Professional Documents
Culture Documents
إيمانيات الدعاة
إيمانيات الدعاة
إيمانيات الدعاة
إيمانيات الدعاة
إيمانيات الدعاة
برامج إيمانية
•حديث في الصحبة
•في الصحبة" ..المرء على دين خليله"
•مشروع دعوي لحياء الخوة
•عند فساد الخوة ..ابحث عن العظمة الحقيقية
داء ودواء
ليس إيمانًا
حقيقة اليمان
لحات ف إحياء الربّانية
السؤال:
بسم ال الرحمن الرحيم
لشكّ أنّ العبد الربانيّ الذي دعا إليه السلم هو ذو صفاتٍ ربانيّة ،تبدأ بالفهم للمنهج
والطريق ،وتنتهي إلى غايةٍ أسمى وهي ابتغاء مرضاة ال في كلّ حركةٍ وسكنةٍ ووجهةٍ وغاية.
أتمني وصفا وتبيانا تعرّفونني من أين أبدأ ؟ وجزاكم ال خيرا.
المستشار:
أسماء جبر أبو سيف
الرد
أخي الكريم،
يبدو أنّك -ما شاء ال -على درجةٍ من الثقافة والعلم رغم دراستك الثانويّة ،فأهنّئك على جهدك
تجاه نفسك.
سأحاول إجابتك بطريقةٍ عمليّةٍ أكثر ،وأترك القراءة النظريّة -والتي لبدّ منها -لك:
أوّل :اعلم -أخي الفاضل -أنّ بقاءك وحدك ل يعينك على البداية الصحيحة ،ولبدّ للسائر من
مجموعةٍ من المؤمنين يذكّرونه إذا نسي ،ويعلّمونه إذا جهل ،فالكتب وحدها ل تكفي وسط هذه
الفتن ،فالتزم أ ّولً مجموعةً من الصفياء وطلبة العلم من أهل السنّة المطهّرة ،تجتمعون إلى عال ٍم أو
فقيهٍ من أهل السنّة والجماعة تتدارسون القرآن الكريم وسنّة النبي عليه الصلة والسلم ،تتآخون في
ال ويسند بعضكم بعضا.
ن وصفاء نفس ،فتزوّج فتاةً صالح ًة متعلّم ًة مؤمنةً أمرٌ آخر يتعلّق بوحدتك ،فأنت أرملٌ ،والزواج سك ٌ
ب والفتن محيطة ،حماك ال ورعاك. تسكن إليها وتعينك في شؤون دينك ودنياك ،فأنت شا ّ
ثانيا :اجتهد في تأديب نفسك وتعليمها فيما يقوّي سَيْرك إلى ال ،ويجعل إيمانك على عل ٍم وبصيرة،
والكتب المنهجيّة كلّها متوفّرة ،وضعها لنا -مجّانا -علماؤنا رضي ال عنهم ،وقطعوا الصحاري
لجمعها كي تكون مطبوع ًة وميسورةً بين أيدينا.
واجتهد كذلك في تنويع ثقافتك ليبق تديّنك على صلةٍ بالعالم الواقعيّ وتطوّرات الدنيا.
ثالثا :إنّ حياة القلب وصحوة المراقبة تدوم بالوِرد اليوميّ من الذكر والصلة والتلوة والقربات
المختلفة ،ففيها الطمأنينة والتثبيت واليقظة الدائمة ،ورقابتك على نفسك تزيد اليمان وتُنقّي البصيرة،
واحرص يا سيدي على ربط حياتك اليوميّة بأسماء ال الحسنى وآياته ،وأضف عباد ًة مهمّ ًة يغفل
عنها الكثير ،وهي التأمّل والتفكّر في آيات ال وأحوال الخلق وأحوالك القلبية أنت ،فهذا باب يفتح لك
آفاقا ل تخطر على بال.
ل واحدا خيرٌ لك من أن يكون رابعا :اجتهد في ممارسة الدعوة إلى ال تعالى" :لن يهدي ال بك رج ً
ل نوعٍ من أنواع الهداية يعيد هذا النسان حمُر ال ّنعَم"رواه البخاري ومسلم ،وهذا يتمثّل في ك ّ
لك ُ
الضائع إلى الطريق السليم ،ودعوتك غيرك تعينك على تثبيت إيمانك وتربية سلوكك.
خامسا :شارك المسلمين في همومهم وقضاياهم في بلدك وغير بلدك ،فليس أحزن على القلب من
نور وجه الشهيد تراه على التلفاز وفي الصور ،وليس أجلى للحزن من العمل على تجهيز غازٍ في
سبيل ال ،وإن كنت ل تقدر فالدّالّ على الخير كفاعله ،وانصر المظلوم وأطعم الفقير ودلّ عليه
وساعد على رعاية اليتام ،فكلّ هذا له أث ٌر في النفس والقلب يفوق بعض النوافل .وال تعالى أعلم.
وبنهاية حديث الستاذة أسماء أكرمها ال تعالى ،أرى أنّه من المناسب أن أضيف أمرا سادسا هو:
سادسا :ل تنسَ إيمان المعاملة وهو أل نقسّم حياتنا إلى قسمين :قسمٍ لربّنا سبحانه متمثّلً في هذه
العبادات والطاعات ،وقسمٍ لدنيانا نعيش فيه كيف نشاء!
فالناظر لسلمنا المدقّق فيه ،يجد كلّ ذلك مخالفا لسسه وقواعده التي بُنِي عليها ،عندما يصف
ربّنا سبحانه رسوله صلى ال عليه وسلم" :وإنّك لعلى خلقٍ عظيم" " ،فبما رحمةٍ من ال لِ ْنتَ لهم،
ولو كنت فظّا غليظ القلب لنفضّوا من حولك" ،وعندما يحثّنا رسولنا صلى ال عليه وسلم بفعله على
حسن الخلق ،كما وصفه عبد ال بن عمرو رضي ال عنهما" :لم يكن رسول ال فاحشا ول متفحّشا،
وإنّه كان يقول :إنّ خياركم أحاسنكم أخلقا"رواه البخاري ،وعندما يقول صلى ال عليه وسلم في
الحديث الرائع حقّا" :تبسّمك في وجه أخيك صدقةٌ لك ،وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة،
وإرشادك الرجلَ في أرض الضللة لك صدقة ،وبصرك للرجل الرديء البصر لك صدقة ،وإماطتك
الحجر والشوكة والعظم عن الطريق لك صدقة ،وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة"رواه
الترمذي ،وقال :حسنٌ غريب ،ورواه ابن حبّان في صحيحه ،وعندما يحكي صلى ال عليه وسلم:
ق وجد غصن شوكٍ فأخذه ،فشكر ال له ،فغفر له"رواه أحمد والبخاري "بينما رجلٌ يمشي بطري ٍ
ومسلم وأبو داود والترمذي ،وعندما يأمرنا صلى ال عليه وسلم بالسماحة" :رحم ال رجلً سمحا إذا
باع وإذا اشترى وإذا اقتضى"رواه البخاري وابن ماجه ،ويصف المنافق بـ" :آية المنافق ثلث :إذا
حدّث كذب ،وإذا وعد أخلف ،وإذا اؤتمن خان"رواه أحمد والبخاري ومسلم.
كلّ هذا الك ّم من الوامر والفضائل "المعاملتيّة" هل هي لمجرّد العلم ،أم هي للممارسة أيضا؟ وهل
لها –إذا ما طبّقناها -علقةٌ بزيادة اليمان في قلوبنا أم ل؟ لو كانت ليست لها علقة باليمان،
فمعذرة ،فما فائدتها؟ ولماذا وردت؟ ولماذا حثّ ديننا عليها وأمر بها؟
أخي الكريم،
هذه مشكلةٌ كبرى نحيا فيها ..الدين المعاملة ،الدين المعاملة ،الدين المعاملة ،خذ زادك اليمانيّ من
هذه المعاملت ..ابتسم في وجوه الناس تزدد إيمانا ،أمط الذى عن الطريق ،وتذكّر من فعل ذلك
وشكر ال فغفر ال له ،فاشكر ال ،واستشعر مغفرة ال لك ،عامل الناس بخلق حسنٍ يكن مجلسك
بجوار مجلس نبيّك صلى ال عليه وسلم ،كن سمحا سهلً ليّنا مع الناس يرتفع إيمانك ،تقرّب إلى ال
بالمعاملة كما تقرّبت إليه بالطاعة.
أخي الكريم،
التزم بالمور الستّة السابقة ،وعندئذٍ ستصل إلى الربّانيّة التي تريد بإذن ال تعالى ...المحرر.
حقيقة اليمان
مشروع التربية الربانية
السؤال:
السلم عليكم ورحمة ال تعالى أما بعد :جزاكم ال خيراُ على كل شيء ...وندعو لكم بالتوفيق
ونشد على أياديكم ونحن من ورائكم نؤيدكم ونعاونكم ...أنا طالب صيدلة في جامعة العلوم
والتكنولوجيا الردنية...وأنا تربيت على كتب الكثير من الدعاة كالشيخ محمد الغزالي رحمه ال
والشيخ القرضاوي ،وأنا إن شاء ال من تلمذتكم وابنا من أبنائكم ،قررت الدعوة في كليتي بكتابة
سلسلة اسمها الرعاية الربانية للحياة الجامعية...على أساس من التكامل في المواضيع والشمول في
الطرح فأسألكم العون والمساندة والشراف والنصيحة..فإنني -بعد هداية ال-أحتاج إليكم فأنتم أرحم
بي من أمي وأبي وهذه أولى الرسائل للطلب في الكلية أبين فيها خطتي في الكتابة..أرجو أن
تحتملوا قراءتها وترشدوني إلى سواء الصراط وجزاكم ال خيرا.
بسم ال الرحمن الرحيم الحمد ل ,والصلة والسلم على سيدنا محمد رسول ال ...اللهم ل علم لنا
إل ما علّمتنا .إنك أنت العليم الحكيم ...أما بعد :فإن على كل مسلم هداية الخرين بما لديه من
علم .وأن يجعل الدعوة إلى الحق والخير هدفا يضعه نصب عينيه ...وأساليب الدعوة تتنوع بحسب
قدرة ذلك المسلم وطاقته ...وتتغير بحسب المناسبات والظروف ...إن هذا الطريق -طريق الدعوة
-قد سلكه النبياء جميعهم ،وآخرهم رسول ال محمد صلى ال عليه وسلم...وتبعهم في ذلك
أصحابه الذين ورثوا الكتاب والحكمة ُ " ....قلْ هَـ ِذهِ سَبِيلِي َأدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى َبصِي َرةٍ أَنَا َومَنِ
اتّ َبعَنِي وَسُ ْبحَانَ الّل ِه َومَا أَنَا مِنَ ا ْلمُشْ ِركِين" فمن رغب أن يقتفي آثار النبي وأصحابه الكرام فالسبيل
من هنا … بعد هذه المقدمة السريعة دعونا نلتفت إلى واقع الحياة الجامعية … إن كل من عاش في
كنف الجامعة ،فاحتك مع الطلبة والزملء ،وناقش أفكارهم ،لعرف مدى بعدهم عن التصوّر
والتصرف السلمي السليم… وكنت أنظر من حولي بأسى وحسرة ،وأحيانا بغضب وأنفاس مكبوتة
منتظرا أن تقوم مجموعة من الطلبة – أو واحد على القل -بإصلحٍ ما … مبيّنين ومذكّرين …
مرشدين ومربّين…يخاطبون عقولهم ويصلون إلى قلوبهم … يصلون إليهم ما يفيدهم في حياتهم
الجامعية ،أو حتى في حياتهم العامة…كما فعل مؤمن آل فرعون في مصر ،فقد كان واحدا منهم ،
أراد مصلحتهم ،وخاطبهم بأسلوب يفهمونه ،وأراد لهم الخير ،ونصح لهم … ولكني لم أجد منذ
دخولي إلى الجامعة سوى محاولت مبعثرة ..أفكارها مرقّعة … ل يوجد تكامل فيما بينها ول
تخطيط … ثم إن هذه المحاولت في تراجع في الكم والمعنى ومستوى الطرح الفكري… فقررت –
بعد الستعانة بال والخلص له – أن أستثير النفوس المخلصة ،وأشحذ الهمم العالية لفعل شيء
...لن ل تقف مسيرة الدعاية للسلم ونشر تعاليمه وأفكاره ...فوضعت مشروع كتابة سلسلة
تهدف إلى التربية الربانية .وتنقسم هذه السلسلة إلى محاور - :العقيدة والتصوّر السلمي وما تأثيره
على النفس وما تضفي على النسان من مشاعر وأحاسيس وثمرات ونتائج - .الخلق :مع ربطها
بالحياة الطلبية خاصة - .السلوك :في الحياة عامة وما يتعلق بالحياة الجامعية خاصة - .صور
وخواطر :رؤى ليات القرآن والسنة وللحياة النسانية من محب ولهان ،أو حزين مشفق ...وقد
أتناول في المقال الواحد هذه الجوانب كلها ،فالسلم والقرآن يعزفان على هذه الوتار كلها ...تلك
هي المحاور التي ارتأيتها مناسبة وصالحة ...فإن كان لدى الطلب والطالبات أي اقتراح أو فكرة
ناصعة ...أو نصيحة سديدة ...أو خبرة سابقة ...أو مواضيع تحتل موقع الهمية والولوية فل
ضهُمْ َأوْلِيَاءُ َب ْعضٍ يَ ْأمُرُونَ
ن وَا ْل ُم ْؤمِنَاتُ َب ْع ُ
يبخل بها علينا ...ولنتناقش بها ونتحاور "وَا ْل ُم ْؤمِنُو َ
ل َة وَ ُيؤْتُونَ ال ّزكَا َة وَ ُيطِيعُونَ الّل َه وَرَسُولَهُ ُأوْلَـ ِئكَف وَيَ ْن َهوْنَ عَنِ ا ْلمُنكَرِ وَ ُيقِيمُونَ الصّ َ
بِا ْل َمعْرُو ِ
حكِيمٌ" وأخيراُ…أسألكم أن تغفروا زلتي وتقصيري … فإن أخطأت ح ُمهُمُ اللّهُ إِنّ اللّهَ عَزِيزٌ َ
سَيَ ْر َ
فمن نفسي ومن الشيطان ،وإن أصبت فمن ال الرحمن الرحيم.
المستشار:
كمال المصري
الرد
كانت هذه مشاركة الخ الكريم ماجد ،وهي ول شك مشاركة طيبة تحمل في طياتها عاطفة
إسلمية جياشة ،وحماسة منطلقة ،غير أني أحب أن أهمس في أذن أخي الكريم ماجد بأمرين:
الول :أن أطلب منه محاور تفصيلية عن مشروعه حول التربية الربانية ،حتى تكون الصورة أكثر
وضوحا ،وبالتالي تكون المشاركات أكثر فاعلية وتأثيرا ،بل قد نستطيع تعميم مشروعه لينتفع به
الدعاة في كل مكان ،والمر الثاني :أن أوصيه بمطالعة تراث من سبقوه في هذا المجال ،وهم كثير،
ومنهم الدكتور القرضاوي الذي تطرق لهذه القضايا في أكثر من كتاب ،وقد ذكر أخانا الكريم أنه قد
تتلمذ على كتبه.
ومن جانب آخر أدعو كل أخواني الدعاة المساهمة ،ل أعني المساهمة فقط مع أخينا في مشروعه
الطيب ،بل المساهمة والتفاعل مع هذا الباب أيضا ،بذكر تجربةٍ دعويةٍ شخصية ،بإعطاء وسائل
وحلولٍ لمشكلت تعترض الدعاة ،بالمشاركة في معالجة الستشارات التي تطرح…إلى غير ذلك.
ننتظر إذن من أخينا ماجد تفاصيل أكثر واطلعا أكبر ،ونتوقع من الدعاة في كل مكان التفاعل
واليجابية ،وال الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل.
حقيقة اليمان
أريد أن أكون ربانيّا ..الوصايا العشر
السؤال:
بسم ال الرحمن الرحيم
إخواني ،وال ل أعرف ماذا كنت أفعل بدون موقع إسلم أون لين ،علّمتموني الكثير ..تربيت
في كنف كلماتكم ..عرّفتموني الحقيقة ..أريتموني الحقّ ..وأبعدتموني عن الباطل ،ل أجد ما
أشكركم به إل أنني أقول لكم إنّي أحبّكم في ال.
سؤالي قصير ،وهو أنني أحبّ أن أدخل الجنّة ..أحبّ أن أجاهد نفسي ،أحبّ أن أقبّل يد أمي كلّ
يوم ،أحبّ أن أبعد عن الهوى والشيطان ،أحبّ أن يلقّبني ال يوم القيامة بالعبد الرباني إن شاء ال،
أحبّ أن أحبّ إخواني ،أحبّ أن يستمرّ إيماني في الرتفاع.
ماذا أفعل ؟
المستشار:
فريق الستشارات الدعوية
الرد
يقول الشيخ على محمد الصفتي ،الكاتب السلمي ،والمام والخطيب بوزارة الوقاف والشئون
السلمية بالكويت:
الخ الفاضل محمد؛
نشكرك على إطرائك وثنائك على الموقع ،وندعو ال أن يثبّتك على الحقّ دائمًا ،وأن يحقّق
مرادك ،وأن يجعلك من الوّابين العارفين بالحقّ والمدافعين عنه والمتمسكين بأهداب هذا الدين
وأخلقه العظيمة وتوجيهاته السامية.
أخي محمّد؛
إنّ التساؤلت التي طرحتها في استشارتك تدلّ على فطرةٍ سويّ ٍة ونقيّة ،ورغبةٍ كبيرةٍ في
الوصول إلى المعالي وإعطاء كلّ ذي حقّ حقّه ،وهذه أماني عظيمة تتحقّق باليمان ،وكما ورد عن
سفيان الثوري قوله" :ليس اليمان بالتمنّي ول بالتحلي ،ولكن ما وقر في القلب وصدّقه العمل" ،ومن
هنا سوف نعرج معك أخي محمّد على قضيّة اليمان ،وأهمّيّتها في الوصول إلى الربّانيّة ،وتحقيق
رضى وبرّ الوالدين والفوز بالجنّة.
من طلب العل يا أخي الحبيب سهر الليالي ،ول درّ الشاعر إذ يقول:
طوبى لمن سهرت بالليل عيناه…… .وبات في قلقٍ في حبّ موله
وقام يرعى نجوم الليل منفـردًا…… .شوقًا إليه وعين ال ترعـاه
ولذلك يقول الفضيل" :حرامٌ على قلوبكم أن تصيب حلوة اليمان حتى تزهدوا في الدنيا" ،وقال
أيضًا" :إذا لم تقدر على قيام الليل وصيام النهار فاعلم أنّك محروم".
فالداعية الصادق يحمل قلبًا كالجمرة الملتهبة ،ولذلك روى الحاكم في مستدركه والطبراني في
معجمه بسندٍ صحيحٍ عن النبيّ صلى ال عليه وسلم( :إنّ اليمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق
الثوب ،اسألوا ال أن يجدّد اليمان في قلوبكم) ،يعنى أنّ اليمان يبلى في القلب كما يبلى الثوب إذا
اهترأ أو أصبح قديمًا.
وتعتري قلب المؤمن في بعض الحيان سحابةٌ من سحب المعصية ،وهذه الصورة صوّرها لنا
الرسول صلى ال عليه وسلم في قوله( :ما من القلوب قلبٌ إل وله سحابةٌ كسحابة القمر ،إذا علته
سحابةٌ أظلم وإذا تجلّت عنه أضاء) رواه الطبرانيّ في الوسط وصححه اللباني ،كذلك قلب المؤمن
تعتريه أحيانًا سحبٌ مظلمةٌ فتحجب نوره فيبقى في ظلم ٍة ووحشةٍ ،فإذا سعى لزيادة رصيده اليماني
واستعان بال انقشعت تلك السحب وعاد نور قلبه يضيء ،ولذا يقول بعض السلف" :من فقه العبد أن
يعاهد إيمانه وما ينتقص منه" ومن فقه العبد أيضًا" :أن يعلم نزغات الشيطان أنّى تأتيه".
فيا أخي الكريم ،لبدّ من العودة إلى اليمان ،فإذا عدت إلى اليمان ومقتضياته سيتحقّق لك ما
تريد ،ولذا سأضع أمامك قاعدةً تستدلّ بها على وجود اليمان أو عدمه ،يقول المام ابن الجوزي:
"يا مطرودًا عن الباب ،يا محرومًا من لقاء الحباب ،إذا أردت أن تعرف قدرك عند الملك ،فانظر
فيما يستخدمك ،وبأيّ العمال يشغلك ،كم عند باب الملك من واقفٍ ،لكن ل يدخل إل من عني به،
ما كلّ قلبٍ يصلح للقرب ،ول كلّ صدرٍ يحمل الحبّ ،ما كلّ نسيم يشبه نسيم السحر".
فإذا أراد المرء أن يعرف أين هو من ال ،وأين هو من أوامره ونواهيه ،فلينظر إلى حاله وما
هو مشغول به ،فإذا كان مشغولً بالدعوة وأمورها ،وفى إنقاذ الخلق من النار ،والعمل من أجل
الفوز بالجنّة ومساعدة الضعيف والمحتاج ،وبرّ الوالدين ،فليبشر بقرب منزلته من ملك الملوك ،فإن
ال ل يوفّق للخير إل من يحبّ.
وإذا كان منصرفًا عن الدعوة ،مبغضًا للدعاة ،بعيدًا عن فعل الخيرات ،منشغلً بالدنيا
وتحصيلها ،والقيل والقال وكثرة السؤال ،مع قلّة العمل ،أو متّبعًا لهواه وشهواته ،فليعلم أنّه بعيدٌ من
ال ،وقد حُرِم ممّا يقرّبه من الجنّة ،إذ يقول ال عزّ وجلّ في كتابه الكريم( :من كان يريد العاجلة
عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثمّ جعلنا له جهنّم يصلها مذمومًا مدحورًا * ومن أراد الخرة
وسعى لها سعيها وهو مؤمنٌ فأولئك كان سعيهم مشكورًا).
أخي محمد؛
ل أوجه الخير ،بما فيها أن تكون عبدًا ربّانيّا وبارّا بوالديك،
إن أردت أن تحظى بمرتبةٍ متقدّمةٍ في ك ّ
ومبتغيًا الجنّة ،فعليك بالتي:
أوّلً :عليك بإحياء وإيقاظ اليمان داخل نفسك ،فاليمان موصلٌ جيّ ٌد لكلّ ما ينشده المسلم في
ق لكلّ شرّ ،ووسائل بعث اليمان وتمكينه الدنيا والخرة ،فالرجل اليمانيّ هو مفتاحٌ لكلّ خيرٍ مغل ٌ
في النفس كثيرةٌ ومتعدّدة ،ومنها الكثار من الطاعات والعمال الصالحات.
ثانيًا :أن تقبل على مولك إقبالً صادقًا كما جاء في الثر" :إذا أقبل عليّ عبدي بقلبه وقالبه
أقبلت عليه بقلوب عبادي مو ّدةً ورحمة" ،وأن تجعل ال عزّ وجلّ الغاية السمى والهدف العلى:
(وما خلقت الجنّ والنس إل ليعبدون).
ثالثًا :أن تتطلّع دائمًا إلى الدرجات العل ،وأن تجعل هدفك في الحياة هو رضى ال عزّ وجلّ،
والعمل من أجل الفوز بالجنّة ،أو بالحرى الفوز بالفردوس العلى ،وأن تعمل ما استطعت جاهدًا
على تحقيق هذه الهداف السامية.
رابعًا :أن تتأسّى بأصحاب القدوة في التاريخ السلمي من الصحابة والتابعين والسلف الصالح.
خامسًا :أن تغتنم كلّ دقيق ٍة وكلّ لحظ ٍة وكلّ خلجة قلبٍ في أن تجعلها خزانةً في رصيدك
اليماني.
سادسًا :الصحبة الصالحة ،قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :المرء على دين خليله فلينظر
أحدكم من يخالل) رواه أبو داود والترمذيّ بسندٍ حسن ،فالصحبة الطيّبة هي خير معينٍ على الطاعة
وهجران المعاصي والشرور والوقوع في الخطايا.
سابعًا :كثرة الفضائل من العمال الصالحات التي تحقّق لك سعادة العاجل والجل.
ثامنًا :قيام الليل والدعاء في وقت السحر ،فالرسول صلى ال عليه وسلم كانت تتفطّر قدماه
رغبةً في أن يكون عبدًا شكورًا ،رغم أنّ ال قد غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر.
تاسعًا :المداومة على الورد القرآني ،وأوراد التفكّر والتأمّل والتدبّر في أسرار القرآن.
عاشرًا :الحرص على نشر الدعوة في سبيل ال ،والعمل للدين على قدر الستطاعة.
...................................................................................
أخي الحبيب محمد ..شكر ال لك حسن ظنك بنا وثناءك علينا ،ونسأل ال أن يتقبل منا ومنك
صالح العمل ،وأن يحشرنا وإياك في مستقر رحمته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين،
وحسًن أولئك رفيقًا ،وبعد ..
فإني أضيف إلى الوصايا العشر التي تفضل بها فضيلة الشيخ علي -لكي نصل إلى الربانية
التي نطمح لها -أن نكون كما أمر ال عز وجل نبيه صلى ال عليه وسلم( :قل إن صلتي ونسكي
ومحياي ومماتي ل رب العالمين) فالربانية هي النتساب للرب ،وهذا النتساب ل يتحقق إل من
خلل تطبيقنا لهذه الية ،أن نكون ل رب العالمين في كل أحوالنا.
فالربانية ل تتأتى مكتملة إل بهذا ،ل تتأتى إل بعبادة ال عز وجل بالمفهوم الشامل للعبادة،
وهو جعل الحياة والممات ،بل الحركات والسكنات -كما الصلة والنسك -له سبحانه ،فل ننطق
إل بما يرضي ال ،ول نعمل إل ما يرضاه ال ،ول تتوجه نياتنا في تلك القوال والفعال إل ل ،ل
أن نختزل العبادة في مجرد أن نرفع رءوسنا ونخفضها في أوقات معينة ومحددة ،أو نخرج
دريهمات قليلة كل مدة من الزمن ،أو نصوم أيامًا معدودات كل عام ،أو نحرك ألسنتنا ببعض
التمتمات والذكار.
ولهذا فالعمال التي تؤدي إلى هذه المرتبة – الربانية – أكثر من تُحصَى أو تعد ،وهي تتشعب
بتشعب مجالت حياتنا وأماكن وجودنا ،وذلك من فضل ال علينا وعلى الناس.
فقط ابحث في كل مكان تتواجد فيه ،وفي كل لحظة تمر عليك ،عما يرضيه عز وجل ،وعما
تظن أنه يريد أن يراك عليه ،تكن بذلك ربانيّا.
وفقك ال أخي لما يحب ويرضى ،وفي انتظار أخبارك ،وستجد في الستشارات التالية زيادة
فائدة إن شاء ال..
حقيقة اليمان
!عناء السي إل ال تعال :لنكن طمّاعي
السؤال:
بسم ال الرحمن الرحيم ،السلم عليكم ورحمة ال وبركاته،
شيخنا الفاضل،
ما نريد أن نتفضّل به ليس مجرّد سؤالٍ يحتاج إلى إجابة ..وإنّما هي مشاعر وأحاسيس تنتاب
الكثير من الشباب الملتزم؛ الذي هو فعلً بحاجةٍ إلى يدٍ تربّت على كتفه في ظلّ هذه الشبهات
والشهوات والمغريات والوساوس التي تحيط بقلبه ،وتجعله في حالةٍ من عدم التوازن ،وفي حالةٍ من
الخوف والضطّراب النفسيّ.
شيخنا الكريم،
نحن مجموعةٌ من طالبات قسم الدراسات السلميّة ،ول الحمد والشكر الذي جعلنا ممّن يبدأ
يومه وينهيه بـ :قال ال تعالى وقال رسوله صلى ال عليه وسلم ،ولكن –شيخي الفاضل -جميعنا
يعيش في غربةٍ نفسيّةٍ رهيبة ،كلّما بدأنا بعمل خيرٍ نستمرّ به قليلً ثمّ ل نكمله ،جرّبنا كلّ شيء:
الذكار ،الصلوات ،الكتب ،المحاضرات ،حفظ القرآن ،ولكن وللسف ل نشعر بحلوة اليمان،
نريد أن ننجز شيئا ينفع هذه المّة ..نحمل في قلوبنا الكثير لهذه المّة ..نريد أن يرضى ال عنّا،
ولكن ل ندري ما هو المفتاح الذي يوصلنا ل ،نشعر بعظم هذه المانة الملقاة على عاتقنا ،ولكن ل
ندري كيف نؤدّيها على الوجه الذي يرضي ربّنا ..قرعنا أبواب السماء ،ولم نعرف ما هي السباب
التي علينا الخذ بها ..أحيانا كثيرةً نتساءل عن الطريقة التي نستشعر بها حلوة اليمان الحقيقيّة
وقُرْبَنا من ال عزّ وجلّ.
ماذا نفعل كي نكون دعاةً نستحقّ أن نحمل لقب مسلمٍ من أمّة محمّد صلى ال عليه وسلم؟
نحتاج إلى من يمسك بأيدينا ،يربّت على كتفنا ..نحتاج إلى من يهتمّ بنا وبطموحنا ..نحتاج إلى
من ل يكلنا إلى الشيطان ..نعم نعلم أنّ من أراد مؤنسا فال يكفيه ،ونوقن بقوله تعالى" :أليس ال
بكافٍ عبده" ،ولكن ما هو الذي نحتاجه؟ ل ندري ..نشعر بالضطّراب وبالتشتّت ..البيئة ل تساعد،
ج َمعَنا ونحن نحمل نفس الظروف المحيطة ..الهمّة ل تساعد ،ل س بفضل ال علينا أنْ َوإن كنّا نح ّ
ندري بأيّ القلم نخطّ هذه المشاعر ..ل نعرف كيف نصنّف أنفسنا وإلى أيّ أبواب الخير ننتمي أو
بالحرى تنتمي هممنا وقلوبنا ..نشعر بالضياع الكبير ،وأحيانا كثيرةً نترك العمل ،بل نترك أبسط
العمال التي من المفروض أن يقوم بها النسان ،أل وهي الوِرد اليوميّ للقرآن.
أخي،
نرجوك أن ل تتسرّع بالجابة علينا وتحليل ما نحن فيه من القراءة الولى لهذه الرسالة،
ونتمنّى أن تعيد قراءتها أكثر من مرّة ،ففي كلّ حرفٍ من كلماتنا إحساسٌ باللم ،وشعورٌ بالحيرة
التي مللنا منها ..أضعنا الكثير من الوقت ،ول نريد إضاعة المزيد منه في تلك الدوامة التي نعيش
فيها ،ول نعرف كيف السبيل إلى الخروج منها.
فنرجوك أن تساعدنا ولو بدعاءٍ في ظهر الغيب ..ول تبخل علينا أخانا الكريم.
وجزاك ال كلّ الخير.
وعذرا على الطالة.
مسلماتٌ حائرات..
المستشار
كمال المصري
الرد
أخواتي المسلمات،
ت ومرّات، أ ْبعَد ال عنّي وعنكنّ وعن كلّ المسلمين الحيرة والضطّراب .قرأت رسالتكنّ مرّا ٍ
ن إلى التفكير والتفكير ،إذ
وتمعّنت فيها كثيرا ،وتوقّفت أمامها كثيرا كذلك ،وقد دفعتني حرارة حديثك ّ
ق وهمّ ،هو ما في قلوبنا جميعا ،وفي قلوب الحديث ذو شجون ،وما حواه حديثكنّ من حنينٍ وشو ٍ
الدعاة الذين يحملون همّ أمّتهم ،فكلّنا نعاني منه ،وكلّنا تتدافعنا أشواق الحساس بلذّة اليمان
وحلوته ،وينبغي علينا كلّنا أن نبقى نعمل ونسعى كي نصل إلى أيّة درجةٍ منه ،حتى نلقى ال تعالى
ونحن كذلك.
وبعد إثبات هذه الحقيقة ،سأحدّثكنّ في نقاطٍ عدّة ،وسأطرح نهايةً "نظريّة" مختلفةً نوعا ما عمّا
تأسّس في الذهان ،والنقاط هي:
-1التأكيد على مفهومٍ طرحناه كثيرا وردّدناه أكثر ،وهو أنّنا بش ٌر ولسنا ملئكة ،وأنّ نفوسنا
ط وفتور ،وما علينا فعله حين تكون نفوسنا ضعيفةً هو ما أمرنا به رسولنا صلى ال ستبقى بين نشا ٍ
ل عملٍ شِرّة ،ولكلّ شِرّة فترة ،فمن كانت فترته إلى سنّتي فقد أفلح ،ومن عليه وسلم حين قال" :لك ّ
كانت إلى غير ذلك فقد هلك"رواه أحمد والبزّار ورجاله رجال الصحيح ،والشّرّة هي :النشاط
ن لكلّ شيءٍ شِرّة ،ولكلّ
والرغبة ،والفترة هي :النكسار والضعف ،وروى الترمذيّ بسندٍ صحيح" :إ ّ
شِ ّرةٍ فترة ،فإنْ صاحِبها سدّدَ وقارَب فأرجوه ،وإن أشير إليه بالصابع فل تعدّوه" ،فمن طبيعة النفس
إذن التقلّب ،هكذا خلقها ال تعالى ،وهكذا أرداها سبحانه أن تكون ،والمطلوب في حالة الضعف
والفتور أن نُبقِي على الح ّد الدنى من الطاعات ،وأل نقع في المعاصي ،وهو ما عبّر عنه الحديث
الوّل بـ "فمن كانت فترته إلى سنّتي فقد أفلح" ،أي التزام أوامر رسول ال صلى ال عليه وسلم،
وهو ما قال فيه الحديث الثاني" :سدّد وقارَب".
كما هناك الحديث الشهير الذي اعتدنا ذكره وتذكّره "حديث حنظلة" ،ففي الحديث الشهير الذي
رواه المامان أحمد ومسلم عن حنظلة الُسَيديّ –وكان من كُتّاب رسول ال صلى ال عليه وسلم-
قال :لقيني أبو بكر فقال :كيف أنت يا حنظلة؟ قال :قلت :نافق حنظلة ،قال :سبحان ال ،ما تقول؟
قال :قلت نكون عند رسول ال صلى ال عليه وسلم يذكّرنا بالنار والجنّة حتى كأنّا رأيَ عين ،فإذا
خرجنا من عند رسول ال صلى ال عليه وسلم عافسنا –أي لعبنا -الزواج والولد والضيْعات،
فنسينا كثيرا ،قال أبو بكر :فوال إنّا لنلقى مثل هذا ،فانطلقت أنا وأبو بكرٍ حتى دخلنا على رسول ال
صلى ال عليه وسلم ،قلت :نافق حنظلة يا رسول ال ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :وما
ذاك؟" قلت :يا رسول ال نكون عندك تذكّرنا بالنار والجنة حتى كأنّا رأيَ عين ،فإذا خرجنا من
عندك عافسنا الزواج والولد والضيْعات نسينا كثيرا ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :والذي
ن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملئكة على فُرُشكم وفي نفسي بيده ،إ ْ
طرقكم ،ولكن يا حنظلة ساعةٌ وساعة" ثلث مرات .فلنتذكّر دائما" :ساعةٌ وساعة".
-2تحدّ َثتْ رسالتكنّ عن بعض أسباب هذه المشكلة ،والحديث في السباب جزءٌ ها ّم في
المسألة ،إذ هي جزءٌ من العلج ،تحدّثتنّ عن الغربة النفسيّة ،وعن البيئة غير المساعدة ،وعن
الضطّراب وعدم معرفة ما عليكنّ عمله ،وأضيف إليها سببا رابعا متعلّقا بفهمنا لمنطق اليمان.
هذه أسبابٌ علجها يكمن فيها ،فالغربة النفسيّة منشأها الساسيّ –في نظري -من المجتمعات
التربويّة المغلقة التي نضع أنفسنا فيها ،والتي تفصلنا عن مجتمعنا الواسع وتجعلنا غير متوافقين
معه ،والبيئة غير المساعدة مرتبط ٌة بضعفنا في دعوة أهلينا وعائلتنا ،وبضعف صلتنا بالمجتمع
كملتزمين وعدم تواصينا في ما بيننا بالحقّ وبالصبر ،والضطّراب مكمنه عدم وضوح الرؤيا ،أو
عدم صبرنا على الطريق ،وتنقّلنا بين وسيلةٍ وأخرى دون استكمال المطلوب ،وأمّا منطق اليمان
ففهمنا المغلوط له يجعلنا نبحث عنه في قراءة القرآن ،وقيام الليل ،والصيام وغيرها من العبادات
فقط ،وننسى أنّ ركنه الثاني هو إيمان المعاملة ،أن نستشعر القرب من ال تعالى حين نعمل ل،
وحين نعين المحتاج ،وحين نكون أعضاء صالحين ومنتجين في مجتمعنا ،وحين نلتزم بأخلق
السلم في كلّ معاملةٍ نتعاملها مع الناس ،أن تغدوا هذه المور روافد تصبّ اليمان في قلوبنا كما
يصبّ قيام الليل وقراءة القرآن والتصدّق والصيام.
