You are on page 1of 212

‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.

com‬‬

‫تم تحميل هذا الكتاب‬


‫من مكتبة موقع‬
‫"بّلغوا عّني ولو آية"‬
‫رسالتنا‪ :‬يصل الكثير من الناس بعض الرسائل اللكترونية عن السلم ويقومون‬
‫صصنا هذه‬‫بحذفها أو تجاهلها بحجة أنها طويلة ويثقل عليهم قراءتها‪ .‬لذلك خ ّ‬
‫الصفحة للشتراك في عظة يومية قصيرة أو حديث شريف أو آية تصل إلى بريد‬
‫المشترك بحيث لن يصعب قرائتها والستفادة منها راجيا من المولى عز وجل‬
‫الجر والثواب‪ .‬مثال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬بلّـغوا عنّـي ولو‬
‫‪".‬آية‬

‫للشتراك في هذه الخدمة الرجاء زيارة موقعنا "بلّـغوا عنّـي ولو آية" في السفل‬
‫‪ :‬وتسجيل البريد اللكتروني‬
‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ :‬أو عن طريق إرسال رسالة ولو فارغة إلى‬


‫‪subscribe@balligho.com‬‬

‫‪.‬ويمكنكم أيضا أن تتصفحوا الرشيف بالحاديث المرسلة مسبقًا‬

‫ن في السلم سنة حسنة‪ ،‬فعمل بها‬ ‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬من س ّ‬
‫بعده‪ ،‬كتب له مثل أجر من عمل بها‪ .‬ول ينقص من أجورهم شيء‪ ...‬الحديث‪.‬‬
‫فاحرصوا يرحمكم ال على نشرها فكل من يزور الموقع ويستفيد منه عن طريقك‬
‫تكسب من الجر الكثير وإن قام بدوره بالعمل بها ونشرها أيضا فكلنا نكسب أمثل‬
‫‪.‬أجورهم ول ينقص من الجر شيئا‬

‫والسّنة‬
‫ب َ‬
‫دة إلى الك َِتا ِ‬ ‫و َ‬‫ع ْ‬
‫منهاجنا‪َ :‬‬
‫مة‬ ‫ف ال ُ‬‫سل َ ِ‬ ‫بِ َ‬
‫ّ‬ ‫هم ِ َ‬‫ف ْ‬

‫‪1‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ةة ةةةةة ةةة ةةةةةة ةةةة ةةةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة‬


‫)ةةةة ةةة ةةةةةةةة ةةة ةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة ةةة‬
‫ةةةةةةةة(‬

‫الكتاب ‪ :‬موسوعة البحوث والمقالت العلمية‬


‫جمع وإعداد الباحث في القرآن والسنة‬
‫حوالي خمسة آلف وتسعمائة مقال وبحث‬
‫علي بن نايف الشحود‬

‫ك ل تخذله‬‫بالله علي َ‬
‫مفكرة السلم‪:‬‬
‫أخي الحبيب تفكر قليل في هذا الموقف ‪......‬‬
‫دد على فراش الموت‪ ,‬ويقف حوله زوجاته‬ ‫الرسول صلى الله عليه وسلم مم ّ‬
‫أمهات المؤمنين وبعض من صحابته وهو يصارع سكرات الموت‪ ,‬بأبي هو‬
‫وأمي‪..‬‬
‫يفيق قليل ً ويغشى عليه أكثر‪..‬‬
‫ثم يتكلم بكلمات قليلة هي وصيته الخيرة‪ ..‬هل تعلم بماذا أوصى أصحابه‬
‫وأتباعه؟!‬
‫أوصاهم بالصلة‪ ..‬فقال صلى الله عليه وسلم‪' :‬الصلة‪ ..‬الصلة‪ ..‬وما ملكت‬
‫أيمانكم'‪.‬‬
‫من حضر منكم موت أحد أقاربه ورآه وهو يوصي أبناءه‪ ,‬ثم رأى بعدها همتهم‬
‫في تنفيذ هذه الوصية‪ ,‬ل َعَِلم مقصدي من هذا العنوان 'ل تخذله'‪..‬‬
‫فإذا كانت هذه همتنا في تنفيذ وصية أقاربنا‪ ,‬فمن العار علينا أن نخذل من‬
‫هو أحب إلينا من أقاربنا‪..‬‬
‫أخي الحبيب‪ ..‬حين أوصى النبي صلى الله عليه وسلم أمته بالمحافظة على‬
‫الصلة‪ ,‬كان يدرك أهمية هذه الوصية في عصره وفي كل العصور‪.‬‬
‫فالصلة ‪-‬كما نعلم جميًعا‪ -‬هي الركن الثاني في السلم؛ فقد قال المصطفى‬
‫صلى الله عليه وسلم‪' :‬بني السلم على خمس؛ شهادة أن ل إله إل الله وأن‬
‫دا رسول الله‪ ,‬وإقام الصلة‪.'...‬‬ ‫محم ً‬
‫ضا أول ما تحاسب عليه يوم القيامة‪ ,‬قال النبي صلى الله عليه‬ ‫وهي أي ً‬
‫وسلم‪' :‬أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة عن الصلة‪ ،‬فإن صلحت‪ ،‬صلح‬
‫سائر عمله‪ ،‬وإن فسدت‪ ،‬فسد سائر عمله'‪ .‬وكأن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم يريد أن يخبرنا أن أي عمل يصبح عديم القيمة لصاحبه إن لم يكن‬
‫ظا على الصلة‪.‬‬ ‫محاف ً‬
‫ولذلك أخي الحبيب كان الخطاب بالمحافظة على الصلة موجه لجميع أفراد‬
‫دا عن الله‪ ,‬ولكن على اختلف لغة‬ ‫المة‪ ,‬من أعلم علمائها إلى أكثرها بع ً‬
‫الخطاب‪.‬‬
‫أما الذي يشترك فيه الجميع هو معرفة الهمية الكبرى للصلة في حياة‬
‫كز عليه في لقائنا هذا بإذن الله تعالى‪,‬‬ ‫المسلم اليومية‪ ,‬وهذا الذي سوف نر ّ‬
‫ما‬
‫وعلى كل فرد أن يأخذ من هذا الكلم ما يناسبه‪ ,‬وأًيا كانت شخصيتك عال ً‬

‫‪2‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫طا بعد قراءتك لهذا الكلم‪..‬‬ ‫طا‪ ,‬أطلب منك طلًبا بسي ً‬ ‫ما أو مفر ً‬ ‫أو داعية‪ ,‬ملتز ً‬
‫دا من الهتمام؟!‬ ‫حا‪ :‬أل تستحق الصلة مني مزي ً‬ ‫ً‬
‫ل نفسك سؤال صري ً‬ ‫س ْ‬
‫* قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪' :‬أرأيتم لو أن نهًرا بباب أحدكم‬
‫يغتسل منه كل يوم خمس مرات‪ .‬هل يبقى من درنه شيء؟!' قالوا‪ :‬ل يبقى‬
‫من درنه شيء‪ .‬قال‪' :‬فذلك مثل الصلوات الخمس؛ يمحو الله بهن الخطايا'‪.‬‬
‫وهذه من أعظم فوائد الصلة‪ ,‬أنها تمحو الخطايا إذا تم اجتناب الكبائر‪,‬‬
‫فتخيل نفسك وقد قبضك الله بعد صلة مكتوبة تقّبلها منك ولست من‬
‫أصحاب الكبائر‪ ,‬فتقابله وما عليك خطيئة‪.‬‬
‫من ْك َرِ {‬ ‫ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫شاِء َوال ُ‬ ‫ف ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫صلة َ ت َن َْهى عَ ِ‬
‫ن ال ّ‬‫صلة َ إ ِ ّ‬
‫* يقول الله تعالى‪ } :‬وَأقِم ِ ال ّ‬
‫]العنكبوت ‪.[45‬‬
‫ما إذا‬ ‫ّ‬
‫قم صلته فسوف تنهاه عن المعاصي؛ لنك ستذكر نفسك دائ ً‬ ‫فمن ي ُ ِ‬
‫فا بين يديه منذ قليل'‪.‬‬ ‫هممت بمعصية‪' :‬اتق الله الذي كنت واق ً‬
‫* سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أحب العمال إلى الله فقال‪' :‬الصلة‬
‫على وقتها'‪.‬‬
‫* قال ابن القيم رحمه الله‪:‬‬
‫'الصلة‪ :‬مجلبة للرزق‪ ..‬حافظة للصحة‪ ..‬دافعة للذى‪ ..‬طاردة للدواء‪ ..‬مقوية‬
‫للقلب‪ ..‬مبّيضة للوجه‪ ..‬مفرحة للنفس‪ ..‬مذهبة للكسل‪ ..‬منشطة للجوارح‪..‬‬
‫ممدة للقوى‪ ..‬شارحة للصدر‪ ..‬مغذية للروح‪ ..‬منورة للقلب‪ ..‬حافظة للنعمة‪..‬‬
‫دافعة للنقمة‪ ..‬جالبة للبركة‪ ..‬مبعدة من الشيطان‪ ..‬مقربة من الرحمن'‪.‬‬
‫أخي الحبيب‬
‫أعلم أن هذه ليست المرة الولى التي تسمع فيه هذا الكلم ‪...‬‬
‫ولكن الله عز وجل يقول } وذكر إن الذكرى تنفع المؤمنين {‬
‫* وأخيًرا أخي الحبيب‪ ,‬فإن كان قلبك ما زال ينبض بحب النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم وأنت تعلم أن آخر وصاياه إليك هي المحافظة على الصلة‪..‬‬
‫فبالله عليك ل تخذله!!‬

‫)‪(1 /‬‬

‫بحث مختصر في دليل و تعليل جواز رمي الجمار قبل الزوال‬


‫عبدالله بن سليمان المنيع عضو هيئة كبار العلماء ‪5/12/1426‬‬
‫‪05/01/2006‬‬
‫الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله محمد وعلى آله وأصحابه وبعد‬
‫فهذه ورقة مختصرة في النظر في حكم رمي الجمار قبل الزوال والله‬
‫المستعان ‪.‬‬
‫من المعلوم لدى جمهور أهل العلم أن وجوب رمي الجمار مما ل خلف فيه‬
‫بين أهل العلم وأنه أحد واجبات الحج‪ ،‬وأنه ل يسقط عن الحاج بالعجز عن‬
‫أدائه بعد قيام وجوبه عليه مهما كانت حاله سواء أكان صغيًرا أم كبيًرا ذكًرا‬
‫أم أنثى مريضا أم صحيحا‪.‬‬
‫وأن النيابة عن العاجز بالرمي جائزة إذا كان العجز ثابتا غير مدعي ‪.‬‬
‫وأن الرمي عبادة لها وقتها المحدد للرمي فيها ‪.‬‬
‫وأن وقت رمي جمرة العقبة يوم العيد يبدء من جواز الدفع من مزدلفة ليلة‬
‫جمع إلى غروب الشمس‪.‬‬
‫وفي جواز رمي جمرة العقبة‪ -‬ليلة اليوم الحادي عشر من أيام التشريق –‬
‫خلف بين أهل العلم والقول بجوازه قول قوي عليه العمل وبه الفتوى ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأن العلماء مجمعون ‪ -‬إل من شذ ‪ -‬على أن رمي الجمار أيام التشريق بعد‬
‫الزوال هو ما تبرأ به الذمة وتطمئن به النفس خروجا من الخلف في ذلك ؛‬
‫وهو أفضل وقت للرمي ‪.‬‬
‫ي الجمار ليالي أيام التشريق قول لبعض أهل العلم صدر بالخذ به‬ ‫وأن رم َ‬
‫قرار مجلس هيئة كبار العلماء فصار الفتاء به والعمل عليه وتحقق به‬
‫التيسير على حجاج بيت الله الحرام‪ ،‬ومن مستند ْ الخذ به التيسير ورفع‬
‫الحرج ودفع المشقة‪.‬‬
‫وموضوع الجلسة النظر في توسيع وقت رمي الجمار أيام التشريق ليكون‬
‫ل ليله ‪.‬‬ ‫وقت الرمي لكل يوم منها كام َ‬
‫ل النهار مع كام ِ‬
‫ل يخفى أن جمهور أهل العلم ل يرون جواز رمي الجمار أيام التشريق إل بعد‬
‫الزوال إلى الليل وأن الرمي قبل الزوال ل يجزئ ومن اكتفى به فعليه دم‬
‫ودليل ذلك فعله صلى الله عليه وسلم وقوله‪):‬خذوا عني منا سككم(‪.‬‬
‫وهناك من أهل العلم من قال بجواز الرمي قبل الزوال لن يوم العيد وأيام‬
‫ي بعد الزوال‪ .‬قال بهذا‬ ‫التشريق كلها وقت للرمي وأن الفضل والتم الرم ُ‬
‫القول من العلماء عطاء وطاووس وابو حنيفة وهو رواية عن أحمد في يوم‬
‫النفر الول وقال به اسحاق ومحمد الباقر وجزم به الرافعي وحققه السنوي‬
‫وقال به ابن الجوزي وابن عقيل من الحنابلة وقولهم هذا يرد دعوى الجماع‬
‫على منع الرمي قبل الزوال‪.‬‬
‫ل على قولهم بما يلي ‪:‬‬ ‫واست ُدِ ّ‬
‫أول ‪ :‬ليس في كتاب الله تعالى ‪ ،‬ول في سنة رسوله محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم قول صريح في تحديد وقت الرمي بدًءا من الزوال ‪ ،‬وليس فيهما نص‬
‫صريح في النهي عن الرمي قبل الزوال‪ .‬والحتجاج على منع الرمي قبل‬
‫الزوال بفعله صلى الله عليه وسلم وقوله ‪ :‬خذوا عني مناسككم غير ظاهر‪.‬‬
‫فكثير من أفعاله صلى الله عليه وسلم في الحج هي على سبيل الستحباب ‪.‬‬
‫وكلم علماء الصول في تكييف فعله صلى الله عليه وسلم من حيث الوجوب‬
‫أو الستحباب أو الباحة معلوم ومذكور في موضعه من كتب الصول وأن‬
‫مجرد الفعل ل يقتضي شيئا من ذلك وكثير من أفعاله صلى الله عليه وسلم‬
‫في أعمال الحج كانت على سبيل الستحباب ولم يحتج أحد على وجوبها‬
‫بقوله صلى الله عليه وسلم ‪) :‬خذوا عني مناسككم (‪.‬‬
‫عاء والسقاة‬ ‫ِ َ‬ ‫ر‬‫لل‬ ‫رخص‬ ‫ثانيا ‪ :‬صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه‬
‫برمي جمار اليومين من أيام التشريق متقدما أو متأخًرا ؛ ولم ينههم صلى‬
‫الله عليه وسلم عن الرمي قبل الزوال ‪ .‬وتأخير البيان عن وقت الحاجة منزه‬
‫عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬ذكر مجموعة من أهل العلم أن للحاج تأخير رمي جماره إلى آخر يوم‬
‫من أيام التشريق فيرميها مرتبة على اليام السابقة وذكروا من تعليل ذلك‬
‫ي آخَر يوم لجميع‬ ‫أن أيام التشريق مع يوم العيد وقت واحد للرمي ‪ ،‬وأن الرم َ‬
‫ي قضاء واستدلوا على جواز ذلك بترخيصه‬ ‫ي أداء ل رم َ‬
‫أيام التشريق رم ُ‬
‫رعاء والسقاة بتقديم الرمي أو تأخيره ‪ .‬ول يخفى أن‬ ‫صلى الله عليه وسلم لل ِ‬
‫غالب العبادات لها أوقات تؤدي فيها ومن ذلك الصلة ‪ .‬ومن أوقات الصلة ما‬
‫ت اضطرار كوقت الفجر ووقت العصر‬ ‫ت اختيار وآخرهُ وق َ‬‫يكون أوله وق َ‬
‫ووقت العشاء ‪ .‬وأداء الصلة في أول وقتها أو في آخره سواء أكان ذلك في‬
‫وقت الختيار أم في وقت الضطرار يعتبر أداًء ل قضاًء ‪ .‬وقد قال بعض أهل‬
‫العلم في تعليل القول بجواز الرمي قبل الزوال ‪ .‬بأن وقت الرمي بعضه‬
‫وقت اختيار وذلك من زوال الشمس إلى غروبها وبعضه وقت اضطرار وهو‬

‫‪4‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بقية اليوم بما في ذلك ليله ‪.‬‬


‫ول نعلم خلفا بين أهل العلم في أن الصلة في وقتها الضطراري جائزة‬
‫وتعتبر أداًء ل قضاًء مع الثم في التأخير بل عذر ‪ .‬فقياس وقت الرمي على‬
‫وقت الصلة من حيث الختيار والضطرار قياس وارد ‪ .‬وقد قال بهذا بعض‬
‫أهل العلم في تعليل أن كامل الرمي آخر يوم من أيام التشريق رمي أداء ل‬
‫رمي قضاء ومجموعة من أهل العلم قالوا بأن كامل يوم العيد وأيام التشريق‬
‫وقت واحد للرمي ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫كما قالوا بأن الرمي نسك واحد من تركه أو ترك بعضه فعليه دم واحد‪ .‬وأن‬
‫الرمي عبادة واحدة ل تتعدد بتعدد الجمار ول بتعدد أيام الرمي ‪.‬‬
‫ول ُتعرف عبادة ٌ مؤقتة بوقت ل يجوز فعلها في بعضه‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬الترخيص للرعاء والسقاة في تقديم رميهم أو تأخيره ومبعثه رفع‬
‫الحرج ودفع المشقة والخذ بالتيسير‪ .‬ول شك أن المقارنة بين المشقة‬
‫الحاصلة على الرعاء والسقاة في تكليفهم برمي جمارهم مع الحجاج أيام‬
‫التشريق وبين ما يحصل عليه الحجاج في عصرنا الحاضر من المشقة البالغة‬
‫والزدحام المميت المقارنة بين الصنفين مقارنة مع مضاعفة الثر في الخير‬
‫ولئن حصل الترخيص للرعاء والسقاة بجواز تقديم رميهم أو تأخيره لدفع‬
‫المشقة ورفع الحرج فإن الترخيص بتوسعة الوقت للحجاج تؤكد جواَزه‬
‫ت المميتة والله يقول ‪) :‬وما جعل عليكم في الدين من حرج (‪.‬‬ ‫الزدحاما ُ‬
‫ومن القواعد الشرعية ‪ :‬المشقة تجلب التيسير ‪ .‬احتمال أدنى الضررين‬
‫لتفويت أعلهما‪ ،‬الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة الفردية ‪ ،‬إذا ضاق المر‬
‫اتسع ‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬الخلف في حكم الرمي في الليل أقوى من الخلف في حكم الرمي‬
‫قبل الزوال ‪ .‬ومع ذلك صدر قرار هيئة كبار العلماء بجواز الرمي في الليل‬
‫إلى طلوع الفجر وذلك لرفع الحرج ودفع المشقة والخذ بالتيسير مع أن‬
‫القول بعدم جواز الرمي في الليل قول جمهور أهل العلم ‪.‬ولكن الفتوى‬
‫تتغير بتغير الحوال والظروف فصدرت الفتوى بجواز ذلك ‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬ل نظن وجود منازع ينازع في أن رمي الجمار في عصرنا الحاضر‬
‫فيه من المشقة وتعريض النفس للهلك ما الله به عليم ‪ .‬ول يخفى أن‬
‫الضطرار يبيح للمسلم تناول المحرم لدفع هلك النفس غير باٍغ ول عاٍد‪.‬‬
‫حة قد تكون سببا‬ ‫مل ِ ّ‬
‫فالحتجاج على الجواز بالضطرار متجه ‪ .‬بل إن الحاجة ال ُ‬
‫لجواز الممنوع كجمع صلة الظهر مع العصر وصلة المغرب مع العشاء جمع‬
‫تقديم أو تأخير لمطر أو برد أو مرض أو غير ذلك من السباب المعتبرة وهذه‬
‫السباب المسوغة لذلك أضعف من أسباب جواز الرمي قبل الزوال في‬
‫عصورنا الحاضرة‪.‬‬
‫سابعا‪ :‬جاء عن الشيخ عبدالرحمن بن سعدي رحمه الله رواية من الشيخ‬
‫عبدالله بن عقيل في كتابه ‪":‬الجوبة النافعة عن المسائل الواقعة "في‬
‫معرض تعليق الشيخ عبدالرحمن على رسالة الشيخ عبدالله بن محمود رحمه‬
‫الله في حكم الرمي قبل الزوال ‪ .‬قال الشيخ عبدالرحمن ما نصه ‪:‬‬
‫) ويمكن الستدلل عليه بقول النبي صلى الله عليه وسلم لما كثرت عليه‬
‫السئلة من سأل عن التقديم والتأخير والترتيب )إفعل ول حرج ( ‪.‬‬
‫وأحسن من هذا الستدلل الستدلل بحديث ابن عباس المذكور حيث قال له‬

‫‪5‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫رجل رميت بعدما أمسيت قال ‪) :‬افعل ول حرج (‪.‬‬


‫ووجه ذلك أنه يحتمل أن قوله بعد ما أمسيت أي بعدما زال الزوال لنه‬
‫يسمى مساًء ‪ .‬ويحتمل أن يكون بعد ما استحكم المساء وغابت الشمس‬
‫فيكون فيه دللة على جوازه بالليل ‪ .‬ودليل أيضا على جوازه قبل الزوال؛ لن‬
‫السؤال عن جواز الرخصة في الرمي بعد المساء كالمتقرر عندهم جوازه في‬
‫جميع اليوم بل ظاهر حال السائل تدل على أن الرمي قبل الزوال هو الذي‬
‫بخاطره وإنما أشكل عليه الرمي بعد الزوال فلذلك سأل عنه النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪.‬‬
‫‪ -‬وذكر رحمه الله دليل آخر حيث قال ‪ : -‬إن أيام التشريق كلها ليلها ونهارها‬
‫أيام أكل وشرب وذكر لله‪ .‬وكلها أوقات ذبح ليلها ونهارها ‪ .‬وكلها على القول‬
‫الصحيح أوقات حلق‪ .‬وكلها يتعلق بها على القول المختار طواف الحج وسعيه‬
‫في حق غير المعذور وإنما يتفاوت بعض هذه المسائل في الفضيلة فكذلك‬
‫الرمي ‪ - .‬وقال ‪ -‬وفعل النبي صلى الله عليه وسلم ل يدل على تعيين الوقت‬
‫بل على فضيلته فقط ‪ -.‬وذكر رحمه الله ما نقله صاحب النصاف عن ابن‬
‫الجوزي وعن ابن عقيل في الواضح جواز ذلك قبل الزوال في اليام الثلثة ‪-.‬‬
‫ثم ختم تعليقه رحمه الله بقوله ‪ :‬فأنت إذا وازنت بين استدلل صاحب‬
‫جح ‪ .‬اهـ‬‫الرسالة واستدلل الجمهور رأيتها متقاربة إن لم تقل ‪ :‬تكاد أدلته ت َُر ّ‬
‫ص )‪.(344-342‬‬
‫وغني عن البيان القول بأن للقول وبالقول بجواز الرمي قبل الزوال سلف‬
‫من العلماء وتبرير معتبر لهذا القول وليس في القول به مصادمة لنص صريح‬
‫من كتاب الله تعالى أو من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو شذوذ في‬
‫القول به‪.‬‬
‫ونظ ًَرا إلى أن الضطرار يقوى ويتأكد في اليوم الول من يومي النفر وأن‬
‫قاعدة الترخيص للضطرار مشروطة بالقتصار على تغطية الحاجة الدافعة‬
‫للضطرار فأرى جواز الرمي قبل الزوال في يوم النفر الول لكون هذا‬
‫القول متفقا مع قدر الضرورة والقتصار عليه‪ .‬كما أنه متفق مع قول بعض‬
‫القائلين بجواز الرمي قبل الزوال وتقييدهم ذلك باليوم الول للنفرة ‪.‬‬
‫هذا ما تيسر القول به مع ذكر دليله وتعليله والله المستعان ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫بحر المودة‬
‫يتناول الدرس موضوعا حيويا وهو المحبة بين الزوجين شارحا معناها ومبينا‬
‫سرها وموضحا حقيقة الحب بين الزوجين وبعض الفكار الخاطئة عن الحب‬
‫ثم يتناول المودة في بيت النبوة صلى الله عليه وسلم وصورها‪ ،‬ثم يعرج‬
‫على مظاهر غياب المودة بين الزوجين ثم بين أن الحب بين الزوجين يحتاج‬
‫إلى وقت وتأسيس‪ ،‬ثم وصية للزوجين ‪.‬‬
‫الحمد لله‪ ،‬والصلة والسلم على نبينا محمد‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعين‪ ،‬أما‬
‫بعد‪،،،‬‬
‫ما هي المودة ؟ هي الحب والمحبة‪ ،‬وإن كانت المودة أعم وأوسع ‪ .‬والحب‬
‫ه‬
‫ن َءاَيات ِ ِ‬ ‫م ْ‬‫الذي أعنيه هو‪:‬المودة بين الزوجين التي أخبر الله عنها‪ ،‬فقال‪ {:‬وَ ِ‬
‫فسك ُ َ‬ ‫خل َق ل َك ُم م َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ة إِ ّ‬ ‫م ً‬‫ح َ‬
‫موَد ّة ً وََر ْ‬ ‫ل ب َي ْن َك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫سك ُُنوا إ ِل َي َْها وَ َ‬
‫جعَ َ‬ ‫جا ل ِت َ ْ‬
‫م أْزَوا ً‬
‫ن أن ْ ُ ِ ْ‬ ‫ْ ِ ْ‬ ‫ن َ َ‬ ‫أ ْ‬
‫ن]‪“ }[21‬سورة الروم” قال جمع من‬ ‫فك ُّرو َ‬
‫قوْم ٍ ي َت َ َ‬ ‫ك َلَيا ٍ‬
‫ت لِ َ‬ ‫ِفي ذ َل ِ َ‬
‫المفسرين‪:‬إن المودة‪ :‬هي المحبة‪ .‬وروي عن ابن عباس أنه قال‪ :‬المودة‪:‬‬

‫‪6‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حب الرجل امرأته‪ ،‬والرحمة‪ :‬رحمته إياها أن يصيبها بسوء ‪.‬‬


‫سر السعادة الزوجية‪ :‬أن يقوم البيت على محبة الله وطاعته‪ ،‬الذي بيده‬
‫وحده أن يوفق ويبارك‪ ،‬ويجمع بين هذين القلبين ‪ .‬فطاعة الله لها أثر كبير‬
‫في اللفة والمحبة بين الزوجين‪ ،‬والمعصية لها أثر عجيب في كثرة المشاكل‬
‫ما‬ ‫والخلف‪ ،‬وعدم الوفاق بين الزوجين‪ ،‬ويكفي في هذا قول الحق‪ {:‬وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ر]‪“ }[30‬سورة‬ ‫ن ك َِثي ٍ‬‫فو عَ ْ‬ ‫م وَي َعْ ُ‬‫ديك ُ ْ‬ ‫ت أي ْ ِ‬ ‫ما ك َ َ‬
‫سب َ ْ‬ ‫صيب َةٍ فَب ِ َ‬‫م ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬‫صاب َك ُ ْ‬‫أ َ‬
‫القصص” قال ابن القيم رحمه الله‪ ':‬وأما محبة الزوجات‪ ،‬فل لوم على‬
‫المحب فيها‪ ،‬بل هي من كماله‪ -‬أي‪ :‬من كمال محبة الله‪ -‬وقد امتن سبحانه‬
‫سك ُُنوا‬ ‫فسك ُ َ‬ ‫خل َق ل َك ُم م َ‬ ‫َ‬
‫جا ل ِت َ ْ‬
‫م أْزَوا ً‬
‫ن أن ْ ُ ِ ْ‬ ‫ْ ِ ْ‬ ‫ن َ َ‬ ‫ن َءاَيات ِهِ أ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫بها على عباده‪ ،‬فقال‪ {:‬وَ ِ‬
‫ن]‪[21‬‬ ‫ّ‬
‫فكُرو َ‬ ‫قوْم ٍ ي َت َ َ‬ ‫ت لِ َ‬ ‫َ‬
‫ك لَيا ٍ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫ة إِ ّ‬ ‫م ً‬
‫ح َ‬‫موَد ّة ً وََر ْ‬ ‫م َ‬ ‫ل ب َي ْن َك ُ ْ‬ ‫إ ِل َي َْها وَ َ‬
‫جعَ َ‬
‫} “سورة الروم” فجعل المرأة سكنا ً للرجل؛ يسكن قلبه إليها‪ ،‬وجعل بينهما‬
‫خالص الحب وهو المودة المقرونة بالرحمة'‪.‬‬
‫وقسم ابن القيم المحبة إلى قسمين‪ :‬محبة نافعة‪ ،‬و محبة ضارة وقال‪ ':‬فمن‬
‫المحبة النافعة‪ :‬محبة الزوجة وما ملكت يمين الرجل‪ ،‬فإنها معينة على ما‬
‫شرع الله سبحانه له من النكاح وملك اليمين من إعفاف الرجل نفسه وأهله؛‬
‫فل تطمع نفسه إلى سواها من الحرام‪ ،‬ويعفها فل تطمع نفسها إلى غيره‪،‬‬
‫وكلما كانت المحبة بين الزوجين أتم وأقوي؛ كان هذا المقصود أتم‬
‫وأكمل‪. '...‬‬
‫من أسباب طرح هذا الموضوع‪:‬‬
‫ل‪ :‬لقد تأملت أحوال الزواج من خلل أسئلتهم‪ ،‬وعرض مشاكلهم الحياتية‪،‬‬ ‫أو ً‬
‫فلحظت خلل الحوار أن هناك أمرا عليه مدار أكثر المشاكل الزوجية إن لم‬ ‫ً‬
‫يكن كلها‪ ،‬أل وهو‪ :‬المودة والمحبة بين الزوجين‪ ،‬ولقد توصلت إلى أن غياب‬
‫هذا المر أو فتوره؛ سبب رئيس للفتور والملل في الحياة الزوجية‪ ،‬ويزيد‬
‫المر علة‪ :‬أننا نعيش عصر جنون العلم في وسائله‪ ،‬وسعار الجنس‪،‬‬
‫والشهوة‪ ،‬وأفلم العشق والحب والغرام‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬الجفاف العاطفي بين كثير من الزواج‪ ،‬وعدم التعبير عن مشاعر الحب‬
‫والمودة تجاه كل منهما‪ ،‬حتى وإن وجد هذا الحب‪ ،‬وهذه المشاعر إل أنها‬
‫تبقى مكتومة يثقل على اللسان إخراجها ‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬غياب المودة‪ ،‬ومن ثم الحترام والتقدير بين الزوجين بسبب الضطراب‬
‫النفسي‪ ،‬والقلق‪ ،‬والعصبية‪ .‬وهذا المر ينعكس على الحياة الزوجية‪ ،‬بل على‬
‫البيت والولد‪ ،‬بل على المجتمع بأسره‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬لعل هذا الموضوع أن يكون لبنة في المحافظة على عش الزوجية من‬
‫التصدع‪ ،‬وجعل البيت روضة غناء جميلة‪ ،‬مليئة بالحب والحنان‪ ،‬والتعاون‬
‫والتفاهم‪ ،‬ليشعر كل من الزوجين أن بيتهما أجمل وأهدأ بقعة على الرض‪،‬‬
‫واجتماعهما فيه غاية النس والسعادة‪ ،‬وهل هناك شيء أجمل من لقاء‬
‫الحبيب بالحبيب؟! والزواج‪ :‬سكن للروح والنفس‪ ..‬والبيت‪ :‬سكن للزوجين‬
‫مًعا يشعران فيه بالمن والستقرار‪:‬‬
‫روحها روحي وروحي روحها ولها قلب وقلبي قلبها‬
‫فلنا روح وقلب واحد حسبها حسبي وحسبي حسبها‬
‫إذًا‪ :‬مفتاح السعادة لهذه المملكة الجميلة بيد الزوجين فقط‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬بيان حقيقة الحب‪ ،‬وجلء أوهام الحب‪ ،‬وتوضيح لكثير من العبارات‬
‫والوهام التي تتردد على ألسنة المراهقين‪ ،‬سواء إن كانت المراهقة في‬
‫السن أو الفكر‪ ،‬والتي شوشت على بعض البيوت المسلمة ومنها قولهم‪:‬‬
‫الزواج مقبرة الحب‪ ..‬الزواج بدون حب فاشل‪ ..‬وغيرها مما سيأتي‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حقيقة الحب‪:‬‬
‫لنفهم حقيقة الحب‪ ،‬وما نريد من الحب‪ ،‬يقولون‪ :‬الحب من أول نظرة‪..‬‬
‫والحب يصنع المعجزات‪ ..‬والحب أعمى‪ ..‬والحب عذاب‪ ..‬ومن الحب ما‬
‫قتل‪ ..‬والحب يرد الكهل فتى‪ ..‬وأقول قول الشاعر‬
‫إنما الحب صفاء النفس من حقد وبغض‬
‫إنه أفئدة تهوى وتأبى هتك عرض‬
‫وجفون حذرات تلمح الحسن فتغضيه‬
‫إنني أكره حًبا يجعل الفسق شعارا ً‬
‫يجعل اللذة قصدا ً ويرى العفة عارا ً‬
‫أعلن الحرب على أصحابه ليل ً ونهارا ً‬
‫الحب إخلص وصفاء ونقاء‬
‫الحب عهد ورسالة ومبدأ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫الحب ماء الحياة‪ ،‬ولذة الروح‪ ،‬وبالحب تصفو الحياة وتشرق النفس‪ ،‬وبالحب‬
‫تغفر الزلت‪ ،‬وتقال العثرات‪ ،‬وتشهر الحسنات‪،‬ويوم ينتهي الحب تضيق‬
‫النفوس‪ ،‬ويكون البغض والمشاحنة والمشاكل‪ ،‬وإن كان للبحر ساحل‪ ،‬فإن‬
‫بحر الحب ل ساحل له‪ ،‬فالحب الصادق بين الزوجين ل ساحل‪ ،‬له ليس له‬
‫نهاية بدأ بأيام الزواج الولى‪ ،‬وبسنته الولى والوسطى والخيرة من الدنيا‪،‬‬
‫ن‬
‫م ْ‬
‫ح ِ‬‫صل َ َ‬
‫ن َ‬ ‫خُلون ََها وَ َ‬
‫م ْ‬ ‫ن ي َد ْ ُ‬
‫ت عَد ْ ٍ‬
‫جّنا ُ‬
‫بل وفي الخرة أليس الله تعالى يقول‪َ {:‬‬
‫َ‬
‫م ‪“ }[23]...‬سورة الرعد”‬ ‫م وَذ ُّرّيات ِهِ ْ‬
‫جهِ ْ‬
‫م وَأْزَوا ِ‬
‫َءاَبائ ِهِ ْ‬
‫إذًا‪:‬بالمودة والمحبة والتفاهم؛ يكون التعاون بين الزوجين على الصلح‬
‫والطاعة والخير‪ ،‬فالحياة الزوجية كائن حي يولد ويحيى ويموت‪ ،‬وهذا الكائن‬
‫يعيش ويتغذى من تفاهم عقلين‪ ،‬وتعاطف قلبين وتجاذب جسمين‪ .‬إذًا‪:‬‬
‫فالحب وجدان شعوري مشترك‪ ،‬وأمر ل بد للنسان منه‪.‬‬
‫ومن العرف الفاسد‪ :‬أنه إذا أطلق لفظ الحب؛ انصرف إلى العشق والتغزل‬
‫بالنساء الجنبيات‪ .‬الحب عندهم‪ :‬خيانة وعشق ومجون‪ ،‬وجنون باللذة‬
‫والشهوة العابرة‪ ،‬فها هي بلد المسلمين تتعرض كل ليلة في القصف‬
‫الجنسي من بلد الغرب الكافر والذي يعيش جنونا ً جنسيا ً محمومًا‪ ،‬حتى‬
‫أصبح العشق والحب والغرام من الدواء التي انتشرت في مجتمعاتنا‪،‬‬
‫وأصبحت من أهم القضايا التي تروجها وسائل العلم‪ ،‬وكأنها هي قضية المة‬
‫الولى والخيرة! وكأن المسلم ل هم له إل الجنس والشهوة! نسي أو تناسى‬
‫هؤلء أن الله عز وجل جعل هذه الغريزة في النفوس لهداف سامية‪،‬‬
‫وغايات عظيمة‪ ،‬وجعل لها آدابا ً شرعية‪ ،‬وأحكاما ً فقهية؛ لنعيش في جنة‬
‫الدنيا‪ .‬والحب الصادق المبني على العفة والحتشام بعيدا ً عن الفحش وبذاءة‬
‫العلم فالحب تضحية وعطاء‪ ،‬وليس مجرد عز وادعاء‪ ،‬وهل يكون الحب ذا‬
‫قيمة إذا خل من لذة الطهر؟! وإذا ذكر الحب ذكر قيس وليلى‪ ..‬وجميل‬
‫وبثينة‪ ..‬وكثير وعزة‪..‬وعنتر وعبلة‪ ،‬ولكن كم بين حب وحب! فالرابط بين‬
‫هؤلء رابط عاطفي‪ ،‬أرضي شهواني‪ ،‬وحبنا الليلة بين زوجين الرابط بينهما‬
‫رابط شرعي سماوي رباني ‪ ،‬فحب الزوج لزوجته قربة وطاعة‪ ،‬وحب نافع به‬
‫تحصل المقاصد التي من أجلها شرع الله النكاح‪ :‬من غض للبصر والقلب عن‬
‫التطلع إلى غير أهله‪ ،‬ولهذا يحمد هذا الحب عند الله وعند الناس ‪ .‬وأما‬
‫المجنون‪ ،‬فل يعرف إل ليله يحيا لها ويموت من أجلها‪ ،‬أكبر همه أن تعطف‬

‫‪8‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عليه بنظرة‪ ،‬أو تجود له ببسمة‪ ،‬فشتان بين حب الزوج لزوجه‪ ،‬وبين حب‬
‫المجنون لليله! فالحب الذي يربط بين الزوجين ليس أوراقا ً ملونة ومعطرة‬
‫‪-‬كما يتوهم بعض المراهقين‪ -‬إنه بيت وأولد وتبعات وهدف سام‪ ،‬بل نقول‬
‫بثقة واطمئنان‪ :‬إن الزواج بحلوه ومره؛ أجمل بكثير مما يرسمه خيال بعض‬
‫الحالمين‪.‬‬
‫المودة في بيت النبوة صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫يعلم الله لول هذا الباب؛ ما تجرأت عن الحديث عن مثل هذا الموضوع‪ ،‬فها‬
‫هو صلى الله عليه وسلم يضع لنا القواعد والسس لبناء الحياة الزوجية من‬
‫تقدير واحترام‪ ،‬وتودد ومحبة‪ ،‬ومكارم أخلق؛ ليعلم كل الناس‪ :‬أن في ديننا‬
‫حبا ً ومودة ومشاعر وأحاسيس‪ ،‬ولكن العيب فينا‪ ،‬ومن المثلة على ذلك‪:‬‬
‫قول النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حديث أم زرع الطويل‪ ،‬وبعد أن‬
‫استمع القصة الطويلة من عائشة بدون مقاطعة أو ملل‪ ،‬قال لعائشة‪ -‬انظر‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫م َزْرٍع[ رواه البخاري ومسلم ‪ .‬يعني في‬ ‫ك ك َأِبي َزْرٍع ِل ّ‬ ‫ت لَ ِ‬ ‫أيها الزوج‪ ] :-‬ك ُن ْ ُ‬
‫اللفة والوفاء‪ ،‬فقد كان أبو زرع مع أم زرع بهذه الصورة فقالت عائشة‪-‬‬
‫وانتبهي أيتها الزوجة للرد الجميل من الزوجة النبيهة‪ ] :-‬لنت خير لي من أبي‬
‫زرع لم زرع[ رواه الطبراني والنسائي في الكبرى‪ .‬قال ابن حجر‪ ':‬وفيه‪ -‬أي‬
‫من الفوائد‪ :-‬مداعبة الرجل أهله وإعلنه بمحبته لها ما لم يؤد ذلك إلى‬
‫مفسدة تترتب على ذلك من تجنيها عليه وإعراضها عنه'‪.‬‬
‫ت‪:‬‬‫ة َقال َ ْ‬‫ش َ‬ ‫عائ ِ َ‬‫ن َ‬ ‫وتأملوا هذا الفعل العجيب منه صلى الله عليه وسلم‪ :‬فعَ ْ‬
‫شرب وأ َنا حائ ِض ث ُ ُ‬ ‫َ‬
‫ضعُ َفاهُ‬ ‫م فَي َ َ‬ ‫سل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬
‫ي َ‬ ‫ه الن ّب ِ ّ‬ ‫م أَناوِل ُ ُ‬‫ٌ ّ‬ ‫تأ ْ َ ُ َ َ َ‬ ‫] ك ُن ْ ُ‬
‫هّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ه الن ّب ِ ّ‬ ‫م أَناوِل ُ‬ ‫ض ثُ ّ‬‫حائ ِ ٌ‬‫ب وَأت َعَّرقُ العَْرقَ وَأَنا َ‬ ‫شَر ُ‬‫ي فَي َ ْ‬ ‫ضِع فِ ّ‬‫مو ْ ِ‬‫عََلى َ‬
‫ي[ رواه مسلم والنسائي وأبوداود وابن‬ ‫ضِع فِ ّ‬ ‫مو ْ ِ‬‫ضعُ َفاه ُ عََلى َ‬ ‫م فَي َ َ‬‫سل ّ َ‬
‫عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫ماجه وأحمد‪ .‬و العرق‪ :‬هو العظيم عليه بقية من لحم‪ .‬وقولها‪ ':‬أ َت َعَّرقُ ال ْعَْر َ‬
‫ق‬
‫' أي‪ :‬آكل عنه اللحم بأسناني‪ ،‬تقول‪ :‬فيأخذ العظم‪ ،‬ويضع فاه على موضع‬
‫في‪ ..‬الله أكبر هكذا كان صلى الله عليه وسلم في إظهار المحبة والمودة‬
‫ضا‪ :‬أن عائشة أكلت وشربت قبل الحبيب صلى الله عليه‬ ‫لزوجته‪ ،‬وتأمل أي ً‬
‫وسلم‪ ،‬ولشك أن الولى‪ :‬أن تبدأ الزوجة زوجها في الكل والشرب وغير‬
‫ذلك لكن ل بأس أن يتنازل الزوج أحيانا إظهارا ً لمحبته لزوجه‪ ،‬وتقديرا ً لها‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وتفكروا في هذه الصورة والتي تظهر مدى المودة في بيته صلى الله عليه‬
‫ش َ َ‬
‫ئ‬‫م ي َت ّك ِ ُ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ت‪َ ] :‬‬ ‫ة أن َّها َقال َ ْ‬ ‫عائ ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫وسلم‪:‬عَ ْ‬
‫ن[ رواه البخاري ومسلم والنسائي وأبوداود‬ ‫قَرأ ال ْ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ض فَي َ ْ‬ ‫َ‬
‫قْرآ َ‬ ‫حائ ِ ٌ‬ ‫ري وَأَنا َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ح ْ‬‫ِفي ِ‬
‫وأحمد‪ .‬تخيل هذا الموقف الجميل‪ ،‬وهذه الجلسة الرائعة بين الزوجين!!‬
‫عبادة ومحبة ومودة‪.‬‬
‫ومن منهجه صلى الله عليه وسلم في المودة‪ :‬معرفته لنفسيات أزواجه متي‬
‫ل الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫سو ُ‬ ‫ل ِلي َر ُ‬ ‫ت‪َ :‬قا َ‬ ‫ه عَن َْها َقال َ ْ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ة َر ِ‬ ‫ش َ‬ ‫عائ ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ترضى‪ ،‬ومتى تغضب‪ ،‬فعَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ضَبى‬ ‫ي غَ ْ‬ ‫ت عَل ّ‬ ‫ُ‬
‫ة وَإ َِذا كن ْ ِ‬ ‫ضي َ ً‬
‫ت عَّني َرا ِ‬ ‫ُ‬
‫م إ َِذا كن ْ ِ‬ ‫م‪ ] :‬إ ِّني لعْل ُ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫َ‬
‫ن َل‬ ‫لي‬
‫ِ‬ ‫قو‬‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫إ‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫ة‬
‫ً‬ ‫ي‬ ‫ض‬ ‫را‬ ‫ني‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫ن‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫إ‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫قا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ف‬‫ُ‬ ‫ر‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َقا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ل َواللهِ َيا‬ ‫ج ْ‬ ‫ت‪ ] :‬أ َ‬ ‫م[ قُل ُ‬ ‫هي َ‬ ‫ب إ ِب َْرا ِ‬ ‫ت ل وََر ّ‬ ‫ضَبى قُل ِ‬ ‫ي غَ ْ‬ ‫ت عَل ّ‬ ‫مد ٍ وَإ َِذا كن ْ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ب ُ‬ ‫وََر ّ‬
‫مك[ رواه البخاري ومسلم وأحمد ‪ .‬وهكذا ما أكثر‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫سو َ‬
‫س َ‬ ‫جُر إ ِل ا ْ‬ ‫ما أهْ ُ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫َر ُ‬
‫المواقف في حياته صلى الله عليه وسلم‪ ..‬تلك التي توضح حقيقة المودة‬
‫والمحبة في التعامل مع الزواج‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من مظاهر غياب المودة والركود في المشاعر والحاسيس بين الزوجين‪:‬‬


‫ل‪ :‬كثرة غضب وثورة الزوج لي سبب‪ :‬حتى وإن كان تافهًا‪ ،‬فالزوج غالبا ما‬
‫ً‬ ‫أو ً‬
‫يعبر عن فقد الحب‪ ،‬أو فتوره بأسلوب غير مباشر مثل‪ :‬الغضب والفوران‬
‫ولسباب تافهة ل تستحق الغضب‪ .‬أما المرأة فتصرح بحبها‪ ،‬أو بالسؤال‪ ،‬أو‬
‫العتب المباشر عند فقدها المودة والمحبة‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬مناداة الزوجة بغير اسمها‪ :‬وهذا مشتهر في قول بعض الزواج‪ :‬يا هيه‪..‬‬
‫يا ولد‪ ..‬ونحو ذلك مما هو مشتهر عند البعض‪ ،‬أو ندائها بصخب ورفع صوت‪.‬‬
‫وقد بوب البخاري في 'الدب المفرد' باب‪' :‬كنية النساء 'عن عائشة رضي‬
‫ك عَب ْدِ الل ّ ِ‬
‫ه[ ي َعِْني‬ ‫الله عنها قالت‪ ':‬يا نبي الله أل تكنيني‪ ،‬فقال‪ ] :‬اك ْت َِني ِباب ْن ِ ِ‬
‫ن الّزب َي ْرِ ‪،‬فكانت تكنى أم عبد الله ‪ .‬وإسناده صحيح ‪.‬‬ ‫ختَها عَب ْد َ الل ّهِ ب ْ َ‬
‫نا ْ‬ ‫اب ْ َ‬
‫ثالثا‪ :‬كثرة خروج الزوج وغيابه عن البيت وكذلك الزوجة‪ :‬فالزوج للستراحات‬ ‫ً‬
‫والرحلت‪ ،‬والزوجة لهلها‪ ،‬أو للمناسبات‪ .‬ولو كان بينهما مودة وحب؛ لحرصا‬
‫واجتهدا في تقليل ساعات الفراق‪ .‬رابعًا‪ :‬التبذل في الملبس والشكل من‬
‫الزوجين‪ :‬وخاصة المرأة‪ ،‬وتكون المصيبة مصيبتين عندما يكون التبذل للزوج‬
‫والتزين لغيره‪ ،‬أو يكون التبذل داخل المنزل ويكون التزين خارج المنزل‪.‬‬
‫وتجمل كل واحد منهما لصاحبه علمة المودة والمحبة ‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬عدم الحترام والتوقير‪ :‬والذي قد يصل للعناد والتسرع‪ ،‬وربما‬
‫للسباب واللعان‪ ،‬وكلمات التنقص والزدراء بين الزوجين‪ ،‬وكثرة اختلق‬
‫المشاكل‪ ،‬فمرة بسبب المادة والراتب‪ ،‬ومرة بسبب الولد‪ ،‬ومرة بسبب‬
‫الهل وهكذا‪ ..‬مشاكل ل تنتهي‪ .‬والمشكلة الحقيقية‪:‬هي غياب المودة وبرود‬
‫المشاعر‪ ،‬وتقصير الزوجين أو أحدهما في الحق العاطفي والجسدي للطرف‬
‫الخر‪ ،‬وربما حاول الزوجان علج تلك المشاكل دون المساس بالمشكلة‬
‫الحقيقية‪ ،‬فيكون البحث هنا بتعبير الفقهاء في غير محل النزاع‪ .‬فلبد من‬
‫التمييز بين المشاكل التي تنشأ بسبب برود العاطفة وفتور المودة بين‬
‫الزوجين‪ ،‬وبين المشاكل الخرى التي تتعلق بالولد‪ ،‬أو بالنواحي المالية‪ ،‬أو‬
‫بالعلقة بالقارب وغيرها من أنواع المشاكل السرية‪ .‬وأنا على يقين أن علج‬
‫المشكلة الولى أعني‪ :‬تطور المودة والمحبة بين الزوجين؛ عنصر رئيس في‬
‫علج الكثير من المشاكل الخرى إن لم يكن كلها‪.‬‬
‫سادسًا‪:‬النانية وحب الذات والتمسك بالرأي‪ :‬واتهام كل منهما الخر أنه هو‬
‫سبب المشاكل‪ ،‬وهو الذي صبر وضحى ولكن لم ير أثرا ً لصبره وتضحياته ‪.‬‬
‫سابعًا‪ :‬كم من زوج أو زوجة فكر في الوقوع في الحرام‪ :‬كالمعاكسات والزنا‬
‫وغير ذلك‪ .‬لماذا؟ بسبب الحرمان العاطفي‪ ،‬والتزام المودة بينهما‪ ،‬ومما زاد‬
‫الطين بلة؛ وسائل الشر اليوم والتي تيسر الغرائز‪ ،‬وتحكي حياة الحب‬
‫والعشق‪ ،‬وكلمات الغزل والتبذل‪ ،‬فيسمعها الزواج‪ ،‬بل ويشاهدون الحركات‬
‫المثيرة فتثير في أنفسهم العواطف والرغبة في محاكاتها‪ ،‬ثم تبدأ المقارنة‬
‫بين ما يسمع ويشاهد‪ ،‬وبين واقعه السري الذي يعيشه؛ فيحدث ذلك هزة‬
‫عاطفية في نفسه‪ ،‬فإن لم يكن في الحلل‪ ،‬فليس إل القلق والتشنج‪ ،‬وكثرة‬
‫المشاكل‪ ،‬وربما وصل المر للوقوع في الحرام‪ -‬والعياذ بالله‪ -‬فالظمآن في‬
‫حاجة ماسة لشربة ما حتى ولو كانت ملوثة أو قاتلة ‪.‬‬
‫الحب وحده ل يكفي‪:‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪10‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وهذا أمر مهم‪ ،‬فإن هناك مجتمعات همها من الزواج فقط المتعة‪ ،‬ول ترى‬
‫في الحياة الزوجية سوى العشق والغرام وإل فل تستحق تلك الحياة‬
‫الستمرار‪ -‬بزعمهم‪ -‬ولذا سرعان ما يغير الزوجان‪ ،‬أو أحدهما الخر بعاشق‬
‫جديد‪ ..‬وهكذا ‪ .‬أما المجتمع المسلم فل يهمل جانب المتعة والمحبة بين‬
‫ما‪ ،‬ولكن هناك أهدافا ً أخرى للحياة الزوجية ومن‬ ‫الزوجين‪ ،‬بل يؤكد عليه دائ ً‬
‫أهمها‪ :‬النسل‪ ،‬وتربية الولد‪ ،‬وإحصان الفرج‪ ،‬وإتمام الدين‪ ،‬وتعارف السر‬
‫وتقاربها ‪ .‬ومن تأمل وجد أن هذا مقدم على مجرد المتعة‪ ،‬ول تعارض أصل ً‬
‫بينهما‪ ،‬لكن لو لم تجد المودة والمحبة؛ فليس هذا نهاية الحياة الزوجية‪،‬‬
‫ة ‪]...‬‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬
‫موَد ّة ً وََر ْ‬
‫م َ‬ ‫ل ب َي ْن َك ُ ْ‬ ‫جعَ َ‬
‫وعدم نجاح الزواج‪ ،‬ويتضح هذا في قول الله‪{:‬وَ َ‬
‫‪“ }[21‬سورة الروم”فقد بنى الله العلقة بين الزوجين على أساسين‪:‬‬
‫المودة والرحمة‪ ،‬فالمودة‪ :‬الحب‪ ،‬وإذا نمت بين الزوجين؛ تمت السعادة‬
‫واكتمل التوافق‪ ،‬فإن الحب يقضي على كل نقص‪ ،‬ويغطي كل عيب‪ .‬وإن‬
‫نقصت المودة أو ضعفت؛ فإن شيًئا آخر يحفظ الحياة الزوجية ويسيرها‪،‬‬
‫ويكون السبب في بقاء العشرة وسلمتها‪ ،‬وهو الرحمة‪ ،‬فلم يقل سبحانه‪:‬‬
‫ة‪ }[21]...‬وهي‬ ‫م ً‬ ‫ح َ‬ ‫مودة فقط‪ ،‬بل قال‪ :‬ورحمة ‪ .‬قال ابن كثير‪...{ ':‬وََر ْ‬
‫الرأفة‪ ،‬فإن الرجل يمسك المرأة إما لمحبته لها‪ ،‬أو لرحمته بها؛ بأن يكون لها‬
‫منه ولد‪ ،‬أو محتاجة إليه في النفاق‪ ،‬أو لللفة بينهما وغير ذلك'‪ .‬وكما قال‬
‫عمر بن الخطاب رضي الله عنه‪ ] :‬إن البيوت لم تبن كلها على المودة وقد‬
‫بني كثير منها على الستر[ وصدق رضي الله عنه‪ ،‬وبعض البيوت ل يوجد فيها‬
‫ن‬
‫شُروهُ ّ‬ ‫عا ِ‬ ‫حب ول كره‪ ،‬فهي قائمة بالمعروف وحسن المعاشرة { وَ َ‬
‫ف‪“ }[19]...‬سورة النساء” وقد جاء في بعض الحصائيات أن‪”:‬‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫معُْرو ِ‬
‫‪ ”%88‬من الزيجات التي تتم نتيجة الميل العاطفي‪ :‬الحب؛ انتهت بالطلق‪.‬‬
‫وقد يتساءل البعض‪:‬لماذا تفشل أغلب الزيجات التي يسبقها ما يسمى‬
‫بالحب؟! والجابة سهلة فإن من يحب ل يستطيع أن يقوم الخر‪ ،‬فهو ينظر‬
‫إليه بعين العاطفة والميل الشديد إليه‪ ،‬ول ينظر إليه بعين العقل‪ ،‬والتروي‬
‫والتثبت‪ ،‬وبعد الزواج‪ ،‬وبعد هدوء العاطفة‪ -‬والصح العاصفة‪ -‬ينكشف الغطاء‪،‬‬
‫وتتلشى الحلم‪ .‬بعكس الزواج الخر حيث التثبت‪ ،‬والسؤال‪ ،‬وجمع‬
‫المعلومات‪ ،‬والمشاركة من قبل الهل والخوان في تقويم هذا الشخص أًيا‬
‫كان رجل ً أم امرأة ‪.‬‬
‫إذًا‪ :‬فل يكفي الحب وحده لضمان الزواج الناجح‪ ،‬كما أنه من الممكن أن‬
‫ينجح الزواج‪ -‬ولو لم يكن هناك حب‪ -‬إذا كان هناك رحمة‪ ،‬واحترام‪ ،‬وتقدير‪،‬‬
‫ة ‪“ }[21]...‬سورة الروم” وهذا‬ ‫م ً‬
‫ح َ‬ ‫موَد ّة ً وََر ْ‬
‫م َ‬‫ل ب َي ْن َك ُ ْ‬
‫جعَ َ‬
‫كما قال تعالى‪{:‬وَ َ‬
‫من رحمة الله جل في عله ‪.‬‬
‫الحب بين الزوجين يحتاج إلى وقت وتأسيس‪:‬‬
‫فإياكم والعجلة‪ ..‬فالتوافق العاطفي والعقلي بين الزوجين يحتاج إلى وقت‬
‫طويل‪ ،‬ولن يتم ذلك عادة دون أن يتنازل كل منهما عن بعض أنماط سلوكه‪،‬‬
‫وعاداته القديمة‪ ،‬فتنبهوا ‪ .‬ويقع العبء الكبر على المرأة خاصة في هذا‬
‫المجال؛ لكونها تابعة للرجل‪ ،‬والمرأة الصالحة هي التي توافق زوجها فيما‬
‫يحب ويكره‪ ،‬وتحرص على تحقيق رغباته ما لم تكن محظورة شرعا ً ‪ .‬وهذه‬
‫الصفة‪ -‬أعني‪ :‬التوافق‪ -‬هي أحب وأفضل في نفس الرجل وعقله من أي‬
‫صفة أخرى للمرأة‪ ،‬ومنها يتولد الحب‪ ،‬فبحسن التفاهم وطيب التعامل؛ ينمو‬
‫الحب الحقيقي بين الزوجين على مر اليام والشهور والسنين‪.‬‬
‫وأما قولهم الحب من أول نظرة‪:‬‬
‫ن الل ِّ‬
‫ه‬ ‫م‬ ‫وى‬ ‫ْ‬ ‫ق‬‫ت‬ ‫لى‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫يا‬ ‫ن‬
‫َ ْ ّ َ َُْ َ ُ َ‬‫ب‬ ‫س‬ ‫س‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ف‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫وجل‪{:‬‬ ‫فيكفي في رده قول الحق عز‬
‫ِ َ‬ ‫َ َ‬

‫‪11‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ه عََلى َ‬ ‫خير أ َم م َ‬
‫م‬ ‫هارٍ َفان َْهاَر ب ِهِ ِفي َنارِ َ‬
‫جهَن ّ َ‬ ‫ف َ‬
‫جُر ٍ‬
‫فا ُ‬
‫ش َ‬ ‫س ب ُن َْيان َ ُ‬
‫س َ‬ ‫نأ ّ‬‫ن َ ٌْ ْ َ ْ‬ ‫وا ٍ‬‫ض َ‬‫وَرِ ْ‬
‫ن]‪“ }[109‬سورة التوبة” فكل ما ليقوم على‬ ‫مي َ‬ ‫ّ‬
‫م الظال ِ ِ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫ْ‬
‫دي ال َ‬ ‫َ‬
‫ه ل ي َهْ ِ‬ ‫َوالل ّ ُ‬
‫أساس متين؛ انهار‪ ..‬فحب الخيال ل يكون إل في عالم الحلم‪ ،‬أو القصص‬
‫والفلم‪ ،‬ومن عاش الواقع؛ وجد الحب النافع ‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫فأوصي الزوجين‪ :‬بالصبر وعدم العجلة حتى يتم التعارف والتآلف‪ ،‬وانظروا‬
‫لهذا الزوج يقول‪ -‬لقد كتب ذلك بيده‪ ':-‬إليك تجربتي أرسلها لكل زوج وزوجة‬
‫عسى أن تبعث المودة من بعد الموات‪ :‬أنا شاب متزوج كان شرطي قبل‬
‫الزواج أن أتزوج من فتاة فائقة الجمال وفقط‪ ،‬ولم أكن أريد شيئا ً آخر غير‬
‫ذلك‪ ،‬فخطبت من أكثر من عشرين بنتا ً حتى تم الزواج‪ ،‬ولما كانت ليلة‬
‫الزواج رأيتها؛ فلم أر فيها الجمال الذي كنت أطمح إليه ول قريبا ً منه‪ ،‬وكدت‬
‫أصاب بالحباط‪ ،‬بل حتى والدي لما رآها قال لي‪ :‬إنها ليست جميلة‪ ،‬وفيها‬
‫كذا وكذا من المواصفات غير المرغوبة‪ ،‬وكأنه يحثني على الفراق‪ ،‬فما كان‬
‫ل‪ ،‬فرأيت أثناء‬‫مني إل أن قررت الصبر قليًل ثم يقضي الله أمرا ً كان مفعو ً‬
‫هذه المدة من جمال روحها‪ ،‬وحسن عشرتها‪ ،‬وطيب تعاملها‪ ،‬وصدق محبتها‪،‬‬
‫وطاعتها وحشمتها ودينها؛ ما جعلني ل أرضى بها بديل ً ولو أجمل فتيات الدنيا‪.‬‬
‫وأكثر شيء يجذبني إليها أداؤها للصلة في وقتها‪ ،‬وقيامها الليل‪ ،‬وسرعة‬
‫تنفيذ ما أطلبه منها على أكمل وجه وبطيب نفس‪ ..‬ل أكتم أنني أحبها الن‬
‫أكثر مما كنت أطمح إليه قبل الزواج من تلك الجميلة المزعومة‪ ،‬وإنما‬
‫الجمال الحقيقي هو جمال الروح ل جمال الوجه المزيف‪ ،‬فهل يعي ذلك‬
‫الشباب ويعي ذلك الفتيات؟! أرجو ذلك' انتهي كلمه ‪.‬‬
‫وذكرني هذا بمن يقول‪ :‬الزوجة الذكية هي التي تستطيع أن تزرع الجمال في‬
‫قلب الرجل وإن لم تكن جميلة‪ -‬تقولين‪ :‬لي كيف؟‪ -‬أقول‪ :‬ينبغي أن تكون‬
‫قادرة على اللهام‪ ،‬واليحاء‪ ،‬والبداع في حياتها الزوجية‪ ،‬فتأملي أيتها‬
‫قها‪ ،‬فهل تعين ذلك؟‬ ‫خل ْ ِ‬ ‫خل ُ ِ‬
‫قَها مقام جمال َ‬ ‫المرأة‪ ..‬قام جمال كلمها و ُ‬
‫أوهام الحب‪:‬‬
‫وأتمنى أن يتنبه لهذا المراهقون من الشباب والفتيات‪ ،‬الندفاع وراء أوهام‬
‫الحب لتأسيس الحياة الزوجية أمر يجب التنبه له ولخطورته فهو خداع فني‬
‫وزيف إعلمي‪ ،‬تدغدغ به العواطف‪ ،‬وتثار به المشاعر‪ ،‬فالحب الحقيقي ل‬
‫يمكن اكتشافه وظهوره إل بعد الزواج‪ ،‬حيث تتاح الفرصة الحقيقية لظهار‬
‫المودة‪ ،‬وتبادل المنافع‪ ،‬وترجمة الكلمات المعسولة إلى عمل‪ ،‬والعقد‬
‫الشرعي دليل على جدية هذا الحب‪ ،‬ودليل على صدق النوايا والمشاعر‬
‫والعواطف‪ ،‬فالحب الجاد رجولة وتحمل للمسئولية‪ .‬أما قبل هذا كله‪ ،‬ففي‬
‫ادعاء الحب نظر‪ ،‬فالتغني والتغزل سهل ميسر لكل مدع‪ ،‬ولو أعطي الناس‬
‫بدعواهم؛ لدعى الخلي حرقة الشجي‪ ،‬فل يصدق الحب‪ ،‬ول يتم إل بعد‬
‫الزواج‪ ،‬فبه تسكن النفس من الصراع‪ ..‬ويكف النظر عن التطلع للحرام‪..‬‬
‫وتطمئن العواطف‪ ،‬فتخرج صادقة بريئة بما أحل الله‪ ،‬فإنه أغض للبصر‪،‬‬
‫وأحصن للفرج‪ .‬وأما الحب الذي يصوره لنا الغناء‪ ،‬والقصص‪ ،‬والمسلسلت ما‬
‫هو إل نسيج أحلم تنشأ عن الماني والتصورات‪ ،‬ويجعل النسان يري فيمن‬
‫يحب صورة الرجل المثالي أو المرأة المثالية التي ل يمكن أن يحياها النسان‬
‫في عالم الواقع والحقائق تقف في طريقه حجر عثرة‪ ،‬ومن أجل ذلك كان‬

‫‪12‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أكثر الناس فشًل في الزواج ممن يسمون بالفنانين‪.‬‬


‫من محاضرة‪ :‬بحر المودة للشيخ‪ /‬إبراهيم الدويش‬

‫)‪(5 /‬‬

‫بداية النهاية للنظام الصفوي العنصري واحتراق احقاده‬


‫حامد بن عبدالله العلي‬
‫وقع أن يكون التصعيد الصهيوني‬ ‫لم يكن ـ فيما يبدو ـ حزب حسن نصر يت ّ‬
‫بالحجم الذي يحدث ‪ ،‬عندما أقدم على عملية ظّنها ستكون فائدتها الدعائية‬
‫أكثر ـ كالعادة ـ من أيّ شيء آخر ‪ ،‬وكم هو مولع بالدعاية ! لسيما وهو‬
‫ل الضغوط الداعية إلى نزع سلحه ‪،‬‬ ‫بحاجة إلى تدعيم موقفه الداخلي في ظ ّ‬
‫والخارجي أيضا بكسب مزيد من التأّييد السلمي ‪ ،‬إذ وثاق الحديد الغربي‬
‫ن انشغال الصهاينة بغّزة ‪ ،‬وتداعيات ما‬ ‫يقترب من عنقه ‪ ،‬وكان يتوّقع أ ّ‬
‫ن ردة الفعل بعد‬ ‫يحدث فيها ‪ ،‬سيكون الفرصة المناسبة لعملّيته الدعائية ‪ ،‬وأ ّ‬
‫م تبادل ‪ 400‬أسير عربي‬ ‫ذلك ‪ ،‬لن تتجاوز مثل ما جرى عام ‪ ،2004‬حيث ت ّ‬
‫ن النظام العنصري‬ ‫بأسير يهودي وثلث جثث‪ .‬وأيضا لم يكن ـ فيما يبدو ـ أ ّ‬
‫في إيران ـ وما حزب حسن نصر إل ّ أحد أذرعته ـ توقع رّدة فعل الصهاينة‬
‫ل ترسانة‬‫م تدمير ك ّ‬ ‫بهذا الحجم ‪ ،‬فقد بات أخشى ما يخشاه الن أن يت ّ‬
‫ولت حزب حسن نصر إلى جيش إيراني داخل لبنان وعلى‬ ‫السلحة التي ح ّ‬
‫حدود الصهاينة ‪ ،‬وكان النظام العنصري في )قم( المؤامرات ‪ ،‬يريد أن‬
‫سا مباشرا ‪ ،‬فلهذا‬ ‫س أمن النظام القومي م ّ‬ ‫يحتفظ بهذه الترسانة لما يم ّ‬
‫مر قبل الوان ‪ ،‬وكذا الشأن مع النظام القمعي‬ ‫ن يد ّ‬ ‫دها ‪ ،‬ل ل َ ْ‬‫الوان قد أع ّ‬
‫ذكر بإستعادة نفوذه في لبنان ‪ ،‬بتعزيز موقع‬ ‫العنصري في سوريا ‪ ،‬أراد أن ي ّ‬
‫ّ‬
‫ي‪ .‬كلهم تفاجأوا‬ ‫م هذا الخير الوادي على القر ّ‬ ‫حزب حسن نصر ‪ ،‬فط ّ‬
‫بالورطة ‪ ،‬والن ليس أمام النظام العنصري في إيران وحليفه في سوريا إل ّ‬
‫أن يدخل في مواجهة ستنتهي بسقوط النظامين ‪ ،‬أو يسقطان أيضا لحقا‬
‫عندما يذرا حزب حسن نصر يواجه مصيره لوحده ‪ ،‬ويغرق لبنان معه في‬
‫دمار شامل ينفذه كيان صهيوني ليعبأ بالبشر ‪ ،‬فكيف يعبأ بتدمير بلد أكثريته‬
‫مسلمون ‪ ،‬ويدعمه غرب صليبي حاقد ‪ ،‬ليرى الناس سوى حشرات توطأ‬
‫كدنا‬‫تحت أقدام جيوش إستعمارية أباحت لنفسها أن تفعل ماشاءت ‪ .‬وكما أ ّ‬
‫سابقا بناًء على إستقراٍء للواقع ‪ ،‬واستصحابا لدروس التاريخ ‪ ،‬ويقينا بسنن‬
‫ن المواجهة ـ سواء كانت هذه بدايتها أو ستأتي ـ‬ ‫دل ‪ ،‬أ ّ‬ ‫الله تعالى التي لتتب ّ‬
‫متنا اللذْين تآمرا معا عليها غير مّرة ‪ :‬الصهيوصليبي ‪،‬‬ ‫بين العدّوين الّلدودين ل ّ‬
‫ن‬‫كد بإذن الله تعالى ‪ ،‬أ ّ‬ ‫والعنصري الصفوي ‪ ،‬أنّها حتمّية تاريخية ‪ ،‬فإنّنا نؤ ّ‬
‫كدة ل محالة ‪ ،‬وأنها ستكون بإذن الله تعالى نهاية‬ ‫نهاية المشروع الصفوي مؤ ّ‬
‫إلى البد ‪ ،‬وسيأتي نظام آخر في إيران ‪ ،‬سيحدث بسببه إنفراج إلى حين‬
‫يعلمه الله تعالى ‪ ،‬كما سيتغّير النظام في سوريا ‪ ،‬إثر فترة من التقلبات‬
‫الزلزالية التي ستحمل مزيدا من المفاجآت بما فيها من أحداث دامية غير‬
‫مسبوقة ‪ ،‬وهي علمات من أشراط الساعة ‪ّ ،‬قدر لنا أن نعيش لنراها ‪،‬‬
‫ونسأل الله تعالى أن يرزقنا فيها الثبات ‪ ،‬واليقين ‪ .‬غيَر أن الغريب المحّير‬
‫مة‬ ‫م ‪ ،‬كان أمام خيار يعززه في نظر أ ّ‬ ‫ن النظام العنصري في ق ّ‬ ‫في المر أ ّ‬
‫دم له فائدة لتقدر بثمن ‪ ،‬حتى إّنه يكون سببا في انتشار مذهب‬ ‫السلم ‪ ،‬ويق ّ‬
‫ن لو رفض التآمر مع المشروع الصهيوصليبي في‬ ‫التشّيع الذي ينتحله ‪ ،‬أ ْ‬
‫ّ‬
‫م في العراق ‪ ،‬فلو أّنه استغل هذا الهجوم الصهيوصليبي على‬ ‫أفغانستان ‪ ،‬ث ّ‬

‫‪13‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫متنا ‪ ،‬بالوقوف إلى جانبها ‪ ،‬بدل أن يعمل خناجر الغدر ـ في ركاب وتحت‬ ‫أ ّ‬
‫ث أحقاده ـ بعد فتوى‬ ‫م يب ّ‬‫غطاء الصهاينة الصليبين ـ ضد أفغانستان ‪ ،‬ث ّ‬
‫ً‬
‫مراجعهِ بتحريم جهاد المحتل الصليبي ـ سافرا بها في مجازر تشيب لها‬
‫الولدان في أهل السنة في العراق ‪ ،‬لم يفعل مثلها حتى الصهاينة في إخواننا‬
‫الفلسطينين ‪ ،‬إضافة إلى تورطه القذر في السعي لتقسيم العراق ‪ ،‬والقضاء‬
‫مرون آثار الخلفة‬ ‫على عروبته ‪ ،‬وإلحاقه بالعنصرية الساسانية‪ ،‬حتى إنهم يد ّ‬
‫العباسية العظيمة ‪ ،‬ولئن طالت بمشروعهم الخبيث حياة في العراق ‪،‬‬
‫ل أثر للسلم‬ ‫كنوا منها بل مقاومة ‪ ،‬لرجعوا إيوان كسرى ‪ ،‬وطمسوا ك ّ‬ ‫وتم ّ‬
‫حِنها ‪،‬‬
‫متنا في م َ‬‫في عراقنا ‪ ،‬عراق أمّتنا المجيدة ‪ .‬لو أّنه وقف إلى جانب أ ّ‬
‫لكان ذلك أدعى إلى تسويق مشروعه العقدي! فما الذي جعله يختار الخيار‬
‫ن صدورهم‬ ‫ن جواب هذه الحيرة ‪ ،‬أ ّ‬ ‫الحمق المفضي إلى نهايته ؟!! لك ّ‬
‫المشحونة بالخباثة ‪ ،‬لم ُتطق بقاء الحقد دفينا فيها ‪ ،‬فانفجرت عند أّول‬
‫فرصة تمكنوا فيها من إهراق دماء المسلمين ‪ ،‬فولغوا فيها ولوغ الكلب‬
‫الظامئة ‪ ،‬في سكرة أعمتهم عن عواقب جرائمهم ‪ ،‬حتى نبض فيهم عرق أبو‬
‫ل من اسمه عمر في العراق ‪ ،‬وأشداقهم‬ ‫لؤلؤة المجوسي ‪ ،‬فأخذوا يقتلون ك ّ‬
‫تسيل دما بدل اللعاب ‪ ،‬ونفوسهم تملها أحلم الشياطين ‪ ،‬أن يتسللوا إلى‬
‫عقيدة أمتنا‪ ،‬فيتوغلوا فيها ‪ ،‬ثم يفتكون بتاريخنا ‪ ،‬وماضينا ‪ ،‬فتكا لمثيل له‬
‫في التاريخ ‪ ،‬بوسائل من أخفى المكر وأخبثه ‪ .‬وظّنوا أنه يمكنكم بتزييف‬
‫إعلمي رخيص أن يحّرفوا الحقيقة ‪ ،‬بإلقاء تبعات إبادتهم الجماعّبة لهل‬
‫السنة في العراق على المجاهدين ‪ ،‬حتى انكشف الغطاء عن نتن نفوسهم‬
‫المريضة ‪ ،‬فبدت جرائمهم‬

‫)‪(1 /‬‬

‫لجميع الناس لئحة ‪ ،‬وإنبعثت منها أسوء رائحة ‪ .‬وذلك كّله من لطف الله‬
‫بهذا الدين وأهله ‪ ،‬وهاهي سنن الله تعالى في الظالمين ‪ ،‬كما يوّلي بعضهم‬
‫طع بهم السباب ‪ ،‬عندما ينزل‬ ‫بعضا ‪ ،‬يسّلط الظالمين على من أعانهم ‪ ،‬وتتق ّ‬
‫الله تعالى بهم نقمته ‪ ،‬وينتصر لدماء أولياءه‪ .‬وكم هم بعيدون عن الهدى ‪،‬‬
‫ن أرض فلسطين أغلى من عقيدة السلم ‪ ،‬وأنهم يمكنهم‬ ‫أولئك الذين ظّنوا أ ّ‬
‫حوا ـ مع العقيدة ـ بدماء المسلمين في مكان آخر قربانا للنظام‬ ‫أن يض ّ‬
‫الصفوي في إيران ‪ ،‬لترجع أرض فلسطين مرفرفة عليها رايات ذلك النظام ‪،‬‬
‫فياللسى عليهم منذ الن ‪ ،‬قبل أن نراهم وقد خسروا العقيدة والرض معا !‬
‫وكم هي مثيرة للشفقة ‪ ،‬تلك الحيرة التي أدهشت أولئك المساكين الذين‬
‫مرون ‪ ،‬لفصيل من جيش النظام العنصري اليراني في‬ ‫تارة يصفقون ‪ ،‬ويز ّ‬
‫لبنان ـ حزب حسن نصر ـ عندما يلقي الصواريخ على الصهاينة ‪ ،‬وتارة يبكون‬
‫على دماء مسلمي العراق ومنهم الفلسطينيون ‪ ،‬الذين هم ضحايا فصيل آخر‬
‫ن الذي يطلق الصواريخ هناك‬ ‫من جيش النظام العنصري نفسه ‪ .‬ولم يعلموا أ ّ‬
‫طي على مذابحه لقامة مشروعه هنا ‪ ،‬وأّنه أخطبوط واحد ‪ ،‬قد‬ ‫‪ ،‬هو الذي يغ ّ‬
‫دها‬‫بنى أعشاشا وضع فيه بيضه في كثيرٍ من بلد السلم ‪ ،‬وفّرخت ‪ ،‬وأم ّ‬
‫ضل ‪ ،‬سلح الغدر والجبن ‪ ،‬سكاكين أبو لؤلؤة المجوسي ‪ ،‬لتثب‬ ‫بسلحه المف ّ‬
‫أفراخه في الوقت المناسب ‪ ،‬وتنشر الفتن في بلد السلم ولكن هيهات‬
‫ن ( ‪ .‬فخداعه لن ينطلي علينا ‪ ،‬وإذا‬ ‫ري ْ‬
‫خي ُْر الماك ِ ِ‬
‫ه َ‬ ‫ن َويمك ُُر الل ُ‬
‫ه والل ُ‬ ‫) ويمك ُُرو َ‬
‫هلك كسرى فل كسرى بعده ‪ ،‬وقد سمع الله تعالى نجواهم بين قم ‪،‬‬
‫مة‬‫وطهران ‪ ،‬وتل أبيب ‪ ،‬وواشنطن ‪ ،‬عندما تناجوا بالثم والعدوان على أ ّ‬

‫‪14‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السلم ‪ ،‬وسيقلب الله تعالى عليهم مكرهم الذي أجمعوه ‪ ،‬مكرا عليهم‬
‫س‪،‬‬‫ف عليه ‪ ،‬ولنا ٍ‬
‫وه ‪ ،‬غير خا ٍ‬ ‫متنا هم لق ُ‬
‫فيجتووه ‪ ،‬وكل ما كادوا به أ ّ‬
‫ب السلم ‪ ،‬العزيز ذو إنتقام ‪.‬‬ ‫ولمضي ٍّع ‪ ،‬رّبنا ر ّ‬
‫‪http://69.72.226.92/npage/mqalat_open.php?id=339‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫بداية الوحي وحديث البخاري)‪(1‬‬


‫‪18/7/1975‬‬
‫)نقدم اعتبارا من هذاالعدد ماتيسرلدينامن خطب العلمة الخطيب المفوه‬ ‫ً‬
‫وح –مفتي الميادين رحمه الله تعالى لمافيها من‬ ‫الديب الشيخ محمود مش ّ‬
‫فكروثقافة ودعوةمستنيرة إلى الله تعالى(‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫أما بعد أيها الخوة المؤمنون‪ ،‬فهذا أوان الوفاء بما سبق أن وعدناكم‬
‫بالحديث عنه بعد مقدمات قد يراها البعض طويلة ومملة‪ ،‬ونراها ضرورية‬
‫ولزمة‪ ،‬لقد وعدناكم أن نتحدث عن بواكير الدعوة‪ ،‬وفي ذهني أنني قد أسلخ‬
‫ل‪ ،‬ولكن من الضروري قبل البدء في‬ ‫معكم في هذا الحديث أسابيع طوا ً‬
‫الحديث أن أقدم بضع ملحظات‪.‬‬
‫إن الحديث عن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ليس أمرا ً هينًا‪ ،‬وأعترف‬
‫لكم دون تردد أنني حين وعدت بهذا ما كنت أقدر أن المر يتطلب كل هذا‬
‫الجهد فنحن نملك في موضوع السيرة أقدم نص وأوثق نص؛ هو النص الذي‬
‫جاءنا عن طريق ابن هشام والمعروف بسيرة ابن هشام‪ ،‬وسيرة ابن هشام‬
‫هذه هي تلخيص لمغازي ابن إسحق رحمة الله عليه‪ ،‬وهذه المغازي ضاعت‬
‫في ما ضاع أثناء النكبات التي حلت بالمسلمين على مدى تاريخهم الطويل‪،‬‬
‫ثم هناك ما هو أوثق من هذا ولكنه أضيق مدى وأقل شمول ً وهو ما يتناثر من‬
‫وقائع السيرة في ثنايا مجاميع الحديث النبوي الشريف‪ ،‬ثم بدأ الناس يكتبون‬
‫في سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم واختلفت درجات المغالة في هذه‬
‫الكتابة ويكفيك أن تنظر في كتب المتأخرين لترى كم ترك الخيال الشعبي‬
‫من آثار على هذه السيرة النسانية العالية‪ ،‬وكم ألحق في السيرة النبوية من‬
‫خرافات وأباطيل مع أن النبي صلوات الله عليه وآله كان يحرص باستمرار‬
‫وفي كل مناسبة على تأكيد بشريته ونفي أية صفة زائدة على هذه البشرية‪.‬‬
‫ة خاصة بتجريد‬ ‫وفي منهجنا الذي نأخذ به أنفسنا إن شاء الله سوف ن ُعَْنى عناي ً‬
‫حياة النبي صلى الله عليه وآله مما ينبغي أن ل يضاف إليها من الخرافات‬
‫والضاليل والباطيل فحسبنا منه عليه الصلة والسلم أنه البشر الكامل‬
‫ي(‪.‬‬
‫المكمل )قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إل ّ‬
‫أعرف تماما ً أن كثيرا ً من العوام وأشباه العوام سيضيقون ذرعا بهذا لنهم‬
‫ً‬
‫يرون عن جهل ‪-‬طبعًا‪ -‬أن أي مساس بجملة الباطيل التي يروج لها‬
‫ويسمعونها شيء ل يطاق‪ ،‬ولكننا نحترم العلم ونحترم الحقيقة‪ ،‬ونحترم‬
‫الحقيقة البشرية المتمثلة في محمد صلى الله عليه وسلم هذه ملحظة‪،‬‬
‫ه بكر قد‬ ‫وملحظة أخرى إن الميدان الذي نروده الن ميدان ب ِك ٌْر أو شب ُ‬
‫ن ولكن النحو‬ ‫تعجبون فالسيرة النبوية كتب فيها كثيرون وقال فيها كثيرو َ‬
‫ً‬
‫الذي أريده والزاوية التي أتناول السيرة منها يشبه أن تكون زاوية بكرا لم‬
‫تردها قدم سائح أنا ل أهتم بالخبر من حيث هو خبر أهتم له من حيث هو‬
‫واقعة تاريخية فالتاريخ معلومات لكني أهتم بالسيرة برمتها من حيث هي‬

‫‪15‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حركة‪ ،‬من حيث هي تحرير للرادة البشرية‪ ،‬من حيث هي إغناء للمسيرة‬
‫النسانية‪ ،‬من حيث هي رفع لسوية النسان‪ ،‬يهمني أن أعرف وأن تعرفوا‬
‫كيف كان النبي صلوات الله عليه وآله وسلم يدعو ويتصرف‪ ،‬وتحت أية‬
‫قوانين وقواعد كان يسير في هذه الدعوة لن اجتهادات المجتهدين في عمل‬
‫المسلمين اختلفت ضرورة اختلفهم في فهم هذه القواعد إن كانوا فهموها‬
‫ل‪ ،‬فالسيرة تهمنا من حيث هي صورة لتيار حركي استهدف تغيير الواقع‬ ‫أص ً‬
‫ً‬
‫البشري بالدعوة وبالقول وبالعمل‪ ،‬ثم هو لم يكن عمل ً عشوائيا غير مبني‬
‫على قواعد ول خاضع لقوانين ول هو غير مقيد بمناهج‪ ،‬وإنما هو بالفعل كان‬
‫يخضع لقوانين صارمة ودقيقة للغاية‪ ،‬وواجب المسلمين أن يتصرفوا على‬
‫هذه القوانين ليقيموا حركتهم وفقا ً لها‪ ..‬لماذا؟ لن الله جل وعل اختار لنبيه‬
‫صلى الله عليه وسلم الطريقة التي توصل إلى الهدف المقصود من أقرب‬
‫طريق وبأقل التضحيات الممكنة على الطلق‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فنحن إذا ً سوف ندرس السيرة في هذا الطار وسوف نعاملها تبعا ً لضعف‬
‫المصادر التي بين أيدينا على ضوء القرآن لن القرآن هو الوثيقة الوحيدة‬
‫التي ل يمكن الطعن فيها‪ ،‬وهو الوثيقة الوحيدة التي تحوي هذه الحركة بكل‬
‫زخمها‪ ،‬وبكل إشعاعاتها هذه ملحظة ثانية‪ ،‬وملحظة ثالثة قبل اليوم ومنذ‬
‫سنوات أسمع من كثير من الخوة تساؤل ً عن السلوب‪ .‬هذه معضلة أيها‬
‫الخوة تتعلق بشخصي مع السف كثير من الخوة يشكون ومعهم كل الحق‬
‫من أن السلوب أعلى مما ينبغي ومن أن الفكار أعمق مما ينبغي‪ ،‬وطلب‬
‫إلي الكثيرون أن أخفف من هذا‪ ،‬أما إخواننا أهل منطقتنا فقد تعودوا على‬
‫طنوا أنفسهم على تحمله منذ ما يقرب من ثلث قرن‪ ،‬وأما‬ ‫هذا )البلء( وو ّ‬
‫الخرون فأحب أن يدركوا معي ملحظة بسيطة‪ ،‬إن السلوب يا إخوة‪ ،‬جزء‬
‫من شخصية النسان ل يمكن تعديله إل بعد إدخال تعديل واضح على‬
‫ة في‬ ‫الشخصية‪ ،‬وهذا مستحيل فمن حيث السلوب أعتذر إليكم ل أملك حيل ً‬
‫هذا الموضوع‪ ،‬هكذا فطرني الله وهذه هي طريقتي في الحديث وهذه هي‬
‫طريقتي في تناول الموضوعات لكني قررت وحدثت أحد إخواني أمس مساًء‬
‫أنني سوف أسلك طريقة كنت ل أريدها‪ ،‬كنت أريد أن يسمع الواحد منكم‬
‫الكلم هنا كما يقرأه في كتاب أو كما يقرأه في جريدة أو مجلة ‪-‬ل فرق أبدا‪ً-‬‬
‫مع ذلك فرعاية للظرف المحيط بنا سوف أركز في كل جمعة على فكرة‬
‫واحدة أو فكرتين أوضحها وأبسطها‪ ،‬وأنا آسف لن هذا سيقضي على كثير‬
‫من المزايا التي كنت حريصا ً عليها‪.‬‬
‫نعود إلى ما كنا فيه‪:‬‬
‫منذ أسبوعين رويت لكم الحديث الذي رواه المام البخاري رحمة الله عليه‬
‫في أوائل كتابه الجامع الصحيح وفي باب )كيف كان بدء الوحي إلى رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم( واقتصرت من الحديث على ما دعت الحاجة إليه‬
‫مّرن أنفسنا‬ ‫آنذاك‪ ،‬الن سأروي لكم الحديث بتمامه إن شاء الله وأرجو أن ن ُ َ‬
‫على قراءة ما بين السطور قال المام البخاري رحمة الله عليه‪:‬‬
‫حدثنا محمد بن بكير قال حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة بن‬
‫دئ به رسول‬ ‫الزبير عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت‪ :‬أول ما ب ُ ِ‬
‫الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم فكان ل يرى‬
‫حبب إليه الخلء أي العزلة وكان يخلو في‬ ‫رؤيا إل جاءت مثل فلق الصبح‪ ،‬ثم ُ‬

‫‪16‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫غار حراء ويتحنث‪ ،‬وهو التعبد‪ ،‬الليالي ذوات العدد‪ -‬قبل أن ينزع إلى أهله ‪-‬‬
‫يعني يرجع‪ -‬ويتزود لذلك يعني ينقطع أياما ً يأخذ أثناءها ما يلزمه من زاد ثم‬
‫يعود إلى خديجة رضي الله عنها فيتزود لمثل ذلك أي أن تحنثه كان يستمر‬
‫على فترات كلما فني زاده وانتهت نفقته عاد إلى بيته فتزود ثم رجع إلى‬
‫الغار يتحنث هناك‪ .‬قالت‪:‬‬
‫جاءه الملك وهو في حراء فقال له‪ :‬اقرأ‪.‬‬
‫فقال‪ :‬ما أنا بقارئ‪.‬‬
‫قال –يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪-‬فأخذني فغطني أي اعتصرني‬
‫حتى بلغ مني الجهد أي أتعبني جدا ً ثم أرسلني وقال‪ :‬اقرأ‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ما أنا بقارئ‪ ،‬فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني‬
‫فقال‪ :‬اقرأ‪ .‬قلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم‬
‫أرسلني فقال‪:‬‬
‫(أقرأ بسم ربك الذي خلق النسان من علق اقرأ وربك الكرم)‪.‬‬
‫قالت‪ :‬فرجع بها – يعني بهؤلء اليات – رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫خله شيٌء كثير من الرعب‪ ،‬والتجربة تجربة جديدة على‬ ‫يرجف فؤاده أي َدا َ‬
‫ً‬
‫النسان تدخل الرعب إلى نفسه حقا فجاء إلى خديجة فقال‪ :‬زملوني فزملوه‬
‫فلما ذهب عنه الروع أي زايله الخوف قال لخديجة وأخبرها الخبر‪:‬‬
‫"لقد خشيت على نفسي" خشي أن يكون قد تلّبسه شيطان‪ ،‬أن يكون قد‬
‫أصابه مس‪.‬‬
‫قالت خديجة‪ :‬كل والله ما يخزيك الله أبدًا‪ ،‬إنك لتصل الرحم‪ ،‬وتقري الضيف‪،‬‬
‫وتحمل الكل وتعين على نوائب الحق‪ ،‬ثم انطلقت به إلى ورقة ابن نوفل بن‬
‫صر في‬ ‫ً‬
‫عبد العزى وكان ابن عم خديجة رضي الله عنها وكان أمرأ قد تن ّ‬
‫الجاهلية أي دخل دين النصرانية وقرأ الكتاب العبراني وكان يكتب من‬
‫النجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب فقالت له‪ :‬يا ابن عم‪ ..‬اسمعْ من ابن‬
‫أخيك‪.‬‬
‫قال ورقة )يعني للنبي صلى الله عليه وسلم( يا ابن أخي‪ :‬ماذا ترى؟‬
‫فأخبره رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بخبر ما رأى فقال‪ :‬لئن‬
‫ي هذه المة‪ ،‬وإن‬ ‫صدقتني إنه الناموس الذي أنزله الله على موسى‪ ،‬وإنك لنب ّ‬
‫يدركني يومك أنصرك نصرا ً مؤزرًا‪.‬‬
‫قال له قبل ذلك يا ليتني أكون حيا ً إذ يخرجك قومك‪ ،‬فدهش النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم وقال‪:‬‬
‫ي هم؟‬ ‫أو مخرج ّ‬
‫قال‪ :‬نعم لم يأت رجل قومه بمثل ما جئت به إل عودي‪ ،‬وإن يدركني يومك‬
‫أنصرك نصرا ً مؤزرًا‪.‬‬
‫ثم لم ينشب ورقة أن توفي‪ ،‬وفتر الوحي‪.‬‬
‫قال ابن شهاب وأخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن جابر بن عبد الله‬
‫النصاري رضي الله عنه قال وهو يحدث عن فترة الوحي‪ ،‬قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫ً‬
‫بينما أنا في حراء إذ سمعت صوتا فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني في‬
‫حراء جالس على كرسي بين الرض والسماء فرعدت فرقا ً – خوفا ً –‬
‫فرجعت فقلت دثروني فأنزل الله تعالى‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪17‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)يا أيها المدثر قم فأنذر(‬


‫إلى قوله تعالى‬
‫)والرجز فاهجر(‬
‫ثم حمي الوحي وتتابع‪ .‬هذا نص حديث المام البخاري رضي الله عنه رويت‬
‫لكم جانبا ً منه منذ أسبوعين ورويت لكم نصوصا ً أخرى في الموضوع‪.‬‬
‫قال ابن هشام قال ابن إسحق في السيرة‪:‬‬
‫ابتدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتنزيل في شهر رمضان أي أن بداية‬
‫الوحي كانت في شهر رمضان قال الله تعالى‪:‬‬
‫(شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى‬
‫والفرقان)‪.‬‬
‫وقال الله تعالى‪:‬‬
‫(إنا أنزلناه في ليلة القدر‪ ،‬وما أدراك ما ليلة القدر‪ ،‬ليلة القدر خير من ألف‬
‫شهر‪ ،‬تنزل الملئكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر‪ ،‬سلم هي حتى‬
‫مطلع الفجر)‪.‬‬
‫وقال الله تعالى‪ :‬بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫(حم والكتاب المبين‪ ،‬إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين‪ .‬فيها يفرق كل‬
‫أمر حكيم‪ .‬أمرا ً من عندنا إنا كنا مرسلين)‪.‬‬
‫وقال الله تعالى‪:‬‬
‫(إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان)‪.‬‬
‫وذلك ملتقى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشركين ببدر قال ابن‬
‫اسحق وأخبرني أبو جعفر محمد بن علي بن حسين أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وآله وسلم التقى هو والمشركون في بدر صبيحة الجمعة لسبع عشرة‬
‫ليلة خلت من شهر رمضان‪ ،‬فالمقطوع به أن التنزيل وأن الدعوة بدأت في‬
‫شهر رمضان المبارك نحاول الن وأرجو أن تعيروني أسماعكم‪ ..‬أن نتنبه إلى‬
‫الحديث‪ ..‬سآخذ منه موضوعات‪:‬‬
‫ل الله صلى الله‬ ‫ة رضوان الله عليها رسو َ‬ ‫ل‪ :‬الوقت الذي وصفت به خديج ُ‬ ‫أو ً‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫َ‬
‫ة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيعادى‬ ‫ثانيًا‪ :‬النذار الذي أنذر به ورق ُ‬
‫وسيؤذى وسيطارد وسيخرج وعلل ذلك أن رجل ً لم يأت قومه بشيء مثل‬
‫الذي أتى به محمد صلى الله عليه وسلم إل كان نصيبه العداء من الناس‪.‬‬
‫ل الله صلى الله عليه‬ ‫ثالثًا‪ :‬الدهشة الغريبة‪ ،‬الستغراب الذي قابل به رسو ُ‬
‫ي هم؟‬ ‫خرج ّ‬‫م ْ‬
‫وسلم هذا النذاَر‪ :‬أو ُ‬
‫سنبدأ بما تيسر لنا‪.‬‬
‫خديجة رضي الله عنها حينما جاءها رسول الله يحمل أوائل الوحي هذه‬
‫اليات القصار‪) :‬اقرأ باسم ربك الذي خلق( وأخبرها خبر ما رأى وخبر ما‬
‫سمع‪ ،‬ماذا قالت له؟‬
‫ً‬
‫قالت له‪ :‬والله ل يخزيك الله أبدا‪ .‬النبي صلى الله عليه وسلم أوجس في‬
‫س من الجنون‪ ،‬تجربة غير عادية‪ ..‬كلم‬ ‫نفسه خيفة‪ ،‬خشي أن يكون أصابه م ٌ‬
‫يسمعه النسان يخالط منه اللحم والعظم من مخلوق ل عهد له به ول عهد‬
‫للناس به يأمره وينهاه ويعتصره ويرسله ويكلفه بأن يحمل للناس رسالة‬
‫الله‪ ،‬شيء يروع القلب‪ ،‬ويدخل الرعب إلى النفس‪ ،‬جاء خائفا ً إلى الزوجة‬
‫الوفية فقالت له بدون تلكؤ وبدون تساؤل‪:‬‬
‫"كل والله ما يخزيك الله أبدًا"‪.‬‬
‫لماذا؟ هل هي ثقة الزوجة بالزوج؟ هل هي محبة الزوجة لزوجها وحسب؟‬

‫‪18‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أحسب أن المر على خلف ذلك‪ .‬إن خديجة رضوان الله عليها عللت هذا‬
‫الموقف بماذا؟ بما اشتهر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬من خلل‬
‫قري الضيف‪،‬‬ ‫فضيلة وخصائل الستقامة والشرف‪" :‬إنك لتحمل الك َ ّ‬
‫ل‪ ،‬وت َ ْ‬
‫ل عظمى ل تجتمع‬ ‫ل عالية وفضائ ُ‬ ‫وتصل الرحم‪ ،‬وتعين على نوائب الحق‪ ،‬خل ٌ‬
‫إل في نفس عظيم من العظماء‪ ،‬أو في نفس أعظم العظماء‪ ،‬هذه الشهادة‬
‫التي جاءت عفو الخاطر لم تأت في معرض أمر من ورائه مطامع ول‬
‫مكاسب‪ ،‬جاءت في مواجهة أي شيء‪ ،‬في مواجهة تأكيد من قبل رجل‬
‫مارس الكتب وقرأها وعلم أخبار الولين‪ ،‬واطلع على سير كثير من‬
‫المرسلين فأنذر هذا المتوجس‪ ،‬هذا المرتعش الخائف من التجربة التي‬
‫شهدها ومر بها أنه سيؤذى وأنه سيعادى‪ ،‬وأنه سيطارد‪ ،‬وأنه سيخرج من‬
‫بلده‪..‬‬
‫أية زوجة من الزوجات العاديات لو سمعت هذا من زوجها في مواجهة هذه‬
‫النذر والمخاطر لكانت عامل ً في تثبيط همة الزوج‪ ،‬لكانت عامل ً يدعو زوجها‬
‫إلى القعود ونفض اليد من هذه المهمة القاسية‪ ،‬المهمة غير مأمونة النتائج‪.‬‬
‫ولكن خديجة رضي الله عنها‪ ..‬بالفطرة السليمة‪ ،‬بالخلق الفاضل‪ ،‬بالطبع‬
‫الكامل‪ ،‬رأت أن امرأ مثل محمد صلوات الله عليه وآله ل يمكن أن يتعرض‬
‫مله بهذه الفضائل‪ ،‬وزانه‬ ‫مله وك ّ‬
‫ج ّ‬‫من قبل رب العزة للخذلن طالما أن الله َ‬
‫بهذه الخلق الرفيعة فلم يك ذلك قطعا ً لكي ُيهدر‪ ،‬وُيضيع هذه المعاني‬
‫السامية المتمثلة في شخص محمد صلى الله عليه وسلم ولكن الله سيحفظ‬
‫بحفظه رسوله‪ ،‬ولن يعرضه للخزي والخذلن ولهذا آمنت خديجة رضي الله‬
‫عنها لول ما أخبرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله ابتعثه للعالمين‬
‫بشيرا ً ونذيرًا‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫علم يدلنا هذا‪ ،‬ما هو الدرس الول البديهي الذي يمكن أن نستخلصه من‬
‫ودوا معنا يا إخوة على قراءة ما‬ ‫هذه الشهادة‪ ،‬من هذه الواقعة الجزئية؟‪ ..‬تع ّ‬
‫بين السطور‪ ..‬هذا يدل على أن شخصية الداعي‪ ،‬وهنا موضع الهمية‪ ،‬لها‬
‫الثر الحاسم والنهائي في نجاح الدعوة أو فشلها‪ ..‬لو أن الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم كان على غير ما هو عليه ماذا يكون الحال؟ إن محمدا ً صلى الله‬
‫عليه وسلم ولد في مكة‪ ،‬وعاش في مكة‪ ،‬واختلف فيما يختلف فيه الناس‬
‫واضطرب فيما يضطرب فيه الناس من شؤون الحياة‪ ،‬أخذ وأعطى‪ ،‬وتزوج‬
‫وأقصى‪ ،‬وأكل شرب ورآه الناس لم تكن حياته الشريفة صفحة مطوية وإنما‬
‫كانت شيئا ً ظاهرا ً يعلمه الناس ويرونه بأم أعينهم ويسمعونه بآذانهم‬
‫ويلمسون آثاره بأيديهم فما تعلقوا عليه بريبة قط‪.‬‬
‫عاش العمر الطويل بينهم‪ ،‬أربعون سنة مرت والنبي صلى الله عليه وسلم ل‬
‫ن حوله من الناس بشيء خارق للعادة‪ .‬كل ما هنالك أنه كان‬ ‫م ْ‬
‫يلفت أنظار َ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ل‪ ،‬وكان إنسانا رفيعا وكانت طباعه سليمة‪ ،‬وكانت فطرته‬ ‫بشرا ً كام ً‬
‫مستقيمة‪ ،‬أما أنه كان هناك شيء خارق للعادة قبل أن يفجأه الملك بما‬
‫فجأه به في غار حراء فل هذه الحياة التي مرت أربعون عاما ً بلغ فيها النبي‬
‫ده واستوى وأخذ فيما يأخذ الناس فيه لم يجربوا عليه‬ ‫ش ّ‬‫صلى الله عليه وآله أ َ ُ‬
‫م يتهمونه‬‫كذبا ً قط‪ .‬ثم عالنهم بأنه مرسل إليهم من قبل الله جل وعل فب َ‬
‫بالكذب؟ أبعد أن جلل الشيب فوديه يكذب على الله؟ وهو الذي لم يجز‬
‫لنفسه أن يكذب على أحد‪ ،‬هذا شيء غير مقبول في بديهة العقل النساني‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كان عليه الصلة والسلم منذ الطفولة وبواكير الصبا مثال ً للنسان المهذب‬
‫المستقيم‪ .‬قال عليه الصلة والسلم‪ :‬ما هممت بشيء من أمر الجاهلية إل‬
‫مرتين‪ ،‬كنت أرعى غنما ً لهلي فسمعت صوت غناء فسألت صاحبي – كان‬
‫معه شخص آخر يرعى الغنم – ما هذا الغناء قال عرس لبن فلن‪ ،‬قلت له‪:‬‬
‫ي غنمي ريثما أذهب لسمع فلما جئت جلست خارج الدار لسمع‬ ‫احفظ عل ّ‬
‫الغناء فضرب الله على أذني فنمت فما أيقظني إل حّر الشمس‪ ،‬فلم أسمع‬
‫شيئا ً فلما كانت الليلة القابلة صنعت مثل الذي قبلها – طلب إلى صاحبه أن‬
‫يحفظ عليه غنمه ليسمر ويلهو كما يلهو صبيان مكة – قال فجئت فجلست‬
‫قريبا ً من الدار فضرب الله على أذني فنمت فما استيقظت إل مع الصباح‪..‬‬
‫م بهما – عزم مجرد إرادة رغبة لم يصنعها‪-‬‬ ‫هاتان الحادثتان فقط هما اللتان ه ّ‬
‫من أمر الجاهلية‪.‬‬
‫حْيرى‬
‫وأما ما كان يتقرب به قومه إلى الله من عبادة للوثان ففي حديث ب َ ِ‬
‫الراهب أن بحيرى أراد أن يستخبر خبر النبي صلى الله عليه وسلم فاستدعاه‬
‫واستدناه وقال له‪:‬‬
‫أنشدك باللت والعزى‪.‬‬
‫ً‬
‫قال‪ :‬ل تنشدني باللت والعزى فوالله ما أبغضت شيئا كما أبغض اللت‬
‫والعزى‪.‬‬
‫وكان قومه يتقربون إلى اللت والعزى ويرونها تشفع لهم عند الله وكان عليه‬
‫ف ل يليق بعاقل‪.‬‬ ‫الصلة والسلم يرى أن هذا سخف‪ ..‬سخ ٌ‬
‫وأمانته ماذا عنها؟ عمل بالتجارة فكان مثال التاجر الصدوق المين؛ اتجر‬
‫لخديجة رضي الله عنها فلما رأت ما رأت من صدقه وأمانته ووفائه طلبت‬
‫منه أن يتزوجها وهي التي رغب أشراف قريش لو ينالون شرف الزواج منها‬
‫لما تتمتع به من كمال ومنزلة بين نساء قريش فرفضتهم وردتهم برغم ما‬
‫مق ّ‬
‫ل‬ ‫بذلوا لها من الموال وقطعوا لها من الوعود واختارت عليهم هذا اليتيم ال ُ‬
‫محمدا ً صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫ثم ماذا؟ اشتهر بالصدق الذي ل صدق بعده أبدًا! اختلفت قريش وكانت‬
‫قريش تثق به ثقة مطلقة‪ ،‬لمانته ولصدقه ولعفافه‪ ،‬اختلفت قريش حين‬
‫هدمت الكعبة لتجديدها في رفع الحجر السود‪ ،‬وحمي المر وأنذر بالشر‬
‫وتداعوا للقتال فقام رجل مسن منهم وقال لهم‪:‬‬
‫‪ -‬رويدكم يا قوم اجعلوا المر حكما ً في يد أول داخل من باب الصفا‪.‬‬
‫فرضوا فلما كان من الغد كان محمد صلى الله عليه وسلم أول داخل فلما‬
‫رأوه فرحوا واطمأنوا واستبشروا وقالوا جميعًا‪:‬‬
‫‪ -‬هذا محمد‪ ،‬هذا المين رضينا به وبحكمه‪.‬‬
‫ي ثوبًا‪ ،‬فجاؤوه بالثوب فحمل الحجر بيديه‬ ‫م إل ّ‬
‫فسألهم فأخبروه فقال‪ :‬هل ّ‬
‫الشريفتين ووضعه في الثوب ثم دعا رؤساء القبائل وأمرهم أن يحمل رئيس‬
‫كل قبيلة طرفا ً من أطراف الثوب حتى إذا ساوى الحجر المكان الذي يوضع‬
‫فيه‪ ،‬حمله بيديه الشريفتين فوضعه في المكان الذي هو فيه الن‪.‬‬
‫لو أن أي رجل من سادات قريش وزعمائها جاء ليكون في مكان محمد صلى‬
‫الله عليه وسلم لثار نزاعًا‪ ،‬ولثار لغطا ً شديدا ً لنه ما من رجل منهم إل وله‬
‫ن محمد ٌ ماذا يقولون فيه؟ بأي‬ ‫هنات وهنات وله سقطات وسقطات ولك ْ‬
‫شيء يعلقون عليه؟ لهذا من غير تردد وبل مجادلة وبل نقاش قبلوا به‬
‫وبحكمه‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫‪20‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أكثر من ذلك‪ ..‬لما جاءت الدعوة وأنذر وبشر ودعا إلى الله واشتد المر بينه‬
‫وبين قريش وتدابرت قريش فيما بينها فوصلت المور إلى حد التآمر على‬
‫قتله صلى الله عليه وسلم هل فكر أحد من القرشيين أن يسترد ما كان عند‬
‫محمد من أمانات؟ ل‪ .‬حين أراد الهجرة في وقت المؤامرة وفي ساعة‬
‫خّلف رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا ً كرم الله وجهه‬ ‫التنفيذ زعموا‪َ ...‬‬
‫في الجنة في مكانه لكي يرد المانات إلى أصحابها‪.‬‬
‫يا سيدي يا رسول الله أية أمانة أية ثقة هذه التي كنت تتمتع بها من‬
‫خصومك‪ ،‬من الذين يطلبون دمك‪ ،‬من الذين يسعون ليقتلوك أو يثبتوك أو‬
‫يخرجوك‪ ،‬ما فكروا بأن أموالهم في خطر عند محمد صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫في أشد الوقات وفي أحرجها كانوا يثقون بمحمد صلى الله عليه وسلم هذه‬
‫الثقة المطلقة التي ل تتقبل المناقشة ول الجدال ولهذا نجد الله سبحانه‬
‫وتعالى يعزي نبيه صلى الله عليه وسلم حين ووجه بالصد وأعلن تكذيبه‬
‫ورفضت قريش سماع ما يقول‪ :‬يقول له الله‪:‬‬
‫(فإنهم ل يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون)‪.‬‬
‫هذا الذي تراه من قريش ليس تكذيبا ً لن الكبير والصغير والحر والعبد‬
‫والذكر والنثى يعرفونك الصادق المين ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون‬
‫حينما تكون شخصية الداعي بهذه المثابة من الطهارة والستقامة والعفة‬
‫والمانة‪ ،‬تكون دعوته بمنجاة من كل الركام الذي يلحق الدعوات التي يقوم‬
‫سرت‬ ‫بها أناس عليهم بعض الشوائب وبعض المآخذ ولهذا نجد أن المور ي ُ ّ‬
‫لمحمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬كان طريقه إلى قلوب الناس مفتوحا ً ومعبدا ً‬
‫ومذلل ً فهو الموصوف في الجاهلية وفي السلم بالوفاء والصدق والمانة هو‬
‫ما وضع أهل الحديبية وأثناء المفاوضات جاء‬ ‫الموصوف بالوفاء الذي ل ي َْغدر ل ّ‬
‫أبو بصير رضي الله عنه فرفض سهيل أن يسمح لرسول الله صلى الله عليه‬
‫جت القضية بيني وبينك يا محمد أي تم العقد‪.‬‬ ‫وسلم بقبوله وقال‪ :‬ل ّ‬
‫قال‪ :‬صدقت‪ ،‬يا أبا بصير ارجع مع القوم‪.‬‬
‫قال أبو بصير‪ :‬أ َُرد ّ إلى قريش‪ ،‬إلى الكفار‪ ،‬يعذبوني ويفتنوني عن ديني يا‬
‫معاشر المسلمين‪..‬؟‬
‫ً‬
‫قال‪ :‬يا أبا بصير إنا أعطينا القوم عهدا وإنه ل يصلح في ديننا الغدر‪..‬‬
‫الغدر ومساوئ الخلق ورديء الطباع قد يوفر لك مكسبا ً عاجل ً رخيصا‪ ،‬لكن‬
‫ً‬
‫ثق أنك ستخسر الجولة الخيرة‪ ،‬الستقامة‪ ،‬الوفاء‪ ،‬الطهر‪ ،‬العفاف‪ ،‬صدق‬
‫الحديث‪ ،‬قد يعرضك للمتاعب‪ ..‬لكن ثق أنك ستكسب الجولة الخيرة‪ ..‬ما‬
‫معنى هذا؟‬
‫معنى هذا أنني ل أطلب إلى كل داع إلى السلم أن يكون بصدق محمد‪،‬‬
‫وبوفاء محمد‪ ،‬وبطهارة محمد‪ ..‬ذلك شيء ل سبيل إليه‪ ،‬لكني أطلب‬
‫وأشترط في كل متصد للدعوة إلى الله جل وعل أن يكون صادقا ً مع الله‬
‫ل‪ ،‬ل‬ ‫صادقا ً مع نفسه صادقا ً مع الناس لمجرد أن يتوفر هذا يكون طريقه سه ً‬
‫بد من المتاعب ذلك ثمن يجب أن يدفعه كل متصد ومتقدم لتغيير الوضاع‬
‫المهترئة الفاسدة‪ ،‬ولكن العواقب مضمونة بإذن الله تعالى‪.‬‬
‫قد يتعرض النسان في موطنه للذى‪ ..‬يقال له كنت كيت وكيت‪ ،‬وكان منك‬
‫كذا وكذا وهذا حصل ول بد أن يحصل‪ ،‬لكني أريد أن أبشر أحبابنا أن مدار‬
‫المر على الصدق مع الله تعالى‪ ،‬فالنسان مهما يكن ملوث الماضي مهما‬
‫تكن عليه من سقطات وشواغر يجب أن يعلم أن صدقه مع الله والتزامه‬
‫بحدود الشريعة ووفاءه لهذه الدعوة والتحامه بجمهور المسلمين من أجلهم‬
‫ولخدمتهم يهون عليه متاعب الطريق‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فل‪ ،‬وهو الصادق الذي ل يأتي كلمه الباطل من بين يديه‬ ‫إن الله جل وعل تك ّ‬
‫ول من خلفه‪ ،‬لهؤلء الناس الذين يصدقون معه أن يبدل الله سيئاتهم‬
‫حسنات‪ ،‬بل أكثر من ذلك إن الله جل وعل أخبر على لسان المصطفى صلى‬
‫الله عليه وسلم أن الرجل الصادق مع الله‪ ،‬الملتزم بأوامر الله جل وعل‬
‫ة ذنوَبه ويمحو من أذهان الناس سيئاته‪ ،‬بل‬ ‫فظ َ َ‬
‫ل وعل الح َ‬‫هج ّ‬‫ي ُْنسي الل ُ‬
‫ض التي عصا عليها معصيته‪.‬‬ ‫وي ُْنسي الر َ‬
‫ً‬
‫إن الله جل وعل لم يطلب منك أيها المسلم إل أن تكون صادقا معه فإن‬
‫صدقت معه فالبقية على الله‪.‬‬
‫أيها الخوة أيها الراغبون في سيادة كلمة الله‪ ،‬أيها الداعون إلى الله‪.‬‬
‫ب الله عبدا ً قال يا جبريل‪ ،‬إني أحببت‬ ‫ل يكن ماضيكم‪ ..‬معيقا ً لكم‪ ..‬إذا أح ّ‬
‫ب فلنا ً فأحبوه ثم‬
‫فلنا ً فأحّبه فينادي جبريل في أهل السماء‪ :‬إن الله قد أح ّ‬
‫ينزل له القبول في الرض‪ ،‬وإذا أبغض الله عبدا ً نادى جبريل فقال لجبريل‪:‬‬
‫إني قد أبغضت فلنا ً فأبغضه فينادي جبريل في أهل السماء‪ :‬إن الله قد‬
‫أبغض فلنا ً فأبغضوه‪ ،‬ثم ينزل له البغضاء في الرض‪ ..‬مداُر المر ‪-‬كما ترون‪-‬‬
‫على الصدق‪ ،‬وعلى الوفاء لنهج النبوة وتعهد هذا الدين‪ ،‬فإذا كنت صادقا ً فثق‬
‫أن الله جل وعل بيده كل شيء وبيده مفتاح كل شيء‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫ن في الناس بالحج‪ ،‬فقال‪ :‬يا‬ ‫إن الله كّلف إبراهيم عليه السلم فقال له‪ :‬أذ ّ ْ‬
‫منى وأقول إن الله كتب عليكم‬ ‫رب وماذا تبلغ دعوتي من الناس؟ أقف في ِ‬
‫ن في الناس وعلينا البلغ‪.‬‬ ‫الحج من الذي يسمعني؟ قال الله جل وعل‪ :‬أذ ّ ْ‬
‫ن إبراهيم عليه السلم وسمعت الدنيا أسلفا ً وأخلفا دعوة إبراهيم عليه‬
‫ً‬ ‫فأذ ّ َ‬
‫جُبك أيها المسلم؟!‬ ‫ً‬
‫السلم في الحج إلى بيت الله الحرام‪ ،‬إذا لماذا تع ّ‬
‫ج معه من أصحابه مئة‬ ‫جة الوداع وح ّ‬ ‫جح ّ‬‫إن النبي صلى الله عليه وسلم ح ّ‬
‫ألف وعشرة آلف عدا العراب ومن جاء مما ل يبلغه الحصاء ول يتناوله‬
‫العد‪ ،‬وكان النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون منتشرين في منى‬
‫وخطب النبي صلى الله عليه وسلم ببلغة العرب بوصايته الخيرة بخطبة‬
‫الوداع لم تكن هناك مكبرات للصوت‪ ،‬ول كانت هنالك وسائل تبليغ الكلم إلى‬
‫الناس وكان النبي عليه السلم يتكلم وكان الصوت يبلغ المسلمين وهم في‬
‫خيمهم بقدرة الله جل وعل وبإرادة الله جل وعل فإذا كان المر كذلك فإياك‬
‫أيها المسلم أن يردك أو أن يجعلك في تردد ما تشعر به من ماضيك‪ ،‬اصدق‬
‫مع الله فأنت تنسى ماضيك وينسى الناس كلهم ماضيك وتنسى الحفظة‬
‫ماضيك وتنسى الرض التي عصيت عليها هذا الماضي‪.‬‬
‫شخصيه الداعي إذا ً لها الثر الحاسم في إنجاح الدعوة فليحذر كل إنسان‬
‫يدعو إلى الله جل وعل أن يسمح للحظته الحاضرة أن تكون شيئا ً ل يرضي‬
‫الله جل وعل‪ ،‬ليعلم أنه حين يتصدى لدعوة الناس إلى الله ل يبقى المر‬
‫متعلقا ً بشخصه‪ ،‬اللف والمليين كلها تنظر إليه إن استقام استقاموا‪ ،‬وإن‬
‫انحرف انحرفوا فليكن على حذر كل داع إلى الله جل وعل متمثل ً بالنبي‬
‫صلى الله عليه وسلم آخذا ً الدرس والعبرة من هذه الشهادة التي رويناها‬
‫لكم والتي هي كلمات قلئل ولكنها تترجم عن حياة النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬هذه الحياة الطاهرة النقية التي فتحت أمام محمد عليه السلم‬
‫مغاليق القلوب والسماع والبصار فأبلغ دعوة الله إلى الناس قاطبة‪.‬‬
‫يا أحبابنا استعينوا بالله واعلموا أنكم في زمن يطلب من كل واحد منكم أن‬

‫‪22‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يجند نفسه لخدمة هذا السلم‪ ،‬هذا السلم أهمل طويل ً وطالت المؤامرات‬
‫عليه‪ ،‬وهذا السلم تكسرت عليه النصال فوق النصال وآن لكل مسلم أن‬
‫يعرف واجبه وأن يعرف أنه موقوف بين يدي رب ل تخفى عليه خافيه‬
‫فمسئول عن كل كلمة وعن كل نأمة‪ ،‬وعن كل تصرف بلى وعن كل هم ٍ ونية‬
‫وإرادة تحركت في خلجات الضمير‪ ،‬فاتصلوا بالله واعتصموا به هو مولكم‬
‫فنعم المولى ونعم النصير‪.‬‬
‫هذه يا أحبابي فكرة واحدة احفظوها وعوها وفي المستقبل سوف نحاول أن‬
‫نعالج بقية الفكار بهذا الشكل ل نخرج من المسجد إل بشيء حقيقي قد‬
‫تعلمناه‪..‬‬
‫شيء أخير أريد أن أقوله لكم‪:‬‬
‫ً‬
‫هذا الكلم الذي أقوله لكم ليس كلما من قبل اجتهادي‪ ،‬خير ما عندي‪ ،‬وأنا‬
‫أكره ما أكره موقف الستاذ‪ ،‬موقف الموجه‪ ،‬موقف المعلم‪ ،‬أنا واحد منكم‪،‬‬
‫قد أكون أجهل منكم‪ ،‬قد أكون أقلكم عزما ً وحول ً وقوة‪ ،‬فأنا أطلب من كل‬
‫واحد منكم أن يناقش وأن يفكر أنتم هنا لتسمعوا ولتفكروا وأنا هنا لقول‬
‫ولسمع آراءكم والقضية قضية تعاون نحن نقول رأيا ً قد يكون صوابا ً وقد‬
‫يكون خطأ ً وأنا لست من هؤلء الذين يتأذون من رد الرأي ثقوا أنني أفرح‬
‫من أعمق أعماق قلبي حينما أرى ولدي الصغير صحح لي خطئي نحن جميعا ً‬
‫إذا ً باحثون عن الحقيقة‪ ،‬نبحث عنها‪ ،‬البحث عنها يقتضي الجد في النظر‬
‫والتفكير والمناقشة‪ .‬وخطبة الجمعة تعليم وتعاون بين المسلمين فل تكونوا‬
‫سلبيين‪ ..‬من رأى رأيا ً ل يعجبه ول ينطبق على ما يفكر فيه فليقل ل يستحي‬
‫أنا ربما أغفل وربما أنسى ومن الراجح أنني أخطئ وأنا محتاج إلى رأي كل‬
‫واحد منكم لنتعاون على التعرف على الحق‪..‬‬
‫فل خير في حياة ل يسود فيها الحق أسأل الله جل وعل أن يعينني وإياكم‬
‫والمسلم‬

‫)‪(6 /‬‬

‫بداية الوحي وسبيل الداعية إلى الله )‪(2‬‬


‫‪25/7/1975‬‬
‫شوح‬ ‫العلمة محمود م ّ‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫أما أيها الخوة المؤمنون‬
‫فلقد كنا قد وقفنا في السبوع الماضي عند شهادة خديجة رضي الله عنها‬
‫لمحاسن خصال النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وذلك من حديث عائشة أم‬
‫المؤمنين رضي الله عنها وتبينا من خلل التتبع لكثير من الوقائع أن هذه‬
‫الصفات العالية هونت على رسول الله صلى الله عليه وسلم متاعب الطريق‬
‫ووعدنا أن نأتي بالحديث على بقية الملحظات التي أردنا إبرازها في الحديث‬
‫الشريف‪.‬‬
‫وأولى الملحظات التي تحدثنا عنها كانت قول خديجة رضي الله عنها للنبي‬
‫عليه الصلة والسلم في معرض التثبيت والتطمين‪.‬‬
‫ل‪ ،‬وتكسب‬ ‫"كل والله ما يخزيك الله أبدًا‪ ،‬إنك لتصل الرحم‪ ،‬وتحمل الك ّ‬
‫المعدوم‪ ،‬وتقري الضيف‪ ،‬وتعين على نوائب الحق"‪.‬‬
‫فسح لنا مجال القول فيها والتي نأمل أن نأتي‬ ‫وثانية الملحظات التي لم ي َن ْ َ‬
‫عليها اليوم بعون الله وتوفيقه تلك الدهشة التي أبداها رسول الله صلى الله‬

‫‪23‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عليه وسلم حينما سمع كلم ورقة بن نوفل‪ ،‬فمعلوم أن النبي عليه الصلة‬
‫والسلم حينما أخبر خديجة رضي الله عنها بخبر ما رأى وما سمع‪ ،‬من بدايات‬
‫صر في‬ ‫الوحي‪ ،‬أخذه الروع‪ ،‬فذهبت به إلى ورقة‪ ،‬وورقة هذا كان رجل ً قد تن ّ‬
‫الجاهلية وأخذ علما ً من علم أهل الكتاب ويبدو‪ ،‬والله أعلم‪ ،‬أن خديجة‬
‫رضوان الله عليها التمست عند ورقة قطع اليقين فيما أحسته في نفسها من‬
‫ة‬
‫شر ورق ُ‬ ‫أن هذا النسان الذي هو زوجها كان له شأن عظيم‪ ،‬وبعد أن ب ّ‬
‫ل الله صلوات الله عليه تمنى أمنية قال‪:‬‬ ‫رسو َ‬
‫ً‬
‫"يا ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك"‪.‬‬
‫فدهش النبي صلى الله عليه وسلم وقال‪:‬‬
‫ي هم؟ قال‪" :‬نعم‪ .‬لم يأت أحد قومه بمثل ما جئت به إل عودي‪،‬‬ ‫أوَ مخرج ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤّزرا"‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ربما يكون الوقوف عند مظهر الدهشة هذا أمرا غريبا على كثير من الخوة‪،‬‬
‫وسنحاول بإذن الله ونحن في معرض التقصي لخصائص النبي الخاتم محمد‬
‫عليه السلم أن نستكشف أسباب هذه الدهشة وآثارها‪ ..‬آثارها في النفس‬
‫وآثارها في الخرين‪ ،‬وما ينبغي أن يكون عليه الدعاة إلى الله من احتذاء لهذا‬
‫المثل الرائع المتمثل في رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير تحليلت‬
‫ور أنك أمام‬ ‫طويلة‪ ،‬أحب أن أضرب لكم مثل ً يقّرب المر إلى الذهان‪ ..‬تص ّ‬
‫عشرة أشخاص ثم تتكلم أمامهم بكلم فاحش ولحظ تعابير الوجوه من‬
‫ون وجهه وتتأذى نفسه وتصدم أحاسيسه ويرى أن هذا القول‬ ‫هؤلء‪ ..‬من يتل ّ‬
‫ل يليق ليس هذا وحسب وإنما هو ل يتصور أن يخرج هذا الكلم الفاحش‬
‫البذيء من إنسان يحترم معنى النسانية في نفسه‪ ،‬لحظ الخرين تجد بعضا ً‬
‫ل فاحش‪ ،‬فالمر عندهم طبيعي‬ ‫منهم ل يهتزون من كلمةٍ عوراء‪ ،‬ول من قو ٍ‬
‫م يدل هذا؟ يدل هذا على اختلف طبائع الناس وعلى تباين فطر‬ ‫للغاية‪ .‬عل َ‬
‫الناس وعلى تباين استعدادات الناس‪ ،‬ما كل إنسان يرى أن الحق أمر‬
‫ه في‬ ‫ف ٌ‬‫س َ‬‫معقول بل هو واجب‪ ،‬وأن الخذ به ل محيد عنه‪ ،‬وأن العراض عنه َ‬
‫سة في العقل‪ ،‬ما كل إنسان يتصور هذا التصور‪ ،‬هذا الشيء يحتاج‬ ‫النفس وخ ّ‬
‫ل من الطهارة والكمال‪ .‬أصحاب الطهارة ومن‬ ‫إلى ناس على مستوىً عا ٍ‬
‫سلمت فطرهم واستقامت طبائعهم‪ ،‬يرون أن المر الطبيعي هو أن يكون‬
‫الشيء المعقول هو السائد‪ ،‬وأن اللمعقول شذوذ ينبغي أن ل يحدث‪ ،‬وإن‬
‫حدث فينبغي أن يطارد في المجتمع حتى ُيجلى عن المكان الذي هو فيه‪.‬‬
‫ل الله صلى الله عليه وسلم بأن قومه سوف يخرجونه‬ ‫ة رسو َ‬‫حينما أخبر ورق ُ‬
‫ي هم؟ لو كان غير محمد صلى الله عليه‬ ‫وسوف يؤذونه‪ ،‬استغرب أومخرج ّ‬
‫وسلم لكان استغرابه بغير معنى؛ لشك أن النسان الذي ينادي الناس إلى‬
‫غير ما عرفوا‪ ،‬وإلى غير ما ألفوا‪ ،‬سوف يطارد‪ ،‬وسوف يعادى‪ ،‬وسوف‬
‫يخرج‪ ،‬وسوف تبذل الجهود من أجل إثباته أو قتله‪ ،‬لكن محمدا ً صلوات الله‬
‫عليه سمة أخرى‪ ،‬النسان المستقيم بيننا في عرفنا يعرف هذا الشيء يعرف‬
‫أن حامل الحق لبد أن يلقى البلء ولكن أحاسيسه وتصوراته ل تعدو هذا‬
‫التصور أما محمد عليه الصلة والسلم فكان من مستوى آخر‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫محمد صلوات الله عليه حين دهش لهذا الكلم الذي قاله ورقة‪ ،‬فتش في‬
‫أطواء نفسه‪ ..‬ما يدعو إليه الناس صحيح‪ ،‬ما جاء من عند الله ليس من عند‬
‫نفسه؛ وإنما هو من فاطر الكوان‪ .‬هل انتهى المر عند هذا الحد؟ ل‪ ..‬فتش‬

‫‪24‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في أطواء نفسه‪ :‬هل له في هذا الذي يدعو إليه طمع ومنفعة؟ غرض‬
‫شخصي؟ غاية ذاتية‪ ،‬شفاء غل وحقد‪ ،‬طلب منصب ووجاهة‪ ،‬جمع مال‬
‫وحطام‪ .‬لشك أن كل هذه النوازع البشرية والحاسيس الذاتية غريبة عن‬
‫تصور محمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وعن فكره‪ .‬وإذا كان المر كذلك أمر‬
‫قضية موحى بها من السماء ل شيء فيها من عند النسان الداعي وهي أيضا ً‬
‫ً‬
‫ن أجريَ إل‬ ‫ْ‬ ‫)إ‬ ‫ً‬
‫ا‪،‬‬ ‫أجر‬ ‫ول‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫مغنم‬ ‫ول‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫جاه‬ ‫ورائها‬ ‫من‬ ‫صاحبها‬ ‫يرجو‬ ‫أمر قضية ل‬
‫م يقف‬ ‫على الله( ما سألتكم عليه من أجر فهو لكم‪ ،‬إذا كان المر كذلك فل َ‬
‫الناس في وجه هذا الشيء؟ الداعي في ذاته ما يدعو إلى التنفير وبالتالي‬
‫إلحاق الذى بشخصه‪ ،‬ول الدعوة فيها ما يدعو إلى الرد والطعن‪ ،‬فلماذا يقف‬
‫الناس ضدها‪ ،‬ولماذا يواجهونها بالعداء؟‬
‫دهشة النبي صلى الله عليه وسلم إذا ً مبعثها أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم من طينة ل أقول خاصة فهي من طينة البشر )قل إنما أنا بشر‬
‫مثلكم(‪ ،‬ولكنه عليه السلم كان يتمتع بالفطرة الصافية المشعة‪ ،‬فالله جل‬
‫وعل ليس معقول ً أن يختار لحمل رسالته وأدائها إلى الناس إنسانا ً من ذوي‬
‫الطبائع الملتوية أبدًا‪ ،‬وإنما يختار أصحاب الفطر السليمة‪ ،‬والطبائع‬
‫المستقيمة والله جل وعل يخبرنا عن موسى عليه السلم فيقول مخاطبا ً‬
‫إياه‪) :‬واصطنعتك لنفسي(‪ ،‬ويقول‪) :‬ولتصنع على عيني(‪.‬‬
‫شح للنبوة فهو بعين الله جل وعل ‪-‬قبل النبوة وبعد النبوة‪ -‬هو مجبول‬ ‫فمن ُر ّ‬
‫على أن ل تعلق به شوائب الدنيا‪ ،‬وعلى أن ل تهبط به نوازع النفس الخاصة‬
‫المفعمة بالشهوات‪ ،‬لهذا‪ ،‬فالنبي صلى الله عليه وسلم حين كان على هذا‬
‫مه بدعوة الحق من عند الله‪ ،‬فيقابل عليها‬ ‫ي قو َ‬‫الشكل كان يستغرب أن يأت َ‬
‫بالذى والصد‪.‬‬
‫هذا تقرير المسألة من حيث المبدأ من غير شروح وتحليلت زائدة عن الحد‪،‬‬
‫وإن كان المجال واسعا ً للقول فيها إلى غير نهاية لكني أريد أن أتتبع معكم‬
‫آثار هذه الفطرة لخلص إلى نتيجة أقررها سلفا ً أنه في مجال الدعوة إلى‬
‫الله ل يصلح لحمل هذه المانة الثقيلة والرسالة العظمى إل إنسان حصل‬
‫أمرين‪:‬‬
‫أولهما‪ :‬ضغط هائل على النفس يخدعها عن شهواتها وأغراضها ويلزمها‬
‫بالتمسك بمنهاج الشريعة منهاج الحق‪.‬‬
‫وثانيهما‪ :‬شعور صادق يستغرق النفس ويخالط اللحم والعظم والعصب بأنه‬
‫يحمل إلى الناس الدواء‪ ،‬ومهما لقي منهم من عنت وإرهاق‪ ،‬ومن صد‬
‫وتكذيب فل ينبغي أن يلفته ذلك عن الغاية التي ندب لها نفسه ول ينبغي له‬
‫صَغار النفوس لكي يسمح لها أن تحول بينه وبين‬ ‫هو أيضا ً أن يلتفت إلى َ‬
‫مواصلة الطريق‪.‬‬
‫نأتي إلى المثلة‪ ،‬نأتي إلى الوقائع من واقع السيرة النبوية على صاحبها‬
‫أفضل الصلة وأتم التسليم حينما بدأ عليه الصلة والسلم يدعو الناس إلى‬
‫الله كانت المواجهة في مبدأ المر مواجهة الريبة والتوجس والترقب من أجل‬
‫استكشاف هذا الشيء الذي يدعو إليه محمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وحينما‬
‫مه بتسفيه أحلمهم وعيبهم وعيب‬ ‫ل الله عليه الصلة والسلم قو َ‬ ‫واجه رسو ُ‬
‫آبائهم وشتمهم وشتم أصنامهم‪ ،‬وشجب قواعد الحياة الجتماعية التي‬
‫يعيشونها‪ ،‬قامت ثائرتهم ورأوا أن المر أعظم من أن يطاق‪ ،‬أو أن يمكن‬
‫الصبر عليه بحال‪ ،‬فبادروه بالعداء فماذا كان موقف النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬لو كان رجل ً من الناس كسائر الرجال لثار لكرامته‪ .‬ولثأر لنفسه‬
‫ولكنه عليه الصلة والسلم كان يتحمل ما يلقى من قومه بصدر رحب‪ ،‬كان‬

