -‬هل يعرفون حدود مسئولياتهم وصلحياتهم ؟‬
‫‪ -‬هل تقيمون لهم برامج تدريبية لتطوير مهاراتهم وقدراتهم‪ ،‬سواء الثقافية أو الدارية أو‬
‫الحترافية؟‬
‫‪ -‬ما آخر الكتب والنشرات التي تتابعونها عن المنظمات غير الربحية ؟‬
‫‪ -‬هل لديكم ثقافة ذاتية للمؤسسة ككل ؟‬
‫‪ -‬هل المؤسسة تواصل تعلمها‪ ،‬أم أنها تعتمد فقط على الخبرات الذاتية ؟‬
‫هذه ‪ -‬أخي ‪ -‬كانت مجموعة من النقاط التي أردت أن أوضح فيها أننا نستطيع أن ننجح‪،‬‬
‫وعندما ننجح سوف تزول الخلفات والمشاحنات‪.‬‬
‫إننا ‪ -‬أخي ‪ -‬نمثل حضارة نريد لها الزدهار بعد فترات ظلم طويلة مرت بها‪ ،‬وهذا‬
‫الزدهار لن يتحقق إل بأدوات النجاح‪ :‬الخبرة‪ ،‬والقوة‪ ،‬والمعلومات‪ .‬أخي‪ ..‬أرجو أل أكون أطلت‬
‫عليك ولكن تابعنا بأخبارك‪.‬‬
‫…………………………………………………………………‪.‬‬
‫أخي الحبيب فاروق‪ ،‬أشكرك على ثنائك الحسن علينا‪ ،‬ونسأل ال عز وجل أن نكون دائمًا عند‬
‫حسن ظن إخواننا في كل مكان‪ ،‬وبعد ‪ ..‬فإني أضم صوتي لصوت الستاذ الكريم أحمد محمد‪ ،‬من‬
‫أهمية السعي لتحقيق التناغم بين العمل الداري المؤسسي‪ ،‬وبين الجانب اليماني والروحي‬
‫والتربوي‪ ،‬وذلك في أية مؤسسة دعوية‪.‬‬
‫وأستطيع القول‪ :‬إن أية مؤسسة دعوية – أو حتى غير دعوية – ل يُدعّمها‪ ،‬ول يداخل‬
‫أعمالها‪ ،‬ول يحوي أفرادها السياج الروحي والشعوري واليماني‪ ،‬فهي الجسد الذي ل روح فيه‪ ،‬ل‬
‫تنتظر منه أن يتحرك وينتج وينمو‪ ،‬حتى وإن ظهر لك من الخارج أنه حي‪ ،‬فلن تفتأ تنخر فيه‬
‫عوامل الفساد والتحلل‪ ،‬حتى ينهار تمامًا‪.‬‬
‫لذا‪ ،‬فلكي تصير مؤسستكم جسدًا نابضًا بالعمل والنتاج الدعوي الجيد‪ ،‬فل بد أن تعملوا دائمًا‬
‫على تقوية هذين الجناحين اللذين يحملنها‪ ،‬وكل جناح منهما بدوره يدعم الخر ويقويه‪.‬‬
‫ودعني أتكلم بصراحة أكثر‪ ،‬فأقول‪ :‬إن التغيرات التي طرأت على نظام العمل في مؤسستكم‬
‫لها بالطبع دور كبير في بروز ما تتحدث عنه من مشكلت‪ ،‬فقد تحول العمل من عمل طوعي دون‬
‫مقابل مادي‪ ،‬إلى عمل يتقاضى القائم به راتبًا‪ ،‬وبالطبع تكون هناك امتيازات مادية وإدارية لبعض‬
‫الفراد دون بعض‪ ،‬مما يتسبب في وقوع المشاحنات وتغير القلوب‪ ،‬كذلك تغير الوضاع الجتماعية‬
‫للعاملين‪ ،‬فالطالب صار أستاذًا‪ ،‬والعَزَب صار متزوجًا ويعول‪ ،‬كذلك المؤسسة نفسها وحجم العمل‬
‫والنشطة قد تضخم ونما وتفرع‪.‬‬
‫كل تلك التغيرات أحدثت بالطبع مشكلت‪ ،‬كان من الممكن احتواؤها – ويمكن الن – لو‬
‫واجهناها باعتماد المحاور التي حددها الستاذ أحمد في إجابته‪ ،‬ول نترك المور تسير على‬
‫عواهنها‪ ،‬اعتمادًا على العلقات الشخصية أو الجتماعية التي تربطنا‪ ،‬والمشاعر التي تستقر في‬
‫نفوسنا‪ ،‬ونحن نعمل عملً طوعيّا‪ ،‬فالحذر الحذر من العتماد على أن كلنا (إخوة) وكلنا (عاملون‬
‫للسلم) وكلنا (دعاة)‪ ،‬فكل تلك المفاهيم الطيبة من الممكن أن تتلوث وتتشوه‪ ،‬لو لم تحددوا الطر‬
‫الدارية والحقوق والواجبات لكل فرد‪ ،‬بناء على إمكاناته ومواصفاته وطاقاته وخبراته‪ ،‬مع عدم‬
‫نسيان الفضل بينكم‪ ،‬وتدعيم قبول الفراد لهذه النظم والتأكد من اقتناعهم بها‪ ،‬والسماح بالنقاش‬
‫والحوار حتى يرضى الجميع وتهدأ النفوس وتستقر القلوب‪.‬‬
‫لقد لمست في مؤسسات إسلمية كثيرة – ولعلها ظاهرة في معظم تلك المؤسسات – الخلط بين‬
‫العلقتين‪ ،‬علقة العمل وعلقة الخوة‪ ،‬والخلط بينهما يفسد كل منهما‪ ،‬فل يبقى للخوة نقاؤها‬
‫وبهاؤها‪ ،‬ول يبقى للعمل روعته ورونقه!!‪.‬‬
‫والسبب في ذلك الخلط هو عدم الفهم من قِبل البعض‪ ،‬بل قد يكون المر نابعًا – عند البعض ‪-‬‬
‫من رغبة في استغلل الرابطة الشعورية أو العلقة الشخصية في تحقيق مكاسب مادية وإدارية‬
‫داخل تلك المؤسسة‪ ،‬وهذا ما يجب أن يبرأ منه ويربأ عنه كل عامل لهذا الدين‪.‬‬
‫فلتعملوا أخي الكريم على إشاعة الوعي بهذه القضايا بينكم‪ ،‬عن طريق الندوات والمحاضرات‬
‫والحوارات والدورات‪ ،‬وعن طريق تقديم القدوة من نماذج طيبة خاضت غمار هذا العمل قديمًا‬
‫وحديثًا‪ ،‬والعمل على التأكيد على تحري النوايا‪ ،‬والخلص ل عز وجل‪ ،‬لنيل خيري الدنيا‬
‫والخرة‪.‬‬
‫أسأل ال عز وجل لنا ولكم القبول‪ ،‬ومرحبًا بك دائمًا وبرسائلك‪..‬‬

‫ليس إيمانًا‬
‫السمو الروحي‪ :‬كيف يتحقق ف حياتنا الشغولة؟‬
‫السؤال‪:‬‬