-3بالتأكيد وممّا لشكّ فيه أنّه كانت هناك لحظات تذوقتنّ فيها حلوة اليمان ،واستشعرت ّ
ن
أنّكنّ فوق الدنيا وما فيهاَ ،تطِرْنَ في رحب الكون وسعته ،وتطاولن عنان السماء وسموّها ،وأيقنتنّ
أل أحد في الدنيا أقرب إلى ال تعالى منكنّ ،وهذه اللحظات طالت أم قصرت ،فقد حقّقت المراد،
وأشعلت الهمّة ،التي ما لبثت أن عادت إلى الهدوء.
ن صورة قلوبنا وإيماننا ليست مظلمةً باستمرار ،إذ فيها دائما ومضات نور، ما أريد قوله هو أ ّ
وبريق أمل ،علينا فقط أن نتمسّك بهذا النور ،وأن نوسّع رقعته قدر استطاعتنا ،كيف؟ عبر
ت ومعاملت) استشعرنا فيها أنّها الحبّ إلى نفوسنا ،والسرع إلى رفع درجة ممارساتٍ (عبادا ٍ
إيماننا ،فيصبح المطلوب منّا حينها أن نكثر من هذه الممارسات ونزيد ،علّها تحقّق ما نصبو إليه أو
ن اليمان في النفوس يزيد وينقص ،كما قرّر علماء العقيدة.بعضا منه ،مع النتباه إلى أ ّ
" -4النظريّة" التي أودّ عرضها هي :لماذا نفترض أنّنا سنصل إلى حلوة اليمان في الدنيا؟
من قال هذا ولماذا؟ لماذا ل تكون ضمن الشياء التي قد تؤخّر إلى الخرة كما أخبر صلى ال عليه
وسلم في مسألة إجابة الدعاء" :ما من مسلمٍ يدعو ال عزّ وجلّ بدعوةٍ ليس فيها إثمٌ ول قطيعة رحم،
إل أعطاه ال بها إحدى ثلث :إمّا أن يعجّل له دعوته ،وإمّا أن يؤخّرها له في الخرة ،وإمّا أن
يصرف عنه من السوء مثلها" ،قالوا :إذا نكثر ،قال" :ال أكثر وأطيب"رواه أحمد والطبرانيّ والبزّار
بسندٍ صحيح.
لماذا ل تؤخّر حلوة إيمان قلوبنا كي يتضاعف ثوابها؟
لقد أمرنا ال تعالى بالمسارعة والمسابقة ،ولكن إلى ماذا؟ "وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربّكم وجنة
عرضها السماوات والرض أعدّت للمتّقين"" ،سابقوا إلى مغفرةٍ من ربّكم وجنةٍ عرضها كعرض
السماء والرض أعدّت للذين آمنوا بال ورسله" ،إذن هي كلّها للجنّة وليست إلى حلوة اليمان في
الدنيا ،فالحلّ إذن هو السعي والعمل والبذل ،وعيننا إلى هناك حيث الجر المضاعف أضعافا كثيرةً
وال يضاعف لمن يشاء ،لنكن طمّاعين إذن ،ولنرضَ بهذا العنت في الدنيا –بل ولنسعد به ولنسعَ
إليه -كي ننال الجزاء الوفى يوم القيامة ،ولنكثر ،فال تعالى أكثر وأطيب.
-5بقي أن أتحدّث عن طلبكنّ منّي الدعاء ،وهو أم ٌر قمت به منذ قراءتي الولى للستشارة،
ولكنّي أتمنّى لو تحوّل الدعاء إلى "اتّفاقيّة دعاءٍ عالميّة" ،يقوم بها الدعاة رجالً ونساءً في كلّ مكان،
فيخصّصون في دعائهم دوما جزءا يدعون فيه لخوانهم وأخواتهم بالهداية والثبات في الدنيا،
والفلح والفوز في الخرة ،أتمنّى لو أحيينا هذه الفكرة ،لتكون تواصلً ربّانيّا يربط القلوب ويحيي
النفوس.
ختاما أخواتي الكريمات،
أرجو ال تعالى أن تكون كلماتي قد ربّتت على الكتاف ،وخفّفت الحزان والهموم ،وأزالت
الحيرة ..اللهمّ آمين.
وكلّ ما أطلبه منكنّ:
-أن ل تتوقّفن عن العمل مهما كانت الظروف أو النتائج ،فعيوننا دوما ترنو إلى هناك ل إلى
الدنيا ،فلنكن طمّاعين ،فهذا هو موطن الطمع المحمود.
-أن تتذكّرنني في اتّفاقيّة الدعاء العالميّة.
أمّا ما علينا جميعا فعله فهو :أن نحبّ ربّنا سبحانه ،وأن تردّد قلوبنا وأفعالنا دائما:
أبيع وربّـيَ منّي اشترى .......أبـيع الحـيا َة ول أستشيرْ
وأُشهِد خلقك أنّـيَ عبدٌ .......أحبّ المليكَ العزيزَ الغفورْ
وأسلم عند لِقاك الرّحال .......وألقى لديك عناء المسيرْ
اللهمّ اشهد واقبل ،وأرِحنا يوم نلقاك من عناء مسيرنا إليك.
وبانتظار ردّكنّ.
حقيقة اليمان
"كيف نقق الفرار إل ال؟؟ "وادعوه خوفا وطمعا
السؤال:
كيف يمكن أن يحقّق النسان الفرار إلى ال؟
وما الوسائل والمثلة على ذلك من الحاضر ومن الماضي؟
المستشار:
الرد
أخي الكريم
السلم عليكم ورحمة ال وبركاته،
حفظك ال ورعاك وأدام عليك نعمة الوبة إلى ال ،وأعانك على الفرار إليه سبحانه وتعالى.
واللجوء إلى ال –أخي العزيز -والفرار إليه يكون باتّباع أوامره واجتناب نواهيه ،والوقوف عند
حدود الحلل والحرام ،والهتداء بتعاليم المصطفى صلى ال عليه وسلم ،فقد قال ال تعالى" :وما
آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا".
ومن المور جيّدة التوصيل إلى ال تعالى ما يلي:
-1حبّ ال :وهو قارب النجاة من الفتن ،وعاصم المرء من الخطايا ،فحبّ ال ينجى المسلم
من الغرق في بحر الدنيا وحطامها ،واللهث وراء متعها وشهواتها ،فالذي تعلّق قلبه بال ل يطغى
عليه حبّ آخر ،وال تعالى يقول" :قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم
وأموالٌ اقترفتموها وتجارةٌ تخشون كسادها ومساكنُ ترضَونها أحبّ إليكم من ال ورسوله وجهادٍ في
سبيله فتربّصوا حتى يأتي ال بأمره وال ل يهدى القوم الفاسقين" ،ويقول تعالى" :والذين آمنوا أشدّ
حبّا ل" ،فحبّ ال والتعلّق به يصنع المعجزات ،إذ يهتدي المسلم بهدى ال ،ويسترشد بنوره.
-2حبّ الرسول صلى ال عليه وسلم :قول ال تعالى " قل إن كنتم تحبّون ال فاتّبعوني
يحببكم ال" ،ويقول الرسول صلى ال عليه وسلم" :ل يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من والده
وولده والناس أجمعين"رواه البخاري ،وحبّ الرسول صلى ال عليه وسلم يكون بتمثّل سنّته الشريفة،
والقتداء بأخلقه النبيلة ،وأخذ العظة والعبرة من سيرته العطرة.
ي صلى ال عليه وسلم الورع في عبارةٍ واحدة ،فقال" :من حسن إسلم -3ال َورَع :مع النب ّ
المرء تركه ما ل يعنيه"رواه الترمذيّ وابن ماجه بسندٍ حسن.
فالمسلم الذي يريد التقرّب إلى ال عزّ وجلّ لبدّ أن يكون ورعا ،يدقّق في الحلل فيأتيه ،ويعرف
الحرام فيتجنّبه ،فقد كان الصحابة رضى ال عنهم يتحرّون في هذا الشأن.
-4تجديد التوبة والستغفار دائما :قول تعالى" :يأيّها الذين آمنوا توبوا إلى ال توبةً نصوحا"،
ويقول الرسول صلى ال عليه وسلم" :وال إنّي لستغفر ال وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين
مرّة"رواه البخاري ،فالتوبة تجدّد اليمان ،والستغفار يزيل الخطايا.
-5الستعداد للخرة وتذكّر الموت :قول تعالى" :كلّ نفسٍ ذائقة الموت وإنّما ُت َو ّفوْن أجوركم
يوم القيامة فمن زُحزِح عن النار وأُدخِل الجنّة فقد فاز وما الحياة الدنيا إل متاع الغُرور".
-6التقرّب إلى ال تعالى بالنوافل :النوافل هي ماعدا الفرائض التي افترضها ال سبحانه
وتعالى على عباده من جميع أجناس الطاعات ،من صلةٍ وصيامٍ وحجّ وصدق ٍة وأذكار ،وكلّ ما ندب
ال سبحانه إليه ورغّب فيه من غير حتمٍ أو افتراض ،قال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :إنّ ال
ي ممّا افترضتب إل ّقال" :من عادى لي وليّا فقد آذنته بالحرب ،وما تقرّب إليّ عبدي بشيءٍ أح ّ
عليه ،وما يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أحبّه ،فإذا أحببته ،كنت سمعه الذي يسمع به،
وبصره الذي يُبصِر به ،ويده التي يبطش بها ،ورجله التي يمشى بها ،وإن سألني لعطينّه ولئن
استعاذني لعيذنّه ،وما تردّدت عن شيءٍ أنا فاعله تردّدي عن نفس المؤمن ،يكره الموت ،وأنا أكره
مساءته"رواه البخاري.
-7الرفقة الصالحة :الرسول صلى ال عليه وسلم يقول" :المرء على دين خليله ،فلينظر
أحدكم من يُخالل"رواه أحمد والحاكم بسندٍ صحيح ،والصحبة الصالحة تحقّق فوائد كثيرة ،منها العون
على الخير والمعروف ،والحفظ من الوقوع من في الش ّر والمنكر.
فالرفقة الصالحة هي التي تقود إلى الجنّة ،بشرط التزامها بالشروط:
ق وتواصَوا بالصبر"" ،ل اختلف بينهم ول تباغض ،قلوبهم قلب رجلٍ واحد، "وتواصَوا بالح ّ
يسبّحون ال بكرةً وعشيّا"كما وصفهم صلى ال عليه وسلم في الحديث الذي رواه المام البخاريّ.
ولذلك تعلّمها صحابته رضوان ال عليهم ،وكانوا دائما ما يقول أحدهم للخر" :اجلس بنا نؤمن
ل نؤمن ساعة" كما روى ذلك المامان أحمد والبخاريّ.ساعة" أو "تعا َ
فهذه هي العمال التي تحقّق الوصال بال تعالى والفرار إليه رغَبا ورهَبا ،خوفا وطمعا.
حقيقة اليمان
علمات حب ال للعبد
السؤال:
ما هي علمات محبة ال للعبد ورضاه عنه؟
المستشار:
حقيقة اليمان
ف التقوى ..والتوكل ..والصب ..وإجابة الدعاء
السؤال:
لقد قرأت في كتاب ال العزيز" :ومن يتّقِ ال يجعل له مخرجا ،ويرزقه من حيث ل يحتسب
ومن يتوكّل على ال فهو حسبه" وإن شاء ال تكونون من المأجورين.
سؤالي هو :كيف تتحقّق تقوى ال؟ وما الشروط التي يجب أن أتّبعها كي أصبح تقيّة ،ويجعل ال لي
مخرجا؟ وما التوكّل على ال؟ وكيف يكون؟
لي سؤالٌ أخيرٌ أيضا :كيف أصبر على مصائب الدهر؟ كيف أشعر باليقين حين أتّجه ال بإجابة
الدعاء ،حيث إنّني قرأت في حديثٍ عن عمر بن الخطاب رضي ال عنه عندما سئل عن الدعاء،
قال بأنّه ل يجد همّا في الدعاء ،ولكن في اليقين إجابة الدعاء؟
أرجو أن أجد لديكم الجواب الشافي الذي يثلج صدري.
المستشار:
الرد
ابنتي عبلة،
زادك ال حرصا على تعلّم دينك ،لقد سألت عن خمس مسائل ،كلّ واحدةٍ منها تحتاج إلى مجلّدات،
ولذلك فسوف أركّز في إجابتي على أهمّ هذه السئلة ،أل وهو سؤالك عن التقوى وشروطها ،حيث
إنّ الية المشهورة في سورة الطلق تحتوي على قاعدةٍ إيمانيّةٍ كبيرة ،إنّها قاعدةٌ ربّانيّ ٌة ل تخطئ
ق فيها" :ومن يتّقِ ال أبدا ،فإذا ما تحقّق شرطها الوّل تحقّق الثاني دون إبطاء ،حيث يقول الح ّ
يجعل له مخرجا ،ويرزقه من حيث ل يحتسب".
ما التقوى؟
التقوى هي الحماية ،والحماية إمّا أن تكون من الخطار الخارجيّة أو الداخليّة ،والخطار كثيرةٌ
ومتنوّعة ،وأشدّها خطرا تلك التي تمنع النسان من دخول الجنّة ،وتكون سببا لدخوله النار ،وأَولى
أجزاء النسان بالحماية هو قلبه ،حيث إنّه إذا صلح وسلم من الخطار صلح وسلم سائر الجسد،
حيث يقول النبيّ صلى ال عليه وسلم" :أل وإنّ في الجسد مضغة ،إذا صلحت صلح الجسد كلّه ،وإذا
فسدت فسد الجسد كلّه ،أل وهي القلب"متّفقٌ عليه.
يقول حجّة السلم الغزالي" :العبادة شطران ،اكتساب :وهو فعل الطاعات ،واجتناب :وهو
تجنّب السيّئات ،وهو التقوى ،وشطر الجتناب أصلح وأفضل وأشرف للعبد من الكتساب ،يصومون
نهارهم ويقومون ليلهم ،واشتغل المنتبهون أولو البصائر بالجتناب ،إنّما همّتهم حفظ القلوب عن
الميل لغيره تعالى ،والبطون عن الفضول ،واللسنة عن اللغو ،والعين عن النظر إلى ما ل
يعنيهم".
مراتب التقوى:
وحماية القلب والجوارح له ثلث درجات ،أو ما يطلق عليه المام ابن القيّم بمراتب التقوى
الثلث ،حيث يقول" :التقوى ثلث مراتب:
إحداها :حمية القلب والجوارح من الثام والمحرّمات.
الثانية :حميتها عن المكروهات.
الثالثة :الحمية عن الفضول وما ل يعني.
فالولى :تعطي العبد حياته ،والثانية تفيد صحّته وقوّته ،والثالثة تكسبه سروره وفرحه وبهجته".
الخطر الكبر:
ومن حمى نفسه من هذه الخطار ،فقد حمى نفسه من الخطر الكبر ،وهو النار التي أمر ال
تعالى في كتابه الكريم المؤمنين بالحماية من شرّها حيث قال" :يا أيّها الذين أمنوا قوا أنفسكم وأهليكم
نارا وَقودها الناس والحجارة عليها ملئكةٌ غلظٌ شدادٌ ل يعصون ال ما أمرهم ويفعلون ما
يؤمرون".
وكذلك نتّقي هذا الخطر الكبر بالعمل الصالح ،فهو السبب الرئيسيّ -بعد رحمة ال ،وحماية
القلب والجوارح من المعصية– في دخول الجنّة ،والبتعاد عن النار ،حيث يقول الرسول صلى ال
ق تمرة"رواه البخاري ،ويقول الرسول صلى ال عليه وسلم" :من عليه وسلم" :اتّقوا النار ولو بش ّ
صام يوما في سبيل ال باعد ال وجهه عن النار سبعين خريفا"رواه البخاريّ ومسلم.
صفات المتّقين:
إنّ للمتّقين صفاتٌ كثيرةٌ تحميهم من نار جهنّم ،يجاهدون أنفسهم للتّصاف بها طيلة بقائهم في
هذه الحياة الدنيا ،وتتكامل هذه الصفات ،وتزداد عمقا يوما بعد يومٍ كلّما تقرّبوا إلى ربّهم ،ومن أبرز
هذه الصفات:
-1استواء الظاهر مع الباطن :أو هو الخلص في أحد صوره الجميلة ،فالمخلص الذي يريد
وجه ال ل يفرّق في ذلك عندما يكون خاليا أو أمام الناس ،حيث يستوي عنده الظاهر والباطن ،أمّا
أولئك الذين يتظاهرون بالتقوى أمام الناس ،وإذا خلَوا بمحارم ال انتهكوها ،فأولئك يفضحهم ال في
الدنيا والخرة ،ويسلبهم ال نور اليمان الذي يظهر جليّا على وجوه أولئك المخلصين ،ويكون أثره
كالمغناطيس يجذب القلوب إليهم ،بينما يتباعد الناس عن أولئك المتظاهرين ،وينادي المام ابن القيّم
هذا المتظاهر بالتقوى متعجّبا" :سبحان ال ،ظاهرك متج ّملٌ بلباس التقوى ،وباطنك باطيةٌ لخمر
الهوى ،فكلّما طيّبت الثوب فاحت رائحة المسكر من تحته فتباعد منك الصادقون ،وانحاز إليك
الفاسقون" (الباطية هو الناء الذي تشرب فيه الخمر) .إنّهم يتظاهرون بالتقوى ولكنّ قلوبهم مملوءةٌ
بحبّ غير ال ،وقد اتّخذوا أهواءهم آلهةً من دون ال ،وكلّ إناءٍ بما فيه ينضح.
-2تقديم العمل على المظاهر :إنّهم يعلمون حقّ العلم بأنّه ما من آيةٍ في القرآن الكريم ذكرت
اليمان إل وقرنته بالعمل ،ويعلمون بأنّه لن يُنجِي العلم من غير عمل ،ول المظاهر من غير عمل،
فإنّ ال ل ينظر إلى القلوب ،وإذا عمرت القلوب بحبّ ال دفعها للعمل ،وإذا ما عمل النسان طفح
أثر العمل على الجوارح ،وكان إمام التابعين الحسن البصريّ يؤذيه رؤية ذلك الصنف من الناس
الذين يهتمّون بمظاهرهم على العمل ،ويظنّون أنّ ذلك من التقوى ،فقد رأى يوما فرقد السنجيّ
ن التقوى ليست في الكساء،وعليه جبّة صوف ،فأخذ بجبّته ثمّ قال" :يا بن فرقد -مرّتين أو ثلثة– إ ّ
إنّما التقوى ما وقر في القلب ،وصدّقه العمل والفعل".
ل لتقوية القلوب ،فالقلب هو المضغة التي إذا -3الهتمام بتقوية القلب :إنّهم يتّجهون أ ّو ً
صلحت صلح سائر الجسد ،ول يصلح الظاهر حتى يصلح الباطن ،وما أجمل ما كان يقول الواعظ
يحيى بن معاذ" :عملٌ كالسراب ،وقلبٌ من التقوى خراب ،وذنوبٌ بعدد الرمل والتراب ،ثمّ تطمع في
الكواعب التراب؟ هيهات ،أنت سكرانٌ بغير شراب ،ما أكملك لو بادرت أملك ،ما أجلّك لو بادرت
أجلك ،ما أقواك لو بادرت هواك" .فما كمال العقل إل بمعرفة أهمّيّة الوقت ،والمبادرة قبل انقضائه
بقيل وقال وكثرة السؤال ،وإضاعته فيما ل يرتفع إلى السماء.
-4الهتمام بالعلم والعمل :فالتقوى هي العاصمة من القواصم ،ومن كلّ فتن ٍة عاصفة ،ول
يمكن أن تثبت حقيقة التقوى من غير علمٍ وعملٍ وإخلص ،وقد نصح التابعيّ الجليل والزاهد
البصريّ الكبير طلق بن حبيب أتباعه باتّقاء الفتن بالتقوى فقال" :اتّقوها بالتقوى" ،فقيل له :صف لنا
التقوى ،فقال" :العمل بطاعة ال ،على نورٍ من ال ،رجاء ثواب ال ،وترك معاصي ال على نورٍ
من ال ،مخافة عذاب ال" .ونور ال هو العلم ،ورجاء ثواب ال أي ابتغاء وجه ال بالعمل،
والخلص له ،دون رجاء الثواب من غيره من المخلوقين ،وترك المعاصي بالعلم مخافة عذاب ال
وليس مخافة البشر أو بانتظار ثنائهم.
ومن اتّصف بهذه الصفة ،وهذا العمل المكمّل للعمل ،وابتغاء وجه ال في ذلك فإنّه يكون في
مأمنٍ من الفتن ،وإنّما يقع في الفتنة من جهل ،وقلّت مخافته من ال تعالى ،وابتغى غير وجه ال في
عمله.
-5تنقية الطمع والغضب :وهي من أبرز صفات المتّقين ،حيث إنّهم يمارسون التوحيد
الخالص ل تعالى ،ول يُدخِلون إلى قلوبهم أحدٌ غيره ،كما قال أبو النبياء إبراهيم عليه السلم،
وجعلها رسولنا صلى ال عليه وسلم سنّةً في افتتاح كلّ صلة ،عندما رغّبنا بأن نقول" :قل إنّ
صلتي ونسكي ومحياي ومماتي ل ربّ العالمين".
وبالتالي يكون كلّ ما يقومون به نقيّا إل من ال تعالى ،سلوكهم وقلوبهم ومعاملتهم ،وممّا
يذكره بكر بن عبد ال المُزنيّ عن المؤمن أنّه" :ل يكون تقيّا حتى يكون نقيّ الطمع نقيّ الغضب".
فل يغضب إل ل تعالى ،ول يطمع بشيءٍ من زينة الدنيا ،وإنّما يقصر طمعه لما عند ال من
النعيم ،فكلّما رأى من جواذب الدنيا شيئا تذكر أنّ ما عند ال خي ٌر وأبقى ،وكلّما أغضبه شيءٌ من
أمور الدنيا ،تذكّر أنها ل تستحق أن يغضب لها وهي زائلة ،فهو في تنقيةٍ دائمةٍ لغضبه وطمعه
وسلوكه ومعاملته ،حتى يبقى على التوحيد الخالص ل تعالى.
-6محاسبة النفس :يقول التابعيّ الجليل ميمون بن مهران" :ل يكون الرجل تقيّا حتى يكون
لنفسه أشدّ محاسبةً من الشريك لشريكه ،وحتى يعلم من أين ملبسه ،ومطعمه ،ومشربه".
فهو امتدادٌ لصفة التنقية للطمع والسلوك والغضب ،ذلك لنّ المحاسبة هي أحد الضمانات بعدم
تراكم الخطاء ،ومراجعة العمال التي لم يكن فيها النقاء كما ينبغي ،والمحاسبة صفةُ عظيمةٌ أقسم
ال سبحانه بها فقال" :ول أقسم بالنفس اللوّامة" ،وهي تلك التي تلوم صاحبها على كلمه وأفعاله،
لينقّيها ممّا شابها من أدران المعاصي ،وابتغاء غير وجهه سبحانه ،وكان أمير المؤمنين عمر بن
الخطاب يقول" :حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ،وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا ،وتزيّنوا للعرض
الكبر".
-7كراهية الثناء :فالمتّقي ل تعالى ،ل يبتغي وجها سواه ،ول يطمع بشيءٍ سوى ما عنده من
الجنّة والرضى والجر العظيم ،وكلّ ما دون ذلك ل يساوي في عينيه شيئا مهما قيل عنه وأثني
عليه ،فهو أعلم الناس بنفسه ،وبالتالي تراه ل يحرص على ثناء الخرين ،ويتضايق منه لنّه يخشى
أن يسبب له انتفاخا ينسيه فضل ال عليه ،وأن يكله إلى نفسه.
وكان التابعيّ الجليل ميمون بن مهران من هذا الصنف من المتّقين الذين يكرهون الثناء خوفا
ل وقال له :يا أبا أيّوب ،ما يزال الناس بخيرٍ ما أبقاك ال لهم ،فردّ عليهعلى أنفسهم ،فقد جاء رج ٌ
حال" :أقبِل على شأنك ،ما يزال الناس بخيرٍ ما اتّقوا ربّهم".
ولذلك نهى الرسول صلى ال عليه وسلم عن الثناء ،وأمرنا بحثو الرمل في وجوه المدّاحين ،إل
إذا أمنت من انتعاش الممدوح ،وكان الهدف من ذلك تشجيعا على بعض أخلقه ،أو تثبيت ذلك
الخلق في نفسه ،كما مدح الرسول صلى ال عليه وسلم أبا بكرٍ وعمر وغيرهم ممّن يعلم أنّ المدح
ل يؤثّر فيهم.
يجعل له مخرجا:
فإذا ما حقّق المؤمن الشرط الوّل للمعادلة بتحقيق التقوى في نفسه ،حقّق له الشطر الثاني من
المعادلة ،بأن يجعل له مخرجا ،ويرزقه من حيث ل يحتسب.
يقول المام ابن الجوزيّ" :تأمّلت قوله تعالى" :فمن اتّبع هداي فل يضلّ ول يشقى"،قال
ن كلّ من اتّبع
المفسّرون" :هداي" :رسول ال صلى ال عليه وسلم وكتابي ،فوجدتّه على الحقيقة أ ّ
القرآن والسنّة وعمل بما فيهما ،فقد سلم من الضلل بل شكّ ،وارتفع في حقّه شقاء الخرة بل شكّ،
إذا مات على ذلك ،وكذلك شقاء الدنيا ،فل يشقى أصل ،وبيّن هذا قوله تعالى" :ومن يتّقِ ال يجعل
له مخرجا" فإن رأيته في شدّة ،فله من اليقين بالجزاء ما يصير الصابَ عنده عسل ،وإل غلب طيش
العيش في كلّ حال ،والغالب أنّه ل ينزل به شدّة ،إل إذا انحرف عن جادّة الصواب ،فأمّا الملزم
لطريق التقوى فل آفة تطرقه ،ول بليّة تنزل به ،هذا هو الغلب ،فإن ندر من تطرقه البليا مع
التقوى فذلك في الغلب لتقدّم ذنبٍ يجازى عليه ،فإن قدّرنا عدم الذنب ،فذاك لدخال ذهب صبره
كير البلء ،حتى يخرج تِبْرًا أحمرا".
وصايا النبيّ صلى ال عليه وسلم:
والوصيّة ل تخرج إل من حريص ،والرسول صلى ال عليه وسلم أحرص الناس على أمّته،
ولذلك جاءت وصاياه بما ينجي أمّته ،ويجعلهم في أعلى علّيّين يوم القيامة.
ص التقوى ،حيث قال في الحديث" :أوصيك بتقوى ال تعالى فإنّه
ومن هذه الوصايا ما كان يخ ّ
رأس كلّ شيء"رواه المام أحمد ،ورجاله ثقات.
ق والخلق ،وشاملةٌ لخير
يقول المام المناوي" :إذ التقوى وإن -قلّ لفظها -جامعةٌ لحقّ الح ّ
ل منهيّ ،وفعل كلّ مأمور" .والوصيّة عندما تصدر من محبّ ،فهي أَولى الدارين ،إذ هي تجنّب ك ّ
ي صلى ال عليه وسلم. بالتّباع ،فكيف إذا ما صدرت من محبّ ،ومن أتقى التقياء ،وهو النب ّ
ما المخرج؟
تعدّدت أقوال أهل التفاسير في هذا المخرج ،وإن كانت جميعها تحتمل معاني المخرج الكثيرة ،التي
يستحقّها من اتّقى ال تعالى ،ومنها:
أ -النجاة من الكربين ،وهو ما رواه ابن عبّاسٍ رضي ال عنهما بقوله" :ينجيه من كلَّ كربٍ
في الدنيا والخرة".
ب -القناعة ،وهو ما قاله عليّ بن صالح" :المخرج هو أن يقنعه ال بما رزقه".
ج -النجاة من النار إلى الجنّة ،قاله القلبيّ.
د -مخرجا من النهى :قاله الحسن البصريّ.
هـ -من كلّ شدّة ،وما قاله ابن خيثم" :من كلّ شيءٍ ضاق على الناس".
و -من العقوبة.
ز -من شبهات الدنيا.
ح -الكرب عند الموت.
ط -الفرح يوم القيامة.
نراها في حياتنا:
إنّنا نرى بأعيننا من غير رواية ،تلك الشدائد العظيمة التي تنقشع واحدةً تلو الخرى لولئك
الشباب المدمن عندما يرجعون إلى ال تعالى ويسلكون طريق التقوى ،إنّ أحدهم يصاب بعد تركه
للمخدّر بأعراضٍ انسحابيّة ،من صداع ،وإسهال ،وآلمٍ في جميع أنحاء جسده ،وترجّع ،وأرَق ،وآلمٍ
في المفاصل ،وعَرَق ،وبرد ،إضافةً إلى تراكم الديون ،وقضايا المحاكم الكثيرة ،وخلفاتٍ بينه وبين
فلنٍ أو علّن.
التوكّل:
أمّا التوكّل على ال ،فهو تفويض أمر العبد كلّه ل ،مع يقينه بأنّ ال هو المتصرّف بالمور
كلّها ،والعتقاد الجازم بذلك ،بشرط أن يبذل السباب المطلوبة منه كبشر ،ولكن ل يركن إليها ،ول
يربط التوفيق والنجاح بها ،وينسى صاحب السباب وميسّرها.
ن المتوكّل هو الذي يبذل السباب ثمّ يتوجّه إلى ال بالمساعدة
والفرق بين التوكّل والتواكل ،أ ّ
والتوفيق ،وهو معتقدّ مستيقنٌ بأنّ ال سيقضي حاجته ،ول يسند الفضل إل ل.
بينما المتواكل ل يبذل من السباب شيئا ،ويريد قضاء حاجته من ال.
أمّا المور المعينة على الصبر فهي:
-1أن تعتقدي بأنّ ما أصابك مقدّرٌ من ال.
-2وأنّ ال له حكمة في ذلك.
-3وأنّك تؤجرين عن هذه المصيبة.
-4ويكفّر من سيّئاتك.
-5ويرفع درجاتك.
-6وأنّ العبد ليس له أن يعترض على سيّده.
-7أن تتذكّري بأنّ وراء هذه المصيبة خير ،وذلك بتذكّرك قول ال تعالى" :وعسى أن تكرهوا
شيئا وهو خيرٌ لكم"
-8إنّه تحذيرٌ من ال ،سببه معصيةٌ أو تقصير ،ولنّ ال يحبّك فإنّه يبتليك كي تكتشفي خطأك
ومعصيتك.
-9البتلء علمةٌ من علمات حبّ ال للعبد.
-10أن تتذكّري بأنّ هناك من هو أكثر منك بلء.
-11أن تتذكّري أنّ ال صرف عنك بلءً أعظم ممّا أنت فيه.
-12أن تتذكّري بأنّ ال أبقى لك من النعم أكثر ممّا أخذ منك ،ويكفي أنّه أبقى لك العقل
والسمع والبصر والشمّ وبقيّة الجوارح.
اليقين بالدعاء:
وبالنسبة لليقين بالدعاء ،فإنّه مطلوبٌ من كلّ مسلمٍ أن يستيقن بأنّ ال سيجيب دعاءه ،حيث قال
في كتابه الكريم" :وقال ربكم ادعوني أستجب لكم" ،وقال" :وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريبٌ أجيب
دعوة الداع إذا دعان" ،وقال صلى ال عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد والترمذيّ:
"ادعوا ال ،وأنتم موقنون بالجابة" ،وقال صلى ال عليه وسلم بأنّ ال ينزل في الثلث الخير من
الليل في السماء الولى ،ويقول" :من يدعوني فاستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني
فأغفر له؟"متّفقٌ عليه.
فالشعور باليقين عند الدعاء جزءٌ من اليمان بقدرة ال ،وأنّه ل يُعجِزه شيءٌ في الرض ول
في السماء ،وهو الذي بيده ملكوت السماوات وما بينهما.
أمّا بالنسبة لمير المؤمنين عمر رضي ال عنه ،فالمشهور عنه أنّه قال" :ل أحمل همّ الجابة،
بل أحمل همّ الدعاء ،فإذا فتح ال عليّ بالدعاء ،جاءت الجابة".
وال أعلم.
أسأل ال أن يفتح عليك في الدنيا والخرة.
حقيقة اليمان
الواجس الشككة ..الذين يؤتون ما آتوا وقلوبم وجلة
السؤال:
السلم عليكم …
أنا -والحمد ل -أجاهد أن أكون مسلمًا ملتزمًا ،ولكن تأتي لي هواجس وتشكّكني في أعمالي وكلّما
قرأت عن شخصيّةٍ صالحةٍ -من السلف أو الحاضر -أحسّ أنّي تاف ٌه ضئيلٌ جدّا ،وأنّ ما أفعله ل
شيء!!!.
ويزيد ذلك إذا حدث منّي ذنبٌ ،فأحسّ بأنّي ضعت ،حتى أنّه في م ّر ٍة تعصّبت مع والدتي ،وأحسست
بالذّنب بعدها ،فلم أستطع أن أصلّي الفرض في جماعةٍ ،وضاع عليّ هذا الفرض.
فكيف أتخلّص من هذه المشكلة ؟ وكيف أصل إلى ما أريد ؟.
جزاكم ال خيرًا.
المستشار:
-2خوف من عدم القبول :وإن كانت تلك الهواجس التي تأتيك هي خوفٌ من عدم قبول
العمال ،ففي اعتقادنا أنّ هذا المر خير؛ وذلك لنّ الخوف من عدم قبول العمال ،هو من صفات
المؤمنين الذين يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون ،وهذا كما فهمنا من حديث النبي صلى ال
عليه وسلم ،حينما سألته السيدة عائشة – رضي ال عنها – عن هذه الية (وَالذّيِنَ يُؤتون ما آ َتوْا
وقلوبهم َوجِلَة) وقالت :أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ فيرد عليها النبي صلى ال عليه وسلم
ن ويُصلّون ويتصَدّقون وهُم يخَافُونَ أن ل تُقبلَ مِ ْنهُم؛قائلً( :ل يا بنت الصدّيق ولكنهُم الّذين َيصُومُو َ
أولئك الّذِين ُيسَارِعُونَ في الخَيرات وَهُمْ لها سابقون" .رواه الترمذي وابن ماجة ،والحاكم وصححه.
وهذا هو الحسن البصري ،يصف حال المؤمنين فيقول( :عملوا وال بالطاعات ،واجتهدوا فيها،
وخافوا أن تُرَد عليهم ،إنّ المؤمن جمع إحسانًا وخشية ،وإنّ المنافق جمع إساء ًة وأمنًا).
وهكذا يكون حال المؤمن ،يبذل ما في وسعه في طاعة ال ،ثم هو يخشى أل يٌقبل منه ،ولكنه
مع ذلك يطمع في كرم ال وفضله وجوده ورحمته أيضًا.
ثانيًا -ليكن شعورك بالضآلة دافعًا للعمل:
أما عن إحساسك بالضآلة والتقصير في جنب ال ،وأنّ ما تفعله ل شيء ،فل نرى فيه مشكلة،
بل نظنه أمرًا طيبًا ،وذلك لن شعور المسلم بالتقصير في جنب ال يدفعه إلى الجدّ والجتهاد في
طاعة ال والبعد عن كل ما يغضبه سبحانه.
فهكذا – أخي الكريم – حال الصالحين من السلف والخلف ،فهم في حالةٍ دائمةٍ من الشعور بالتقصير
في جنب ال ،ودائمًا ما يظنون أنّهم ل يقومون بما عليهم ل من حقوق ،وذلك رغم كل ما يقومون
به من العمال الصالحة ،ابتداءً بمحافظتهم على أداء الفرائض واجتناب المحارم ،وانتهاءً بالجتهاد
والجد في أداء النوافل من قيامٍ لليل ،وصيامٍ للنهار ،وصدقاتٍ بالسر والعلنية ..إلخ.
فها هو مالك بن دينار ،العابد المشهور بالصلح والتقوى يقول( :وال لو وقف مَلَك بباب
المسجد ،وقال :يخرج شر من في المسجد لبادرتكم إليه)!! ،وهذا الفضيل بن عياض ،وهو من هو
من العبّاد الزّاهدين يأخذ بيد سفيان بن عيينة ويقول له( :إن كنت تظن أنّه بقي على ظهر الرض
من هو شرّ منّي ومنك فبئس ما تظن).
هذا هو شأن الصالحين دائمًا ،ل يرون لنفسهم فضلً ،بل يعتبر كلّ منهم نفسه شر الخلق ،لما
يظنه في نفسه من سوء ،فكان ذلك الحساس دافعًا وحافزًا لهم على الجدّ والجتهاد في العبادات،
وبذل طاقتهم في التقرب إلى ال تعالى.
إذن -أخي الكريم -ليس هناك ما يدعو إلى القلق من إحساسك بالتقصير في جنب ال ،ولكن
من الضروري أن يتبع هذا الحساس عملٌ وجدٌ واجتهادٌ في التقرب إلى ال تعالى.