‫‪25‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ص القول ولكنه يحمل له‬ ‫شأنه كشأن الطبيب الذي يسمع من المريض َقارِ َ‬
‫في أعماق قلبه كل الشفقة وكل الحب وكل الرجاء في أن ُيشفى من هذا‬
‫الداء العضال الذي يعاني منه‪.‬‬
‫لم تتحرك نفس النبي صلى الله عليه وسلم للنتقام لنفسه قط‪ ،‬وفي حديث‬
‫عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما انتقم لنفسه‬
‫قط برغم كل ما رأى وبكل ما سمع‪ ،‬ولكنه إذا انتهكت حرمات الله كان ل‬
‫يقوم لغضبه شيء؛ بهذه النفس الطيبة والفطرة الخّيرة كان يقابل مساءات‬
‫قومه كان يعفو ويصفح ويغفر‪ ،‬يدعوهم إلى الله فيشتمونه ويضربونه‬
‫ويتربصون به حتى يسجد لله جل وعل فيلقون على رأسه وعلى ظهره سلى‬
‫الجذور والوساخ والقذار فإذا فرغ من صلته قال‪" :‬اللهم اغفر لقومي فإنهم‬
‫ل يعلمون"‪.‬‬
‫ذهب ذات يوم بعد أن يئس أو كاد من قومه قريش‪ ،‬ذهب إلى الطائف‬
‫وضا ً‬‫ف ِ‬ ‫يلتمس للدعوة متنفسا ً بين رجالت ثقيف‪ ،‬فَُرد ّ أقبح الرد فرجع‪ ،‬رجع ُ‬
‫م َ‬
‫إلى الله أمره يقول‪:‬‬
‫ي غضب فل أبالي"‪.‬‬ ‫"إن لم يكن بك عل ّ‬
‫وحين كان في الطريق جاءه ملك الجبال فقال‪ :‬يا محمد‪ ،‬إن ربك أرسلني‬
‫إليك يقول لك‪ :‬إن شئت أطبقت عليهم الخشبين‪ .‬والخشبان جبل مكة‪.‬‬
‫قال‪ :‬ل إني أرجو الله أن يخرج من أصلبهم من يعبد الله تعالى‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫لو فرضنا أن هذا الجيل ل فائدة منه‪ ،‬فالرجاء معقود بالجيال القادمة ولهذا‬
‫فنبي الله عليه السلم لم تنازعه نفسه بدعوة كدعوة نوح التي قال فيها‪:‬‬
‫ب ل تذر على الرض من الكافرين دّيارا‪ ،‬إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ول‬ ‫)ر ّ‬
‫ً‬
‫فارا(‪.‬‬ ‫ً‬
‫يلدوا إل فاجرا ك ّ‬
‫وإنما دائما ً وأبدًا‪:‬‬
‫اللهم اغفر لقومي فإنهم ل يعلمون‪.‬‬
‫ض الذكريات الحلوة‬ ‫رج من بلده‪ ،‬بلد الصبا والطفولة والشباب‪ ،‬أْر ِ‬ ‫أيضا ً أ ُ ْ‬
‫خ ِ‬
‫والتصورات العذبة‪ ،‬أرض الباء والجداد والخوة والخوات والعمام والعمات‪،‬‬
‫أخرج كرها ً وذهب وكانت له مع قريش صدامات وكانت موقعة ُأحد بلًء ابتلى‬
‫حص الله بواسطته قلوب المؤمنين وانجلت‬ ‫الله المسلمين به وتمحيصا ً م ّ‬
‫المعركة عن خسارة فادحة في صف المؤمنين‪.‬‬
‫سبعون من خيار المسلمين ضمن شهداء بواكير الدعوة ممن عاشوا أيام‬
‫العذاب والبلء واللم مع محمد صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫سبعون لو وزنوا بأهل الرض لوزنوهم جميعًا‪.‬‬
‫سبعون لو قلنا إنهم وزنوا بمن يدرج على الرض إلى يوم القيامة لرجحوهم‪.‬‬
‫سبعون يجندلون على الرض قتلى في سبيل الله بينهم حمزة بن عبد‬
‫المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم ممثل ً به مجدوع الذنين‪ ،‬مجدوع‬
‫النف‪ ،‬مشقوق البطن‪ ،‬مستخرج الكبد‪ ،‬حالته ل يطاق النظر إليها‪ ،‬فنظر‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬أي بشر ل يهتز لهذا المنظر الشنيع الذي يدل‬
‫على فساد في الفطر والطبائع تمتعت به قريش وجنت ثماره حصادا ً مرا ً‬
‫وعاقبة وخيمة وأليمة‪ ،‬تغّيظ النبي صلى الله عليه وسلم وقال‪:‬‬
‫ي من هذا الموقف والله لن أمكنني الله من‬ ‫"ما وقفت موقفا ً أغيظ عل ّ‬
‫مث َْلة ما سمعت العرب بمثلها قط"‪.‬‬ ‫قريش يوما ً من الدهر لمثل ّ‬
‫ن بهم ِ‬

‫‪26‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ذلك الموقف الرهيب موقف الخسارة الفادحة‪ ،‬الموقف الذي يحتاج إلى‬
‫العزاء‪ ،‬ويحتاج إلى مداراة النفوس‪ .‬أترون النبي صلى الله عليه وسلم ت ُرِكَ‬
‫لينساق وراء هذه العاطفة الجارفة التي تجر إلى انحراف في الدعوة‪ .‬ل‪..‬‬
‫في ذلك الموقف تنزل قول الله جل وعل‪.‬‬
‫)ليس لك من المر شيء(‪.‬‬
‫أي ما عليك إل البلغ‪ ،‬وأما ما يحدث فبعين الله وبعلم الله تبارك وتعالى‬
‫ولغاية وحكمة يريدها الرب جل وعل‪:‬‬
‫)ليس لك من المر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون(‪.‬‬
‫خوطب بها النبي صلى الله عليه‬ ‫وأنتم يا إخوة تلحظون جفاف اللهجة التي ُ‬
‫وسلم في بدر حينما اختلف المسلمون في الغنائم عاتبهم الله جل وعل عتابا ً‬
‫رقيقا ً في مواقع أخرى قال الله لنبيه‪:‬‬
‫م أذنت لهم(‪.‬‬ ‫)عفا الله عنك ل َ‬
‫في هذا الموقف ل مجال للمهادنة ول مجال للغضاء عن أي انحراف لن‬
‫طريق الدعوة إلى الله تبارك وتعالى ل يتحمل أي انسياق وراء النازع‬
‫البشري‪ ،‬وإنما هو ارتباط مطلق بحقائق الشريعة‪ ،‬وبأخلقيات الدعوة‬
‫وقوانينها الثابتة في الحركة ولهذا خاطبه الله تعالى بجفاف‪:‬‬
‫)ليس لك من المر شيء‪ ،‬أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون(‪.‬‬
‫ومضت الحداث‪ ،‬ليتجهز النبي صلى الله عليه وسلم لفتح مكة وبدأت ثمار‬
‫هذه الخلق العالية تؤتي أكلها في نفوس المشركين من قريش العقلء‪،‬‬
‫وأقبل في الطريق عمرو بن العاص‪ ،‬وخالد بن الوليد رضي الله عنهما حتى‬
‫دخل على النبي صلى الله عليه وسلم مسجده في المدينة المنورة‪ ،‬ماذا‬
‫يكون الموقف؟ تصوروا لو أن إنسانا ً فعل الفاعيل وارتكب المآسي ثم جاء‬
‫مقبل ً واضعا ً يده بين يدي دولة من الدول في هذه اليام ماذا يكون الصنيع؛‬
‫ألقوا به في السجن؛ دعوه سنة وسنتين حتى نرى وحتى ننظر‪ ،‬لكن مسلك‬
‫النبوة غير مسلك الناس استقبلهما النبي صلى الله عليه وسلم باسما ً ضاحكا ً‬
‫مرحبا ً ماذا قال لخالد بطل مأساة أحد الرجل الذي قتل الرماة في ُأحد‬
‫وكسر المسلمين شر كسرة وجندلهم قتلى على الرض ماذا قال لخالد؟‬
‫هل فكر في النتقام منه؟ ل وإنما التفت إليه وقال يا خالد‪:‬‬
‫"لقد ظننت أن لك عقل ً سيجيء بك إلى السلم"‪.‬‬
‫قال خالد رضي الله عنه‪ :‬فوالله ما عدل بي رسول الله صلى الله عليه‬
‫حَزَبه قط؛ لمجرد أن جاء مسلما ً‬ ‫وسلم أحدا ً من الناس منذ أسلمت‪ .‬في أمرٍ َ‬
‫مذعنا ً منحه النبي عليه السلم كل ثقته ولمجرد أن جاء وله جانبا ً من الجيش‬
‫الذي قاده لفتح مكة‪ ،‬بالمس أسلم من يثق بإنسان جاءه فقط بالمس وهو‬
‫م لدود ٌ وعدوٌ شديد العداوة مستحكم العداوة من يثق بإنسان‬ ‫خص ٌ‬‫‪-‬قبل ذلك‪َ -‬‬
‫من هذا النوع إل النبي الذي يعامل الناس بمقتضى قوانين الله ل بمقتضى‬
‫نوازع النفوس‪ ،‬وكذلك فعل مع عمرو بن العاص سفير قريش الذي ذهب إلى‬
‫الحبشة لكي يعيد المسلمين من هناك حتى يضعهم فرائس هينة بين يدي‬
‫الطغاة من قريش أيضًا‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫يا إخوة أيضا ً ذهب النبي صلى الله عليه وسلم متوجها ً إلى مكة لفتحها‪ ..‬مكة‬
‫التي أخرجته‪ ،‬مكة التي طاردته‪ ،‬مكة التي لفظته كما يلفظ الضعيف الهين‬
‫عليها‪ .‬ذهب فدخلها فاتحا ً منتصرًا‪ ،‬كيف دخلها؟ بالطبل والزمر؟‬

‫‪27‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بالمهرجانات؟ بإطلق المدفعية؟ ل‪ ..‬دخلها راكبا ً على ناقته‪ ،‬خاضعا ً خاشعا ً‬


‫لله مطأطئا ً رأسه حتى إن لحيته الشريفة لتمس عنق راحلته من شدة‬
‫تواضعه لله تبارك وتعالى‪ .‬دخل كما يدخل العبد الطائع لله الذليل بين يديه‬
‫العالم بأن النصر من عنده ل بحوله ول بقوته‪ ،‬وجاء فوقف إلى الكعبة آخذا ً‬
‫بعضادتي الباب والتفت إلى قريش‪ ..‬ظني بتلك النظرة كانت تحمل الذكريات‬
‫الليمة‪ ،‬ذكريات عشرين سنة من العذاب والرهاق‪ ،‬من المطاردة التي ل‬
‫تعرف كلل ً ول ملل ً وقريش على منازلها تنظر إلى هذا الذي أخرجته بالمس‬
‫ويجيل الفكر‪.‬‬
‫ل بهم محمد ٌ من العقاب‪ ،‬تالله لو صلبهم‬ ‫بماذا يفكر محمد‪ ،‬ما الذي سينز ُ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫على جذوع النخل لكان ذلك عقابا حقا ل يلومه عليه أي مؤرخ منصف من‬
‫المؤرخين؛ التفت إلى الناس وقال‪:‬‬
‫يا معشر قريش ما تظنون أني فاعل بكم؟‬
‫قالوا‪ :‬خيرًا‪ ،‬أخ كريم وابن أخ كريم‪.‬‬
‫قال‪ :‬أقول كما قال يوسف عليه السلم‪:‬‬
‫"ل تثريب عليكم اليوم‪ ،‬يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين"‪.‬‬
‫أين النتقام ألم يكن في مكنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينتقم من‬
‫خصومه وأعدائه؟ بلى كان ذلك ممكنا ً ولكن صاحب الدعوة ل يفهم هذا‬
‫المنطق تعالوا إلى القرآن نستنطق القرآن حقائق الطريق في هذه الزاوية‬
‫التي نتحدث عنها‪ ،‬نحن نقرأ في سورة غافر أو سورة المؤمن موقفين‬
‫شفان عن تبادل الفطر لدى المعسكرين المتقابلين‪:‬‬ ‫متقابلين ي َ ّ‬
‫)وقال الذي آمن يا قوم اتبعوني أهدكم سبيل الرشاد‪ .‬يا قوم إنما هذه الحياة‬
‫الدنيا متاع وإن الخرة هي دار القرار‪ ،‬من عمل سيئة فل يجزى إل مثلها ومن‬
‫عمل صالحا ً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها‬
‫بغير حساب(‪.‬‬
‫لحظوا اللهجة الرقيقة الطاهرة السامية العالية‪:‬‬
‫)ويا قوم مالي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار‪ ،‬تدعونني لكفر بالله‬
‫ن ما‬ ‫وأشرك به ما ليس لي به علم‪ ،‬وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار ل جرم أ ّ‬
‫تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ول في الخرة وأن مرّدنا إلى الله وأن‬
‫المشركين هم أصحاب النار‪ ،‬فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله‬
‫إن الله بصير بالعباد(‪.‬‬
‫بهذه الروح الطيبة بهذه الطبيعة الخيرة يتجه الداعون إلى الله إلى الناس‬
‫فماذا يكون جواب المشركين والمعاندين عن أمر الله في نفس السورة نقرأ‬
‫قول الله جل اسمه‪:‬‬
‫) ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين إلى فرعون وهامان وقارون‬
‫فقالوا ساحر كذاب فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا‬
‫واستحيوا نساءهم وما كيد الكافرين إل في ضلل‪ .‬وقال فرعون ذروني أقتل‬
‫موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الرض الفساد(‪.‬‬
‫لحظتم؛ الفرق بين الموقفين فريق يدعو إلى الله على هدى وبصيرة وبّينة‬
‫في منتهى الحب بمنتهى الشفقة ل يريد أجرا ً ول شكورا ً ول مغنما ً من الناس‬
‫م‬
‫م يقابل الدعوة؟ بالتي هي أحسن؟ ب َ‬ ‫ن أجري إل على الله(‪ ،‬وفريق آخر؛ ب َ‬ ‫)إ ْ‬
‫م يقابل الحق الذي ل يتزعزع؟ بهذه اللهجة الرعناء‬ ‫يقابل الفطر السليمة؟ ب َ‬
‫بهذا التعالي بالقهر والسلطان اقتلوهم اصلبوهم اسحلوهم اشنقوهم ذلك هو‬
‫منطق الفاسدين ذلك هو منطق العاجزين عن التصدي لدعوة الله تبارك‬
‫وتعالى‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أين ‪-‬يا أخوة‪ -‬رأيتم في تاريخ السلم لحظة لم تكن مفعمة بالحب كانت‬
‫من وبل استعلء‪ ،‬بمنتهى الحب‪،‬‬ ‫توجه إلى الناس دعوة الله تبارك وتعالى بل َ‬
‫ً‬
‫بمنتهى الشفقة بمنتهى نكران الذات‪ ،‬وكانت ُتقابل دائما من أعداء الله ومن‬
‫الذين يقتلون الذين يأمرون الناس بالقسط‪ .‬كانت تقابل بهذه اللهجة العنيفة‬
‫القاسية‪ :‬اقتل‪ ،‬اصلب‪ ،‬اشنق‪ ،‬اسحل وما شاكل ذلك طبيعتان متغايرتان‪،‬‬
‫طبيعة المؤمنين التي ل تعرف الثأر ول تعرف النتقام‪ ،‬وإنما هي حب مطلق‬
‫ورغبة في الخير مطلقة وطبيعة الفاجرين والمعاندين والظالمين تلك التي ل‬
‫تعرف إل البغي والعدوان ل جرم أن هاتين الطبيعتين ت ُن ِْتجان آثارا ً متباينة وقد‬
‫كان وما زال النبي صلى الله عليه وسلم يلقى الذى من قومه حتى أذعنت‬
‫له نفوسهم‪ ،‬ودخل معارك نعم دخل معارك‪ ،‬وكان فيها قتلى‪ ،‬نعم كان فيها‬
‫قتلى ولكن نحن بين يدينا إحصاءات كاملة عن عدد الذين قتلوا في معارك‬
‫السلم طيلة حياة النبي صلى الله عليه وسلم من الفريقين من المؤمنين‬
‫ومن المشركين ثقوا يا أحبائي أن عدد الذين قتلوا في كل معارك السلم‬
‫في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ل يتجاوز عدد قتلى يحصدهم رشاش‬
‫واحد في مظاهرة يقوم بها بعض الناس‪ ،‬في معارك اليوم‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫من أين ت َن ُْتج‪ ،‬تنتج من الطبائع الملتوية والفطر الوسخة‪ ،‬ولذلك فهي تدمير‬
‫كلها وهي عبث وفساد في الرض‪ ،‬ومعارك السلم على غير هذا الطراز‪،‬‬
‫ماذا أريد من ذلك باختصار ولكي ل أطيل عليكم أريد أن أقول كلمتين لكل‬
‫إنسان تحدثه نفسه بخدمة هذا السلم‪:‬‬
‫ف أقدامنا على الطريق إلى الله ينبغي أن نميت نوازع‬ ‫‪-‬يا إخوة‪ -‬حينما َنص ُ‬
‫الذات في نفوسنا‪ ،‬ل ينبغي لحد أن يفكر في مطمع ول في مغنم ول في‬
‫جاه ومنصب ول محمدة بين الناس‪ ،‬عليه أن يتجه إلى الله فالله عنده خزائن‬
‫كل شيء وبيده إثابة الطائعين العاملين‪ .‬يترفع عن سفاسف الخلق؛ التي‬
‫يقاتلك بها الناس واعلم أن هذا المظهر الذي تراه مظهر ل يمكن أن يستمر‬
‫بهذا الشكل فطاقة النسان على العناد والمكابرة طاقة محدودة ولبد أن‬
‫يأتي اليوم وتأتي اللحظة التي يذعن فيها أشد المعاندين لله ولرسوله‬
‫وللداعين إلى شريعة السلم لكن بشرط لمجرد أن يتحرك في قلبك النازع‬
‫الذاتي لمجرد أن تنساق بعامل بشريتك! اعلم أنك قد أفسدت كل شيء‪،‬‬
‫عليك أن تكون رابط الجأش في وجه الزعامة‪ ،‬عليك أن تكون ثابت الجنان‬
‫في وجه التهديدات‪ .‬عليك أن تكون واثقا ً من أنك بعين الله تبارك وتعالى‪،‬‬
‫عليك أن تكون واثقا ً بأنك تحمل رسالة على كفيك لم تصنعها أنت وبالتالي‬
‫فلست أنت المسؤول عنها وإنما أنت مسؤول عن نفسك أن تأطرها على‬
‫الحق الذي أراده الله جل وعل‪ ،‬أما متى يأذن الله بالنصر متى يأذن‪..‬؟ فليس‬
‫من شأنك‪ ..‬إنه من شأن الله‪ ،‬ينصر من يشاء حين يشاء‪..‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫دم‬
‫بداية تق ّ‬
‫عبد الكريم بكار ‪1/10/1426‬‬
‫‪03/11/2005‬‬
‫انتهى رمضان )كل عام وأنتم بخير(‪ ،‬وصار جزًءا من الماضي‪ ،‬ونحن نشعر‬

‫‪29‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫جميًعا أن هذا الشهر المبارك كان يشكل احتفالية روحية ضخمة شارك فيها‬
‫المسلمون‪ :‬صغارهم وكبارهم في سائر أنحاء المعمورة‪ .‬إننا ل نعرف عبادة‬
‫من العبادات تستحوذ على اهتمام المسلمين على النحو الذي نجده في‬
‫عبادة الصيام‪ .‬لقد تعود المسلمون التعامل مع شهر رمضان على أنه شهر‬
‫استثنائي‪ ،‬وهذا يعود في الساس إلى ما لمسه الصحابة –رضوان الله عليهم‪-‬‬
‫من إقبال نبيهم –عليه الصلة والسلم‪ -‬على العبادة في كل رمضان‪ ،‬ولسيما‬
‫العشر الواخر منه‪ ،‬فقد كان يعتكف في المسجد‪ ،‬ويعتزل نساءه‪ ،‬ويشد‬
‫مئزره إيذاًنا بالنصراف الكلي إلى مناجاة الله –تعالى‪ -‬والتقرب إليه‪ .‬ولدى‬
‫كثير من المسلمين اليوم شعور بأن رمضان مناسبة مهمة لتخصص حركة‬
‫المساعي الدنيوية في سبيل توفير المزيد من الوقت للقبال على الله –‬
‫سبحانه‪-‬؛ ومن ثم فإن كثيًرا من العمال ُيؤخر إلى ما بعد رمضان‪ ،‬ولهذا‬
‫دلئله اليجابية الكثيرة!‬
‫إن المتتبع لحملة الداب والسنن والمشروعات في شهر رمضان المبارك –‬
‫يجد أنها مجتمعة توجد بيئة روحية فريدة‪ ،‬ففي هذا الشهر المبارك يرتاد‬
‫المسلمون المساجد بكثرة‪ ،‬وتشهد صلة الفجر حضورا ً لفتا ً مع أنها في غير‬
‫رمضان شبه مهملة من معظم المسلمين‪ .‬ونجد إقبال المسلمين على قراءة‬
‫القرآن حتى إن بعضهم ليختم في هذا الشهر خمس ختمات أو سًتا‪ .‬وتنبسط‬
‫الكف بالصدقة والعطاء‪ ،‬وتكثر الموائد التي يجتمع عليها الفقراء‪ ..‬وهذا كله‬
‫يجعل الوضعية الوجدانية والروحية لدى معظم المسلمين في حالة ممتازة‪.‬‬
‫ل أريد أن أسترسل في الحديث عن فضائل رمضان وبركاته‪ ،‬ولكن أود أن‬
‫أقول‪ :‬لماذا يعود السواد العظم من المسلمين بعد رمضان إلى ما كانوا‬
‫عليه قبله من تقصير في أداء الفرائض وهجر للمساجد وغوص في الشأن‬
‫الدنيوي‪..‬؟!‬
‫ما‬
‫هل يحدث هذا لن المسلمين ينظرون إلى رمضان على أنه )موسم(‪ ،‬ودائ ً‬
‫تكون المواسم طارئة وغير عادية‪ ،‬ويكون ما بعدها مثل ما قبلها؟‬
‫أو أن هذا يحدث لن تأثير رمضان في نفوس المسلمين لم يكن جذرًيا إلى‬
‫درجة إغرائهم بالتمسك بالمسرات الروحية التي خبروها في رمضان والعمل‬
‫على استمرارها؟‬
‫دا عن‬ ‫هل يكون السبب هو كثرة المشاغل الدنيوية التي تجذب الناس بعي ً‬
‫الهتمام بالمعنى والمشاعر والرفاه الروحي؟‬
‫أعتقد أن سبب ذلك هو خليط من كل هذا‪ ،‬وهناك أسباب أخرى ربما تعود‬
‫إلى طبيعة النفس البشرية وميلها إلى الملل‪ ،‬والتنصل من المسؤوليات‪.‬‬
‫إننا ونحن مهمومون بشجون الصلح‪ ،‬وغارقون في شؤون التنظير العقلي‪،‬‬
‫نسينا شيًئا جوهرًيا هو أن المكمن الحقيقي لذات النسان هو روحه وليس‬
‫عقله‪ .‬ونسينا كذلك أن علقتنا الشفيفة بالله –جل وعل‪ -‬هي مصدر السعادة‬
‫الحقيقية في هذه الدنيا‪ ،‬وهي مصدر الوقود الحيوي الذي نحتاجه من أجل‬
‫الستمرار في العطاء ومن أجل مقاومة الضغوط الهائلة التي تتوارد علينا من‬
‫كل اتجاه‪ .‬إن حب الله –تعالى‪ -‬ورجاءه وخوفه واستحضار عظمته وفضله‬
‫علينا ولطفه بنا‪ ..‬هي المحصلة النهائية لكل قربة من القرب‪ ،‬وكل عبادة من‬
‫كل هذه المعاني الصبغة العامة لكل‬ ‫العبادات‪ .‬وإن المطلوب أن تش ّ‬
‫هواجسنا‪ ،‬وأن تصوغ سلوكاتنا وقبل ذلك أمانينا وتطلعاتنا‪ .‬إن علينا أن نقوم‬
‫كنهم من جعل‬ ‫بحركة توعوّية كبرى تستهدف تعليم الناس الطريقة التي تم ّ‬
‫رمضان نقطة لبداية تغيير على الصعيد الشخصي‪ .‬لعل مما يرمز إلى هذا ما‬
‫سّنه النبي –صلى الله عليه وسلم‪ -‬من إْتباع صيام رمضان بصيام ستة أيام‬

‫‪30‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من شوال؛ إذ المحاولة الواضحة للتشبث بالصيام ونقل بعض قرب رمضان‬
‫إلى شوال‪.‬‬
‫ود الناس الستيقاظ قبل الفجر من أجل السحور‪ ،‬ومن المهم‬ ‫في رمضان تع ّ‬
‫أن يحاولوا الستيقاظ مدى الحياة في وقت السحر‪ ،‬ولو مرة واحدة في‬
‫السبوع‪ .‬وفي رمضان ذاق الناس معنى التلوة اليومية لكتاب لله –تعالى‪-‬‬
‫ومن المهم أن يرّتب كل واحد منهم على نفسه ورًدا أو حزبا ً يومًيا من التلوة‬
‫ود الناس البذل‪ ،‬وسيكون من‬ ‫حتى يظل على صلة بكلم الله‪ .‬وفي رمضان تع ّ‬
‫طنوا أنفسهم على مساعدة غيرهم على نحو يومي ولو بشيء‬ ‫الحيويّ أن يو ّ‬
‫زهيد‪.‬‬
‫سنعرف قدر رمضان‪ ،‬وسنقوم بحق عبادة الصيام حين نحاول استصحاب‬
‫ظلل الصيام وإيحاءاته وإشراقاته لتكون جزًءا من السلوك العام والجواء‬
‫العامة لمة السلم‪ .‬بالتثقيف والحوار والقدوة وزيادة الوعي قد نستطيع‬
‫الوصول إلى كثير مما نريد في هذا الشأن‪.‬‬
‫والله ولي التوفيق‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫بداية سورة العلق )‪(3‬‬


‫الجمعة ‪ 24‬رجب ‪1395‬هـ ‪ 1‬آب ‪ 1975‬بداية سورة العلق‬
‫)‪(3‬‬
‫شوح‬‫العلمة محمود م ّ‬
‫أما بعد أيها الخوة المؤمنون‪:‬‬
‫فقد تحدثنا إليكم في الجمعة الفائتة عن النموذج المثل‪ :‬النبي صلى الله‬
‫تعالى عليه وآله وصحبه وسلم‪ .‬وتبينا من خلل الحديث الثار التي نجمت عن‬
‫هذه الفطرة والطبيعة الصافية‪ .‬وعرفنا له صلى الله تعالى عليه وآله وسلم‬
‫مواقف يصعب على أبناء اليوم تصورها لنها لو صدرت عنهم في ظل‬
‫دت هذه الثار‪ ،‬وهذه التصرفات سفها ً‬ ‫الظروف التي تحكم النسانية اليوم لعُ ّ‬
‫بعيدا ً عن الصواب‪ ،‬لكننا متمسكون بأن النسانية ل رجاء لها بالخروج من‬
‫هذه الفوضى التي تعم العالم شرقا ً وغربا ً ول أمل لها مطلقا ً في أن تتخلص‬
‫من هذا الضطراب وما يرافقه من كبت وإرهاب إل حين تتسلم قياد النسانية‬
‫طبائعُ على النحو الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫إن الدعوة إلى الله ليست أمرا ً هينا ً كما قد يتبادر إلى البعض‪ ،‬إنها صراع مع‬
‫الذات بالدرجة الولى وصراع مع ما هو خارج الذات‪ ،‬وإنها نمط في معاملة‬
‫طؤوا أنفسهم على احتمال المكاره‬ ‫الحياء ل يطيقه ول يقدر عليه إل الذين و ّ‬
‫صَغار النسان‬
‫والمشقات‪ ،‬ومرنوا أنفسهم على العطف والشفاق على َ‬
‫وعلى سفه النسان‪ ،‬إن سياسة المجتمعات البشرية ل تكون بالعنف ول‬
‫بالقسوة لن المجتمعات النسانية حصيلة أفراد‪ ،‬وهؤلء الفراد جهاز إنساني‬
‫عجيب ل يطيق أن يسار به نحو الغايات المرسومة فوق اللغام وإنما هو يأخذ‬
‫سبيله إليها بعد القتناع بها وبعد القرار بصحتها وبصوابها وهذه القضية‬
‫البدهية تفترض حقا ً القاعدة التي أشرنا إليها في الجمعة الفائتة فالحب‬
‫والحب وحده وبالتعالي عن الصغائر والتغاضي عن السيئات‪ ،‬وبإسقاط‬
‫حظوظ النفس وعدم التأثر الذي يقع داخل حدود الذات‪ ،‬بهذا فقط يمكن أن‬
‫تقاد المجتمعات‪.‬‬
‫فالعنف سلح يرهب ويحطم صاحبه قبل أن يحطم الخرين‪ ،‬العنف سياسة‬

‫‪31‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فاشلة لنها دليل على إفلس الحجة وسقوط في العقل لن النسان لو ملك‬
‫الحجة ما كان محتاجا ً أبدا ً إلى العنف‪ ،‬ولهذا فنحن في منطق السلم نرفض‬
‫ما يسمى بالعنف الثوري‪ .‬ونرى أن هذا السلوب يدمر الحياة النسانية ول‬
‫يبنيها‪ ،‬ونرى إن شاء الله تعالى أن الحب الغامر والشفاق العظيم والرغبة‬
‫الكيدة في إيصال الخير إلى الناس وإدخال القناعات إلى نفوسهم هو‪ ،‬وهو‬
‫وحده‪ ،‬الذي يكفل السير السليم والعاقبة السليمة بإذن الله‪.‬‬
‫من هذا المنطلق نستطيع أن نفهم بسهولة وبوضوح ذلك السلوك العجيب‬
‫الذي كان يسلكه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع هؤلء الذين يدعوهم‬
‫إلى النجاة ويرفضون إل تعلقا ً بالوثنية وأوهامها وخرافاتها‪ ،‬ومن هنا نستطيع‬
‫أن نفهم سر التربية العالية التي اكتسبها الصحاب رضوان الله عليهم من‬
‫قائدهم ومعلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانوا نماذج تحتذي هذا‬
‫المعلم وتنهج على منواله‪.‬‬
‫يا إخوة خلصة ما انتهينا إليه في الجمعة الفائتة أن الله تعالى فطر نبيه صلى‬
‫الله عليه وسلم على طبيعة خيرة مستقيمة وأنه بأثر من هذه الطبيعة‬
‫النادرة‪ ،‬واجه قومه بأسلوب حطم مقاومتهم وأنه حين ظهر عليهم وألقوا‬
‫أزمة أمورهم بين يديه لم يعاملهم معاملة بشرية وإنما عاملهم معاملة ربانية‬
‫لم يثربهم ولم يلمهم ولم يعنفهم‪ ،‬ولم يوقع بهم العقاب‪ ،‬ولو فعل لكان له‬
‫في ذلك واسع العذر‪ ،‬ولكنه كان يتصرف بمقتضى قانون القدوة التي ضربها‬
‫الله للناس إلى أن تقوم الساعة حتى يجد فيها العاملون متعلقا ً سليما ً يفيئون‬
‫إليه عند اختلط الراء والنظريات‪ .‬هذا السلوب كما قلنا نتيجة طبيعية معينة‬
‫وأريد من غير تعقيدات أن أشرح لكم جوانب بسيطة من نظرة السلم إلى‬
‫هذه الواقعة‪.‬‬
‫ً‬
‫السلم يرى أن الصل في النسان أنه خّير‪ ،‬وأنه طيب ليس شريرا بالطبع‬
‫ول فاسدا ً بالطبع‪ ،‬وإنما الشر والفساد جاءا من معاملته مع المحيط الفاسد‪،‬‬
‫لكن إذا كنا نطلق هذه النظرية إطلقا ً فثمة مخاطر‪ .‬إذا قلنا أننا نعطي‬
‫للمحيط كل هذه القدرة على الفساد والتشويه والتخريب فنحن نسقط مبرر‬
‫الدعوات جميعًا‪ ،‬لنه إذا كان المحيط يملك القدرة على كل هذا التخريب‬
‫فمعنى ذلك أنه ل فائدة من العمل ما دمنا نعيش في محيطات فاسدة‪ ،‬لكن‬
‫المر على خلف ذلك‪ ،‬على خلف ما يظهر للنظرة المتعجلة قلت إن الصل‬
‫أن النسان خير‪ ،‬وفي الحديث القدسي يقول الله تعالى "إني خلقت عبادي‬
‫كلهم حنفاء" أي على فطرة السلم مائلين عن الشر والفساد ثم اجتالتهم‬
‫الشياطين‪ ،‬والشياطين اسم يمكن أن يجمع كل عوامل الشر والنحراف التي‬
‫توجد في المجتمعات النسانية‪ ،‬مع ذلك فنحن نلخص أن طبائع الناس هنالك‬
‫طبائع قوية وهنالك طبائع ضعيفة‪ ،‬الطبائع القوية تستطيع أن تحافظ على‬
‫نقائها وعلى طهرها وعلى استقامتها وعلى شرفها في ظل أسوأ الظروف‪.‬‬
‫سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الناس فقال‪:‬‬
‫)الناس معادن كمعادن الذهب والفضة فخيارهم في الجاهلية خيارهم في‬
‫السلم إذا فقهوا(‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ن إليه وتلتف‬
‫الطبيعة الخيرة‪ ،‬الفطرة القوية لمجرد أن ترى شعاع الحق تح ّ‬
‫من حوله وتأخذ بأسبابه‪ ،‬الفطرة المنهارة الضعيفة الهابطة الملوثة ل‬
‫تستطيع أن تنفك من أغلل هذه القيود التي يفرضها المجتمع‪ .‬في كل مجتمع‬

‫‪32‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إنساني يكون للمجتمع سلطان ولكن على من؟ على أصحاب الفطرة التي ل‬
‫تكاد تتماسك‪ ،‬على الضعفاء على الذين يلوون إرادتهم ويعطلون عقولهم‪.‬‬
‫لكن باستمرار هنالك دائما ً فئة من الناس تتمتع بهذه القدرة الغريبة على‬
‫خرق ستار هذا الوهم الكبير الذي يسمونه المجتمع‪ .‬على عاتق هؤلء الناس‬
‫تقع مهمة التغيير‪ ،‬على أكتاف هؤلء الناس تقع مسؤولية الصلح‪ ،‬عليهم أن‬
‫يحدوا الركب أحرارا ً لكي يفيئوا إلى الحقيقة وذلك لن يكون باستعمال العنف‬
‫لن يكون إل بضرب القدوة والمثل على الصبر والتحمل ورفض استعمال‬
‫العنف وإبداء المحبة والشفقة على خلق الله‪.‬‬
‫ولن يأتي زمان كبير حتى تجد أرباب العنف وأصحاب النوف التي شمخت‬
‫بالمس استفاقوا وألقوا أسلحتهم ووضعوا مقادتهم في أيدي دعاة الحق‪،‬‬
‫الشيء الذي يربك بكل صراحة أيها الخوة‪ ،‬الشيء الذي يضلل ويربك أن‬
‫الذين دعوا إلى الله ولم تنجج دعواتهم‪ ،‬لنهم لم يسلكوا الطريق الصحيح‬
‫مئة بالمئة‪ ،‬ما ينفكون حتى يخسروا وحتى يملوا وحتى ينساقوا مع النازع‬
‫النساني وهنا بداية الفشل‪.‬‬
‫ً‬
‫ما دام الداعي إلى الله متمسكا برغبته العارمة في إيصال الخير إلى الناس‬
‫محمولة على وعاء من الحب الصافي رافضة أن تحتكم إلى نوازع النفس‬
‫واندفاعاتها‪ ،‬فالعاقبة لها دون ريب والمسألة ليست سوى مسألة زمن‪ ،‬وبعد‬
‫ذلك كل شيء سينتهي إلى قراره الصحيح‪ .‬وهكذا فعل محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬كانت تبدو بين أصحابه رضوان الله عليهم ظواهر اللم والمرارة‪ ،‬تبدو‬
‫ذب في الله؟ إلى متى ونحن‬ ‫عليهم ظواهر فقدان؛ الضبط‪ .‬إلى متى نحن ُنع ّ‬
‫نتلقى اللطمات ول نرد هذه اللطمات‪ ،‬إلى متى ل نستعمل قوة الساعد‬
‫والعصى والسيف‪ ،‬وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكفكف من غلوائهم‪،‬‬
‫ويرد هذه النفوس التي تكاد أن تترّدى في مزالق خطرة يردها إلى القاعدة‬
‫اليمانية الصحيحة‪.‬‬
‫جاءوه يوما ً وهو مسند ظهره الشريف إلى جدار الكعبة فقالوا‪:‬‬
‫يا رسول الله )أل تستنصر لنا‪ ،‬أل تدعو الله لنا(؟ونظر النبي الكريم إلى هذه‬
‫الوجوه الطافحة باللم التي تفيض مرارة لما لقيت من أعداء الله‪ ،‬نظر إليها‬
‫نظرة العاطف المشفق الودود وقال‪:‬‬
‫"إن من كان قبلكم كان يؤتى به فيربط إلى شجرة ثم يؤتى بالمنشار فيوضع‬
‫على مفرقه فيشق نصفين‪ .‬وكان يمشط ما دون عظمه ولحمه بأمشاط من‬
‫ن الله هذا المر حتى يسير‬ ‫حديد ما يرده ذلك عن دين الله‪ ،‬والله ليتم ّ‬
‫الراعي من صنعاء إلى حضرموت ل يخشى إل الله والذئب على غنمه‪.‬‬
‫ولكنكم تستعجلون(‪.‬‬
‫كان يستعمل الحكمة اللهية في رد ّ هذه النفوس عن الندفاع مع النزوات‪،‬‬
‫المر ليس أمرا ً شخصيا ً لكي أسمح للنازع الشخصي أن يتصرف فالمر أمر‬
‫دعوة لم أضعها وإنما جاءت من قبل الحكيم الخبير‪ ،‬وهو يضع قوانينها‪ ،‬وهو‬
‫يخط قواعدها وهو يبين شرائعها ليس لي أن أتصرف في هذه القواعد والمر‬
‫بعد ُ ليس أمَر مجتمع محصور وإنما هو أمر إنسانية طويلة عريضة‪ ،‬والمر من‬
‫ل ليس أمر لحظة زمنية محدودة وإنما هو أمر النسانية إلى أن‬ ‫بعد ُ ومن قب ُ‬
‫يرث الله الرض وما عليها وهو خير الوارثين‪ ،‬فالمسؤولية حين تصور أمام‬
‫الداعية على هذا النحو ليست مسؤولية هينة ل يجوز له قط أن يسمح لنفسه‬
‫بالندفاع أكثر مما ينبغي هنالك حدود حينما تبلغ دعوة الدعاة إلى الله بالجهد‪،‬‬
‫بالمصابرة‪ ،‬بالتضحية عبر اللم والدماء مرحلة النضج والكتمال‪ .‬فسوف‬
‫يكون بمقدورهم أن يتحكموا بمصائر الخيار‪ ،‬قبل ذلك ل‪ .‬قبل ذلك ل‪ .‬قبل‬

‫‪33‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ذلك ل‪.‬‬
‫ما يروج له في هذه اليام في معسكرات الشيوعية والمتأثرين بها من‬
‫استعمال مناهج العنف الثوري وسيلة إلى التغيير خطأ ول ريب‪ ،‬ودمار محقق‬
‫ل يوصل إل إلى البغضاء والشحناء وتدمير النسانية رأسا ً على عقب‪ ،‬منهجنا‬
‫غير ذلك لكن حينما نصل بالمور إلى هذا الحد وللذين سألوا خلل السبوع‬
‫الفائت فيجب أن نفرق بين أمرين يجب أن نفرق بين وضعية الداعي ضمن‬
‫مجتمع جاهلي‪ ،‬وبين وضعية الداعي المجتمع الكامل السائر على منهاج الله‪..‬‬
‫الداعي في مجتمع جاهلي ل يسوغ له بتاتا ً أن يتورط بالعنف وإنما سبيله‬
‫الحب والمودة وعدم هز المجتمع أكثر مما ينبغي‪ ،‬والداعي ضمن مجتمع قائم‬
‫على قاعدة اليمان وضعه يختلف‪ ،‬أنت في مركز المسؤولية عليك وجائب‬
‫غير الوجائب التي عليك وأنت ل مسؤولية أمامك‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ن وراءك‪ ..‬كذلك‬ ‫م ْ‬
‫حينما تكون في مركز المسؤولية يتوجب عليك أن تحمل َ‬
‫فعل النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ما رفع يدا ً بأذى على مخلوق طيلة الفترة‬
‫المكية‪ ،‬ثلثة عشر عاما ً مرت بالحرمان‪ ،‬بالجوع‪ ،‬بالعطش‪ ،‬بالمعاركة‪ ،‬باللم‬
‫التي ل حدود لها آلم فوق التصور؛ ومع ذلك لم يسمح لنفسه عليه السلم أن‬
‫يرفع يدا ً بأذى إلى مخلوق حتى إذا هاجر إلى المدينة‪ ،‬ووجد المجتمع المسلم‬
‫كانت له أيضا ً مهمة واضحة ومحددة هنالك المانة العظمى التي يجب أن‬
‫تبقى أبدا ً أمام نظر الدعاة وأمام نظر المجتمع المسلم؛ نحن ل غرض لنا‬
‫بموت الناس وليس حبيبا ً إلينا أن نريق دماء الناس‪ ،‬وليس هينا ً علينا أن‬
‫نمس بالسياط ظهور الناس‪ ،‬كل ذلك ل نريده لكن حينما يراد ُ الكيان كله‬
‫بالذى وحينما تعترض المة كلها بالعدوان فل سبيل إل أن يرد العدوان بمثله‪.‬‬
‫حينما تكون هنالك مجتمعات مسلمة كاملة السلم فإن لها مطلق الحق في‬
‫أن تدفع الذى عن نفسها‪ ،‬إل أن المر حينما يكون أمر أفراد ضمن مجتمع‬
‫جاهلي فالمر مختلف دون أدنى ريب هذه الطبائع القوية التي حدثتكم عنها‬
‫في الجمعة الفائتة هي الكفيلة فقط بإيصال النسانية إلى بر السلم‪ ،‬هي‬
‫المينة على سياسة الشعوب لنها هي اليدي النظيفة فقط‪ .‬هذه الطبائع‬
‫القوية لم يكن منها ما نشهده اليوم في الساحة الدولية من تخريب ودمار‬
‫وإنما كانت تعامل الناس بالحسنى وكانت تفهم ضعف البشرية ومن ثم تعقب‬
‫على هذا الضعف ول تريد أن تدمر النسان‪.‬‬
‫شخص الداعي محمد صلى الله عليه وسلم في حياته الخاصة وفي حياته‬
‫العامة كان مثال ً على هذا الذي نقول‪ :‬أغضبته ذات يوم جارية في بيته عليه‬
‫السلم فأعتقها‪ ،‬هل ضربها‪ ،‬هل انتهرها هل شتمها ل وإنما قال لها وهو‬
‫يستاك بالسواك "لول أنني أخاف الله لوجعتك بهذا السواك"‪.‬‬
‫شخصه الكريم جاءه رجل يطلب منه دينا ً فاستمهله واعتذر بعدم وجود شيء‬
‫فجذبه من ردائه وكان يلبس رداء من الصوف حتى احمر موضع الرقبة من‬
‫ل يا آل عبد المطلب‪،‬‬ ‫مط ْ ٌ‬
‫م ُ‬
‫الرداء فقال له‪ :‬أعطني حقي يا محمد فإنكم قو ٌ‬
‫وتكاثر الصحاب يريدون أن يفتكوا بهذا المتطاول على مقام النبوة‪ ،‬ولكنه‬
‫ردهم وقال‪ :‬دعوه فإن لصاحب الحق مقا ً‬
‫ل‪.‬‬
‫في الحياة العامة ماذا كان يفعل‪ ،‬كان دائما ً يرّدد على آذان أصحابه‪:‬‬
‫ل ي ُب َّلغني أحد منكم عن أصحابي شيئا ً فإني أحب أن ألقاهم وأنا سليم الصدر‪.‬‬
‫كان يكره التشكي‪ ،‬وتتبع عورات الناس ونقل الكلم الفاسد ويريد للمجتمع‬

‫‪34‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أن يكون مبناه على الصدق‪ ،‬أي مجتمع إنساني خل من الفساد؟ أي مجتمع‬
‫إنساني خل من التخريب في بعض الجوانب؟ أليس أمامنا إل أن نرفع‬
‫العقاب‪ ،‬وأن نكمم اللسن‪ ،‬أليس من الممكن أن هذا النسان التبست عليه‬
‫المور وفهم المور على نحو غريب‪ ،‬أليس من حقه علينا أيها الخوة أن نلفته‬
‫إلى جادة الصواب‪ ،‬بلى ذلك كان شأن النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا كان‬
‫من توجيهاته الحاسمة أن الحاكم إذا ارتضى الغيبة في الناس أفسدهم‪.‬‬
‫إن الحاكم إذا تجسس على المواطنين أدخل الفساد إلى المجتمع‪ ،‬لن‬
‫القانون الذي ستعامل به الناس بعد ذلك قانون الشك والرتياب وسوء الظن‬
‫ل غير وهذا يجر إلى فساد عريض‪ ..‬من هنا قلت لكم إن الطباع القوية هي‬
‫فقط موطن النسانية‪ ،‬هي التي تستطيع أن تقود النسانية إلى بر السلمة‬
‫لنها تملك أول ً الطبيعة الخيرة التي ل تعمل من أجلها وإنما من أجل خير‬
‫البشرية‪ .‬وتملك أيضا ً النظام المتكامل المتوازن توازنا ً دقيقا ً يعني تملك‬
‫المجتمع الذي يملك قوة ضاغطة نحو الخير ل نحو الشر والفساد‪.‬‬
‫إن السلم حينما وضع موضع التطبيق كان دعامة لهذه الطباع أن تأخذ‬
‫سبيلها نحو الخير والبر والمعروف ولم تكن تلك الشرائع تسمح بأي حال من‬
‫الحوال بأي نازع إنساني أن يتسرب إلى جسم المجتمع بالفساد وبالفوضى‪،‬‬
‫شيئان يجب أن ل يغيبا عن البال متكاملن متعاونان على أداء الرسالة‪ :‬طباع‬
‫مستقيمة‪ ،‬وفطر سليمة‪ ،‬وتشريع وقانون اجتماعي يهيئ الجو الملئم لتفتح‬
‫عوامل الخير في النفس النسانية‪ ،‬هذا الشيء الذي عرفناه حتى الن‪ ،‬هل‬
‫هو أمر هين؟ ل صور لنفسك أيها الخ أبسط الشياء‪ ،‬في عبادتك والعبادة‬
‫جانب من جوانب هذه الدعوة لو أنك حاولت أن تعبد الله حق العبادة أية آلم‬
‫أية متاعب سوف تقاوم؟ أنت حينما تريد إرضاء الله مطالب بأن تؤدي‬
‫الصلوات لول أوقاتها وأن تؤديها في المسجد مع الجماعة أية مشقة تلك‬
‫التي تتعرض لها من أجل التردد خمس مرات في اليوم والليلة على المسجد‪،‬‬
‫أنت مطالب مع الفريضة بسنن ومطالب بأذكار أية مشقات هذه التي‬
‫يتقاضاك إياها قيامك بهذا العمل أنت في تعاملك مطالب بالصدق مطالب‬
‫بالستقامة‪ ،‬كم من الجهود يجب أن تبذل من أجل أن تستقيم من أجل أن‬
‫تتغلب على نوازع الطمع والشره في نفسك أنت كداٍع إلى الله مطالب بأن‬
‫تقول الحق ل تخاف في الله لومة لئم كم يكلفك ذلك من مشقات‬
‫ومجهودات‪ ،‬ضع أمام ناظريك قائمة بوجائب السلم في الحياة الخاصة‬
‫فقط‪ ،‬وتصور كم فيها من مشقات هذه الدعوة‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫هذا السلم ليس سلوى‪ ،‬ليس تسلية وإنما هو عملية ممارسة تغيير في ذات‬
‫النسان وفي واقع المجتمع‪ ،‬تتطلب اليقظة الكاملة من النسان‪ ،‬والنظر‬
‫المحيط الشامل الذي يضم تحته كل العوامل المؤثرة في سير النسانية‪ ،‬كم‬
‫يكلفك هذا وأنت تدعو إلى الله تبارك وتعالى هل تتصور كما قلت لكم في‬
‫السبوع الفائت أن مجرد تغيير الشرط القتصادي يمكن أن يؤدي إلى تغيير‬
‫ن التجربة السوفيتية فقط‪ ،‬أكلت عشرين مليونا ً‬‫المجتمع‪ ،‬وإل أيها الخوة فإ ّ‬
‫من الناس ذهبوا‪ ،‬قطعا ً للرقاب أو قتل في ثلوج سيبيريا فقط‪ ،‬وما أشبه ذلك‬
‫ً‬
‫من وسائل الفناء‪ ،‬والتدمير‪ ،‬عشرون مليونا ً قامت الحرب الكونية الثانية لم‬
‫تأكل مثل هذا الرقم‪!..‬‬
‫إن تغييرا ً وإصلحا ً يكلف إجهاض مثل هذا العدد المخيف‪ ،‬وهو تغيير وإصلح ل‬

‫‪35‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫خير فيه‪ .‬إن تغيير الشرط القتصادي ل يفعل شيئا ً مع إغفال بقية الشروط‪،‬‬
‫نحن أمام إنسان وإن قال الشيوعيون إن النسانية تزحف على معدتها يعني‬
‫أنها تفكر بوحي الحاجة المادية‪ ،‬وتعمل بوحي الحاجة المادية هذا كذب وهذا‬
‫تضخيم للمور ل يجوز أن يستمر لن في استمراره دمار البشرية كلها‪،‬‬
‫النسان له عقل‪ ،‬وله غرائز وله حاجات وله علئق ل يمكن أن تقع تحت‬
‫حصر‪ ،‬والنظام الناجح هو النظام الذي يأخذ بالعتبار كل هذه المور ويبني‬
‫سياسته على أساس من هذه الحسابات‪.‬‬
‫بظني أنه ل سبيل لمجهود بشري ‪-‬مهما كانت العقول القائمة على تنفيذه‬
‫وتقريره كبيرة‪ -‬أن تحيط بكل هذه الشياء‪ ،‬باعتقادي أنه ل ينجح إل النظام‬
‫الرباني ومن هنا نضيف إلى مبررات أخذ النسان بالسلم التي سبق أن‬
‫قلناها في الماضي هذا المبرر الواضح‪ ،‬وهو الشعور بأن النسانية كلها‬
‫محتاجة إلى هذا السلم‪ ،‬فإذا شعرنا بهذا الشعور واجهنا مسؤولياتنا ومن‬
‫مواجهة المسؤوليات ننفذ إلى حكمتين نريد أن نقولهما عن سالفة‬
‫الملحظات إلى ذكرناها من قبل حينما قال ورقة بن نوفل للنبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪:‬‬
‫ً‬
‫"يا ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك"‪.‬‬
‫قال‪ :‬أو مخرجي هم‪.‬‬
‫قال‪ :‬نعم لم يأت أحد قومه بمثل ما جئتهم به إل عودي‪ ،‬وإن يدركني يومك‬
‫أنصرك نصرا ً مؤزرًا‪.‬‬
‫هذا الكلم يكشف عن هذه الحقيقة التي قلناها ل بد من ثمن يدفع من أجل‬
‫نجاح الدعوة‪ ،‬ل بد من متاعب ل بد من آلم ل أريد أن أشرح هذا المر لن‬
‫حديثي عن المرحلة المكية كلها سيكون إلقاء الضواء على هذه الحقيقة‬
‫الكبيرة‪ ،‬ولكني أكتفي بأن أقول إن بداهة العرب حين ووجهوا بالدعوة‬
‫فأخذوا بها هدتهم إلى هذه الحقيقة‪ ،‬هدتهم إلى أن الخذ بمنهاج الله يعني‬
‫تضحيات‪ ،‬يعني آلما ً يعني متاعب قال ابن اسحق في السيرة وهو يتحدث‬
‫عن بدايات الوحي وما كان من موقف النبي صلوات الله عليه‪ ،‬تجاه هذا‬
‫الوحي‪:‬‬
‫ثم تكامل الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مؤمن بالله‬
‫مل منه ما حمله على رضا العباد‬ ‫مصدق بما جاء من عنده قد قبله بقبوله وتح ّ‬
‫وسخطهم قال والنبوة – ونضيف نحن وكذلك الدعوة إلى الله – والنبوة أثقال‬
‫ول يقدر عليها ول يستطيع النهود لها إل أصحاب القوة والعزيمة من الرسل‬
‫بعون الله تعالى وتوفيقه‪.‬‬
‫قال ابن إسحق‪ :‬ثم قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر الله‬
‫على ما يلقى من قومه من الذى وخلفه هذه الحقيقة إذا ً مدركة في أقدم‬
‫دعون‬ ‫وثائق الدعوة عندنا على الطلق‪ ،‬حقيقة مدركة يحاول بعض الذين ي ّ‬
‫خدمة السلم أن يفروا من مواجهتها لن في مواجهتها تكاليف ومتاعب ل‬
‫ملها‪.‬‬
‫يطيقونها أو ل يريدون أن يدربوا أنفسهم على إطاقتها وتح ّ‬
‫العرب الولون قلت لكم اهتدوا إلى هذا‪ ..‬اسمعوا‪ .‬يقول ابن إسحق‪ :‬إن‬
‫القوم – النصار‪ -‬حين اجتمعوا لبيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم قام‬
‫العباس بن عبادة بن نضلة أخو بني سهل بن عوف فقال‪:‬‬
‫م تبايعون هذا الرجل؟‬‫يا معشر الخزرج هل تدرون على َ‬
‫قالوا‪ :‬نعم‪.‬‬
‫قال إنكم تبايعونه على حرب الحمر والسود من الناس‪ ،‬فإن كنتم ترون له‬
‫إذا ذهبت أموالكم مصيبة وأشرافكم قتل ً أسلمتموه‪ ،‬فمن الن فهو والله إن‬

‫‪36‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فعلتم خزي الدنيا والخرة‪ ،‬وإن كنتم ترون أنكم ُنهكت أموالكم مصيبة‪،‬‬
‫وأشرافكم قتل ً أسلمتموه‪ ،‬فمن الن فهو والله إن فعلتم خزي الدنيا والخرة‪،‬‬
‫وإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعمتموه إليه على نهكة الموال ومصيبة‬
‫الشراف فخذوه فهو والله خير الدنيا والخرة‪.‬‬
‫قالوا بل نأخذه على مصيبة الموال وعلى قتل الشراف‪.‬‬
‫ثم التفتوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم‪ .‬قائلين‪:‬‬
‫فما لنا بذلك يا رسول الله إن نحن وفينا البيعة بهذه؟‬
‫قال الجنة‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬أبسط يدك‪.‬‬
‫فبسط يده فبايعوه‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫الصحاب الذين جاؤوا مبايعين دخل السلم إليهم حديثا ً وجاءوا يبايعون‬
‫رسول الله ويستخرجونه من بين أظهر المشركين هل تصوروا أن هذا‬
‫السلم تمر يأكلونه أو شربة ماء عذبة يجرعونها؟ أبدًا‪ ..‬تصوروا أنهم بمجرد‬
‫التزامهم بالسلم أهدروا نحورهم للناس جميعا ً وأعلنوا الحرب على كل‬
‫الفاسدين والمفسدين في كل مكان على وجه الرض ومع ذلك أخذوه صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ .‬أخذوه من أجل ماذا؟ هل سألوه ماذا لنا من الغنائم؟ هل‬
‫سألوه هل ستحقق لنا الرخاء القتصادي؟ هل سألوه‪ :‬هل سوف ت ُعَِبدنا أهل‬
‫مكة أو ما شابه ذلك؟ ل‪ .‬إنما سألوه ماذا لنا؟ قال‪ :‬الجنة‪ ..‬ل ثواب على‬
‫ب على هذه الرض‪ ..‬الثواب على‬ ‫الرض لن أحدا ً ل يستطيع أن يعد بثوا ٍ‬
‫الرض عند الله متى أراده الله كان وإن شاء أن يمنعه عن عبد من عباده لم‬
‫يكن وإنما يستطيع الداعي أن يعد بشيء واحد‪ :‬الجنة – رضوان الله إشباعُ‬
‫طها بأسمى ما في النفس النسانية من نوازع الخدمة‬ ‫هذه النفس الخيرة رب ُ‬
‫ن وبل استعلء وبل طلب أجر وبل طلب المثوبة من الناس‪ ..‬طلب‬ ‫العامة بل م ّ‬
‫الجنة والجر من الله تبارك وتعالى‪.‬‬
‫وإذا ً بهذا نستطيع أن نعلم علما ً واضحا أن السلم هو‪ :‬هذا متاعب وآلم‬
‫ً‬
‫ومشقات وتعريض الرقبة للقطع والتعليق على المشانق وجلد ٌ وضرب‬
‫بالسياط وركض وراء النسان‪ ،‬وعبث به‪ ،‬وتشويه لسمعته‪ ..‬كل هذه النوازع‬
‫السافلة التي تحرك النسانية اليوم ستهيج مثل الزنابير على الذين يدعون‬
‫إلى الله تبارك وتعالى هذا خير هذا هو بغير مداورة‪ ،‬وبغير مجاملة وبغير‬
‫وعود مكذوبة ليس عندنا ما نقدمه للناس إل اللم‪ ،‬ليس عندنا ما نعد به‬
‫النفس إل الدم‪ ،‬ليس عندنا ما نعطيه للناس إل التضحية بغير حدود بهذا فقط‬
‫يمكن للداعي إلى الله أن يتعرض للدعوة وأن يتفوق في هذه المهمة‬
‫الكبيرة‪ ،‬ل يمكن إل من طريق اللم أن تنجح الدعوة إن الله جل وعل ب َّين‬
‫ذلك في محكم الكتاب بيانا ً شافيا ً لم يترك لنسان أن يتصور غير هذا ل شيء‬
‫إل اللم‪ ،‬ول شيء إل المتاعب لكن النتائج دائما ً وأبدا ً مضمونة بإذن الله‬
‫تبارك وتعالى‪.‬‬
‫أيها الخوة هذه ‪-‬كما قلت‪ -‬من قبل مقدمات وضعتنا في الصورة الصحيحة‬
‫لخصائص الداعين إلى الله جل وعل على ضوء سلوك النبي صلى الله عليه‬
‫وآله وسلم‪ ،‬هذه مقدمات وضعت بين أيدينا أيضا ً خصائص الدعوة بالذات‬
‫وسوف نحاول بدءا ً من السبوع القادم بإذن الله تبارك وتعالى‪ ،‬أن ندخل إلى‬
‫صميم الموضوع فنرى بكل تدقيق وبكل أمانة علمية ورصانة فكرية‪ ،‬سنرى‬

‫‪37‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حين جهر محمد صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى أي شيء دعت الناس‪،‬‬
‫أوليات الوحي هذه السور التي نزلت أول ما نزل من القرآن سورة العلق‪،‬‬
‫سورة القلم سورة المدثر سورة المزمل سور أربعة سوف أحاول في‬
‫السبوع القادم والذي يليه أن نتعرف إلى المهمات الرئيسة التي وضعت‬
‫على كاهل النبي صلى الله عليه وسلم من جهة‪ ،‬وإلى المطالب الساسية‬
‫التي طلب إلى المجتمع الجاهلي المشرك أن يعتقد بها وأن يعتنقها ثم نشاء‬
‫من بعد أن نقيس حجم رد الفعل كيف كانت استجابة المشركين تحت أية‬
‫قوانين‪ ،‬تحت أية عوامل كانت المواقف الجاهلية ترجح وكيف كان النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم يواجه هذه المواقف‪.‬‬
‫من هذه المقايسات والموازنات ومن محاولة التعرف إلى الوقائع بحجمها‬
‫الصحيح سوف نصل إلى استخلص القوانين الساسية التي توصل المجتمع‬
‫المسلم إلى بر المن والسلمة راجيا ً من الله تبارك وتعالى أن يعيننا جميعا ً‬
‫على هذه المهمة الصعبة الثقيلة آمل ً منكم جميعا ً وقبل الجمعة القادمة أن‬
‫يحاول كل منكم أن يفتح المصحف وأن يقرأ هذه السور الربعة بعناية بتركيز‬
‫وأن يحاول أن يفهم لماذا لنني أريد منكم أن تشتركوا معي في هذه المهمة‬
‫در أن البحث هذا يصل إلى هذه‬ ‫الصعبة‪ ..‬أعترف بكل صراحة أنني لو كنت أق ّ‬
‫النقاط‪ ،‬لضربت عنه من أول الحديث لكن تورطت وما دمت قد تورطت‪،‬‬
‫فتحملوا المسؤولية معي‪ ،‬فكروا أعينونا بآرائكم بتفكيركم ما أقوله كما قلت‬
‫ل ليس هدفا ً من غير خير ما نقدر عليه اجتهاد شخصي محاولة سبر‬ ‫من قب ُ‬
‫غور قضية بطريقة عقلية بحتة ليس في أيدينا وحي ول في أشخاصنا عصمة‬
‫ونحن وإياكم نقف على أرض مشتركة إن قرأتم هذه السور وفكرتم بها‬
‫وسمعتم ما أقول وفكرتم بما نسمع فسوف تنتج عندكم آراء أرجو أن أنتفع‬
‫بها وتنتفعوا بها أنتم أيضا ً والله جل وعل ينفعنا جميعا ً بما نقول وبما نسمع‬
‫وأل يجعل ما نقول وما نسمع حجة علينا يوم تسقط جميع الحجج وصلى الله‬
‫على سيدنا محمد وآله وأصحابه أجمعين‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫بدع في شهر رجب‬


‫س ‪ :‬يخص بعض الناس شهر رجب ببعض العبادات كصلة الرغائب وإحياء‬
‫ليلة ) ‪ ( 27‬منه فهل ذلك أصل في الشرع؟ جزاكم الله خيرا‬
‫أجاب الشيخ عبد العزيز بن باز‬
‫ج ‪ :‬تخصيص رجب بصلة الرغائب أو الحتفال بليلة ) ‪ ( 27‬منه يزعمون أنها‬
‫ليلة السراء والمعراج كل ذلك بدعة ل يجوز ‪ ،‬وليس له أصل في الشرع ‪،‬‬
‫وقد نبه على ذلك المحققون من أهل العلم ‪ ،‬وقد كتبنا في ذلك غير مرة‬
‫وأوضحنا للناس أن صلة الرغائب بدعة ‪ ،‬وهي ما يفعله بعض الناس في أول‬
‫ليلة جمعة من رجب ‪ ،‬وهكذا الحتفال بليلة ) ‪ ( 27‬اعتقادا أنها ليلة السراء‬
‫والمعراج ‪ ،‬كل ذلك بدعة ل أصل له في الشرع ‪ ،‬وليلة السراء والمعراج لم‬
‫تعلم عينها ‪ ،‬ولو علمت لم يجز الحتفال بها لن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫لم يحتفل بها ‪ ،‬وهكذا خلفاؤه الراشدون وبقية أصحابه رضي الله عنهم ‪ ،‬ولو‬
‫كان ذلك سنة لسبقونا إليها ‪.‬‬
‫والخير كله في اتباعهم والسير على منهاجهم كما قال الله عز ول ‪:‬‬
‫صارِ َوال ّ ِ‬ ‫َ‬ ‫ن اْل َوُّلو َ‬
‫ي‬
‫ض َ‬ ‫ن َر ِ‬ ‫سا ٍ‬‫ح َ‬‫م ب ِإ ِ ْ‬
‫ن ات ّب َُعوهُ ْ‬
‫ذي َ‬ ‫ن َواْلن ْ َ‬‫ري َ‬
‫ِ‬ ‫ج‬
‫مَها ِ‬‫ن ال ْ ُ‬
‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫قو َ‬ ‫ساب ِ ُ‬
‫َوال ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫دا‬
‫ن ِفيَها أب َ ً‬‫دي َ‬‫خال ِ ِ‬ ‫حت ََها الن َْهاُر َ‬
‫ري ت َ ْ‬ ‫ج ِ‬‫ت تَ ْ‬‫جّنا ٍ‬‫م َ‬ ‫ه وَأعَد ّ لهُ ْ‬ ‫ضوا عَن ْ ُ‬ ‫م وََر ُ‬ ‫ه عَن ْهُ ْ‬‫الل ّ ُ‬

‫‪38‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪:‬‬ ‫فوُْز ال ْعَ ِ‬
‫ظي ُ‬ ‫ك ال ْ َ‬‫ذ َل ِ َ‬
‫من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد متفق على صحته ‪ ،‬وقال عليه‬
‫الصلة والسلم ‪ :‬من عمل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد أخرجه مسلم في‬
‫صحيحه ومعنى فهو رد أي مردود على صاحبه ‪ ،‬وكان صلى الله عليه وسلم‬
‫يقول في خطبه ‪ :‬أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم وشر المور محدثاتها وكل بدعة ضللة أخرجه مسلم‬
‫أيضا ‪.‬‬
‫فالواجب على جميع المسلمين اتباع السنة والستقامة عليها والتواصي بها‬
‫وى‬ ‫والحذر من البدع كلها عمل بقول الله عز وجل ‪ :‬وَت ََعاوَُنوا عََلى ال ْب ِّر َوالت ّ ْ‬
‫ق َ‬
‫مُلوا‬
‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬
‫ذي َ‬ ‫سَر ِإل ال ّ ِ‬
‫خ ِ‬
‫في َ‬‫ن لَ ِ‬
‫سا َ‬‫ن اْل ِن ْ َ‬ ‫صرِ إ ِ ّ‬‫وقوله سبحانه ‪َ :‬وال ْعَ ْ‬
‫صب ْرِ وقول النبي صلى الله عليه‬ ‫وا ِبال ّ‬
‫ص ْ‬‫وا َ‬ ‫حقّ وَت َ َ‬ ‫وا ِبال ْ َ‬
‫ص ْ‬‫وا َ‬
‫ت وَت َ َ‬
‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬‫ال ّ‬
‫وسلم ‪ :‬الدين النصيحة قيل لمن يا رسول الله؟ قال لله ولكتابه ولرسوله‬
‫ولئمة المسلمين وعامتهم أخرجه مسلم في صحيحه ‪.‬‬
‫أما العمرة فل بأس بها في رجب لما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر رضي‬
‫الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر في رجب وكان السلف‬
‫يعتمرون في رجب ‪ ،‬كما ذكر ذلك الحافظ ابن رجب رحمه الله في كتابه ‪:‬‬
‫) اللطائف ( عن عمر وابنه وعائشة رضي الله عنهم ونقل عن ابن سيرين أن‬
‫السلف كانوا يفعلون ذلك ‪ .‬والله ولي التوفيق ‪.‬‬
‫المصدر موقع الشيخ ابن باز‬
‫نشرت في ) مجلة الدعوة ( العدد رقم ) ‪ ( 1566‬في جمادى الخرة ‪1417‬‬
‫هـ ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫بدعة ليلة النصف من شعبان‬


‫الحمد لله الذي أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة‪ ،‬والصلة والسلم على نبيه‬
‫ورسوله محمد نبي التوبة والرحمة‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫مِتي‬ ‫م ن ِعْ َ‬ ‫ُ‬
‫ت عَلي ْك ْ‬ ‫م ُ‬
‫م ْ‬
‫م وَأت ْ َ‬ ‫ُ‬
‫م ِدين َك ْ‬ ‫ُ‬
‫ت لك ْ‬‫مل ُ‬ ‫ْ‬
‫م أك َ‬ ‫أما بعد‪ :‬فقد قال الله تعالى‪ :‬ال ْي َوْ َ‬
‫َ‬
‫شَر َ‬
‫كاُء‬ ‫م ُ‬ ‫م ل َهُ ْ‬ ‫م ِديًنا الية من سورة المائدة‪ ،‬وقال تعالى‪ :‬أ ْ‬ ‫سَل َ‬‫م اْل ِ ْ‬‫ت ل َك ُ ُ‬ ‫ضي ُ‬
‫وََر ِ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه الية من سورة الشورى وفي‬ ‫ن ب ِهِ الل ُ‬ ‫م ي َأذ َ ْ‬‫ما ل ْ‬
‫ن َ‬
‫دي ِ‬‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬‫م ِ‬ ‫عوا لهُ ْ‬ ‫شَر ُ‬‫َ‬
‫الصحيحين عن عائشة عن النبي قال‪) :‬من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه‬
‫فهو رد ( وفي صحيح مسلم عن جابر ‪ ،‬أن النبي كان يقول في خطبة‬
‫الجمعة‪:‬‬
‫) أما بعد‪ :‬فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر المور‬
‫محدثاتها وكل بدعة ضللة ( واليات والحاديث في هذا المعنى كثيرة‪ ،‬وهي‬
‫تدل دللة صريحة على أن الله سبحانه وتعالى قد أكمل لهذه المة دينها‪،‬‬
‫وأتم عليها نعمته‪ ،‬ولم يتوف نبيه عليه الصلة والسلم إل بعدما بلغ البلغ‬
‫المبين‪ ،‬وبين للمة كل ما شرعه الله لها من أقوال وأعمال‪ ،‬وأوضح أن كل‬
‫ما يحدثه الناس بعده وينسبونه إلى دين السلم من أقوال أو أعمال‪ ،‬فكله‬
‫بدعة مردود على من أحدثه‪ ،‬ولو حسن قصده‪ ،‬السلم من أقوال أو أعمال‪،‬‬
‫فكله بدعة مردود على من أحدثه‪ ،‬ولو حسن قصده‪ ،‬وقد عرف أصحاب‬
‫رسول الله المر‪ ،‬وهكذا علماء السلم بعدهم‪ ،‬فأنكروا البدع وحذروا منها‪،‬‬
‫كما ذكر ذلك‬
‫كل من صنف في تعظيم السنة وإنكار البدعة كابن وضاح ‪ ،‬والطرطوشي‪،‬‬

‫‪39‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأبي شامة وغيرهم‪.‬‬


‫ومن البدع التي أحدثها بعض الناس‪ :‬بدعة الحتفال بليلة النصف من شعبان‪،‬‬
‫وتخصيص يومها بالصيام‪ ،‬وليس على ذلك دليل يجوز العتماد عليه‪ ،‬وقد ورد‬
‫في فضلها أحاديث ضعيفة ل يجوز العتماد عليها‪ ،‬أما ما ورد في فضل الصلة‬
‫فيها‪ ،‬فكله موضوع‪ ،‬كما نبه على ذلك كثير من أهل العلم‪ ،‬وسيأتي ذكر بعض‬
‫كلمهم إن شاء الله وورد فيها أيضا آثار عن بعض السلف من أهل الشام‬
‫وغيرهم‪ ،‬والذي أجمع عليه جمهور العلماء أن الحتفال بها بدعة‪ ،‬وأن‬
‫الحاديث الواردة في فضلها كلها ضعيفة‪ ،‬وبعضها موضوع‪ ،‬وممن نبه على‬
‫ذلك الحافظ ابن رجب‪ ،‬في كتابه‪) :‬لطائف المعارف( وغيره‪ ،‬والحاديث‬
‫الضعيفة إنما يعمل بها في العبادات التي قد ثبت أصلها بأدلة صحيحة‪ ،‬أما‬
‫الحتفال بليلة النصف من شعبان‪ ،‬فليس له أصل صحيح حتى يستأنس له‬
‫بالحاديث الضعيفة‪.‬‬
‫وقد ذكر هذه القاعدة الجليلة المام‪ :‬أبو العباس شيخ السلم ابن تيمية ‪ .‬وأنا‬
‫أنقل لك‪ :‬أيها القارئ‪ ،‬ما قاله بعض أهل العلم في هذه المسألة‪ ،‬حتى تكون‬
‫على بينة في ذلك‪ ،‬وقد أجمع العلماء رحمهم الله على أن الواجب‪ :‬رد ما‬
‫تنازع فيه الناس من المسائل إلى كتاب الله‪ -‬عز وجل‪ ،‬وإلى سنة رسول الله‬
‫‪ ،‬فما حكما به أو أحدهما فهو الشرع الواجب التباع‪ ،‬وما خالفهما وجب‬
‫اطراحه‪ ،‬وما لم يرد فيهما من العبادات فهو بدعة ل يجوز فعله‪ ،‬فضل عن‬
‫َ‬
‫مُنوا‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫الدعوة إليه وتحبيذه‪ ،‬كما قال سبحانه في سورة النساء َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫خت َل َ ْ‬ ‫َ‬ ‫أ َطيعوا الل ّه وأ َطيعوا الرسو َ ُ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫م ِفيهِ ِ‬ ‫فت ُ ْ‬ ‫ما ا ْ‬‫مرِ وقال تعالى‪ :‬وَ َ‬ ‫ل وَأوِلي اْل ْ‬ ‫ّ ُ‬ ‫َ َ ِ ُ‬ ‫ِ ُ‬
‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫ه إ ِلى اللهِ الية من سورة الشورى‪ ،‬وقال تعالى‪ :‬قُ ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫م ُ‬‫حك ْ ُ‬ ‫يٍء فَ ُ‬‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫م ‪ ،‬الية من سورة آل‬ ‫م ذ ُُنوب َك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫فْر لك ُ ْ‬ ‫ه وَي َغْ ِ‬ ‫ّ‬
‫م الل ُ‬ ‫حب ِب ْك ُ ُ‬‫ه َفات ّب ُِعوِني ي ُ ْ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫حّبو َ‬‫تُ ِ‬
‫م‬‫جَر ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ما َ‬ ‫ك ِفي َ‬‫مو َ‬ ‫ّ‬
‫حك ُ‬‫حّتى ي ُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ك ل ي ُؤْ ِ‬ ‫عمران‪ ،‬وقال عز وجل‪َ :‬فل وََرب ّ َ‬
‫موا واليات في هذا المعنى‬ ‫ّ‬
‫سل ُ‬ ‫ت وَي ُ َ‬ ‫ضي ْ َ‬ ‫ما قَ َ‬ ‫م ّ‬‫جا ِ‬ ‫حَر ً‬ ‫م َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬‫دوا ِفي أ َن ْ ُ‬ ‫ج ُ‬‫م ل يَ ِ‬ ‫ثُ ّ‬
‫كثيرة‪ ،‬وهي نص في وجوب رد مسائل الخلف إلى الكتاب والسنة‪ ،‬ووجوب‬
‫الرضى بحكمهما‪ ،‬وأن ذلك هو مقتضى اليمان‪ ،‬وخير للعباد في العاجل‬
‫والجل‪ ،‬وأحسن تأويل‪ :‬أي عاقبة‪ .‬قال الحافظ ابن رجب ‪ - -‬في كتابه‪:‬‬
‫)لطائف المعارف( في هذه المسألة‪ -‬بعد كلم سبق‪ -‬ما نصه‪" :‬وليلة النصف‬
‫من شعبان كان التابعون من أهل الشام؛ كخالد بن معدان‪ ،‬ومكحول‪ ،‬ولقمان‬
‫بن عامر وغيرهم‪ ،‬يعظمونها ويجتهدون فيها في العبادة‪ ،‬وعنهم أخذ الناس‬
‫فضلها وتعظيمها‪ ،‬وقد قيل‪ :‬إنه بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية‪ ،‬فلما اشتهر‬
‫ذلك عنهم في البلدان‪ ،‬اختلف الناس في ذلك فمنهم من قبله منهم‪،‬‬
‫ووافقهم على تعظيمها‪ ،‬منهم طائفة من عباد أهل البصرة وغيرهم‪ ،‬وأنكر‬
‫ذلك أكثر علماء الحجاز‪ ،‬منهم‪ :‬عطاء‪ ،‬وابن أبي مليكة‪ ،‬ونقله عبد الرحمن بن‬
‫زيد بن أسلم‪ ،‬عن فقهاء أهل المدينة‪ ،‬وهو قول أصحاب مالك وغيرهم‪،‬‬
‫وقالوا‪ :‬ذلك كله بدعة واختلف علماء أهل الشام في صفة إحيائها على‬
‫قولين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أنه يستحب إحياؤها جماعة في المساجد‪ .‬كان خالد بن معدان‬
‫ولقمان بن عامر وغيرهما يلبسون فيها أحسن ثيابهم‪ ،‬ويتبخرون ويتكحلون‪،‬‬
‫ويقومون في المسجد ليلتهم تلك‪ ،‬ووافقهم إسحاق بن راهويه على ذلك‪،‬‬
‫وقال في قيامها في المساجد جماعة‪ :‬ليس ذلك ببدعة‪ ،‬نقله حرب الكرماني‬
‫في مسائله‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪40‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والثاني‪ :‬أنه يكره الجتماع فيها في المساجد للصلة والقصص والدعاء‪ ،‬ول‬
‫يكره أن يصلي الرجل فيها لخاصة نفسه‪ ،‬وهذا قول الوزاعي إمام أهل‬
‫الشام وفقيههم وعالمهم‪ ،‬وهذا هو القرب إن شاء الله تعالى‪ ،‬إلى أن قال‪:‬‬
‫ول يعرف للمام أحمد كلم في ليلة نصف شعبان‪ ،‬ويتخرج في استحباب‬
‫قيامها عنه روايتان‪ :‬من الروايتين عنه في قيام ليلتي العيد‪ ،‬فإنه )في رواية(‬
‫لم يستحب قيامها جماعة لنه لم ينقل عن النبي وأصحابه‪ ،‬واستحبها )في‬
‫رواية(‪ ،‬لفعل عبد الرحمن بن يزيد بن السود لذلك وهو من التابعين‪ ،‬فكذلك‬
‫قيام ليلة النصف‪ ،‬لم يثبت فيها شيء عن النبي ول عن أصحابه‪ ،‬وثبت فيها‬
‫عن طائفة من التابعين من أعيان فقهاء أهل الشام"انتهى المقصود من كلم‬
‫الحافظ ابن رجب ‪.‬‬
‫وفيه التصريح منه بأنه لم يثبت عن النبي ول عن أصحابه شيء في ليلة‬
‫النصف من شعبان‪ ،‬وأما ما اختاره الوزاعي من استحباب قيامها للفراد‪،‬‬
‫واختيار الحافظ ابن رجب لهذا القول‪ ،‬فهو غريب وضعيف ‪ .‬لن كل شيء لم‬
‫يثبت بالدلة الشرعية كونه مشروعا‪ ،‬لم يجز للمسلم أن يحدثه في دين الله‪،‬‬
‫سواء فعله مفردا أو في جماعة‪ ،‬وسواء أسره أو أعلنه‪ .‬لعموم قول النبي ‪) :‬‬
‫من عمل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد ( وغيره من الدلة الدالة على إنكار‬
‫البدع والتحذير منها‪ ،‬وقال المام أبو بكر الطرطوشي في كتابه‪) :‬الحوادث‬
‫والبدع( ما نصه‪) :‬وروى ابن وضاح عن زيد بن أسلم‪ ،‬قال‪ :‬ما أدركنا أحدا من‬
‫مشيختنا ول فقهائنا يلتفتون إلى النصف من شعبان‪ ،‬ول يلتفتون إلى حديث‬
‫مكحول‪ ،‬ول يرون لها فضل على ما سواها(‪.‬‬
‫وقيل لبن أبي مليكة ‪ :‬إن زيادا النميري يقول‪) :‬إن أجر ليلة النصف من‬
‫شعبان كأجر ليلة القدر(‪ ،‬فقال‪) :‬لو سمعته وبيدي عصا لضربته( وكان زياد‬
‫قاصا‪ ،‬انتهى المقصود‬
‫وقال العلمة‪:‬الشوكاني في‪) :‬الفوائد المجموعة( ما نصه‪" :‬حديث‪) :‬يا علي‬
‫من صلى مائة ركعة ليلة النصف من شعبان يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب‬
‫وقل هو الله أحد عشر مرات قضى الله له كل حاجة ( إلخ وهو موضوع‪،‬‬
‫وفي ألفاظه المصرحة بما يناله فاعلها من الثواب ما ل يمتري إنسان له‬
‫تمييز في وضعه‪ ،‬ورجاله مجهولون‪ ،‬وقد روي من طريق ثانية وثالثة كلها‬
‫موضوعة ورواتها مجاهيل‪ ،‬وقال في‪) :‬المختصر(‪ :‬حديث صلة نصف شعبان‬
‫باطل‪ ،‬ولبن حبان من حديث علي ‪) :‬إذا كان ليلة النصف من شعبان فقوموا‬
‫ليلها‪ ،‬وصوموا نهارها(‪ ،‬ضعيف وقال في‪) :‬الللئ(‪) :‬مائة ركعة في نصف‬
‫شعبان بالخلص عشر مرات ( مع طول فضله‪ ،‬للديلمي وغيره موضوع‪،‬‬
‫وجمهور رواته في الطرق الثلث مجاهيل ضعفاء قال‪ :‬واثنتا عشرة ركعة‬
‫بالخلص ثلثين مرة موضوع وأربع عشرة ركعة موضوع‪ .‬وقد اغتر بهذا‬
‫الحديث جماعة من الفقهاء كصاحب )الحياء( وغيره وكذا من المفسرين‪،‬‬
‫وقد رويت صلة هذه الليلة‪ -‬أعني‪ :‬ليلة النصف من شعبان على أنحاء مختلفة‬
‫كلها باطلة موضوعة‪ ،‬ول ينافي هذا رواية الترمذي من حديث عائشة لذهابه‬
‫إلى البقيع‪ ،‬ونزول الرب ليلة النصف إلي سماء الدنيا‪ ،‬وأنه يغفر لكثر من‬
‫عدة شعر غنم بني كلب‪ ،‬فإن الكلم إنما هو في هذه الصلة الموضوعة في‬
‫هذه الليلة‪ ،‬على أن حديث عائشة هذا فيه ضعف وانقطاع‪ ،‬كما أن حديث‬
‫علي الذي تقدم ذكره في قيام ليلها‪ ،‬ل ينافي كون هذه الصلة موضوعة‪،‬‬
‫على ما فيه من الضعف حسبما ذكرناه" انتهى المقصود‪.‬‬
‫وقال الحافظ العراقي ‪) :‬حديث صلة ليلة النصف موضوع على رسول الله‬
‫وكذب عليه‪ ،‬وقال المام النووي في كتاب‪) :‬المجموع(‪) :‬الصلة المعروفة‬

‫‪41‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بصلة الرغائب‪ ،‬وهي اثنتا عشرة ركعة بين المغرب والعشاء‪ ،‬ليلة أول جمعة‬
‫من رجب‪ ،‬وصلة ليلة النصف من شعبان مائة ركعة‪ ،‬هاتان الصلتان بدعتان‬
‫منكرتان‪ ،‬ول يغتر بذكرهما في كتاب‪) :‬قوت القلوب(‪ ،‬و)إحياء علوم الدين(‪،‬‬
‫ول بالحديث المذكور فيهما‪ ،‬فإن كل ذلك باطل‪ ،‬ول يغتر ببعض من اشتبه‬
‫عليه حكمهما من الئمة فصنف ورقات في استحبابهما‪ ،‬فإنه غالط في‬
‫ذلك( ‪.‬‬
‫وقد صنف الشيخ المام‪ :‬أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسي كتابا‬
‫نفيسا في إبطالهما‪ ،‬فأحسن فيه وأجاد‪ ،‬وكلم أهل العلم في هذه المسألة‬
‫كثير جدا‪ ،‬ولو ذهبنا ننقل كل ما اطلعنا عليه من كلم في هذه المسألة‪ ،‬لطال‬
‫بنا الكلم‪ ،‬ولعل فيما ذكرنا كفاية ومقنعا لطالب الحق‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ومما تقدم من اليات والحاديث وكلم أهل العلم‪ ،‬يتضح لطالب الحق أن‬
‫الحتفال بليلة النصف من شعبان بالصلة أو غيرها‪ ،‬وتخصيص يومها بالصيام‬
‫بدعة منكرة عند أكثر أهل العلم‪ ،‬وليس له أصل في الشرع المطهر‪ ،‬بل هو‬
‫مما حدث في السلم بعد عصر الصحابة ‪ ،‬ويكفي طالب الحق في هذا الباب‬
‫وغيره قول الله عز وجعل‪ :‬ال ْيو َ‬
‫م وما جاء في معناها من‬ ‫ت ل َك ُ ْ‬
‫م ِدين َك ُ ْ‬ ‫مل ْ ُ‬
‫م أك ْ َ‬
‫َ ْ َ‬
‫اليات‪ ،‬وقول النبي ‪ ) :‬من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ( وما‬
‫جاء في معناه من الحاديث‪ ،‬وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال‪ :‬قال‬
‫رسول الله ‪ ) :‬ل تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ول تخصوا يومها‬
‫بالصيام من بين اليام إل أن يكون في صوم يصومه أحدكم ( فلو كان‬
‫تخصيص شيء من الليالي‪ ،‬بشيء من العبادة جائزا‪ ،‬لكانت ليلة الجمعة أولى‬
‫من غيرها‪ .‬لن يومها هو خير يوم طلعت عليه الشمس‪ ،‬بنص الحاديث‬
‫الصحيحة عن رسول الله ‪ ،‬فلما حذر النبي من تخصيصها بقيام من بين‬
‫الليالي‪ ،‬دل ذلك على أن غيرها من الليالي من باب أولى‪ ،‬ل يجوز تخصيص‬
‫شيء منها بشيء من العبادة‪ ،‬إل بدليل صحيح يدل على التخصيص‪.‬‬
‫ولما كانت ليلة القدر وليالي رمضان يشرع قيامها والجتهاد فيها‪ ،‬نبه النبي‬
‫على ذلك‪ ،‬وحث المة على قيامها‪ ،‬وفعل ذلك بنفسه‪ ،‬كما في الصحيحين عن‬
‫النبي علي أنه قال‪ ) :‬من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من‬
‫ذنبه ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ( فلو كانت‬
‫ليلة النصف من شعبان‪ ،‬أو ليلة أول جمعة من رجب أو ليلة السراء‬
‫والمعراج يشرع تخصيصها باحتفال أو شيء من العبادة‪ ،‬لرشد النبي المة‬
‫إليه‪ ،‬أو فعله بنفسه‪ ،‬ولو وقع شيء من ذلك لنقله الصحابة إلى المة‪ ،‬ولم‬
‫يكتموه عنهم‪ ،‬وهم خير الناس‪ ،‬وأنصح الناس بعد النبياء عليهم الصلة‬
‫والسلم‪ ،‬ورضي الله عن أصحاب رسول الله وأرضاهم‪ ،‬وقد عرفت آنفا من‬
‫كلم العلماء أنه لم يثبت عن رسول الله ‪ ،‬ول عن أصحابه شيء في فضل‬
‫ليلة أول جمعة من رجب‪ ،‬ول في ليلة النصف من شعبان‪ ،‬فعلم أن الحتفال‬
‫بهما بدعة محدثة في السلم‪ ،‬وهكذا تخصيصها بشيء من العبادة‪ ،‬بدعة‬
‫منكرة‪ ،‬وهكذا ليلة سبع وعشرين من رجب‪ ،‬التي يعتقد بعض الناس أنها ليلة‬
‫السراء والمعراج‪ ،‬ل يجوز تخصيصها بشيء من العبادة‪ ،‬كما ل يجوز الحتفال‬
‫بها‪ ،‬للدلة السابقة‪ ،‬هذا لو علمت‪ ،‬فكيف والصحيح من أقوال العلماء أنها ل‬
‫تعرف‪ ،‬وقول من قال‪ :‬أنها ليلة سبع وعشرين من رجب‪ ،‬قول باطل ل‬
‫أساس له في الحاديث الصحيحة‪ ،‬ولقد أحسن من قال‪:‬‬

‫‪42‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وخير المور السالفات على الهدى ‪...................‬وشر المور المحدثات‬


‫البدائع‬
‫والله المسؤول أن يوفقنا وسائر المسلمين للتمسك بالسنة والثبات عليها‪،‬‬
‫والحذر مما خالفها‪ ،‬إنه جواد كريم‪ ،‬وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا‬
‫محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫سماحة الشيخ العلمة عبدالعزيز بن عبد الله بن باز‬

‫)‪(3 /‬‬

‫بديع الزمان النورسي *‬


‫بقلم‪ :‬عبد الله الطنطاوي‬
‫مقدمة‬
‫الحمد لله‪ ،‬والصلة والسلم على مصطفاه‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫دمها عبد فقير قليل‪ ،‬عن عظيم من عظماء أمتنا‬ ‫فهذه بضاعة مزجاة‪ ،‬يق ّ‬
‫ً‬
‫السلمية في عصورها الحديثة‪ ،‬تتناول محورا من محاور شخصيته العملقة‪،‬‬
‫هو عبارة عن ملمح في خطة عظيمنا‪ :‬بديع الزمان النورسي ‪ -‬خ ّ‬
‫طته‬
‫الصلحية‪ ،‬ومنهجه في التغيير لمجتمع كان مسلمًا‪ ،‬نقيًا‪ ،‬مجاهدًا‪ ،‬ثم غزاه‬
‫طموه‪،‬‬ ‫الغزاة من الخارج‪ ،‬واصطنعوا لهم صنائع يغزونه من الداخل‪ ،‬ليح ّ‬
‫سح بعتبات‬ ‫دلوا هويته‪ ،‬ويمسخوه مسخًا‪ ،‬ليغدو قزما ً يتم ّ‬ ‫ويلغوا شخصيته‪ ،‬ويب ّ‬
‫دمر‪ ،‬وسلح فكري ظهير لذلك‬ ‫عملق شاكي السلح‪ ،‬سلٍح ماّدي يقتل به وي ّ‬
‫السلح‪ ،‬بل كان الممّهد له في العقول والنفوس التي ترّبت على أعين‬
‫حاسدة حاقدة‪ ،‬طالما خططت ودّبرت للجهاز على )الرجل المريض( فكانت‬
‫المؤتمرات المؤامرات‪... ،‬‬
‫بديع الزمان النورسي‬
‫جاز على المسؤولين‪ ،‬فحسبوا أصحاب الطلء مسلمين‪ ،‬ولم يعوا حقيقة‬
‫القنعة وما تخفي تحتها من سخائم وضغائن‪ ،‬وكيد وتآمر‪ ،‬وأحقاد تاريخية‪،‬‬
‫وتطلعات توراتية تلمودية‪ ،‬واستراتيجيات وتكتيكات يرسمها دهاقنة المحافل‬
‫الماسونية التي انتشرت هنا وهناك وهنالك‪ ،‬وتحت أسماء صريحة حينًا‪ ،‬خفّية‬
‫حينا ً آخر‪.‬‬
‫س غُد ٍُر‪ ،‬ائتمنتهم المة‬ ‫ً‬
‫وكان الغزو من البّر والبحر‪ ،‬وكانت الخيانات سلوكا لنا ٍ‬
‫في غفلة منها ومن أولياء أمورها الحاكمين‪ ،‬فلم تنتبه ليهودية مطلية بطلء‬
‫زائف‬
‫بديع الزمان النورسي‬
‫ي ‪ -‬رحمه الله رحمة‬ ‫فيما يلي تعريف موجز بالمام بديع الزمان سعيد الّنورس ّ‬
‫واسعة ‪ -‬ليكون بمثابة المدخل إلى شخصيته‪.‬‬
‫المولد‪:‬‬
‫ورس( الواقعة شرقي الناضول في تركيا‬ ‫ولد سعيد النورسي في قرية )ن ُ ْ‬
‫عام )‪ 1294‬هـ ‪1877 -‬م( من أبوين صالحين كانا مضرب المثل في التقوى‬
‫والورع والصلح‪ ،‬ونشأ في بيئة كردية يخيم عليها الجهل والفقر‪ ،‬كأكثر بلد‬
‫المسلمين في أواخر القرن الماضي‪ ،‬وبدايات هذا القرن‪ .‬وإلى قريته‬
‫سب‪.‬‬ ‫ورس( ي ُن ْ َ‬ ‫)ن ُ ْ‬
‫علمه‪:‬‬
‫ُ‬
‫ما دخل )الكّتاب(‬ ‫وقد بدت عليه أمارات الفطنة والذكاء منذ طفولته‪ ،‬ول ّ‬
‫وتتلمذ على أيدي المشايخ والعلماء بهرهم بقوة ذاكرته‪ ،‬وبداهته‪ ،‬وذكائه‪،‬‬

‫‪43‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ودّقة ملحظته‪ ،‬وقدرته على الستيعاب والحفظ‪ ،‬المر الذي جعله ينال‬
‫حر في العلوم العقلية‬ ‫الجازة العلمية وهو ابن أربع عشرة سنة بعد أن تب ّ‬
‫مات‬ ‫ً‬
‫والنقلية بجهده الشخصي‪ ،‬فقد حفظ عن ظهر غيب‪ ،‬ثمانين كتابا من أ ّ‬
‫الكتب في اللغة والنحو والصرف والبلغة والحديث والفقه والتفسير وأصول‬
‫الفقه‪ ،‬كما حفظ القرآن الكريم في وقت مبكر من حياته الخصبة الحافلة‪.‬‬
‫كما عكف على دراسة العلوم العصرية‪ ،‬أو العلوم الكونية الطبيعية‪ ،‬من‬
‫رياضيات‪ ،‬وفلك‪ ،‬وكيمياء‪ ،‬وفيزياء‪ ،‬وجيولوجيا وجغرافيا وتاريخ وفلسفة حديثة‬
‫وسواها من العلوم‪ ،‬حتى غدا عالما ً فيها‪ ،‬ومناظرا ً فذ ّا ً للمختصين بها‪ ،‬وصار‬
‫كنه من النطلق من مرتكزات علمية‬ ‫له رصيد ضخم من المعلومات‪ ،‬م ّ‬
‫سليمة‪.‬‬
‫ّ‬
‫كان طالب العلم سعيد النورسي شديد الحتفال والشتغال والتعلق بالفلسفة‬
‫والعلوم العقلية‪ ،‬وكان ل يقنع ول يكتفي بالحركة القلبية وحدها‪ ،‬كأكثر أهل‬
‫صوفية‪ ،‬بل كان يجهد لنقاذ عقله وفكره من بعض السقام التي‬ ‫الطرق ال ّ‬
‫أورثتها إياه مداومة النظر في كتب الفلسفة‪.‬‬
‫مع القرآن الكريم‪:‬‬
‫في عام ‪ 1894‬تناهى إلى سمعه أن وزير المستعمرات البريطاني‬
‫)غلدستون( وقف في مجلس العموم البريطاني‪ ،‬وهو يحمل المصحف‬
‫الشريف بيده‪ ،‬ويهّزه في وجوه النواب النكليز‪ ،‬ويقول لهم بأعلى صوته‪:‬‬
‫"مادام هذا الكتاب موجودًا‪ ،‬فلن تستطيع أوربا السيطرة على الشرق‪ ،‬ول أن‬
‫تكون هي نفسها في أمان‪ .‬لذا‪ ،‬ل بد ّ لنا من أن نعمل على إزالته من الوجود‪،‬‬
‫أو نقطع صلة المسلمين به"‪.‬‬
‫فصرخ العالم الشاب سعيد النورسي من أعماقه‪:‬‬
‫ن للعالم أجمع‪ ،‬بأن القرآن العظيم شمس معنوية ل يخبو سناها‪ ،‬ول‬ ‫"لبرهن ّ‬
‫يمكن إطفاء نورها‪".‬‬
‫ل الله صلى الله عليه وسلم في المنام‪ ،‬وسأله أن يدعو‬ ‫ي رسو ّ‬ ‫ورأى الّنورس ّ‬
‫شره الرسول الكريم بذلك‪،‬‬ ‫الله له‪ :‬أن يفّهمه القرآن‪ ،‬ويرزقه العمل به‪ ،‬فب ّ‬
‫قائل ً له‪:‬‬
‫" سيوهب لك علم القرآن‪ ،‬شريطة أل تسأل أحدا ً شيئًا"‬
‫ي من نومه‪ ،‬وكأنما حيزت له الدنيا ‪ ..‬بل‪ ..‬أين هو من الدنيا‪،‬‬ ‫وأفاق النورس ّ‬
‫وأين الدنيا منه‪ ..‬أفاق وكأنما حيز له علم القرآن وفهمه‪ ،‬فقد آلى على نفسه‬
‫أل يسأل أحدا ً شيئًا‪ ،‬استجابة لشرط رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وقد‬
‫وهبه الله ما تمّنى‪ ،‬وصار القرآن أستاذه ومرشده وهاديه في الدياجير التي‬
‫اكتنفت تركيا الكمالية‪.‬‬
‫ب العاصير‪:‬‬ ‫بديع الزمان في مه ّ‬
‫ي‪:‬‬
‫نستطيع تمييز مرحلتين في حياة المام سعيد النورس ّ‬
‫الولى‪ :‬مرحلة سعيد القديم‪ ،‬وتبدأ من مولده حتى نفيه إلى )بارل( عام‬
‫‪ 1926‬وهذه المرحلة هي مرحلة العداد الذاتي لنفسه‪ ،‬ومرحلة العمل‬
‫الفردي‪ ،‬وخوض المعارك السياسية‪ ،‬مدافعا ً عن الخلفة‪ ،‬وعن القرآن‬
‫والسلم‪ ،‬مهاجما ً أعداء السلم والخلفة والقرآن‪.‬‬
‫وفي هذه المرحلة‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪44‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -‬وفي هذه المرحلة سافر إلى إستانبول عام ‪ 1896‬ليقدم مشروعا ً لنشاء ‪-‬‬
‫جامعة إسلمية حديثة في شرقي الناضول ‪ -‬بلد الكراد ‪ -‬وأطلق عليها اسم‬
‫)مدرسة الزهراء( لتكون على منوال )الزهر( في مصر‪ ،‬غير أنها تختلف عن‬
‫الزهر بتدريس العلوم الحديثة إلى جانب العلوم الشرعية والعربية‪ ،‬وذلك من‬
‫أجل النهوض بالكراد المسلمين المهملين الذين يفتك بهم الجهل والفقر‬
‫ن النورسي لم يلق قبول ً من السلطان عبد الحميد ومن وزير‬ ‫والتخلف‪ .‬ولك ّ‬
‫داخليته‪.‬‬
‫‪ -‬وفي عام ‪ 1907‬سافر مرة أخرى إلى إستانبول‪ ،‬للغرض ذاته‪ ،‬وقابل‬
‫السلطان عبد الحميد‪ ،‬وانتقد الستبداد ونظام المن واستخبارات القصر‬
‫)يلدز( فأثار عليه حاشية السلطان‪ ،‬وأحالوه إلى محكمة عسكرية‪.‬‬
‫ي في منتهى الشجاعة في التعبير عن رأيه أمام القضاة‬ ‫وكان النوس ّ‬
‫العسكريين‪ ،‬المر الذي جعل رئيس المحكمة يحيله إلى الطباء النفسانيين‪،‬‬
‫للتأكد من سلمة قواه العقلية‪ ،‬وكانت لجنة الطباء المؤلفة من طبيب تركي‪،‬‬
‫وآخر أرمني‪ ،‬وثالث رومي ومن طبيبين يهوديين )!!!( قررت وضعه في‬
‫مستشفى )طوب طاش( للمجانين( )!!!(‪.‬‬
‫وعندما حضر طبيب نفساني إلى المستشفى‪ ،‬لفحص قواه العقلية‪ ،‬بادره‬
‫ي بحديث رائع عميق يأخذ باللباب‪ ،‬فما كان من الطبيب إل أن يكتب‬ ‫النورس ّ‬
‫في تقريره‪:‬‬
‫" لو كانت هناك ذّرة واحدة من الجنون عند بديع الزمان‪ ،‬لما ُوجد عاقل واحد‬
‫على وجه الرض‪".‬‬
‫ي إلى وزارة الداخلية‪ ،‬وكان الحوار التالي بينه وبين وزير‬ ‫ثم أحيل الّنورس ّ‬
‫الداخلية‪:‬‬
‫الوزير‪ :‬إن السلطان يخصك بالسلم مع مرتب بمبلغ ألف قرش وعندما تعود‬
‫إلى بلدك سيجعل مرتبك ثلثين ليرة كما أرسل لك ثمانين ليرة هدية‬
‫سلطانية لك‪.‬‬
‫ً‬
‫بديع الزمان‪ :‬لم أكن أبدا متسول مرتب‪ ،‬ولن أقبله ولو كان ألف ليرة لنني‬
‫ي ليس سوى‬ ‫لم آت لغرض شخصي‪ ،‬وإنما لمصلحة البلد‪ ،‬فما تعرضونه عل ّ‬
‫رشوة السكوت‪.‬‬
‫الوزير‪ :‬إنك بهذا ترد ّ الرادة السلطانية‪ ،‬والرادة السلطانية ل ترّد‪.‬‬
‫بديع الزمان‪ :‬إنني أرّدها‪ ،‬لكي يستاء السلطان ويستدعيني عند ذلك أستطع‬
‫أن أقول له قولة الحق‪.‬‬
‫الوزير‪ :‬إن العاقبة ستكون غير سارة‪.‬‬
‫بديع الزمان‪ :‬تعددت السباب والموت واحد‪ ،‬فإن أعدم فسوف أرقد في قلب‬
‫المة‪ ،‬علما ً بأنني عندما جئت إلى إستانبول كنت واضعا ً روحي على كفي‪..‬‬
‫اعملوا ما شئتم‪ ،‬فإني أعني ما أقول‪ :‬إنني أريد أن أوقظ أبناء المة‪ ،‬ول أقوم‬
‫بهذا العمل إل لنني فرد من هذا البلد‪ ،‬ل لقتطف من ورائه مرتبًا‪ ،‬لن خدمة‬
‫رجل مثلي للدولة ل تكون إل بإسداء النصائح‪ ،‬وهذه ل تتم إل بحسن تأثيرها‪،‬‬
‫وهذا ل يتم إل بترك المصالح الشخصية فإنني معذور إذن عندما أرفض‬
‫المرتب‪.‬‬
‫الوزير‪ :‬إن ما ترمي إليه من نشر المعارف في بلدك هو موضع دراسة في‬
‫مجلس الوزراء حاليًا‪.‬‬
‫بديع الزمان‪ :‬إذن فلم يتأخر نشر المعارف‪ ،‬وُيستعجل في أمر المرّتب؟ لماذا‬
‫تؤثرون منفعتي الشخصية على المنفعة العامة؟‪.‬‬
‫‪ -‬ثم ذهب إلى )سلنيك( مقّر يهود الدونمة ومشتقاتهم من جمعية )التحاد‬

‫‪45‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والترقي( و)الماسونية( وسواهما‪ ،‬والتقى عددا ً من شخصيات )التحاد‬


‫ي العبقري إلى صفهم‪،‬‬ ‫والترقي( الذين كانوا يطمعون في كسب النورس ّ‬
‫وكان ممن التقاهم‪) :‬عما نوئيل قره صو( رئيس المحفل الماسوني‪ ،‬وعضو‬
‫ي‪،‬‬
‫مجلس المبعوثان )أي النواب( العثماني‪ ،‬وكان قره صو يطمع في النورس ّ‬
‫ن المقابلة بينهما لم تطل‪ ،‬لن قره صو فّر هاربا ً من اللقاء‪ ،‬وهو يقول‪:‬‬ ‫ولك ّ‬
‫ي‪ -‬يدخلني في السلم‪ ،‬بحديثه‪.".‬‬ ‫"كاد هذا الرجل العجيب ‪ -‬الّنورس ّ‬
‫و)قره صو( هذا هو أول صهيوني ما سوني عمل على خلع السلطان عبد‬
‫الحميد وإلغاء الخلفة‪.‬‬
‫‪ -‬وفي هذه المرحلة اّتهم فيمن اّتهم بحادثة ‪ 31‬مارت )‪(1909 /4 /13‬‬
‫وسيق إلى المحاكمة‪ ،‬ورأى في الساحة خمسة عشر رجل ً معّلقين على‬
‫ظنا ً من القضاة أن هذا المنظر سوف يرهبه‪ ..‬قال له الحاكم‬ ‫أعواد المشانق‪ّ ،‬‬
‫العسكري خورشيد باشا‪:‬‬
‫‪ -‬وأنت أيضا ً تدعو إلى تطبيق الشريعة؟ إن من يطالب بها يشنق هكذا‬
‫)مشيرا ً بيده إلى المشنوقين(‪..‬‬
‫فقام بديع الزمان سعيد النورسي وألقى على سمع المحكمة كلما ً رائعا ً‬
‫نقتطف منه ما يأتي‪:‬‬
‫"لو أن لي ألف روح لما ترّددت أن أجعلها فداء لحقيقة واحدة من حقائق‬
‫السلم‪ ،‬فقد قلت‪ :‬إنني طالب علم‪ ،‬لذا فأنا أزن كل شيء بميزان الشريعة‪،‬‬
‫إنني ل أعترف إل ّ بملة السلم‪ ..‬إنني أقول لكم وأنا واقف أمام البرزخ الذي‬
‫تسمونه )السجن( في انتظار القطار الذي يمضي بي إلى الخرة ل لتسمعوا‬
‫أنتم وحدكم بل ليتناقله العالم كله؛ أل لقد حان للسرائر أن تنكشف‪ ،‬وتبدو‬
‫من أعماق القلب‪ ،‬فمن كان غير محرم فل ينظر إليها‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ىء بشوق لقدومي للخرة‪ ..‬وأنا مستعد للذهاب مع هؤلء الذين‬ ‫إنني مته ّ‬
‫وروا ذلك البدوي الذي سمع عن غرائب إستانبول‬ ‫عُّلقوا في المشانق‪ .‬تص ّ‬
‫ومحاسنها‪ ،‬فاشتاق إليها‪ ..‬إني مثله تماما ً في شوقي إلى الخرة والقدوم‬
‫إليها‪ .‬إن نفيكم إياي إلى هناك ل يعتبر عقوبة‪ .‬إن كنتم تستطيعون فعاقبوني‬
‫المعاقبة الوجدانية‪ .‬لقد كانت هذه الحكومة تخاصم العقل أيام الستبداد‬
‫والن فإنها تعادي الحياة‪ ،‬وإذا كانت هذه الحكومة هكذا؛ فليعش الجنون‪،‬‬
‫وليعش الموت‪ ،‬وللظالمين فلتعش جهنم‪."..‬‬
‫وفي جلسة واحدة فقط صدر حكم ببراءة بديع الزمان سعيد النورسي من‬
‫تلك المحكمة الرهيبة التي شنقت العشرات‪.‬‬
‫‪ -‬أسس )التحاد المحمدي( في سنة ‪ 1909‬ردا ً على دعاة القومية الطورانية‪،‬‬
‫والوطنية الضيقة‪ ،‬كجمعية التحاد والترقي‪ ،‬وجمعية تركيا الفتاة‪.‬‬
‫م إلى )تشكيلت خاصة( وهي مؤسسة سياسية عسكرية أمنية سّرّية‪،‬‬ ‫‪ -‬انض ّ‬
‫كلت بأمر السلطان محمد رشاد قبيل اندلع الحرب العالمية الولى‪ ،‬من‬ ‫ش ّ‬
‫ُ‬
‫أجل المحافظة على أراضي الدولة العثمانية‪ ،‬ومحاربة أعدائها‪ .‬وكان قد‬
‫ي من‬ ‫كرين والكّتاب‪ ،‬وكان النورس ّ‬‫م إلى هذه المؤسسة كثير من المف ّ‬ ‫انض ّ‬
‫أنشط أعضاء قسم )التحاد السلمي( فيها‪ ،‬وأصدر مع عدد من العلماء‬
‫)فتوى الجهاد( التي تهيب بالمسلمين أن يهّبوا للدفاع عن الخلفة‪.‬‬
‫‪ -‬وفي هذه المرحلة سافر إلى مدينة )وان( عام ‪ 1910‬وبدأ يلقي دروسه‬
‫ومحاضراته‪ ،‬متجوّل ً بين القبائل والعشائر الكردية‪ ،‬يعّلمهم أمور دينهم‪،‬‬

‫‪46‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ويرشدهم إلى الحق‪.‬‬


‫‪ -‬وفي سنة ‪ 1911‬سافر إلى دمشق‪ ،‬وألقى في المسجد الموي خطبته‬
‫الشهيرة باسم الخطبة الشامية التي وصف فيها أمراض المة السلمية‪،‬‬
‫ووسائل علجها‪.‬‬
‫‪ -‬وفي سنة ‪ 1912‬عُّين بديع الزمان قائدا ً لقوات الفدائيين الذين جاؤوا من‬
‫شرقي الناضول‪ ،‬من الكراد خاصة‪.‬‬
‫كنت القوات الروسية من الدخول إلى مدينة )أرضروم(‬ ‫‪ -‬وفي سنة ‪ 1916‬تم ّ‬
‫ي وتلميذه المتطوعون للقوات الروسية‪ ،‬وخاضوا‬ ‫دى النورس ّ‬ ‫التركية‪ ،‬وقد تص ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫دها‪ ،‬ثم جرح النورسي جرحا بليغا‪ ،‬ونزف نزفا شديدا كاد يودي‬ ‫عدة معارك ض ّ‬
‫بحياته‪ ،‬المر الذي اضطّر أحد تلميذه إلى إعلم القوات الروسية بذلك‪،‬‬
‫فاقتادوه أسيرًا‪ ،‬وبقي في السر في )قوصطرما( سنتين وأربعة أشهر‪ ،‬ثم‬
‫كن من الهرب من معسكرات العتقال‪ ،‬إثر الثورة البلشفية في روسيا‪.‬‬ ‫تم ّ‬
‫عزة المؤمن‪:‬‬
‫وذات يوم قدم هناك إلى المحكمة الحربية بتهمة إهانة القيصر والجيش‬
‫الروسي‪.‬‬
‫أما قصة ذلك فهي كما يأتي‪:‬‬
‫كان خال القيصر والقائد العام للجبهة الروسية "نيكول نيكولفيج" يزور‬
‫معسكر السرى فقام جميع السرى لداء التحية ما عدا )سعيد النورسي(‪.‬‬
‫لحظ القائد العام ذلك‪ ،‬فرجع ومّر ثانية أمامه‪ ..‬فلم يقم له كذلك‪ ،‬وفي‬
‫المرة الثاثة وقف أمامه وجرت المحاورة الظريفة التية بينهما بواسطة‬
‫مترجم للقائد‪:‬‬
‫‪ -‬الظاهر أنك لم تعرفني؟‬
‫‪ -‬بلى‪ ..‬لقد عرفتك‪ .‬إنك نيكول نيكولفيج‪ ،‬خال القيصر‪ ،‬والقائد العام في‬
‫جبهة القفقاس‪.‬‬
‫‪ -‬إذن فلم تستهين بي؟‬
‫‪ -‬كل‪ ،‬إنني لم أستهن بأحد‪ ،‬وإنما فعلت ما تأمرني به عقيدتي‪.‬‬
‫‪ -‬وماذا تأمرك عقيدتك؟‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ -‬إنني عالم مسلم‪ ،‬أحمل في قلبي إيمانا‪ ،‬والذي يحمل في قلبه إيمانا هو‬
‫ت إذن قليل الحترام‬ ‫أفضل من الذي ل إيمان له‪ .‬ولو أنني قمت لك لكن ُ‬
‫لعقيدتي ومقدساتي‪ ،‬لذلك فإنني لم أقم لك‪.‬‬
‫ي صفة عدم اليمان‪ ،‬تكون قد أهنتني وأهنت جيشي‬ ‫‪ -‬إذن فإنك بإطلقك عل ّ‬
‫وأمتي والقيصر كذلك‪ ،‬فيجب تشكيل محكمة عسكرية للنظر في هذا المر‪.‬‬
‫دم إليها سعيد النورسي بتهمة إهانة القيصر‬ ‫تشكلت المحكمة العسكرية‪ ،‬وقُ ّ‬
‫والمة الروسية والجيش الروسي‪.‬‬
‫ويسود حزن في معسكر السرى ويلتف حوله الضباط السرى من التراك‬
‫حين عليه القيام بالعتذار للقائد الروسي وطلب‬ ‫واللمان والنمساويين مل ّ‬
‫العفو منه‪ ،‬إل ّ أنه رفض ذلك بإصرار‪ ،‬قائل لهم‪:‬‬
‫ً‬
‫"إنني أرغب في الرحيل إلى الخرة‪ ،‬والمثول بين يدي رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ .‬لذلك فإنني بحاجة فقط إلى جواز سفر للخرة‪ ،‬وأنا ل أستطيع‬
‫أن أعمل بما يخالف إيماني"‪.‬‬
‫ّ‬
‫وتصدر المحكمة قرارها بالعدام‪ ،‬وفي يوم التنفيذ تحضر ث ُلة من الجنود على‬
‫رأسها ضابط روسي لخذه إلى ساحة العدام‪ ،‬ويقوم سعيد النورسي من‬
‫مكانه بابتهاج قائل ً للضابط الروس ّ‬
‫ي‪:‬‬
‫‪ -‬أرجو أن تسمح لي قليل ً لؤدي واجبي الخير‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م يقوم ويتوضأ ويصّلي ركعتين‪.‬‬ ‫ث ّ‬


‫وهنا يأتي القائد العام ليقول له بعد فراغه من الصلة‪:‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬أرجو منك المعذرة‪ ،‬كنت أظنك قد قمت بعملك قاصدا إهانتي ولكنني واثق‬
‫الن أنك كنت تنفذ ما تأمرك به عقيدتك وإيمانك‪ ،‬لذا فقد أبطلت قرار‬
‫المحكمة‪ ،‬وإنني أهنئك على صلبتك في عقيدتك‪ ،‬وأرجو المعذرة منك مرة‬
‫أخرى‪.‬‬
‫ً‬
‫عضوا في )دار الحكمة السلمية( التي كانت تضم‬ ‫‪ -‬في ‪ 13/8/1918‬عُّين ُ‬
‫ً‬
‫كبار العلماء والشعراء والشخصيات‪ .‬وقّررت الحكومة له مرتبا‪ ،‬ولكنه ما كان‬
‫يأخذ منه إل ما يقيم أوده‪ ،‬والباقي ينفقه على طباعة رسائله العلمية التي‬
‫كان يوزعها مجانًا‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ل الحلفاء )النكليز والفرنسيون( العاصمة إستانبول‪ ،‬أّلف‬ ‫‪ -‬وبعد أن احت ّ‬


‫النورسي كتابه )الخطوات الست( وحكم عليه الحاكم العسكري النكليزي‬
‫بالعدام على هذا الكتاب‪ ،‬وعلى نشاطه المعادي للقوات المحتلة‪ ،‬وأراد‬
‫محّبوه إنقاذه‪ ،‬فدعوه إلى )أنقرة( فأجابهم‪:‬‬
‫ن‬‫"أنا أريد أن أجاهد في أخطر المكنة‪ ،‬وليس من وراء الخنادق‪ .‬وأنا أرى أ ّ‬
‫مكاني هذا أخطر من الناضول"‪.‬‬
‫ل‪ ،‬ولكنه‬‫‪ُ -‬دعي إلى أنقرة سنة ‪ 1922،‬واسُتقبل في المحطة استقبال ً حاف ً‬
‫ن مصطفى كمال يسلك سلوكا ً معاديا ً‬ ‫واب ل يصّلون‪ ،‬كما أ ّ‬ ‫ن أكثر الن ّ‬
‫لحظ أ ّ‬
‫جهه إلى‬ ‫من عشر مواد‪ ،‬و ّ‬ ‫للسلم‪ ،‬فقّرر أن يطبع بيانا ً في ‪ 19/1/1923‬تض ّ‬
‫النواب‪ ،‬واستهله بقوله‪:‬‬
‫"يا أيها المبعوثون‪ ..‬إنكم لمبعوثون ليوم عظيم"‬
‫ً‬
‫ن ستين نائبا قاموا لداء‬ ‫ُ‬
‫وكان من أثر هذا البيان الذي ألقي على النواب‪ ،‬أ ّ‬
‫دين‪ ،‬المر الذي أغضب مصطفى كمال الذي‬ ‫فريضة الصلة‪ ،‬والتلزموا بال ّ‬
‫استدعى النورسي وقال له‪:‬‬
‫سة إلى أستاذ قدير مثلك‪ ،‬ولهذا دعوناك إلى هنا‬ ‫ك أننا في حاجة ما ّ‬ ‫"لش ّ‬
‫ن أّول عمل قمت به هو الحديث عن‬ ‫للستفادة من آرائك السديدة‪ ،‬ولك ّ‬
‫ث الفرقة بين أهل المجلس‪".‬‬ ‫الصلة‪ ..‬لقد كان أول جهودك هنا هو ب ّ‬
‫فأجابه بديع الزمان‪ ،‬مشيرا ً إليه بإصبعه في ح ّ‬
‫دة‪:‬‬
‫ن الذي ل‬ ‫ن أعظم حقيقة تتجّلى بعد اليمان هي الصلة‪ ،‬وإ ّ‬ ‫"باشا‪ ..‬باشا‪ ..‬إ ّ‬
‫يصّلي خائن‪ ،‬وحكم الخائن مردود‪".‬‬
‫كر مصطفى كمال بإبعاده عن العاصمة‪ ،‬فعّينه واعظا ً عاما ً للوليات‬ ‫عندها ف ّ‬
‫ي رفض الوظيفة والراتب‪.‬‬ ‫ر‪ ،‬ولكن النورس ّ‬ ‫الشرقية‪ ،‬وبمرّتب مغ ٍ‬
‫دة كتب ورسائل منها‪ :‬إشارات‬ ‫‪ -‬كتب النورسي ونشر في هذه المرحلة ع ّ‬
‫العجاز ‪ -‬والسنوحات ‪ -‬والطلوعات ‪ -‬ولمعات ‪ -‬وشعاعات من معرفة النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم وسواها باللغة العربية‪.‬‬
‫المرحلة الثانية من حياته‪:‬‬
‫في عام ‪ 1923‬غادر النورسي مدينة أنقرة إلى مدينة "وان" حيث انقطع‬
‫للعبادة في إحدى الخرائب المهجورة على جبل "أرك" ولم يدرِ شيئا ً عن‬
‫العاصير التي تنتظره‪.‬‬
‫وجاء من يدعوه إلى تأييد ثورة الشيخ سعيد بيران ضد الحكومة الكمالية‬
‫ن هذا الموقف‪ ،‬وذلك النقطاع‬ ‫العلمانية المعادية للسلم‪ ،‬فأبى تأييدها‪ ،‬ولك ّ‬

‫‪48‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫للعبادة‪ ،‬لم ينجياه من غضب حكومة أنقرة التي أمرت بالقبض عليه‪ ،‬ونقله‬
‫إلى استانبول‪ ،‬ومن ثم إلى مدينة "بوردور" ثم إلى "بارل" في جو بارد من‬
‫شتاء عام ‪ 1926‬القارس‪ ،‬فقد كان الجو باردًا‪ ،‬ومياه البحيرة متجمدة وأحد‬
‫سر الثلوج بعصا ً طويلة‬ ‫جذافي القارب الذي يحمله إلى منفاه في المقدمة يك ّ‬
‫في يده‪ ،‬ليفتح بذلك طريقا ً للقارب الشراعي‪.‬‬
‫وفي "بارل" بدأت المرحلة الثانية من حياة بديع الزمان‪ ،‬وهي المسماة‬
‫مرحلة سعيد الجديد وقد كانت حافلة بالتهامات والملحقات والمطاردات‬
‫والسجون والمعتقلت والمحاكمات والمنافي‪ ،‬مما لم يمّر في حياة إنسان‬
‫وهو صابر محتسب‪ ،‬يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة‪ ،‬شعاره في‬
‫ذلك‪:‬‬
‫"أعوذ بالله من الشيطان والسياسة"‪.‬‬
‫وفي هذه البلدة صنع له أحد النجارين غرفة خشبية صغيرة غير مسقوفة‪،‬‬
‫وضعت بين أغصان شجرة الدلب العالية حيث كان النورسي يقضي فيها‬
‫كرًا‪ ،‬وعاكفا ً‬
‫أغلب أوقاته في فصلي الربيع والصيف‪ ،‬متعبدا ً لله‪ ،‬متأمل ً متف ّ‬
‫على تأليف رسائل الّنور طوال الليل‪ ،‬والناس يسمعون همهمات العالم العابد‬
‫المتهجد‪.‬‬
‫أمضى النورسي في "بارل" ثماني سنوات ونصف السنة‪ ،‬أّلف فيها أكثر‬
‫دة أمراض‪ ،‬ول يشتهي الطعام‪ ،‬بل كان يكتفي‬ ‫رسائل الّنور‪ ،‬وهو يعاني من ع ّ‬
‫كسيرات من الخبز مع قليل من الحساء "الشوربة" ول يقبل‬ ‫من الطعام ب ُ‬
‫هدية ول تبرعا ً ول زكاة ً من أحد‪ ..‬كان ‪-‬كما قال عن نفسه‪ -‬يعيش على‬
‫البركة والقتصاد‪.‬‬
‫ّ‬
‫وفي هذه المرحلة كان يؤلف ويكتب باللغة التركية‪ ،‬والحروف العربية‪ ،‬ويأمر‬
‫تلميذه بالكتابة بالحروف العربية‪ ،‬حفاظا ً عليها من النسيان‪.‬‬
‫وقد أسهمت النساء بنسخ الرسائل ‪-‬الكتب‪ -‬التي كان يمليها بديع الزمان‬
‫على تلميذه‪ ،‬ثم يقوم هؤلء بتهريبها إلى النساء‪ ،‬ليسهرن في استنساخها‪،‬‬
‫ويقضين الليالي في ذلك‪ ،‬حتى إذا أنجزنها‪ ،‬سارت بها ركبان طلبة النور في‬
‫طول البلد التركية وعرضها‪.‬‬
‫ورسائل النور هذه تدعو إلى إنقاذ اليمان‪ ،‬وعودة السلم إلى الحياة‪.‬‬
‫دى بها للعلمانيين والقوميين والسياسة الميكيافيلية القائمة على التزلف‬ ‫وتص ّ‬
‫حت الدين جانبًا‪ ،‬ووّلى أصحابها‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫التي‬ ‫السياسة‬ ‫الشخصية‪.‬‬ ‫والمصالح‬ ‫والنفاق‬
‫وجهوهم نحو أوربا‪ ،‬والسير في ركابها‪ .‬ولهذا رأيناه في هذه المرحلة‪ ،‬يقف ‪-‬‬
‫بكل قوة‪ -‬في وجه التيارات اللحادية الشاملة‪ ،‬برغم ضراوة الهجمة‬
‫وشراستها‪ ،‬وبرغم ما تعّرض له من نفي وسجن واعتقال‪.‬‬
‫وهذا يعني‪ ،‬أن شعاره في هذه المرحلة‪" :‬أعوذ بالله من الشيطان‬
‫ل‪ ،‬بل أراد به حماية تلميذه من‬ ‫والسياسة" ل يعني أنه تخّلى عن السياسة فع ً‬
‫شرور الشرار من السياسيين‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬لم ينجح هو ول تلميذه من‬
‫الملحقة والمحاكمات والسجون التي أطلق عليها النورسي وتلميذه اسم‪:‬‬
‫المدرسة اليوسفية‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫وقد جاء في قرار اللجنة المدّققة لرسائل النور في مدينة )دنيزلي(‪:‬‬


‫"ليس لبديع الزمان فعالية سياسية‪ ،‬كما ل يوجد أيّ دليل على أنه يؤسس‬
‫طريقة صوفية‪ ،‬أو قائم بإنشاء أي جمعية‪ ،‬وإن موضوعات كتبه تدور كّلها‬

‫‪49‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حول المسائل العلمية واليمانية وهي تفسير القرآن الكريم‪".‬‬


‫‪ -‬عندما أطلق سراحه في الخمسينيات‪ ،‬كان في السابعة والسبعين من‬
‫العمر‪ ،‬وكان يقول لزائريه أو الذين يرغبون في زيارته‪:‬‬
‫ل رسالة ‪ -‬من رسائل النور‪ -‬تطالعونها‪ ،‬تستفيدون منها فوائد أفضل من‬ ‫"ك ّ‬
‫مواجهتي بعشرة أضعاف‪".‬‬
‫وكان قد طلب أكثر من مّرة من تلميذه طلبة النور‪ ،‬أل يربطوا الرسائل‬
‫ن للنسان أخطاء وعيوبا ً قد سترها‬ ‫طوا من قيمتها‪ ،‬ل ّ‬‫بشخصه الضعيف‪ ،‬فيح ّ‬
‫الله عليه‪.‬‬
‫ّ‬
‫كما كان يدعو تلميذه إلى عدم التعلق به‪ ،‬ل في حياته‪ ،‬ول بعد مماته‪ ،‬فذلك‬
‫له أضرار جسيمة على الدعوة‪.‬‬
‫ب أعالي الشجار الباسقة‬ ‫ب أعالي الجبال‪ ،‬كما يح ّ‬ ‫ي يح ّ‬ ‫‪ -‬وكان النورس ّ‬
‫الشاهقة‪ ،‬وكان يفضل الصلة على الصخور المرتفعة‪ ،‬وكان يقول لتلميذه‪:‬‬
‫ي قوة شبابكم هذا‪ ،‬لما نزلت من هذه الجبال‪".‬‬ ‫" لو كان ف ّ‬
‫ي أمة في رجل‪ ،‬ورّبى تلميذه بالقدوة‪ ،‬وحياته كانت أكبر‬ ‫لقد كان النورس ّ‬
‫كرامة‪ ..‬إنه رجل عصر المصائب والبليا والمهالك ‪-‬كما قال عن نفسه‪ -‬وهو‬
‫دمها إليها خلل‬ ‫عصرنا‪ ،‬وقد هّيأ الدوية الناجعة للجروح النسانية البدية‪ ،‬وق ّ‬
‫رسائله وكتبه التي هي من نور القرآن العظيم‪.‬‬
‫وفاته‪:‬‬
‫ي في الخامس والعشرين من شهر رمضان المبارك عام‬ ‫توّفي المام النورس ّ‬
‫‪ 1379‬هـ الموافق للثالث والعشرين من شهر آذار ‪ 1960‬م تاركا ً موسوعة‬
‫إيمانية ضخمة تسد ّ حاجة هذا العصر‪ ،‬وتخاطب مدارك أبنائه‪ ،‬وتدحض أباطيل‬
‫الفلسفة الماديين‪ ،‬وتزيل شبهاتهم من أسسها‪ ،‬وتثبت حقائق اليمان وأركانه‬
‫بدلئل قاطعة‪ ،‬وبراهين ناصعة‪ ،‬جمعت في ثمانية مجلدات ضخام‪ ،‬هي ‪:‬‬
‫ن‬
‫الكلمات ‪ -‬المكتوبات‪ -‬اللمعات‪ -‬الشعاعات‪ -‬إشارات العجاز في مظا ّ‬
‫اليجاز‪ -‬المثنوي العربي النوري‪ -‬الملحق‪ -‬صيقل السلم‪ .‬وقد ترجمت إلى‬
‫اللغات العربية والنكليزية‪ ،‬واللمانية‪ ،‬والردية‪ ،‬والفارسية‪ ،‬والكردية‬
‫والفرنسية‪ ،‬والروسية وغيرها‪ ،‬وُدفن في مدينة )أورفه(‪.‬‬
‫وبعد النقلب العسكري في تركيا في ‪ 1960 /5/ 27‬قام النقلبيون العسكر‬
‫ي إلى جهة غير معلومة‪.‬‬ ‫بنقل رفات المام النورس ّ‬
‫ي نقل رفات أخيه بديع الزمان‬ ‫ّ‬ ‫النورس‬ ‫المجيد‬ ‫عبد‬ ‫وقد وصف شقيقه الشيخ‬
‫في مذكراته‪ ،‬بعد خمسة أشهر من وفاته‪ ،‬فقد قالوا له‪:‬‬
‫"سنقوم بنقل رفات أخيك الشيخ سعيد النورسي من أورفه"‬
‫وقاموا بهدم قبر بديع الزمان‪ ،‬وقلت في نفسي‪" :‬ل بد ّ أن عظام أخي الحبيب‬
‫ي أنه قد توّفي‬ ‫ن ما إن لمست الكفن‪ ،‬حتى خّيل إل ّ‬ ‫قد أصبحت رمادًا‪ ،‬ولك ّ‬
‫بالمس‪ .‬كان الكفن سليمًا‪ ،‬ولكنه كان مصفرا ً بعض الشيء من جهة الرأس‬
‫وكانت هناك بقعة واحدة على شكل قطرة ماء‪.‬‬
‫وعندما كشف الطبيب الكفن عن وجهه‪ ،‬نظرت إليه كان هناك شبه ابتسامة‬
‫على وجهه‪.‬‬
‫احتضنا ذلك الستاذ العظيم المظلوم‪ ،‬ووضعناه في التابوت الخر الكبير الذي‬
‫كان الجنود قد جلبوه‪ ،‬وقد ملنا الفراغ حوله بالعشاب‪.‬‬
‫وعندما تم كل شيء‪ ،‬ذهبنا إلى المطار‪ .‬كانت الشوارع خالية من الهلين‪،‬‬
‫ومليئة بالجنود المدججين بالسلح‪ ،‬حيث أعلن منع التجول في المدينة‪.‬‬
‫لم تسع الطائرة الولى التابوت الكبير فجلبوا طائرة ثانية‪ ،‬وضعنا التابوت‬
‫فيها‪ ،‬وجلست بجانبه‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كان الحزن والسى يملن قلبي‪ ،‬وكانت عيوني مليئة بالدموع‪..‬‬


‫وقد اتجهت الطائرة إلى )أفيون(‪ ،‬ومنها نقل التابوت بسيارة إسعاف إلى‬
‫مدينة )إسبارطة( حيث دفن في مكان ما‪ ،‬ل يزال مجهو ً‬
‫ل‪.‬‬
‫ولعل هذا كان استجابة القدر لما تمناه في وصيته لتلميذه بعدم معرفة مكان‬
‫قبره‪ ،‬إل بعدد الصابع من تلميذه المخلصين‪.‬‬
‫ي بقلمه‪:‬‬
‫ملخص حياة النورس ّ‬
‫جهها النورسي إلى كل من رئيس‬ ‫دم فقرات من الرسالة التي و ّ‬ ‫وأخيرا ً نق ّ‬
‫خص حياته‪:‬‬ ‫الوزراء‪ ،‬ووزير العدل‪ ،‬ووزير الداخلية‪ ،‬بّين فيها مل ّ‬
‫"إن جميع رجال الدولة يعرفونني عن كثب‪ ،‬ول سيما أولئك الذين عاصروا‬
‫الظروف الجسام التي مرت على البلد‪ ،‬منذ إعلن الحرية )الدستور(‪ ،‬وأثناء‬
‫الحرب العالمية الولى‪ ،‬وخلل غزو الحلفاء للبلد ودخولهم إستانبول‪ ،‬وما‬
‫أعقبته من أحداث لحين تشكل الحكومة الوطنية‪ ،‬وفترة إعلن الجمهورية؛‬
‫فالذين يحيطون علما ً بتلك الظروف ممن يتولون الن مناصب في الدولة‬
‫يعرفونني معرفة جيدة ومع هذا فاسمحوا لي أن أعرض مشاهد من حياتي‬
‫أمامكم عرضا ً سريعًا‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫"ولدت في قرية " نورس" التابعة لولية "بتليس" وطوال فترة حياة التلمذة‬
‫وتحصيل العلوم‪ ،‬دخلت في مناقشات علمية حادة مع كل من قابلته من‬
‫العلماء‪ ،‬كنت أتغلب عليهم بفضل العناية الربانية‪ .‬حتى بلغت إستانبول‪.‬‬
‫وهناك في جوها المشوب بآفة الشهرة والصيت‪ ،‬لم أنقطع عن مناظراتي‬
‫العلمية‪ .‬إل أن وشاية الحاسدين والخصماء أدت بي أن أساق إلى مستشفى‬
‫المجاذيب بأمر السلطان عبد الحميد ‪ -‬رحمه الله رحمة واسعة‪ -‬ثم‬
‫استقطبت نظر حكومة التحاد والترقي‪ ،‬بناًء على خدماتي أثناء إعلن‬
‫الدستور وحادثة ‪/31‬مارت‪ .‬طرحت عليهم مشروع بناء جامعة في مدينة‬
‫"وان"‪ ،‬باسم "مدرسة الزهراء" على غرار الزهر الشريف‪ .‬حتى إنني وضعت‬
‫حجرها الساس بنفسي‪ ،‬ولكن ما إن اندلعت الحرب العالمية الولى حتى‬
‫كلت من طلبي والمتطوعين "فرق النصار" وتوليت قيادتهم فخضنا‬ ‫ش ّ‬
‫معارك ضارية في جبهة القفقاس مع الروس المعتدين في "بتليس" حيث‬
‫وقعت أسيرا ً بيدهم‪ ،‬إل أن العناية الربانية أنجتني من السر‪ .‬وأتيت إستانبول‬
‫عينت فيها عضوا ً في دار الحكمة السلمية‪ ،‬وبادرت إلى مجاهدة الغزاة‬ ‫و ُ‬
‫المحتلين لستانبول في تلك الظروف الحرجة‪ ،‬وبكل ما وهبني الله من‬
‫طاقة‪ ،‬إلى أن انتهت حروب الستقلل وتشكلت الحكومة الوطنية في أنقره‪،‬‬
‫ت من جديد ‪-‬تثمينا ً لخدماتي تلك‪ -‬إلى مشروع تأسيس الجامعة في‬ ‫فنظر ْ‬
‫"وان"‪.‬‬
‫إلى هنا كانت حياتي طافحة بخدمة البلد‪ ،‬وفق ما كنت أحمله من فكرة‬
‫خدمة الدين عن طريق السياسة‪ ،‬ولكن بعد هذه الفترة وليت وجهي كلية عن‬
‫الدنيا وقبرت "سعيدا ً القديم" ‪-‬حسب اصطلحي‪ -‬وأصبحت سعيدا ً جديدا ً‬
‫يعيش كّليا ً للخرة فانسللت من حياة المجتمع‪ ،‬ونفضت يدي عن كل ما‬
‫يخصهم‪ ،‬فاعتزلت الناس تمامًا‪ ،‬واعتكفت في "تل يوشع" في استانبول‪،‬‬
‫ومن ثم في مغارات في جبال "وان وبتليس"‪ .‬بت في مجاهدة مستديمة مع‬
‫روحي ووجداني‪ .‬وانفردت إلى عالمي الروحي رافعا ً شعار "أعوذ بالله من‬
‫مي ووقتي إلى تدّبر معاني القرآن‬‫الشيطان والسياسة" صرفت كل ه ّ‬