‫أيّها الفاضل‪ ،‬سلمٌ عليك ما نظرَت عينٌ لهذه الصفحة الطيّبة‪.‬‬
‫الشفافية اليمانيّة والسموّ الروحيّ‪ ،‬كيف نحقّقه في ظلّ هذه الحياة التي تطحننا بمشاغلها؟‬
‫ودمت طيّبا‪.‬‬
‫المستشار‪:‬‬

‫الشيخ ناظم المسباح‬


‫الرد‬
‫الخ الكريم بو حسان‪ ،‬نتّفق معا أنّنا نعيش في دنيا انقلبت فيها الموازين والمعايير‪ ،‬وبات كلّ‬
‫شيءٍ يقاس بمنظار المادّة‪.‬‬
‫والطغيان الماديّ على الحياة أدّى إلى تراجع الربّانيّة بين المسلمين‪ ،‬لكن ومع ذلك فإنّ المسلم‬
‫المتمسّك بدينه والقابض عليه درجته عظيمةٌ في هذا الزمان‪ ،‬لسيّما أنّ البيئات التي نعيش فيها ل‬
‫تعين على التديّن واللتزام‪ ،‬ومن ثَمّ فإنّ الجر على قدر الجهد‪.‬‬
‫ويمكن أن تتحقّق الشفافية اليمانيّة والسموّ الروحيّ عبر جملةٍ من اللتزامات هي‪:‬‬
‫‪ -1‬مجاهدة النفس‪ ،‬فالنفس أمّارةٌ بالسوء‪ ،‬ومن َثمّ لب ّد من مقاومتها وتعويدها على عبادة ال‪،‬‬
‫وإذا سار المرء وراء نفسه وتحريضها على الشهوات خاب وخسر‪ ،‬وليس فقط مجاهدة النفس في‬
‫مواجهة المعاصي‪ ،‬وإنّما مجاهدة النفس من أجل التزوّد بالطاعات والكثار من العمال الصالحة‪.‬‬
‫‪ -2‬مجاهدة النفس على ترك ما حرّم ال بقوّة‪ ،‬وال تعالى يقول‪" :‬يا يحيى خذ الكتاب بقوّة"‪ ،‬أي‬
‫القلع الفوريّ عن المعصية‪ ،‬ثمّ لزوم التوبة والستغفار‪ ،‬والعزم على عدم العودة إليها مرّة ثانية‪،‬‬
‫والندم على ما حدث‪ ،‬لكن إذا تعلّق المر بالخرين فيجب دعوتهم بالحكمة والموعظة الحسنة‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يعيش المسلم ل‪ ،‬أي يكون كلّ شيءٍ في حياته ل‪ ،‬وال تعالى يأمرنا بأن نعتقد ونقول‪:‬‬
‫"قل إنّ صلتي ونسكي ومحياي ومماتي ل ربّ العالمين‪ ،‬ل شريك له وبذلك ُأمِرت وأنا أوّل‬
‫المسلمين"‪.‬‬
‫‪ -4‬الصدق مع ال عزّ وجلّ‪ ،‬والصدق مع النفس‪ ،‬والصدق في كلّ شيء‪ ،‬فإنّ إلزام النفس‬
‫بالصدق يحرّضها دائما على تحرّى الحق‪ ،‬ومن ثَمّ الشفافية في القول والعمل‪.‬‬
‫‪ -5‬الخلص‪ ،‬قال تعالى‪" :‬إنّا أنزلنا إليك الكتاب بالحقّ فاعبد ال مخلصا له الدين‪ ،‬أل ل‬
‫الدين الخالص"‪ ،‬أي ل يبتغى المسلم بعمله إل وجه ال الكريم‪.‬‬
‫‪ -6‬ملزمة كتاب ال عزّ وجلّ وسنّة رسوله صلى ال عليه وسلم‪ ،‬قراءةً وتدبّرا وعملً بما‬
‫جاء فيهما من تعاليم وتوجيهاتٍ وأحكام‪ ،‬فإنّ ذلك يعين العبد على أن يكون ربانيّا‪.‬‬
‫‪ -7‬دراسة سير الصحابة الفذاذ والعلماء الربّانيّين‪ ،‬وكيف تجسّدت معاني الشفافية في‬
‫سلوكيّاتهم وتصرّفاتهم‪.‬‬
‫‪ -8‬اعتزال الفسّاق والفجّار وأماكن اللهو والعبث‪ ،‬إلى أماكن العبادة والطاعة والمر‬
‫بالمعروف والنهي عن المنكر‪.‬‬
‫‪ -9‬الرتباط بالصحبة الصالحة‪ ،‬وما تقوم به من واجباتٍ دعويّة‪ ،‬والتزاماتٍ تعبديّة‪.‬‬
‫‪ -10‬المحافظة على أذكار الصباح والمساء‪ ،‬فالذكر أصلٌ من أصول الدين وأركانه‪ ،‬يقول‬
‫الرسول صلى عليه وسلم‪" :‬مثل الذي يذكر ربّه والذي ل يذكر ربّه مثل الحيّ والميّت"رواه‬
‫البخاري‪.‬‬
‫والذكر من أفضل الطاعات والقربات ل عزّ وجلّ‪ ،‬وهو خير العمال‪ ،‬وال يقول في الحديث‬
‫القدسيّ‪" :‬من شغله ذكري عن مسألتي‪ ،‬أعطيته أفضل ما أُعطي السائلين"رواه البزّار والبيهقيّ‪،‬‬
‫وروى الترمذيّ نحوه‪ ،‬وسنده حسن‪.‬‬
‫وفّقك ال أخي الكريم‪.‬‬
‫وبانتهاء إجابة أستاذنا الشيخ ناظم المسباح أكرمه ال تعالى‪ ،‬بقي أن أشير إلى حديثٍ قديم‪،‬‬
‫مرتبطٍ بوسائل رفع اليمان‪ ،‬وهي ثلث‪ :‬الزاد‪ -‬والرفقة‪ -‬وإيمان المعاملة‪،‬‬
‫أسأل ال تعالى أن يحقّق فينا جميعا الشفافية والسموّ الروحيّ‪..‬‬
‫وأهلً بك دائما‪ ...‬المحرر‪.‬‬

‫ليس إيمانًا‬
‫هل نترك الدنيا ونبيع العرق سوس؟!!‪ ..‬شبهات على الطريق‬
‫السؤال‪:‬‬
‫الستاذ كمال المصري المحترم‪ ،‬السلم عليكم ورحمة ال وبركاته‪،‬‬
‫قبل عدة أشهر التقيت أحد الصدقاء في الجامعة‪ ،‬وكان قد سافر إلى اليمن بعد أن ترك الجامعة‬
‫في مجال الهندسة ليطلب العلم الشرعي‪ ،‬لكنه عاد بعد ذلك لنه صدم بسوء الدراسة هناك‪ ،‬وهو‬
‫للعلم شيخ كما يسمونه هنا (ملتحٍ) لحية إسلمية‪ ،‬وهو ملتزمٌ عمره ‪ 23‬سنة‪ ،‬منذ أن عاد توطدت‬
‫علقتي معه حتى وصلت إلى درجة الخوة والحمد ل‪.‬‬
‫المشكلة هي في نظرة هذا الخ إلى الدنيا‪ ،‬فهو ينظر إليها على أنها عدو‪ ،‬وهي نظرة الصحابة‬