ثالثًا -وأتبع السيئة الحسنة تمحها:
أما عن إحساسك بالضياع عند ارتكابك لذنبٍ ما ،فجميلٌ منك هذا الشعور؛ لنّ المؤمن يرى أنّ
معصيته للحق تبارك وتعالى ل ينبغي أن تكون ،ويعظم ارتكابه للذّنب في قلبه ،لعلمه بجلل ال
تعالى ،بل ويرى معصيته كأنّها جبل سيقع عليه ،كما عبر عن ذلك النبي صلى ال عليه وسلم حينما
قال( :إِنّ المؤمن يَرَى ذُنوبه كأنّه قاعدٌ تحت جَبلٍ يخافُ أن يقع عليه ،وإنّ الفاجِر يرى ذُنوبَه كذبابٍ
مَرّ على أنفه ،فقال به هَكذا" رواه البخاري.
ولكن من الضروري أيضًا – أخي الكريم – أن يصاحب هذا الحساس بالذّنب ويتبعه عدة
أمور:
المر الول :اليقين بعفو ال ومغفرته ،وأنّ ال سبحانه وتعالى غفّار لمن تاب وآمن وعمل
صالحًا ،وأنّه سبحانه يقبل التوبة عن عباده ،وأنّه تبارك وتعالى يفرح بتوبة عبده حين يتوب إليه،
كما أخبر بذلك النبي حين قال( :ل أشد فرحًا بتوبة عبده ،حين يتوب إليه من أحدكم كان على
راحلته بأرضٍ فلة ،فانفلتت منه ،وعليها طعامه وشرابه ،فأيس منها ،فأتى شجرة ،فاضطجع في
ظلها ،قد أيس من راحلته ،فبينا هو كذلك إذا هو بها ،قائمة عنده ،فأخذ بخطامها ،ثم قال من شدة
الفرح :اللهم أنت عبدي وأنا ربك ،أخطأ من شدة الفرح" رواه مسلم.
وأنّه سبحانه يغفر الذّنب ،وإن تكرر الوقوع فيه ،كما علّمنا ذلك النبي صلى ال عليه وسلم
عندما قال( :إن عبدًا أذنب ذنبًا ،فقال :ربّ أذنبت ،فاغفر لي ،فقال ربه :أعَلِمَ عبدي أن له ربّا يغفر
الذّنب ويأخذ به؟ غفرتُ لعبدي ،ثم مكث ما شاء ال ،ثم أذنب ذنبًا ،فقال :ربّ أذنبت آخر فاغفره،
فقال :أعَلِمَ عبدي أن له ربّا يغفر الذّنب ويأخذ به؟ غفرتُ لعبدي ،ثم مكث ما شاء ال ،ثم أذنب ذنبًا،
قال :ربّ أذنبت آخر فاغفره لي ،فقال :أعَلِمَ عبدي أن له ربّا يغفر الذّنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي،
ثلثًا ،فليعمل ما شاء) .رواه البخاري.
فيترتب على ذلك مسارعة في التوجه إلى ال تعالى ،والتوسل إليه سبحانه أن يغفر الذّنب وأن
يعفو عنه برحمته وعفوه ومغفرته.
المر الثاني :أن نُتبع هذا الشعور بالندم بعملٍ صالح ،فليس معنى الشعور بالذّنب -أخي
الكريم -أن نتوقف عن أداء الفرائض ونقعد عن العمل ،بل نُتبعه بالستغفار والتوبة والجتهاد في
العمل الصالح حتى نمحو ما ارتكبناه من الخطايا ،كما دعانا إلى ذلك النبي صلى ال عليه وسلم
حين قال( :وأتبع السيئة الحسنة تمحُها" رواه الترمذي بسند صحيح.
في النهاية -أخي الكريم -ندعو ال عزّ وجلّ أن يكون عونا لك في مجاهدتك لنفسك ،وأن
يتقبّل منك هذه المجاهدة.
وتابعنا بأخبارك.
برامج إيمانية
برامج إيمانية
•حديث في الصحبة
•في الصحبة" ..المرء على دين خليله"
•مشروع دعوي لحياء الخوة
•عند فساد الخوة ..ابحث عن العظمة الحقيقية
برامج إيمانية
كيف أحافظ على إيانيات؟
السؤال:
كيف يحتفظ الداعية المسلم بروحانياته وسط هذا المجتمع المادي اللهث؟
المستشار:
كمال المصري
الرد
سامحك ال يا أخي محمد ،لقد أدخلتنا مبكرًا في الطريق الشائك ،نعم هو طرق شائك لننا كلنا
نقاسي منه ،ونعاني أشد المعاناة كي نحافظ –قدر المستطاع -على روحانياتنا في ظل انشغالت
الحياة ،ومشاهدات الواقع ،التي تبعدنا –شئنا أم أبينا -عن صفائنا وإخلصنا وإيماننا ،وسنزيد المر
صعوبة على أنفسنا لو أخذ بمنطق الفاروق عمر رضي ال عنه حين وصل معاوية بن خديج المدينة
ظهرا ،باحثا عنه ومبشرا له بفتح السكندرية ،فمال معاوية إلى المسجد ظانا أن عمر في قيلولة،
فأرسل إليه عمر ،فقال له" :وماذا قلتَ يا معاوية حين أتيتَ المسجد؟" ،قال" :قلتُ أمير المؤمنين
قائلٌ"(أي نائم) ،قال عمر" :بئس ما قلت ،أو بئس ما ظننت ،لئن نمت النهار لضيعنّ الرعية ،ولئن
ن نفسي ،فكيف بالنوم مع هذين يا معاوية؟". نمت الليل لضيع ّ
لو أخذنا بهذا المنطق ما استطعنا ،ولعجزنا ،ولكن ،ول ما أبدع رسولنا صلى ال عليه وسلم،
لقد عرف ذلك في النفس البشرية ،ففي الحديث الشهير "نافق حنظلة" ،الذي رواه المام مسلم ،عن
أبي عثمان النهدي عن حنظلة السيدي قال :وكان من كتاب رسول ال صلى ال عليه وسلم ،قال:
(لقيني أبو بكر ،فقال :كيف أنت يا حنظلة؟ قال :قلت :نافق حنظلة ،قال :سبحان ال ،ما تقول؟ قال:
قلت :نكون عند رسول ال صلى ال عليه وسلم يذكرنا بالنار والجنة ،حتى كأنا رأي عين ،فإذا
خرجنا من عند رسول ال صلى ال عليه وسلم عافسنا الزواج والولد والضيعات فنسينا كثيرا،
قال أبو بكر :فوال إنا لنلقى مثل هذا ،فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول ال صلى ال
عليه وسلم ،قلت :نافق حنظلة يا رسول ال ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :وما ذاك؟" قلت:
يا رسول ال ،نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأى عين ،فإذا خرجنا من عندك عافسنا
الزواج والولد والضيعات ،نسينا كثيرا ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :والذي نفسي بيده،
إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملئكة على فرشكم وفي طرقكم ،ولكن
يا حنظلة ساعة وساعة" قالها ثلث مرات).
نعم ساعة وساعة ،ولكن ليس بالمعنى النفصاليّ "العلماني" الذي قد يستقر في أذهاننا ،إننا
نخطئ كثيرًا حين نفصل – دون أن نشعر أو نقصد– ديننا عن دنيانا ،فتجدنا نقسم حياتنا إلى قسمين،
قسم لربنا ،وقسم لحياتنا ،فنقول لنفسنا سأجعل لي زادًا يوميًا من القرآن ،وقيام الليل مثلً ..استعين
به في يومي ،ولن أقول لك ل تفعل ذلك ،بل يجب أن تفعل ذلك ،لنه فعلً زاد يعينك كثيرًا ،ولكن
ما أقصده هنا هو أين زادك في حياتك وممارساتك؟ عندما يقول رسول ال صلى ال عليه وسلم في
الحديث الذي رواه المام مسلم" :اليمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة ،فأفضلها قول ل إله
إل ال ،وأدناها إماطة الذى عن الطريق ،والحياء شعبة من اليمان".
فلماذا ل استشعر القرب من ال حين أزيل هذا الذى عن طريق الناس؟ حين يأمرنا ديننا
بغض البصر ،لماذا ل استشعر معية ال وأنا أفعل ذلك؟ حين أحفظ لساني من القول الفاحش البذيء،
لماذا ل أضع في قلبي وعقلي ونفسي أنني قد فعلت ذلك لن ال أمرني بذلك؟ فيرفع كل ذلك من
إيمانياتي وروحانياتي.
فخذ لـك زاديـن من سيـرة ومن عمـل صـالح ُيدّخَرْ
وكن في الطريق عفيف الخطا شريف السماع كريم النظرْ
خذ زادك من العلم والقرآن واليمان ،وقُ ِم الليل ،وصُ ِم النوافل ،واجعل هذا خاصًا بينك وبين
غضّ البصر ،وتصدّق ،وَأمِطِ الذى ،واحفَظْ لسانك ،وصُنْ ُأذُنَيكَ ،وغير ذلك من الفعال ربك ،و ُ
المرتبطة بالخلق ،افعل كل ذلك ،وقلبك متيقّنٌ أنه يفعل ذلك ل وحده ،تعامل مع مجريات الحداث
بمنطق اليمان ،وبمنطلق التعامل مع ال سبحانه ،وثق أنك إن فعلت ذلك :أخذت الزاد الخاص بك
بينك وبين ربك ،وأخذت الزاد بالتعامل مع العباد من منطلق التقرب إلى ال ،ثق أنك بهذين الزادين
تكون قد اقتربت كثيرًا وكثيرًا لما ترجو وتروم.
قد تكون هذه رؤية جديدة لمفهوم اليمانيات والروحانيات ،وقد يكون الدافع إليها تغير الزمان
والحوال ،ولكن حسبها أنها لم تخرج عن إطار السلم في شيء ،بل قد تكون أقرب إلى معناه
والمراد منه ،ودعنا نجربها ،علّها تكون العلج.
نعم أعلم أن تنفيذ ذلك صعب ،بل قد يقول قائل :إنه مستحيل ،ولكن ..الصعب يمكن إنجازه،
والمستحيل يحتاج لبعض الوقت ،وأنت رجلُ ذلك كلّه ..أليس كذلك؟
برامج إيمانية
وِرد الحاسبة ..بعيدا عن الرياء
السؤال:
أ ّولً جزاكم ال كلّ خيرٍ على هذا الجهد الرائع.
سؤالي هو أنّني أتابع مجموعةً من الشباب دعويّا ،وأقوم بعمل جداول متابعةٍ للعبادات لهم أو ما
يسمّى "أوراد المحاسبة" ،ولكنّ واحدا منهم لم يقم بملء تلك الوراد ،وقال لي أنّه يخاف من الرياء،
وآخر يملؤه ويواظب عليه.
فأريد أن أعرف هل هذا المر خطرٌ تربويّا عليهم؟
وهل حقّا يزرع فيهم الرياء أم أنّ المر مجرّد أنّه مدخلٌ شيطانيّ؟
وكيف أوصل المعنى الصحيح لهم عن هذا المر أو أتعامل معهم به؟
وجزاكم ال خيرا.
المستشار:
أ .فتحي عبد الستار
الرد
مرحبا بك ،ونشكرك على مجاملتك الرقيقة ،وتقبّل ال منك صالح العمل ،أنت ومن تتابعهم
وتربّيهم.
جميلٌ منك يا أخي أن تحرص على متابعة عبادات من تربّيهم ،ومدى التزامهم بأدائها ،انطلقا
من حثّ النبيّ صلى ال عليه وسلم على دوام محاسبة النفس ،واستدراك أخطائها ،وعلج جوانب
القصور فيها ،حيث قال صلى ال عليه وسلم" :الكَيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ،والعاجز
ي وحسّنه ،وقال" :ومعنى قوله من دان نفسه يقول من أتبع نفسه هواها وتمنّى على ال"رواه الترمذ ّ
يحاسب نفسه في الدنيا قبل أن يحاسب يوم القيامة ،ويروى عن عمر بن الخطّاب قال :حاسبوا
أنفسكم قبل أن تحاسبوا ،وتزينوا للعرض الكبر وإنّما يخفّ الحساب يوم القيامة على من حاسب
نفسه في الدنيا ،ويروى عن ميمون بن مهران قال :ل يكون العبد تقيّا حتى يحاسب نفسه كما
يحاسب شريكه من أين مطعمه وملبسه".
واستخدامك للجداول في تلك المتابعات أو ما يسمّى بأوراد المحاسبة أمرٌ جيّد ،ولكن له
ضوابطه التي تجعل منه وسيل ًة متميّزةً للتذكير والصلح ،حيث إنّ التطبيق الخاطئ لهذه الوسيلة
بنزع تلك الضوابط منها يفرغها من مضمونها تماما ،بل وقد يؤدّي إلى عكس المراد.
أوّل هذه الضوابط وأهمّها أنّه يجب عليك أ ّولً أن تبيّن لهؤلء الشباب ،وتزرع في نفوسهم
مراقبة ال عزّ وجلّ ،ل مراقبتك أنت ،وأنّهم يتوجّهون بتلك العمال إليه سبحانه وتعالى وحده،
وليس إليك أو إلى الهيئة التي تجمعكم أو تعملون من خللها.
فغرس مثل تلك المفاهيم في النفوس مع تعهّدها دوما بالرعاية والمتابعة ،يحمي الفرد من أن
تتسرّب إلى نفسه وساوس الرياء ودوافع النفاق.
وهناك ضابطٌ آخر هامّ ،وهو أنّ العبادات الفرديّة ،والتي يجب أن تكون سرّيّةً بين العبد وربّه،
كقراءة القرآن ،وقيام الليل ،والصدقة ،والصيام ،ل ينبغي أن يطّلع عليها أحد ،حتى المربّي ،إل
بصورةٍ جماعيّةٍ ل تقوم على إبراز التقصير ،وإنّما إبراز الصورة اليجابيّة ،ليتأسّى بصاحبها
المقصّرون ،كما فعل صلى ال عليه وسلم حين قال لصحابه يوما" :من أصبح منكم اليوم صائما؟"
قال أبو بكرٍ رضي ال عنه :أنا ،قال" :فمن تبع منكم اليوم جنازة؟" قال أبو بكرٍ رضي ال عنه :أنا،
قال" :فمن أطعم منكم اليوم مسكينا؟" قال أبو بكرٍ رضي ال عنه :أنا ،قال" :فمن عاد منكم اليوم
مريضا" ،قال أبو بكرٍ رضي ال عنه :أنا ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم" :ما اجتمعن في
امرئٍ إل دخل الجنّة".
ل العمال
ولو أنّنا يا أخي الكريم استجبنا لهاجس الرياء ،وجعلناه سببا للمتناع عن إظهار ك ّ
الصالحة ،كصلة الجماعة والجهاد ،حدث فسادٌ عظيمٌ في الدين ،بل هو عين الرياء ،حيث قال
ك العمل لجل الناس رياء ،والعمل لجل الناس شِرك ،والِخلصُ الفضيل بن عيّاض رحمه ال" :تر ُ
أن يعافيَك ال منهما".
ولقد كان الصحابة الكرام يعملون أعمالً جليلةً أمام الناس ،ولم يرمهم أحدٌ بالرياء أو بالنفاق إل
ضعفاء النفوس من المنافقين ،فقد وجدنا عمر بن الخطّاب رضي ال عنه يأتي بنصف ماله ويدفعه
ي صلى ال عليه وسلم على مرأى ومسمعٍ من الصحابة ،ووجدنا أبا بكرٍ الصديق رضي ال إلى النب ّ
عنه يأتي بماله كلّه وينثره في حجر النبيّ صلى ال عليه وسلم على مرأى ومسمعٍ أيضا من الناس،
وكذلك فعل عثمان رضي ال عنه حينما جهّز جيش العسرة من ماله ،وغيرهم وغيرهم ،في شتّى
مجالت العمل الصالح ،وربّما كان إظهار مثل هذه العمال من أناسٍ اطمأنّت قلوبهم بالخلص ل
عزّ وجلّ ،ربّما كان هذا دافعا لغيرهم لكي يبذلوا وينشطوا فيما يرضي ال سبحانه وتعالى.
فالطاعات أساسا خاصّةٌ بين العبد وربّه ،وإن كان هناك من داعٍ لقياسها ،فليكن قياسا جماعيّا ل
فرديّا ،ينفي الرياء ،ول يؤدّي إلى الكذب ،وإن كان هناك من أعمالٍ ظاهرةٍ فلتكن كذلك ،فليس هذا
من الرياء.
وأريد أن أعرض عليك طريقةً مجرّبةً لجراء هذا الوِرد ،أحسب أنّها تنفي دواعي الرياء التي
قد تتولّد في قلب الشابّ ،وهي كالتالي:
ل واحدٍ منهم أن يقوم كلّ شابّ بتسجيل أعماله في ورقةٍ خاصّةٍ به ،وعندما تلتقون اطلب من ك ّ
يحسب النسبة المئويّة لنتظامه في كلّ عملٍ أو عبادةٍ أثناء الفترة التي اتّفقتم عليها ،ويسجّلها في
ورقته ثمّ ل تأخذ أوراقهم تلك منهم ،بل قم أنت بتجهيز ورقةٍ أخرى تكتب فيها العمال التي يقيسها
ل عملٍ خاناتٍ فارغةً بعدد هؤلء الشباب ،ثمّ تعطيهم هذه الورقة ومعها قلم، الوِرد ،وتترك أمام ك ّ
ب معيّن ،وأن وتتركهم وتخرج لدقائق بعد أن تطلب منهم أن يمرّروا هذه الورقة فيما بينهم دون ترتي ٍ
ل عمل ،وبهذا يغدو كلّ منهم متأكّدا أن ل أحد ل واحدٍ منهم بقلمك نسبته المئويّة في ك ّ
يسجّل ك ّ
يستطيع تمييز صاحب النسب العالية من صاحب النسب المنخفضة ،فالكلّ في ورق ٍة واحدة ،وبقلمٍ
واحد ،ودون ترتيب ،فيدفعهم ذلك إلى تحرّي المانة والخلص عند التسجيل.
ل عملٍ كذلك ،ثمّ اطلب من واحدٍ منهم أن يأخذ تلك وعندما تعود ،اكتب أنت نسبتك في ك ّ
الورقة ويحسب النسبة المئويّة للنتظام في العبادات المختلفة بالنسبة للكلّ ،ثمّ يعلن تلك النسبة،
فيقول مثل :كان انتظامنا كلّنا في صلة الفجر لهذا السبوع بنسبة ،%60وفي صلة الجماعة
،%80وفي تلوة الذكار ،%50وهكذا.
ثمّ تبدءون معا مناقشة النسب المنخفضة ،وأسباب ذلك ،وكيفيّة رفع هذه النسب ،وعلج
ص معيّن.
القصور ،دون أن يكون الكلم عن شخ ٍ
وبما أنّ الشيء بالشيء يُذكَر ،أعرض عليك طريقةً أحسبها جيّدةً لجراء هذا الوِرد ،وتحقّق في
النفس أهدافه ،هذه الفكرة تقوم على استحضار أنّ هذه الورقة الخاصّة بكلّ فردٍ والتي يُسجّل فيها
العمال ،هي صورةٌ طبق الصل من الصحيفة التي يكتبها الملَكان الموكّلن بالعبد ،واللذان يسجّلن
حسناته وسيئاته ،فإذا قام الشابّ بالعمل المطلوب يترك خانته بيضاء دون أيّة علمة ،وإذا لم يقم به
سوّد تلك الخانة بالقلم السود ،وهكذا.
وعندما تنتهي المدّة التي يحاسِب نفسه فيها ،ينظر إلى الورقة ،ويعلم أنّ مقدار البياض الذي
فيها هو نفس مقدار البياض واليمان الذي في قلبه ،ومقدار السواد الذي في الورقة هو نفسه مقدار
السواد المنكوت في قلبه نتيجة سوء عمله وتقصيره ،وكأنّه يرى صحيفته التي دوّنتها الملئكة رأي
العين.
إنّ هذه الطريقة لها أثرٌ كبيرٌ في النفوس المؤمنة ،وحَرِيّةٌ بأن تدفع العبد المقصّر للستدراك
والتوبة.
ربّما تقول أخي أنّك تودّ معرفة انتظام كلّ فردٍ منهم على حدةٍ في هذه العبادات ،لتضع له
تقييما مثل ،أو لتهيئته لدورٍ منتظَر ..إلخ ،ولكنّ الحقيقة -أخي الكريم -أنّ هذا ل يتأتّى عن طريقٍ
ن الوِرد بهذه
مثل هذه الجداول والوراد التي تعقدها له ،وهو يعلم أنّك وغيرك ستطّلعون عليها ،فإ ّ
الصورة بالتأكيد ل يخلو من بواعث الكذب والرياء ،ووضع الشابّ في اختبارٍ وابتلءٍ صعبٍ ينبغي
أن نحافظ على دينه بإعفائه منه ،وتستطيع أن تعرف ما تريد عن طريق المعايشة الطبيعيّة،
واللتصاق ،والتعامل العفويّ بينكما ،وسؤال المقرّبين منه المؤتمنين ،ل أن تطلب منه أن يكتب لك
أفعاله ودرجة انتظامه ،وبهذا يتربّى الشابّ على الخلص ل وحده ،وعدم مراقبة الخلق في أفعاله.
إنّ المحاسبة الفرديّة قد تصلح في أعمالٍ أخرى غير العبادات المحضة ،فقد تصلح مثلً في
ط معيّنٍ طُلِب منه أن يقوم به؛ لنّ مثل هذه
متابعة مهمّةٍ دعويّ ٍة معيّنةٍ كلّفتَ بها هذا الشابّ ،أو نشا ٍ
المور داخلةٌ في نسيج العمل الدعويّ الذي تشتركون فيه ،وتؤثّر عليه ،ويحقّ لك أن تسأل عنها
وتتابعها.
أمّا العبادات المحضة والتطوعيّة ،فليس لك إل أن تحثّ عليها وتشجّع على التيان بها ،دون
أن تسأل عليها الشابّ سؤالً مباشرا.
أخي صابر ،صبّرك ال وقوّاك وأعانك وتقبّل منك ،ونسأله سبحانه أن يهدي بك هؤلء
الشباب ،فهو خيرٌ لك من حمُر ال ّنعَم ،ومرحبا برسائلك دائما".
برامج إيمانية
برنامج تربويّ شخصي ..ول ننسى الخرين
السؤال:
السلم عليكم ورحمة ال،
بدايةً أرجو قبول شكري الجزيل على ما تقدّمونه من خدماتٍ ونصائح عظيمة ،فبارك ال فيكم
وجزاكم عنّا وعن المسلمين خير الجزاء.
منذ شهورٍ قليلة ،انتقلت أنا وزوجي من بلدنا العربيّ إلى أميركا ،وللسف ،فإنّ الجالية
ن معظم
السلميّة في المدينة حيث نسكن صغيرةٌ جدّا ل تتعدّى العشر عائلت ،وللسف أيضا فإ ّ
هذه العائلت ليست ملتزمة ،الصلة في المسجد تقام فقط يوم الجمعة ،وأحيانا قليل ًة يقيمون صلة
المغرب ،وطبعا التراويح في رمضان.
المهمّ أنّني وزوجي نرغب بأن تكون لنا حياةٌ إسلميّةٌ صحيحةٌ داخل المنزل ،وبما أنّ طبيعة
عمل زوجي ل تتيح له الكثير من الفراغ ،فإنّني أرجو منكم أن تنظّموا لنا برنامجا دينيّا يوميّا ،ولكن
بحيث ل يأخذ أكثر من نصف ساعةٍ أو ساع ٍة على الكثر ،ما أفضل ما يمكن أن نعمله ويكون به
الجر الكبير من ال؟
وفي النهاية ،أرجو منكم خالص الدعاء لنا بالتوفيق ،حيث إنّنا نحاول إيجاد عملٍ في مدينةٍ بها
جاليةٌ مسلمةٌ كبيرة ،خصوصا أنّني حامل ،وأريد لبني تربيةً إسلميّةً ممتازة.
فادعوا ال أن ييسّر لنا النتقال ،ولكم من ال الثواب والبركة.
المستشار:
الرد
يقول الستاذ فتحي عبد الستّار المحرّر بصفحة "دعوة ودعاة" بالموقع:
"أختنا الفاضلة،
بداية ،جزاك ال خيرا على عباراتك الرقيقة التي توجّهين فيها الشكر إلينا ،وفي الواقع أنّ الذي
يستحقّ الشكر أ ّولً هو ال عزّ وجلّ على توفيقه لنا واستعماله إيّانا ،وثانيا جميع إخواننا وأخواتنا
الذين يزورون موقعنا ويتفاعلون معنا ،ويشدّون من أزرنا ،نسأل ال سبحانه وتعالى أن يتقبّل منّا
ومنكم ،وبعد..
فبقدر ما أثلجت رسالتك صدورنا وأسعدتنا ،وبثّت فينا المل والطمأنينة ،لوجود أمثالك من
المسلمين الحريصين على التمسّك بتعاليم دينهم واللتزام بها في بلد الغربة ،بقدر ما أقلقتنا على
ن معظم عائلت المسلمين في المدينة التي تقيمين فيها بعض إخواننا المسلمين هناك ،عندما ذكرت أ ّ
غير ملتزمٍ بالسلم ،ممّا يعرض الجيال القادمة لضياع الهويّة ،والذوبان في محيط تلك المجتمعات
البعيدة عن السلم ،ويجعلهم ل يحملون من السلم إل السم فقط ،إن حملوه.
لذا فإنّي أريد أن تنتقل رغبتك التي عبّرت عنها بأن تكون لك أنت وزوجك حياةً إسلميّ ًة
صحيحةً داخل المنزل ،أن تنتقل بعد تثبيت النفس إلى رغبةٍ في أن تكون نفسُ الحياة لجميع من
تحتكّان بهم وتعرفانهم من المسلمين هناك ،بعد أن ننقل إلى قلوبهم وعقولهم تلك الرغبة ،بل ونتعدّى
حدود بيوتنا إلى محاولة التأثير في المجتمع المحيط ،وفي غير المسلمين من أهل تلك البلد.
من الممكن أن نضع لنفسنا برنامجا إسلميّا نطبّقه يوميّا في بيوتنا ،ولكن لكي نضمن بقاء هذا
البرنامج ،وبقاء تأثيره فينا ،وصموده أمام المغريات والعقبات التي يموج بها المجتمع من حولنا،
لبدّ أن تكون لهذا البرنامج حوائط صدّ ،وبرامج دفاعيّ ٌة ووقائيّ ٌة تقف خارج أسوار بيوتنا ،وإل
اقتحم الباطل علينا تلك البيوت ،وهدم برامجنا وزلزل عقائدنا.
ت قويّةٍ مع أسر المسلمين هناك،
وتتمثّل حوائط الصدّ هذه والبرامج الدفاعيّة في تكوين علقا ٍ
وأن تكون تلك البرامج مشتركةً فيما بين هذه السر ،يجتمعون عليها بشكل دوريّ ،ويؤدّونها سويّا،
ولعلّ اتساع هامش الحريّة في تلك البلد يكون مشجّعا على ذلك.
فرسالة المسلم ليست إصلح نفسه هو وأسرته فقط ،وإنّما إصلح العالم كلّه من حولهُ ،كلّ
بحسب قدراته وإمكاناته واستطاعته.
كوني أنت وزوجك الرائدَين ،واشرعا في زيارة أسر وعائلت المسلمين حولكما ،وتعرّفا
عليهم ،وكوّنا معهم العلقات ،وادعواهم لتبادل الزيارات ،وقضاء بعض العطلت سويّا ،واجعل ذلك
نواةً لتفاعلٍ أكبر ،ونشاطٍ أعمّ.
وبالطبع ينبغي أن يكون لك مع زوجك برنامجٌ خاصّ ،يكون زادا ومعينا لكما ،ينظّم الوقت
كلّه ،ويستوعب العمال كلّها ،فنحن ل نستطيع أن نفصل التزامنا بديننا عن حركتنا ونشاطنا،
ونحصره في نصف ساعةٍ أو ساعة" :قل إنّ صلتي ونُسُكي ومحياي ومماتي ل ربّ العالَمين ل
شريك له وبذلك ُأمِرتُ وأنا أوّل المسلمين" ،فينبغي أن يكون السلم معنا في كلّ حركةٍ وسكنة،
ويرافقنا في جميع أنشطة حياتنا ،طوال يومنا ،في صحونا ومنامنا.
ويمكن أن نسمّي هذا البرنامج جلسةً إيمانيّةً أو برنامجا ثقافيّا وتربويّا ،ويفضّل أن يكون
أسبوعيّا ،على أن يشمل أعمالً وطاعاتٍ يوميّة ،فالقليل الدائم خيرٌ من الكثير المنقطع ،وأحبّ
العمال إلى ال عزّ وجلّ أدومها وإن قلّ ،فتكون لكما جلسةٌ أسبوعيّة ،تُعدّان لها جيّدا ،من حيث
الزمان والمكان ،وتستعدّان لها نفسيّا وروحيّا ،تدرسان فيه منهجا بسيطا ،يشمل:
-1حفظ عشر آياتٍ على الكثر أسبوعيّا ،مع دراسة تفسيرها.
-2حفظ حدي ٍ
ث نبويّ واحدٍ أسبوعيّا ،مع دراسة فقهه.
-3دراسة فصلٍ من السيرة.
-4قراءةً في أحد كتب الرقائق.
-5دراسة كتابٍ في العقيدة.
-6دراسة كتابٍ في الفقه "هذا البند إذا كنتما تستطيعان ذلك ،وإل يمكن الستعاضة عن ذلك
بسؤال شيخٍ أو مشاهدة برامج الفتاوى على أيّة قنا ٍة من القنوات الفضائيّة أو عبر النترنت وما إلى
ذلك".
-7دراسة رسالةٍ في تربية الولد والداب السريّة.
-8دراسة رسالةٍ في فقه الدعوة.
-9متابعة أخبار المسلمين في العالم عن طريق وسائل العلم المختلفة.
-10مناقشة المشكلت الطارئة على السرة والجتهاد في حلّها والتغلّب عليها وفق ما تفهمان
من قواعد عامّةٍ للسلم.
وبالطبع لن يتمّ هذا كلّه في جلسةٍ واحدة ،ولكن يمكن التقسيم والتوزيع والتنويع ،والتبديل بين
هذه المحاور كلّ أسبوع ،وأنصحكما أن تقوما بعد النتهاء من دراسة كلّ جزئيّةٍ بالتّفاق على واجبٍ
معيّنٍ تستخرجانه ممّا قرأتما ،وتقومان بأدائه خلل السبوع ،ليتوافق ويتصاحب العلم مع العمل.
كما يراعى -إن لم يكن هذا حادثا -تعلّم لغة المجتمع جيّدا ،ليسهل التفاهم والتواصل مع
أفراده .هذا مع مراعاة الواجبات اليوميّة ،مثل المحافظة على الصلوات في أوقاتها جماعة ،ل سيّما
الفجر والعشاء -والجماعة هنا حتى لو كانت بكما فقط -وأداء نوافل الصلوات ،وتلوة أذكار
الصباح والمساء ،وأدعية الحوال ،وصيام الثنين والخميس وثلثة أيّامٍ من كلّ شهر ،وإخراج
ل يوميّا.
الصدقات ،تلوة جزءٍ من القرآن على الق ّ
كلّ هذا بحسب الستطاعة والجهد" :والذين جاهدوا فينا لَ َنهْدِينّهم سُبُلَنَا وإنّ ال َلمَع المحسنين"،
ولتتواصيا أنت وزوجك دائما بالحقّ والصبر ،وليذكّر كلّ منكما الخر إذا نسي ،ويعينه على طاعة
ال عزّ وجلّ والثبات على دينه.
مع ملحظةٍ هامّةٍ ينبغي اللتفات إليها ،وهي "إيمان المعاملة" التي تحدّثنا عنها في استشاراتٍ
سابقة ،أي أن تأخذا الزاد اليمانيّ من دعوة الناس ،ومساعدتهم ،والمشاركة في نشاطاتهم وأعمالهم
التي فيها الخير وليس فيها منكر ،علينا أن نكون إيجابيّين في مجتمعنا ،وتكون إيجابيّتنا هذه مشبعةً
بروح الدعوة والحرص على هداية الناس ،وحينما تمتلئ قلوبنا بهذا المفهوم ،تكون إيجابيّتنا حينها
رافدا قويّا من روافد زيادة اليمان.
وفّقكما ال لما يحبّه ويرضاه ،وأتمّ حملك على خير إن شاء ال ،ونسأله سبحانه وتعالى أن
يرزقكما الذرّيّة الصالحة ،التي تقرّ أعينكما بها ،وأن ييسّر لكما القامة حيث فيه خيركما في الدنيا
والخرة ،إنّه على ما يشاء قدير ،وفي انتظار رسائلك دائما".
برامج إيمانية
برنامج عملي لتطوير اليان ..الهمات التسع
السؤال:
بسم ال الرحمن الرحيم،
في البداية جزاكم ال ألف خير ،وجعل ذلك في ميزان حسناتكم.
آبائي الكرام،
أسأل ال أن أجد لكلماتي عندكم صدى ،أبدأ بمشكلتي وأقول :أنا شابّ أبلغ من العمر عشرين
عاما ،أكرمني ال بحفظ كتابه الكريم ،ولكن ل أعرف أنّني راجعته في شهرٍ م ّرةً واحدة ،وهذا ما
يؤلمني ،ليس هذا فحسب ،فأنا والحمد ل أعرف طريق الدعوة وأحبّه ،ولكن الن الروحانيّة التي
كانت لديّ في الصغر ،ل أجدها الن ،وهذا لشكّ فيه أنّها الذنوب الذنوب.
أساتذتنا الكرام،
باختصار:
-أريد أن أحسّ بلذّة العبادة وبالقرب من ال.
-أريد أن أكون ناجحا في دعوتي مع نفسي أ ّولً ثمّ مع أهلي ثمّ مع الناس.
-أريد أن أعمل لديني حتى يغمض الجفن.
ج يكون
ي يتضمّن تطوير الذات إيمانيّا وثقافيّا ،برنام ٍ
ج عمل ّ
وأطلب منكم أن ترشدوني إلى برنام ٍ
-إن شاء ال -بداية النطلق من جديد ،والخروج من الفتور الذي أعيشه.
أرجو أن يجيب على التساؤل الستاذ فتحي يكن ،والستاذ كمال المصري.
والسلم عليكم ورحمة ال وبركاته ،ولكم من ال جزيل الجر والثواب.
المستشار:
الرد
أخي الكريم،
السلم عليكم ورحمة ال وبركاته ،وبعد،
إنّ ظاهرة تراجع الروحانيّات واحدةٌ من الظواهر الخذة في النتشار والتفاقم ،وأسباب ذلك
كثيرة :منها ما يعود إلى البيئة والعشرة نفسها ،ومنها ما يعود إلى غلبة الهموم الدنيويّة على الهمّ
الخرويّ ،ومنها ما يتّصل بحالة الستهلك اليمانيّ المتزايد مقابل تراجع النتاج اليمانيّ الملحوظ.
وحول هذه الظاهرة المرضيّة ،كنت ألقيت محاضرةً عنوانها" :النسان بين هداية الرحمن
وغواية الشيطان" ،عرضت فيها لمعادلة النتاج والستهلك اليمانيّ غير المتكافئة ،أضع بين يديك
ملخّصا لها ،ولمشروعٍ متواض ٍع وسهلٍ لزيادة النتاج اليمانيّ ختمت به محاضرتي ،وهو مقتبسٌ
من كتابات بعض الخيار المنشغلين بهذا الجانب الربانيّ الهامّ جزاهم ال عنّا كلّ خير ،ول أنسى أن
أذكّرك وأذكّر نفسي بالوصايا العشر التي أوصى بها المام الشهيد حسن البنّا العاملين على الساحة
ج تربويّ
ي لكلّ منه ٍ
السلميّة في كلّ مكان ،إضافةً إلى "رسالة التعاليم" التي تشكّل العمود الفقر ّ
"روحيّ وثقافيّ" ،أرجو أن تكون متوافرةً عندكم ،فإن تعذّر ذلك فيمكن إرسالها إليك هديّة حبّ في
ال.
عصر الستهلك اليمانيّ:
يشهد هذا العصر استهلكا إيمانيّا مريعا ،من شأنه أن يدفع بالكثير من المسلمين إلى هاوية
ف أضاعوا الصلة واتّبعوا الشهوات فسوف الفلس اليمانيّ ،يقول تعالى" :فخلف من بعدهم خل ٌ
يلقَون غيّا" ،ويقول الرسول صلى ال عليه وسلم" :خيركم قرني ،ثمّ الذين يلونهم ،ثمّ الذين
يلونهم"رواه مسلم.
ن كلّ ما حولنا يصرفنا عن ال ،ويغرينا بالدنيا وشهواتها" :زُيّن للناس حبّ الشهوات منإّ
النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضّة والخيل المسوّمة والنعام والحرث ذلك متاع
حفّت
الحياة الدنيا وال عنده حسن المآب" ،وصدق رسول ال صلى ال عليه وسلم حيث يقولُ " :
حفّت النار بالشهوات"رواه مسلم.