‫‪51‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الكريم‪ .‬وبدأت أعيش حياة" سعيد الجديد"‪ ،‬أخذتني القدار نفيا ً من مدينة‬
‫إلى أخرى‪ ،‬وفي هذه الثناء تولدت من صميم قلبي معان جليلة نابعة من‬
‫فيوضات القرآن الكريم‪ ،‬أمليتها على من حولي من الشخاص‪ ،‬تلك الرسائل‪،‬‬
‫التي أطلقت عليها "رسائل النور" لقد انبعثت حقا ً من نور القرآن الكريم‪ .‬لذا‬
‫نبع هذا السم من صميم وجداني‪ ،‬فأنا على قناعة تامة ويقين جازم بأن هذه‬
‫الرسائل ليست مما مضغته أفكاري وإنما هي إلهام إلهي أفاضه الله سبحانه‬
‫على قلبي من نور القرآن الكريم فباركت كل من استنسخها‪ ،‬لنني على‬
‫يقين أن ل سبيل إلى حفظ إيمان الخرين غير هذه السبيل فل تمنع تلك‬
‫الفيوضات عن المحتاجين إليها‪.‬‬
‫وهكذا تلقفتها اليدي المينة بالستنساخ والنشر‪ ،‬فأيقنت أن هذا تسخير‬
‫رباني وسوق إلهي لحفظ إيمان المسلمين فل يستطيع أحد أن يمنع ذلك‬
‫سوق اللهي‪ ،‬فاستشعرت بضرورة تشجيع كل من يعمل في‬ ‫التسخير وال ّ‬
‫ً‬
‫هذه السبيل امتثال بما يأمرني به ديني‪ .‬فهذه الرسائل التي تربو على المئة‬
‫والثلثين رسالة ل تبحث بحثا ً مقصودا ً عن أمور الدنيا والسياسة‪ ،‬وإنما تخص‬
‫كليا ً أمور الخرة واليمان‪ ،‬وعلى الرغم من كل هذا فقد أصبحت الشغل‬
‫الشاغل للنتهازيين والمتصيدين في الماء العكر حتى أوقفتني السلطات في‬
‫كل من "أسكي شهر" و"قسطموني" و"دينزلي"‪ ،‬وأجرت المحاكم تدقيقات‬
‫علمية على الرسائل قام بها خبراء متخصصون‪ ،‬إل أن الحقيقة ‪ -‬بفضل الله‬
‫سبحانه ‪ -‬كانت تتجّلى بنصاعتها دومًا‪ ،‬وتتبوأ العدالة مكانتها اللئقة بها"‪.‬‬
‫***‬
‫عصر النورسي‬
‫لن نستطيع معرفة مدى الظلم الذي خّيم على تركيا بعدما يسمى بالنقلب‬
‫العثماني‪ ،‬وسقوط السلطان عبد الحميد الثاني‪ ،‬وسيطرة )التحاد والترقي(‪.‬‬
‫والقوميين الطورانيين الذين وصلوا بدولة الخلفة إلى حضيض التمزق‪،‬‬
‫والتشرذم‪ ،‬والتخلف السياسي‪ ،‬والعسكري‪ ،‬والقتصادي‪ ،‬والفكري‪ ،‬والخواء‬
‫مت البلد‬‫الروحي إل إذا كنا على اطلع دقيق على حالة الفوضى التي ع ّ‬
‫التركية‪ ،‬بعد الحتلل‪ ،‬وبعد التحرير‪ ،‬وما تبعها من مجازر قامت بها السلطة‬
‫دي للعلمانية‪ ..‬وعمليات‬ ‫م فيه رائحة السلم‪ ،‬والتص ّ‬ ‫العلمانية ضد ّ ك ّ‬
‫ل من تشت ّ‬
‫قتل علماء الدين كانت نهجا ً لحكومة مصطفى كمال‪ ،‬ولم ينج من العلماء إل‬
‫من هرب بدينه ودمه وأهله إلى البلدان المجاورة‪ ،‬أو من ناور‪ ،‬أو سار في‬
‫مها إل مصالحها‬ ‫ركاب العلمانيين‪ ،‬من ذوي النفوس الهزيلة التي لته ّ‬
‫الشخصية‪ ،‬وتسعى وراء المنصب والمال‪.‬‬
‫وقد سمعنا من بعض الذين لقيناهم من المهاجرين أبناء العلماء الفارين‬
‫بدينهم‪ ،‬ما تقشعر له البدان‪ ،‬وتدمى القلوب والنفوس‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫دها على نفسه‪ ،‬ذلك‬ ‫عايش بديع الزمان النورسي أحداثا ً جسامًا‪ ،‬كان أش ّ‬
‫الغزو الثقافي والفكري‪ ،‬تقوم به الدوائر الستعمارية‪ ،‬وربائبها في الداخل‪،‬‬
‫من خلل مؤسسات لها امتدادات خارج البلد‪ ،‬في أوروبا الحلفاء المنتصرين‪..‬‬
‫ذيها المحافل الماسونية‪ ،‬ودعاة العلمانية والقومية والماركسية‪ ..‬حتى‬ ‫وتغ ّ‬
‫صار المسلمون في تركيا الحديثة‪ ،‬كالقطعان الهائمة في الليالي المطيرة‪.‬‬
‫كانوا كمن فقد وزنه‪ ..‬مسلوبي الرادة مستذلين مهانين‪ ،‬مستكينين للظالمين‬
‫الذين أوقعوا بهم‪ ..‬فساد إداري محموم‪ ،‬وعجز اقتصادي مريع‪ ،‬وديون‬

‫‪52‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ظم‪ ،‬ممنهج‪..‬‬ ‫مرهقة‪ ،‬وتخّلف وجهل‪ ،‬وفقر ومرض‪ ،‬وانحلل وفساد خلقي من ّ‬
‫حماتهم لصوصهم‪ ،‬وأجهزة المن أجهزة قمع وفساد وإفساد‪..‬‬ ‫و ُ‬
‫دد‬
‫الحاجة إلى إمام مج ّ‬
‫ما كان الله ليذر المسلمين على ما هم عليه‪ ،‬وعلى ما أرادهم لهم أعداؤهم‬
‫دد لها‬ ‫فل الله سبحانه أن يبعث لهذه المة من يج ّ‬ ‫في الخارج والداخل‪ ،‬فقد تك ّ‬
‫أمر دينها على فترات‪ ،‬وفي أماكن شّتى‪ ،‬وكان مدد الله لهذا الشعب المسلم‬
‫المظلوم‪ ،‬واضحا ً في هذا الرجل الذي أطلق عليه بعض الدارسين اسم )رجل‬
‫القدر()‪ .(1‬كما أطلق عليه أساتذته وعارفوه لقب )بديع الزمان()‪ (2‬هذا‬
‫الرجل العالم الرباني الذي كان يملك بين حناياه قلبا ً ذكيًا‪ ،‬وعقل ً حصيفا ً نقيا‪ً،‬‬
‫ونفسا ً أبّية‪ ،‬وروحا ً عملقة‪ ،‬وإيمانا ً شامخا ً وعلوما ً يحار المرء وهو ينظر إليه‪،‬‬
‫كر‪ ،‬وكيف حملها في هذا الرأس العجيب‬ ‫كيف حواها في صباه وشبابه المب ّ‬
‫المستنير بأنوار القرآن‪ ،‬مع أنه "قد طوى في جوانحه كل آلم تركيا وعذاباتها‬
‫في تلك السنوات الحالكات‪ ..‬في وطن خربت معظم مرافقه ومدنه وقراه‪،‬‬
‫بعد سنوات الحرب العالمية الولى‪ ،‬وسنوات من حروب الستقلل‪ ..‬وُقتل‬
‫معظم شبابه‪.(3)(..‬‬
‫ّ‬
‫ونسينا أن نقول‪ :‬إن النورسي كان يملك سلة فيها كل ما يملكه في دنياه‪:‬‬
‫إبريق شاي‪ ،‬وبضعة أقداح‪ ،‬وقليل من السكر والشاي وقليل من الزبيب‪،‬‬
‫جادة الصلة‪.(4)(..‬‬ ‫وس ّ‬
‫ولكنه كان يحمل في عينيه ولسانه وقلبه وعقله مصحفًا‪ ،‬هو أستاذه وشيخه‬
‫ومرشده في دنياه وأخراه‪ ،‬ومن أراد أن يرى اليمان والقرآن والسلم‬
‫متمثلة في رجل يمشي على قدمين‪ ،‬فيما تسبح روحه في ملكوت السماوات‬
‫والرض‪ ،‬فلينظر إلى النورسي‪ ،‬أو فليقرأ سيرته وكلماته‪ ،‬وليتأمل كل كلمة‬
‫خطتها يراعة روحه‪ ،‬بمداد الوعي والزهد والعلم واليمان والصبر‪..‬‬
‫هذا الرجل الذي كان آية من آيات الله في الصبر والمصابرة‪ ،‬والمثابرة‪ ،‬وفي‬
‫الشجاعة والقدام‪ ،‬وفي الوعي والخلص والحركة‪ ،‬وفي التفاؤل والمل‬
‫ّ‬
‫الذي لم يفارقه لحظة من لحظات حياته‪ ،‬برغم ما يحيط به من ظلم وظلم‬
‫وظلم ‪ ..‬الرجل الذي أخذ نفسه بالعزائم في سائر أحواله‪ ،‬فكان الطود‬
‫الصامد في وجه العاصير‪ ..‬الرجل الذي أدركته وشملته دعوة الرسول القائد‬
‫‪ -‬عليه الصلة والسلم ‪" -‬رحم الله امرءا ً عرف زمانه‪ ،‬واستقامت طريقته"‪.‬‬
‫دد في بلد الناضول‪ ،‬كما كان حسن البنا في بلد‬ ‫هذا الرجل ‪ ،‬كان المج ّ‬
‫العرب‪ ،‬والمودودي في شبه القارة الهندية‪..‬‬
‫المؤثرات في تكوينه الفكري‬
‫من دراسة حياة المام النورسي‪ ،‬نستطيع أن نتبين نوعين من المؤثرات التي‬
‫ونت شخصيته الفكرية‪:‬‬ ‫ك ّ‬
‫‪ - 1‬المؤثرات الجتماعية‪ :‬وتشمل‪:‬‬
‫ً‬
‫ونة من أب تقي ورع‪ ،‬بلغ به ورعه شأوا صار فيه‬ ‫أ ‪ -‬أسرته الصغيرة المك ّ‬
‫ً‬
‫مضرب المثال‪ ،‬فالوالد الصوفي )ميرزا( لم يذق حراما قط‪ ،‬ولم يطعم‬
‫أولده من غير الحلل‪ ،‬حتى إنه كان إذا رجع ببقراته من المرعى‪ ،‬شد ّ أفواهها‬
‫لئل تأكل من مزارع الخرين)‪.(5‬‬
‫مه الصالحة التقّية )نورية( ل ترضع أطفالها إل وهي على طهر‬ ‫وكانت أ ّ‬
‫ووضوء)‪ .(6‬وقد قال النورسي عنها يوما‪ً:‬‬
‫ي‪ ،‬إنما هو تلقينات أمي‬ ‫دد عل ّ‬‫"أقسم بالله‪ ،‬إن أرسخ درس أخذته‪ ،‬وكأنه يتج ّ‬
‫ت‬‫ت في أعماق فطرتي‪ ،‬وأصبح ْ‬ ‫‪-‬رحمها الله‪ -‬ودروسها المعنوية‪ ،‬حتى استقر ْ‬
‫كالبذور في جسدي‪ ،‬في غضون عمري الذي يناهز الثمانين‪ ،‬رغم أني قد‬

‫‪53‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أخذت دروسا ً من ثمانين ألف شخص‪ .‬بل أرى يقينا ً أن سائر الدروس إنما‬
‫ُتبنى على تلك البذور")‪.(7‬‬
‫عرف بعلمه ودينه وتقواه ‪.‬‬ ‫وكذلك أخوه الكبير المل عبد الله الذي ُ‬
‫ب ‪ -‬قريته الصغيرة المحافظة‪ ،‬والقرى والبلدات القريبة منها‪ ،‬وكتاتيبها‬
‫ومشايخها‪ ،‬وأهلها البسطاء الطيبون المحافظون على دينهم‪ ،‬وقيمهم‬
‫المتمثلة بعادات وتقاليد منسجمة مع الدين الحنيف‪ :‬بساطة وصدق‪ ،‬وعفوية‪،‬‬
‫وكرم وشهامة ونبل‪ ،‬برغم ضيق ذات اليد‪ ،‬وبرغم الجهل والفقر والبؤس‬
‫والتعاسة‪.‬‬
‫‪ - 2‬المؤثرات الثقافية‪:‬‬
‫أ ‪ -‬يعد ّ النورسي الشيخ عبد القادر الكيلني ‪-‬رحمه الله‪ -‬أستاذه الول في‬
‫كتابه‪) :‬فتوح الغيب(‪ .‬يقول النورسي عنه‪:‬‬
‫"وبدأت أقرأ ذلك الكتاب‪ ،‬كأنه يخاطبني أنا بالذات‪ ..‬كان شديد اللهجة‪ ،‬وقد‬
‫حطم غروري‪ ،‬وأجرى عمليات جراحية عميقة في نفسي‪ ..‬استفدت منه‬
‫فوائد جليلة وأمضيت معه ساعات طويلة‪ ،‬أصغي إلى أوامره الطيبة‪،‬‬
‫ومناجاته الرقيقة")‪.(8‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫دد اللف الثاني ‪-‬‬ ‫ب ‪ -‬الشيخ العالم الرباني أحمد الفاروقي السرهندي‪ -‬مج ّ‬
‫في كتابه‪) :‬مكتوبات( الذي "ورد في رسالتين منه لفظة )ميرزا بديع الزمان(‬
‫فأحسست كأنه يخاطبني باسمي‪ ،‬إذ كان اسم أبي )ميرزا(‪ ..‬والمام الرباني‬
‫حد القبلة( أي‬ ‫يوصي ‪-‬مؤكدًا‪ -‬في هاتين الرسالتين‪ ،‬وفي رسائل أخرى أ ْ‬
‫ن‪) :‬و ّ‬
‫اتبع إماما ً ومرشدا ً واحدًا‪ ،‬ول تنشغل بغيره")‪.(9‬‬
‫جـ ‪ -‬علوم اللغة العربية من نحو وصرف وبلغة ولغة وسواها‪ ،‬تلك التي تلقاها‬
‫على أيدي علماء قريته والقرى والمدن الخرى‪ ،‬وقد حفظ ‪ -‬في شبابه‬
‫المبكر‪ -‬الكثير من متون أماتها بل من أمات الكتب الكبيرة‪ ،‬حتى القاموس‬
‫المحيط ‪-‬للفيروز أبادي‪ -‬حفظ منه حتى حرف السين)‪.(10‬‬
‫د ‪ -‬العلوم السلمية‪ ،‬من‪ :‬حديث شريف‪ ،‬وفقه‪ ،‬وأصول فقه‪ ،‬وتفسير‪ ،‬وعلم‬
‫كلم وسيرة وأخلق‪ ،‬وسواها من العلوم التي تدور في فلكها)‪.(11‬‬
‫هـ ‪ -‬العلوم الكونية الطبيعية من‪ :‬فلك‪ ،‬وفيزياء وكيمياء‪ ،‬وعلم طبقات‬
‫الرض‪ ،‬وجغرافيا ‪ ،‬وفلسفة حديثة‪ ،‬وتاريخ‪ ،‬ورياضيات‪ ،‬وسواها)‪.(12‬‬
‫و ‪ -‬الغرب‪ ،‬وفكره المادي‪ ،‬وفلسفته القديمة أيام اليونان القدماء أو الغريق‪،‬‬
‫وفلسفاته الحديثة وكلها مادية المنطلقات والغايات‪ .‬درسها‪ ،‬واستوعبها‪،‬‬
‫واتخذ منها الموقف المناسب‪.‬‬
‫ز ‪ -‬أسفاره‪ :‬فقد كان يتنقل في المدن والقرى‪ ،‬ويلتقي العلماء والوجهاء‬
‫وعامة الناس‪ ،‬ورجال الحكم والدارة‪ ،‬كرحلته إلى الستانة )استنبول(‬
‫والتقائه السلطان عبد الحميد الثاني‪ ،‬والسلطان رشاد والوزراء ومصطفى‬
‫كمال‪ ،‬وكرحلته إلى طرابلس الغرب وبنغازي‪ ،‬حيث اتصل بالشيخ السنوسي‪،‬‬
‫واطلع على تنظيمات الحركة السنوسية وزواياها‪ ،‬وتأثر بها‪ ،‬المر الذي جعله‬
‫‪-‬بعد أن عاد إلى مدينة وان‪ -‬يعمد إلى تشكيل فرق جهادية من طلبه وبعض‬
‫المتطوعين‪ ،‬وقاتل بهم الجيش الروسي الذي اجتاح مدينة تبليس‪ ،‬فُأسر إثر‬
‫جرح بليغ أصابه)‪.(13‬‬
‫وكرحلته إلى بلد الشام‪ ،‬والتقائه علماءها‪ ،‬وإلقائه خطبته الشامية البليغة في‬
‫خص أمراض المة السلمية‪،‬‬ ‫المسجد الموي عام ‪1911‬م وفيها ش ّ‬

‫‪54‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وعلجاتها)‪.(14‬‬
‫ن المؤثر الكبر في تكوينه الفكري والروحي والنفسي‪ ،‬إنما هو‬ ‫ح ‪ -‬ولك ّ‬
‫القرآن العظيم‪ ،‬فهو الستاذ‪ ،‬وهو المرشد‪ ،‬وهو الهادي إلى سواء السبيل‪،‬‬
‫وفيه يكون توحيد القبلة‪ ،‬ل في سواه‪ ..‬يقول الستاذ النورسي‪:‬‬
‫"إن بداية هذه الطرق جميعها‪ ،‬ومنبع هذه الجداول كّلها‪ ،‬وشمس هذه‬
‫الكواكب السيارة‪ ..‬إنما هو القرآن الكريم‪ ،‬فتوحيد القبلة الحقيقي ل يكون إل‬
‫في القرآن الكريم‪ ..‬فالقرآن أسمى مرشد‪ ،‬وأقدس أستاذ على الطلق‪..‬‬
‫ومنذ ذلك اليوم أقبلت على القرآن‪ ،‬واعتصمت به واستمددت منه‬
‫)فالكلمات( والنوار المستقاة من القرآن الكريم )أي رسائل النور( ليست‬
‫مسائل علمية فحسب‪ ،‬بل هي مسائل قلبية‪ ،‬وروحية‪ ،‬وأحوال إيمانية‪ ،‬فهي‬
‫بمثابة علوم إلهية نفسية‪ ،‬ومصارف ربانية سامية")‪.(15‬‬
‫هذه هي المؤثرات الجتماعية والثقافية التي عملت على تكوينه الفكري‪،‬‬
‫هلته لقتحام ميادين الحياة الفكرية والعقدية‬ ‫فجعلت منه عالم عصره‪ ،‬وأ ّ‬
‫والسياسية‪.‬‬
‫ول نستطيع إغفال جهده الشخصي في هذا التكوين البديع‪ ،‬الذي جعله ينال‬
‫الجازة العلمية من الشيخ محمد جللي وهو ابن أربع عشرة سنة‪ ،‬بعد أن‬
‫مات العلوم العربية‬‫حر في العلوم العقلية والنقلية‪ ،‬وحفظ ثمانين كتابا ً من أ ّ‬ ‫تب ّ‬
‫هله لخوض سائر جوانب الحياة الفكرية‬ ‫والسلمية‪ ..‬هذا التكوين هو الذي أ ّ‬
‫والعقدية‪ ،‬وتبيين رأي الشرع في العديد من المسائل الدقيقة‪ ،‬كالقضاء‬
‫والقدر‪ ،‬وحكمة خلق النسان‪ ،‬والعالم‪ ،‬والروح‪ ،‬ودمار العالم ومسائل المسيح‬
‫الدجال‪ ،‬ونزول سيدنا عيسى عليه السلم‪ ،‬وظهور المهدي‪ ،‬وشخصية الخضر‪،‬‬
‫ومسائل أخرى حول الملئكة‪ ،‬والجن‪ ،‬وأشراط الساعة‪ ،‬وثواب العمال‪،‬‬
‫وغيرها كثير من المسائل الغيبية‪ ،‬تقرؤها في مجموعة )الطلسم()‪(16‬‬
‫وسواها من كتاباته التي تؤكد أنه عالم ل يشق له غبار‪ ،‬بل بحر من العلم ل‬
‫ساحل له‪.‬‬
‫يتبع إن شاء الله ‪...‬‬
‫الهوامش‪:‬‬
‫* نص المحاضرة في المركز الثقافي بعمان في ‪12/06/1997‬‬
‫)‪ (1‬أورخان محمد علي ‪-‬سعيد النورسي‪ -‬رجل القدر في حياة أمة‪ :‬عنوان‬
‫الكتاب‪.‬‬
‫)‪ (2‬ترجمة حياة سعيد النورسي‪36 :‬‬
‫)‪ (3‬أورخان محمد علي‪6 :‬‬
‫)‪ (4‬نفسه‪6 - 5 :‬‬
‫)‪ (5‬إحسان قاسم الصالحي ‪-‬بديع الزمان سعيد النورسي‪19 :‬‬
‫)‪ (6‬نفسه‪19 :‬‬
‫)‪ (7‬سعيد النورسي ‪ -‬اللمعات‪309 - 308 :‬‬
‫)‪ (8‬و )‪ (9‬سعيد النورسي ‪ -‬المكتوبات‪459 :‬‬
‫)‪ (10‬و )‪ (11‬و )‪ (12‬د‪ .‬محسن عبد الحميد ‪ -‬النورسي الرائد السلمي‬
‫الكبير‪13 :‬‬
‫)‪ (13‬ترجمة حياة‪102 :‬‬
‫)‪ (14‬الصالحي‪36 :‬‬
‫)‪ (15‬المكتوبات‪459 :‬‬
‫)‪ (16‬الصالحي‪191 :‬‬
‫بديع الزمان النورسي )‪* (2‬‬

‫‪55‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫منهجه في التعامل مع الخلفات الفكرية‬


‫بقلم‪ :‬عبد الله الطنطاوي‬
‫يقول الله تعالى‪:‬‬
‫مة واحدة‪ ،‬ول يزالون مختلفين‪ ،‬إل من رحم ربك‪،‬‬
‫ّ‬ ‫أ‬ ‫الناس‬ ‫لجعل‬ ‫ولو شاء ربك‬
‫ولذلك خلقهم)‪.(17‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫فالختلف ظاهرة طبيعية لتباين العقول والمدارك والتصورات والفكار‪،‬‬


‫"وكل تلك المور تفضي إلى تعدد الراء والحكام وتختلف باختلف قائليها")‬
‫ده شّرا ً كّله كابن‬
‫‪ (18‬وقد تباينت آراء العلماء في الختلف؛ فمنهم من ع ّ‬
‫مسعود رضي الله عنه‪ ،‬ومنهم من قال‪" :‬إن الرحمة تقتضي عدم الختلف"‬
‫كالسبكي الذي تسامح في الختلف في الفروع‪ ،‬وإن كان التفاق فيه خيرا ً‬
‫م الختلف‪ ،‬ولم يجعل شيئا ً منه‬ ‫من الختلف‪ ،‬أما ابن حزم رحمه الله فقد ذ ّ‬
‫ده كّله عذابا ً ومع ذلك ظهر الختلف منذ عصر الصحابة ‪-‬رضي‬ ‫رحمة‪ ،‬بل ع ّ‬
‫الله عنهم‪ -‬واستمر إلى يومنا هذا‪ ،‬ولكن العلماء وضعوا له ضوابط‪،‬‬
‫استنبطوها من القرآن الكريم‪... ،‬‬
‫بديع الزمان النورسي‬
‫والسنة النبوية الشريفة‪ ،‬كالعدل‪ ،‬والنصاف‪ ،‬والجتهاد في الوصول إلى الحق‬
‫والمجادلة بالحسنى‪ ،‬والموضوعية‪ ،‬والبعد عن الفحاش في القول‪ ،‬أو‬
‫السخرية من الطرف الخر‪ ،‬والتجرد عن الهوى ‪ ،‬وما إلى ذلك من الضوابط‬
‫وة‪ ،‬وتلتزم التقوى‪ ،‬وتقلل من حجم الخسائر‪ .‬والله‬ ‫التي تحافظ على روح الخ ّ‬
‫ً‬
‫سبحانه يعلمنا كيف نتعامل مع الذين نختلف فكريا معهم من الناس‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫وجادلهم بالتي هي أحسن)‪.(19‬‬
‫وقولوا للناس حسنًا)‪.(20‬‬
‫بل ويقول سبحانه‪:‬‬
‫قل للذين آمنوا يغفروا للذين ل يرجون أيام الله)‪.(21‬‬
‫ص عليه‬ ‫والنورسي رجل قرآني ‪،‬ومنهجه ‪ -‬في سائر أحواله‪ -‬هو المنهج الذي ن ّ‬
‫القرآن‪ ،‬ولذلك نراه يتعامل مع مخالفيه في الرأي بموضوعية‪ ،‬ل يتعصب‬
‫لرأي ول ينحاز لفريق دون آخر فيما اختلف فيه الناس‪ ،‬كالموقف من الولياء‪،‬‬
‫وأصحاب الكرامات‪ ،‬والشخصيات التي ُتكّلم فيها‪ ،‬كالشيخ محي الدين بن‬
‫عربي وسواه‪ ،‬وكأصحاب الجذب من الصوفية‪ ..‬يجادل هؤلء باللين‪ ،‬وبالتي‬
‫هي أحسن ‪-‬غالبًا‪ -‬إل إذا وجد شططا ً أو خروجا ً عن دين الله‪ ،‬فإنه يثور‪،‬‬
‫د‪ ،‬ويشتد ّ ‪.‬‬
‫ويحت ّ‬
‫يقول الستاذ النورسي حول الخلفات في القضايا الجتهادية‪ ،‬فيما ليس فيه‬
‫ص صريح‪:‬‬ ‫ن ّ‬
‫ّ‬
‫"إن تسعين في المئة من أحكام الشريعة مسلمات وضروريات دينية‪ ،‬شبيهة‬
‫بأعمدة من اللماس‪.‬‬
‫أما المسائل الجتهادية الخلفية الفرعية‪ ،‬فل تبلغ إل عشرة في المئة‪ .‬فل‬
‫ينبغي أن يكون تسعون عمودا ً من اللماس‪ ،‬تحت حماية عشرة منها من‬
‫ذهب‪ ،‬ول تابعة لها‪.‬‬
‫إن معدن أعمدة اللماس وكنزها‪ :‬الكتاب والسنة‪ ،‬فهي ملكهما‪ ،‬ول ُتطلب إل‬
‫منهما‪.‬‬
‫أما الكتب الخرى‪ ،‬والجتهادات‪ ،‬فينبغي أن تكون مرايا عاكسة للقرآن‪ ،‬أو‬

‫‪56‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مناظير إليه ليس إل‪ ،‬إذ إن تلك الشمس المنيرة المعجزة‪ ،‬ل ترضى لها ظل ً‬
‫ل")‪ (22‬فعوامل التفاق تسعة أضعاف عوامل الختلف‪ ،‬وهي جديرة‬ ‫ول وكي ً‬
‫بأن تجمع المسلمين ول تفرقهم‪ ،‬ول ينبغي لها إل أن تكون كذلك‪.‬‬
‫ونستطيع تلخيص منهجه الذي التزمه طوال حياته‪ ،‬تجاه مخالفيه في الرأي‪،‬‬
‫بالنقاط التالية‪:‬‬
‫‪ - 1‬ل يذكر أسماء الشخاص والهيئات التي ينتقدها‪ ،‬أو يرد ّ عليها وعلى ما‬
‫أثارته من شبهات حول السلم‪.‬‬
‫وش‬ ‫‪ - 2‬ل يشرح الشبهة‪ ،‬ول يبسط المسألة التي سيرد ّ عليها‪ ،‬حتى ل يش ّ‬
‫كر القلوب‪ ،‬بل يكتفي بالرد ّ عليها‪ ،‬ودحضها بالدلة والبراهين‪.‬‬ ‫العقول‪ ،‬ويع ّ‬
‫‪ - 3‬يستخدم أسلوب الستثناء في الرّد‪ .‬مثل ً عندما يهاجم الستاذ أوربا‬
‫دد هجومه‬ ‫وحضارتها‪ ،‬ل يهاجمها ككل‪ ،‬بل يستثني منها الطيب النافع‪ ،‬ويش ّ‬
‫على القسم الفاسد منها‪ ،‬وكذلك المر في موقفه من القومية‪ ،‬عندما هاجم‬
‫ي منها‪ ،‬واستثنى الجانب اليجابي‪.‬‬‫النوع السلب ّ‬
‫‪ - 4‬الحذر فيما يكتب ويرّد‪ ،‬حتى ل يقع هو ورسائله وتلميذه فرائس سهلة‬
‫في أيدي المتربصين به وبدعوته‪.‬‬
‫دة مع الملحدة من‬ ‫دة والح ّ‬‫‪ - 5‬اللين مع العلماء ومشايخ الصوفية‪ ،‬والش ّ‬
‫علمانيين وقوميين وبلشفة ودعاة التغريب‪.‬‬
‫‪ - 6‬وضع أسسا ً وقواعد للبحث العلمي‪ ،‬والتزمها في مباحثه وردوده‪ ،‬ودعا‬
‫الخرين إلى اللتزام بها‪ ،‬ليقلل من تشعب الخلفات‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫أ ‪ -‬أن يسبر الباحث غور الموضوع‪.‬‬
‫ب ‪ -‬أن يتجرد من المؤثرات الزمانية‪.‬‬
‫جـ ‪ -‬أن يغوص إلى أعماق الماضي‪ ،‬للحصول على تجارب الخرين‪.‬‬
‫د ‪ -‬أن يزن المور بموازين منطقية بحتة‪ ،‬دون تدخل العواطف‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬أن يفتش عن منبع ومصدر كل شيء في بحثه‪.‬‬
‫وفيما يلي بعض القضايا التي تتضارب حولها الراء‪ ،‬واختلف فيها النورسي مع‬
‫الخرين‪:‬‬
‫‪ - 1‬التصوف‪:‬‬
‫كان المام النورسي من أزهد الناس في عصره بل إن الذين كانوا في مثل‬
‫زهده قلئل "ولكنه لم يكن صوفيًا‪ ،‬ول صاحب طريقة صوفية مطلقًا‪ .‬لذا‬
‫فليست رسائل النور رسائل صوفية‪ ،‬ول طلبها من الصوفيين ‪ .‬إذ كان‬
‫الستاذ يقول دائمًا‪ :‬ليس هذا العصر بعصر تصوف وطريقة‪ ،‬إنما هو عصر‬
‫إنقاذ اليمان‪ . (23)"..‬ويقول‪:‬‬
‫"إني أخال أن لو كان الشيخ عبد القادر الكيلني‪ ،‬والنقشبندي والمام‬
‫الرباني‪ ،‬وأمثالهم من أقطاب اليمان‪ -‬رضوان الله عليهم أجمعين‪ -‬أجل‪ ..‬لو‬
‫كان هؤلء في عصرنا هذا‪ ،‬لبذلوا كل ما في وسعهم لتقوية الحقائق اليمانية‪،‬‬
‫والعقائد السلمية‪ ،‬لن منشأ السعادة البوية فيهما‪ ،‬وإن أي تقصير‪-‬مهما‬
‫كان‪ -‬فيهما‪ ،‬يعني الشقاء البدي")‪.(24‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫لماذا؟ لن "قبول أقوال الشخاص العظام ل يفيد اليقين ول القطعية‪ -‬في‬


‫علم المنطق‪ -‬بغير دليل‪ ،‬بل ربما تكون قضية مقبولة يقتنع بها النسان‬
‫بالظن الغالب‪ .‬أما البرهان الحقيقي ‪-‬كما هو في المنطق‪ -‬فل ينظر إلى‬
‫مكانة الشخص القائل‪ ،‬وإنما إلى الدليل الذي ل ُيجرح‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فجميع رسائل النور من هذا القسم‪ ،‬أي من البرهان اليقيني‪ .‬وإن ما يراه‬
‫أهل الولية الصوفية من الحقائق في العمل والعبادة والسلوك والرياضة‬
‫الروحية‪ ،‬وما يشاهدونه من الحقائق اليمانية وراء الحجب‪ ،‬فرسائل النور‬
‫قت طريقا ً إلى الحقيقة من خلل‬ ‫أيضا ً مثلهم‪ ،‬غير أنها في موضع العلم ش ّ‬
‫العلم‪ ،‬وفي موضع السلوك والوراد فتحت سبيل ً إلى حقيقة الحقائق‪ ،‬ضمن‬
‫براهين منطقية‪ ،‬وحجج عقلية‪ ..‬لذا فقد انتصرت على الضللت الفلسفية‬
‫المعاصرة‪ ،‬وتغّلبت عليها‪ ،‬في حين أن تيار )الحقيقة( و )الطريقة( قد تراجع‬
‫أمامها")‪.(25‬‬
‫إنه يرد ّ ويقارن ويبّين الفرق بين نهج مدرسة النور‪ ،‬ونهج المتصوفة‪ ،‬في‬
‫هدوء‪ ،‬وعقلنية‪ ،‬ومنطق‪ ،‬ولكننا نراه في موقف آخر‪ ،‬يثور بأصحاب البدع‬
‫دهم من جملة العاملين على هدم صروح هذا الدين‪ .‬اسمعه يصرخ بهم‪:‬‬ ‫ويع ّ‬
‫"يا علماء السوء البائسين الذين يصدق عليهم اسم )الصادق الحمق(‬
‫ويا أيها الصوفيون الجهلء المجذوبون الفاقدون للعقل‪:‬‬
‫سخت عروقها في صلب الكون وحقيقته‪،‬‬ ‫إن شجرة طوبى السلم قد تر ّ‬
‫شجرة العظيمة ل يمكن‬ ‫ّ‬
‫وبّثت جذورها في ثنايا حقائق الكون كله‪ ،‬فهذه ال ّ‬
‫غرسها في تراب العنصرية الموهومة المؤّقتة الجزئّية الخصوصّية السلبّية‪،‬‬
‫ل‪ ،‬وهي المشحونة بالغراض الظالمة المظلمة‪ ،‬وإن‬ ‫بل التي ل أساس لها أص ً‬
‫دامة رعناء")‪.(26‬‬ ‫السعي لغرسها هناك‪ ،‬محاولة بدعية ه ّ‬
‫حقّ للنورسي أن يخاطبهم بهذه اللهجة العالية‪ ،‬حتى يعودوا إلى رشدهم‬ ‫و ُ‬
‫الذي فقدوه بسيرهم في ركاب القوميين المنحرفين‪ ،‬بحجة أنهم يغرسون‬
‫ي القوميين‬ ‫الدين في مزرعة القومية‪ ،‬وهم كاذبون في هذا‪ ،‬سادرون في غ ّ‬
‫العلمانيين أعداء هذا الدين‪ .‬والملحظ أنه لم يذكر اسما ً بعينه من أولئك‬
‫العلماء الضالين‪ ،‬والمشايخ الغاوين‪.‬‬
‫‪ - 2‬قضية الجتهاد‪:‬‬
‫مْغلق‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫هذه القضّية الجتهادية أثارت ‪-‬وما تزال تثير‪ -‬جدل شديدا حولها‪ ،‬من ُ‬
‫لباب الجتهاد‪ ،‬رافض تحت أي ذريعة أن يفتحه‪ ،‬وبين داع إلى فتح مغاليق تلك‬
‫البواب‪ ،‬فالذين اجتهدوا رجال‪ ،‬و )نحن( رجال‪ ،‬الئمة‪ :‬أبو حنيفة‪ ،‬ومالك‪،‬‬
‫والشافعي‪ ،‬وأحمد‪ ،‬والوزاعي‪ ،‬والثوري‪ ،‬وابن عيينة‪ ،‬وسواهم من الئمة‬
‫المجتهدين )رجال(‪ ،‬ودعاة فتح باب الجتهاد على مصراعيه )رجال( وإن كان‬
‫كثير منهم ل يقيم عبارة‪ ..‬وقد أدلى الستاذ النورسي بدلوه في هذه القضية‬
‫مة‪ ،‬وناقشها بعقلنية ووعي للواقع المعيش فقال‪ ،‬دون أن يذكر آراء‬ ‫المه ّ‬
‫الخرين‪ ،‬أو يشرح وجهات نظرهم‪:‬‬
‫"إن باب الجتهاد مفتوح‪ ،‬إل أن هناك ستة موانع في هذا الزمان تحول دون‬
‫الدخول فيه‪:‬‬
‫ّ‬
‫‪ - 1‬حتى ل نمّهد للمتسللين والمخّربين باسم الجتهاد‪ ،‬ولسّيما في زمن‬
‫المنكرات‪ ،‬ووقت هجوم العادات الجنبية‪ ،‬واستيلئها‪ ،‬وأثناء كثرة البدع‪،‬‬
‫وتزاحم الضللت‪ ،‬ودمارها‪.‬‬
‫‪ - 2‬إن الجوانب النظرية للسلم قد استغنت بأفكار السلف الصالح‪،‬‬
‫سعت باجتهاداتهم الخالصة‪ ،‬حتى لم تعد تضيق بالعصور جميعًا‪،‬‬ ‫وتو ّ‬
‫ً‬
‫فالنصراف عنها إلى اجتهادات جديدة اتباعا للهوى‪ ،‬هو خيانة مبتدعة‪.‬‬
‫ي في العصر الحاضر‪ :‬قد غرق فكره في مستنقع الفلسفة‬ ‫‪ - 3‬العالم الذك ّ‬
‫ّ‬
‫المادية‪ ،‬وسرح عقله في أحداث السياسة‪ ،‬وصار قلبه أمام متطلبات الحياة‬
‫المعيشية‪ ،‬وابتعدت استعداداته عن الجتهاد‪ .‬وبهذا ابتعد عن القدرة على‬
‫صر عن‬ ‫الجتهادات الشرعية‪ ،‬بمقدار تفننه في العلوم الرضية الحاضرة‪ ،‬وق ّ‬

‫‪58‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حره في العلوم الرضية‪.‬‬ ‫نيل درجة الجتهاد‪ ،‬بمقدار تب ّ‬


‫وثوا بالفلسفة المادية‪:‬‬ ‫‪ - 4‬تطل ّعُ الذين استحّبوا الحياة الدنيا إلى الجتهاد‪ ،‬وتل ّ‬
‫ة إلى تخريب الوجود السلمي‪.‬‬ ‫وسيل ٌ‬
‫‪ - 5‬هناك ثلث نقاط تدعو إلى التأمل والنظر‪ ،‬تجعل اجتهادات هذا العصر‬
‫أرضية‪ ،‬وتسلب منها روحها السماوي‪ ،‬بينما الشريعة سماوية‪ ،‬والجتهادات‬
‫بدورها سماوية‪ ،‬لظهارها خفايا أحكامها‪:‬‬
‫ن )عّلة( كل حكم تختلف عن )حكمته( فالحكمة والمصلحة سبب‬ ‫أو ً‬
‫ل‪ :‬إ ّ‬
‫الترجيح‪ ،‬وليست مناط الوجود‪ ،‬ول مدار اليجاد‪ ،‬بينما )العلة( هي مدار وجود‬
‫الحكم‪.‬‬
‫)وضرب مثل ً بقصر الصلة في السفر(‪.‬‬
‫ّ‬
‫"ُتقصر الصلة في السفر‪ ،‬فُتصلى ركعتان‪ ،‬فعلة هذه الرخصة الشرعية‪:‬‬
‫قة‪ ،‬فإذا ُوجد السفر ولم تكن هناك مشقة‪،‬‬ ‫السفر‪ .‬أما حكمتها‪ :‬فهي المش ّ‬
‫فالصلة ُتقصر‪ ،‬لن العلة قائمة‪ ،‬وهي السفر‪ .‬في حين إن لم يكن هناك‬
‫سفر‪ ،‬وكانت هناك أضعاف المشقة‪ ،‬فلن تكون تلك المشقات عّلة القصر‪.‬‬
‫جه نظر الجتهاد في هذا العصر إلى إقامة المصلحة‪،‬‬ ‫وخلفا ً لهذه الحقيقة‪ ،‬يتو ّ‬
‫والحكمة‪ ،‬بدل العلة‪ ،‬وفي ضوئها يصدر حكمه‪ .‬فل شك أن اجتهادا ً كهذا‬
‫ي‪.‬‬
‫ي وليس بسماو ّ‬ ‫أرض ّ‬
‫)‪(10 /‬‬

‫جه‬‫ثانيًا‪ :‬إن نظر هذا العصر متوجه أول ً وبالذات إلى تأمين سعادة الدنيا‪ ،‬وتو ّ‬
‫جه أول ً وبالذات إلى سعادة‬ ‫الحكام نحوها‪ ،‬والحال أن قصد الشريعة متو ّ‬
‫الخرة‪ ،‬وينظر إلى سعادة الدنيا بالدرجة الثانية‪.‬‬
‫ن‬‫ثالثًا‪ :‬إن القاعدة الشرعية )الضرورات تبيح المحظورات( ليست كلّية‪ ،‬ل ّ‬
‫الضرورة إن كانت ناشئة عن طريق الحرام‪ ،‬ل تكون سببا ً لباحة الحرام‪.‬‬
‫وحيث إن أهل اجتهاد هذا الزمان قد جعلوا تلك الضرورات مدارا ً للحكام‬
‫الشرعية‪ ،‬لذا أصبحت اجتهاداتهم أرضية‪ ،‬وتابعة للهوى‪ ،‬ومشوبة بالفلسفة‬
‫المادية‪ ،‬فهي إذن ليست سماوية‪ ،‬ول تصح تسميتها اجتهادات شرعية قطعا‪ً.‬‬
‫سر لهم أن‬ ‫‪ - 6‬قرب عهد المجتهدين الوائل من عصر الحقيقة والنور‪ ،‬ي ّ‬
‫يأخذوا النور الصافي من أقرب مصادره‪ ،‬فتمكنوا من القيام باجتهاداتهم‬
‫الخالصة‪ ،‬في حين أن مجتهدي العصر الحديث ينظرون إلى كتاب الحقيقة‬
‫من مسافة بعيدة جدًا‪ ،‬حتى ليصعب عليهم أن يروا أوضح حرف فيه‪.‬‬
‫والخلصة‪" :‬أما جزئيات الحكام غير المنصوص عليها‪ ،‬التي تقتضي التبديل‬
‫تبعا ً للظروف‪ ،‬فإن اجتهادات فقهاء المذاهب كفيلة بمعالجة التبديل‪".‬‬
‫"تعددت المذاهب لعجز البشرية عن الوصول إلى مستوى واحد في حياتها‬
‫الجتماعية")‪.(27‬‬
‫ثم يقول أخيرًا‪:‬‬
‫"كل من لديه استعداد وقابلية على الجتهاد‪ ،‬وحائز على شروطه‪ ،‬له أن‬
‫يجتهد لنفسه‪ ،‬في غير ما ورد فيه النص‪ ،‬من دون أن يلزم الخرين به‪ ،‬إذ ل‬
‫مه ُيعد ّ من فقه الشريعة‪،‬‬ ‫يستطيع أن يشّرع ويدعو المة إلى مفهومه‪ ،‬إذ فه ُ‬
‫ولكنه ليس الشريعة نفسها‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫لذا‪ ..‬ربما يكون النسان مجتهدا‪ ،‬ولكن ل يمكن أن يكون مشّرعا‪ .‬فالدعوة‬
‫إلى أي فكر كان‪ ،‬مشروط بقبول جمهور العلماء له‪ ،‬وإل‪ ،‬فهو بدعة مردودة‪،‬‬
‫داه‪ ،‬لن الجماع‪ ،‬وجمهور الفقهاء‪ ،‬هم الذين يميزون‬ ‫تنحصر بصاحبها ول تتع ّ‬

‫‪59‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ختم الشريعة عليه")‪.(28‬‬


‫إنه يناقش القضية مناقشة علمية هادئة‪ ،‬منطلقة من واقع حال علماء‬
‫قه الفتح‪ ،‬ول يفتح ما‬ ‫المسلمين في عصره‪ ،‬ل يحجر على أحد‪ ،‬ول يغلق ما ح ّ‬
‫قه الغلق‪ ..‬درس المسألة من جميع جوانبها‪ ،‬وسبر أغوارها‪ ،‬حسب قواعد‬ ‫ح ّ‬
‫البحث العلمي الذي ارتآه‪ ،‬دون أن يبسط آراء الخرين القائلين بفتح باب‬
‫الجتهاد دون قيود وشروط‪ .‬إنه عالم رباني‪ ،‬عرف زمانه‪ ،‬واستقامت‬
‫طريقته‪.‬‬
‫عاظ‪.‬‬‫‪ - 3‬العلماء والو ّ‬
‫دون لتعليم‬ ‫عاظ الذين يتص ّ‬ ‫لم يغفل الستاذ النورسي عن واقع العلماء والو ّ‬
‫خص أمراضهم‪ ،‬ووصف‬ ‫الناس وإرشادهم‪ ،‬ووعظهم‪ ،‬بل شرح واقعهم‪ ،‬وش ّ‬
‫متهم على خير وجه‪ ،‬من غير تسمية واحد منهم‪،‬‬ ‫لهم العلج الناجع‪ ،‬ليؤّدوا مه ّ‬
‫أو تجريح هيئة علمية معّينة‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ي نصائحهم ووعظهم‪ ،‬فتأملت في‬ ‫"لقد استمعت إلى الوعاظ‪ ،‬فلم تؤّثر ف ّ‬
‫السبب‪ ،‬فوجدت أن هناك ثلثة أسباب‪ ،‬علوة على قسوة قلبي‪:‬‬
‫ً‬
‫الول‪ :‬أنهم يتناسون الفرق بين الحاضر والماضي‪ ،‬فيبالغون كثيرا في تصوير‬
‫دعاواهم‪ ،‬محاولين تزويقها‪ ،‬دون إيراد الدلة الكافية التي لبد ّ منها للتأثير‬
‫ج إلى إيراد الدلة‪.‬‬ ‫وإقناع الباحث عن الحقيقة‪ .‬فالزمن الحاضر أحو ُ‬
‫الثاني‪ :‬أّنهم عند ترغيبهم في أمر ما‪ ،‬وترهيبهم منه‪ُ ،‬يسقطون قيمة ما هو‬
‫م منه‪ ،‬فيفقدون ‪-‬بذلك‪ -‬المحافظة على الموازنة الدقيقة التي هي في‬ ‫أه ّ‬
‫م والهم(‪.‬‬ ‫الشريعة‪) ،‬أي بين المه ّ‬
‫الثالث‪ :‬إن مطابقة الكلم لمقتضى الحال‪ ،‬هي أرقى أنواع البلغة‪ ،‬فل بد ّ أن‬
‫يكون الكلم موافقا ً لحاجات العصر‪ .‬إل أنهم ل يتكلمون بما يناسب تشخيص‬
‫دثونهم بلسان‬ ‫العلة لهذا العصر‪ ،‬وكأنهم يجّرون الناس إلى الزمان الغابر‪ ،‬فيح ّ‬
‫ذلك الزمن‪".‬‬
‫ثم يأتي توجيهه لهم‪ ،‬وإرشاده إياهم إلى السلوب المثل فيقول‪:‬‬
‫ّ‬
‫ققين‪ ،‬كي يتمكنوا من‬ ‫عاظ والمرشدين المحترمين أن يكونوا مح ّ‬ ‫"فعلى الو ّ‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫الثبات والقناع‪ ،‬وأن يكونوا أيضا حكماء مدققين‪ ،‬كي ل يفسدوا توازن‬
‫الشريعة‪ ،‬وأن يكونوا بلغاء مقنعين‪ ،‬كي يوافق كلمهم حاجات العصر‪ ،‬وعليهم‬
‫أن يزنوا المور بموازين الشريعة")‪.(29‬‬
‫جه إليهم هذا النقد‪ ،‬بأن كل ً منهم يستطيع‬ ‫كلم مقنع‪ ،‬يرضاه حتى العلماء المو ّ‬
‫م لنه نقد موضوعي قائم على وعي ودراسة‬ ‫جه لغيره‪ ،‬ث ّ‬ ‫أن يزعم أنه مو ّ‬
‫ودراية لواقع الحال‪.‬‬
‫وتعيد رسائل النور وتكرر الدعوة إلى الوفاق والتصالح بين المدارس‬
‫المختلفة‪:‬‬
‫يقول الستاذ النورسي‪:‬‬
‫ً‬
‫ولقد قلت مئة مرة‪ ،‬وأعيدها أيضا‪ :‬إنه ل بد ّ من الوفاق والتصالح بين أهل‬
‫المدارس الفقهية‪ ،‬والمدارس الحديثة‪ ،‬والزوايا الصوفية‪ ،‬لجل وحدة الهدف‪،‬‬
‫وذلك بتبادل الفكار‪ ،‬وميل بعضها إلى بعض‪ ،‬ذلك أننا نرى ‪-‬مع السف‪ -‬أن‬
‫ي والتقدم كذلك)‪.(30‬‬ ‫ف‪ ،‬فإنها توقف الرق ّ‬ ‫تباين أفكارهم‪ ،‬كما أنها تفّرق الص ّ‬
‫وهكذا تبّين لنا منهجه العلمي المنطقي القائم على دراسة واقع الحال‬
‫للمخالفين له في الفكر‪ ،‬من المحسوبين على السلم‪ ،‬ومن بعض القضايا‬
‫ول فيه على بسط آرائهم ونظرياتهم‪ ،‬إل من خلل‬ ‫السلمية‪ ،‬وهو ل يع ّ‬
‫دة حينا آخر‪ ،‬حسب‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫مناقشتها‪ ،‬ودحض المخطئ منها‪ ،‬في لين حينا‪ ،‬وفي ح ّ‬

‫‪60‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مقتضى الحال‪.‬‬
‫‪ - 4‬موقفه من الطروحات العلمانية‪:‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫درها إلينا‪ ،‬واستوردها‬‫درها من ص ّ‬ ‫العلمانية بضاعة غربية‪ ،‬وربما يهودّية‪ ،‬ص ّ‬


‫جون بعقولهم وقلوبهم ومشاعرهم وأحاسيسهم‬ ‫المستغربون الذين كانوا يح ّ‬
‫لتها‪ -‬من هناك‪ ،‬وحاولوا تطبيقها‬ ‫وعواطفهم نحو أوربا‪ ،‬استوردوها ‪-‬على ع ّ‬
‫على المجتمع المسلم في تركيا‪ ،‬كما شاء لهم أساتذتهم وشاء لهم الهوى‪،‬‬
‫شح عنها‬ ‫فباسمها اضطهدوا المسلمين‪ ،‬وقهروهم وأرغموهم على تنفيذ ما تر ّ‬
‫من قرارات جائرة كافرة‪ ،‬ومن سلوكيات فاسقة‪ ،‬ومن ظلم وسجن وقتل‬
‫وتشريد‪.‬‬
‫وكانت جمعية )تركيا الفتاة( ورصيفتها جمعية )التحاد والترقي( من أوائل من‬
‫تبّنى العلمانية في بلد المسلمين عامة‪ ،‬وفي تركيا خاصة‪ ،‬وحاول أعضاؤها‬
‫الذين كانوا يتلقون التعليمات والوامر من المحافل الماسونية في سلنيك‪،‬‬
‫ومن خارج الحدود ‪-‬حاولوا ثم عملوا على عزل الدين عن الحياة‪ ..‬عن الدولة‬
‫دى لهم النورسي الذي‬ ‫ودوائرها‪ ،‬وعن التعليم في مراحله المختلفة‪ .‬وقد تص ّ‬
‫ما كان يأوي إل إلى ركن الله الشديد‪ ،‬وبّين لهم خطأهم هذا في كثير من‬
‫كلماته ومرافعاته وخطبه‪ ،‬وكلما أتيحت له فرصة الحديث‪ ،‬للتشنيع عليهم‪.‬‬
‫ومنها قوله‪:‬‬
‫"إن خطأ )تركيا الفتاة( نابع من عدم معرفتهم أن الدين أساس الحياة‪ ،‬فظّنوا‬
‫ن المدنّية‬
‫أن المة شيء‪ ،‬والسلم شيء آخر‪ ،‬وهما متمايزان‪ ،‬ذلك ل ّ‬
‫الحاضرة أوحت بذلك‪ ،‬واستولت على الفكار بقولها‪ :‬إن السعادة في الحياة‬
‫نفسها‪ ،‬إل أن الزمان أظهر الن أن نظام المدنية فاسد ومضّر‪) .‬أي المدنية‬
‫الظالمة الملحدة التي تعاني السكرات(‪ ،‬وأن التجارب القاطعة أظهرت أن‬
‫الدين حياة للحياة‪ ،‬ونورها وأساسها‪ ..‬إحياء الدين إحياء لهذه المة‪ ،‬والسلم‬
‫هو الذي أدرك هذا‪..‬‬
‫سكها بالدين‪ ،‬وتدّنيها وسقوطها بمقدار إهمالها له‪،‬‬ ‫ي أمتنا هو بمقدار تم ّ‬ ‫إن رق ّ‬
‫بخلف الدين الخر‪ ..‬هذه حقيقة تاريخية قد تنوسيت")‪.(31‬‬
‫ونلحظ هنا أن الستاذ ذكر جمعية تركيا الفتاة بالسم‪ ،‬مع أنه ‪-‬في أكثر‬
‫رسائله‪ -‬يتجّنب ذكر الهيآت والشخصيات بالسم‪ ،‬ولكن الذي يقرأ ما يكتبه أو‬
‫يلقيه‪ ،‬يستطيع معرفة المراد من كلمه‪ ..‬وهو بهذا السلوب الحصيف الذي‬
‫ألزم به نفسه وطلب النور‪ ،‬استطاع النجاة ‪-‬بفضل الله‪ -‬من أولئك الحكام‬
‫الذين حّرموا على الناس نقد العلمانية‪..‬‬
‫في شهر تشرين الول عام ‪ 1926‬وافق البرلمان التركي على مجموعة من‬
‫القوانين المنافية للسلم ‪ ،‬المناوئة لتعاليمه وأحكامه‪ ،‬هي‪:‬‬
‫‪ - 1‬تحريم تعدد الزوجات‪.‬‬
‫‪ - 2‬إلغاء المهر‪ ،‬وعدم فرضه على الزوج‪.‬‬
‫‪ - 3‬إلغاء حقّ الزوج في الطلق‪.‬‬
‫‪ - 4‬حرية زواج المسلمة التركية من نصراني أو يهودي‪ ،‬دون التقيد بشرط‬
‫السلم‪.‬‬
‫‪ - 5‬التسوية بين الذكر والنثى في الميراث‪.‬‬
‫‪ - 6‬إلغاء نظام الرث بالتعصيب‪ ،‬والرث بالقرابة البعيدة‪.‬‬
‫ن الزواج‪.‬‬‫‪ - 7‬وضع حد ّ لس ّ‬

‫‪61‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ - 8‬إلغاء نظام فصل النساء عن الرجال في الحافلت والقطارات والسفن‬


‫والمراكب ودور السينما)‪.(32‬‬
‫جهات رجال الحكم الجمهوري‬ ‫وبناء على هذه القرارات التي تبّين تو ّ‬
‫العلماني‪ ،‬وبعد إلغاء المحاكم الشرعية‪ ،‬وقانون الشريعة السلمية‪ ،‬وإقرار‬
‫العمل بالقانون المدني السويسري ‪ -‬دّبت الفوضى في المجتمع التركي الذي‬
‫أصبح ساحة مفتوحة أمام الغزو الفكري الوربي‪ ،‬فانتشرت العادات الوربية‬
‫في ذلك المجتمع المهزوم‪ ،‬وصارت بديل ً للعادات والخلق السلمية‪ ،‬نذكر‬
‫منها‪:‬‬
‫‪ -‬انتشار الفسق والفجور على نطاق واسع‪ ،‬وكان للصحافة السياسية والدبية‬
‫دورها الكبير في الترويج لها‪.‬‬
‫‪ -‬الحتفال بالعياد الغربية‪ ،‬كعيد رأس السنة الميلدية وسواه‪.‬‬
‫‪ -‬دخول العادات الغربية بمناسبات الفرح والعزاء‪ ،‬كالموسيقى‪ ،‬والرقص‪،‬‬
‫سفور‪.‬‬ ‫والخمور‪ ،‬والختلط‪ ،‬والتبّرج‪ ،‬وال ّ‬
‫‪ -‬انتشار أماكن بيع الخمور‪ ،‬والدعاية لها‪.‬‬
‫‪ -‬انتشار أندية القمار‪ ،‬والدعاية لها‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -‬انتشار البنوك الربوية بشكل عجيب‪ ،‬في كل المدن والبلدات وكثير من‬
‫القرى‪.‬‬
‫وصدرت قرارات بلبس القبعة‪ ،‬بدل ً من العمامة‪ ،‬وبإيفاد البنات إلى أوربا‬
‫بدون محارم‪ ،‬باسم العلم‪ ،‬وصدر قرار بنفي البنات البكار إلى خارج الحدود‬
‫التركية‪ ،‬لرغامهن على العهر‪ ،‬وقرار بتفكيك السرة‪ ،‬واعتبار الولد‬
‫ن معينة‪ ،‬المر الذي تسّبب في تسّيب أخلقي‬ ‫مسؤولين عن أنفسهم في س ّ‬
‫فظيع‪ ،‬كما عمل على عقوق الوالدين‪ ،‬إلى جانب القرار الذي يلزم النساء‬
‫بالسفور والختلط‪ ،‬وبقصر الوظائف على المعادين للدين‪ ،‬وإلغاء الحروف‬
‫العربية‪ ،‬وتتريك الذان والقرآن الكريم‪ ،‬إلى آخر ما هنالك من موبقات‬
‫الحكومة الكمالية‪ ..‬كل هذه الوضاع المحزنة في تركيا‪ ،‬عاصرها بديع الزمان‪،‬‬
‫فاعتصر لها قلبه ألما ً وحزنًا‪ ،‬وكانت محّركا ً قويا ً له في دعوته")‪ .(33‬وسوف‬
‫ج‬
‫نطالع مواقفه الشجاعة والعلمية على الطروحات العلمانية التي كانت تع ّ‬
‫بها الصحافة والندية والمحافل والشوارع والماكن العامة‪ ،‬وكان يتولى ك ِْبرها‬
‫الحاكمون بأمر سادتهم من يهود ونصارى ومستغربين وقوميين وعلمانيين‬
‫وبلشفة‪.‬‬
‫‪ - 5‬التغريب‬

‫)‪(12 /‬‬

‫بدأت حركة التغريب منذ عهد التنظيمات )‪1255‬هـ‪1839/‬م( ووصلت إلى‬


‫أبعد أمدائها في عهد الكماليين‪ ،‬ونستطيع أن نحصي بعض أسباب نشوئها‬
‫وتطورها بالتالي‪:‬‬
‫أ ‪ -‬المبتعثون إلى أوربا من أجل الدراسة وسواها‪.‬‬
‫ب ‪ -‬المؤسسة العلمية لوضع الخطط والمناهج التي أسست عام ‪.1851‬‬
‫ول إلى‬
‫جـ ‪ -‬مكتب الترجمة )‪1832‬م( الذي اعتمد على أبناء القليات‪ ،‬ثم تح ّ‬
‫مدرسة فكرية ترمي إلى نشر الفكر الغربي‪.‬‬
‫د ‪ -‬الغربيون المستقدمون للعمل في المدارس والكليات العسكرية‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬موظفو السفارات المبتعثون إلى أوربا‪.‬‬
‫و ‪ -‬الجمعيات الفرنسية في كل من فرنسا واستانبول‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ز ‪ -‬المؤسسات التعليمية الجنبية في استانبول)‪.(34‬‬


‫وكان من مظاهر التغريب ‪-‬إضافة إلى ما تقدم‪ -‬في عهد الكماليين‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الطعن بالسلم ونبّيه المصطفى صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫ب ‪ -‬النيل من علماء الدين‪.‬‬
‫جـ ‪ -‬الدعوة إلى تغريب ما بقي من العبادات والوامر اللهية‪ ،‬كالدعوة إلى‬
‫أن تصاحب الموسيقى ما في الصلوات من قراءة وأدعية‪ ،‬لضفاء أجواء‬
‫)روحانية( على تلك الطقوس )زعموا( وكوضع الكراسي والمنصات في‬
‫المساجد‪.‬‬
‫د ‪ -‬تطويع الدب ليكون أداة لنشر الفكار اللحادية‪ ،‬والجنس والعهر‪ ،‬فيما‬
‫مى الدب المكشوف ‪.‬‬ ‫يس ّ‬
‫هـ ‪ -‬تغريب التعليم‪ ،‬وإلغاء التعليم الديني‪.‬‬
‫و ‪ -‬استبدال النعرة القومية بالدين‪.‬‬
‫ز ‪ -‬زيادة نشاط الستشراق)‪.(35‬‬
‫هذا النشاط المحموم لحركة التغريب أذهلت كثيرين‪ ،‬وأحبطت كثيرين‪،‬‬
‫وساقت في ركابها عددا ً من المهزومين من الداخل‪ ،‬من علماء الدين‬
‫وأشباههم‪ ،‬ولكنه كان محّرضا ً للمام النورسي‪ ،‬ودافعا ً إياه من أجل التص ّ‬
‫دي‬
‫لهؤلء‪ ،‬والرد ّ عليهم بمنطقية وعقلنية وعلم الدارس للحضارة الغربية‪،‬‬
‫جهاتها الستعمارية‪،‬‬ ‫وفلسفتها القديمة والحديثة‪ ،‬ولدينها النصراني‪ ،‬ولتو ّ‬
‫ل ذلك بعشرات المقالت والمباحث‬ ‫ومنطلقاتها وتطلعاتها المادية‪ ..‬وقد فّند ك ّ‬
‫الباهرة التي كان يقارن فيها بين المدنّية الغربية المادية‪ ،‬والمدنّية السلمية‬
‫التي تسد ّ حاجات النسان المادية‪ ،‬وترضي أشواقه الروحية‪.‬‬
‫ي( لولئك التراك المسلمين‬ ‫مث َْنويّ العرب ّ‬
‫ي الّنور ّ‬ ‫يقول الستاذ في )ال َ‬
‫المستغربين‪:‬‬
‫"إن ظهور أكثر النبياء في الشرق‪ ،‬وأكثر الفلسفة في الغرب‪ ،‬رمز للقدر‬
‫ومه إنما هو الدين والقلب‪ ،‬وليس‬ ‫اللهي بأن الذي يستنهض الشرق ويق ّ‬
‫العقل والفلسفة")‪.(36‬‬
‫شح من الجانب الخبيث للحضارة الوربّية‪،‬‬ ‫ويهاجم ذلك التّيار البدعي المتر ّ‬
‫شر باضمحلل ذلك التّيار الذي سوف تسفيه الرياح‪ ،‬وينّبههم إلى أّنه‬ ‫ويب ّ‬
‫"ليس بالمكان القيام بعمل إيجابي بناء‪ ،‬مع التهاون في الدين" ويلفت‬
‫انتباههم إلى أن العالم السلمي ُبعد ٌ استراتيجي مهم‪ ،‬وأن المسلمين‬
‫الصادقين هم الذين يحبون التراك المسلمين‪ ،‬ويفرحون لنتصاراتهم على‬
‫اليونان‪ ،‬وإذا عرف العالم السلمي ُبعدكم عن الدين‪ ،‬فسوف ينصرفون‬
‫عنكم‪ ،‬وعدم تمسككم بالدين يؤدي إلى العصيان والنشقاق‪ ،‬وإن العداء‬
‫يحاولون تدمير شعائر السلم‪ ،‬مما يستوجب عليكم إحياءها‪ ،‬والمحافظة‬
‫فز للنقضاض‬ ‫عليها‪ ،‬وإل‪ ،‬فسوف تعينون ‪-‬بغير شعور منكم‪ -‬العدوّ المتح ّ‬
‫عليكم‪.‬‬
‫وأوضح لهم أن التهاون في تطبيق الشعائر الدينية‪ ،‬يفضي إلى ضعف المة‪،‬‬
‫والضعف يغري العدوّ ويشجعه عليهم)‪.(37‬‬
‫ويعّري المدنية الغربية‪ ،‬وهو يقارن بينها وبين المدنية السلمية فيقول‪:‬‬
‫"إن أسس المدنية الحاضرة سلبية‪ ،‬وهي أسس خمسة‪ ،‬تدور عليها رحاها‪:‬‬
‫ق‪ .‬وشأن القوة العتداء والتجاوز والتعرض‪.‬‬ ‫* فنقطة استنادها‪ :‬القوة بدل الح ّ‬
‫ومن هذا تنشأ الخيانة‪.‬‬
‫* هدفها وقصدها‪ :‬منفعة خسيسة بدل الفضيلة‪ .‬وشأن المنفعة‪ :‬التزاحم‬
‫والتخاصم‪ .‬ومن هذا تنشأ الجناية‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫* دستورها في الحياة‪ :‬الجدال والخصام بدل التعاون‪ .‬وشأن الخصام‪ :‬التنازع‬


‫والتدافع‪ .‬ومن هذا تنشأ السفالة‪.‬‬
‫* رابطتها الساس بين الناس‪ :‬العنصرية التي تنمو على حساب غيرها‪،‬‬
‫وى بابتلع الخرين‪ .‬وشأن القومية السلبية والعنصرية‪ :‬التصادم المريع‪،‬‬ ‫وتتق ّ‬
‫وهو المشاهد‪ .‬ومن هذا ينشأ الدمار والهلك‪.‬‬
‫* وخامستها‪ :‬هي أن خدمتها الجذابة‪ ،‬تشجيع الهواء والنوازع‪ ،‬وتذليل‬
‫العقبات أمامها‪ ،‬واتباع الشهوات والرغبات‪ .‬وشأن الهواء والنوازع دائما‪ً:‬‬
‫مسخ النسان وتغيير سيرته‪ ،‬فتتغير بدورها النسانية‪ ،‬وتمسخ مسخا ً معنويًا‪.‬‬
‫ت باطنهم على ظاهرهم‪ ،‬لرأيت في‬ ‫إن معظم هؤلء المدنيين‪ ،‬لو قلب َ‬
‫صورتهم سيرة القرد والثعلب والثعبان والدب والخنزير‪.‬‬
‫نعم‪ ..‬إن خيالك ليمس فراء تلك الحيوانات وجلودها‪ ..‬وآثارهم تدل عليهم")‬
‫‪.(38‬‬
‫أما أسس المدنية السلمية‪ ،‬فيقول عنها‪:‬‬
‫"إنه ل ميزان في الرض غير ميزان الشريعة‪..‬‬
‫إنها رحمة مهداة‪ ،‬نزلت من سماء القرآن العظيم‪.‬‬
‫أما أسس مدنية القرآن الكريم‪ ،‬فهي إيجابية‪ ،‬تدور سعادتها على خمس‬
‫أسس إيجابية‪:‬‬
‫* نقطة استنادها‪ :‬الحقّ بدل القوة‪ .‬ومن شأن الحقّ دائمًا‪ :‬العدالة والتوازن‪.‬‬
‫ومن هذا ينشأ السلم‪ ،‬ويزول الشقاء‪.‬‬
‫* وهدفها‪ :‬الفضيلة بدل المنفعة‪ .‬وشأن الفضيلة‪ :‬المحبة والتقارب‪ .‬ومن هذا‬
‫تنشأ السعادة‪ ،‬وتزول العداوة‪.‬‬

‫)‪(13 /‬‬

‫* دستورها في الحياة‪ :‬التعاون بدل الخصام والقتال‪ .‬وشأن هذا الدستور‪:‬‬


‫التحاد والتساند اللذان تحيا بهما الجماعات‪.‬‬
‫* وخدمتها للمجتمع‪ :‬بالهدى بدل الهواء والنوازع‪ .‬وشأن الهدى‪ :‬الرتقاء‬
‫دها بما يلزم‪.‬‬‫بالنسان ورفاهه إلى ما يليق به‪ ،‬مع تنوير الروح‪ ،‬وم ّ‬
‫* رابطتها بين المجموعات البشرية‪ :‬رابطة الدين والنتساب الوطني وعلقة‬
‫وة خالصة‪ ،‬وطرد‬ ‫الصنف والمهنة وأخوة اليمان‪ .‬وشأن هذه الرابطة‪ :‬أخ ّ‬
‫العنصرية والقومّية السلبّية‪.‬‬
‫وبهذه المدنية يعم السلم الشامل‪ ،‬إذ هو في موقف الدفاع ضد ّ أي عدوان‬
‫خارجي")‪.(39‬‬
‫ثم يتساءل‪ :‬لماذا أعرض المسلمون عن المدنية الغربية؟‬
‫ويجيب‪:‬‬
‫"لنها ل تنفعهم‪ ،‬بل تضّرهم‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ما ُزعافا للنسانّية‪ ،‬بدل ً من أن تكون لها‬ ‫س ّ‬
‫لّنها كّبلتهم بالغلل‪ .‬بل صارت ُ‬
‫ترياقا ً شافيًا‪ ،‬إذ ألقت ثمانين بالمئة من البشرية في شقاء‪ ،‬لتعيش عشرة‬
‫في المئة منها في سعادة زائفة‪ .‬أما العشرة الباقية‪ ،‬فهم حيارى بين هؤلء‬
‫وهؤلء‪.‬‬
‫قة‪ ،‬هي في‬ ‫وتتجمع الرباح التجارية في أيدي أقلّية ظالمة‪ ،‬بينما السعادة الح ّ‬
‫إسعاد الجميع‪ ،‬أو في القل‪ ،‬أن تصبح مبعث نجاة الكثرية‪.‬‬
‫والقرآن الكريم النازل رحمة للعالمين‪ ،‬ليقبل إل طرازا ً من المدنية التي تمنح‬
‫السعادة للجميع أو للكثرّية‪ ،‬بينما المدنّية الحاضرة‪ ،‬قد أطلقت الهواء‬

‫‪64‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫د‪،‬‬
‫والنوازع من عقالها‪ ،‬فالهوى حّر طليق طلقة البهائم‪ ،‬بل أصبح يستب ّ‬
‫كم‪ ،‬حتى جعلتا الحاجات غير الضرورّية في حكم الضرورّية‪.‬‬ ‫شهوة تتح ّ‬ ‫وال ّ‬
‫ً‬
‫محيت راحة البشرّية‪ ،‬إذ كان النسان في البداوة محتاجا إلى أشياء‬ ‫وهكذا ُ‬
‫أربعة‪ ،‬بينما أفقرته المدنية الحاضرة الن‪ ،‬وجعلته في حاجة إلى مئة حاجة‬
‫وحاجة‪ ،‬حتى لم يعد السعي الحلل كافيا ً لسد ّ النفقات‪ ،‬فدفعت المدنّية‬
‫البشرية إلى ممارسة الخداع‪ ،‬والنغماس في الحرام‪ .‬ومن هنا فسدت أسس‬
‫الخلق‪ ،‬إذ أحاطت المجتمع والبشرّية بهالة من الهيبة‪ ،‬ووضعت في يدها‬
‫ثروة الّناس فأصبح الفرد فقيرا ً وفاقدا ً للخلق‪.‬‬
‫والشاهد على هذا كثير‪ ،‬حتى إن مجموع ما ارتكبته البشرية من مظالم‬
‫وجرائم وخيانات في القرون الولى‪ ،‬قاءتها واستفرغتها هذه المدنّية الخبيثة‬
‫مّرة واحدة‪ ،‬وسوف تصاب بالمزيد من الغثيان في قابل أيامها")‪.(40‬‬
‫دم البّر والبحر والهواء‪.‬‬ ‫لقد قاءت في حربين عالميتين حتى لطخت بال ّ‬
‫وإذا كان في المدنّية الغربّية محاسن‪ ،‬فهي "ليست من صنع هذا العصر‪ ،‬بل‬
‫ث‬‫هي نتاج العالم‪ ،‬وملك الجميع‪ ،‬إذ نشأت بتلحق الفكار وتلقحها‪ ،‬وح ّ‬
‫الشرائع ‪-‬ول سّيما الشريعة المحمدّية‪ -‬وحاجة الفطرة البشرّية‪.‬‬
‫ّ‬
‫فهي بضاعة نشأت من النقلب الذي أحدثه السلم‪ ،‬لذا‪ ،‬ل يتملكها أحد من‬
‫الّناس")‪.(41‬‬
‫ثم يبّين أن السلم يستعصي على الحضارة الغربية‪:‬‬
‫"إن النور اللهي في الشريعة الغّراء‪ ،‬يمنحها خاصة مميزة‪ ،‬وهي الستقلل‬
‫الذي يؤدي إلى الستغناء‪.‬‬
‫"هذه الخاصية ل تسمح أن يتحكم في ذلك النور دهاء روما الممثل لروح هذه‬
‫المدنية‪ ،‬ول يطّعم بها‪ ،‬ول يمتزج معها‪ .‬ولن تكون الشريعة تابعة لذلك‬
‫الدهاء")‪.(42‬‬
‫ً‬
‫فالنورسي "يرفض السس الثقافية في الحضارة الغربية‪ ،‬بدءا من عصر‬
‫اليونان إلى اليوم‪ .‬ويحاول في رسائله كلها قطع جذور الثقافة الغربية‬
‫وتأثيرها في الثقافة السلمية المعاصرة لنها انطلقت من مبادئ الفلسفات‬
‫الجاحدة التي أوجدت حالة من القلق والفوضى الفكرية‪ ،‬والتشكيك واللحاد‬
‫في العالم السلمي‪ ،‬مستغلة تأخر المسلمين‪ ،‬وجهلهم بدينهم")‪.(43‬‬
‫ً‬
‫ولكن موقفه هذا ليس موقف الرافض لكل ما يأتي من الغرب‪ ،‬فهو ‪ -‬مثل ‪-‬‬
‫يمّيز بين نوعين من الفلسفة الغربية‪ ..‬الفلسفة الجاحدة التي ترفض الوحي‬
‫اللهي‪ ،‬وتنادي باللحاد‪ ،‬وهي فلسفة مادية كافرة مرفوضة‪ .‬وبين الفلسفة‬
‫المؤمنة الخادمة للدين التي تخدم الحياة الجتماعية‪ ،‬وتعمق الخلق والمثل‬
‫مهد للرقي الصناعي‪ ،‬فهي في وفاق ومصالحة مع القرآن‪ ،‬بل‬ ‫النسانية‪ ،‬وت ّ‬
‫هي خادمة لحكمة القرآن‪ ،‬فل تعارضها‪ ،‬ول يمكنها ذلك‪.‬‬
‫وكذلك موقفه من الجوانب العلمية من الحضارة الغربية‪ ،‬هو موقف المسلم‬
‫الذي فرض عليه السلم أن يتحرك لكتشاف قوانين الحياة‪ ،‬والستفادة منها‪،‬‬
‫لقامة الحضارة‪ ،‬وبناء التقدم‪ .‬ولذلك دعا المسلمين إلى الخذ بأسباب‬
‫الحضارة الصناعية‪ ،‬وإلى تبّني التكنولوجيا الحديثة)‪ (44‬وتبّني العلوم الكونية‬
‫الحديثة‪ .‬قال الستاذ رحمه الله‪:‬‬
‫"ضياء القلب هو العلوم الدينية‪.‬‬
‫ونور العقل هو الفنون المدنية ‪ -‬أي العلوم الكونّية الحديثة ‪-‬‬
‫وبامتزاجهما تتجلى الحقيقة‪ ،‬وبافتراقهما تتولد الحيل والشهبات في هذا ‪،‬‬
‫والتعصب الذميم في ذاك")‪.(45‬‬
‫فإذا كان دعاة الستغراب يريدون القضاء على العلوم الدينية‪ ،‬بزعم أنها‬

‫‪65‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫رجعية متخّلفة‪..‬‬
‫وإذا كان بعض علماء الشريعة‪ ،‬وعامة الناس‪ ،‬يرون في العلوم الحديثة كفرا ً‬
‫بواحا ً يجب أن يبعدوا أبناءهم عنها في المدارس الحديثة‪.،‬‬

‫)‪(14 /‬‬

‫فإنه كان وسطا ً بين هؤلء وأولئك‪ ،‬يريد إقامة الجسور‪ ،‬ل هدم ما هو قائم‬
‫منها‪ .‬إنه من المدرسة الوسطية المعتدلة التي عرفت زمانها‪ ،‬واستقامت‬
‫طريقتها‪ ،‬وراحت تفتش عن ضاّلتها‪ ،‬فنادى بالمزج بين هاتين‪ ،‬وطالب عامة‬
‫الناس بأن يرسلوا أولدهم إلى المدارس الحديثة‪ ،‬فالعلوم الكونية ليست‬
‫كافرة‪ ،‬بل هي تهدي إلى الله‪ ،‬وقد يكون مدّرسوها هم الكافرين والزنادقة‪.‬‬
‫وأخيرا ً نختم حديثنا عن موقفه من التغريب والحضارة الغربية والغرب بهذه‬
‫المقولة الرائعة التي جاءت في خطبته الشامية سنة ‪:1911‬‬
‫"إن أمريكا وأوربا حاملتان بالسلم‪ ،‬فكما أن المبراطورية العثمانية كانت‬
‫ت‪ ،‬فل بد ّ أن يولد من أوربا دولة للسلم")‪ (46‬وليس‬ ‫حاملة بأوربا فولد ْ‬
‫ب الشرق بالسلم‪ ،‬في قابل اليام‪.‬‬ ‫بمستغرب أن يغزو الغر ُ‬
‫‪ - 6‬القومية‪:‬‬
‫والقومية بأنواعها‪ ،‬الطورانية‪ ،‬والعربية‪ ،‬والسورية‪ ،‬والفرعونية‪ ،‬وسواها من‬
‫القوميات الضّيقة‪ ،‬من نتاج الفكر الغربي التي استوردها دعاة التغريب‬
‫والعلمانيون إلى بلد المسلمين‪ ،‬مع أنها بضاعة كاسدة فات أوانها‪ ،‬وتخّلت‬
‫درتها إلينا‪.‬‬
‫مص ّ‬ ‫عنها أوربا منذ حين‪ ،‬ث ّ‬
‫ودعاة القومية هم هم في طروحاتهم‪ ،‬بل العجب أن ترى رائد الدعوة إلى‬
‫القومية العربية )ساطع الحصري( كان من أوائل من نادى بالقومية الطورانية‬
‫في الستانة‪ ،‬وحاول التنظير لها‪ ،‬وتأسيس مبادئها ومقوماتها وعناصرها‪ ،‬ثم‬
‫جيء به إلى العراق وسورية ومصر‪ ،‬ليؤّلف العديد من الكتب التي تشرح‬
‫نظرية القومية العربية‪.‬‬
‫وقد تنّبه بعض العلماء والمفكرين والسياسيين إلى خطورة هذه الدعوة التي‬
‫سوف تمّزق المة السلمية شّر ممزق‪ ،‬بل سوف تمّزق الشعب الواحد في‬
‫القطر الواحد‪ .‬فدولة كتركيا فيها التراك وفيها الكراد وفيها العرب‪ ،‬وفيها‬
‫غيرهم‪ ،‬ومثل هذه الدعوة العنصرية كفيلة بخلق المشكلت‪ ،‬وزرع العداوات‬
‫بين أبناء الشعب الواحد‪ ،‬إذ سوف ينهض من كل عرق من ينادي بقوميته‪،‬‬
‫فهذا قومي كردي‪ ،‬وذاك قومي عربي و‪ ..‬و‪..‬‬
‫وكانت حساسية الستاذ النورسي مفرطة في هذا‪ ،‬لنه كردي ويعرف ما‬
‫دى لهذه الدعوة الغريبة‪ ،‬ورد ّ‬ ‫كر به قومه والقوام الخرى‪ ،‬ولذلك تص ّ‬ ‫سيف ّ‬
‫على دعاتها في العديد من المقالت والكتابات والرسائل‪ ،‬وفّند مزاعم‬
‫العرقية‪ ،‬والدماء الصافية‪ ،‬والصل الواحد‪ ،‬فالشعوب اختلط بعضها ببعضها‬
‫الخر‪ ،‬بسبب الهجرات‪ ،‬ولم يعد في إمكان أحد إثبات صفاء العرق الواحد في‬
‫أي شعب من شعوب العالم‪ ،‬ناهيك عن تركيا التي كانت إلى عهد قريب‬
‫مركز الخلفة السلمية‪ ،‬وحامية حمى السلم والمسلمين‪ ،‬وموئل أبناء المة‬
‫السلمية وملجأهم‪ ،‬وهم ينتمون إلى شعوب شتى‪ .‬يقول الستاذ‪:‬‬
‫"نقول لولئك الذين يغالون في العنصرية‪ ،‬وفي القومية السلبية‪:‬‬
‫ل‪ :‬لقد حدثت هجرات كثيرة جدا ً في بقاع الرض كلها‪ ،‬ول سيما في بلدنا‬ ‫أو ً‬
‫دلت كثيرة‪،‬‬ ‫هذه‪ ،‬منذ سالف العصور‪ ،‬وتعّرضت أقوام كثيرة إلى تغّيرات وتب ّ‬
‫ازدادت تلك الهجرات إلى بلدنا‪ ،‬بعد أن أصبحت مركزا ً للحكومة السلمية‪،‬‬

‫‪66‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حتى حامت سائر القوام كالفراش حولها‪ ،‬وألقت بنفسها فيها‪ ،‬واستوطنتها‬
‫فل يمكن والحال هذه تمييز العناصر الحقيقية بعضها عن بعض‪ ،‬إل بانفتاح‬
‫اللوح المحفوظ‪.‬‬
‫لذا‪ ..‬فبناء المرء أعماله وحميته على العنصرية ل معنى له ألبتة‪ ،‬فضل ً عن‬
‫أضرارها‪".‬‬
‫ثم يبّين لدعاة القومية الطورانية‪ ،‬فائدتين من مئات الفوائد التي تكسبها‬
‫الحمية السلمية‪:‬‬
‫الولى‪ :‬أن الذي حافظ على حياة الدولة السلمية وكيانها ‪-‬رغم قلة عدد‬
‫أفرادها‪ -‬تجاه جميع دول أوربا العظيمة‪ ،‬هو هذا المفهوم النابع من القرآن‬
‫الذي يحمله جيشها‪:‬‬
‫ت فأنا مجاهد" هذا المفهوم دفع أبناء هذا الوطن‬ ‫ْ‬
‫ت فأنا شهيد‪ ،‬وإذا قَت َل ُ‬ ‫"إذا م ّ‬
‫ما هّز قلوب الوربيين وأرهبهم‪.‬‬ ‫إلى استقبال الموت باسمين‪ ،‬م ّ‬
‫ُترى‪ .‬أيّ شيء يمكن أن يبرز في الميدان‪ ،‬ويبعث في روح الجنود مثل هذه‬
‫التضحية والفداء‪ ،‬وهم ذوو أفكار بسيطة‪ ،‬وقلوب صافية؟‬
‫ل هذا المفهوم العلوي؟‬ ‫ل مح ّ‬ ‫أيّ عنصرية يمكن أن تح ّ‬
‫حي بحياته وبدنياه كّلها طوعا ً في‬‫وأيّ فكر غيره‪ ،‬يمكن أن يجعل المرء يض ّ‬
‫سبيله؟ الثانية‪ :‬المة السلمية كالجسد الواحد‪ ،‬وقد بكى ‪ 350‬مليون مسلم‬
‫لسقوط هذه الدولة السلمية‪ ،‬وهذا ما حمل المحتلين الوربيين على‬
‫النسحاب من المناطق التي احتلوها منها‪ ،‬حتى ل يثيروا عليهم مشاعر مئات‬
‫المليين من المسلمين‪.‬‬
‫فهل ُتستصغر هذه القوة الظهيرة المعنوية والدائمة لهذه الدولة؟‬
‫وهل يمكن إنكارها؟‬
‫ّ‬
‫ل محلها؟‬‫ُترى‪ ..‬أيّ قوة أخرى يمكن أن تح ّ‬
‫حدي‪ ،‬فليظهروا تلك القوة‪.‬‬ ‫هذا هو ميدان الت ّ‬
‫لذا ل يجوز أن نجعل تلك القوة الظهيرة العظمى تعرض عنا‪ ،‬لجل التمسك‬
‫بقومية سلبية‪ ،‬وحمية مستغنية عن الدين‪.‬‬
‫"ونقول للذين يبدون حماسة شديدة للقومية السلبية‪:‬‬

‫)‪(15 /‬‬

‫إن كنتم ‪-‬حقًا‪ -‬تحّبون هذه المة‪ ..‬فعليكم أن تحملوا في قلوبكم غيرة تسع‬
‫الشفاق على غالبية هذه المة‪ ،‬ل على قّلة قليلة منها‪ ..‬إذ الحمية بمفهوم‬
‫العنصرية يمكن أن تجلب النفع والفائدة لثنين من كل ثمانية أشخاص‪ ،‬فائدة‬
‫مؤقتة‪ ،‬فينالون ماليستحقون من الحمية‪ ،‬أما الستة الباقون‪ ،‬فهم‬
‫محرومون")‪.(47‬‬
‫وأحيانا ً ل يملك إل أن يصرخ بملء فيه‪ ،‬في وجوه أولئك القوميين أهل البدع‪:‬‬
‫سكارى!‬‫"يا أدعياء القومية ال ّ‬
‫ما هذا العصر‪ ،‬فليس بعصر‬ ‫ما كان ُيعد ّ عصر القومية‪ ،‬أ ّ‬
‫إن العصر السابق‪ ،‬رب ّ‬
‫القومية‪ ،‬إذ إن مسائل البلشفية والشتراكية تستحوذ على الفكار‪ ،‬وتحطم‬
‫مفهوم العنصرية‪ ،‬فقد ولى عصر العنصرية‪.‬‬
‫واعلموا أن مل ّّية السلم الدائمة البدية‪ ،‬ل ترتبط مع العنصرية المؤقتة‬
‫المضطربة‪ ،‬ول تلقح بلقاحاتها‪ .‬وحتى لو حدث هذا التطعيم بلقاحات‬
‫العنصرية‪ ،‬فإنها تفسد أمة السلم")‪.(48‬‬
‫‪ - 7‬وهكذا ديدن الستاذ النورسي في مواجهة التيارات المعادية للسلم‪،‬‬

‫‪67‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كالشتراكية والشيوعية والصهيونية والمذاهب الوضعية‪ ،‬والفلسفات المادية‬


‫جت منها بلد‬ ‫ج بها هذا القرن‪ ،‬وض ّ‬ ‫الطبيعية وما إليها من تيارات ض ّ‬
‫المسلمين‪ ،‬يقول بديع الزمان‪:‬‬
‫"إن الخطط المرسومة ضد ّ السلم من قبل الشيوعية والصهيونية قد‬
‫أخفقتها رسائل النور"‪.‬‬
‫ثم يقول‪:‬‬
‫"إن مجابهة أولئك‪ ،‬والتصدي لهم‪ ،‬أو حتى النقاش معهم‪ ،‬ل يكون إل بقراءة‬
‫رسائل النور‪ ،‬فالرسالة الواحدة تقابل آلف الخطط الخفية ضد ّ السلم‪ ،‬لنها‬
‫تخاطب جميع الطبقات‪ .‬ابتداء من المي‪ ،‬وانتهاء بالفيلسوف")‪.(49‬‬
‫ويخاطب المفكرين الظلميين من عّباد الفكر الغربي والعلماني المعادي‬
‫للسلم‪:‬‬
‫"على المفكرين الذين غشيهم ظلم‪ ،‬أن يدركوا الكلم التي‪:‬‬
‫ل يتّنور الفكر من دون ضياء القلب‪ ،‬فإن لم يمتزج ذلك النور وهذا الضياء‪،‬‬
‫جر منه الظلم والجهل‪ ،‬فهو ظلم قد لبس لبوس‬ ‫فالفكر ظلم دامس‪ ،‬يتف ّ‬
‫النور )نور الفكر( زورا ً وبهتانا‪ً.‬‬
‫ور‪ .‬فإن لم يكن فيها‬ ‫ففي عينك نهار‪ ،‬لكنه بياض مظلم‪ ،‬وفيها سواد‪ ،‬لكّنه من ّ‬
‫ور‪ ،‬فل تكون تلك الشحمة عينًا‪ ،‬ول تقدر على الرؤية‪.‬‬ ‫ذلك السواد المن ّ‬
‫وهكذا‪ ..‬ل قيمة لبصر دون بصيرة‪ ،‬فإن لم تكن سويداء القلب في فكرة‬
‫بيضاء ناصعة‪ ،‬فحصيلة الدماغ ل تكون علما ً ول بصيرة‪ ..‬فل عقل دون قلب")‬
‫‪.(50‬‬
‫وكان أولئك المفكرون الظلميون‪ ،‬سماسرة الظلم النساني‪ ،‬يرّوجون للربا‬
‫وللبنوك الربوية‪ ،‬ويسخرون من الزكاة والصدقات‪ ،‬فانبرى لهم‪ ،‬وبّين فساد‬
‫القائلين بمدنّية الربا‪ ،‬ورجعية الدين المر بالزكاة‪ ،‬وفساد ما يدعون إليه‪،‬‬
‫وظلمه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫"الربا يسّبب العطل‪ ،‬ويطفئ جذوة الشوق إلى العمل‪.‬‬
‫إن أبواب الربا ووسائطه )هذه البنوك( إنما تعود بالنفع إلى أفسد البشر‬
‫وأسوئهم‪ ،‬وهم الكفار‪ ،‬وإلى أسوأ هؤلء وهم الظلمة‪ ،‬وإلى أسوأ هؤلء وهم‬
‫أسفههم‪.‬‬
‫إن ضرر الربا على العالم السلمي ضرٌر محض‪ .‬والشرع ل يرى تحقيق‬
‫ي ل حرمة له‪ ،‬ول عصمة‬ ‫رفاهية البشر قاطبة في كل حين‪ ،‬إذ الكافر الحرب ّ‬
‫لدمه")‪.(51‬‬
‫"فإن أرادت البشرية دوام الحياة‪ ،‬فعليها أن تستمسك بالزكاة‪ ،‬وتطرد الربا‪،‬‬
‫إذ إن عدالة القرآن واقفة بباب العالم‪ ،‬وتقول للربا‪:‬‬
‫)ممنوع‪ .‬ل يحق لك الدخول‪ .‬ارجع(‬
‫ت صفعة قوية )الحرب العالمية‬ ‫ق ْ‬
‫ن البشرية لم تصغ إلى هذا المر‪ ،‬فتل ّ‬ ‫ولك ّ‬
‫قى صفعة أخرى أقوى وأمّر")‪.(52‬‬ ‫الثانية( وعليها أن تصغي إليه‪ ،‬قبل أن تتل ّ‬
‫وأخيرا ً اسمعه وهو يتحدث عن الطريق غير المشروع‪ ،‬وكيف أنه يؤدي إلى‬
‫شاق أوربا وحضارتها المادية العارية من الخلق‪:‬‬ ‫خلف المقصود‪ ،‬فيقول لع ّ‬
‫"القاتل ل يرث" دستور عظيم‪.‬‬
‫إن الذي يسلك طريقا ً غير مشروع لبلوغ مقصده‪ ،‬غالبا ما يجازى بخلف‬
‫ً‬
‫مقصوده‪ ،‬فمحّبة أوربا غير المشروعة‪ ،‬وتقليدها‪ ،‬واللفة بها‪ ،‬كان جزاؤها‬
‫العداء الغادر من المحبوب‪ ،‬وارتكاب الجرائم‪.‬‬
‫نعم‪ ..‬فالفاسق محروم ل يجد لذة ول نجاة")‪.(53‬‬
‫كان أسلوب الستاذ يتصف مع هؤلء بالهجوم العنيف‪ ،‬وذلك بدحض أباطيلهم‪،‬‬

‫‪68‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بإيراد الدلة القوية الكافية‪ ،‬وتفنيد اتهاماتهم الظالمة‪ ،‬مع التذكير المستمر‬
‫بأن هناك عذابا ً ينتظرهم في الدنيا‪ ،‬كما أن هناك عذابا ً أليما ً في الخرة‪.‬‬
‫ورسائل الستاذ "ل تكتفي بالهجوم أو الكشف عن السيئات الظاهرة لهل‬
‫الضللة فحسب‪ ،‬وإنما تغزو أفكارهم وحججهم الواهية‪ ،‬ونقاط استنادهم‬
‫طمة جميع‬‫ن هجوما ً شديدا ً عليها‪ ،‬مح ّ‬‫الفكري‪ ،‬فتغزوها في جحورها‪ ،‬وتش ّ‬
‫السس التي يقوم عليها بناؤهم الفكري‪ ،‬وأباطيلهم لتشويه حقائق السلم‪،‬‬
‫دهم‬
‫دس‪ ،‬كاشفة عن دسائسهم في التفريق بين المسلمين‪ ،‬وص ّ‬ ‫وجماله المق ّ‬
‫عن التلذذ بنعمة اليمان")‪.(54‬‬
‫* نص المحاضرة في المركز الثقافي بعمان في ‪12/06/1997‬‬
‫)‪ (17‬سورة هود‪119 - 118 :‬‬
‫)‪ (18‬د‪ .‬طه العلواني ‪ -‬أدب الختلف في السلم‪31 - 30 :‬‬
‫)‪ (19‬سورة النحل‪125 :‬‬
‫)‪ (20‬سورة البقرة‪83 :‬‬
‫)‪ (21‬سورة الجاثية‪14 :‬‬
‫)‪ (22‬الكلمات‪846 :‬‬
‫)‪ (23‬الصالحي‪202 :‬‬
‫)‪ (24‬المكتوبات‪20 :‬‬
‫)‪ (25‬الصالحي‪ 204 :‬نقل ً عن ملحق أمير داغ‪1/90 :‬‬
‫)‪ (26‬المكتوبات‪566 - 565 :‬‬

‫)‪(16 /‬‬

‫)‪ (27‬الكلمات‪ 569 - 562 :‬باختصار‬


‫)‪ (28‬نفسه‪848 :‬‬
‫)‪ (29‬المحكمة العسكرية العرفية‪69 :‬‬
‫)‪ (30‬المناظرات‪82 :‬‬
‫)‪ (31‬الكلمات‪861 :‬‬
‫ً‬
‫)‪ (32‬د‪ .‬فرج محمد الوصيف ‪-‬بديع الزمان سعيد النورسي‪ 36 :‬نقل عن جهان‬
‫أقطاش‪ -‬اللبس والحكومة منذ التنظيمات إلى اليوم‪178 :‬‬
‫)‪ (33‬نفسه‪41 - 39 :‬‬
‫)‪ (34‬نفسه باختصار‪44 - 42 :‬‬
‫)‪ (35‬نفسه باختصار‪53 - 47 :‬‬
‫)‪ (36‬المثنوي‪197 :‬‬
‫)‪ (37‬نفسه‪200 - 199 - 198 :‬‬
‫)‪ (38‬الكلمات‪855 :‬‬
‫)‪ (39‬نفسه‪856 :‬‬
‫)‪ (40‬نفسه‪857 - 856 :‬‬
‫)‪ (41‬نفسه‪859 :‬‬
‫)‪ (42‬نفسه‪857 :‬‬
‫)‪ (43‬د‪ .‬محسن عبد الحميد ‪ -‬النورسي‪72 - 71 :‬‬
‫)‪ (44‬نفسه‪72 :‬‬
‫)‪ (45‬المثنوي‪14 :‬‬
‫)‪ (46‬عبد الفتاح أبو غدة ‪ -‬العلماء العّزاب‪244 :‬‬
‫)‪ (47‬المكتوبات‪420 - 419 :‬‬

‫‪69‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (48‬نفسه‪566 :‬‬


‫)‪ (49‬أسيد إحسان قاسم ‪ -‬ذكريات عن سعيد النورسي‪115 :‬‬
‫)‪ (50‬الكلمات‪848 :‬‬
‫)‪ (51‬نفسه‪878 - 877 :‬‬
‫)‪ (52‬نفسه‪852 - 851 :‬‬
‫)‪ (53‬نفسه‪852 :‬‬
‫)‪ (54‬الصالحي‪162-161 :‬‬
‫بديع الزمان النورسي)‪(4‬‬
‫بقلم‪ :‬عبد الله الطنطاوي‬
‫أهدافه‬
‫كان الهدف الرئيس للستاذ ‪-‬رحمه الله تعالى‪ -‬إنقاذ اليمان‪ ،‬ليعود الناس إلى‬
‫دينهم‪ ،‬ويقيموا بيوتهم ومجتمعهم ودولتهم على السلم‪ ،‬يقول الستاذ‪:‬‬
‫"إن غايتي إصلح السس التي ُيبنى عليها اليمان‪ ،‬فإذا أصبح الساس صلبا ً‬
‫قويًا‪ ،‬فل يؤثر فيه مؤثر بعد‪ ،‬حتى الزلزال‪.(108)"..‬‬
‫فليس له من غاية في هذه الحياة‪ ،‬سوى إنقاذ اليمان‪ ،‬وإعادته إلى القلوب‬
‫التي خوت‪ ،‬وإلى الحياة‪ ،‬بعدما ران عليه ما ران من الضللت واللحاد الذي‬
‫يسعى إلى القضاء عليه‪ ،‬وفي القضاء على اليمان قضاء على المة في الدنيا‬
‫ل مساعيه على بيان )حقيقة اليمان( التي تبعث‬ ‫كز ج ّ‬‫والخرة‪ .‬لذلك ر ّ‬
‫الطمأنينة في الفرد‪ ،‬والسعادة في المجتمع‪ ،‬بدل ً من تقديم وصفات اجتماعية‬
‫غير قابلة للتطبيق‪.‬‬
‫ً‬
‫وهذا الهدف النبيل ضروري جدا لي جماعة تحترم نفسها‪ ،‬وتسعى لتحقيق‬
‫طموحاتها السامية‪ ،‬يقول الستاذ‪... :‬‬
‫بديع الزمان النورسي‬
‫"إن لم يكن لفكر الجماعة غاية وهدف مثالي‪ ،‬أو ُنسيت تلك الغاية‪ ،‬أو‬
‫ولت الذهان إلى أنانيات الفراد‪ ،‬وحامت حولها‪ ،‬أي يتقوى )أنا(‬ ‫تنوسيت‪ ،‬تح ّ‬
‫ّ‬
‫كل فرد‪ ،‬وقد يتحدد ويتصلب‪ ،‬حتى ل يمكن خرقه‪ ،‬ليصبح )نحن ( فالذين‬
‫يحبون )أنا( أنفسهم‪ ،‬ل يحبون الخرين حبا ً حقيقيًا")‪.(109‬‬
‫أما الهداف الخرى التي سوف تنبثق بشكل طبيعي من هذا الهدف الكبير‪،‬‬
‫فكثيرة نذكر منها‪:‬‬
‫‪ -‬القضاء على الجهل بنشر العلم‪ ،‬وتعميم المدارس والجامعات في أنحاء‬
‫الدولة‪ ،‬ولم يأل جهدا ً في ذلك‪ ،‬فقد اتصل بالسلطان عبد الحميد وحاور وزير‬
‫داخليته‪ ،‬من أجل إنشاء جامعة في شرقي الناضول‪ ،‬تكون على غرار الجامع‬
‫الزهر‪ ،‬ثم اتصل من بعده بالسلطان محمد رشاد‪ ،‬من أجل هذه الغاية‪ ،‬ولكنه‬
‫دم بين يدي السلطانين دفوعا ً مقنعة‪ ،‬وبّين مصلحة الدولة‬ ‫لم يفلح‪ ،‬مع أنه ق ّ‬
‫والمة في ذلك‪ ،‬ثم عاود المطالبة أيام الكماليين‪ ،‬وبقيت جامعة الزهراء حلما ً‬
‫يداعب خياله طوال عمره المديد‪ ،‬وكان ذا نظر ثاقب في إنشاء )الزهراء(‬
‫التي لو أنشئت‪ ،‬وتعلم الشعب الكردي في شرقي الناضول‪ ،‬وعرف ربه‬
‫ودينه‪ ،‬لما حصل الذي حصل ويحصل الن في تركيا الطورانية العلمانية‪.‬‬
‫كما دعا إلى الخذ بالعلوم الحديثة‪ ،‬وتدريسها إلى جانب العلوم الدينية‪ ،‬ولم‬
‫ق‬
‫يرفضها لنها جاءت من أوربا‪ ،‬لن الحكمة ضالة المؤمن‪ ،‬أنى وجدها فهو أح ّ‬
‫بها فيلتقطها‪ .‬وعد ّ الجهل من ألد ّ أعداء المة‪ ،‬إلى جانب الفقر والختلف‬
‫والستبداد‪ ،‬وكان يرى أن العلم كفيل بالقضاء على هذه العداء الثلثة‪.‬‬
‫ولهذا رأيناه يتبحر في مختلف العلوم الدينية والكونية‪ ،‬ويؤلف ويكتب‬
‫ويحاضر‪ ،‬ضاربا ً بنفسه وبإخوانه العلماء والمتعلمين أروع المثال في التعلق‬

‫‪70‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بالعلم‪ ،‬وبالدعوة إليه‪.‬‬


‫‪ -‬القضاء على الفقر‪ ،‬عن طريق العمل والكسب الحلل‪ ،‬وعن طريق العلم‪.‬‬
‫‪ -‬القضاء على الستبداد‪ ،‬بالدعوة إلى الشورى‪ ،‬وتحكيم شرع الله والقرآن‬
‫الذي ينص على الشورى )وأمرهم شورى بينهم( ويأمر نبّيه الكريم بمشاورة‬
‫أصحابه‪) :‬وشاورهم في المر(‪ .‬والعلم واليمان كفيلن بالستبداد‬
‫والمستبدين‪.‬‬
‫ظهر هذا في مقالته في الصحف‪ ،‬وفي مقابلته مع رجال الدارة والحكم‪،‬‬
‫وفي تجواله بين الناس‪ ،‬وأحاديثه معهم‪.‬‬
‫‪ -‬الدعوة إلى وحدة المسلمين أو اتحادهم‪ ،‬ونبذ الخلفات فيما بينهم‪ ،‬تمهيدا ً‬
‫لتحقيق هدف عظيم‪ ،‬هو عودة الخلفة السلمية التي قضى عليها الكماليون‬
‫العلمانيون‪ .‬يقول النورسي‪ ،‬موجها ً كلمه إلى طوائف المة‪:‬‬
‫"إن لم تزيلوا هذا النزاع‪ ،‬فإن الزندقة الحاكمة الن حكما ً قويًا‪ ،‬تستغل‬
‫أحدكما ضد الخر‪ ،‬وتستعمله أداة لفناء الخر)‪.(110‬‬
‫إذن ‪ ..‬كان يدعو إلى التحاد والوحدة دائمًا‪ ،‬ويتجنب كليا المور التي تعوق‬
‫ً‬
‫التحاد وتعرقله كتلك الختلفات التي ينشبها العداء بين المسلمين أفرادا ً‬
‫ودول ً وشعوبا ً مستغل ً غرقها في بحار التخلف والجهل والغفلة‪ ،‬ولهذا كان‬
‫يقول لتلميذه داعيا ً إياهم إلى التآخي والتواد ّ والتحا ّ‬
‫ب‪:‬‬

‫)‪(17 /‬‬

‫"إخوتي‪ .‬إن السلم ل حاجة له بخدمتكم وعملكم‪ ،‬بقدر ما هو في حاجة‬


‫ماسة إلى تساندكم وترابطكم‪ .‬فعليكم أن تقرؤوا بين حين وآخر‪ ،‬كل ً من‬
‫رسائل‪) :‬الخلص( و )الخوة( و)الهجومات الستة( فيما بينكم‪ ،‬ذلك لن‬
‫تساندكم وإخلصكم وثباتكم وصلبتكم السائدة فيما بينكم منذ البداية‪،‬‬
‫ستكون مفخرة لهذه البلد")‪.(111‬‬
‫لماذا؟ لنها مظهر حقيقي من مظاهر الوحدة الصغرى التي ستكون نواة‬
‫لوحدة فصائل المة السلمية وشعوبها‪.‬‬
‫وكان دائم الهتاف‪:‬‬
‫"أيها العالم السلمي‪ .‬إن حياتك في التحاد" وإن موتك في الفرقة‬
‫والختلف‪.‬‬
‫لنه كان يرى أن من أهم أسباب ضعف المسلمين وتأخرهم‪ ،‬هذه الفرقة‬
‫ققوه‪ .‬ول يمكن للمسلمين‬ ‫وهذا التمزق الذي طالما سعى إليه العداء حتى ح ّ‬
‫أن ينهضوا إل بوحدتهم أو اتحادهم على أقل تقدير‪.‬‬
‫في نظريات التغيير‬
‫هناك عدة نظريات للتغيير‪ ،‬وقد أحصاها الستاذ منير شفيق بالتالي‪:‬‬
‫‪ - 1‬نظرية العمل المسلح‪ :‬كفعل المير عبد القادر الجزائري‪ ،‬وعمر المختار‪،‬‬
‫وعبد الكريم الخطابي‪.‬‬
‫‪ - 2‬نظرية العمل السياسي‪ :‬وهي نظرية جمال الدين الفغاني ومحمد عبده‪.‬‬
‫‪ - 3‬نظرية الثورة المتحالفة‪ :‬وهي التي انتهجها الشيخ محمد بن عبد الوهاب‬
‫في تحالفه مع المير محمد بن سعود‪.‬‬
‫ضر لمرحلة أخرى أو أكثر‪ ،‬وينتقل فيها‬ ‫‪- 4‬النظرية التربوية‪ :‬وهي التي تح ّ‬
‫العمل إلى الجهاد‪ ،‬وهي نظرية المام الشهيد حسن البنا‪.‬‬
‫‪ - 5‬نظرية الثورة على الحاكم الجائر‪ .‬كما حدث في اليمن‪.‬‬
‫‪ - 6‬نظرية استخدام مختلف أشكال المقاومة ضد الستعمار المباشر‪ ،‬كما‬

‫‪71‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حدث في ثورة الجزائر‪.‬‬


‫‪ - 7‬نظرية التحريض اليومي‪ ،‬كثورة المام الخميني في إيران")‪.(112‬‬
‫نظرية التغيير عند النورسي‬
‫الغريب أن الستاذ منير شفيق لم يذكر المام النورسي بين هؤلء‪ ،‬ولعل‬
‫السبب يعود إلى عدم اطلعه على التراث الفكري الهائل لبديع الزمان‪ ،‬أو‬
‫لن أحدا ً لم يبلور نظرية النورسي في التغيير‪.‬‬
‫ومن خلل اطلعي على بعض تراث النورسي‪ ،‬أرى مشابه كثيرة في عملية‬
‫التغيير بينه وبين ما جاء به الستاذ البنا‪ ،‬أي النظرية التربوية التي تتطور إلى‬
‫ك عنه يومًا‪ ،‬برغم لعن النورسي للشيطان والسياسة‬ ‫عمل سياسي لم تنف ّ‬
‫معًا‪ ،‬وقد تتطور إلى عمل جهادي ‪-‬لو أتيح لها ذلك في قابل اليام‪ -‬كما فعل‬
‫الستاذ البنا عندما خاض مع إخوانه في مصر وسورية والردن وفلسطين‬
‫حربا ً مع يهود‪ ،‬وكما جاهد النورسي وإخوانه في القفقاس‪..‬‬
‫على أي حال‪ ،‬لم يكن في مشروع بديع الزمان أيّ توجه نحو العمل المسلح‬
‫داخل تركيا‪ ،‬ضد الحكام الملحدة من الكماليين‪ ،‬برغم إعلنهم الحرب‬
‫الضروس على السلم وعلمائه والدعاة إليه‪ ،‬ولذلك لم يؤيد ثورة الشيخ‬
‫سعيد بيران على النظام الكمالي القومي العلماني‪ ،‬لسباب نعرف بعضها‪،‬‬
‫ول نعرف بعضها الخر‪.‬‬
‫يقول الدكتور محسن عبد الحميد‪:‬‬
‫"وليمان الستاذ بالتغير في إطار انتشار الوعي الجتماعي‪ ،‬والدعوة‬
‫السلمية‪ ،‬فإنه ل يبيح الجهاد المسلح الداخلي الموجه إلى حكام المسلمين‪،‬‬
‫لن ذلك ل يخدم ‪-‬من وجهة نظره‪ -‬إل العدوّ الخارجي المتربص بالمجتمع‬
‫السلمي من حيث هو ك ّ‬
‫ل‪.‬‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫فهو يقول‪" :‬إن الجهاد المسلح ل يحشد كليا إل ضد ّ العدو الخارجي‪ ،‬والصراع‬
‫المسلح داخل البلد السلمية‪ ،‬هو ما يصبو إليه العدو الخارجي‪ ،‬إذ إن سفك‬
‫دماء المسلمين فيما بينهم‪ ،‬أمر يهمهم" ويضيف‪" :‬إن الجهاد في أي مجتمع‬
‫إسلمي‪ ،‬إنما هو جهاد معنوي‪ ،‬يتوصل إليه عن طريق تنوير الفكار‪ ،‬وإصلح‬
‫القلوب والرواح‪.‬‬
‫ويكون جهادا ً إيجابيا بّناء لصد ّ التخريبات المعنوية‪ ،‬وُيتصرف فيه وفق سّر‬
‫ً‬
‫الخلص‪ .‬فهناك بون شاسع بين الجهاد في الخارج والجهاد في الداخل‪ .‬فنحن‬
‫نبذل قصارى جهودنا للحفاظ على استقرار البلد‪ ،‬وأمنها‪ ،‬وفق العمل‬
‫اليجابي البناء‪..‬‬
‫في هذا الوقت‪ ،‬الفرق عظيم جدا ً بين الجهاد الداخلي والجهاد الخارجي")‬
‫‪.(113‬‬
‫وقارئ تراث المام النورسي لبد له من أن يلحظ اتسام نظريته الصلحية‬
‫التغييرية بالسمات التالية‪:‬‬
‫‪ - 1‬التدرج في الصلح والدعوة إلى التغيير‪.‬‬
‫يقول الدكتور محسن عبد الحميد في كتابه عن النورسي‪:‬‬
‫كان النورسي "يؤمن )بالنظام(‪ ،‬ويبعد )الفوضى( ويؤمن )بالتدرج( ول يعتقد‬
‫)بالطفرة(‪ .‬فالنظام والتدرج هما أساس الوجود كله‪ ،‬وأي خروج عليهما‪ ،‬يعني‬
‫إدخال الفساد عليه‪ ،‬وهو خروج واضح على تعاليم القرآن الكريم‪ ،‬والسنة‬
‫النبوية الشريفة‪ ،‬والقرآن هو الكون المقروء‪ ،‬والسّنة هي الكون المطبق في‬
‫الحياة العملية"‪.‬‬
‫"وفي ضوء ذلك‪ ،‬فإن النورسي يدعو إلى تغيير اجتماعي منظم‪ ،‬يتمسك‬
‫بقانون التطور الفطري التدريجي‪ ،‬ويجب أن يبدأ من القاعدة‪ ،‬ويصعد إلى‬

‫‪72‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫القمة‪ ،‬ل العكس‪ ،‬لن العكس سيؤدي إلى زعزعة الحياة الجتماعية‪ ،‬ويحصل‬
‫منه شر مستطير‪ ،‬وتخريب كبير"‪.‬‬
‫فهو يقول‪:‬‬
‫"إن من يشق طريقا ً في الحياة الجتماعية‪ ،‬ويؤسس حركة‪ .‬ل يستثمر‬
‫مساعيه‪ ،‬ولن يكون النجاح حليفه‪ ،‬ما لم تكن الحركة منسجمة مع القوانين‬
‫الفطرية التي تحكم الكون‪ ،‬بل تكون جميع أعماله لجل التخريب والشر")‬
‫‪.(411‬‬

‫)‪(18 /‬‬

‫"إذن فل بد ّ أن يكون قانون التغير في حياته هو التغير التدريجي‪ ،‬حتى ل‬


‫ل توازن الحياة‪ ،‬فيؤدي إلى نتائج عكسية")‪.(115‬‬ ‫يخت ّ‬
‫ولهذا بدأ بالهم ثم المهم في سلم الولويات الذي هو منهج النبياء‪ .‬ومن هنا‬
‫كان تركيزه على إعادة اليمان إلى النفوس والقلوب والحياة‪ ،‬وكل الهداف‬
‫الخرى كانت تابعة لليمان‪ ،‬ونابعة منه يقول‪:‬‬
‫"إنه لبد لهذا العصر من مجدد له شأنه‪ ،‬ليقوم بتجديد الدين واليمان‪ ،‬وتجديد‬
‫الحياة الجتماعية والشريعة‪ ،‬وتجديد الحقوق العامة‪ ،‬والسياسة الشرعية‪،‬‬
‫ولكن أهم تلك الوظائف هو التجديد في مجال المحافظة على الحقائق‬
‫اليمانية فهو أجل وأعظم تلك الوظائف الثلث‪ .‬لذا‪ ،‬تبقى دوائر "الشريعة"‬
‫و"الحياة الجتماعية والسياسية في الدرجة الثانية والثالثة والرابعة‪ ،‬بالنسبة‬
‫إلى دائرة اليمان")‪.(116‬‬
‫أي أنه كان قد وضع سلم أولوياته على النحو التالي‪ :‬اليمان‪ ،‬ثم التربية‪ ،‬ثم‬
‫ل‪ ،‬وفلحًا‪ ،‬وطالبًا‪،‬‬
‫الشريعة‪ .‬ولهذا تدرج في دعوته الصلحية من الفرد؛ عام ً‬
‫وعالمًا‪ ،‬ورجل إدارة وسياسة‪ ،‬يغرس في نفوسهم العقيدة واليمان والخلق‬
‫ومبادئ السلم وفضائله‪ ،‬ثم ينتقل إلى البيت؛ زوجا ً وزوجة وأولدا ً وأسرة‪،‬‬
‫ثم إلى المجتمع بكل ما فيه من شرائح وطبقات وفئات‪ ،‬ثم إلى المة‬
‫السلمية‪.‬‬
‫واستمر النورسي في تطبيق نظريته التغييرية عن طريق‪:‬‬
‫نشر حقائق السلم بالدلة والبراهين‪.‬‬
‫وتكوين الجيل المؤمن الصالح‪.‬‬
‫ث الوعي السلمي بخطورة الحملة الشرسة على السلم والمسلمين‪.‬‬ ‫وب ّ‬
‫وتهيئة صفوف المة للوقوف أمام الموجة اللدينية الطاغية‪.‬‬
‫ونقل التربية السلمية إلى داخل البيوت"‪.‬‬
‫"وقد نجح أسلوبه هذا إلى حد بعيد")‪.(117‬‬
‫‪ - 2‬وكان منهجه في الصلح والتغيير يقوم على الوسطية‪ ،‬وعدم التعصب أو‬
‫المغالة في التحيز‪ .‬يقول الستاذ النورسي‪:‬‬
‫"أيها العالم السلمي‪ ،‬إن حياتك في التحاد‪.‬‬
‫إن كنت طالبا ً للتحاد‪ ،‬فاتخذ هذا دستورك‪.‬‬
‫لبد أن يكون "هو حق" بدل ً من )هو الحق(‬
‫إذ يحق لكل مسلم أن يقول في مسلكه ومذهبه‪:‬‬
‫ً‬
‫"إن هذا حق" ول أتعرض لما عداه‪ ،‬فإن يكن جميل فمذهبي أجمل‪.‬‬
‫بينما ل يحق له أن يقول في مذهبه‪:‬‬
‫)إن هذا هو الحق‪ ،‬وما عداه باطل‪ ،‬وما عندي هو الحسن فحسب‪ ،‬وغيره‬
‫قبيح وخطأ(‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إن ضيق الذهن وانحصاره على شيء‪ ،‬ينشأ من حب النفس‪ ،‬ثم يكون داء‪،‬‬
‫ومنه ينجم النزاع")‪.(118‬‬
‫وبهذا السلوك يكون التعاون والتحاد‪ ،‬وبغيره يكون التنازع والتخاصم والتنابذ‪،‬‬
‫وهو ما يسعى إليه أعداء هذه المة‪ .‬وعلى هذه الوسطية رّبى تلميذه‪ ،‬ليصلح‬
‫بهم الناس‪ ،‬وبهذه الوسطية نفسر موقفه من حضارة الغرب وفلسفته‬
‫وعلومه‪ ،‬وموقفه من المدارس الدينية والمدارس الحديثة‪ ،‬ومن العلماء‬
‫المبتدعين‪ ،‬ومن الصوفية المنعزلين‪.‬‬
‫‪ - 3‬وكانت دعوته شمولية‪ ،‬تحاول أن تكون مكافئة للقوى الثقافية المعادية‪،‬‬
‫كز على‬ ‫لن المد ّ اللحادي في تركيا كان يشمل جميع جوانب الحياة‪ ،‬وكان ير ّ‬
‫الصول والكليات في السلم‪ ،‬قبل الفروع والجزئيات‪ ،‬ولذلك جاءت دعوة‬
‫النورسي مّتسمة بسمة الشمول والكلية)‪ .(119‬اسمعه يقول‪:‬‬
‫"إن رسائل النور لتعمر تخريبات جزئية‪ ،‬ول ترمم بيتا ً صغيرا ً مهدما‪ ،‬بل تعمر‬
‫ً‬
‫أيضا ً تخريبات عامة كلية‪ ،‬وترمم قلعة عظيمة‪ ،‬صخورها كالجبال‪ ،‬تحتضن‬
‫السلم وتحيط به‪ ..‬وهي ل تسعى لصلح قلب خاص ووجدان معين‪ ،‬بل‬
‫تسعى أيضا ً ‪-‬وبيديها إعجاز القرآن‪ -‬لمداواة القلب العام المجروح‪ ،‬وضماد‬
‫الفكار العامة المكلومة بالوسائل المفسدة التي هيئت لها‪ ،‬وركمت منذ ألف‬
‫سنة‪ ،‬وتنشط لمداواة الوجدان العام الذي توجه نحو الفساد نتيجة تحطم‬
‫السس السلمية وتياراته وشعائره التي هي المستند العظيم للجميع‪،‬‬
‫ولسيما عوام المؤمنين‪ .‬نعم إنها تسعى لمداواة تلك الجروح الواسعة الغائرة‬
‫بأدوية إعجاز القرآن واليمان‪.‬‬
‫فأمام هذه التخريبات الكلية الرهيبة‪ ،‬والشكوك الواسعة‪ ،‬والجروح الغائرة‪،‬‬
‫ينبغي وجود حجج دامغة‪ ،‬وأعتدة مجهزة بدرجة حق اليقين‪ ،‬وبقوة الجبال‬
‫ورسوخها‪ ،‬ووجود أدوية مجربة لها من الخواص ما يفوق ألف ترياق وترياق‪،‬‬
‫ولها من المزايا ما يضاهي علجات ل حد لها")‪.(120‬‬
‫ولجل هذا كان يخاطب سائر فئات المجتمع حكاما ً ومحكومين‪ ،‬علماء وعامة‪:‬‬
‫"وانطلقا ً من هذا الشمول فقد سار في الخطوط العامة المتوازية في‬
‫دعواته‪ ،‬حيث إصلح الفرد‪ ،‬وإصلح البيت‪ ،‬وإصلح المجتمع‪ ،‬وإظهار الحقائق‬
‫بإزالة اللبس لدى طلب النور‪ ،‬وتفنيد شبه العلمانيين الملحدين‪ ،‬وشبه غير‬
‫المسلمين‪ ،‬وكشف الحقيقة حول دعوته لدى المسؤولين‪ ،‬وفي دفاعاته في‬
‫المحاكم‪ ،‬وإظهار الحقائق حول الفكار السائدة في تركيا على زمانه‪ ،‬وبذل‬
‫مساعيه المضنية لجل عودة الخلفة السلمية‪.‬‬
‫ولم يقصر الدعوة على جانب معرفي معين‪ ،‬بل كانت شاملة لجميع العلوم‬
‫والمعارف التي شملها السلم‪ .‬يقول عن الرسائل التي هي مرآة دعوته‪:‬‬
‫"إن رسائل النور تسد الحاجة التي تخص الحقائق السلمية‪ ،‬فل تدع حاجة‬
‫إلى مراجعة مؤلفات أخرى")‪.(121‬‬

‫)‪(19 /‬‬

‫‪ - 4‬وكانت دعوة عالمية‪ ،‬وليست إقليمية‪ ..‬كان يحث على ترجمة رسائله إلى‬
‫اللغة العربية‪ ،‬وإلى اللغات الخرى التي تنطق بها سائر الشعوب السلمية‪،‬‬
‫بل وغير السلمية‪ ،‬من أجل التبشير بأفكاره وتعاليمه المنبثقة من القرآن‬
‫والسنة‪ ،‬وكان يأمل أن يقوم علماء من الزهر أو من بلد الشام بترجمتها إلى‬
‫اللغة العربية‪ ،‬كما أوفد أحد طلبته إلى العراق ومصر من أجل هذا الغرض‪.‬‬
‫ولذلك كان يضع أمله في العرب‪ ،‬وليس في قومه الكراد‪ ،‬ول في التراك‪،‬‬

‫‪74‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دد‪ ،‬أو مصلح إسلمي‪ ،‬يعمل على النهوض بأمة‬ ‫شأنه شأن أي عالم‪ ،‬أو مج ّ‬
‫السلم‪ ،‬وليس أحقّ من العرب المسلمين بالنهوض‪ ،‬واستلم زمام القيادة‪.‬‬
‫قال في خطبته الشامية‪:‬‬
‫حدوا صفوف المسلمين‪ ،‬ويعيدوا إلى السلم‬ ‫ّ‬ ‫يو‬ ‫أن‬ ‫"إنني أنتظر من العرب‬
‫سالف عهده‪ ،‬وأملي كبير بأن الجيال القادمة سوف تعيش اليوم الذي يمتد ّ‬
‫فيه السلم إلى شتى أنحاء العالم‪.(122)".‬‬
‫ويعّرض بالقوميين العرب العلمانيين المنادين بالقومية العنصرية البعيدة عن‬
‫السلم‪ ،‬كدعاة القومية التركية الطورانية فيقول‪:‬‬
‫"وكذا العرب قد سرى السلم فيهم‪ ،‬فل يمكنهم النفصال عنه والنفصام‪،‬‬
‫فل معنى للعرب ول مكانة إل إذا اقترنت عروبتهم بإسلمهم‪ .‬فالقومية خطر‬
‫عظيم")‪.(123‬‬
‫ّ‬
‫ولذلك كان يؤكد على اللغة العربية‪ ،‬والحروف العربية‪ ،‬يعلمها تلميذه‪ ،‬ويدعو‬
‫إلى أن تكون خطبة الجمعة باللغة العربية‪ ،‬ول يرى إلقاءها بغير العربية تحت‬
‫أي ذريعة‪.‬‬
‫ونظرته إلى التراك كنظرته إلى العرب في تمسكهم بالسلم‪ ،‬وأنهم جزء ل‬
‫يتجزأ منه‪ .‬يقول‪:‬‬
‫"إن التراك قوم ل يمكنهم النفصال عن السلم‪ ،‬وهم جزء غير قابل‬
‫للنفصال عن المة السلمية‪ ،‬حتى إن غير المسلم فيهم ل يكون تركيًا‪ ،‬فكل‬
‫تركي مسلم")‪ .(124‬وليذهب أدعياء القومية ودعاتها إلى الجحيم‪.‬‬
‫ولكن أبرز صفة يمكن وصف دعوته بها‪ ،‬هي أنها إسلمية ُتعنى بقضايا‬
‫العقيدة‪ ،‬لسيما وجود الله ووحدانيته‪ ،‬واليوم الخر )الحشر( وما يتعلق به من‬
‫ل خصائص دعوته التي أشرنا إليها‪ ،‬وهي‪) :‬التدرج‪،‬‬ ‫المور الغيبية‪ .‬وك ّ‬
‫والوسطية والشمول والعالمية( هي من خصائص هذا الدين‪.‬‬
‫وسائله في تحقيق تلك الملمح الصلحية‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫كان هامش الحرية الذي أتيح للستاذ النورسي ضيقا وضيقا جدا‪ ،‬وقد تقدم‬
‫أنه قضى زهرة عمره في المنافي والسجون والمعتقلت‪ ..‬ثمانية وعشرين‬
‫عاما ً ل غير قضاها سجينا ً ومنفيا ً بعيدا ً عن الناس وعن تلميذه‪ ،‬ولهذا لم يتح‬
‫له من الوسائل إل النزر اليسير للتبشير بدعوته الصلحية‪ ،‬في السجون‪،‬‬
‫حيث اهتدى على يديه عدد من المجرمين المحبوسين معه‪ ،‬وفي المنافي‪،‬‬
‫حيث كان يشد ّ أنظار الفلحين البسطاء إليه بمنظره ودينه وأوراده‬
‫واستقامته وصبره‪ ،‬كما شد ّ عددا ً من أفراد الشرطة القائمين على مراقبته‪،‬‬
‫وكذلك بعض القضاة الذين كانوا يستمعون إلى مرافعاته ودفوعه الرائعة‬
‫المقنعة ببراهينها وأدلتها المصحوبة بحماسة وجرأة وفاعلية‪..‬‬
‫وقد استثمر الستاذ النورسي كل الوسائل المتاحة‪ ،‬من اتصالت شخصية‪،‬‬
‫إلى الخطب والمواعظ والمحاضرات في المناسبات المختلفة‪ ،‬إلى الكتابة‬
‫في الصحف‪ ،‬إلى تأليف رسائل النور التي كانت ‪-‬وما تزال‪ -‬دروسا ً قرآنية‬
‫توافق أفهام هذا العصر‪ ،‬وكانت كل رسالة منها هي سعيد النورسي نفسه‪،‬‬
‫كما قال في )كلماته()‪.(125‬‬
‫وكان يكتب )المكاتيب( أي الرسائل الشخصية إلى تلميذه وإلى الهيئات‬
‫السلمّية وغير السلمية‪ ،‬ويجيب بها سائليه‪ ،‬كما كان يكتب الرسائل إلى‬
‫الحكام والعلماء والوجهاء‪ ،‬ينصحهم حينا ً ويأمرهم وينهاهم حينا ً آخر‪.‬‬
‫ددة‪ ،‬ومؤهلته العقلية والمنطقية والعلمية‪ ،‬في‬ ‫وقد ظهرت مواهبه المتع ّ‬
‫محاوراته ومناظراته‪ ..‬ظهر فيها عقله المرّتب‪ ،‬ومنطقه العلمي السليم‪،‬‬
‫فكان يلزم الخصوم حدودهم‪ ،‬ويكسب ذوي الضمائر الحّية والمخلصين‬

‫‪75‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المغّرر بهم‪ .‬نذكر من حواراته ومناظراته‪ ،‬ما كان مع وزير داخلية السلطان‬
‫عبد الحميد‪ ،‬ومع مفتي مصر الشيخ محمد بخيت المطيعي‪ ،‬ومع القائد العام‬
‫للجيش الروسي خال القيصر نقول‪ ،‬ومع مصطفى كمال‪ ،‬ومع حسين باشا‬
‫رئيس إحدى العشائر الكردية الذي جاء يدعوه إلى الشتراك في ثورة الشيخ‬
‫سعيد بيران ضد ّ النظام الكمالي العلماني‪ ،‬وحواره مع رؤساء العشائر‬
‫ل أروع تلك‬‫الكردية والتركية‪ ،‬لتحطيم اليأس‪ ،‬وبعث المل في النفوس‪ .‬ولع ّ‬
‫المحاورات والمناظرات ما كان مع المحققين والقضاة الذين كانوا يحققون‬
‫معه‪ ،‬لدانته واليقاع به‪ ،‬وقد كانت دفوعه ومرافعاته‪ ،‬في المحاكم العلنية‪،‬‬
‫وسيلة فّعالة في نشر أفكاره وآرائه بل كانت خير وسيلة لشرح غاية دعوته‪،‬‬
‫ده‪ ،‬ومقاصدهم المعادية للسلم والداعين‬ ‫وفضح مرامي الذين يقفون ض ّ‬
‫إليه‪.‬‬
‫وكل نظرية تغييرية تحتاج إلى الموارد البشرية بأعدادها ونوعيتها وإلى‬
‫الخبرات اللزمة‪ ،‬والتقنية المكافئة‪ ،‬وإلى الوقت الكافي لعملية التغيير‪ ،‬وإلى‬
‫المكان الجاهز والصالح لتلك العملية)‪.(126‬‬
‫وهذه كلها لم تكن متوافرة لدى بديع الزمان‪ ،‬لطبيعة الظروف القاسية التي‬
‫كان يعيشها‪ ،‬والتي فرضها عليه أعداء السلم‪.‬‬