‫إليها‪ ،‬فهو يعتقد أننا يجب أن نتعبد فقط ل بقراءة القران والصلة والصيام‪ ،‬وأننا ل يجب أن نحتك‬
‫بالدنيا إل بقدر الحاجة الضرورية الملحة‪ ،‬مثل العمل‪ ،‬وأن نقضي وقت الفراغ في العبادة فقط‪" :‬فإذا‬
‫فرغت فانصب"‪ ،‬وحجته في ذلك هي الصحابة‪ ،‬فهو يقول أن من عمل منهم للدنيا قد ندم ندمًا شديدًا‪،‬‬
‫قلت له بأن هذا التفكير يؤدي إلى تخلف المسلمين‪ ،‬وأننا يجب أن نعمل في مجالت الهندسة‬
‫والطب‪ ....‬إلخ‪ ،‬لكي نسد الثغور والتخلف الهائل الذي لحق بنا‪ ،‬كان جوابه بأننا حين نعود إلى ال‬
‫ونعبده حق عبادته بنية خالصة سيجعلنا ال سادة الدنيا‪ ،‬وسيجعلها عبدًا لدينا‪ ،‬وأننا لن نحتاج إلى‬
‫المهندسين أو الطباء أو الغرب أو العلم‪ ،‬وأننا لن نلحق بالغرب لنهم سبقونا بسنين‪ ،‬ومثاله في هذا‬
‫أنه حين ل يركب "باص" الجامعة بسبب الغاني في "الباص" ييسر له ال واسطة أخرى (وهو ما‬
‫يحصل بالفعل حين أكون معه حتى على مستوى التاكسي فحين أركب معه يكون السائق يستمع إلى‬
‫القران)‪.‬‬
‫هو يقول بأنه يجب أن نعود إلى ال بصدق وهو سيحل جميع مشاكلنا‪ ،‬وحجته في الخوف من‬
‫الدنيا هو أن التعمق فيها للدراسة مثلً يؤدي للنغماس فيها مما يؤثر سلبًا على العبادة (وهو ما‬
‫لحظته أنا فحين أجلس للبرمجة مثلً وأسمع الذان أشعر ببعض الكسل لداء الصلة لني أكون في‬
‫ذروة التفكير والنغماس بالمشكلة والمر نفسه عند الدراسة)‪.‬‬
‫قبل عدة أسابيع اشتركت بإحدى الدورات البرمجية فلمني بشدة فأصبحت في موقع المفرط‬
‫بدينه‪ ،‬وهو على حق إلى حدّ ما‪ ،‬لني لحظت أن خشوعي في الصلة وتأثري بالقرآن أصبحا أقل‬
‫لني أرجع إلى البيت منهكًا‪.‬‬
‫باختصار شديد‪ ،‬هو يؤمن بأننا يجب أن نعمل للخرة فقط وأن ل نحتك بالدنيا إل بقدر الحاجة‬
‫الضرورية (وهو مصطلحٌ نسبيّ في نظري لن حاجتي غير حاجة المة)‪ ،‬وإننا حين نعود إلى ال‬
‫سيجعل لنا من أمرنا مخرجًا‪ ،‬ويرزقنا من حيث ل نحتسب‪ ،‬وأن مصدرنا يجب أن يكون القرآن‬
‫والسنة ‪ -‬وليس إسلم أون لين‪.‬نت كما يقول لي مازحًا‪ ،‬وهو يلومكم بشدة لنكم ل تستشهدون‬
‫بالقران أو بالسنة‪ ،‬ويصفكم بالنموذج المتأثر بالغرب والعلم‪ ،‬وأنكم "دنيويون" بشكلٍ بحت ‪.-‬‬
‫المشكلة أنه يحثني بشدةٍ لكي أتبنى رؤيته هذه‪ ،‬وأنا مقتنعٌ برؤيته إلى حدّ ما‪ ،‬لكن أخشى أن‬
‫يكون مخطئًا أو مغاليًا ‪.‬‬
‫أنا حائرٌ بشدةٍ هل هو على صواب ؟ هل يجب أن أوقف الدورات ومسيرتي العلمية وأتعبد فقط‬
‫؟ هل هذا تواكل ؟‬
‫بالمناسبة هو يعتبر أن طلب الخرة عن طريق الدنيا خطأٌ كبير (وهو نموذج الستاذ عمرو‬
‫خالد)‪ ،‬فالستاذ عمرو يقول أنه ما من مانعٍ من ممارسة الرياضة والنشطة الخرى‪ ،‬بشرط تغيير‬
‫النية لكي نحصل على حسناتٍ أثناء النشاط (مثلً أمارس الرياضة بنية تفريغ الطاقة لقتل الشهوة‬
‫الملحة والبتعاد عن المعصية)‪ ،‬ولكن هذا الصديق يقول أن الدنيا ل تجتمع مع الخرة‪ ،‬وأنه ل يجب‬
‫أن نتعبد إلى ال بالدنيا (كما تفعلون أنتم مثلً حسب ما يقول حيث إنكم تقومون بعملٍ دنيويّ تطلبون‬
‫به رضا ال فلكم حسنات لكنها ليست العبادة) لن مشاكلنا هي نتيجة البتعاد عن ال‪ ،‬وأنكم تقدمون‬
‫حلولً مؤقتةً‪ ،‬ول تحلون المشكلة الساسية‪ ،‬وحين أخبره بأن هذه الحلول ضروري ٌة فهي أشبه‬
‫بحبوب العلج‪ ،‬التي يجب أخذها يجيب قائلً بأن حتى حبوب العلج نحن لسنا بحاجةٍ لها‪ ،‬لو عرفنا‬
‫ال كما ينبغي فكم من مريضٍ بالسرطان شفي برجوعه إلى ال‪.‬‬
‫هو يظن أن الخذ بالسباب ينسيك أو يقلل من اعتمادك على المسبب‪ ،‬وأن ل حاجة للتخطيط‪،‬‬
‫لننا نخطط ويحصل عكس ما نخطط له دائمًا‪ ،‬أي أن الدنيا "غدارة ملهاش أمان"‪ ،‬وهو مصيبٌ في‬
‫هذه النقطة‪ ،‬هو يقول دائمًا‪" :‬كلما زاد اليمان قل الخذ بالسباب"‪ ،‬وقول الرسول صلى ال عليه‬
‫وسلم‪" :‬عش في الدنيا كأنك غريب أوعابر سبيل"‪ ،‬وقوله عليه الصلة والسلم‪" :‬كان السلم غريبًا‪،‬‬
‫وسيعود غريبًا فطوبى للغرباء"‪ ،‬وقول الرسول‪" :‬لو أنكم تتوكلون على ال حق توكله لرزقكم كما‬
‫يرزق الطير تغدو خماصًا وتعود بطانًا"‪ ،‬وقوله تعالى‪" :‬وما خلقت الجن والنس إل ليعبدون‪ ،‬ما‬
‫أريد منهم من رزقٍ وما أريد أن يطعمون‪ ،‬إن ال هو الرزاق ذو القوة المتين"‪ ،‬وقوله تعالى‪" :‬وأمر‬
‫أهلك بالصلة واصطبر عليها ل نسألك رزقا"‪.‬‬
‫للعلم فهو كان في الثانوية من الوائل وليس فاشلً حتى يقال بأنه معقد‪.‬‬