الجنّة بالمكاره ،و ُ
أكتفي بعرض نموذجٍ بسيطٍ حول عمليّة الستهلك اليمانيّ في زحمةٍ من المواقع الستهلكيّة
التي ل تُبقي ول تذر:
أمام "نشرةٍ أسبوعيّةٍ مجانيّة" تقع في نحو أربعين صفحة ،كلّ صفحةٍ فيها تمتلئ بعشرات
الدعوات والدعايات التي تستهلك اليمان والخلق والوقت والمال ،ول تترك للنسان فرصةً للتنفّس
اليمانيّ السليم؛ فهذه دعوةٌ إلى تنحيف الجساد ،وتأمين الصدقاء ،واستيراد خادماتٍ وحاضناتٍ
تتناسب مع جميع الذواق والميزانيّات ،وعرضٌ لمقاعد بكبسة زرّ تساعدك على النهوض ،وعرضٌ
لمعالجة الصلع ،أو إزالة الشعر نهائيّا عن الجساد إلى البد ،وعروضٌ ل تعدّ في عالم التجميل،
وعروضٌ لرفع الصدر وتنحيف الخصر والوشم والتغيير في خلق ال ،ناهيك عن عروض بيع
السيارات والمفروشات والدوات الكهربائيّة والكومبيوترات والفيلّت والشقق والشاليهات ،يرافق كلّ
س في
ذلك عروضٌ سخيّةٌ بالبيع المقسّط يمكن أن يستهلك عمر النسان كلّه ،يضاف إلى ذلك تناف ٌ
عروض المطاعم وحفلت الطرب والرقص وما يمنع الحياء عن ذكره ،هذه مفرد ٌة صغيرةٌ ومحدودةٌ
من وسائل الستهلك اليمانيّ ،يُضاف إليها عالم النترنت وعالم الفضائيّات ،وكلّ ما تمخّض عنه
العقل البشريّ ،ووُضع في خدمة الشيطان ،فماذا يتبقّى بعد ذلك؟
-هل يتبقّى وقت؟ هل يتبقّى جهد؟ هل يتبقّى عقل؟
-هل يتبقّى مال؟ هل يتبقّى دين؟ هل يتبقّى أخلق؟
النتيجة :ضياع العمر وسوء المصير.
-كيف نواجه هذا الكمّ من قوارض اليمان؟
لبدّ من مشاريع إنتاجيّةٍ لليمان تغالب الستهلك وتغلبه ،إنّ ذلك يحتاج إلى قوّة إرادة،
وعزيمة ،وصبر ،ومجاهدة نفس ،ومغالبة هوى ،ل تفتر ول تتوقّف ،إنّه يحتاج إلى إنما ٍء إيمانيّ
ي على القلّ.
يماثل حجم الستهلك اليمان ّ
إنّ صوم رمضان ،وأداء مناسك العمرة والحجّ ،وإقام الصلة فرائض ونوافل ،والقيام بواجب
المر بالمعروف والنهي عن المنكر ،وقراءة كتاب ال ،وذكر الموت ،والنهوض بواجب الدعوة إلى
ال ،والسهام قدر المستطاع بأحد جوانب الجهاد في سبيل ال ،هذه وغيرها محطّاتٌ للنتاج
اليمانيّ ،ومعارج رقيّ وارتقاءٍ إلى ال عزّ وجلّ ،نحن مطالبون بالقبال عليها والستفادة منها.
مشروع العصر:
"الدنيا ساعة ..فاجعلها طاعة"
ثماني مهمّاتٍ على طريق الجنة
هذا المشروع :مقترحٌ كحدّ أدنى لكلّ مسلمٍ ومسلمة ،يتضمّن ثماني مهمّات ،محدّدة الوقت،
معلومة الثواب ،محقّقةً الفائدة بإذن ال تعالى ،من ذلك :مغفرة الذنوب ،المان من فتنة القبر ،بناء
ن كلّ ذلك لبيتٍ في الجنّة ،استجابة الدعاء ،المان من الفقر ،قضاء الحوائج ،تفريج الهمّ ،إ ّ
يستغرق أكثر من ستّين دقيقة.
-1المهمّة الولى:
أداء اثني عشرة ركعةً نافلة "السنن الراتبة" ،وهي :اثنتان قبل الفجر +أربعٌ قبل الظهر واثنتان
بعده +اثنتان بعد المغرب +اثنتان بعد العشاء.
الفائدة المرجوّة :يبني ال للمداوم بيتا في الجنّة.
الدليل :قوله صلى ال عليه وسلم" :من صلّى في يومٍ ثنتي عشرة سجدة ،تطوّعا ،بني له بيتٌ
في الجنّة"رواه مسلم.
-2المهمّة الثانية:
صلة ركعتين في الليل،
الفائدة المرجوّة :يستجاب الدعاء +يُغفَر الذنب +تُقضَى الحاجة.
الدليل :قوله صلى ال عليه وسلم" :يتنزّل ربّنا تبارك وتعالى كلّ ليلةٍ إلى السماء الدنيا ،حين
يبقى ثلث الليل الخر ،يقول :من يدعوني فأستجيب له ،من يسألني فأعطيه ،من يستغفرني فأغفر
له"رواه البخاري.
-3المهمّة الثالثة:
أداء صلة الضحى ركعتين ،أو أربعا ،أو ثماني ركعات.
الفائدة المرجوّة :تؤدّي صدقةً عن كلّ مفصلٍ من مفاصل العظام.
الدليل :قوله صلى ال عليه وسلم" :يصبح على كلّ سُلمى من أحدكم صدقة ،فكلّ تسبيح ٍة
صدقة ،وكلّ تحميدةٍ صدقة ،وكلّ تهليلةٍ صدقة ،وكلّ تكبيرةٍ صدقة ،وأمرٌ بالمعروف صدقة ،ونهيٌ
عن المنكر صدقة ،ويجزئ من ذلك ،ركعتان يركعهما من الضحى"رواه مسلم ،وروى البخاريّ
جزءا منه.
-4المهمّة الرابعة:
قراءة سورة الملك.
الفائدة المرجوّة :تنجي من عذاب القبر.
غفِر
الدليل :قوله صلى ال عليه وسلم" :إنّ سورةً من القرآن ثلثون آية ،شفعت لرجلٍ حتى ُ
له ،وهي "تبارك الذي بيده الملك"" رواه الترمذيّ وأحمد ،وقال الترمذيّ :هذا حديثٌ حسن.
-5المهمّة الخامسة:
قول" :ل إله إل ال وحده ل شريك له ،له الملك وله الحمد ،وهو على كلّ شيءٍ قدير".
الفائدة المرجوّة :تعدل فكّ عشر رقاب ،وتُكتَب مائة حسنة ،وتمحو مائة سيّئة ،وتكون حرزا
من الشيطان.
الدليل :قوله صلى ال عليه وسلم" :من قال ل إله إل ال وحده ل شريك له ،له الملك وله
الحمد ،وهو على كلّ شيءٍ قدير ،في يومٍ مائة مرّة ،كانت له عدل عشر رقاب ،وكتبت له مائة
حسنة ،ومحيت عنه مائة سيّئة ،وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ،ولم يأت أحدٌ
بأفضل ممّا جاء به ،إل أحدٌ عمل أكثر من ذلك"رواه مسلم.
-6المهمّة السادسة:
الصلة على النبيّ محمّدٍ صلى ال عليه وسلم مائة مرّة.
الفائدة المرجوّة :براءةٌ من البخل ،وصلةٌ من ال.
ي صلةً صلّى ال عليه بها عشرا"رواه
الدليل :قوله صلى ال عليه وسلم" :فإنّه من صلّى عل ّ
مسلم.
وقوله" :البخيلُ الذي منْ ُذكِرت عنده فلم يصلّ عليّ"رواه الترمذيّ ،وقال :هذا حديثٌ حسنٌ
غريبٌ صحيح.
-7المهمّة السابعة:
قول" :سبحان ال وبحمده ،سبحان ال العظيم" مائة مرّة.
الفائدة المرجوّة :تُغرَس له في الجنّة مائة نخلة.
الدليل :قوله صلى ال عليه وسلم" :من قال سبحان ال العظيم وبحمده غُرِست له نخلةٌ في
الجنّة"رواه الترمذيّ ،وقال :حديثٌ حسنٌ غريب.
-8المهمّة الثامنة:
قول" :أستغفر ال" مائة مرّة.
الفائدة المرجوة :يفرّج ال كربه ،ويوسّع رزقه.
الدليل :قوله صلى ال عليه وسلم" :من لزم الستغفار جعل ال له من كلّ ضيقٍ مخرجا ،ومن
كلّ همّ فرجا ،ورَزَقه من حيث ل يحتسب"رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم بسندٍ صحيح.
فنسأل ال تعالى الهدى والسداد ،وآخر دعوانا أن الحمد ل ربّ العالمين.
وبإجابة الدكتور فتحي أكرمه ال تعالى الوافية الكافية ،أختم بالشارة إلى موضوعٍ تحدّثت فيه
كثيرا ،ويحسن الحديث فيه هنا في مقام زيادة اليمان ،ودعني أسمّيه المهمّة التاسعة ،وهو أنّ
ل ومعاملةٌ كذلك ،فعندما يقول اليمان في ديننا ليس صلةً وقراءة قرآنٍ فقط ،بل هو ممارس ٌة وفع ٌ
صلى ال عليه وسلم مثلً في الحديث الرائع حقّا" :تبسّمك في وجه أخيك صدق ٌة لك ،وأمرك
بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة ،وإرشادك الرجل في أرض الضللة لك صدقة ،وبصرك
للرجل الرديء البصر لك صدقة ،وإماطتك الحجر والشوكة والعظم عن الطريق لك صدقة،
وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة"رواه الترمذيّ ،وقال :حسنٌ غريب ،ورواه ابن حبّان في
صحيحه،
هل هذه الوامر والفضائل "المعاملتيّة" لمجرّد العلم ،أم هي للممارسة أيضا؟ وهل لها –إذا ما
طبّقناها -علقةٌ بزيادة اليمان في قلوبنا؟ ولو كانت ليست لها علقةٌ باليمان ،فمعذرة ،فما فائدتها؟
ولماذا وردت؟ ولماذا حثّ ديننا عليها وأمر بها؟
لقد أخبرنا رسولنا صلى ل عليه وسلم بعظم أجر هذه المعاملت حين قال" :بينما رجلٌ يمشي
بطريق ،وجد غصن شوك ،فأخذه ،فشكر ال له ،فغفر له"رواه أحمد والبخاريّ ومسلم وأبو داود
والترمذيّ.
علينا إذن أن نتقرّب إلى ال بالمعاملة كما تقرّبنا إليه بالطاعة ..بالتقان واللتزام في كلّ شيءٍ
في حياتنا صغر أم كبر ،يبدأ من التزام الكلمة وصولً إلى التزام العمل والطاعة والحياة ،لنجعل
س بقسوة القلب أو بالتراجع
حياتنا قرب ًة إلى ال تعالى ،في الطاعة وفي المعاملة ،وعندئذ لن نح ّ
اليمانيّ ،وصدق ربّنا سبحانه حين قال" :قل إنّ صلتي ونسكي ومحياي ومماتي ل ربّ العالمين،
ل شريك له وبذلك ُأمِرت وأنا أوّل المسلمين".
ومحياي :قال المام القرطبيّ في تفسيرها :أي ما أعمله في حياتي.
ل ما نقوم به في حياتنا من أعمال.
فالسلم إذن :صلةٌ ونسكٌ أي طاعةٌ وعبادة ،وك ّ
وهذه كلّها يجب أن تكون ل ربّ العالمين ،وبدونها ل يكون المسلم مسلما.
جزاك ال خيرا يا أخي الكريم ،وأتمنّى أن نكون أوفيناك الجابة ...المحرر.
برامج إيمانية
برنامج للتواصل الروحي ..يتجاوز الدود
السؤال:
بسم ال الرحمن الرحيم،
الخوة الكرام،
السلم عليكم ورحمة ال وبركاته،
انطلقا من الحرص على الترابط الرّوحيّ والتّقرّب من المولى تعالى ،كان هذا التفكير الدعو ّ
ي
البسيط ،لسيّما وإشراقات أرواحنا قد أجدبت ِلمَا تعانيه قلوبنا من ُن َكتٍ سوداء تمحقه.
الخوة الكرام؛
هذا التفكير يربط إخو ًة وأخواتٍ عبر دولٍ مختلفة ،فمن القدس وغزّة إلى مكّة المكرّمة ،وانتهاءً
إلى حيث أكون.
الخوة الكرام؛
وكما ذكرت هو تفكيرٌ بسيطٌ ل حول ول قوّة له ،أعلم أنّه يحتاج إلى تنقيحٍ أو إعادة تشكيلٍ كما
يقال ،ولذا طرقت بابكم ،وناشدتكم أل تهملوا فكرتنا.
الخوة الكرام،
أورد لكم بعض الشروحات المطلوبة:
-1بداي ًة في النقطة الولى المدوّنة أدناه ،وهي:
(تحديد الشيء الذي ل يمكن تركه ،ولبدّ من فعله ،ول يمضي يومٌ دون أن يت ّم فعله) ،ونعني
بهذه النقطة التصميم الراديّ ،فل يُقبِل النسان على هذا الفعل (مثل فتح النترنت ،الجلوس على
الكمبيوتر ،النوم )...إل بعد تلوة نصف الجزء.
-2يتمّ تقييم كلّ نقطةٍ بعد كلّ أسبوعٍ من تنفيذها ،حتى يتمّ القرار؛ إمّا بضرورة الستمرار
ل تلوة نصف جزء ،والدعاء عقب كلّ أسبوعا آخر بنفس النقطة ،أو النتقال إلى نقطةٍ أخرى ،فمث ً
صلةٍ في السبوع الوّل ،وبعد انتهاء السبوع الوّل ،يتمّ مراجعة الخوة في كيفيّة تطبيقهم ،فإن
ذكر أحدهم أنّه لم يطبّق كما يجب ،يُمدّد له أسبوعٌ آخر ،فإن تمادى ولم يطبّق كما يجب يعاقَب بأيّ
عقاب ،وقد يكون مثلً الصدقة أو استغفار 1000م ّر ٍة وهكذا ،...وفي حالة التطبيق الكفء يتمّ
النتقال إلى النقطة الثانية وهي (استغفارٌ 100مرةٍ صباحا ومساء) وهكذا.
الخوة الكرام،
نرجو منكم توجيهنا وإرشادنا في كيفيّة الستمرار ،علما بأنّي المسؤول عن هذا البرنامج ،فإن
كان لكم رأيٌ آخر أو أيّ تعديلٍ فما أروع ما تجودون به.
ملحظة :نحن الن في النقطة (تلوة سورة تبارك كلّ يومٍ) ولكن ليس الجميع ،الشياء
الممكنة ،تحديد الشيء الذي ل يمكن تركه ،ولبدّ من فعله ،ول يمضي يومٌ دون أنْ يت ّم فعله ،تلوة
ل صلةٍ ،استغفار 100مرةٍ نصف جز ٍء يوميّا قبل التيان بهذا الفعل (أساسيّ دائم) ،الدعاء عقب ك ّ
صباحا ومساء ،تلوة سورة تبارك كلّ يومٍ ،سبحان ال وبحمده سبحان ال العظيم 100مرةٍ فقط،
قراءة المعوّذات (الخلص ،الفلق ،النّاس) مرةً في الصباح ومرةً في المساء ،صلة سنّة الصبح،
صلة ركعتين سنّةً بعد صلة الظهر ،صلة ركعتين سنّةً بعد صلة المغرب ،صلة ركعتين سنّةً
بعد صلة العشاء ،تلوة سورة الواقعة 100 ،مر ٍة صلةً على النبيّ الكريم صلى ال عليه وسلم،
الوضوء قبل النوم ،صدقة (خلل هذا السبوع ولو دره ٌم واحدٌ فقط) ،ركعتا الضحى ،ركعتا الشفع،
ركعة الوتر ،سورة الدّخان 100 ،مرةٍ ل إله إل ال.
المستشار:
كمال المصري
الرد
أخي الكريم الذي لم يذكر لنا اسمه،
أجمل ما في برنامجك هذا هو الجماعيّة واستخدام وسائل التقنيّة الحديثة ،فهو برغم أنّ تنفيذه
فرديّ ،إل أنّه في مجمله ومتابعاته جماعيّ .كما أنّه برنامجٌ تجاوز المكان والزمان والحدود ،فأصبح
تطبيقه سهل ،والتواصل عبره يسيرا ،ل فرق في أيّ مكانٍ أنت ،أو كم فارق التوقيت بيني وبينك،
ل العمال المتعلّقة بهذا البرنامج. فببساطة ،يمكن عبر النترنت التواصل والمتابعة وممارسة ك ّ
هو في النهاية مشروعٌ رائد.
أمّا إن كان لي من ملحظات ،فل أكثر من مجرّد نصائح ،ألخّصها في التالي:
-عدم الكتفاء بالعمال العباديّة ،بل ربطها بالعمال الدنيويّة أو بـ"إيمان المعاملة" مثل
اليجابيّة ،وإعانة المحتاج والعاجز ،قضاء حاجة أخ ،التقان في العمل ،المشاركة في أعمال الخير،
إلى غير ذلك من أعمال "معاملتيّة" ،وما اقتراحي هذا إل كي تكتمل الصورة البديعة التي رسمتها
بإيمانك ،وكي نحقّق ديننا كما أنزله ربّنا سبحانه ..وهذه أهمّ نصائحي لكم.
-أتمنّى لو طوّرتم البرنامج ،أو لو استهدفتم في مراحل متقدّمةٍ منه أن يحوي كذلك القراءة
والثقافة والطّلع ،وتبادل الكتب المطبوعة من مكانٍ لخر حسب مكان طباعتها ،وكتابة البحاث
والدراسات ،ومتابعة الخبار وأحوال العالم ،وغير ذلك من الملَكات المهمّة والضروريّة لكلّ مسلم،
والمعلومات التي يجب أن يُلمّ بها طالما هو عائشٌ في هذا الكون.
-بما أنّه برنامجٌ تجاوز الحدود والعوائق ،فلنستفد منه في معرفة أحوال وثقافة مجتمعاتنا ،وفي
محاولت إعانة بعضنا بعضا ،وفي التواصل البنّاء والمفيد في كلّ المجالت ،حتى ولو كانت
مجالت تجار ٍة وعمل.
-لو استطعتم تقسيمه إلى أجزاء يناسب كلّ جزءٍ مرحلةً عمريّةً ما ،بحيث يكون شاملً لك ّ
ل
فئات المّة ،ول يقتصر على المستفيدين فقط ،بل يكون مرشدا للباء حيال أبنائهم ،وللمعلّمين تجاه
تلميذهم ،وللخوة نحو إخوانهم.
ت ل ظهرا
ن المنب ّ
-راعِ التدرّج في كلّ مراحلك وخطواتك ،وخذ الناس باليسر والناة ،فإ ّ
أبقى ،ول أرضا قطع.
-حاول أن تستفيد من خبرات من سبقك في هذه المجالت ،فل تؤسّس من جديدٍ لما تأسّس
سابقا ،وإنّما تبني عليه وتكمّل ،كما تؤسّس لمن سيأتي بعدك في ما لم يبنِ فيه أحد.
هذه -أخي -نصائحي إليك ،وأتمنّى لو شاركنا إخواننا الخبرة والنصيحة.
وأعلمنا بتطوّرات برنامجك علّنا نستطيع المشاركة فيه.
شكرا أيّها الرائد.
برامج إيمانية
خطوات الوصول إل الشوع ف الصلة
السؤال:
السلم عليكم ،أواجه مشكلةً في مسألة الخشوع في الصلة ،فكلّما دخلت في الصلة ،أنسى
نفسي ،وأفكّر في أشياء كثيرة.
بدأ هذه الحالة تحدث –غالبا -منذ زواجي ،فأنا أعاني من مشاكل كثيرةٍ بسبب زواجي،
أصبحت دائمة التفكير ،والحقيقة أنّ هذا المر يؤلمني بسبب إحساسي أنّي أصلّي بل خشوع ،أشعر
أنني أؤدّي الفرض وفقط ،حتى لقد فكّرت في بعض الحيان أن أنقطع عن الصلة حتى وأنا أؤدّيها،
لنّني أشعر أنّني ل أؤدّيها بالطريقة الصحيحة.
من فضلكم حاولوا مساعدتي في هذه المشكلة.
المستشار:
الرد
تقول الدكتورة عزّة لبيب من فريق الستشارات الدعويّة:
"أختي الفاضلة،
كثيرٌ من الناس يعاني من هذه المشكلة ،وهي عدم الخشوع في الصلة ،وغزو الخواطر
الدنيويّة لهم وهم واقفون بين يدي ال ،والكلّ يعرض شكواه متأثّرا متألّما.
ضعْف العباد ،فلم يجعل الخشوع
الخشوع ضروريّ في الصلة ،ومن رحمة ال أنّه اطّلع على َ
شرطا في صحّة الصلة ،وليس ركنا إن تركه بطلت ،فإذا حاول العبد الخشوع أو لم يحاوله فصلته
صحيحةٌ على الراجح من أقوال العلماء.
إنّ الخشوع ضروريّ ،وجديرٌ بالمسلم أن يحرص عليه ،وأن يأتي بأسبابه الموصلة إليه .وقد
عرّف المام ابن القيم" في مدارج السالكين" الخشوع بأنّه :قيام القلب بين يدي الربّ بالخضوع
والذلّ ،وإذا خشع القلب تبعه خشوع جميع الجوارح والعضاء؛ لنّها تابعةٌ له ،والخشوع محلّه
القلب.
وعادةً ما يحاول الشيطان أن يصرف النسان عن خشوعه في الصلة ب َمكْ ِرهِ وكيده ،فيلجأ إلى
الوسوسة ،ويحاول أن يحول بين المرء والصلة والقراءة ،فيلبسها عليه ،فإذا حصل شيءٌ من ذلك
فليستعذ العبد بال.
وثمرة الخشوع عظيمة ،ويجب أن نحرص عليها كلّ الحرص بالمجاهدة المستمرة ،ومنها:
تكفير الذنوب -تحصيل الثواب الذي أعدّه ال للطائعين الخاشعين من عباده -استجابة الدعاء في
الصلة -القيام بالواجبات والبُعد عن المحرمات ،فقد قال تعالى" :اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم
الصلة إنّ الصلة تنهى عن الفحشاء والمنكر" ،وعن عثمان بن عفان رضي ال عنه قال :قال
رسول ال صلى ال عليه وسلم" :ما من امرئٍ مسلمٍ تحضره صلةٌ مكتوبة ،فيُحسِن وضوءها
وخشوعها وركوعها إل كانت له كفّارةً من الذنوب ما لم تُؤتَ كبيرة ،وذلك الدهر كلّه"رواه مسلم.
أمّا ارتباط عدم الخشوع بالزواج ،فهذا أمرٌ طبيعيّ جدّا فل تنزعجي ،أنت حديثة الزواج ،وهذا
المر ربّما يؤدّي إلى مشاكل تحيطك من كلّ جانب ،للحياة الجديدة ،لكثرة المسؤوليّات ،وغير ذلك،
ل المشاكل أو الصعوبات التي تواجهينها. كلّ ما عليك هو أن تأخذي بالسباب ،ومحاولة ح ّ
وإليك الن بعض المور التي تُعين على الخشوع في الصلة:
- 1استحضار عظمة ال ملك الملوك ،وجبّار السماوات والرض ،الملك ،القدوس ،السلم،
المؤمن ،المهيمن ،العزيز ،الجبّار ،المتكبّر.
- 2استحضار تقصيرك ،وضعفك ،وحاجتك إلى ال كي يعينك على الخشوع.
- 3استحضار تفاهة الدنيا ،وأنّ البقاء فيها مهما طال إلى رحيل ،وأنّ متاعها متاع الغَرور،
وأنّنا صائرون إلى ال ليوفّينا أعمالنا.
- 4عدم الستعجال في أداء الصلة ،فالعجلة قد تؤدّي إلى ضياع بعض الخشوع ،فالصلة
تحتاج إلى نفسٍ مجتمعة ،وفكرٍ متدبّر ،وقلبٍ حاضر.
- 5الصلة في أوّل الوقت أَعْون على الخشوع ،كذلك إحسان الوضوء.
- 6أداء السنن الرواتب القبلية يوقظ القلب (أداء الرواتب والنوافل يسهّل الوصول إلى
الخشوع).
- 7تقليل الحركة في أثناء الصلة (إل لضرورة) ،فسكون الجوارح يعين على حضور القلب.
- 8استبعاد المشاغل كلّها في وقت الصلة ،كان أبو الدرداء يقول" :من فقه الرجل أن ينهي
حاجته قبل دخوله في الصلة؛ ليدخل في الصلة وقلبه فارغ" ،وعلينا أل نشغل أنفسنا بأمر الدنيا في
أثناء الصلة ،وأن نطرد الخواطر كلّما وردت ،وأن نستعيذ بال من الشيطان ووسوسته .وقد أوصانا
رسول ال صلى ال عليه وسلم أن نصلّي "صلة مودّع"رواه الطبرانيّ ورجاله ثقات.
- 9البعد عن النمطيّة والعتياد في الصلة ،وذلك يؤدّي إلى عدم التأثّر والتدبّر ،وعلج ذلك
بالوسائل التي تعين على الخشوع والوصول بال ،مثل:
-تدبّر معنى الذكار واليات التي قرئت في الصلة.
-قراءة الفاتحة وآياتٍ جديدةٍ غير التي قرئت في الصلوات السابقة.
-تدبّر ما يُقرَأ ،والموازنة بين حالنا وحال من يمرّ بنا ذكرهم في آيات القرآن من أهل الجنّة.
لنرى مدى تقصيرنا ،أو من يمرّ بنا ذكرهم من أهل النار وخصالهم التي تشبهنا ،وهذا يجعلنا
نراجع أنفسنا ،ونحسّ بالحاجة لمغفرة ال وعفوه سبحانه ،وربّما يؤدّي بنا ذلك إلى البكاء ،وهو من
الخشوع.
- 10العمل على الزدياد من العلم الشرع ّ
ي ومعرفة ال تعالى ،ومحبّته ،والخوف منه،
ورجاء رحمته ،والثقة بما عنده ،كلّ ذلك يؤدّي إلى الوصول إلى الخشوع في الصلة.
- 11التوبة إلى ال من الذنوب ،وتجديد هذه التوبة م ّرةً بعد مرّة.
- 12الكثار من قراءة القرآن ،وذكر ال ،والكثار من ذكر الموت ،ومحاسبة النفس ،والبعد
عن الرياء كذلك.
وهناك حقيقةٌ إسلميّ ٌة مقرّرة ،وهي أنّ ال ل يكلّفنا ما ل نطيق ،قال سبحانه" :ل ُيكَّلفُ ال َنفْسا
إل وُسْعها" ،فعلينا أن نسعى جهدنا إلى الخشوع في الصلة ،ولنجاهد وساوس الشيطان ،ونطلب من
ال العون والمساعدة.
وأنبّه أخيرا إلى عدم تركك للصلة أو الخروج منها أيّا كانت السباب ،وذلك لسببين:
السبب الوّل :أنّها أوّل ما يُسأل عنه العبد يوم القيامة ،وأنت بالطبع ل تريدين أن تكون إجابتك
سلبيّة ،قد تقولين" :ولكنّها صلةٌ بل فائدة" ،فأقول :حتى وإن كانت صلتك بل خضوع ،فهي في هذه
الحالة ناقصة ،ولكنّها ليست معدومة ،والعقل والمنطق يقول أنّ من فعل شيئا ناقصا فعليه استكمال
نقصه ل تركه تماما ،أليس كذلك؟
السبب الثاني :تركك للصلة هو اعترافٌ منك بالهزيمة ،وتسليم أمرك للشيطان ،وهذا ما ل
يقبله عاقل ،فالواجب الستكمال مع محاولة سدّ العجز والنقص ،وعدم التسليم للعدوّ ،أليس كذلك
أيضا؟
وأذكر هنا كلما طيّبا للستاذ الشيخ علي الطنطاوي رحمه ال تعالى ،فقد قال" :فلمّا انتهيت من
صلتي قال لي "أي الشيطان" :ما هذه الصلة؟! أين هذه الصلة من صلة الخاشعين؟ إنّ الصلة إذا
لم تكن على وجهها كان وجودها كعدمها.
فأدركت أنّ هذه حيلةٌ من حِيَل الشيطان طالما أضاع على كثيرٍ من المسلمين صلتهم بها.
يقول لهم" :ليست الصلة ركوعا وتلوةً وذكرا ،ولكنّ الصلة الحقّ هي التي تنهي عن الفحشاء
والمنكر ،فل يأتي المرء معها معصيةً ول ذنبا ،والتي يقف منها بين يدي موله ل يفكّر في شيءٍ
قطّ من أمور الدنيا".
فلمّا استق ّر ذلك في نفوس طائفةٍ من الناس ورأوا أنّهم ل يقدرون عليه ،قالوا :إذا لم تكن
صلتنا صلة ،ولم نقدر على خيرٍ منها ،فما لنا نتعب أنفسنا بالركوع والسجود في غير ثواب؟
وتركوا الصلة جملة.
فكان لبليس ما أراد ،مع أنّ ال ل يكلّف نفسا إل وسعها ،وليس على المصلّي إل أن يخشع ما
استطاع ،وأقلّ درجات الخشوع أن يدرك معاني ما ينطق به ،وكلّما عرض له عارضٌ من الذكار
الدنيويّة التي ل يخلو منها ذهن مصلّ ذكر أنّه بين يدي ال ،وأنّ ال أكبر منها ،فطردها بقوله "ال
أكبر" ،يفعلها كلّما قام أو ركع أو سجد".
فاعلمي يا أختي أنّ المبالغة في هذا الموضوع وأمثاله تؤدّي إلى تضييع الواجبات ،وهذا يؤدّي
إلى الوقوع في المحرّمات.
هدانا ال وإيّاك إلى الخشوع واليمان ،وداومي الحديث إلينا".
برامج إيمانية
حديث ف الصحبة
السؤال:
السلم عليكم،
استشارتي ربّما تبدو غريبةً بعض الشيء ،وهي ليست باستشارة ،وإنّما -ربّما -رجاءٌ وأمنية..
فأنا طبيبة ،قارئةٌ جيّدةٌ للكتب الدينيّة ،أكتب الشعر ..كلّ مشكلتي تتلخّص في الصحبة الصالحة
والعالمة في نفس الوقت ..فالنساء للسف -ولست أنزّه نفسي -يُضيّعن الوقت في أشياء ليست من
صميم اهتماماتي.
لذا ل أجد من تأخذ بيدي ،وتساعدني ،ونتعلّم سويّا ..وكما قال رسول ال صلى ال عليه وسلم:
"إنّما يأكل الذئب من الغنم القاصية"رواه أبو داود بإسنادٍ حسن ،فالصحبة -إذن -مهمّةٌ حتى ل
نضلّ ،وحتى ل تأخذنا دوائر الحياة المُفرَغة بعيدا عن الصراط المستقيم.
بال عليكم أين أجد هذه الصحبة؟؟؟
جزاكم ال خيرا.
المستشار:
الرد
يقول الستاذ أحمد سعد من قسم الفتوى بالموقع:
"الخت الفاضلة الدكتورة حنان،
ق نقول :أ ّنكِ قد سألت عن عظيم ينمّ عن الخير الذي تتفجّر
ما أسعد قلوبنا بتلقّي رسالتك ،والح ّ
ينابيعه داخل قلبك.
أختنا الفاضلة،
إنّ صاحب الخير يجد بداخله ما يحمله على تلمّس مواطنه ،واقتفاء أثره ،فيجد خيره يقوده إلى
خير ،وصلحه يقوده إلى صلح ،وهذه الرغبة الصادقة منك في تلمّس صحبةٍ طاهرةٍ تدلّ على
مدى الصلح الذي يفيض به قلبك .إنّ الصديق الصالح -حقيقةُ -يعِين النسان على الخير ويدفعه
إليه دفعا ،ورحم ال الحسن البصريّ الذي قال" :إخواننا أحبّ إلينا من أهلينا وبنينا ،فإخواننا
يذكّروننا بال ،وأهلونا يذكّروننا بالدنيا" ،ولقد بلغ من حرص المسلمين الوائل على صحبةٍ صالح ٍة
أن قالوا" :اختر الرفيق قبل الطريق" ،وقبلهم قال نبيّنا صلى ال عليه وسلم" :المرء على دين خليله،
فلينظر أحدكم من يخالل"رواه أبو داود والترمذيّ بسندٍ صحيح.
ل العيوب ،فإذا رضيَ منه خلقا،بيد أنّ من الصعوبة بمكانٍ أن يجد المرء صديقا خالصا من ك ّ
لبدّ أن يجد خُلقا أخر ل يرضاه ،والحسن من غلبت حسناته ،والصالح من صَالَح الخير ،والناجح
من نجح في قيادة نفسه إلى الهدى.
ش َعثٍ أيّ الرجال المهذّب؟
ولست بمستبقٍ أخا ل تلمّه .......على َ
وقبله قال آخر:
ت في كلّ المور مُعـاتِبا .......صـديقك لم تلـقَ الـذي ل تُعاتِبهْ
إذا كن َ
فعِش واحدا أو صِل أخـاك فإنّه .......مُـقارِف ذنـبٍ مـ ّر ًة ومُجانِبـهْ
ومن ذا الذي تُرضَى سجاياه كلّها .......كفى المرءَ نُبـلً أن تُعدّ معايبـهْ
وبعد أيّتها الخت الفاضلة حنان،
إن كرهت من هؤلء النسوة كثرة الكلم ،فلبدّ من خيرٍ لن تُعدَميه فيهنّ ،ولبدّ من جانبٍ
مضيءٍ يمكنك أن تلتمسيه ،فل يُعدَم الخير في إنسانٍ أبدا ،ول يُعدَم الصلح في إنسانٍ على الدوام.
ويمكنك أن تجدي تلك الصحبة الطاهرة بين جنبات المسجد في رحاب ال حيث تنشر الملئكة
أجنحتها ،وحيث الخير كلّه ،فهناك الجباه الساجدة ..والقلوب المطمئنّة.
عمُرت قلوبهم باليقين ،فإن عرفت طريق المسجدفي تلك المساجد تجدين صحبةً طاهرةً ممّن َ
عرفت طريقهم ،وإن سرت إليه صرت إليهم ..وصرتم في الجنّة بعملكم إن شاء ال.
ب ويرضى ،ول تنسنا من صالح
وفقك ال إلى الخير -أختنا الفاضلة ،-وهدانا وإيّاك لما يح ّ
الدعوات".
ويضيف الستاذ هاني محمود من فريق الستشارات:
"أختي الكريمة الدكتورة حنان،
ك في هذه الروح المُحلّقة
جزاك ال خيرا على هذه المشاعر الفيّاضة ،وأسأل ال أن يبارك ل ِ
طالب ًة المعالي ،وأن يرزقك ما تأملينه من الصحبة التي تعينك في أمر ال.
ولكن عندي أمورٌ –أختي -أريد أن أُحدّثك فيها ،ولنجمل كلمنا في هذه النقاط:
-أمرٌ ط ّيبٌ جدّا أن يبحث النسان عمّن يرافقه في طريق ال ..فإن ذكر ال أعانه ،وإن نسي
ذكّره ،بل إنّه من مطلوبات الدين ،وكما ذكرتِ حديث رسول ال صلى ال عليه وسلم" :إنّما يأكل
الذئب من الغنم القاصية"رواه أبو داود بإسنادٍ حسن.
فل تتخلّي عن هذا المطلب ،ولو بعذر "أنّك ل تجدين من يصلح".
-أمرٌ أظنّ أنّك تتّفقين معي فيه ،وهو أنّ النموذج البشريّ الكامل قد انتهى بموت رسول ال
صلى ال عليه وسلم ،وكلّ الناس بعده يتفاوتون قُربا أو بُعدا عن هذا الكمال ،وكما قيل قديما:
من ذا الذي ما ساء قط .......ومن له الحسنى فقط
وما ذكره الستاذ أحمد من أبيات "النابغة" منذ قليل:
ومن ذا الذي تُرضَى سجاياه كلّها .......كفى المرءَ نُبـلً أن تُعدّ معايبـهْ
-أمرٌ أرى أيضا أنّنا غالبا سنتّفق عليه ،وهو أنّ الصل في البشر أنّهم قابلون للهدى ،ولكن
شريطة أن يأخذ أحدٌ بأيديهم إلى النور برفقٍ ومحبّة ،ول يسعني –إن أردت أن أعبّر عن هذه
النقطة -إل أن أنقل إليك هذه الكلمات الرقيقات المعبّرات ،لستاذنا سيّد قطب رحمه ال ،من
خواطره "أفراح الروح" ،يقول:
"عندما نلمس الجانب الطيّب في نفوس الناس ،نجد أنّ هناك خيرا كثيرا قد ل تراه العيون أوّل
وهلة!".