‫)‪(20 /‬‬

‫صحيح أنه كان مقتنعا ً بضرورة الصلح والتغيير‪ ،‬وقد استطاع إقناع أتباعه‬
‫بهما‪ ،‬بما كتب وشرح لهم‪ ،‬وبالوضع الشائن الذي عّراه أمامهم‪ ،‬حتى جعلهم‬
‫ينفصلون عن هذا الواقع نفسيًا‪ ،‬بفقد انبهارهم به‪ ،‬وبأن المستقبل يجب أن‬
‫يكون لهذا الدين‪.‬‬
‫وصحيح أنه استطاع تحويل أحاسيس اليأس والحباط إلى مشاعر إيجابية‬
‫بناءة‪ ،‬واستطاع تعبئتهم تعبئة نفسية سليمة‪ ،‬ووّلد لديهم طاقة جديدة يحدوها‬
‫المل بمستقبل أفضل‪.‬‬
‫هذا كله صحيح‪ ،‬ولكن التحديات كانت أكبر من الوسائل المتاحة له‪ ..‬كانت‬
‫الرياح الهوج تعترض سفينة حياته التي تتقاذفها وتلطمها أمواج القوى‬
‫السياسية والثقافية المعادية‪ ..‬كان الناس أكثر الناس يسبحون مع تيار اللحاد‬
‫والنفلت‪ ،‬وكان هو وتلميذه يسبحون ضد ّ ذلك التيار الهائل الهادر الذي حشد‬
‫له الحاشدون الحشود التي أرادوا بها القضاء المبرم على السلم‪ ،‬في نفوس‬
‫حماته‪ ،‬والجهاز على علمائه والدعاة إليه على علم وبصيرة‪.‬‬ ‫أبناء السلم و ُ‬
‫فالقوى لم تكن متكافئة‪ ،‬ولم يكن الخصوم أخلقيين في خصومتهم‪ ،‬لنهم‬
‫كانوا يسيرون في ركاب أفكار وحضارة بل أخلق‪.‬‬
‫ما يقض وطره في إنقاذ اليمان‪ ،‬وعودة‬ ‫ولذلك ‪ ..‬قضى الستاذ نحبه‪ ،‬ول ّ‬
‫السلم إلى الحياة والمجتمع من جديد‪.‬‬
‫البعاد الفكرية والجتماعية والسياسية لدعوته‬
‫كانت الدولة العثمانية‪ ،‬ثم الدولة الكمالية‪ ،‬غارقتين في الجهل والفقر‬
‫والتخلف‪ ..‬أمّية ضاربه أطنابها في المجتمع التركي عامة وفي الرياف‬
‫مية فكرية قاتلة‪ ..‬وبشكل‬‫مية في القراءة والكتابة‪ ،‬وأ ّ‬ ‫الفقيرة خاصة‪ ..‬أ ّ‬
‫ص‪ ،‬في كل ما له صلة بهذا السلم‪ ،‬حتى غدا السلم بمبادئه العظيمة‪،‬‬ ‫أخ ّ‬
‫وها‪ ،‬تتناوشه سهام الغدر من كل جانب‪ ،‬جهل مطبق في العبادات التي‬ ‫ً‬ ‫مش ّ‬
‫كانت صورية شكلية ل روح فيها‪ ..‬وجهل أشد ّ بتعاليم السلم ومبادئه‬
‫القويمة‪ ،‬التي تعّرضت لشرس حملة يهودية صليبية علمانية حاقدة عليها‪..‬‬

‫‪76‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫على السلم‪ ،‬وعلى تاريخه‪ ،‬وعلى رجاله‪ ،‬حتى رسول السلم‪ ،‬صلى الله‬
‫عليه وسلم لم يسلم من طعنات الطاعنين به‪ ،‬والمسلمون عاجزون جهلة‪،‬‬
‫وعلماء السلم بين منكفئ على نفسه‪ ،‬وفار بدينه‪ ،‬وبين منحرف مبتدع سائر‬
‫في ركاب الحاكمين‪.‬‬
‫عاصر بديع الزمان هاتين المرحلتين الحالكتين‪ ،‬ووعى الداء‪ ،‬وعرف الدواء‪،‬‬
‫فتسّلح بالعلم واليمان والخلص‪ ،‬ثم انطلق يجوب المدن والقرى والقاليم‬
‫التي كانت تابعة للدولة العثمانية‪ ،‬وقابل السلطين والوزراء ورجال الحكم‬
‫والدارة‪ ،‬وطالبهم بالصلح‪ ،‬وبتحمل مسؤولياتهم تجاه المة والوطن‪ ،‬كما‬
‫وة السحيقة التي ترّدوا فيها‬ ‫دعا أبناء الشعب إلى اليقظة والنهوض من اله ّ‬
‫منذ زمن‪ ،‬فتعرض لما تعّرض له من بلء السجن والتعذيب والنفي‪ ،‬والملحقة‬
‫والمطاردة والتضييق عليه وعلى تلميذه طلب مدرسة النور دون أن تلين له‬
‫قناة‪ ،‬أو تضعف له عزيمة‪ ،‬أو تخور له إرادة‪ ،‬وكان لرسائله وخطبه ومواعظه‬
‫ومرافعاته ومقالته الصحفية‪ ،‬آثارها في نفوس الناس‪ ،‬فقد عّرى الدعاوى‬
‫العلمانية‪ ،‬وفضح أهداف القوميين والبلشفة والماسون‪ ،‬وصحح الفكرة‬
‫ي السلم‪ ،‬عن طريق رسائل النور التي انتشرت‬ ‫وهة عن السلم ونب ّ‬ ‫المش ّ‬
‫في أنحاء تركيا‪ ،‬فانبثقت عنها صحوة فكرية‪ ،‬تمثلت في سيل المطبوعات‬
‫والكتب في العديد من المدن التركية‪ ،‬واستطاعت أن تضغط على رجال‬
‫السياسة‪ ،‬وجلهم من العلمانيين‪ ،‬فاستجابوا لبعض مطالب المسلمين‪،‬‬
‫وتزلفوا للشعب المسلم‪ ،‬فأعاد رئيس الوزراء عدنان مندريس ‪-‬رحمه الله‪-‬‬
‫الذان إلى لغته العربية‪ ،‬وسمح بفتح العديد من مدارس الئمة والخطباء‪،‬‬
‫وبفتح الجامعات والكليات الشرعية السلمية‪.‬‬
‫ن المد ّ السلمي المعاصر في تركيا‪ ،‬ما هو إل‬ ‫بل إننا نستطيع أن نزعم‪ ،‬أ ّ‬
‫نتيجة طبيعية‪ ،‬لتلك الصحوة الجتماعية السلمية التي حمل عبأها طلب‬
‫مدرسة النور‪ ،‬مستهدين بالرسائل النورانية التي تركها لهم شيخهم المام‬
‫بديع الزمان النورسي‪ ،‬صاحب هذه المدرسة وما حوت من تراث فكري‬
‫ضخم‪ ،‬كان الشموع وكان المنارات‪ ،‬في ليل تركيا البهيم‪...‬‬
‫إن المد ّ السلمي المعاصر في تركيا‪ ،‬فكريا ً وسياسيًا‪ ،‬وعلميًا‪ ،‬واقتصاديا ً‬
‫وتربويًا‪ ،‬هو من ثمرات بديع الزمان الذي غرس غراسها منذ بداية هذا القرن‬
‫وشرع يتعهدها بالتربة الصالحة‪ ،‬والسقاية والرعاية‪ ،‬حتى آتت أكلها‪ ،‬وصارت‬
‫قاب قوسين أو أدنى من الهدف الذي سعى المام النورسي إلى تحقيقه‬
‫قرابة ثلثة أرباع القرن‪.‬‬
‫***‬
‫سبحانك ل علم لنا إل ما عّلمتنا‪ ،‬إنك أنت العليم الحكيم‪.‬‬
‫وصلى الله على سّيدنا وقائدنا وقدوتنا محمد‪ ،‬وعلى آله وصحبه‪ ،‬ومن سار‬
‫على دربه إلى يوم الدين‪.‬‬
‫‪ 7‬من صفر الخير ‪ 1418‬هـ‬
‫‪ 12‬من حزيران ‪ 1997‬م‬
‫الهوامش‪:‬‬
‫)‪ (17‬سورة هود‪119 - 118 :‬‬
‫)‪ (18‬د‪ .‬طه العلواني ‪ -‬أدب الختلف في السلم‪31 - 30 :‬‬
‫)‪ (19‬سورة النحل‪125 :‬‬
‫)‪ (20‬سورة البقرة‪83 :‬‬
‫)‪ (21‬سورة الجاثية‪14 :‬‬
‫)‪ (22‬الكلمات‪846 :‬‬

‫‪77‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الصالحي‪202 :‬‬ ‫)‪(23‬‬


‫المكتوبات‪20 :‬‬ ‫)‪(24‬‬
‫ً‬
‫الصالحي‪ 204 :‬نقل عن ملحق أمير داغ‪1/90 :‬‬ ‫)‪(25‬‬
‫المكتوبات‪566 - 565 :‬‬ ‫)‪(26‬‬
‫الكلمات‪ 569 - 562 :‬باختصار‬ ‫)‪(27‬‬

‫)‪(21 /‬‬

‫)‪ (28‬نفسه‪848 :‬‬


‫)‪ (29‬المحكمة العسكرية العرفية‪69 :‬‬
‫)‪ (30‬المناظرات‪82 :‬‬
‫)‪ (31‬الكلمات‪861 :‬‬
‫ً‬
‫)‪ (32‬د‪ .‬فرج محمد الوصيف ‪-‬بديع الزمان سعيد النورسي‪ 36 :‬نقل عن جهان‬
‫أقطاش‪ -‬اللبس والحكومة منذ التنظيمات إلى اليوم‪178 :‬‬
‫)‪ (33‬نفسه‪41 - 39 :‬‬
‫)‪ (34‬نفسه باختصار‪44 - 42 :‬‬
‫)‪ (35‬نفسه باختصار‪53 - 47 :‬‬
‫)‪ (36‬المثنوي‪197 :‬‬
‫)‪ (37‬نفسه‪200 - 199 - 198 :‬‬
‫)‪ (38‬الكلمات‪855 :‬‬
‫)‪ (39‬نفسه‪856 :‬‬
‫)‪ (40‬نفسه‪857 - 856 :‬‬
‫)‪ (41‬نفسه‪859 :‬‬
‫)‪ (42‬نفسه‪857 :‬‬
‫)‪ (43‬د‪ .‬محسن عبد الحميد ‪ -‬النورسي‪72 - 71 :‬‬
‫)‪ (44‬نفسه‪72 :‬‬
‫)‪ (45‬المثنوي‪14 :‬‬
‫)‪ (46‬عبد الفتاح أبو غدة ‪ -‬العلماء العّزاب‪244 :‬‬
‫)‪ (47‬المكتوبات‪420 - 419 :‬‬
‫)‪ (48‬نفسه‪566 :‬‬
‫)‪ (49‬أسيد إحسان قاسم ‪ -‬ذكريات عن سعيد النورسي‪115 :‬‬
‫)‪ (50‬الكلمات‪848 :‬‬
‫)‪ (51‬نفسه‪878 - 877 :‬‬
‫)‪ (52‬نفسه‪852 - 851 :‬‬
‫)‪ (53‬نفسه‪852 :‬‬
‫)‪ (54‬الصالحي‪162-161 :‬‬
‫)‪ (55‬بشير شكيب الجابري ‪ -‬القيادة والتغيير‪39 - 38 :‬‬
‫)‪ (56‬نفسه‪71 - 70 :‬‬
‫)‪ (57‬المثنوي العربي النوري‪15 :‬‬
‫)‪ (58‬نفسه‪16 :‬‬
‫)‪ (59‬الكلمات ‪ -‬اللوامع‪837 :‬‬
‫)‪ (60‬نفسه‪852 :‬‬
‫)‪ (61‬أسيد الصالحي‪23 :‬‬
‫)‪ (62‬المكتوبات‪ 16 :‬و ‪17‬‬

‫‪78‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (63‬نفسه‪ 82 :‬وانظر الصفحات‪541 - 472 - 369 - 84 :‬‬


‫)‪ (64‬سورة الرعد‪38 :‬‬
‫)‪ (65‬سورة يونس‪49 :‬‬
‫)‪ (66‬د‪ .‬محسن عبد الحميد‪ 20 :‬نقل ً عن )سعيد النورسي وجوانب مجهولة‬
‫من حياته(‪148 :‬‬
‫)‪ (67‬المثنوي العربي‪15 :‬‬
‫)‪ (68‬بديع الزمان ‪ -‬صيقل السلم‪547 - 546 :‬‬
‫)‪ (69‬د‪ .‬الوصيف‪142 :‬‬
‫)‪ (70‬سيرة إمام مجدد‪ 57 :‬والشعاعات‪ 18 :‬والدكتور محسن عبد الحميد‪:‬‬
‫‪31‬‬
‫)‪ (71‬الشعاعات‪294 :‬‬
‫)‪ (72‬أسيد إحسان قاسم‪110 :‬‬
‫)‪ (73‬الكلمات‪854 :‬‬
‫)‪ (74‬نبيه زكريا عبد ربه ‪ -‬الحركات السلمية ضد الصهيونية والصليبية‬
‫والشيوعية‪303 :‬‬
‫)‪ (75‬الكلمات‪854 :‬‬
‫)‪ (76‬نفسه‪859 :‬‬
‫)‪ (77‬نفسه‪850 :‬‬
‫)‪ (78‬سورة الرعد‪11 :‬‬
‫)‪ (79‬نفسه‪862 :‬‬
‫)‪ (80‬نفسه‪297 :‬‬
‫)‪ (81‬من مقدمة المثنوي للصالحي‪6 - 5 :‬‬
‫)‪ (82‬أسيد إحسان قاسم‪88 :‬‬
‫)‪ (83‬الكلمات‪873 :‬‬
‫)‪ (84‬نفسه‪870 :‬‬
‫)‪ (85‬ذكريات عن سعيد النورسي‪91 :‬‬
‫)‪ (86‬نفسه‪91 :‬‬
‫)‪ (87‬الملحق‪372 :‬‬
‫)‪ (88‬د‪ .‬الوصيف‪119 :‬‬
‫)‪ (89‬نفسه‪165 :‬‬
‫)‪ (90‬نفسه‪174 :‬‬
‫)‪ (91‬د‪ .‬الوصيف‪117 :‬‬
‫)‪ (92‬نفسه‪119 :‬‬
‫)‪ (93‬الكلمات‪853 :‬‬
‫)‪ (94‬نفسه‪862 :‬‬
‫)‪ (95‬نفسه‪860 :‬‬
‫)‪ (96‬سلوة المرضى‪8 - 7 :‬‬
‫)‪ (97‬نفسه‪14 :‬‬
‫)‪ (98‬نفسه‪16 :‬‬
‫)‪ (99‬نفسه‪24-23 :‬‬
‫)‪ (100‬سورة العلق‪7 - 6 :‬‬
‫)‪ (101‬سلوة المرضى‪32 :‬‬
‫)‪ (102‬الكلمات‪869 :‬‬
‫)‪ (103‬نفسه‪887 :‬‬

‫‪79‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (104‬نفسه‪877 :‬‬


‫)‪ (105‬عبد الفتاح أبو غدة‪243 :‬‬
‫)‪ (106‬الكلمات‪864 :‬‬
‫)‪ (107‬عبد الفتاح أبو غدة‪243 :‬‬
‫)‪ (108‬أسيد إحسان قاسم‪21 :‬‬
‫)‪ (109‬الكلمات‪863 :‬‬
‫)‪ (110‬الكلمات‪863 :‬‬
‫)‪ (111‬أسيد إحسان قاسم‪89 :‬‬
‫)‪ (112‬منير شفيق‪ :‬في نظريات التغيير‪ 57 :‬و ‪ 58‬بتصرف‬
‫)‪ (113‬د‪ .‬محسن عبد الحميد‪ 62 :‬و ‪ 63‬عن ملحق أمير داغ‪2/214 :‬‬
‫)‪ (114‬اللمعات‪160 :‬‬
‫)‪ (115‬د‪ .‬محسن عبد الحميد‪62 :‬‬
‫)‪ (116‬الملحق‪196 :‬‬
‫)‪ (117‬د‪ .‬محسن عبد الحميد‪65 :‬‬
‫)‪ (118‬الكلمات‪896 :‬‬
‫)‪ (119‬د‪ .‬الوصيف‪105 :‬‬
‫)‪ (120‬الملحق‪118 :‬‬
‫)‪ (121‬د‪ .‬الوصيف‪278-277 :‬‬
‫)‪ (122‬عبد الفتاح أبو غدة‪244 :‬‬
‫)‪ 123‬و ‪ (124‬نفسه‪249 :‬‬
‫)‪ (125‬الكلمات‪896 :‬‬
‫)‪ (126‬بشير الجابري‪71 :‬‬

‫)‪(22 /‬‬

‫بديع الزمان الهمذاني‬


‫هو أحمد بن الحسين‪ ،‬ولد ونشأ في "همذان" شمالي فارس‪ ،‬وهناك تأدب‬
‫وتعلم العربية والفارسية‪.‬‬
‫ي‪ ،‬وجرجان‪ ،‬ونيسابور حيث تألق نجمه‪ ،‬وأملى‬ ‫تنقل في عدة أقاليم‪ ،‬بين الر ّ‬
‫مقاماته الربعين‪ ،‬وناظر أبا بكر الخوارزمي‪ ،‬ثم استقر في "هراة" إحدى‬
‫مدن الفغان حتى مات سنة ‪398‬هـ‪.‬‬
‫له شعر ورسائل‪ ،‬ولكن شهرته تقوم على مقاماته‪ ،‬لنه أول من أذاع هذا‬
‫الفن‪.‬‬
‫والمقامة حكاية قصيرة يتنوع موضوعها‪ ،‬وتقوم على التفنن في النشاء‪،‬‬
‫وإيراد الحكم والمثال وتصوير شخصية بطلها‪ ،‬في أسلوب بارع متأنق‪ ،‬وروح‬
‫جها الذوق الدبي‪ ،‬لما فيها من الطبع وحسن‬ ‫خفيفة‪ ،‬وصنعته البديعية ل يم ّ‬
‫التأليف‪ ،‬وجمال الفن‪ :‬كالمقامة البغدادية والمضيرية والقريضية‪.‬‬
‫وهذه قطعة من )المقامة البشرية(‪:‬‬
‫حدثنا عيسى بن هشام قال‪:‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬كان بشر بن عوانة العبدي – صعلوكا)‪ .(1‬فأغار على ركب فيهم امرأةٌ‬
‫جميلة‪ ،‬فتزوج بها‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫ت كاليوم‪.‬‬
‫‪ -‬ما رأي ُ‬
‫فقالت‪:‬‬
‫ً‬
‫أعجب بشرا حوٌر في ‪ii‬عيني‬

‫‪80‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ودونه‪ ،‬مسرح طرف ‪ii‬العين‬


‫ض ‪ii‬كاللجين‬‫أحسن من يمشي على ‪ii‬رجلين ‪ ... ...‬وساعد ٌ أبي ُ‬
‫ن)‪(2‬‬ ‫جلي ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ة ترفل في ِ‬ ‫مصان ٌ‬ ‫خ ْ‬‫َ‬
‫م بشٌر بينها ‪ii‬وبيني‬ ‫ض ّ‬ ‫لو َ‬
‫أدام هجري وأطال بيني‬
‫قال بشر‪ :‬ويحك‪ ،‬من عنيت؟‬
‫فقالت‪ :‬بنت عمك فاطمة‪.‬‬
‫فقال‪ :‬أهي من الحسن بحيث وصفت؟ قالت‪:‬‬
‫وأزيد وأكثر‪.‬‬
‫ثم أرسل إلى عمه يخطب ابنته‪ ،‬ومنعه العم أمنيته فآلى أل ُيرعي على أحدٍ‬
‫منهم)‪ ،(3‬إن لم يزوجه ابنته‪ .‬ثم كثرت مضراته فيهم‪ ،‬واتصلت معراته)‪(4‬‬
‫إليهم‪ .‬فاجتمع رجال الحي إلى عمه وقالوا‪ :‬كف عنا مجنونك‪.‬‬
‫فقال‪ :‬ل تلبسوني عارًا‪ ،‬وأمهلوني حتى أهلكه ببعض الحيل‪.‬‬
‫فقالوا أنت وذاك‪.‬‬
‫ثم قال له عمه‪:‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬إني آليت أل أزوج ابنتي هذه إل من يسوق إليها ألف ناقةٍ مهرا‪ ،‬ول أرضاها‬
‫إل من نوق خزاعة)‪.(5‬‬
‫وغرض العم كان أن يسلك بشٌر الطريق بينه وبين خزاعة‪ ،‬فيفترسه السد‪،‬‬
‫لن العرب قد تحامت من ذلك الطريق‪ ،‬وكان فيه أسد ٌ يسمى داذا ً وحي ٌ‬
‫ة‬
‫ُتدعى شجاعًا‪.‬‬
‫ص)‪(6‬‬
‫م َ‬ ‫ه حتى لقي السد‪ ،‬وقَ َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ثم إن بشرا ً سلك ذلك الطريق‪ ،‬فما ن َ َ‬
‫ص َ‬
‫ّ‬
‫مهُْره‪ ،‬فنزل وعقره)‪ (7‬ثم اخترط سيفه إلى السد )‪ (8‬واعترضه وقطه)‪،(9‬‬ ‫ُ‬
‫ثم كتب بدم السد على قميصه إلى ابنة عمه‪:‬‬
‫ت‬
‫ت ببطن ‪ii‬خب ٍ‬ ‫م لو شهد ِ‬ ‫أفاط ُ‬
‫م ‪ii‬ليثا ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫إذن‪ ،‬لرأيت لْيثا أ ّ‬
‫ة إحدى ‪ii‬يديه‬ ‫يكفكف غِيل ً‬
‫ب‬‫يدل بمخلب وبحد ّ ‪ii‬نا ٍ‬
‫ث ‪ii‬غيري‬ ‫نصحتك فالتمس يا لي ُ‬
‫ت ‪ii‬أني‬ ‫م‪َ ،‬فخل ُ‬ ‫حسا َ‬ ‫هززت له ال ُ‬
‫وأطلقت المهند من ‪ii‬يميني‬
‫فخّر مضّرجا ً بدم ٍ ‪ii‬كأني‬
‫ي ‪ii‬أني‬ ‫وقلت لهـ‪ :‬يعّز عل ّ‬
‫شرا)‪(10‬‬ ‫ك بِ ْ‬
‫حّرا ‪ ... ...‬وقد لقى الهزبُر أخا ِ‬ ‫ً‬ ‫فل تجزع فقد لقيت ‪ُ ii‬‬
‫هزبرا ً أغلبا ً لقى ‪ii‬هزبرا‬
‫ي ‪ii‬أخرى)‪(11‬‬ ‫ويبسط للوثوب عل ّ‬
‫وبا للحظات تحسبهن ‪ii‬جمرا)‪(12‬‬
‫طعامًا‪ ،‬إن لحمي كان ‪ii‬مرا‬
‫ت به لدى الظلماء فجرا‬ ‫سلل ُ‬
‫قد ّ له من الضلع ‪ii‬عشرا‬ ‫ف َ‬
‫خّرا‬ ‫م ِ‬ ‫ش َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت به بناء ‪ُ ii‬‬ ‫هدم ُ‬
‫جلدا وفخرا‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫مناسبي َ‬ ‫ت ُ‬ ‫قتل ُُ‬
‫حّرا‬ ‫ت ‪ُ ii‬‬ ‫يحاذر أن ُيعاب‪ ،‬فم ّ‬
‫ما بلغت البيات عمه ندم على ما منعه من تزويجها وخشي أن تغتاله الحية‬ ‫فل ّ‬
‫ورة الحية)‪ .(13‬فلما رأى عمه أخذته‬ ‫س ْ‬
‫فقام في أثره‪ ،‬وبلغه وقد ملطته َ‬

‫‪81‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كم سيفه فيها‪.‬‬ ‫حمية الجاهلية‪ ،‬فجعل يده في فم الحية‪ ،‬وح ّ‬


‫فما قتل الحية قال عمه‪:‬‬
‫‪ -‬إني عرضُتك طمعا ً في أمرٍ قد ثنى الله عناني عنه‪ ،‬فارجع لزوجك ابنتي‪.‬‬
‫ما رجع جعل ِبشر يمل ً فمه فخرًا‪ ،‬حتى طلع أمرد ُ كشق القمر‪ ،‬على‬ ‫فل ّ‬
‫فرسه‪ ،‬مدججا ً في سلحه‪ .‬فقال ِبشر‪:‬‬
‫د)‪.(14‬‬ ‫د‪ .‬وخرج فإذا بغلم ٍ على قِي ْ ٍ‬ ‫س صي ٍ‬ ‫‪ -‬يا عم‪ ،‬إني أسمع ح ّ‬
‫فقال‪:‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬ثكلتك أمك يا ِبشر‪ ،‬أن قتلت دودة تمل ما ضغيك فخرا)‪(15‬؟‬
‫مك‪.‬‬ ‫ن إن سلمت ع ّ‬ ‫أنت في أما ٍ‬
‫فقال بشر‪ :‬من أنت؟ ل أم لك!‬
‫ت الحمر‪.‬‬ ‫م السود والمو ُ‬ ‫قال‪ :‬اليو ُ‬
‫حْتك)‪.(16‬‬ ‫َ‬
‫سل َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫فقال بشر‪ :‬ثكلتك َ‬
‫م عشرون‬ ‫ن الغل َ‬
‫وكر كل واحد منهما على صاحبه‪ ،‬فلم يتمكن ِبشٌر منه وأمك َ‬
‫سنان)‪ (17‬حماه عن بدنه‪ ،‬إبقاء عليه‪.‬‬ ‫سه شبا ال ِ‬ ‫ر‪ ،‬كلما م ّ‬ ‫ة في كلية بش ٍ‬ ‫طعن ً‬
‫ثم قال‪:‬‬
‫‪ -‬يا بشر‪ ،‬كيف ترى؟ أليس لو أردت لطعمتك أنياب الرمح؟‬
‫ثم ألقى رمحه واستل سيفه‪ ،‬فضرب بشرا ً عشرين ضربة بعرض السيف‪،‬‬
‫ولم يتمكن بشُر من واحدة‪.‬‬
‫ثم قال‪:‬‬
‫مك واذهب في أمان‪.‬‬ ‫مع ّ‬ ‫يا بشُر‪ ،‬سل ّ ْ‬
‫م ولكن بشريطة أن تقول لي‪:‬‬ ‫قال‪ :‬نع ْ‬
‫من أنت؟‬
‫فقال‪ :‬أنا ابنك‪.‬‬
‫ت عقيلة قط )‪ ،(18‬فأّنى هذه المنحة؟‬ ‫فقال‪ :‬سبحان الله! ما قارن ُ‬
‫فقال‪ :‬أنا ابن المرأة التي دلتك على ابنة عمك‪.‬‬
‫فقال بشر‪:‬‬
‫صّية)‪ (19‬هل تلد الحية إل الحية؟‬ ‫‪ -‬تلك العصا من هذه العُ َ‬
‫ً‬
‫حصانا)‪(20‬‬ ‫حصانًا‪ ،‬ول تزوج َ‬ ‫ب ِ‬ ‫وحلف‪ :‬ل َرك ً‬
‫مه لبنه‪.‬‬ ‫ج ابنة ع ّ‬ ‫ثم زوّ َ‬
‫الهوامش‪:‬‬
‫)‪ (1‬الصعلوك‪ ،‬في الصل‪ :‬الفقير‪ .‬والمراد هنا‪ :‬اللص الفاتك‪.‬‬
‫)‪ (2‬مسرح طرف العين‪ :‬أي قريبا ً منه – الخمصانة‪ :‬الضامرة الخصر –‬
‫حجل‪ :‬الخلخال‪.‬‬ ‫ال ِ‬
‫)‪ (3‬أقسم أل يبقي على أحد‪.‬‬
‫)‪ (4‬مفردها‪ :‬المعرة‪ ،‬وهي الشر والذى‪.‬‬
‫)‪ (5‬خزاعة‪ :‬من كبريات قبائل العرب‪.‬‬
‫)‪ (6‬رفع يديه معا ً وطرحهما معًا‪.‬‬
‫)‪ (7‬قطع قوائمه بالسيف‪.‬‬
‫)‪ (8‬استل سيفه ومشى إلى السد‪.‬‬
‫)‪ (9‬قطعه‬
‫)‪ (10‬بطن خبث‪ :‬اسم مكان – الهزبر‪ :‬من أسماء السد‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪82‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (11‬يكفكف‪ :‬يقبض – غيلة‪ :‬خدعة‪.‬‬


‫ل‪ :‬يتيه ويظهر تكبره‪.‬‬‫)‪ُ (12‬يد ّ‬
‫)‪ (13‬سطوتها‪.‬‬
‫)‪ (14‬أي على مسافة قصيرة كطول الرمح‪.‬‬
‫)‪ (15‬يريد‪ :‬تمل فمك‪ .‬وقوله‪ :‬أن قتلت‪ ،‬معناه‪ :‬لنك قتلت )بتقدير حرف جر‬
‫محذوف(‪.‬‬
‫)‪ (16‬أي رمت بك من بطنها‪ ،‬وولدتك‪.‬‬
‫)‪ (17‬طرف الرمح‪.‬‬
‫)‪ (18‬أي ما تزوجت امرأة كريمة‪.‬‬
‫ً‬
‫)‪ (19‬أي أن الشيء الجليل يكون في بدء أمره صغيرا‪ .‬وهو مثل من أمثال‬
‫العرب‪.‬‬
‫)‪ (20‬بفتح الحاء‪ :‬المرأة العفيفة‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫بديع الزمان سعيد النورسي‬


‫انني سعيد جدا ً لتاحة الفرصة لي لكتابة كلمة تعريف لـ ”المثنوي العربي‬
‫النوري” لبديع الزمان سعيد النورسي‪ .‬فمن الواجب دراسة هذه الشخصية‬
‫السامقة دراسة جدية وواسعة وتعريفها وتقديمها الى النسانية جمعاء‪ .‬ذلك‬
‫لن “بديع الزمان سعيد النورسي” يقف في مقدمة صفوف مفكري هذا‬
‫القرن من الذين قدموا وبشكل مؤثر ونقي ودون شوائب‪ ،‬العقيدة التي‬
‫يعتنقها العالم السلمي وحياته الروحية العريضة‪ ،‬ومعاييره المعنوية الواسعة‪.‬‬
‫ونحن ل نعتقد باننا نستطيع فهمه او فهم أفكاره ان اقتربنا منه ومن افكاره‬
‫بشكل عاطفي‪ ،‬فمثل هذا السلوب لن يكون اسلوبا ً جديا ً في فهم المسائل‬
‫التي طرحها والتي دافع عنها طوال حياته دفاع البطال‪ ،‬فقد كان طوال حياته‬
‫انسانا ً يعيش تحت ظل الكتاب والسنة ويحلق باجنحة المنطق والتجربة‪ ،‬ومع‬
‫عمق عالمه العاطفي‪ ،‬وقلبه المشبوب بالعشق اللهي فقد ظل على الدوام‬
‫رجل عقل ومنطق‪.‬‬
‫لقد قيل وكتب الشئ الكثير حتى الن عن سمو افكاره وعن فهمه لطبيعة‬
‫عصره‪ ،‬وبساطته وروحه النسانية الواسعة‪ ،‬وعن وفائه وارتباطه باصدقائه‬
‫وعن عفته وتواضعه وزهده واستغنائه عن الجميع‪ .‬ويمكننا ان نقول بان كل‬
‫وصف من هذه الوصاف المذكورة اعله يمكن ان يكون موضوع كتاب‬
‫مستقل‪ ،‬وهي اوصاف طالما اهتم بها في كتبه وأكد عليها‪ .‬ثم ان هناك العديد‬
‫من الشهود الحياء وهم طلبه الذين سعدوا بالعيش بقربه وتعرفوا على‬
‫عمق عالمه الروحي وسعته‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ومع ان مظهره الخارجي كان متواضعا جدا في غاية البساطة ال انه كان‬
‫صاحب تفكير عميق وصاحب حركة نشطة وقوية قل نظيره‪ .‬فقد قام‬
‫باحتضان النسانية كلها متناول ً مشاكلها الحيوية‪ ،‬ومتحديا ً الكفر والضلل‬
‫ومعلنا ً الحرب على الستبداد وعلى الدكتاتورية‪ ،‬مسترخصا ً روحه في سبيل‬
‫وفائه وخلقه الشجاع‪ ،‬وكان استقباله الموت ببشاشة وبابتسام سلوكا ً اعتياديا ً‬
‫عنده‪.‬‬
‫ً‬
‫وبجانب مشاعره النسانية الغنية فقد بقي في دعوته مرتبطا بالكتاب والسنة‬
‫مع الخذ برقبة العقل والمنطق‪ .‬لذا فقد تجلى في مظهره وسلوكه جانبان‪:‬‬
‫جانب العاطفةالمشبوبة الى درجة الوجد والعشق وصفة الرجولة‬

‫‪83‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والشجاعة‪ ..‬ثم جانب رجل الفكر صاحب العقلية الفذة الذي يسبق معاصريه‬
‫بنظراته الثاقبة وبخططه ومشاريعه الكبيرة‪.‬‬
‫ان فهم سعيد النورسي وفهم دعوته من هذه الزاوية يفيدنا في فهم معنى‬
‫العصر الذي نعيش فيه‪.‬‬
‫وعلى الرغم من قيام البعض بتناسي هذا فان الحقيقة هي‪ :‬ان سعيد‬
‫عد من افضل مفكري وكتاب جيله وعصره‪ ،‬واستطاع ان يكون‬ ‫النورسي ُ‬
‫قائدا ً للجماهير ومتحدثا باسمها‪ ،‬ولكنه لم ُيعجب بنفسه‪ ،‬ولم يهتم بالمظاهر‪.‬‬
‫ً‬
‫وبذل كل جهوده للبتعاد عن الشهرة والصيت لذا فالقول المأثور عنه‬
‫“الشهرة عين الرياء وموت للقلب” ليس ال حكمة ذهبية واحدة من بين‬
‫حكمه العديدة في هذا الموضوع‪.‬‬
‫لقد استطاع سعيد النورسي ان يكون ‪ -‬مع بضعة آخرين ‪ -‬في رأس قائمة‬
‫كتاب والمفكرين في طول العالم السلمي وعرضه في القرن العشرين‪،‬‬ ‫ال ُ‬
‫وان تكون كتبه مقروءة بشوق وبحب من قبل مختلف المستويات وان يكون‬
‫من الشخصيات التاريخية التي ل تبلى مع الزمن ول ُتنسى مع اليام‪.‬‬
‫ان جميع كتب بديع الزمان ومؤلفاته محصول لجهد فكري كبير في تفسير‬
‫وتناول بعض المور ‪ -‬المفتوحة للتفسير ‪ -‬من زاوية العصر الذي ولد فيه‪.‬‬
‫وتستطيع ان تقرأ وتسمع في كتبه صرخات ألم الناضول والعالم السلمي‬
‫وأنينهما وكذلك اصوات البشائر وزغاريد امل الناضول والعالم السلمي‪...‬‬
‫صحيح انه ولد في قرية نائية من قرى احدى الوليات الشرقية في تركيا ال‬
‫انه احس دائما ً انه ابن الناضول‪ ،‬واحس بنبض مشاعرنا كابن مرموق من‬
‫ابناء اسطنبول‪ ،‬ولكنه في جميع الحوال كان يضم البلد كلها الى صدره بكل‬
‫حنان وعطف ومحبة‪.‬‬
‫عاش بديع الزمان في فترة عاصفة سادت فيها الفلسفة المادية وانتشرت‬
‫حل ُكَ‬
‫فيها الشيوعية انتشار النار في الهشيم‪ ...‬فترة ادلهمت فيها الخطوب و َ‬
‫فيها الظلم‪ ...‬في هذه الفترة العصيبة قام بديع الزمان بكتبه ومؤلفاته بنفخ‬
‫روح المل واليمان في انسان عصرنا المضطرب‪ ،‬وبارشاده الى طرق‬
‫اليمان والمل‪ .‬ونفخ في الجماهير في كل مكان زاره روح البعث بعد الموت‬
‫والحركة بعد الجمود‪.‬‬
‫لقد راى بثاقب بصره ان اهم مشكلة يجب تناولها وحلها هي مشكلة الفوضى‬
‫النابعة من الكفر واللحاد‪ ،‬لذا قضى حياته كلها وهو يؤكد لنسان عصرنا‬
‫ضرورة معالجة هذا الداء‪ ،‬وصرف جهدا ً يفوق طاقة البشر في هذا‬
‫الخصوص‪ ،‬فقد كان على وعي كامل بالمسؤولية الملقاة على عاتقه في هذا‬
‫العالم الذي وجده يتلوى امامه من آلم الزمات الخانقة والمشاكل‬
‫المزمنة‪ ...‬وعندما تصدى لحمل هذا العبء الذي تشفق الجبال من حمله‪،‬‬
‫تصدى لذلك بكل تواضع وحياء‪ ،‬ولكن بكل ثقة وبكل اطمئنان ايضا ً بقدرة الله‬
‫المطلقة وغناه اللمحدود‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫أجل!‪ ...‬لقد عاش في الوقت الذي اصبح فيه العلم والفلسفة أداة لدفع‬
‫الناس نحو اللحاد‪ ،‬وفي الوقت الذي تم فيه غسل الدمغة بالشيوعية‪ ،‬والذي‬
‫جر من يرفع صوته ضد هذه السلبيات‪ ،‬من مدينة لمدينة‬ ‫كان ُينفى” فيه وُيه ّ‬
‫ومن بلدة الى اخرى‪ ،‬إذ عاش الوطن فترة تهجير مخجلة‪ .‬والغرب من هذا‬
‫ان كل هذه العمليات كانت تحدث باسم المدنية والمعاصرة‪ ...‬في اثناء تلك‬

‫‪84‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫اليام السوداء التي انقلبت فيها المفاهيم حتى اصبحت الحركة الفوضوية‬
‫حركة واسعة منتشرة تحمل سحرا ً وجاذبية‪ ...‬في تلك اليام انتصب بديع‬
‫الزمان أمامنا يسلط الضوء على دخائل انفسنا وكأنه طبيب حاذق‪ُ ...‬يرينا‬
‫سجون أنفسنا‪ ...‬واغلل ارواحنا‪ ...‬جرائمنا وجناياتنا‪ ...‬قيامنا بأسر انفسنا‬
‫بانفسنا‪ ...‬يسلط الضوء على الجوانب النسانية الهامدة في اعماق ارواحنا‬
‫وفي عوالم ضمائرنا‪ ...‬فأثار في قلوبنا الشوق الى السمو وبعث فيها نبض‬
‫الحياة ودفق المل‪ ...‬واوضح امام جميع النظار ان في اعماقنا علقة وصلة‬
‫مع العوالم الخرى وارتباطا ً بها‪ ،‬ووهب لنا كل ثمرات المدارس والتكايا‬
‫والزوايا وحلقات العلم والدراسة‪.‬‬
‫ً‬
‫اجل! ففي عهد كانت المة فيه تتقلب ألما من السقوط ومن الضحالة‬
‫الفكرية‪ ،‬والتي اصبحت فيه اللم الجتماعية عقدة مستعصية وظهرت كل‬
‫يوم مئات من الحوادث المفزعة في كل ناحية من انحاء البلد‪ ،‬وتهدمت كل‬
‫المعايير والمفاهيم السلمية والملية واصبحت انقاضا ً فوق انقاض‪ ...‬في مثل‬
‫هذا العهد المظلم العاصف كان بديع الزمان يفكر ويبحث عن الحلول‬
‫ويشخص المراض ثم يكتب الوصفات لها كاي طبيب حاذق‪ .‬لقد راى الجيال‬
‫البائسة وهي تئن تحت ثقل البليا الهائلة التي افرزتها العوام الطويلة‬
‫المظلمة‪ ،‬وكيف انها تاهت وظلت سبيلها في اودية الضللة ودروب اللحاد‪.‬‬
‫وكيف انها كلما ارادت الخلص والنجاة انغرست في ازمات اسوأ وغرقت في‬
‫مشاكل افظع‪ ...‬راى هذا واحس بآلم هذه الجيال في أعماق روحه‪ ،‬فعاش‬
‫حياته وهو في انفعال وفوران روحي يفكر ويبحث على الدوام ليقدم حلول ً‬
‫كرها‪ ،‬انها وان كانت الن‬ ‫بديلة للدولة وللمجتمع‪ ،‬وينبه هذه المة البائسة ويذ ّ‬
‫تعيسة الحظ ال انها امة عريقة في المجد وغنية بالبطولت‪.‬‬
‫قام بديع الزمان منذ عهد الدولة العثمانية بالتجوال في معظم ارجاء البلد‪...‬‬
‫من مدنها الكبيرة الى قراها الصغيرة‪ ...‬ومن المناطق المزدحمة بالسكان‬
‫الى المناطق النائية‪ ...‬راى الجهل ضاربا ً اطنابه في كل مكان‪ ،‬وراى الناس‬
‫يتجرعون آلم الفقر‪ ...‬رآهم شيعا ً واحزابا ً يأكل بعضهم بعضًا‪ ...‬ارتعش فزعا ً‬
‫مما رآه‪ ،‬ولنه كان رجل فكر ونظر ثاقب ادرك طبيعة عصره وفهمها بعمق‪،‬‬
‫لذا حاول ان يبث في الجماهير آنذاك روح العلم‪ ،‬واهتم باسباب المشاكل‬
‫القتصادية وعوامل الفقر والحاجة‪ ،‬وبحث عن حلول لسباب فرقة امتنا وعن‬
‫علج لخلفاتها‪ ،‬واكد دائما ً على ضرورة الوحدة والتفاق‪ ،‬وكان مع هذه المة‬
‫على الدوام‪ ،‬ولم يدعها وحيدة في تلك اليام العصيبة لحظة واحدة‪ .‬وفي كل‬
‫مكان وطئته قدماه كان يهتف بملء فيه‪“ :‬ان لم ُتعالج الن هذه المشاكل‬
‫المتداخلة بعضها في البعض الخر‪ ،‬وان لم ُتضمد هذه الجروح بايدٍ متخصصة‬
‫ماهرة‪ ،‬فان امراضنا ستزمن وتستعصي على العلج‪ ،‬لذا لبد من تشخيص كل‬
‫مشاكلنا العلمية والجتماعية والدارية‪ ،‬وتحليل كل عللنا المادية والمعنوية‬
‫لوصف العلج الشافي لها‪ ،‬اذ لبد من ايقاف هذه المشاكل وانهاء هذه العلل‬
‫التي تقوض بنيتنا وتهدد بقاءنا وتهز قواعد واسس وجودنا”‪.‬‬
‫كان بديع الزمان يرى ان منبع جميع الشرور والسيئات آنذاك ‪ -‬كما هي الن ‪-‬‬
‫هو الجهل والفقر والتشتت والختلف‪ .‬أجل! لقد كان الجهل هو العامل الول‬
‫في الضائقات الجتماعية والدافع الول لبؤس المة‪ .‬ونعني بالجهل هنا الجهل‬
‫بالله وعدم معرفة النبي “ص” وعدم المبالة بالدين وعدم مشاهدة قوانا‬
‫المادية والمعنوية والتاريخية‪ ...‬مثل هذا الجهل كان من اكبر المصائب والبليا‬
‫المسلطة على رؤوسنا‪ ،‬لذا صرف بديع الزمان عمره في محاربة هذه‬
‫الجرثومة القاتلة‪ ،‬اذ راى انه مالم تجهز الجماهير بالعلم والمعرفة‪ ،‬وما لم‬

‫‪85‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يتعود المجتمع على التفكير المنظم‪ ،‬وما لم ُتجابه تيارات الفكار المنحرفة‬
‫فمن العبث المل في خلص هذه المة‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪ ...‬أجل! أليس الجهل هو السبب في انفصام الكون عن القرآن وانفصام‬


‫القرآن عن الكون؟‪ ...‬انفصما فاصبح احدهما يتيما ً في سجون الرواح‬
‫المتعصبة التي ل تفهم اسرار الوجود ول تدرك سر الشياء والحوادث‪ .‬وتحول‬
‫الخر الى حالة فوضى في يد اجهل الجهال الذين يبحثون عن كل شئ في‬
‫المادة ول يرون غيرها‪ ،‬وانطمست أعينهم وعميت عن رؤية المعاني‪ ..‬ثم ألم‬
‫يكن الجهل هو السبب في انسحاق هذه المة تحت وطأة الفقر والحاجة على‬
‫الرغم من اراضيها الخصبة وانهارها الفياضة وسهولها ومراعيها؟ أليس الجهل‬
‫هو الذي جعلنا فقراء معدمين ومديونين بديون قاصمة للظهر مع وجود كل‬
‫هذه المعادن النفيسة غير المستغلة تحت الرض في كل ارجاء بلدنا‪ ،‬ومع‬
‫وجود كل اسباب الغنى والثروة سواًء منها المدفونة تحت الرض او‬
‫الموجودة منها فوق سطحها؟‬
‫اجل! فمنذ اعوام طويلة كانت هذه المصيبة التي اذلت امتنا هي السبب في‬
‫ان عمالنا وفلحينا على الرغم من بذلهم كل طاقاتهم ل يحصلون على‬
‫المقابل الحقيقي لجهودهم ول على بركة هذ الشئ القليل في ايديهم‬
‫وتمضي حياتهم في ضنك وفي ضيق ول يعرفون طعما ً للسعادة‪.‬‬
‫وكان من نتيجة هذا الجهل‪ ،‬وكذلك من نتيجة الفرقة ‪ -‬النابعة ايضا ً من الجهل‬
‫‪ -‬اننا ابتلينا في اطراف عديدة من هذه الدنيا بصنوف من الظلم والذل‬
‫والهوان والعلل‪ ،‬فسالت الدماء واغتصبت العراض‪ ،‬ومع ذلك فقد فشلنا ‪-‬‬
‫في هذه الدنيا التي تتقلب فيها اوضاع التوازن الدولي ‪ -‬ان نخلص انفسنا من‬
‫قبضة الخلف والنقسام والتشتت لكي نوقف هذه المآسي والفواجع‪ ،‬ول‬
‫نستطيع مد ّ يد العون الى العالم السلمي ول نستطيع الرتفاع الى مستوى‬
‫العصر في حل مشاكله المستمرة في التفاقم والتي تجره الى مهاوٍ خطرة‬
‫ومزالق رهيبة‪ .‬وبينما تتلوى المة جميعها في شباك هذه المراض والعلل‬
‫المهلكة‪ ،‬نرى ان قسما ً من الذين سكرت وثملت ارواحهم وانبهرت ابصارهم‬
‫بتقدم الغرب المادي الظاهري بدل ً من ملء ادمغتهم بالعلوم وقلوبهم‬
‫بالحقائق الدينية للوصول الى الغنى المادي والمعنوي فانهم فضلوا التعامي‬
‫عن كل قيمنا الدينية والملية الحيوية التي هي مصادر قوتنا وعوامل منعتنا‬
‫وتناسوها‪ ،‬وفضلوا السير في طريق التقليد العمى الذي يسلب الشعب‬
‫وجماهير المة كل سجية دينية او ملية‪ ،‬ومن كل وعي بالتاريخ ومن كل‬
‫سلك بهدف انقاذ‬ ‫فضيلة وميزة اخلقية‪ .‬وفي نظري ان هذا الطريق الذي ُ‬
‫المة كان طريقا ً خاطئا ً وضارا ً وفتح في صدر المة وروحها جروحا ل تلتئم‪.‬‬
‫ً‬
‫ففي الحالة الولى عاش انساننا لسنوات طويلة في كابوس مرعب‪ ،‬وفي‬
‫الحالة الثانية خسرنا كل فضائلنا الملية واصالتنا الروحية ومصادر قوتنا‬
‫الدافعة‪.‬‬
‫تصدى بديع الزمان منذ بداية حياته وحتى انتقاله في مدينة “اورفة” الى‬
‫الرفيق العلى لكل هذين الفريقين ولطرق سلوكهم ومعالجتهم للمور‪ ،‬ولكل‬
‫النتائج الوخيمة التي افرزتها طرق المعالجة الخاطئة هذه‪ ،‬وفتح بمبضع‬
‫الطبيب الجراح قيح وصديد قرن كامل‪ ،‬وشخص المصائب والبليا التي انتجها‬
‫هذا القيح وهذا الصديد‪ ،‬ثم اشار الى الدواء الناجع والعلج الشافي لينقذ‬

‫‪86‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫انسان هذه المة من السقوط والضياع‪ .‬لقد ظل بديع الزمان امينا ً طوال‬
‫ن ووفاء ذكرها وتقديمها على‬ ‫حياته لمبادئه هذه التي كرر بكل اخلص وتفا ٍ‬
‫الدوام‪.‬‬
‫ان ادخال افكار جديدة وترسيخها في ذاكرة المجتمع وفي فكرها امر شاق‬
‫ومهمة صعبة كصعوبة قلع الفكار والمبادئ والقيم المتوارثة ‪ -‬صحيحة كانت‬
‫ام خاطئة ‪ -‬من الماضي التي ترسخت في داخل المجتمع حتى اصبحت‬
‫تجرى في عروقه مجرى الدم‪ .‬ولشك ان الجماهير بقيت تحت تأثير مثل هذه‬
‫الفكار المنتقلة اليها من الماضي ‪ -‬سواًء أكانت هذه الفكار صالحة ام‬
‫طالحة ‪ -‬حيث اّدت هذه الفكار والراء دورا ً مهما ً في تشكيل حياتها‬
‫الجتماعية والفردية وتوجيهها‪ ،‬واصبحت هذه الجماهير تشعر بالنفور من كل‬
‫فكر ل يتماشى” مع هذه الفكار المعتادة ول يتلئم مع المشاعر والعواطف‬
‫العامة‪ ،‬وتحاول البتعاد عنها‪ .‬ان مثل هذا الشعور ومثل هذا التصرف يكون‬
‫خاطئا ً في بعض الحيان‪ .‬ذلك لنه في حالة تبني الجماهير لفكار خاطئة‬
‫ذر هذه الفكار والعادات والتقاليد في بنيتها‬ ‫وعادات سيئة وتقاليد ضارة وتج ّ‬
‫وتسللها الى مختلف جوانب حياتها فان من الضروري التصدي لهذه الفكار‬
‫المنحرفة والقناعات الخاطئة ومحاربتها وتصفيتها من الذهان وتخليتها من‬
‫القلوب وتحليتها بالخصال الحميدة لكي تستطيع المة السير بأمان وثقة نحو‬
‫المستقبل‪.‬‬
‫لقد حمل بديع الزمان هذه الفكار منذ شبابه المبكر‪ .‬وعد ّ اخفاء اي حقيقة‬
‫في هذا الموضوع ‪ -‬مهما كانت صغيرة او جزئية ‪ -‬خيانة لمته ولبناء امته‪ .‬لذا‬
‫وقف امام كل الفكار وكل القرارات الخاطئة رافعا ً يديه الى اعلى مشيرا ً‬
‫بهما اشارة التحذير وهاتفا ً بكل قوته‪“ :‬احذروا!‪ ...‬هذا طريق مسدود”‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫كانت فطرته حساسة جدا ً ضد ما يناقض القيم الدينية‪ ،‬مع نظرة بعيدة المدى‬
‫وهمة عالية ل توجد ال عند اولي العزم من الرجال‪ .‬فصاحب قلب شجاع‬
‫مثله‪ ،‬ما كان ليستطيع أل ّ يحرك ساكنا ً وهو يشاهد اضمحلل امة عريقة‬
‫مجيدة وذوبانها‪ ،‬لذا لم يدخر وسعا ً في توجيه النظار الى عيوبنا كأمة والى‬
‫اعمق اسباب الهلك والضمحلل وأدقها‪ ،‬لتقوم المة بمحاسبة نفسها‬
‫كرها مرارا ً وتكرارا ً بعوامل النقراض والفناء وقدم اليها‬‫ومحاكمة ذاتها‪ .‬لقد ذ ّ‬
‫وصفات النجاة والخلص دون ان يخفي عنها امّر الحقائق واكثرها ايلما ً‬
‫للنفس‪ ،‬ودون ان يتردد في هذا اي تردد‪ ،‬لذا فقد واجه القناعات الخاطئة‬
‫والفكار المتعفنة وناضل طوال حياته ضد كل الموانع التي تمنع انتشار انوار‬
‫الحقيقة‪.‬‬
‫في تلك اليام الحالكة السواد التي لم يكن هناك من يتجرأ على التفوه باي‬
‫شي حول الحقائق الدينية‪ ،‬قام هو بايقاظ الجماهير التي اريد تخديرها‬
‫وتنويمها فأعلن الحرب على الجهل والفقر والفرقة‪ ،‬وهز اركان الوهام‬
‫الكثيرة المختلفة التي احاطت بالمجتمع‪ ،‬فكما أعلن حربا ً ضروسة ضد‬
‫اللحاد وانكار الخالق‪ ،‬فقد اغرق الباطيل والخرافات في تناقضاتها وسد‬
‫البواب امامها‪ .‬وبشجاعة منقطعة النظير قام بتشريح مشاكلنا وعللنا‬
‫المزمنة منذ عدة عصور وقدم طرق علجها والشفاء منها‪.‬‬
‫ي للرياء وللمظاهر الكاذبة المستشرية عندنا منذ ما يقارب‬ ‫ولقد قام بعملية ك ّ‬
‫ً‬
‫ي”‪ .‬وذكر امورا جديدة وجدت صداها في‬ ‫مئتي سنة ذلك لن “آخر الدواء الك ّ‬

‫‪87‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫النفوس بدًء من رجال قصر السلطان وانتهاًء الى رؤساء العشائر في‬
‫الوليات الشرقية‪ ،‬ومن منتسبي المشيخة السلمية الى رئاسة اركان حرب‬
‫القوات المسلحة‪ ،‬فجمع انظار جميع طبقات الشعب اليه‪ ،‬ومع انه كان‬
‫يتجنب الظهور والشهرة بطبيعته‪ ،‬ال ان طبيعة المور كانت تؤدي الى هذه‬
‫النتيجة‪.‬‬
‫نبه بديع الزمان جميع مستويات الشعب وطبقاته بان عليها اول ً كسر اغلل‬
‫روحها قبل ان تجرد السيف من الغمد للجهاد‪ ،‬وبشر الشباب ببعث جديد‬
‫للحياة فدلهم على الطرق المؤدية للفكر السلمي‪ .‬ومما لشك فيه انه كان‬
‫يخشى من تمزق الوطن من الناحية الجغرافية وانقسامه وتقلصه خشية‬
‫شديدة ولكنه كان يخشى اكثر من العوامل التي تودي الى هذه النتيجة‬
‫المفجعة بضمور الفكار وسفالة الروح والتقليد العمى للغرب‪.‬‬
‫دعا بديع الزمان الى القراءة والمطالعة والتفكر والى السعي والحركة لينقذ‬
‫ى وامة متينة البنية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫افراد المة من ضنك العزلة وليشكل مجتمعا سليما معاف ً‬
‫وأكد على التعليم الذي رآه ضرورة قصوى لرفع الوطن وانسان هذا الوطن‬
‫الى الذروة التي اشار اليها‪ ...‬فدعا الى طبع الكتب ونشرها‪ ،‬والى نشر‬
‫المعارف بكل اشكالها في كل مكان والى نشر التعليم والتربية‪ ،‬اذ كان يرى‬
‫اشتراك المساجد والمدارس الدينية ومعسكرات الجنود والسجون وكافة‬
‫مرافق المجتمع في تعبئة عامة للتعليم‪ ،‬فبالمعارف وحدها يمكن تحقيق‬
‫الوحدة العقلية والفكرية‪ ،‬إذ كان يرى ان العقول ان لم تتآلف مع بعضها اول ً‬
‫فل يمكنها ان تقطع معا ً شوطا ً كبيرا ً في الطريق‪ .‬ويجب ان تتحد الضمائر‬
‫والمشاعر اول ً لكي تتحد القلوب واليدي فيما بعد‪ .‬والطريق الى مثل هذه‬
‫الوحدة يكون بتناول الحياة حسب مبادئ الدين وقيمه‪ ،‬وحسب الكتاب‬
‫والسنة وطريق السلف الصالح واجتهادهم‪ ،‬على ان تفسر المور الجديدة‬
‫والمستحدثة حسب ادراك العصر وضرورته‪.‬‬
‫اجل!‪ ...‬لبد ان يتعرف النسان على ما جلبه العصر من المعاني والتفسيرات‬
‫وان يؤسس السلم معها‪ .‬فان انزوينا وتقوقعنا على انفسنا في الوقت الذي‬
‫تنطلق فيه الدنيا في طريقها وفي سبيلها فان هذا يعني الموت بالنسبة الينا‪.‬‬
‫فمن اراد عيش الحياة الحالية فان عليه ان يجد الطريقة التي يستطيع بها‬
‫تأسيس التناغم والملئمة بين شللت الحياة المنطلقة وبين ارادته وسعيه‪.‬‬
‫وال فان مقاومة تيار الكون العام ل يؤدي ال الى تلف المقاوم وفنائه‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫لو ان بديع الزمان حظي بدعم بضع مئات من المثقفين وهو ينشر رسائله‬
‫في ارجاء البلد ووجد منهم سندا ً لفكاره فلربما كنا من اغنى المم واكثرها‬
‫مدنية‪ ،‬ومن اقدرها على حل المشاكل التي تعرض لها‪ ،‬ولكنا دخلنا المرحلة‬
‫الحالية منذ ذلك الوقت‪ ،‬اي منذ بداية القرن العشرين‪ ،‬ولما جابهتنا المشاكل‬
‫الحالية العديدة‪ .‬ومع كل هذا فنحن نحمل امل ً كبيرًا‪ ،‬لننا نرى ان الذين‬
‫ينظرون الى امتنا وكأنها فقدت كل جذورها المعنوية هم على خطأ كبير‪...‬‬
‫صحيح اننا تأخرنا مثل غيرنا من المم الخرى وضعفنا إذ ليس في وسع احد‬
‫إنكار هذا‪ ،‬ولكن ليس في وسع احد ايضا ً ان ينفي قدرتنا على النهوض‬
‫ومتابعة التقدم مرة ثانية‪ ،‬فلقد بدت انوار اليقظة والنتباه تلتمع في ارواحنا‬
‫كأمة بدل ً من روح الكسل والخمود‪ ،‬إذ بدأ دفء الحياة ونبض النشاط‬
‫والحيوية يتسلل الى ارواحنا التي كانت قد ضعفت نتيجة الميل الى الكسل‬

‫‪88‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والخلد الى الرض‪ ،‬اذن فل شك ان ايام الربيع المشرقة الخضراء على‬


‫البواب‪ .‬غير اننا في انتظار ابطال من امثال “الخضر” ليفرش سجادة الصلة‬
‫على سفوحنا وامثال “الياس” لينشر شراعه نحو الفاق البعيدة دون خوف أو‬
‫وجل‪ ...‬كان بديع الزمان معَْلما في هذا المر‪.‬‬
‫يقال “ل خيار للعبقرية” اي ان العبقري ل يقول‪“ :‬ساعمل هذا ول اعمل‬
‫ذاك” ول يصدر حكما ان “نعمل كذا لنه مفيد ول نعمل ذاك لنه ضار” ذلك‬
‫لن الشخص العبقري يملك موهبة الهية وقوة دافعة ذاتية “لدنية” وشوقا ً‬
‫يستطيع بها معرفة كل الحاجات الظاهرة او الباطنة‪ ،‬الروحية منها‬
‫والجتماعية وان يحتضنها‪ ،‬ويتصدى بقوة وطاقة متعددة الوجه التي خزنها‬
‫في روحه لحمل عبء وظائف عديدة‪ .‬فهو بهذه الوصاف شخص خارق‬
‫بطبيعته وفطرته‪ .‬والذين دققوا شخصية بديع الزمان والكتب التي تركها‬
‫وراءه يرون اجتماع جميع عناصر العبقرية وصفاتها فيه‪ ،‬فهو اعتبارا ً من‬
‫سنوات شبابه التي قدم فيها للناس حوله كتبه الولى التي تعد من اولى‬
‫علمات عبقريته ووصول ً الى كتب مرحلة النضوج والتكامل والتي قضاها في‬
‫المحاكم والسجون والمنفى‪ ...‬في كل هذه الكتب نرى انه حافظ على‬
‫مستوى القمة والذروة وتحدث دائما ً حديث شخص عبقري ذي قابليات غير‬
‫اعتيادية‪.‬‬
‫كان كتاب “المثنوي” من اوائل كتبه‪ :‬لذا نجد وجود جذور افكاره هنا‪ ،‬فكل‬
‫فكرة في هذا الكتاب ‪ -‬التي كانت مثل جنين او برعم او وريقة او نبتة صغيرة‬
‫او كقطرة من قطرات فكره النير ‪ -‬اصبحت فيما بعد نهرا ً متدفقا ً وشلل ً‬
‫هادرا ً او بستانا ً عبق الرجاء بالورود او كغابة سامقة الشجار ملتفة الغصان‬
‫والوراق‪ ،‬حركت الجوانب اليمانية والفكرية والمشاعر الرقيقة لصدقائه‬
‫وأثارتها‪ ،‬وقذفت في قلوب اعدائه الرعب والفزع‪.‬‬
‫من اوائل انفاسه التي نفخها في ارواحنا فاثارتها والى قلوبنا فرسمت فيها‬
‫معاني جديدة ملونة وبراقة وحفرت فيها خطوطا ً مضيئة‪ ،‬نقدم بعض المثلة‬
‫بمثابة قطرة من بحر او لمعة من شمس او مسحة من عالم الوجود‬
‫انعكست في مشاعرنا ووجدت هناك صداها‪:‬‬
‫ان اكبر حقيقة في الدنيا‪ ،‬في راى بديع الزمان ‪ -‬وفي رأى كل المفكرين‬
‫المسلمين ‪ -‬هي حقيقة اليمان وحقيقة التوحيد‪ .‬فالوجود كله ‪ -‬في منظومة‬
‫تفكير بديع الزمان ‪ -‬ليس ال مثل آلة نسيج تنسج حقيقة التوحيد‪ .‬وتنقش‬
‫المعاني اللهية نقشة نقشة وزخرفة زخرفه‪ ،‬وتنسج لوحات بديعة‪ .‬ان‬
‫الحساس بكون هذه الحقيقة ذات ماهية شاملة تستوعب الغاية اللهية‬
‫وتتداخل ضمن ادق الفروع واصغرها‪ ،‬وتفسيرها حسب المعرفة اللهية‪ ،‬ليس‬
‫ال ظهور لحقيقة التوحيد‪ ،‬وهو مفهوم التوحيد لدى العامة قبل الدخول في‬
‫التفاصيل المؤدية الى اليقين‪.‬‬
‫ن التوحيد توحيدان‪:‬‬
‫اجل! “ا ّ‬
‫الول‪ :‬توحيد عامي يقول‪“ :‬لشريك له‪ ،‬ليست هذه الكائنات لغيره” فيمكن‬
‫تداخل الغفلت بل الضللت في افكار صاحبه‪.‬‬
‫ده له الملك‪ ،‬وله الكون‪ ،‬له كل‬ ‫والثاني‪ :‬توحيد حقيقي يقول‪“ :‬هو الله وح َ‬
‫شئ””‪.‬‬
‫واصحاب مثل هذا اليمان يملكون عقيدة راسخة ل تهتز‪ ،‬إذ يرون سكة الله‬
‫سبحانه وتعالى فوق كل شئ‪ ،‬ويقرأون ختمه على جبين كل شئ‪.‬‬
‫وقد تناول بديع الزمان هذا الموضوع فيما بعد بشكل مفصل في المقام‬
‫الثاني من الكلمة العشرين‪ ،‬وقدمه في قالب وفي شكل درس توحيد كامل‬

‫‪89‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يشبع حاجة كل انسان مهما كان مستواه الثقافي والعقلي‪.‬‬


‫ومن اهم المواضيع التي اهتم بها بديع الزمان هو شرحه كيف ان اليمان ُيعد‬
‫منشورا ً يحلل البعاد الحقيقية لماهية الوجود والنسان‪ ،‬فهو يرى ان الكون‬
‫اصبح بفضل اليمان كتابا ً يمكن قراءته ومعرضا ً يمكن مشاهدته‪ ،‬اما النسان‬
‫فهو لب هذا العالم وجوهره حيث “تحولت حركات الكائنات وتنوعاتها‬
‫وتغيراتها من العبثية والمهملية وملعبة التصادف الى صيرورتها مكتوبات‬
‫م وصار‬
‫ربانية وصحائف آيات تكوينية ومرايا اسماٍء إلهية‪ ،‬حتى ترقى العال ُ‬
‫كتاب الحكمة الصمدانية‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫وانظر الى النسان كيف ترقى من حضيض الحيوانية العاجزة الفقيرة الذليلة‬
‫سوق فقره‪ ،‬وشوق فاقته‪،‬‬ ‫الى اوج الخلفة‪ ،‬بقوة ضعفه‪ ،‬وقدرة عجزه‪ ،‬و َ‬
‫وشوكة عبوديته‪ ،‬وشعلة قلبه وحشمة ايمان عقله‪ .‬ثم انظر كيف صارت‬
‫ب صعوده”‪.‬‬ ‫ب سقوطه من العجز والفقر والعقل اسبا َ‬ ‫اسبا ُ‬
‫كما تم شرح هذا الموضوع وتفصيله في النقطة الولى والثانية في الكلمة‬
‫الثالثة والعشرين من رسائل النور ليناسب فهم واستيعاب كل إنسان في‬
‫مختلف المستويات‪.‬‬
‫ويرى بديع الزمان ايضا ً بان المسائل المتعلقة بحقيقة اليمان وان بدت‬
‫مختلفة الواحدة عن الخرى ‪ -‬ان نظرنا اليها من زوايا مختلفة ‪ -‬ال انها‬
‫مرتبطة الواحدة بالخرى ارتباطا ً وثيقا ً وهى بمثابة اوجه متعددة لحقيقة‬
‫ي واليمان بالحشر‬ ‫واحدة “اعلم! ان بين اليمان بالله واليمان بالنب ّ‬
‫والتصديق بوجود الكائنات تلزما ً قطعيا ً وارتباطا ً للتلزم في نفس المر بين‬
‫وجوب اللوهية وثبوت الرسالة ووجود الخرة وشهود الكائنات بدون غفلة”‬
‫وفي فترة رسائل النور الخصبة نرى في المسألة التاسعة للشعاع الحادي‬
‫عشر بحثا ً اصيل ً ومهما ً جدا ً حول ترابط أركان اليمان وتلزمها فيما بينها‪.‬‬
‫من اهم الملحظات التي قدمها بديع الزمان هي ان من يعمل في ساحة‬
‫الفلسفة والعلوم العقلية دون ان يفتح نوافذ نفسه على عالم الروح والقلب‬
‫لن يكون ال فيروسا ً ينقل المراض‪ ،‬ولن يكون هو نفسه ال علمة من‬
‫علمات المرض والسقم‪.‬‬
‫ت ازدياد العلم الفلسفي في أزديادِ المرض‪ ،‬كما رأيت ازدياد‬ ‫“قد شاهد ُ‬
‫ل الى علوم عقلية‪،‬‬ ‫ص ُ‬
‫ِ‬ ‫تو‬ ‫المعنوية‬ ‫فالمراض‬ ‫العقلي‪.‬‬ ‫العلم‬ ‫ازدياد‬ ‫المرض في‬
‫كما ان العلوم العقلية توّلد امراضا ً قلبية”‪.‬‬
‫واليكم تشخيصا ً وملحظة أصيلة وقّيمة اخرى لبديع الزمان‪ .‬اذ يقول بان‬
‫مراعاة السباب مع كونها من ضمن مسؤوليات النسان ال ان من الضللة‬
‫الواضحة والنحراف البين اعطاء تأثير حقيقي لها‪ ،‬فبعد مراعاة السباب يجب‬
‫العلم ان النتائج تأتي من قبل الله تعالى‪.‬‬
‫ب الذّلة والهانة‪ .‬أل ترى ان الكلب قد اشتهر بَعش ِ‬
‫ر‬ ‫“ان التعلق بالسباب سب ُ‬
‫ب بهما المثال؟!‪ ..‬فمن‬ ‫ه ووفاؤه ُتضر ُ‬ ‫ت حسنة‪ ،‬حتى صارت صداقت ُ‬ ‫صفا ٍ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫شأنه ان يكون بين الناس مباركا‪ .‬ففضل من المباركية ينزل على رأس‬
‫ة الهانة بالتنجيس؛ مع ان الدجاجة والبقر‬ ‫المسكين من طرف النسان ضرب ُ‬
‫ن‬
‫ن وصداقةٍ في مقابلة احسا ِ‬ ‫س شكرا ٍ‬‫حتى السّنور‪ ،‬الذين ليس فيهم ح ّ‬
‫البشر‪ُ ،‬يشّرفون بين الناس بالمباركية‪ .‬اقول ‪ -‬بشرط ان لينكسر قلب‬
‫ة ‪ -‬إن سببه‪ :‬أن الكلب بسبب مرض الحرص اهتم بالسبب‬ ‫الكلب وليصير غيب ً‬

‫‪90‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ة‪.‬‬
‫هم الواسطة مؤثر ً‬ ‫منعم ِ الحقيقي‪ ،‬فتو ّ‬
‫فلته بجهةٍ عن ال ُ‬ ‫الظاهري‪ ،‬بدرجةٍ أغ َ‬
‫ب الهانة كفارةً للغفلة‪،‬‬ ‫َ‬
‫فذاق جزاَء غفلته بالتنجيس‪ ،‬فَتطّهر‪ ..‬وأكل ضر َ‬
‫فانَتبه!‪ .‬اما سائر الحيوانات المباركة فل يعرفون الوسائط ول يقيمون لها‬
‫ل‪ :‬ان السّنور يتضرع حتى يأخذ الحسان‪،‬‬ ‫وزنًا‪ ،‬او يقيمون لها وزنا ً خفيفًا‪ .‬مث ً‬
‫فاذا اخذ فكأنه ليعرفك ولتعرفه‪ .‬وليحس في نفسه شكرانا ً لك‪ .‬بل انما‬
‫يشكر المنعم الحقيقي بـ‪ :‬يارحيم‪ ..‬يارحيم‪ ..‬يارحيم‪ ..‬فقط؛ اذ الفطرة تعرف‬
‫صانَعها وتعبدهُ شعوريا ً وغير شعوري‪”..‬‬
‫ثم نراه يتناول هذا الموضوع من زاوية مختلفة في الغصن الول من الكلمة‬
‫الرابعة والعشرين‪ ،‬وهو تناول لطيف يقدم لفكارنا وعواطفنا ملحظات‬
‫مهمة‪.‬‬
‫من المواضيع التي وقف عندها الستاذ باصرار وباهتمام موضوع اتباع السنة‬
‫النبوية السنية في جميع مسالك الحياة ومظاهرها‪ ،‬فهو ‪ -‬مثله في ذلك مثل‬
‫جميع علماء اهل السنة والجماعة ‪ -‬يرى في الرسول “ص” مرشدا ً ل يضل‬
‫ضل‪ ،‬ويرى في السنة النبوية الطريق الوحيد الى سعادة الدنيا والخرة‪،‬‬ ‫ول ي ُ ِ‬
‫لذا فهو يدعونا على الدوام للتمسك بها والعض عليها بالنواجذ‪.‬‬
‫أجل! ان كل رحلة حياة لم تسترشد بالسنة النبوية تشبه الوقوع في دوامة‬
‫نهر‪ ،‬فمع ان الشخص الواقع فيها يبدو وكأنه يسبح ويقطع مسافة ال انه في‬
‫الحقيقة واقع في دوامة مهلكة “اعلم! اني شاهدت في سيري في الظلمات‪،‬‬
‫السنن السنية نجوما ًَ ومصابيح‪ ،‬كل سنة‪ ،‬وكل حد ّ شرعي يتلمع بين مال‬
‫يحصر من الطرق المظلمة المضلة‪ ،‬وبالنحراف عن السنة يصير المرء لعبة‬
‫الشياطين‪ ،‬ومركب الوهام‪ ،‬ومعرض الهوال‪ ،‬ومطية الثقال ‪ -‬امثال الجبال‬
‫ة عنه لو اتبعها‪.‬‬ ‫‪ -‬التي تحملها السن ُ‬
‫وشاهدت السنن كالحبال المتدلية من السماء‪ ،‬من استمسك ولو بجزئي‬
‫استصعد واستسعد‪ ،‬ورأيت من خالفها واعتمد على العقل الدائر بين الناس‪،‬‬
‫مق‬ ‫كمن يريد أن يبلغ اسباب السماوات بالوسائل الرضية فيتحمق كما تح ّ‬
‫فرعون بـ”يا هامان ابن لي صرحًا””‬
‫ومن ارائه الصيلة فيما يتعلق بعلقاتنا مع الدنيا وزاوية نظرتنا اليها هي عدم‬
‫وجود ما يدعو الى كرهها‪ ،‬بل يقول ان من الواجب حبها حيث يورد السس‬
‫التي يقيم عليها هذا الحب وهي‪“ :‬ان الدنيا لها وجوه ثلثة‪ :‬وجه‪ :‬ينظر الى‬
‫اسماء الله‪.‬‬
‫حسنان‪.‬‬‫ووجه‪ :‬هو مزرعة الخرة‪ ..‬فهذان الوجهان َ‬

‫)‪(6 /‬‬

‫والوجه الثالث‪ :‬الدنيا في ذاتها بالمعنى السمي‪ ،‬مدار للهوسات النسانية‬


‫ومطالب الحياة الفانية”‪.‬‬
‫وبعد صفحات يتناول هذا الموضوع من زاوية اخرى ويعبر عنه بهذه الكلمات‬
‫“يرجع الى الحي من ثمرات الحياة وغاياتها بمقدار درجة مالكية الحي للحياة‬
‫وتصرفه الحقيقي فيها‪ .‬ثم سائر الثمرات والغايات راجعة الى المحيي جل‬
‫جلله بالمظهرية لتجليات اسمائه‪ ،‬وباظهار الوان وانواع جلوات رحمته في‬
‫جنته في الحياة الخروية التي هي ثمرات بذور هذه الحياة الدنيوية وهكذا‪..‬‬
‫اذ كما ان الشخص الموظف لن يجس ويضع اصبعه عند اللزوم على‬
‫الجهازات التي تتحرك بها السفينة العظيمة للسلطان‪ ،‬ليرجع اليه من فوائد‬
‫السفينة ال بمقدار علقته وخدمته‪ ،‬اي من اللوف واحدًا‪ ..‬كذلك درجة‬

‫‪91‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تصّرف كل حي في سفينة وجوده‪ .‬بل هناك يمكن ان يستحق من اللوف‬


‫واحدًا‪ ،‬لكن ليستحق بالذات هنا من مليين مليين واحدا ً ايضًا‪”..‬‬
‫وقناعة اخرى له‪ ...‬فهو يقول انه يجب عدم النظر الى الشخاص من وراء‬
‫منظار مكبر اي عدم اعطاء صورة لي انسان اكبر من حقيقته‪ ،‬فهذا ظلم‬
‫اول ً وخطوة اولى نحو الوثنية ثانيًا‪ ،‬والمرء الذي يخطو هذه الخطوة الولى قد‬
‫ل يستطيع فيما بعد التراجع عنها “ان من اشد ظلم البشر اعطاء ثمرات‬
‫ك‬‫ص‪ ،‬وتوهم صدورها منه‪ ،‬فيتولد من هذا الظلم شر ٌ‬ ‫مساعي الجماعة لشخ ٍ‬
‫جزئهم الختياري من‬ ‫صل كسب الجماعة‪ ،‬وأَثر ُ‬ ‫هم صدور مح ّ‬ ‫ي؛ اذ تو ّ‬
‫خف ٌ‬
‫ص‪ ،‬ليمكن ال ّ بتصور ذلك الشخص ذا قدرة خارقة ترقت الى درجة‬ ‫شخ ٍ‬
‫اليجاد‪ ،‬وما آلهة اليونانيين والوثنيين‪ ،‬ال ّ تولدت من امثال هذه التصورات‬
‫الظالمة الشيطانية‪”..‬‬
‫وتشخيص آخر له‪ ،‬إذ يقول ان عداء الكفار للمسلمين هو من موجبات الكفر‪،‬‬
‫وهذا العداء يرجع الى عهود ما قبل التاريخ‪ .‬لذا فليس في المكان إرضاء‬
‫الكفار‪ .‬اما الستفادة منهم فمن رابع المستحيلت “ان الكفار لسيما‬
‫داء‪،‬‬ ‫الوربائيون ولسيما شياطين في انكلترة واباليس الفرنك‪ ،‬اعداٌء ال ّ‬
‫حكم على‬ ‫َ‬ ‫وخصماء معاندون ابدا ً للمسلمين واهل القرآن‪ ..‬بسر‪ :‬ان القرآن َ‬
‫منكر القرآن والسلم وعلى آبائهم واجدادهم بالعدام البدي‪ ،‬فهم محكومون‬ ‫ُ‬
‫بالعدام ابدًا‪ ،‬والحبس في جهنم سرمدا ً بنصوص ذلك القرآن الحكيم‪ .‬فيا‬
‫من ليمكن ان يوالوكم او يحبوكم ابدًا؟‪”..‬‬ ‫اهل القرآن كيف توالون َ‬
‫ثم نراه يبدي لنا هذه الراء في مواضيع متفرقة‪ :‬ان اليمان منبع سري‬
‫للطاقة وللقوة‪ ،‬والذي يملك في يده هذا المنبع يستطيع حجز العوالم‬
‫من كان لله تعالى كان له‬ ‫ويستطيع ان يسحر كل شئ ويربطه به‪ ....‬أجل! “ َ‬
‫من لم يكن له كان عليه كل شئ‪ ،‬والكون له بترك الكل له‬ ‫كل شئ‪ ،‬و َ‬
‫ل ماله‪ ..‬وهو الذي فطرك بصورة احاطت بك دوائُر متداخلة‬ ‫ُ‬ ‫والذعان بأن الك ّ‬
‫من الحاجات وجّهزك في اصغرها التي نصف قطرها مد ّ يدك باقتدار واختيار‪.‬‬
‫وجّهزك في البواقي التي ُوسعت بعضها كما بين الزل والبد والفرش‬
‫كم ربي َلول َ ُدعاؤكم‬ ‫ما َيعبؤا ب ِ ُ‬
‫والعرش بالدعاء فقط‪ ..‬وفي التنزيل ُقل َ‬
‫فالصبي ينادي ابويه فيما لتصل يده ُ اليه؛ فالعبد يدعو رّبه فيما عجز عنه”‪.‬‬
‫ان فخر الكائنات وخاتم الرسل “ص” هو اساس الوجود وخلصته وخميرته‪،‬‬
‫فليس هناك موضع في الكون يخلو من حقيقة نوره‪ .‬فمثله كمثل نواة بذرة‬
‫شجرة باسقة تضم كل خصائص تلك الشجرة‪ .‬فنوره اساس للوجود ومرآة‬
‫تجليات الول والخر‪ .‬أجل! “انه بينما ترى العالم كتابا ً كبيرا ً ترى نور محمد‬
‫“عليه الصلة والسلم” مداد قلم الكاتب‪ ..‬وبينما ترى العاَلم يلبس صورةَ‬
‫ل‪ ،‬وثمرتها ثانيًا‪ ..‬وبينما‬ ‫الشجرة ترى نوَره “عليه الصلة والسلم” نواتها أو ً‬
‫ترى العالم يلبس جسم الحيوان ترى نوره “عليه الصلة والسلم” روحه‪..‬‬
‫ول انسانا ً كبيرا ً ترى نوره “عليه الصلة والسلم” عقله‪..‬‬ ‫وبينما ترى العالم تح ّ‬
‫ة مزهرة ً ترى نوره “عليه الصلة والسلم” عندليبه‪..‬‬ ‫وبينما ترى العالم حديق ً‬
‫وبينما ترى العالم قصرا ً مزينا عاليا ذا سرادقات تتظاهر فيها شعشعة سلطنة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫سلطان الزل وخوارق حشمته‪ ،‬ومحاسن تجليات جماله‪ ،‬ونقوش خوارق‬
‫ل‪ ،‬ثم ينادي‬ ‫ظارا ً يرى لنفسه أو ً‬ ‫صنعته‪ ،‬اذا ً ترى نوره “عليه الصلة والسلم” ن ّ‬
‫كم فيه شئ‬ ‫حيهلوا على مال َ ُ‬ ‫بيا ايها الناس تعالوا الى هذه المناظر النزيهة‪ ،‬و َ‬
‫من المحبة والحيرة والتنزه والتقدير‪ ،‬والتنور والتفكر وماليحد من المطالب‬
‫ب‬ ‫هد ويشَهد لهم‪ ..‬يتحير وُيحّيرهم‪ُ ..‬يحب وُيحب ّ ُ‬ ‫العالية‪ .‬ويريها الناس‪ ،‬ويشا ِ‬
‫ماِلكه اليهم‪ ..‬يستضيئ وُيضئ لهم‪ ..‬يستفيض ويفيض عليهم‪”..‬‬

‫‪92‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ويتناول الساس الثالث للكلمة الحادية والثلثين وكذلك الذيل الثاني للكلمة‬
‫العاشرة هذا الموضوع القيم بعمق وبشكل غني وثري ويبسطه أمام اعين‬
‫وبصائر قلوبنا‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫والستاذ بديع الزمان يرى ان ماهية طبيعة النسان لها وجهان‪ :‬وجه صنم‬
‫خادع من جهة‪ ،‬ومنشور حافل بالسرار يعكس الحقيقة اللنهائية وأثر صانعه‬
‫وخالقه‪ .‬أجل فالذي له استعداد معنوي وقابلية روحية‪ ،‬والذي استطاع ان‬
‫يمسك بزاوية النظر الصحيحة يدرك ان النسان صنعة مزخرفة ومنشور‬
‫بلوري وهو كتاب ل يضل قارؤه‪ ،‬وخطيب بليغ ومنبع نور يضئ ما وراء استار‬
‫الشياء ويكشفها‪ .‬وهو يسوق ملحظاته هذه بالكلمات التالية التي تبدو وكأنها‬
‫أنشودة رائعة‪:‬‬
‫“ان هذه ثلثون سنة لي مجادلة مع طاغوتين وهما‪“ :‬انا” في النسان‪،‬‬
‫و”الطبيعة” في العالم‪..‬‬
‫ن اليه نظرا ً اسميا ً قصديا ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫اما هذا‪ ،‬فرأيته مرآة ً ظليا حرفيا‪ .‬لكن نظر النسا ُ‬
‫بالصالة‪ ،‬فتفرعن عليه وت ََنمَرَد‪.‬‬
‫واما هذه‪ ،‬فرأيتها صنعة الهّية وصبغة رحمانية‪ ..‬لكن نظَر البشُر اليها بنظر‬
‫ت كفران الن َِعم‬ ‫ت عند مادييهم‪ .‬فأنشأ ْ‬‫الغفلة فتحولت لهم “طبيعة” فتأّله ْ‬
‫المنجّر الى الكفر‪.‬‬
‫فلّله الشكر والحمد وبتوفيق الحد الصمد وبفيض القرآن المجيد انتجت‬
‫المجادلة قتل الطاغوتين وكسر الصنمين”‪.‬‬
‫وفي عهد تكامل رسائل النور نجد هذا الموضوع الحافل بالسرار مشروحا ً‬
‫بشكل مفصل وواسع وغني في المقصد الول من الكلمة الثلثين‪ ،‬وكذلك‬
‫في اللمعة الثالثة والعشرين‪ ،‬حيث يهدم اركان فكرة عبادة الطبيعة ويقوضها‬
‫من اساسها ويقتلعها من جذورها‪.‬‬
‫في منظومة فكر بديع الزمان نجد ان الذنوب والمعاصي عنده بمثابة‬
‫المرشدين والدالين على طريق الكفر‪ ،‬ففي المواضع التي يكثر فيها هؤلء‬
‫يتجه شراع الفكر نحو الفسق وتحيط الخطار باليمان‪ .‬أجل! “ان في ماهية‬
‫المعصية ‪ -‬لسيما اذا استمرت وكثرت ‪ -‬بذر الكفر‪ ..‬اذ المعصية تولد اُلف ً‬
‫ة‬
‫كها‪ .‬فيتمنى‬ ‫معها وابتلء بها‪ ،‬بل تصير داًء‪ ،‬دواؤها الدائمى نفسها‪ ،‬فيتعذر تر ُ‬
‫ب عليها‪ ،‬ويتحرى بل شعور ما يدل على عدم العذاب‪،‬‬ ‫دم عقا ٍ‬‫صاحُبها ع َ‬
‫فتستمر هذه الحال حتى تنجر الى انكار العذاب ورد ّ دار العقاب”‪.‬‬
‫وفي عهد توسع وتطور مؤلفاته نجد هذا الموضوع في النكتة الولى من‬
‫اللمعة الثانية حيث يقول بان المعاصي تشكل مصائد وشباك طريق الكفر‪...‬‬
‫وهذه ملحظة أصيلة في الحقيقة‪.‬‬
‫لقد كان الشتغال بالقرآن الكريم والتعمق في فهمه الشغل الشاغل لهذه‬
‫العقلية النيرة‪ ،‬فاعتبارا ً من “اشارات العجاز” الى “المثنوي” الى الكلمات‬
‫المختلفة في كتابه “الكلمات” ول سيما الكلمة الخامسة والعشرون نراه‬
‫يتنفس القرآن في كل كلمة ويأتي بتفاسير جديدة وأصيلة وعميقة‪ ،‬ثم يعرض‬
‫هذه المعاني اللهية المستنزلة الى مستوى المدارك النسانية امام العيون‬
‫الباحثة والقلوب الظمأى” للحقائق فيثير وجداننا بافكاره الذهبية التي تعكس‬
‫ارتفاع هذه المعاني الى ذروة المدارك النسانية “انه جمع السلسة الرائقة‪،‬‬
‫والسلمة الفائقة‪ ،‬والتساند المتين‪ ،‬والتناسب الرصين‪ ،‬والتعاون بين الجمل‬

‫‪93‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وهيئاتها‪ ،‬والتجاوب بين اليات ومقاصدها بشهادة علم البيان وعلم المعاني‬
‫مع انه نزل في عشرين سنة منجما ً لمواقع الحاجات نزول ً متفرقا ً متقاطعا ً‬
‫ل مختلفة متباينة مع كمال التساند‪ ،‬كأن‬ ‫ة‪ ..‬ولسباب نزو ٍ‬ ‫بتلئم ٍ كأنه نزل دفع ً‬
‫د‪ ..‬وجاء جوابا ً لسئلة مكررة متفاوتة‪ ،‬مع نهاية المتزاج والتحاد‪،‬‬ ‫السبب واح ٌ‬
‫د‪ ..‬وجاء بيانا ً لحادثات احكام ٍ متعددة متغايرة‪ ،‬مع كمال‬ ‫كأن السؤال واح ٌ‬
‫النتظام كأن الحادثة واحدة‪ ..‬ونزل متضمنا ً لتنزلت إلهية في اساليب تناسب‬
‫افهام المخاطبين‪ ،‬لسيما‪ ،‬المنَزل عليه “عليه السلم” بحالت في التلقي‬
‫متنوعة متخالفة‪ ،‬مع غاية التماثل والسلسة‪ ،‬كأن الحالة واحدة‪ ..‬وجاء متكلما ً‬
‫متوجها ً الى اصناف مخاطبين متعددة متباعدة‪ ،‬مع سهولة البيان وجزالة‬
‫ل صنف كأنه‬ ‫النظام ووضوح الفهام كأن المخاطب واحد‪ ،‬بحيث يظن ك ُ‬
‫المخاطب بالصالة‪ ..‬ونزل مهديا ً وموصل ً لغايات ارشادية متدرجة متفاوتة‪،‬‬
‫مع كمال الستقامة والنظام والموازنة كأن المقصد واحد؛ تدور تلك المقاصد‬
‫والغايات على القطاب الربعة‪ :‬وهي “التوحيد‪ ،‬والنبوة‪ ،‬والحشر‪ ،‬والعدالة”‪.‬‬
‫فبسر امتلئه من التوحيد‪ ،‬التأم وامتزج وانتظم واتحد‪.‬‬
‫ومن كان له عين في بصيرته‪ ،‬يرى في التنزيل عينا ً ترى كل الكون‪ ،‬كصحيفة‬
‫مبصرة واضحة‪ ..‬وقد جاء مكررا ً ليقّرر‪ ..‬ومرّددا ً ليحقق قصصا ً واحكامًا‪ .‬مع‬
‫قق وقّرر‪،‬‬ ‫ه‪ .‬كلما كّرر ح ّ‬ ‫وده ُ ذ َوَْقه ولُيسئ ُ‬
‫م ترداد ُ‬ ‫ه‪ ،‬ولُيزيل عَ ْ‬ ‫انه لُيم ّ‬
‫ل تكرار ُ‬
‫وع”‪.‬‬ ‫س الرحمن منه “ان المسك ماكررته يتض ّ‬ ‫ح انفا ُ‬‫بل ما كررته تحلو وتفو ُ‬
‫وكلما استعدَته اسَتلذ َْته؛ ان كان لك ذوق سليم بقلب غير سقيم‪ .‬والسر فيه‪:‬‬
‫ه‪..‬‬
‫ل تكرار ُ‬ ‫ت وغذاٌء للقلوب‪ ،‬وقوة وشفاء للرواح‪ .‬والقوت لُيم ّ‬ ‫انه ُقو ٌ‬
‫ه في تكرره”‪.‬‬ ‫كه الذي لذُته في تجدده‪ ،‬وسآمت ُ‬ ‫فمألوفه آأنس وألذ‪ ،‬خلف التف ّ‬
‫ويصل تحليل هذا الموضوع في الكلمة الخامسة والعشرين الى مرتبة جذابة‬
‫وساحرة‪ ،‬فما كان هنا قطرة يصبح هناك بحرا ً واسعًا‪ ،‬وما كان هنا نبتة‬
‫صغيرة يصبح هناك غابة كثيفة‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫وبعد هذا التذكير القصير في “ المثنوي”‪ ...‬بعد صفحات قليلة فقط نراه‬
‫يعرض علينا موضوعا ً قرآنيا ً غاية في الروعة عرضا ً موجزًا‪.‬‬
‫ورة على‬ ‫ل نغمةٍ من نغماتهِ المتط ّ‬‫“انك اذا استمعت القرآن فألبس لك ّ‬
‫جب‪ ،‬والمتنوعة في المراتب الرشادية‪ ،‬والمنصبغة بحسيات الوسائط‪،‬‬ ‫ح ُ‬
‫ال ُ‬
‫من جبرائيل عليه السلم الى من تسمع منه‪ ،‬مايناسبها‪.‬‬
‫ي “ص”‬ ‫مّر بسمعك من القارئ في مجلسك الى الستماع من النب ّ‬ ‫فلك ان ت َ ُ‬
‫الذي يقرُأه في ذروة شاهق النبوة في مجلس الرض على ابنائها من بني‬
‫آدم وغيرهم‪.‬‬
‫ي في الفق العلى‬ ‫ولك ايضا ً ان تستمع من جبرائيل وهو يخاطب النب ّ‬
‫“عليهما الصلة والسلم”‪.‬‬
‫ب من المتكلم الزلي‪ ،‬وهو يتكلم‬ ‫ولك ان تستمع من خلف سبعين الف حجا ٍ‬
‫ل ما يليقُ به!‪”..‬‬ ‫ت لك ّ‬‫س ان استطع َ‬ ‫مع النبي في قاب قوسين او ادنى‪ .‬فألب ْ‬
‫وكتاب “المثنوي” يعد في الحقيقة معرضا ً لمواضيع واسعة جليلة‪ ،‬وفهرسا ً‬
‫لها‪ ...‬يمكن ان يؤلف حول كل واحد منها كتابا ً خاصًا‪ ...‬هذه المواضيع التي‬
‫تناولها بالشرح والتفصيل فيما بعد في رسائل النور في مختلف اجزائها‪.‬‬
‫فما اهم وما اعظم تلك الحقائق التي تناولها تحت عنوان “زهرة” باختصار‬
‫وضمها فيما بعد الى رسائل النور!‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ورسالة “ذرة” تعد مثل نبتة صغيرة للتقوى والعمل الصالح‪ .‬فهناك يتم‬
‫استجواب رغباتنا ومشاعرنا الدنيوية‪ ،‬وُتنفخ فكرة التوحيد لذهاننا وُيعرض‬
‫اليمان الشامل المترامي الطراف امام النظار‪.‬‬
‫اما رسالة “شمة” فتمس القلوب مثل طيف رقيق‪ ،‬حيث تعرض امام النظار‬
‫ان غنى اليات وعمق معانيها ل يمكن مقارنتها بالشعر‪ ،‬وتقف امام غايات‬
‫خلق اعضاء النسان فيكشف بعض الستار عن العيون ويزيل اللفة التي‬
‫تكدر البصائر وتضعفها‪.‬‬
‫وفي الرسالة العاشرة يأخذ بيدنا الى سفوح معاني القضاء والقدر والعطاء‬
‫اللهي ليمس قلوبنا بمعاني اليات القرآنية واسرارها‪ ،‬ومن ثم يجد مقدمة‬
‫لكي يعرض على الباحث عن الحقيقة اليوم طريقا ً مختلفا ً لكي يوصله الى‬
‫الحق‪ ...‬يعرض هذا بينما هو يحول انظارنا الى افق عجزنا وفقرنا‪ .‬وبعد‬
‫خطوتين فقط وتحت عنوان آخر يسترعي انتباهنا الى ان النسان يختلف في‬
‫كر أنه فهرس للوجود باجمعه‪،‬‬ ‫خلقه عن جميع الحياء الخرى حيث يؤكد ويذ ّ‬
‫ومن ثم نراه يعود الى الدعية التي تناولها بالتحليل فيما بعد في كليات‬
‫رسائل النور مرات عديدة‪ ،‬فيفرج بين البواب السرية لقبول الدعية‬
‫والستجابة لها فيثير في قلوبنا الرغبة والشوق للمناجاة‪ .‬وفي موضع آخر‬
‫نراه يقيم التوازن بين “التحدث بالنعمة” و “الغرور”‪.‬‬
‫وبعنوان “شعلة” نسيح معه في المعاني الواسعة للفظ الجللة “الله” الذي‬
‫هو اسم ذات له‪ ،‬فيهز قلوبنا بانفعال معرفة ذات طعم آخر لم نتذوقها من‬
‫قبل‪.‬‬
‫ثم سرعان ما يفتح فقرة حول الدعية فينبه قُّراءه بان ايفاء الوظائف الدينية‬
‫بهمة عاليه ي ُعَد ّ دعاًء فعليًا‪.‬‬
‫ثم يعود فيوجه النظار الى أهمية التربة وكيف ان الدنيا تعد كقلب للعالم‬
‫وينهي ملحظاته بعد ذلك بشرح حديث “اقرب ما يكون العبد من ربه وهو‬
‫ساجد”‪.‬‬
‫وتحت عنوان “نقطة” يضيف الستاذ بديع الزمان دليل الضمير النساني ‪-‬‬
‫الذي يعده نقطة تماس بين عالم الغيب وعالم الشهادة ‪ -‬الى الدلة الرئيسية‬
‫الثلثة حول الذات اللهية التي كثيرا ً ما وقف عندها في رسائل النور‪ ،‬ففرج‬
‫بذلك فرجة في باب وقف عنده الكثير من المفكرين وارباب القلوب من‬
‫المتصوفة وهم على درب السير في مدارج السلوك‪.‬‬
‫وهو يؤكد على استحالة التطور اذ ذكر منذ البداية ان الطفرات ل يمكن ان‬
‫تفسر شيئا ً ول ان تكون كافية لي تطور وذلك في وقت مبكر وقبل ان ينتبه‬
‫الكثيرون الى هذه الحقيقة‪ ،‬وذكر ان من المستحيل النتقال من نوع الى نوع‬
‫آخر في عالم الحياء‪ .‬لذا فقد قال بشكل مجمل وبشكل مطلق “ل” لنظرية‬
‫التطور مستندا ً في ذلك الى اساس فكري سليم‪.‬‬
‫ان جهود الستاذ المدقق احسان قاسم الصالحي المشكورة في تهيئة الطبعة‬
‫العربية للمثنوي ‪ -‬مثلما هيأ من قبل ترجمة كليات رسائل النور ‪ -‬فوق كل‬
‫تقدير‪ ،‬وهي بلشك افضل بكثير من مثل هذه المقدمات التي حررناها والتي‬
‫ل تخلو من العيوب والقصور‪.‬‬
‫والحقيقة ان الجهود المباركة للستاذ احسان قاسم لم تقتصر ‪ -‬كما فعلنا‬
‫نحن ‪ -‬على جزء من كليات رسائل النور وبشكل مجمل‪ ،‬بل شملت كل‬
‫رسائل النور‪.‬‬
‫وكان من المفروض ان تكون كل مسألة من المسائل التي عرضتها هذه‬
‫الرسائل موضوعا ً لرسالة دكتوراه تراعي كل السس العلمية الموجودة في‬

‫‪95‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المستويات الكاديمية الغربية‪ .‬وهذا المر مهم من ناحية ظهور القيمة‬


‫الحقيقية لرسائل النور على المستوى الكاديمي‪ .‬وكذلك من ناحية كونها‬
‫جهودا ً في مستوى الجهود التي بذلها الستاذ احسان قاسم‪.‬‬
‫صحيح ان العديد من اصدقائنا الشباب قدموا دراسات واطروحات ماجستير‬
‫ودكتوراه حول رسائل النور ولكن لم تكن أّيا منها كافية لعطاء القيمة‬
‫الحقيقية لذلك العملق بابراز مستوى فكره الرفيع‪.‬‬
‫وكل ما نتمناه هو تأسيس معهد يأخذ على عاتقه القيام بهذه المهمة في‬
‫اقرب فرصة‪.‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫صورة قلمية لرجل القلب‬


‫المقال الفتتاحي لمجلة "سيزنتي" التركية‪ ،‬أغسطس ‪2000‬‬
‫سابق المقال الّتالي أرسل إلى صديق نسخة للطباعة أرسل‬ ‫المقال ال ّ‬
‫الملحظات‬
‫رجل القلب بأفقه وعقيدته وتصرفاته يمثل بطولة الروح والمعنى‪ ،‬وإن عمقه‬
‫وسعته ليس من ناحية المعلومات التي اكتسبها‪ ،‬بل بغني قلبه وصفاء روحه‬
‫وقربه من الحق تعالى‪ .‬فقيمة المعارف المطروحة أمامه كعلوم هي بمقدار‬
‫ما تكون سببا في إرشاد النسان إلى الحقيقة‪ ،‬أي أن المعلومات التي ل‬
‫تساعدنا على فهم حقيقة الوجود والشياء والنسان‪ ،‬والمعارف النظرية التي‬
‫ل تملك فوائد عملية ل تملك قيمة عنده‪.‬‬
‫صاحب القلب الحي يكون مبرجا ً للحياة القلبية والروحية‪ ،‬وعازما ً على البقاء‬
‫بعيدا ً عن كل التلوثات المادية منها والمعنوية‪ ،‬وحذرا ً على الدوام من كل‬
‫الرغبات الجسدية‪ ،‬ويقظا ً ومستعدا ً للكفاح ضد مشاعر الحسد والنفور‬
‫والكراهية والنانية والشهوات‪ ...‬كل ذلك ضمن خلق من التواضع والبساطة‪.‬‬
‫يبذل قصارى جهده في كل وقت لمد يد العون لتجلية الحق وإظهاره‪ ...‬هو‬
‫عنوان اليثار الذي يشتعل شوقا ً لكي ينقل إلى الخرين ما أحس به وشعر به‬
‫في عالم الملك والملكوت‪ ...‬صابر ووقور‪ ،‬وبدل ً من الكلم كثير‪ ،‬أو الضجيج‬
‫الكبير تراه يعيش حسب عقيدته وإيمانه‪ ...‬هو رجل حركة ودعوة وإيمان‬
‫وقدوة حسنة لغيره بطراز معيشته وأسلوب حياته‪ ...‬هو في حركة دائبة ل‬
‫تعرف الفتور‪ ...‬يعّلم غيره آداب التوجه إلى الله والفرار إليه‪ ...‬لو سبرت‬
‫أغواره رأيت نارا ً تتأجج فيها‪ ...‬وهو عندما يحترق ل يشكو ول يظهر أي غم‪ ،‬أو‬
‫حزن‪ ،‬ول يفكر في إظهار أي لعج من لواعج اللم لغيره‪ ...‬يحترق بهدوء‬
‫ويدفئ أرواح كل من يلجأ إليه‪ ،‬وينفث فيها الحرارة‪.‬‬
‫هناك على الدوام أفق بعيد في هدف رجل القلب‪ ...‬هو رجل اليمان المرتبط‬
‫برضا الحق تعالى‪ ،‬الدائم السير‪ ،‬يقطع المسافات تلو المسافات مثل جواد‬
‫أصيل ل يعرف الفتور حتى يبلغ هدفه ومبتغاه‪ ،‬دون أن يفكر في شيء من‬
‫حطام الدنيا‪.‬‬
‫هو رجل الحقيقة الذي ل يفكر في قعوده وقيامه وفي حركته وسكونه إل في‬
‫الحق وكيف يقيمه في الدنيا وينشره‪ .‬وهو مستعد بكل رحابة صدر للخلي‬
‫عن كل رغباته ومطالبه في هذا السبيل‪ ...‬يفتح صدره للجميع‪ ...‬يحتضن‬
‫الجميع بشفقة‪ ،‬ويظهر في المجتمع على الدوام بصورة الملك الذي يفتح‬
‫جناح الحماية والصيانة‪ ،‬ومع هذا فل ينتظر من غير الله تعالى شيئًا‪ ...‬يحاول‬
‫في جميع تصرفاته وسلوكه أن يكون منسجما ً مع الجميع‪ .‬ل يشاكس أحدا ً ول‬

‫‪96‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يضمر عداوة لحد‪ .‬ومع وجود وجهات نظر خاصة به في بعض الحيان حسب‬
‫مهنته ومشربه‪ ،‬إل أنه ل يدخل في أي منافسة أو احتكاك مع أحد‪ ،‬بل على‬
‫العكس يحب كل من يقدم خدمة لدينه ووطنه وأمته‪ .‬ويؤيد ويصفق لكل‬
‫صاحب عمل إيجابي‪ ،‬ويبذل عناية خاصة في هذا التأييد لكي يبقى موقرا ً‬
‫لمنزلتهم ولوجهات نظرهم‪.‬‬
‫رجل القلب يبذل في جميع ما يقوم به من فعاليات وما يبذل من جهود‬
‫اهتماما ً خاصا ً بتوفيق الله تعالى وعنايته ورعاية‪ ...‬ويبحث على الدوام عن‬
‫السبل التي توصله ليكون أهل لمثل هذه الرعاية والعناية‪ .‬لذا فهو يبذل عناية‬
‫خاصة للوحدة وللجماعة التي ذكر القرآن الكريم أنها وسيلة لجلب عناية الله‪.‬‬
‫وهو يسارع لعمل مشترك مع كل من يمشي في صراط مستقيم‪ ،‬بل والكثر‬
‫من هذا نراه يسلك طريقا ً ما على الرغم منه في ضمن هذا الطار من‬
‫سياسة الوفاق التي ينتهجها‪ ،‬وهو يعلم أن الرحمة في التحاد‪ ،‬وأنه ل يمكن‬
‫تحقيق أي شيء بالخلف والفرقة‪ ،‬لذا يحاول أن يجمع جهود كل من حوله‬
‫ليكون قريبا ً من شآبيب رحمة الله وعنايته‪.‬‬
‫رجل القلب هو عاشق الحق تعالى والمتلهف لنيل رضاه‪ ،‬لذا نراه يربط جميع‬
‫حركاته وسكناته في كل امر وفي كل ظرف وحين برضاه تعالى ويبدي‬
‫حرصا ً في هذا الصدد ولو أدى به إلى الموت‪ ،‬وهو مستعد لن يضحى بكل‬
‫شئ للوصول إلى هذا الهدف‪ ...‬مستعد للتخلي عن أي أمر دنيوي وأخروي‪.‬‬
‫ل يوجد في عالم رجل القلب ادعاءات أمثال‪" :‬أنا عملت" أو "أنا الذي‬
‫أنجزت" أو "أنا الذي نجحت"‪ ،‬فهو يفرح بكل إنجاز عمله آخرون وكأنه هو‬
‫الذي أنجزه ويعد نجاحات الخرين نجاحا ً له ويتبعهم تاركا ً لهم شرف الريادة‬
‫ومرتبتها‪ .‬بل يقوم بأكثر من هذا‪ ،‬فهو يرى أن الخرين سيكونون أكثر لياقة‬
‫ونجاحًا‪ ،‬لذا يهيء لهم جوا ً أكثر أمانا ً وراحة في أداء خدماتهم وجهودهم‪ ،‬ثم‬
‫يتأخر خطوة إلى الوراء لكي يكون فردا ً عاديا ً ضمن الفراد الخرين‪.‬‬
‫ونظرا ً لكون رجل القلب مشغول ً بعيوبه ومجاهدا ً لنفسه‪ ،‬لذا ل ينشغل بعيوب‬
‫الخرين ونقائصهم‪ ،‬بل ول يجد فرصة للنشغال‪ .‬ول يكتفي بعدم تعقب أخطاء‬
‫الخرين وعيوبهم‪ ،‬بل يعطي مثال ً جيدا ً للنسان الفاضل فيحاول توجيههم إلى‬
‫آفاق أرحب بالبتسامة‪ ،‬ويدرأ بالحسنة السيئة‪ ،‬ول يفكر بإيذاء أي شخص وإن‬
‫تعرض خمسين مرة للذى‪.‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫يرى رجل القلب أن قضاء عمره في محور اليمان وإطاره الكامل وتزيينه‬
‫بالخلص القضية الولى عنده‪ .‬وهو رجل حقيقة تراه قد نذر جميع أفكاره‬
‫ومشاعره وسلوكه في سبيل رضا الله تعالى‪ ،‬بحيث لو ُأعطيت له الدنيا وما‬
‫وراءها لما استطعت زحزحته عن هدفه‪ ،‬بل حتى لو ُأعطيت الجنات لما‬
‫انحرف عن وجهته وعن طريقه‪.‬‬
‫ل يدخل رجل القلب في أي منافسة مع الذين يشاطرونه فكره وطريقه‪ ،‬ول‬
‫يشعر نحوهم بأي حسد‪ ...‬على العكس يحاول ازالة عيوبهم وتكملة‬
‫نواقصهم‪ ،‬ويتصرف تجاههم تصرف عضو الجسد نحو سائر العضاء‪ ...‬أي‬
‫يتصرف بروح اليثار تجاه رفقائه في الدرب‪ ،‬في جميع المور المادية‬
‫والمعنوية من مقام أو منصب أو منزلة أو شهرة أو نفوذ‪ ،‬ويدفع بهم إلى‬
‫الصفوف المامية بينما يتراجع هو إلى الوراء‪ ،‬ليكون دل ّل ً على نجاحهم‬
‫ومصفقا ً لقابلياتهم وتوفيقهم وفرحا ً بهم فرح من يحتفل بالعيد‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومع أن رجل القلب يبقى مرتبطا ً بمنهجه في العمل وحسب اجتهاده ومزاجه‬
‫ومذاقه إل أنه يبقى على الدوام محترما ً أفكار ومناهج الخرين وموقرا ً لهم‪،‬‬
‫ويكون مستعدا ً للعيش المشترك معهم‪ ،‬ول يفتر عن البحث عن طرق‬
‫التعاون المشترك مع من يقاسمهم الفكر نفسه‪ ...‬يبحث عن طرق التعاون‬
‫والمشاركة هذه ويطور معهم مشاريع العمل المشترك واضعا ً كلمة "نحن"‬
‫بدل ً عن "أنا"‪ .‬بل يكون مستعدا ً للتضحية بسعادته برحابة صدر في سبيل‬
‫إسعاد الخرين دون أن ينتظر من أحد جزاًء ول شكورًا‪ ،‬بل يعد مثل هذا‬
‫النتطار دناءة وسقوطا ً يترفع عنه‪ ،‬لذا نراه يبتعد عنه‪ ،‬ويهرب منه مثلما‬
‫يهرب من العقارب والثعابين‪ ،‬ويهرب من الرغبة في الصيت والشهرة‪،‬‬
‫ويحاول أن يكون منسيًا‪.‬‬
‫ل يعتدي رجل القلب على أحد‪ ،‬ول يقابل العتداء بالعتداء‪ ،‬ول يفقد اعتداله‬
‫حتى في أحرج الظروف‪ ،‬ول يتوانى أبدا ً من القيام بكل تبعات رجل القلب‪،‬‬
‫فهو يقابل الساءة بالحسان دوما ً لنه يعد القيام بالساءة من عمل الشرار‪،‬‬
‫لذا يتصرف كمثال لرجل الحسان‪.‬‬
‫يعيش رجل القلب خط القرب من الله )أي الولية( في ظل القرآن والسنة‪،‬‬
‫وفي إطار من شعور التقوى والعزم والحسان‪ .‬وهو حذر على الدوام من‬
‫المشاعر التي تميت القلب كالنانية والغرور وحب الشهرة‪ .‬وهو يعزو إلى‬
‫الله تعالى كل ما ينسبونه إليه وكل ما يقوم به من أعمال الخير ويقول‪" :‬كل‬
‫شيء منه" فيرجع كل شئ إلى صاحبه‪ ،‬وتراه يتحرج من كلمة "أنا" ويفضل‬
‫عليها كلمة "نحن" في كل ما يتعلق بالرادة النسانية‪.‬‬
‫ل يخاف رجل القلب من أي أحد‪ ،‬ول يضطرب ول يرتبك أمام أي حدث‪ ،‬بل‬
‫يستند إلى الله ويتوكل عليه‪ ،‬ويتشبث بالسعي فيصل إلى التوفيق‪ ،‬ول يتراجع‬
‫أبدا ً عما يعتقد أنه حق‪.‬‬
‫ل يحمل رجل القلب ضغينة نحو أحد‪ ،‬ول سيما ممن ارتبطوا بالله تعالى‬
‫وساروا في طريقه‪ .‬وعندما يرى أصدقاء دربه ضمن عمل سيء فل يبتعد‬
‫عنهم‪ ،‬ول يشهر بهم‪ ،‬ول يخجلهم‪ ،‬بل ربما يحاسب نفسه ويرى أن معرفته‬
‫بأي سقطة من سقطات أصدقائه ربما كانت عيبا ً له‪.‬‬
‫يحذر رجل القلب من أي سوء ظن بالمؤمنين في التصرفات القابلة للتفسير‬
‫المعقول بل يحسن الظن بهم في كل ما يرى ويسمع‪ ،‬ول ينزحلق إلى ظنون‬
‫سلبية‪.‬‬
‫يعلم رجل القلب وهو يقوم بكل فعالياته وحركاته بأن هذه الدنيا ليست بدار‬
‫جزاء‪ ،‬بل دار خدمة‪ .‬لذا يؤدي ما عليه من مسؤوليات وخدمات ضمن نظام‬
‫دقيق جدًا‪ ،‬ويعد النشغال بالنتيجة شيئا ً ينافي التوقير لله تعالى‪ .‬وهو يعد ّ‬
‫خدمته للدين ولليمان وللنسانية أكبر وظيفة له في طريق الحصول على‬
‫رضا الله تعالى‪ .‬ومهما أنجز من أعمال كبيرة فل يجعل لنفسه أي نصيب‬
‫مادي أو معنوي ول يفكر في هذا أص ً‬
‫ل‪.‬‬
‫ل يقع رجل القلب في اليأس أبدا ً وإن انفرط نظامه الذي بناه‪ ،‬ول يهتز أبدا ً‬
‫حتى وإن وقف الناس أجمعون ضده‪ .‬بل يقوم أمام جميع المصاعب وهو يصر‬
‫على أسنانه متحمل ً "هذه الدنيا ليست بدار زعل بل دار تحمل" يصبر ويبحث‬
‫عن طرق بديلة لحل المشاكل التي تعترض طريقه ول يفتر عزمه ول إقدامه‬
‫حتى في أحلك الظروف‪ ،‬بل يقوم بإنتاج إستراتيجيات مختلفة‪.‬‬
‫كر بأنه في أيامنا هذه التي تستهان فيها القيم النسانية‪،‬‬ ‫وختاما ً نقول ونذ ّ‬
‫وتتراجع فيها الفكار الدينية‪ ،‬ويطغى فيها في جميع الرجاء ضجيج الفارغين‬

‫‪98‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫واللهين فإننا في حاجة إلى أمثال هؤلء من رجال القلب كحاجتنا إلى الهواء‬
‫والماء‪.‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫رسالة‬
‫بذل المجهود في تحرير أسئلة تغير النقود‬
‫تأليف‬
‫شيخ السلم بركة النام عمدة العلماء العلم‬
‫محمد بن عبد الله الغزي التمرتاشي الحنفي‬
‫المتوفى سنة ‪ 1004‬هـ‬
‫دم لها وحققها وعّلق عليها‬ ‫ق ّ‬
‫الدكتور حسام الدين بن موسى عفانه‬
‫الستاذ المشارك في الفقه والصول‬
‫كلية الدعوة وأصول الدين‬
‫جامعة القدس‬
‫الطبعة الولى‬
‫‪1422‬هـ ‪ 2001 -‬م‬
‫القدس ‪ -‬فلسطين‬
‫حقوق الطبع محفوظة للمحقق‬
‫صف وتنسيق‬
‫حذيفة بن حسام الدين عفانه‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫حيم ِ‬ ‫ن الّر ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ِبسم ِ الله الّرح َ‬
‫مقدمة المحقق‬
‫إن الحمد لله ‪ ،‬نحمده ونستعينه ونستغفره ‪ ،‬ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ‪،‬‬
‫وسيئات أعمالنا من يهده الله فل مضل له ‪ ،‬ومن يضلل فل هادي له ‪ ،‬وأشهد‬
‫أن ل إله إل الله وحده ل شريك له ‪ ،‬وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله ‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ( سورة‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬
‫م ْ‬‫م ُ‬ ‫ن ِإل وَأن ْت ُ ْ‬ ‫موت ُ ّ‬‫قات ِهِ َول ت َ ُ‬ ‫حق ّ ت ُ َ‬ ‫ه َ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫) َياأي َّها ال ّ ِ‬
‫آل عمران الية ‪. 102‬‬
‫جَها‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫من َْها َزوْ َ‬ ‫خل ق َ ِ‬ ‫حد َةٍ وَ َ‬ ‫س َوا ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ن نَ ْ‬
‫ف‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قك ْ‬ ‫خل َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ِ‬ ‫قوا َرب ّك ْ‬ ‫س ات ّ ُ‬ ‫) َياأي َّها الّنا ُ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫م إِ ّ‬ ‫حا َ‬‫ن ب ِهِ َوال َْر َ‬ ‫ساَءلو َ‬ ‫ذي ت َ َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬‫قوا الل ّ َ‬ ‫ساًء َوات ّ ُ‬ ‫جال ً ك َِثيًرا وَن ِ َ‬ ‫ما رِ َ‬ ‫من ْهُ َ‬‫ث ِ‬ ‫وَب َ ّ‬
‫م َرِقيًبا ( سورة النساء الية ‪. 1‬‬ ‫ن عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫كا َ‬‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫فْر‬ ‫م وَي َغْ ِ‬ ‫مال َك ُ ْ‬ ‫م أعْ َ‬ ‫ح ل َك ُ ْ‬ ‫صل ِ ْ‬
‫دا ‪ ،‬ي ُ ْ‬ ‫دي ً‬‫س ِ‬ ‫ه وَُقوُلوا قَوْل ً َ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫) َياأي َّها ال ّ ِ‬
‫ما ( سورة الحزاب‬ ‫ظي ً‬ ‫قد ْ َفاَز فَوًْزا عَ ِ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ن ي ُط ِعْ الل ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫م ذ ُُنوب َك ُ ْ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫اليتان ‪. 71-70‬‬
‫وبعد …‬
‫فهذه رسالة لطيفة من تراث فقهاء السلم تخرج إلى النور بعد أن كانت‬
‫حبيسة الرفوف لقرون ‪.‬‬
‫وهذه الرسالة تعالج قضية فقهية مهمة من قضايا النقود ‪ ،‬والتي كانت محل‬
‫اهتمام الفقهاء ومجال ً لبحثهم ‪ ،‬ومؤلف هذه الرسالة هو الشيخ محمد بن عبد‬
‫الله الغزيّ التمرتاشي ‪ ،‬من فقهاء الحنفية المتأخرين في فلسطين ‪،‬‬
‫وصاحب المتن المشهور المسمى تنوير البصار ‪ ،‬والذي شرحه الحصكفي‬
‫في الدر المختار ‪ ،‬ووضع عليه العلمة ابن عابدين حاشيته المعروفة برد‬

‫‪99‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المحتار ‪.‬‬
‫وقد رغبت في نشر هذه الرسالة بعد أن اطلعت عليها في مؤسسة إحياء‬
‫التراث والبحوث السلمية في بيت المقدس ‪ ،‬هذه المؤسسة الرائدة في‬
‫جمع المخطوطات في فلسطين ‪ ،‬والتي ما فتئت تقدم كل مساعدة للباحثين‬
‫لخدمة ونشر تراثنا السلمي ‪.‬‬
‫وإنني أدعو الباحثين وطلبة الدراسات العليا إلى توجيه مزيد من الهتمام‬
‫لتحقيق المخطوطات ونشرها ‪ ،‬فل يصح أن تبقى هذه الكنوز مطمورة وغير‬
‫مستفاد منها ‪ .‬ومن المعروف أن ما حقق من مخطوطات قليل جدا ً ‪ ،‬يقول‬
‫بعض المحققين إن الكتب المخطوطة في مختلف العلوم السلمية باللغة‬
‫العربية تزيد على ثلثة مليين كتاب ‪ ،‬فل بد من بذل مزيد من الجهود لحياء‬
‫هذه الذخائر العظيمة وإخراجها إلى عالم النور بالطباعة والتحقيق العلمي‬
‫الرصين ‪.‬‬
‫وقياما ً ببعض الواجب وجهت همتي إلى تحقيق هذه الرسالة اللطيفة‬
‫مساهمة مني في إحياء الكنوز العلمية لعلمائنا ومحافظة عليها من الضياع‬
‫ورغبة في تسهيل اطلع طلبة العلم على تراث أسلفهم وخدمة للعلم‬
‫وأهله ‪.‬‬
‫وقد جعلت عملي في خدمة هذه الرسالة على قسمين ‪:‬‬
‫القسم الول ‪ :‬الدراسة‬
‫وتشمل ما يلي ‪:‬‬
‫‪ -‬تمهيد حول الدراسات الفقهية لمسائل النقود قديما ً وحديثا ً‬
‫‪ -‬المبحث الول ‪ :‬دراسة حول المصنف التمرتاشي وفيه مطالب ‪:‬‬
‫المطلب الول ‪ :‬اسمه ونسبه‬
‫‪ ...‬المطلب الثاني ‪ :‬مولده ونشأته‬
‫‪ ...‬المطلب الثالث ‪ :‬رحلته‬
‫‪ ...‬المطلب الرابع ‪ :‬شيوخه‬
‫‪ ...‬المطلب الخامس ‪ :‬ثناء العلماء عليه‬
‫‪ ...‬المطلب السادس ‪ :‬تلميذه‬
‫‪ ...‬المطلب السابع ‪ :‬العائلة التمرتاشية‬
‫‪ ...‬المطلب الثامن ‪ :‬مؤلفاته‬
‫‪ ...‬المطلب التاسع ‪ :‬وفاته‬
‫‪ -‬المبحث الثاني ‪ :‬دراسة حول رسالة " بذل المجهود في تحرير أسئلة تغير‬
‫النقود " وفيه مطالب ‪:‬‬
‫المطلب الول ‪ :‬عنوان الرسالة ونسبتها للمصنف‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬أهمية الرسالة وموضوعاتها‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬وصف النسخة المخطوطة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫القسم الثاني ‪ :‬نص رسالة بذل المجهود محققا ومعلقا عليه ‪.‬‬
‫ثم أتبعت ذلك بالفهارس التالية ‪:‬‬
‫أ‪ .‬فهرس العلم الذين ورد ذكرهم في نص الرسالة ‪.‬‬
‫ب‪ .‬فهرس الكتب التي وردت في نص الرسالة‪.‬‬
‫ج‪ .‬فهرس النقود التي وردت في نص الرسالة ‪.‬‬
‫د‪ .‬فهرس مصادر ومراجع الدراسة والتحقيق ‪.‬‬
‫هـ ‪ .‬فهرس المحتويات ‪.‬‬
‫وختاما ً أتقدم بالشكر والتقدير إلى مؤسسة إحياء التراث والبحوث السلمية‬
‫في بيت المقدس التابعة لوزارة الوقاف والشؤون الدينية ممثلة بعميدها‬

‫‪100‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وجميع موظفيها لما قدموه لي من عون ومساعدة حتى خرجت هذه الرسالة‬
‫إلى عالم النور مطبوعة محققة ‪.‬‬
‫وأشكر أيضا ً ولدي حذيفة الذي قام بصف الرسالة وتنسيقها على جهاز‬
‫الحاسوب ‪.‬‬
‫وأشكر كل من مد لي يد العون والمساعدة فجزى الله الجميع خير الجزاء ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وأخيرا ً فهذا جهدي وعملي المتواضع الذي ل يخلو من النقص والتقصير لنه‬
‫جهد بشري وأرجو الله سبحانه وتعالى أن ينفع به إخوتي طلبة العلم وأن‬
‫يجعله في ميزان حسناتي يوم القيامة وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا‬
‫محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ‪.‬‬
‫أبوديس ‪ /‬القدس في صباح يوم الثنين الثالث والعشرين من جمادى الولى‬
‫‪ 1422‬هـ ‪ ،‬وفق الثالث عشر من آب ‪ 2001‬م ‪.‬‬
‫كتبه ‪ :‬الدكتور حسام الدين بن موسى عفانه‬
‫الستاذ المشارك في الفقه والصول‬
‫كلية الدعوة وأصول الدين ‪ /‬جامعة القدس‬
‫القسم الول‬
‫الدراسة‬
‫وتشمل ما يلي ‪:‬‬
‫‪ -‬تمهيد حول الدراسات الفقهية لمسائل النقود قديما ً وحديثا ً‬
‫‪ -‬المبحث الول ‪ :‬دراسة حول المصنف التمرتاشي وفيه مطالب ‪:‬‬
‫‪ ...‬المطلب الول ‪ :‬اسمه ونسبه‬
‫‪ ...‬المطلب الثاني ‪ :‬مولده ونشأته‬
‫‪ ...‬المطلب الثالث ‪ :‬رحلته‬
‫‪ ...‬المطلب الرابع ‪ :‬شيوخه‬
‫‪ ...‬المطلب الخامس ‪ :‬ثناء العلماء عليه‬
‫‪ ...‬المطلب السادس ‪ :‬تلميذه‬
‫‪ ...‬المطلب السابع ‪ :‬العائلة التمرتاشية‬
‫‪ ...‬المطلب الثامن ‪ :‬مؤلفاته‬
‫‪ ...‬المطلب التاسع ‪ :‬وفاته‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬دراسة حول رسالة " بذل المجهود في تحرير أسئلة تغير‬
‫النقود " وفيه مطالب ‪:‬‬
‫المطلب الول ‪ :‬عنوان الرسالة ونسبتها للمصنف‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬أهمية الرسالة وموضوعاتها‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬وصف النسخة المخطوطة‬
‫المطلب الرابع ‪ :‬منهج التحقيق‬
‫تمهيد‬
‫نبذة موجزة عن دراسات الفقهاء لمسائل النقود قديما ً وحديثا ً‬
‫اعتنى الفقهاء بمسائل النقود عناية خاصة ‪ ،‬وقد ظهرت القوال والراء في‬
‫هذه المسائل قديما ً ‪ ،‬وتعرض الفقهاء لمسائل النقود في أبواب الربا‬
‫والصرف والبيع والجارة ‪ ،‬وغير ذلك من أبواب الفقه ‪ ،‬وهذا أمر واضح جلي‬
‫لمن يراجع كتب الفقه السلمي ‪ ،‬وفي فترة لحقة ظهرت دراسات لمسائل‬
‫النقود على شكل فتاوى أو رسائل عندما كانت تقع واقعة متعلقة بهذه‬

‫‪101‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المسائل ‪.‬‬
‫ففي القرن الخامس الهجري كما ذكر الونشريسي أنه قد حدث ببلنسية حين‬
‫غيرت دراهم السكة التي كان ضربها القيسي وبلغت ستة دنانير بمثقال‬
‫ونقلت إلى سكة أخرى كان صرفها ثلثة دنانير للمثقال ‪ ،‬فالتزم الحافظ ابن‬
‫عبد البر السكة الخيرة وأفتى أبو الوليد الباجي بأنه ل يلزم إل السكة الجارية‬
‫حين العقد )‪.(1‬‬
‫ً‬
‫وقال الونشريسي أيضا ‪ ]:‬سئل ابن الحاج ) المتوفى ‪529‬هـ ( عمن عليه‬
‫دراهم فقطعت السكة فأجاب ‪ :‬أخبرني بعض أصحابنا أن ابن جابر فقيه‬
‫إشبيلية قال ‪ :‬نزلت هذه المسألة في قرطبة أيام نظري في الحكام ومحمد‬
‫بن عتاب حي ومن معه من الفقهاء فانقطعت سكة ابن جهور‬
‫) المتوفى ‪462‬هـ ( بدخول ابن عباد ) المتوفى ‪488‬هـ ( سكة أخرى فأفتى‬
‫الفقهاء أنه ليس لصاحب الدين إل السكة القديمة ‪ ،‬وأفتى ابن عتاب بأن‬
‫يرجع في ذلك إلى قيمة السكة المقطوعة من الذهب ويأخذ صاحب الدين‬
‫ي ابن عتاب فنهضت إليه فذكر المسألة‬ ‫القيمة من الذهب ‪ .‬قال وأرسل إل ّ‬
‫وقال لي ‪ :‬الصواب فيها فتواي فاحكم بها ول تخالفها أو نحو هذا من الكلم )‬
‫‪.(2‬‬
‫وفي القرن السابع الهجري قال الذهبي في تاريخه ‪ :‬في سنة إثنتين وثلثين‬
‫وستمئة أمر الخليفة المستنصر بضرب الدراهم الفضية ليتعامل بها بدل ً عن‬
‫قراضة الذهب فجلس الوزير وأحضر الولة والتجار والصيارفة وفرشت‬
‫النطاع وأفرغ عليها الدراهم وقال الوزير ‪ :‬قد رسم مولنا أمير المؤمنين‬
‫بمعاملتكم بهذه الدراهم عوضا ً عن قراضة الذهب رفقا ً بكم وإنقاذا ً لكم من‬
‫التعامل بالحرام من الصرف الربوي ‪ .‬فأعلنوا بالدعاء ثم أديرت بالعراق‬
‫وسعرت كل عشرة بدينار ‪(3).‬‬
‫وكذلك فإن شيخ السلم ابن تيمية الذي عاش في أواخر القرن السابع‬
‫والثلث الول من القرن الثامن ‪ ،‬قد أفتى في عدة قضايا متعلقة بالنقود ‪،‬‬
‫كما في مجموع الفتاوى ‪. 29/469 ، 29/466 ، 29/251 :‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تغير قيمة العملة في الفقه السلمي ‪ ،‬د‪ .‬عجيل النشمي ‪ ،‬بحث منشور‬
‫في مجلة مجمع الفقه السلمي عدد ‪ 5‬الجزء ‪ 3‬ص ‪ ، 1620‬وانظر المعيار‬
‫المعرب ‪. 6/164‬‬
‫)‪ (2‬المصدر السابق ‪ ، 1621‬وانظر المعيار المعرب ‪. 164-6/163‬‬
‫)‪ (3‬قطع المجادلة عند تغيير المعاملة ص ‪ 104-103‬ضمن المجلد الول من‬
‫الحاوي للفتاوي ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وذكر جلل الدين السيوطي أنه ‪ ]:‬قد وقع في سنة إحدى وعشرين وثمانمائة‬
‫عكس ما نحن فيه وهو عزة الفلوس وغلوها بعد كثرتها ورخصها ‪ ،‬وتكلم في‬
‫ذلك قاضي القضاة جلل الدين البلقيني كلما ً مختصرا ً فنسوقه ثم نتكلم بما‬
‫وعدنا به ‪ ،‬نقلت من خط شيخنا قاضي القضاة شيخ السلم علم الدين‬
‫البلقيني رحمه الله ‪ ،‬قال في فوائد الخ شيخ السلم جلل الدين وتحريره ما‬
‫قال اتفق في سنة إحدى وعشرين وثمانمائة عزة الفلوس بمصر وعلى‬
‫الناس ديون في مصر من الفلوس وكان سعر الفضة قبل عزة الفلوس كل‬
‫درهم بثمانية دراهم من الفلوس ثم صار بتسعة وكان الدينار الفلوري‬

‫‪102‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بمائتين وستين درهما ً من الفلوس ‪ ،‬والهرجة بمائتين وثمانين والناصري‬


‫بمائتين وعشرة وكان القنطار المصري ستمائة درهم فعزت الفلوس ونودي‬
‫على الدرهم بسبعة دراهم وعلى الدينار بناقص خمسين فوقع السؤال عمن‬
‫لم يجد فلوسا ً وقد طلب منه صاحب دينه الفلوس فلم يجدها فقال أعطني‬
‫عوضا ً عنها‬
‫ذهبا ً أو فضة بسعر يوم المطالبة ما الذي يجب عليه ؟ [ )‪ ،(1‬ثم ذكر‬
‫السيوطي كلم جلل الدين البلقيني في المسألة ‪(2).‬‬
‫الرسائل المؤلفة في مسائل النقود ‪:‬‬
‫ألف جماعة من أهل العلم رسائل خاصة في مسائل النقود منها ‪:‬‬
‫‪ .1‬رسالة أحمد بن محمد بن عماد بن علي الشهير بابن الهائم المتوفى سنة‬
‫‪ 815‬هـ وعنوان رسالته " نزهة النفوس في ببيان حكم التعامل بالفلوس "‬
‫وهي مطبوعة ‪ ،‬وهي أقدم ما اطلعت عليه من الرسائل المتخصصة في‬
‫المسألة ‪ ،‬وقد ذكر ابن الهائم في مقدمة رسالته سبب تأليفه لها فقال ‪:‬‬
‫ي نعما ً مترادفة ومننا ً متضاعفة ل يحيط بالفرد منها‬ ‫] فإن لله ج ّ‬
‫ل ثناؤه عل ّ‬
‫حد ّ ‪ ،‬ول يحصي جملتها عد ّ ‪ ،‬فمنها أن الله يسر لي القامة بالقدس‬
‫الشريف ‪ ،‬ووفقني لمجاورة مسجده المنيف ‪ ،‬وكان ابتداؤها في سنة إحدى‬
‫وتسعين وسبعمائة ‪ ،‬وكان التعامل إذ ذاك بالقدس الشريف بالفلوس العددية‬
‫واقعا ً ‪ ،‬وكانت نوعا ً واحدا ً ‪ ،‬كل ثمانين فلسا ً منها بدرهم ‪ ،‬وكل حبة خمسة‬
‫أفلس ‪ ،‬لن الحبة عبارة عن نصف ثمن الدرهم في هذه البلد ‪ ،‬بخلف ما‬
‫في بلدنا حينئذ في مصر حماها الله تعالى ‪ ،‬فإنها عبارة فيه عن ثلث قيراط ‪،‬‬
‫ة رواج النقود لعدم التعامل بها في شراء عقار ونحوه‬ ‫وما كانت الفلوس رائج ً‬
‫‪ ،‬ثم غيّرها بعض نواب القدس الشريف ‪ ،‬فجعل الحبة ستة أفلس ‪ ،‬والدرهم‬
‫ستة وتسعين فلسا ً فرخصت قيمتها ‪ ،‬ونقص عدد الدرهم خمسة ‪ ،‬ثم دخلت‬
‫الفلوس المصرية العددية القدس الشريف المعبر عنها بالجدد ‪ ،‬وكانت إذ‬
‫ذاك كل أربعة وعشرين فلسا ً بدرهم وما زال التعامل بها بمصر حين ضربت‬
‫إلى الن على هذا الحساب ‪ ،‬كل فلس بقيراط من الدرهم ‪ ،‬وصار التعامل‬
‫في القدس بالنوعين ‪ ،‬ثم راجت الجدد على العتق رواجا ً كبيرا ً ‪ ،‬ثم إن بعض‬
‫النواب غّير العتق فجعل الحبة ثمانية أفلس ‪ ،‬والدرهم مائة وثمانية وعشرين‬
‫فلسا ً ‪ ،‬فنقص عدد الدرهم ربعه ‪ ،‬ثم راجت الجدد رواجا ً عظيما ً وزادت في‬
‫الرواج حتى كاد الناس ل يتعاملون بغيره ‪ ،‬ولم يتعامل الناس بالدراهم ول‬
‫بالفلوس العتق إل نادرا ً ‪ ،‬وصار الشهود يثبتون في الوثائق من الدراهم‬
‫بالفلوس الجدد الرائجة يومئذ ٍ ‪ ،‬كذا واستمر الحال على ذلك إلى أواخر ذي‬
‫ل فيها بحلب ودمشق‬ ‫القعدة سنة ثلث وثمانمئة ‪ ،‬وهي السنة التي ح ّ‬
‫ل ‪ ،‬التي وافق عددها أعداد أحرف خراب ‪ ،‬فغّير‬ ‫وضواحيها في حينها ما ح ّ‬
‫بعض النواب عدد الجدد ‪ ،‬وجعل الحبة فلسين ‪ ،‬والثمن أربعة ‪ ،‬والدرهم اثنين‬
‫وثلثين فلسا ً على نسبة الربع من عدد العتق فنقص الدرهم أيضا ً ربعه ‪ ،‬ومن‬
‫هناك اضطرب الناس في معاملتهم اضطرابا ً شديدا ً ‪ ،‬وكثر الستفتاء‬
‫والسؤال في البيوع والجارات والقروض وغيرها ‪ ،‬في أن البائع مثل ً إذا باع‬
‫بعدد منها ولم يقبضه فهل يلزم المشتري دفع الثمن بحساب ما كانت حال‬
‫العقد أو بحساب ما صارت إليه الن بعد مناداة نائب السلطان عليها فإن كل‬
‫أربعة ثمن ‪ ،‬وكذلك القرض وغيره ؟‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬قطع المجادلة عند تغيير المعاملة ص ‪ ، 96-95‬ضمن المجلد الول من‬