‫أنا حائرٌ بشدة‪ ،‬ارجو التوضيح بحكم خبرتكم الواسعة‪.‬‬
‫المستشار‪:‬‬

‫كمال المصري‬
‫الرد‬
‫يا أخي الحبيب عليّ‪ ،‬ما أشبه الليلة بالبارحة‪.‬‬
‫منذ سنين طوال‪ ،‬ومع نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات‪ ،‬قدّر ال تعالى لي أن ألتقي مجموعةً‬
‫حملت نفس فكر صاحبك هذا‪ ،‬ومن قبيل التقدير كذلك أن كان أحدها طالبًا في كلية الهندسة‪ ،‬ثم‬
‫تركها ليبيع "عرق السوس" في الشوارع !! بدعوى أن نكون في الدنيا كعابري السبيل‪ .‬ودار بيني‬
‫وبينهم حديثٌ طويل‪ ،‬ل أكاد أذكر منه إل أسئلةٍ ثلثٍة أساسية‪:‬‬
‫السؤال الول‪ :‬مَن أعبد ل تعالى وأقرب لفهم السلم‪ ،‬نحن أم الرسول صلى ال عليه وسلم ؟‬
‫السؤال الثاني‪ :‬ما سنن ال تعالى في الكون التي قررها وأمرنا بالتزامها ؟‬
‫السؤال الثالث‪ :‬لماذا نحمّل ديننا تقصيرنا ؟‬
‫وبهذه السئلة الثلثة سأجيبك عن حيرتك يا أخي الحبيب‪.‬‬
‫ولكن قبلها عليّ أن أؤكد على أن جزءًا مما قاله صاحبك صحيح‪ ،‬وهو أن على المرء أن‬
‫يشغل نفسه بالعبادة والقرب من ال تعالى‪ ،‬وأن يعمل للخرة كي يجد ما يلقى به ربه تعالى حين‬
‫يلقاه‪ ،‬هذا الكلم في مجمله صحيح‪ ،‬لن الغاية النهائية هي الخرة‪ ،‬لكنه في تفصيله يكون خطأً حين‬
‫ل ل يفعل شيئًا ول يخطط‬ ‫ندعي تحت زعم رغبة الخرة أن على المرء في الدنيا أن يحيا كسولً تنب ً‬
‫لشيء‪ ،‬إن هذا الكلم أشبه بمقولة المام عليّ رضي ال عنه‪" :‬كلمة حقّ أريد بها باطل"‪.‬‬
‫أعود لسئلتي الثلثة‪:‬‬
‫السؤال الول‪ :‬مَن أعبد ل تعالى وأقرب لفهم السلم‪ ،‬نحن أم الرسول صلى ال عليه وسلم ؟‬
‫إن من أغرب وأعجب ما يدهشني أن أجد أحدًا يدّعي أنه يفهم السلم أفضل من فهم رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ! ‪ ..‬ل يعجب أح ٌد من كلمي‪ ،‬فقد رأيت الكثيرين من المسلمين يفعلون ذلك‬
‫بأيديهم دون أن تتلفظ بذلك ألسنتهم‪ ،‬ولو أمعن الجميع النظر حوله لوجد الكثيرين من أمثال هؤلء‪.‬‬
‫من يعترض على كلمي فليجبني‪:‬‬
‫‪ -‬ألم يأتِ قومٌ إلى رسول ال صلى ال عليه ويتقالّوا عبادته كما ورد في الحديث الصحيح عن‬
‫أنس بن مالك رضي ال عنه قال‪( :‬جاء ثلث رهطٍ إلى بيوت أزواج النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫يسألون عن عبادة النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فلما أخبروا كأنهم تقالُوها‪ ،‬فقالوا‪ :‬أين نحن من النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬قد غفر ال له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ؟ قال أحدهم‪ :‬أما أنا فإني أصلي‬
‫الليل أبدًا‪ ،‬وقال آخر‪ :‬أنا أصوم الدهر ول أفطر‪ ،‬وقال آخر‪ :‬أنا أعتزل النساء فل أتزوج أبدًا‪ ،‬فجاء‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال‪" :‬أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما وال أتي لخشاكم ل واتقاكم له‪،‬‬
‫لكني أصوم وأفطر‪ ،‬وأصلي وأرقد‪ ،‬وأتزوج النساء‪ ،‬فمن رغب عن سنتي فليس مني") رواه‬
‫البخاري ومسلم‪.‬‬
‫ماذا يسمّى هذا غير أنهم قد فهموا السلم أكثر من رسول السلم ؟‬
‫‪ -‬كنت مرةً أتحدث مع أخٍ ملتز ٍم واختلفنا في حكم مسألةٍ فقهيةٍ‪ ،‬فقال‪" :‬لو أتيتني بنصّ صحيحٍ‬
‫أن رسول ال صلى ال عليه وسلم فعل ذلك فسأبقى أقول أنه حرام" !!‬
‫عندها كانت إجابتي‪" :‬هذا دين ال تعالى‪ ،‬إذا كنت تريد دينًا غير دين ال تعالى فأنت وما‬
‫تشاء"‪ ،‬أليس هذا فهمًا من أخينا هذا للسلم أفضل من فهم رسول ال صلى ال عليه وسلم له؟‬
‫‪ -‬من ينكر منطق الخذ بالسباب الذي أمرنا ال تعالى به‪ ،‬ونفذه بالفعل رسولنا صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ ،‬من ينكر ذلك أل يكون قد فهم الدين أفضل من رسول هذا الدين‪ ،‬بل أفضل من ال تعالى‪،‬‬
‫تعالى ال سبحانه عن ذلك علوّا كبيرًا ؟!!‬
‫جبُ في النفوس ؟! حسنًا ‪ ..‬اقرءوا معي قول ال تعالى‪" :‬والذين جاهدوا فينا‬
‫ما زال العَ َ‬
‫لنهدينهم سبلنا وإن ال لمع المحسنين"‪ .‬قال المام القرطبي‪( :‬قال ابن عطية‪ :‬إنما هو جهادٌ عا ّم في‬
‫دين ال وطلب مرضاته‪ ،‬وقال ابن عباس وإبراهيم بن أدهم‪ :‬هي في الذين يعملون بما يعلمون)‬
‫وقال المام القرطبي كذلك‪( :‬وقال أبو سليمان الداراني‪ :‬ليس الجهاد في الية قتال الكفار فقط‬