ب والعطف والخير نُعفِي أنفسنا من أعبا ٍء ومشقّاتٍ ويقول" :عندما تنمو في نفوسنا بذور الح ّ
كثيرة ،إنّنا لن نكون في حاجةٍ إلى أن نتملّق الخرين ..لنّنا سنكون يومئذٍ صادقين مخلصين إذ
نُزجِي إليهم الثناء ..إنّنا سنكشف في نفوسهم عن كنوزٍ من الخير ،وسنجد لهم مزايا طيّبةً نُثنِي عليها
حين نُثنِي ونحن صادقون ..ولن يُعدَم إنسانٌ ناحيةً خيّر ًة أو مِزيَةً حسنةً تؤهّله لكلمةٍ طيّبة ..ولكنّنا
ل نطّلع عليها ول نراها إل حين تنمو في نفوسنا بذرة الحبّ..
كذلك لن نكون في حاجةٍ لن نُحمّل أنفسنا مؤونة التضايق منهم ،ول حتى مؤونة الصبر على
أخطائهم وحماقاتهم ،لنّنا سنعطف على مواضع الضعف والنقص ،ولن نفتّش عليها لنراها ..يوم
تنمو في نفوسنا بذرة الحبّ!
وبطبيعة الحال لن نُجشّم أنفسنا عناء الحقد عليهم أو عبء الحذر منهم ،فإنّما نحقد على الخرين لنّ
بذرة الخير لم تن ُم في نفوسنا نموّا كافيا ،ونتخوّف منهم لنّ عنصر الثقة في الخير ينقصنا! ..كم
نمنح أنفسنا من الطمأنينة والراحة والسعادة ..حين نمنح الخرين عطفنا وحبّنا وثقتنا ..يوم تنمو في
نفوسنا بذرة الحبّ والعطف والخير!".
أختاه،
هذه رؤيتي أجملها لك في هذه النقاط:
* ابحثي عن أفضل "من حولك" من المحيطات بك ،ويقيني أ ّنكِ ستجدين فيهنّ من تصلح أن
تصيبي من صحبتها خيرا ،وإن لم يكن كلّ الخير الذي تنشدين ،فجيّدٌ أن نطلب الفضل ..ولكن
يجب أن نعرف أل أفضليّة مطلقة..
* امنحيهم حبّك الصادق ..واعلمي أنّ الحبّ الصادق يُحتّم عليك أن تأخذي بأيديهنّ إلى الخير
الذي لمستِهِ في معرفة ال ،فإذا لم يكن فيهنّ من تعينك ،فاجتهدي أنت أن ُتعِينيهنّ ،وتأخذي بأيديهنّ
إلى طريق ال ،فكوني مصدر العطاء ..وكوني أنت الرائدة:
اجتمعي معهنّ على قراءة القرآن..
أو على حضور درس علمٍ لحد العلماء..
أو إذا اجتمعتنّ في زيارةٍ اقترحي عليهنّ تخصيص جز ٍء من وقت هذه الزيارة للقراءة في
كتابٍ من الكتب المفيدة..
حاولي توجيه أحاديثهنّ إلى الموضوعات المفيدة والمهمّة.
* لديك من المواهب –بفضل ال -ما يفتح لك أبواب الخير الكثير ،وما يمكنك توظيفه بشكلٍ
مُثمِرٍ في توفير صحبتك التي تبغين ،بل والقيام بمهمّة الدعوة إلى ال تعالى ،فأتمنّى أن تجتهدي في
ت و ِنعَم.
ك ال من ملكا ٍ
نشر الخير حولكِ بما آتا ِ
ول تكتفي أبدا "بطرق البواب" ،بل افتحي ..وادخلي ..وتقدّمي ..رائدةً لمن حولك ،فإذا فتحت
فإنّ فتح ال لك قريبٌ بإذن ال تعالى.
ن موقعك الشعريّ بدايةً طيّبة ،وأتمنّى أن تتوسّعي فيه ،وأن تُنوّعي ..ف ُتفِيدي وتنفعي
وأرى أ ّ
أكثر وأكثر إن شاء ال.
برامج إيمانية
"ف الصحبة" ..الرء على دين خليله
السؤال:
السلم عليكم؛
أوجّه سؤالي إلى فضيلة الدكتور /فتحي يكن؛
قرأت للشيخ /عبد السلم ياسين وأعجبتني كتاباته ،وهو يركّز على ضرورة الصحبة ،ويعتبرها
مفصلً أساسيّا في التزكية أو التربية ،فما هي حقيقة الصحبة؟ وكيف نستفيد منها في تربية أنفسنا؟
أرجو التفصيل .وجزاكم ال خيرا.
المستشار:
الرد
أخي الكريم الحسين رعاك ال ووفقك ِلمَا يحبّه ويرضاه،
ل أكون مبالغا إذا قلت أنّ "الصحبة" من المؤثّرات الساسيّة والهامّة في تكوين الشخصيّة ورسم
معالم الطريق ..فإن كانت صحبة أخيارٍ أفاضت على الصحاب كلّ خير ،وإن كانت صحبة أشرار
–والعياذ بال تعالى– فمن المحتوم أنّها ستترك بصمات الشرّ في حياة هؤلء جميعا.
ي صلى ال عليه وليس أدلّ على ذلك ممّا رواه أبو موسى الشعريّ رضي ال عنه ،عن النب ّ
وسلم قال" :مثل الجليس الصالح والسوء ،كحامل المسك ونافخ الكير ،فحامل المسك إمّا أنْ يُحذيَك،
وإمّا أنْ تبتاع منه ،وإمّا أن تجد منه ريحا طيّبة ،ونافخ الكير إمّا أن يُحرق ثيابك ،وإمّا أن تجد ريحا
خبيثة"رواه البخاري.
ولهمّيّة الصحبة أو العشرة أو الخوّة ،فقد اختصّها رسولنا صلى ال عليه وسلم بكثيرٍ من
أحاديثه الشريفة التي ورد ذكرها في كلّ كتب ومصنّفات الحديث والسنّة النبويّتين ،كما أفرد لها
علماء السلف والخلف المؤلّفات والكتب ،تأكيدا على أهمّيّتها في عمليّة الهدم والبناء ،وفي المثال:
"قل لي من تعاشر أقل لك من أنت".
حضّ رسولنا على حسن اختيار الخلّن
وللهمّيّة التي يلعبها الخليل في حياة المرء ،فقد دعا رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى حسن
الختيار ،حيث قال" :المرء على دين خليله ،فلينظر أحدكم من يخالل"رواه أبو داود والترمذيّ ،بسندٍ
حسن.
تأكيدٌ نبويّ على مصاحبة الخيار
ي آخر للصفات التي يجب توافرها في العشير ،يقول رسول ال صلى ال عليه وفي تحديدٍ نبو ّ
وسلم" :ل تصاحب إل مؤمنا ،ول يأكل طعامك إل تقيّ"رواه أحمد وأبو داود والترمذيّ ،بسندٍ
صحيح.
الصحبة كالبيئة
والصحبة كالبيئة ،إمّا أن تكون ملوّثةً أو تكون نظيفة ..فمن عاش في بيئ ٍة ملوّثةٍ ناله نصيبٌ
وافرٌ من المراض والوبئة المهلكة ،أمّا من حرص على العيش في بيئةٍ نظيفةٍ فسيبقى في منأى
عن كلّ ذلك ،والغريب أن يختار النسان ما يهلكه ويشقيه ،وصدق أنسٌ رضي ال عنه حيث يقول:
ع ّدةٌ في البلء" ،وقال رجلٌ لداود
"عليك بإخوان الصدق ،فعش في أكنافهم ،فإنّهم زينةٌ في الرخاء ،و ُ
الطائيّ :أوصني؟ قال" :اصحب أهل التقوى ،فإنّهم أيسر أهل الدنيا عليك مؤونة ،وأكثرهم لك
معونة".
الصاحب مرآة النفس
والصاحب أشبه ما يكون بمرآة النفس ،تكشف محاسنها ومساوءها ،قبحها وجمالها ،وبقدر ما
تكون نظيفةً صافيةً بقدر ما تعكس صورة صاحبها نقيّةً من غير غشّ أو "رتوش" مصداقا لقوله
صلى ال عليه وسلم" :المؤمن مرآة المؤمن ،والمؤمن أخو المؤمن ،يكفّ عليه ضيعته ،ويحوطه من
ورائه"رواه البخاري.
الصحبة الصالحة صمام أمان
والصحبة الصالحة صمام أمان المتصاحبين ،يعين بعضهم بعضا على شؤون الدنيا والدين،
فعن مالك بن دينار أنّه قال لختنه (أي صهره) :يا مغيرة ،انظر كلّ أخٍ لك ،وصاحبٍ لك ،وصديقٍ
لك ،ل تستفيد في دينك منه خيرا ،فانبذ عنك صحبته ،فإنّما ذلك لك عدوّ ،يا مغيرة ،الناس أشكال:
الحَمام مع الحَمام ،والغراب مع الغراب ،والصّعر -العصفور الصغير -مع الصّعر ،وكلّ مع شكله".
أخي الكريم الحسين،
هذا غيضٌ من فيضٍ ممّا جاء وورد و ُنقِل عن فضل وأثر وقيمة الصحبة الصالحة ،وتضيق
الصفحات والكتب عن إعطاء هذا الموضوع الهامّ حقّه ،إنّما هي عيّنةٌ قدّمتها بين يدي سؤالك ،وما
كتبه الخ العالم المجاهد عبد السلم ياسين -قوّاه ال وحفظه -إنّما يقع ضمن هذه الدائرة ،والرجل
عندنا من العدول في هذا العصر.
وأختم كلمي إليك بمختاراتٍ من الشعر لتأكيد أهميّة وقيمة الصحبة:
فعن سفيان الثوريّ قوله:
ن أمــورهم وتفقّدِ
ابلُ الرجال إذا أردت إخاءهم .......وتوسـَـم ّ
فإذا وجدت أخا المانة والتّقى .......فبه اليدين –قرير عينٍ– فاشددِ
ودع التذلّل والتخشّـع تبتـغي .......قرب امرئٍ إن تدنُ منه تُبعَدِ
وقال أحد الشعراء:
ما ذاقت النفس على شهوةٍ .......ألذّ من حبّ صديقٍ أمينِ
حقّ يقينِ
من فاتـه ودّ أخٍ صـالحٍ .......فذلك المغبـون َ
هيّأ ال لك أيّها الكريم صحبةً صالحة ،وصرف عنّا وعنك أصحاب السوء ،وهيّأ لنا من أمرنا
رشَدا.
ومع خالص تحيّاتي لك وللستاذ عبد السلم ياسين.
برامج إيمانية
مشروع دعوي لحياء الخوة
السؤال:
السلم عليكم ورحمة ال وبركاته ،أود أن أعرض عليكم مشروعًا دعويّا أعتقد أنه على درجة
رهيبة من الهمية :نَشْر الُخوّة في ال.
وأنا هنا ل أتكلم عن نشر هذه الخوة بالمواعظ الجافة ،فمثلً كل مساجد مصر عليها حديث:
(ل يؤمن أحدكم حتى يحب لخيه ما يحب لنفسه) ،والواقع الفعلي أن الناس ل يتجاوبون مع هذا
الحديث ،برغم أنه كلم سيد الخلق صلى ال عليه وسلم ،والسبب في ذلك أن الناس يريدون من
يخاطبهم بأسلوب عمليّ يحل لهم مشكلتهم ،ل بأسلوب نظريّ يفرض عليهم أمورًا ثقيلةً جدّا عليهم.
لذلك أدعو كل المسلمين في كل بقاع الرض إلى عمل استقصاءات في كل الحياء عن
المشكلت المادية القائمة فيما بين كثير من الخوة (كل أخ في حيه) :سواء كانوا شركاء فيما بينهم،
أو جيران ،أو إخوة لب واحد ،أو موظفين يتقاتلون على علوات ،أو أي شيءٍ من هذا القبيل ،ففقه
الواقع يؤكد أن هذه المشكلت قد تفاقمت بشكل رهيب حاليّا بسبب النهيار القتصادي الذي تعاني
منه المة وشبح الحرب المتسلط عليها ،ول وسيلة لنشر الخوة في ال إل عن طريق الغنياء الذين
يقومون طواعية بحل هذه المشكلت ،وهم راغبون فيما عند ال من الثواب في الخرة ،وكذلك فيما
عنده سبحانه من النصر في الدنيا ،فمن الواضح أنه قد أزفت الحرب الشاملة !!.
فهناك فارق جبار بين أن أقوم أنا بالصلح بين الناس (التقليدي الروتيني) ،بمعنى أن أقول
لهم( :أحبوا بعضكم) ،و(الدم لن يكون مياهًا) ،وما إلى ذلك ،وبين أن أقدم شيئًا فعليّا طواعية لثبت
أني فعلً وحقّا موقن بأن الخوة في ال تستحق كل تضحية (فلكل قول دليل!!).
ونحن كدعاة منذ سنين نحاول توحيد المة ،ولكن كثيرًا من الدعاة قد أغفلوا أن التوحيد يتم
بدءًا من السرة والحيّ ،بمعنى أن كل إنسان ينبغي أن يكون أخًا لجاره وصديقه وزميله في العمل
وزميله في قضاء المصالح (في المصالح الحكومية) ،ومنافسه في مهنته أو تجارته.
ي وفي كل منطقة ،ستنتقل إلى المدينة ،ثم إلى الدولة ،ثم
إذا حدثت فعلً هذه الخوة في كل ح ّ
إلى مجموعة الدول السلمية ،ثم إلى كل المسلمين في كل بقاع الرض ،هذه هي -في رأيي -
الطريقة الناجعة فعلً في تثبيت الخوة في ال ،وأعتقد أن الخوة في ال هي أول خطوة على
الطلق في بناء أمة إسلمية حقيقية ،كما تشهد بذلك قصص السيرة النبوية الشريفة والصحابة
الكرام.
وإليكم مجموعة اقتراحات أخرى في هذا الصدد:
-كل أخ يسير في طرق مزدحمة عليه أن يبطئ قليلً ،كي يكثر من السلم على الناس ،ويا
حبذا لو تكون صيغة السلم تعكس تعصب النسان للسلم وللخوة في ال ،بمعنى" :السلم عليكم
ورحمة ال وبركاته يا أخي" ،على سبيل المثال ،ففي هذا تثبيت كذلك للعقيدة ،ولعدم الخوف من
أنصار الكفر ،الذين صار لهم صوت في كل مكان.
-تخصيص جزء من كل خطبة أو ندوة أو محاضرة أو درس في أي مكان من الرض لهذا
الموضوع( :أخوّتنا هي طوق نجاتنا الول!!).
-بالنسبة للجماعات الدعوية ،يُلزَم الخ الذي في جماعة ما بأن يخرج بنفسه مع جماعة أخرى
(طالما أن أسلوبها الدعوي ليس حرامًا بإجماع علماء المة كلهم) ،حتى ولو لم يكن الخ مقتنعًا بهذا
السلوب ،وذلك لتثبيت مبدأ هام جدّا ،هو أن الخوة في ال أعلى 700مرة من اختلف الرأي (وفقًا
لسيرة الصحابة وكبار علماء السلم) ،ويا حبذا لو يفعل كل أخ في جماعة هذا المر مع كل
الجماعات الخرى( ،طالما أنها ل ترتكب في أسلوب دعوتها منكرًا أجمع عليه علماء المة).
-في المساجد :أن يُنشَر في أوضح مكان من باب المسجد الخارجي ،لفتات وبوسترات بهذا
المعنى (طبعا باللغة الدراجة لكل حيّ ،وليس فقط باللغة الفصحى) ،ويا حبذا لو تتضمن هذه اللفتات
حكايات عن أناس من هذا الزمن (ويا حبذا من نفس الحي أو المدينة أو الدولة) يقومون فعليّا
بالصلح بين الناس ،ويتحملون في سبيل ذلك المشاق والمبالغ المالية والساءات( ،ومن المثلة
على هؤلء الناس :في مصر :فضيلة الداعية والعالم الكبير الدكتور /عمر عبد الكافي شحاتة ،قبل
أن يُنفَى إلى ألمانيا ،جعله ال ذخرا لمة السلم) ،ويضاف إلى هذه السير سير أناس قاموا بذلك
على فترات تاريخية متفاوتة( ،مثلً :عثمان بن عفان ،ثم أناس من التابعين ،ثم أناس من القرن
الخامس الهجري ،ثم العاشر ،وهكذا.)..
لمّيين) في كل مكان إلى مخطط "المبراطورية المريكية" القائمة -تنبيه الناس (خصوصًا ا ُ
بالتحالف مع كل من إسرائيل والصين ،فقد صار هذا المخطط فعلً حقيقة ل يتجاهلها عاقل ،في
الوقت الذي ل يعلم عنه أغلب الميين أي شيء!!!.
-أي اقتراحات أخرى يقترحها أي إنسان -كبيرًا كان أم صغيرًا -للعودة مرة أخرى إلى
الخوة الحقّة في ال ،وهي التي جعلت هذه المة عبر العصور تقف في وجه العداء ،فإذا كنت أنا
مستعدّا لن أموت كي يعيش أخي ،فكيف يفرق بيننا أحدٌ مهما امتلك من أساليب الغراء أو
التنكيل؟!!!
ملحظة :بالطبع ليس هذا هو السلوب الوحد لمواجهة كيد الكفار للسلم ،ولكنني موقن أنه
أهم الساليب على الطلق.
المستشار:
كمال المصري
الرد
أخي الكريم محمد،
أشكرك على فاعليتك وإيجابيتك ،وتفكيرك في أمتك ،في زمنٍ غدا مبدأ معظم أهله "اللهم نفسي ،اللهم
نفسي" ،فبارك ال تعالى فيك.
أخي محمد،
ليس لدي أي اعتراضٍ على فكرة مشروعك الدعوي الذي طرحته ،مع اختلفي معك في بعض
ف تفصيلي ،وسألتفت لما هو أهم ،وما
تفاصيله الداخلية ،ولكني لن أتطرق لهذا الخلف؛ لنه خل ٌ
هو أهم – من وجهة نظري – هو في 4نقاطٍ مما طرحتَ:
-النقطة الولى :قيمة الخوة.
-النقطة الثانية :الخوة الفعل.
-النقطة الثالثة :حديث الجماعات.
-النقطة الرابعة :ما علينا هو علينا.
النقطة الولى :قيمة الخوة:
أوافقك الرأي في أن الخوة في ال تعالى معنى عظيم ومهم جدّا ،وقيمة غالية نفيسة لو أتقنتها
أمتنا لما صرنا إلى ما صرنا إليه.
لو أدركنا كمّ النعمة التي أنعم ال تعالى بها علينا حين أعطانا "الخوة في ال تعالى" لكنا
عضضنا عليها بالنواجذ والصابع واليدي والرجل ،ولما تركناها تفلت من أيدينا أو تبعد عنا قيد
أنملة ،ولكننا جهلنا قيمتها ،وعجزنا عن أداء حقها ،ففقدناها ،وفقدنا معها كل ما من شأنه أن يرفعنا
ويعزنا .إن الخوة الحقة هي مفتاح ريادتنا لو كنا نعلم.
النقطة الثانية :الخوة الفعل:
استتباعًا للنقطة السابقة ،عليّ التأكيد على أن الخوة ليست قولً أو لفظًا ،الخوة الحقة هي
الخوة الفعل ،أن تتحول علقتنا ومشاعرنا إلى فعلٍ نقدّمه لمة السلم ومجتمع المسلمين ،أن
نترجم حبنا للمسلمين إلى شيءٍ نقدّمه لهم ،نقدّمه من باب الواجب ل من باب الفضل ،وكاذبٌ من
يدّعي الخوة وهو لم يحقق ما تتطلبه من واجبات.
إننا حين نغيث الملهوف ،ونقوي الضعيف ،ونهدي الضالّ ،ونتداعى إذا اشتكى منا عضوٌ
حمّى له ،ونتعاون على البر والتقوى ،ونأمر بالمعروف ،وننهى عن المنكر ،ونقوم بكل ما بالسهر وال ُ
افترضه ال علينا من حقوق الخوة ،حينها نستطيع أن نعلن أننا حققنا الخوة في ال تعالى ،بعيدًا
ص الكلمات.
ص الفعال ل ترا ّعن اللفاظ المنمقة والكلمات المزينة .الخوة الحقة هي ترا ّ
النقطة الثالثة :حديث الجماعات:
تطرقنا كثيرًا لموضوع تعاون الجماعات وتقاربهم وتراحمهم ،وشددنا كثيرًا على ضرورة
ارتباط الفراد بعضهم ببعض برابط الخوة بعيدًا عن النتماءات المقيتة ،وأكدنا مرارًا على أن
انتماء شخصٍ ما لجماعةٍ أو تجمعٍ ما ل يعني أبدًا أن يقطع كل وشائج الخوة في ال تعالى مع غير
المنتمين إلى جماعته أو تجمعه ،وكررنا الدعوة للتعاون بين هذه الجماعات والتجمعات وفق مظلة
السلم الواسعة الشاملة ،مع احتفاظ كل طرفٍ بما يراه أنه الحق ،ودون أن تحمل النفوس ضغينةً
من أخٍ مسلمٍ لخيه المسلم ،لمجرد أنه خالفه في الرأي أو في الفكر أو في الجتهاد الفقهيّ أو
الدعويّ ،فليتعاون الجميع على البر والتقوى ما دام الجميع غايته ال تعالى.
-سلفي ،أم إخواني ،أم . ..؟؟؟ السؤال الخطأ
النقطة الرابعة :ما علينا هو علينا:
أكثرتَ يا أخي محمد الحديث عن "الحرب الشاملة" ،و"المبراطورية المريكية" ،وعن
التحالفات هنا وهناك ،وقد أتفق معك في معظم ما قلت ،وقد أختلف في بعضه ،لكن ليس هذا ما
يعنيني ،ما يعنيني هو أن نفهم أن ما علينا هو علينا ،بصرف النظر عن وجود مؤامراتٍ وحروبٍ
شاملةٍ أو عدم وجودها.
إن ما هو واجبٌ علينا ،علينا أن نقوم به على الوجه الحسن؛ لن المر ببساط ٍة "فرضٌ" علينا ،لو
قامت الدنيا أو نامت ،سيبقى فرضًا علينا ،وسنحاسب عليه إن لم نقم به حق القيام.
أخي محمد،
أوافقك على ضرورة أن تتحول أفكارنا وبرامجنا إلى برامج عملية حقيقية وواقعية وتلمس
حاجة الناس ،وأذكّر بالواجب الذي مفروضٌ علينا ،فلنقم به حتى نُعفَى من السؤال عنه يوم نلقى ربنا
سبحانه.
شكرًا لك ..وأهلً بك.
برامج إيمانية
عند فساد الخوة ..ابث عن العظمة القيقية
السؤال:
الخوة الفاضل ،تحيّةٌ ربّانيّةٌ مباركة ،فالسلم عليكم ورحمة ال وبركاته،
أريد أهنّئكم على هذا الجهد الطيّب الذي يتسنّى لنا نحن من نخوض بداية الطريق من خلله أن
نوفّر على أنفسنا الوقوع في كثير من الخطاء وإضاعة أوقاتنا التي نحن في أمسّ الحاجة لها في
هذا الزمن ،عبر إعطائنا الفرصة للطّلع على تجارب إخوةٍ لنا سبقونا علما وعمل ،وبارك ال
فيكم وفي كلّ من بذل جهدا -ولو بسيطا -في رفع راية الحقّ في زمان تكالبت فيه المم على أل
ترتفع هذه الراية.
وبعد إخواني،
أودّ أن اطرح عليكم هذه المشكلة التي قد تظهر بسيطة ،ولكنّني أراها من أعظم الحواجز التي
تعيق من العمل السلميّ النشط.
ففي يومٍ كنت أعاتب أخا لي على عدم مداومته التزاور مع إخوانه وانعدام علقاته بهم ،وعلى
تعلّقه كثيرا بمن نعتبرهم أصحاب كبائر.
وأرى أنا أنّ الداعية عليه البعد عنهم إذا شعر أنّه سيتأثّر بهم ول يؤثّر فيهم( ،وهو ما يحدث
مع هذا الخ الحبيب) فكان ردّه مفزعا لي رغم أنّي عندما فكّرت فيه وجدته على حقّ إلى حدّ ما،
وكان جوابه" :أنا ل أجد الخوّة التي نتحدّث عنها في كثيرٍ من لقاءاتنا ،ونقرأها في الكتب المثاليّة،
ولكنّني أرى الشعور الصادق بالصداقة مع هؤلء الذين نعدّهم بعيدين عنا كثيرا".
كان هذا الجواب عجيبا ،ولكنّه صادقٌ نوعا ما ،فأخوّتنا في هذا المجتمع أصابتها الماديّة،
وتداخلت فيها المصالح الشخصيّة ،ممّا أدّى في كثيرٍ من الحيان إلى انزواء الكثير من الخوة،
واكتفائهم بالعلقات الرسميّة وفقط.
فل أدري هل هذا البتلء هو عامّ كما أشعر؟؟
وبارك ال فيكم.
المستشار:
كمال المصري
الرد
أخي الفاضل "أبو البراء"،
أشكرك على ما بدأت به من كلمات ،وعموما فإنّ تواصل الخبرات وتناقلها ،هو من أه ّم
الهداف التي ابتغينا تحقيقها عبر هذه الصفحة ،والحمد ل أن بدأت بذورها تثمر ،ونسأل ال تعالى
العون والسداد.
أخي "أبو البراء"،
ما تفضّلتَ به في استشارتك هو في الواقع مشكلةٌ حقيقيّةٌ ل متخيّلة ،وإنّني وإن كنت أختلف مع
أخيك في التفاصيل ،إل أنّني أتّفق معه في العموم.
ما أتّفق في عمومه هو أنّنا في عمومنا –ملتزمين وغير ملتزمين -قد تأثّرنا بالدنيا تأثّرا كبيرا،
وغدا لها في قلوبنا مكانةٌ كبيرة ،وهذه المشكلة ليست وليدة اليوم ،بل هي قديمة ،فقد ورد عن أنّ
سفيان الثوري كان يقول" :أدركنا الناس وهم يحبّون من قال لحدهم" :اتّق ال تعالى" ،وقد صاروا
اليوم يتكدّرون من ذلك".
ق الخوّة ،ول كلّ
ن التعميم خطأ ،فليس كلّ "الخوة" ل يقومون بح ّ
وما أختلف فيه هو أ ّ
"البعيدين" هم إخوةٌ بصدق.
كلّ ما في المر –من وجهة نظري -هو أنّنا نطلب من إخواننا أكثر ممّا نطلب من غيرهم،
فإذا هم لم يقدّموا لنا ما نطلب ،بدَوا كأنّهم مقصّرون أهل دنيا ،وفي المقابل ل نطبّق هذا الميزان
ل القليل ،ونعتبرهم أفضل من إخواننا.على "البعيدين" ،فنقبل منهم أق ّ
جزءٌ من خطئنا في ذلك أنّنا نفترض في "الخوة" العصمة والكمال ،فنطالبهم بما فوق طاقة
البشر ،أو نعتبر المثاليّة هي الساس ،متناسين بشريّتهم وإنسانيّتهم.
نعم ينبغي أن يكون الملتزمون من أكثر الناس التزاما بدينهم ،وأخلقهم وسلوكيّاتهم يجب أل
يخالطها عيب ،لنّهم ببساط ٍة فهموا وعلموا ،فيجب أن يتحوّل هذا الفهم ،وذلك العلم إلى واق ٍع وعمل،
لنّ ديننا دين عمل ،وليس دينا نظريّا فقط.
نعم لكلّ ذلك ،لكنّ ذلك كلّه ل ينفي بشريّتهم التي من أساس تكوينها الخطأ والسهو والعيب،
وهو الذي نقبله من "البعيدين" ،ول نقبله من "الخوة ،ولعلّ هذا ما يجعل تأثّرنا بخطأ "الخوة" أعظم
وأشدّ .ولست هنا أبرّر الخطأ ،بقدر ما أوصّف الحالة ،ولذلك أدعو كلّ إخواني أن ينتبهوا لنفسهم
وفعلهم ،وأن يتعلّموا دينهم ويفهموه حقّ الفهم ،وأن يحقّقوا في أنفسهم وسلوكهم أعلى درجاته
ومراتبه ،كما ل أنفي وجود قدرٍ كبيرٍ من الخلق والصفات الطيّبة في "البعيدين" ،فهم ليسوا
شياطين أو مجموع ًة من اللصوص وقطّا ع الطرق.
أنا هنا لست في مجال المفاضلة بين الطرفين ،لنّني أعتبر أنّ النحياز إلى أيّة فئةٍ من الفئتين
خطأ ،فل حياتنا كلّها "مجتمع الخوة" ،ول هي "مجتمع البعيدين" ،نحن نعيش مجتمعنا بكلّ فئاته
وأصنافه وتنوّعاته ،وعلينا أن نتفاعل ونؤثّر في كلّ هذه الدوائر ،ل ننعزل ،فنخسر ويخسرون ،ول
ننخرط فنغرق ويغرقون ،بل نعيش حياتنا بين الجميع بأخلقنا ،والتزامنا ،وديننا ،فنعمل الصواب
مهما أخطأ الناس ،ونبتعد عن الخطأ مهما وقعوا فيه ،وندعو كلّ من حولنا ،بأفعالنا وأقوالنا ،إلى
الهداية والفلح في الدنيا والخرة.
هذا الختلط الصعب هو المتعة الحقيقيّة ،وهو الذي جعل مقام الدعاة هو مقام النبياء،
وللستاذ سيّد قطبٍ رحمه ال تعالى كلمٌ بديعٌ في هذه المسألة حيث يقول:
"حين نعتزل الناس لنّنا نحسّ أنّنا أطهر منهم روحا ،أو أطيب منهم قلبا ،أو أرحب منهم نفسا،
أو أذكى منهم عقل ،ل نكون قد صنعنا شيئا كبيرا… لقد اخترنا لنفسنا أيسر السبل ،وأقلّها مؤونة!.
إنّ العظمة الحقيقيّة :أن نخالط هؤلء الناس مشبعين بروح السماحة والعطف على ضعفهم
ونقصهم وخطئهم ،وروح الرغبة الحقيقيّة في تطهيرهم وتثقيفهم ورفعهم إلى مستوانا بقدر ما
نستطيع!.
إنّه ليس معنى هذا أن نتخلّى عن آفاقنا العليا ومثلنا السامية ،أو أن نتملّق هؤلء الناس ونثني
على رذائلهم ،أو أن نشعرهم أنّنا أعلى منهم أفقا ..إنّ التوفيق بين هذه المتناقضات ،وسعة الصدر
لما يتطلّبه هذا التوفيق من جهد :هو العظمة الحقيقيّة!".
فهلّ طالبنا أنفسنا وإخواننا بكثيرٍ من اللتزام ،وبتحقيق الخوّة بمعناها الشامل العميق؟
وهلّ –في ذات الوقت -خفّفنا الوطء على أحدهم إن أخطأ أو ضعف لنّه بشر؟
وهلّ خالطنا الناس مشبعين بأهدافنا ومثلنا العليا؟
إنّ ذلك كلّه هو بحقّ :العظمة الحقيقيّة.
وأهلً بك يا أبا البراء.
داء ودواء
داء ودواء
المستشار:
داء ودواء
وصفة للمقصّرين ..بي المة والفتور
السؤال
السلم عليكم ورحمة ال وبركاته ،أردت برسالتي أن أستشيركم في أمرٍ أهمّني من نفسي
كثيرا :وهو أنّني أكسل عن القيام بواجبات الصلة ،والصيام (كتطوّع) والمر يستمرّ عندي لفتراتٍ
غير محدودة ،حتى يشاء ال لي الرجوع إليه من جدي ٍد والتوبة ،ومن ثَمّ العودة إلى سابق عهدي
بإهمال الصلة وإهمال الصيام (والذي أنا بحاجةٍ ماسّةٍ إليه لنّني أشعر براحةٍ كبير ٍة وفوزٍ كبيرٍ
عندما أؤدّيه) ،شعوري هذا بالندم ل يلبث أن يختفي مع شروق اليوم التالي وكأنّني لم أندم وكأنّني لم
أفعل معصية ،فأكون متلهّفةً أوّل توبتي وأفتر بعدها بيو ٍم أو يومين وأشعر بثقلٍ كبي ٍر يثقلني ،ول
ت مصلّياتٍ كنت نشيطة، أعرف كيف الخلص منه ،مع العلم أنّني عندما كنت مع مجموعة صديقا ٍ
ن وضعي الن قد تغيّر فأنا أسمع صوت الذان ف ُيهَيّأ بل النشط ،وكنت الداعية لقامة الصلة ،لك ّ
ل الوقت الذي في العالم لؤدّيه ولكن ليس في اللحظة النيّة. لي بأنّ عندي ك ّ
أوّد أن أحيطكم بجانبٍ آخر من شخصيّتي وأمزجتي المتقلّبة ،وهو أنّني أحيانا يصدق عندي
العزم جدّا فأُقدّم على أفعال كثيرةٍ جيّدةٍ كالصيام لمدّة مجموعةٍ من اليّام المتواصلة (وقد استطعت
صيام شهرٍ غير شهر رمضان) والقيام بركعاتٍ كثيرةٍ في إحدى الليالي المتفرّقة ،وعندما أتثاقل
أنظر لنفسي بعينٍ مشدوهة ،ول أعرف خلصا من تقاعسي ول إهمالي ،فهل لي من استشارةٍ آخذ
بها؟ أو حتى بشرحٍ ُيفَسّر لي ما الذي يحدث معي بالضبط؟
ولكم جزيل الشكر مع السف الشديد للطالة عليكم.
المستشار
داء ودواء
المّة العالية :كن رجلً ل ُرجَيْل
السؤال
كيفيّة تُحقّق الهمّة العالية لكلّ مسلم؟ أريد أمثلةً من السيرة ،وبعض أسماء كتبٍ تتكلّم في نفس
الموضوع.
المستشار:
-2الفتور والملل:
أخي الكريم:
ب في ي كتا ٍ
إضافةً إلى ما سبق ،فإنّ لك في كتب السيرة الزاد ،ولو اطّلعت على أيّ بابٍ من أ ّ
السيرة؛ لمواقف لرسول ال صلى ال عليه وسلم أو لصاحبته الكرام إل وستس َتخْرِج أنت منه همّةً
وعملً وإنجازًا وتفاؤل ،فما عليك إل أن تتدبّر في معانيه وتطبّقها في حياتك.
جزاكم ال عن السلم والمسلمين خيرا ،ونتمنّى مداومة التّصال بنا".
داء ودواء
الرياءَ ..أوْل الناس بالدعوة ..وأشياء أخرى
السؤال:
بعد السلم والتحيّة ،كيف تكون الدعوة إلى ال خالصةً لوجهه تعالى خاليةً من الرياء والسمعة؟
ومن هم َأوْلى الناس بالدعوة؟ وما الرأي في من يحاول التعرّف على امرأةٍ بقصد هدايتها ثمّ الزواج
منها ،مع العلم أنّها على طريقٍ غير سليم؟
شاكرا لكم حسن التعاون.
المستشار:
داء ودواء
رياء البدايات والنهايات ..بل عاجل بشرى الؤمن
السؤال:
بسم ال الرحمن الرحيم ،السلم عليكم ورحمة ال وبركاته،
في البداية أشكر سيادتكم على هذا العمل العظيم ،وأتمنّى من ال أن يكون في ميزان حسناتكم.
الستشارة عندي هو أنّه في بعض الحيان يتسلّل إلى قلبي بعض الفكار الشيطانيّة التي هي
أصلً ليست من تكوين شخصيّتي ،ففي بعض الحيان عندما أعمل عملً ل أبتغي فيه سوى مرضاة
ال وتكون نيّتي خالص ًة لفعل هذا العمل سواء كان أمرا بمعروفٍ أو نهيا عن منكر ،أشعر بهذه
الفكار تدخل قلبي ،يعني على سبيل المثال وليس الحصر :عندما أذهب لكي أصلّي في المسجد
وليس في نفسي أيّ شيءٍ سوى أداء فريضة الصلة ،تأتي هذه الهواجس وتقول لنفسي :إنّ الناس
ستقول عنك بأنّك مصلّ ،وإذا أخرجت مالً على سبيل الزكاة أو الصدقة ،وإذا بهذه الفكار تأتي
وتقول لنفسي بأنّ الناس ستقول عليك كريما ،وعندما أقول لحدٍ نصيحةً أيّا كانت هذه النصيحة تأتي
هذه الفكار م ّرةً أخرى وتقول بأنّ هذا الشخص سيمدحك ويُعجَب بك وبأسلوبك.
ولكن مع ملحظة أنّني أعمل هذه العمال ليس فقط إل ابتغاء مرضاة ال ،ولكن ل أدري من
أين تأتي هذه الفكار الشيطانيّة ،فإنّني أخشى أل تُتَقبّل هذه العمال منّي ،وذلك لنّ العمال
بالنيّات ،وأخشى أكثر بأن أندرج تحت طائفة المنافقين فتصبح هذه الفكار ذات تأثيرٍ سلبيّ على
علقتي بربّي.
فماذا أفعل وأنا بصدد هذه المشكلة الكبيرة؟ وما الحلّ القاطع لها؟ أفيدوني أفادكم ال.