‫‪103‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الحاوي للفتاوي ‪.‬‬


‫)‪ (2‬المصدر السابق ص ‪. 96‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫فتوقفت في الجواب كثيرا ً وتطلبته طمعا ً في أن يكون مسطورا ً فلم أظفر‬


‫فيها بنقل لحد من الصحاب ‪ ،‬لكني ظفرت بما يدل على أن المعتبر ما كان‬
‫التعامل به حين العقد ‪ ،‬وهو ما سأذكره إن شاء الله تعالى ‪ ،‬وهو الذي‬
‫يقتضيه النظر فلم يثلج صدري لذلك طمعا ً في العثور على نقل في المسألة‬
‫بعينها ‪ ،‬فراجعت في ذلك صاحبنا شيخ الشافعية بالبلد النظامية الشيخ المام‬
‫العلمة أبا عبد الله شمس الدين محمد القرقشندي ‪ ،‬فسح الله في مدته ‪،‬‬
‫فأخبرني أنه تتبع النقل في المسألة فلم يظفر به فيها بعينها ‪ ،‬وأن الذي ظهر‬
‫له ‪ ،‬هو أن المعتبر ما كان التعامل به حين العقد ‪ ،‬كما ظهر لي ‪ ،‬وأن‬
‫مستنده في ذلك ما ظهر لي أنه المستند ‪ ،‬وأخبرني أيضا ً أنه أفتى بذلك‬
‫فقوي الظن بتوافق النظرين ‪ ،‬ثم ازداد قوة بأنه هو الذي نص عليه المام‬
‫مالك في المسألة بعينها ‪ ،‬وأنه مذهب الحنفية والحنابلة ‪ ،‬ولما رأيت هذه‬
‫م به البلوى وكثر عنها السؤال ‪ ،‬ولم أظفر لحد من أصحابنا‬ ‫الحادثة مما ع ّ‬
‫ً‬
‫فيها بمقال ‪ ،‬سنح لي أن أصنع فيها تصنيفا ‪ ،‬أذكر فيه المستند وأبين أن ما‬
‫أفتينا به هو المعتمد ‪ ،‬وأزيد مقاماته تحريرا ً ‪ ،‬وأوضح منتجاته تقريرا ً ‪ ،‬بحيث‬
‫إذا تأمله ذو النصاف يكاد يقطع بأنه ل يتجه فيه خلف ‪ ،‬فشرعت فيه بعد‬
‫الستشارة وبعد تأكيده بالستخارة [‪(1).‬‬
‫‪ .2‬رسالة " قطع المجادلة عند تغيير المعاملة " لجلل الدين السيوطي‬
‫المتوفى سنة ‪ 911‬هـ وهي مطبوعة ضمن الحاوي للفتاوي له ‪ ،‬وذكر في‬
‫أولها سبب تأليفها فقال ‪ ]:‬فقد كثر السؤال عما وقع كثيرا ً في هذه الزمان ‪،‬‬
‫وهو اختلف الخصوم في المطالبة بعد المناداة على الفلوس ‪ ،‬كل رطل‬
‫بثلثين درهما ً ‪ ،‬بعد أن كانت ستة وثلثين ‪ ،‬وهل يطالب من عليه الدين‬
‫بقيمته يوم اللزوم أو يوم المطالبة ؟ وهل يأخذ من الفلوس الجدد المتعامل‬
‫بها عددا ً بالوزن أو بالعدد ؟ فرأيت أن أنظر في ذلك وفي جميع فروعه‬
‫تخريجا ً على القواعد الفقهية ‪ ،‬وكذا لو نودي على الذهب أو الفضة [‪(2).‬‬
‫‪ .3‬رسالة " بذل المجهود في تحرير أسئلة تغير النقود " لمحمد بن عبد الله‬
‫التمرتاشي المتوفى سنة ‪ 1004‬هـ ‪ ،‬وهي الرسالة محل التحقيق والتعليق‬
‫وسيأتي الكلم عليها مفصل ً ‪.‬‬
‫‪ .4‬رسالة " في تراجع سعر النقود بالمر السلطاني " لعبد القادر الحسيني‬
‫ألفها سنة ‪ 1216‬هـ وهي مطبوعة بتحقيق د‪ .‬نزيه حماد وقد رجح أنها ُألفت‬
‫قبل رسالة ابن عابدين حيث إن الحسيني متقدم في العمر والطبقة على ابن‬
‫عابدين ‪(3).‬‬
‫‪ .5‬رسالة " تنبيه الرقود على مسائل النقود " لمحمد أمين المشهور بابن‬
‫عابدين المتوفى سنة ‪ 1252‬هـ ‪ ،‬ذكر أنه ألفها سنة ‪ 1230‬هـ ‪(4).‬‬
‫قال ابن عابدين في أولها ‪ ]:‬هذه رسالة سميتها " تنبيه الرقود على مسائل‬
‫النقود " من رخص وغلء وكساد وانقطاع ‪ ،‬جمعت فيها ما وقفت عليه من‬
‫كلم أئمتنا ذوي الرتقاء والرتفاع ضاما ً إلى ذلك ما يستحسنه ذوو الصغاء‬
‫والستماع … [‪(5).‬‬
‫من ابن عابدين رسالته معظم كلم التمرتاشي في " بذل المجهود في‬ ‫وقد ض ّ‬
‫تحرير أسئلة تغيير النقود " واعترض عليه في بعض المسائل ‪ ،‬وحرر مذهب‬

‫‪104‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الحنفية تحريرا ً جيدا ً ‪ ،‬وبّين ما عليه الفتوى في مسائل النقود ‪ ،‬والرسالة‬


‫مطبوعة ضمن مجموعة رسائل ابن عابدين في المجلد الثاني ‪.‬‬
‫‪ .6‬رسالة " إمتاع الحداق والنفوس بمطالعة أحكام الفلوس " للشيخ ألفا‬
‫هاشم الفوتي ‪.‬‬
‫ذكرها د‪ .‬محمد الشقر في بحثه " النقود وتقلب قيمة العمله " )‪ ،(6‬ولم‬
‫أقف بعد البحث على أي شيء يتعلق بها أو بمؤلفها ‪.‬‬
‫الدراسات المعاصرة لمسائل النقود ‪:‬‬
‫‪ ...‬بحث كثير من العلماء والباحثين المعاصرين المسائل المتعلقة بالنقود‬
‫بشكل عام ومسألة تغير قيمة العملة وأثر ذلك على اللتزامات بشكل‬
‫خاص ‪ ،‬ومن هذه الدراسات ما يلي ‪:‬‬
‫‪ " .7‬تغيرات النقود والحكام المتعلقة بها في الفقه السلمي " د‪ .‬نزيه‬
‫حماد ‪.‬‬
‫‪ " .8‬أحكام أوراق النقود والعملت " القاضي محمد تقي العثماني ‪.‬‬
‫‪ " .9‬أحكام النقود الورقية وتغير قيمة العملة " الشيخ محمد علي عبد الله ‪.‬‬
‫‪ .10‬رسالة " فواتح الشراق في أحكام نقود الوراق وتغير قيمة العملة‬
‫بإطلق " د‪ .‬محمد عبد اللطيف الفرفور ‪.‬‬
‫‪ " .11‬أحكام النقود الورقية " د‪ .‬أبو بكر دكوري ‪.‬‬
‫‪ " .12‬أحكام النقود الورقية وتغير قيمة العملة في نظر الشريعة السلمية "‬
‫الشيخ محمد عبده عمر ‪.‬‬
‫‪ " .13‬تغير قيمة العملة " د‪ .‬علي أحمد السالوس ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬نزهة النفوس في بيان حكم التعامل بالفلوس ص ‪. 141-140‬‬
‫)‪ (2‬قطع المجادلة عند تغيير المعاملة ص ‪.95‬‬
‫)‪ (3‬انظر " تغير قيمة العملة عند الفقهاء " د‪ .‬عجيل النشمي بحث منشور‬
‫في مجلة مجمع الفقه السلمي عدد ‪ 5‬الجزء ‪ 3‬ص ‪. 1623‬‬
‫)‪ (4‬تنبيه الرقود على مسائل الرقود ص ‪. 65‬‬
‫)‪ (5‬المصدر السابق ص ‪. 56‬‬
‫)‪ (6‬مجلة مجمع الفقه السلمي عدد ‪ 5‬الجزء ‪ 3‬ص ‪. 1681‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫‪ " .14‬أحكام النقود الورقية وتغير قيمة العمله " الشيخ عبد الله بن الشيخ‬
‫المحفوظ بن بّيه ‪(1).‬‬
‫‪ " .15‬تغير قيمة العملة في الفقه السلمي " د‪ .‬عجيل جاسم النشمي ‪.‬‬
‫‪ " .16‬النقود وتقلب قيمة العملة " د‪ .‬محمد سليمان الشقر ‪.‬‬
‫‪ " .17‬تغير قيمة العملة " د‪ .‬يوسف محمود قاسم ‪.‬‬
‫‪ " .18‬أثر تغير قيمة النقود في الحقوق واللتزامات "‬
‫د‪ .‬علي أحمد السالوس ‪.‬‬
‫‪ " .19‬تغير العملة الورقية " د‪ .‬محمد عبد اللطيف الفرفور ‪.‬‬
‫‪ " .20‬تذبذب قيمة النقود الورقية وأثره على الحقوق واللتزامات على ضوء‬
‫قواعد الفقه السلمي " د‪ .‬علي محي الدين القره داغي ‪.‬‬
‫‪ " .21‬تغير قيمة العملة " الشيخ محمد علي التسخيري ‪.‬‬
‫‪ " .22‬موقف الشريعة السلمية من ربط الحقوق واللتزامات المؤجلة‬
‫بمستوى السعار " الشيخ عبد الله بن سليمان المنيع ‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ " .23‬مسألة تغير قيمة العملة وربطها بقائمة السعار " د‪ .‬محمد تقي‬
‫العثماني ‪.‬‬
‫ً‬
‫ة وعينا " الشيخ محمد‬ ‫‪ " .24‬المعاملت السلمية وتغير قيمة العملة قيم ً‬
‫الحاج الناصر ‪.‬‬
‫‪ " .25‬تغير قيمة العملة " الشيخ محمد علي عبد الله ‪.‬‬
‫‪ " .26‬تغير قيمة العملة والحكام المتعلقة بها في فقه الشريعة السلمية "‬
‫الشيخ محمد عبده عمر ‪(2).‬‬
‫كتب حديثة بحثت مسائل النقود خاصة ‪:‬‬
‫‪ " .27 ...‬أحكام صرف النقود والعملت في الفقه السلمي " د‪ .‬عباس أحمد‬
‫الباز ‪ ،‬رسالة ماجستير ‪.‬‬
‫‪ " .28‬الوراق النقدية في القتصاد السلمي قيمتها وأحكامها "‬
‫د‪ .‬أحمد حسن ‪ ،‬رسالة دكتوراة ‪.‬‬
‫‪ " .29‬آثار التغيرات في قيمة النقود وكيفية معالجتها في القتصاد السلمي‬
‫" موسى آدم عيسى ‪ ،‬رسالة ماجستير ‪.‬‬
‫‪ " .30‬النقود وظائفها الساسية وأحكامها الشرعية " علء الدين الزعتري ‪،‬‬
‫رسالة ماجستير ‪.‬‬
‫‪ " .31‬النقود الئتمانية دورها وآثارها في اقتصاد إسلمي " إبراهيم بن صالح‬
‫العمر ‪ ،‬رسالة ماجستير ‪.‬‬
‫‪ " .32‬أثر انهيار قيمة الوراق النقدية على المهور " الشيخ فيصل المولوي ‪.‬‬
‫‪ " .33‬أحكام تغير قيمة العملة النقدية وأثرها في تسديد القرض " مضر نزار‬
‫العاني ‪ ،‬رسالة ماجستير ‪.‬‬
‫‪ " .34‬الورق النقدي " الشيخ عبد الله بن سليمان بن المنيع ‪ ،‬رسالة‬
‫ماجستير ‪.‬‬
‫‪ " .35‬أحكام الوراق النقدية والتجارية في الفقه السلمي " ستر بن ثواب‬
‫الجعيد ‪ ،‬رسالة ماجستير ‪.‬‬
‫‪ " .36‬تطور النقود في الشريعة السلمية " د‪ .‬أحمد حسين أحمد الحسيني ‪،‬‬
‫رسالة دكتوارة ‪.‬‬
‫‪ " .37‬أحكام النقود في الشريعة السلمية " جبر محمد سلمه ‪.‬‬
‫‪ " . 38‬النقود واستبدال العملت " د‪ .‬علي أحمد السالوس ‪.‬‬
‫‪ " .39‬السلم والنقود " د‪ .‬رفيق المصري ‪.‬‬
‫كتب حديثة أخرى تعرضت لمسألة تغير قيمة العملة ‪:‬‬
‫‪ " .40 ...‬نحو نظام نقدي عادل " د‪ .‬محمد عمر شابرا ‪.‬‬
‫‪ " .42 ...‬توضيح أوجه اختلف القوال في مسائل معاملت الموال " الشيخ‬
‫عبد الله بن بّيه ‪.‬‬
‫‪ " .43‬قاعدة المثلي والقيمي في الفقه السلمي " د‪ .‬علي محي الدين‬
‫القره داغي ‪.‬‬
‫‪ " .44‬السياسة النقدية والمصرفية في السلم " د‪ .‬عدنان التركماني‬
‫وغير ذلك من الكتب والبحاث ‪.‬‬
‫المبحث الول‬
‫دراسة حول المصنف التمرتاشي وفيه مطالب ‪:‬‬
‫‪ ...‬المطلب الول ‪ :‬اسمه ونسبه‬
‫‪ ...‬المطلب الثاني ‪ :‬مولده ونشأته‬
‫‪ ...‬المطلب الثالث ‪ :‬رحلته‬
‫‪ ...‬المطلب الرابع ‪ :‬شيوخه‬

‫‪106‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ ...‬المطلب الخامس ‪ :‬ثناء العلماء عليه‬


‫‪ ...‬المطلب السادس ‪ :‬تلميذه‬
‫‪ ...‬المطلب السابع ‪ :‬العائلة التمرتاشية‬
‫‪ ...‬المطلب الثامن ‪ :‬مؤلفاته‬
‫‪ ...‬المطلب التاسع ‪ :‬وفاته‬
‫المبحث الول‬
‫الدراسة حول المصنف التمرتاشي‬
‫المطلب الول ‪ :‬اسمه ونسبه ‪:‬‬
‫هو محمد بن عبد الله بن أحمد الخطيب بن محمد الخطيب بن إبراهيم‬
‫الخطيب بن محمد الخطيب التمرتاشي الغزي ‪(3).‬‬
‫قال ابن عابدين ‪ ]:‬ورأيت في رسالة لحفيد المصنف وهو الشيخ محمد بن‬
‫الشيخ صالح ابن المصنف زاد بعد إبراهيم المذكور ابن خليل بن تمرتاشي [‪).‬‬
‫‪(4‬‬
‫ً‬
‫وقال ابن عابدين أيضا‪ ]:‬التمرتاشي نسبة إلى تمرتاش نقل صاحب مراصد‬
‫مرتاش بضمتين وسكون الراء وتاء‬ ‫الطلع في أسماء الماكن والبقاع أن ت ُ ُ‬
‫وألف وشين معجمة ‪ ،‬قرية من قرى خوارزم ‪ .‬قلت والقرب أنه نسبة إلى‬
‫جده تمرتاش كما قدمناه [)‪. (5‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬مولده ونشأته ‪:‬‬
‫‪ ...‬ولد في غزة سنة ‪ 939‬هـ وفق سنة ‪1532‬م ونشأ فيها )‪.(6‬‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬رحلته ‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬البحوث من ‪ 14-7‬منشورة في مجلة مجمع الفقه السلمي عدد ‪3‬‬
‫الجزء ‪. 3‬‬
‫)‪ (2‬البحوث من ‪ 26-15‬منشورة في مجلة مجمع الفقه السلمي عدد ‪5‬‬
‫الجزء ‪. 3‬‬
‫)‪ (3‬له ترجمة في المصادر التالية ‪:‬‬
‫خلصة الثر ‪ * 20- 4/18‬كشف الظنون ‪ * 1/401‬إيضاح المكنون ‪* 1/26‬‬
‫هدية العارفين ‪ * 2/262‬معجم المؤلفين ‪ * 3/427‬العلم ‪ * 6/239‬ديوان‬
‫السلم ‪ * 2/24‬بلدنا فلسطين ‪ * 83-1/2/82‬أعلم من أرض السلم ص‬
‫‪. 372-371‬‬
‫)‪ (4‬حاشية ابن عابدين ‪. 19-1/18‬‬
‫)‪ (5‬المصدر السابق ‪ ، 1/19‬وانظر مراصد الطلع على أسماء المكنة‬
‫والبقاع ‪.1/274‬‬
‫)‪ (6‬انظر المصادر المذكورة في الهامش رقم )‪ (1‬من الصفحة السابقة ‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫‪ ...‬ذكر المحبي أن المصنف قد رحل إلى القاهرة أربع مرات آخرها في سنة‬
‫ثمان وتسعين وتسعمائة ‪(1).‬‬
‫‪ ...‬وذكر المحبي أيضا ً أنه رحل إلى حماة فقال ‪ ]:‬وذكره جدي القاضي محب‬
‫الدين في رحلته إلى مصر ‪ ،‬ووصفه بأوصاف جليلة ‪ ،‬وذكر ما وقع بينهما من‬
‫المحاضرة ‪ ،‬قال ‪ :‬ثم اتسعت معه دائرة المخاطبة واستطرد القول بطريق‬
‫المناسبة ‪ ،‬إلى ذكر رحلته إلى بلدتنا حماة المحروسة ‪ ،‬وتغزل لنا بوصف ما‬
‫فيها من تلك الماكن المأنوسة ‪ ،‬ثم سألني عمن يعهده فيها من أفاضل‬

‫‪107‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الصحاب ‪ ،‬فكان سائل دمع مقلتي الجواب ‪ ،‬ثم حدثنا بكثير من حسن‬
‫المحاضرات ‪ ،‬ولطيف المحاورات التي كانت تصدر بينه وبين فاضلها‬
‫المرحوم سيدي الشيخ محمد بن الشيخ علوان وكان يتعجب من فصاحته‬
‫وبلغته التي حارت فيها العقول والذهان ‪ ،‬ويمدح فضائله وفواضله الغزار‬
‫ويذكر صفاء العيش الذي قضاه في صحبته في تلك الديار ‪(2).‬‬
‫المطلب الرابع ‪ :‬شيوخه ‪:‬‬
‫‪ ...‬طلب العلم أول ً على مشايخ بلده غزة ‪ ،‬فأخذ أنواع الفنون عن الشمس‬
‫محمد بن المشرقي مفتي الشافعية ‪ ،‬ثم رحل إلى القاهرة أربع مرات آخرها‬
‫في سنة ‪ 998‬هـ ‪ ،‬وتفقه فيها على الشيخ المام زين الدين بن نجيم‬
‫الحنفي ‪ ،‬وأخذ عن المام الكبير أمين الدين بن عبد العال ‪ ،‬وأخذ عن المولى‬
‫علي بن الحنائي قاضي القضاة بمصر ‪.‬‬
‫‪ ...‬ثم عاد إلى بلده غزة وقد رأس في العلم وقصده الناس للفتوى ‪(3).‬‬
‫وهذه تراجم شيوخه التي وقفت عليها ‪:‬‬
‫‪ .1‬الشمس محمد المشرقي ‪ :‬هو محمد بن محمد بن علي الشيخ العلمة‬
‫المعمر المسند الحافظ شمس الدين أبو عبد الله الغزي الزهري الشافعي‬
‫المعروف بابن المشرقي ميلده بغزة في أوائل صفر سنة ‪ 900‬هـ ‪.‬‬
‫أخذ عن القاضي زكريا والشيخ عبد الحق السنباطي وقاضي القضاة الكمال‬
‫الطويل والجمال الصالحي والشمس الدلجي والشيخ شمس الدين الطحان‬
‫والشهاب أحمد بن شعبان النصاري والسيد كمال الدين بن حمزة وغيرهم‬
‫وأخذ عنه جماعة منهم الشيخ ابن كسبائي وغيره ‪ .‬توفي سنة ‪ 980‬هـ ‪(4).‬‬
‫‪ .2‬ابن نجيم الحنفي ‪ :‬وهو زين الدين بن ابراهيم بن محمد بن محمد‬
‫المصري الفقيه الحنفي الصولي ‪ ،‬أخذ العلوم عن جماعة منهم الشيخ شرف‬
‫الدين البلقيني والشيخ شهاب الدين بن الشلبي والشيخ أمين الدين بن عبد‬
‫العال له مؤلفات كثيرة منها " البحر الرائق شرح كنز الدقائق في فروع‬
‫الفقه الحنفي " ‪ " ،‬شرح المنار في أصول الفقه " ‪ " ،‬الشباه والنظائر " ‪" ،‬‬
‫الرسائل الزينة " وغير ذلك ‪ .‬توفي سنة ‪ 970‬هـ ‪(5).‬‬
‫‪ .3‬أمين الدين بن عبد العال ‪ :‬هو محمد بن عبد العال الحنفي المصري أمين‬
‫الدين فقيه ‪ ،‬من آثاره فتاوى جمعها تلميذه إبراهيم بن سليمان العادلي‬
‫وسماها " العقد النفيس لما ُيحتاج إليه للفتوى والتدريس " توفي سنة ‪971‬‬
‫هـ ‪(6).‬‬
‫وذكر في الكواكب السائرة ترجمة لوالده عبد العال وأشار نقل ً عن العلئي‬
‫إلى أنه أعقب ولدا ً فاضل ً يسمى أمين الدين من أمة حبشية نشأ على علم‬
‫وخير ‪ ،‬وقال إن ترجمة أمين الدين ستأتي في الطبقة الثانية ولم أعثر عليها ‪.‬‬
‫)‪(7‬‬
‫ده المحبي )‪ (8‬من‬ ‫‪ .4‬المولى علي بن الحنائي ‪ :‬قاضي القضاة بمصر ‪ ،‬ع ّ‬
‫شيوخ التمرتاشي ‪ ،‬ولم أعثر له على ترجمة فيما رجعت إليه من المصادر ‪).‬‬
‫‪(9‬‬
‫المطلب الخامس ‪ :‬ثناء العلماء عليه ‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫قال المحبي عنه ‪ ]:‬رأس الفقهاء في عصره كان إماما فاضل كبيرا حسن‬
‫السمت ‪ ،‬جميل الطريقة ‪ ،‬قوي الحافظة ‪ ،‬كثير الطلع ‪ ،‬وبالجملة فلم يبق‬
‫في آخر أمره من يساويه في الدرجة [‪(10).‬‬
‫وقال أيضا ً ‪ ]:‬وقد رأس في العلوم وقصده الناس في الفتوى وألف التآليف‬
‫العجيبة المتقنة [‪(11).‬‬
‫وقال أبو المعالي محمد بن عبد الرحمن بن الغزي المتوفى سنة ‪ 1167‬هـ‬

‫‪108‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عن المصنف ‪ …]:‬المام العالم الحبر الفقيه شيخ الحنفية [‪(12).‬‬


‫وقال عمر رضا كحاله ‪ ]:‬فقيه أصولي متكلم [‪(13).‬‬
‫وقال خير الدين الزركلي ‪ ]:‬شيخ الحنفية في عصره [‪(14).‬‬
‫وقال مصطفى الدباغ ‪ ]:‬كان رأس فقهاء الحنفية في عصره [‪(15).‬‬
‫المطلب السادس ‪ :‬تلميذه ‪:‬‬
‫قال المحبي ‪ ]:‬وانتفع به جماعة منهم ولداه صالح ومحفوظ والشيخان‬
‫المامان أحمد ومحمد ابنا عمار ‪ ،‬ومن أهالي القدس البرهان الفتياني‬
‫المؤلف والشيخ عبد الغفار العجمي وغيرهم [‪(16).‬‬
‫وهذه ترجمة لتلميذه الذين وقفت على تراجمهم ‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬خلصة الثر ‪. 4/19‬‬
‫)‪ (2‬المصدر السابق ‪. 4/20‬‬
‫)‪ (3‬انظر خلصة الثر ‪. 4/19‬‬
‫)‪ (4‬انظر ترجمته في الكواكب السائرة ‪. 27-3/26‬‬
‫)‪ (5‬انظر ترجمته في الكواكب السائرة ‪ ، 3/154‬التعليقات السنية على‬
‫الفوائد البهية ص ‪ ، 221‬معجم المؤلفين ‪. 1/740‬‬
‫)‪ (6‬انظر ترجمته في معجم المؤلفين ‪ ، 3/413‬كشف الظنون‬
‫‪. 2/160،213‬‬
‫)‪ (7‬الكواكب السائرة ‪. 1/237‬‬
‫)‪ (8‬خلصة الثر ‪. 4/19‬‬
‫)‪ (9‬ولعله المذكور في معجم المؤلفين ‪. 2/396‬‬
‫)‪ (10‬خلصة الثر ‪. 4/19‬‬
‫)‪ (11‬المصدر السابق ‪.‬‬
‫)‪ (12‬ديوان السلم ‪. 2/24‬‬
‫)‪ (13‬معجم المؤلفين ‪. 3/427‬‬
‫)‪ (14‬العلم ‪. 6/239‬‬
‫)‪ (15‬بلدنا فلسطين ج ‪ 1‬ق ‪. 2/82‬‬
‫)‪ (16‬خلصة الثر ‪. 4/20‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫‪ .1‬صالح ابن المؤلف ‪ :‬هو صالح بن محمد بن عبد الله بن أحمد الخطيب ابن‬
‫محمد الخطيب بن إبراهيم الخطيب التمرتاشي الغزي الحنفي ‪ ،‬المام ابن‬
‫المام كان فاضل ً متبحرا ً بحاثا ً وله إحاطة بفروع المذهب أخذ عن والده‬
‫ورحل إلى مصر وأخذ عن علمائها وتصدر في ذلك القطر بعد وفاة أبيه ونفع‬
‫الناس في الفتاوى وألف التآليف النافعة في الفقه وغيره منها حاشية على‬
‫الشباه والنظائر التي سماها " زواهر الجواهر وله " منظومة في الفقه " "‬
‫وشرح تحفة الملوك " " وشرح ألفية ولده محمد في النحو " التي أولها ‪:‬‬
‫قال محمد هو ابن صالح ‪ ...‬أحمد ُ ربي الله خير فاتح‬
‫وله شرح الّنقاية سماه " العناية " ‪ " ،‬وشرح تاريخ شيخ السلم سعدي‬
‫المحشي " ‪ ،‬وله رسائل كثيرة منها رسالة في سيدنا محمد ) كذا ولعل‬
‫الصواب موسى ( وأخيه هارون عليهما السلم ‪ ،‬ورسالة في علم الوضع ‪،‬‬
‫وترسلته وأشعاره وافرة مطبوعة ‪ ،‬وقفت له على هذه البيات كتب بها إلى‬
‫الخير الرملي في صدر رسالة وقد استحسنتها فأثبتها له وهي قوله ‪:‬‬

‫‪109‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن‬ ‫ت عن رملةٍ لي ث َ ّ‬
‫م إنسا ٌ‬ ‫إن جز َ‬
‫في العلم نعمانه في الجود حاتمه‬
‫والخير أوله والخير شيمته‬
‫قالوا هو البحر قلت البحر ذو غرق‬
‫قالوا هو الليث قلت الليث ذو حمق‬
‫قالوا هو السيف قلت السيف ذو كلل‬
‫قالوا فما هو قل لي قلت قد جمعت‬
‫أخوه شمس به ضائت منازله‬
‫ليثان حبران في آجام معرفة‬
‫قد جاء للرملة البيضا وقد درست‬
‫م وإحسان‬ ‫م له عل ٌ‬
‫فجدد العلم فيها واستنار به ‪ ...‬حبٌر هما ٌ‬
‫وماله فيهما ضد وأقران‬
‫والدين قيد ٌ له في العلم إمكان‬
‫قالوا هو البدر ل يعروه نقصان‬
‫قالوا هو الشمس قلت الشمس ميزان‬
‫وربما جاء منه صاِح عدوان‬
‫فيه الخصال وزادت فيه عرفان‬
‫وصدره بعلوم الله ريان‬
‫يروى بأنداهما للعلم ظمآن‬
‫فيها العلوم وفيها لح طغيان‬
‫ش العلوم وفيها زاد إيمان‬ ‫عر ُ‬
‫وبالجملة فقد كان من أجلء العلماء وكانت ولدته في سنة ثمانين وتسعمائة‬
‫وتوفي في سنة خمسة وخمسين بعد اللف ‪ ،‬قاله المحبي ‪(1).‬‬
‫وذكره في معجم المؤلفين فقال ‪ … ]:‬فقيه أديب مشارك في بعض العلوم‬
‫من تصانيفه " العناية في شرح النقاية " ‪ " ،‬زواهر الجواهر النضائر على‬
‫الشباه والنظائر " ‪ " ،‬أبكار الفكار وفاكهة الخيار " ‪ " ،‬شرح اللفية في‬
‫النحو " وله شعر [‪(2).‬‬
‫‪ .2‬محفوظ ابن المؤلف ‪ :‬هو محفوظ بن محمد بن عبد الله بن أحمد بن‬
‫محمد بن إبراهيم التمرتاشي الغزي الفقيه الحنفي بن الشيخ المام صاحب‬
‫التنوير العالم ‪ ،‬كان في الفضل سامي الهضبة ‪ ،‬بعيد الغور ‪ ،‬وتفقه بوالده ‪،‬‬
‫ثم رحل إلى القاهرة فأخذ بها عن شيخ الحنفية النور علي بن غانم المقدسي‬
‫‪ ،‬وعن الشيخ محمد بن محب الدين الشهير بابن الذئب ‪ ،‬وبابن المحب‬
‫الحنفي ‪ ،‬وأخذ النحو عن العلمة أبي بكر الشنواني ‪ ،‬ورجع إلى بلده وأفاد‬
‫وانتفع به جماعة ‪ ،‬منهم أخوه الشيخ صالح المقدم ذكره ‪ ،‬وكان ينظم الشعر‬
‫فمن شعره ما كتبه إلى الشيخ محمد بن عبد النبي النويري معاتبا ً لمر حصل‬
‫من أخيه الشيخ صالح المذكور فقال ‪:‬‬
‫أخي إن هذا العتب منك طويل‬
‫وودك في وسط الفؤاد غرسته‬
‫ولسنا نقيس الغير يوما ً بذاتكم‬
‫فإنك ممن حاز فضل ً وعفة‬
‫وأصبحت في فن الفصاحة مفردا ً‬
‫فيا شاعر الدنيا ويا خير فاضل‬
‫لئن كان منا صار ما يوجب القلى‬
‫وكن واثقا ً بي إنني بك واثق‬

‫‪110‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ووالله سعيي في الصفاء محبة‬


‫فل زلت في عز منيع ورفعة‬
‫وإن دمت في صد وهجر وجفوة‬
‫ي ما في دهرنا من معاشر‬ ‫خليل ّ‬
‫ومحفوظ أبدى ذا النظام وعلمه ‪ ...‬وشمس وجودي بالبعاد أفول‬
‫وحاشاي يوما ً أن يقال ملول‬
‫فليس سواء عالم وجهول‬
‫وقدركم بين النام جليل‬
‫وليس لكم بين النام مثيل‬
‫ي جزيل‬ ‫ويا من له فضل عل ّ‬
‫فأنت كريم والكريم يقيل‬
‫وقول اللواحي والعذول فضول‬
‫إليك وإني للعتاب حمول‬
‫مدى الدهر من يشنيك فهو ذليل‬
‫تمثلت بيتا ً أنشدته فحول‬
‫صديق وإخوان الصفاء قليل‬
‫بمنظومكم ما إن إليه سبيل‬
‫فأجابه النويري بقوله ‪:‬‬
‫م فاق درا ً به بدا‬
‫أتاني نظا ٌ‬
‫وتضمنه عتبا ً حل لي بيانه‬
‫وحقك يا مولي ما كنت بالذي‬
‫وقلبي بقيد الود منك مقيد‬
‫سقيت كؤوس الموت إن ملت في الهوا‬
‫فأنتم منى عيني وبهجة ناظري‬
‫وبعدي عنكم ليس للصد ّ والقلى‬
‫فوالله ذاك المر أسهر مقلتي‬
‫رميت من الدهر المغر بنكبة‬
‫فصبرا ً على ما نالني من أحبتي‬
‫بحقك يا مولي كن عاذري فقد‬
‫فل زلت في عز عظيم ورفعة ‪ ...‬بديع معان هذبته عقول‬
‫تمنيت أن العتب فيه يطول‬
‫له فكرة فيها القلء يجول‬
‫ولم يبد للسلوان عنه سبيل‬
‫وإن كنت عن عهدي القديم أحول‬
‫على فضلكم دون النام أعول‬
‫ولكن لمر صار فهو دليل‬
‫وأزعجني والجسم منه نحيل‬
‫خصصت بها والدهر صاح يميل‬
‫عساهم يجودوا بالرضا ويقيلوا‬
‫وهى الجسم مني والفؤاد كليل‬
‫مدى الدهر ما أبدى العتاب خليل‬
‫وكانت وفاة صاحب الترجمة في سنة خمسين وثلثين ألف ‪ ،‬قاله المحبي ‪).‬‬
‫‪(3‬‬
‫__________‬

‫‪111‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (1‬خلصة الثر ‪. 240-2/239‬‬


‫)‪ (2‬معجم المؤلفين ‪ ، 1/833‬وانظر العلم ‪. 3/195‬‬
‫)‪ (3‬خلصة الثر ‪. 316-4/315‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫‪ .3 ...‬عبد الغفار بن يوسف ‪ :‬عبد الغفار بن يوسف بن جمال الدين بن محمد‬


‫شمس الدين بن محمد ظهير الدين القدسي الحنفي المعروف بالعجمي ‪،‬‬
‫من أعيان علماء عصره ‪ ،‬وكان عالما ً وجيها ً متواضعا ً متلطفا ً ‪ ،‬قرأ ببلده على‬
‫أبيه والشمس الخريشي الحنبلي ‪ ،‬وأخذ الحديث عن السراج عمر اللطفي‬
‫والشيخ محمود البيلوني الحلبي قدم عليهم القدس وأخذ طريق النقشبندية‬
‫ما قدم لزيارة البيت المقدس ‪ ،‬وطريق‬ ‫عن المولى محمد صادق النقشبندي ل ّ‬
‫العلوانية عن الشيخ محمد الدجاني ‪ ،‬وله رحلتان إلى القاهرة أولهما في‬
‫سنة ثلث وتسعين وتسعمائة ‪ ،‬أخذ بها الحديث عن الستاذ محمد البكري ‪،‬‬
‫والفقه عن النور علي بن غانم المقدسي والشمس النحريري ‪ ،‬والسراج‬
‫الحانوتي ‪ ،‬والشيخ عمر بن نجيم ‪ ،‬والشيخ عبد الرحمن الذئب ‪ ،‬والفرائض‬
‫عن الشيخ عبد الله الشنشوري ‪ ،‬والصول عن الشيخ حسن الطناني ‪،‬‬
‫والقراآت عن الشهاب أحمد بن عبد الحق ‪ ،‬والثانية في سنة اثنتين وعشرين‬
‫ألف راجعا ً بحرا ً من الروم ‪ ،‬وأخذ عن الشهاب عبد الرؤوف المناوي ‪ ،‬وأخذ‬
‫بدمشق عن الشهاب العيثاوي ‪ ،‬وبحلب عن الشيخ عمر العرضي وسافر إلى‬
‫الروم مرتين ‪ ،‬وولي إفتاء الحنفية بالقدس وتدريس المدرسة العثمانية ‪،‬‬
‫وتصدر وأخذ عنه جماعة منهم ولده هبة الله مفتي القدس ‪ ،‬والشمس محمد‬
‫بن علي المكتبي الدمشقي وغيرهما ‪ ،‬وكانت ولدته في سنة ثلث أو أربع‬
‫وسبعين وتسعمائة ‪ ،‬وتوفي نهار الخميس غرة ذي القعدة سنة سبع وخمسين‬
‫بعد اللف رحمه الله تعالى ‪ ،‬قاله المحبي ‪(1).‬‬
‫المطلب السابع‬
‫العائلة التمرتاشية‬
‫ينتسب المصنف إلى العائلة التمرتاشية وقد برز من هذه العائلة نفر من أهل‬
‫العلم والرياسة والفضل وهم ‪:‬‬
‫‪ .1‬محمد بن عبد الله التمرتاشي ‪ -‬المصنف ‪-‬‬
‫‪ .2‬ولده الول صالح بن محمد بن عبد الله التمرتاشي ‪ ،‬سبقت ترجمته ‪.‬‬
‫‪ .3‬وولده الثاني محفوظ بن محمد بن عبد الله التمرتاشي ‪ ،‬سبقت ترجمته ‪.‬‬
‫‪ .4‬حفيده محمد بن صالح بن محمد بن عبد الله بن أحمد الغزي التمرتاشي ‪،‬‬
‫كان محمد هذا من فضلء الفقهاء الحنفية برع في شبابه ‪ ،‬وقد أخذ ببلده عن‬
‫والده وعن ابن المحب ‪ ،‬ثم رحل إلى القاهرة وتفقه بها على الشهاب أحمد‬
‫الشوبري ‪ ،‬والحسن الشرنبللي ‪ ،‬والشيخ محي الدين الغزي الفاروقي ‪،‬‬
‫والشيخ أبي بكر الجبرتي ‪ ،‬وأخذ الحديث عن الشيخ عامر الشبراوي ‪،‬‬
‫والشيخ عبد الجواد الجنبلطي ‪ ،‬والشيخ أبي الحسن بن عبد الرحمن بن‬
‫محمد الخطيب الشربيني الشافعي ‪ ،‬والشيخ محمد بن عبد الرحمن‬
‫الحموي ‪ ،‬والشمس محمد بن الجلل البكري ‪ ،‬وأبي العباس أحمد المقري‬
‫المغربي ‪ ،‬والشيخ عبد الرحمن بن يوسف البهوتي الحنبلي ‪ ،‬ورجع إلى بلده‬
‫وقد بلغ الغاية من الفضل ‪ ،‬وألف في حياة والده تآليف منها شرح الرحبية‬
‫ونظم ألفية في النحو شرحها أبوه في حياته وأولها ‪:‬‬
‫قال محمد هو ابن صالح ‪ ...‬أحمد ربي الله خير فاتح‬

‫‪112‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وله منظومة في المناسخات ‪ ،‬ورسالة في تفضيل النسان ‪ ،‬وله شعر كثير‬


‫وكانت وفاته في سنة خمس وثلثين وألف ‪ ،‬ووالده موجود في الحياء رحمه‬
‫الله تعالى ‪ ،‬قاله المحبي ‪(2).‬‬
‫وقال عمر رضا كحالة ‪ ] :‬فرضي نحوي أديب شاعر ‪ :‬من آثاره " الرحبية في‬
‫الفرائض " ‪ " ،‬نظم ألفية في النحو " ‪ " ،‬رسالة في تفضيل النسان " ‪" ،‬‬
‫منظومة في المناسخات " ‪ ،‬وله شعر كثير [‪(3).‬‬
‫وله " فيض المستفيض في مسائل التفويض " فقه حنفي )‪ ،(4‬وذكر العلمة‬
‫ابن عابدين رسالة فيض المستفيض في حاشيته رد المحتار ‪5/361‬‬
‫‪ .5‬صالح بن أحمد بن محمد بن صالح بن محمد التمرتاشي الغزي العمري ‪،‬‬
‫ذكره الشيخ عبد الغني النابلسي وقال ‪ :‬إنه كان مفتي الحنفية في غزة‬
‫عندما زار الشيخ النابلسي غزة سنة ‪ 1105‬هـ ‪(5).‬‬
‫وذكر الزركلي أن له ميل ً إلى التاريخ ومن تصنيفه رسالة صغيرة في بلد‬
‫الشام وأشار إلى أنها مخطوطة )‪ ،(6‬وقد حققها الدكتور حمد أحمد يوسف‬
‫وهي بعنوان " الخير التام في ذكر الرض المقدسة وحدودها وذكر أرض‬
‫فلسطين وحدودها وأراضي الشام " وهي من منشورات مؤسسة إحياء‬
‫التراث والبحوث السلمية في القدس ‪ ،‬لسنة ‪ 1418‬هـ ‪ 1997 -‬م ‪.‬‬
‫وذكر مصنفها أنه انتهى من تأليفها في مصر سنة ‪ 1106‬هـ ‪.‬‬
‫‪ .6‬نجم الدين بن صالح التمرتاشي العمري مؤرخ من آثاره " فتح المنان في‬
‫مفاخر آل عثمان " ألفه سنة ‪ 1156‬هـ ‪.‬‬
‫وقال عمر رضا كحالة ‪ :‬كان حيا ً سنة ‪ 1156‬هـ‪ 1743/‬م ‪(7).‬‬
‫‪ .7‬نجم الدين بن صالح بن أحمد بن محمد بن صالح بن محمد بن عبد الله‬
‫التمرتاشي الغزي الحنفي المتوفى سنة ‪ 1200‬هـ ‪ ،‬قدم مصر سنة ‪ 1160‬هـ‬
‫‪ ،‬تفقه وقرأ المعقولت وتضلع ببعض العلوم ‪ ،‬وقد دخل في سلك القضاء‬
‫وتولى نيابة القضاء في مصر سنة ‪ 1186‬هـ ‪(8).‬‬
‫المطلب الثامن‬
‫مؤلفاته‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬خلصة الثر ‪. 2/433‬‬
‫)‪ (2‬خلصة الثر ‪. 3/475‬‬
‫)‪ (3‬معجم المؤلفين ‪. 3/356‬‬
‫)‪ (4‬العلم ‪. 6/163‬‬
‫)‪ (5‬الحقيقة والمجاز في الرحلة إلى بلد الشام ومصر والحجاز ص ‪، 166‬‬
‫وانظر بلدنا فلسطين الجزء ‪ 1‬القسم ‪. 2/83‬‬
‫)‪ (6‬العلم ‪. 189-3/188‬‬
‫)‪ (7‬معجم المؤلفين ‪. 4/13‬‬
‫)‪ (8‬تاريخ الجبرتي ‪. 654-1/653‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫قال المحبي ‪ ]:‬وأّلف التآليف العجيبة المتقنة [ )‪ ،(1‬وقد وقفت له على‬


‫المؤلفات التية ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬في الفقه ‪:‬‬
‫‪ " .1‬تنوير البصار وجامع البحار " ‪ ،‬قال المحبي ‪ ]:‬وهو متن في الفقه جليل‬
‫المقدار جم الفائدة دقق في مسائله كل التدقيق ورزق فيه السعد فاشتهر‬

‫‪113‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في الفاق [‪(2).‬‬


‫ثم إن التمرتاشي شرح متن تنوير البصار في مجلدين وسماه " منح الغفار "‬
‫قال حاجي خليفة ‪ ] :‬وجمع فيه مسائل المتون المعتمدة عونا ً لمن ابتلى‬
‫بالقضاء والفتوى وفرغ من تأليفه في محرم الحرام سنة ‪ 995‬هـ ‪ ،‬ثم شرحه‬
‫في مجلدين ضخمين وسماه منح الغفار [)‪. (3‬‬
‫وممن شرحه أيضا ً محمد علء الدين الحصكفي المتوفى سنة ‪1088‬هـ‬
‫وسماه " الدر المختار شرح تنوير البصار " وقد ذكر في مقدمته أنه بدأ شرح‬
‫" تنوير البصار " في كتاب " خزائن السرار وبدائع الفكار في شرح تنوير‬
‫دره في عشر‬ ‫البصار وجامع البحار " وأنه لما انتهى من تبييض الجزء الول ق ّ‬
‫مجلدات كبار فصرف النظر عن إكماله وكتب شرحا ً مختصرا ً وهو " الدر‬
‫المختار في شرح تنوير البصار "‪(4).‬‬
‫وذكر المحبي أنه وصل فيه إلى الوتر وذكر ابن عابدين أنه لم يكمله في‬
‫المسودة واكتفى بالجزء الذي بّيضه ‪(5).‬‬
‫وقد وضع ابن عابدين حاشية على الدر المختار سماها رد المحتار على الدر‬
‫المختار وهي المشهورة بحاشية ابن عابدين ‪.‬‬
‫قال ابن عابدين ‪ ]:‬إن كتاب الدّر المختار شرح تنوير البصار ‪ ،‬قد طار في‬
‫القطار ‪ ،‬وسار في المصار ‪ ،‬وفاق في الشتهار ‪ ،‬على الشمس في رابعة‬
‫ب الناس عليه ‪ ،‬وصار مفزعهم إليه ‪ ،‬وهو الحريّ بأن ُيطلب ‪،‬‬ ‫النهار ‪ ،‬حتى أك ّ‬
‫ويكون إليه المذهب ‪ ،‬فإنه الطراز اُلمذهب في المذهب ‪ ،‬فلقد حوى من‬
‫الفروع المنقحة ‪ ،‬والمسائل المصححة ‪ ،‬ما لم يحوه غيره من كبار السفار ‪،‬‬
‫ولم تنسج على منواله يد الفكار ‪ ،‬بيد أنه لصغر حجمه ‪ ،‬ووفور علمه ‪ ،‬قد بلغ‬
‫في اليجاز ‪ ،‬إلى حد اللغاز ‪ ،‬وتمنع بإعجاز المجتاز ‪ ،‬في ذلك المجاز ‪ ،‬عن‬
‫إنجاز الفراز ‪ ،‬بين الحقيقة والمجاز ‪.‬‬
‫وقد كنت صرفت في معاناته برهة من الدهر ‪ … ،‬فطفقت أوشي حواشي‬
‫صفائح صحائفه اللطيفة ‪ ،‬بما هو في الحقيقة بياض للصحيفة ‪ ،‬ثم أردت جمع‬
‫تلك الفوائد ‪ ،‬وبسط سمط هاتيك الموائد ‪ ،‬من متفرقات الحواشي والرقاع ‪،‬‬
‫خوفا ً عليها من الضياع ‪ ،‬ضاما ً إلى ذلك ما حرره العلمة الحلبي والعلمة‬
‫الطحطاوي وغيرهما من محشي هذا الكتاب … وبذلت الجهد في بيان ما هو‬
‫القوى وما عليه الفتوى وبيان الراجح من المرجوح ‪ ،‬مما أطلق في الفتاوى‬
‫أو الشروح ‪ ،‬معتمدا ً في ذلك على ما حرره الئمة العلم ‪ ،‬من المتأخرين‬
‫العظام ‪ ،‬كالمام ابن الهمام وتلميذيه العلمة قاسم وابن أمير حاج والمصنف‬
‫والرملي وابني نجيم وابن الشلبي والشيخ إسماعيل الحائك والحانوتي‬
‫السراج وغيرهم ممن لزم علم الفتوى من أهل التقوى [‪ (6).‬والكتاب‬
‫مطبوع مع شرحه الدر المختار وحاشية رد المحتار لبن عابدين ‪.‬‬
‫‪ " .2‬منح الغفار شرح تنوير البصار " ‪ ،‬ذكره حاجي خليفة وقد سبقت عبارته‬
‫وذكره أيضا ً المحبي والبغدادي وذكر الزركلي أنه مخطوط )‪ ،(7‬قال‬
‫المحبي ‪ ]:‬وهو من أنفع كتب المذهب [ )‪ ،(8‬وعليه حواشي مفيدة كتبها شيخ‬
‫السلم خير الدين الرملي ‪(9).‬‬
‫‪ " .3‬شرح الكنز " ‪ -‬أي كنز الدقائق لحافظ الدين النسفي ‪ -‬وصل فيه إلى‬
‫كتاب اليمان ‪(10).‬‬
‫‪ " .4‬قطعة من شرح الوقاية " ‪ (11).‬وهو وقاية الرواية في مسائل الهداية‬
‫لمحمود بن صدر الشريعة المحبوبي ‪.‬‬
‫‪ " .5‬حاشية على الدرر والغرر " وصل فيها إلى نهاية كتاب الحج ‪(12).‬‬
‫والدرر والغرر في فروع الحنفية لمنل خسرو المتوفى سنة ‪ 885‬هـ ‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ " .6‬إعانة الحقير لزاد الفقير في فروع الفقه الحنفي " وزاد الفقير مختصر‬
‫في فروع الفقه الحنفي لكمال الدين بن الهمام ‪ ،‬وذكر الزركلي أنه مخطوط‬
‫)‪.(13‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬خلصة الثر ‪. 4/19‬‬
‫)‪ (2‬خلصة الثر ‪ ، 4/19‬وانظر هدية العارفين ‪ ، 2/262‬كشف الظنون‬
‫‪ ، 1/404‬معجم المؤلفين ‪ ، 3/428‬العلم ‪. 6/239‬‬
‫)‪ (3‬كشف الظنون ‪. 1/404‬‬
‫)‪ (4‬الدر المختار ‪. 17-1/16‬‬
‫)‪ (5‬حاشية ابن عابدين ‪. 1/17‬‬
‫)‪ (6‬حاشية ابن عابدين ‪ ، 4-1/3‬وانظر المذهب عند الحنفية ص ‪. 98-97‬‬
‫)‪ (7‬كشف الظنون ‪ ، 1/404‬خلصة الثر ‪ ، 4/19‬هدية العارفين ‪، 2/262‬‬
‫العلم ‪.6/239‬‬
‫)‪ (8‬خلصة الثر ‪. 4/19‬‬
‫)‪ (9‬خلصة الثر ‪ ، 4/19‬هدية العارفين ‪ ، 2/262‬معجم المؤلفين ‪، 3/428‬‬
‫العلم ‪. 6/239‬‬
‫)‪ (10‬هدية العارفين ‪، 2/262‬خلصة الثر ‪ ، 4/19‬حاشية ابن عابدين ‪. 1/19‬‬
‫)‪ (11‬المصادر السابقة ‪.‬‬
‫)‪ (12‬خلصة الثر ‪ ، 4/19‬حاشية ابن عابدين ‪.1/19‬‬
‫)‪ (13‬خلصة الثر ‪ ، 4/19‬هدية العارفين ‪ ، 2/262‬كشف الظنون ‪، 2/3‬‬
‫معجم المؤلفين ‪ ، 3/428‬العلم ‪ ، 6/240‬حاشية ابن عابدين ‪. 1/19‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫‪ " .7‬معين المفتي على جواب المستفتي " قال المحبي ‪ :‬في مجلد كبير ‪.‬‬
‫وذكره عمر رضا كحالة باسم " معين المفتي على جواب المستفتي في‬
‫الفروع الفقهية على مذهب أبي حنيفة " ‪ ،‬وذكر الزركلي أنه مخطوط ‪(1).‬‬
‫‪ " .8‬مسعفة الحكام على الحكام " وذكره كحالة باسم مسعف الحكام على‬
‫الحكام المتعلقة بالقضاة والحكام ‪(2).‬‬
‫‪ " .9‬تحفة القران " أرجوزة في الفقه ‪(3).‬‬
‫‪ " .10‬مواهب المنان شرح تحفة القران "‪(4).‬‬
‫‪ .11‬فتاويه وتقع في مجلدين )‪ ،(5‬وذكر البغدادي أن الحصكفي قد جمع بين‬
‫فتاوي ابن نجيم والتمرتاشي ‪ ،‬وذكر الزركلي أنه مخطوط ‪(6).‬‬
‫‪ " .12‬رسالة في المسح على الخفين "‪(7).‬‬
‫‪ " .13‬رسالة في النقود "‪ (8).‬وهي الرسالة التي أحققها ‪.‬‬
‫‪ " .14‬رسالة في التجويز " وذكرها عمر رضا كحالة باسم مسألة التجويز‬
‫الواقعة بين العوام بدل التزويج ‪(9).‬‬
‫‪ " .15‬رسالة في النكاح "‪(10).‬‬
‫‪ " .16‬رسالة في الوقوف "وذكرها ابن عابدين باسم رسالة في الوقوف‬
‫بعرفة ‪(11).‬‬
‫‪ " .17‬رسالة في النفائس في أحكام الكنائس "‪(12).‬‬
‫‪ " .18‬رسالة في بيان جواز الستنابة في الخطبة "‪(13).‬‬
‫‪ " .19‬رسالة في بيان أحكام القراءة خلف المام "‪(14).‬‬
‫‪ " .20‬رسالة في دخول الحمام "‪(15).‬‬

‫‪115‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ " .21‬رسالة في القضاء "‪(16).‬‬


‫‪ " .22‬رسالة في المزارعة "‪(17).‬‬
‫‪ " .23‬كتاب شرح مشكلت وردت عليه من الفروع والصول "‪(18).‬‬
‫‪ " .24‬فرائض التمرتاشي "‪ .‬نسبها له البغدادي ‪ (19).‬وذكرها حاجي خليفة‬
‫منسوبة إلى ظهير الدين أحمد بن اسماعيل التمرتاشي الخوارزمي الحنفي‬
‫المتوفى في حدود ‪ 600‬هـ ‪(20).‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬مؤلفاته في أصول الفقه ‪:‬‬
‫‪ " .25‬الوصول إلى قواعد الصول " ‪ ،‬وأشار الزركلي إلى أنه مخطوط وذكر‬
‫صورة آخر صفحة منه وأنه بخط المؤلف ومحفوظ بدار الكتب المصرية )‬
‫‪.(21‬‬
‫‪ " .26‬شرح المنار للنسفي " وصل فيه إلى باب السنة )‪.(22‬‬
‫‪ " .27‬شرح مختصر المنار " في مجلد ‪(23).‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬مؤلفاته في العقيدة ‪:‬‬
‫‪ " .28‬شرح اللمية في الكلم وهي المعروفة بقصيدة يقول‬
‫العبد "‪(24).‬‬
‫وذكرها عمر كحالة باسم " الفوائد المرضية في شرح القصيدة اللمية في‬
‫العقائد "‪(25).‬‬
‫والقصيدة اللمية للشيخ المام سراج الدين علي بن عثمان الوشي الفرغاني‬
‫الحنفي المتوفى سنة ‪ 575‬هـ وهي ستة وستون بيتا ً أولها ‪:‬‬
‫يقول العبد في بدء المالي ‪ ...‬لتوحيد بنظم كالللي)‪(26‬‬
‫‪ " .29‬منظومة في التوحيد وشرحها "‪(27).‬‬
‫‪ " .30‬رسالة في أحكام الدروز والرفاض "‪(28).‬‬
‫‪ " .31‬رسالة في التصوف "‪(29).‬‬
‫‪ " .32‬رسالة في عصمة النبياء "‪(30).‬‬
‫‪ " .33‬عقد الجواهر النيرات في بيان خصائص الكرام العشرة‬
‫الثقات " ‪ ،‬العشرة المبشرون بالجنة ‪ ،‬وذكر الزركلي أنه مخطوط ‪(31).‬‬
‫‪ " .34‬منظومة في التصوف "‪.‬‬
‫‪ " .35‬شرح المنظومة "‪(32).‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬مؤلفاته في النحو والصرف ‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬خلصة الثر ‪ 4/19‬معجم المؤلفين ‪ ، 3/428‬هدية العارفين ‪، 2/262‬‬
‫كشف الظنون ‪ ، ، 604-2/603‬العلم ‪ ، 6/240‬حاشية ابن عابدين ‪. 1/19‬‬
‫)‪ (2‬خلصة الثر ‪ ، 4/19‬هدية العارفين ‪ ، 5/262‬كشف الظنون ‪، 2/553‬‬
‫معجم المؤلفين ‪ ، 4/428‬العلم ‪. 6/239‬‬
‫)‪ (3‬هدية العارفين ‪ ، 2/262‬إيضاح المكنون ‪ ، 1/155‬حاشية ابن عابدين‬
‫‪. 1/19‬‬
‫)‪ (4‬هدية العارفين ‪ ، 2/262‬العلم ‪ ، 6/240‬حاشية ابن عابدين ‪. 1/19‬‬
‫)‪ (5‬كما في خلصة الثر ‪ ، 4/19‬العلم ‪ ، 6/240‬حاشية ابن عابدين ‪. 1/19‬‬
‫)‪ (6‬هدية العارفين ‪ ، 2/232‬العلم ‪.6/240‬‬
‫)‪ (7‬خلصة الثر ‪ ، 4/19‬هدية ‪. 2/262‬‬
‫)‪ (8‬خلصة الثر ‪ ، 4/19‬هدية العارفين ‪ ، 2/262‬العلم ‪. 6/240‬‬
‫)‪ (9‬معجم المؤلفين ‪ ، 3/428‬خلصة الثر ‪ ، 4/19‬حاشية ابن عابدين ‪، 1/19‬‬
‫‪. 3/19‬‬
‫)‪ (10‬هدية العارفين ‪. 2/262‬‬

‫‪116‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (11‬حاشية ابن عابدين ‪ ، 1/19‬هدية العارفين ‪. 2/262‬‬


‫)‪ (12‬حاشية ابن عابدين ‪ ، 1/19‬إيضاح المكنون ‪ ، 1/360‬خلصة الثر ‪4/19‬‬
‫‪ ،‬هدية العارفين ‪.2/262‬‬
‫)‪ (13‬خلصة الثر ‪ ، 4/19‬حاشية ابن عابدين ‪. 1/19‬‬
‫)‪ (14‬المصدرين السابقين ‪.‬‬
‫)‪ (15‬خلصة الثر ‪ ، 4/19‬هدية العارفين ‪ ، 2/262‬حاشية ابن عابدين ‪. 1/19‬‬
‫)‪ (16‬هدية العارفين ‪ ، 2/262‬حاشية ابن عابدين ‪. 1/19‬‬
‫)‪ (17‬حاشية ابن عابدين ‪. 1/19‬‬
‫)‪ (18‬خلصة الثر ‪ ، 4/19‬هدية العارفين ‪ ، 2/262‬حاشية ابن عابدين ‪. 1/19‬‬
‫)‪ (19‬هدية العارفين ‪.2/262‬‬
‫)‪ (20‬كشف الظنون ‪.2/232‬‬
‫)‪ (21‬العلم ‪ ، 6/240‬وانظر خلصة الثر ‪ ، 4/11‬هدية العارفين ‪، 2/262‬‬
‫معجم المؤلفين ‪. 3/428‬‬
‫)‪ (22‬خلصة الثر ‪ ، 4/19‬هدية العارفين ‪ ، 2/262‬حاشية ابن عابدين ‪. 1/19‬‬
‫)‪ (23‬المصادر السابقة ‪.‬‬
‫)‪ (24‬خلصة الثر ‪ ، 4/19‬حاشية ابن عابدين ‪. 1/19‬‬
‫)‪ (25‬معجم المؤلفين ‪. 3/428‬‬
‫)‪ (26‬كشف الظنون ‪. 453، 2/311‬‬
‫)‪ (27‬خلصة الثر ‪. 4/19‬‬
‫)‪ (28‬خلصة الثر ‪ ، 4/19‬حاشية ابن عابدين ‪. 1/19‬‬
‫)‪ (29‬المصدران السابقان ‪.‬‬
‫)‪ (30‬المصدران السابقان ‪.‬‬
‫)‪ (31‬خلصة الثر ‪ ، 4/19‬العلم ‪ ، 6/240‬إيضاح المكنون ‪ ، 2/76‬هدية‬
‫العارفين ‪ ، 2/262‬معجم المؤلفين ‪. 3/428‬‬
‫)‪ (32‬هدية العارفين ‪. 2/262‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫‪ " .36‬كتاب في شرح العوامل للجرجاني في النحو " وكتاب العوامل المئة‬
‫للشيخ عبد القاهر الجرجاني المتوفى سنة ‪ 471‬هـ وهو كتاب مشهور متداول‬
‫‪(1).‬‬
‫‪ " .37‬قطعة من شرح القطر " وصل فيه إلى إعمال اسم الفاعل ‪ ،‬وكتاب‬
‫قطر الندى وبل الصدى لبن هشام النحوي المعروف المتوفى سنة ‪ 762‬هـ ‪.‬‬
‫)‪(2‬‬
‫خامسا ً ‪ :‬رسائل في موضوعات متفرقة ‪:‬‬
‫قال المحبي ‪ ]:‬وله رسائل كثيرة [‪(3).‬‬
‫‪ .38‬رسالة " في التنصيص على العدد "‪(4).‬‬
‫‪ " .39‬شرح الوهبانية "‪(5).‬‬
‫‪ " .40‬رسالة في الكراهية "‪(6).‬‬
‫المطلب التاسع‬
‫وفاته‬
‫‪ ...‬توفي أواخر رجب سنة ‪ 1004‬هـ وفق سنة ‪1596‬م عن خمس وستين‬
‫سنة عليه رحمة الله ‪(7).‬‬
‫المبحث الثاني‬

‫‪117‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دراسة حول رسالة بذل المجهود في تحرير أسئلة تغير النقود‬


‫وفيه مطالب ‪:‬‬
‫المطلب الول ‪ :‬عنوان الرسالة ونسبتها للمصنف‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬أهمية الرسالة وموضوعاتها‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬وصف النسخة المخطوطة‬
‫المطلب الرابع ‪ :‬منهج التحقيق‬
‫المطلب الول‬
‫عنوان الرسالة ونسبتها إلى مؤلفها التمرتاشي‬
‫‪ .1‬ورد عنوان الرسالة على صفحة العنوان للنسخة المخطوطة هكذا‪:‬‬
‫هذه رسالة بذل المجهود في‬
‫تحرير أسئلة تغير النقود تأليف‬
‫شيخ السلم بركة النام‬
‫عمدة العلماء العلم‬
‫محمد بن عبد الله‬
‫الغزي التمرتاشي‬
‫الحنفي رحمه الله‬
‫تعالى آمين )‪(8‬‬
‫‪ .2‬ونسبها إليه العلمة ابن عابدين فقال ‪ ]:‬وذكر العلمة شيخ السلم محمد‬
‫بن عبد الله الغزي التمرتاشي في رسالة سماها بذل المجهود في مسألة‬
‫تغير النقود [‪(9).‬‬
‫ً‬
‫‪ .3‬وقال العلمة ابن عابدين أيضا بعد أن نقل معظم رسالته التمرتاشي في‬
‫حاشيته ‪ ]:‬هذا خلصة ما ذكره المصنف رحمه الله في رسالته بذل المجهود‬
‫في مسألة تغير النقود [‪ (10).‬ويقصد بالمصنف التمرتاشي مصنف متن تنوير‬
‫البصار ‪.‬‬
‫‪ .4‬وقد نسبها إلى المصنف المحبي في خلصة الثر ‪. 4/19‬‬
‫‪ .5‬ونسبها إليه البغدادي في هدية العارفين ‪. 2/262‬‬
‫‪ .6‬ونسبها إليه خير الدين الزركلي في العلم ‪. 6/240‬‬
‫‪ .7‬ونسبها إليه صاحب أعلم من أرض السلم ص ‪. 371‬‬
‫‪ .8‬ونسبها إليه محقق ديوان السلم ‪. 2/25‬‬
‫وكل ذلك يؤكد لنا صحة نسبة هذه الرسالة إلى المصنف والله أعلم ‪.‬‬
‫المطلب الثاني‬
‫أهمية الرسالة وموضوعاتها‬
‫تعتبر رسالة التمرتاشي من أهم الرسائل المؤلفة في مسائل النقود ‪،‬‬
‫وخاصة أن مؤلفها من كبار محققي الحنفية المتأخرين ‪.‬‬
‫حيث إنه قد حقق مذهب الحنفية في المسألة تحقيقا ً دقيقا ‪ ،‬ومما يدل على‬
‫ً‬
‫أهميتها ودقتها أن المؤلف قد رجع إلى أمهات الكتب المعتمدة عند الحنفية ‪،‬‬
‫فقد رجع إلى أكثر من عشرين كتابا ً مع أن الرسالة صغير الحجم ل تتعدى‬
‫ورقتين حسب النسخة المخطوطة ‪،‬وقد فهرست هذه الكتب في آخر‬
‫الرسالة ‪.‬‬
‫وقد حقق المصنف المسألة الساسية التي ألف الرسالة لجلها وهي مسألة‬
‫تغير النقود ‪.‬‬
‫والنقود عند الفقهاء تطلق بشكل أساسي على الدنانير الذهبية والدراهم‬
‫الفضية ‪ ،‬ثم توسع استعمال اصطلح النقود ليشمل الدراهم الفضية الغالبة‬
‫ل فيها ضرب النقود‬ ‫الغش والفلوس ‪ ،‬وخاصة في الوقات التي كان يق ّ‬

‫‪118‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الذهبية والفضية الخالصة ‪.‬‬


‫وقد قسم الفقهاء النقود إلى قسمين ‪:‬‬
‫قَية ‪ :‬وهي المتخذة من الذهب والفضة ول يضّر‬ ‫خل ْ ِ‬
‫القسم الول ‪ :‬النقود ال َ‬
‫اختلطها بقليل من النحاس لنه ضروري من أجل تماسكها فكان في حكم‬
‫العدم ‪(11).‬‬
‫فهذه النقود استمدت قيمتها بحكم الخلقة ‪ ،‬لنها مصنوعة من أنفس المعادن‬
‫الذهب والفضة ‪ ،‬قال الكاساني ‪ ]:‬الذهب والفضة ل يحتاج فيهما إلى نية‬
‫التجارة لنها معدة للتجارة بأصل الخلقة [‪(12).‬‬
‫وقال جعفر بن علي الدمشقي ‪ ]:‬ووقع إجماع الناس كافة على تفضيل‬
‫الذهب والفضة ‪ ،‬لسرعة المواتاة في السبك والطرق ‪ ،‬والجمع والتفرقة ‪،‬‬
‫والتشكيل بأي شكل أريد مع حسن الرونق وعدم الرائحة والطعوم الرديئة ‪،‬‬
‫وبقاءهما على الدفن وقبولهما العلمات التي تصونهما ‪ ،‬وثبات السمات التي‬
‫تحفظهما من الغش والتدليس ‪ ،‬فطبعوهما وثمنوا بهما الشياء كلها ‪ ،‬ورأوا‬
‫أن الذهب أجل قدرا ً في حسن الرونق ‪ ،‬وتلزز الجزاء والبقاء على طول‬
‫الدفن وتكرار السبك في النار فجعلوا كل جزء منه بعدة أجزاء من الفضة ‪،‬‬
‫وجعلوهما ثمنا ً لسائر الشياء ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬خلصة الثر ‪ ، 4/19‬كشف الظنون ‪.2/180‬‬
‫)‪ (2‬خلصة الثر ‪ ، 4/19‬حاشية ابن عابدين ‪ ، 1/19‬كشف الظنون ‪.2/313‬‬
‫)‪ (3‬خلصة الثر ‪. 4/19‬‬
‫)‪ (4‬هدية العارفين ‪. 2/262‬‬
‫)‪ (5‬حاشية ابن عابدين ‪. 1/19‬‬
‫)‪ (6‬المصدر السابق ‪.‬‬
‫)‪ (7‬انظر * خلصة الثر ‪ * 20- 4/18‬كشف الظنون ‪ * 1/401‬إيضاح‬
‫المكنون ‪ * 1/26‬هدية العارفين ‪ * 2/262‬معجم المؤلفين ‪ * 3/427‬العلم‬
‫‪ * 6/239‬ديوان السلم ‪ * 2/24‬بلدنا فلسطين ‪ * 83-1/2/82‬أعلم من‬
‫أرض السلم ص ‪. 372-371‬‬
‫)‪ (8‬الوجه "ب" من الورقة ‪ 188‬من النسخة المخطوطة من المجموع رقم‬
‫‪/191/3‬م ‪. 8‬‬
‫)‪ (9‬تنبيه الرقود ‪ 2/57‬ضمن مجموعة رسائل ابن عابدين ‪.‬‬
‫)‪ (10‬حاشية ابن عابدين ‪. 4/534‬‬
‫)‪ (11‬الوراق النقدية في القتصاد السلمي ص ‪. 340‬‬
‫)‪ (12‬بدائع الصنائع ‪ 2/92‬بتصرف ‪.‬‬

‫)‪(11 /‬‬
‫ويقول الدهلوي ‪ :‬واندفعوا إلى الصطلح على جواهر معدنية ‪ ،‬تبقى زمنا ً‬
‫طويل ً أن تكون المعاملة بها أمرا ً مسلما ً عندهم ‪ ،‬وكان الليق من بينها‬
‫الذهب والفضة ‪ ،‬لصغر حجمهما ‪ ،‬وتماثل أفرادهما ‪ ،‬وعظم نفعهما في بدن‬
‫النسان ‪ ،‬ولتأتي التجمل بهما فكانا نقدين بالطبع ‪ ،‬وكان غيرهما نقدا ً‬
‫بالصطلح [‪(1).‬‬
‫القسم الثاني ‪ :‬النقود الصطلحية ‪ :‬وهي المتخذة من المعادن الخسيسة‬
‫كالنحاس وغيره ‪ ،‬وهذه أصبحت نقودا ً باصطلح الناس عليها لتكون أثمانا ‪،‬‬
‫ً‬
‫ويدخل في ذلك الدراهم الفضية الغالبة الغش والفلوس ‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قال المام السرخسي ‪ ]:‬إن صفة الثمنية في الفلوس عارضة باصطلح‬


‫الناس ‪ ،‬فأما الذهب والفضة فثمن بأصل الخلقة أل ترى أن الفلوس تروج‬
‫تارة وتكسد أخرى ‪ ،‬وتروج في ثمن الخسيس من الشياء دون النفيس‬
‫بخلف النقود [‪(2).‬‬
‫وقد بحث المصنف التمرتاشي في رسالته " بذل المجهود " الحكام المتعلقة‬
‫ما كثر الستفتاء عن‬ ‫بالقسم الثاني من النقود فذكر في أول رسالته ‪ ]:‬إنه ل ّ‬
‫مسألة كثيرة الوقوع في زماننا ‪ ،‬وهي أن التجار بالديار الشامية وقع منهم‬
‫معاملت شرعية ومعاوضات مرضية بالشواهي والشرفيات ‪ ،‬حيث كانت‬
‫رائجة بشيء معين ثم كسد بعضها ‪ ،‬وتغير سعر بعضها بالنقص ‪ ،‬بموجب أمر‬
‫المام العظم والخاقان الفخم [‪.‬‬
‫والشواهي والشرفيات هي أنواع من الفلوس ‪ ،‬ثم ذكر الحكام المتعلقة‬
‫بذلك واختلف فقهاء المذهب الحنفي فيها ‪.‬‬
‫كد ابن عابدين في رسالته " تنبيه الرقود " في أكثر من موضع على أن‬ ‫وقد أ ّ‬
‫المقصود بهذه الحكام هي النقود الصطلحية وليست النقود الخلقية ‪،‬‬
‫فقال ‪ ]:‬ثم اعلم أن الظاهر من كلمهم أن جميع ما مّر في الفلوس‬
‫والدراهم التي غلب غشها كما يظهر بالتأمل ‪ ،‬ويدل عليه اقتصارهم في بعض‬
‫المواضع على الفلوس وفي بعضها ذكر العدالى معها فإن العدالى …‬
‫الدراهم المنسوبة إلى العدل وكأنه اسم ملك ينسب إليه درهم فيه غش وكذا‬
‫رأيت التقييد بالغالبة الغش في غاية البيان … ويدل عليه تعليلهم لقول أبي‬
‫حنيفة بعد حكايتهم الخلف بأن الثمنية بطلت بالكساد ‪ ،‬لن الدراهم التي‬
‫غلب غشها إنما جعلت ثمنا ً بالصطلح ‪ ،‬فإذا ترك الناس المعاملة بها بطل‬
‫ن فبطل ويدل عليه أيضا ً تعبيرهم‬ ‫ً‬
‫الصطلح فلم تبق ثمنا فبقي البيع بل ثم ٍ‬
‫وم بغيرها ‪ ،‬وكذا‬ ‫بالغلء والرخص فإنه إنما يظهر إذا كانت غالبة الغش تق ّ‬
‫ش فيها لم‬ ‫اختلفهم في أن الواجب رد ّ المثل أو القيمة فإنه حيث كانت ل غ ّ‬
‫يظهر للختلف معنى بل كان الواجب رد ّ المثل بل نزاع أصل ً وهذا كالصريح‬
‫فيما قلنا [‪(3).‬‬
‫ً‬
‫ثم نقل ابن عابدين عن أبي السعود نقل عن شيخه قوله ‪ ]:‬وإذا علم الحكم‬
‫في الثمن الذي غلب غشه إذا نقصت قيمته قبل القبض كان الحكم معلوما ً‬
‫بالولى في الثمن الذي غلب جيده على غشه إذا انقضت قيمته ل يتخير البائع‬
‫بالجماع ‪ ،‬فل يكون له سواه ‪ ،‬وكذا لو غلت قيمته ل يتخير المشتري بالجماع‬
‫‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وإياك أن تفهم أن خلف أبي يوسف جارٍ حتى في الذهب والفضة‬
‫كالشريفي البندقي والمحمدي والكلب والريال ‪ ،‬فإنه ل يلزم لمن وجب له‬
‫نوع منها سواه بالجماع ‪ ،‬فإن ذلك الفهم خطأ صريح ناشئ عن عدم التفرقة‬
‫بين الفلوس والنقود ‪ .‬وعقب ابن عابدين على ذلك بقوله ‪ :‬وهو كلم حسن‬
‫وجيه ل يخفى على فقيه نبيه [‪(4).‬‬
‫ل أقوال فقهاء‬ ‫وقد بحث المصنف الحكام المتعلقة بالنقود الصطلحية وفص ّ‬
‫المذهب الحنفي في حالتها الربع التية ‪:‬‬
‫‪ .1‬الكساد العام للنقود ‪.‬‬
‫‪ .2‬النقطاع ‪.‬‬
‫‪ .3‬الكساد الجزئي ‪.‬‬
‫‪ .4‬الغلء والرخص ‪.‬‬
‫فبين أقوال علماء المذهب في الحالة الولى وهي الكساد العام للنقود‪ ،‬فذكر‬
‫أن قول أبي حنيفة أن البيع يبطل ويجب على المشتري رد ّ المبيع إن كان‬

‫‪120‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قائما ً ورد ّ مثله إن كان هالكا ً وكان مثليا ً وإل تجب قيمته ‪.‬‬
‫وعند أبي يوسف ومحمد ل يبطل البيع ولكن تجب القيمة ‪ ،‬واختلف الصاحبان‬
‫في وقت وجوب القيمة ‪ ،‬فأوجب أبو يوسف القيمة يوم البيع ‪ ،‬وأوجبها محمد‬
‫يوم الكساد ‪.‬‬
‫وبين المصنف أن الفتوى في المذهب على قول أبي يوسف ‪.‬‬
‫وأما في حالة النقطاع فيرى المصنف أنها كحالة الكساد العام فقال ‪:‬‬
‫] والنقطاع عن أيدي الناس كالكساد [ ففي حالة النقطاع أقوال فقهاء‬
‫المذهب هي ذاتها في حالة الكساد ‪.‬‬
‫وأما في حالة الكساد الجزئي وهي أن يروج النقد في بعض البلد دون بعض ‪،‬‬
‫فقال المصنف ‪ ]:‬فإن كانت تروج في بعض البلد ل يبطل لكنه تعيب إذا لم‬
‫يرج في بلدهم ‪ ،‬فيتخير البائع إن شاء أخذه وإن شاء أخذ قيمته [‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬الوراق النقدية في القتصاد السلمي ص ‪ ، 110-109‬وانظر حجة الله‬
‫البالغة ‪.1/84‬‬
‫)‪ (2‬المبسوط ‪. 12/137‬‬
‫)‪ (3‬تنبيه الرقود ‪. 60-2/59‬‬
‫)‪ (4‬المصدر السابق ‪. 62-2/61‬‬

‫)‪(12 /‬‬

‫وما قرره المصنف هنا باتفاق فقهاء المذهب ‪ ،‬قال ابن عابدين ‪ ]:‬وفي عيون‬
‫المسائل عدم الرواج إنما يوجب الفساد إذا كان ل يروج في جميع البلدان‬
‫لنه حينئذ يصير هالكا ً ويبقى المبيع بل ثمن ‪ ،‬فأما إذا كان ل يروج في هذه‬
‫البلدة فقط فل يفسد البيع ‪ ،‬لنه ل يهلك ولكنه تعيب ‪ ،‬وكان للبائع الخيار إن‬
‫شاء قال أعطني مثل الذي وقع عليه البيع ‪ ،‬وإن شاء أخذ قيمة ذلك دنانير ‪،‬‬
‫انتهى وتمامه فيها ‪ ،‬وكذا في الفصل الرابع من الذخيرة البرهانية [‪(1).‬‬
‫وأما في الحالة الرابعة وهي حالة الرخص والغلء ‪ ،‬فبين المصنف أن قول‬
‫أبي حنيفة هو وجوب المثل ل القيمة ‪ ،‬وكان أبو يوسف يقول بمثل قول أبي‬
‫حنيفة أول ً ثم رجع عنه إلى القول بالقيمة ‪.‬‬
‫وبين المصنف أن الفتوى على قول أبي يوسف الثاني في هذه المسألة فقال‬
‫‪ ]:‬أما إذا غلت قيمتها أو ازدادت ‪ ،‬فالبيع على حاله ‪ ،‬ول يتخير المشتري ‪،‬‬
‫ويطالب بالنقد بذلك العيار الذي كان وقت البيع ‪ ،‬كذا في فتح القدير ‪.‬‬
‫وفي البزازية معزيا ً إلى المنتقى ‪ :‬غلت الفلوس أو رخصت فعند المام الول‬
‫والثاني أول ً ليس عليه غيرها ‪.‬‬
‫وقال الثاني ثانيا ً ‪ :‬عليه قيمتها من الدراهم يوم البيع والقبض ‪ ،‬وعليه‬
‫الفتوى ‪.‬‬
‫وهكذا في الذخيرة والخلصة بالعزو إلى المنتقى ‪ ،‬وقد نقله شيخنا في بحره‬
‫وأقره ‪ ،‬فحيث صرح بأن الفتوى عليه في كثير من المعتبرات ‪ ،‬فيجب أن‬
‫ول عليه إفتاًء وقضاًء ‪ ،‬لن المفتي والقاضي واجب عليهما الميل إلى‬ ‫يع ّ‬
‫الراجح من مذهب إمامهما ومقلدهما [‪.‬‬
‫وذكر المصنف عدة نقول من كتب الحنفية المعتمدة تؤكد على أن الفتوى‬
‫في المذهب على قول أبي يوسف الثاني ‪.‬‬
‫ثم انتقل المصنف إلى الحديث عن مسألة لها ارتباط باختلف أئمة المذهب‬
‫الحنفي في مسائل النقود التي فصلها وهي ما الذي ينبغي اتباعه من أقوال‬

‫‪121‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أئمة المذهب عند اختلفهم في المسألة الواحدة وذكر أقوال ً لعلماء المذهب‬
‫حول هذه القضية فقال ‪ ]:‬قال في التتارخانية ‪ :‬اعلم أن اختلف أئمة الهدى‬
‫خّير المفتي ‪.‬‬ ‫توسعة على الناس ‪ ،‬فإذا كان المام في جانب وهما في جانب ُ‬
‫وإن كان أحدهما مع المام أخذ بقولهما ‪ ،‬إل إذا اصطلح المشايخ على قول‬
‫الخر ‪ ،‬فيتبعهم كما اختار الفقيه أبو الليث قول زفر في مسائل ‪.‬‬
‫وإن اختلف المتأخرون أخذ بقول واحد ‪ ،‬فلو لم يوجد من المتأخرين يجتهد‬
‫برأيه ‪ ،‬إذا كان يعرف وجوه الفقه ويشاور أهله ‪.‬‬
‫ً‬
‫ول يجوز له الفتاء بالقول المهجور لجّر منفعة ول خّرجوا عليه دينا انتهى‪.‬‬
‫وفي الحاوي القدسي ‪ :‬إن المام إذا كان في جانب وهما في جانب ‪ ،‬فالصح‬
‫أن العتبار لقوة المدرك انتهى ‪ .‬ول شك أن قول أبي يوسف قوي المدرك‬
‫في واقعة الفتوى كما ل يخفى ‪.‬‬
‫وفي التتارخانية أيضا ً ‪ :‬ثم الفتوى على الطلق على قول أبي حنيفة ‪ ،‬ثم‬
‫بقول أبي يوسف ‪ ،‬ثم بقول محمد بن الحسن ‪ ،‬ثم بقول زفر ابن هذيل ‪،‬‬
‫والحسن بن زياد ‪.‬‬
‫وقيل إذا كان أبو حنيفة في جانب وصاحباه في جانب فالمفتي بالخيار [‪.‬‬
‫وبعد ذلك تحدث المصنف عن وجوب العمل بالقول الراجح وترك المرجوح ‪،‬‬
‫وذكر كلما ً للمام القرافي وللمام الباجي وللمام أبي عمرو ابن الصلح في‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫وخلصة ما وصل إليه المصنف أنه ينبغي العمل بقول أبي يوسف في هذه‬
‫المسألة لنه القول الراجح ‪.‬‬
‫ثم تعرض المصنف أخيرا ً للفاظ الترجيح المستعملة عند الحنفية وبها ختم‬
‫رسالته ‪.‬‬
‫المطلب الثالث‬
‫وصف النسخة المخطوطة‬
‫تقع رسالة " بذل المجهود " ضمن مجموع يحتوي على عدة رسائل‬
‫مخطوطة ‪ ،‬وتقع في ورقتين من القطع الكبير بالضافة إلى صفحة الغلف ‪.‬‬
‫وتشغل الوراق ذوات الرقام ‪. 190-188‬‬
‫وقياس الورقة ‪ ، 21×29.5‬وقياس الكتابة ‪. 14.5×25‬‬
‫وعدد السطر ‪ 35‬سطرا ً ‪ ،‬ونوع الخط نسخ بالحبر السود والحمر ‪.‬‬
‫والناسخ هو عمر بن عثمان بن عمر بن علي ‪.‬‬
‫وتاريخ النسخ سنة ‪ 1151‬هـ ‪.‬‬
‫ة‬
‫ة الوقف وبّين ُ‬ ‫ويوجد على صفحة العنوان العبارة التالية ) إذا تعارضت بّين ُ‬
‫ة الوقف أولى ( وليس لها علقة بموضوع المخطوطة ‪.‬‬ ‫الملك فبّين ُ‬
‫كما وأن صفحات المخطوطة مرتبطة بطريقة التعقيبة ‪.‬‬
‫وأصل المخطوط محفوظ في مكتبة الشيخ بدر الخطيب برقم ‪ 25‬في مدينة‬
‫القدس ‪ ،‬وصورة المخطوط محفوظة لدى مؤسسة إحياء التراث السلمي‬
‫التابعة لوزارة الوقاف الفلسطينية تحت رقم ‪/191/3‬م ‪. 8‬‬
‫ويظهر أن هذه النسخة قد قوبلت على غيرها فقد ورد في حاشية الورقة‬
‫‪/190‬أ ‪ ]:‬نسخة أصحابنا [ أي أنه ورد في نسخة أخرى لفظ‬
‫" أصحابنا " بدل ً من " مشايخنا " المثبتة في النسخة ‪.‬‬
‫المطلب الرابع‬
‫منهج التحقيق‬
‫اتبعت المنهج التالي في تحقيق هذه الرسالة ‪:‬‬
‫‪ .1‬نسخت الرسالة حسب الرسم والملء المتعارف عليه الن ‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ .2‬قابلت الرسالة بعد نسخها على ما نقله ابن عابدين منها في رسالته "‬
‫تنبيه الرقود " وكذا ما نقله في حاشيته حيث إنني لم أعثر على نسخة أخرى‬
‫للرسالة بعد البحث والتقصي ‪.‬‬
‫‪ .3‬قابلت النصوص التي نقلها المصنف من المصادر التي أخذ منها والتي‬
‫وقفت عليها ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تنبيه الرقود ‪. 2/57‬‬

‫)‪(13 /‬‬

‫‪ .4‬أثبت في النص ما غلب على ظني أنه الصواب اعتمادا ً على النسخة‬
‫المخطوطة وعلى ما نقله ابن عابدين في رسالته " تنبيه الرقود " وفي‬
‫حاشيته على الدّر المختار ‪ ،‬واعتمادا ً على النصوص التي نقلها المصنف حيث‬
‫إنني قد رجعت إليها في مصادرها التي وقفت عليها‪.‬‬
‫وما لم يكن في النسخة أثبته بين قوسين معكوفين هكذا ] [‪.‬‬
‫‪ .5‬وضعت عناوين لموضوعات الرسالة وقد جعلتها بين قوسين معكوفين‬
‫وبخط مغاير لخط الرسالة ‪.‬‬
‫‪ .6‬أشرت في الهامش إلى نهاية كل ورقة من النسخة المخطوطة وأثبت‬
‫ذلك في المتن بوضع نجمة هكذا * ‪.‬‬
‫‪ .7‬عّلقت على المسائل التي ذكرها المصنف بما يقتضيه المقام وذكرت‬
‫مجموعة من المصادر للمسائل التي ذكرها المصنف ‪.‬‬
‫‪ .8‬شرحت الكلمات الغامضة ‪.‬‬
‫‪ .9‬ترجمت للعلم الذين ذكرهم المصنف ترجمة موجزة وذكرت مصادر‬
‫الترجمة وذلك في الهامش ‪.‬‬
‫‪ .10‬عرفت بالكتب التي ذكرها المصنف ‪.‬‬
‫‪ .11‬وضعت صورة للنسخة المخطوطة ‪.‬‬
‫‪ .12‬وضعت فهارس للرسالة وهي ‪:‬‬
‫أ‪ .‬فهرس العلم الذين ورد ذكرهم في نص الرسالة ‪.‬‬
‫ب‪ .‬فهرس الكتب التي وردت في نص الرسالة‪.‬‬
‫ج‪ .‬فهرس النقود التي وردت في نص الرسالة ‪.‬‬
‫د‪ .‬فهرس مصادر ومراجع الدراسة والتحقيق ‪.‬‬
‫هـ ‪ .‬فهرس المحتويات ‪.‬‬
‫كتبه المحقق ‪ :‬د‪ .‬حسام الدين بن موسى عفانه‬
‫القسم الثاني‬
‫نص الرسالة محققا ً ومعلقا ً عليه‬
‫رسالة‬
‫بذل المجهود في تحرير أسئلة تغير النقود‬
‫تأليف‬
‫شيخ السلم بركة النام عمدة العلماء العلم‬
‫محمد بن عبد الله الغزي التمرتاشي الحنفي‬
‫المتوفى سنة ‪ 1004‬هـ‬
‫دم لها وحققها وعّلق عليها‬ ‫ق ّ‬
‫الدكتور حسام الدين بن موسى عفانه‬
‫الستاذ المشارك في الفقه والصول‬

‫‪123‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كلية الدعوة وأصول الدين‬


‫جامعة القدس‬
‫يا فتاح‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم ‪.‬‬
‫الحمد الله الذي أتم لنا نعمانا ً )‪ ،(1‬وجعل مقلدنا العظم نعمانا ً )‪ ،(2‬وجعل‬
‫أصله ثابتا ً ‪ ،‬وفضله مقررا ً ‪ ،‬سرا ً وإعلنا ً ‪ ،‬وجعل من مقلديه علماء نبلء أعلما ً‬
‫‪ ،‬ورّقاهم المنازل السنية وصيرهم أعلما ً ‪.‬‬
‫والصلة والسلم على المبعوث بالرسالة ‪ ،‬المنعوت بالبسالة )‪ ،(3‬وعلى آله‬
‫السادة القادة العلم ‪ ،‬وسائر علماء السلم على الدوام ‪.‬‬
‫وبعد …‬
‫] ذكر سبب تأليف الرسالة [‬
‫ما كثر الستفتاء عن‬ ‫فيقول الفقير إلى موله ‪ ،‬محمد بن عبد الله ‪ ،‬إنه ل ّ‬
‫مسألة كثيرة الوقوع في زماننا ‪ ،‬وهي أن التجار بالديار الشامية وقع منهم‬
‫معاملت شرعية ومعاوضات مرضية بالشواهي )‪ (4‬والشرفيات )‪(5‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬نعمانا ‪ :‬مأخوذة من النعيم والنعمة ‪ ،‬وقد جعل المصنف بين قوله ‪ ]:‬أتم‬
‫لنا نعمانا ً [ وقوله ‪ ]:‬وجعل مقلدنا العظم نعمانا ً [ جناسا ً تاما ً وهو من‬
‫المحسنات البديعية ‪ ،‬انظر لسان العرب ‪ ، 14/207‬تاج العروس ‪. 17/690‬‬
‫)‪ (2‬هو المام أبو حنيفة النعمان بن ثابت إمام الئمة وسراج المة صاحب‬
‫المذهب الحنفي ولد سنة ‪ 80‬هـ وتوفي سنة ‪ 150‬هـ وله ذكر حافل في‬
‫المراجع التاريخية تصعب الحاطة به ‪ ،‬انظر ترجمته في الجواهر المضية‬
‫‪ 1/49‬فما بعدها ‪ ،‬النتقاء في فضائل الئمة الثلثة الفقهاء ص ‪ 183‬فما‬
‫بعدها ‪ ،‬تهذيب السماء واللغات ‪ ، 223-2/216‬أبو حنيفة لمحمد أبي زهرة ‪.‬‬
‫)‪ (3‬البسالة ‪ :‬الشجاعة ‪ ،‬وقد ثبت في الحديث وصف النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم بالبسالة ‪ ،‬فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال ‪ ):‬كان رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وكان أجود الناس وكان أشجع الناس‬
‫ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق ناس قبل الصوت فتلقاهم رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم راجعا ً وقد سبقهم إلى الصوت وهو على فرس‬
‫لبي طلحة = = عري في عنقه السيف وهو يقول ‪ :‬لم تراعوا لم تراعوا (‬
‫رواه مسلم ‪ ،‬انظر صحيح مسلم بشرح النووي ‪ ، 464-5/463‬وانظر‬
‫المصباح المنير ص ‪. 49‬‬
‫)‪ (4‬الشواهي جمع شاهي وهو عملة تركية مماثلة للشاهي اليراني وتبلغ‬
‫قيمة الشاهي الواحد عشر أقجات ‪ ،‬انظر ميزانيات الشام في القرن‬
‫السادس عشر ‪ ،‬د‪ .‬خليل ساحلي ‪ ،‬ص ‪ ، 505‬بحث منشور ضمن أبحاث‬
‫المؤتمر الدولي لتاريخ بلد الشام المنعقد في الجامعة الردنية سنة‬
‫‪1974‬م ‪ ،‬الدار المتحدة للنشر والتوزيع ‪ ،‬النقود العربية ص ‪ ،117‬الموسوعة‬
‫العربية الميسرة ‪ ، 2/1071‬دائرة المعارف السلمية ‪.142 /13‬‬
‫)‪ (5‬لم أعثر علي أية معلومات تتعلق بالشرفيات فيما رجعت إليه من‬
‫المصادر وسؤال أهل الختصاص ‪ ،‬وتحدثت المصادر التي رجعت إليها عن‬
‫الدينار الشرفي والدينار الشريفي وهو أول دينار ضرب في القدس وهما‬
‫منسوبان للشرف برسباي أو للشرف خليل بن قلوون وهما من سلطين‬
‫المماليك ‪ ،‬انظر القدس في العصر المملوكي ص ‪، 228‬دائرة المعارف‬
‫السلمية ‪ ، 216 /2‬النقود العربية الفلسطينية ص ‪. 212 ، 208‬‬

‫‪124‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(14 /‬‬

‫‪ ،‬حيث كانت رائجة بشيء معين ثم كسد بعضها ‪ ،‬وتغير سعر بعضها بالنقص )‬
‫‪… (1‬‬
‫بموجب أمر المام العظم والخاقان الفخم )‪ ،(2‬واختلف فتوى علماء العصر‬
‫في ذلك فمنهم من أخذ بقول المام )‪ (3‬وأفتى بوجوب مثل المقبوض ‪.‬‬
‫ومنهم من أفتى بقول أبي يوسف )‪ ،(4‬وأفتى برد قيمته يوم القبض من‬
‫الذهب ‪ ،‬لما فيه من الرفق والنفع ‪ ،‬إذ سيما في الموال الموقوفة ببيت‬
‫المقدس وغيرها ‪ ،‬وتصريحهم بوجوب الفتاء بما فيه النفع لجهة الوقف ‪.‬‬
‫أردت تحرير المذهب )‪ (5‬في هذه الرسالة ليكون عونا ً للقضاة والحكام ‪،‬‬
‫على الوقوف على حكم شرعي مبين الحكام ‪ ،‬وها أنا أشرع في المقصود ‪،‬‬
‫مستمدا ً من الملك المعبود فأقول ‪:‬‬
‫] الكساد العام للنقود [‬
‫إعلم أنه إذا اشترى بالدراهم )‪ (6‬التي غلب غشها ‪ ،‬أو بالفلوس )‪ (7‬وكان‬
‫كل منهما نافقا ً حتى جاز البيع لقيام الصطلح على الثمنية ‪ ،‬ولعدم الحاجة‬
‫إلى الشارة للتحاقها بالثمن ‪ ،‬ولم يسلمها المشتري للبائع ‪ ،‬ثم كسدت بطل‬
‫البيع )‪. (8‬‬
‫والنقطاع )‪ (9‬عن أيدي الناس ] كالكساد [)‪ ، (10‬وحكم الدراهم كذلك ‪،‬‬
‫فإن اشترى بالدراهم ثم كسدت أو انقطعت بطل البيع ‪ ،‬ويجب على‬
‫المشتري رد ّ المبيع إن كان قائما ً )‪.(11‬‬
‫ومثله إن كان هالكا ً وكان مثليا ً ‪ ،‬وإل فقيمته )‪.(12‬‬
‫وإن لم يكن مقبوضا ً فل حكم لهذا البيع أصل ً ‪ ،‬وهذا عند المام العظم )‪.(13‬‬
‫وقال )‪ (14‬ل يبطل )‪ (15‬البيع …‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬حدث في عصر السلطان العثماني مراد الثالث الذي حكم في الفترة ما‬
‫بين السنوات ‪ 1003-982‬هـ أزمات اقتصادية أدت إلى تخفيض قيمة القجة‬
‫إلى النصف وكذلك البارة أمام قيمة الذهب الجنبي مما أدى إلى ارتفاع‬
‫تكاليف المعيشة ‪ ،‬انظر النقود العربية الفلسطينية ص ‪. 227‬‬
‫)‪ (2‬المام العظم والخاقان الفخم لقب يطلق على سلطين آل عثمان‬
‫والمقصود هنا كما يغلب على ظني هو السلطان مراد خان بن سليم خان‬
‫الذي ولي الخلفة سنة ‪ 982‬هـ واستمر فيها إلى وفاته سنة ‪ 1003‬هـ ‪ ،‬انظر‬
‫تاريخ سلطين آل عثمان ص ‪ ، 83‬تاريخ الدولة العلية العثمانية ص ‪. 113‬‬
‫)‪ (3‬المراد به إمام المذهب الحنفي أبو حنيفة النعمان ‪.‬‬
‫)‪ (4‬هو يعقوب بن إبراهيم بن حبيب النصاري ‪ ،‬صاحب أبي حنيفة الول‬
‫المتوفى سنة ‪ 182‬هـ كان صاحب حديث وفقه لزم أبا حنيفة وولي قضاء‬
‫بغداد وله عدة كتب منها الخراج والمالي والنوادر والثار ‪ ،‬انظر ترجمته في‬
‫الجواهر المضية ‪ ، 3/611‬الفوائد البهية ص ‪، 372‬سير أعلم النبلء ‪، 8/470‬‬
‫شذرات الذهب ‪ ، 1/298‬النتقاء في فضائل الئمة الثلثة الفقهاء ص ‪.329‬‬
‫)‪ (5‬المقصود هو المذهب الحنفي ‪.‬‬
‫)‪ (6‬الدراهم جمع درهم وهو اسم للمضروب من الفضة وهو معّرب وكانت‬
‫الدراهم مستعملة منذ عهد بعيد كأحد نوعي العملة والنوع الخر هو الدنانير‬
‫الذهبية ‪ ،‬والدراهم السلمية على أنواع منها الدرهم البغلي والدرهم‬
‫الخوارزمي والدرهم الطبري وأوزانها بينها بعض الختلف ‪ ،‬ومن الدراهم ما‬
‫يكون مغشوشا ً وغشه غالب ومنها غشه غير غالب والول هو المقصود في‬

‫‪125‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هذه الرسالة كما بينت في الدراسة ‪ ،‬انظر تفصيل ذلك في الموال ص‬


‫‪ ، 631-629‬اليضاح والتبيان في معرفة المكيال والميزان ص ‪، 62-60‬‬
‫المصباح المنير ص ‪ ، 193‬قاعدة المثلي والقيمي ص ‪ ، 153-152‬النقود‬
‫الئتمانية ص ‪.62‬‬
‫)‪ (7‬الفلوس جمع فلس وهي لفظة يونانية لتينية الصل يقال أفلس الرجل‬
‫أي اصبح ذا فلوس بعد أن كان ذا دراهم والفلوس نقود تصنع من المعادن‬
‫الخسيسة كالنحاس وتستعمل في شراء الشياء البسيطة وقد عرفت من‬
‫قديم الزمان ‪ ،‬انظر تاج العروس ‪ ، 8/402‬أثر انهيار قيمة الوراق النقدية‬
‫على المهور ص ‪ ، 33‬قاعدة المثلي والقيمي ص ‪ ، 157-154‬الموسوعة‬
‫الفقهية الكويتية ‪ ، 32/204‬النقود الئتمانية ص ‪.59‬‬
‫)‪ (8‬ليس المراد هنا بطلن البيع على حقيقته بل المراد بالبطلن الفساد ‪،‬‬
‫انظر الفتاوى الهندية ‪ ، 3/225‬تنبيه الرقود ‪ ، 2/56‬حاشية الشلبي على تبيين‬
‫الحقائق ‪. 4/142‬‬
‫ً‬
‫)‪ (9‬النقطاع أن ل يوجد في السوق وإن كان موجودا في يد الصيارفة‬
‫والبيوت ‪ ،‬انظر تبيين الحقائق ‪ ، 4/143‬البحر الرائق ‪ ، 6/201‬حاشية ابن‬
‫عابدين ‪. 4/533‬‬
‫)‪ (10‬في النسخة ) كالكاسد ( وما أثبته من تنبيه الرقود ‪ .‬والكساد أن تترك‬
‫المعاملة بالنقد في جميع البلد ‪ ،‬تبيين الحقائق ‪ ، 4/143‬البحر الرائق‬
‫‪ ، 6/201‬حاشية ابن عابدين ‪. 4/533‬‬
‫)‪ (11‬بشرط أن ل يتغير المبيع ‪.‬‬
‫)‪ (12‬فّرق أبو حنيفة في هذه المسألة بين البيع والجارة من جهة وبين‬
‫القرض من جهة أخرى ‪ ،‬ففي البيع والجارة قال كما ذكر المصنف ‪ ،‬وأما في‬
‫القرض فقول أبي حنيفة برد ّ المثل ول عبرة للكساد ‪ ،‬انظر شرح فتح القدير‬
‫‪ ، 6/276‬البحر الرائق ‪ ، 6/201‬تنبيه الرقود ‪. 2/56‬‬
‫)‪ (13‬انظر المبسوط ‪ ، 29-14/28‬الهداية مع شرح فتح القدير ‪، 6/276‬‬
‫تبيين الحقائق ‪ ، 4/142‬حاشية ابن عابدين ‪ ، 4/533‬الختيار ‪ ، 2/41‬ملتقى‬
‫البحر ‪. 2/54‬‬
‫)‪ (14‬أي الصاحبان أبو يوسف ومحمد وانظر قولهما في المصادر المذكورة‬
‫في الهامش السابق ‪.‬‬
‫)‪ (15‬نهاية الورقة ‪/189‬أ ‪.‬‬

‫)‪(15 /‬‬

‫لن المتعذر ] إنما [ )‪ (1‬هو التسليم بعد الكساد ‪ ،‬وذلك ل يوجب الفساد‬
‫لحتمال الزوال بالرواج ‪ ،‬كما لو اشترى شيئا ً بالرطب )‪ (2‬ثم انقطع ‪.‬‬
‫وإذا لم يبطل ] وتعذر [ )‪ (3‬تسليمه وجبت قيمته ‪ ،‬لكن عند أبي يوسف يوم‬
‫البيع )‪(4‬‬
‫وعند محمد )‪ (5‬يوم الكساد )‪ ،(6‬وهو آخر ما يتعامل الناس بها ‪.‬‬
‫وفي الذخيرة )‪ :(7‬والفتوى على قول أبي يوسف )‪.(8‬‬
‫وفي المحيط )‪ (9‬والتتمة )‪(10‬‬
‫ً‬
‫والحقائق )‪ :(11‬بقول محمد يفتى رفقا بالناس )‪.(12‬‬
‫ولبي حنيفة أن الثمنية بالصطلح )‪ ،(13‬فتبطل لزوال الموجب ‪ ،‬فيبقى البيع‬
‫بل ثمن ‪ ،‬والعقد إنما تناول عينها بصفة الثمنية ‪ ،‬وقد انعدمت بخلف انقطاع‬
‫الرطب ‪ ،‬فإنه يعود غالبا ً في العام القابل بخلف النحاس ‪ ،‬فإنه بالكساد رجع‬

‫‪126‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إلى أصله وكان الغالب عدم العود )‪.(14‬‬


‫__________‬
‫)‪ (1‬ما بين المعكوفين ليس في النسخة وما أثبته من البحر الرائق حيث نقل‬
‫المصنف كلم شيخه وهي في تنبيه الرقود حيث نقلها ابن عابدين عن‬
‫المصنف ‪.‬‬
‫)‪ (2‬الرطب ثمر النخيل قبل أن يصير تمرا ً وهو نضيج البسر قبل أن يتمر ‪،‬‬
‫وأول التمر طلع ثم خلل ثم بلح ثم بسر ثم رطب ثم تمر ‪،‬انظر لسان‬
‫العرب ‪ ، 1/478،5/237‬تاج العروس ‪.2/24‬‬
‫)‪ (3‬ما بين المعقوفين ليس في النسخة وما أثبته من البحر الرائق حيث نقل‬
‫المصنف كلم شيخه وهي في تنبيه الرقود حيث نقلها ابن عابدين عن‬
‫المصنف ‪.‬‬
‫)‪ (4‬أي في اليوم الذي فيه تعلق الحق بالذمة ‪ ،‬وهو قول الحنابلة على‬
‫الراجح عندهم وقول للمالكية ‪ ،‬انظر كشاف القناع ‪ ، 3/301‬شرح منتهى‬
‫الرادات ‪ ، 2/26‬حاشية الرهوني ‪.5/120‬‬
‫)‪ (5‬هو محمد بن الحسن الشيباني الصاحب الثاني للمام أبي حنيفة ‪ ،‬أصولي‬
‫فقيه محدث ‪ ،‬له فضل كبير في نشر مذهب أبي حنيفة ‪ ،‬صاحب المؤلفات‬
‫المعتبرة كالمبسوط والجامع الكبير والجامع الصغير والسير الكبير والسير‬
‫الصغير والزيادات ‪ ،‬وهذه الكتب الستة معروفة بكتب ظاهر الرواية وله كتب‬
‫غيرها ‪ ،‬توفي سنة ‪187‬هـ ‪ ،‬انظر ترجمته في الجواهر المضية ‪، 3/122‬‬
‫الفوائد البهية ص ‪ ، 268‬النتقاء ص ‪. 337‬‬
‫)‪ (6‬أي في آخر يوم تعامل الناس فيه بالنقد ثم كسد بعده وبه قال بعض‬
‫الحنابلة ‪ ،‬انظر الشرح الكبير ‪ . 4/358‬وفي المسألة قول رابع وهو للشافعية‬
‫والمالكية على المشهور عندهم وبه قال =‬
‫= الليث ابن سعد وهو أنه إذا كسد النقد بعد ثبوته في الذمة فعلى المدين‬
‫أن يؤدي ما قبض ‪ ،‬انظر المجموع ‪ ، 9/282‬شرح الخرشي ‪ ، 5/55‬المعيار‬
‫المعرب ‪ ، 6/461‬بلغة السالك ‪. 2/23‬‬
‫)‪ (7‬الذخيرة وتعرف بذخيرة الفتاوى والذخيرة البرهانية للمام برهان الدين‬
‫محمود بن أحمد بن عبد العزيز بن عمر بن مازة البخاري المتوفى ‪ 616‬هـ ‪،‬‬
‫اختصرها من كتابه المشهور المحيط البرهاني ‪ ،‬انظر كشف الظنون‬
‫‪ ، 1/621‬الجواهر المضية ‪ ، 131-1/130‬الفوائد البهية ص ‪336‬‬
‫)‪ (8‬انظر البحر الرائق ‪ ، 6/219‬تنبيه الرقود ‪ ، 57-2/56‬حاشية ابن عابدين‬
‫‪. 4/533‬‬
‫)‪ (9‬المحيط يطلق على كتابين عند الحنفية ‪ :‬أولهما المحيط البرهاني للمام‬
‫برهان الدين محمود بن أحمد صاحب كتاب الذخيرة المذكور سابقا ً ‪ ،‬وقد‬
‫جمع فيه مسائل المبسوط والجامعين والسير والزيادات وألحق به مسائل‬
‫النوادر والفتاوى والواقعات وهو كتاب معتبر عند الحنفية وإذا أطلق المحيط‬
‫في كتب الحنفية فالرجح أنه ينصرف إليه ‪.‬‬
‫وثانيهما محيط السرخسي وهو شمس الئمة محمد بن أحمد بن سهل‬
‫المتوفى سنة ‪ 483‬هـ ‪ ،‬انظر كشف الظنون ‪ ، 2/511‬الفوائد البهية ص ‪336‬‬
‫‪.‬‬
‫)‪ (10‬التتمة ‪ :‬تتمة الفتاوى لبرهان الدين المذكور في الهامش السابق وقد‬
‫ذكر حاجي خليفة عنه‬
‫أنه قال ‪ ]:‬هذا كتاب جمع فيه الصدر الشهيد حسام الدين ما وقع إليه من‬
‫الحوادث والواقعات وضم إليه ما في الكتب من المشكلت واختار في كل‬

‫‪127‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مسألة فيها روايات مختلفة وأقاويل متباينة ما هو أشبه بالصول غير أنه لم‬
‫يرتب المسائل … ثم إن العبد الراجي محمود بن أحمد ابن عبد العزيز زاد‬
‫على كل جنس ما يجانسه وذيل على كل نوع ما يضاهيه [ كشف الظنون‬
‫‪ ، 1/298‬وانظر الفوائد البهية ص ‪. 337‬‬
‫)‪ (11‬الحقائق لمحمود بن محمد بن داود اللؤلؤي الفشنجي البخاري‬
‫المتوفى ‪ 671‬هـ وهو شرح على منظومة النسفي في الخلف سماه حقائق‬
‫المنظومة وهو شرح مرغوب بديع السلوب تداولته العلماء ‪ ،‬انظر كشف‬
‫الظنون ‪ ، 2/695‬الفوائد البيهة ص ‪. 345‬‬
‫)‪ (12‬البحر الرائق ‪ ، 6/219‬تنبيه الرقود ‪ ، 57-2/56‬حاشية ابن عابدين‬
‫‪. 4/533‬‬
‫)‪ (13‬أي أن ثمنية الفلوس والدراهم المغشوشة ثابتة باصطلح الناس عليها‬
‫ل بأصل الخلقة كما هو الحال في الذهب والفضة فإذا بطل الصطلح بطلت‬
‫الثمنية ‪ ،‬انظر شرح فتح القدير ‪ ، 6/277‬تبيين الحقائق ‪. 4/142‬‬
‫)‪ (14‬انظر المصدرين المذكورين في الهامش السابق ‪.‬‬

‫)‪(16 /‬‬

‫والكساد لغة كما في المصباح )‪ (1‬من كسد الشيء يكسد من باب قتل ‪ ،‬لم‬
‫ينفق لقلة الرغبات فهو كاسد وكسيد …‬
‫] يتعدى [)‪ (2‬بالهمزة فيقال أكسده الله ] وكسدت السوق فهي كاسد بغير‬
‫هاء في الصحاح )‪ (4)[ (3‬وبالهاء في التهذيب )‪ ،(5‬ويقال ‪ :‬أصل الكساد‬
‫الفساد انتهى )‪.(6‬‬
‫] الكساد الجزئي للنقود [‬
‫وعند الفقهاء أن تترك المعاملة بها في جميع البلد )‪ ،(7‬فإن كانت‬
‫تروج في بعض البلد )‪ ،(8‬ل يبطل ] لكنه [)‪ ] (9‬تعيب [)‪ (10‬إذا لم يرج في‬
‫بلدهم فيتخير البائع إن شاء أخذه وإن شاء أخذ قيمته )‪. (11‬‬
‫] انقطاع النقود [‬
‫وحد ّ النقطاع أن ل يوجد في السوق ‪ ،‬وإن كان ] يوجد [)‪ (12‬في يد‬
‫الصيارفة وفي البيوت )‪ ،(13‬هكذا في الهداية )‪.(14‬‬
‫والنقطاع كالكساد كما في كثير من الكتب )‪.(15‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي تأليف المام أحمد بن‬
‫محمد بن علي المقري الفيومي المتوفى سنة ‪ 770‬هـ ذكر في مقدمته أنه‬
‫جمع كتابا ً في غريب شرح الوجيز للمام الرافعي ثم اختصره ليسهل تناوله‬
‫وسماه المصباح المنير في غريب الشرح الكبير ‪ ،‬والشرح الكبير للمام‬
‫الرافعي شرح به الوجيز في الفقه الشافعي لحجة السلم أبو حامد‬
‫الغزالي ‪ ،‬انظر مقدمة المصباح المنير للمؤلف ‪ ،‬كشف الظنون ‪. 2/579‬‬
‫)‪ (2‬في النسخة ) يتعدى ( وما أثبته من المصباح المنير‪.‬‬
‫)‪ (3‬الصحاح في اللغة لبي نصر إسماعيل بن حماد الجوهري المتوفى ‪393‬‬
‫هـ ‪ ،‬أودع فيه ما صح عنده من اللغة العربية وهو من أهم المعاجم العربية‬
‫ولقي عناية كبيرة من العلماء ‪ ،‬انظر مقدمة الصحاح ‪ ، 1/33‬كشف الظنون‬
‫‪. 1/95‬‬
‫)‪ (4‬ما بين المعكوفين ليس في النسخة وإنما هو في المصباح المنير وفي‬
‫تنبيه الرقود ‪ .‬وانظر مادة كسد في الصحاح ‪. 2/531‬‬

‫‪128‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (5‬تهذيب اللغة لبي منصور محمد بن أحمد الزهري اللغوي المتوفى ‪370‬‬
‫هـ وهو كتاب كبير من الكتب المختارة في اللغة ‪ ،‬انظر كشف الظنون‬
‫‪. 1/414‬‬
‫)‪ (6‬من قول المصنف أنه ‪ ]:‬إذا اشترى إلى قوله الفساد [ منقول بحروفه‬
‫من البحر الرائق ‪ 6/201‬وانظر المصباح المنير ص ‪. 533‬‬
‫)‪ (7‬سبق تعريف الكساد ص ‪.75‬‬
‫)‪ (8‬إذا كانت النقود تروج في بعض البلد دون بعض فهو الكساد الجزئي ‪،‬‬
‫انظر البحر الرائق ‪ ، 6/201‬تنبيه الرقود ‪. 2/57‬‬
‫)‪ (9‬في النسخة ] لكن [ وما أثبته من البحر الرائق وتنبيه الرقود ‪.‬‬
‫)‪ (10‬في النسخة ] يتعين [ وما أثبته من البحر الرائق ‪ ،‬وفي تنبيه الرقود‬
‫] يتعيب [ ‪ ،‬وفي حاشية ابن عابدين ] تتعيب [‪.‬‬
‫)‪ (11‬نص ابن عابدين على حالة الكساد الجزئي فقال ‪ ]:‬وفي عيون المسائل‬
‫عد الرواج إنما يوجب الفساد إذا كان ل يروج في جميع البلدان لنه حينئذ‬
‫يصير هالكا ً ويبقى المبيع بل ثمن فأما إذا كان ل يروج في هذه البلدة فقط‬
‫فل يفسد البيع ‪ ،‬لنه ل يهلك ولكنه تعيب ‪ ،‬وكان للبائع الخيار إن شاء قال‬
‫أعطني مثل الذي وقع عليه البيع ‪ ،‬وإن شاء أخذ قيمة ذلك دنانير ‪ ،‬انتهى‬
‫وتمامه فيها ‪ ،‬وكذا في الفصل الرابع من الذخيرة البرهانية [ تنبيه الرقود‬
‫‪. 1/57‬‬
‫)‪ (12‬في النسخة ] وجد [ وما أثبته من البحر الرائق وتنبيه الرقود ‪.‬‬
‫)‪ (13‬انظر تبيين الحقائق ‪ ، 4/143‬تنبيه الرقود ‪ ، 2/58‬شرح الخرشي ‪5/55‬‬
‫‪.‬‬
‫)‪ (14‬من قول المصنف ‪ ]:‬وعند الفقهاء … الهداية [ منقول من البحر الرائق‬
‫‪ ، 6/201‬وكتاب الهداية لبي الحسن علي بن أبي بكر المرغيناني المتوفى‬
‫سنة ‪ 593‬هـ ‪ ،‬وهو شرح على كتابه بداية المبتدي ‪ ،‬وهو من الكتب المعتمدة‬
‫عند الحنفية وقد لقي عناية فائقة منهم ‪ ،‬فمنهم =‬
‫= من شرحه ومنهم من خرج أحاديثه ومنهم من اختصره ومنهم من نظمه‬
‫شعرا ً وقد بلغت العمال العلمية عليه أكثر من ستين عمل ً ومن أشهر‬
‫شروحه شرح فتح القدير لبن الهمام ‪ ،‬انظر كشف الظنون ‪ 2/816‬فما‬
‫بعدها ‪ ،‬الجواهر المضية ‪ ، 2/627‬الفوائد البهية ص ‪ ، 230‬فما بعدها‬
‫)‪ (15‬أي أن في المسألة ثلثة أقوال للحنفية ‪:‬‬
‫قول أبي حنيفة أن البيع يفسد ‪.‬‬
‫وقول أبي يوسف أن البيع ل يفسد وتجب القيمة يوم العقد ‪.‬‬
‫وقول محمد أن البيع ل يفسد وتجب القيمة يوم النقطاع وهو قول الحنابلة ‪.‬‬
‫وفي المسألة قول رابع للشافعية والمالكية أن البيع صحيح ويجب مثل النقد‬
‫الذي انعقد البيع عليه إن أمكن وإن تعذر فتجب القيمة ‪ ،‬انظر تبيين الحقائق‬
‫‪ ،2/142‬تنبيه الرقود ‪ ، 60-2/58‬الفتاوى الهندية ‪ ، 3/225‬المغني ‪، 4/244‬‬
‫بلغة السالك ‪ ، 2/23‬شرح الخرشي ‪ ، 5/55‬الشرح الكبير ‪. 4/358‬‬

‫)‪(17 /‬‬

‫لكن قال في المضمرات )‪ :(1‬فإن انقطع ذلك فعليه من الذهب والفضة‬


‫قيمته ] في [)‪ (2‬آخر يوم انقطع ‪ ،‬هو المختار )‪.(3‬‬
‫ثم قال في الذخيرة ‪ ]:‬النقطاع أن ل يوجد في السوق ‪ ،‬وإن كان يوجد في‬
‫يد الصيارفة وفي البيوت ‪ ،‬وقيل إذا كان يوجد في أيدي الصيارفة فليس‬

‫‪129‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ح [ انتهى )‪ .(4‬هذا إذا كسدت أو انقطعت ‪.‬‬ ‫بمنقطع والول أص ّ‬


‫] غلء النقود ورخصها [‬
‫أما إذا غلت قيمتها أو ازدادت ‪ ،‬فالبيع على حاله ‪ ،‬ول يتخير المشتري ‪،‬‬
‫ويطالب بالنقد بذلك العيار الذي كان وقت البيع ‪ ،‬كذا في فتح القدير )‪.(5‬‬
‫وفي البزازية )‪ (6‬معزيا ً إلى المنتقى )‪ ]: (7‬غلت الفلوس أو رخصت فعند‬
‫المام الول والثاني أول ً )‪ (8‬ليس عليه غيرها ‪.‬‬
‫وقال الثاني ثانيا ً )‪ : (9‬عليه قيمتها من الدراهم يوم البيع والقبض ‪ ،‬وعليه‬
‫الفتوى [ )‪.(10‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬ويسمى جامع المضمرات والمشكلت ليوسف بن عمر بن يوسف‬
‫الصوفي الكادروي المعروف بنبيرة عمر بزار المتوفى سنة ‪ 832‬هـ وهو‬
‫شرح على مختصر القدوري في فروع الحنفية وهو جامع للتفاريع الكثيرة حاٍو‬
‫على المسائل الغزيرة ‪ ،‬انظر كشف الظنون ‪ ، 2/522‬الفوائد البهية ص ‪380‬‬
‫‪.‬‬
‫)‪ (2‬في النسخة ] إلى [ وما أثبته من تنبيه الرقود وحاشية ابن عابدين على‬
‫البحر الرائق ‪.‬‬
‫)‪ (3‬وهو قول محمد بن الحسن وهو المعتمد عند الحنفية ‪ ،‬انظر شرح فتح‬
‫القدير ‪ ، 6/277‬تنبيه الرقود ‪ ، 2/58‬حاشية ابن عابدين ‪. 4/533‬‬
‫)‪ (4‬عبارة صاحب الذخيرة وردت في النسخة كما يلي ‪ ]:‬النقطاع أن ل يوجد‬
‫ح [ وما‬ ‫في السوق وإن كان يوجد في يد الصيارفة فليس بمنقطع والول أص ّ‬
‫أثبته من تنبيه الرقود حيث نقله ابن عابدين ثم قال ‪ :‬هذه عبارة الغّزي في‬
‫رسالته [ تنبيه الرقود ‪. 2/58‬‬
‫)‪ (5‬انظر فتح القدير ‪ ، 6/277‬أي أن الواجب النقد الثابت في الذمة ول‬
‫ينظر إلى الغلء أو الرخص ‪ ،‬وهذا قول أبي حنيفة وبه كان يقول أبو يوسف‬
‫أول ً ثم رجع عنه إلى القول بالقيمة كما ذكر المصنف ‪ ،‬وهذا قول جمهور أهل‬
‫العلم من الشافعية والحنابلة والمالكية في المشهور عندهم ‪ ،‬انظر المبسوط‬
‫‪ ، 29 /14‬حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ‪ ، 3/45‬المعيار المعرب‬
‫‪ ، 6/462‬الحاوي الكبير ‪ ، 1/97‬تنبيه الرقود ‪ ، 2/58‬النصاف ‪، 5/128‬‬
‫حاشية ابن عابدين ‪. 4/533‬‬
‫وفتح القدير لكمال الدين محمد بن عبد الواحد المعروف بابن الهمام‬
‫المتوفى ‪ 861‬هـ وسماه فتح القدير للعاجز الفقير وهو شرح على الهداية‬
‫لبي بكر المرغيناني انتهى فيه إلى كتاب الوكالة وأتمه شمس الدين أحمد‬
‫بن قودر المعروف بقاضي زاده المتوفى سنة ‪ 988‬هـ وسمى تكملته نتائج‬
‫الفكار ‪ ،‬انظر كشف الظنون ‪ ، 2/818‬الفوائد البهية ص ‪. 297-296‬‬
‫)‪ (6‬البزازية هي الفتاوى البزازية لمحمد بن محمد الكردري المتوفى سنة‬
‫‪ 780‬هـ وقد اشتملت فتاواه على مسائل يحتاج إليها مما يعتمد عليها وقيل‬
‫م تؤلف فيها كتابا ً ؟‬
‫م ل تجمع الفتاوي المهمة ول َ‬‫لبي السعود المفتي ‪ :‬ل َ‬
‫قال ‪ :‬أستحي من صاحب البزازية مع وجود كتابه ‪ .‬كشف الظنون ‪، 2/217‬‬
‫وانظر الفوائد البهية ص ‪ ، 309‬العلم ‪ ، 7/45‬معجم المؤلفين ‪. 3/640‬‬
‫)‪ (7‬المنتقى في فروع الحنفية للحاكم الشهيد أبي الفضل محمد بن محمد‬
‫بن أحمد المقتول شهيدا ً سنة ‪ 334‬هـ وقد جمع في المنتقى خلصة ما جمعه‬
‫من ثلثمئة جزء مثل المالي والنوادر ويعد ّ المنتقى أصل ً من أصول المذهب‬
‫الحنفي ‪ ،‬انظر كشف الظنون ‪ ، 2/683‬الجواهر المضية ‪ ، 4/590‬الفوائد‬
‫البهية ص ‪. 305‬‬

‫‪130‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (8‬أي عند أبي حنيفة وهو المام الول وعند أبي يوسف وهو المام الثاني‬
‫في قوله الول في هذه المسألة ‪.‬‬
‫)‪ (9‬أي عند أبي يوسف في قوله الثاني ‪ .‬قال ابن عابدين ‪ ]:‬وفي المنتقى إذا‬
‫غلت الفلوس قبل القبض أو رخصت ‪ ،‬قال أبو يوسف قولي وقول أبي حنيفة‬
‫في ذلك سواء وليس له غيرها ثم رجع أبو يوسف وقال عليه قيمتها من‬
‫الدراهم يوم وقع البيع ويوم وقع القبض [ تنبيه الرقود ‪. 2/58‬‬
‫وفي المسألة قول ثالث وهو إن كان التغير فاحشا ً فالواجب رد ّ القيمة ‪ ،‬وإن‬
‫كان التغير قليل ً فالواجب رد ّ المثل وهو لبعض المالكية على خلف المشهور‬
‫عندهم ‪ ،‬حاشية الرهوني والمدني على شرح الزرقاني ‪. 5/118‬‬
‫)‪ (10‬الفتاوى البزازية ‪ 4/510‬مطبوع بهامش الفتاوى الهندية ‪.‬‬

‫)‪(18 /‬‬

‫وهكذا في الذخيرة والخلصة )‪ (1‬بالعزو إلى المنتقى وقد نقله شيخنا )‪(2‬‬
‫في بحره )‪ (3‬وأقره ‪.‬‬
‫] الفتوى على قول أبي يوسف في لزوم القيمة [‬
‫ول‬‫فحيث صرح بأن الفتوى عليه في كثير من المعتبرات )‪ ،(4‬فيجب أن يع ّ‬
‫عليه إفتاًء وقضاًء ‪ ،‬لن المفتي والقاضي واجب عليهما الميل إلى الراجح )‪(5‬‬
‫من مذهب إمامهما ومقلدهما ‪.‬‬
‫ول يجوز لهما الخذ بمقابله ‪ ،‬لنه مرجوح بالنسبة إليه )‪.(6‬‬
‫وفي فتاوى قاضي خان )‪ :(7‬يلزمه المثل )‪.(8‬‬
‫وهكذا ذكر السبيجابي )‪ (9‬قال ‪ :‬ول ينظر إلى القيمة )‪.(10‬‬
‫وفي البزازية ‪ :‬والجارة كالبيع والدين على هذا ‪ .‬وفي النكاح يلزمه قيمة تلك‬
‫الدراهم )‪.(11‬‬
‫ً‬
‫وفي مجمع الفتاوى )‪ (12‬معزيا إلى المحيط رخص الَعداِلى )‪ ،(13‬قال‬
‫ل الستاذ )‪ : (14‬ل يعتبر هذا ويطالبه بما وقع العقد عليه ‪،‬‬ ‫الشيخ المام الج ّ‬
‫دين على هذا ‪ ،‬فلو كان يروج لكن انتقص قيمتها )‪ (15‬ل يفسد ‪ ،‬وليس له‬ ‫وال َ‬
‫إل ذلك وبه يفتي المام ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬الخلصة هو خلصة الفتاوى لطاهر بن أحمد بن عبد الرشيد البخاري‬
‫المتوفى سنة ‪ 542‬هـ ولخصه من الواقعات والخزانة وهو كتاب معتبر عند‬
‫العلماء ومعتمد عند الفقهاء ‪ ،‬انظر الفوائد البهية ص ‪ ، 146‬كشف الظنون‬
‫‪ ، 1/551‬الجواهر المضية ‪. 2/276‬‬
‫)‪ (2‬شيخ المصنف هو العلمة المدقق زين العابدين بن إبراهيم بن نجيم‬
‫الحنفي المتوفى ‪ 970‬هـ وقد تقدمت ترجمته عند ذكر شيوخ المصنف في‬
‫الدراسة ‪.‬‬
‫)‪ (3‬هو البحر الرائق شرح كنز الدقائق لشيخ المصنف ابن نجيم وهو من‬
‫الكتب المعتمدة في مذهب الحنفية ويعتبر من أحسن شروح كنز الدقائق‬
‫للنسفي ‪ ،‬انظر كشف الظنون ‪ ، 2/434‬التعليقات السنية على الفوائد البهية‬
‫ص ‪. 221‬‬
‫)‪ (4‬ممن ذكر أن الفتوى على قول أبي يوسف في هذه المسألة ابن عابدين‬
‫في تنبيه الرقود ‪ 2/58‬وفي الحاشية ‪ 534-4/533‬بالضافة للمصادر التي‬
‫ذكرها المصنف ‪.‬‬
‫)‪ (5‬الراجح مأخوذ من الرجحان وهو الترجيح والمقصود به اقتران أحد‬

‫‪131‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الصالحين للدللة على المطلوب مع تعارضهما بما يوجب العمل به وإهمال‬


‫الخر ‪ ،‬وهذا التعريف للشافعية ‪.‬‬
‫وقال الحنفية ‪ :‬الترجيح هو إظهار قوة لحد الدليلين المتعارضين لو انفردت‬
‫عنه ل تكون حجة مستقلة ‪ .‬فالراجح هو ما ظهر فيه فضل على معادله وهو‬
‫المرجوح ‪.‬انظر تفصيل الكلم على =‬
‫= ذلك في المحصول ق ‪2‬ج ‪ ، 2/529‬فواتح الرحموت ‪ ، 2/204‬شرح‬
‫الكوكب المنير ‪ ، 4/618‬فتح الغفار ‪ ، 3/52‬شرح المحلي على جمع الجوامع‬
‫‪ ، 2/361‬التعارض والترجيح ‪ 1/76‬فما بعدها ‪.‬‬
‫)‪ (6‬انظر حاشية ابن عابدين ‪ ، 5/361،408‬الدر المختار ‪ ، 5/361‬رسم‬
‫المفتي ‪. 1/52‬‬
‫)‪ (7‬قاضي خان ‪ :‬هو حسن بن منصور بن محمود فخر الدين قاضي خان‬
‫الوزجندي الفرغاني كان إماما ً كبيرا ً وبحرا ً عميقا ً غواصا ً في المعاني الدقيقة‬
‫مجتهدا ً ‪ ،‬توفي سنة ‪ 592‬هـ ‪ ،‬له الفتاوى المعروفة بفتاوى قاضي خان أو‬
‫الفتاوى الخانية وهي مشهورة مقبولة معمول بها متداولة بين أيدي العلماء‬
‫والفقهاء وله شرح أدب القاضي للخصاف ‪ ،‬وشرح الزيادات والجامع الصغير‬
‫لمحمد بن الحسن ‪ ،‬انظر كشف الظنون ‪ ، 2/218‬الجواهر المضية ‪، 2/93‬‬
‫الفوائد البهية ص ‪. 111‬‬
‫)‪ (8‬الفتاوى الخانية ‪. 2/253‬‬
‫)‪ (9‬السبيجابي ‪ :‬هو أحمد بن منصور القاضي أبو نصر السبيجابي ‪ ،‬المتوفى‬
‫سنة ‪ 480‬هـ ‪ ،‬كان إماما ً في الفقه له شرح مختصر الطحاوي وشرح على‬
‫كتاب الصدر بن مازة ‪ ،‬وشرح الكافي وله فتاوى ‪ ،‬انظر الجواهر المضية‬
‫‪ ، 1/335‬الفوائد البهية ص ‪ ، 75‬معجم المؤلفين ‪. 1/311‬‬
‫)‪ (10‬قول المصنف ‪ ]:‬وفي فتاوى قاضي خان … القيمة [ منقول عن البحر‬
‫الرائق ‪. 6/202‬‬
‫)‪ (11‬الفتاوى البزازية ‪. 4/510‬‬
‫)‪ (12‬مجمع الفتاوى لحمد بن محمد بن أبي بكر الحنفي ‪ ،‬ثم اختصره‬
‫وسماه خزانة الفتاوى ‪ ،‬وذكر حاجي خليفة أنه جمع فيه عددا ً من كتب‬
‫الفتاوى عند الحنفية ‪ ،‬انظر كشف الظنون ‪. 2/499‬‬
‫)‪ (13‬الَعداِلى بفتح العين وتخفيف الدال وكسر اللم ‪ :‬الدراهم المنسوبة إلى‬
‫ش ‪،‬البحر الرائق ‪، 6/200‬‬ ‫العدال وكأنه اسم ملك ينسب إليه درهم فيه غ ّ‬
‫تنبيه الرقود ‪ ، 2/59‬النقود العربية ص ‪179‬‬
‫)‪ (14‬قال اللكنوي في ترجمة علي بن عبد العزيز ظهير الدين الكبير‬
‫المرغيناني ما نصه ‪ ]:‬وقد رأيت في الفتاوى الظهيرية أن صاحبها كثيرا ً ما‬
‫ينقل المسائل والفوائد عن ظهير الدين المرغيناني ويصفه بالشيخ المام‬
‫ل ‪ ،‬ومن المعلوم أن الظهير المرغيناني لقب لصاحب الترجمة‬ ‫الستاذ الج ّ‬
‫ي ‪ ،‬ولبنه الحسن ‪ ،‬ويفرق بينهما بتوصيف الول بالظهير الكبير [ الفوائد‬ ‫عل ّ‬
‫البهية ص ‪ 206‬وبناًء على كلم اللكنوي فإن المقصود بما ذكره المصنف نقل ً‬
‫ل الستاذ [ يقصد به أحد الثنين علي‬ ‫عن المحيط ‪ ]:‬قال الشيخ المام الج ّ‬
‫بن عبد العزيز المرغيناني أو ابنه الحسن بن علي المرغيناني ‪ ،‬انظر ترجمة‬
‫ل في الفوائد البهية ص ‪ ، 204‬الجواهر المضية ‪ ، 2/576‬وترجمة الثاني‬ ‫الو ّ‬
‫في الفوائد البهية ص ‪ ، 107‬الجواهر المضية ‪. 2/74‬‬
‫)‪ (15‬في تنبيه الرقود ] قيمته [‪.‬‬