‫بل هو نصر الدين والرد على المبطلين؛ وقمع الظالمين؛ وعظمة المر بالمعروف والنهي عن‬
‫المنكر ومنه مجاهدة النفوس في طاعة ال وهو الجهاد الكبر وقال سفيان بن عيينة لبن المبارك‪:‬‬
‫إذا رأيت الناس قد اختلفوا فعليك بالمجاهدين وأهل الثغور)‪.‬‬
‫أليست هذه النصوص تؤكد على الخذ بالسباب ؟ فما العمل‪ ،‬والجهاد‪ ،‬ونصر الدين‪ ،‬وقمع‬
‫الظالمين‪ ،‬والمر بالمعروف والنهي عن المنكر إل مظاهر الخذ بالسباب لنيل هداية ال تعالى‪.‬‬
‫يقول المام ابن قدامة‪( :‬أن يكون الطعام بين يديك وأنت جائع‪ ،‬فل تمد يدك إليه وتقول‪ :‬أنا‬
‫متوكل‪ ،‬وشرط التوكل ترك السعي‪ ،‬ومد اليد إلى الطعام سعي‪ ،‬وكذلك مضغه وابتلعه‪ ،‬فهذا جنون‬
‫محض‪ ،‬وليس من التوكل في شيء‪ ،‬فإنك إذا انتظرت أن يخلق ال فيك شبعًا دون أكل الطعام‪ ،‬أو‬
‫يخلق في الطعام حركة إليك‪ ،‬أو يسخر مَلكًا ليمضغه ويوصله إلى معدتك‪ ،‬فقد جهلت سنة ال)‪.‬‬
‫ثم قال رحمه ال تعالى‪( :‬ليس من شرط التوكل ترك السباب الدافعة للضرر‪ ،‬فل يجوز النوم‬
‫في الرض المسبعة ‪ -‬أي التي فيها السباع من الحيوانات ‪ ،-‬أو مجرى السيل‪ ،‬أو تحت الجدار‬
‫الخرب‪ ،‬فكل ذلك منهيّ عنه)‪.‬‬
‫ليس ما كتبت كافيًا؟؟ حسنًا‪ ،‬ما قولكم في‪:‬‬
‫‪ -‬قول ال تعالى للمجاهدين‪" :‬وليأخذوا أسلحتهم" حين الصلة ساعة مواجهة العدو ‪ -‬أو صلة‬
‫الخوف كما أسماها الفقهاء ‪" :-‬وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا‬
‫أسلحتهم"‪..‬لمَ أمر ال تعالى المؤمنين وهو في قمة القتراب منه سبحانه حين يجاهدون في سبيله‬
‫تعالى‪ ،‬والجهاد مقامه معروفٌ لدى الجميع‪ ،‬لمَ أمرهم ال تعالى أن يأخذوا أسلحتهم ؟ بل لمَ أمرهم‬
‫بالصلة بهذه الكيفية ؟؟ ألم يكن ال تعالى قادرًا على أن ينصر عباده دون حاجةٍ لهذه الستعدادات‬
‫أم أن المر أخ ٌذ واجبٌ بالسباب حتى من قِبَل أقرب الناس إليه سبحانه‪ :‬المجاهدين في سبيل ال‬
‫تعالى ؟‬
‫‪ -‬قصة السيدة مريم في سورة مريم‪ ،‬وهي امرأةٌ حاملٌ‪ ،‬وحيدةٌ‪ ،‬ضعيفةٌ‪ ،‬وزادها ضعفًا أنها‬
‫ساعة المخاض أو الولدة بما في ذلك من آل ٍم كبيرة‪ ،‬وأكمل ضعفها أنا كانت يائسةٌ‪" :‬قالت يا ليتني‬
‫مت قبل هذا وكنت نسيًا منسيّا"‪ ،‬ورغم كل هذا أمرها ال تعالى أن تأخذ بالسباب كي يصل إليها‬
‫الطعام‪ ،‬رغم كونه سبحانه غير محتاجٍ لهذه السباب‪ ،‬ورغم كونها أضعف من أن تهز فرع شجرةٍ‬
‫ل جذع نخلةٍ‪" :‬وهزي إليك بجذع النخلة تُساقِط عليك رُطَبًا جنيّا‪ ،‬فكلي واشربي وقرّي عينًا"‪.‬‬
‫هل لهذا معنى آخر غير الخذ بالسباب مهما كانت طاقة النسان ضعيفة ؟؟‬
‫‪( -‬عن عمر رضي ال عنه‪ :‬أن النبي صلى ال عليه وسلم كان يبيع نخل بني النضير‪،‬‬
‫ويحبس لهله قوت سنتهم) رواه البخاري‪ .‬أما كان رسول ال صلى عليه وسلم أولى الناس أن‬
‫يجلس في بيته ويطعمه ال تعالى ويسقيه‪ ،‬لكنه لم يفعل ذلك ؟؟‬
‫عقِلْها وأتوكل‪ ،‬أو أُطِلقْها‬
‫‪ -‬عن أنس بن مالك رضي ال عنه قال‪( :‬قال رجل‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬أَ ْ‬
‫وأتوكل ؟ قال‪" :‬اعقلها وتوكل") رواه الترمذي‪ ،‬وقال حديثٌ غريب‪ ،‬ورواه الطبرانيّ بسندٍ جيد‪.‬‬
‫فالمرء كي يتوكل عليه أن يعقل المور ويأخذ بأسبابها‪.‬‬
‫أخْذ رسول ال تعالى بالسباب كامل ًة في هجرته‪ ،‬ويوم بدرٍ‪ ،‬حتى لقد قال أبو بكرٍ لرسول ال‬
‫صلى ال عليه يوم بدرٍ لمّا رأى منه حسن الخذ بالسباب وحسن التوكل على ال تعالى‪( :‬يا نبي‬
‫ال‪ ،‬كفاك مناشدتك ربك‪ ،‬فإنه سينجز لك ما وعدك) رواه مسلم‪.‬‬
‫فليرجع كل امرئٍ فينا إلى السيرة وليقرأ هاتين الحادثتين‪ :‬الهجرة‪ ،‬وغزوة بدر‪ ،‬ليرى كيف أخذ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم بالسباب قبل أن يتوكل على ال تعالى‪.‬‬
‫السؤال الثاني‪ :‬ما سنة ال تعالى في الكون التي قررها وأمرنا بالتزامها ؟‬
‫إن سنن الكون والدنيا التي قررها ربنا سبحانه وأمرنا بالتزامها هي إعمار الرض‪ :‬قال تعالى‪:‬‬
‫ل يقول أن عمارة‬
‫"هو أنشأكم من الرض واستعمركم فيها" أي خلقكم لعمارتها‪ ،‬وليس من عاق ٍ‬
‫الرض تكون بالعبادة فقط‪ ،‬فكما أن العبادات وإقامتها في الرض توجيه قرآني‪ ،‬كذلك فإن الرقي‬
‫بالبلد‪ ،‬وبلوغ أعلى مسالك العلم والتقدم هو أيضا واجبٌ دينيّ‪ ،‬ومقصدٌ قرآنيّ‪.‬‬
‫وقال تعالى‪" :‬وإذ قال ربك للملئكة إني جاعل في الرض خليفة"‪ ،‬فقد أناب ال النسان في‬