وجزاكم خيرا ،والسلم عليكم ورحمة ال وبركاته.
المستشار:
داء ودواء
الخلص شرط ..و"الكوماندوز السلميّ" وهم
السؤال:
الحمد ل وبعد ،الخوة الدعاة الفاضل ،من دافع عشقنا لدعوتنا وانتمائنا الصادق لها ،ومن
منطلق سؤال أهل العلم أردنا سؤالكم ،هل يكون لضعف الدعاة أثرا سلبيّا على المسيرة الدعويّة؟
وهل هنالك أسباب أخرى لهذا الضعف غير قلّة الخلص وعدم الحاكميّة ل؟ وجزاكم ال خيرا.
المستشار:
داء ودواء
كلمات ف الخلص ..واشتراك النيات ..وميزان قبول العمال
السؤال:
الخ الكريم كمال المصري أعانك ال علينا وسدّد خطاك،
أخي الكريم،
إنّني أسبح في بحرٍ ل ساحل له ،وأريد النجاة!!! فهل مددتّ يدك لي؟!!
-1ما حقيقة الشرك في الرادات والنيّات؟
-2ما ميزان قبول العمل عند ال سبحانه وتعالى؟
-3ما حقيقة الخلص؟
ساعدني أخي العزيز ،كيف أجعل عملي خالصا لوجه ال ،ليس لح ٍد نصيبٌ فيه ،ل لنفسي،
ول لطلب حظّ من الدنيا ،ول لحد من الخلق؟ وهل أستطيع أن أجدّد النوايا فيما فات من أعمال؟
ساعدني رجاء ،فأنا أحبّكم ،وأثق بكم.
المستشار:
كمال المصري
الرد
أختي الكريمة،
أحبّك ال تعالى الذي أحببتنا فيه ،وجزاكم ال خيرا على ثقتكم بنا ،وأسأل ال تعالى أن نكون أه ً
ل
لهذه الثقة.
أمّا أسئلتك الثلث ،فبيانها التالي:
-1ما حقيقة الشرك في الرادات والنيّات؟
الحديث هنا في النقاط التالية:
-ما النيّة؟
يقول المام البيضاوي" :النيّة عبارةٌ عن انبعاث القلب نحو ما يراه موافقا لغرضٍ من جلب نف ٍع
أو دفع ضررٍ حالً أو مآل ،والشرع خصّصه بالرادة المتوجّهة نحو الفعل لبتغاء رضا ال وامتثال
حكمه".
-الخلص ضرورة:
ي عملٍ ليس فيه إخلصٌ ل ثواب فيه ،مهما عل وعظم ،قال صلى ال عليه وسلم" :إنّما فأ ّ
ئ ما نوى ،فمن كانت هجرته إلى ال ورسوله ،فهجرته إلى ال ورسوله، العمال بالنيّة ،وإنّما لمر ٍ
ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها ،أو امرأةٍ يتزوّجها ،فهجرته إلى ما جاهر إليه"رواه البخاريّ
ومسلم.
-هل يجوز الشتراك في النيّات؟
وأعيد الحديث ثانيةً بأن أنقل ما كتبه المام ابن حجر رحمه ال تعالى في شرح حديث "إنّما
العمال بالنيّة":
"من نوى بهجرته مفارقة دار الكفر وتزوّج المرأة معا فل تكون قبيحةً ،ول غير صحيحة ،بل
هي ناقصةٌ بالنسبة إلى من كانت هجرته خالصة ،وإنّما أشعر السياق بذمّ من فعل ذلك بالنسبة إلى
من طلب المرأة بصورة الهجرة الخالصة ،فأمّا من طلبها مضمومةً إلى الهجرة ،فإنّه يثاب على
قصد الهجرة ،لكن دون ثواب من أخلص ،وكذا من طلب التزويج فقط ل على صورة الهجرة إلى
ال ،لنّه من المر المباح الذي قد يثاب فاعله إذا قصد به القربة كالعفاف.
ومن أمثلة ذلك ما وقع في قصة إسلم أبي طلحة فيما رواه النسائيّ عن أنس قال :تزوّج أبو
طلحة أمّ سليم ،فكان صداق ما بينهما السلم ،أسلمت أمّ سليم قبل أبي طلحة ،فخطبها ،فقالت :إنّي
قد أسلمت ،فإن أسلمت تزوّجتك .فأسلم ،فتزوّجته.
وهو محمولٌ على أنّه رغِب في السلم ودخله من وجهة ،وضمّ إلى ذلك إرادة التزويج
المباح ،فصار كمن نوى بصومه العباد والحميّة ،أو بطوافه العبادة وملزمة الغريم.
واختار الغزاليّ فيما يتعلّق بالثواب أنّه إن كان القصد الدنيويّ هو الغلب لم يكن فيه أجر ،أو
الدينيّ ُأجِر بقدره ،وإن تساويا فتردّد القصد بين الشيئين فل أجر.
وأمّا إذا نوى العبادة ،وخالطها بشي ٍء ممّا يغاير الخلص ،فقد نقل أبو جعفر بن جري ٍر
الطبريّ عن جمهور السلف أنّ العتبار بالبتداء ،فإن كان ابتداؤه ل خالصا لم يضرّه ما عرض له
بعد ذلك من إعجابٍ أو غيره ،وال أعلم".
وكذلك ما كتبه المام ابن قدامة المقدسيّ في كتابه القيّم" :مختصر منهاج القاصدين".
بقي سؤالٌ رابعٌ ورد في طيّ حديثك هو" :وهل أستطيع أن أجدّد النوايا فيما فات من أعمال؟".
لم أفهم كيف ستجدّدين النوايا في ما فات ،ما فات قد فات ،وعليك تجديد النوايا في ما هو قادم،
هذا في حالة أن يكون ما فات قد انتهى ،أمّا إذا كان ما فات لم ينتهِ بعد ،كالصدقة الجارية مثل،
فيمكن تجديد النيّة فيه ،وإدراك أجر القادم من العمل ،ولعلّ ال يأجر من أصلح نيّته أضعافا فيأجره
على ما فات أيضا ،وال تعالى أكثر وأطيب.
ويمكنك في ما فات أن تطلبي من ال تعالى أن يقبله منك ،وأن يعتبره كما لو كنت أخلصت فيه
النيّة له سبحانه ،فأكثري من الدعاء بذلك وألحّي فيه ،ولعلّ ال تعالى يغفر ويتقبّل منك ،وال تعالى
أكثر وأطيب.
أعاننا ال جميعا على الخلص ،ورزقنا النوايا الصالحة ،والعمال الموافقة للشرع ..وأهلً
بك.
داء ودواء
ت ملَكا
تعصي! أنت إنسانٌ ولس َ
السؤال:
السلم عليكم ورحمة ال وبركاته ،أنا شابّ أبلغ من العمر 26عاما ،يصفني الناس بأنني ملتزمٌ
ويلقبونني بالشيخ ،وأنا ول الحمد محافظٌ على الصلة ،ولكنني مسرفٌ على نفسي في بعض
المعاصي التي هي للسف أنني ل أستطيع غضّ البصر عن النساء ،وعندي شهوةٌ جامحة ،ول
الحمد لم أقع في معصية الزنا ،وكذلك أعاني من تقصيري الشديد في صلة الفجر ،فبماذا تنصحني
مع العلم أنني في غربةٍ وأمامي ما ل يقل عن 8أشهر لكي أتم زواجي ،مع العلم أيضا أنني أنتمي
إلى إحدى الجماعات السلمية المشهورة بالتربية ،ولكنني في حرجٍ من الحديث في هذا المر مع
أحدٍ من إخواني ،وأودّ أن أوضّح لكم أيضا أن ال عز وجل يمنّ عليّ بالخير الكثير مما يجعلني
كثيرَ القلق ،حيث إنني أخاف أن يكون ال يعجّل إليّ نصيبي في الدنيا وأن أكون في الخرة من
الخاسرين ،فبال عليكم دلّوني على النجاة وساعدوني ،وجزاكم ال خيرا.
المستشار:
داء ودواء
هكذا نافظ على توبتنا
السؤال:
كيف أحافظ على توبتي؟
المستشار:
داء ودواء
يا غريق العاصي :هكذا تصبح منقذا
السؤال:
السلم عليكم ورحمة ال وبركاته،
الخوة الفضلء القائمون على هذا الموقع الكريم،
تحيّةً من عند ال مباركةً طيّبة،
أريد أن تدلّوني على الطريق الصحيح وسط الوحلة التي غرقت بها ،ومعذرةً أرجو أن ل
تتضمّن الجابة ثناءً عليّ وعلى حرصي على التوبة ،فأنا كما سأروي لكم ل أثبت على توبة ،ول
التزم السلوك السلميّ من كلمةٍ طيّبة ،وحديثٍ مهذّب ،وخشوعٍ في الصلة ،وإخلصٍ في النيّة ،إل
عندما تأتيني مصيب ٌة تهمّنى وتغمّنى فل أجد مفرّا ول ملجأ سوى الدعاء ،فوال ل أدري متى وكيف
تكون النهاية ،ويا حسرةً على نفسٍ لم أقوَ عليها ،فلم أتورّع عن الكذب ،والنميمة ،والغيبة ،وعدم
نصرة المظلوم ،وعدم غضّ الطرْف عن ما حرّم ال ،وليت المر انتهى عند ذلك ،ولكن الطامّة
الكبرى أنّ المحيطين بي يعلمون عنّى غير ذلك ،فقد مرّت عليّ فترةٌ كنت قد التزمت فيها (على ما
أظنّ) أشاعت عنّى سيرةً حسنةً كاذبةً وخادعة ،ومشكلتي الكبيرة أيضا هي عدم القلع عن ممارسة
العادة السرّيّة ،بل أمارسها بشراهةٍ كبيرةٍ جدّا ،في الوقت الذي أسمع وأرى عمّا يجري في البلدان
السلميّة المستضعفة من قتل ،وتنكيل ،واغتصاب ،ولكنّ ذلك كلّه ل يؤثّر فيّ إل فترةً ل تتجاوز
عدّة دقائق بل ثوان.
إنّني يا سيّدي الفاضل لي أصدقاء ملتزمين ،وأظنّهم على خي ٍر ول أزكّي على ال أحد ،وهم
ت لعرضها عليّ للزواج ظنّا منه أنني ذو يظنّون بي الخير ،بل إنّ بعضا منهم قال أنّه لو كان له أخ ٌ
أخلقٍ حسنة ،وكثيرا ما ادّعي الرغبة في الجهاد ودفع الظلم ،ولكنّي أخاف إن قامت الحرب أن
تكون هذه النيّة مجرّد انفعالٍ كاذب ،أو تخدير ،واستمرارٍ لمسلسل البعد عن الطريق الصحيح ،لقد
علمت أنّ الناصر صلح الدين كان ل يضحك ول يفرح قط ،وعندما سئل عن ذلك ،أجاب بأنّه
يستحيي أن يراه ال ضاحكا والمسجد القصى بين يدي الصليبيّين ،فإنّي أخاف إن استُدعيت للجهاد
أن أرى نفسي مفضّلً الجبن والهرب والذلّ ،على الدفاع عن عرض المسلمين -معاذ ال– ،وقد
أكون عكس ذلك ،فمن يدري؟
وصدّقني -سيّدي الفاضل -ل أعلم ماذا حقّا أريد منك ،هل تعظني بكلماتٍ لطالما سمعتها
وردّدتها ،بل قمت أنا بنصح غيري بها ،أم أطلب منك أن تأتى لتمسك بي وترغمني على ترك
المنكر ،أم تسحر لي أم تدعو لي دعوةً مستجاب ًة كما كان يفعل النبيّ لصحابه فيتبدّل حالهم إلى خير
حال؟
هل أدعو ال أن يرزقني مصيبةً عظيمة ل تنفكّ عنّي إل بالموت حتى أتّعظ أم ماذا؟
هل أقول لك –سيّدي -أنّني أكتب لك وأنا يائسٌ من جدوى ردّك ،وللسف الشديد ل أرى نفسي
إل منافقا أتأثّر وأخشع لي موقفٍ طالما كنت بين الناس ،وأجتهد في النصح لغيري طالما يراني
ل للمنكرات ،وتركٌ للخيرات ،أرجو أن تدلّني ماذا أفعل في نفسي ،إنّني
الناس ،أمّا الخلوة فكلّها فع ٌ
أحسّ بمدى الحقارة العظيمة التي تليق بي ،فالكلّ يظنّ بي الخير ،حيث إنّ معظم ذنوبي تكون في
الخفاء للسف الشديد ،ومعذرةً للطالة والتكرار ،وإن كنتم -سيّدى الفاضل -ستردّون عليّ ،أرجو
أن تردّوا عليّ إجاب ًة واقعيّ ًة مفصّلةً مسهبة ،فالحزن والخزي يملني.
وأرجو منك أن ل تظن بي أنّني أهوّل من مصيبتي ،و أتسلّى أو أكذب ،فكلّ ما كتبت صحيح.
والسلم عليكم ورحمة ال وبركاته.
المستشار:
كمال المصري
الرد
أخي الكريم "الغريق"،
لن أقول لك شيئا ،ولن أحمد ،ولن أشكر ،وسأكون معك واقعيّا جدّا جدّا ،بل قد أكون قاسيا
بعض الشيء ،فاعذرني.
حديثي في نقاطٍ ثلث:
-النقطة الولى :بشريّتنا.
-النقطة الثانية :الهمّة والعزم.
-النقطة الثالثة :انتهاك محارم ال تعالى.
النقطة الولى :بشريّتنا:
قلت سابقا مرارا ،وأعيد التكرار :نحن بشرٌ ولسنا ملئكة ،هكذا خلقنا ربّنا سبحانه ،وهكذا
أرادنا ،أن يتنازعنا الخير والشرّ ،أن نخطئ ونصيب ،أن نكبو ونقوم.
الشرط الوحيد في كلّ ذلك هو أن نعود إلى ربّنا سبحانه وتعالى دائما ،أن نئوب إليه ونتوب
بعد كلّ خطأ
النقطة الثانية :الهمّة والعزم:
أبرز ما في رسالتك يا أخي الغريق ،أنّها تنبئ عن رجلٍ خائر القوى ،فاقد العزيمة والرادة.
ذكّرتني رسالتك بقصيدةٍ سمعتها منذ سنين طوال ،تصف حال أمّتنا وما آلت إليه ،ويقول جزءٌ
منها:
قد اتّـسع الخَـرْق ،والراقعون ........نيـامٌ ،ويقظانهم حائرُ
وذو الرأي فيهم بطيء الخطى ........بليدُ المدى عزمه خائرُ
وذو العـزم جُـنّ أنـانـيّـةً .......وأفسـده المسلك الجائرُ
قد اتّسـع الخرقُ والرّتْق أَعْيَى .......وطـوّقنا الخطر السائرُ
وما أخالك إل أحد أهل الرأي بليدي المدى ،خائري العزمات.
من السبب في ذلك؟؟ من أوصلك لهذا؟؟ أنت وحدك من يملك الجابة.
قد أجلس بالساعات أحدّثك في ضرورة أن يكون المسلم كذا وكذا ،وأن يفكّر لمّته ويعمل لها،
ولكن –كما قلتَ أنت -كلّ ذلك أنت تعرفه أكثر منّي ،ويمكنك أن تلقي فيه محاضراتٍ لي ولغيري،
ولذلك لن أتحدّث فيه ،وإنّما سأطلب منك أن تفكّر في أمرين ،ثمّ سأحيلك إلى استشارات تحدّثت عن
الهمم ،علّها تفيدك.
المران اللذان أودّ أن أحدّثك فيهما هم:
-1فكّر كيف تعرف ربّك سبحانه وتعالى وتحبّه ،انظر في نفسك ،تفكّر في الكون ،تتبّع
مخلوقاته كيف تعيش ،عاين ال ِنعَم التي أحاطك بها من فوقك ومن تحتك ومن حولك ومن كلّ مكان،
ث ّم توقّف كثيرا أمام رحمته بنا وحلمه علينا سبحانه ،ونحن العبيد المقصّرين العاصين البعيدين ،وهو
ب المنعِم الذي يقترب منّا ،إنّنا إذا خفنا من شيءٍ هربنا منه ،ولكنّنا حين نخاف من ربّنا
ال الر ّ
سبحانه نهرب إليه ،فالجأ إليه واهرب ،واطلب منه العون بعد أن تأخذ بالسباب ،و"الدنيا لن تمطر
ذهبا ول فضّة" كما قال الفاروق رضي ال عنه لمن يفكّر أن يجلس في بيته ويدعو ال تعالى أن
يرزقه.
همّ المّة وهمّ نفسك قد أضناك وأتعبك ،فخذ بالسباب ،وقوّ عزيمتك ،كي تنقذ نفسك وأمّتك ،ثمّ
قف مع هذا الشاعر وردّد معه:
فيـا ربّ يـا بارئ الكائنـات .......ويـا عالما بخفايـا الصـدورْ
ألستَ تـرى الهمّ يشوي كياني ........ويُلهـب قلبـي بنـا ٍر ونورْ؟
ففـكّ لبـأسي قيـود الزمـان .......وأطلق يدي في عنان الدهورْ
و َهبْ لي من الحزم والعزم أمرا .......ودعني لقومي أكون النشورْ
-2تدرّب على تقوية همّتك وعزيمتك ،فهذا من الخذ بالسباب ،عاقب نفسك مثلً إذا عقدتّ
عزما على فعل أو تركٍ أمرٍ بما ،ثمّ خالفتَ هذا العزم ،عاقب نفسك بأن تجري مساف ًة معيّنةً عند
المخالفة ،وزد المسافة كلّما كرّرت الخطأ ،أو ألزم نفسك بالتصدّق بمبلغٍ من المال كلّما خالفت ،وزد
المبلغ بزيادة المخالفة وتكرارها ،أو اختر أيّة طريقةٍ تناسبك ،وتؤثّر فيك.
ول أعني هنا الوامر الشرعيّة فقط ،بل أعني كلّ شيءٍ مرتبطٍ بك ،فإذا قلت كلمةً فالتزم بها،
وإذا عملت فأتقن عملك ،وإذا عزمت على زيارة أحدٍ أو قضاء حاجة أحد ،فافعل دون تردّد ،فإذا
خالفت ما عزمت على فعله أيّا كان هذا العزم ،فالجأ للعقوبة.
ليس إيمانًا
ليس إيمانًا
العقيدة والسلوك ..الفصام النّـكِد
السؤال:
بسم ال الرحمن الرحيم،
أتمنّى أن يردّ على سؤالي د .كمال المصري.
أمّا سؤالي فهو :كيف يقدِر المرء أن ينتقل من مرحلة النفصال الذي يعيشه بين عقيدته
وسلوكه إلى مرحلة تصديق السلوك لما يقرّ في القلب ؟
رضي ال عنّا وعنكم.
المستشار:
كمال المصري
الرد
أخي الحبيب المهدي ،جعلك ال تعالى هاديًا مهديّا،
آمين يا ربّنا الكريم ..فما لنا من غايةٍ غير رضاك ،حيث نُسلِم عند لقاك الرحال ،ونُلقِي لديك
عناء المسير.
ما سألته يا أخي الحبيب هو أمرٌ عظيم ،والحديث فيه ليس بالهيّن ،ليس لنّه صعب الفهم ،وإنّما
لنّه صعب المنال ،فدائمًا ما تكون الفكار والنظريّات برّاقةً جذابةً بهيّة ،غير أنّ واقعها عاد ًة ل
يكون كذلك ،وهذا لسبابٍ كثيرةٍ عديدة.
أمّا عندما نتحدّث تخصيصًا في مسألة منهج ال تعالى "السلم" ،فيغدو المر أيسر وأصعب في
نفس الوقت ،أيسر لنّ تيسير ال تعالى سيكون مع من يلتزم المنهج الصحيح الكامل ،وأصعب جدّا
ط قويّ يشدّ بعضه بعضًا ،فحينئذٍ يصبح من
حين ل يلتزم الناس بتكامليّة السلم؛ لنّه دينٌ متراب ٌ
العسير أن تختزله أو تجتزئ منه شيئًا.
دعْنا من العموميّات ،ولنكن أكثر تحديدًا:
ي السلوكيّ منشؤها في الحقيقة ثلث مشكلت:
مشكلة هذا النفصال العقد ّ
-مشكلةٌ في الفهم.
-مشكلةٌ في الروافد إلى القلب.
-مشكلةٌ في التطبيق.
-مشكلةٌ في الفهم:
هذه المشكلة أظهرها بجلءٍ الفاروق رضي ال عنه في موقفين من مواقفه الرائعة:
الموقف الوّل :الفاروق والحجر السود:
عن عابس بن ربيعة ،عن عمر رضي ال عنه ،أنّه جاء إلى الحَجَر السود فقبّله ،فقال" :إنّي
أعلم أنّك حجر ،ل تض ّر ول تنفع ،ولول أنّي رأيتُ النبيّ صلى ال عليه وسلم يقبّلك ما قبّلتك" .رواه
البخاريّ ومسلم.
قال المام الطبريّ" :إنّما قال ذلك عمر لنّ الناس كانوا حديثي عهدٍ بعبادة الصنام ،فخشي عمر أن
جهّال أنّ استلم الحَجَر من باب تعظيم بعض الحجار كما كانت العرب تفعل في الجاهليّة، يظنّ ال ُ
فأراد عمر أن يُعلّم الناس أنّ استلمه اتّباعٌ لفعل رسول ال صلى ال عليه وسلم ،ل لنّ الحجر ينفع
ويضرّ بذاته ،كما كانت الجاهليّة تعتقده في الوثان".
الموقف الثاني :الفاروق مع المادح:
جاء في المواعظ للعسكري أن رجلُ قال لعمر رضي ال عنه :إنّ فلنًا رجل صِدق ،فقال له :هل
سافرت معه؟ قال :ل ،قال :فهل كانت بينك وبينه معاملة؟ قال :ل ،قال :فهل ائتمنته على شيء؟
قال :ل ،قال :فأنت الذي ل علم لك به ،أراك رأيته يرفع رأسه ويخفضه في المسجد!!.
لقد عانى المسلمون من طغيان رهبانيّة النصارى على فهم المسلمين لدينهم ،فأراحوا عقولهم
من التفكير فيه ،وحكموا على الناس بمنطق الرهبانيّة هذا ،ولم يكن السلم يومًا دينًا يمنع الفكر،
ويدعو للرهبنة.
ن أمر العقل بأن يفكّر ،ونهى عن تقييم الشخاص بمدى ما يُظهرونه من رهبنة. السلم دي ٌ
هذه المشكلة في الفهم ،هي التي أوجدت فصامًا بين ما يعتقده العديد من المسلمين ،وبين ما
يمارسونه ،إذ فهمهم لدينهم هو ما يعتقدون ل ما يمارسون.
مشكلةٌ في الروافد إلى القلب:
تأسيسًا على نفس المنطق الخاطئ في الفهم ،نشأ منطقٌ خاطئٌ في استقاء اليمان ،انبنى على
أنّ رافد اليمان هو هذه الرهبنة ،هو العبادات من صلةٍ وصيامٍ وقيام ليلٍ وغيرها من الطاعات
فقط ،ونسي المسلمون ركنا أساسيّا ورافدا قويّا يجب أن يستقوا منه إيمانهم وتقواهم وقربهم من ال
تعالى.
هذا الرافد هو "المعاملة" ،فكما أن الدين العبادة ،فالدين المعاملة كذلك ،وإل فماذا نفعل بهذا
التراث الضخم الذي أتانا من ديننا ،وكلّه مبنيّ على المعاملة والسلوك ل على العبادة والصلة ؟؟.
عندما يصف ربّنا سبحانه رسوله صلى ال عليه وسلم" :وإنّك لعلى خلقٍ عظيم" " ،فبما رحمةٍ
من ال لنتَ لهم ولو كنتَ فظّا غليظ القلب لنفضّوا من حولك" ،ويحثّنا رسولنا صلى ال عليه وسلم
بفعله على حسن الخلق ،كما وصفه عبد ال بن عمرو رضي ال عنهما :لم يكن رسول ال فاحشًا
ول متفحّشًا ،وإنّه كان يقول" :إنّ خياركم أحاسنكم أخلقًا" رواه البخاريّ.
حينما أسمع رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول" :تبسّمك في وجه أخيك لك صدقةٌ ،وأمرك
بالمعروف ونهيُك عن المنكر صدقة ،وإرشادك الرجل في أرض الضللة لك صدقة ،وبصرك
للرجل الرديء البصر لك صدقة ،وإماطتك الحَجَر والشوكة والعظم عن الطريق لك صدقة،
وإفراغك من دَ ْلوِك في دلو أخيك لك صدقة" رواه الترمذيّ بسندٍ حسن.
شوْك على الطريق
غصْن َ
وعندما يحكي صلى ال عليه وسلم" :بينما رجل يمشي بطريق ،وجد ُ
فأخّرَه ،فشكر ال له فغفر له" رواه البخاريّ.
وعندما يأمرُنا صلى ال عليه وسلم بالسماحة" :رحم ال رجلً سمحًا إذا باع وإذا اشترى وإذا
اقتضى" رواه البخاريّ ،ويصف المنافق بـ " :آية المنافق ثلث :إذا حدّث كذب ،وإذا وَعَد أخلف،
وإذا اؤتمن خان" رواه البخاريّ.
هذا كلّه من الوامر والفضائل "المعاملتيّة" هل هي لمجرّد العلم ،أم هي للممارسة أيضًا ؟
وهل لها – إذا ما طبقناها -علقةٌ بزيادة اليمان في قلوبنا أم ل ؟.
لو كانت ليست لها علقةٌ باليمان ،فمعذرة ،ما فائدتها ؟ ولماذا وردت ؟ ولماذا حثّ ديننا عليها
وأمر بها ؟.
لن يغفر ال تعالى لرجلٍ لم يزد اليمان في قلبه حين َرفَع الذى عن طريق الناس ،ولن يرحم
ن ينغرس في القلب ،ولن
ربّنا تعالى رجلً لم يتسامح في حياته ،إل إذا كان هذا التسامح هو إيما ٌ
تنهال الصدقات على المسلم حين يساعد غيره ،فيرشد الضالّ ،ويبصر لضعيف البصر ،ويتبسّم في
وجه إخوانه ،لن تصله هذه الصدقات إل لوقعها اليمانيّ عليه.
نقص هذا الرافد "المعاملتيّ" في قلوب المسلمين أوجد عندهم انفصامًا آخر ،فعاشوا في
انفصال بين حياتهم "العباديّة" مع ربّهم ،وحياتهم "المعاملتيّة" مع بني البشر.
-مشكلةٌ في التطبيق:
المشكلتان السابقتان أنتجتا واقعًا تطبيقيّا ل يتّفق بشيءٍ مع السلم .أصبح مفهوم "الصلح"
عندنا هو في مدى التزامنا في صلتنا ،وصيامنا ،وتلوتنا للقرآن الكريم فقط.
وغدا القُرب من ال تعالى يكون عبر قيام الليل ،وكثرة السجود فحسب.
حسْن الخلق ،أمّا مساعدة الخرين ،أمّا حُسْن المعاملة،
أمّا التطبيق ،أمّا اللتزام ،أمّا إتقان العمل ،أمّا ُ
أمّا ،..أمّا ...إلخ من الممارسات مع البشر ،فهذه كلّها ل شأن لها بال تعالى ،وليست ثمّة علقةٌ
بينها وبين اليمان.
تطبيق خلصته" :أن إيمانك هو علقتك بربّك في عباداتك ،أمّا خلق ال تعالى فليذهبوا هم وحقوقهم
ل قوّامًا بكّاءً ،ثمّ أهمِل في عملك ،وكن غليظا فظّا مع الناس كما
إلى الجحيم :وقانونه" :كُنْ رج ً
تشاء".
وكم رأينا من هؤلء الذين من هذه النوعيّة -للسف -التزامًا في الملبس وفي العبادة،
وتقصيرًا وغلظةً ل مثيل لهما مع البشر.
ت بعضها على بعض ،هو الذي أنتج النفصال بين
هذا الفصام الناتج من مشكلت ثلثٍ بُنِي ْ
العقيدة والسلوك.
إنّ عقيدتنا وعبادتنا وأخلقنا وممارساتنا لتخرج من مشكا ٍة واحد ٍة ل انفصام بينها ،فحين تنبني
أفهامنا على أنّ ديننا عقيدةٌ ومعاملة ،وحين ندرك أنّ روافد اليمان إلى قلوبنا رافدان :عباديّ
ومعاملتيّ ،وحين نتعلّم كيف نحوّل زيادة قربنا من ربّنا سبحانه إلى زياد ٍة في إتقان العمل وإجادته،
وإكثارٍ من حُسن الخلق وحُسن المعاملة مع خلق ال تعالى ..حين نفعل كلّ ذلك يختفي النفصال
والنفصام من حياتنا.
المر يسيرٌ حين نفهم ديننا كاملً ،عسي ٌر صعبٌ حين نمارس الفصام النكِد.
هذا ما ارتأيته أخي الحبيب المهدي ..غفر ال تعالى لي ولك ولجميع المسلمين ..وعفا عنّا
جميعا ورضي.
وفي انتظار رسائلك.
ليس إيمانًا
داعيةٌ علنا ..مطئةٌ سرا :انفصام الدعاة ..وافتراض الكمال
السؤال:
السلم عليكم ورحمة ال وبركاته،
تخبرني أختي في ال وهي في قمّة الحيرة :أعرف داعيةً تقيم الدروس والمواعظ ،والنساء
يتأثّرن بها وبدعوتها ،ولكن حين أجلس معها جلسةً خاصّة ،أراها ترتكب معصيةً هي من أعظم
المعاصي ،فهي تستغيب الناس ،بل وقد تستغيب والديها وتنتقدهما بش ّدةٍ أمام الناس دون احترامهما
ول توقيرهما!!.
تتساءل أختي كيف يمكن لنسانٍ أن يحقّق إنجازاتٍ دعويّة ،وأن تسيل دموعه بغزارةٍ بين يدي
ال في الصلة -وهذان المران نعمةٌ عظيم ٌة ل يؤتاهما إل إنسانٌ تقيّ -بينما هي ترتكب هذه
المعاصي الشنيعة؟؟؟؟ ما تفسير ذلك؟؟
المستشار:
ليس إيمانًا
كاتب :يعظ الناس ..ويقصر هو
السؤال:
شابّ يدعو إلى ال عن طريق الكتابة للصحف والمجلت ،فيدعو إلى الخلق وإلى اللتزام،
وينقد بعض الظواهر الجتماعيّة الخاطئة ،ويقدّم لها الحلول على ضوء القرآن والسنّة ،ويُنفّر من
المنكرات ،ويحثّ على الخير والصلح ،ويشارك في الردّ على النصارى ،وتوضيح مبادئ السلم،
ولكنّه ل يلتزم بما يقوله إل قليلً على الرغم من أنّه مؤمنٌ به ومقتنعٌ تمام القتناع ،ويشعر باللم
وهو يرى الناس ينجرفون إلى الخطأ ،ويرغب أن يقول كلمةً لعلّها تُصلِح شيئا.
وهو بالكتابة ينشر علما آتاه ال إيّاه ،ويستثمر موهبةً منحها ال عزّ وجلّ له ،وهي البراعة في
الكتابة والسلوب الجميل ،إضافةً إلى النّيّة الصادقة ،والخلص في العمل ،ولكنّه ل يلتزم ..ليس
تعمّدا للمخالفة ،ولكن إهمالً أو ضعفا في مجاهدة النفس ،ويشعر بالسى والحزن عندما يكتب ول
يطبّق ذلك في واقعه ..وعدم اللتزام هذا ل يعني أنّه يرتكب حراما أو منكرا ولكنّه ل يقوم بما
يتوجّه به من نُصحٍ للناس ،وكذلك الحلول التي يطرحها ،وأيضا بعض أوامر الشرع -مثل الدعوة
إلى ذكر ال دائما ،والكثار من تلوة القرآن ،وزيارة الرحام.-
كما أنّه ل يقوم بالدعوة في محيط أسرته ومعارفه ،ويفكّر دائما في التراجع عن الدعوة
الكتابيّة ،ويخشى أن يدخل في قوله تعالى" :لم تقولون ما ل تفعلون ،كبر مقتا عند ال أن تقولوا ما
ل تفعلون" ،ولهذا يريد التوقّف عن الكتابة.
فهل التوقّف هو التصرّف السليم لمن هو مثله؟ مع العلم أنّ القرّاء ل يعرفونه ،وبالتالي فليس
هناك خوفٌ من الثر العكسيّ الناجم عن انعدام القدوة.
فهل يُعطّل تلك الموهبة ويُوقِف تلك الرغبة العارمة في صدره ،الراغبة في نشر الخير
وإصلح الناس بما يستطيع وما فتحه ال عليه؛ وهو كامنٌ في الظلّ ل يريد شهرةً ول معرفة ،إل
الخير للناس ،مخلصا نيّته ل عزّ وجلّ ،محاولً أن يكون كما يعرف من شخصيّة المسلم الحقيقيّ،
وكما يتمنّى للناس.
هل يتوقّف مطلقا أو مؤقّتا أو يواصل؟
إنّه يريد فتوى من عالم ،وردّا من خبير.
ادعوا له ..
وجزاكم ال خيرا.
أرجو أن تنظروا إلى المر كما ُقدّم لكم ،ثمّ توسيعه ،أي ..هل يختلف الحكم إن كان يقوم
بمنكرات؟ أو يهمل فروض الدين؟ أو إن كان معرّضا لكشف أمره من قِبَل قرّائه؟ أو إن كان فتا ًة أو
طالبا أو داعيةً رسميّا؟
وذلك من باب توسيع المر ليشمل أكثر من حال ٍة في القالب نفسه ،فإنّ في عالم الدعاة شيئا من
ذلك للسف.
المستشار:
تعالَ الن نفكّر سويّا كيف نغيّر هذا الوضع إلى الوضع الذي نأمَله ونرجوه جميعا ..أن نكون
دعاة فعلٍ قبل أن نكون دعاة قول.
ن من صفات النسان التي أرى -يا أخي -أنّ سؤالك تضمّن إجابته؛ ودعني أوضّح قصدي .إ ّ
خُلِق بها الضعف" :وخُلِق النسان ضعيفا" ،وهذا الضعف ل يقوّيه إل استعانته بغيره ،لذلك يقول
رسول ال صلى ال عليه وسلم" :الشيطان مع الواحد وهو من الثنين أبعد"رواه الترمذيّ بسندٍ
صحيح ،ويقول" :إنّما يأكل الذئب من الغنم القاصية"رواه أبو داود بإسنادٍ حسن.
ل ل يريد شهرة" ،وعدم حبّ الشهرة –أخي -صفةٌ جيّدة ،ولكنّ وأنت تقول أنّه" :كامنٌ في الظ ّ
العزلة ،والنكفاء على الذات ،وعدم وجود صحبةٍ خيّرةٍ طائعةٍ تُعيِن وتذكّر ،هو الذي ل يُقبَل،
وخاصّةً من داعية ..واذكر معي قول رسول ال صلى ال عليه وسلم" :المؤمن الذي يخالط الناس
ويصبر على أذاهم أعظم أجرا من المؤمن الذي ل يخالط الناس ول يصبر على أذاهم"رواه ابن
ماجه بسندٍ صحيح؛ لذلك فإنّي أنصح بالبحث عن الصحبة المعينة.
وتخيّر من هذه الصحبة من تجعله مرآتك التي تعكس لك صورة نفسك ،فتتّفقان على جدول
طاعةٍ تعينان بعضكما عليه ،وتتحاسبان فيه ،وتتذاكران في ال.
أمرٌ آخر -أخي -آخذه من كلمك أيضا؛ أل وهو قولك" :أنّ القرّاء ل يعرفونه ،وبالتالي فليس
هناك خوفٌ من الثر العكسيّ الناجم عن انعدام القدوة" ،وأنا أظنّ أنّ هذا من العوامل المهمّة التي
أدّت إلى ضعفه في مجاهدة نفسه أو إهماله؛ فكونه قد َقصَر دعوته على الكتابة في الصحف
والمجلت ،ولم ينزل بها إلى الحتكاك المباشر بالناس ،ولم يضع نفسه موضع القدوة الذي يُعايش
ل كلّ
الناس ويعايشونه ،ويتعامل مع سلوكيّاتهم ونفوسهم ،فكيف إذن يمكنه من إصلح نفسه في ظ ّ
هذه العوامل –مادام يشكو من نفسه الضعف-؛ وافهم قولي جيّدا ،فأنا ل أعني أن يعمل من أجل
الناس ،ولكنّ تذكيره للناس وتذكيرهم له يعينه ويأخذ بيديه.
لذلك فإنّه من الفضل أن يجعل له ممّن حوله مجموع ًة يتعهّدهم بالدعوة والتذكير ،فإنّ في ذلك
نعم العون له على نفسه ،وهي الوسيلة النجع في تقويم الذات ،لنّه بذلك سيجد نفسه يرتع -أغلب
أوقاته -في رياض الجنّة ومجالس الخير.