‫)‪(19 /‬‬

‫‪132‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وفتوى المام قاضي ظهير ] الدين [)‪ (1‬على أنه يطالب )‪ (2‬بالدراهم التي‬
‫دين على هذا ‪،‬‬ ‫يوم البيع ‪ ،‬يعني بذلك العيار ول يرجع عليه بالتفاوت ‪ ،‬وال َ‬
‫والنقطاع والكساد سواء انتهى ‪.‬‬
‫فإن قلت يشكل على هذا ما ذكر في مجمع الفتاوى من قوله ‪ :‬ولو غلت أو‬
‫رخصت فعليه رد ّ المثل بالتفاق انتهى ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬ل يشكل لن أبا يوسف كان يقول أول ً بمقالة المام ‪ ،‬ثم رجع عنه ‪،‬‬
‫وقال ثانيا ً الواجب عليه قيمتها ‪ ،‬كما نقلناه فيما سبق عن‬
‫] البزازية [)‪ (3‬وصاحب الخلصة )‪ (4‬والذخيرة ‪ ،‬فحكاية التفاق بناًء على‬
‫موافقته للمام أول ً كما ل يخفى والله أعلم ‪.‬‬
‫وقد تتبعت كثيرا ً من المعتبرات من كتب مشايخنا المعتمدة ‪ ،‬فلم أَر من‬
‫جعل الفتوى على قول أبي حنيفة رضي الله عنه ‪ ،‬بل قالوا به كان‬
‫يفتي المام القاضي)‪.(5‬‬
‫وأما قول أبي يوسف فقد جعلوا الفتوى عليه في كثير من المعتبرات ‪ ،‬فليكن‬
‫ول عليه ‪.‬‬
‫المع ّ‬
‫] العمل عند اختلف أقوال أئمة المذهب الحنفي [‬
‫قال في التتارخانية )‪ :(6‬اعلم أن اختلف أئمة الهدى توسعة على الناس ‪،‬‬
‫خّير المفتي )‪.(7‬‬ ‫فإذا كان المام في جانب وهما في جانب ُ‬
‫وإن كان أحدهما مع المام أخذ بقولهما ‪ ،‬إل إذا اصطلح المشايخ على قول‬
‫الخر ‪ ،‬فيتبعهم )‪ (8‬كما ] اختار [)‪ (9‬الفقيه‬
‫أبو الليث )‪ (10‬قول زفر )‪ (11‬في مسائل )‪.(12‬‬
‫وإن اختلف المتأخرون أخذ بقول واحد ‪ ،‬فلو لم يوجد من المتأخرين يجتهد‬
‫برأيه ‪ ،‬إذا كان يعرف وجوه الفقه ويشاور أهله )‪.(13‬‬
‫ً‬
‫ول يجوز له الفتاء بالقول المهجور لجّر منفعة ول خّرجوا عليه دينا انتهى‪.‬‬
‫وفي الحاوي القدسي )‪ :(14‬إن المام إذا كان في جانب وهما في جانب ‪،‬‬
‫فالصح أن العتبار لقوة المدرك )‪ (15‬انتهى ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬ليست في النسخة وأثبتها من تنبيه الرقود ‪ ،‬والمام قاضي ظهير الدين‬
‫هو أحد المذكورين في الهامش رقم ‪ 3‬من الصفحة السلبقة ‪.‬‬
‫)‪ (2‬نهاية الورقة ‪/189‬ب ‪.‬‬
‫)‪ (3‬في النسخة ] البزازي [ وما أثبته من تنبيه الرقود ‪.‬‬
‫)‪ (4‬صاحب الخلصة ‪ :‬هو طاهر بن أحمد بن عبد الرشيد البخاري المتوفى‬
‫سنة ‪ 542‬هـ فقيه حنفي مجتهد له خلصة الفتاوى ‪ ،‬خزانة الواقعات ‪،‬‬
‫ونصاب الفقه انظر كشف الظنون ‪ ، 1/551‬الجواهر المضية ‪، 2/276‬‬
‫الفوائد البهية ص ‪ 146‬معجم المؤلفين ‪. 2/9‬‬
‫)‪ (5‬في تنبيه الرقود ] القاضي المام [ والمراد به أبو يوسف ‪.‬‬
‫)‪ (6‬التتارخانية ‪ :‬هو كتاب الفتاوى التتارخانية ‪ ،‬وهو من كتب الفتاوى‬
‫المعتمدة عند الحنفية واسم الكتاب زاد المسافر في الفروع لعالم بن علء‬
‫الحنفي ‪ ،‬المتوفى سنة ‪ 800‬هـ ‪ ،‬وقد جمع فيه مسائل المحيط البرهاني ‪،‬‬
‫والذخيرة والخانية والظهيرية ‪ ،‬انظر كشف الظنون ‪ ، 1/253،2/4‬هدية‬
‫العارفين ‪ ، 1/357‬معجم المؤلفين ‪ ، 2/26‬المذهب عند الحنفية ص ‪. 99‬‬
‫)‪ (7‬ومعنى قوله ] خّير المفتي [ أن المفتي ينظر في الدليل فيفتي بما يظهر‬
‫له ول يتعين عليه الخذ بقول المام كذا قال ابن عابدين في رسم المفتي‬
‫‪ ، 1/26‬وانظر فتاوى قاضي خان ‪ ، 1/3‬الفتاوى البزازية ‪ ، 5/134‬الدّر‬
‫المختار ‪ ، 5/360 ، 1/71‬حاشية ابن عابدين ‪. 5/360 ، 1/71‬‬

‫‪133‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (8‬انظر المصادر المذكورة في الهامش السابق ‪.‬‬


‫)‪ (9‬في النسخة ) قال ( وهو خطأ وما أثبته من رسم المفتي ‪.‬‬
‫)‪ (10‬أبو الليث ‪ :‬هو نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي الفقيه‬
‫أبو الليث المعروف بإمام الهدى ‪ ،‬له تفسير القرآن والنوازل والفتاوى ‪،‬‬
‫وخزانة الفقه وبستان العارفين ‪ ،‬توفي سنة ‪ 393‬هـ وقيل غير ذلك ‪ ،‬انظر‬
‫سير أعلم النبلء ‪ ، 323-16/322‬الجواهر المضية ‪. 3/544‬‬
‫)‪ (11‬هو زفر بن الهذيل بن قيس المصري صاحب أبي حنيفة وكان أقيس‬
‫أصحابه ‪ ،‬وقد جمع بين العلم والعبادة وكان من أصحاب الحديث ثم غلب‬
‫عليه الرأي ‪ ،‬توفي سنة ‪ 158‬هـ ‪ ،‬انظر سير أعلم النبلء ‪ ، 8/35‬النتقاء ص‬
‫‪ ، 335‬الجواهر المضية ‪ ، 2/207‬الفوائد البهية ص ‪. 132‬‬
‫)‪ (12‬ورد كلم صاحب التتارخانية في رسم المفتي ‪ ، 1/27‬وانظر الفتاوى‬
‫الهندية ‪.3/312‬‬
‫)‪ (13‬ورد كلم صاحب التتارخانية ‪ ]:‬وإن اختلف … أهله [ في رسم المفتي‬
‫‪. 1/33‬‬
‫)‪ (14‬الحاوي القدسي في الفروع لجمال الدين أحمد بن محمد بن نوح‬
‫الغزنوي الحنفي ‪ ،‬المتوفى في حدود سنة ‪ 600‬هـ ‪ ،‬وإنما قيل فيه القدسي‬
‫لنه صنفه في القدس ‪ ،‬وقد جعله على ثلثة أقسام قسم في أصول الدين ‪،‬‬
‫وقسم في أصول في الفقه ‪ ،‬وقسم في الفروع ‪ ،‬وأكثر فيه من ذكر الفروع‬
‫المهمة ‪ ،‬انظر كشف الظنون ‪ ، 1/490‬معجم المؤلفين ‪. 1/301‬‬
‫)‪ (15‬قول صاحب الحاوي القدسي ‪ ]:‬والصح أن العتبار لقوة المدرك [ هذا‬
‫في حق المجتهد لن اعتبار قوة الدليل شأن المفتي المجتهد فصار فيما إذا‬
‫خالف الصاحبان المام ثلثة أقوال ‪ :‬الول اتباع قول المام بل تخيير ‪ ،‬الثاني‬
‫التخيير مطلقا ً ‪ ،‬الثالث وهو الصح التفصيل بين المجتهد وغيره وبه جزم‬
‫قاضي خان ‪ ،‬انظر الفتاوى الهندية ‪ ، 3/310‬رسم المفتي ‪= ، 27-1/26‬‬
‫= الدّر المختار ‪ ، 71-1/70‬حاشية ابن عابدين ‪، 361-71،5/360-1/70‬‬
‫المذهب عند الحنفية ص ‪.87‬‬

‫)‪(20 /‬‬

‫ول شك أن قول أبي يوسف قوي المدرك في واقعة الفتوى كما ل يخفى ‪.‬‬
‫وفي التتارخانية أيضا ً ‪ :‬ثم الفتوى على الطلق على قول أبي حنيفة ‪ ،‬ثم‬
‫بقول أبي يوسف ‪ ،‬ثم بقول محمد بن الحسن ‪ ،‬ثم بقول زفر بن هذيل ‪،‬‬
‫والحسن ابن زياد )‪.(1‬‬
‫وقيل إذا كان أبو حنيفة في جانب وصاحباه في جانب فالمفتي بالخيار )‪.(2‬‬
‫والول أصح ‪ ،‬إذا لم يكن المفتي مجتهدا ً ‪ ،‬لنه كان أعلم العلماء في زمانه ‪،‬‬
‫حتى قال الشافعي )‪ (3‬رضي الله عنه ‪ :‬الناس كلهم عيال أبي‬
‫حنيفة في الفقه )‪ (4‬انتهى ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬يعني إذا لم يصطلح المشايخ على تصحيح قول أبي يوسف أو قول‬
‫محمد أو قول زفر ‪ ،‬يدل عليه أنهم جعلوا الفتوى على قول أبي يوسف‬
‫ومحمد ‪ ،‬وعلى قول أحدهما في مواضع كثيرة ‪ ،‬وكذلك على قول زفر ‪ ،‬كما‬
‫يعلم ذلك من طالع المطولت من كتب مشايخنا )‪.(5‬‬
‫وفي بعض المعتبرات من تصانيف مشايخنا )‪ (6‬أن الفتوى على قول أبي‬
‫يوسف في المعاملت ‪ ،‬لنه تولى القضاء ‪ ،‬وخبر أحوال الناس ومعاملتهم )‬
‫‪ ،(7‬ل سيما وقد جعلوا الفتوى على قوله في مسألتنا فيكون هو الراجح ‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫] العمل بالراجح وترك المرجوح [‬


‫والخذ بالراجح واجب ‪ ،‬كيف ل والمام العظم )‪ (8‬قد شرط في مناشير‬
‫الحكام ‪،‬‬
‫الحكم بالراجح وترك المرجوح )‪ ،(9‬فعليه لو حكم بالمرجوح ل ينفذ قضاؤه‬
‫لنه يصير معزول ً بالنسبة إلى القول الممنوع ‪ ،‬والحادثة الممنوع عنها فقد‬
‫صرحوا بأن القضاء يتقيد ويتأقت مكانا ً وزمانا ً وحادثة )‪. (10‬‬
‫قال فخر المتأخرين شيخ السلم عمدة النام الشيخ قاسم بن قطلوبغا )‪(11‬‬
‫تلميذ المحقق الكمال )‪(12‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬هو الحسن بن زياد اللؤلؤي الكوفي صاحب أبي حنيفة ‪ ،‬كان يقظا ً فطنا ً‬
‫فقيها ً نبيها ً ‪ ،‬له كتاب المجرد والمالي وأدب القاضي والفرائض والنفقات ‪،‬‬
‫توفي سنة ‪ 204‬هـ ‪ ،‬انظر الجواهر المضية ‪ ، 2/56‬الفوائد البهية ص ‪، 104‬‬
‫معجم المؤلفين ‪. 1/552‬‬
‫)‪ (2‬انظر الفتاوى الهندية ‪ ، 3/310‬رسم المفتي ‪ ، 1/26‬الدّر المختار‬
‫وحاشية ابن عابدين ‪ ، 1/71،5/360‬المذهب عند الحنفية ص ‪.87‬‬
‫)‪ (3‬هو المام محمد بن إدريس الشافعي ثالث الئمة الربعة ‪ ،‬الصولي‬
‫دث الديب الشاعر ‪ ،‬فضائله أكثر من أن تحصى ‪ ،‬له‬ ‫الفقيه المجتهد المح ّ‬
‫الرسالة في أصول الفقه والم في الفقه وأحكام القرآن واختلف الحديث‬
‫وغيرها ‪ ،‬توفي سنة ‪ 204‬هـ ‪ ،‬انظر تهذيب السماء واللغات ‪ ، 1/44‬سير‬
‫أعلم النبلء ‪ ، 10/5‬طبقات الشافعية الكبرى ج ‪ ، 1‬الشافعي لبي زهرة ‪.‬‬
‫)‪ (4‬انظر مناقب الشافعي ‪. 1/171‬‬
‫)‪ (5‬انظر الفتاوى الهندية ‪ ، 3/310‬الدر المختار ‪ ، 71-1/70‬حاشية ابن‬
‫عابدين ‪. 5/361 ، 71-1/70‬‬
‫)‪ (6‬ورد في هامش النسخة ‪ ]:‬نسخة ‪ /‬أصحابنا [ وهذا يدل على أن هذه‬
‫النسخة قد قوبلت على غيرها ‪.‬‬
‫)‪ (7‬انظر الفتاوى البزازية ‪ ، 134 /5‬رسم المفتي ‪ ، 1/35‬حاشية ابن عابدين‬
‫‪ ، 5/360 ، 1/71‬المذهب عند الحنفية ص ‪.88‬‬
‫)‪ (8‬يقصد به الخليفة أو السلطان العثماني في زمانه ‪.‬‬
‫)‪ (9‬قال الحصكفي في الدر المختار ‪ ]:‬وحاصل ما ذكره الشيخ قاسم في‬
‫تصحيحه … وأن الحكم والفتيا بالقول المرجوح جهل وخرق للجماع … قلت‬
‫‪ -‬أي الحصكفي ‪ :-‬ول سيما في زماننا فإن السلطان ينص في منشوره على‬
‫نهيه عن القضاء بالقوال الضعيفة [ الدّر المختار ‪. 76-1/74‬‬
‫وقال ابن عابدين ‪ ]:‬المنشور ما كان غير مختوم من كتب السلطان [ حاشية‬
‫ابن عابدين ‪. 1/76‬‬
‫)‪ (10‬قال الكمال ابن الهمام ] الولية تقبل التقييد والتعليق بالشرط كما إذا‬
‫قال له إذا وصلت إلى بلدة كذا فأنت قاضيها [ شرح فتح القدير ‪، 5/358‬‬
‫وقال الحصكفي‪ ]:‬القضاء مظهر ل مثبت ويتخصص بزمان ومكان وخصومة [‬
‫الدّر المختار ‪ ، 5/419‬وقال ابن عابدين ‪ ]:‬مطلب القضاء يقبل التقييد‬
‫والتعليق [ حاشية ابن عابدين ‪. 5/419‬‬
‫)‪ (11‬هو قاسم بن قطلوبغا بن عبد الله المعروف بقاسم المصري وقاسم‬
‫دث فقيه أصولي مؤرخ له مؤلفات كثيرة منها شرح قصيدة ابن‬ ‫الحنفي ‪ ،‬مح ّ‬
‫فرح الشبيلي في أصول الحديث ‪ ،‬شرح درر البحار في الفقه الحنفي ‪ ،‬شرح‬
‫مصابيح السنة للبغوي ‪ ،‬تاج التراجم في طبقات فقهاء الحنفية وغيرها ‪ ،‬توفي‬
‫سنة ‪ 879‬هـ ‪ ،‬انظر الفوائد البهية ص ‪ ، 167‬شذرات الذهب ‪ ، 7/326‬الضوء‬

‫‪135‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫اللمع ‪ ، 6/184‬معجم المؤلفين ‪. 2/648‬‬


‫)‪ (12‬نهاية ‪/190‬أ ‪.‬‬

‫)‪(21 /‬‬

‫ابن الهمام )‪ ،(1‬قال أبو العباس أحمد بن إدريس )‪ (2‬هل يجب على الحاكم‬
‫أن ل يحكم إل بالراجح عنده ؟ كما يجب على المفتي أن ل يفتي إل بالراجح‬
‫عنده ‪ .‬أو له أن يحكم بأحد القولين وإن لم يكن راجحا ً عنده ‪.‬‬
‫جوابه ‪ :‬أن الحاكم إن كان مجتهدا ً فل يجوز له أن يحكم ] أو [)‪ (3‬يفتي إل‬
‫بالراجح عنده ‪.‬‬
‫ً‬
‫وإن كان مقلدا جاز له أن يفتي بالمشهور في مذهبه ‪ ،‬وأن يحكم به ‪ ،‬وإن لم‬
‫يكن راجحا ً عنده ‪ ،‬مقلدا ً في رجحان القول المحكوم به إمامه الذي يقلده‬
‫في الفتوى ‪.‬‬
‫ً‬
‫وأما اتباع الهوى في الحكم والفتيا فحرام إجماعا )‪.(4‬‬
‫وأما الحكم والفتيا بما هو مرجوح فخلف الجماع )‪.(5‬‬
‫قال في كتاب أصول القضية )‪ (6‬لليعمري )‪ (7‬رحمه الله ‪ :‬من لم يقف على‬
‫المشهور من الروايتين أو القولين ‪ ،‬فليس له التشهي والحكم بما يشاء منهما‬
‫‪ ،‬من غير نظر في الترجيح )‪.(8‬‬
‫وقال المام أبو عمرو )‪… (9‬‬
‫في كتاب ] أدب [ )‪ (10‬المفتي ‪ :‬إعلم أن من يكتفي بأن يكون ] في [ )‪(11‬‬
‫ل أو وجه في المسألة ويعمل بما يشاء من القوال‬ ‫فتياه أو عمله موافقا ً لقو ٍ‬
‫أو الوجوه ‪ ،‬من غير نظرٍ في الترجيح فقد جهل وخرق الجماع ‪.‬‬
‫وحكى الباجي )‪ (12‬أنه وقعت له واقعة ‪ ،‬فأفتي فيها بما يضّره فلما سألهم‬
‫قالوا ‪ :‬ما علمنا أنها لك ‪ ،‬وأفتوه بالرواية التي توافق قصده ‪.‬‬
‫قال الباجي ‪ :‬وهذا ل خلف بين المسلمين ممن يعتد به في الجماع أنه ل‬
‫يجوز )‪.(13‬‬
‫قال في أصول القضية ‪ :‬ول فرق بين المفتي والحاكم إل أن المفتي مخبر‬
‫بالحكم والقاضي يلزم به )‪.(14‬‬
‫] العمل عند وجود قولين مصححين في المذهب [‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬هو محمد بن عبد الواحد بن عبد الحميد كمال الدين المعروف بابن‬
‫الهمام السكندري السيواسي الحنفي الفقيه الصولي ‪ ،‬له مؤلفات منها‬
‫التحرير في أصول الفقه وشرح فتح القدير على الهداية وزاد الفقير‬
‫والمسايرة ‪ ،‬توفي سنة ‪ 861‬هـ ‪ ،‬انظر الفوائد البهية ص ‪ ، 296‬شذرات‬
‫الذهب ‪ ، 7/298‬الضوء اللمع ‪ ، 8/127‬معجم المؤلفين ‪. 3/469‬‬
‫)‪ (2‬هو أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن الصنهاجي المشهور بالقرافي‬
‫سر له مؤلفات منها نفائس الصول شرح‬ ‫الفقيه المالكي الصولي المف ّ‬
‫المحصول والفروق والحكام في تمييز الفتاوى عن الحكام والذخيرة في‬
‫الفقه وغيرها ‪ ،‬توفي سنة ‪ 684‬هـ ‪ ،‬انظر شجرة النور الزكية ص ‪، 188‬‬
‫معجم المؤلفين ‪ ، 1/100‬العلم ‪.1/94‬‬
‫)‪ (3‬في النسخة ] وَ [ وما أثبته من الحكام للقرافي ‪.‬‬
‫)‪ (4‬الحكام في تمييز الفتاوى عن الحكام وتصرفات القاضي والمام‬
‫للقرافي ص ‪. 92‬‬
‫)‪ (5‬المصدر السابق ص ‪ ، 93‬وقد نقل ابن عابدين كلم قاسم ابن قطلوبغا‬

‫‪136‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المتضمن لكلم القرافي في رسم المفتي ‪ ، 1/51‬وانظر فتح العلي المالك‬


‫‪.69 - 1/68‬‬
‫)‪ (6‬أصول القضية هو الكتاب المعروف بتبصرة الحكام في أصول القضية‬
‫ومناهج الحكام لبرهان الدين إبراهيم المعروف بابن فرحون اليعمري‬
‫المالكي المترجم له في الهامش التالي ‪ ،‬انظر كشف الظنون ‪. 1/295‬‬
‫)‪ (7‬هو برهان الدين إبراهيم بن علي بن محمد بن فرحون اليعمري المالكي‬
‫ض ولي قضاء المدينة النبوية ‪ ،‬له مؤلفات منها شرح مختصر ابن‬ ‫فقيه قا ٍ‬
‫الحاجب الفقهي ‪ ،‬تبصرة الحكام ‪ ،‬الديباج المذهب في أعيان المذهب ‪ ،‬توفي‬
‫سنة ‪ 799‬هـ ‪،‬انظر شجرة النور الزكية ص ‪ ، 222‬الدرر الكامنة في أعيان‬
‫المئة الثامنة ‪ ، 1/48‬معجم المؤلفين ‪. 1/48‬‬
‫)‪ (8‬تبصرة الحكام ‪ ، 1/57‬وقد نقل ابن عابدين كلم ابن فرحون في رسم‬
‫المفتي ‪ ، 1/11‬وانظر فتح العلي المالك ‪.65 /1‬‬
‫)‪ (9‬هو أبو عمرو بن الصلح عثمان بن عبد الرحمن الكردي الشهرزوري‬
‫سر نحوي له مؤلفات كثيرة‬ ‫دث فقيه أصولي مف ّ‬ ‫المعروف بابن الصلح ‪ ،‬مح ّ‬
‫منها علوم الحديث المعروف بمقدمة ابن الصلح أدب المفتي والمستفتي ‪،‬‬
‫طبقات الشافعية ‪ ،‬معرفة المؤتلف والمختلف في أسماء الرجال وغير ذلك‬
‫توفي سنة ‪ 643‬هـ ‪ ،‬انظر سير أعلم النبلء ‪ ، 23/140‬شذرات الذهب‬
‫‪ ، 5/221‬كشف الظنون ‪ ، 1/101‬معجم المؤلفين ‪. 2/361‬‬
‫)‪ (10‬ما أثبته من تبصرة الحكام وفي النسخة ] آداب [ وهو الكتاب المعروف‬
‫بأدب المفتي والمستفتي وهو مختصر نافع ‪ ،‬انظر كشف الظنون ‪. 1/101‬‬
‫)‪ (11‬ليست في النسخة وما أثبته من أدب المفتي ‪.‬‬
‫)‪ (12‬هو سليمان بن خلف بن سعد أبو الوليد الباجي المالكي فقيه أصولي‬
‫سر شاعر أديب له مؤلفات كثيرة منها إحكام الفصول في أحكام‬ ‫دث مف ّ‬‫مح ّ‬
‫الصول ‪ ،‬الحدود في الصول ‪ ،‬المنتقى شرح الموطأ الناسخ والمنسوخ‬
‫وغيرها ‪ ،‬توفي سنة ‪ 474‬هـ وقيل غير ذلك ‪ ،‬انظر شجرة النور الزكية ص‬
‫‪ 120‬سير أعلم النبلء ‪ ، 18/535‬معجم المؤلفين ‪. 788 /1‬‬
‫)‪ (13‬انظر كلم أبي عمرو بن الصلح وكلم الباجي في أدب المفتي ص‬
‫‪ 153 - 152‬ضمن الموسوعة في آداب الفتوى وانظر تبصرة الحكام ‪، 1/57‬‬
‫فتح العلي المالك ‪ ، 1/65‬الموافقات ‪.140 - 139 /4‬‬
‫)‪ (14‬تبصرة الحكام ‪ ، 1/58‬وانظر الفروق ‪، 4/54‬الحكام للقرافي ص ‪، 31‬‬
‫إعلم الموقعين ‪ ، 1/36‬رسم المفتي ‪ ، 1/11‬الدّر المختار مع حاشية ابن‬
‫عابدين ‪1/74‬‬

‫)‪(22 /‬‬

‫فإن قلت ‪ :‬إذا كان في المسألة تصحيحان ‪ ،‬كيف يفعل المفتي والقاضي ؟‬
‫قلت ‪ :‬قد صرحوا في مثل هذا بأن المفتي مخّير في الخذ بأحدهما ‪ ،‬وممن‬
‫صّرح بذلك صاحب البحر )‪.(1‬‬
‫وقد صّرحوا به في مسألة وقف المشاع )‪ ،(2‬بأن فيه قولين ‪ ،‬قول محمد‬
‫بعدم الصحة وصحح ‪.‬‬
‫وقول أبي يوسف بالصحة وصحح ‪ ،‬فقالوا لو قضى القاضي بصحته جاز‬
‫ونفذ ‪ ،‬لوقوعه موافقا ً لما صحح من قول أبي يوسف )‪.(3‬‬
‫ثم قال في الكنز )‪:(4‬‬
‫ومشاع قضي بجوازه )‪ ،(5‬لن القاضي إذا قضى‬

‫‪137‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بقول مصحح نفذ قضاؤه وارتفع الخلف )‪.(6‬‬


‫وقضية هذا حيث وجدنا لقول أبي حنيفة من صححه أن المفتي مخّير بين‬
‫الفتاء بقول أبي يوسف المصحح وبقوله )‪.(7‬‬
‫لكن في مسألتنا لم نقف على من قال إن الفتوى على قوله ‪ ،‬وإنما قالوا‬
‫كان يفتي به فلن ‪.‬‬
‫] ألفاظ الترجيح عند الحنفية [‬
‫وقولهم الفتوى على قول أبي يوسف في كثير من المعتبرات ‪ ،‬أقوى وأصرح‬
‫منه ‪ ،‬فقد صرح بعض المحققين )‪ (8‬في بعض مصنفاته بأن لفظ الفتوى آكد‬
‫من لفظ‬
‫هو الصحيح ونحوه )‪. (9‬‬
‫فإن ألفاظ الترجيح )‪ (10‬على ما قالوا ‪:‬‬
‫عليه الفتوى‬
‫به يفتى‬
‫عليه العتماد‬
‫وهو الصحيح‬
‫هو الصح‬
‫هو الشبه‬
‫هو المختار‬
‫ول عليه‬‫يع ّ‬
‫ول‬‫عليه المع ّ‬
‫به نأخذ‬
‫وهو المعتمد‬
‫هو الراجح‬
‫ونحو ذلك )‪(11‬‬
‫والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب ‪ ،‬وإليه المرجع والمآب وصلى الله على‬
‫سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم‬
‫تمت الرسالة بعون الله تعالى‬
‫الفهارس‬
‫فهرس العلم الواردة أسماؤهم في متن المخطوطة‬
‫فهرس الكتب الواردة في متن المخطوطة‬
‫فهرس النقود الواردة في متن المخطوطة‬
‫فهرس المصادر والمراجع‬
‫فهرس المحتويات‬
‫فهرس العلم الواردة أسماؤهم في متن المخطوطة‬
‫العلم ‪ ...‬الصفحة‬
‫أبو الليث ‪90 ...‬‬
‫أبو عمرو بن الصلح ‪95 ...‬‬
‫أبو يوسف ‪73 ...‬‬
‫ابن الهمام ‪94 ...‬‬
‫السبيجاني ‪86 ...‬‬
‫المام أبو حنيفة ‪71 ...‬‬
‫المام العظم والخاقان الفخم ‪73 ...‬‬
‫الباجي ‪96 ...‬‬
‫الحسن بن زياد ‪91 ...‬‬

‫‪138‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الشافعي ‪91 ...‬‬


‫الشيخ المام الجل الستاذ ‪87 ...‬‬
‫القرافي ‪94 ...‬‬
‫اليعمري ‪95 ...‬‬
‫زفر بن الهذيل ‪90 ...‬‬
‫شيخنا في بحره ابن نجيم ‪85 ...‬‬
‫صاحب الخلصة ‪88 ...‬‬
‫قاسم بن قطلوبغا ‪93 ...‬‬
‫قاضي خان ‪86 ...‬‬
‫قاضي ظهير الدين ‪88 ...‬‬
‫محمد بن الحسن ‪77 ...‬‬
‫فهرس الكتب الواردة في متن المخطوطة‬
‫الكتاب ‪ ...‬الصفحة‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬البحر الرائق ‪ ، 5/218‬وانظر الدّر المختار ‪ ، 1/71‬حاشية ابن عابدين‬
‫‪. 72،4/363-1/71‬‬
‫)‪ (2‬وقف المشاع هو وقف ما لم يقسم ‪ ،‬انظر شرح فتح القدير ‪، 5/425‬‬
‫حاشية ابن عابدين ‪. 4/362‬‬
‫)‪ (3‬أجاز أبو يوسف وقف المشاع ‪ ،‬لن القسمة من تمام القبض ‪ .‬وقال‬
‫ح وقف المشاع لن أصل القبض عنده شرط ‪ ،‬انظر تفصيل ذلك‬ ‫محمد ل يص ّ‬
‫في شرح فتح القدير ‪ ، 5/425‬تبيين الحقائق ‪ ، 3/327‬البحر الرائق ‪-5/212‬‬
‫‪ ، 213،218‬حاشية ابن عابدين ‪. 362 ، 348 /4‬‬
‫)‪ (4‬يقصد كنز الدقائق في فروع الحنفية لبي البركات عبد الله بن أحمد‬
‫المعروف بحافظ الدين النسفي المتوفى سنة ‪ 710‬هـ ‪ ،‬لخص فيه كتاب‬
‫الوافي له ‪ ،‬والكنز من أشهر المتون المعتبرة عند الحنفية واعتنى به‬
‫العلماء ‪ ،‬وعليه شروح كثيرة منها تبيين الحقائق للزيلعي والبحر الرائق لبن‬
‫نجيم ‪ ،‬انظر كشف الظنون ‪ ، 2/434‬الجواهر المضية ‪ ، 2/294‬الفوائد البهية‬
‫ص ‪. 172‬‬
‫)‪ (5‬كنز الدقائق مع شرحه تبيين الحقائق ‪. 3/327‬‬
‫)‪ (6‬انظر حاشية ابن عابدين ‪ ، 362 /4‬رسم المفتي ‪. 39-38 /1‬‬
‫)‪ (7‬رسم المفتي ‪ ، 28-1/27‬حاشية ابن عابدين ‪. 72-1/71‬‬
‫)‪ (8‬لم أقف على المقصود جزما ً وقد ذكر الحصكفي أن شيخه خير الدين‬
‫الرملي قال في فتاويه ‪ ]:‬وبعض اللفاظ آكد من بعض فلفظ الفتوى آكد من‬
‫لفظ الصحيح والصح والشبه وغيرها ‪ .‬ولفظ وبه يفتى آكد من الفتوى عليه ‪،‬‬
‫والصح آكد من الصحيح والحوط آكد من الحتياط [ الدر المختار ‪. 73-1/72‬‬
‫وذكر ابن عابدين كلم الرملي السابق وأشار إلى أن ذلك مذكور في أول‬
‫المضمرات ‪ ،‬انظر رسم المفتي ‪. 1/38‬والمقصود بالمضمرات كتاب جامع‬
‫المضمرات والمشكلت ليوسف بن عمر بن يوسف الصوفي الكادوري‬
‫المعروف بنبيرة عمر بزار ‪ ،‬المتوفى سنة =‬
‫= ‪ 832‬هـ كما في كشف الظنون ‪ ،‬وذكر فيه ] وقد م فيه بيان العلمات‬
‫المعلمة على الفتاء [ كشف الظنون ‪ ، 2/522‬وانظر أيضا ً نفس المصدر‬
‫‪ ، 1/453،2/580‬فلعل المقصود بقول المصنف‬
‫] فصرح بعض المحققين [ هو الكادوري حيث إنه متقدم على المصنف كما‬
‫أن المصنف قد استعمل كتاب المضمرات ونقل منه ‪ ،‬انظر ص ‪ 81‬حيث‬

‫‪139‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عرفت بكتاب المضمرات ‪.‬‬


‫)‪ (9‬انظر ملتقى البحر ‪ ، 1/10‬الدّر المختار وحاشية ابن عابدين ‪، 74-1/72‬‬
‫رسم المفتي ‪ 1/38‬المذهب عند الحنفية ص ‪. 89-88‬‬
‫)‪ (10‬وهي العلمات الصطلحية التي اصطلح عليها الحنفية في كتبهم‬
‫يميزون بها القول المعتمد من غيره والقول الراجح من المرجوح ‪ ،‬انظر‬
‫المذهب عند الحنفية ص ‪. 88‬‬
‫صل ابن عابدين الكلم على الفاظ الترجيح في رسالته رسم المفتي‬ ‫)‪ (11‬ف ّ‬
‫‪ ، 39-1/38‬وانظر الدر المختار مع حاشية ابن عابدين ‪ ، 74-1/72‬المذهب‬
‫عند الحنفية ص ‪. 89-88‬‬

‫)‪(23 /‬‬

‫أدب المفتي ‪96 ...‬‬


‫أصول القضية ‪95 ...‬‬
‫البحر الرائق ‪85 ...‬‬
‫التتمة ‪78 ...‬‬
‫التهذيب ‪80 ...‬‬
‫الحاوي القدسي ‪90 ...‬‬
‫الحقائق ‪79 ...‬‬
‫الخلصة ‪85 ...‬‬
‫الذخيرة ‪78 ...‬‬
‫شرح فتح القدير ‪83 ...‬‬
‫الصحاح ‪80 ...‬‬
‫الفتاوى البزازية ‪84 ...‬‬
‫الفتاوى التتارخانية ‪89 ...‬‬
‫كنز الدقائق ‪97 ...‬‬
‫مجمع الفتاوى ‪87 ...‬‬
‫المحيط ‪78 ...‬‬
‫المصباح المنير ‪79 ...‬‬
‫المضمرات ‪82 ...‬‬
‫المنتقى ‪84 ...‬‬
‫الهداية ‪81 ...‬‬
‫فهرس النقود الواردة في متن المخطوطة‬
‫العملة ‪ ...‬الصفحة‬
‫الدراهم ‪75 ...‬‬
‫الشرفيات ‪72 ...‬‬
‫الشواهي ‪72 ...‬‬
‫العدالى ‪87 ...‬‬
‫الفلوس ‪75 ...‬‬
‫المصادر والمراجع‬
‫أبو حنيفة ‪ /‬محمد أبو زهرة ‪ /‬ط ‪ / 2‬دار الفكر العربي ‪ /‬القاهرة ‪.‬‬
‫أثر انهيار قيمة الوراق النقدية على المهور ‪ /‬الشيخ فيصل المولوي ‪ /‬ط ‪1‬‬
‫المكتب السلمي ‪ /‬بيروت ‪.‬‬
‫الحكام في تمييز الفتاوى عن الحكام وتصرفات القاضي والمام ‪ /‬شهاب‬

‫‪140‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الدين أحمد بن إدريس القرافي ‪ /‬تحقيق عبد الفتاح أبو غدة ‪ /‬ط ‪ / 2‬مكتب‬
‫المطبوعات السلمية ‪ /‬حلب ‪.‬‬
‫الختيار لتعليل المختار ‪ /‬عبد الله بن محمود الموصلي ‪ /‬دار المعرفة ‪ /‬بيروت‬
‫‪.‬‬
‫أدب المفتي والمستفتي ‪ /‬أبو عمرو بن الصلح ‪ /‬ضمن الموسوعة في آداب‬
‫الفتوى ‪ /‬د‪ .‬أحمد حسون ‪ /‬ط ‪. 1‬‬
‫العلم ‪ /‬خير الدين الزركلي ‪ /‬ط ‪ / 12‬دار العلم للمليين ‪ /‬بيروت ‪.‬‬
‫إعلم الموقعين عن رب العالمين ‪ /‬ابن القيم ‪ /‬دار الجيل ‪ /‬بيروت ‪.‬‬
‫أعلم من أرض السلم ‪ /‬عرفان أبو حمد ‪ /‬حيفا ‪.‬‬
‫الموال ‪ /‬أبو عبيد القاسم بن سلم ‪ /‬دار الفكر ‪ /‬بيروت ‪.‬‬
‫النتقاء في فضائل الئمة الثلثة الفقهاء ‪ /‬الحافظ ابن عبد البر ‪ /‬حققه عبد‬
‫الفتاح أبو غدة ‪ /‬ط ‪ / 1‬مكتب المطبوعات السلمية ‪ /‬حلب ‪.‬‬
‫النصاف في معرفة الراجح من الخلف ‪ /‬علء الدين المرداوي ‪ /‬دار إحياء‬
‫التراث العربي ‪ /‬بيروت ‪.‬‬
‫الوراق النقدية في القتصاد السلمي ‪ /‬أحمد حسن ‪ /‬دار الفكر ‪ /‬بيروت ‪.‬‬
‫إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون ‪ /‬إسماعيل باشا البغدادي ‪ /‬دار‬
‫الفكر ‪.‬‬
‫اليضاح والتبيان في معرفة المكيال والميزان ‪ /‬نجم الدين بن الرفعة ‪/‬‬
‫تحقيق د‪ .‬محمد الخاروف ‪ /‬دار الفكر ‪.‬‬
‫البحر الرائق شرح كنز الدقائق ‪ /‬ابن نجيم الحنفي ‪ /‬دار الكتب العربية‬
‫بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ‪ /‬علء الدين الكاساني ‪ /‬مؤسسة التاريخ‬
‫العربي ‪.‬‬
‫بلدنا فلسطين ‪ /‬مصطفى مراد الدباغ ‪ /‬دار الشفق للنشر والتوزيع ‪.‬‬
‫بلغة السالك لقرب المسالك ‪ /‬أحمد الصاوي ‪ /‬دار الفكر ‪.‬‬
‫تاج العروس من جواهر القاموس ‪ /‬مرتضى الزبيدي ‪ /‬دار الفكر ‪.‬‬
‫تاريخ الجبرتي ) تاريخ عجائب الثار في التراجم والخبار (‪ /‬عبد الرحمن‬
‫الجبرتي ‪ /‬دار الجيل ‪ /‬بيروت ‪.‬‬
‫تاريخ الدولة العلية العثمانية ‪ /‬محمد فريد وجدي ‪ /‬دار الجيل ‪.‬‬
‫تاريخ سلطين آل عثمان ‪ /‬يوسف آصف ‪ /‬تحقيق بسام الجابي ‪ /‬دار‬
‫البصائر ‪.‬‬
‫تبصرة الحكام في أصول القضية ومناهج الحكام ‪ /‬برهان الدين بن فرحون ‪/‬‬
‫دار الكتب العلمية ‪.‬‬
‫تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق ‪ /‬فخر الدين عثمان الزيلعي ‪ /‬دار المعرفة ‪.‬‬
‫التعارض والترجيح بين الدلة الشرعية ‪ /‬عبد اللطيف البرزنجي ‪ /‬دار الكتب‬
‫العلمية ‪.‬‬
‫ي اللكنوي ‪ /‬دار الرقم ‪.‬‬ ‫التعليقات السنية على الفوائد البهية ‪ /‬محمد عبد الح ّ‬
‫تغير قيمة العملة في الفقه السلمي ‪ /‬د‪ .‬عجيل النشمي ‪ /‬ضمن مجلة‬
‫المجمع الفقهي السلمي ‪.‬‬
‫تنبيه الرقود على مسائل النقود ‪ /‬محمد أمين الشهير بابن عابدين ‪ /‬ضمن‬
‫مجموعة رسائل ابن عابدين ‪ /‬دار إحياء التراث العربي ‪.‬‬
‫تهذيب السماء واللغات ‪ /‬محيي الدين النووي ‪ /‬دار الكتب العلمية ‪.‬‬
‫الجواهر المضية في طبقات الحنفية ‪ /‬عبد القادر القرشي ‪ /‬تحقيق د‪ .‬عبد‬
‫الفتاح الحلو ‪ /‬مؤسةة الرسالة ‪.‬‬
‫حاشية ابن عابدين ) رد المحتار على الدر المختار (‪ /‬محمد أمين الشهير بابن‬

‫‪141‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عابدين ‪ /‬مطبعة مصطفى البابي الحلبي ‪.‬‬


‫حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ‪ /‬شمس الدين محمد عرفه الدسوقي ‪/‬‬
‫دار إحياء الكتب العربية ‪.‬‬
‫حاشية الرهوني على شرح الزرقاني لمختصر خليل وبهامشه حاشية‬
‫المدني ‪ /‬دار الفكر ‪.‬‬
‫حاشية الشلبي على تبيين الحقائق ‪ /‬شهاب الدين أحمد الشلبي ‪ /‬دار‬
‫المعرفة ‪.‬‬
‫الحاوي الكبير ‪ /‬أبو الحسن بن علي الماوردي ‪ /‬دار الكتب العلمية ‪.‬‬
‫حجة الله البالغة ‪ /‬شاه ولي الله الدهلوي ‪ /‬دار الكتب العلمية ‪.‬‬
‫الحقيقة والمجاز في الرحلة إلى بلد الشام ومصر والحجاز ‪ /‬الشيخ عبد‬
‫الغني النابلسي ‪.‬‬
‫خلصة الثر في أعيان القرن الحادي عشر ‪ /‬المحبي ‪.‬‬
‫دائرة المعارف السلمية ‪ /‬مترجم إلى العربية ‪ /‬طبعة طهران ‪.‬‬
‫الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة ‪ /‬الحافظ ابن حجر العسقلني ‪ /‬دار‬
‫الجيل ‪.‬‬
‫الدر المختار شرح تنوير البصار ‪ /‬علء الدين الحصكفي ‪ /‬مطبعة الحلبي ‪.‬‬
‫ديوان السلم ‪ /‬شمس الدين أبو المعالي ابن الغزي ‪ /‬حققه السيد كسروي‬
‫حسن ‪ /‬دار الكتب العلمية ‪.‬‬
‫رسم المفتي ‪ /‬محمد أمين الشهير بابن عابدين ‪ /‬ضمن مجموعة رسائل ابن‬
‫عابدين ‪ /‬دار إحياء التراث العربي‪.‬‬

‫)‪(24 /‬‬

‫سير أعلم النبلء ‪ /‬محمد بن أحمد الذهبي ‪ /‬تحقيق شعيب الرناؤوط ‪/‬‬
‫مؤسسة الرسالة ‪.‬‬
‫الشافعي ‪ /‬محمد أبو زهرة ‪ /‬دار الفكر العربي ‪.‬‬
‫شجرة النور الزكية ‪ /‬محمد بن محمد مخلوف ‪ /‬دار الفكر ‪.‬‬
‫شذرات الذهب في أخبار من ذهب ‪ /‬عبد الحي بن العماد الحنبلي ‪ /‬دار‬
‫الفاق الجديدة ‪.‬‬
‫شرح الخرشي على مختصر سيدي خليل ‪ /‬محمد الخرشي المالكي ‪ /‬دار‬
‫صادر ‪.‬‬
‫الشرح الكبير على سيدي خليل ‪ /‬أحمد الدردير ‪ /‬دار إحياء الكتب العربية ‪.‬‬
‫شرح الكوكب المنير ‪ /‬محمد بن أحمد الفتوحي ‪ /‬المعروف بابن النجار ‪/‬‬
‫تحقيق د‪ .‬محمد الزحيلي و د‪ .‬نزيه حماد ‪ /‬دار الفكر ‪.‬‬
‫شرح المحلي على جمع الجوامع ‪ /‬جلل الدين محمد بن أحمد المحلي ‪/‬‬
‫مطبعة مصطفى البابي الحلبي ‪.‬‬
‫شرح فتح القدير على الهداية ‪ /‬كمال الدين بن الهمام ‪ /‬دار إحياء التراث‬
‫العربي ‪.‬‬
‫شرح منتهى الرادات ‪ /‬البهوتي الحنبلي ‪ /‬دار الفكر ‪.‬‬
‫الصحاح ‪ /‬إسماعيل بن حماد الجوهري ‪ /‬دار العلم للمليين ‪.‬‬
‫صحيح مسلم ‪ /‬مسلم بن الحجاج القشيري ‪ /‬دار الخير ‪.‬‬
‫الضوء اللمع لهل القرن التاسع ‪ /‬شمس الدين محمد السخاوي ‪ /‬دار مكتبة‬
‫الحياة ‪.‬‬
‫طبقات الشافيعة الكبرى ‪ /‬تاج الدين عبد الوهاب بن السبكي ‪ /‬تحقيق‬

‫‪142‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫محمود الطناحي وعبد الفتاح الحلو ‪.‬‬


‫الفتاوى البزازية ‪ /‬ابن البزاز الكردري ‪ /‬دار الفكر ‪.‬‬
‫الفتاوى الخانية ‪ /‬قاضي خان ‪ /‬دار الفكر ‪.‬‬
‫الفتاوى الهندية ‪ /‬جماعة من علماء الهند ‪ /‬دار الفكر ‪.‬‬
‫فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب المام مالك ‪ /‬محمد أحمد عليش ‪/‬‬
‫مطبعة مصطفى الحلبي ‪.‬‬
‫فتح الغفار شرح المنار ‪ /‬زين الدين بن نجيم الحنفي ‪ /‬مطبعة مصطفى‬
‫الحلبي ‪.‬‬
‫الفروق ‪ /‬شهاب الدين أحمد القرافي ‪ /‬دار المعرفة ‪.‬‬
‫ي اللكنوي ‪ /‬دار الرقم ‪.‬‬ ‫الفوائد البهية في تراجم الحنفية ‪ /‬عبد الح ّ‬
‫فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت ‪ /‬محب الله بن عبد الشكور ‪ /‬دار الكتب‬
‫العلمية ‪.‬‬
‫قاعدة المثلي والقيمي في الفقه السلمي ‪ /‬د ‪ .‬علي محي الدين القرة‬
‫داغي ‪ /‬دار العتصام ‪.‬‬
‫القدس في العصر المملوكي ‪ /‬علي السيد علي ‪ /‬دار الفكر ‪.‬‬
‫قطع المجادلة عند تغيير المعاملة ‪ /‬جلل الدين السيوطي ضمن الحاوي‬
‫للفتاوي ‪ /‬دار الكتب العلمية ‪.‬‬
‫كشاف القناع عن متن القناع ‪ /‬منصور البهوتي الحنبلي ‪ /‬دار الفكر ‪.‬‬
‫كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون ‪ /‬مصطفى بن عبد الله المعروف‬
‫بحاجي خليفة ‪ /‬دار الفكر ‪.‬‬
‫كنز الدقائق ‪ /‬حافظ الدين النسفي ‪ /‬دار المعرفة ‪.‬‬
‫الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة ‪ /‬نجم الدين الغزي ‪ /‬تحقيق جبرائل‬
‫جبور ‪ /‬دار الفاق الجديدة ‪.‬‬
‫لسان العرب ‪ /‬ابن منظور ‪ /‬تعليق علي شيري ‪ /‬دار إحياء التراث العربي ‪.‬‬
‫المبسوط ‪ /‬شمس الئمة السرخسي ‪ /‬دار الكتب العلمية ‪.‬‬
‫المجموع شرح المهذب ‪ /‬محي الدين يحيى النووي ‪ /‬دار الفكر ‪.‬‬
‫المحصول في علم أصول الفقه ‪ /‬فخر الدين الرازي ‪ /‬تحقيق طه العلواني ‪/‬‬
‫مطابع الفرزدق ‪.‬‬
‫المذهب عند الحنفية ‪ /‬د‪ .‬محمد إبراهيم علي ‪ /‬مطابع الصفا ‪.‬‬
‫مراصد الطلع على أسماء المكنة والبقاع ‪ /‬صفي الدين عبد المؤمن‬
‫البغدادي ‪ /‬تحقيق علي محمد البجاوي ‪ /‬دار المعرفة ‪.‬‬
‫المصباح المنير في غريب الشرح الكبير ‪ /‬أحمد بن محمد الفيومي ‪ /‬المكتبة‬
‫العلمية ‪.‬‬
‫معجم المؤلفين ‪ /‬عمر رضا كحالة ‪ /‬مؤسسة الرسالة ‪.‬‬
‫المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى علماء إفريقا والندلس والمغرب‬
‫‪ /‬أحمد بن يحيى الونشريسي ‪ /‬دار الغرب السلمي ‪.‬‬
‫المغني على مختصر الخرقي ‪ /‬عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي ‪/‬‬
‫مطبعة الفجالة الجديدة ‪.‬‬
‫ملتقى البحر ‪ /‬إبراهيم بن محمد الحلبي ‪ /‬مؤسسة الرسالة ‪.‬‬
‫الموافقات في أصول الشريعة ‪ /‬أبو إسحاق الشاطبي ‪ /‬دار المعرفة ‪.‬‬
‫الموسوعة العربية الميسرة ‪ /‬إشراف محمد شفيق غربال ‪ /‬دار إحياء التراث‬
‫العربي ‪.‬‬
‫الموسوعة الفقهية الكويتية ‪ /‬وزارة الوقاف الكويتية ‪ /‬مطبعة ذات السلسل‬
‫‪.‬‬

‫‪143‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ميزانيات الشام في القرن السادس عشر ‪ /‬د‪ .‬خليل ساحلي ‪ /‬بحث منشور‬
‫ضمن أبحاث المؤتمر الدولي لتاريخ بلد الشام ‪ /‬الدار المتحدة للنشر ‪.‬‬
‫نزهة النفوس في حكم التعامل بالفلوس ‪ /‬أبو العباس شهاب الدين أحمد‬
‫الشهير بابن الهائم ‪ /‬دار الكتب العلمية ‪.‬‬
‫النقود الئتمانية ‪ /‬إبراهيم بن صالح العمر ‪ /‬دار العاصمة ‪.‬‬
‫النقود العربية ‪ /‬أنستاس الكرملي ‪ /‬الناشر محمد أمين دمج ‪ /‬بيروت ‪.‬‬
‫النقود العربية الفلسطينية ‪ /‬سليم عرفات المبيض ‪ /‬الهيئة المصرية العامة‬
‫للكتاب ‪.‬‬
‫الهداية شرح البداية ‪ /‬برهان الدين علي بن أبي بكر المرغيناني ‪ /‬دار إحياء‬
‫التراث العربي ‪.‬‬
‫هدية العارفين أسماء المؤلفين وآثار المصنفين ‪ /‬إسماعيل باشا البغدادي ‪/‬‬
‫دار الفكر ‪.‬‬
‫فهرس المحتويات‬
‫الموضوع ‪ ...‬رقم الصفحة‬
‫مقدمة المحقق ‪5 ...‬‬
‫القسم الول الدراسة ‪11 ...‬‬
‫تمهيد نبذة موجزة عن دراسات الفقهاء لمسائل النقود قديما ً وحديثا ًً ‪13 ...‬‬
‫الرسائل المؤلفة في مسائل النقود ‪16 ...‬‬
‫الدراسات المعاصرة لمسائل النقود ‪21 ...‬‬
‫كتب حديثة بحثت مسائل النقود خاصة ‪23 ...‬‬

‫)‪(25 /‬‬

‫كتب حديثة أخرى تعرضت لمسألة تغير قيمة العملة ‪24 ...‬‬
‫المبحث الول الدراسة حول المصنف التمرتاشي ‪26 ...‬‬
‫المطلب الول ‪ :‬اسمه ونسبه ‪26 ...‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬مولده ونشأته ‪27 ...‬‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬رحلته ‪27 ...‬‬
‫المطلب الرابع ‪ :‬شيوخه ‪28 ...‬‬
‫المطلب الخامس ‪ :‬ثناء العلماء عليه ‪30 ...‬‬
‫المطلب السادس ‪ :‬تلميذه ‪31 ...‬‬
‫المطلب السابع ‪ :‬العائلة التمرتاشية ‪37 ...‬‬
‫المطلب الثامن ‪ :‬مؤلفاته ‪40 ...‬‬
‫أول ً ‪ :‬في الفقه ‪40 ...‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬مؤلفاته في أصول الفقه ‪46 ...‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬مؤلفاته في العقيدة ‪46 ...‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬مؤلفاته في النحو والصرف ‪48 ...‬‬
‫خامسا ً ‪ :‬رسائل في موضوعات متفرقة ‪48 ...‬‬
‫المطلب التاسع ‪ :‬وفاته ‪49 ...‬‬
‫المبحث الثاني دراسة حول رسالة بذل المجهود ‪51 ...‬‬
‫المطلب الول عنوان الرسالة ونسبتها إلى مؤلفها التمرتاشي ‪51 ...‬‬
‫المطلب الثاني أهمية الرسالة وموضوعاتها ‪53 ...‬‬
‫المطلب الثالث وصف النسخة المخطوطة ‪62 ...‬‬
‫المطلب الرابع منهج التحقيق ‪63 ...‬‬

‫‪144‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صور المخطوطة ‪66 ...‬‬


‫ً‬ ‫ً‬
‫القسم الثاني ‪ :‬نص الرسالة محققا ومعلقا عليه ‪69 ...‬‬
‫ذكر سبب تأليف الرسالة ‪72 ...‬‬
‫الكساد العام للنقود ‪75 ...‬‬
‫الكساد الجزئي للنقود ‪80 ...‬‬
‫انقطاع النقود ‪81 ...‬‬
‫غلء النقود ورخصها ‪83 ...‬‬
‫الفتوى على قول أبي يوسف في لزوم القيمة ‪85 ...‬‬
‫العمل عند اختلف أقوال أئمة المذهب الحنفي ‪89 ...‬‬
‫العمل بالراجح وترك المرجوح ‪92 ...‬‬
‫العمل عند وجود قولين مصححين في المذهب ‪97 ...‬‬
‫ألفاظ الترجيح عند الحنفية ‪98 ...‬‬
‫الفهارس ‪101 ...‬‬
‫فهرس العلم الواردة أسماؤهم في متن المخطوطة ‪102 ...‬‬
‫فهرس الكتب الواردة في متن المخطوطة ‪104 ...‬‬
‫فهرس النقود ‪106 ...‬‬
‫المصادر ‪107 ...‬‬
‫فهرس المحتويات ‪116 ...‬‬
‫تمت‬

‫)‪(26 /‬‬

‫براءة الحنفية من الفرق البدعية ) ‪( 2 - 1‬‬


‫أبو إبراهيم الرئيسي الحنفي‬
‫الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره‪ ،‬ونعوذ بالله من شرور‬
‫مضل له ومن يضلل فل هادي له‪،‬‬ ‫أنفسنا وسيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده الله فل ُ‬
‫ً‬
‫وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له‪ ،‬وأشهد أن محمدا عبده ورسوله‪.‬‬
‫ما بعد؛‬‫أ ّ‬
‫فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى‬
‫آله وسلم ‪ ،-‬وشر المور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضللة‪.‬‬
‫وبعد؛‬
‫التمهيد‪:‬‬
‫فإن أعظم نعم الله ‪ -‬عز وجل ‪ -‬على هذه المة أن أنزل إليها خير كتبه‪،‬‬
‫ت‬
‫ج ْ‬ ‫مةٍ أ ُ ْ‬
‫خرِ َ‬
‫ُ‬
‫خي َْر أ ّ‬
‫وأرسل إليها أفضل خلقه وخاتم أنبيائه ورسله‪ ،‬وجعلها } َ‬
‫س{ ]آل عمران‪ [110 :‬ثم جعل الصحابة والتابعين وأتباعهم بالحق على‬ ‫ِللّنا ِ‬
‫بصيرة بفهم نصوص الكتاب والسنة والتمسك بهما والعتصام بهديهما‪ ،‬ثم‬
‫جعل من العلماء في كل عصر من دعا إلى كتاب الله والسنة‪ ،‬ليبددوا بهما‬
‫أرجاس الشركيات والوثنيات‪ ،‬ويبددوا بهما ظلمات البدع والخرافات ومنهم‬
‫الئمة الربعة‪ :‬أبو حنيفة‪ ،‬ومالك‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وأحمد‪ ،‬فكلهم متفقون على‬
‫وجوب التمسك بالكتاب والسنة والرجوع إليهما وترك كل قول يخالفهما؛‬
‫فهذا المام أبو حنيفة يقول‪" :‬إذا صح الحديث فهو مذهبي‪ " .‬ويقول‪" :‬ل يحل‬
‫لمن يفتي من كتبي أن يفتي حتى يعلم من أين قلت‪[1] " .‬‬
‫وهذا يقول المام مالك‪" :‬إنما أنا بشر أخطئ وأصيب‪ ،‬فانظروا في رأيي فكل‬
‫ما وافق الكتاب والسنة فخذوه‪ ،‬وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة‬

‫‪145‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فاتركوه‪[2] "...‬‬
‫وهذا الشافعي يقول‪" :‬إذا وجدتم في كتابي خلف سنة رسول الله ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬فقولوا بسنة رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ودعوا ما‬
‫قلت"‪ ،‬وفي رواية‪" :‬فاتبعوها ول تلتفتوا إلى قول أحد‪[3] " ...‬‬
‫وهذا المام أحمد يقول‪ " :‬من رد حديث رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫فهو على شفا هلكة‪ [4] " ...‬ويقول‪" :‬ل تقلدني ول تقلد مالكا ً ول الشافعي‬
‫ول الوزاعي ول الثوري وخذ من حيث أخذوا‪[5] " ...‬‬
‫تعصب الناس لبي حنيفة‪:‬‬
‫تلك أقوال الئمة ‪ -‬رضي الله عنهم ‪ -‬في المر التمسك بالسنة والنهي عن‬
‫مخالفتها‪ ،‬ومع ذلك فقد تعصب بعض الناس للئمة وخاصة للمام أبي حنيفة‪،‬‬
‫وخصوصا ً الكوثري الذي لقب بـ"مجنون أبي حنيفة"‪ ،‬ومنهم حتى قاربوا به‬
‫منازل النبيين والمرسلين‪ ،‬فزعموا أن التوراة بشرت به‪ ،‬فقد روى المكي‬
‫عن عبد الكريم بن مسفر أنه قال‪" :‬سمعت جماعة من أهل العلم يقولون‪:‬‬
‫مكتوب في التوراة صفة كعب الحبار والنعمان بن ثابت ومقاتل بن سليمان"‬
‫]‪ [6‬ومن ذلك زعم بعضهم أن محمدا ً ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ذكره باسمه‬
‫وبين أنه سراج أمته‪ ،‬ومن زعم ذلك أن الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫قال‪" :‬سيكون في أمتي رجل أسمه النعمان وكنيته أبو حنيفة هو سراج أمتي‬
‫هو سراج أمتي هو سراج أمتي" ]‪ [7‬واستدل بعض الحنفية به على فضل أبي‬
‫ورقي وقد شرحنا‬ ‫حنيفة‪ ،‬قال الخطيب‪" :‬هو حديث موضوع تفرد بروايته الب َ ْ‬
‫ورقي ]‪ ،[8‬ثم‬ ‫فيما تقدم‪ " .‬يشير إلى ما ذكره في ترجمة محمد بن سعيد الب َ ْ‬
‫ورقي قد وضع المناكير على الثقات ما ل يحصى وأفحشها روايته‬ ‫قال‪ :‬هذا الب َ ْ‬
‫عن بعض مشايخه‪ ،‬عن الفضل بن موسى السناني‪ ،‬عن محمد بن عمرو‪ ،‬عن‬
‫أبي سلمة ثم ذكر الحديث وقال على أثره هكذا حدث به في بلد خراسان‪،‬‬
‫ثم حدث به بالعراق وزاد فيه أنه قال‪" :‬سيكون في أمتي رجل يقال له محمد‬
‫بن إدريس فتنته على أمتي أضر من فتنة إبليس"‪ ،‬قال الخطيب بعده‪" :‬ما‬
‫كان أجرأ هذا الرجل على الكذب كأنه لم يسمع حديث رسول الله ‪ -‬صلى‬
‫ي متعمدا ً فليتبوأ مقعده من النار" نعوذ بالله‬ ‫الله عليه وسلم ‪" :-‬من كذب عل ّ‬
‫من غلبة الهوى ونسأله التوفيق لما يحب ويرضى‪[9] " .‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫كما أن بعضهم نعتوه بالصفات والمناقب ما عدوا به رتبته وتجاوزوا معه‬


‫درجته‪ ،‬ومن ذلك قول الحصكفي‪" :‬أن أبا حنيفة النعمان من أعظم معجزات‬
‫المصطفى بعد القرآن وحسبك من مناقبه اشتهار مذهبه‪ ،‬ما قال قول ً إل أخذ‬
‫ه الحكم لصحابه وأتباعه من زمنه إلى‬ ‫به إمام من الئمة العلم‪ ،‬قد جعل الل ُ‬
‫هذه اليام إلى أن يحكم بمذهبه عيسى ‪ -‬عليه السلم ‪ [10] " -‬وهذا القول‬
‫ل وغلو ظاهر وتنقص لنبي الله عيسى ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬إذ كيف يظن بنبي‬ ‫قو ّ ٌ‬
‫تَ َ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أن يتبع عالما مجتهدا؟! وقد رد ذلك قول ابن عابدين في حاشيته ونقل قول‬
‫السيوطي في رد ذلك وفيه‪ ..." :‬ما يقال إنه يحكم أي عيسى ‪ -‬عليه السلم‬
‫‪ -‬بمذهب من المذاهب الربعة باطل ل أصل له‪ .‬وكيف يظن بنبي أنه يقلد‬
‫مجتهدا ً مع أن المجتهد من آحاد هذه المة ل يجوز له التقليد‪ ،‬إنما يحكم‬
‫بالجتهاد‪ [11] " ...‬كما زعم الحصكفي أن سهل بن عبد الله التستري قال‪:‬‬
‫"لو كان في أمتي موسى وعيسى مثل أبي حنيفة لما تهودوا ولما تنصروا‪" .‬‬
‫]‪ [12‬ولهذا القول رد‪ ،‬فقد كانت في الحنفية أبو حنيفة نفسه‪ ،‬ومع ذلك فإن‬

‫‪146‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من الحنفية من أعتزل وتشيع وتجهم وانحرفوا عن السلم‪ ،‬فلو تهودوا أو‬
‫تنصروا لكان خيرا ً لهم من أن يتجهموا أو يعتزلوا أو يتشّيعوا‪ .‬والحرى أن هذا‬
‫كذب على سهل‪ ،‬وهو قول باطل في نفسه فقد عبد بنو إسرائيل عجل ً‬
‫وهارون نبي الله بينهم‪ ،‬وكذلك كفر من كفر منهم وعيسى ‪ -‬عليه السلم ‪-‬‬
‫م ال ْك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫م ْ‬‫ل َ‬ ‫فَر َقا َ‬ ‫من ْهُ ُ‬
‫سى ِ‬
‫عي َ‬
‫س ِ‬
‫ح ّ‬ ‫بين أظهرهم كما قال ‪ -‬تعالى ‪} :-‬فَل َ ّ‬
‫ما أ َ‬
‫َ‬
‫ه{ ]آل عمران‪ [52 :‬ومن ذلك قول الحصكفي‪" :‬وعنه ‪ -‬عليه‬ ‫صاِري إ َِلى الل ّ ِ‬
‫أن َ‬
‫السلم ‪ :-‬إن سائر النبياء يفتخرون بي‪ ،‬وأنا أفتخر بأبي حنيفة‪ ،‬من أحبه فقد‬
‫أحبني ومن أبغضه فقد أبغضني" ]‪ [13‬وهذا ل شك كذب محض ل يجوز ذكره‬
‫فضل ً عن اعتقاده‪.‬‬
‫مكانة أبو حنيفة العلمية‪:‬‬
‫فإنه ليس بالغريب أن يفترى على المام أبو حنيفة ‪ -‬رحمه الله تعالى ‪-‬‬
‫الكذب وذلك لمكانة علمية رفيعة‪ ،‬فقد أخذ من العلوم الشرعية نصيبا ً وافرا ً‬
‫فنبغ في العلوم الشرعية‪ ،‬ولقد كانت له قدرة على الفتاء والتدريس وحل‬
‫المشكلت الدقيقة التي تعرض عليه‪ .‬وكان له مع ذلك معرفة في علم الكلم‬
‫والجدل؛ إذ كانت معرفته تلك مرتبطة بنشأته بالكوفة؛ حيث كانت موطنا ً‬
‫لهل الهواء والملل والّنحل المختلفة‪ ،‬والفرق المتباينة‪ ،‬وإذا كان المجتمع‬
‫على هذه الشاكلة كثر فيه الجدل والمناظرات حول العقائد‪ .‬لذلك أنشغل‬
‫إمام السلفية أبو حنيفة ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬في بداية طلبه للعلم بعلم الكلم حتى‬
‫برع فيه ونبغ‪ ،‬وبلغ فيه مبلغا ً يشار إليه بالبيان‪ ،‬وكان به يجادل وعنه يناضل‪،‬‬
‫وكان يرتحل إلى البصرة لمناقشة أصحاب الخصومات‪ ،‬وهذا ما يدله قوله‪:‬‬
‫"كنت رجل ً أعطيت جدل ً في الكلم‪ ،‬فمضى دهر فيه أتردد‪ ،‬وبه أخاصم وعنه‬
‫أناضل‪ ،‬وكان أصحاب الخصومات والجدل أكثرهم بالبصرة‪ ،‬فدخلت البصرة‬
‫نيفا ً وعشرين مرة‪ [14] " ...‬وقال قبيصة بن عقبة‪" :‬كان المام أبو حنيفة ‪-‬‬
‫رحمه الله ‪ -‬في أول أمره يجادل أهل الهواء‪ ،‬حتى صار رأسا ً في ذلك‬
‫منظورا ً إليه‪ ،‬ثم ترك الجدل ورجع إلى الفقه والسّنة وصار إمامًا" ]‪[15‬‬
‫وهناك ممن ينتسب إلى الحنفية كالماتريدية يقول بأن إمام السلفية أبو‬
‫حنيفة لم يترك الكلم تركا ً كليا ً بعد أن فضح المتكلمين وأظهر عوراتهم‪ ،‬وهذا‬
‫الكلم فيه تخليط لن المام أبا حنيفة ترك علم الكلم تركا ً كليا ً وصرح بذلك‬
‫مبينا ً سبب الترك‪ ،‬حيث قال‪" :‬رأيت المشتغلين بالكلم قاسية قلوبهم‪،‬‬
‫غليظة أفئدتهم‪ ،‬ل يبالون بمخالفة الكتاب والسنة والسلف الصالح‪ ،‬ولو كان‬
‫عم إن‬ ‫خيرا ً لشتغل به السلف الصالحون‪ [16] " .‬وهذا القول يرد زعم من ز ِ‬
‫الماتريدية ليست إل استمرارا ً لمدرسة المام العظم‪ ،‬من غير أن يكون‬
‫بينهما إل فرق بسيط‪ ،‬ول يعتد به‪ [17] .‬فكيف يقال إن الماتريدية ليس إل‬
‫استمرارا ً لمدرسة المام أبي حنيفة والماتريدية خالفت أبا حنيفة في نفي‬
‫كثير من الصفات اللهية‪ ،‬والقول بكلم النفسي‪ ،‬وفي مسمى اليمان‪ ،‬وفي‬
‫مصادر الستدلل في العتقاد؟!‬

‫)‪(2 /‬‬

‫لم ينبغ المام في الكلم والجدال فحسب‪ ،‬فحين أراد الله بالمام خيرا ً ترك‬
‫علم الكلم والجدال‪ ،‬حتى أصبح إمام الفقه في عصره‪ ،‬ساعده على ذلك ما‬
‫فطره الله عليه من الذكاء والفطنة والسجايا الحسنة كالصبر والحلم‪ ،‬وهذه‬
‫المور كلها ساعدت على نبوغه؛ ففاق أقرانه والكثير من أهل عصره في هذا‬
‫العلم‪ ،‬فكان الناس عيال ً عليه‪ ،‬كما قال المام الشافعي‪" :‬من أراد أن يعرف‬

‫‪147‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الفقه؛ فليلزم أبا حنيفة وأصحابه؛ فإن الناس كلهم عيال عليه في الفقه‪] " .‬‬
‫‪ [18‬وقال عبد الله بن المبارك‪" :‬أبو حنيفة أفقه الناس" ]‪ [19‬وقال حفص‬
‫شعر" ]‪ [20‬وقد صدق حفص‬ ‫بن غياث‪" :‬كلم أبي حنيفة في الفقه أدق من ال ّ‬
‫بن غياث‪ ،‬فمن المسائل الفقهية الدقيقة التي عرضت على أبي حنيفة‪ ،‬ما‬
‫ذكره الصالحي عن وكيع قال‪" :‬كنا عند أبي حنيفة فأتته امرأة فقالت‪ :‬مات‬
‫أخي وخلف ستمائة دينار‪ ،‬فأعطوني منها دينارا ً واحدًا‪ ،‬قال‪ :‬ومن قسم‬
‫فريضتكم؟ قالت‪ :‬داود الطائي‪ .‬قال‪ :‬هو حقك أليس خّلف أخوك بنتين؟‬
‫مًا؟ قالت‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬وزوجة؟ قالت‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬واثني‬ ‫ُ‬
‫قالت‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬وأ ّ‬
‫عشر أخا ً وأختا ً واحدة؟ قالت‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬فإن للبنات الثلثين أربعمائة‪ ،‬وللم‬
‫السدس مائة‪ ،‬وللمرأة الثمن خمسة وسبعين‪ ،‬ويبقى خمسة وعشرون؛‬
‫ك دينار‪ [21] " .‬لذلك قال الذهبي‬ ‫للخوة أربعة وعشرون لكل أٍخ ديناران‪ ،‬ول ِ‬
‫في فقه أبي حنيفة‪" :‬المامة في الفقه ودقائقه مسلمة إلى هذا المام‪ ،‬وهذا‬
‫أمر ل شك فيه ثم أستشهد بهذا البيت‪:‬‬
‫وليس يصح في الذهان شيٌء *** إذا احتاج النهار إلى دليل ]‪[22‬‬
‫سلفية أبو حنيفة‪:‬‬
‫أن من أهل البدع من انتسبوا إلى المام أبي حنيفة النعمان ‪ -‬رضي الله عنه‬
‫‪ -‬كالماتريدية وغيرهم‪ ،‬ونسبوا إليهم عقيدة التعطيل بالتأويل الباطل‪ ،‬وهذا‬
‫فرية بل مرية‪ ،‬ومن شك في ذلك‪ ،‬فليطالع "الفقه الكبر" و"الفقه البسط "‬
‫و" العقيدة الطحاوية" و"شرح أصول اعتقاد أهل السنة" يظهر له أن زعمه‬
‫موقع له في خسران‪ ،‬وإن ليس كل من انتسب إلى المام أبي حنيفة وبقية‬
‫أئمة أهل السنة والجماعة ‪ -‬رضوان الله عليهم ‪ -‬يعد ّ موافقا ً له في أصول‬
‫الدين وفروعه‪ ،‬بل هناك من كبار المبتدعة من انتسب إلى المام أبي حنيفة‪،‬‬
‫وأبو حنيفة بريء منهم كبراءة الذئب من دم يوسف‪ ،‬فبالمقارنة بين المام‬
‫أبي حنيفة وأبي منصور الماتريدي والماتريدية يظهر إّنهما مختلفان في‬
‫المنهج متباعدان في التطبيق في كثير من مسائل العتقاد‪ .‬فلم يكن‬
‫الماتريدي والماتريدية على منهج المام أبي حنيفة في العتقاد وإن انتسبوا‬
‫إليه في الفروع‪ ،‬وإنه ليس من منهج المام أبي حنيفة نوع من التشبيه أو‬
‫التعطيل‪ ،‬وكذلك ل يوجد في كلم المام تفويض مطلق‪ ،‬بل الذي في كلم‬
‫ض مقي ّد ٌ بنفي العلم بالكيفّية فقط ل المعنى‪ ،‬فقد أثبت المام‬ ‫أبي حنيفة تفوي ٌ‬
‫ل ملتزما ً‬ ‫ف‪ ،‬وظ ّ‬
‫ٍ‬ ‫تحري‬ ‫أو‬ ‫ل‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫تأوي‬ ‫بدون‬ ‫ة‬
‫ّ ً‬ ‫ي‬‫فعل‬ ‫أو‬ ‫كانت‬ ‫ية‬ ‫ّ‬ ‫ذات‬ ‫جميع الصفات‪:‬‬
‫بمنهجه هذا أثناء التطبيق؛ فأبى أن ُيؤّول اليد بالقدرة أو النعمة‪ ،‬والرضا‬
‫بالثواب‪ ،‬والغضب بالعقاب‪ .‬فهم ُيأولون صفات الله ‪ -‬تعالى ‪-‬بل ضابط‬
‫شرعي فُيأولون الستواء بالستيلء كالمعتزلة والجهمية‪ ،‬والحق أن يثبت‬
‫صفات الله بل كيف ول تعطيل‪ ،‬وهذا هو الصراط المستقيم في باب صفات‬
‫الله إثبات بل تشبيه وتنزيه بل تعطيل‪ .‬فعقيدة الئمة الربعة‪ :‬أبي حنيفة‬
‫ومالك والشافعي وأحمد ‪ -‬رضوان الله عليهم ‪ -‬اعتقاد واحد ٌ في أصول الدين‪.‬‬
‫وقد جمعت نصوص الئمة الربعة الواضحة في بيان عقيدتهم ليعرف القارئ‬
‫الكريم أنهم متفقون في باب العتقاد‪ .‬إن عقيدة المام أبو حنيفة النعمان ‪-‬‬
‫رضي الله عنه ‪ -‬في توحيد السماء والصفات‪ ،‬واضحة جلية غير قابلة‬
‫للتأويل‪ ،‬وبيان ذلك‪:‬‬
‫‪ (1‬قال المام أبو حنيفة‪ :‬ل يوصف الله ‪ -‬تعالى ‪-‬بصفات المخلوقين‪ ،‬وغضبه‬
‫ورضاه صفتان من صفاته بل كيف‪ ،‬وهو قول أهل السنة والجماعة‪ ،‬وهو‬
‫يغضب ويرضى ول يقال‪ :‬غضبه عقوبته‪ ،‬ورضاه ثوابه‪ .‬ونصفه كما وصف‬
‫نفسه أحد صمد لم يلد ولم يولد ولك يكن له كفوا ً أحد‪ ،‬حي قادر سميع بصير‬

‫‪148‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عالم‪ ،‬يد الله فوق أيديهم‪ ،‬ليست كأيدي خلقه‪ ،‬ووجهه ليس كوجوه خلقه‪] .‬‬
‫‪[23‬‬
‫‪ (2‬قال المام أبو حنيفة‪ :‬وله يد ووجه ونفس كما ذكره الله ‪ -‬تعالى ‪-‬في‬
‫القرآن‪ ،‬فما ذكره الله ‪ -‬تعالى ‪-‬في القرآن‪ ،‬من ذكر الوجه واليد والنفس فهو‬
‫ل الصفة‪،‬‬‫له صفات بل كيف‪ ،‬ول يقال‪ :‬إن يده قدرته أو نعمته؛ لن فيه إبطا َ‬
‫وهو قول أهل القدر والعتزال… ]‪[24‬‬
‫‪ (3‬قال البزدوي‪ :‬العلم نوعان علم التوحيد والصفات‪ ،‬وعلم الشرائع‬
‫سنة ومجانبة الهوى‬ ‫سك بالكتاب وال ّ‬
‫والحكام‪ .‬والصل في النوع الول هو التم ّ‬
‫والبدعة ولزوم طريق السّنة والجماعة‪ ،‬وهو الذي عليه أدركنا مشايخنا وكان‬
‫على ذلك سلفنا أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وعامة أصحابهم‪ .‬وقد صنف‬
‫أبو حنيفة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬في ذلك كتاب الفقه الكبر‪ ،‬وذكر فيه إثبات‬
‫الصفات وإثبات تقدير الخير والشر من الله‪[25] .‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪ (4‬قال المام أبو حنيفة‪ :‬ل ينبغي لحد أن ينطق في ذات الله بشيء‪ ،‬بل‬
‫يصفه بما وصف به نفسه‪ ،‬ول يقول فيه برأيه شيئا ً تبارك الله ‪ -‬تعالى ‪-‬ر ّ‬
‫ب‬
‫العالمين‪[26] .‬‬
‫‪ (5‬سئل المام أبو حنيفة عن النزول اللهي‪ ،‬فقال‪ :‬ينزل بل كيف‪[27] .‬‬
‫ى القاري بعد ذكره قول المام مالك‪" :‬الستواء معلوم‬ ‫‪ (6‬قال المل ّ عل ّ‬
‫والكيف مجهول…"‪ :‬اختاره إمامنا العظم أي أبو حنيفة وكذا كل ما ورد من‬
‫اليات والحاديث المتشابهات من ذكر اليد والعين والوجه ونحوها من‬
‫قل‬‫الصفات‪ .‬فمعاني الصفات كلها معلومة وأما كيفيتها فغير معقولة؛ إذ ْ َتع ّ‬
‫الكيف فرع العلم لكيفية الذات وكنهها‪ .‬فإذا كان ذلك غير معلوم؛ فكيف‬
‫يعقل لهم كيفية الصفات‪ .‬والعصمة الّنافعة من هذا الباب أن يصف الله بما‬
‫وصف به نفسه‪ ،‬ووصفه به رسوله من غير تحريف ول تعطيل ومن غير‬
‫تكييف ول تمثيل‪ ،‬بل يثبت له السماء والصفات وينفي عنه مشابهة‬
‫المخلوقات‪ ،‬فيكون إثباتك منزها ً عن التشبيه‪ ،‬ونفيك منّزها ً عن التعطيل‪.‬‬
‫فمن نفى حقيقة الستواء فهو معطل ومن شّبهه باستواء المخلوقات على‬
‫حد المنزه‪.‬‬ ‫المخلوق فهو مشّبه‪ ،‬ومن قال استواء ليس كمثله شيء فهو المو ّ‬
‫]‪[28‬‬
‫ن فيه إبطال‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫نعمته‬ ‫أو‬ ‫قدرته‬ ‫يده‬ ‫إن‬ ‫يقال‬ ‫ول‬ ‫حنيفة‪:‬‬ ‫أبو‬ ‫المام‬ ‫قال‬ ‫‪(7‬‬
‫صفة‪ ،‬وهو قول أهل القدر والعتزال‪[29] .‬‬
‫‪ (8‬قال المام أبو حنيفة‪ :‬وهو يغضب ويرضى ول يقال غضبه عقوبته ورضاه‬
‫ثوابه‪[30] .‬‬
‫ي‪ :‬أنت تعلم أن طريقة كثير من العلماء العلم‬ ‫‪ (9‬قال اللوسي الحنف ّ‬
‫ً‬
‫وأساطين السلم المساك عن التأويل مطلقا مع نفي الّتشبيه والتجسيم‪.‬‬
‫ي‪،‬‬ ‫منهم المام أبو حنيفة‪ ،‬والمام مالك‪ ،‬والمام أحمد‪ ،‬والمام الشافع ّ‬
‫ي‪ ،‬وعبد الله بن المبارك‪ ،‬وأبو‬ ‫ومحمد بن الحسن‪ ،‬وسعد بن معاذ المروز ّ‬
‫هويه‪ ،‬ومحمد بن‬ ‫معاذ خالد بن سليمان صاحب سفيان الثوري‪ ،‬وإسحاق بن را ُ‬
‫إسماعيل البخاري‪ ،‬والترمذي‪ ،‬وأبو داود السجستاني‪[31] ..‬‬
‫‪ (10‬قال المام أبو حنيفة‪ :‬ول يشبه شيئا ً من الشياء من خلقه‪ ،‬ول يشبهه‬
‫شيء من خلقه‪ ،‬لم يزل ول يزال بأسمائه وصفاته‪[32] ...‬‬
‫‪ (11‬قال المام أبو حنيفة‪ :‬وصفاته بخلف صفات المخلوقين يعلم ل كعلمنا‪،‬‬

‫‪149‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ويقدر ل كقدرتنا‪ ،‬ويرى ل كرؤيتنا‪ ،‬ويسمع ل كسمعنا‪ ،‬ويتكّلم ل ككلمنا‪] ...‬‬


‫‪[33‬‬
‫‪ (12‬قال المام أبو حنيفة‪ :‬ل يوصف الله ‪ -‬تعالى ‪-‬بصفات المخلوقين‪[34] .‬‬
‫‪ (13‬قال المام أبو حنيفة‪ :‬وصفاته الذاتية والفعلية‪ :‬أما الذاتية فالحياة‬
‫والقدرة والعلم والكلم والسمع والبصر والرادة‪ ،‬وأما الفعلية فالتخليق‬
‫والترزيق والنشاء والبداع والصنع وغير ذلك من صفات الفعل لم يزل ول‬
‫يزال بأسمائه وصفاته‪[35] .‬‬
‫‪ (14‬قال المام أبو حنيفة‪ :‬ولم يزل فاعل ً بفعله‪ ،‬والفعل صفة في الزل‪،‬‬
‫والفاعل هو الله ‪ -‬تعالى ‪ ،-‬والفعل صفة في الزل والمفعول مخلوق وفعل‬
‫الله ‪ -‬تعالى ‪-‬غير مخلوق‪[36] .‬‬
‫‪ (15‬قال المام أبو حنيفة‪ :‬من قال ل أعرف ربي في السماء أم في الرض‬
‫فقد كفر‪ ،‬وكذا من قال إنه على العرش‪ ،‬ول أدري العرش أفي السماء أم‬
‫في الرض‪[37] .‬‬
‫‪ (16‬قال المام أبو حنيفة للمرأة التي سألته أين إلهك الذي تعبده؟ قال‪ :‬إن‬
‫الله ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬في السماء دون الرض‪ ،‬فقال رجل‪ :‬أرأيت قول الله‬
‫م{ ]الحديد‪ [4 :‬قال‪ :‬هو كما تكتب للرجل إني معك‬ ‫معَك ُ ْ‬
‫‪ -‬تعالى ‪} :-‬وَهُوَ َ‬
‫وأنت غائب عنه‪[38] .‬‬
‫‪ (17‬قال المام أبو حنيفة‪ :‬والقرآن غير مخلوق‪[39] .‬‬
‫‪ (18‬قال المام أبو حنيفة‪ :‬ونقر بأن القرآن كلم الله ‪ -‬تعالى ‪-‬غير مخلوق‪] .‬‬
‫‪[40‬‬
‫‪ (19‬قال المام أبو حنيفة‪ :‬ونقر بأن الله ‪ -‬تعالى ‪-‬على العرش استوى من‬
‫غير أن يكون له حاجة‪[41] .‬‬
‫انتشار مذهب أبو حنيفة وانحراف بعض المنتسبين إليه‪:‬‬
‫فكلم هؤلء الئمة في تقدير فقه المام أبي حنيفة ليس فيه مبالغة؛ فأثر فقه‬
‫المام واضح على تلميذه‪ ،‬وعلى من جاء بعدهم‪ ،‬فالمنتسبون إلى مذهبه في‬
‫ما ساعد على انتشار مذهبه أن‬ ‫زماننا هذا جمع غفير من أمة السلم‪ .‬وم ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ه لبي حنيفة تلمذة نشروا المذهب‪ ،‬تأليفا وتدريسا وإفتاًء‪ .‬ثم إن‬ ‫قيض الل ُ‬
‫ً‬
‫منهم من تولى القضاء‪ ،‬فصار سببا في شيوع مذهب أبي حنيفة في القرون‬
‫الولى‪ .‬ولقد انتسب إلى مذهب أبي حنيفة في القديم والحديث أناس‬
‫كثيرون‪ ،‬منهم من وافقه في الصول والفروع‪ ،‬ومنهم من وافقه في الفروع‬
‫فحسب‪ ،‬وهم في الصول على طريقة المتكلمين وهذا أمر اعترف به أحد‬
‫صه‪" :‬وتوضيحه أن الحنفية عبارة‬ ‫علماء الحنفية فقد قال اللكنوي الحنفي ما ن ّ‬
‫عن فرقة تقّلد المام أبا حنيفة في المسائل الفرعية‪ ...‬سواء وافقته في‬
‫أصول العقائد أم خالفته‪ ،‬فإن وافقته يقال لها )الحنفية الكاملة( وإن لم‬
‫ضح مسلكه في العقائد الكلمّية‪ ،‬فكم‬ ‫د‪ ،‬يو ّ‬‫توافقه يقال لها )الحنفية( مع قي ٍ‬
‫ئ أو زيديٌ أصل ً وبالجملة فالحنفية لها فروع‬ ‫ي فرعا ً مرج ٌ‬ ‫من حنفي حنف ّ‬
‫باعتبار اختلف العقيدة فمنهم الشيعة ومنهم المعتزلة ومنهم المرجئة‪] " ...‬‬
‫‪[42‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ثم بّين النسبة بين الحنفية وبين أهل السّنة فيذكر‪ :‬أن النسبة بين الحنفية‬
‫بمعنى المتابعين له أصل ً وفرعا ً وبين أهل السّنة عموما ً وخصوصا ً مطلقًا‪،‬‬
‫فكل حنفي بهذا المعنى من أهل السنة ول عكس لّنه قد يكون من أهل‬

‫‪150‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السّنة ولم يكن حنفيا ً كأهل السنة من المالكية والشافعّية وغيرهم‪ .‬فأهل‬
‫السّنة وبين الحنفية التابعة للمام أبي حنيفة في الفروع بدون اشتراط‬
‫ً‬
‫ه‪ ،‬فمادة الفتراق من يكون حنفيا ول‬ ‫موافقة العقيدة عموم وخصوص من وج ٍ‬
‫يكون من أهل السّنة وليس حنفيا ً أصل ً كأهل السنة من الشافعّية ونحوهم‬
‫فهاتان الماّدتان ماّدتا الفتراق‪ ،‬أما ماّدة الجتماع فمن يكون حنفيا ً فرعا ً‬
‫وأصل ً فهو من أهل السنة أيضًا‪.‬‬
‫والنسبة بين أهل السنة وبين الحنفية الناقصة التابعة للمام أبي حنيفة في‬
‫الفروع فقط مع اختلف في العقيدة نسبة تباين كّلي كالحنفية المرجئة‬
‫والحنفية المعتزلة ونحوهم ليسوا من أهل السّنة‪ [43] .‬ولقد ذكر العلمة عبد‬
‫الحي اللكنوي في كلمه هذا خمس فرق تنتسب للحنفّية وهي‪:‬‬
‫ل‪ :‬الحنفية الكاملة )السلفية(‪.‬‬ ‫أو ً‬
‫ثانيًا‪ :‬الحنفية من الشيعة )الرافضة(‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬الحنفية من الزيدّية‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬الحنفية من المعتزلة‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬الحنفية من المرجئة‪.‬‬
‫وقد أضاف الدكتور محمد بن عبد الرحمن الخميس ]‪:[44‬‬
‫سادسًا‪ :‬الحنفية من الجهمية‪.‬‬
‫سابعًا‪ :‬الحنفية من التحادية‪.‬‬
‫وبيان ذلك‪:‬‬
‫ل‪ :‬الحنفية الكاملة ]السلفية[‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫ويعني بها اللكنوي من وافق المام أبا حنيفة في الفروع وأصول العقيدة‬
‫من انتسب إلى أبي حنيفة ممن وافقه في العتقاد‬ ‫وهذه أسماء طائفة م ّ‬
‫من جاء بعده وانتسب إلى مذهبه في الفروع‪ .‬ونكتفي‬ ‫سواء من تلمذته أو م ّ‬
‫بذكر الموافقين لبي حنيفة في العتقاد إلى القرن الرابع الهجري إذ في هذا‬
‫القرن وبعده ظهر التقليد لبي منصور الماتريدي وأبي حسن الشعري في‬
‫الصول ثم استحكمت أطنابه فيما بعد ذلك إذ مشى غالب الحنفية على‬
‫عقيدة أبي منصور الماتريدي وذلك لنتشار على الكلم في نواحي بلد‬
‫المسلمين في تلك الحقبة الزمنية وتغلب المتكلمين وتصدرهم في أماكن‬
‫ساسة كالمدارس والقضاء والفتاء والخطابة فزاحمت العقيدة الكلمّية‬ ‫ح ّ‬
‫الماتريدية العقيدة السلفية التي عليها المام أبو حنيفة حتى أزالتها فل يعرف‬
‫حنفي إل وهو ماتريدي في العتقاد‪ .‬هذا في الجملة وإل فإنه يوجد فئات من‬
‫الحنفية سلكت ما قّرره الطحاوي في بيان اعتقاد أهل السّنة والجماعة كابن‬
‫أبي العز الحنفي شارح عقيدة المام الطحاوي‪ .‬ومن هؤلء الحنفية الكاملة‬
‫)السلفية(‪:‬‬
‫‪ (1‬زفر بن الهديل المتوفى سنة ‪158‬هـ‪:‬‬
‫هو زفر بن الهذيل بن قيس الكوفي‪ ،‬من تميم وأصله من أصبهان‪ .‬أبو‬
‫الهذيل‪ .‬فقيه كبير من أصحاب أبي حنيفة‪ ،‬وأحد الذين دونوا الكتب‪ .‬أقام‬
‫بالبصرة وتولى قضائها وتوفي فيها‪ .‬كان في أول أمره من أصحاب الحديث‪،‬‬
‫ثم غلب عليه الرأي )القياس( فكان أقيس أصحاب أبي حنيفة‪ .‬كانوا يقولون‪:‬‬
‫إن أبا يوسف أتبعهم للحديث‪ ،‬ومحمد بن الحسن الشيباني أكثرهم تفريعا‪،‬‬
‫وزفر بن الهذيل أقيسهم‪ .‬وكان زفر يقول‪" :‬نحن نأخذ بالرأي ما دام ل يوجد‬
‫أثر‪ ،‬فإذا جاء الثر تركنا الرأي‪ [45] " .‬وقد امتحن بالقضاء فأبى فعوقب‬
‫بهدم داره أكثر من مرة‪[46] .‬‬
‫‪ (2‬إبراهيم بن طهمان المتوفى سنة ‪163‬هـ ]‪:[47‬‬

‫‪151‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ج للّرد على‬
‫خر رحلته إلى الح ّ‬‫كان شديدا ً على الجهمية ]‪ [48‬حتى إنه أ ّ‬
‫الجهمية ]‪ [49‬وأّلف في الّرد عليهم كتابا ً بعنوان "سنن ابن طهمان" المطبوع‬
‫باسم مشيخة ابن طهمان وهو أول كتاب وصل إلينا في الرد على الجهمية ]‬
‫‪ ،[50‬وذكره الللكائي فيما أجمعوا على تكفير القائل بخلق القرآن ]‪،[51‬‬
‫ي بالرجاء وذكر ابن حجر أّنه رجع عنه‪[52] .‬‬ ‫م َ‬
‫وُر ِ‬
‫‪ (3‬القاسم بن معن المسعودي المتوفى سنة ‪175‬هـ ]‪:[53‬‬
‫روى له أصحاب السنن‪ ،‬وّثقه أحمد وأبو حاتم وقال عنه أبو داود‪" :‬كان ثق ً‬
‫ة‬
‫يذهب إلى شيٍء من الرجاء" ]‪ [54‬وقال عنه ياقوت‪" :‬كان فقيها ً على رأي‬
‫شعر والنسب وأّيام‬ ‫أبي حنيفة ولقيه‪ ...‬وكان عالما ً بالحديث والفقه وال ّ‬
‫الناس" ]‪[55‬‬
‫‪ (4‬يعقوب بن إبراهيم القاضي )أبو يوسف( المتوفى سنة ‪182‬هـ‪:‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫هو يعقوب بن إبراهيم بن حبيب النصاري‪ ،‬الكوفي البغدادي‪ .‬أبو يوسف‬


‫صاحب أبي حنيفة وتلميذه‪ ،‬وأول من صنف الكتب على مذهبه وأملى‬
‫المسائل ونشرها وبث علم أبي حنيفة في أقطار الرض‪ .‬اشتغل برواية‬
‫الحديث‪ ،‬وروى عن أئمة المحدثين وتفقه أول بابن أبي ليلى ثم انتقل إلى أبي‬
‫حنيفة‪ .‬رحل إلى المدينة وأخذ عن مالك بن أنس‪ ،‬وناظره في مسائل كان‬
‫يقول فيها بمذهب أهل العراق فرجع عنها لقول مالك‪ ،‬ثم رجع إلى العراق‬
‫بأفكار أهل الحجاز فمزجها بمذهب العراقيين‪ ،‬ورجع في كثير من المسائل‬
‫إلى رأي مالك‪ ،‬فهو أول من قرب بين المذهبين‪ .‬تولى القضاء سنة ‪ 166‬هـ‬
‫في عهد الخليفة المهدي واستمر في القضاء أيام الهادي والرشيد‪ ،‬وجعله‬
‫الرشيد قاضيا للقضاة في جميع مملكته‪ ،‬وأصبحت تسمية القضاة راجعة إليه‬
‫من خراسان إلى أفريقية وهو أول من كان له هذا المنصب الخطير‪ ،‬وقيل‬
‫في سبب ذلك أن الرشيد قال لزوجته زبيدة‪ :‬أنت طالق ثلثا إن بت الليلة‬
‫في مملكتي‪ ،‬ثم ندم الرشيد وأراد مخرجا‪ ،‬فاستفتى أبا يوسف‪ ،‬فقال‪ :‬تبيت‬
‫في بعض المساجد فإن المساجد لله‪ ،‬فوله قضاء القضاة‪ .‬هو أول من وضع‬
‫الكتب في أصول الفقه على مذهب أبي حنيفة‪ ،‬وكان يحضر مجلس قضائه‬
‫العلماء على طبقاتهم‪ .‬كان واسع العلم بالتفسير والمغازي وأيام العرب‪.‬‬
‫مكث في القضاء من بعده ابنه يوسف وكان نائبه على الجانب الشرقي من‬
‫بغداد‪ .‬مات وهو في منصب القضاء‪ ،‬وله من العمر ‪ 69‬عامًا‪ .‬من آثاره كتاب‬
‫الخراج وقد ألفه للرشيد‪ ،‬وكتاب النوادر‪ ،‬وأدب القاضي‪ ،‬والمالي في الفقه‪،‬‬
‫والرد على مالك بن أنس‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬وقد اندثر جل كتبه‪ [56] .‬وقد قّرر‬
‫الطحاوي عقيدة أبي يوسف وأبي حنيفة ومحمد بن الحسن‪ ،‬أبي جعفر في‬
‫الّرسالة التي كتبها في بيان اعتقاد أهل السّنة والجماعة على مذهب فقهاء‬
‫المّلة أبي حنيفة وصاحبيه‪ ،‬ومن جملة ما قّرره اعتقادهم في اليمان أنه‬
‫إقرار باللسان وتصديق بالجنان ]‪ [57‬غير أن ابن حبان ذكر أنه يباين صاحبيه‬
‫في اليمان‪ [58] .‬وذكره الللكائي فيمن أجمعوا على تكفير القائل بخلق‬
‫القرآن وروى الللكائي عن أبي يوسف‪" :‬من قال القرآن مخلوق فحرام‬
‫كلمه وفرض مباينته" ]‪ [59‬وذكره الللكائي فيمن منع الصلة خلف القدرية‪.‬‬
‫]‪ [60‬وقال‪" :‬ل أصلي خلف جهمي ول رافضي ول قدري"‪[61] .‬‬
‫‪ (5‬يحيى بن زكريا بن أبي زائدة المتوفى سنة ‪183‬هـ ]‪:[62‬‬
‫روى له الجماعة‪ ،‬وذكره الللكائي فيمن أجمعوا على تكفير القائل بخلق‬

‫‪152‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫القرآن ]‪ ،[63‬وأقّر قول مالك فيمن قال القرآن مخلوق بأّنه كافٌر زنديقٌ ]‬
‫‪.[64‬‬
‫‪ (6‬محمد بن الحسن الشيباني المتوفى سنة ‪189‬هـ‪:‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫هو محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني بالولء‪ .‬أبو عبد الله وأبو الحسن‪.‬‬
‫أصله من قرية حرستا من غوطة دمشق‪ .‬قدم أبوه من تلك القرية إلى‬
‫واسط فولد فيها ابنه محمد ونشأ بالكوفة فسمع من أبي حنيفة وأخذ عنه‬
‫طريقته ولم يجالسه كثيرا لوفاة أبي حنيفة وهو حدث‪ ،‬فأتم الطريقة على‬
‫أبي يوسف‪ ،‬وغلب عليه مذهب عرف به‪ ،‬وكان هو المرجع لهل الرأي في‬
‫حياة أبي يوسف فنشأت بينهما وحشة استمرت زمنا حتى توفي أبو يوسف‬
‫رحل إلى المدينة وأخذ عن مالك بن أنس‪ ،‬وأخذه عن مالك كبح جماحه عن‬
‫التغالي في الرأي‪ ،‬فأدخل بسبب ذلك تعديل كبيرا على أهل الرأي‪ .‬اتصل‬
‫بالشافعي لما كان بالعراق وناظره في مسائل كثيرة‪ ،‬ذكرها الشافعي في‬
‫كتابه "الم" وغيرها من كتب الشافعي‪ .‬انتقل إلى بغداد فوله الرشيد قضاء‬
‫الرقة ثم اعتزل القضاء ووقف نفسه على تعليم الفقه‪ ،‬وقد قيل إن علقته‬
‫ساءت مع الرشيد بسبب فتواه في مسألة أمان الطالبي‪ ،‬فتعرض لغضب‬
‫الرشيد وفتشت كتبه خوفا من أن يكون فيها شيء مما يحض الطالبيين على‬
‫الخروج‪ ،‬وما هي إل فترة حتى صلح الحال بينه وبين الرشيد وخرج معه إلى‬
‫الري ومعه الكسائي أيضا‪ ،‬فماتا في يوم واحد ودفنا هناك‪ ،‬وقال الرشيد في‬
‫موتهما‪ :‬لقد دفنت اللغة والفقه جميعا‪ .‬عن محمد بن الحسن أخذ العلماء‬
‫مذهب أبي حنيفة‪ ،‬فإن الحنفية ليس في أيديهم إل كتبه وهي مستندهم في‬
‫مذهب أبي حنيفة‪ ،‬وهي على قسمين‪ :‬كتب رويت عنه واشتهرت حتى‬
‫اطمأنت إليها نفوسهم تعرف بكتب "ظاهر الرواية" وهي كتاب‪ :‬الجامع‬
‫الصغير وهو كتاب في الفروع مجرد عن الدلة والجدل‪ ،‬وكتاب "الجامع‬
‫الكبير" وهو أطول من الصغير‪ ،‬وله كتاب ثالث هو كتاب "المبسوط" ويعرف‬
‫عند الحنفية بالصل وهو أطول كتاب أمله شمس الئمة السرخسي‪ .‬وهو‬
‫أهم كتاب عند الحنفية القدماء‪ ،‬وله كتاب "السير الكبير" وكتاب "السير‬
‫الصغير" وتشتمل على أحكام الجهاد وشريعة الحرب وكتاب "الرد على أهل‬
‫المدينة" وله كتاب "الثار" الذي يحتج به الحنفية‪ ،‬والقسم الثالث من كتبه لم‬
‫تشتهر عنه وهي الكتب التي تعرف عند الحنفية بالنوادر‪ ،‬وهي في درجة ثانية‬
‫من العتماد عندهم‪ ،‬والقسم الول من كتب محمد بن الحسن الشيباني هي‬
‫أساس مذهب الحنفية وهي التي اشتغل بها علماؤهم وعليها عولوا شرحا ً‬
‫وتعليقًا‪ [65] .‬قّرر عقيدة محمد بن الحسن وأبي حنيفة وأبي يوسف‪ ،‬أبو‬
‫جعفر الطحاوي في بيان اعتقاد أهل السّنة والجماعة‪ ،‬وذكره الللكائي فيمن‬
‫أجمعوا على تكفير القائل بخلق القرآن ]‪ [66‬وكان ل يرى الصلة خلف من‬
‫قال القرآن مخلوق ]‪ ،[67‬ويأمر من صّلى خلف من يقول‪ :‬القرآن مخلوق‪،‬‬
‫لعادة‪ [68] .‬وروى الللكائي عن محمد بن الحسن أنه ذكر اتفاق الفقهاء‬ ‫با ِ‬
‫كلهم من المشرق إلى المغرب على اليمان بالقرآن والحاديث التي جاءت‬
‫بها الثقات عن رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬في صفة الرب ‪ -‬عز‬
‫وجل ‪.-‬‬
‫‪ (7‬حفص بن غياث القاضي المتوفى سنة ‪194‬هـ ]‪:[69‬‬
‫روى له جماعة‪ ،‬وذكره البخاري في علماء المصار الذين يقولون‪ :‬إن القرآن‬

‫‪153‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كلم الله ]‪ ،[70‬وكذا الللكائي ذكره فيمن أجمعوا على تكفير القائل بخلق‬
‫القرآن ]‪ ،[71‬فمن قال‪ :‬القرآن مخلوق فهم عنده جهمّية ل يناكحون ول‬
‫تجوز شهادتهم ]‪ ،[72‬روى عنه البخاري حديث الصوت في صحيحه‪[73] .‬‬
‫‪ (8‬أبو سليمان موسى بن سليمان الجوزجاني المتوفى بعد سنة ‪200‬هـ ]‬
‫‪:[74‬‬
‫روى الللكائي عن القاسم بن أبي رجاء قال‪" :‬كنت عند أبي سليمان‬
‫ن رجلين البارحة حلف أحدهما‬ ‫الجوزجاني وجاءه رجل فقال‪ :‬مسألة بلوى فإ ّ‬
‫فقال‪ :‬امرأتي طالق ثلثا ً البّتة إن كان القرآن مخلوقا‪ ،‬وقال الخر‪ :‬امرأتي‬
‫ً‬
‫ن امرأته طالق‬ ‫طالق ثلثا ً إن لم يكن القرآن مخلوقًا‪ .‬فقال‪ :‬إن الذي حلف إ ّ‬
‫إن لم يكن القرآن مخلوقا ً قد بانت منه امرأته‪ [75] " .‬وروى الللكائي عن‬
‫محمد بن عبد الله الظاهراني قال‪" :‬سمعت الجوزجاني يعني موسى بن‬
‫ن المريسي يقول بخلف‬ ‫سليمان وسأله رجل عن مسألةٍ فأفتى ثم قال له‪ :‬إ ّ‬
‫هذا‪ .‬فقال الجوزجاني لمن حضره‪ :‬سبحان الله‪ ،‬أعجب من هذا سألني عن‬
‫ر" ]‪.[76‬‬
‫مسألةٍ فأجبته‪ ،‬ثم حكى لي عن كاف ٍ‬
‫‪ (9‬معّلى بن منصور الرازي المتوفى سنة ‪211‬هـ ]‪:[77‬‬
‫روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه ووّثقه ابن معين قال الذهبي في‬
‫ل صاحب سّنة طلبوه غير مّرةٍ للقضاء‬ ‫ة نبي ٌ‬
‫الكاشف‪" :‬قال العجلي‪ :‬هو ثق ٌ‬
‫فأبى وكان من كبار أصحاب أبي يوسف ومحمد" ]‪ [78‬وذكره الللكائي فيمن‬
‫فر القائل بخلق القرآن‪[79] .‬‬‫ك ّ‬
‫داد بن حكيم القاضي البلخي المتوفى سنة ‪212‬هـ ]‪:[80‬‬ ‫‪ (10‬ش ّ‬
‫ذكره الللكائي فيمن أجمعوا على تكفير القائل بخلق القرآن‪[81] .‬‬
‫‪ (11‬عبد الله بن داود الخريبي المتوفى سنة ‪213‬هـ ]‪:[82‬‬
‫روى له جماعة غير مسلم‪ ،‬وكان شديدا ً على الجهمّية‪ ،‬فقد نقل عنه البخاري‬
‫ل لنزعت لسانه من قفاه وكان‬ ‫قوله‪" :‬لو كان لي على المثّنى النماطي سبي ٌ‬
‫جهميًا‪[83] " .‬‬
‫‪ (12‬هاشم بن عبيد الله الرازي المتوفى سنة ‪221‬هـ ]‪:[84‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫من تلميذ محمد بن الحسن وكان لّينا ً في الرواية قال عبد الرحمن بن حاتم‪:‬‬
‫ما وضعه هاشم في الرد ّ على الجهمّية قال‬ ‫ب عند أبي م ّ‬ ‫"وجدت في كتا ٍ‬
‫هاشم‪ :‬وكان فيما سألتم في كتابكم عن أهل الجّنة أّنهم يرون رّبهم‪ .‬قال‬
‫ل ثناؤه ُيرى‬ ‫هاشم‪ :‬ورد علينا في تفسير القرآن ومحكم الحديث أن الله ج ّ‬
‫في الخرة ثم ذكر الروايات في تفسير القرآن والخبار عن رسول الله ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ [85] " .-‬ونقل الللكائي عن هاشم قوله‪" :‬الجهمّية‬
‫من زعم أن القرآن مخلوق" ]‪ [86‬وحبس بتهمة التجهم حتى تاب ]‪.[87‬‬
‫ضال‬ ‫وقال عن بشر المريسي‪" :‬المريسي عندنا خليفة جهم بن صفوان ال ّ‬
‫ل‬‫ي عهده ومثله عندنا مثل بلعم بن باعورا الذي قال الله فيه‪َ} :‬وات ْ ُ‬ ‫وهو ول ّ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫من َْها{ ]العراف‪[88] " [175 :‬‬‫خ ِ‬‫سل َ‬ ‫عَل َي ْهِ ْ‬
‫م ن َب َأ الذِيَ آت َي َْناهُ آَيات َِنا َفان َ‬
‫‪ (13‬الليث بن مساور البلخي المتوفى سنة ‪226‬هـ ]‪:[89‬‬
‫ذكره الللكائي فيمن أجمعوا على تكفير القائلين بخلق القرآن ]‪ [90‬وكان‬
‫ما ورد كتاب الخلفة بوجوب القول بخلق القرآن قال‪ :‬الله أكبر‬ ‫قاضيا ً ببلٍخ ول ّ‬
‫م رمى عمامته على‬ ‫ظهر الكفر‪ ...‬كل من يقول بخلق القرآن فهو كافر ث ّ‬
‫الرض وخلع نفسه من القضاء" ]‪.[91‬‬

‫‪154‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ (14‬إبراهيم بن يوسف الباهلي البلخي الماكياني المتوفى سنة ‪239‬هـ ]‪:[92‬‬


‫قال عنه ابن حبان‪" :‬كان ظاهر مذهبه الرجاء واعتقاده في الباطن السّنة‬
‫سمعت أحمد بن محمد بن الفضل يقول سمعت محمد بن داود الفوعي‬
‫ل فأتيت إبراهيم بن‬ ‫ل وعم ٌ‬
‫من يقول اليمان قو ٌ‬ ‫يقول‪ :‬حلفت أل ّ أكتب إل ّ م ّ‬
‫يوسف يعني الباهلي فأخبرته فقال‪ :‬اكتب عني فإني أقول اليمان قول‬
‫وعمل" ]‪ [93‬وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم سمعت محمد بن الصديق‬
‫يقول‪" :‬سمعته يعني إبراهيم بن يوسف يقول القرآن كلم الله ومن قال‪:‬‬
‫مخلوق فهو كافر بانت منه امرأته ول يصّلى خلفه ول يصّلى عليه إذا مات‬
‫ومن وقف فهو جهمي" ]‪.[94‬‬
‫‪ (15‬يحيى بن أكثم التميمي القاضي المتوفى سنة ‪243‬هـ ]‪:[95‬‬
‫روى عن محمد بن الحسن وسمع منه وروى عنه البخاري في غير الجامع‬
‫فر القائلين بخلق القرآن ]‪ [96‬وكان يقول‪:‬‬ ‫والترمذي وذكره الللكائي فيمن ك ّ‬
‫ضربت عنقه" ]‪.[97‬‬ ‫ّ‬
‫القرآن كلم الله فمن قال مخلوق يستتاب فإن تاب وإل ُ‬
‫وقال عنه المام أحمد‪" :‬ما عرفناه ببدعة" ]‪ .[98‬وقال عنه الخطيب‪" :‬كان‬
‫يحيى سليما ً من البدعة ينتحل مذهب أهل السّنة" ]‪.[99‬‬
‫‪ (16‬محمد بن أحمد بن حفص الزرقان المتوفى سنة ‪264‬هـ ]‪:[100‬‬
‫له كتاب "الهواء والرد على اللفظية" وكان مرافقا ً للبخاري في الطلب ]‬
‫‪.[101‬‬
‫‪ (17‬الحكم بن معبد الخزاعي المتوفى سنة ‪295‬هـ ]‪:[102‬‬
‫مؤلف كتاب السنة ]‪ .[103‬قال عنه أبو نعيم‪" :‬على مذهب الكوفيين صاحب‬
‫ب" ]‪.[104‬‬ ‫ب وغري ٍ‬‫أد ٍ‬
‫‪ (18‬مقاتل بن فضل البلخي ]‪:[105‬‬
‫ذكره الللكائي فيمن أجمعوا على تكفير القائل بخلق القرآن ]‪.[106‬‬
‫‪ (19‬أبو جعفر أحمد بن محمد الطحاوي المتوفى سنة ‪321‬هـ ]‪:[107‬‬
‫هو أحمد بن محمد بن سلمة أو )سلمة( بن مسلمة بن عبد الملك الزدي‬
‫الطحاوي‪ .‬أبو جعفر‪ .‬فقيه إليه انتهت رياسة الحنفية في مصر‪ .‬ولد في قرية‬
‫طحا من صعيد مصر وإليها نسبته‪ .‬تتلمذ على خاله إسماعيل بن يحيى‬
‫المزني المتوفى سنة ‪264‬هـ وكان إمام الشافعية في عصره‪ ،‬فتلقى عنه ابن‬
‫أخته المذهب الشافعي‪ ،‬ثم انتقل إلى المذهب الحنفي وصار حنفيا ً وكان‬
‫مجتهدا ً في الفروع‪ .‬من تصانيفه‪ :‬شرح معاني الثار‪ ،‬أحكام القرآن‪ ،‬المختصر‬
‫في الفقه‪ .‬الختلف بين الفقهاء‪ .‬مناقب أبي حنيفة‪ [108] ،‬وغير ذلك من‬
‫الكتب‪ .‬وأيضا ً هو صاحب كتاب بيان اعتقاد أهل السّنة والجماعة على مذهب‬
‫فقهاء المّلة أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي وأبي يوسف يعقوب بن‬
‫إبراهيم النصاري‪ ،‬وأبي عبد الله محمد بن الحسن الشيباني‪ ،‬وما يعتقدون‬
‫من أصول الدين‪ .‬توفي عن ‪ 82‬عامًا‪.‬‬
‫ك أنه أثبت من غيره في تقرير عقيدة المام أبي حنيفة وذلك للتي‪:‬‬ ‫ول ش ّ‬
‫ّ‬
‫‪ -1‬الطحاوي عند أهل العلم ثقة ثبت قال عنه الذهبي‪" :‬المام العلمة‬
‫دث الديار المصرية وفقيهها" ]‪ .[109‬وقال عنه أبو سعيد‬ ‫الحافظ الكبير مح ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫بن يونس‪" :‬كان ثقة ثبتا فقيها عاقل لم يخلف مثله" ]‪.[110‬‬
‫‪ -2‬إن جمهور العلماء تلقوا عقيدة الطحاوي بالقبول‪ .‬قال السبكي الشافعي‪:‬‬
‫"جمهور المذاهب الربعة على الحق‪ ،‬يقرون عقيدة المام أبي جعفر‬
‫الطحاوي التي تلقاها العلماء سلفا ً وخلفا ً بالقبول" ]‪ .[111‬وقال الناصري‬
‫الحنفي‪" :‬إن كتاب العقائد الذي رواه أبو جعفر الطحاوي عن أبي حنيفة وأبي‬
‫يوسف ومحمد هو الذي اعتمد عليه أهل السّنة والجماعة سلفهم وخلفهم" ]‬

‫‪155‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ .[112‬وقال أبو المعين النسفي‪" :‬إن أبا جعفر الطحاوي ممن احتوى على‬
‫علوم سلف الئمة على العموم‪ ،‬وعلى علوم أبي حنيفة وأصحابه على‬
‫الخصوص‪ .‬قال في كتابه الذي افتتحه في العقائد‪ :‬صح عندي مذهب فقهاء‬
‫المّلة أبي حنيفة النعمان بن ثابت وأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم النصاري‬
‫وأبي عبد الله محمد بن الحسن الشيباني وما يعتقدون من أصول الدين‬
‫ويدينون به رب العالمين" ]‪[113‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫‪ -3‬إن ما قرره الطحاوي في بيان اعتقاد أهل السنة والجماعة يوافق في‬
‫الجملة ما قرره أبو حنيفة في الكتب المنسوبة إليه‪ ،‬ثم إنه كذلك موافق‬
‫لعقيدة سائر أئمة السّنة باستثناء مسألة اليمان‪ .‬بخلف ما قرره الماتريدي‪،‬‬
‫فقد دخلت عليه الفلسفة والكلم‪ ،‬ومن ثم دخلت عليه عقائد بدعية فلسفية‪،‬‬
‫دث ثقة ثبت فيما يقرر وينقل احتوى على علوم أبي‬ ‫فالمام الطحاوي مح ّ‬
‫حنيفة وأصحابه‪ ،‬ولم تدخل عليه المذاهب الكلمية‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬الحنفية من الشيعة ]الرافضة[‪:‬‬
‫قد ذكر أبو مظفر السفراييني أن من أهل الرأي من تلبس بشيٍء من‬
‫مقالت الروافض والقدرية‪ ،‬وإذا خاف سيوف السنة نسب ما هو فيه إلى أبي‬
‫لمة اللكنوي‪ ،‬وقد ذكر أن من فرق الحنفية الشيعة‪،‬‬ ‫حنيفة تسّترا ً به وكذا الع ّ‬
‫ي‬‫ومن الحنفية الذين تلبسوا بعقيدة الشيعة الباطنية ابن سينا‪ ،‬أبو عل ّ‬
‫الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي بن سينا البلخي‪ ،‬والمعروف‬
‫بالرئيس المتوفى سنة ‪428‬هـ فقد قال عنه ابن صلح‪" :‬كان شيطانا ً من‬
‫لنس" ]‪ .[114‬ومع هذا هو عند بعض كّتاب التراجم من الحنفية‬ ‫شياطين ا ِ‬
‫ولي من أولياء الله ‪ -‬تعالى ‪ ،-‬صاحب كرامات مشهورة ]‪ .[115‬ويقول السيد‬
‫حسن الصدر الرافضي‪ " :‬أبو علي ابن سينا‪ ،‬شيخ الحكمة في المشائين‪،‬‬
‫حاله في الفضل أشهر من أن يذكر‪ ،‬وقد أطال القاضي المرعشي في‬
‫طبقاته الفارسية في الستدلل على أمامية الشيخ الرئيس‪ ،‬ولم أتحقق ذلك‪،‬‬
‫نعم هو ولد على فطرة التشيع‪ ،‬كان أبوه شيعيا ً إسماعيليًا‪.[116] " ...‬‬
‫فالشيعة والخوارج فرقتان متقابلتان ]‪ [117‬في آرائهما في أمير المؤمنين‬
‫ي بن أبي طالب ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬فالخوارج تكفره وتتبرأ منه‪ ،‬والشيعة‬ ‫عل ّ‬
‫تنصره وتؤيده وتفضله على عثمان ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬بل أن منهم من يفضله‬
‫على أبي بكر وعمر ‪ -‬رضي الله عنهم ‪ -‬أجمعين فردوا الشيعة على بدعة‬
‫ي بن أبي طالب‪،‬‬ ‫الخوارج ببدعةٍ أخرى ل تقل فسادا ً عنها أل وهي عصمة عل ّ‬
‫وأفضليته على أبي بكر وعمر وعثمان ‪ -‬رضي الله عنهم ‪ ،-‬وأنه المام بعد‬
‫رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬مع قولهم بفسوق أبي بكر وعمر‬
‫وعثمان وبكفرهم‪.‬‬
‫فمن يقول بهذه البدعة فهو كاذب مفتر‪ ،‬قد أزرى بالمهاجرين والنصار‪،‬‬
‫وعقابه الجلد حدا ً على فريته وكذبه‪ .‬وكما قال خليفة المسلمين وأمير‬
‫ي بن أبي طالب ‪ -‬رضي الله عنه ‪" :-‬ل أوتى بأحد يفضلني على‬ ‫المؤمنين عل ّ‬
‫ّ‬
‫أبي بكر وعمر إل جلدته حد المفتري" ]‪ [118‬وكان يقول‪" :‬خير هذه المة‬
‫بعد نبيها أبو بكر وعمر" ]‪ [119‬وسأل محمد بن الحنيفة أباه عليا ً فقال‪" :‬أ ّ‬
‫ي‬
‫الناس خير بعد رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬؟ قال‪ :‬أبو بكر‪ ،‬قلت‪ :‬ثم‬
‫م أنت؟ قال‪ :‬ما أنا إل ّ‬ ‫من؟ قال‪ :‬ثم عمر‪ .‬وخشيت أن يقول عثمان‪ ،‬قلت‪ :‬ث ّ‬
‫ن خير الصحابة هم أهل بدر‪ ،‬وخيُر‬ ‫رجل من المسلمين‪ [120] " .‬ول ريب أ ّ‬

‫‪156‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أهل بدر هم العشرة‪ ،‬وخير العشرة الئمة الربعة أبو بكر وعمر وعثمان‬
‫ي ‪ -‬رضي الله عنهم ‪ -‬أجمعين ‪ .-‬وهذا هو ما عليه جمهور أهل السّنة‪،‬‬ ‫وعل ّ‬
‫قال ابن عمر‪" :‬كنا نخير بين الناس في زمن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫فنخير أبا بكر‪ ،‬ثم عمر بن الخطاب‪ ،‬ثم عثمان بن عفان ‪ -‬رضي الله عنهم ‪" -‬‬
‫]‪ [121‬وفي رواية أخرى قال‪" :‬كنا في زمن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫ل نعدل بأبي بكر أحدًا‪ ،‬ثم عمر‪ ،‬ثم عثمان‪ ،‬ثم نترك أصحاب النبي ل نفاضل‬
‫بينهم‪[122] " .‬‬
‫وهذا هو ما عليه المام أبو حنيفة ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬حيث قال‪" :‬وأفضل الناس‬
‫بعد النبيين ‪ -‬عليهم السلم ‪ -‬الصلة والسلم أبو بكر الصديق ثم عمر بن‬
‫ي بن أبي طالب‬‫الخطاب الفاروق ثم عثمان بن عفان ذو النورين ثم عل ّ‬
‫المرتضى رضوان الله ‪ -‬تعالى ‪-‬عليهم أجمعين ‪ .-‬عابدين ثابتين على الحق‬
‫ومع الحق نتولهم جميعًا" ]‪ [123‬وقّرر هذا الطحاوي في بيان اعتقاد أهل‬
‫السّنة والجماعة على مذهب أبي حنيفة وصاحبيه حيث قال‪" :‬ونثبت الخلفة‬
‫بعد رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أول ً لبي بكر الصديق ‪ -‬رضي الله‬
‫عنه ‪-‬؛ تفضيل ً له وتقديما ً على جميع المة‪ ،‬ثم لعمر بن الخطاب ‪ -‬رضي الله‬
‫ي بن أبي طالب ‪ -‬رضي‬ ‫عنه ‪ ،-‬ثم لعثمان بن عفان ‪ -‬رضي الله عنه ‪ ،-‬ثم لعل ّ‬
‫الله عنه ‪ ،-‬وهم الخلفاء الراشدون والئمة المهتدون‪[124] " .‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫ي بن نعمان بن أبي طريفة‬ ‫وكان بالكوفة من رؤساء الشيعة محمد بن عل ّ‬


‫البلجي الكوفي‪ ،‬والذي لقبه أبو حنيفة بشيطان طاق نسب لسوق طاق‬
‫المحامل بالكوفة ]‪ .[125‬وإليه تنسب الشيطانّية من فرق الشيعة‪ ،‬جمع بين‬
‫ن الله ل يعلم الشر قبل أن يكون‪ .‬وكان‬ ‫بدعة التشيع في المامة والقول إ ّ‬
‫يروي حديث رد الشمس لعلي فهو حديث منكر مضطرب‪ ،‬فلفظه هو‪" :‬كان‬
‫ي ‪ -‬رضي‬ ‫رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يوحى إليه ورأسه في حجر عل ّ‬
‫الله عنه ‪ -‬فلم يصل العصر حتى غربت الشمس فقال رسول الله ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ :-‬اللهم إنه كان في طاعتك وطاعة رسولك فرد عليه‬
‫الشمس قالت أسماء‪ :‬فرأيتها غربت ثم رأيتها طلعت بعدما غربت" ]‪[126‬‬
‫ي‬
‫فلذلك كان بين شيطان طاق وأبي حنيفة مناظرات عديدة في فضائل عل ّ‬
‫بن أبي طالب ‪ -‬رضي الله عنه ‪ ،-‬أحدها في أمر حديث رد الشمس‪ ،‬وقد‬
‫أورد تلك المناظرة ابن تيمية في مناهج السّنة ]‪ [127‬وفيها‪" :‬أن أبا حنيفة‬
‫لقي محمد بن نعمان فقال أبو حنيفة‪ :‬عمن ُرّويت حديث رد الشمس؟ فقال‪:‬‬
‫عن غير الذي رويت عنه يا سارية الجبل" قال ابن تيمية على إثرها‪" :‬هذا يدل‬
‫على أن أئمة أهل العلم لم يكونوا يصدقون بهذا الحديث‪ ،‬فإنه لم يروه إمام‬
‫من أئمة المسلمين‪ .‬وهذا أبو حنيفة أحد الئمة المشاهير‪ ،‬وهو ل يتهم عليا ً‬
‫شيعة وسمع من فضائل‬ ‫فإّنه من أهل الكوفة دار الشيعة‪ ،‬وقد لقي من ال ّ‬
‫ي ما شاء الله‪ ،‬وهو يحبه ويتوله ومع هذا أنكر هذا الحديث على محمد بن‬ ‫عل ّ‬
‫النعمان‪ ،‬وأبو حنيفة أعلم وأفقه من الطحاوي وأمثاله ولم يجبه النعمان‬
‫ي وغيرهما‬ ‫بجواب صحيح إلى أن قال‪ :‬فأبو حنيفة ل ينكر أن يكون لعمر وعل ّ‬
‫كرامات‪ ،‬بل أنكر هذا الحديث للدلئل الكثيرة على كذبه ومخالفته للشرع‬
‫والعقل" ]‪.[128‬‬
‫وتناظر كذلك بمن هو أحق بالخلفة والرشد بعد النبي ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬فأجاب المام أبو حنيفة بما حيره فأسكته حيث قال له‪" :‬نحن نقول‬

‫‪157‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ي ‪ -‬رضي الله عنهما ‪ -‬الحق له فكان من أشد‬ ‫كان الحق للصديق‪ ،‬فسلم عل ّ‬
‫ي فأخذه الصديق بقوة فكان الصديق أشد‬ ‫الناس‪ ،‬وأنتم قلتم‪ :‬كان الحق لعل ّ‬
‫الناس حيث أخذ منه حقه بقوته بل تسليم" ]‪ ،[129‬فلجل كذب وتمويه‬
‫طائفةٍ من الشيعة رد المام أبو حنيفة شهاداتهم فل يجيزها‪.‬‬
‫جاء في كتاب الكفاية عن عمر بن إبراهيم قال‪" :‬سمعت ابن مبارك يقول‪:‬‬
‫سأل أبو عصمة المام أبا حنيفة بمن تأمرني أن أسمع الثر؟ قال‪ :‬من ك ّ‬
‫ل‬
‫عدل في هواه إل ّ الشيعة فإن أصل عقيدتهم تضليل أصحاب محمد ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪[130] " ...-‬‬
‫ن أبا حنيفة رد ّ شهادة من عرف‬‫وفي هذا المعنى يذكر ابن تيمية ]‪ [131‬أ ّ‬
‫شيعة وبدعتهم‪.‬‬‫بالكذب كالخطابية‪ ،‬هذا هو موقف المام من ال ّ‬
‫‪----------------------------------------‬‬
‫المصادر والمراجع‪:‬‬
‫]‪ [1‬إيقاظ الهمم ص ‪.62‬‬
‫]‪ [2‬النتقاء لبن عبد البر ص ‪.145‬‬
‫]‪ [3‬إيقاظ الهمم ص ‪.72‬‬
‫]‪ [4‬مناقب الشافعي ج ‪ 1‬ص ‪472‬؛ والرواية الخرى لبي نعيم في الحلية ج‬
‫‪ 9‬ص ‪.107‬‬
‫]‪ [5‬شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة ج ‪ 3‬ص ‪.430‬‬
‫]‪ [6‬إيقاظ الهمم ص ‪.113‬‬
‫]‪ [7‬مناقب أبي حنيفة للمكي ص ‪.20‬‬
‫]‪ [8‬تاريخ بغداد ج ‪ 5‬ص ‪.309‬‬
‫]‪ [9‬تاريخ بغداد ج ‪ 5‬ص ‪.310‬‬
‫]‪ [10‬الدر المختار ص ‪ 1‬ص ‪.56-55‬‬
‫]‪ [11‬رد المحتار ج ‪ 1‬ص ‪.57‬‬
‫]‪ [12‬الدر المختار ج ‪ 1‬ص ‪.53‬‬
‫]‪ [13‬الدر المختار ج ‪ 1‬ص ‪.52‬‬
‫]‪ [14‬مناقب أبي حنيفة للمكي ص ‪.54‬‬
‫]‪ [15‬عقود الجمان ص ‪.161‬‬
‫]‪ [16‬مناقب أبي حنيفة للمكي ص ‪.53‬‬
‫]‪ [17‬المام العظم أبو حنيفة المتكلم‪ ،‬لعناية الله إبلغ الفغاني ص ‪.96‬‬
‫]‪ [18‬تاريخ بغداد ج ‪ 13‬ص ‪.346‬‬
‫]‪ [19‬سير أعلم النبلء ج ‪ 6‬ص ‪.403‬‬
‫]‪ [20‬سير أعلم النبلء ج ‪ 6‬ص ‪.403‬‬
‫]‪ [21‬عقود الجمان ص ‪.261‬‬
‫]‪ [22‬سير أعلم النبلء ج ‪ 6‬ص ‪.403‬‬
‫]‪ [23‬الفقه البسط ص ‪.56‬‬
‫]‪ [24‬الفقه الكبر ص ‪.302‬‬
‫]‪ [25‬أصول البزدوي ص ‪ ،3‬كشف السرار هن أصول البزدوي ج ‪ 1‬ص ‪.8 ،7‬‬
‫]‪ [26‬شرح العقيدة الطحاوية ج ‪ 2‬ص ‪ 427‬تحقيق د‪ .‬التركي وجلء العينين‬
‫ص ‪.368‬‬
‫]‪ [27‬عقيدة السلف أصحاب الحديث ص ‪ ،42‬السماء والصفات للبيهقي ص‬
‫‪ ،456‬وسكت عليه الكوثري‪ ،‬شرح الطحاوية ص ‪ ،245‬شرح الفقه الكبر‬
‫للقاري ص ‪.60‬‬
‫]‪ [28‬مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ج ‪ 8‬ص ‪.251‬‬

‫‪158‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫]‪ [29‬الفقه الكبر ص ‪.302‬‬


‫]‪ [30‬الفقه البسط ص ‪ ،56‬وسكت عليه محقق الكتاب الكوثري‪.‬‬
‫]‪ [31‬روح المعاني ج ‪ 6‬ص ‪.156‬‬
‫]‪ [32‬الفقه الكبر ص ‪.301‬‬
‫]‪ [33‬الفقه الكبر ص ‪.302‬‬
‫]‪ [34‬الفقه البسط ص ‪.56‬‬
‫]‪ [35‬الفقه الكبر ص ‪.301‬‬
‫]‪ [36‬الفقه الكبر ص ‪.301‬‬
‫]‪ [37‬الفقه البسط ص ‪ ،49‬مجموع الفتاوى لبن تيمية ج ‪ 5‬ص ‪ ،48‬اجتماع‬
‫الجيوش السلمية لبن القيم ص ‪ ،139‬العلو للذهبي ص ‪ ،102 ،101‬العلو‬
‫لبن قدامة ص ‪ ،116‬شرح الطحاوية لبن أبي العز ص ‪.301‬‬
‫]‪ [38‬السماء والصفات ص ‪.429‬‬
‫]‪ [39‬الفقه الكبر ص ‪.301‬‬
‫]‪ [40‬الجواهر المنفية في شرح وصية المام ص ‪.10‬‬
‫]‪ [41‬شرح الوصية ص ‪.10‬‬
‫]‪ [42‬الرفع والتكميل ص ‪ 385‬بتصرف‪ ،‬وأقره محقق الكتاب ص ‪.387‬‬
‫]‪ [43‬الرفع والتكميل ص ‪ 387‬بتصرف‪.‬‬
‫]‪ [44‬أصول الدين عند المام أبي حنيفة ص ‪ 635-611‬بتصرف‪.‬‬
‫]‪ [45‬الفوائد البهية ص ‪.76‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫]‪ [46‬العلم ج ‪ 3‬ص ‪ .78‬شذرات الذهب ج ‪ 1‬ص ‪ .243‬العبر ج ‪ 1‬ص ‪.229‬‬


‫وفيات العيان ج ‪ 2‬ص ‪ .317‬الدكتور مصطفى الشكعة‪ ،‬المام العظم أبو‬
‫حنيفة ص ‪ .232‬بتصرف‪.‬‬
‫]‪ [47‬تاريخ بغداد ج ‪ 6‬ص ‪.107‬‬
‫]‪ [48‬الطبقات السنية ج ‪ 1‬ص ‪.198‬‬
‫]‪ [49‬تاريخ بغداد ج ‪ 6‬ص ‪.107‬‬
‫]‪ [50‬انظر مقدمة محقق كتاب مشيخة ابن طهمان ص ‪.4606‬‬
‫]‪ [51‬شرح أصول اعتقاد أهل السّنة ج ‪ 2‬ص ‪.306‬‬
‫]‪ [52‬تهذيب التهذيب ج ‪ 1‬ص ‪.131‬‬
‫]‪ [53‬الفوائد البهية ص ‪.145‬‬
‫]‪ [54‬الفوائد البهية ص ‪.145‬‬
‫]‪ [55‬معجم الدباء ج ‪ 17‬ص ‪.6‬‬
‫]‪ [56‬تاريخ بغداد ج ‪ 4‬ص ‪ .242‬ابن خلكان ج ‪ 6‬ص ‪ .378‬شذرات الذهب ج‬
‫‪ 1‬ص ‪ .298‬البداية والنهاية ج ‪ 10‬ص ‪ .180‬تذكرة الحفاظ ج ‪ 1‬ص ‪.292‬‬
‫بتصرف‪.‬‬
‫]‪ [57‬العقيدة الطحاوية بتعليق اللباني ص ‪.42‬‬
‫]‪ [58‬الثقات ج ‪ 7‬ص ‪.645‬‬
‫]‪ [59‬شرح أصول اعتقاد أهل السّنة ج ‪ 2‬ص ‪.277‬‬
‫]‪ [60‬شرح أصول اعتقاد أهل السّنة ج ‪ 2‬ص ‪.270‬‬
‫]‪ [61‬شرح أصول اعتقاد أهل السّنة ج ‪ 3‬ص ‪.730‬‬
‫]‪ [62‬الفوائد البهية ص ‪.224‬‬
‫]‪ [63‬شرح أصول اعتقاد أهل السّنة ج ‪ 2‬ص ‪.277‬‬