‫الرض للتصرف فيها وعمارتها‪ ،‬والستخلف ينبع من مبدأ وحدانية الخالق فهو المالك الواهب‬
‫الذي منح النسان أمانة الخلفة في الرض‪ ،‬ورزقه من العقل والرادة ما يمكنه من عمارتها‬
‫واستغلل خيراتها‪ ،‬والنسان فيها موكلٌ في التصرف حسب ما أمره ال به‪ ،‬وبما شرعه له‪ ،‬وليس‬
‫كما يريد النسان لنفسه‪ ،‬وقد أوضحت الية بجلء أن الخليفة ليس هو من يُفسد في الرض‪ ،‬وإنما‬
‫هو من يعمّرها‪ ،‬حين تساءلت الملئكة‪" :‬أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء"‪ ،‬فكان رد المولى‬
‫جل شأنه‪" :‬إني أعلم ما ل تعلمون"‪.‬‬
‫وكي يحقق النسان وظيفته كخليف ٍة في الرض لبد أن يستوفي ثلثة عناصر هي‪:‬‬
‫‪ -1‬عمارة الرض‪.‬‬
‫‪ -2‬حماية هذه العمارة من الفساد والفساد‪.‬‬
‫‪ -3‬إصلح ما قد يطرأ عليها من فساد‪.‬‬
‫‪ -1‬عمارة الرض‪:‬‬
‫قال تعالى‪" :‬هو أنشأكم من الرض واستعمركم فيها" أي خلقكم لعمارتها‪ .‬وقال صلى ال عليه‬
‫وسلم‪" :‬ما من مسلمٍ يغرس غرسًا أو يزرع زرعًا فيأكل منه طيرٌ أو إنسانٌ أو بهيمةٌ إل كان له به‬
‫صدقةٌ" رواه البخاري ومسلم‪ .‬قال المام ابن حجر‪( :‬وفي الحديث فضل الغرس والزرع والحض‬
‫على عمارة الرض)‪.‬‬
‫وينطبق على هذا كل شيء‪ ،‬فأي إنجازٍ هو إعمار‪ ،‬وأي تعلّمٍ هو إعمار‪ ،‬وأي اختراعٍ هو‬
‫إعمار‪ ،‬كلّ مسل ٍم يعمّر في هذا الدنيا حسب مجاله وطريقته وطاقته‪ ،‬العالم بعلمه‪ ،‬والمخترع‬
‫باختراعه‪ ،‬والعامل بإتقانه لعمله‪ ،‬وطالب العلم بزيادته من التعلم وحرصه على طلبه‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫‪ -2‬حماية هذه العمارة من الفساد والفساد‪:‬‬
‫إن شكر نعم ال تعالى بحفظها وعدم إتلفها هو حمايةٌ لهذه العمارة‪ ،‬فقد نهى القرآن الكريم عن‬
‫ي عملٍ يؤدي إلى الفساد في الرض‪ ،‬فقال تعالى‪" :‬ول تفسدوا في الرض بعد إصلحها"‪ ،‬قال‬ ‫أ ّ‬
‫المام القرطبي‪( :‬أنه سبحانه نهى عن كلّ فسا ٍد قلّ أو كثر بعد صلحٍ قلّ أو كثر‪ ،‬فهو على العموم‬
‫على الصحيح من القوال‪ ،‬وقال الضحاك‪ :‬معناه ل تعوروا الماء المعين‪ ،‬ول تقطعوا الشجر المثمر‬
‫ضرارًا)‪.‬‬
‫ونهى ال تعالى عن الفساد حين قال‪" :‬ول تعثوا في الرض مفسدين"‪.‬‬
‫كما نهى رسولنا صلى ال عليه وسلم المسلم من الضرار بنفسه أو بغيره حين قال‪" :‬ل ضرر ول‬
‫ضرار" رواه أحمد والطبراني‪ ،‬ورجاله ثقات‪ ،‬وقد اعتُبر هذا الحديث قاعدةً أساسيةً من القواعد التي‬
‫قام عليها السلم‪.‬‬
‫والمسلم ل يُظهر في الرض الفساد أبدًا‪ ،‬فهي عادة أهل الكفر كما أعلمنا ال تعالى في آياتٍ‬
‫كثيرة‪ ،‬وكما أخبر سبحانه عن حال أممٍ كثيرةٍ‪:‬‬
‫‪" -‬وإذا قيل لهم ل تفسدوا في الرض قالوا إنما نحن مصلحون‪ ،‬أل إنهم هم المفسدون ولكن ل‬
‫يشعرون"‪.‬‬
‫‪" -‬وإذا تولى سعى في الرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل وال ل يحب الفساد"‪.‬‬
‫‪" -‬إنما جزاء الذين يحاربون ال ورسوله ويسعون في الرض فسادًا أن يُقتّلوا أو يُصلّبوا أو‬
‫تُقطّع أيديهم وأرجلهم من خلفٍ أو يُنفَوا من الرض ذلك لهم خزيٌ في الدنيا ولهم في الخرة عذابٌ‬
‫عظيمٌ"‪.‬‬
‫‪" -‬تلك الدار الخرة نجعلها للذين ل يريدون علوّا في الرض ول فسادًا والعاقبة للمتقين"‪.‬‬
‫‪" -‬الذين ينقضون عهد ال من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر ال به أن يوصل ويفسدون في‬
‫الرض أولئك هم الخاسرون"‪.‬‬
‫‪" -‬فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الرض وتقطعوا أرحامكم‪ ،‬أولئك الذين لعنهم ال‬
‫فأصمهم وأعمى أبصارهم‪ ،‬أفل يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها"‪.‬‬
‫‪" -‬فلول كان من القرون من قبلكم أولوا بقي ٍة ينهون عن الفساد في الرض إل قليلً ممن أنجينا‬
‫منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين"‪.‬‬
‫‪" -‬وكان في المدينة تسعة رهطٍ يفسدون في الرض ول يصلحون"‪.‬‬
‫‪" -‬وابتغ فيما آتاك ال الدار الخرة ول تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن ال إليك ول تبغ‬
‫الفساد في الرض إن ال ل يحب المفسدين"‪.‬‬
‫‪" -‬وإلى مدين أخاهم شعيبًا فقال يا قوم اعبدوا ال وارجوا اليوم الخر ول تعثوا في الرض‬
‫مفسدين"‪" - .‬ويسعون في الرض فسادًا وال ل يحب المفسدين"‪.‬‬
‫‪ -3‬إصلح ما قد يطرأ عليها من فساد‪:‬‬