ثمّ تأتي وسيلة إصلحٍ أخرى لم أتجاوز كلمك حين طرحتها ..فأنت تقول" :إنّه ل يقوم
بالدعوة في محيط أسرته ومعارفه" ،مع أنّ الجتهاد في دعوة الهل أولى إذ هي الفرض والوجب
في الدعوة ،أل تذكر معي قول ال تعالى" :وأنذر عشيرتك القربين" ،هذا من حيث هي واجبٌ عليه؛
أمّا من حيث أنّها عونٌ له ،فإنّ الهل هم أقرب الناس إليه وأكثرهم التصاقا به ،فهو بدعوته لهم
سيجعل له من خاصّة بيته مُذكّرا ومعينا ،ذلك بالطبع إلى جانب ما يأخذه من الجر عنهم.
يا أخي،
إنّ السلم منهج حيا ٍة كامل ،وليس مجرّد مجموعةٍ من القواعد السلوكيّة النظريّة التي تُطرَح
على أوراق الكتب أو الصحف وتخشى التّصال بالواقع ،كي يخاف دعاته من التّصال بالناس
-بدورهم -خوفا من الثر السلبيّ للقدوة ،فلو لم يُحقّق المنهج السلميّ أهدافه في نفوس الداعين
إليه ،فبربّك هل تظنّ أنّ أحدا غيرهم سيأبه لقولهم؟
ل عملٍ نعمله،
دعنا نجاهد أنفسنا ونتذكّر دوما فضل كلّ كلمةٍ ننطقها ،وكلّ ذكرٍ نقوله ،وك ّ
عظُم الجر أمامها ،كلّما سارعت إليه ،واجتهدت في الحصول عليه –إن كانت موقنةً فالنفس كلّما َ
حقّا به.-
وختاما أخي،
استعن بال ،ول يدخلنّ بك الشيطان مدخلً تصعب السلمة فيه.
فأصلح نفسك وأنت تدعو غيرك..
ول تنسنا من صالح دعائك ..وتابعنا بأخبارك".
ليس إيمانًا
ف زمن الفت ..ننعزل أم نلتزم ؟؟ مشاركة
السؤال:
بسم ال الرحمن الرحيم
الحمد ل ربّ العالمين ،الرحمن الرحيم ،والصلة والسلم على سيّدنا محمّدٍ المين ،وعلى آله
وصحبه أجمعين.
إنّ لديننا الحنيف خصائص عامّة أشار لها العلماء وهي:
الربانيّة ،النسانيّة ،الشمول ،الوسطيّة ،الواقعيّة ،الوضوح ،الجمع بين الثبات والمرونة.
وإن كان يصعب فصل هذه المور عن بعضها البعض ،ولكنّني أشير هنا إلى بعضها فقط لسببين:
أوّلً :تجنّب التكديس في الخطاب.
ثانيا :لرتباطها الوضح بموضوع المشاركة.
ي واقعيّ مرنٍ ،فإنّنا نحلّ الحيرة
وبداي ًة أقول :لو أنّنا ركّزنا الحديث عن السلم كدينٍ إنسان ّ
التي قد يقع فيها النسان حين يرى السلم ويقارنه بحال المسلم وطرق الحل المطروحة.
ومن طرق التعامل مع الواقع أو الحلول التي قد يلجأ إليها النسان المسلم هو العتزال أو
النعزال ،ويقابل ذلك من البعض نقدًا شديدًا أو تقريعًا ،وكما هو حال الكثير من النقاشات
المطروحة ،ترى وكأنّ الفريقين يتحدّثان في نفس موضوع الخلف ،وهم في رأيي غير ذلك.
حيث لو أنّنا سلّمنا بالخصائص الثلث المشار إليها ،لرحنا أنفسنا من عناء الخذ والرد.
إنّ من إنسانيّة السلم الواقعيّة المرنة أنّه قدّم النسان كمخلوقٍ له تفرّده في القدرات كما هو
متفرّدٌ في الطباع ،فمع أنّ هناك أخوّة إنسانيّة تجمعنا ،إل أنّنا مختلفون في الطباع والقدرات والميول
كما يوضّحه واقع الحال ،وكما أوضحه لنا ال سبحانه وتعالى في أكثر من موضع ،فمنّا مثلً الظالم
لنفسه ،ومنّا المقتصد ،ومنّا السابق بالخيرات.
بل إنّ مرونة السلم توضّح إنسانيّة هذا المخلوق "النسان" ،فتعترف بتغيّر حالة الفرد منّا بين
السمو الروحيّ أحيانًا ،والهبوط الطينيّ أحيانًا أخرى ،وبين الوقوع في الفاحشة وبين التوبة والرجوع
إلى ال وتقبله ول ترفضه.
وتتّضح واقعيّة السلم ومرونته وإنسانيّته أيضًا في مراعاته للظروف الستثنائية التي يمرّ بها
النسان ،ومنها التغيّر النفسيّ والجسميّ والترحال والحرب والضطرار.
بل وشملت هذه الستثناءات الحدود التي شدّد على أهمّيّتها ذلك النسان الكامل صلى ال عليه
وسلم فقال( :وايم ال ،لو سرقت فاطمة بنت محمّدٍ لقطعت يدها) رواه البخاري ،فإذا به يقول صلى
ال عليه وسلم( :ل تقطع اليدي في الغزو) رواه الترمذي بسند صحيح ،خشية أن يُفتَن الجاني
ويلحق بالكفار.
وفي زمن الفتن نراه صلى ال عليه وسلم يوجّه بما هو مناسبٌ له ،فيصف لنا الزمان
وعلماته ،ثمّ يعلّمنا كيفيّة التعامل في هذا الزمن الصعب ،فيقول فيما رواه عنه ابن مسعود رضي
ال عنه( :تكون فتنة ،النائم فيها خيرٌ من المضطجع ،والمضطجع فيها خيرٌ من القاعد ،والقاعد فيها
خيرٌ من القائم ،والقائم فيها خيرٌ من الماشي ،والماشي خيرٌ من الراكب ،والراكب خيرٌ من المجري،
قتلها كلّها في النار ،قال :قلت :يا رسول ال ،ومتى ذلك؟ قال :ذلك أيّام الهرج ،قلت :ومتى أيّام
الهرج؟ قال :حين ل يأمن الرجل جليسه ،قال :فبم تأمرني إن أدركت ذلك الزمان؟ قال :اكفف نفسك
ويدك ،وادخل دارك ،قال :قلت :يا رسول ال ،أرأيت إن دخل عليّ داري؟ قال :فادخل بيتك ،قال:
قلت :يا رسول ال ،أرأيت إن دخل عليّ بيتي؟ قال :فادخل مسجدك ،واصنع هكذا – وقبض بيمينه
على الكوع – وقل :ربي ال حتى تموت على ذلك) رواه أبو داود بسند صحيح.
وفي مقامٍ آخرٍ يروي عبد ال بن عمرو بن العاص :بينما نحن حول رسول ال صلى ال عليه
وسلم ،إذ ذكر الفتنة فقال( :إذا رأيتم الناس قد مرجت عهودهم ،وخفّت أماناتهم ،وكانوا هكذا -
وشبّك بين أصابعه -قال :فقمت إليه فقلت :كيف أفعل عند ذلك جعلني ال فداك؟ قال :الزم بيتك،
واملك عليك لسانك ،وخذ بما تعرف ،ودع ما تنكر ،وعليك بأمر خاصّة نفسك ،ودع عنك أمر
العامّة) رواه أبو داود بسند صحيح.
فمع أنّ أحد أهمّ أعمدة السلم هي الدعوة ،ول يكتفي السلم من النسان أن يكون صالحًا في
ح وتواصٍ ن وعملٍ صال ٍن صلح النسان في نظر السلم في إيما ٍ ق مغلوبًا ،ومع أ ّ
نفسه ثمّ يدع الح ّ
ق وتواصٍ بالصبر -كما في سورة العصر -ودون ذلك الخسران المبين ،ومع أنّ سيّدنا لقمان بالح ّ
يعظ ابنه قائلً( :يا بُنيّ أقم الصلة وأمر بالمعروف وانهَ عن المنكر واصبر على ما أصابك إنّ ذلك
من عزم المور) ،مع ذلك كله نرى ال سبحانه يُحمّلنا أيضًا مسئوليّة أنفسنا وأهلينا في قوله تعالى:
(يا أيّها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارًا وقودها الناس والحجارة).
ع وكلّكم
ورسوله المين يعلّمنا مسئوليّة الفرد في بيته ،فيقول صلى ال عليه وسلم( :كلّكم را ٍ
مسئول عن رعيّته ،المام راع ومسئول عن رعيته ،والرجل في بيته راعٍ وهو مسئول عن رعيّته)
رواه البخاري.
فهل في لزومنا بيتنا التزامٌ أم اعتزال؟.
هنا يجب التفريق والتوضيح بين من يعتزل تهرّبًا من المسئوليّة ،ومن يلتزم بتعاليم المصطفى صلى
ال عليه وسلم ،وبين من يلتزم بدوره تجاه نفسه وأهله ،وينسى دوره نحو مجتمعه.
فلو كان معنى العتزال تحصين وحماية للنفس من الفتن ،بالبعد عنها والتقرّب إلى ال،
والتفرّغ لطلب العلم والفهم واليمان ،كي نقدر على المواجهة والمجابهة ،فما المانع؟.
بل كيف نعلّم النفس إن لم نبتعد عن لغط العامّة وتشويش المشوّشين؟.
فطبيعة النسان في زمن المان ل تدفعه إل إلى تعلّم ما يناسبه والعمل به ،أمّا حالت
"الطوارئ" ،فلها قانونها الخاصّ الذي يعرفه البعض من خاصّة أهل العلم ،وليس من الواقع في شيءٍ
أن يكون الجميع من هؤلء.
إذن يحتاج النسان منّا إلى النظر والتأمل والبحث والتأنّي حتى نتجنّب أحد المرين ،وهما إمّا
الوقوع في الفتنة – والعياذ بال -أو التسبّب في فتنةٍ هي أكبر وأشدّ بسبب تسرّعنا ورعونتنا ،أو
بالصحّ بسبب عدم التزامنا.
بل حتى الصبر الذي هو أحد صفات أولي العزم وصفة صلح النسان ل يكون له المفعول
المرجوّ إن لم يكن مبنيّا على دراية ،فكيف أصبر؟ وعلى ماذا أصبر؟ وما فائدة الصبر وحكمته؟ وما
هي مدّته؟ بل وما معنى الصبر؟.
ل يفهم كلّ ذلك من كانت حياته هانئةً بنعم ال إل فهمًا قد يوصف بأنّه فهمٌ أكاديميّ أو نظري.
والبعد عن الهرج والمرج هو السبيل لتوطين النفس على ذلك الفهم اليمانيّ الصحيح من قبل أن
نخوض بها بحرًا هائجًا يميل يمينًا ويسارًا بصفةٍ ما زالت غير عميقةٍ في النفس حتى يخلعها،
ويودي بصاحبها إلى التهلكة.
والسعيد كما جاء في الحديث( :إنّ السعيد لمن جُنّب الفتن ،ولمن ابتلي فصبر) ،رواه أبو داود
بسند صحيح ،فالصبر يطلب حين البلء ل حين الرخاء.
إذن هي مسألة البعد عن الوباء حمايةً للنفس من العدوى ،وفرصةً للخذ بمصل المناعة ل
تهرّبًا من مواجهة المسئوليّة.
وليست هي مسألة اهتمامٍ بالنفس اهتمامًا يلغي دور الفرد في المجتمع ،فهذه أنانيةٌ يرفضها
الدين ،وكما جاء في الحديث :مرّ رجلٌ من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم بشعبٍ فيه
عُيينة من ماءٍ عذبةٌ فأعجبته ،فقال :لو اعتزلت الناس فأقمت في هذا الشعب -يعني لتعبد -ولن
أفعل حتى أستأذن رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فذكر ذلك لرسول ال فقال( :ل تفعل ،فإنّ مقام
أحدكم في سبيل ال تعالى أفضل من صلته في بيته سبعين عامًا) رواه الترمذي بسندٍ حسن.
وهذا العتزال الملتزم هو من باب المسئوليّة الفرديّة نحو النفس ،كما في قوله تعالى( :ك ّ
ل
نفسٍ بما كسبت رهينة) ،وليس من باب ترك النصيحة أو نبذ الدعوة تخ ّوفًا من أذى أو امتحان.
أيضًا من واقعيّة السلم التيسير ورفع الحرج ،يقول تعالى( :ل يكلّف ال نفسًا إل ما آتاها)
والتدرّج في العداد والتأهيل.
فإذا أردنا أن نقيم مجتمعًا إسلميّا حقيقيّا فل نتوهّم أنّ ذلك يتحقّق بجرّة قلم .فلو كان منّا
الضعيف وجب علينا حمايته من العواصف حتى يقوَى ،فل نقول له :ارمِ نفسك في النار ث ّم نقول له:
اصبر ،مع علمنا بضعفه ،فنفتنه أو نُهلكه.
إنّه من الضروري نشر العلم المناسب للزمن المناسب وللشخص المناسب .وإنه من أولويّات
هذه المّة هذه اليّام نشر ثقافةٍ إسلميّةٍ صحيحةٍ ومتزن ٍة وواضحةٍ عن كيفيّة التعامل مع المستجدّات
الحالية والتعامل معها ،فكما جاء في الحديث( :أمّتي هذه أمّةٌ مرحومة ،ليس عليها عذاب في
الخرة ،عذابها في الدنيا الفتن والزلزل والقتل) رواه أبو داود بسند صحيح.
فكم منّا من يعرف الطريقة الصحيحة للتصرّف عند وقوع الزلزل؟.
وال أعلم.
المستشار:
ليس إيمانًا
جاعت ل تتم باليانيات ..ل للنعزال من جديد
السؤال:
جزاكم ال خيرا على هذا الباب ،وأسأل ال أن يكون في ميزان أعمالك ...وبعد ،أفتقد الخوة
وكل معاني الخوة في الحقل الذي أعمل به ،أصبحت المعاملت في كل القطاعات التي أعمل بها
إداري ًة ول يوجد معي شخصٌ يحمل هذا الهمّ ،ول يوجد شخص يتطابق في مستواي وحتى تفكيري،
والمشكلة أن قيادة الجماعة ل تهتمّ بهذا الموضوع ،وهدفها التربية المستمرة لفرادها لكي يمسكوا
زمام العمل لنها تفتقد القياديين والرواد ،فأصبحت المعاملة جافة من الخوّة واليمانيات ،وقد
حاولت الكثير ولكن ل جدوى ،واتخذت لنفسي قرارا هو النعزال عن هذه المور مع البقاء في
الجماعة والعمل المتواصل في تربية نفسي ومن معي من الفراد ،فهل هذا صحيح؟ وما الحل
لمشكلتي؟
المستشار:
كمال المصري
الرد
أختي الكريمة "التائهة" ،أكرمك ال تعالى حين استشعرتِ تراجعك اليمانيّ ،وهذا –كما نقول
دائما -هو بداية طريق العلج والصلح ..وها قد وضعت رجلك على الطريق.
والحقيقة أنّ مسألة دخول النسان في دوّامة العمل ،هي مشكلة معظم "الملتزمين" ،فهم ينتقلون
من بيئةٍ طيّبةٍ فيها من الوقت وراحة البال الكثير ،وهي البيئة الدراسيّة بأقسامها المختلفة ،إلى بيئةٍ
تكثر فيها اللتزامات والنشغالت والعباء و"الهموم" ،وهي بيئة العمل.
وهذا النتقال –بالتأكيد -له آثاره السلبيّة وظلله التي تحطّ على النسان ،وقد تستهلكه وتقضي
عيه ،لول رحمة ال تعالى به حين ينبّهه ويذكّره ..فيغدو عليه أن يقتنص إيمانه قبل فوات الوان.
فحالك يا أختي الكريمة ليس حالك وحدك ،بل هو حال معظمنا.
أمّا العلج ،فيكمن في أربعة أمور:
-1تنظيم الوقت وترتيبه.
-2إيمان المعاملة.
-3الصحبة الصالحة.
-4العيش مع المّة.
-1تنظيم الوقت وترتيبه:
الوقت هو الحياة ،وهو إن لم ندركه أدركنا ،وما المرء إل دقائق وثوانِ ،فإذا ذهب وقته ذهب
بعضه.
لهذا كانت مسألة ترتيب الوقت ،وتحديد المتطلّبات واللتزامات أمرٌ أساسيّ وضروريّ.
لذلك فلنعمل وفق أربعة قواعد:
-تحديد ما علينا من مسؤوليّات.
-عمل قائمةٍ تسمّى" :أعمالٌ يجب إنجازها اليوم".
-ترتيب هذه العمال وتحديد أوقاتها.
-زحزحة جدار التعب.
وسأضرب مثالً توضيحيّا:
لديك اليوم العمال التالية :العمل– الزاد اليوميّ من قرآنٍ وذكرٍ وما إلى ذلك -بعض
اللتزامات السريّة :كزيارة أحدٍ مثل ،أو ترتيب شراء بعض الحتياجات ،أو ترتيب بعض المور
في البيت ..وما إلى ذلك -بعض اللتزامات الدعويّة :كحضور درسٍ ،أو قراءة قرآن ،أو قيام ليلٍ
أو ما إلى ذلك ..صمّمي جدولً أو قائمةً بأوقات اليوم بالساعات" ،وهي القاعدة الثانية" ،ث ّم ضعي
هذه اللتزامات أمامك ،حدّدي منها ما لها مواعيد ل يمكن تأجيلها أو تغييرها كالعمل مثل ،ضعي
هذه المواعيد الثابتة في الجدول ،ثمّ انظري في الباقي ،وحاولي ترتيبه في الجدول حسب طبيعته
وأفضل أوقاته ،وهكذا حتى تنتهي منها كلّها.
افعلي ما سبق ..اختاري منها ما يجب إنجازه في هذا اليوم ..فإن كانت أكثر من الوقت المتاح،
لوْلَى ،ثمّ "القاعدة
لوْلَى فا َ
رتّبيها حسب أولويّاتها وضروراتها "وهي القاعدة الثالثة" ،وقومي بتنفيذ ا َ
الرابعة" ،وهي" :زحزحة جدار التعب":
يخبرنا علماء النفس أنّ النسان ل يستهلك كلّ طاقته ،وبالتالي يبقى في قدرة النسان جزءٌ
يمكن الستفادة منه ،حاولي أن تمدّدي وقت تعبك قليل ،فإذا كنت متعوّد ًة أن تنهي كلّ أعمالك
والتزاماتك الخارجيّة والداخليّة الساعة العاشرة مساءً مثل ،اجعليها العاشرة والنصف ،وهذه النصف
ساعة ليست بالوقت الكبير ،ول تحتاج إلى مجهودٍ فائق ،فقط ثلثون دقيقة ،خذي فيها زادا إيمانيّا؛
قيام ،قراءة قرآن ،قراءة كتابٍ في الرقائق ،...وثقي بأنّ هذه الفترة الزمنيّة البسيطة ستزوّدك بالكثير
ما التزمت بها ..ولن أذيع لك سرّا حين أقول :ستجدين –بعد فترةٍ ليست بالطويلة -أنّ هذه الثلثون
دقيقةً قد تمدّدت وتطاولت أضعافا مضاعفة.
بهذا الترتيب والتنظيم –أختي الكريمة -تستطيعين فعل الكثير إن شاء ال تعالى.
-2إيمان المعاملة:
ذكرت هذه القضيّة من قبل في استشاراتٍ عديدة ،وأعيد التأكيد عليها ،لماذا تسلّل إلى نفوسنا
من غير أن نشعر مفهوم النصارى للدين ،أو منطق العلمانيّة في التعامل معه ،فغدا ديننا -بحسب
مفهوم النصارى– مجموعة صلواتٍ وعباداتٍ وطاعات ،ولم يتعدّ ذلك إلى سلوكٍ ومعامل ٍة وفعل،
وأصبحنا –بحسب المنطق العلمانيّ– نقسّم حياتنا إلى قسمين :قسمٍ لربّنا سبحانه متمثّلً في هذه
العبادات والطاعات ،وقسمٍ لدنيانا نعيش فيه كيف نشاء؟!
الناظر لسلمنا المدقّق فيه ،يجد كلّ ذلك مخالفا لسسه وقواعده التي بُني عليها ،عندما يصف
ربّنا سبحانه رسوله صلى ال عليه وسلم" :وإنّك لعلى خلق عظيم"" ،فبما رحمةٍ من ال لنت لهم ولو
كنت فظّا غليظ القلب لنفضّوا من حولك" ،وعندما يحثّنا رسولنا صلى ال عليه وسلم بفعله على
حسن الخلق ،كما وصفه عبد ال بن عمرو رضي ال عنهما" :لم يكن رسول ال فاحشا ول متفحّشا،
وإنّه كان يقول :إنّ خياركم أحاسنكم أخلقا"رواه البخاري ،وعندما يقول صلى ال عليه وسلم في
الحديث الرائع حقّا" :تبسّمك في وجه أخيك صدقةٌ لك ،وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة،
وإرشادك الرجل في أرض الضللة لك صدقة ،وبصرك للرجل الرديء البصر لك صدقة ،وإماطتك
الحجر والشوكة والعظم عن الطريق لك صدقة ،وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة"رواه
الترمذيّ ،وقال :حسنٌ غريب ،ورواه ابن حبّانٍ في صحيحه ،وعندما يحكي صلى ال عليه وسلم:
"بينما رجلٌ يمشي بطريق ،وجد غصن شوك فأخذه ،فشكر ال له ،فغفر له"رواه البخاريّ ومسلم،
وعندما يأمرنا صلى ال عليه وسلم بالسماحة" :رحم ال رجلً سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا
اقتضى"رواه البخاري ،ويصف المنافق بـ" :آية المنافق ثلث :إذا حدّث كذب ،وإذا وعد أخلف،
وإذا اؤتمن خان"رواه البخاريّ ومسلم.
كلّ هذا الك ّم من الوامر والفضائل "المعاملتيّة" هل هي لمجرّد العلم ،أم هي للممارسة أيضا؟
وهل لها –إذا ما طبّقناها -علقةٌ بزيادة اليمان في قلوبنا أم ل؟ لو كانت ليست لها علقة باليمان،
فمعذرة ،فما فائدتها؟ ولماذا وردت؟ ولماذا حثّ ديننا عليها وأمر بها؟
أختي الكريمة ،هذه مشكلةٌ كبرى نحيا فيها ..الدين المعاملة ،الدين المعاملة ،الدين المعاملة،
خذي زادك اليمانيّ من هذه المعاملت ..ابتسمي في وجوه الناس تزدادي إيمانا ،أميطي الذى عن
الطريق ،وتذكّري من فعل ذلك وشكر ال فغفر ال له ،فاشكري ال ،واستشعري مغفرة ال لك،
ن تكوني في مجلس نبيّك صلى ال عليه وسلم ،تقرّبي إلى ال تعالى عاملي الناس بخلقٍ حس ٍ
ي انفصالٍ إيمانيّ ،ولن تشعري بقسوة القلب بالمعاملة كما تقرّبت إليه بالطاعة ..وعندئذ لن تحسّي بأ ّ
وجفاف اليمان.
-3الصحبة الصالحة:
الصحبة الصالحة ،والرفقة المنة ،مفتاحان رائعان للحفاظ على النسان ،ولعلّ أبرز ما يميّز
الجامعة أنّها مبنيّةٌ على التلقي والتواصل ،وهو ما قد يُفقَد عند العمل.
فحاولي قدر جهدك ترتيب أعمالٍ إيمانيّةٍ مع أخواتك ،قمن بزيارة ملجئ اليتام والمستشفيات،
اتّفقن على صيام وإفطار يومٍ سويّا ،أو التزام عدد ركعاتٍ قيام ليلٍ أسبوعيّا ،أو مبلغٍ شهريّ تتصدّقن
ج أو معوِز ،أو عملٍ لهل حيّك ،منطقتك ،ومجتمعك ،شاركي في به ،أو خدمةٍ تؤدّينها لمحتا ٍ
الجمعيّات الهليّة والخيريّة وما أكثرها في الردن ،المهمّ أن تجدي الرفقة الصالحة ،وتلتزمي بها،
وتعرفي أنّ الذئب ل يأكل إل من الغنم القاصية.
-4العيش مع المّة:
من وجهة نظري أنّ من اكثر ما يرفع إيماننا أن نعيش مع أمّتنا ،نعرف أخبارها ،نطمئ ّ
ن
عليها ،نحزن لحزنها ،ونفرح لفرحها .هذا كلّه حريّ أن يرفع إيماننا حين نستشعر ارتباطنا بأمّتنا..
رغم أنّ الحداث والخبار في معظمها ل تسرّ ،غير أنّ الحزن والهمّ والبكاء رغم قسوته ما هو إل
زا ٌد إيمانيّ يدعونا إلى اللتزام أكثر ،والتشبّث بالدين أكثر ،والعضّ على جذع اليمان والسلم.
أختي الكريمة "التائهة" ،بهذه المور الربعة نبدأ الطريق إلى إزالة كلّ تيهٍ وحيرة ،ونسعى إلى
ن أفضل ،وقربٍ من ال تعالى أعلى. إيما ٍ
أختي "غير" التائهة ،أما زلت تائهة؟؟
أنتظر الجابة من فضلك.
ليس إيمانًا
الروحانية والعمل الداري ..الناحان التلزمان
السؤال:
الخوة الحبّة في موقع إسلم أون لين ،جزاكم ال كلّ خيرٍ على هذا الداء الرائع في الموقع،
والذي جعل من الموقع موروثًا حضاريّا لجيال المسلمين.
السادة العلماء ،أنا أقيم في دولة أوروبية ،وأعمل في مؤسسة إسلمية دعوية ،والعمل في هذه
المؤسسة تطوعي في الغالب ،ويعتمد على التضحية والروحانية والربانية من قبل الخوة العاملين،
ولكنه في نفس الوقت يعتمد على المؤسساتية والعمل الداري اليومي.
وقد لحظنا نحن الدعاة من أنفسنا جفوة ،وأحيانًا مشاحنات لم تكن في السابق ،وقد عزونا
السبب بشكل رئيسي إلى تأثير الدارة والعمل المؤسسي على الجانب التربوي والروحي ،وقد كُلفت
من قبل القسم التربوي عندنا بإعداد دراسة حول العمل الداري وتأثيره على الجانب التربوي ،وذلك
بتأصيل المشكلة كظاهرة موجودة ،وذكر مظاهرها وأعراضها والحلول المناسبة لها.
لذلك أرجو إفادتي بأية ومضات أو ملحظات أو مساعدات تفيدني في هذا المجال ،كما أرجو
تزويدي بأية مراجع تخدم هذه الدراسة من كتب أو من خلل الموضوعات المشابهة التي طُرِحَت
في موقعكم الغر.
علمًا بأن مؤسستنا هي المؤسسة الدعوية الولى على ساحة البلد الذي أقيم فيه ،وأن أية
ملحظة أو خدمة تقدمونها سوف تؤثر إيجابًا على الساحة الدعوية في بلدي.
ملحظات:
-عمر العمل الدعوي عندنا 12سنة ،أما عمر المؤسسة 6سنوات.
-في السابق كان الجميع يعمل تطوعًا ودون أي مقابل مادي ،أما الن فإن البعض يتقاضى
راتبًا ولكنه للكفاف فقط.
-في السابق كان الجميع من طلبة الجامعات في مرحلة البكالوريوس والذين جاءوا للدراسة
فقط ،أما الن فإن البعض يحمل شهادة الدكتوراه ،ول يبقيه هنا سوى خدمة الدعوة أو المشكلت
المنية في وطنه الصلي.
-في السابق كانت الغالبية من الشباب العزب ،أما الن فإن الغالبية متزوجون ويعولون ُأسَرًا
وأبناء.
-في السابق كان العمل داخليّا خاصّا ،أما الن فهو عمل يشمل الدعوة والعمل الجتماعي
ن ومراكز وجمعيات ،وتحت أيدينا موظفون وعمال من أهل والغاثي وغيره ،وقد أصبح عندنا مبا ٍ
البلد.
أدري أنني أطلت عليكم ،ولكنها دعوة ال ،وهي أمانة في أعناقنا ،مع العلم أن الخوة جميعًا
يشعرون لحد ما بهذه المشكلة ،ولديهم الرغبة في التغيير نحو الفضل إن شاء ال.
عذرًا على الطالة وضعف الصياغة ،وأرجو منكم المسامحة ،وأنا في انتظار الرد إن شاء ال،
مع خالص الدعاء بالتوفيق والمغفرة لكل من كان سببًا أو شارك ولو بحرف واحد لنجاح هذا
الموقع الرائد.
ابنكم فاروق.
المستشار:
فريق الستشارات الدعوية
الرد
يقول الستاذ أحمد محمد علي خبير التنمية الدارية بالموقع:
الخ الكريم فاروق ،نشكرك على شعورك الطيب تجاه شبكة إسلم أون لين.نت ،ونسألك
الدعاء في استمرار هذا الجهد الذي وصفته بالرائع وزيادة نجاحه ،ونسأل ال معك القبول
والخلص.
وسؤالك – أخي -قد أصاب مني مصابًا عزيزًا ،وجعلني أبتسم وأنا أرد عليك الن ،ابتسامة
الفخور بعملكم وجهدكم في سبيل إيصال دعوة ال للناس جميعًا ،ممزوجة بابتسامة الدعاء أن يلهمكم
ال تعالى السداد والصواب في هذا العمل.
أخي الحبيب ،إن أكثر ما لفت نظري بشدة في رسالتك هي قولك" :وقد لحظنا نحن الدعاة من
أنفسنا جفوة وأحيانًا مشاحنات لم تكن في السابق ،وقد عزونا السبب بشكل رئيسي إلى تأثير الدارة
والعمل المؤسسي على الجانب التربوي والروحي" !!.
ودعني أبدأ من هنا؛ لن هذا هو مربط الفرس في سؤالك ،فالعمل الذي تقومون به أخي هو
عمل دعوي ،ول شك أنه يحتاج إلى سمو روحي وعلو تربوي كبير للمشاركين ،وأيضًا هذا العمل
من أهم خصائصه أنه عمل مؤسسي منظم ل تستطيع أن تؤديه على خير وجه دون أن يكون هناك
تنظيم وإدارة ونظام ،والقاعدة :أن ما ل يتم الواجب إل به فهو واجب.
وعليه فإننا وكبداية ننوه إلى أن الجناحين اللذين يحلق بهما عملكم هذا هما:
-1الروح الدعوية التطوعية.
-2الروح المؤسسية المنظمة.
وعليه ،فحين يكون هناك خلل في أحد الجناحين ،فل يُعقَل أن نتهم الجناح الخر بأنه السبب،
ولكن تعالى ننظر إلى المشكلة من زاوية مختلفة تمامًا .أنتم تحتاجون في هذه الرؤية إلى فقه إداري
جيد ،وهو ما نفتقده في كثير من المؤسسات الدعوية ،هذا الفقه يقوم على المحاور التالية:
-1رسالة واضحة للمؤسسة وأهداف محددة.
-2هيكل تنظيمي واضح ومحدد المعالم.
-3توصيفات وظيفية واضحة لكل الوظائف ومحددة المعالم والمسئوليات والصلحيات.
-4موارد بشرية ماهرة ومحفّزة.
بالضافة إلى ُنظُم معلومات تخدم قراراتكم الستراتيجية.
وأعلم الن أنك تقول في نفسك :إنك أردت إجابة عن سؤالك :كيف يمكن أن أقوي الروح
العالية التي كانت سائدة ،فإذا بك تفاجأ بأنني أتكلم عن مزيد من العمل الداري!!
ولكن -أخي -كما قلت لك :إن العمل الذي تقومون ينهض على جناحين :العمل الروحي
التطوعي ،والعمل المنظم المؤسسي.
ودعنا نناقش كل محور من هذه المحاور – محاور الفقه الداري -لنعرف كيف تؤثر على
عملنا.
-1رسالة واضحة للمؤسسة:
هل لديكم رسالة مكتوبة للمؤسسة التي تعملون بها ،ويعرفها جميع من يعمل في مؤسستكم،
وهذه الرسالة تجيب بوضوح عن سبب وجود المؤسسة والغرض من إنشائها ،وماذا تقدم هذه
المؤسسة للمجتمع الذي توجد فيه ،وما هي القيمة المضافة التي تضيفها هذه المؤسسة ،سواء للمجتمع
أو للحقل الدعوي الغاثي الذي تعملون فيه ؟؟.
هل هذه الرسالة يعرفها جميع العاملون معكم ويسترشدون بها في عملكم أم ل ؟؟
هل هذه الرسالة تحدد أهدافكم خلل فترة زمنية محددة ( 3سنوات مثلً) ؟؟
وسوف تسألني :وما الفائدة من وجود هذه الرسالة ؟ وهذا هو ردي:
هذه الرسالة المؤسسية سوف توضح الرؤية التي تعملون من خللها ،وبالتالي سوف تضع أمام
أعين العاملين جميعًا الهدف الذي يسعون إليه وينشغلون به ،فيركز كل شخص على الوصول لذلك
الهدف.
والرسالة أخي ليست خطبة عصماء حماسية تستثير المشاعر للحظات ثم تُنسَى ككثير من
خطب الجمعة في مساجدنا ،ولكنها دستور مكتوب يراه الجميع ويسعى لتحقيقه ،فإن من يلمح َفجْر
الجر يهون عليه ظلم التكليف ،وحين تتضح الرؤية فإن التضحيات تهون ،وأنتم بحاجة لهذه
التضحيات ،فعليكم توضيح الرؤية لمن تريدون منه أن يضحي.
وهذه الرؤية تتضح حين يكون لديكم هذه الرسالة التي تصوغونها وتتفقون عليها.
-2هيكل تنظيمي واضح ومحدد المعالم:
أيضًا حين يُعاد تنظيم المؤسسة من جديد ،تحتاجون إلى رسم الهيكل التنظيمي الذي يحدد
العلقات بين إداراتكم المختلفة ،وبالتالي يحدد العمل الذي تقوم به كل إدارة وصلحياتها
ومسئولياتها ،فل يُعقَل أن تقوم إدارة التسويق مثلً بالتدخل في أعمال الدارة المالية أو القيام
بمسئولياتها ،ثم ل يحدث تشاحن وجفوة بين الخوة ،فالطبيعي أنه حين تكون المور غير منتظمة أن
يحدث هذا التشاحن وهذه الجفوة ،للتداخل بين الدارات وبعضها.
-3توصيفات وظيفية واضحة المعالم:
وهذه التوصيفات تُكتَب لكل وظيفة لديكم ،بحيث تُحدّد لكل فرد في المؤسسة ما هو العمل الذي
يقوم به بالفعل ،وما هي صلحياته ومسئولياته ،وبذلك وباحترام هذه التوصيفات سوف تقل كثيرًا
المشاحنات والجفوة.
-4موارد بشرية ماهرة ومحفّزة:
فاسألوا أنفسكم:
-كيف يتم اختيار عناصر الموارد البشرية ؟
-هل يتم استقبالهم وتفهيمهم لطبيعة العمل ونظامه ؟
-هل يستشعرون رسالة المؤسسة التي يعملون بها ؟
-هل يعرفون واجباتهم الوظيفية جيدًا من خلل التوصيف الوظيفي الواضح لهم ؟
-هل يعرفون حدود مسئولياتهم وصلحياتهم ؟
-هل تقيمون لهم برامج تدريبية لتطوير مهاراتهم وقدراتهم ،سواء الثقافية أو الدارية أو
الحترافية؟
-ما آخر الكتب والنشرات التي تتابعونها عن المنظمات غير الربحية ؟
-هل لديكم ثقافة ذاتية للمؤسسة ككل ؟
-هل المؤسسة تواصل تعلمها ،أم أنها تعتمد فقط على الخبرات الذاتية ؟
هذه -أخي -كانت مجموعة من النقاط التي أردت أن أوضح فيها أننا نستطيع أن ننجح،
وعندما ننجح سوف تزول الخلفات والمشاحنات.
إننا -أخي -نمثل حضارة نريد لها الزدهار بعد فترات ظلم طويلة مرت بها ،وهذا
الزدهار لن يتحقق إل بأدوات النجاح :الخبرة ،والقوة ،والمعلومات .أخي ..أرجو أل أكون أطلت
عليك ولكن تابعنا بأخبارك.
………………………………………………………………….
أخي الحبيب فاروق ،أشكرك على ثنائك الحسن علينا ،ونسأل ال عز وجل أن نكون دائمًا عند
حسن ظن إخواننا في كل مكان ،وبعد ..فإني أضم صوتي لصوت الستاذ الكريم أحمد محمد ،من
أهمية السعي لتحقيق التناغم بين العمل الداري المؤسسي ،وبين الجانب اليماني والروحي
والتربوي ،وذلك في أية مؤسسة دعوية.
وأستطيع القول :إن أية مؤسسة دعوية – أو حتى غير دعوية – ل يُدعّمها ،ول يداخل
أعمالها ،ول يحوي أفرادها السياج الروحي والشعوري واليماني ،فهي الجسد الذي ل روح فيه ،ل
تنتظر منه أن يتحرك وينتج وينمو ،حتى وإن ظهر لك من الخارج أنه حي ،فلن تفتأ تنخر فيه
عوامل الفساد والتحلل ،حتى ينهار تمامًا.