‫‪159‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫]‪ [64‬شرح أصول اعتقاد أهل السّنة ج ‪ 2‬ص ‪.250 ،249‬‬


‫]‪ [65‬العلم ج ‪ 6‬ص ‪ .309‬وفيات العيان ج ‪ 4‬ص ‪ .184‬تاريخ بغداد ج ‪ 2‬ص‬
‫‪ .172‬العبر ج ‪ 1‬ص ‪ .30 2‬شذرات الذهب ج ‪ 1‬ص ‪ .321‬بتصرف‪.‬‬
‫]‪ [66‬شرح أصول اعتقاد أهل السّنة ج ‪ 2‬ص ‪.277‬‬
‫]‪ [67‬مختصر العلو ص ‪.113‬‬
‫]‪ [68‬شرح أصول اعتقاد أهل السّنة ج ‪ 2‬ص ‪.271‬‬
‫]‪ [69‬الفوائد البهية ص ‪.68‬‬
‫]‪ [70‬خلق أفعال العباد ص ‪.69-68‬‬
‫]‪ [71‬شرح أصول اعتقاد أهل السّنة ج ‪ 2‬ص ‪.270‬‬
‫]‪ [72‬خلق أفعال العباد ص ‪.28‬‬
‫]‪ [73‬فتح الباري ج ‪ 13‬ص ‪453‬؛ ولفظه قال النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪:-‬‬
‫"يقول الله‪ :‬يا آدم فيقول لبيك وسعديك فينادي بصوت إن الله يأمرك أن‬
‫تخرج من ذرّيتك بعثا ً إلى النار"‪.‬‬
‫]‪ [74‬الفوائد البهية ص ‪.216‬‬
‫]‪ [75‬شرح أصول اعتقاد أهل السّنة ج ‪ 2‬ص ‪.271‬‬
‫]‪ [76‬شرح أصول اعتقاد أهل السّنة ج ‪ 3‬ص ‪.384‬‬
‫]‪ [77‬الفوائد البهية ص ‪.215‬‬
‫]‪ [78‬الفوائد البهية ص ‪.215‬‬
‫]‪ [79‬شرح أصول اعتقاد أهل السّنة ج ‪ 2‬ص ‪.288‬‬
‫]‪ [80‬الجرح والتعديل ج ‪ 4‬ص ‪.331‬‬
‫]‪ [81‬شرح أصول اعتقاد أهل السّنة ج ‪ 2‬ص ‪.308‬‬
‫]‪ [82‬فقه أهل العراق ص ‪.63‬‬
‫]‪ [83‬خلق أفعال العباد ص ‪.23‬‬
‫]‪ [84‬الفوائد البهية ص ‪.31‬‬
‫]‪ [85‬شرح أصول اعتقاد أهل السّنة ج ‪ 2‬ص ‪.506‬‬
‫]‪ [86‬شرح أصول اعتقاد أهل السّنة ج ‪ 2‬ص ‪.271‬‬
‫]‪ [87‬درء تعارض العقل والنقل ج ‪ 6‬ص ‪.265‬‬
‫]‪ [88‬شرح أصول اعتقاد أهل السّنة ج ‪ 2‬ص ‪.384‬‬
‫]‪ [89‬مشايخ بلخ من الحنفية ج ‪ 1‬ص ‪.164‬‬
‫]‪ [90‬شرح أصول اعتقاد أهل السّنة ج ‪ 2‬ص ‪.308‬‬
‫]‪ [91‬مشايخ بلخ من الحنفية ج ‪ 1‬ص ‪.164 ،125‬‬
‫]‪ [92‬الفوائد البهية ص ‪.12-11‬‬
‫]‪ [93‬الثقات ج ‪ 8‬ص ‪.76‬‬
‫]‪ [94‬الطبقات السنية ج ‪ 1‬ص ‪.255‬‬
‫]‪ [95‬تاريخ بغداد ج ‪ 14‬ص ‪.191‬‬
‫]‪ [96‬شرح أصول اعتقاد أهل السّنة ج ‪ 2‬ص ‪.291‬‬
‫]‪ [97‬تاريخ بغداد ج ‪ 14‬ص ‪.198‬‬
‫]‪ [98‬تاريخ بغداد ج ‪ 14‬ص ‪.198‬‬
‫]‪ [99‬تاريخ بغداد ج ‪ 14‬ص ‪.198‬‬
‫]‪ [100‬الفوائد البهية ص ‪.19‬‬
‫]‪ [101‬الفوائد البهية ص ‪.19‬‬
‫]‪ [102‬الطبقات السنية ج ‪ 3‬ص ‪.180‬‬
‫]‪ [103‬الطبقات السنية ج ‪ 3‬ص ‪.180‬‬
‫]‪ [104‬تاريخ أصبهان ج ‪ 1‬ص ‪.298‬‬

‫‪160‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫]‪ [105‬مشايخ بلخ من الحنفية ج ‪ 1‬ص ‪.131‬‬


‫]‪ [106‬شرح أصول اعتقاد أهل السّنة ج ‪ 2‬ص ‪.308‬‬
‫]‪ [107‬سير أعلم النبلء ج ‪ 15‬ص ‪.27‬‬
‫]‪ [108‬وفيات العيان ج ‪ 1‬ص ‪ .71‬البداية والنهاية ج ‪ 11‬ص ‪ .174‬لسان‬
‫الميزان ج ‪ 1‬ص ‪ .274‬شذرات الذهب ج ‪ 2‬ص ‪ .288‬العلم ج ‪ 1‬ص ‪.197‬‬
‫]‪ [109‬سير أعلم النبلء ج ‪ 15‬ص ‪.27‬‬
‫]‪ [110‬سير أعلم النبلء ج ‪ 15‬ص ‪.29‬‬
‫]‪ [111‬كتاب معيد النعم ومبيد النقم ص ‪.62‬‬
‫]‪ [112‬النور اللمع ص ‪/69‬أ‪.‬‬
‫]‪ [113‬النور اللمع ص ‪/2‬ب‪.‬‬
‫]‪ [114‬فتاوى ابن صلح ج ‪ 1‬ص ‪.209‬‬
‫]‪ [115‬تبديد الظلم ص ‪.137‬‬
‫]‪ [116‬الشيعة وفنون السلم ص ‪.74‬‬
‫]‪ [117‬مناهج السنة ج ‪ 6‬ص ‪.231‬‬
‫]‪ [118‬النبوات ص ‪.132‬‬
‫ي بن‬‫]‪ [119‬كتاب النبوات ص ‪ ،132‬قال ابن تيمية‪" :‬قد تواتر هذا عن عل ّ‬
‫أبي طالب"‪.‬‬
‫]‪ [120‬أخرجه البخاري‪ :‬كتاب فضائل الصحابة باب قول النبي ‪ -‬صلى الله‬
‫ل" ج ‪ 7‬ص ‪ 20‬ح ‪4629‬؛ من طريق أبي‬ ‫عليه وسلم ‪" :-‬لو كنت متخذا ً خلي ً‬
‫يعلى عن محمد بن الحنيفة‪.‬‬
‫]‪ [121‬أخرجه البخاري‪ :‬كتاب فضائل الصحابة باب فضل أبي بكر الصديق‬
‫بعد النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ج ‪ 7‬ص ‪ 16‬ح ‪3655‬؛ من طريق نافع عن‬
‫ابن عمر‪.‬‬
‫]‪ [122‬أخرجه البخاري‪ :‬كتاب فضائل الصحابة باب مناقب عثمان بن عفان ج‬
‫‪ 7‬ص ‪ 53‬ح ‪3697‬؛ من طريق نافع ع‬
‫‪ 23‬من ربيع الثاني ‪1423‬هـ‬
‫‪ http://arabic.islamicweb.com‬المصدر‪:‬‬
‫براءة الحنفية من الفرق البدعية ) ‪( 2 - 2‬‬
‫أبو إبراهيم الرئيسي الحنفي‬
‫ثالثُا‪:‬الحنفية من الزيدية‪:‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫ي بن أبي طالب ‪ -‬رضي الله عنه ‪-‬‬ ‫ي بن الحسين بن عل ّ‬‫هم أتباع زيد بن عل ّ‬
‫ساقوا المامة في أولد فاطمة ‪ -‬رضي الله عنها ‪ -‬ول يرونها في غيرهم‪ ،‬إل ّ‬
‫وزوا إمامة المفضول مع وجود الفاضل‪ ،‬لذا صححوا إمامة أبي بكر‬ ‫أنهم ج ّ‬
‫ي ل يتبرأ من الشيخين‪ ،‬فلما‬
‫الصديق ‪ -‬رضي الله عنه ‪ .-‬وكان زيد بن عل ّ‬
‫سمعت شيعة الكوفة هذه المقالة رفضوه فسميت رافضة ]‪ .[132‬وقد تتلمذ‬
‫ي هذا على واصل بن عطاء الغّزال إمام المعتزلة‪ ،‬وحكى المقبلي‬ ‫زيد بن عل ّ‬
‫]‪ [133‬عن بعض الشعرية أن الزيدية مقلدون للمعتزلة في الصول‪،‬‬
‫والحنفية في الفروع‪ .‬ولكن علق على ذلك بقوله‪" :‬فليس موافقتهم للحنفية‬
‫غالبة‪ ،‬بل ذلك في بعض أئمتهم" ]‪ .[134‬لكن ذكر الشيخ أحمد بن عبد الحد‬
‫السرهندي الحنفي‪" :‬أن الزيدية في الفروع على مذهب أبي حنيفة وفي‬
‫الصول على مذهب المعتزلة" ]‪ .[135‬أما الكوثري فقد ذكر أن مذهب زيد‬

‫‪161‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ي متفق في معظمه مع مذهب أبي حنيفة لتحاد مصدر المذهبين ]‬ ‫بن عل ّ‬


‫‪.[136‬‬
‫فتأثر الزيدية بالمام أبو حنيفة‪ ،‬ذلك لن المام كان يرى في أول أمره جواز‬
‫ي أي الخروج بالسيف على السلطان الجائر‪ ،‬فقد قال‬ ‫الخروج مع زيد بن عل ّ‬
‫الجصاص‪" :‬وكان مذهبه ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬مشهورا ً في قتال الظلمة وأئمة‬
‫الجور‪ ،‬لذلك قال الوزاعي‪ :‬احتملنا أبا حنيفة على كل شيء حّتى جاءنا‬
‫بالسيف بعني قتال الظلمة فلم نحتمل‪ ،‬ثم قال‪ :‬وقضيته في أمر يزيد بن‬
‫ي مشهورة في حمله المال إليه‪ ،‬وفتيا الناس سرا ً في وجوب نصرته‬ ‫عل ّ‬
‫والقتال معه‪ ،‬وكذلك أمره مع محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن حسن‪] "...‬‬
‫‪ [137‬فقد خرج مع محمد بن عبد الله بن حسن بالمدينة وأخوه بالبصرة‬
‫قراء‪ ،‬ومنهم أبو حنيفة‪.‬قال ابن العماد‪" :‬خرج مع‬ ‫فأّيدهم بعض العلماء وال ُ‬
‫إبراهيم كثير من العلماء منهم هشيم وأبو خالد الحمر وعيسى بن يونس‬
‫وعياد بن العوام ويزيد بن هارون وأبو حنيفة كان يجاهر بأمره ويحث الناس‬
‫على الخروج معه كما كان مالك يحث الناس على الخروج مع أخيه محمد" ]‬
‫‪ [138‬ويؤيد ما حكاه الجصاص وابن العماد ما أخرجه عبد الله بن أحمد في‬
‫السنة بسند ٍ صحيٍح عن أبي يوسف قال‪" :‬كان أبو حنيفة يرى السيف" ]‬
‫ل لبن‬ ‫‪ .[139‬وروي كذلك بسند صحيح عن إبراهيم بن شماس قال‪" :‬قال رج ٌ‬
‫المبارك ونحن عنده إن أبا حنيفة كان مرجئا ً يرى السيف فلم ينكر عليه ذلك‬
‫ابن المبارك" ]‪.[140‬‬
‫ل على‬ ‫ولكن‪ ،‬قد أستقر آخر المر عند المام أبو حنيفة على عدم الخروج‪ .‬د ّ‬
‫هذا ما قرره واختاره الطحاوي في بيان اعتقاد أهل السّنة والجماعة على‬
‫مذهب أبي حنيفة وصاحبيه حيث قال‪" :‬ول نرى الخروج على أئمتنا وولة‬
‫أمورنا وإن جاروا ول ندعو عليهم‪ ،‬ول ننزع يدا ً من طاعتهم‪ ،‬ونرى طاعتهم‬
‫صلح‬ ‫ة‪ ،‬وندعو لهم يال ّ‬ ‫ة‪ ،‬ما لم يأمروا بمعصي ٍ‬ ‫من طاعة الله ‪ -‬عز وجل ‪ -‬فريض ً‬
‫والمعافاة" ]‪ .[141‬وما ذكره الطحاوي هو ما حكاه ابن الهمام عن أبي حنيفة‬
‫في المسايرة وأقّره الشارحان‪ ،‬ابن أبي الشريف وابن قطلوبغا وكذا ذكره‬
‫ل‪ ،‬ثم جار وفسق لم ينعزل‪ ،‬ويستحق‬ ‫البزدوي‪ .‬قال ابن همام‪" :‬وإذا قّلد عد ً‬
‫العزل إن لم يستلزم فتنة‪ ،‬ويجب أن يدعى له ول يجب الخروج عليه كذا عن‬
‫أبي حنيفة وكلمتهم قاطبة" ]‪ .[142‬وقال البزدوي‪" :‬المام إذا جار أو فسق‬
‫ي" ]‪.[143‬‬ ‫ل ينعزل عند أصحاب أبي حنيفة بأجمعهم وهو المذهب المرتض ّ‬
‫وقد اقر المام أبو حنيفة نفسه بهذا‪ ،‬فقد سأله أبو مطيع البلخي قائل ً له‪" :‬‬
‫ما تقول فيمن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فيّتبعه على ذلك ناس‬
‫فيخرج على الجماعة‪ ،‬هل ترى ذلك؟ قال‪ :‬ل‪ .‬قلت‪ :‬ولم؟ وقد أمر الله ‪-‬‬
‫تعالى ‪-‬ورسوله بالمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهذا فريضة واجبة‪.‬‬
‫فقال‪ :‬وهو كذلك‪ ،‬لكن ما يفسدون من ذلك يكون أكثر مما يصلحون من‬
‫سفك الدماء واستحلل المحارم وانتهاب الموال‪ ،‬وقد قال الله ‪ -‬تعالى ‪:-‬‬
‫ما عََلى‬ ‫َ‬
‫داهُ َ‬
‫ح َ‬ ‫ما فَِإن ب َغَ ْ‬
‫ت إِ ْ‬ ‫حوا ب َي ْن َهُ َ‬ ‫ن اقْت َت َُلوا فَأ ْ‬
‫صل ِ ُ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م َ‬
‫ن ِ‬
‫فَتا ِ‬ ‫}وَِإن َ‬
‫طائ ِ َ‬
‫َ‬ ‫اْل ُ ْ‬
‫ه{ ]الحجرات‪ [9 :‬قال أبو‬ ‫مرِ الل ّ ِ‬ ‫فيَء إ َِلى أ ْ‬ ‫حّتى ت َ ِ‬ ‫قات ُِلوا ال ِّتي ت َب ِْغي َ‬‫خَرى فَ َ‬
‫مطيع‪ :‬فنقاتل الفئة الباغية بالسيف؟ قال‪ :‬نعم تأمر وتنهى فإن قبل وإل ّ‬
‫قاتلته فتكون مع الفئة العادلة وإن كان المام جائرًا‪ ،‬ثم قال له بعد ذلك‪:‬‬
‫وكن مع الفئة العادلة والسلطان الجائرِ ول تكن مع أهل البغي" ]‪ [144‬وهذا‬
‫يدل على إن المر استقر عند المام على عدم الخروج‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬الحنفية من المعتزلة‪:‬‬

‫‪162‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(12 /‬‬

‫إن إمام المعتزلة هو واصل بن عطاء بن حذيفة الغزال من موالي بني ضبة‬
‫أو بني مخزوم‪ .‬لقب بالغزال ولم يكن غزال لتردده على سوق الغزالين‪.‬‬
‫سمي أصحابه بالمعتزلة لعتزاله حلقة درس الحسن البصري مع صاحبه‬
‫عمرو بن عبيد‪ .‬إن العتزال كمذهب عقائدي نشأ حين افترق الناس إلى‬
‫الخوارج وشيعة‪ ،‬وتساءل الناس عن مصير الذين خاضوا في الفتن‪ ،‬وفيها‬
‫قتلت نفوس بغير حق‪ ،‬مما يعتبر من الذنوب الكبائر‪ .‬وهنا طرحت مسألة‬
‫مرتكب الكبيرة‪ ،‬فقال لخوارج الذين خرجوا على علي بن أبي طالب ‪ -‬رضي‬
‫الله عنه ‪ -‬إن مرتكب الكبيرة كافر يجب قتله وهو مخلد في النار‪ ،‬وسئل‬
‫الحسن البصري عن ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬إنه مؤمن ولكنه فاسق‪ ،‬فخالفه تلميذه‬
‫واصل بن عطاء ومعه عمرو بن عبيد فقال‪ :‬إن مرتكب الكبيرة فاسق‪ ،‬ولكنه‬
‫في منزلة بين المنزلتين‪ ،‬فهو غير مؤمن إيمانا ً مطلقًا‪ ،‬ول هو كافر مطلقًا‪،‬‬
‫ويكون كافرا ً ومخلدا ً في النار إذا مات ولم يتب توبة نصوحًا‪ .‬وهنا أعتزل‬
‫واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد مجلس أستاذهما الحسن البصري وسمي‬
‫أتباعهما المعتزلة‪ .‬كان هذا بداية اتجاه فكري‪ ،‬وسمو بالعقلنيين‪ ،‬أحرار الفكر‬
‫الذين يقولون بأن للعقل الولية الولى في الحكم على الشياء‪ .‬وبذلك يكون‬
‫لمفكري السلم قصب السبق إلى هذا التجاه الفكري‪ .‬أقام المعتزلة‬
‫ل؛ التوحيد‪ :‬وهو لب مذهبهم‪ ،‬فهم يرون‬ ‫مذهبهم على خمس أصول هي‪ :‬أو ً‬
‫أن الله واحد أحد ليس كمثله شيء‪ ،‬وأنه ليس بجسم ول شبح ول صورة ول‬
‫شخص‪ ،‬ول هو جوهر ول عرض‪ ،‬وهو عندهم منزه عن المشابهة والمماثلة مع‬
‫المخلوقات والمحدثات‪ .‬وقالوا‪ :‬لو كان لله صفة كالعلم والرادة والسمع‬
‫والبصر‪ ،‬مستقلة عن ذاته‪ ،‬لقتضى أن تكون تلك الصفة قديمة‪ ،‬والقرار‬
‫بقدمها يقتضي القرار بوجود قديمين‪ ،‬وبذلك يكون لله شريك في القدم‪،‬‬
‫وهذا شرك ينافي التوحيد‪ .‬وعلى ذلك بنوا قولهم بنفي الصفات عن الله‬
‫وبخلق القرآن ‪ -‬تعالى ‪-‬الله عما يقول الظالمون ‪ .-‬ثانيًا؛ حرية الختيار‪:‬‬
‫وعندهم أن الصل في النسان أنه حر في اختيار أفعاله‪ ،‬وهو الذي يفعلها‬
‫ويحاسب عليها‪ ،‬فيثاب إن كانت خيرا ويعاقب إن كانت شرا‪ .‬فهو مسئول عن‬
‫أفعاله‪ .‬وعندهم أن النسان قادر على خلق أفعاله بقدرة أودعها الله فيه‪،‬‬
‫وجعله يميز بها الخير عن الشر‪ .‬ومن أجل ذلك سمي مذهبهم بمذهب‬
‫القدرية نسبة إلى قدرة النسان على صنع أعماله‪ ،‬وفي ذلك خالفوا الجبرية‬
‫الذين قالوا إن الله هو الذي يخلق أفعال النسان‪ ،‬وإن النسان مجبر عليها‬
‫ول خيرة له فيها‪ .‬وحجة المعتزلة في مذهبهم أن الله ‪ -‬تعالى ‪-‬لو كان هو‬
‫الذي يخلق أفعال الشر‪ ،‬فيكون ظالما ً إذا حاسب النسان عليها والله ‪ -‬تعالى‬
‫‪-‬منزه عن الجور‪ .‬وقد تلقوا هذا الساس عن معبد الجهني وغيلن الدمشقي‬
‫القدريين‪ .‬ثالثًا؛ الوعد والوعيد‪ :‬وهو يعني أن من أطاع الله ‪ -‬تعالى ‪-‬دخل‬
‫الجنة‪ ،‬ومن عصاه دخل النار‪ ،‬وهذا وعد الله للمطيعين ووعيده للعاصين‪ .‬من‬
‫هذا الصل قالوا‪ :‬ل يغني عن المرء إيمانه إذا لم يفعل الخير ويصدق العمل‬
‫الصالح هذا اليمان‪ .‬رابعًا؛ المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ :‬ومن هذا‬
‫الصل انطلقوا في الدفاع عن السلم والذود عنه أمام سيل الزندقة الذي‬
‫اندفع في أول العصر العباسي‪ .‬خامسًا؛ المنزلة بين المنزلتين‪ :‬ويعني الحكم‬
‫على مرتكبي الذنوب الكبيرة بالخلود في النار إذا ماتوا دون توبة نصوح‪،‬‬
‫وتسميتهم فسقة وجعلهم في مرتبة أدنى من المؤمنين وأعلى من الكفار‪،‬‬
‫وهذا ما عنوه بقولهم إنهم في منزلة بين المنزلتين‪ [145] .‬والمعتزلة كانوا‬

‫‪163‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في بدايتهم أصحاب فكر جدلي منطقي متحمس وثقافة واسعة ناقدة‬
‫استخدموها في الدفاع عن العقيدة السلمية وفي مواجهة خصوم السلم‬
‫خصوصا ً من أصحاب الديان المنسوخة وبعض أصحاب الثقافات الدينية‬
‫الوثنية الذين دخلوا بتراثهم إلى السلم وأردوا نشره بين المسلمين‪ ،‬فكان‬
‫للمعتزلة في البداية‪ ،‬جهد مشكور ودور محمود ونجاح مشهود في هذا‬
‫المضمار‪ .‬ولن الخصم في الطرف المقابل يرفض القبول بالنقل عن نصوص‬
‫السلم كحجة عليه والمعتزلة يرفضون نصوص عقيدته أو ثقافته كحجة‬
‫عليهم أو على السلم‪ ،‬كان لبد من لجوء الطرفين إلى الدلة العقلية‬
‫المحضة في المجادلة والحجاج وكان النصر في الغالب حليف المعتزلة على‬
‫خصومهم من أصحاب الديان المنسوخة والنحل الوثنية‪ .‬لكن طول الجدل‬
‫والحجاج بالدلة العقلية أدى بالمعتزلة كما قلنا آنفا ً إلى حالة من العدوى‬
‫المزمنة وإلى نوع من الشطط والفراط والغراق في استخدام تلك‬
‫الفرضيات والنظريات والبراهين العقلية‪ ،‬وأتجه بهم إلى الركون المطلق‬
‫على العقل فقط ورفض ‪ -‬أو على القل ‪ -‬استبعاد النقل من نصوص القرآن‬
‫والسنة في مسائل العقيدة‪ ،‬وإلى تطرف وتعصب ممقوت وإلى تقديس‬
‫للعقل وإعجاب بالنفس واستعلء على الغير فاعتسفوا وتنطعوا كثيرا وبشكل‬
‫أدى بهم إلى انحرافات خطرة كان من أبرزها رفض الدلة النقلية من نصوص‬
‫المصادر السلمية في مسائل العقيدة بل ومخالفتها في كثير من الحيان من‬
‫النقيض إلى النقيض وإلى‬

‫)‪(13 /‬‬

‫الستقواء بالحكام الذين ذهبوا مذهبهم لفرض معتقداتهم كما حصل في‬
‫قضية خلق القرآن في عهد المأمون العباسي وغيرها من أصولهم الخمسة‪،‬‬
‫حين فرضوها على العلماء والعامة بسوط السلطان وقهر القوة وإرهاب‬
‫الدولة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وفد تسرب العتزال إلى الحنفية شيئا فشيئا حتى دخل العتزال إلى أسرة‬
‫المام أبي حنيفة فقد كان حفيد المام من دعاة الفتنة بخلق القرآن ]‪.[146‬‬
‫ومن هؤلء الحنفية المعتزلة ]‪:[147‬‬
‫‪ (1‬إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة‪.‬‬
‫‪ (2‬بشر المريسي‪ ،‬جهمي معطل خالف المعتزلة في أفعال العباد ووافق‬
‫السلف لذا هجرته المعتزلة‪[148] .‬‬
‫‪ (3‬محمد بن شجاع البلخي‪ ،‬تلميذ المريسي‪[149] .‬‬
‫‪ (4‬أحمد بن ابن أبي داود بن جرير الحنفي المعتزلي‪ ،‬قاضي المأمون‪] .‬‬
‫‪[150‬‬
‫‪ (5‬محمد بن أبي الليث الصم الحنفي المعتزلي‪ ،‬قاضي مصر وأحد رؤوس‬
‫الفتنة في تعذيب أهل السّنة‪[151] .‬‬
‫‪ (6‬أبو هاشم عبد السلم بن محمد بن عبد الوهاب الجبائي الحنفي المعتزلي‬
‫إمام الهاشمية من فرق المعتزلة‪[152] .‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫صاف‪ ،‬قال عنه اللكنوي‪ " :‬كان فرضيا عارفا بمذهب‬ ‫خ ّ‬‫‪ (7‬أحمد بن عمر ال َ‬
‫أبي حنيفة" ]‪.[153‬‬
‫‪ (8‬عبد الله بن احمد البلخي أبو قاسم الكعبي الحنفي إمام الكعيبة من‬
‫المعتزلة بغداد‪[154] .‬‬
‫ي البصري أبو الحسين الحنفي المعتزلي صاحب كتاب‬ ‫‪ (9‬محمد بن عل ّ‬

‫‪164‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫"المعتمد في الصول"‪[155] .‬‬


‫ي محمد بن عبد الوهاب الجبائي الحنفي‪ ،‬إمام المعتزلة في وقته‬ ‫‪ (10‬أبو عل ّ‬
‫وشيخ أبي الحسن الشعري‪[156] .‬‬
‫‪ (11‬أحمد بن الحسين أبو سعيد البردعي القاضي الحنفي‪ ،‬رأس المعتزلة‬
‫وشيخ أبي الحسن عبيد الله الكرخي‪[157] .‬‬
‫ي البصري المعتزلي الحنفي‪ ،‬قال عنه الصيمري‪" :‬لم‬ ‫‪ (12‬الحسين بن عل ّ‬
‫يبلغ أحد مبلغه في العلمين أعني الفقه والكلم"‪[158] .‬‬
‫‪ (13‬أبو الفتح عثمان بن جني الحنفي المعتزلي‪[159] .‬‬
‫ي بن الحسين الحنفي المعتزلي أبو سعيد السمان‪] .‬‬ ‫‪ (14‬إسماعيل بن عل ّ‬
‫‪[160‬‬
‫‪ (15‬عبد الجبار بن أحمد بن الخليل بن عبد الله الهمداني المعتزلي الحنفي‪.‬‬
‫]‪[161‬‬
‫‪ (16‬محمود بن عمر الزمخشري‪ ،‬قال عنه اللكنوي‪" :‬كان إمام عصره بل‬
‫مدافع نحويا ً ذكيا ً فقيها ً مناظرا ً متكلما ً أديبا ً شاعرا ً مفسرا ً من أكابر الحنفية‪،‬‬
‫حنفي المذهب معتزلي المعتقد‪[162] " .‬‬
‫‪ (17‬مختار بن محمد أبو رجاء نجم الدين الزاهدي الغزميني‪ ،‬قال عنه‬
‫اللكنوي‪" :‬كان من كبار الئمة وأعيان الفقهاء عالمًا‪ ...‬له اليد الباسطة في‬
‫الخلف والمذهب والباع الطويل في الكلم والمناظرة‪ ...‬صرح ابن وهبان‬
‫وغيره أنه معتزلي العتقاد حنفي الفروع‪[163] " .‬‬
‫وغيرهم من أئمة العتزال‪ .‬قال المعلمي‪" :‬وهل كانت المحنة في زمن‬
‫المأمون والمعتصم والواثق إل ّ على يدي أصحابكم يعني الحنفية المعتزلة‬
‫ينسبون أقوالهم إلى صاحبكم يعني أبا حنيفة إلى أن قال‪ :‬كانت المحنة على‬
‫ة الواثق‪،‬‬
‫ة المعتصم‪ ،‬وخلف َ‬ ‫ة المأمون‪ ،‬وخلف َ‬ ‫يدي أصحابكم‪ ،‬واستمرت خلف َ‬
‫وكانت قوة الدولة كلها تحت إشارتهم‪ ،‬فسعوا في نشر مذهبهم في العتقاد‬
‫وفي الفقه في جميع القطار‪ ،‬وعمدوا إلى من يخالفهم في الفقه بأنواع‬
‫الذى ولذلك تعمدوا أبا مسهر عبد العلى بن مسهر عالم الشام وارث فقه‬
‫الوزاعي والمام أحمد بن حنبل حامل راية فقه الحديث وأبا يعقوب البويطي‬
‫خليفة الشافعي وابن الحكم وغيره‪[164] " .‬‬
‫وكان من أشد الناس تعذيبا ً للمخالفين وتحمسا للقول بخلق القرآن‪ ،‬أحمد بن‬
‫ً‬
‫أبي داود قاضي القضاة ومحمد بن أبي الليث قاضي مصر في أيام المعتصم‬
‫والواثق‪ .‬قال ابن قديد‪" :‬ورد كتاب المعتصم على هارون بن عبد الله قاضي‬
‫مصر بحمل الفقهاء في المحنة فاستغنى هارون من ذلك فكتب ابن أبي داود‬
‫إلى محمد بن أبي الليث يأمره بالقيام في المحنة وذلك قبل وليته القضاء‬
‫وكان رأسا ً في القيام بذلك فحمل نعيم بن حماد والبويطي وخشنام المحدث‬
‫ي بن عمرو بن خالد‪" :‬لما استخلف‬ ‫في جمٍع كثيرٍ سواهم‪ [165] " .‬وقال عل ّ‬
‫الواثق ورد كتابه على محمد بن أبي الليث بامتحان الناس أجمع‪ ،‬فلم يبقَ أحد‬
‫من فقيه ول محدث ول مؤذن ول معلم حتى ُأخذ بالمحنة‪ ،‬فهرب كثير من‬
‫الناس‪ ،‬وملئت السجون ممن أنكر المحنة‪ ،‬وأمر ابن أبي الليث بالكتتاب على‬
‫المساجد "ل إله إل الله رب القرآن المخلوق" فكتب بذلك على المساجد‬
‫فسطاط مصر‪ ،‬ومنع الفقهاء من أصحاب مالك والشافعي من الجلوس في‬
‫المساجد‪ ،‬وأمرهم أل ّ يقربوه‪[166] " .‬‬

‫)‪(14 /‬‬

‫‪165‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫واستمرت المحنة حتى تولى الخلفة المتوكل؛ فأظهر الله السّنة وفرج عن‬
‫الناس ]‪ .[167‬قال الذهبي‪" :‬وفي سنة ‪234‬هـ أظهر المتوكل السّنة‪ ،‬وزجر‬
‫عن القول بخلق القرآن‪ ،‬وكتب بذلك إلى المصار واستقدم المحدثين إلى‬
‫سمراء وأجزل صلتهم ورووا أحاديث الرؤية والصفات‪ [168] " .‬وقال ابن‬
‫الجوزي‪" :‬وفي سنة ‪407‬هـ استتاب القادر بالله أمير المؤمنين فقهاء‬
‫المعتزلة الحنفية فأظهروا الرجوع وتبرأوا من العتزال ثم نهاهم عن الكلم‬
‫والتدريس والمناظرة في العتزال والرفض والمقالت المخالفة للسلم‪،‬‬
‫وأخذ خطوطهم بذلك‪ ،‬وأنهم متى خالفوه حل بهم من النكال والعقوبة ما‬
‫يّتعظ بن أمثالهم‪[169] " .‬‬
‫المام أبو حنيفة ثاقب البصيرة‪ ،‬وقد علم بشر المعتزلة ولعنهم‪ ،‬فقد لعن‬
‫المام أبو حنيفة عمرو بن عبيد صاحب واصل بن عطاء إمام العتزال؛ فقد‬
‫روى الهروي عن محمد بن الحسن قال‪" :‬قال أبو حنيفة‪ :‬لعن الله عمرو بن‬
‫عبيد فإنه فتح للناس الطريق إلى الكلم‪ [170] " .‬وقال المام أبو حنيفة عن‬
‫المعتزلة‪" :‬لم يكن في طبقات أهل الهواء أحد أجدل من المعتزلة؛ لن‬
‫ظاهر كلمهم مموه تقلبه القلوب‪ [171] " .‬وأنكر عليهم إبطالهم للصفات‬
‫حيث قال‪" :‬ول يقال‪ :‬إن يده قدرته أو نعمته لن فيه أبطال الصفة‪ ،‬وهو قول‬
‫أهل القدر والعتزال‪ ،‬ولكن يده صفته بل كيف‪ [172] " .‬ورد عليهم قولهم‪:‬‬
‫إن القرآن مخلوق؛ حيث قال‪" :‬وكلم الله ‪ -‬تعالى ‪-‬غير مخلوق‪[173] " .‬‬
‫وقرر هذا الطحاوي في بيان اعتقاد أهل السّنة والجماعة على مذهب أبي‬
‫حنيفة وصاحبيه؛ حيث قال‪" :‬وأيقنوا أنه كلم الله ‪ -‬تعالى ‪-‬بالحقيقة ليس‬
‫بمخلوق ككلم البرية‪[174] " .‬‬
‫أما الصاحبان فأبو يوسف كان يرمي المعتزلة بالزندقة ]‪ ،[175‬وأما محمد‬
‫بن الحسن فيوصي من صّلى خلف المعتزلي بإعادة صلته ]‪ [176‬ويرى أن‬
‫المعتزلي ل تجوز الصلة عليه ]‪ .[177‬وبالجملة فكتاب المام أبو حنيفة‬
‫"الفقه الكبر" رد على الجهمية والمعتزلة فيما أنكروا من أسماء الله ‪ -‬تعالى‬
‫‪-‬وصفاته‪ ،‬فقد ضمنه جملة من الصفات اللهية التي وردت في الكتاب‬
‫والسّنة الصحيحة‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬الحنفية من المرجئة‪:‬‬
‫المرجئة والخوارج فرقتان متقابلتان في اليمان‪ ،‬فالخوارج تعد كل كبيرا ً كفرا ً‬
‫سواء كفر نعمة أو كفر شرك‪ ،‬فجاءت المرجئة فأعلنت أن اليمان هو‬
‫المعرفة ]‪ [178‬فقط‪ .‬وهؤلء معروفون بمرجئة الجهمية‪ ،‬وبعضهم قالوا‪" :‬إن‬
‫اليمان هو إقرار باللسان ]‪ ،[179‬وهم مرجئة الكرامية‪ ،‬وبعضهم زعموا أن‬
‫اليمان‪ :‬هو تصديق فقط ]‪ .[180‬وذهب جمهورهم ]‪ [181‬إلى أن القرار‬
‫شرط لجراء الحكام الدنيوية وهؤلء معروفون بمرجئة الماتريدية‪ .‬وقال‬
‫بعضهم‪ :‬إن اليمان هو التصديق والقرار ]‪ .[182‬وهؤلء معروفون بمرجئة‬
‫الفقهاء‪ .‬وسموا مرجئة لنهم أخروا العمل عن اليمان‪" .‬‬
‫ولم يكن في زمن المام أبي حنيفة إل مرجئة الكرامية ومرجئة الفقهاء‪،‬‬
‫فكان المام أبو حنيفة يرد على من يقول‪ :‬إن اليمان هو المعرفة‪ ،‬وأن أهل‬
‫القبلة ل يدخلون النار مهما اقترفوا من المعاصي‪ ،‬وزعموا أنه ل يضر مع‬
‫اليمان معصية‪ ،‬كما ل تنفع مع الكفر طاعة ]‪" :[183‬ونقول‪ :‬إن المؤمن ل‬
‫تضره الذنوب‪ ،‬ل نقول‪ :‬إنه ل يدخل النار‪ ...‬ول نقول إن حسناتنا مقبولة‬
‫وسيئاتنا مغفورة كقول المرجئة‪[184] " .‬‬
‫مع هذا فأبو حنيفة عنده شيء من الرجاء الخفيف‪ ،‬وهو من مرجئة الفقهاء‪،‬‬
‫غير أنه بريء من بقية أنواع الرجاء‪ .‬ولقد تبرأ المام أبو حنيفة ممن نسب‬

‫‪166‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إليه الرجاء؛ فقال في رسالته إلى البتي‪" :‬وأما ما ذكرت من اسم المرجئة‬
‫فما ذنب قوم تكلموا بعدل‪ ،‬وسماهم أهل البدع بهذا السم‪ ،‬ولكنهم أهل عدل‬
‫وأهل السّنة وإنما هذا اسم سماهم به أهل الشنآن‪ [185] " .‬وإنما قال ذلك‬
‫بناء على مفهوم الرجاء عنده‪ ،‬وهو مذهب غلة المرجئة الذين يجعلون‬
‫اليمان‪ :‬هو المعرفة؛ فل يضر معه ذنب‪ .‬والمسائل الخلفية بين مرجئة‬
‫الفقهاء وبين بقية أهل السّنة يرجع إلى خلف لفظي في بعض المسائل‬
‫المتنازع فيها‪ ،‬يقول شيخ السلم ابن تيمية‪" :‬إنه لم يكفر أحد‪ ،‬من السلف‬
‫من مرجئة الفقهاء‪ ،‬بل جعلوا هذا من بدع القوال والفعال‪ ،‬ل بدع العقائد‪،‬‬
‫فإن كثيرا ً من النزاع فيها لفظي‪ ،‬لكن اللفظ المطابق للكتاب والسّنة هو‬
‫الصواب‪ [186] " .‬ويقول‪" :‬ومما ينبغي أن يعرف أن أكثر التنازع بين أهل‬
‫السّنة في هذه المسألة هو نزاع لفظي‪ ،‬وإل ّ فالقائلون بأن اليمان قول من‬
‫فقهاء كحماد بن أبي سليمان وهو أول من قال ذلك‪ ،‬ومن اتبعه من أهل‬
‫الكوفة وغيرهم متفقون مع جميع علماء السّنة أن أصحاب الذنوب داخلون‬
‫تحت الذم والوعيد وإن قالوا‪ :‬إن إيمانهم كما كإيمان جبريل‪ ،‬فهم يقولون‪ :‬إن‬
‫اليمان بدون العمل المفروض ومع فعل المحرمات يكون صاحبه مستحقا ً‬
‫للذم والعقاب كما تقوله الجماعة‪ .‬ويقولون أيضًا‪ :‬إن من أهل الكبائر من‬
‫يدخل النار كما تقوله الجماعة‪[187] " .‬‬

‫)‪(15 /‬‬
‫فإن بين مرجئة الفقهاء‪ ،‬ومنهم المام أبو حنيفة‪ ،‬وبين بقية أئمة السّنة قدرا ً‬
‫مشتركا ً وقدرا ً مفترقًا‪ .‬فأما القدر المشترك فهو‪:‬‬
‫‪ (1‬أن اليمان مركب وليس بسيطًا‪ ،‬كما عليه غلة المرجئة من الكّرامية‬
‫والماتريدية‪.‬‬
‫‪ (2‬أن مرتكب الكبيرة ل يكفر ول ي ُْنفى عنه مسمى اليمان ول يخلد في النار‬
‫بل هو مؤمن فاسق‪.‬‬
‫‪ (3‬أن القرار يزول وقت الكراه‪ ،‬دون التصديق‪[188] .‬‬
‫‪ (4‬أن الستثناء في اليمان ل يجوز لجل الشك‪.‬‬
‫وأما القدر المفترق فيه‪:‬‬
‫‪ (1‬اليمان عند أبي حنيفة التصديق بالجنان والقرار باللسان فقط‪ ،‬وأما بقية‬
‫الئمة فهو هذان المران والعمل بالركان‪.‬‬
‫‪ (2‬أن العمال خارجة عن مسمى اليمان عند أبي حنيفة داخلة فيه عند بقية‬
‫الئمة‪.‬‬
‫‪ (3‬أن اليمان ل يزيد ول ينقص عند أبي حنيفة ويزيد وينقص عند بقية أئمة‬
‫السّنة‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ (4‬ل يجوز الستثناء في اليمان عند أبي حنيفة مطلقا‪ ،‬ويجوز في حال دون‬
‫حال عند أئمة السّنة‪.‬‬
‫لذلك ذهب الغزالي ]‪ [189‬والذهبي ]‪ [190‬وابن أبي العز‪ ،‬إلى القول بأن‬
‫الخلف هو خلف صوري‪ .‬وفي ذلك يقول ابن أبي العز‪" :‬الختلف الذي بين‬
‫أبي حنيفة والئمة الباقين من أهل السّنة صوري فإن كون أعمال الجوارح‬
‫لزمة ليمان القلب أو جزء من اليمان مع التفاق على أن مرتكب الكبيرة ل‬
‫يخرج من اليمان‪ ،‬بل هو في مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه‬
‫نزاع لفظي‪ ،‬ل يترتب عليه فساد اعتقاد‪ [191] " .‬فليس المقصود النزاع‬
‫اللفظي الذي ل يترتب عليه خلف في المعنى‪ ،‬فيكون من قبيل اختلف‬

‫‪167‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التنوع‪ ،‬بل مقصوده أنه نزاع يتعلق بالسماء وهي من اللفاظ‪ ،‬يدل عليه قول‬
‫ابن تيمية‪ " :‬بل جعلوا هذا من بدع القوال والفعال‪ ،‬ل بدع العقائد‪ ،‬فإن كثيرا ً‬
‫من النزاع فيها لفظي‪ ،‬لكن اللفظ المطابق للكتاب والسّنة هو الصواب"‪] .‬‬
‫‪[192‬‬
‫ومن الحنفية الذين تلبسوا بعقيدة المرجئة‪:‬‬
‫‪ (1‬بشر بن غياث المريسي المتوفى سنة ‪228‬هـ وإليه تنسب المريسية وقد‬
‫دها بعض كتاب المقالت ]‪ [193‬من فرق المرجئة‪ .‬قال عنه السفراييني‪:‬‬ ‫ع ّ‬
‫"منهم المريسية أصحاب بشر المريسي ومرجئة بغداد من أتباعه‪ ،‬وكان‬
‫يتكلم بالفقه على مذهب أبي يوسف القاضي ولكنه خالفه بقوله إن القرآن‬
‫مخلوق وكان مهجورا ً من الفريقين وهو الذي ناظر الشافعي ‪ -‬رضي الله عنه‬
‫‪ -‬في أيامه فلما عرف الشافعي أنه يوافق أهل السّنة في مسألةٍ والقدرية‬
‫في مسألةٍ قال له‪ :‬نصفك مؤمن ونصفك الخر كافر‪ .‬وكان يقول‪ :‬اليمان هو‬
‫تصديق بالقلب واللسان كما قاله ابن الراوندي‪ .‬هذه المرجئة المحضة الذين‬
‫يتبرأون عن القول بالجبر والقدر‪[194] " .‬‬
‫‪ (2‬محمد بن كرام السجستاني المتوفى سنة ‪255‬هـ وإليه تنسب فرق‬
‫الكرامية وقد عدها بعض كتاب المقالت من المرجئة ]‪ ،[195‬فمحمد بن‬
‫كرام جمع مع بدعة الرجاء بدعة التجسيم وقد زعم أن الله ‪ -‬تعالى ‪-‬له‬
‫جسم له حد ونهاية ]‪ .[196‬قال عنه الذهبي‪" :‬المبتدع شيخ الكرامية‪ ،‬كان‬
‫زاهدا ً عابدا ً ربانيا ً بعيد الصيت كثير الصحاب‪ ...‬كان يقول‪ :‬اليمان هو نطق‬
‫باللسان بالتوحيد مجردا ً عن عقد قلب وعمل جوارح‪ .‬وقال خلق من التباع‬
‫له‪ :‬إن الباري جسم ل كالجسام‪ ...‬وكان الكرامية كثيرين بخرسان ولمهم‬
‫تصانيف ثم قلوا وتلشوا نعوذ بالله من الهواء" ]‪.[197‬‬
‫‪ (3‬محمد بن محمد بن محمود أبو منصور‪ ،‬والمعروف بالماتريدي‪ ،‬نسبة إلى‬
‫ماتريد محلة بسمرقند فيما وراء النهر‪ .‬والمتوفى سنة ‪333‬هـ‪ ،‬فهو من أئمة‬
‫علم الكلم‪ ،‬أقام نظرياته في العقائد على المأثور عن أبي حنيفة النعمان‪،‬‬
‫فهو يثبت أدلة الشرع بالدلة العقلية والمنطقية والبراهين التي ل مجال‬
‫للشك فيها‪ ،‬وهو يجعل للعقل سلطانا ً ولكن تحت ظل النقل‪ ،‬فهم يفسرون‬
‫النصوص على مقتضى حكم العقل‪ ،‬والماتريديون أقرب إلى المعتزلة منهم‬
‫إلى الشاعرة‪ .‬فمباحث اليمان من المور التي اعتركت الراء حولها قديما ً‬
‫وحديثًا‪ ،‬والماتريدية لم موقف من اليمان وافقوا في بعض نواحيه المام أبا‬
‫حنيفة ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬وخالفوه في بعضها‪ .‬اّتفقت الماتريدية مع أبي حنيفة في‬
‫أربعة أمور‪ ،‬وهي‪ :‬إخراج العمل عن مسمى اليمان وأن اليمان هو التصديق‬
‫]‪ ،[198‬عدم زيادة اليمان ونقصانه ]‪ ،[199‬تحريم الستثناء ]‪ ،[200‬عدم‬
‫تكفير صاحب كبيرة ]‪ .[201‬أما ما خالفت الماتريدية المام أبو حنيفة في‬
‫مفهوم اليمان‪ ،‬إن مفهوم اليمان عند المام أبي حنيفة مركب من أمرين‬
‫التصديق بالقلب‪ ،‬والقرار بالّلسان‪ .‬فالقرار باللسان شطر من اليمان‬
‫ل فيه‪ .‬أما الماتريديّ وجمهور أتباعه لن بعض الماتريدية ذهبوا إلى أن‬ ‫وداخ ٌ‬
‫ً‬
‫اليمان هو التصديق والقرار ‪ [202] -‬فقد جعلوا القرار باللسان خارجا عن‬
‫حقيقة اليمان‪ ،‬فاليمان عندهم هو التصديق ]‪ ،[203‬غير أّنهم جعلوا القرار‬
‫شرطا ً لجراء الحكام الدنيوية فقط ]‪ .[204‬وهذا الّنوع من الرجاء الغالي‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬الحنفية من الجهمية‪:‬‬

‫)‪(16 /‬‬

‫‪168‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إن مذهب الجهمية يقوم على أساسين‪ :‬الول؛ نفي الصفات عن الله ‪ -‬تعالى‬
‫‪ ،-‬والثاني؛ القول بخلق القرآن‪ ،‬فالله ‪ -‬تعالى ‪-‬عندهم ليس له صفة غير ذاته‪،‬‬
‫لن قيام صفات الله ‪ -‬تعالى ‪-‬تجعله شبيها ً بمخلوقاته‪ .‬ولما كان الكلم من‬
‫صفات النسان المخلوق فل يمكن أن يكون الله متكلمًا‪ ،‬لن من اتصف‬
‫بصفة الكلم وجب أن تكون له آلة الكلم فيكون مشابها للحوادث‪ ،‬ومحال‬
‫على الله ‪ -‬تعالى ‪-‬مشابهة الحوادث‪ ،‬لنه قديم أزلي‪ ،‬وهو وحده الخالق ول‬
‫يمكن أن يشبه مخلوقاته‪ ،‬وعلى هذا الساس قالوا بأن القرآن مخلوق‪ ،‬ولو‬
‫كان قديما لكان شريكا لله في القدم‪ ،‬والله وحده هو الزلي المختص بالقدم‪،‬‬
‫وأن ما سواه‪ ،‬مهما كانت قدسيته‪ ،‬ل يعلو إلى مرتبة القدم‪ ،‬وكل شيء ما‬
‫عداه محدث‪ .‬ونفي الصفات عن الله ‪ -‬تعالى ‪-‬تعطيل لها‪ ،‬لذلك يدعى‬
‫مذهبهم باسم "التعطيل" ويدعون باسم "المعطلة"‪ .‬ويترتب على رأيهم أن‬
‫الله وحده هو القادر والخالق‪ ،‬ول يصح للمخلوقات أن تتصف بهاتين الصفتين‪،‬‬
‫وإذا انتفت هاتان الصفتان عن المخلوقات‪ ،‬فل يمكن أن يكونوا مختارين ول‬
‫قادرين على خلق أفعالهم‪ ،‬بل يكونون مجبورين عليها‪ .‬وهذا هو أساس القول‬
‫بالجبر الذي اعتمده المعتزلة‪ .‬ولما كان الله ‪ -‬تعالى ‪-‬هو الزلي الدائم‪ ،‬فإن‬
‫كل ما عداه فان زائل‪ ،‬وعلى ذلك فإن الجنة والنار في رأيهم تفنيان‪ ،‬لن‬
‫ثبات البقاء الدائم لنعيم الخرة وعذابها فيه مشاركة لله في اتصافه وحده‬
‫بصفة البقاء والزلية ويريد الجهم بقوله بالجبر إثبات التوحيد المطلق لله‪،‬‬
‫وأنه هو الواحد ل يشترك معه في خلقه أحد‪ .‬فقد أجمع أئمة أهل السّنة‬
‫والجماعة على تكفير الجهمية‪ ،‬ومع ذلك ثبت أن من الحنفية من تلبس‬
‫بمقالت الجهمية‪ ،‬منهم‪:‬‬
‫‪ (1‬بشر بن غياث المريسي المعتزلي الجهمي المرجئئ‪[205] .‬‬
‫‪ (2‬محمد بن شجاع البلخي المعتزلي الجهمي‪ ،‬المتوفى سنة ‪266‬هـ‪ ،‬تلميذ‬
‫المريسي‪ ،‬قال عنه المزي‪" :‬كان أحد الجهمية"‪ .‬وقال عنه ابن كثير‪" :‬كان‬
‫أحد عباد الجهمية‪ " .‬وقال عنه الذهبي‪" :‬كان يقول‪ :‬عند أحمد بن حنبل كتب‬
‫زنادقة‪ " .‬وجاء من غير وجهٍ أنه كان ينال من أحمد وأصحابه ويقول إيش قام‬
‫به أحمد؟ وكان يقول‪ :‬أصحاب أحمد يحتاجون أن يذبحوا‪ .‬وكان يقول إنما‬
‫أقول كلم الله كما أقول سماء الله وأرض الله‪ .‬وأوصى وصية كان فيها‪" :‬ل‬
‫يعطى من ثلثي إل ّ من قال القرآن مخلوق‪ " .‬وكان ينال من المام الشافعي‬
‫ويقول‪" :‬من الشافعي؟ إنما كان يصحب بربر المغني‪ " .‬ورجع عن مقالته‬
‫هذه لما احتضر‪ [206] .‬ولقد ادعى هذا الجهمي أن الزنادقة قد وضعوا اثني‬
‫داه المام عثمان بن‬ ‫عشر ألفا ً من الحديث ورّوجوها على رواة الحديث‪ .‬فتح ّ‬
‫سعيد الدارمي بوضع عشرة أحاديث فضل ً عن اثني عشر ألف حديث‪[207] .‬‬
‫‪ (3‬أبي مطيع الحكم بن عبد الله البلخي المتوفى سنة ‪199‬هـ‪ ،‬فقد قال عنه‬
‫المام أحمد‪" :‬ل ينبغي أن يروى عنه حكوا عنه أنه يقول الجنة والنار خلقتا‬
‫فستفنيان وهذا كلم الجهم" ]‪.[208‬‬
‫‪ (4‬محمد زاهد بن حسن بن علي بن خضوع بن باي بن قانيت بن قنصو‬
‫الجركسي الكوثري‪،‬وقد هاجم الكوثري في مصر علماء عصره بدافع التعصب‬
‫لمذهبه الحنفي ولراء أبي حنيفة‪ ،‬واشتهر عنه ذلك التعصب حتى لقب‬
‫بـ"مجنون أبي حنيفة" ]‪ .[209‬وذكر المعلمي أن الكوثري‪ -‬بتعصبه هذا ‪ -‬أساء‬
‫جدا ً حتى إلى المام أبي حنيفة ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬ورضي عنه ‪ .-‬ومع تعصب‬
‫الكوثري لمذهبه ومغالته فقد كان فيه انحراف في المعتقد وعدول عن منهج‬
‫السلف‪ ،‬وانحياز إلى مذهب الجعد والجهم‪ ،‬وميول إلى العتزال ]‪.[210‬‬
‫سابعًا‪ :‬الحنفية من الحلولية التحادية‪:‬‬

‫‪169‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل في إنسان‬ ‫ل في الشخاص‪ ،‬وأنه جائٌز أن يح ّ‬ ‫هم من يقولوا أن البارئ يح ّ‬


‫وسبع‪ ،‬وغير ذلك من الشخاص‪ ،‬وأصحاب هذه المقالة إذا رأوا شيئا ً‬
‫طراح الشرائع‪،‬‬ ‫ل فيه‪ ،‬ومالوا إلى ا ّ‬
‫يستحسنونه‪ ،‬قالوا‪ :‬ل ندري لعل الله حا ّ‬
‫وزعموا أن النسان ليس عليه فرض‪ ،‬ول يلزمه عبادة إذا وصل إلى معبودة‪.‬‬
‫]‪ [211‬فمن الحنفية من اعتنق هذا المهب‪ ،‬وهم‪:‬‬
‫‪ (1‬علي بن محمد بن علي‪ ،‬المعروف بالشريف الجرجاني‪ ،‬والمتوفى سنة‬
‫‪816‬هـ‪[212] .‬‬
‫‪ (2‬الفناوي بدر الدين مل حسن الشبلي )جلي( ابن محمد شاه الرومي‪،‬‬
‫والمتوفى سنة ‪886‬هـ‪[212] .‬‬
‫‪ (3‬نور الدين عبد الرحمن بن أحمد الجامي‪ ،‬والمتوفى سنة ‪898‬هـ‪[213] .‬‬
‫‪ (4‬لطف الله بن حسن التوقاني الرومي‪ ،‬المقتول ‪900‬هـ‪ ،‬فقد ألف كتابا ً‬
‫سماه "سبع الشداد"‪ .‬وأوله‪" :‬حمدا ً لك يا من هو الموجود في كل مكان"‪] .‬‬
‫‪ [214‬وهذا حلول صريح‪.‬‬
‫‪ (5‬إسماعيل صفي بن مصطفى الجلوتي السلمبولي مؤلف روح البيان‪،‬‬
‫على الطريقة الجلوتية الصوفية على غلوه في وحدة الوجود‪[215] .‬‬

‫)‪(17 /‬‬

‫‪ (6‬بدر الدين محمد بن محمد بن خليل القاهري‪ ،‬أبو اليسر‪ ،‬والغرس لقب‬
‫جده خليل‪ .‬من فقهاء الحنفية‪ .‬حج وجاور وألقى دوسا بمكة‪ .‬كان غاية في‬
‫الذكاء‪ ،‬يجيد اللعب بالشطرنج‪ .‬كان يقول بوحدة الوجود التي يقول بها الحلج‬
‫وابن عربي وابن الفارض وحزبهم‪ [216] .‬كان مع جللته وإمامته في العلوم‬
‫من التحادية قال البقاعي‪ ..." :‬فصار من رؤوس التحادية التابعين للحلج‬
‫وابن العربي وابن الفارض‪[217] " .‬‬
‫‪ (7‬محمد بن يوسف بن علي بن محمد الحسيني‪ .‬أبو الفتح صدر الدين‬
‫الدهلوي‪ ،‬والمتوفى سنة ‪825‬هـ‪ .‬زاهد من العلماء‪ ،‬اتحادي خرافي باطني‪] .‬‬
‫‪[218‬‬
‫‪ (8‬محمد شجاع بن معز الدين اليحيوي الهندي التحادي ومن أعيان القرن‬
‫الثالث عشر‪[219] .‬‬
‫الخاتمة‪:‬‬
‫ة كل الرزية أن من تلبس بشيء من هذه البدع فإنه ينسب ذلك إلى‬ ‫والَرزِي ّ ُ‬
‫أبي حنيفة وهو بريء منها‪ .‬فقد أنتسب إليه الحنفية من المعتزلية بعضا ً من‬
‫عقائدها ]‪ ،[220‬وكذا المرجئة إرجاًء مطلقًا؛ ومن ذلك قول الشهرستاني‪:‬‬
‫"ومن العجب أن غسان كان يحكي عن أبي حنيفة ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬مثل مذهبه‬
‫في اليمان ويعده من المرجئة ولعله كذب كذلك عليه" ]‪ .[221‬وهذا والله‬
‫لمسبة‪ .‬وقد حقق أهل العلم أن انتسابهم إلى المام أبي حنيفة ‪ -‬رحمه الله‬
‫تعالى ‪ -‬منكر من القول وزور‪.‬‬
‫قال ابن أبي العز ‪ -‬رحمه الله ‪" :-‬ول يلتفت إلى من أنكر ذلك يعني علو الله‬
‫‪ -‬تعالى ‪-‬على خلقه واستواءه على عرشه ممن ينتسب إلى مذهب أبي حنيفة‬
‫فقد انتسب إليه طوائف معتزلة وغيرهم مخالفون له في كثير من اعتقاده‪.‬‬
‫وقد ينتسب إلى مالك والشافعي وأحمد ‪ -‬رضي الله عنهم ‪ -‬من يخالفهم في‬
‫بعض اعتقاداتهم‪ ،‬وقصة أبي يوسف في استتابة بشر المريسي لما أنكر أن‬
‫يكون الله ‪ -‬عز وجل ‪ -‬فوق العرض‪ ،‬مشهورة‪[222] " .‬‬
‫وقال شيخ السلم‪" :‬وكذلك أهل المذاهب الربعة وغيرها ولسيما وقد تلبس‬

‫‪170‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ببعض المقالت الصولية وخلط هذا بهذا‪ ،‬فالحنبلي والشافعي والمالكي‬


‫يخلط بمذهب مالك والشافعي وأحمد شيئا ً من أصول الشعرية والسالمية‬
‫وغير ذلك‪ ،‬ويضيفه إلى مذهب مالك والشافعي وأحمد‪ .‬وكذلك الحنفي يخلط‬
‫بمذهب أبي حنيفة شيئا ً من أصول المعتزلة والكرامية والكلبية ويضيفه إلى‬
‫مذهب أبي حنيفة‪[223] " .‬‬
‫وقال أبو مظفر السفراييني‪" :‬قد نبغ من أحداث أهل الرأي من تلبس بشيء‬
‫من مقالت القدرية والروافض مقلدا ً فيها‪ ،‬وإذا خاف سيوف أهل السّنة‬
‫نسب ما هو فيه من عقائده الخبيثة إلى أبي حنيفة تسترا ً به فل يغرنك ما‬
‫ادعوا من نسبتها إليه فإن أبا حنيفة بريٌء منهم ومما نسبوه إليه‪[224] " .‬‬
‫وقال شيخ السلم‪" :‬فما من إمام ٍ إل ّ وقد انتسب إليه أقوام وهو منهم بريء‪.‬‬
‫س‪ ،‬مالك بريء منهم‪ ،‬وانتسب إلى الشافعي ُأناس‪،‬‬ ‫فقد انتسب إلى مالك أنا ٌ‬
‫ي‪ ،‬وانتسب إلى أبي حنيفة أناس هو بريْ منهم‪[225] " .‬‬ ‫هو منهم بر ٌ‬
‫وبعد هذا نصل إلى نتيجة واقعية وهي أن الحنفية تلبس كثير منهم بعقائد‬
‫فرق شتىـ وجعلت كل فرقة تنسب عقيدتها إلى المام أبي حنيفة بخاصة‬
‫وأهل السّنة عامة‪ ،‬وكان بين هذه الفرق قدر مشترك من البدع كالتعطيل‬
‫للصفات‪ ،‬والتحريف لنصوصها تحت ستار التنزيه‪ ،‬والتأويل‪ ،‬والقول بالرجاء‪.‬‬
‫وكان بين هذه الفرق احتكاك لرابطة عقائدية فيما بينها في الجملة‪،‬‬
‫ولعتناقها المذهب الحنفي‪ ،‬فصار هذا كله سببا ً مهما ً في اضمحلل العقيدة‬
‫الحنفية التي قررها الطحاوي في بيان اعتقاد أهل السّنة والجماعة وصارت‬
‫العقيدة الماتريدية تمثل عقيدة جمهور الحنفية منذ عهد بعيد إلى العصر‬
‫الحاضر‪ ،‬وأبو حنيفة بريء من الماتريدية براءة الذئب من دم يوسف‪.‬‬
‫والله أسأل أن يكون هذا العمل خالصا ً لوجهه الكريم وأن يوفقنا جميعا لهدي‬
‫ً‬
‫كتابه والسير على سّنة رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وعلى آله وسلم ‪ -‬والله‬
‫من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل‪ ،‬نسأل الله ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪-‬‬
‫بأسمائه الحسنى أن يقسم لنا من خشيته ما يحول بيننا وبين معاصيه ومن‬
‫طاعته ما يبلغنا به جنته وأن يغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وأن يغنينا‬
‫بجلله عن حرامه وبفضله عمن سواه وأن يتقبل توبتنا ويغسل حوبتنا إنه‬
‫سميع مجيب وصلى وسلم على النبي المي محمد وآله وصحبه أجمعين‬
‫والحمد لله رب العالمين‪.‬‬
‫‪ 23‬من ربيع الثاني ‪1423‬هـ‬
‫‪ http://arabic.islamicweb.com‬المصدر‪:‬‬

‫)‪(18 /‬‬

‫براهين إيمانية‬
‫الحلقة الخامسة‬
‫رقم الشريط ) ‪(2‬‬
‫الحمد لله وأصلي وأسلم على رسول الله‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫فهذه الرض التي تسكن عليها ‪ ،‬وتسكن عليها المم والشعوب‪ ،‬وتتعاقب فيها‬
‫الجيال‪ ،‬إذا رأيناها من القمر فسنراها كوكبا ً معلقًا‪ ،‬يعلق فيه المم والملوك‬
‫والرؤساء والجيوش والخبراء والله يحرك الكون كيف يشاء‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫م أَفل‬ ‫ُ‬
‫سك ْ‬‫ف ِ‬
‫ن وَِفي أن ْ ُ‬ ‫ت ل ِل ْ ُ‬
‫موقِِني َ‬ ‫ض آَيا ٌ‬
‫هذه الرض قال الله عنها ?وَِفي الْر ِ‬
‫ن?]الذاريات‪ [21-20:‬فهي آيات لمن يريد اليقين فتعال لنرى‪ ،‬سنرى‬ ‫صُرو َ‬
‫ت ُب ْ ِ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫موقع الرض أول‪ :‬إنها تحتل موقعا خاصا في المجرة التي نعيش فيها‪،‬‬ ‫ً‬

‫‪171‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فالمجرة كلها تقع تحت حقول مغناطيسية خطيرة وضارة للكائنات الحية‬
‫على الرض وبما فيها موقعات صغيرة نسبتها إلى المجرة كما نراها لو‬
‫قسمناها )‪150‬قسمًا( فإن قسما ً واحدا ً منها هو المناسب لوجود هذه الرض‪،‬‬
‫ثم إن الرض مثل ً مكان الزهرة أو بدل ً منها هو المناسب لوجود هذه الرض‪،‬‬
‫ثم إن الرض مثل ً مكان الزهرة أو بدل ً عن عطارد‪ ،‬أو في مكان المريخ لتغير‬
‫نظام الليل والنهار‪ ،‬ولتغيرت الحرارة ولتغير نتيجة لذلك كثير من شئون‬
‫الحياة والكائنات الحية‪ ،‬فمن جعل هذه الرض في موقعها الصحيح‪ ،‬وفي‬
‫مكانها الصحيح واختار لها ذلك الموقع بين المجرة وبين المجموعة الشمسية‪،‬‬
‫إنه العليم بحال الكائنات التي عليها الخبير بأحوالها والظروف المحيطة بها‬
‫سبحانه وتعالى‪ ،‬وهذه الرض لها حركات‪ ،‬تحثنا في الحلقة الماضية عن حركة‬
‫الرض حول الشمس‪ ،‬والن نتكلم عن حركتها حول نفسها‪ ،‬وما ينشأ عنه من‬
‫ليل ونهار‪ ،‬فالقمر مثل ً يدور حول نفسه مرة كل نصف شهر‪ ،‬معنى ذلك أن‬
‫الليل والنهار في المقر مدته تصل إلى نصف شهر‪ ،‬فلو كانت الرض مثل ً‬
‫تدور حول نفسها مرة كل نصف شهر كالقمر‪ ،‬كنا سننام ليلة وننتظر طوال‬
‫الفجر سائر الليالي وكان يكفي ذلك لتدمير الحياة على سطح الرض‪ ،‬إن هذا‬
‫الموقع هو الموقع المناسب فلو كنا في موقع آخر لوصلت درجة الحرارة إلى‬
‫‪93‬م‪ ،‬وعندئذ تدمر الحياة ‪ ،‬ولو طال النهار عشر مرات لحترقت كل‬
‫الكائنات الحية‪ ،‬فتأمل إلى بديع صنع الله يقلب الليل والنهار‪ ،‬ويختار الموقع‬
‫مدا ً إ َِلى‬ ‫المحدد للرض وهو القائل ?قُ ْ َ َ‬
‫سْر َ‬
‫م الن َّهاَر َ‬ ‫ه عَل َي ْك ُ ُ‬
‫ل الل ّ ُ‬
‫جعَ َ‬‫ن َ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ل أَرأي ْت ُ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن?]القصص‪:‬‬ ‫صُرو َ‬‫ن ِفيهِ أَفل ت ُب ْ ِ‬ ‫سك ُُنو َ‬‫ل تَ ْ‬‫م ب ِل َي ْ ٍ‬‫ه غَي ُْر الل ّهِ ي َأِتيك ُ ْ‬
‫ن إ ِل َ ٌ‬
‫م ْ‬
‫مةِ َ‬ ‫ي َوْم ِ ال ْ ِ‬
‫قَيا َ‬
‫‪ [72‬لقد وجد الطباء أنه لبد من الظلم لسكون الحركة داخل الجسم ‪،‬‬
‫هناك من الكواكب ما لها ليل دائم أو نهار دائم‪ ،‬وكان بالمكان أن تكون‬
‫الرض مثل هذه الكواكب فمن يقلب الليل والنهار‪ ،‬إنه الله سبحانه وتعالى‪،‬‬
‫وتأمل إلى هذه الرض كيف جعلها الله مائلة ليست عمودية على طول‬
‫مدارها‪ ،‬فينشأ عن هذا الميل الفصول الربعة والتغير في المناخ الذي تتجدد‬
‫فيه الحياة على وجه الرض‪ ،‬ثم تأمل إلى هذا الغلف الذي يحيط بالرض‪.‬‬
‫هذا الغلف الهوائي جعل الله فيه سرعة فكما أن فيه نسمات الحياة‪ ،‬فهو‬
‫أيضا ً حماية وحفظ للكائنات الحية‪ ،‬فإن هذا الدرع وإن كان شفافا ً فإنه يسمح‬
‫بمرور الشعة النافعة لنا أما الشعة الضارة فإنه يعكسها كما نرى في هذه‬
‫الصورة س‪ .‬هذه الشعة التي تنزل من الشمس موجات مختلفة فل يسمح‬
‫بنفاذ إل الذي ينفع ساكني الرض‪ ،‬والرض والغلف الهوائي هو الذي يمتص‬
‫الشعة الضارة‪ ،‬كما يتبين لنا من الشكل القادم‪ ،‬ما هي الشعة التي تنعكس‬
‫وتتبدل وتمتص في غلف الهواء الذي جعله الله لنا درعا ً واقيا ً من هذه‬
‫الشعة‪ ،‬كيف ل يصل إلى هذه الرض الشعاع المناسب لحياتنا‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬
‫أما الشعة الضارة كأشعة × فإنها تنعكس وتمتص‪ ،‬والغلف الهوائي أيضا ً‬
‫جعل الله له كثافة ‪ ،‬وجعل له وزنا ً ‪ ،‬وقد وزن الهواء المحيط بالرض فوجدوا‬
‫أنه يصل إلى ‪ 5‬مليون طن ‪ ،‬ولذلك يحمل الطائرات‪ ،‬وترفع الطائرات بسبب‬
‫الضغط الذي يكون لهذا الهواء‪ ،‬وهذا الغلف الهوائي جعل الله له كثافة‬
‫بحيث إنه عندما تأتي النيازك وهي كثيرة بكميات هائلة فتنزل إلى الرض‪،‬‬
‫قبل أن تصل إلى الرض تحترق إل أعل‪ ،‬ولذلك نرى نحن هذه النيازك تحترق‬
‫فوق‪ ،‬في الغلف الهوائي قبل أن تصل إلى الرض‪ ،‬ولو وصلت إلى الرض‬

‫‪172‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لدمرت كل الكائنات الحية وأ؛رقت المدن والمحاصيل والغابات ولكن الله‬


‫جعل لنا ففي هذا الهواء‪ ،‬فكما أنه يصدر لتنفسنا فهو درع يقينا من هذه‬
‫الخطار من هذه النيازك‪ ،‬وجعل الله تناسبا ً بين وزن هذا الهواء وبين ضغط‬
‫الدم في أجسامنا‪ ،‬ولذلك نحن ل نشعر بهذا الهواء لماذا؟ لنه في داخل‬
‫أجسامنا ضغط للسوائل من الداخل فل نشعر بهذا الضغط‪ ،‬مثل ً هذه الورقة‬
‫لو أننا ثبتناها في أماكن مختلفة ثم ضغطنا من جهة تحترق‪ ،‬فلو كان الضغط‬
‫من هذه الجهة وجه هذه الجهة فإن الضغط ل يؤثر ول يمزق هذه الورقة‪،‬‬
‫فكذلك أجسامنا هناك ضغط من الداخل للدماء والسوائل‪ ،‬وضغط للهواء‬
‫وجعل الله تناسبا ً بين الضغطين‪ ،‬فهذا الهواء البديع التي يتكون من النتروجين‬
‫والوكسجين وثاني أكسيد الكربون‪ ،‬أما النيتروجين فإنه مع البرق يتحد مع‬
‫ثاني أكسيد الكربون ويكون سببا ً لتسمد الرض وتكوين الغذاء‪ ،‬وأما‬
‫الوكسجين فنحن نتنفس يساعد على احتراق الشياء المختلفة التي تحتاج‬
‫إليها بوجود النار‪ ،‬وثاني أكسيد الكربون يدخل في جسم النباتات فيصنع فيه‬
‫النبات ذلك الطعام فانظروا إلى هذا التركيب لهذا الهواء من نوع معين من‬
‫الغازات تناسب حياتنا وتنفعنا فكيف جعل الله هذا التركيب لهذا الهواء من‬
‫نوع معين من الغازات تناسب حياتنا وتنفعنا فكيف جعل الله هذا التركيب‬
‫الدقيق الذي له أثر يدلنا على رحمة الخالق وعلى حكمته وعلى السحب‬
‫فتنزل الشعة من الشمس وترفع بخار الماء حتى إذا ارتفع فوق الجبال‬
‫تكثف وتكونت السحب أعل‪ ،‬ل تتكون السحب أسفل لن درجة الحرارة‬
‫تنخفض مع الصعود إلى أعل‪ ،‬مع أننا نقترب من الشمس وكان المفروض أن‬
‫تزيد درجة الحرارة لكن ل ‪ ،‬المر المعكوس‪ ،‬جعله الله هكذا لتخطيط دقيق‬
‫وتدبير حكيم كلما ارتفعنا إلى أعل تنخفض درجة الحرارة‪ ،‬ولذلك درجة حرارة‬
‫من يسكنون على الجبال أبرد‪ ،‬المناطق التي في الجبال أبرد من الوديان من‬
‫أجل تتكثف السحاب فتبقى محفوظة على الرض حتى ل تغادر‪ ،‬لنه لو كانت‬
‫الحرارة تزداد فإن بخار الماء سيطر وتصب السحاب في السماء وفي‬
‫النجوم وفي الكواكب‪ ،‬فعكس الله هذه السنة على سطح الرض لكي تتكون‬
‫السحب وتحمل على هذا الغلف الهوائي‪ ،‬ثم يتحرك السحب بنظام الغلف‬
‫الهوائي الذي فيه فيسوق لنا السحب حتى تصل فوق رؤوسنا ثم ينزل ولكن‬
‫ل ينزل دفعة واحدة ويصب صبا ً إنما ينزل قطرات خلل فترات متقاربة ل‬
‫تضر زرعا ً ول تقلع زرعا ً ول تدمر حياة ول كائنا ً من الكائنات الحية‪ ،‬وهذا‬
‫الصنع البديع المحكم في هذا الغلف الهوائي مما يقوم به من خدمات يدل‬
‫على أنه من صنع العليم الحكيم الخبير الحافظ الذي أراد أن يحفظنا بهذا‬
‫الدرع من الخطاء ‪ ،‬وحاطنا الله بحزامين مغناطيسيين كما نرى في هذه‬
‫الصورة فإن الخطاء ليست من الشعة التي تأتي من الشمس فقط‪ ،‬بل هي‬
‫من الشعة التي تأتي من الشمس‪ ،‬ومن الشعة التي تأتي من سائر النجوم‪،‬‬
‫انظروا إلى هذه الرض وقد أحيطت بحزامين مغناطيسيين يصرفان‬
‫الجسيمات الخطيرة القاتلة للحياة‪ ،‬ويحرفان هذه الجسيمات بعيدا ً عن‬
‫الرض فسبحان الحافظ الذي أتقن الصنع وأبدعه ‪.‬‬
‫ن‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ذي َ‬‫م ي ََر ال ِ‬
‫وهذا الماء الذي نشربه يخبرنا الله عنه في كتابه حيث يقول?أوَل ْ‬
‫كان ََتا َرْتقا ً فَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما?]النبياء‪ [30 :‬وعلماء‬ ‫قَناهُ َ‬
‫فت َ ْ‬ ‫ت َواْلْر َ‬
‫ض َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫كَ َ‬
‫فُروا أ ّ‬
‫الكون والجيولوجيات يعلمون أن الرض كانت جزءا ً من السماء فانفصلت‬
‫عنها كما قرر ذلك ابن عباس قبل ألف وأربعمائة عام من هذه الية‪ ،‬ولكن‬
‫َ‬
‫ن?]النبياء‪ [30:‬أي‬ ‫ي أَفل ي ُؤْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫ح ّ‬ ‫يٍء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ماِء ك ُ ّ‬‫ن ال ْ َ‬ ‫جعَل َْنا ِ‬
‫م َ‬ ‫الية تقول‪ ? :‬وَ َ‬
‫ونزل معهم إلى الرض القدر الكافي من الماء المناسب لهذه الرض‪ ،‬فلو‬

‫‪173‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫زادت كمية هذا الماء لغمر الماء كل شيء‪ ،‬ولو قل لما وجد ذلك القدر الذي‬
‫يتكون منه المطر‪ ،‬ولكنهن أنزله بتقدير وبإحكام‪ ،‬ثم حفظه الله تعالى في‬
‫البحار ولو جعله عذبا ً لتعفنت البحار‪ ،‬ولكن الله جعل مياه البحار ملحة حتى ل‬
‫يغيره لنا ماء عذبا ً بالتبخير فينزل علينا ماء عذبا ً فشربه كما قال تعالى‪? :‬‬
‫شربون أ َأ َنتم أ َنزل ْتموه من ال ْمز َ‬ ‫َ َ‬
‫ن لَ ْ‬
‫و‬ ‫من ْزُِلو َ‬
‫ن ال ْ ُ‬
‫ح ُ‬
‫م نَ ْ‬
‫نأ ْ‬ ‫ُ ْ ِ‬ ‫ذي ت َ ْ َ ُ َ ْ ُ ْ ْ َ ُ ُ ُ ِ َ‬ ‫ماَء ال ّ ِ‬‫م ال ْ َ‬ ‫أفََرأي ْت ُ ُ‬
‫ُ‬
‫ن?]الواقعة‪. [70-68 :‬‬ ‫شك ُُرو َ‬ ‫جاجا ً فَل َ ْ‬
‫ول ت َ ْ‬ ‫جعَل َْناه ُ أ َ‬
‫شاُء َ‬ ‫نَ َ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫يسير الله هذا المطر بعد أن يتحول إلى بخار بسبب حرارة الشمس لرفعه‬
‫فوق مستوى الجبال وعندئذ تتكون السحب لن البرودة أكثر من فوق‬
‫مستوى الجبال مع أننا نقترب من الشمس لكن هكذا جعل الله النظام في‬
‫الرض‪ ،‬على سطح الرض درجة حرارة عالية كما نرى في السواحل‬
‫والوديان‪ ،‬وفي قسم الجبال باردة على عكس السنة – سبحانه وتعالى – وما‬
‫جعلها تزداد مع القرب من الشمس وإل كانت مياه البحار تغادر وتسافر‬
‫ً‬
‫وتصب مياهها في الفضاء‪ ،‬ثم إذا أنزلها أنزلها قطرات رقيقة ل تدمر زرعا ول‬
‫تهلك إنسانا ً ول حيوانا ً ول تحطم زرعا ً فبفضل الله تنزل قطرات قليلة‪ ،‬والله‬
‫ه‬
‫ب بِ ِ‬ ‫ض وَإ ِّنا عََلى ذ َ َ‬
‫ها ٍ‬
‫َْ‬ ‫قد َرٍ فَأ َ ْ َ‬ ‫َ‬
‫يقول‪? :‬وَأن َْزل َْنا ِ‬
‫سكّناه ُ ِفي الْر ِ‬ ‫ماًء ب ِ َ‬
‫ماِء َ‬
‫س َ‬
‫ن ال ّ‬
‫م َ‬
‫ن?]المؤمنون‪ [18:‬أي نستطيع أن نذهب بهذا الماء لو تغير شيء من‬ ‫لَ َ‬
‫قادُِرو َ‬
‫نظام الحرارة‪ ،‬الماء ل يغلي إل عند درجة مائة مع أنه أكبر مذيب من المواد‬
‫على وجه الرض‪ ،‬هناك مداد تذيب مثل البنزين والكحول ولكن درجة الغليان‬
‫عنده منخفضة‪ ،‬لو كانت درجة حرارة الماء منخفضة ليست مائة درجة‬
‫لتبخرت مياه البحار وأصبحت معلقة في السماء كالمياه الموجودة في‬
‫الزهرة‪ ،‬ولكن بفضل الله يحدث هذا التبخر ويتكون السحاب ثم نرى بعد ذلك‬
‫الرياح‪ ،‬تأتي الرياح بعد ذلك فتسوقه لينزل بعد ذلك مطرًا‪.‬‬
‫وهذا الماء له كثافة عندما يتجمد‪ ،‬المواد السوائل لها درجة انصهار‪ ،‬فأنت‬
‫ترى سائل يمكن أن يتحول إلى مواد صلبة والشياء الصلبة تنصهر وتتحول‬
‫إلى أشياء سائلة‪ ،‬فحالة الصلبة أقوى ما تكون المادة كثافة فيها‪ ،‬فلو أن‬
‫الكثافة تكون عند أخفض درجة حرارة يعني عند الصفر لما تجمد بالبرودة‪،‬‬
‫إذا وصلنا في جو الرض إلى درجة الصفر تكون الثلج ولكن الثلج ثقيل فعندئذ‬
‫سينزل إلى أعماق البحار ويتراكم‪ ،‬وتتحول البحار بأكملها إلى كتلتة واحدة‬
‫من الثلج‪ ،‬فأين تذهب السماك غير الله النظام في الماء فجعل أعل درجة‬
‫ل‪ ،‬وجعل الثلج أخف من‬ ‫كثافة عند درجة ‪4‬م مئوية أي والماء ل يزال سائ ً‬
‫الماء عند درجة ‪4‬م‪.‬‬
‫لذلك فنرى الثلج يطفو إلى أعل‪ ،‬وتبقى المياه من تحته حتى تستطيع‬
‫السماك أن تعيش‪ ،‬وأن تحيا وأن تجد شيئا ً من الدفء فسبحان الخالق‬
‫العليم بأحوال تلك السماك‪ ،‬والعليم بالمياه وبنظامها المناسب لتلك‬
‫الكائنات‪ ،‬والماء جعله الله مذيبا ً فهو أقوى مركب فإذا نزل عليه الصخول‬
‫أذابها فتخرج المعادن اللزمة منها للنباتات وجرت مع السيول مع الغرية‬
‫ليسمد الرض وليخصبها على الدوام ثم يذيب الماء والوكسجين فالكسجين‬
‫يذيب الماء فلماذا يذوب الكسجين في الماء؟ من أجل تلك الكائنات الحية –‬
‫السماك التي تعيش عليه التي ل بد لها من هواء تتنفسه فاعطاها الله‬
‫الخياشيم التي تمكنها من استخلص الوكسجين الزائد في الماء والمطر إذا‬
‫نزل وقطرات المطر إذا نزلت تنزل وهي مشبعة بالكسجين الذي ينفع تلك‬

‫‪174‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السماك في باطن البحر وهو أيضا ً كذلك يذيب ثاني أكسيد الكربون فإن‬
‫نسبة ثاني أكسيد الكربون الزائدة إذا زادت في الجو فإنها توفر مصدرا ً‬
‫لرتفاع درجة الحرارة في الرض إلى درجة شديدة جدا ً ل تطاق ولكن جعل‬
‫الله البحار تمتص ذلك القدر الزائد من ثاني أكسيد الكربون لتلقيه بنسبة‬
‫مناسبة للحيوانات والنباتات فتأمل إلى هذا الصنع البديع وإلى الحكام‪ ،‬ولقد‬
‫أنشد الشاعر شعرا ً )الشاعر عبدالرحمن قاضي حول هذا الماء ونظامه‬
‫وتركيبه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫كن يا أخي إلى السحاب ناظرا ً‬
‫أرسله لنا الله رحمة‬
‫فسلط الشمس على البحار‬
‫ورفع مائه إلى السماء‬
‫وحاطه ببارد الهواء‬
‫وهو أراد أوجد الحرارة‬
‫وساق نحوه الرياح نشرا ً‬
‫فل الجبال تستطيع ردها‬
‫‪ ... ...‬كيف غدا ً سيل ً يسيل طائرا ً‬
‫فهل شكرت للله النعمة‬
‫لرفع ما فيه من البخار‬
‫فوق الجبال هذه الشماء‬
‫لوقف رفعه إلى السماء‬
‫فل ننال عندها قطاره‬
‫كثيرة بعد سحاب معصرا‬
‫إن شاء من وراءها أن ينفذا‬
‫يعني إذا أراد السحاب يمشي الجبال ما تستطيع أن تروه لنه فوق مستواها‪:‬‬
‫وساق أخرى نحوه الخلق‬
‫ولو جرى من السماء سائل ً‬
‫هذا إذا أنزل سيل ً في البلد‬
‫فيا ترى أذلك التدبير‬
‫من وثن أصم أو طبيعة‬
‫أم أن ذاك حقا ً شاهد‬
‫‪ ... ...‬بقدر منه له تستاق‬
‫لمطر الناس الفناء العاجل‬
‫فكيف لو صب جبال ً من برد‬
‫تدبير من ليس له تفكير‬
‫جامدة لربها مطيعة‬
‫بأن موله الله الواحد‬
‫وهذا الماء إذا نزل إلى الماء فإن الرض تمتص لكن ل إلى العماق كما نرى‬
‫في هذه الصورة‪ ،‬ل تمتصه إلى العماق‪ ،‬بل ينزل من السطح فيجري ثم‬
‫يحفظ على الصحن القريب فنأتي نحن ونجد الماء في مخزن قريب فتنبع‬
‫العيون منه أو نحفر البار حتى نصل إلى مصدر ذلك الماء‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ل أ َرأ َيتم إ َ‬
‫ن?]الملك‪:‬‬‫مِعي ٍ‬
‫ماٍء َ‬ ‫ن ي َأِتيك ُ ْ‬
‫م بِ َ‬ ‫ورا ً فَ َ‬
‫م ْ‬ ‫ماؤُك ُ ْ‬
‫م غَ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫صب َ َ‬
‫نأ ْ‬ ‫إنه يقول‪? :‬قُ ْ َ ْ ُ ْ ِ ْ‬
‫‪.[30‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪175‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فكذلك نرى في الصحراء حيث توجد الواحدة في أرض الصحراء‪ ،‬وهذا الواحة‬
‫بسبب كما نرى في هذه الصورة لن المياه القريبة موجودة ومحفوظة فيها‬
‫كما هي محفظة في البار القريبة كما نرى في هذا الشكل‪.‬‬
‫تأمل أخي إلى صنع ربك العظيم لهذا الماء وبديع خصائصه هذا الماء له درجة‬
‫من الحرارة النوعية فحرارته النوعية خمسة أضعاف الحرارة ولذلك إذا أردنا‬
‫أن نرفع درجة حرارة الماء يعني سم ‪ 3‬من الماء يعني درجة واحدة فتحتاج‬
‫إلى )‪ (5‬أضاف لرفع درجة حرارة نفس المقدار من الصخر ولذلك ماذا ينشأ‬
‫عن ذلك؟ ينشأ عن ذلك أن يصبح الماء مكيفا ً عامًا‪ ،‬نحن نحتاج إلى مكيفات‬
‫في بيوتنا‪ ،‬الله جعل لهذه الرض مكيفا ً عاما ً في هذه البحار‪ ،‬ففي النهار تأتي‬
‫حرارة الشمس وتنزل إلى البحار‪ ،‬والبحار تزيد كمية هائلة لن حرارتها‬
‫النوعية عالية‪ ،‬فتمتص قدرا ً كبيرا ً ول ترتفع درجة حرارتها بسهولة وإنما‬
‫تمشي على الرمال فل تستطيع أن تمشي على الرمال على رمال الشواطئ‬
‫لن الحرارة أثرت فيها وامتصت قدرا ً هائل ً من الحرارة‪ ،‬لكن برودة البحار‬
‫في النهار يجعل الرياح تنتقل فيها باردة فتكون الرض والقارات في الليل‬
‫ماذا يحدث إذا سرت على الشاطئ سترى الرمال أصبحت باردة في منتصف‬
‫الليل لكن الماء تجده دافئا ً فعندئذ تأتي الرياح من البحار التي تحيط بالقارات‬
‫فتدفئ الجو ولول ذلك لرتفعت درجة حرارة الرض درجة عالية جدا ً ل تطاق‬
‫معها الحياة‪ ،‬وتنخفض في الليل انخفاضا ً شديدا ً ل تطاق معه الحياة‪.‬‬
‫فتأمل إلى هذا الصنع البديع في تركيب الرض وما جعل الله فيها من مائها‬
‫وترابها‪ ،‬وأرضها‪ ،‬ثم هذه القشرة الرضية‪ ،‬نحن نعيش على قشرة‪ ،‬قشرة‬
‫الرض كقشرة التفاحة‪ ،‬بالنسبة للتفاحة‪ ،‬نرى في هذه موجات لقياس باطن‬
‫الرض‪ ،‬بينما نرى سطح الرض هو ذلك الجزء الرقيق الذي أعل هذه‬
‫الصورة‪.‬‬
‫ماذا يوجد تحتنا؟‬
‫‪-‬تحتنا باركين‪ ،‬تحتنا أخطار‪ ،‬تحت أقدامنا ميزان هائلة ولكن الله جعل هذا‬
‫السمك من الصخور الذي يصل من سمك ‪33‬كم إلى ‪74‬كم فراشا ً يفرش‬
‫هذه الرض لنتقي بهذا الفراش حرارة النيران التي تحت أقدامنا‪ ،‬فتأمل كيف‬
‫حفظنا الله ثم هل نظن أن هذا الباطن واقف‪ ،‬إنه متحرك‪ ،‬إنه يموت مورا ً‬
‫َ‬ ‫ََ‬
‫ف ب ِك ُ ُ‬
‫م‬ ‫س َ‬‫خ ِ‬‫ن يَ ْ‬
‫ماِء أ ْ‬
‫س َ‬
‫ن ِفي ال ّ‬‫م ْ‬
‫م َ‬
‫من ْت ُ ْ‬
‫كما جاء في ذكر ذلك في كتاب الله‪? ،‬أأ ِ‬
‫َ‬
‫موُر?]الملك‪.[16:‬‬
‫ي تَ ُ‬ ‫اْلْر َ‬
‫ض فَإ َِذا هِ َ‬
‫يعني لو خسف بكم جزء من الرض فستجدون أنفسكم أمام أرض متحركة‬
‫تدور دورانا ً كما نرى في هذا الشكل الذي قدمه العلماء‪ ،‬فالجزء أعله هو‬
‫الرض وهذه الدوائر البيضاء هي اتجاهات تمثل حركة باطن الرض الناري‬
‫من الصهير البركاني‪ ،‬فكان ونحن نستقر على القارة‪ ،‬وتحتنا يمور مورا ً عندئذ‬
‫كان يفترض أن تتحرك بناء القارات وأن تتصادم مع بعضها‪ ،‬الذي تحتنا يتحرك‬
‫وهي من أعل‪ ،‬لكن ل‪ :‬جعل الله الجبال وأرسى الرض بهذه الجبال وجعل‬
‫لهذه الجبال أوتادا ً تغوص في تلك الطبقة اللزجة من الصغير البركاني فتثبت‬
‫هذه القارات فتأمل في هذه الرض وتأمل كيف جعل الله لها الموقع حركاتها‬
‫حركات الرض حول نفسها حركتها مع الشمس ومع المجرة ومع غيرها في‬
‫هذا الكون‪ ،‬مما يشهد أنه من صنع الحكيم الخبير‪.‬‬
‫‪-‬وتأمل إلى ذلك الميل في الرض الميل المناسب‪ ،‬وتأمل إلى الدرع الهوائي‬
‫والدرع المغناطيسي ليحميها ويقيها الخطار التي تأتينا من السماء يدلك على‬
‫أن ذلك من صنع العليم الحافظ الرحيم سبحانه وتعالى ‪.‬‬

‫‪176‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫‪-‬وتأمل إلى سوق المطر وإثبات الثمار ليدل كذلك على أنه من رحمة الرحيم‬
‫جل وعل وتأمل إلى خصائص الماء والغليان والكثافة النوعية وكونه المذيب‬
‫العام على هذه الرض‪ ،‬تأمل إلى دورة الماء تأمل إلى سطح الرض الذي‬
‫فرشه الله وهيأه لنا‪ ،‬ووفر لنا على هذا السطح طعامنا وماءنا وهوائنا ورزقنا‬
‫واستقرارنا وكيف أن الله جعل هذه الرض مهارا ً لنا‪ ،‬تأمل كيف استقرت‬
‫وسل نفسك من صاحب هذه الصفات التي تشهد الرض بصفاته إذا كنا قد‬
‫رأينا في ذلك المصباح عندما تكلمنا في حلقة سابقة وقلنا أن صنعه يدل على‬
‫أن صاحبه لديه زجاجا ً قادر على تشكيل الزجاج بشكل اسطواني‪ ،‬وأن عنده‬
‫معدنا ً وأن عنده قدرة على تشكيل المعدن بشكل غطاء وأن عنده إحكامًا‪،‬‬
‫وأن عنده علم بالكهرباء فها نحن نرى الرض يشهد لنا أن هذا العلم من صنع‬
‫العليم وأثره من أثر العليم سبحانه وتعالى والرحمة من الرحيم والحكمة من‬
‫الحكيم والخبرة من الخبير والرزق من الرزاق والحفظ من الحافظ والقوة‬
‫من القوي والقدرة من القادر‪ ،‬ثم تأمل كيف كان التنسيق بين كل هذه‬
‫النظمة نظام الماء ونظام الهواء والجبال ونظام التربة ونظام البحار ونظام‬
‫التبخير‪ ،‬ونظام السحب‪ ،‬وحركات الرض وتقلب الليل والنهار‪ ،‬وبعدها‬
‫وموقعها‪ ،‬من جميع كل هذا ونسقه؟ وهيأه لنعيش على هذه الرض ونستقر‬
‫عليها وتعيش عليها هذه المم والشعوب‪ ،‬إنه الخالق الواحد سبحانه‪ ،‬ونحن‬
‫نشهد كما تشهد الرض بأن لهذه الرض ربا ً حكيما ً عليما ً خبيرا ً رحيما ً حافظا ً‬
‫رزاقا ً قويا ً قادرا ً وأنه الذي يستحق أن يعبد وأنه الذي يستحق أن يطاع‪،‬‬
‫ولذلك نشهد كما يشهد الكون فنقول ‪ :‬نشهد أن ل إله إل الله‪.‬‬
‫وكما رأينا أخبار القرآن عن بعض أسرار الرض مما يدلنا على أن الذين أخبر‬
‫محمدا ً في هذا الكتاب الكريم بأسرار الرض وأسرار السماء هو الله سبحانه‪،‬‬
‫فكشف بهذه الحقائق التي اكتشفت في عصرنا مرة ثانية على أن محمدا ً‬
‫رسول الله‪ ،‬وهكذا نرى في بناء هذا الكون وتصميمه أدلة اليمان وبراهين‬
‫من براهين اليمان ومعجزات من معجزات القرآن والحمد لله رب العالمين‪،‬‬
‫وأصلي وأسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪ ،‬والسلم عليكم‬
‫ورحمة الله وبركاته ‪.‬‬
‫الشريط الثاني ‪ ،‬الحلقة السادسة‬
‫السلم عليكم ورحمة الله وبركاته‬
‫الحمد لله ‪ ،‬وأصلي وأسلم على رسول الله ‪ ،‬وبعد ‪:‬‬
‫فإننا نستطيع أن نعرف بعض صفات ربنا من التفكر في مصنوعاته‬
‫ومخلوقاته – سبحانه وتعالى – وسنتفكر في هذه الحلقة في الكائنات الحية‬
‫ن?]الجاثية‪[4:‬‬ ‫قوْم ٍ ُيوقُِنو َ‬ ‫ت لِ َ‬ ‫ن َداب ّةٍ آَيا ٌ‬‫م ْ‬ ‫ث ِ‬ ‫ما ي َب ُ ّ‬ ‫قك ُ ْ‬
‫م وَ َ‬ ‫خل ْ ِ‬
‫والله يقول ?وَِفي َ‬
‫)وفي خلقكم وما بث من دابة آيات لقوم يوقنون( فاليقين طريقة التفكير‬
‫في هذه اليات والثار المشاهدة ‪ ،‬هذه الكائنات الحية تختلف عن الشياء‬
‫الميتة الجامدة ‪ ،‬فهي تختلف عنها في فروق ذكرها الدارسون فقالوا ‪ :‬الكائن‬
‫الحي يتغذى والمادة الجامدة ل تتغذى‪ ،‬والكائن الحي يتنفس ويتراوح ويتكاثر‬
‫ويتناسل وهذه ليست من صفات المواد الميتة الجامدة ونحن قد كنا أمواتا ً‬
‫ف‬‫فأحيانا الله ثم نموت‪ ،‬ويحيينا الله جل وعل ‪ ،‬يقول الله جل وعل ‪? :‬ك َي ْ َ‬
‫َ‬ ‫فرون بالل ّه وك ُنت َ‬
‫ن?‬ ‫جُعو َ‬ ‫م إ ِل َي ْهِ ت ُْر َ‬ ‫حِييك ُ ْ‬
‫م ثُ ّ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫ميت ُك ُ ْ‬
‫م ثُ ّ‬ ‫م يُ ِ‬ ‫حَياك ُ ْ‬
‫م ثُ ّ‬ ‫واتا ً فَأ ْ‬
‫م َ‬‫مأ ْ‬ ‫ت َك ْ ُ ُ َ ِ ِ َ ْ ُ ْ‬
‫]البقرة‪ [28:‬تعالوا لنتأمل في ظاهرة الحياة التي نراها في هذه الكائنات‬
‫الحية ابتداء من الخليا النباتي وانتهاء بالنسان ‪.‬‬

‫‪177‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫علم الملحدة أن الحياة تعجزهم وتخسرهم لن الحياة وراءها تركيب وتدبير‬


‫وعلم إحياء وإتقان وإبداع ومقاصد معروفة تدل على الرادة والحكمة والعلم‪،‬‬
‫لذلك رأينا الشيوعيين الذين تبنوا راية اللحاد في موسكو لفترة من الفترات‬
‫عام ‪1942‬م يطلبون من أكبر خبرائهم في الكيمياء – أو برين – ويقولون له ‪:‬‬
‫أخلق لنا كائنا ً حيا ً من مواد ميتة فقال ‪ :‬أعطوني فرصة ‪ ،‬فأعطوه فرصة ‪،‬‬
‫وقال‪ :‬أعطوني من يعاونني ‪ ،‬فاختاروا له من يريد ‪ ،‬وبعد عشرين سنة‬
‫‪ 1962‬أعلن أوبرين نتيجة محاولته فقال ‪ :‬لقد تأكدنا أنه يستحيل أن تتكون‬
‫الحياة من مواد ميتة‪ ،‬هذه المدرسة الشرقية ‪ ،‬أما المدرسة الغربية فقد‬
‫اتجهت في البحث عن سر الحياة في أصغر جزء توجد فيه الحياة ‪ ،‬وجدوا أن‬
‫الحياة توجد وأن أصغر يوجد في الحياة هو حامض سموه )‪ (D.N.A‬وقالوا ‪:‬‬
‫إذا أردنا أن نحصل على حامض )‪ (D.N.A‬فل نستطيع أن نحصل عليه إل من‬
‫كائن حي ووجدوا أن ذبابة )دروسفيل( ذبابة الفاكهة هي التي تعطيهم أكبر‬
‫حجم لحامض )‪ (D.N.A‬يمكنهم أن يدرسوه فأقاموا دراساتهم على هذه‬
‫الذبابة ‪ ،‬و)‪ (D.N.A‬هو المستخلص من ذبابة الفاكهة ‪ ،‬ثم قالوا ‪ :‬اكتشفنا‬
‫استطعنا أن نركب حامض )‪ (D.N.A‬ونستطيع أن نركب الحياة‪ ،‬وصنعوا‬
‫حامض )‪ (D.N.A‬كحامض )‪ (D.N.A‬الذي أخذ من تلك الذبابة لكن حامض )‬
‫‪ (D.N.A‬الذي أخذ من الذبابة إذا سلب منهن الماء تحول إلى مادة ميتة فإذا‬
‫أعطي الماء دبت في الحياة‪ ،‬وحامض )‪ (D.N.A‬الذي صنعوه مهما سكبت له‬
‫من الماء فل حياة ول كرامة ‪ ،‬فقالوا‪ :‬كذلك ووصلوا إلى نفس النتيجة‬
‫والعجيب أن القرآن يتحدى هؤلء يتحداهم أن يخلقوا ذبابة قال تعالى ‪َ? :‬يا‬
‫خل ُ ُ‬ ‫َ‬
‫قوا‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ن الل ّهِ ل َ ْ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ت َد ْ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫مُعوا ل َ ُ‬‫ست َ ِ‬‫ل َفا ْ‬ ‫مث َ ٌ‬‫ب َ‬ ‫ضرِ َ‬ ‫س ُ‬ ‫أي َّها الّنا ُ‬
‫ه?]الحج‪ [73:‬والعجيب أنهم عقدوا مؤتمرا ً بعد اكتشاف‬ ‫مُعوا ل َ ُ‬ ‫جت َ َ‬‫ذ َُبابا ً وَل َوِ ا ْ‬
‫سر )‪ (D.N.A‬وسمي ذلك المؤتمر بمؤتمر حامض )‪ (D.N.A‬فقد اجتمعوا له‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ت َد ْ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬‫ه إِ ّ‬ ‫مُعوا ل َ ُ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ل َفا ْ‬ ‫مث َ ٌ‬‫ب َ‬ ‫ضرِ َ‬ ‫س ُ‬ ‫والله يقول ?َيا أي َّها الّنا ُ‬
‫ه‬‫من ْ ُ‬
‫ذوه ُ ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫شْيئا ً ل ي َ ْ‬
‫ست َن ْ ِ‬ ‫ب َ‬ ‫م الذ َّبا ُ‬ ‫سل ُب ْهُ ُ‬‫ن يَ ْ‬ ‫ه وَإ ِ ْ‬ ‫مُعوا ل َ ُ‬‫جت َ َ‬‫قوا ذ َُبابا ً وَل َوِ ا ْ‬ ‫خل ُ ُ‬ ‫الل ّهِ ل َ ْ‬
‫ن يَ ْ‬
‫زيٌز?‬ ‫قوِيّ عَ ِ‬ ‫ه لَ َ‬
‫ن الل ّ َ‬ ‫حقّ قَد ْرِهِ إ ِ ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ما قَد َُروا الل ّ َ‬ ‫ب َ‬ ‫مط ُْلو ُ‬ ‫ب َوال ْ َ‬‫طال ِ ُ‬ ‫ف ال ّ‬ ‫ضعُ َ‬ ‫َ‬
‫]الحج‪ : [74-73:‬شيء عجيب أيضا ً يتحداهم أن يستعيدوا ما أخذه الذباب‬
‫لماذا؟‬
‫لن الذباب إذا سقط على طعام أو أي شيء ل يأخذ إل بعد أن يسكب عليه‬
‫من لعابه ليحوله إلى مادة أخرى يستطيع أن يمتصها فالذباب إذا أخذ منا‬
‫شيئا ً ل نستطيع أن نستعيده لنه يكون قد حوله إلى شيء آخر )ضعف‬
‫الطالب والمطلوب(‪.‬‬
‫ثم إن الخصائص التي يمتاز بها الكائن الحي القدرة على الغذاء تأمل هذا‬
‫الغذاء‪ ،‬الغذاء هو المخازن التي تمد جسم الكائن بالطاقة وتمده بالمادة التي‬
‫يبنى منها جسمه لكي يتحرك هو بحاجة إلى مادة يبني منها ذلك الجسم‪ ،‬هذه‬
‫المادة أو تلك الطاقة كلها توجد عن طريق الغذاء‪ ،‬فتعالوا لنرى‪ :‬كيف يسر‬
‫الله لكل كائن حي غذاءه‪ ،‬هذا الجنين في بطن أمه يسر الله له الغذاء وهو‬
‫في بطن أمه تسعة أشهر‪.‬‬
‫ـ إذا كسرت صخرا من الصخور فإنك ستجد في بعض الصخور دودًا‪ ،‬دود في‬
‫داخل الصخرة وتد ذلك الدود حيا ً فمن يرزقه؟‬
‫وتأمل إلى جنين النباتات التي يعلق في الكهوف غذاؤه معه حتى إذا ما أنبتت‬
‫تلك البذةر فإن غذاءها معها حتى يخرج البنات‪ ،‬ضم الله الغذاء لهذه الكائنات‬

‫‪178‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الحية ‪.‬‬
‫الحوت في أعماق البحر غذاؤه عنده‪ ،‬الفرخ في جوف البيضة غذاؤه عند‪،‬‬
‫َْ‬
‫ض إ ِّل عََلى الل ّهِ رِْزقَُها وَي َعْل ُ‬
‫م‬ ‫َ‬
‫ن َداب ّةٍ ِفي الْر ِ‬
‫م ْ‬‫ما ِ‬
‫حفظه الله وكون له فيه ?وَ َ‬
‫ست َوْد َعََها?]هود‪. [6:‬‬
‫م ْ‬
‫ها وَ ُ‬
‫قّر َ‬
‫ست َ َ‬
‫م ْ‬
‫ُ‬
‫ثم تأمل ‪ :‬خلق الغذاء وخلق له جهازا ً ينتفع به من الغذاء الذي خلقه الله له‪.‬‬
‫ثم تأمل إلى الجهاز الهضمي المناسب لكل كائن حي‪ ،‬الصراصير عندها جهاز‬
‫هضمي يتناسب مع غذائها ‪ ،‬السود عندها جهاز هضمي يتناسب مع غذائها‪،‬‬
‫السماء لها جهاز هضمي يتناسب مع غذائها‪ ،‬وهكذا كل كائن حي خلق له‬
‫رزقه وخلق له الجهاز الهضمي الذي يمكنه من النتفاع من ذلك الجهاز‪ .‬علم‬
‫يدلنا؟‬

‫)‪(6 /‬‬

‫يدلنا على أن هذه التركيبات لكل هذه الكائنات الحية في أرزاقنا أنها من نصع‬
‫الرزاق الذي يرزقها‪ ،‬فهي إرادة علمية حكيمة رزاقة تدبر وتعقل وتعي ما‬
‫تفعله أم أن هذه اليات البديعة التي نراها من تدبير الرزاق سبحانه وتعالى‪،‬‬
‫ثم نرى بتعد ذلك النمو آية أخرى من آيات الكائنات الحية ينمو الجسم‬
‫ويتضخم‪ ،‬هناك تقدير هناك برنامج‪ ،‬يبدأ النمو من خلية واحدة‪ ،‬كل الكائنات‬
‫تبدأ من خلية واحدة‪ ،‬ثم تتضاعف تلك الخلية لكن هذه الخلية الواحدة تكون‬
‫قد جاءت من أب وأم فإذا اجتمعت تكونت النواة للكائن الجديد سواء كان‬
‫جمل ً أو فيل ً أو كان بعوضة أو كان ذبابة أو كان ثعبانا ً أو كان سمكة واحدة‬
‫من خلية واحدة وفي تلك الخلية برنامج يعرفه العلماء يعرفونه معرفة دقيقة‬
‫برنامج مخطط مرسوم تلك الخلية إلى أن تصبح كائنا ً كامل ً تنقسم وتتكاثر‬
‫تلك الخلية تصبح مليين ومليارات الخليا لبعض الحيوانات لكنها تشير في‬
‫طريق مرسوم يرسمه ذلك البرنامج جزء سيذهب ليكون اليد وآخر يكون‬
‫الرجل وثالث يكون العين ورابع الجزء الخر يكون الفم ويكون المعدة ويكون‬
‫الجناح ويكون الزعانف في السمك‪ ،‬برنامج مرسوم فمن صاحب هذا‬
‫البرنامج‪ ،‬من أوجد التقدير لكل كائن لكل خلية تتكون منها هذه الكائنات‪،‬‬
‫برنامج هذا سيكون منه جمل ‪ ،‬هذا سيكون منه بعوض فالتقدير يحتاج إلى‬
‫إرادة وقدرة وخبرة وعلم فمن صاحب هذا التقدير؟ الطبيعة الصماء البكماء‬
‫ماٍء?]النور‪[45:‬‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬‫ل َداب ّةٍ ِ‬ ‫خل َقَ ك ُ ّ‬ ‫ه َ‬ ‫العمياء – سبحانه الله – قال تعالى ‪َ? :‬والل ّ ُ‬
‫فالماء هو المكون الول للخلية الولى المنوية التي يتكون منها هذا الكائن‪،‬‬
‫فمن يهدي هذه الخليا إلى إمكانها‪ ،‬ويقول هذه الخلية لتكون الرئة‪ ،‬وأنت‬
‫ستكوني المعدة‪ ،‬وأنت ستكوني الجناح‪ ،‬وأنت ستكون مخلب القط وأنت‬
‫ستكوني ناب أسد‪ ،‬من يهديها؟ من يرشدها؟ إلى مواضعها إلى أماكنها‬
‫ويكونها من المواد المناسبة لوظيفتها وتركيبها؟ ذلك صنع الله الخالق الذي‬
‫يتصرف في هذه الكائنات كيف يشاء‪ ،‬وهو الذي يريبها وينشؤها من نطفة‬
‫يءٍ‬
‫ش ْ‬‫ل َ‬ ‫ك وَهُوَ عََلى ك ُ ّ‬ ‫مل ْ ُ‬‫ذي ب ِي َدِهِ ال ْ ُ‬ ‫ك ال ّ ِ‬‫واحدة فتكون مخلوقا ً سويا ً كامل ً ?ت ََباَر َ‬
‫زيُز ال ْغَ ُ‬ ‫خل َق ال ْموت وال ْحياة َ ل ِيبل ُوك ُم أ َيك ُ َ‬
‫فوُر?‬ ‫مل ً وَهُوَ ال ْعَ ِ‬‫ن عَ َ‬ ‫س ُ‬‫ح َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫َْ َ ْ ّ ْ‬ ‫ذي َ َ َ ْ َ َ َ َ‬ ‫ديٌر ال ّ ِ‬
‫قَ ِ‬
‫]الملك‪ [2-1:‬فمن صاحب هذه الكائنات البديعة‪ ،‬من الذي هدى أجزاءها إلى‬
‫مواضعها؟ وهدى تلك الجزاء إلى وظائفها وركبها؟ بما يتناسب مع تلك‬
‫الوظائف؟ من الذي صور تلك الكائنات؟ من الذي أعطى للسد صورته؟‬
‫وأعطي للنسان صورته؟ وأعطي للثور صورته؟ وأعطي للثعبان صورته؟‬
‫وأعطى لهذه الكائنات صورها؟ من ؟ أنه المصور البديع الهادي الرزاق الذي‬

‫‪179‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يحيى ويميت جل وعل؟ ثم تعالوا لنرى هذه السرعة؟ من الحيوانات من‬


‫حركة واسعة‪ ،‬تسير وتجري‪ ،‬فجعل الله لها بصرًا‪ ،‬يريها مدى واسعا ً من‬
‫الرؤية‪ ،‬وجعل لها سمعا ً تسمع إلى أماكن بعيدة‪ ،‬وهناك من الكائنات ما‬
‫حركته محدودة‪ ،‬كبعض الحشرات ويعطى السماك التي تعيش في أعماق‬
‫البحر‪ ،‬جعل الله وسائل تتناسب مع تلك البيئة المحدودة التي تعيش فيها‪.‬‬
‫فلننظر الن إلى الصقر؟ هذا‪ ..‬وهو يرى بنظر حاد عند فريسته من مكان‬
‫بعيد ينقض عليها ويراها أين هي وكذلك السمع يسمع ما حوله من الكائنات‬
‫الحية كالكلب وغيرها‪ ،‬هذا البصر الذي به يرى المخلوق المجال من حوله‬
‫كالكائنات وما يدور من حوله‪ ،‬من أوجده؟ من أنشأ هذا البصر من ركبه‬
‫وكونه؟ من ل بصر له‪ :‬الطبيعة الصماء البكماء العمياء؟ ثم هذا السمع من‬
‫كونه ومن خلق أجهزته في هذه الكائنات؟ ومن ركبه؟ إن هذا ل يكون إل‬
‫ممن عنده اختصاص بالسمع والبصر فإن هذا علمة وعلمات قدرته سبحانه‬
‫وتعالى‪ ،‬فإذا كانت المخلوقات لديها سمع ‪ ،‬ولديها بصر وهو أكمل منها وله‬
‫المثل العلى فوجود السمع وجود البصر عند هذه الكائنات ينبؤنا بأن الخالق‬
‫سبحانه وتعالى له كمال هذه الصفات ول يمكن أن يكون ذلك من طبيعة‬
‫صماء بكماء عمياء ل تسمع ول تبصر‪ ،‬ثم تعالوا لنرى آية أخرى من آيات الله‬
‫وهي التنفس‪ ،‬نحن بحاجة إلى الهواء‪ ،‬الكائنات الحية كلها محتاجة إلى الهواء‪،‬‬
‫لماذا؟‬
‫لن الطعام الذي وصل إلى تلك الخليا لبد من احترافه حتى تتكون الطاقة‬
‫اللزمة لتحرك الكائن الحي فالمطلوب إذا أن يصل هذا الوكسجين إلى كل‬
‫خلية في الجسم‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫ـ الكائنات الحية أنواع ‪ :‬منها ما يتكون من خلية واحدة ‪ ،‬ومنها ما يتكون من‬
‫عدة خليا ومنها ما يتكون من مليارات الخليا كالحيوان والنسان‪ ،‬الكائنات‬
‫الضخم؛ فكيف يصل هذا الهواء إلى كل خلية حتى يتم الحتراق لتتولد تلك‬
‫الطاقة؟ لنرى‪ :‬الكائنات الحية التي تتكون من خلية واحدة على الله لها‬
‫غشاء وجعل الهواء يلمس ذلك الغشاء وجعل القدرة في انتقال الهواء إلى‬
‫داخل الخلية المكونة من خلية واحدة ‪ ،‬وإخراج ثاني أوكسيد الكربون وبخار‬
‫الماء بعد ذلك الناتج من عملية الحتراق في داخل الخلية فالغشاء هو المعبر‬
‫الذي يدخل منه الوكسجين ويخرج منه ثاني أوكسيد الكربون‪.‬‬
‫وإذا كان الحيوان من عدة خليا‪ ،‬فكذلك الخليا ما دامت تلمس الهواء يتم‬
‫هذا‪ ،‬فإذا كانت آلف ومليين الخليا وهي في أعماق الحيوان مثل الحشرات‬
‫كالجراد وغيره من الكائنات الحية ‪ ،‬جعل الله لهذه الحشرات ولهذه‬
‫المخلوقات من جوانبها )من يطئها وصدرها فتحات وجعل لها أنابيب ـ يدخل‬
‫منها الهواء ثم يتفرغ تلك النابيب‪ ،‬تتفرغ تتفرغ تتفرغ إلى أن تصل إلى كل‬
‫خلية ‪ ،‬لن المقصود أن يصل الهواء إلى كل خلية حتى يتم الحتراق في‬
‫الطعام وتتكون الطاقة وتوجد الحركة وتوجد خصائص الكائن الحي‪ ،‬ولكن‬
‫هذه الفتحات تكون سببا ً لخروج الماء من جسم هذا الكائن فجعل الله لها‬
‫تركيبات من شعيرات وصمامات تمنع خروج بخاء الماء تسمح بخروج الهواء‬
‫بدرجة محكمة ‪.‬‬
‫هناك خليا في الجل أو خليا في اليد وخليا في المخ ولبد أن يصل الهواء‬
‫إلى كل خلية من هذه الخليا فجعل الله جهازا ً تنفسيا ً لهذه الكائنات الحية‬

‫‪180‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مستقل ً يبدأ بالنف ثم القصبة الهوائي ثم الرئتين ثم تحريك آلي دائم حتى‬
‫والحيوان نائم‪ ،‬يعمل الجهاز التنفسي باستمرار يدخل والوكسجين ويطرح‬
‫ثاني أكسيد الكربون‪ ،‬فإذا دخل الوكسجين إلى الرئتين هناك يلتقي بالدماء‬
‫التي تحمل ثاني أكسيد الكربون‪ ،‬فترمي ثاني أكسيد الكربون في الرئتين‬
‫وتأخذ الكسجين‪ ،‬ويدور الوكسجين مع الدم إلى كل خلية في جسم الكائن‪،‬‬
‫فسبحان الخالق الحكيم البديع الخبير العليم‪ ،‬الذي يعلم حاجة كل خلية ويوجد‬
‫لها ما تحتاج إليه‪ ،‬ويسلك الطريق المناسب ليصال ذلك المطلوب لذلك‬
‫المحتاج فسبحان الوهاب وسبحان الكريم وسبحان الخلق البديع ‪.‬‬
‫ولكن هناك كائنات تعيش في الماء‪ ،‬بعيدة عن الهواء في السماك والكائنات‬
‫البحرية‪ ،‬جعل الله لها قدرة على استخلص الوكسجين من الماء‪ ،‬فجعل لها‬
‫أوكسجين يذوب في الماء وجعلها قادرة على استخلص ذلك الوكسجين‪،‬‬
‫كان يمر على خياشيمها ويستخلص ذلك الوكسجين‪ ،‬ويمر بعد ذلك‬
‫الوكسجين إلى كل خلية فيها ويتم الحتراق‪ ،‬تقدير من هذا؟ تدبير من؟ تدبير‬
‫مريد‪ ،‬وتقدير عليم خبير رحيم هذه صفاته‪ ،‬فسبحان الذي خلق فسوى والذي‬
‫قدر فهدى ‪ ،‬ثم ماذا نرى في الكائنات الحية؟ نرى أنها تتكون من زوجين ذكر‬
‫وأنثى‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫فالكائنات الحية تتكون من أزواج‪ ،‬ونرى أعداد الذكور تتكافأ مع أعداد الناث‪،‬‬
‫ونقول تكافؤ ل تساوي لن في بعض الحيان يوجد ديك واحد يكفي عشرا ً من‬
‫الدجاج‪ ،‬لكن عنده القدرة والكفاءة‪ ،‬وكذلك في كثير من الحيوانات هناك‬
‫ل‪ :‬الملكة في‬ ‫تكافؤ‪ ،‬أي أنه يوجد من الذكور ما يتناسب مع الناث‪ ،‬نرى مث ً‬
‫النحل‪ ،‬ملكة واحدة ولكن تحتاج إلى تلقيح من عدد كبير من الذكور فنرى‬
‫تكافؤ بين هذه الملكة وبين العداد الكثيرة من الذكور فجعل الله تكافؤ بين‬
‫الذكور والناث‪ ،‬هذا الخلق للذكر والنثى ما يحتاجه الذكر أوجده الله عند‬
‫الناث وما تحتاجه النثى أوجده الله في فطرة الذكر‪ ،‬الذي صنع وخلق الذكر‬
‫والنثى عليم أنه خلق هذا ذكرا ً يحتاج إلى أنثى ‪ ،‬وعليم أنه خلق هذه أنثى‬
‫تحتاج إلى ذكر‪ ،‬وهو عليم بأعداد هذه الذكور وأعداد هذه الناث ولذلك‬
‫أحصاها فأوجد ما يكافؤها وفي البشر في بعض الحيان نرى في حالت‬
‫الحرب أن عدد الذكور يموتون بأعداد هائلة نتيجة للحرب وجد الدارسون أن‬
‫أعداد المواليد بعد الحرب يزاد فيها الذكور للتعويض‪ ،‬فمن الذي أجرى هذه‬
‫الحصاء ومن الذي رتبه؟ إنه الله سبحانه وتعالى ‪ ،‬ثم تأمل تأمل إلى آية‬
‫أخرى كيف يعد الله الجنة لهذه الكائنات لبيئات معينة لتعيش في بيئة أخرى‪،‬‬
‫فالبذرة معلقة في الشجر لكن فيها جنينا ً فيه جذر سوف يضرب التربة ويتجه‬
‫إلى أسفل‪ ،‬فمن خلق ذلك الجذر في تلك الحبة المعلقة في الهواء‪ ،‬وتأمل‬
‫إلى ذلك الجنين يخلق له جهاز للتنفس للهواء الذي يتنفسه ويخلق له يدان‬
‫ول توجد مساحة كافية‪ ،‬ويخلق له جهاز هضمي ول يوجد مواد يأخذها له يدان‬
‫ول توجد مساحة كافية‪ ،‬ويخلق له جهاز هضمي ول يوجد مواد يأخذها عن‬
‫طريق ذاك الجهاز الهضمي ‪ ،‬أن الذي خلق قد أعد كل جنين بما يناسبه فهذه‬
‫الجنين أعده لبيضة أعده بأجنحة ضخمة كبيرة يطير بها في أجواء الفضاء‬
‫وبيضات أخرى فيها ثعبان يعده الله بحلقات يسير بها على الرض وبيضة ثالثة‬
‫فيها سمك يعده الله بزعانف لنه يعلم أنها ستعود في بيئة أخرى هي بيئة‬
‫ذلك الماء وتأمل إلى الرحمة والعاطفة التي تتعاطف – تعطف بها المهات‬

‫‪181‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫على صغارها فمن أوجد تلك الرحمة؟ الطبيعة وهل للطبيعة مشاعر وهل‬
‫للطبيعة عواطف‪ ،‬أم أن ذلك كله بتقدير الحكيم العليم تأمل إلى الكائنات‬
‫التي تعيش في المجتمعات كالنحل والنمل ولغة التخاطب فيما بينها من‬
‫علمها لغة التخاطب؟ من علمها كيف تفهم بعضها؟ من أوجد فيها ما تحتاج‬
‫ثم تأمل إلى هذه الكائنات كيف تحفظ نفسها‪ ،‬فمرة تحفظ نفسها بالقرار‪ ،‬أو‬
‫بالختفاء أو بتغيير لونها‪ ،‬أو بالطيران أو النسداد في الجحور أو بإيجاد درع‬
‫قوي فيها كالذي في السلحفاة أو بأغلفة تحيط بجذوع الشجار‪ ،‬إنه الله‬
‫سبحانه الحافظ الهادي الحكيم الرزاق العليم الذي خلق الحياة في هذه‬
‫الكائنات الحية‪ ،‬تشهد بقدرته وعلمه وتدبيره وقدرته ومقتله وكرمه سبحانه‬
‫وتعالى‪.‬‬
‫ونحن نشهد كما تشهد هذه الكائنات أن لنا ربا ً حكيما ً عليما ً خبيرا ً مصورا ً‬
‫رزاقا ً بديعا ً واحدا ً ل إله إل هو وحده ل شريك له ‪ ،‬هو الذي يستحق أن يعبد‬
‫وهو الذي يستحق أن يطاع‪ ،‬والحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على‬
‫سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والسلم عليكم ورحمة الله وبركاته‪.‬‬
‫براهين اليمان‬
‫الحلقة )‪(28‬‬
‫قد تكلمنا فيما مضى عن أدلة اليمان بالله سبحانه وتعالى وعن أدلة اليمان‬
‫برسوله صلى الله عليه وسلم وتكلمنا عن أدلة اليمان باليوم الخر هذا اليوم‬
‫كم‬‫ل عَل َي ْ ُ‬ ‫س ُ‬ ‫عَبادِهِ وَي ُْر ِ‬ ‫قاهُِر فَوْقَ ِ‬ ‫الذي تسير إليه الجيال وتسير إليه ?وَهُوَ ال ْ َ‬
‫فّر ُ‬ ‫َ‬
‫ن ? ] النعام ‪:‬‬ ‫طو َ‬ ‫م ل َ يُ َ‬‫سل َُنا وَهُ ْ‬‫ه ُر ُ‬ ‫ت ت َوَفّت ْ ُ‬ ‫مو ْ ُ‬‫م ال ْ َ‬
‫حد َك ُ ُ‬
‫جاء أ َ‬ ‫ى إ َِذا َ‬ ‫حت ّ َ‬ ‫ة َ‬ ‫فظ َ ً‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬
‫‪ [ 61‬ويبدأ التكريم أو الهانة للذين يتجهون لليوم الخر من لحظة الموت ?‬
‫جوا ْ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫م أَ ْ‬‫ديهِ ْ‬
‫ة باس ُ َ‬
‫طوا ْ أي ْ ِ‬ ‫ملئ ِك َ ُ َ ِ‬ ‫ت َوال ْ َ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫مَرا ِ‬ ‫ن ِفي غَ َ‬ ‫مو َ‬ ‫وَل َوْ ت ََرى إ ِذِ ال ّ‬
‫ظال ِ ُ‬
‫ق‬
‫ح ّ‬ ‫ن عََلى الل ّهِ غَي َْر ال ْ َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫م تَ ُ‬ ‫ما ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫ب ال ُْهو ِ‬ ‫ذا َ‬‫ن عَ َ‬ ‫جَزوْ َ‬ ‫م ال ْي َوْ َ‬
‫م تُ ْ‬ ‫سك ُ ُ‬ ‫ف َ‬ ‫َأن ُ‬
‫ن ? ]النعام ‪ [93:‬فليتقى الله الذين يوجهون الناس‬ ‫ست َك ْب ُِرو َ‬
‫ن آَيات ِهِ ت َ ْ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫وَ ُ‬
‫كنت ُ ْ‬
‫ويفتون ويعلمون الناس الدين‪ ،‬ليتقي الله أرباب العلم الذين يقفون وراء‬
‫الكلمة‪ ,‬روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ‪" :‬إذا‬
‫خرجت روح العبد المؤمن تلقها ملكان يصعدان بها‪ ,‬قال حماد فذكر من‬
‫طيب ريحها وذكر المسك قال ويقول أهل السماء ريح طيبة جاءت من قبل‬
‫الرض صلى الله عليك وعلى جسدك وعلى جسد كنتم تعمرينه فينطلق به‬
‫إلى ربه عز وجل فيقول المولى انطلقوا به إلى أخر الجل "‪.‬‬
‫الصلة من الملئكة الدعاء وأما الكافر إذا خرجت روحه ‪ ،‬قال مما وذكر من‬
‫…‪ .‬وذكر مقته ويقول "أهل السماء روح خبيثه جاءت من قبل الرض فيقال‬
‫انطلقوا به إلى أخر الجل" قال أبو هريرة رضي الله عنه ورسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ربطه كانت على أنفه كي يبين نتنه وخبث تلك الروح ‪,‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫ويبدأ عذاب القبر كما جاء عن عائشة رضي الله عنها "إن يهودية دخلت عليها‬
‫]على عائشة[ فقالت نعوذ بالله من عذاب القبر ‪ ،‬فسألت عائشة الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬نعم عذاب‬
‫القبر حق" ‪.‬‬
‫ً‬
‫ويبدأ العذاب من بعد الموت قال تعالى مشيرا إلى هذا العذاب ? الّناُر‬
‫شد ّ‬‫ن أَ َ‬
‫ل فِْرعَوْ َ‬ ‫ة أ َد ْ ِ‬
‫خُلوا آ َ‬ ‫ساعَ ُ‬
‫م ال ّ‬
‫قو ُ‬ ‫شي ّا ً وَي َوْ َ‬
‫م تَ ُ‬ ‫ن عَل َي َْها غُد ُوّا ً وَعَ ِ‬
‫ضو َ‬‫ي ُعَْر ُ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ب ?] غافر‪ [ 46:‬فآل فرعون يعرضون على النار غدوا وعشيا وإذا‬ ‫ذا ِ‬‫ال ْعَ َ‬

‫‪182‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قامت الساعة يكون حساب آخر‪.‬‬


‫قال ابن كثير في تفسير هذه الية‪ :‬فإن أرواحهم تعرض على النار إلى قيام‬
‫الساعة فإذا كان يوم القيامة اجتمعت أرواحهم وأجسادهم في النار ‪.‬‬
‫بعض المتشككين يتسأل ويقول‪ :‬كيف يكون هناك عذاب القبر وبعض الجزاء‬
‫تكون قد تمزقت أو احترقت أو قد تكون أكلتها سباع وتوزعت تلك الجزاء‬
‫الظاهر من كلم ابن كثير أن العذاب يكون على الروح وهذا باطل والذي‬
‫يمنع أن يكون عذاب يتصل الروح بالجسد فالله قادر على كل شيء ألست‬
‫ترى الن الكلمة التي تسمعها الن عن طريق التلفزيون كلمة تنتقل إلى‬
‫أللف بل المليين من الجهزة كلها تتكلم بحركة واحدة وتقدم صورة واحدة‬
‫كيف ذلك مع أنها موزعة على أجزاء الرض أفل يستطيع المولى عز وجل أن‬
‫يوصل العذاب إلى كل جزء من أجزاء ذلك البدن مهما كان قد توزع فالله‬
‫قادر على كل شيء ‪.‬‬
‫وإذا جاء اليوم الموعود وبدأ النفخ في الصور المرة الولى والمرة الثانية‬
‫وقام الناس من أجسامهم كما مر بنا في الحلقة الماضية بعثت الجسام‬
‫وسكنتها الرواح فإذا هم قيام ينظرون أين يذهبون بعد ذلك ؟! إلى أرض‬
‫شعا ً‬ ‫خ ّ‬‫ر* ُ‬‫يٍء ن ّك ُ ٍ‬
‫ش ْ‬ ‫داِع إ َِلى َ‬ ‫م ي َد ْعُ ال ّ‬ ‫م ي َوْ َ‬ ‫ل عَن ْهُ ْ‬ ‫المحشر قال تعالى ‪? :‬فَت َوَ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫قو ُ‬
‫ل‬ ‫داِع ي َ ُ‬ ‫ن إ َِلى ال ّ‬ ‫مهْط ِِعي َ‬ ‫شٌر* ّ‬
‫منت َ ِ‬‫جَراد ٌ ّ‬ ‫م َ‬ ‫ث ك َأن ّهُ ْ‬ ‫دا ِ‬ ‫ن ال َ ْ‬
‫ج َ‬ ‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫جو َ‬ ‫خُر ُ‬‫م يَ ْ‬
‫صاُرهُ ْ‬ ‫أب ْ َ‬
‫سٌر ? ]القمر‪[8-6:‬‬ ‫م عَ ِ‬ ‫ذا ي َوْ ٌ‬‫ن هَ َ‬‫كافُِرو َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫سبحان الله لقد جاءت هذه اليات وهذا التهديد تعقيبا ً على الذين قالوا لما‬
‫وقع انشقاق القمر قالوا هذا سحر فهددهم القرآن بهذه اليات أي فتولى يا‬
‫محمد عن الذين قالوا إن انشقاق القمر سحر وانتظرهم يوم يدعوا الداعي‬
‫لنهم يكذبون بكل آية تأتيهم بين أيديهم فتكون أبصارهم ذليلة ويخرجون من‬
‫شُر‬ ‫ح ُ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫القبور مسرعين كما أشارت الية ثم يكون الحشر قال تعالى‪ ? :‬ي َوْ َ‬
‫م وِْردا ً ? ]مريم ‪-85:‬‬ ‫ن إ َِلى َ‬
‫جهَن ّ َ‬ ‫مي َ‬
‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬‫سوقُ ال ْ ُ‬ ‫ن وَْفدا ً وَن َ ُ‬ ‫م ِ‬‫ح َ‬ ‫ن إ َِلى الّر ْ‬ ‫قي َ‬
‫مت ّ ِ‬‫ال ْ ُ‬
‫‪ [86‬فالوفد يكون مركوم والوفد مراكب على خلئق ليس مثلها على خلق‬
‫مما يخلق الله ليس له مثيل وآخرون يحشرون على وجوههم وآخرون من‬
‫المتكبرين يحشرون بحجم الذر فتطأهم القدام جزاء تكبرها في الدنيا‪.‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫ن‬
‫ذي َ‬‫وعن هؤلء الذين يحشرون على وجوههم يقول الله جل وعل ? ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫م أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫سِبيل ً ?] الفرقان‪:‬‬ ‫ل َ‬ ‫ض ّ‬ ‫كانا ً وَأ َ‬‫م َ‬ ‫شّر ّ‬‫ك َ‬ ‫م إ َِلى َ‬
‫جهَن ّ َ‬ ‫جوهِهِ ْ‬ ‫ن عََلى وُ ُ‬ ‫شُرو َ‬ ‫ح َ‬ ‫يُ ْ‬
‫‪ [ 34‬وقد جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الناس‬
‫يحشرون على ثلثة أصناف فقال عليه الصلة والسلم‪" :‬يحشر الناس يوم‬
‫القيامة ثلثة أصناف صنف مشاه وصنف ركبان وصنف على وجوههم؛ قيل ‪،‬‬
‫يا رسول الله كيف يمشون على وجوههم قال ‪ :‬إن الذي أمشاهم على‬
‫أقدامهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم" إلى أين هذا المساق ؟ إلى‬
‫ب َواقٍِع*‬ ‫ذا ٍ‬ ‫سائ ِ ٌ‬
‫ل ب ِعَ َ‬ ‫ل َ‬ ‫سأ َ َ‬‫الموقف العظيم الذي يستمر خمسين ألف سنة ? َ‬
‫َ‬
‫ح إ ِلي ْهِ ِفي‬‫ة َوالّرو ُ‬ ‫َ‬
‫ملئ ِك ُ‬ ‫ْ‬
‫ج ال َ‬ ‫ن الل ّهِ ِذي ال ْ َ‬
‫مَعارِِج* ت َعُْر ُ‬ ‫م َ‬ ‫ع* ّ‬ ‫ه َدافِ ٌ‬ ‫س لَ ُ‬
‫ن ل َي ْ َ‬‫كاِفري َ‬‫ل ّل ْ َ‬
‫سن َةٍ ?]المعارج‪ [4-1:‬فيوم الموقف عند الله‪,‬‬ ‫َ‬
‫ن أل ْ َ‬ ‫ي َوْم ٍ َ‬
‫ف َ‬ ‫سي َ‬‫م ِ‬‫خ ْ‬ ‫داُره ُ َ‬
‫ق َ‬
‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬
‫الناس يحشرون جميعا ً ينتظرون فصل الحساب خمسين ألف سنة وتدنوا‬
‫الشمس وتقترب من الناس وهي في خلق يتناسب مع ذلك الموقف إن‬
‫السنن كلها تتغير معظمها من لذلك ونور الشمس حتى تكون قدر ميل أو‬
‫ميلين مع ما يتناسب مع تلك الظروف وذلك الحال ويحرق الناس من شدة‬