‫الصلح هو رسالة المسلم‪ ،‬قال تعالى‪" :‬إن أريد إل الصلح ما استطعت‪ ،‬وما بتوفيقي إل‬
‫بال عليه توكلت وإليه أنيب"‪ .‬وهو مستوى رفيعٌ لليجابية‪ ،‬يتعدى السلبية ليصل إلى فعل الخير‪،‬‬
‫والمتناع عن الفساد‪ ،‬ومنع الغير من الضرر والفساد‪.‬‬
‫كما أن الصلح تأصيلٌ لنتماء المسلم لمته‪ ،‬وللمسئولية نحوها‪.‬‬
‫وأبرز مثالٍ على هذا المفهوم هو حديث النبي صلى ال عليه وسلم‪" :‬مثل القائم على حدود ال‬
‫والواقع فيها‪ ،‬كمثل قومٍ استهموا على سفينة‪ ،‬فأصاب بعضهم أعلها وبعضهم أسفلها‪ ،‬فكان الذين في‬
‫أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم‪ ،‬فقالوا‪ :‬لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا‪ ،‬ولم نؤذ من‬
‫فوقنا‪ ،‬فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا‪ ،‬وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا" رواه‬
‫البخاري‪.‬‬
‫بل إن إنكار الفساد ومحاربته مقياسٌ ليمان المسلم‪ ،‬ففي الحديث عن النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫قال‪" :‬من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده‪ ،‬فإن لم يستطع فبلسانه‪ ،‬فإن لم يستطع فبقلبه‪ ،‬وذلك أضعف‬
‫اليمان" رواه مسلم‪.‬‬
‫وفي هذا دعوةٌ لكل مسلم أل يكون سلبيّا تجاه أي خطر يهدد المجتمع‪.‬‬
‫إن عناصر خلفة العبد ل تعالى وإعمار الكون والحفاظ عليه‪ ،‬هي سنة ال تعالى التي أمرنا‬
‫نحن المسلمين بتنفيذها‪ ،‬وأي إهمالٍ في ذلك ما هو إل تقصيرٌ في حقّ ال تعالى‪ ،‬والهتمام الحقيقي‬
‫بالدنيا‪ ،‬الهتمام المنضبط الذي ل يُغرِق فيها‪ ،‬وإنما يحقق غاية ال تعالى فيها‪ ،‬هو الهتمام الذي‬
‫ح أو قلب‪.‬‬‫علينا اللتزام به‪ ،‬بعيدًا عن رهبنةٍ نخالف بها دين ربنا سبحانه‪ ،‬أو مادي ٍة تقتل فينا كل رو ٍ‬
‫السؤال الثالث‪ :‬لماذا نحمّل ديننا تقصيرنا ؟‬
‫تقول يا أخي علي‪( :‬وحجته في الخوف من الدنيا هو أن التعمق فيها للدراسة مثلً يؤدي‬
‫للنغماس فيها مما يؤثر سلبًا على العبادة (وهو ما لحظته أنا فحين أجلس للبرمجة مثلً وأسمع‬
‫الذان أشعر ببعض الكسل لداء الصلة لني أكون في ذروة التفكير والنغماس بالمشكلة والمر‬
‫نفسه عند الدراسة))‪.‬‬
‫ذكرني قولك هذا يا أخي الحبيب برجلٍ ركب سيارته ليذهب لموعد له‪ ،‬ولكنه لم يحركها إل بعد‬
‫أكثر من نصف ساع ٍة من ركوبها‪ ،‬فوصل متأخرًا عن موعده‪ ،‬ترى أتلم السيارة عن وصول‬
‫صاحبها متأخرًا‪ ،‬أم الملم هو راكبها ؟‬
‫هذا تمامًا هو ما أجيب به عن حالتك وحالة صاحبك وحالة كل من يرى ذلك‪ .‬لماذا نحمّل ديننا‬
‫نتائج تقصيرنا‪ ،‬الكسل الذي يصيبنا ويمنعنا من الذهاب للصلة في المسجد هو من فعل يدينا‪ ،‬ول‬
‫دخل للصلة ول للدنيا به‪ ،‬أم أننا نريد أن نعلق أخطاءنا على غيرنا ؟‬
‫إن سيرة سلفنا الصالح لتنبئك بالمزيد‪ ،‬فهم كانوا في أعمالهم‪ ،‬ولكنهم أهل الصف الول في‬
‫المسجد في الوقت ذاته‪ ،‬تخبرنا سيرتهم أن أحدهم كان يرفع مطرقته ليضرب بها الحديد‪ ،‬فيؤذّن‬
‫للصلة فل تنزل يده على الحديدة‪ ،‬بل يهمّ مسرعًا ملبيّا النداء‪ ،‬يكفينا البحث عن مبرراتٍ‬
‫لتقصيراتنا‪ ،‬ولنقف أمام أنفسنا وقفة صدقٍ حقيقيةٍ‪ ،‬فل أعمالنا تمنعنا عن ديننا‪ ،‬ول العلم يبعدنا عن‬
‫ال تعالى‪.‬‬
‫كل ما أتيقنه أن ربي سبحانه أخبرني أن العلم يوصل لخشيته جل شأنه‪" :‬إنما يخشى ال من‬
‫عباده العلماء"‪ ،‬فكيف يتحول العلم إلى مانعٍ من ال تعالى ؟؟‬
‫نحن من تحوّلنا ل ديننا‪ ،‬ول دنيانا‪.‬‬
‫أخي عليّ‪،‬‬
‫بقي أخيرًا أن أجيب على الستدللت التي ذكرها صاحبك‪ ،‬حتى ل أدع مجالً للشك أو الريبة‪:‬‬
‫‪ -‬الستدلل بقول ال تعالى‪" :‬فإذا فرغت فانصب"‪.‬‬
‫ليس فيه أي دليل‪ ،‬فهو أمرٌ لرسول ال صلى ال عليه وسلم ولمته بعده أن يلتزم المسلم بالصلة ثم‬
‫بالدعاء‪ ،‬بل وجدت من المفسرين من فسّر الية بغير الفراغ من الصلة‪ ،‬قال المام الطبري ‪ -‬ونقل‬
‫نحو ذلك المام القرطبي ‪( :-‬إذا فرغت من الجهاد فانصب في عبادة ال "وإلى ربك فارغب")‪.‬‬
‫أليس الجهاد هو أخذٌ بالسباب ؟‬
‫‪ -‬الستدلل بقول ال تعالى‪" :‬ومن يتق ال يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث ل يحتسب"‪،‬‬
‫وبقول ال تعالى‪" :‬وأمر أهلك بالصلة واصطبر عليها ل نسألك رزقًا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى"‪.‬‬