لذا ،فلكي تصير مؤسستكم جسدًا نابضًا بالعمل والنتاج الدعوي الجيد ،فل بد أن تعملوا دائمًا
على تقوية هذين الجناحين اللذين يحملنها ،وكل جناح منهما بدوره يدعم الخر ويقويه.
ودعني أتكلم بصراحة أكثر ،فأقول :إن التغيرات التي طرأت على نظام العمل في مؤسستكم
لها بالطبع دور كبير في بروز ما تتحدث عنه من مشكلت ،فقد تحول العمل من عمل طوعي دون
مقابل مادي ،إلى عمل يتقاضى القائم به راتبًا ،وبالطبع تكون هناك امتيازات مادية وإدارية لبعض
الفراد دون بعض ،مما يتسبب في وقوع المشاحنات وتغير القلوب ،كذلك تغير الوضاع الجتماعية
للعاملين ،فالطالب صار أستاذًا ،والعَزَب صار متزوجًا ويعول ،كذلك المؤسسة نفسها وحجم العمل
والنشطة قد تضخم ونما وتفرع.
كل تلك التغيرات أحدثت بالطبع مشكلت ،كان من الممكن احتواؤها – ويمكن الن – لو
واجهناها باعتماد المحاور التي حددها الستاذ أحمد في إجابته ،ول نترك المور تسير على
عواهنها ،اعتمادًا على العلقات الشخصية أو الجتماعية التي تربطنا ،والمشاعر التي تستقر في
نفوسنا ،ونحن نعمل عملً طوعيّا ،فالحذر الحذر من العتماد على أن كلنا (إخوة) وكلنا (عاملون
للسلم) وكلنا (دعاة) ،فكل تلك المفاهيم الطيبة من الممكن أن تتلوث وتتشوه ،لو لم تحددوا الطر
الدارية والحقوق والواجبات لكل فرد ،بناء على إمكاناته ومواصفاته وطاقاته وخبراته ،مع عدم
نسيان الفضل بينكم ،وتدعيم قبول الفراد لهذه النظم والتأكد من اقتناعهم بها ،والسماح بالنقاش
والحوار حتى يرضى الجميع وتهدأ النفوس وتستقر القلوب.
لقد لمست في مؤسسات إسلمية كثيرة – ولعلها ظاهرة في معظم تلك المؤسسات – الخلط بين
العلقتين ،علقة العمل وعلقة الخوة ،والخلط بينهما يفسد كل منهما ،فل يبقى للخوة نقاؤها
وبهاؤها ،ول يبقى للعمل روعته ورونقه!!.
والسبب في ذلك الخلط هو عدم الفهم من قِبل البعض ،بل قد يكون المر نابعًا – عند البعض -
من رغبة في استغلل الرابطة الشعورية أو العلقة الشخصية في تحقيق مكاسب مادية وإدارية
داخل تلك المؤسسة ،وهذا ما يجب أن يبرأ منه ويربأ عنه كل عامل لهذا الدين.
فلتعملوا أخي الكريم على إشاعة الوعي بهذه القضايا بينكم ،عن طريق الندوات والمحاضرات
والحوارات والدورات ،وعن طريق تقديم القدوة من نماذج طيبة خاضت غمار هذا العمل قديمًا
وحديثًا ،والعمل على التأكيد على تحري النوايا ،والخلص ل عز وجل ،لنيل خيري الدنيا
والخرة.
أسأل ال عز وجل لنا ولكم القبول ،ومرحبًا بك دائمًا وبرسائلك..
ليس إيمانًا
السمو الروحي :كيف يتحقق ف حياتنا الشغولة؟
السؤال:
أيّها الفاضل ،سلمٌ عليك ما نظرَت عينٌ لهذه الصفحة الطيّبة.
الشفافية اليمانيّة والسموّ الروحيّ ،كيف نحقّقه في ظلّ هذه الحياة التي تطحننا بمشاغلها؟
ودمت طيّبا.
المستشار:
ليس إيمانًا
هل نترك الدنيا ونبيع العرق سوس؟!! ..شبهات على الطريق
السؤال:
الستاذ كمال المصري المحترم ،السلم عليكم ورحمة ال وبركاته،
قبل عدة أشهر التقيت أحد الصدقاء في الجامعة ،وكان قد سافر إلى اليمن بعد أن ترك الجامعة
في مجال الهندسة ليطلب العلم الشرعي ،لكنه عاد بعد ذلك لنه صدم بسوء الدراسة هناك ،وهو
للعلم شيخ كما يسمونه هنا (ملتحٍ) لحية إسلمية ،وهو ملتزمٌ عمره 23سنة ،منذ أن عاد توطدت
علقتي معه حتى وصلت إلى درجة الخوة والحمد ل.
المشكلة هي في نظرة هذا الخ إلى الدنيا ،فهو ينظر إليها على أنها عدو ،وهي نظرة الصحابة
إليها ،فهو يعتقد أننا يجب أن نتعبد فقط ل بقراءة القران والصلة والصيام ،وأننا ل يجب أن نحتك
بالدنيا إل بقدر الحاجة الضرورية الملحة ،مثل العمل ،وأن نقضي وقت الفراغ في العبادة فقط" :فإذا
فرغت فانصب" ،وحجته في ذلك هي الصحابة ،فهو يقول أن من عمل منهم للدنيا قد ندم ندمًا شديدًا،
قلت له بأن هذا التفكير يؤدي إلى تخلف المسلمين ،وأننا يجب أن نعمل في مجالت الهندسة
والطب ....إلخ ،لكي نسد الثغور والتخلف الهائل الذي لحق بنا ،كان جوابه بأننا حين نعود إلى ال
ونعبده حق عبادته بنية خالصة سيجعلنا ال سادة الدنيا ،وسيجعلها عبدًا لدينا ،وأننا لن نحتاج إلى
المهندسين أو الطباء أو الغرب أو العلم ،وأننا لن نلحق بالغرب لنهم سبقونا بسنين ،ومثاله في هذا
أنه حين ل يركب "باص" الجامعة بسبب الغاني في "الباص" ييسر له ال واسطة أخرى (وهو ما
يحصل بالفعل حين أكون معه حتى على مستوى التاكسي فحين أركب معه يكون السائق يستمع إلى
القران).
هو يقول بأنه يجب أن نعود إلى ال بصدق وهو سيحل جميع مشاكلنا ،وحجته في الخوف من
الدنيا هو أن التعمق فيها للدراسة مثلً يؤدي للنغماس فيها مما يؤثر سلبًا على العبادة (وهو ما
لحظته أنا فحين أجلس للبرمجة مثلً وأسمع الذان أشعر ببعض الكسل لداء الصلة لني أكون في
ذروة التفكير والنغماس بالمشكلة والمر نفسه عند الدراسة).
قبل عدة أسابيع اشتركت بإحدى الدورات البرمجية فلمني بشدة فأصبحت في موقع المفرط
بدينه ،وهو على حق إلى حدّ ما ،لني لحظت أن خشوعي في الصلة وتأثري بالقرآن أصبحا أقل
لني أرجع إلى البيت منهكًا.
باختصار شديد ،هو يؤمن بأننا يجب أن نعمل للخرة فقط وأن ل نحتك بالدنيا إل بقدر الحاجة
الضرورية (وهو مصطلحٌ نسبيّ في نظري لن حاجتي غير حاجة المة) ،وإننا حين نعود إلى ال
سيجعل لنا من أمرنا مخرجًا ،ويرزقنا من حيث ل نحتسب ،وأن مصدرنا يجب أن يكون القرآن
والسنة -وليس إسلم أون لين.نت كما يقول لي مازحًا ،وهو يلومكم بشدة لنكم ل تستشهدون
بالقران أو بالسنة ،ويصفكم بالنموذج المتأثر بالغرب والعلم ،وأنكم "دنيويون" بشكلٍ بحت .-
المشكلة أنه يحثني بشدةٍ لكي أتبنى رؤيته هذه ،وأنا مقتنعٌ برؤيته إلى حدّ ما ،لكن أخشى أن
يكون مخطئًا أو مغاليًا .
أنا حائرٌ بشدةٍ هل هو على صواب ؟ هل يجب أن أوقف الدورات ومسيرتي العلمية وأتعبد فقط
؟ هل هذا تواكل ؟
بالمناسبة هو يعتبر أن طلب الخرة عن طريق الدنيا خطأٌ كبير (وهو نموذج الستاذ عمرو
خالد) ،فالستاذ عمرو يقول أنه ما من مانعٍ من ممارسة الرياضة والنشطة الخرى ،بشرط تغيير
النية لكي نحصل على حسناتٍ أثناء النشاط (مثلً أمارس الرياضة بنية تفريغ الطاقة لقتل الشهوة
الملحة والبتعاد عن المعصية) ،ولكن هذا الصديق يقول أن الدنيا ل تجتمع مع الخرة ،وأنه ل يجب
أن نتعبد إلى ال بالدنيا (كما تفعلون أنتم مثلً حسب ما يقول حيث إنكم تقومون بعملٍ دنيويّ تطلبون
به رضا ال فلكم حسنات لكنها ليست العبادة) لن مشاكلنا هي نتيجة البتعاد عن ال ،وأنكم تقدمون
حلولً مؤقتةً ،ول تحلون المشكلة الساسية ،وحين أخبره بأن هذه الحلول ضروري ٌة فهي أشبه
بحبوب العلج ،التي يجب أخذها يجيب قائلً بأن حتى حبوب العلج نحن لسنا بحاجةٍ لها ،لو عرفنا
ال كما ينبغي فكم من مريضٍ بالسرطان شفي برجوعه إلى ال.
هو يظن أن الخذ بالسباب ينسيك أو يقلل من اعتمادك على المسبب ،وأن ل حاجة للتخطيط،
لننا نخطط ويحصل عكس ما نخطط له دائمًا ،أي أن الدنيا "غدارة ملهاش أمان" ،وهو مصيبٌ في
هذه النقطة ،هو يقول دائمًا" :كلما زاد اليمان قل الخذ بالسباب" ،وقول الرسول صلى ال عليه
وسلم" :عش في الدنيا كأنك غريب أوعابر سبيل" ،وقوله عليه الصلة والسلم" :كان السلم غريبًا،
وسيعود غريبًا فطوبى للغرباء" ،وقول الرسول" :لو أنكم تتوكلون على ال حق توكله لرزقكم كما
يرزق الطير تغدو خماصًا وتعود بطانًا" ،وقوله تعالى" :وما خلقت الجن والنس إل ليعبدون ،ما
أريد منهم من رزقٍ وما أريد أن يطعمون ،إن ال هو الرزاق ذو القوة المتين" ،وقوله تعالى" :وأمر
أهلك بالصلة واصطبر عليها ل نسألك رزقا".
للعلم فهو كان في الثانوية من الوائل وليس فاشلً حتى يقال بأنه معقد.
أنا حائرٌ بشدة ،ارجو التوضيح بحكم خبرتكم الواسعة.
المستشار:
كمال المصري
الرد
يا أخي الحبيب عليّ ،ما أشبه الليلة بالبارحة.
منذ سنين طوال ،ومع نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات ،قدّر ال تعالى لي أن ألتقي مجموعةً
حملت نفس فكر صاحبك هذا ،ومن قبيل التقدير كذلك أن كان أحدها طالبًا في كلية الهندسة ،ثم
تركها ليبيع "عرق السوس" في الشوارع !! بدعوى أن نكون في الدنيا كعابري السبيل .ودار بيني
وبينهم حديثٌ طويل ،ل أكاد أذكر منه إل أسئلةٍ ثلثٍة أساسية:
السؤال الول :مَن أعبد ل تعالى وأقرب لفهم السلم ،نحن أم الرسول صلى ال عليه وسلم ؟
السؤال الثاني :ما سنن ال تعالى في الكون التي قررها وأمرنا بالتزامها ؟
السؤال الثالث :لماذا نحمّل ديننا تقصيرنا ؟
وبهذه السئلة الثلثة سأجيبك عن حيرتك يا أخي الحبيب.
ولكن قبلها عليّ أن أؤكد على أن جزءًا مما قاله صاحبك صحيح ،وهو أن على المرء أن
يشغل نفسه بالعبادة والقرب من ال تعالى ،وأن يعمل للخرة كي يجد ما يلقى به ربه تعالى حين
يلقاه ،هذا الكلم في مجمله صحيح ،لن الغاية النهائية هي الخرة ،لكنه في تفصيله يكون خطأً حين
ل ل يفعل شيئًا ول يخطط ندعي تحت زعم رغبة الخرة أن على المرء في الدنيا أن يحيا كسولً تنب ً
لشيء ،إن هذا الكلم أشبه بمقولة المام عليّ رضي ال عنه" :كلمة حقّ أريد بها باطل".
أعود لسئلتي الثلثة:
السؤال الول :مَن أعبد ل تعالى وأقرب لفهم السلم ،نحن أم الرسول صلى ال عليه وسلم ؟
إن من أغرب وأعجب ما يدهشني أن أجد أحدًا يدّعي أنه يفهم السلم أفضل من فهم رسول
ال صلى ال عليه وسلم ! ..ل يعجب أح ٌد من كلمي ،فقد رأيت الكثيرين من المسلمين يفعلون ذلك
بأيديهم دون أن تتلفظ بذلك ألسنتهم ،ولو أمعن الجميع النظر حوله لوجد الكثيرين من أمثال هؤلء.
من يعترض على كلمي فليجبني:
-ألم يأتِ قومٌ إلى رسول ال صلى ال عليه ويتقالّوا عبادته كما ورد في الحديث الصحيح عن
أنس بن مالك رضي ال عنه قال( :جاء ثلث رهطٍ إلى بيوت أزواج النبي صلى ال عليه وسلم
يسألون عن عبادة النبي صلى ال عليه وسلم ،فلما أخبروا كأنهم تقالُوها ،فقالوا :أين نحن من النبي
صلى ال عليه وسلم ،قد غفر ال له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ؟ قال أحدهم :أما أنا فإني أصلي
الليل أبدًا ،وقال آخر :أنا أصوم الدهر ول أفطر ،وقال آخر :أنا أعتزل النساء فل أتزوج أبدًا ،فجاء
رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال" :أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما وال أتي لخشاكم ل واتقاكم له،
لكني أصوم وأفطر ،وأصلي وأرقد ،وأتزوج النساء ،فمن رغب عن سنتي فليس مني") رواه
البخاري ومسلم.
ماذا يسمّى هذا غير أنهم قد فهموا السلم أكثر من رسول السلم ؟
-كنت مرةً أتحدث مع أخٍ ملتز ٍم واختلفنا في حكم مسألةٍ فقهيةٍ ،فقال" :لو أتيتني بنصّ صحيحٍ
أن رسول ال صلى ال عليه وسلم فعل ذلك فسأبقى أقول أنه حرام" !!
عندها كانت إجابتي" :هذا دين ال تعالى ،إذا كنت تريد دينًا غير دين ال تعالى فأنت وما
تشاء" ،أليس هذا فهمًا من أخينا هذا للسلم أفضل من فهم رسول ال صلى ال عليه وسلم له؟
-من ينكر منطق الخذ بالسباب الذي أمرنا ال تعالى به ،ونفذه بالفعل رسولنا صلى ال عليه
وسلم ،من ينكر ذلك أل يكون قد فهم الدين أفضل من رسول هذا الدين ،بل أفضل من ال تعالى،
تعالى ال سبحانه عن ذلك علوّا كبيرًا ؟!!
جبُ في النفوس ؟! حسنًا ..اقرءوا معي قول ال تعالى" :والذين جاهدوا فينا
ما زال العَ َ
لنهدينهم سبلنا وإن ال لمع المحسنين" .قال المام القرطبي( :قال ابن عطية :إنما هو جهادٌ عا ّم في
دين ال وطلب مرضاته ،وقال ابن عباس وإبراهيم بن أدهم :هي في الذين يعملون بما يعلمون)
وقال المام القرطبي كذلك( :وقال أبو سليمان الداراني :ليس الجهاد في الية قتال الكفار فقط
بل هو نصر الدين والرد على المبطلين؛ وقمع الظالمين؛ وعظمة المر بالمعروف والنهي عن
المنكر ومنه مجاهدة النفوس في طاعة ال وهو الجهاد الكبر وقال سفيان بن عيينة لبن المبارك:
إذا رأيت الناس قد اختلفوا فعليك بالمجاهدين وأهل الثغور).
أليست هذه النصوص تؤكد على الخذ بالسباب ؟ فما العمل ،والجهاد ،ونصر الدين ،وقمع
الظالمين ،والمر بالمعروف والنهي عن المنكر إل مظاهر الخذ بالسباب لنيل هداية ال تعالى.
يقول المام ابن قدامة( :أن يكون الطعام بين يديك وأنت جائع ،فل تمد يدك إليه وتقول :أنا
متوكل ،وشرط التوكل ترك السعي ،ومد اليد إلى الطعام سعي ،وكذلك مضغه وابتلعه ،فهذا جنون
محض ،وليس من التوكل في شيء ،فإنك إذا انتظرت أن يخلق ال فيك شبعًا دون أكل الطعام ،أو
يخلق في الطعام حركة إليك ،أو يسخر مَلكًا ليمضغه ويوصله إلى معدتك ،فقد جهلت سنة ال).
ثم قال رحمه ال تعالى( :ليس من شرط التوكل ترك السباب الدافعة للضرر ،فل يجوز النوم
في الرض المسبعة -أي التي فيها السباع من الحيوانات ،-أو مجرى السيل ،أو تحت الجدار
الخرب ،فكل ذلك منهيّ عنه).
ليس ما كتبت كافيًا؟؟ حسنًا ،ما قولكم في:
-قول ال تعالى للمجاهدين" :وليأخذوا أسلحتهم" حين الصلة ساعة مواجهة العدو -أو صلة
الخوف كما أسماها الفقهاء " :-وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا
أسلحتهم"..لمَ أمر ال تعالى المؤمنين وهو في قمة القتراب منه سبحانه حين يجاهدون في سبيله
تعالى ،والجهاد مقامه معروفٌ لدى الجميع ،لمَ أمرهم ال تعالى أن يأخذوا أسلحتهم ؟ بل لمَ أمرهم
بالصلة بهذه الكيفية ؟؟ ألم يكن ال تعالى قادرًا على أن ينصر عباده دون حاجةٍ لهذه الستعدادات
أم أن المر أخ ٌذ واجبٌ بالسباب حتى من قِبَل أقرب الناس إليه سبحانه :المجاهدين في سبيل ال
تعالى ؟
-قصة السيدة مريم في سورة مريم ،وهي امرأةٌ حاملٌ ،وحيدةٌ ،ضعيفةٌ ،وزادها ضعفًا أنها
ساعة المخاض أو الولدة بما في ذلك من آل ٍم كبيرة ،وأكمل ضعفها أنا كانت يائسةٌ" :قالت يا ليتني
مت قبل هذا وكنت نسيًا منسيّا" ،ورغم كل هذا أمرها ال تعالى أن تأخذ بالسباب كي يصل إليها
الطعام ،رغم كونه سبحانه غير محتاجٍ لهذه السباب ،ورغم كونها أضعف من أن تهز فرع شجرةٍ
ل جذع نخلةٍ" :وهزي إليك بجذع النخلة تُساقِط عليك رُطَبًا جنيّا ،فكلي واشربي وقرّي عينًا".
هل لهذا معنى آخر غير الخذ بالسباب مهما كانت طاقة النسان ضعيفة ؟؟
( -عن عمر رضي ال عنه :أن النبي صلى ال عليه وسلم كان يبيع نخل بني النضير،
ويحبس لهله قوت سنتهم) رواه البخاري .أما كان رسول ال صلى عليه وسلم أولى الناس أن
يجلس في بيته ويطعمه ال تعالى ويسقيه ،لكنه لم يفعل ذلك ؟؟
عقِلْها وأتوكل ،أو أُطِلقْها
-عن أنس بن مالك رضي ال عنه قال( :قال رجل :يا رسول ال ،أَ ْ
وأتوكل ؟ قال" :اعقلها وتوكل") رواه الترمذي ،وقال حديثٌ غريب ،ورواه الطبرانيّ بسندٍ جيد.
فالمرء كي يتوكل عليه أن يعقل المور ويأخذ بأسبابها.
أخْذ رسول ال تعالى بالسباب كامل ًة في هجرته ،ويوم بدرٍ ،حتى لقد قال أبو بكرٍ لرسول ال
صلى ال عليه يوم بدرٍ لمّا رأى منه حسن الخذ بالسباب وحسن التوكل على ال تعالى( :يا نبي
ال ،كفاك مناشدتك ربك ،فإنه سينجز لك ما وعدك) رواه مسلم.
فليرجع كل امرئٍ فينا إلى السيرة وليقرأ هاتين الحادثتين :الهجرة ،وغزوة بدر ،ليرى كيف أخذ
رسول ال صلى ال عليه وسلم بالسباب قبل أن يتوكل على ال تعالى.
السؤال الثاني :ما سنة ال تعالى في الكون التي قررها وأمرنا بالتزامها ؟
إن سنن الكون والدنيا التي قررها ربنا سبحانه وأمرنا بالتزامها هي إعمار الرض :قال تعالى:
ل يقول أن عمارة
"هو أنشأكم من الرض واستعمركم فيها" أي خلقكم لعمارتها ،وليس من عاق ٍ
الرض تكون بالعبادة فقط ،فكما أن العبادات وإقامتها في الرض توجيه قرآني ،كذلك فإن الرقي
بالبلد ،وبلوغ أعلى مسالك العلم والتقدم هو أيضا واجبٌ دينيّ ،ومقصدٌ قرآنيّ.
وقال تعالى" :وإذ قال ربك للملئكة إني جاعل في الرض خليفة" ،فقد أناب ال النسان في
الرض للتصرف فيها وعمارتها ،والستخلف ينبع من مبدأ وحدانية الخالق فهو المالك الواهب
الذي منح النسان أمانة الخلفة في الرض ،ورزقه من العقل والرادة ما يمكنه من عمارتها
واستغلل خيراتها ،والنسان فيها موكلٌ في التصرف حسب ما أمره ال به ،وبما شرعه له ،وليس
كما يريد النسان لنفسه ،وقد أوضحت الية بجلء أن الخليفة ليس هو من يُفسد في الرض ،وإنما
هو من يعمّرها ،حين تساءلت الملئكة" :أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء" ،فكان رد المولى
جل شأنه" :إني أعلم ما ل تعلمون".
وكي يحقق النسان وظيفته كخليف ٍة في الرض لبد أن يستوفي ثلثة عناصر هي:
-1عمارة الرض.
-2حماية هذه العمارة من الفساد والفساد.
-3إصلح ما قد يطرأ عليها من فساد.
-1عمارة الرض:
قال تعالى" :هو أنشأكم من الرض واستعمركم فيها" أي خلقكم لعمارتها .وقال صلى ال عليه
وسلم" :ما من مسلمٍ يغرس غرسًا أو يزرع زرعًا فيأكل منه طيرٌ أو إنسانٌ أو بهيمةٌ إل كان له به
صدقةٌ" رواه البخاري ومسلم .قال المام ابن حجر( :وفي الحديث فضل الغرس والزرع والحض
على عمارة الرض).
وينطبق على هذا كل شيء ،فأي إنجازٍ هو إعمار ،وأي تعلّمٍ هو إعمار ،وأي اختراعٍ هو
إعمار ،كلّ مسل ٍم يعمّر في هذا الدنيا حسب مجاله وطريقته وطاقته ،العالم بعلمه ،والمخترع
باختراعه ،والعامل بإتقانه لعمله ،وطالب العلم بزيادته من التعلم وحرصه على طلبه ،وهكذا.
-2حماية هذه العمارة من الفساد والفساد:
إن شكر نعم ال تعالى بحفظها وعدم إتلفها هو حمايةٌ لهذه العمارة ،فقد نهى القرآن الكريم عن
ي عملٍ يؤدي إلى الفساد في الرض ،فقال تعالى" :ول تفسدوا في الرض بعد إصلحها" ،قال أ ّ
المام القرطبي( :أنه سبحانه نهى عن كلّ فسا ٍد قلّ أو كثر بعد صلحٍ قلّ أو كثر ،فهو على العموم
على الصحيح من القوال ،وقال الضحاك :معناه ل تعوروا الماء المعين ،ول تقطعوا الشجر المثمر
ضرارًا).
ونهى ال تعالى عن الفساد حين قال" :ول تعثوا في الرض مفسدين".
كما نهى رسولنا صلى ال عليه وسلم المسلم من الضرار بنفسه أو بغيره حين قال" :ل ضرر ول
ضرار" رواه أحمد والطبراني ،ورجاله ثقات ،وقد اعتُبر هذا الحديث قاعدةً أساسيةً من القواعد التي
قام عليها السلم.
والمسلم ل يُظهر في الرض الفساد أبدًا ،فهي عادة أهل الكفر كما أعلمنا ال تعالى في آياتٍ
كثيرة ،وكما أخبر سبحانه عن حال أممٍ كثيرةٍ:
" -وإذا قيل لهم ل تفسدوا في الرض قالوا إنما نحن مصلحون ،أل إنهم هم المفسدون ولكن ل
يشعرون".
" -وإذا تولى سعى في الرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل وال ل يحب الفساد".
" -إنما جزاء الذين يحاربون ال ورسوله ويسعون في الرض فسادًا أن يُقتّلوا أو يُصلّبوا أو
تُقطّع أيديهم وأرجلهم من خلفٍ أو يُنفَوا من الرض ذلك لهم خزيٌ في الدنيا ولهم في الخرة عذابٌ
عظيمٌ".
" -تلك الدار الخرة نجعلها للذين ل يريدون علوّا في الرض ول فسادًا والعاقبة للمتقين".
" -الذين ينقضون عهد ال من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر ال به أن يوصل ويفسدون في
الرض أولئك هم الخاسرون".
" -فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الرض وتقطعوا أرحامكم ،أولئك الذين لعنهم ال
فأصمهم وأعمى أبصارهم ،أفل يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها".
" -فلول كان من القرون من قبلكم أولوا بقي ٍة ينهون عن الفساد في الرض إل قليلً ممن أنجينا
منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين".
" -وكان في المدينة تسعة رهطٍ يفسدون في الرض ول يصلحون".
" -وابتغ فيما آتاك ال الدار الخرة ول تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن ال إليك ول تبغ
الفساد في الرض إن ال ل يحب المفسدين".
" -وإلى مدين أخاهم شعيبًا فقال يا قوم اعبدوا ال وارجوا اليوم الخر ول تعثوا في الرض
مفسدين"" - .ويسعون في الرض فسادًا وال ل يحب المفسدين".
-3إصلح ما قد يطرأ عليها من فساد:
الصلح هو رسالة المسلم ،قال تعالى" :إن أريد إل الصلح ما استطعت ،وما بتوفيقي إل
بال عليه توكلت وإليه أنيب" .وهو مستوى رفيعٌ لليجابية ،يتعدى السلبية ليصل إلى فعل الخير،
والمتناع عن الفساد ،ومنع الغير من الضرر والفساد.
كما أن الصلح تأصيلٌ لنتماء المسلم لمته ،وللمسئولية نحوها.
وأبرز مثالٍ على هذا المفهوم هو حديث النبي صلى ال عليه وسلم" :مثل القائم على حدود ال
والواقع فيها ،كمثل قومٍ استهموا على سفينة ،فأصاب بعضهم أعلها وبعضهم أسفلها ،فكان الذين في
أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم ،فقالوا :لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا ،ولم نؤذ من
فوقنا ،فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا ،وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا" رواه
البخاري.
بل إن إنكار الفساد ومحاربته مقياسٌ ليمان المسلم ،ففي الحديث عن النبي صلى ال عليه وسلم
قال" :من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده ،فإن لم يستطع فبلسانه ،فإن لم يستطع فبقلبه ،وذلك أضعف
اليمان" رواه مسلم.
وفي هذا دعوةٌ لكل مسلم أل يكون سلبيّا تجاه أي خطر يهدد المجتمع.
إن عناصر خلفة العبد ل تعالى وإعمار الكون والحفاظ عليه ،هي سنة ال تعالى التي أمرنا
نحن المسلمين بتنفيذها ،وأي إهمالٍ في ذلك ما هو إل تقصيرٌ في حقّ ال تعالى ،والهتمام الحقيقي
بالدنيا ،الهتمام المنضبط الذي ل يُغرِق فيها ،وإنما يحقق غاية ال تعالى فيها ،هو الهتمام الذي
ح أو قلب.علينا اللتزام به ،بعيدًا عن رهبنةٍ نخالف بها دين ربنا سبحانه ،أو مادي ٍة تقتل فينا كل رو ٍ
السؤال الثالث :لماذا نحمّل ديننا تقصيرنا ؟
تقول يا أخي علي( :وحجته في الخوف من الدنيا هو أن التعمق فيها للدراسة مثلً يؤدي
للنغماس فيها مما يؤثر سلبًا على العبادة (وهو ما لحظته أنا فحين أجلس للبرمجة مثلً وأسمع
الذان أشعر ببعض الكسل لداء الصلة لني أكون في ذروة التفكير والنغماس بالمشكلة والمر
نفسه عند الدراسة)).
ذكرني قولك هذا يا أخي الحبيب برجلٍ ركب سيارته ليذهب لموعد له ،ولكنه لم يحركها إل بعد
أكثر من نصف ساع ٍة من ركوبها ،فوصل متأخرًا عن موعده ،ترى أتلم السيارة عن وصول
صاحبها متأخرًا ،أم الملم هو راكبها ؟
هذا تمامًا هو ما أجيب به عن حالتك وحالة صاحبك وحالة كل من يرى ذلك .لماذا نحمّل ديننا
نتائج تقصيرنا ،الكسل الذي يصيبنا ويمنعنا من الذهاب للصلة في المسجد هو من فعل يدينا ،ول
دخل للصلة ول للدنيا به ،أم أننا نريد أن نعلق أخطاءنا على غيرنا ؟
إن سيرة سلفنا الصالح لتنبئك بالمزيد ،فهم كانوا في أعمالهم ،ولكنهم أهل الصف الول في
المسجد في الوقت ذاته ،تخبرنا سيرتهم أن أحدهم كان يرفع مطرقته ليضرب بها الحديد ،فيؤذّن
للصلة فل تنزل يده على الحديدة ،بل يهمّ مسرعًا ملبيّا النداء ،يكفينا البحث عن مبرراتٍ
لتقصيراتنا ،ولنقف أمام أنفسنا وقفة صدقٍ حقيقيةٍ ،فل أعمالنا تمنعنا عن ديننا ،ول العلم يبعدنا عن
ال تعالى.
كل ما أتيقنه أن ربي سبحانه أخبرني أن العلم يوصل لخشيته جل شأنه" :إنما يخشى ال من
عباده العلماء" ،فكيف يتحول العلم إلى مانعٍ من ال تعالى ؟؟
نحن من تحوّلنا ل ديننا ،ول دنيانا.
أخي عليّ،
بقي أخيرًا أن أجيب على الستدللت التي ذكرها صاحبك ،حتى ل أدع مجالً للشك أو الريبة:
-الستدلل بقول ال تعالى" :فإذا فرغت فانصب".
ليس فيه أي دليل ،فهو أمرٌ لرسول ال صلى ال عليه وسلم ولمته بعده أن يلتزم المسلم بالصلة ثم
بالدعاء ،بل وجدت من المفسرين من فسّر الية بغير الفراغ من الصلة ،قال المام الطبري -ونقل
نحو ذلك المام القرطبي ( :-إذا فرغت من الجهاد فانصب في عبادة ال "وإلى ربك فارغب").
أليس الجهاد هو أخذٌ بالسباب ؟
-الستدلل بقول ال تعالى" :ومن يتق ال يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث ل يحتسب"،
وبقول ال تعالى" :وأمر أهلك بالصلة واصطبر عليها ل نسألك رزقًا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى".
وهذا استدللٌ خاطئٌ كذلك ،فليس معنى الية أن يجلس المرء في بيته ويرزقه ال تعالى ،ولكن
معناها تحري الحلل في الرزق ،كما قال المام الزجاج في تعليقه على "ويرزقه من حيث ل
يحتسب"( :أي إذا اتقى وآثر الحلل والتصبر على أهله ،فتح ال عليه إن كان ذا ضيقة ورزقه من
حيث ل يحتسب).
وكما قال المام القرطبي في تعليقه على "وأمر أهلك بالصلة واصطبر عليها ل نسألك رزقا":
(والصحيح ما أحكمته السنة عند فقهاء الظاهر وهو العمل بالسباب الدنيوية من الحرث والتجارة في
السواق والعمارة للموال وغرس الثمار ،وقد كانت الصحابة تفعل ذلك والنبي صلى ال عليه وسلم
بين أظهرهم) .وأظن ما نقلته آنفًا من قيام رسول ال صلى ال عليه وسلم بالعمل ببيع نخل بني
النضير لكسب قوت أهله يؤكد هذا المعنى.
-الستدلل بحديث" :كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل" البخاري
ليس فيه دللة إل على ضرورة أل يجعل النسان الدنيا أكبر همه ،وقد نقل ابن حجر في معنى
الحديث( :هذا الحديث أصل في الحث على الفراغ عن الدنيا والزهد فيها والحتقار لها والقناعة فيها
بالبلغة)
والبلغة (أي ما يبلغ بك) ل تأتي إل بالطريق الذي أخبرنا ال تعالى به ،وهو الخذ بالسباب
كما بينتُ آنفًا.
-الستدلل بقول الرسول صلى ال عليه وسلم" :بدأ السلم غريبًا ،وسيعود كما بدأ غريبًا،
طوبى للغرباء" رواه مسلم ،لم أفهم الحقيقة وجه الدللة فيه على ترك الخذ بالسباب.
-الستدلل بحديث" :لو أنكم تتوكلون على ال حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير ،تغدو
خماصًا -أي جائعة -وتروح بطانًا -أي شَبِعة" رواه أحمد والترمذي بسندٍ صحيح.
هذا الحديث يؤيد ما نقول بوجوب الخذ بالسباب ،فقد نصّ على قيام الطير بالعمل عبر الغدو
والرواح ،ولو لم تفعل ذلك لما رزقها ال تعالى.
قال المام القرطبي( :فأخبر أن التوكل الحقيقي ل يضاده الغدو والرواح في طلب الرزق).
وقال المام ابن حجر( :والمراد بالتوكل اعتقاد ما دلت عليه هذه الية "وما من دابة في
الرض إل على ال رزقها" ،وليس المراد به ترك التسبب والعتماد على ما يأتي من المخلوقين،
لن ذلك قد يجر إلى ضد ما يراه من التوكل.
وقد سئل أحمد عن رجل جلس في بيته أو في المسجد وقال ل أعمل شيئا حتى يأتيني رزقي
فقال :هذا رجل جهل العلم ،فقد قال النبي صلى ال عليه وسلم" :إن ال جعل رزقي تحت ظل
رمحي" وقال" :لو توكلتم على ال حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصًا وتروح بطانا"
فذكر أنها تغدو وتروح في طلب الرزق ،قال :وكان الصحابة يتجرون ويعملون في نخيلهم ،والقدوة
بهم).
-الستدلل بقول ال تعالى" :وما خلقت الجن والنس إل ليعبدون"
ل تعالى ،ومن قال أن إعمار الدنيا ليس من عبادة ال تعالى؟
الحياة كلها خُلِقت كي يعبد الناسُ ا َ
ل أقول بالركون للدنيا ،ولكنني أطلب التوازن ،ولنعلم أن قانون ال تعالى الذي يسيّر به المور
هو" :إنّ ال ل يُغيّر ما بقومٍ حتى يغيّروا ما بأنفسهم" ،وأنّ هداية السبيل والحسان ل تأتي إل لمن
جاهد في ال تعالى" :والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإنّ ال لمع المحسنين" ،وهذا منهج ال تعالى
الذي أمرنا بالتزامه ،وسار عليه المسلمون إلى اليوم ،فهو ليس منهج الخ "عمرو خالد" ،وإنما هو
منهج قديمٌ متّ َبعٌ.
أل هل بلغت اللهم فاشهد ..أنتظر أن أسمع منك يا عليّ.
نشكر مستشارنا الكريم على نصيحته وكلماته المضيئة ،وفي وقتننا هذا يجب أن نسأل :هل
نترك أمتنا نهبًا لقوى البغي والعدوان ؟ هل نذهب للتعبد ونترك أرضنا وأعراضنا وأطفالنا تستباح
من القاصي والداني ؟ هل نسجد ونترك سيف أعداء ال فوق رؤوسنا يهوي ؟ ومنذ متى يا أخي كان
الضعف والجهل من أمر ال أو من سنة رسول ال ؟
أخي الفاضل لتنخدع بمظاهر اليمان ولو رأيته يطير في الهواء أو يسير على الماء ،وكن
على غرس رسول ال صلى ال عليه وسلم .وكن على تواصل معنا .المحرر
ختاماً جزى ال موقع اسلم اون لين كل خير على هذه الفوائد
وهذه التوجيهات
ول تنسوني من صالح الدعاء
أخو الحرار