‫وهذا استدللٌ خاطئٌ كذلك‪ ،‬فليس معنى الية أن يجلس المرء في بيته ويرزقه ال تعالى‪ ،‬ولكن‬
‫معناها تحري الحلل في الرزق‪ ،‬كما قال المام الزجاج في تعليقه على "ويرزقه من حيث ل‬
‫يحتسب"‪( :‬أي إذا اتقى وآثر الحلل والتصبر على أهله‪ ،‬فتح ال عليه إن كان ذا ضيقة ورزقه من‬
‫حيث ل يحتسب)‪.‬‬
‫وكما قال المام القرطبي في تعليقه على "وأمر أهلك بالصلة واصطبر عليها ل نسألك رزقا"‪:‬‬
‫(والصحيح ما أحكمته السنة عند فقهاء الظاهر وهو العمل بالسباب الدنيوية من الحرث والتجارة في‬
‫السواق والعمارة للموال وغرس الثمار‪ ،‬وقد كانت الصحابة تفعل ذلك والنبي صلى ال عليه وسلم‬
‫بين أظهرهم)‪ .‬وأظن ما نقلته آنفًا من قيام رسول ال صلى ال عليه وسلم بالعمل ببيع نخل بني‬
‫النضير لكسب قوت أهله يؤكد هذا المعنى‪.‬‬
‫‪ -‬الستدلل بحديث‪" :‬كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل" البخاري‬
‫ليس فيه دللة إل على ضرورة أل يجعل النسان الدنيا أكبر همه‪ ،‬وقد نقل ابن حجر في معنى‬
‫الحديث‪( :‬هذا الحديث أصل في الحث على الفراغ عن الدنيا والزهد فيها والحتقار لها والقناعة فيها‬
‫بالبلغة)‬
‫والبلغة (أي ما يبلغ بك) ل تأتي إل بالطريق الذي أخبرنا ال تعالى به‪ ،‬وهو الخذ بالسباب‬
‫كما بينتُ آنفًا‪.‬‬
‫‪ -‬الستدلل بقول الرسول صلى ال عليه وسلم‪" :‬بدأ السلم غريبًا‪ ،‬وسيعود كما بدأ غريبًا‪،‬‬
‫طوبى للغرباء" رواه مسلم‪ ،‬لم أفهم الحقيقة وجه الدللة فيه على ترك الخذ بالسباب‪.‬‬
‫‪ -‬الستدلل بحديث‪" :‬لو أنكم تتوكلون على ال حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير‪ ،‬تغدو‬
‫خماصًا ‪ -‬أي جائعة ‪ -‬وتروح بطانًا ‪ -‬أي شَبِعة" رواه أحمد والترمذي بسندٍ صحيح‪.‬‬
‫هذا الحديث يؤيد ما نقول بوجوب الخذ بالسباب‪ ،‬فقد نصّ على قيام الطير بالعمل عبر الغدو‬
‫والرواح‪ ،‬ولو لم تفعل ذلك لما رزقها ال تعالى‪.‬‬
‫قال المام القرطبي‪( :‬فأخبر أن التوكل الحقيقي ل يضاده الغدو والرواح في طلب الرزق)‪.‬‬
‫وقال المام ابن حجر‪( :‬والمراد بالتوكل اعتقاد ما دلت عليه هذه الية "وما من دابة في‬
‫الرض إل على ال رزقها"‪ ،‬وليس المراد به ترك التسبب والعتماد على ما يأتي من المخلوقين‪،‬‬
‫لن ذلك قد يجر إلى ضد ما يراه من التوكل‪.‬‬
‫وقد سئل أحمد عن رجل جلس في بيته أو في المسجد وقال ل أعمل شيئا حتى يأتيني رزقي‬
‫فقال‪ :‬هذا رجل جهل العلم‪ ،‬فقد قال النبي صلى ال عليه وسلم‪" :‬إن ال جعل رزقي تحت ظل‬
‫رمحي" وقال‪" :‬لو توكلتم على ال حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصًا وتروح بطانا"‬
‫فذكر أنها تغدو وتروح في طلب الرزق‪ ،‬قال‪ :‬وكان الصحابة يتجرون ويعملون في نخيلهم‪ ،‬والقدوة‬
‫بهم)‪.‬‬
‫‪ -‬الستدلل بقول ال تعالى‪" :‬وما خلقت الجن والنس إل ليعبدون"‬
‫ل تعالى‪ ،‬ومن قال أن إعمار الدنيا ليس من عبادة ال تعالى؟‬
‫الحياة كلها خُلِقت كي يعبد الناسُ ا َ‬
‫ل أقول بالركون للدنيا‪ ،‬ولكنني أطلب التوازن‪ ،‬ولنعلم أن قانون ال تعالى الذي يسيّر به المور‬
‫هو‪" :‬إنّ ال ل يُغيّر ما بقومٍ حتى يغيّروا ما بأنفسهم"‪ ،‬وأنّ هداية السبيل والحسان ل تأتي إل لمن‬
‫جاهد في ال تعالى‪" :‬والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإنّ ال لمع المحسنين"‪ ،‬وهذا منهج ال تعالى‬
‫الذي أمرنا بالتزامه‪ ،‬وسار عليه المسلمون إلى اليوم‪ ،‬فهو ليس منهج الخ "عمرو خالد"‪ ،‬وإنما هو‬
‫منهج قديمٌ متّ َبعٌ‪.‬‬
‫أل هل بلغت اللهم فاشهد‪ ..‬أنتظر أن أسمع منك يا عليّ‪.‬‬
‫نشكر مستشارنا الكريم على نصيحته وكلماته المضيئة‪ ،‬وفي وقتننا هذا يجب أن نسأل‪ :‬هل‬
‫نترك أمتنا نهبًا لقوى البغي والعدوان ؟ هل نذهب للتعبد ونترك أرضنا وأعراضنا وأطفالنا تستباح‬
‫من القاصي والداني ؟ هل نسجد ونترك سيف أعداء ال فوق رؤوسنا يهوي ؟ ومنذ متى يا أخي كان‬
‫الضعف والجهل من أمر ال أو من سنة رسول ال ؟‬
‫أخي الفاضل لتنخدع بمظاهر اليمان ولو رأيته يطير في الهواء أو يسير على الماء‪ ،‬وكن‬
‫على غرس رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬وكن على تواصل معنا‪ .‬المحرر‬

‫ختاماً جزى ال موقع اسلم اون لين كل خير على هذه الفوائد‬
‫وهذه التوجيهات‬
‫ول تنسوني من صالح الدعاء‬

‫أخو الحرار‬

You might also like