‫‪183‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حرها ومنهم من يكون العرق إلى عقبيه ومنهم من يكون إلى ركبتيه ‪ ،‬ومنهم‬
‫من يكون إلى حقويه ومنهم من يصل إلى صدره ومنهم من يلجمه العرق‬
‫ومنهم من يظله الله وهؤلء الذين يظلهم الله يوم ل ظل إل ظله ذكر‬
‫الحديث منهم سبعه أخرج البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫"سبعة يظلهم الله في ظله يوم ل ظل إل ظله‪ ,‬المام العادل‪ ,‬أي الحاكم‬
‫الذي يحكم أمته على كتاب الله وسنة رسوله‪ ,‬وشاب نشئ في عباده ربه‪,‬‬
‫شباب قوة وطاقة صرف هذه الطاقة في عبادة الله ‪ ,‬ورجل قلبه معلق‬
‫بالمساجد‪ ,‬ورجلن تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه‪ ,‬يجتمعان لمر‬
‫يرضى الله ولعلء كلمته وافترقا ليقوم واحد منهم بأمر أوجبه الله عليه‬
‫فالجتماع والفتراق من أجل الله جل وعل ‪ ,‬ورجل طلبته امرأة ذات منصب‬
‫وجمال فقال إني أخاف الله‪ ,‬المرأة الجميلة مطمعة فكيف إذا كانت صاحبة‬
‫منصب وهي تدعوه فيمسك إيمانه ‪ ,‬ورجل تصدق فأخفاها حتى ل تعلم‬
‫شماله ما تنفق يمينه‪ ,‬فهو ل يتظاهر بالنفقة إنما يكتمها ويتستر ‪ ,‬ورجل ذكر‬
‫الله خاليا ً ففاضت عيناه" من خوف الله تعالى ‪.‬‬
‫وفي هذا الموقف الشديد يذهب الناس يريدون أن يفصل الله تعالى من‬
‫شده هذا الموقف وأن يحاسبهم وأن يقضى بينهم فيذهبون إلى رسل الله‬
‫يذهبون إلى آدم عليه السلم بعد ذلك إلى سيدنا نوح وهكذا إلى سيدنا‬
‫إبراهيم ثم إلى سيدنا موسى ثم إلى سيدنا عيسى وكل واحد يدفع عن نفسه‬
‫فيعتذر ويقول إن الله لم يغضب غضبا ً على ل أستطيع حتى يأتونا إلى محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم فيتقدم لها وهذه هي الشفاعة شفاعة الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم التي أعطيتها فيشفع بفصل القضاء فيلهمه الله جل وعل‬
‫الدعاء والتحميد فيذهب ويسجد تحت العرش ويدعو الله عز وجل فيستجيب‬
‫ن إ ِل ّ َأن‬ ‫ل َينظ ُُرو َ‬ ‫الله له كما نرى هذا الموقف مسجل ً من كتاب الله ?هَ ْ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫موُر‬ ‫جعُ ال ُ‬ ‫مُر وَإ ِلى اللهِ ت ُْر َ‬ ‫ي ال ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ة وَقُ ِ‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫مام ِ َوال ْ َ‬ ‫ن ال ْغَ َ‬
‫م َ‬‫ل ّ‬ ‫ه ِفي ظ ُل َ ٍ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ي َأت ِي َهُ ُ‬
‫? ]البقرة‪ [210:‬يأتي الله جل وعل يوم القيامة بفصل القضاء كما بينة هذه‬
‫ع‬
‫ض َ‬ ‫الية ويعرض الناس جميعا ً على رب العالمين صفا ً واحدا ً قال تعالى ? وَوُ ِ‬
‫ب‬‫ذا ال ْك َِتا ِ‬ ‫ل هَ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ن َيا وَي ْل َت ََنا َ‬‫قوُلو َ‬ ‫ما ِفيهِ وَي َ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫قي َ‬
‫ف ِ‬‫ش ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ُ‬‫مي َ‬‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬‫ب فَت ََرى ال ْ ُ‬ ‫ال ْك َِتا ُ‬
‫َ‬
‫ك‬‫م َرب ّ َ‬‫ضرا ً وََل ي َظ ْل ِ ُ‬ ‫حا ِ‬ ‫مُلوا َ‬ ‫ما عَ ِ‬ ‫دوا َ‬ ‫ج ُ‬ ‫ها وَوَ َ‬ ‫صا َ‬ ‫ح َ‬‫صِغيَرة ً َول ك َِبيَرة ً إ ِل ّ أ ْ‬ ‫ل ي َُغادُِر َ‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫َ‬
‫موَنا ك َ‬ ‫ْ‬
‫جئت ُ ُ‬‫قد ْ ِ‬ ‫فا ل َ‬ ‫ص ّ‬ ‫َ‬
‫ضوا عَلى َرب ّك َ‬ ‫حدا ً ? ]الكهف‪[ 49:‬وقال تعالى‪ ? :‬وَعُرِ ُ‬ ‫أ َ‬
‫عدا ً ? ]الكهف‪ [ 48:‬هذا هو‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫ل زعَمت َ‬ ‫م أ َوّ َ‬
‫مو ْ ِ‬ ‫كم ّ‬ ‫جعَ َ‬ ‫م أّلن ن ّ ْ‬ ‫مّرةٍ ب َ ْ َ ْ ُ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫خل َ ْ‬
‫قَناك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫الموعد وهذا هو يوم العرض وهذا هو يوم الحساب الية تشير إلى أن هناك‬
‫كتاب ل يغادر صغيرة ول كبيرة ‪ ،‬فيأتي بالعمال نفسها وليس بصورها فأنتم‬
‫الن تشاهدونها صورة وتسمعونها كلمًا‪ ،‬استطاع النسان أن يسجل لنفسه‬
‫ولغيره صوته وكله فما بالكم بالله رب العالمين إن الله يأخذ نسخة من‬
‫م‬
‫كنت ُ ْ‬‫ما ُ‬ ‫خ َ‬ ‫س ُ‬‫سَتن ِ‬ ‫حقّ إ ِّنا ك ُّنا ن َ ْ‬ ‫كم ِبال ْ َ‬ ‫ذا ك َِتاب َُنا َينط ِقُ عَل َي ْ ُ‬ ‫العمل نفسه ? هَ َ‬
‫ن ? ]الجاثية‪[29:‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ت َعْ َ‬

‫)‪(11 /‬‬

‫بل قد جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يفسر ما‬
‫ل‬ ‫ض أ َث ْ َ‬
‫قال ََها*وََقا َ‬ ‫َ‬
‫ت اْلْر ُ‬
‫ج ِ‬ ‫ض زِل َْزال ََها* وَأ َ ْ‬
‫خَر َ‬ ‫َ‬
‫ت اْلْر ُ‬ ‫جاء بقوله تعالى ? إَذا ُزل ْزِل َ ِ‬
‫َ‬
‫ها ? ]الزلزلة ‪ ,[4-1:‬سئل الرسول صلى‬ ‫خَباَر َ‬‫ثأ ْ‬ ‫حد ّ ُ‬ ‫ما ل ََها* ي َوْ َ‬
‫مئ ِذ ٍ ت ُ َ‬ ‫ن َ‬
‫سا ُ‬ ‫اِْ‬
‫لن َ‬
‫الله عليه وسلم قال ‪ :‬أتدرون ما أخبارها ؟ قالوا ‪ :‬الله ورسوله أعلم قال‬
‫عليه الصلة والسلم‪ ":‬فإن أخبارها أن تشهد على عبد وأمة بما عمل على‬

‫‪184‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ظهرها أن تقول عمل كذا وكذا يوم كذا وكذا " ‪ ,‬وبقيت الية تفسر ذلك ?‬
‫َ‬ ‫س أَ ْ‬ ‫بأ َن رب َ َ‬
‫م ْ‬
‫ل‬ ‫من ي َعْ َ‬ ‫م* فَ َ‬ ‫مال َهُ ْ‬ ‫شَتاتا ً ل ّي َُرْوا أعْ َ‬ ‫صد ُُر الّنا ُ‬ ‫مئ ِذ ٍ ي َ ْ‬ ‫حى ل ََها* ي َوْ َ‬ ‫ك أوْ َ‬ ‫ِ ّ َ ّ‬
‫ه* ? ]الزلزلة ‪[8-5:‬‬ ‫ً‬
‫قال ذّرةٍ شّرا ي ََر ُ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫مث َ‬ ‫ْ‬ ‫مل ِ‬ ‫ْ‬ ‫من ي َعْ َ‬ ‫ه* وَ َ‬ ‫ً‬
‫خْيرا ي ََر ُ‬ ‫ل ذّرةٍ َ‬ ‫َ‬ ‫قا َ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ِ‬
‫علماء عصرنا بحثوا هل العمال تبقى فقالوا لو أن أحدا ً وضع يده ثم ضغطها‬
‫جاءوا بآلة تصور بالشعة الحرارية فاستطاعوا أن يصوروا أي شخصا ً كان في‬
‫أي مكان بعد أن قام من مكانه لمدة ساعة ثم طوروها إلى أن استطاعت أن‬
‫تصور بعد يوم وبعد يومين حتى أنهم استطاعوا أن يصوروا السيارة ومن‬
‫ألوان السيارة التي مرت منذ يوم أو يومين يستطيعون معرفة كم كانت‬
‫سرعتها‪ .‬هذا يعني أن العلم له أثر باقي ومن هذا الثر تمكنت هذه الكاميرات‬
‫أن تصور القرآن يخبرنا أن الرض تشهد عليهم وأننا سنرى أعمالنا وتلك من‬
‫َ‬ ‫س أَ ْ‬
‫ل‬‫قا َ‬‫مث ْ َ‬ ‫ل ِ‬ ‫م ْ‬ ‫من ي َعْ َ‬ ‫م* فَ َ‬ ‫مال َهُ ْ‬ ‫شَتاتا ً ل ّي َُرْوا أعْ َ‬ ‫صد ُُر الّنا ُ‬ ‫مئ ِذ ٍ ي َ ْ‬ ‫شهدتها علينا ?ي َوْ َ‬
‫ه* ?]الزلزلة ‪ [8-6:‬ويبدأ‬ ‫ً‬
‫شّرا ي ََر ُ‬ ‫ل ذ َّرةٍ َ‬ ‫قا َ‬ ‫مث ْ َ‬
‫ل ِ‬ ‫م ْ‬ ‫من ي َعْ َ‬ ‫ه* وَ َ‬ ‫خْيرا ً ي ََر ُ‬ ‫ذ َّرةٍ َ‬
‫الحساب ثم في أثناء هذا الحساب عن عبدا لله بن عمر قال سمعت رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم يقول ‪ " :‬إن الله يدني المؤمن فيضع عليه كتفه‬
‫ويستره فيقول أتعرف ذنب كذا أتعرف ذنبك ذا"‪ ,‬مناقشة خاصة ومحاورة‬
‫خاصة بين الخالق وعبده ‪.‬‬
‫وقد ستره من الناس ويعرفه به ويقرره به حتى إذا قرره بذنوب ورأى في‬
‫نفسه أنه هالك يقول الله سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم‬
‫فيعطى كتاب حسناته وأما الكافرون والمنافقون فيقول الشهاد هؤلء الذين‬
‫كذبوا على ربهم أل لعنة الله على الظالمين ويكون الحساب من الناس من‬
‫يكافأهم الله ويكون أجرهم على الله وهؤلء هم الصابرون وهم في مقدمة‬
‫ن‬
‫صاب ُِرو َ‬ ‫ما ي ُوَّفى ال ّ‬ ‫الذين ل يكون عليهم ل حساب ول سؤال قال تعالى‪? :‬إ ِن ّ َ‬
‫ب ? ]الزمر ‪ [10:‬هؤلء ل حساب عليهم لنهم صبروا على‬ ‫َ‬
‫سا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫هم ب ِغَي ْرِ ِ‬ ‫جَر ُ‬ ‫أ ْ‬
‫جوِع‬ ‫ف َوال ْ ُ‬ ‫خو ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫يٍء ّ‬ ‫ش ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫البلء الذي ينزل بالناس قال تعالى?وَل َن َب ْل ُوَن ّك ُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫صاب َت ُْهم‬ ‫ن إ َِذا أ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن* ال ّ ِ‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬ ‫شرِ ال ّ‬ ‫ت وَب َ ّ‬ ‫مَرا ِ‬ ‫س َوالث ّ َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ل َوالن ُ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫ص ّ‬ ‫ق ٍ‬ ‫وَن َ ْ‬
‫ن ? ]البقرة‪[ 155::‬صبروا رغم الشدائد‬ ‫جعو َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ة َقالوا إ ِّنا ل ِلهِ وَإ ِّنا إ ِلي ْهِ َرا ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫صيب َ ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫ّ‬
‫ورغم المحن وكان بالمكان أن يتخلصوا منها ولكن بمعصية لله فأبو ذلك‪.‬‬
‫وصبروا على الطاعة كالصلة في وقتها ‪ ،‬والصيام ‪ ،‬والزكاة ‪ ،‬والحج‪ ،‬والجهاد‬
‫والمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ,‬أن تخضع نفسك ضد شهواتها وضد‬
‫هوائها أن تكفها عما حرم الله وتصبر على ذلك والصبر عن المعاصي فأهواء‬
‫النفس تحركك وشهواتك فعند إذ يتحقق الصبر بهذه الثلثة العناصر هؤلء ل‬
‫حساب عليهم وهناك سبعون ألفا ً من أمة محمد يدخلون الجنة وليس عليهم‬
‫أي حساب وسئل الرسول صلى الله عليه وسلم عنهم فقال ‪" :‬معهم الذين‬
‫ل يكتوون ول يسترقون ول يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون"‪ ,‬وفي رواية ‪" :‬أن‬
‫الرسول طلب من الله تعالى أن يزيدهم فأعطاه مع كل واحد من السبعين‬
‫ألف سبعين ألف"‪ ,‬عكاشة بن محصن سأل الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫وهو يخبرهم هذا الخبر فقال ‪ :‬أنا منهم يا رسول الله فقال ‪ ،‬نعم فقام أخر‬
‫وسئل نفس السؤال فقال صلى الله عليه وسلم‪" :‬سبقك بها عكاشة"‪.‬‬
‫وهناك من يحاسب حسابا ً يسيرا ً ? فَأ َما م ُ‬
‫ف‬‫سو ْ َ‬ ‫ه* فَ َ‬ ‫مين ِ ِ‬ ‫ه ب ِي َ ِ‬ ‫ي ك َِتاب َ ُ‬ ‫ن أوت ِ َ‬ ‫ّ َ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫ه وََراء‬ ‫ي ك َِتاب َ ُ‬ ‫ن أوت ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما َ‬ ‫سُرورا* وَأ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ب إ َِلى أهْل ِهِ َ‬ ‫قل ِ ُ‬ ‫سيرًا* وََين َ‬ ‫سابا ً ي َ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ب ِ‬ ‫س ُ‬ ‫حا َ‬ ‫يُ َ‬
‫سِعيرا? ]النشقاق ‪ [16-6:‬يده الشمال‬ ‫ً‬ ‫صلى َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫عو ث ُُبورا* وَي َ ْ‬ ‫ف ي َد ْ ُ‬ ‫سو ْ َ‬ ‫ه* ف َ‬ ‫َ‬ ‫ظ َهْرِ ِ‬
‫ملوية إلى وراء ظهره ‪ ،‬أخرج أحمد وابن حبان والحاكم وصححه أن عائشة‬
‫رضي الله عنها سألت الرسول صلى الله عليه وسلم فقالت ‪ :‬قلت ما‬
‫الحساب اليسير؟ قال‪" :‬أن ينظر له في كتابه فيتجاوز عنه‪ ,‬إنه من نوقش‬

‫‪185‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في حسابه هلك"‬


‫أول من يحاسب‪:‬‬

‫)‪(12 /‬‬

‫أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن أول من يحاسب يوم القيامة هم‬
‫هؤلء" إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأوتي به فعرفه‬
‫نعمة فعرفها قال بما علمت فيها قال ‪ :‬قاتلت فيك حتى استشهدت قال ‪:‬‬
‫كذبت لكنك قاتلت لكي يقال جريء فقد قيل ذلك ثم أمر به فسحب على‬
‫وجهه حتى ألقي في النار‪ ،‬ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأوتي به‬
‫فعرفه نعمه فعرفها قال فما علمت بها قال ‪ ،‬تعلمت العلم وعلمته وقرأت‬
‫القرآن قال كذبت بل تعلمت ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال هو قارئ فقد‬
‫قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ورجل وسع الله عليه‬
‫وأعطاه من أصناف المال كله فأوتي به فعرفه نعمه فعرفها قال فما علمت‬
‫فيها قال ‪ :‬ما تركت في سبيل تحب أن ينفق فيها لك إل أنفقت‪ .‬قال كذبت‬
‫ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى‬
‫ألقي في النار" ‪ ,‬شأنهم أنهم كانوا يريدون بذلك وجه الله كانوا يريدون شيء‬
‫آخر أما من كان قصده من هؤلء وجه الله ثم جاءه بعد ذلك ثناء فليس ذلك‬
‫الثناء هو المقصود إنما المقصود ما عند الله سبحانه وتعالى فإن جاء بعد ذلك‬
‫فهذا إن شاء الله من عاجل بشرى المؤمن بالخير ‪.‬‬
‫أما أول ما يحاسب عليه فقد جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه‬
‫عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪ " :‬أول ما يحاسب عليه العبد‬
‫الصلة وأول ما يقضى بين الناس في الدماء" ‪.‬‬
‫فأول ما يحاسب عليه العبد الصلة فإن صلحت صلح باقي العمل وإن فسدت‬
‫فسد باقي العمل وأول ما يقضى بين معاملت الناس الدماء ‪.‬‬
‫يعرض الناس على ربهم ثلث عرضات كما في الحديث عن رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم قال‪":‬يعرض الناس يوم القيامة ثلث عرضات فأما عرضتان‬
‫فجدال ومعاذير وأما الثالثة فعند ذلك تطاير الصحف فأخذ بيمينه وأخذ‬
‫َ‬
‫ك عَلى‬ ‫مل َ ُ‬ ‫ة* َوال ْ َ‬ ‫مئ ِذ ٍ َواهِي َ ٌ‬ ‫ماء فَهِ َ‬
‫ي ي َوْ َ‬ ‫س َ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ق ِ‬ ‫ش ّ‬ ‫بشماله " ‪ ,‬قال تعالى‪َ ? :‬وان َ‬
‫َ‬ ‫ش َرب ّ َ‬ ‫َ‬
‫فى‬ ‫خ َ‬‫ن ل تَ ْ‬ ‫ضو َ‬ ‫مئ ِذ ٍ ت ُعَْر ُ‬ ‫ة* ي َوْ َ‬ ‫مان ِي َ ٌ‬ ‫َ‬
‫مئ ِذ ٍ ث َ‬ ‫م ي َوْ َ‬ ‫ك فَوْقهُ ْ‬
‫َ‬ ‫ل عَْر َ‬ ‫م ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫جائ َِها وَي َ ْ‬ ‫أْر َ‬
‫ة ? ]الحاقة ‪ [ 18- 16:‬ويسأل الناس يوم القيامة عما كانوا‬ ‫خافِي َ ٌ‬‫م َ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫ِ‬
‫ك‬‫يعبدون من دون الله ويسألون عما كانوا يعملون كما قال تعالى‪ ? :‬فَوََرب ّ َ‬
‫ن ? ]الحجر‪ [ 92:‬ويسألون عن الرسل ويسأل الرسل يوم‬ ‫ل َنسأ َل َنه َ‬
‫معِي ْ َ‬ ‫ج َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫َ ْ ُّ ْ‬
‫الحساب ‪.‬‬
‫ن* فَل َن َ ُ‬ ‫ل إل َيهم ول َن َ‬ ‫قال تعالى‪ ? :‬فَل َنسأ َل َن ال ّذي ُ‬
‫ن‬
‫ص ّ‬ ‫ق ّ‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬‫ن ال ْ ُ‬ ‫سأل َ ّ‬‫س َ ِ ِْ ْ َ َ ْ‬ ‫ن أْر ِ‬ ‫ِ َ‬ ‫َ ْ ّ‬
‫ن ? ]العراف‪ [ 6:‬وما كان الله غائب بل شاهد على‬ ‫غآ ِ َ‬
‫بي‬‫ِ‬ ‫ئ‬ ‫ما ك ُّنا َ‬ ‫عَل َي ِْهم ب ِعِل ْم ٍ وَ َ‬
‫كل شيء سبحانه وتوضع موازين القسط ويسأل الناس عما كانوا يعملون‬
‫كما جاء في الحديث‪" :‬لن تزل قدما عبد حتى يسأل عن أربع عن عمره فيما‬
‫أفناه وعن علمه ماذا عمل به وعن ماله من أين أكتسبه وفيما أنفقه وعن‬
‫جسمه فيما أبله" ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن الن ِّعيم ِ ? ]التكاثر‪ ? , [8:‬وَِإن‬ ‫مئ ِذ ٍ عَ ِ‬ ‫ن ي َوْ َ‬ ‫سأل ّ‬ ‫م لت ُ ْ‬ ‫يسأل كل منا عن النعيم ?ث ُ ّ‬
‫م ? ]النحل‪.[ 18:‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر ّر ِ‬ ‫َ‬
‫ه لغَ ُ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫ها إ ِ ّ‬ ‫صو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ة الل ّهِ ل َ ت ُ ْ‬ ‫م َ‬‫دوا ْ ن ِعْ َ‬ ‫ت َعُ ّ‬
‫ما‬‫ف َ‬ ‫ق ُ‬ ‫َ‬
‫ويسأل كل واحد منا عن المعلومات التي يقولها ويتحدث بها ? وَل ت َ ْ‬
‫ً‬
‫ؤول ?‬ ‫س ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ن عَن ْ ُ‬ ‫ك َ‬
‫كا َ‬ ‫ل ُأولئ ِ َ‬ ‫ؤاد َ ك ُ ّ‬ ‫ف َ‬ ‫صَر َوال ْ ُ‬ ‫معَ َوال ْب َ َ‬ ‫س ْ‬‫ن ال ّ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫عل ْ ٌ‬ ‫ك ب ِهِ ِ‬ ‫س لَ َ‬ ‫ل َي ْ َ‬

‫‪186‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫]السراء‪. [ 36:‬‬
‫م‬ ‫َ‬
‫شهِد َ عَلي ْهِ ْ‬ ‫ها َ‬‫ؤو َ‬ ‫جا ُ‬‫ما َ‬ ‫حّتى إ َِذا َ‬ ‫ويشهد علينا سمعنا وأبصرنا وجلودنا ? َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن ? ]فصلت‪.[ 20:‬‬ ‫ملو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫جُلود ُهُ ْ‬ ‫م وَ ُ‬ ‫صاُرهُ ْ‬‫م وَأب ْ َ‬ ‫معُهُ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫َ‬
‫فالشهود أجسامنا جوارحنا أن الله كان يعمل كل شيء وتشهد علينا الرسل‬
‫والملئكة والرض ‪ ،‬وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن بعد هذا كله‬
‫مةِ ? ] النبياء‪[ 47:‬‬ ‫قَيا َ‬ ‫ط ل ِي َوْم ِ ال ْ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ن ال ْ ِ‬
‫واِزي َ‬ ‫م َ‬ ‫ضعُ ال ْ َ‬ ‫توزن العمال ? وَن َ َ‬
‫موازين تتناسب مع العمال ألست ترى أن نزن التيار الكهرباء فليس كله‬
‫قا َ‬
‫ل‬ ‫مث ْ َ‬‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫شْيئا ً وَِإن َ‬ ‫س َ‬ ‫ف ٌ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫أثقال والعمال لها موازين توزن بها ? فََل ت ُظ ْل َ ُ‬
‫َ‬ ‫ل أ َت َي َْنا ب َِها وَك َ َ‬
‫ت‬‫قل َ ْ‬‫من ث َ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ن ? ]النبياء ‪ ? [ 47:‬فَأ ّ‬ ‫سِبي َ‬ ‫حا ِ‬ ‫فى ب َِنا َ‬ ‫خْرد َ ٍ‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬ ‫حب ّةٍ ّ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ما‬
‫ة* وَ َ‬ ‫هاوِي َ ٌ‬ ‫ه َ‬ ‫ه* فَأ ّ‬
‫م ُ‬ ‫واِزين ُ ُ‬ ‫م َ‬‫ت َ‬ ‫ف ْ‬ ‫خ ّ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ة* وَأ ّ‬ ‫ضي َ ٍ‬
‫شةٍ ّرا ِ‬ ‫عي َ‬ ‫ه* فَهُوَ ِفي ِ‬ ‫واِزين ُ ُ‬‫م َ‬ ‫َ‬
‫ة? ]القارعة ‪.[11-6:‬‬ ‫مي َ ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حا ِ‬ ‫ه* َناٌر َ‬ ‫ما هِي َ ْ‬‫أد َْراك َ‬
‫والسلم عليكم ورحمة الله وبركاته ‪،،‬‬
‫الجنة‬

‫)‪(13 /‬‬

‫حديثنا في هذه الحلقة عن الجنة التي أعدها الله لعباده المؤمنين الله جل‬
‫وعل خلق لنا أدوات للعلم وبث لنا آيات في الكون وأرسل لنا رسل ً أيدهم‬
‫بالمعجزات فعرفونا بربنا وبمصيرنا الذي نتجه إليه بعد هذه الحياة الدنيا‬
‫وأخبرنا الله جل وعل عن الجنة التي أعدها لعباده المؤمنين وهو الذي خلقها‬
‫وأخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم عن هذه الجنة وهو الذي زارها هذه‬
‫ت‬‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬‫مُلوا ال ّ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫الجنة هي خالدة بأهلها الذين يدخلونها ? إ ِ ّ‬
‫حوَل ً ?]الكهف ‪:‬‬ ‫ن عَن َْها ِ‬ ‫ن ِفيَها ل ي َب ُْغو َ‬ ‫دي َ‬‫خال ِ ِ‬ ‫ل* َ‬ ‫س ن ُُز ً‬ ‫فْرد َوْ ِ‬ ‫ت ال ْ ِ‬ ‫جّنا ُ‬ ‫م َ‬ ‫ت ل َهُ ْ‬ ‫َ‬
‫كان َ ْ‬
‫‪.[108-107‬‬
‫وهذه الجنة التي أعدها الله لعباده وفيها الخلود والبدي بعض الناس يسألون‬
‫ما هو الخلود ما معنى إنه حياه بغير زمن يا أخي إذا دخلت في النوم فإنك ل‬
‫تشعر بالزمن والخرة كذلك سننها ونظمها تختلف عن سنن هذه الحياة ‪.‬‬
‫مْلكا ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت ن َِعيما ً وَ ُ‬ ‫م َرأي ْ َ‬ ‫ت ثَ ّ‬ ‫إن هذه الجنة ل مثيل لها كما قال تعالى‪ ? :‬وَإ َِذا َرأي ْ َ‬
‫َ‬ ‫ما أ ُ ْ‬
‫ما‬
‫جَزاء ب ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫من قُّرةِ أعْي ُ ٍ‬ ‫ي ل َُهم ّ‬ ‫ف َ‬ ‫خ ِ‬ ‫س ّ‬ ‫ف ٌ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫ك َِبيرًا? ]النسان‪ ? [ 20:‬فََل ت َعْل َ ُ‬
‫ن ? ]السجدة‪ [ 17:‬هذه الجنة إذ وصل إليها وفدها المؤمنين‬ ‫مُلو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫َ‬
‫واب َُها وََقا َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ت أب ْ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ها وَفُت ِ َ‬ ‫ؤو َ‬ ‫جا ُ‬ ‫حّتى إ َِذا َ‬ ‫الذين يستحقون الجنة فتحت أبوابها ? َ‬
‫ن ? ]الزمر‪ [ 73:‬هذا التكريم‬ ‫ها َ ِ ِ َ‬
‫دي‬ ‫ل‬ ‫خا‬ ‫خُلو َ‬ ‫م َفاد ْ ُ‬ ‫م ط ِب ْت ُ ْ‬ ‫م عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫سَل ٌ‬ ‫خَزن َت َُها َ‬ ‫م َ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫الول من خزنة الجنة على أبواب الجنة يجدون هذا الترحيب وأخبرنا الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم عن بناء الجنة فقال ‪" :‬هي لبنة من ذهب ولبنة من‬
‫فضة وملطها المسك" أي السمنت الذي يربط بين هذه وتكل كما جاء في‬
‫م عََلى‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫ضل َْنا ب َعْ َ‬ ‫ف فَ ّ‬ ‫الحديث ‪ ،‬والجنة درجات كما قال تعالى‪ ? :‬انظ ُْر ك َي ْ َ‬
‫ضيل ً ? ]السراء‪ [ 21:‬انظروا إلى‬ ‫ف ِ‬ ‫ت وَأ َك ْب َُر ت َ ْ‬ ‫جا ٍ‬
‫َ‬
‫خَرةُ أك ْب َُر د ََر َ‬ ‫ض وََلل ِ‬ ‫ب َعْ ٍ‬
‫التفاضل في الدنيا والخرة أعظم وقد جعل الله درجات عالية للمجاهدين كما‬
‫ظيما ً ? ]النساء‪:‬‬ ‫عدي َ‬
‫جرا ً عَ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫قا ِ ِ َ‬ ‫ن عََلى ال ْ َ‬ ‫دي َ‬ ‫جاهِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ال ْ ُ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫قال تعالى‪ ? :‬وَفَ ّ‬
‫‪ [ 95‬وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن ما بين الدرجة والدرجة كما‬
‫بين الرض والسماء وفي الجنة مائة درجة وإذا دخل الداخلون وجدوا قصورا ً‬
‫ن?‬ ‫ت عَد ْ ٍ‬ ‫جّنا ِ‬ ‫ة ِفي َ‬ ‫ن ط َي ّب َ ً‬ ‫ساك ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫وصفها الله سبحانه وتعالى فقال ‪ ? :‬وَ َ‬
‫َ‬
‫من فوْقَِها‬ ‫ف ّ‬ ‫م غَر ٌ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م لهُ ْ‬ ‫وا َرب ّهُ ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫ن ات ّ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫َ‬
‫]التوبة‪ [ 72:‬وكما قال تعالى‪ ?َ :‬لك ِ ِ‬
‫حت َِها اْلن َْهاُر ? ]الزمر‪.[ 20:‬‬ ‫من ت َ ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ة تَ ْ‬‫مب ْن ِي ّ ٌ‬
‫ف ّ‬‫غَُر ٌ‬

‫‪187‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وجاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن علي بن أبي طالب رضي‬
‫الله عنهم أجمعين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬إن في الجنة غرفا ً‬
‫يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها أعدها الله لمن أطعم الطعام‬
‫وألن الكلم وتابع الصيام وصلى بالليل والناس نيام"‪.‬‬
‫م? ]الرحمن‪ , [72:‬وعن عبد الله‬ ‫خَيا ِ‬‫ت ِفي ال ْ ِ‬ ‫صوَرا ٌ‬ ‫ق ُ‬ ‫م ْ‬‫حوٌر َ‬ ‫وفي الجنة خيام ? ُ‬
‫بن قيس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬إن للمؤمن‬
‫في الجنة لخيمة من لؤلوه واحدة مجوفة طولها ستون ميل ً في كل زاوية‬
‫منها أهل ما يرون الخرين يطوف عليهم المؤمن"‪.‬‬
‫ن ِفيَها‬ ‫قو َ‬ ‫مت ّ ُ‬ ‫ْ‬
‫عد َ ال ُ‬ ‫ّ‬
‫جن ّةِ الِتي وُ ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫مث َ ُ‬‫وفي الجنة أنهار تجري من تحت عباد الله ? َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫سن وَأ َن َْهاٌر ِ ّ‬ ‫َ‬
‫مرٍ لذ ّ ٍ‬
‫ة‬ ‫خ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه وَأن َْهاٌر ّ‬ ‫م ُ‬‫م ي َت َغَي ّْر طعْ ُ‬ ‫ن لّ ْ‬ ‫من لب َ ٍ‬ ‫ماء غَي ْرِ آ ِ ٍ‬ ‫من ّ‬ ‫أن َْهاٌر ّ‬
‫فى ? ]محمد‪ [ 15:‬فهذه النهار تجري في‬ ‫ص ّ‬ ‫َ‬ ‫ّلل ّ‬
‫م َ‬‫ل ّ‬ ‫س ٍ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬‫ن وَأن َْهاٌر ّ‬ ‫شارِِبي َ‬
‫الجنة قال عليه الصلة والسلم كما في حديث أنس رضي الله عنه‪ " :‬بينما‬
‫أنا أسير في الجنة إذا أنا بنهر حفتاه قباب الدر المجوف قلت ما هذا يا جبريل‬
‫قال هذا الكوثر الذي أعطاك ربك"‪.‬‬
‫ن ? ]الذاريات‪. [ 15:‬‬ ‫ت وَعُُيو ٍ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫قي َ‬
‫مت ّ ِ‬‫ن ال ْ ُ‬‫وفي الجنة عيون ? إ ِ ّ‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫دائ ِقَ وَأعَْنابا ?‬ ‫ً‬ ‫ْ‬
‫ح َ‬ ‫فازا َ‬ ‫م َ‬ ‫ن َ‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬
‫ن ل ِل ُ‬ ‫وفي الجنة أشجار قال الله تعالى‪ ? :‬إ ِ ّ‬
‫ن ? ]الرحمن ‪:‬‬ ‫َُ ّ ٌ‬ ‫ما‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫ل‬‫ٌ‬ ‫خ‬ ‫ن‬ ‫و‬
‫َِ ٌ ََ ْ‬ ‫ة‬ ‫ه‬ ‫ك‬ ‫َ‬
‫فا‬ ‫ما‬ ‫]النبأ ‪ ,[ 31-32:‬وقال تعالى‪ِ ? :‬فيهِ َ‬
‫‪. [ 68‬‬
‫حم ِ ط َي ْ ٍ‬
‫ر‬ ‫ن وَل َ ْ‬ ‫خي ُّرو َ‬
‫ما ي َت َ َ‬ ‫م ّ‬ ‫وفواكه الجنة كثيرة متنوعة قال تعالى‪ ? :‬وََفاك ِهَةٍ ّ‬
‫مُنوعَةٍ ?‬ ‫م ْ‬ ‫طوعَةٍ َول َ‬ ‫ق ُ‬ ‫ن ? ]الواقعة ‪ ? [22- 21:‬وََفاك ِهَةٍ ك َِثيَرةٍ ل َ‬
‫م ْ‬ ‫ما ي َ ْ‬
‫شت َُهو َ‬ ‫م ّ‬‫ّ‬
‫]الواقعة ‪.[ 33-32:‬‬
‫منهم أهل هذه الجنة ؟؟؟‬

‫)‪(14 /‬‬

‫إنهم المؤمنون‪ ,‬ولكن يجب أن يتهيأوا لما كان منهم أحقاد وظغائن في الدنيا‬
‫فأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث المروي عن أبي سعيد‬
‫الخدري رضي الله عنه "أخبرنا أن المؤمنين يحبسون في قنطرة ما بين‬
‫الجنة وما بين النار فيقتص لبعضهم من بعض" قال صلى الله عليه وسلم‬
‫"فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص لبعضهم من بعض …" لم‬
‫كانت بينهم في الدنيا حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة فو الذي‬
‫نفسي بيده لحدهم أهدى بمنزله في الجنة منه بمنزله كان بالدنيا لكن بعد‬
‫م‬
‫حت ِهِ ُ‬
‫من ت َ ْ‬
‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ن ِغ ّ‬
‫ل تَ ْ‬ ‫م ْ‬
‫هم ّ‬
‫دورِ ِ‬
‫ص ُ‬
‫ما ِفي ُ‬
‫أن ينقوا‪ ،‬قال تعالى‪ ? :‬وَن ََزعَْنا َ‬
‫ال َن َْهاُر ? ]العراف ‪. [ 43:‬‬
‫وأول من يدخل الجنة هو محمد صلى الله عليه وسلم الذي يقرع باب الجنة‬
‫ثم تدخل بعد ذلك أمته وأول زمرة تدخل الجنة جاء وصفها في الحديث الذي‬
‫رواه البخاري عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬أول زمرة تلج الجنة‬
‫صورتهم على صورة القمر ليلة البدر ل يبصقون فيها ول يمتخطون ول‬
‫يتغوطون آنيتهم فيها الذهب أمشاطهم من الذهب والفضة ومجارمرهم اللوه‬
‫"وهذه هي طيب" ورشحهم المسك ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ‬
‫سوقهما من وراء اللحم من الحسن" ‪.‬‬
‫فانظر النساء المؤمنات في الجنة مع أزواجهن وكيف يتزين وكيف يخلقهن‬
‫الله سبحانه وتعالى ثم يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ‪" :‬لختلف بينهم‬
‫ول تباغض قلوبهم قلب رجل واحد يسبحون الله بكرة وعشيا" ‪.‬‬

‫‪188‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والمساكين هم عامة أهل الجنة ويسبق الفقراء والغنياء ثم يدخل الغنياء بعد‬
‫ذلك ثم يأتي الدور على الذين دخلوا النار وعذبوا فيها على قدر أعمالهم‬
‫وكانوا من أهل اليمان ولكن كانت لهم معاصي ثقلت في الميزان فاستحقوا‬
‫أن يدخلوا النار هؤلء يخرجهم الله من النار عندما يأذن بالشفاعة قال عليه‬
‫الصلة والسلم في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي سعيد قال‪" :‬أما أهل‬
‫النار الذين هم أهلها فإنهم ل يموتون فيها ول يحيون ولكن ناس أصابتهم النار‬
‫بخطاياهم فأماتتهم في النار" ‪.‬‬
‫والشفاعة التي تكون ليست كالشفاعة التي نعهدها في الدنيا فإن الشفاعة‬
‫التي نعهدها في الدنيا تكون بدون إذن الذي سنشفع عنده وتكون لمن ل‬
‫يرضى عنه من الشافعين‪ ,‬أما الشفاعة التي تكون عند الله فلها شروط قال‬
‫عن ْد َه ُ إ ِل ّ ب ِإ ِذ ِْنه?]البقرة‪:[255:‬‬ ‫فع ُ ِ‬ ‫ش َ‬‫ذي ي َ ْ‬ ‫من َذا ال ّ ِ‬ ‫تعالى‪َ ? :‬‬
‫‪ -1‬إذن الله تعالى ‪.‬‬
‫م‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فهُ ْ‬‫خل َ‬ ‫ما َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫ن أي ْ ِ‬ ‫ما ب َي ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫‪ -2‬أن يرضى عن من يشفع له قال تعالى‪ ? :‬عْل ُ‬
‫ن ? ]النبياء ‪[ 28:‬‬ ‫قو َ‬ ‫شفِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫شي َت ِهِ ُ‬ ‫خ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫هم ّ‬‫ضى وَ ُ‬ ‫ن اْرت َ َ‬‫م ِ‬ ‫ن إ ِّل ل ِ َ‬
‫فُعو َ‬ ‫ش َ‬ ‫وََل ي َ ْ‬
‫ت‬‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ك ِفي ال ّ‬ ‫مل َ ٍ‬‫من ّ‬ ‫كم ّ‬ ‫‪ -3‬الذن للشافع أن يكون أهل يستحق ذلك ‪ ? :‬وَ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ضى ? ]النجم ‪:‬‬ ‫شاُء وَي َْر َ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫ه لِ َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬
‫من ب َعْد ِ أن ي َأذ َ َ‬ ‫شْيئا ً إ ِّل ِ‬ ‫م َ‬ ‫فاعَت ُهُ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫َل ت ُغِْني َ‬
‫‪[ 26‬‬
‫وبغير ذلك الشفاعة التي نظنها نحن في الدنيا فهذه ل تنفع كما قال تعالى‪? :‬‬
‫ن ? ]المدثر ‪[ 48:‬ويشفع الرسول صلى الله عليه‬ ‫شافِِعي َ‬ ‫ة ال ّ‬ ‫فاعَ ُ‬ ‫ش َ‬ ‫م َ‬ ‫فعُهُ ْ‬ ‫ما َتن َ‬ ‫فَ َ‬
‫وسلم ويشفع الشهداء ويشفع الصالحون ثم يخرج الله برحمته من شاء ‪.‬‬
‫آخر أهل الجنة دخول إليها‪:‬‬
‫وقد أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم كما روى مسلم عن أخر شخص‬
‫يخرج من النار ويدخل الجنة وله هذه القصة "قال إني لعلم أخر أهل النار‬
‫خروجا ً منها وأخر أهل الجنة دخول الجنة رجل يخرج من النار حبوا ً فيقول الله‬
‫له أذهب فأدخل الجنة فيأتيها فيتخيل إليه أنها ملئ فيرجع فيقول يا رب‬
‫وجدتها ملئ فيقول الله عز وجل أذهب فأدخل الجنة فإن لك مثل الدنيا‬
‫وعشرة أمثالها أو إن لك مثل عشرة أمثال الدنيا فيقول أتسخر بي أو تضحك‬
‫بي وأنت الملك قال فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضح حتى‬
‫بدت نواجذه" فكان يقال هذا أقل أهل الجنة ‪.‬‬
‫ل‬ ‫بي‬
‫َ ِ ِ‬ ‫س‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫لو‬‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ُ‬
‫ِ َ ِ‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫أما الشهداء فإنهم يدخلونها لمجرد موتهم ? وَ َ ْ َ َ ّ‬
‫ب‬ ‫س‬ ‫ح‬ ‫ت‬ ‫ل‬
‫الل ّه أ َمواتا ً ب ْ َ‬
‫ن ? ]آل عمران ‪[169:‬‬ ‫م ي ُْرَزُقو َ‬ ‫عند َ َرب ّهِ ْ‬ ‫حَياء ِ‬ ‫لأ ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ ْ َ‬
‫وللجنة ريح طيبة عبقة تشم من مسيرة أربعين عاما ً ‪.‬‬
‫والذين يرثون الفردوس والذين يستحقون دخول الجنة هم الذين أمنوا‬
‫ت‬ ‫جّنا ُ‬ ‫م َ‬ ‫ت ل َهُ ْ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫ت َ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬‫وعملوا الصالحات ? إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫م‬
‫ن لهُ ْ‬ ‫تأ ّ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫ملوا ال ّ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬
‫شرِ ال ِ‬ ‫س ن ُُزل ً ?] الكهف‪? [107:‬وَب َ ّ‬ ‫ِ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫فْرد َوْ‬
‫حت َِها اْل َن َْهاُر? ]البقرة‪[25 :‬هم أهل اليمان – أهل الخلص ‪.‬‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫َ‬

‫)‪(15 /‬‬

‫م‬
‫ه وَهُ ْ‬ ‫واك ِ ُ‬‫م فَ َ‬‫معُْلو ٌ‬
‫م رِْزقٌ َ‬ ‫ك ل َهُ ْ‬‫ن ُأول َئ ِ َ‬
‫صي َ‬ ‫خل َ ِ‬ ‫عَباد َ الل ّهِ ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫وقال الله تعالى‪ ?:‬إ ِّل ِ‬
‫ت الن ِّعيم ِ ? ]الصافات‪ [43-40:‬وتخبرنا سورة المؤمنون‬ ‫جّنا ِ‬‫ن ِفي َ‬ ‫مو َ‬ ‫مك َْر ُ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ببعض صفات الذين استحقوا الفردوس العلى قال الله تعالى‪ ? :‬قَد ْ أفْل َ‬
‫ح‬
‫ن‬
‫ضو َ‬ ‫معْر ُ‬ ‫ن الل ّغْو ُ‬‫م عَ ِ‬‫ن هُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن َوال ّ ِ‬‫شُعو َ‬ ‫خا ِ‬ ‫م َ‬ ‫صلت ِهِ ْ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫مُنو َ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ظون إّل عَ َِلى أ َ ِزواجهم أوَ‬ ‫حافِ ُ‬
‫ْ َ ِ ِ ْ ْ‬ ‫ِ‬ ‫م َ‬ ‫جهِ ْ‬ ‫فُرو ِ‬ ‫م لِ ُ‬
‫ن هُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن َوال ّ ِ‬‫عُلو َ‬
‫كاةِ َفا ِ‬ ‫م ِللّز َ‬ ‫ن هُ ْ‬‫ذي َ‬ ‫َوال ّ ِ‬

‫‪189‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن‬ ‫م ال َْعاُدو َ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ك فَُأول َئ ِ َ‬ ‫ن اب ْت ََغى وََراَء ذ َل ِ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن فَ َ‬ ‫مي َ‬ ‫مُلو ِ‬ ‫م غَي ُْر َ‬ ‫م فَإ ِن ّهُ ْ‬ ‫مان ُهُ ْ‬ ‫ت أي ْ َ‬
‫َ‬
‫مل َك َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫حافِظو َ‬ ‫ُ‬ ‫م يُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫وات ِهِ ْ‬ ‫صل َ‬ ‫م عَلى َ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن َوال ِ‬ ‫عو َ‬ ‫م َرا ُ‬ ‫م وَعَهْدِهِ ْ‬ ‫ماَنات ِهِ ْ‬ ‫م ِل َ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫َوال ِ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ن? ]المؤمنون‪-1:‬‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫س هُ ْ‬ ‫فْرد َوْ َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫ن ي َرِثو َ‬ ‫ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫ُ‬
‫وارِثو َ‬ ‫م ال َ‬ ‫أول َئ ِك هُ ُ‬ ‫َ‬
‫‪[11‬‬
‫وأطفال المؤمنين يدخلون الجنة وكذلك أطفال المشركين ففيه خلف بين‬
‫خَرى?‬ ‫العلماء والراجح أنهم يدخلون لن الله تعالى يقول ?َول ت َزُِر َوازَِرة ٌ وِْزَر أ ُ ْ‬
‫]السراء‪. [15:‬‬
‫وأما نعيم الجنة فأهل الجنة منعمون شباب ل يهرمون في سنة ‪ 33‬يدخل‬
‫أهل الجنة جردا ً مردا ً قال صلى الله عليه وسلم "يدخل أهل الجنة جردا ً مردا ً‬
‫كأنهم مكحلون أبناء ثلث وثلثين" ولهل الجنة طعاما ً شهي ‪ ،‬ما يتمناه‬
‫حم ِ ط َي ْ ٍ‬
‫ر‬ ‫ن * وَل َ ْ‬ ‫خي ُّرو َ‬ ‫ما ي َت َ َ‬ ‫م ّ‬ ‫النسان ولهم شراب لذيذ قال تعالى‪ ? :‬وََفاك ِهَةٍ ِ‬
‫ف‬
‫حا ٍ‬ ‫ص َ‬ ‫م بِ ِ‬ ‫ف عَلي ْهِ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ? ]الواقعة‪ [21-20:‬وقال الله تعالى‪ ? :‬ي ُطا ُ‬ ‫شت َُهو َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن?‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫ن وَأن ْت ُ ْ‬ ‫س وَت َلذ ّ العْي ُ ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫شت َِهيهِ الن ْ ُ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫ب وَِفيَها َ‬ ‫وا ٍ‬ ‫ب وَأك َ‬ ‫ن ذ َهَ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫]الزخرف‪.[71:‬‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ن الب َْراَر ي َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫س كا َ‬ ‫ن كأ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫شَرُبو َ‬ ‫وشراب أهل الجنة كما قال تعالى‪ ? :‬إ ِ ّ‬
‫كاُفورا ً‬ ‫جَها َ‬ ‫مَزا ُ‬ ‫ِ‬
‫جيرا ً ? ]النسان‪.[6-5:‬‬ ‫ْ‬ ‫ف‬
‫ِ ُ ّ ُ ََ َ ِ‬‫ت‬ ‫ها‬ ‫ن‬ ‫رو‬ ‫ج‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫د‬ ‫با‬ ‫ع‬
‫َْ َ َ ُ َِ ِ َ ُ‬‫ها‬ ‫ب‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ْ‬
‫ش‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫ين‬ ‫ع‬
‫ف ِفي‬ ‫ر‬ ‫ع‬
‫َ ِ ِ َْ ُ َ َْ ِ ُ‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫رو‬ ‫ُ‬ ‫ظ‬ ‫ن‬‫ي‬ ‫ك‬ ‫ئ‬ ‫را‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫عي‬ ‫ن‬ ‫في‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ر‬ ‫را‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫ن‬
‫وكما قال تعالى ‪ّ ِ ? :‬‬
‫إ‬
‫َِ ٍ‬ ‫َْ َ ِ‬
‫ك وَِفي ذ َل ِ َ‬
‫ك‬ ‫س ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫م ُ‬ ‫خَتا ُ‬ ‫خُتوم ٍ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ق َ‬ ‫حي ٍ‬ ‫ن َر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫س َ‬ ‫ضَرةَ الن ِّعيم ِ ي ُ ْ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫جوهِهِ ْ‬ ‫وُ ُ‬
‫ن ? ]المطففين‪ ,[26-20:‬والرحيق المختوم هو الخمر‬ ‫سو َ‬ ‫مت ََنافِ ُ‬ ‫س ال ْ ُ‬ ‫فَلي َت ََنافَ ِ‬
‫ْ‬
‫خمر أهل الجنة وهو خمر ل يخالط العقول ول يسبب المراض للبدان وإنما‬
‫هو لذة كلما شرب منه النسان ازداد له لذة وتمتعا ً ‪.‬‬
‫وماذا عن بقايا الطعام والشراب ؟‬
‫جاء في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إن أهل الجنة يأكلون‬
‫ويشربون ل يتفلون ول يتبولون ول يتغوطون ول يمتخطون ‪ ،‬قالوا ‪ :‬فما بال‬
‫الطعام يا رسول الله ؟ قال ‪" :‬جشاء كجشا المسك" ‪.‬‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫وأما آنيتهم فمن الذهب والفضة‪ ,‬وأما لباسهم فقد قال تعالى‪ ? :‬وَإ َِذا َرأي ْ َ‬
‫حّلوا‬ ‫مْلكا ً ك َِبيرا ً * َ‬ ‫َ‬
‫ست َب َْرقٌ وَ ُ‬ ‫ضٌر وَإ ِ ْ‬ ‫خ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫سن ْد ُ ٍ‬ ‫ب ُ‬ ‫م ث َِيا ُ‬ ‫عال ِي َهُ ْ‬ ‫ت ن َِعيما ً وَ ُ‬ ‫م َرأي ْ َ‬ ‫ثَ ّ‬
‫شَرابا ً ط َُهورا ً ? ]النسان‪ ,[21-20:‬والسندس‪:‬‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫م َرب ّهُ ْ‬ ‫قاهُ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ضةٍ وَ َ‬ ‫ن فِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ساوَِر ِ‬ ‫أ َ‬
‫ن‬ ‫هو الحرير الرقيق‪ ,‬والستبرق هو الحرير الغليظ ? يحل ّون فيها م َ‬
‫م ْ‬ ‫ساوَِر ِ‬ ‫نأ َ‬ ‫ُ َ ْ َ ِ َ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن ِفيَها عََلى‬ ‫ضرا ً ِ‬ ‫ن ث َِيابا ً ُ‬
‫م‬ ‫ع‬
‫َ ِ ِ ِْ َ‬ ‫ن‬ ‫ك‬ ‫ئ‬ ‫را‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫مت ّك ِِئي َ‬ ‫ق ُ‬ ‫ست َب َْر ٍ‬ ‫س وَإ ِ ْ‬ ‫سن ْد ُ ٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫خ ْ‬ ‫سو َ‬ ‫ب وَي َل ْب َ ُ‬ ‫ذ َهَ ٍ‬
‫فقا ً ]الكهف‪ [31:‬ل تبلى ثيابهم ول يفنى شبابهم شباب‬ ‫مْرت َ َ‬ ‫ت ُ‬ ‫سن َ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫ب وَ َ‬ ‫وا ُ‬ ‫الث ّ َ‬
‫على الدوام كما جاء في الحديث الذي رواه المام مسلم وللجنة فرش وهذه‬
‫ة فيها سرر مرُفوعَ ٌ َ‬
‫ب‬ ‫وا ٌ‬ ‫ة وَأك ْ َ‬ ‫جارِي َ ٌ ِ َ ُ ُ ٌ َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫الفرش كما قال تعالى‪ِ ? :‬فيَها عَي ْ ٌ‬
‫ة ? ]الغاشية ‪[ 13-10:‬‬ ‫ضوعَ ٌ‬ ‫مو ْ ُ‬ ‫َ‬
‫والنمارق هي الوسائد ‪ ،‬والزرابي هي البسط التي تنتشر في الجنة هنا وهناك‬
‫ليتكئ عليها أهل الجنة‪ .‬أما السرر مرفوعة إذا أراد أن يصعد عليه المؤمن‬
‫ويرفعه بعد ذلك وسرر مزينة بالذهب والديباج وهناك خدام يخدمون أهل‬
‫ن إ َِذا‬ ‫دو َ‬ ‫خل ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ُ‬ ‫دا ٌ‬ ‫م وِل ْ َ‬ ‫ف عَل َي ْهِ ْ‬ ‫طو ُ‬ ‫الجنة إنهم الولدان المخلدون قال تعالى‪? :‬وَي َ ُ‬
‫من ُْثورا ً ? ]النسان‪.[19:‬‬ ‫َ‬
‫م ل ُؤُْلؤا ً َ‬ ‫سب ْت َهُ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫َرأي ْت َهُ ْ‬
‫ن‬‫ت عَد ْ ٍ‬ ‫جّنا ُ‬ ‫وهناك نساء في الجنة وهن الزوجات الصالحات كما قال تعالى‪َ ? :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ن عَلي ْهِ ْ‬ ‫خُلو َ‬ ‫ة ي َد ْ ُ‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫م َوال ْ َ‬ ‫م وَذ ُّرّيات ِهِ ْ‬ ‫جهِ ْ‬ ‫م وَأْزَوا ِ‬ ‫ن آَبائ ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫صل َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫خُلون ََها وَ َ‬ ‫ي َد ْ ُ‬
‫دارِ ? ]الرعد‪[24-23:‬‬ ‫قَبى ال ّ‬ ‫م عُ ْ‬ ‫م فن ِعْ َ‬ ‫َ‬ ‫صب َْرت ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ُ‬
‫م عَلي ْك ْ‬ ‫َ‬ ‫سل ٌ‬ ‫ب* َ‬ ‫ن كل َبا ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫فهم وأزواجهم ولهم أيضا ً زوجات من الحوريات ويعطى الله سبحانه وتعالى‬

‫‪190‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الرجل من القوة والباءة القوية ويعطيه قوة مائة رجل كما جاء في الحديث‬
‫عن الرسول صلى الله عليه وسلم‪.‬‬

‫)‪(16 /‬‬

‫ن عَن َْها‬ ‫وأما أحوال الجنة فأهلها ل يريدون التحول عنها قال تعالى‪ ? :‬ل ي َب ُْغو َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫من َْها ِ‬ ‫ما ُرزُِقوا ِ‬ ‫حوَل ً ? ]الكهف‪ [108:‬وتجدد لهم النعم قال تعالى ? ك ُل ّ َ‬ ‫ِ‬
‫شاِبها ً ? ]البقرة‪[25:‬‬ ‫ل وأ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫مت َ َ‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫توا‬
‫ِ ُ ِ َ ِ ْ ْ َ ُ ِ ِ ُ‬ ‫ب‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫نا‬ ‫ق‬ ‫ز‬ ‫ر‬ ‫ذي‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫لوا‬ ‫قا‬ ‫ا‬ ‫زق‬ ‫ثَ َ َ ٍ ِ ْ‬
‫ر‬ ‫ة‬ ‫ر‬ ‫م‬
‫يفاجئون أن هذا رزق جديد وليس له من الول إل السم أو الشكل فهو نعيم‬
‫متجدد ‪ ،‬ونساء الجنة مطهرات فليس هناك حيض ول نفاس ول بصاق ول‬
‫مخاط ول غائط ‪ ،‬ولهل الجنة أسواق يذهبون إليها كما جاء في الحديث "إن‬
‫في الجنة لسوقا ً يأتونها كل جمعة فتهب ريح المشال فتحث في ثيابهم‬
‫ووجوههم فيزدادون حسنا ً وجمال ً فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسنا ً‬
‫وجمال ً فيقول لهم أهليهم والله لقد أزدتم بعدنا حسنا ً وجمال ً فيقولون وأنتم‬
‫ل" ‪.‬‬ ‫والله لقد أزدتم بعدنا حسنا ً وجما ً‬
‫ك‬‫نعيم فوق نعيم ومتعا ً عظيمة ولهم بعد ذلك ما يشاءون وما يتمنون ? ذ َل ِ َ‬
‫ق‪[35-34:‬‬ ‫زيد ٌ ? ] ّ‬ ‫م ِ‬‫ن ِفيَها وَل َد َي َْنا َ‬ ‫شاُءو َ‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫م َ‬ ‫خُلود ِ *ل َهُ ْ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ي َوْ ُ‬
‫وأخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم "أن الرجل من أهل الجنة تمنى على‬
‫الله جل وعل بعض المنيات "عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ‪ :‬كان‬
‫يتحدث الرسول صلى الله عليه وسلم وعنده رجل من العراب "من البادية"‬
‫فقال الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ :‬إن رجل ً من أهل الجنة استأذن ربه في‬
‫الزرع فقال له ألست فيما شئت فقال ‪ :‬بلى ولكن أحب الزرع "يقول لربه‬
‫أنه يحب الزرع" فبذر فبادر الطرق نباته واستوائه واستحصاده" أي بسرعة‬
‫فنبت النبات وحصد وجمع فكان كأمثال الجبال فيقول الله تعالى "دونك يا‬
‫ابن آدم فإنه ل يشبعك شيء ‪ ،‬فقال العرابي الذي كان حاضرا ً قال والله ل‬
‫تجده إل قرشيا ً أو أنصاريا ً فإنهم أصحاب الزرع أما نحن فلسنا بأصحاب زرع ‪.‬‬
‫وفي الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم أن المؤمن إذا اشتهى الولد‬
‫في الجنة كان حمله ووضعه وسنه في ساعة واحدة كلما اشتهيت لك ما‬
‫تتمنى‪ ,‬لك ما تريد‪ ,‬ثم يحن أهل الجنة لبعضهم ويتزاورون ويتناقشون فيما‬
‫بينهم عن هذه الدنيا التي مرت بهم وعن أهل النار وعن إخوانهم وعن ما‬
‫جرى ‪ ،‬فيخبرنا القرآن بشيء من هذا اللقاء الذي يقع بين أهل الجنة قال‬
‫ن ِلي‬ ‫كا َ‬‫م إ ِّني َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ل َقائ ِ ٌ‬ ‫ن َقا َ‬ ‫ساَءُلو َ‬ ‫ض ي َت َ َ‬ ‫ٍ‬ ‫م عََلى ب َعْ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫ل ب َعْ ُ‬ ‫تعالى‪ ? :‬فَأ َقْب َ َ‬
‫ظاما ً‬ ‫ع َ‬ ‫مت َْنا وَك ُّنا ت َُرابا ً وَ ِ‬ ‫ك ل َمن ال ْمصدقي َ‬ ‫قَرين يقول أءنك لمن ُقو ُ َ‬
‫ن أإ َِذا ِ‬ ‫ُ َ ّ ِ َ‬ ‫ل أإ ِن ّ َ ِ َ‬ ‫ِ ٌ‬
‫ل َتالل ِّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫حيم ِ َقا َ‬ ‫َ ِ‬ ‫ج‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ِ‬ ‫ء‬ ‫وا‬
‫َ َ‬ ‫س‬ ‫في‬ ‫َ َ ُ ِ‬ ‫ه‬ ‫رآ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ع‬ ‫ل‬ ‫ط‬ ‫فا‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫عو‬
‫ُْ ْ ُ ِ ُ َ‬ ‫ل‬ ‫ط‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫أإ ِّنا ل َ َ ِ ُ َ‬
‫ن‬ ‫نو‬ ‫دي‬ ‫م‬
‫ن إل إ ِّل‬ ‫ة ربي ل َك ُنت من ال ْمحضري َ‬
‫مي ِّتي َ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ما ن َ ْ‬ ‫ن أفَ َ‬ ‫ُ ْ َ ِ َ‬ ‫ْ ُ ِ َ‬ ‫م ُ َ ّ‬ ‫ول ن ِعْ َ‬ ‫ن وَل َ ْ‬ ‫ت ُلت ُْرِدي ِ‬
‫ن ك ِد ْ َ َ‬ ‫إِ ْ‬
‫ل‬‫م ِ‬ ‫ْ‬
‫ذا فَلي َعْ َ‬ ‫ل هَ َ‬ ‫مث ْ ِ‬ ‫م لِ ِ‬ ‫ظي ُ‬ ‫ْ‬
‫فوُْز العَ ِ‬ ‫ْ‬
‫ذا لهُوَ ال َ‬ ‫َ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫معَذ ِّبي َ‬ ‫ن بِ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫ما ن َ ْ‬ ‫َ‬
‫موْت َت ََنا الولى وَ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن إ ِن َّها‬ ‫مي‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ظا‬ ‫ّ‬ ‫لل‬
‫ِ‬ ‫ة‬
‫ً‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫ها‬
‫َ‬ ‫نا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ج‬ ‫نا‬ ‫إ‬ ‫م‬ ‫قو‬ ‫ّ‬ ‫ز‬ ‫ال‬ ‫ُ‬ ‫ة‬ ‫ر‬ ‫ج‬ ‫َ‬
‫ش‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ً‬ ‫ل‬ ‫ز‬ ‫ن‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ال ْعامُلون أ َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ ِ ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫م َلك ُِلو َ‬
‫ن‬ ‫ه‬ ‫ّ‬
‫ِ ِ ُ ْ‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫طي‬
‫ِ‬ ‫يا‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ش‬ ‫ال‬ ‫س‬
‫ُ‬ ‫ؤو‬‫ُ‬ ‫ر‬ ‫ُ ُ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ها‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ط‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫حي‬‫ِ‬ ‫ج‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫ج ِفي أ ْ ِ‬
‫ص‬ ‫خُر ُ‬ ‫جَرةٌ ت َ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫َ‬
‫ن ? ]الصافات‪ ,[66-50:‬يتحدث أحد أهل الجنة‬ ‫ُ‬
‫من َْها الب ُطو َ‬ ‫ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫مال ُِئو َ‬ ‫من َْها فَ َ‬ ‫ِ‬
‫فيقول‪ :‬إني كان لي صديق يقول لي أبعد أن نكون تراب وعظام سوف‬
‫نحاسب فل يدري أن الذي خلقه أول مرة من ل شيء قادر على إعادته مرة‬
‫أخرى‪ .‬ثم يقال لهم هل تريدون الطلع عليه فرآه في وسط جهنم" ‪.‬‬
‫وفي الحلقة القادمة نتكلم عن أهل النار وعن أحوالهم وعن صفاتهم وعن‬
‫صفات النار التي أعدها الله للعصاة الكافرين المشركين والمنافقين ونحن‬

‫‪191‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الن مع أصحاب الجنة ويقع محادثة فيما بين أهل الجنة وأهل النار كما قال‬
‫قا ً‬ ‫َ‬ ‫تعالى‪ ? :‬ونادى أ َصحاب ال ْجنة أ َ‬
‫ح ّ‬‫ما وَعَد ََنا َرب َّنا َ‬ ‫جد َْنا َ‬ ‫ن قَد ْ وَ َ‬ ‫ب الّنارِ أ ْ‬ ‫حا َ‬
‫ص َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ّ ِ‬ ‫ْ َ ُ‬ ‫ََ َ‬
‫َ‬
‫ة اللهِ عَلى‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫فَهَ ْ‬
‫ن لعْن َ ُ‬
‫مأ ْ‬ ‫ن ب َي ْن َهُ ْ‬‫مؤذ ٌ‬ ‫ن ُ‬ ‫م فأذ َ‬ ‫قا قالوا ن َعَ ْ‬ ‫ح ّ‬
‫م َ‬ ‫ما وَعَد َ َرب ّك ْ‬
‫م َ‬ ‫جد ْت ُ ْ‬ ‫ل وَ َ‬
‫ن ? ]العراف‪ ,[44:‬فيقول أهل الجنة إنا وجدنا ما وعدنا ربنا فقد‬ ‫مي َ‬ ‫ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬
‫رأينا الجنة ورأينا القصور ورأينا الخيام ورأينا الطعام واللباس وكل ما أخبر به‬
‫تعالى كان حقا ً فهل وجدتم أنتم مقامع الحديد وطعام غسلين والحميم‬
‫وعذاب النار وفرش نارية ‪.‬‬
‫مد ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫وأهل الجنة لهم دعاء عندما يدخلون الجنة ويرون هذه الجنة ? وََقالوا ال َ‬
‫شاُء فَن ِع َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جُر‬‫مأ ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫ث نَ َ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫جن ّةِ َ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫م َ‬ ‫صد َقََنا وَعْد َه ُ وَأوَْرث ََنا اْلْر َ‬
‫ض ن َت َب َوّأ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ِل ّهِ ال ّ ِ‬
‫ن ? ]الزمر‪[74:‬‬ ‫مِلي َ‬ ‫ال َْعا ِ‬

‫)‪(17 /‬‬

‫ويسبحون الله بكرة وعشيا وروى مسلم أنهم يتلذذون بذلك التسبيح روى‬
‫المام مسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ‪ :‬يلهمون التسبيح‬
‫والتكبير كما تلهمون النفس " لنه ل شفعة فيه ول تكليف فيه ولكنه لذة‬
‫وسعادة أن يحمدوا الله جل وعل على ما هم فيه من النعم هذا وعد الله‬
‫الذي ننتظر‪ ,‬وعد الله الذي سيراه المؤمن‪ ,‬ما بينك وبينه إل أن تموت فترى‬
‫مقعدك من الجنة والعياذ بالله أن يرى الكافر مقعده من النار‪.‬‬
‫ونسأل الله أن يجعلنا من الفائزين‪ ,‬وهذا ما أعده الله لعباده المؤمنين أل‬
‫يستحق أن نشمر‪ ،‬أل يستحق أن نجتهد كما فعل آباؤنا وأجدادنا وأسلفنا‬
‫الذين صدقوا الله فسخر الله لهم الدنيا فكانوا سادتها عاجل ً في الدنيا جاءهم‬
‫الخير وأجل ً أعد الله لهم هذا الخير في الخرة ‪.‬‬
‫نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من عباده الصالحين والحمد لله رب العالمين ‪.‬‬
‫والصلة والسلم على أشرف المرسلين‪،،‬‬
‫النار‬
‫الحمد لله رب العالمين وأصلى وأسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه‬
‫أجمعين وبعد ‪..‬‬
‫هذه الدنيا هي دار العمل ننتقل بالموت مع كل ساكني الرض بل وجميع‬
‫الجيال إلى دار الجزاء‪ ،‬والله سبحانه وتعالى قد أعد يوما ً كامل ً للجزاء ولكنه‬
‫غيب عنا ول سبيل لمعرفة الغيب إل عن طريق الرسل الذين أطلعهم الله‬
‫على الغيب‪ ،‬فهم نافذتنا لمعرفة هذا الغيب ولكن عندما نسمع ما أعد الله‬
‫للكافرين من عذاب سيسأل البعض لماذا هذا العذاب لهؤلء ؟ فنقول إن الله‬
‫َ‬
‫خل ْ ُ‬
‫ق‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫جل وعل هو الملك فالمالك يجب أن يطاع والله يقول ? أل ل َ ُ‬
‫َ‬
‫مُر ? ]العراف‪ [54 :‬هو الذي خلق وهو الذي يطاع لكن هؤلء لم يطيعوه‬ ‫َواْل ْ‬
‫حت َِها اْل َن َْهاُر‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬
‫ري ِ‬‫ج ِ‬
‫ت تَ ْ‬
‫جّنا ٍ‬
‫ه َ‬‫خل ْ ُ‬ ‫سول َ ُ‬
‫ه ي ُد ْ ِ‬ ‫ن ي ُط ِِع الل ّ َ‬
‫ه وََر ُ‬ ‫م ْ‬
‫قال تعالى‪ ? :‬وَ َ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ه عَ َ‬ ‫ن ي َت َوَ ّ‬
‫ذابا أِليما ? ]الفتح‪ [17:‬ماذا سيفعل أحدنا لو أن أحدا هجم‬ ‫ل ي ُعَذ ّب ْ ُ‬ ‫م ْ‬‫وَ َ‬
‫على داره أو بستانه أو مصنعه فكسره وحطمه وأنت تنذره وتحذره أتتركه‬
‫هكذا فأنت صنع الله بدنك هذا صنع الله والسموات والرض وكل شيء ‪،‬‬
‫وهذا الكافر يتعدى ويدمر ويفسد ويستعمل ما أعطاه الله من النعم في غير‬
‫مرضاته يستحق ذلك العذاب وإذا تأملت إلى النعم العظيمة إنها تستحق منك‬
‫ت الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫م َ‬ ‫ن ن ِعْ َ‬ ‫الشكر لكن الكافر ل يشكر الله على ذلك قال تعالى‪ ? :‬ي َعْرُِفو َ‬
‫م ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن ? ]النحل‪[83:‬‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫م ي ُن ْك ُِرون ََها وَأك ْث َُرهُ ُ‬ ‫ثُ ّ‬
‫وقد أعطانا الله أدوات لنعرفه فأبى هؤلء الكفار أن يستعملوها في معرفة‬

‫‪192‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صارا ً وَأ َفْئ ِد َةً‬ ‫َ‬


‫معا ً وَأب ْ َ‬ ‫س ْ‬‫م َ‬ ‫جعَل َْنا ل َهُ ْ‬ ‫الله من سمع وبصر وفؤاد قال تعالى‪ ? :‬وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫دو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ج َ‬ ‫يٍء إ ِذ ْ كاُنوا ي َ ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫م َول أفْئ ِد َت ُهُ ْ‬ ‫صاُرهُ ْ‬ ‫م َول أب ْ َ‬ ‫معُهُ ْ‬ ‫س ْ‬‫م َ‬ ‫ما أغَْنى عَن ْهُ ْ‬ ‫فَ َ‬
‫ن ? ]الحقاف‪[ 26 :‬لم يتعلموا بل‬ ‫ست َهْزُِئو َ‬ ‫كاُنوا ب ِهِ ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م َ‬ ‫حاقَ ب ِهِ ْ‬ ‫ت الل ّهِ وَ َ‬ ‫ِبآيا ِ‬
‫كانوا يستهزئون بما جاءهم من عند الله سبحانه وتعالى فالله قد أقام الحجة‬
‫س عََلى الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ن ِللّنا ِ‬ ‫كو َ‬ ‫ن ل ِئ َّل ي َ ُ‬ ‫من ْذِِري َ‬ ‫ن وَ ُ‬ ‫ري َ‬ ‫ش ِ‬ ‫مب َ ّ‬ ‫سل ً ُ‬ ‫وما ترك لحد عذرا ً فقال ?ُر ُ‬
‫كيما ً ? ]النساء‪.[165:‬‬ ‫ح ِ‬ ‫زيزا ً َ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫ن الل ّ ُ‬‫كا َ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ة ب َعْد َ الّر ُ‬ ‫ج ٌ‬‫ح ّ‬ ‫ُ‬
‫ت ? ]الحديد‪[ 25 :‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سلَنا ِبالب َي َّنا ِ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ر‬ ‫نا‬
‫َ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫ر‬
‫ْ ْ َ‬ ‫أ‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ل‬ ‫?‬ ‫والمعجزات‬ ‫بالبينات‬ ‫رسله‬ ‫أيد‬
‫ن‬
‫َ َ ْ‬‫م‬ ‫و‬ ‫?‬ ‫المجرمين‬ ‫من‬ ‫ينتقم‬ ‫هو‬ ‫انتقام‬ ‫أي ليتضح المر فالله عزيز قوي ذي‬
‫ن?‬ ‫ْ‬ ‫أ َظ ْل َم ممن ذ ُك ّر بآيات ربه ث ُ َ‬
‫مو َ‬ ‫ق ُ‬
‫من ْت َ ِ‬
‫ن ُ‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ض عَن َْها إ ِّنا ِ‬ ‫م أعَْر َ‬ ‫ِ َ ّ ِ ّ‬ ‫َ ِ‬ ‫ُ ِ ّ ْ‬
‫]السجدة‪[22:‬‬
‫ماذا ستعمل الدولة لمن يعرض عن قوانينها ويستخف بكلماته ماذا تفعل‪ ،‬الله‬
‫مل‬ ‫أعلى وأعز وهو العلي الذي يأبى أن يسوي بين الظالم والمظلوم ? َفال ْي َوْ َ‬
‫ن ? ]ّيس‪[54:‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫م ت َعْ َ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ن إ ِّل َ‬ ‫جَزوْ َ‬ ‫شْيئا ً َول ت ُ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ف ٌ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫ت ُظ ْل َ ُ‬
‫َ‬
‫حد ٌ‬ ‫هأ َ‬ ‫ذاب َ ُ‬‫ب عَ َ‬ ‫مئ ِذ ٍ ل ي ُعَذ ّ ُ‬ ‫ولكن ل ظن أحد أن عذاب الله كعذاب الناس ? فَي َوْ َ‬
‫حد ٌ ? ]الفجر‪[26-25:‬‬ ‫ول يوث ِق وَثاقَ َ‬
‫هأ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ ُ‬
‫فهو عذاب يتناسب مع قوته وعظمته سبحانه وتعالى‪ ،‬وقبل أن ندخل في‬
‫وصف هذا العذاب نرد على بعض الناس الذين يقولون أن الخلود شيء كبير‪،‬‬
‫فمهما فعل النسان من جرائم فإن الخلود أمر يزيد عن ما يستحقه هؤلء‬
‫المجرمون ونقول لهؤلء إن هؤلء الذين استحقوا الخلود في النار والعذاب‬
‫في نار جهنم استحقوه بسبب إعراضهم وكفرهم ثم إنهما ماتوا وهم على نية‬
‫أنهم لو عاشوا أبدا ً لكفروا بالله أبدا ً ‪ ،‬ولخالفوا أوامره أبدا ً ‪ ،‬جزاء وفاقا‬
‫موافق لهذا الذي كان في قلوبهم من كفر وعناد وهذه التي أعدها الله‬
‫للكافرين إنها تترصد وهي في انتظار للضحايا وفي انتظار للمجرمين لتفتك‬
‫قوا الّناَر ال ِّتي‬ ‫بهم والله قد أخبرنا أن هذه النار مترصدة قال تعالى ? َوات ّ ُ‬
‫صادا*ً‬ ‫مْر َ‬ ‫ت ِ‬ ‫َ‬
‫م كان َ ْ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ن ? ]آل عمران‪ [131:‬وقال تعالى‪? :‬إ ِ ّ‬ ‫ري َ‬ ‫ِ‬ ‫كافِ‬ ‫ت ل ِل ْ َ‬‫عد ّ ْ‬ ‫أُ ِ‬
‫قابا ً ? ]النبأ‪.[23-21 :‬‬ ‫َ‬
‫ح َ‬ ‫ن ِفيَها أ ْ‬ ‫مآبا ً *لب ِِثي َ‬ ‫ن َ‬ ‫طاِغي َ‬ ‫ِلل ّ‬

‫)‪(18 /‬‬

‫والنار والجنة يراها الناس عند موتهم وقد جاء في الحديث عن عبد الله بن‬
‫عمر قال "إن أحدكم إذا مات فتح الله عليه مقعده في الغداة والعشي إن‬
‫كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار ‪،‬‬
‫يقال هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة"‪.‬‬
‫أين هي النار ؟‬
‫ليس هناك نص صريح يبين أين موقع النار ولكننا نعرف أن الشمس والقمر‬
‫مكوران في النار أي أن هذه الشمس سيلف بها ويرمى بها في نار جهنم‬
‫فهي جزء من النار ستضاف إلى هذه النار ‪ ،‬وروي عن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم أنه قال "سجين الرض السابعة وهي جزء من النار" وقيل هي الرض‬
‫السابعة وروى ذلك ابن مردويه عن عائشة ‪ ،‬وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن‬
‫عباس قال ‪ :‬سجين أسفل الرضين ‪ ،‬وسجين هو المكان الذي تغمس فيه‬
‫روح الكافر ‪،‬ونسمة المؤمن في الجنة تسرح حيث تشاء ‪ ،‬هذه النار واسعة‬
‫عظيمة ‪.‬‬
‫وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ‪ :‬كنا مع رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم إذا سمع وجبة أي سمع صوتا ً عظيما ً قال ‪ :‬أتدرون ما‬

‫‪193‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هذا ؟! قلنا الله ورسوله أعلم قال ‪ :‬هذا حجر رمي به في النار منذ سبعين‬
‫خريفا ً فهو يهوي في النار وإلى الن"‪.‬‬
‫ومما يدل على سعة هذه النار وضخامتها وأنه قال صلى الله عليه وسلم في‬
‫م‬
‫جهَن ّ َ‬ ‫مئ ِذ ٍ ب ِ َ‬ ‫جيَء ي َوْ َ‬ ‫وصف الذين يسوقون النار يوم القيامة كما قال تعالى‪ ? :‬وَ ِ‬
‫? ]الفجر‪[ 23:‬قال ‪" :‬يؤتى يؤمئذ بجهنم له سبعون ألف زمام مع كل زمام‬
‫سبعون ألف ملك" ‪.‬‬
‫وهذه النار لها أبواب فالكفار وهم يتوجهون إلى النار وتكون هذه البواب‬
‫مرا ً‬ ‫م ُز َ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫فُروا إ َِلى َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫سيقَ ال ّ ِ‬ ‫مغلقة فجأة تفتح أمامهم قال تعالى‪ ? :‬وَ ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ي َت ْلو َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫س ٌ‬ ‫م ُر ُ‬ ‫م ي َأت ِك ُ ْ‬ ‫خَزن َت َُها أل ْ‬ ‫م َ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬ ‫واب َُها وََقا َ‬ ‫ت أب ْ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ها فُت ِ َ‬ ‫جاُءو َ‬ ‫حّتى إ َِذا َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫م ُ‬ ‫َ‬
‫ت كل ِ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬
‫ذا َقالوا ب َلى وَلك ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫م هَ َ‬ ‫مك ْ‬ ‫ُ‬ ‫قاَء ي َوْ ِ‬ ‫م لِ َ‬ ‫ُ‬
‫م وَي ُن ْذُِرون َك ْ‬ ‫ُ‬
‫ت َرب ّك ْ‬ ‫م آَيا ِ‬ ‫ُ‬
‫عَلي ْك ْ‬ ‫َ‬
‫ن ? ]الزمر‪[71:‬‬ ‫ري َ‬ ‫َ‬
‫ب عَلى الكافِ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ال ْعَ َ‬
‫ولهذه النار خزنة فالله تعالى قد حذرنا من بطش هؤلء الملئكة الغلظ‬
‫م َنارا ً وَُقود ُ َ‬ ‫َ‬ ‫مُنوا ُقوا أ َن ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ها‬ ‫م وَأهِْليك ُ ْ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫الشداد فقال تعالى ‪َ ? :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫فعَُلو َ‬
‫ن‬ ‫م وَي َ ْ‬ ‫مَرهُ ْ‬ ‫ما أ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫صو َ‬ ‫داد ٌ ل ي َعْ ُ‬ ‫ش َ‬ ‫ظ ِ‬ ‫ة ِغل ٌ‬ ‫ملئ ِك َ ٌ‬ ‫جاَرةُ عَل َي َْها َ‬ ‫ح َ‬ ‫س َوال ْ ِ‬ ‫الّنا ُ‬
‫ن ? ]التحريم‪ [6:‬غلظ في طباعهم فل رحمة في قلوبهم شداد‬ ‫مُرو َ‬ ‫ما ي ُؤْ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫قي َ‬ ‫مَنافِ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫أقوياء ‪ ،‬وهذه النار دركات كما أن الجنة درجات قال تعالى ? إ ِ ّ‬
‫ِفي الد ّر ِ َ‬
‫صيرا ? ]النساء‪[145:‬‬ ‫م نَ ِ‬ ‫جد َ ل َهُ ْ‬ ‫ن تَ ِ‬ ‫ن الّنارِ وَل َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫س َ‬ ‫ك اْل ْ‬ ‫ْ‬
‫المنافقون هم الذين يظهرون السلم ويبطنون الكفر وقود النار‪ -:‬النار تأكل‬
‫س‬
‫ها الّنا ُ‬ ‫قوا الّناَر ال ِّتي وَُقود ُ َ‬ ‫الناس وتأكل الحجارة قال تعالى ‪َ ? :‬فات ّ ُ‬
‫ت‬ ‫َ‬ ‫ت ل ِل ْ َ‬ ‫جاَرةُ أ ُ ِ‬ ‫َوال ْ ِ‬
‫ف ْ‬ ‫خ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ن ? ]البقرة‪ [24:‬وهذه النار شديدة ? وَأ ّ‬ ‫ري َ‬ ‫ِ‬ ‫كافِ‬ ‫عد ّ ْ‬ ‫ح َ‬
‫ما أد َْرا َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ة ?] القارعة‪.[11-8:‬‬ ‫مي َ ٌ‬ ‫حا ِ‬ ‫ه َناٌر َ‬ ‫ما هِي َ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫هاوِي َ ٌ‬ ‫ه َ‬ ‫م ُ‬ ‫ه * فَأ ّ‬ ‫واِزين ُ ُ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫وأخرج البخاري ومسلم حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫"نارنا جزء من سبعين جزءا ً من نار جهنم" ‪.‬‬
‫وأما الماء هناك في نار جهنم فهو الحميم وأما الهواء فهو السموم وأما الظل‬
‫ب‬ ‫َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫َ‬
‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ش َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫فهو الدخان وهو من يحموم قال تعالى‪ ? :‬وَأ ْ‬
‫موم ٍ ? ]الواقعة‪. [43-41:‬‬ ‫ح ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ميم ٍ وَظ ِ ّ‬ ‫ح ِ‬ ‫موم ٍ وَ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ل في َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ال ّ‬
‫كيف يكون هناك ظل في النار ؟! قدر رأينا مصداقا لذلك رأينا الشمس فيها‬ ‫ً‬
‫بقعة سوداء يمكن مشاهدتها من الرض بمناظر بسيطة فلما درست هذه‬
‫البقع وجد أنها مناطق الدرجة الحرارة فيها أقل من درجة الحرارة الخرى‪،‬‬
‫درجة حرارة الشمس تصل إلى ‪6‬ألف درجة ودرجة حرارة هذه البقع تصل‬
‫إلى أربعة ألف درجة ‪،‬هذا الختلف في هذه الدرجات يبدوا بالنسبة لغيرها‬
‫ل َول ي ُغِْني‬ ‫ب ل ظ َِلي ٍ‬ ‫شعَ ٍ‬ ‫ث ُ‬ ‫ل ِذي َثل ِ‬ ‫قوا إ َِلى ظ ِ ّ‬ ‫إنها مناطق فيها ظل ? ان ْط َل ِ ُ‬
‫ب ? ]المرسلت‪ [31-30:‬لنه ل يغني لنه من النار ‪.‬‬ ‫ن الل ّهَ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫ت ? ] التكوير‪,[ 12:‬‬ ‫ُ ُ ّ َ ْ‬ ‫ر‬ ‫ع‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫حي‬ ‫ِ‬ ‫ج‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ذا‬ ‫َ‬ ‫إ‬
‫َِ‬ ‫و‬ ‫?‬ ‫أهلها‬ ‫تستقبل‬ ‫عندما‬ ‫تسعر‬ ‫والنار‬
‫سِعيرا ً ? ]السراء‪.[97:‬‬ ‫م َ‬ ‫ت زِد َْناهُ ْ‬ ‫خب َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫وقال تعالى‪ ? :‬ك ُل ّ َ‬
‫وهذه النار تتغير أيضا ً حنقا ً على هؤلء الكافرين تبطش بهم ومن شدة غيظها‬
‫ُ‬
‫ي ِفيَها‬ ‫ق َ‬ ‫ما أل ْ ِ‬ ‫ظ ك ُل ّ َ‬ ‫ن ال ْغَي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫مي ُّز ِ‬ ‫كاد ُ ت َ َ‬ ‫تكاد تتمزق إلى أجزاء كما قال تعالى‪ ? :‬ت َ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬‫ذيٌر فَك َذ ّب َْنا وَقُل َْنا َ‬ ‫جاَءَنا ن َ ِ‬ ‫ذيٌر َقاُلوا ب ََلى قَد ْ َ‬ ‫م نَ ِ‬ ‫م ي َأت ِك ُ ْ‬ ‫خَزن َت َُها أل َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫سأل َهُ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫فَوْ ٌ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ما‬
‫ل َ‬ ‫ق ُ‬ ‫معُ أوْ ن َعْ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ل كِبيرٍ وََقالوا لوْ كّنا ن َ ْ‬ ‫ضل ٍ‬ ‫م إ ِل ِفي َ‬ ‫ن أن ْت ُ ْ‬ ‫يٍء إ ِ ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫ن َّز َ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫سِعيرِ ?‬ ‫ب ال ّ‬ ‫حا ِ‬ ‫ص َ‬ ‫حقا ِل ْ‬ ‫س ْ‬ ‫م فَ ُ‬ ‫سِعيرِ * َفاعْت ََرُفوا ب ِذ َن ْب ِهِ ْ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫حا ِ‬ ‫ص َ‬ ‫ك ُّنا ِفي أ ْ‬
‫]الملك‪,[11-8:‬‬

‫)‪(19 /‬‬

‫‪194‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والنار مخلدة‪ ،‬ولكن بعض اليهود قالوا إن النار ل تخلد أي أنهم لن يخلدوا في‬
‫سَنا‬ ‫م ّ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫النار ولكن الله بين أن هؤلء سيخلدون في نار جهنم ‪ ? :‬وََقاُلوا ل َ ْ‬
‫َ‬ ‫ل أ َت ّ َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ه عَهْد َه ُ أ ْ‬ ‫ف الل ّ ُ‬ ‫خل ِ َ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ عَْهدا ً فَل َ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫خذ ْت ُ ْ‬ ‫دود َة ً قُ ْ‬ ‫معْ ُ‬ ‫الّناُر إ ِّل أّياما ً َ‬
‫قوُلون عََلى الل ّه ما ل تعل َمون بَلى من ك َسب سيئ َ ً َ‬
‫طيئ َت ُ ُ‬
‫ه‬ ‫خ ِ‬ ‫ت ب ِهِ َ‬ ‫حاط َ ْ‬ ‫ة وَأ َ‬ ‫َ َ َ ّ‬ ‫َ ْ‬ ‫َْ ُ َ َ‬ ‫ِ َ‬ ‫َ‬ ‫تَ ُ‬
‫ن ? ]البقرة ‪ ,[82-80:‬وقال تعالى‪? :‬‬ ‫َ‬ ‫فَأول َئ ِ َ‬ ‫ُ‬
‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫ب الّنارِ هُ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫كأ ْ‬
‫َ‬
‫م?‬ ‫قي ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫ب ُ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫من َْها وَل َهُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫جي َ‬ ‫خارِ ِ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ما هُ ْ‬ ‫ن الّنارِ وَ َ‬ ‫م َ‬ ‫جوا ِ‬ ‫خُر ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬ ‫يُ ِ‬
‫]المائدة‪ ,[37:‬مقيم دائم مستمر ل يفتر ول يغيب وأما أهل النار فهم نوعان ‪:‬‬
‫‪ (1‬المخلدون ‪ :‬هم الكفار الذين قال الله عنهم هم الكفار الذين قال الله‬
‫فروا وك َذ ّبوا بآيات ِنا ُأول َئ ِ َ َ‬
‫ن?‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫ب الّنارِ هُ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫َ ُ ِ َ َ‬ ‫ن كَ َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫عنهم ? َوال ّ ِ‬
‫]البقرة‪.[39:‬‬
‫ن‬ ‫جد َ اللهِ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫دي َ‬ ‫شاهِ ِ‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫مُروا َ‬ ‫ن ي َعْ ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫ن ل ِل ُ‬ ‫ما كا َ‬ ‫‪ (2‬وهم المشركون ? َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫فسهم بال ْك ُ ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ن ? ] التوبة‪:‬‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫م وَِفي الّنارِ هُ ْ‬ ‫مالهُ ْ‬ ‫ت أعْ َ‬ ‫حب ِط ْ‬ ‫َ‬
‫فرِ أولئ ِك َ‬ ‫عََلى أن ْ ُ ِ ِ ْ ِ‬
‫‪[17‬‬
‫م‬
‫جهَن ّ َ‬ ‫فاَر َناَر َ‬ ‫ت َوالك ّ‬‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫قا ِ‬ ‫مَنافِ َ‬ ‫ن َوال ُ‬ ‫ْ‬ ‫قي َ‬ ‫مَنافِ ِ‬ ‫ْ‬
‫ه ال ُ‬ ‫ّ‬
‫‪ (3‬وهم المنافقون ? وَعَد َ الل ُ‬
‫م ? ]التوبة‪. [68:‬‬ ‫قي ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫ب ُ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ه وَلهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫م الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫م وَل َعَن َهُ ُ‬ ‫سب ُهُ ْ‬ ‫ح ْ‬ ‫ي َ‬ ‫ن ِفيَها هِ َ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫َ‬
‫جرائمهم ‪:‬‬
‫م‬‫سك ُْ‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫قت ِك ُم أ َ‬ ‫ْ‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫ب‬‫ْ‬ ‫ك‬ ‫قت الل ّه أ َ‬ ‫ْ‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫د‬ ‫نا‬ ‫ي‬ ‫روا‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫?‬ ‫بالله‪:‬‬ ‫‪ (1‬الكفر‬
‫ْ ْ َ‬ ‫ِ َُ ِ ْ َ‬ ‫َُ َ ْ َ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ َ‬ ‫ِ ّ‬
‫ن ? ]غافر‪. [10:‬‬ ‫فُرو َ‬ ‫ن فَت َك ْ ُ‬ ‫ما ِ‬ ‫لي َ‬ ‫ن إ َِلى ا ْ ِ‬ ‫إ ِذ ْ ت ُد ْعَوْ َ‬
‫ْ‬
‫ما‬
‫مأَواهُ الّناُر وَ َ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫ه عََليهِ ال ْ َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫حّر َ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ك ِبالل ّهِ فَ َ‬ ‫شرِ ْ‬ ‫من ي ُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫‪ (2‬الشرك ‪?:‬إ ِن ّ ُ‬
‫ظال ِمين م َ‬
‫صاٍر? ]المائدة ‪.[ 72:‬‬ ‫ن أن َ‬ ‫ِلل ّ ِ َ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫من لد ُّنا ذِ ْ‬ ‫ّ‬ ‫‪ (3‬العراض عن القرآن ‪ ? :‬وَقَد ْ آت َي َْنا َ‬
‫ه فَإ ِن ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ض عَن ْ ُ‬ ‫ن أعَْر َ‬ ‫م ْ‬ ‫كرا َ‬ ‫ك ِ‬
‫مل ً ?]طه ‪-99‬‬ ‫ح ْ‬ ‫مةِ ِ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ِ‬‫ْ‬ ‫م ي َوْ َ‬ ‫ساء لهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ن ِفيهِ وَ َ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫مةِ وِْزرا ً َ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫ل ي َوْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫‪. [101‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫س‬ ‫ن ِفيَها فَب ِئ ْ َ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫ب َ‬ ‫وا َ‬ ‫خلوا أب ْ َ‬ ‫‪ (4‬التكبر على الدين وعلى أهله ?اد ْ ُ‬
‫ست َك ْب َُروا ْ عَن َْها أ ُوْل َئ ِكَ‬ ‫ن كذ ُّبوا ِبآَيات َِنا َوا ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ? ]غافر‪َ? [ 76:‬وال ّ ِ‬ ‫ري َ‬ ‫مت َك َب ّ ِ‬ ‫وى ال ْ ُ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن? ]العراف‪[ 36:‬‬ ‫أَ‬
‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫ب الّنارِ هُ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫ْ‬
‫ت‬‫حب ِط َ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫كافٌِر فَأ ُوْل َئ ِ َ‬ ‫ت وَهُوَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫عن ِدين ِهِ فَي َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫من ي َْرت َدِد ْ ِ‬ ‫‪ (5‬الردة ‪ ? :‬وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن ? ]البقرة ‪:‬‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫ب الّنارِ هُ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫خَرةِ وَأوْلئ ِك أ ْ‬ ‫َ‬ ‫م ِفي الد ّن َْيا َوال ِ‬ ‫مال ُهُ ْ‬ ‫أعْ َ‬
‫‪ [ 217‬والذين يجادلون ويعارضون الدين ويعارضون أحكامه ويحتجون لماذا‬
‫أنزل الله هذا الحكم كأولئك الذين احتجوا في تقسيم الميراث ولم يعجبهم‬
‫حكم الله وكأنهم هم أعدل من الله ‪ ،‬هؤلء الذين يعترضون على حكم الله‬
‫ه وَي َت َعَد ّ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ص الل ّ َ‬ ‫من ي َعْ ِ‬ ‫وعلى شرعه ويعصون الله في أحكامه ? وَ َ‬
‫ن ? ]النساء ‪.[ 14:‬‬ ‫مِهي ٌ‬ ‫ب ّ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ه عَ َ‬ ‫خاِلدا ً ِفيَها وَل َ ُ‬ ‫ه َنارا ً َ‬ ‫خل ْ ُ‬‫دود َهُ ي ُد ْ ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫ُ‬
‫أما غير المخلدين فهم العصاة من المؤمنين الذين عندهم إيمان ولكنهم‬
‫ه‬
‫ك بِ ِ‬ ‫شَر َ‬ ‫فُر َأن ي ُ ْ‬ ‫ه ل َ ي َغْ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫يرتكبون المعاصي فهؤلء يقول الله فيهم ‪ ?:‬إ ِ ّ‬
‫ي‬
‫عَبادِ َ‬ ‫ل َيا ِ‬ ‫شاُء ? ]النساء ‪ ,[ 48:‬وقال تعالى‪ ? :‬قُ ْ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫ك لِ َ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫ما ُدو َ‬ ‫فُر َ‬ ‫وَي َغْ ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫فُر الذ ُّنو َ‬ ‫ه ي َغْ ِ‬ ‫ن الل َ‬ ‫مةِ اللهِ إ ِ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫من ّر ْ‬ ‫قن َطوا ِ‬ ‫م ل تَ ْ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫سَرُفوا عَلى أن ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ميعا ً ? ]الزمر ‪ [ 53:‬ولكنهم يدخلون إذا ثقلت سيئاتهم ويكونون من أهل‬ ‫ج ِ‬ ‫َ‬
‫ف‬
‫خا ُ‬ ‫يأ َ‬ ‫َ‬ ‫النار بقدر جرائمهم ومن جرائمهم أنهم يعصون الله ورسوله ? قُ ْ‬
‫ل إ ِن ّ َ‬
‫ً‬
‫ظيم ٍ ? ]النعام ‪ [ 15:‬أقل الناس عذابا يوم‬ ‫ب ي َوْم ٍ عَ ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫ت َرّبي عَ َ‬ ‫صي ْ ُ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫إِ ْ‬
‫القيامة كما جاء في الحديث "إن أهون الناس عذابا يوم القيامة لرجل توضع‬ ‫ً‬
‫في أخمص قدميه جمره يغلى منها دماغه" ‪.‬‬
‫ويعطى الله الكفار أجساما ً ضخمة تتناسب مع العذاب فإنه يكون كبير وواسع‬

‫‪195‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حتى أن ما بين منكبيه مسيرة ثلثة أيام للراكب المسرع كما جاء في صحيح‬
‫مسلم ‪.‬‬

‫)‪(20 /‬‬
‫وأكثر من يدخل النار هم النساء وهن في الحقيقة اغلب بني آدم ولكن أيضا ً‬
‫يأتي هنا سؤال لماذا النساء ؟ بين الرسول صلى الله عليه وسلم السبب‬
‫ولكني أقول أيضا ً ذكر في الحاديث أن أكثر أهل الجنة النساء أيضا ً ‪ ،‬قال‬
‫بعض العلماء أن ذلك بعد أن يستحق من يستحق العذاب في النار ثم يخرجن‬
‫إلى الجنة‪ .‬ول ننسى أن عدد النساء أكثر من عدد الرجال فهن أكثر من في‬
‫الجنة وأكثر من في النار وإن كان لهن سبب يدخلن به النار وهو أنهن يكفرن‬
‫العشير‪ ،‬يحسن إليها زوجها فترة طويلة فإذا أساء إليها مرة قالت ‪ :‬ما رأيت‬
‫منك خيرا ً قط" وأما عذاب أهل النار فإنه عذاب من فوقهم ومن تحتهم ‪?:‬‬
‫ميم ِ ?‬ ‫ح ِ‬ ‫ي ال ْ َ‬ ‫ن ك َغَل ْ ِ‬ ‫طو ِ‬ ‫ل ي َغِْلي ِفي ال ْب ُ ُ‬ ‫مهْ ِ‬ ‫كال ْ ُ‬ ‫م اْل َِثيم ِ َ‬ ‫جَرةَ الّزّقوم ِ ط ََعا ُ‬ ‫ش َ‬ ‫ن َ‬ ‫إِ ّ‬
‫]الدخان ‪[46-34‬‬
‫س‬ ‫ه ُر ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ووصفها الله تعالى ‪ ? :‬إ ِن َّها َ‬
‫ؤو ُ‬ ‫حيم ِ طلعَُها كأن ّ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫ل ال َ‬ ‫ص ِ‬ ‫ج ِفي أ ْ‬ ‫خُر ُ‬ ‫جَرة ٌ ت َ ْ‬ ‫ش َ‬
‫ن ? ]الصافات‪[ 68-64:‬‬ ‫ُ‬
‫من َْها الب ُطو َ‬ ‫ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ؤو َ‬ ‫مال ِ ُ‬ ‫َ‬
‫من َْها ف َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م َلك ُِلو َ‬ ‫ن فَإ ِن ّهُ ْ‬ ‫ال ّ‬
‫طي ِ‬ ‫شَيا ِ‬
‫وقد كان هذا فتنة لكفار قريش فقالوا شجرة في النار كيف تكون شجرة في‬
‫النار‪ ,‬وقد أراني الخ صخر بن عبد الله صورة لنجم فيه شجرة‪ ,‬داخل نار‬
‫النجم شجرة لقد رأيت ذلك بعيني رأسي ‪.‬‬
‫ساقٌ ? ]ص‪ ,[ 57:‬الغساق ‪:‬‬ ‫م وَغَ ّ‬ ‫مي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫ذوُقوه ُ َ‬ ‫ذا فَل ْي َ ُ‬ ‫شرابهم في الحميم ‪ ? :‬هَ َ‬
‫هو ما يسيل من فروج النساء وما يسيل من نتن لحوم الكفرة وجلودهم يوم‬
‫قى‬ ‫س َ‬ ‫القيامة والحميم نار يغلي ومن شرابهم الصديد وهو قيح أهل النار ? وَي ُ ْ‬
‫ْ‬
‫و‬
‫ما هُ َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫كا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫ل َ‬ ‫من ك ُ ّ‬ ‫ت ِ‬ ‫مو ْ ُ‬ ‫ه وَي َأِتيهِ ال ْ َ‬ ‫سيغُ ُ‬ ‫كاد ُ ي ُ ِ‬ ‫ه وَل َ ي َ َ‬ ‫جّرعُ ُ‬ ‫ديد ٍ ي َت َ َ‬ ‫ص ِ‬‫ماء َ‬ ‫من ّ‬ ‫ِ‬
‫ب غَِليظ ? ]إبراهيم ‪ [ 17:‬هذا ما بين الله من أحوال‬ ‫ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫من وََرآئ ِهِ عَ َ‬ ‫ت وَ ِ‬ ‫مي ّ ٍ‬ ‫بِ َ‬
‫م‬
‫صِليهِ ْ‬ ‫ف نُ ْ‬ ‫سو ْ َ‬ ‫فُروا ِبآَيات َِنا َ‬ ‫ْ‬ ‫نك َ‬‫َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن ال ِ‬ ‫أهل النار ثم إنهم يعذبون في جلودهم ? إ ِ ّ‬
‫ب ? ]النساء‪:‬‬ ‫ذا َ‬ ‫ْ‬
‫ذوُقوا العَ َ‬ ‫ْ‬ ‫ها ل ِي َ ُ‬ ‫جُلودا ً غَي َْر َ‬ ‫م ُ‬ ‫م ب َد ّل َْناهُ ْ‬ ‫جُلود ُهُ ْ‬ ‫ت ُ‬ ‫ج ْ‬ ‫ض َ‬‫ما ن َ ِ‬ ‫َنارا ً ك ُل ّ َ‬
‫‪ ,[56‬وقد مر بنا ونحن ندرس العجاز العلمي أن الطباء اكتشفوا أن‬
‫العصاب الحساسة بالحروق إنما هي بالجلد ولذلك إذا نضج الجلد يتوقف‬
‫اللم ‪ ،‬أما المعاء فهي مبطنة بغشاء ألم الحراسة لكن قال الله في عذاب‬
‫َ‬
‫م ? ]محمد ‪ [ 15:‬لماذا يقطع‬ ‫مَعاءهُ ْ‬ ‫قط ّعَ أ ْ‬ ‫ميما ً فَ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ماء َ‬ ‫قوا َ‬ ‫س ُ‬ ‫المعاء ? وَ ُ‬
‫أمعاءهم ليخرج من المعاء المصاته والمحمية من الحرارة والنار إلى الحشاء‬
‫المملوءة بالعصاب الحساسة ليذوق العذاب يصهر صهرا ً في النار كما قال‬
‫ه‬
‫صهَُر ب ِ ِ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫مي ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫سهِ ُ‬ ‫ؤو ِ‬ ‫ق ُر ُ‬ ‫من فَوْ ِ‬ ‫ب ِ‬ ‫ص ّ‬ ‫من ّنارٍ ي ُ َ‬ ‫ب ّ‬ ‫م ث َِيا ٌ‬ ‫ت ل َهُ ْ‬ ‫تعالى‪ ?:‬قُط ّعَ ْ‬
‫جُلود ُ ? ]الحج ‪ [ 20-19‬ومن ملبسهم قال تعالى ? وَت ََرى‬ ‫م َوال ْ ُ‬ ‫طون ِهِ ْ‬ ‫ما ِفي ب ُ ُ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫جو‬ ‫و‬ ‫شى‬ ‫َ‬ ‫غ‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫را‬ ‫ط‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫من‬ ‫هم‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫بي‬ ‫را‬ ‫س‬ ‫د‬ ‫فا‬ ‫َ‬ ‫ص‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫في‬ ‫ن‬ ‫ني‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫م‬ ‫ذ‬ ‫ئ‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫مي‬ ‫ْ‬
‫ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ٍ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ ِ ُ ّ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ّ ّ َ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ا ُ ْ ِ‬
‫ر‬ ‫ج‬ ‫م‬ ‫ل‬
‫الّناُر?] إبراهيم ‪. [50- 49‬‬
‫عن‬ ‫ن َ‬ ‫فو َ‬ ‫ُ‬
‫ن ل ي َك ّ‬ ‫حي َ‬ ‫فُروا ِ‬ ‫نك َ‬ ‫َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ِ‬‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وهناك عذاب آخر بلفح النار‪ ? :‬لوْ ي َعْل ُ‬
‫ن ? ]النبياء ‪ ,[ 39:‬وقال تعالى‪:‬‬ ‫صُرو َ‬ ‫م ُين َ‬ ‫م َول هُ ْ‬ ‫عن ظ ُُهورِهِ ْ‬ ‫م الّناَر وََل َ‬ ‫جوهِهِ ُ‬ ‫وُ ُ‬
‫ن? ]المؤمنون ‪ ,[ 104:‬ويسحبون سحبا ً‬ ‫حو َ‬ ‫م ِفيَها كال ِ ُ‬‫َ‬ ‫م الّناُر وَهُ ْ‬ ‫جوهَهُ ُ‬ ‫ح وُ ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫ْ‬
‫? ت َل َ‬
‫ن ِفي‬ ‫حُبو َ‬ ‫س َ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫سعُرٍ ي َوْ َ‬ ‫ل وَ ُ‬ ‫ضل ٍ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ُ‬‫ْ‬ ‫في نار جهنم المجرمين‪ ? :‬إ ِ ّ‬
‫قَر ? ]القمر ‪ ,[ 48:‬وتحيط بهم النار من‬ ‫س َ‬ ‫س َ‬ ‫م ّ‬ ‫م ُذوُقوا َ‬ ‫جوهِهِ ْ‬ ‫الّنارِ عََلى وُ ُ‬
‫من فَوْقِهِ ْ‬
‫م‬ ‫ب ِ‬ ‫ذا ُ‬ ‫م ال ْعَ َ‬ ‫شاهُ ُ‬ ‫م ي َغْ َ‬ ‫ن ي َوْ َ‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫ة ِبال ْ َ‬ ‫حيط َ ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫م لَ ُ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫كل مكان‪ ? :‬وَإ ِ ّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن? ]العنكبوت ‪ ,[ 55:‬ثم يكون‬ ‫ملو َ‬ ‫م ت َعْ َ‬ ‫ما كنت ُ ْ‬ ‫قول ُذوقوا َ‬ ‫م وَي َ ُ‬ ‫جل ِهِ ْ‬ ‫ت أْر ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫من ت َ ْ‬ ‫وَ ِ‬

‫‪196‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م?‬‫قي ٌ‬ ‫م ِ‬
‫ب ّ‬‫ذا ٌ‬‫ل عَل َي ْهِ عَ َ‬‫ح ّ‬‫زيهِ وَي َ ِ‬ ‫خ ِ‬
‫ب يُ ْ‬‫ذا ٌ‬ ‫من ي َأ ِْتيهِ عَ َ‬‫ن َ‬
‫مو َ‬ ‫ف ت َعْل َ ُ‬ ‫الخزي? فَ َ‬
‫سو ْ َ‬
‫]هود ‪[ 39:‬‬
‫فالمر جد والحجة قائمة ‪ ،‬وهذه النار تأكل الجسام وتطلع إلى الفئدة إلى‬
‫ة‬ ‫حط َ َ‬
‫م ُ‬ ‫ما ال ْ ُ‬
‫ك َ‬‫ما أ َد َْرا َ‬ ‫حط َ َ‬
‫مةِ وَ َ‬ ‫ن ِفي ال ْ ُ‬ ‫أن تصل إلى داخل الجسام ?ك َل ّ ل َُينب َذ َ ّ‬
‫ة?] الهمزة ‪.[ 7-4:‬‬ ‫موقَد َةُ ال ِّتي ت َط ّل ِعُ عََلى ال َفْئ ِد َ ِ‬ ‫َناُر الل ّهِ ال ْ ُ‬
‫وفي النار أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن هناك من تندلق أمعاؤه‬
‫ويدور عليها كما يدور الحمار على الرحى كما في الحديث المتفق عليه "يؤتى‬
‫بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه في النار فيطحن فيها‬
‫كطحن الحمار برحاه فيجتمع أهل النار عليه فيقولون أي فلن ما شأنك‪.‬‬
‫ألست كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر قال ‪ :‬كنت أمركم بالمعروف‬
‫ول آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه" ‪.‬‬

‫)‪(21 /‬‬

‫ه‬
‫ذاب َ ُ‬ ‫ب عَ َ‬ ‫مئ ِذ ٍ ل ي ُعَذ ّ ُ‬ ‫وأما الوثاق والحبس شديد وهي السلسل والغلل ? فَي َوْ َ‬
‫ن كذ ُّبوا‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫أ َحد وَل يوث ِق وَثاقَ َ‬
‫ذي َ‬ ‫حد ٌ ? ]الفجر‪ ,[ 26-25:‬وقال تعالى‪ ? :‬ال ِ‬ ‫هأ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ ٌ َ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ن *إ ِذِ الغلل ِفي أعَْناقِهِ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ف ي َعْل ُ‬ ‫سو ْ َ‬ ‫َ‬
‫سلَنا ف َ‬ ‫سلَنا ب ِهِ ُر ُ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫ب وَب ِ َ‬ ‫ِبال ْك َِتا ِ‬
‫ن?]غافر‪,[72-70 :‬‬ ‫جُرو َ‬ ‫س َ‬ ‫م ِفي الّنارِ ي ُ ْ‬ ‫ميم ِ ث ُ ّ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن * ِفي ال ْ َ‬ ‫حُبو َ‬ ‫س َ‬ ‫ل يُ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫سَل ِ‬ ‫َوال ّ‬
‫ما‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫ق‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫س‬ ‫ن‬ ‫نا‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫لوا‬ ‫ُ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫?‬ ‫يقولون‬ ‫العذاب‬ ‫هذا‬ ‫المجرمون‬ ‫يرى‬ ‫أن‬ ‫بعد‬
‫َ‬ ‫ْ ّ َ ْ َ ُ ْ َْ ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ر?]الملك‪:‬‬ ‫سِعي ِ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫حا ِ‬ ‫ص َ‬ ‫حقا ً ل ْ‬ ‫س ْ‬ ‫م فَ ُ‬ ‫ذنب ِهِ ْ‬ ‫سِعيرِ َفاعْت ََرُفوا ب ِ َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫حا ِ‬ ‫ص َ‬ ‫ك ُّنا ِفي أ ْ‬
‫‪. [11-10‬‬
‫ألم يرسل إلينا الرسل؟ ألم يأتونا بالكتب من الله جل وعل؟ ألم ينذرونا لقاء‬
‫يومنا هذا؟ فيندمون ول ينفعهم الندم في ذلك اليوم ثم يطلبون العودة‬
‫سو‬ ‫ن َناك ِ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫جرِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫لتصحيح مواقفهم وليطيعوا الله عز وجل ? وَل َوْ ت ََرى إ ِذِ ال ْ ُ‬
‫َ‬
‫ن?‬ ‫موقُِنو َ‬ ‫صاِلحا ً إ ِّنا ُ‬ ‫ل َ‬ ‫م ْ‬ ‫جعَْنا ن َعْ َ‬ ‫معَْنا َفاْر ِ‬ ‫س ِ‬ ‫صْرَنا وَ َ‬ ‫م َرب َّنا أب ْ َ‬ ‫عند َ َرب ّهِ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ؤو ِ‬ ‫ُر ُ‬
‫م هَ َ‬
‫ذا‬ ‫مك ْ‬ ‫ُ‬ ‫قاء ي َوْ ِ‬ ‫م لِ َ‬ ‫سيت ُ ْ‬ ‫ما ن َ ِ‬ ‫ذوُقوا ب ِ َ‬ ‫]السجدة ‪ [ 12:‬فيرد عليهم ربنا جل وعل ?فَ ُ‬
‫ن ?]السجدة ‪ [14:‬عند إذ‬ ‫مُلو َ‬ ‫م ت َعْ َ‬ ‫كنت ُ ْ‬‫ما ُ‬ ‫خل ْد ِ ب ِ َ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ذا َ‬ ‫م وَُذوُقوا عَ َ‬ ‫سيَناك ُ ْ‬ ‫إ ِّنا ن َ ِ‬
‫يتمنون الهلك أن يهلكوا وأن يموتوا حتى ل يبقوا في العذاب الدائم المستمر‬
‫م ث ُُبورا ً‬ ‫عوا ال ْي َوْ َ‬ ‫ك ث ُُبورا ً * ل ت َد ْ ُ‬ ‫وا هَُنال ِ َ‬ ‫ن د َعَ ْ‬ ‫قّرِني َ‬ ‫م َ‬ ‫ضّيقا ً ُ‬ ‫كانا ً َ‬ ‫م َ‬ ‫من َْها َ‬ ‫قوا ِ‬ ‫?وَإ َِذا أ ُل ْ ُ‬
‫عوا ث ُُبورا ً ك َِثيرا ً ?]الفرقان ‪ [ 14-13‬يتمنون أن يخفف عنهم يوم‬ ‫حدا ً َواد ْ ُ‬ ‫َوا ِ‬
‫ً‬
‫واحد من العذاب ويتوسطون بالملئكة ويستشفعون بهم يوما واحد فقط ?‬
‫ب*‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن ال ْعَ َ‬ ‫م َ‬ ‫وما ً ّ‬ ‫ف عَّنا ي َ ْ‬ ‫ف ْ‬ ‫خ ّ‬ ‫م يُ َ‬ ‫عوا َرب ّك ُ ْ‬ ‫م اد ْ ُ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫خَزن َةِ َ‬ ‫ن ِفي الّنارِ ل ِ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫وََقا َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫عاء‬‫ما د ُ َ‬ ‫عوا وَ َ‬ ‫ت َقاُلوا ب ََلى َقاُلوا َفاد ْ ُ‬ ‫كم ِبال ْب َي َّنا ِ‬ ‫سل ُ ُ‬ ‫م ُر ُ‬ ‫ك ت َأِتيك ُ ْ‬ ‫م تَ ُ‬ ‫َقاُلوا أوَل َ ْ‬
‫ُ‬
‫ة‬
‫جن ّ ُ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ل ?]غافر‪ ,[ 50-49:‬وقال تعالى‪? :‬وَأْزل ِ َ‬ ‫ضَل ٍ‬ ‫ن إ ِّل ِفي َ‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫من ُدو ِ‬ ‫ن* ِ‬ ‫دو َ‬ ‫م ت َعْب ُ ُ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫ما ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م أي ْ َ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬ ‫ن * وَِقي َ‬ ‫م ل ِل َْغاِوي َ‬ ‫حي ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫ن * وَب ُّرَز ِ‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ل ِل ْ ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫الل ّهِ هَ ْ‬
‫س‬
‫جُنود ُ إ ِب ِْلي َ‬ ‫ن وَ ُ‬ ‫م َوالَغاُوو َ‬ ‫ن * فَك ُب ْك ُِبوا ِفيَها هُ ْ‬ ‫صُرو َ‬ ‫م أوْ َينت َ ِ‬ ‫صُرون َك ُ ْ‬ ‫ل َين ُ‬
‫َ‬
‫ن* إ ِذ ْ‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ل ّ‬ ‫ضَل ٍ‬ ‫في َ‬ ‫ن* َتالل ّهِ ِإن ك ُّنا ل َ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫ص ُ‬ ‫خت َ ِ‬ ‫م ِفيَها ي َ ْ‬ ‫ن* َقاُلوا وَهُ ْ‬ ‫مُعو َ‬ ‫ج َ‬ ‫أ ْ‬
‫َ‬
‫ن ?]الشعراء ‪ ,[98-90:‬وقال‬ ‫مو َ‬ ‫جرِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ضل َّنا إ ِل ّ ال ْ ُ‬ ‫ما أ َ‬ ‫ن* وَ َ‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫كم ب َِر ّ‬ ‫وي ُ‬ ‫س ّ‬ ‫نُ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م‬‫سِبيل * َرب َّنا آت ِهِ ْ‬ ‫ضلوَنا ال ّ‬ ‫ساد َت ََنا وَكب ََراءَنا فَأ َ‬ ‫لله تعالى‪? :‬وََقالوا َرب َّنا إ ِّنا أطعَْنا َ‬
‫م ل َْعنا ً ك َِبيرا ?]الحزاب ‪ [68-67‬فل ينفع التلعن‬ ‫ً‬ ‫ب َوال ْعَن ْهُ ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن ال ْعَ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫في ْ ِ‬ ‫ضعْ َ‬ ‫ِ‬
‫فيما بينهم ول ينفع الندم قد جاءت الحجة وقد قامت البينة وهذا كتاب الله‬
‫بيننا وهذه سنة محمد صلى الله عليه وسلم عندنا وهذه الحجة قائمة فنسأل‬
‫الله أن يجعلنا وإياكم من لناجين من هذه النار التي أعدها الله للكافرين ‪.‬‬
‫والسلم عليكم ورحمة الله وبركاته ‪،،‬‬

‫‪197‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تفريغ‪ :‬حسان شريان‬


‫مراجعة‪ :‬عادل مكرم‪ ,‬علي عمر بلعجم‪.‬‬
‫‪ -‬رواه مسلم كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها باب عرض مقعد الميت من‬
‫الجنة أو النار عليه وإثبات عذاب القبر والتعوذ منه ‪ 2/2202‬برقم ‪.2872:‬‬
‫الشريط السادس من براهين اليمان‬
‫الحلقة الثالثة عشر‬
‫إعداد‪ /‬مجيب الرحمن الضبيبي‬
‫السلم عليكم ورحمة الله وبركاته ‪..‬‬
‫الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على سيدنا ونبينا محمد صلى الله‬
‫عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد ‪:‬‬
‫فمن أعماق البحر ومن قاعه وسطحه ورياحه إلى أسرار السحب في السماء‬
‫فكما وصف القرآن سطح البحر ووسطه وقاعه فإن القرآن الكريم قد وصف‬
‫لنا السحب التي تتكون منها المطار ‪ ،‬والسحب أنواع كثيرة ‪ ،‬والممطر منها‬
‫ثلثة أنواع فقط‪.‬‬
‫جاء هذا الوصف القرآني للسحب الممطرة ‪،‬وجعل لكل سحاب وصفا ً خاصا ً‬
‫لنفس المعالم التي يختلف بها عن غيره ‪ ،‬فكل سحاب يتكون بطريق معينة‬
‫وتصاحبه ظواهر خاصة به‪ ،‬وينتج عنه نتائج معينة ونرى الوصف القرآني‬
‫ينطبق تمام النطباق على كل حالة من هذه الحالت ‪.‬‬
‫ن القرآن الكريم نزل قبل ألف وأربعمائة عام ‪ ،‬وأّنه في ذلك الوقت‬ ‫ونتذكر أ ّ‬
‫ُ‬
‫كان الناس يتخيلون خيالت أسطورية ‪.‬‬
‫فالصينيون مثل ً ‪ :‬كانوا يصفون البرق فيعللون حدوثه بأ ّ‬
‫ن اللهة بيدها مرايا‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫تحركها مع الشمس فيكون ذلك البرق وأما الرعد فكانوا يعللون حدوثه بأ ّ‬
‫اللهة تقرع الطبول‪.‬‬

‫)‪(22 /‬‬

‫ة لكل مظهر من مظاهر الطبيعة فهناك‬ ‫ما اليونان فقد كانوا يتصورون آله ً‬
‫أ ّ‬
‫آلهة تنفخ الرياح‪ ،‬وآلهة تكون السحب ‪ ،‬وهكذا أما العرب فما كان لهم‬
‫انشغال بهذا فبلدهم صحراوية قليلة المطار وتقدم العلم وأخذ العلماء‬
‫يدرسون الظواهر الطبيعية من حولهم ‪ ،‬ويكتشفون أسرار تلك الظواهر‬
‫الكونية وَأسبابها وسننها‪ ،‬ويفتح عليها في هذا المر شيئا فشيئا ً ‪ ،‬وبدأ المر‬
‫سحب ؟ اعلموا أن‬ ‫بدارسة العلقة بين الرياح والسحب ‪ ،‬ما الذي يكون ال ّ‬
‫البحر يتبخر ويصعد منه بخار الماء ‪ ،‬ولكنه غير مقطور فتأتي الرياح وتسوقه ‪،‬‬
‫رياح رأسية ترفعه وتنقله ورياح أفقية تسوقه فهذه الرياح تحمل بخار الماء‬
‫فإذا انتقل بخار الماء من منطقة ساخنة كان فيها في صورة بخار إلى منطقة‬
‫باردة فإنه يتكشف عند دخولها فتتكون نوايا القطرات ‪ ،‬فيصبح ذلك البخار‬
‫الذي ما كان يرى مرئيا ً ومشاهدا ً ‪ ،‬فإن الرياح هي السبب في إظهار ذلك‬
‫السحاب بسبب أنها تنقله من مكان ساخن إلى مكان بارد‪ ،‬وقد تكون الحركة‬
‫برياح ساخنة لكنها تصطدم بكتلة باردة فعندما تدخل الرياح الساخنة المحملة‬
‫ببخار الماء غير المنظور إلى منطقة باردة تبدأ السحاب بالظهور ‪ ،‬ونحن نرى‬
‫في الفق ذلك ‪.‬‬
‫نرى أن السحاب يدخل منطقة أمامنا ثم يبدأ في الظهور ‪ ،‬واستمرار الدفع‬
‫لكميات بخار الماء إلى جسم السحابة يجعلها تنمو كما نرى في السحب دائما ً‬
‫وها ذلك بما يدفع فيها من‬ ‫في شكل قباب بسبب ذلك النمو فتهيج ‪ ،‬تهيج بنم ّ‬

‫‪198‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بخار مائي ل ُيرى ‪ ،‬إذن الرياح ُتظهر السحب وتهّيجها وهناك لفظ في اللغة‬
‫العربية يؤدي هذين المعنيين )الظهار والتهييج( ولزلنا نستعمله إلى يومنا هذا‬
‫ة ‪ ،‬بمعنى أظهر‬ ‫‪ ،‬أنت تقول للشخص أو عن شخص ما فلن َأثار مشكل ً‬
‫مشكلة لم تكن موجودة ول ظاهرة‪ ,‬فأوجدها أي‪َ :‬أظهرها ‪.‬‬
‫ص ‪ :‬ل تثرني بمعنى ل تهيجني ‪.‬‬ ‫أو َ تقول لشخ ٍ‬
‫فأثار جاءت لمعنيين ‪ :‬لمعنى ِإظهار الشيء ولمعنى تهييج الشيء ‪.‬‬
‫فالعلقة بين الرياح وبين السحب هو علقة ِإثارة بمعنى ‪:‬‬
‫ِإظهار وتهييج ‪ ،‬وهذا هو اللفظ العربي الوحيد الجامع لهذين المعنيين والدال‬
‫ن واحد‪ ،‬وهو اللفظ الذي استعمله القرآن لبيان العلقة بين‬ ‫عليهما في آ ٍ‬
‫ً‬
‫حابا ?‬ ‫س َ‬ ‫ح فَت ُِثيُر َ‬ ‫ل الّرَيا َ‬ ‫س ُ‬ ‫ذي ي ُْر ِ‬ ‫ّ‬
‫ه ال ِ‬ ‫ّ‬
‫الرياح وبين السحب قال تعالى ‪? :‬الل ُ‬
‫]الروم‪ [48 :‬فتثير أي ُتظهر وُتهيج ‪.‬‬
‫ب التي تتكون َأنواع ثلثة أي السحب الممطرة ثلثة أنواع ‪ ،‬مع‬
‫َ‬
‫ن السح َ‬ ‫قلنا إ ّ‬
‫السحب أنواع كثيرة ‪ ،‬لكن الممطر منها ثلثة أنواع ‪ ،‬ولكل نوع منها طريقة‬
‫في تكوينه‪ ،‬وظواهر تصاحبه ‪ ،‬ونتائج تنشأ عنه )صورة(‪ .‬وتعليق على‬
‫الصورة ‪.‬‬
‫كيف تحركت السحاب من أسفل وارتفعت ثم امتدت فكونت طبقات من‬
‫السحاب وهذا هو السحاب الطبقي وهو ل يكون ممطرا ً في بدايته ولكن‬
‫عندما يكون طبقات وِقطع وطريقة تكونه تبدأ بسبب هبوب الرياح الساخنة‬
‫فتحمل بخار الماء وترتفع إلى َأعلى فوق الكتلة الباردة‪ ،‬ثم تمتد وتنبسط ‪،‬‬
‫فترى السماء كلها وكأَنها طبقة واحدة أو سبعة أثمانها قد غطيت بهذا‬
‫السحاب ‪ ،‬وهذا السحاب يسميه العلماء السحاب الطبقي‪.‬‬
‫كيف ينزل منه المطر ؟‬
‫ومتى ينزل منه المطر ؟‬
‫ينزل المطر عندما يكتمل تكوين القطع من السحب المتجاورات بعضها بجوار‬
‫بعض ‪ ،‬وبعضها فوق بعض عند ذلك ينزل المطر والوصف القرآن هو التي‪? :‬‬
‫شاُء ?]الروم‪:‬‬ ‫ف يَ َ‬ ‫ماء ك َي ْ َ‬ ‫س َ‬ ‫ه ِفي ال ّ‬ ‫سط ُ ُ‬ ‫حابا ً فَي َب ْ ُ‬ ‫س َ‬‫ح فَت ُِثيُر َ‬ ‫ل الّرَيا َ‬ ‫س ُ‬ ‫ذي ي ُْر ِ‬ ‫ه ال ّ ِ‬‫الل ّ ُ‬
‫سفا ً فَت ََرى ال ْوَد ْ َ‬
‫ق‬ ‫ه كِ َ‬ ‫جعَل ُ ُ‬ ‫‪ [ 48‬أي قطعا ً متجاورة وقطع بعضها فوق بعض? وَي َ ْ‬
‫َ‬
‫ن?‬ ‫شُرو َ‬ ‫ست َب ْ ِ‬‫م يَ ْ‬ ‫عَبادِهِ إ َِذا هُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫شاُء ِ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫ب ب ِهِ َ‬ ‫صا َ‬ ‫خَلل ِهِ فَإ َِذا أ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫خُر ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫]الروم‪ [ 48:‬ترى الودق أي قطرات المطر تخرج من خلل هذا السقف ‪.‬‬
‫إذن ل ينزل المطر إل بعد تكون القطع المتراكبة حتى تكون البيئة من حول‬
‫هذا السحاب مشبعة بالماء تسمح بتكوين القطر في الثقيلة فينزل المطر ‪.‬‬
‫وهذا النوع من المطر ل يصاحبه رعد ول برق ‪ ،‬ول صاعقة ول برد ‪ ،‬ول شيء‬
‫لشياء المؤِذية ‪ ،‬وإنما ينهمر باستمرار ‪ ،‬ولذلك عندما ينزل هذا المطر‬ ‫من ا َ‬
‫ن الله ساق لهم أمطارا ً لم‬ ‫على منطقة فإن الّناس يفرحون به ويشعرون أ ّ‬
‫تزعجهم ولم تخفهم ‪ ،‬فيفرحون بما نزل عليهم من ذلك ‪ ،‬فالثر هو الفرح‬
‫ح فَت ُِثيُر‬ ‫ل الّرَيا َ‬ ‫س ُ‬ ‫ذي ي ُْر ِ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫والسرور والله سبحانه يصف المطر فيقول‪ ? :‬الل ّ ُ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ج ِ‬ ‫خُر ُ‬ ‫سفا ً فَت ََرى ال ْوَد ْقَ ي َ ْ‬ ‫ه كِ َ‬ ‫جعَل ُ ُ‬‫شاُء وَي َ ْ‬ ‫ف يَ َ‬ ‫ماء ك َي ْ َ‬ ‫س َ‬‫ه ِفي ال ّ‬ ‫سط ُ ُ‬ ‫حابا ً فَي َب ْ ُ‬‫س َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ?]الروم‪[48:‬‬ ‫شُرو َ‬ ‫ست َب ْ ِ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫عَبادِهِ إ َِذا هُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫شاُء ِ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫ب ب ِهِ َ‬‫صا َ‬ ‫خلل ِهِ فَإ َِذا أ َ‬ ‫ِ‬
‫بينما يصف النوع الخر من السحاب وهو السحاب الّركامي الذي يركم بعضه‬
‫فوق بعض )صورة( وتعليق‪.‬‬
‫يبدأ هذا السحاب أول ما يبدأ في صورة قزع‪ ،‬وهذا القزع الصغير يتجمع في‬
‫خط يسمونه خط تجمع السحاب ‪.‬‬

‫)‪(23 /‬‬

‫‪199‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فإذن لدينا عمليات تتم بعد عملية التجمع هذه‪ ،‬فتأتي عملية الركم للسحاب‬
‫َ‬
‫م ت ََر‬‫فيركم بعضه فوق بعض إلى أن يصبح كالجبل‪ .‬ويصفه الله جل وعل‪ ? :‬أل َ ْ‬
‫كاما ً فَت ََرى ال ْوَد ْقَ ي َ ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫خُر ُ‬ ‫ه ُر َ‬ ‫جعَل ُ ُ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ه ثُ ّ‬ ‫ف ب َي ْن َ ُ‬ ‫م ي ُؤَل ّ ُ‬ ‫حابا ً ث ُ ّ‬ ‫س َ‬ ‫جي َ‬ ‫ه ي ُْز ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫أ ّ‬
‫صرِفُ ُ‬
‫ه‬ ‫شاُء وَي َ ْ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫ب ب ِهِ َ‬ ‫صي ُ‬ ‫من ب ََردٍ فَي ُ ِ‬ ‫ل ِفيَها ِ‬ ‫جَبا ٍ‬ ‫من ِ‬ ‫ماِء ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫خَلل ِهِ وَي ُن َّز ُ‬ ‫ِ‬
‫ن الل َّ‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ر‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫?‬ ‫["‬ ‫‪43‬‬ ‫?]النور‪:‬‬ ‫ر‬ ‫صا‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫با‬ ‫ب‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ذ‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫ق‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫نا‬ ‫س‬ ‫د‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫ء‬ ‫شا‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫من‬ ‫عن‬‫َ‬
‫ْ ََ ّ‬ ‫َ ُ َ َ َْ ِ ِ َ َ ُ ِ ْ َ‬ ‫ّ َ‬
‫م‬‫حابا ً ث ُّ‬ ‫س‬ ‫جي‬ ‫ز‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫يزجي سحابا ً ? يزجي بمعنى يسوق برفق ِ? أ َل َم تر أ َ‬
‫َ َ‬ ‫َ ُْ ِ‬ ‫ْ ََ ّ‬ ‫َ َ‬ ‫ُْ ِ‬
‫ه ? يجمع بينه في خط تجمع السحاب‪ ،‬فهاتان عمليتان‪:‬‬ ‫ف ب َي ْن َُ‬ ‫ي ُؤَل ّ ُ‬
‫أ= سوق برفق ‪.‬‬
‫ب= تأليف بينه وتجميع ‪.‬‬
‫كاما ً ? وهذه مرحلة ثالثة الركم ‪ ،‬وهو رفع بخار الماء والسحاب‬ ‫ه ُر َ‬ ‫جعَل ُ ُ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫? ثُ ّ‬
‫الذي تكون من البخار إلى أن يصبح ركاما ‪ ،‬وهناك تيارات داخلية وقوي تنشأ‬ ‫ً‬
‫في جسم السحابة ترفعها وتحملها إلى َأعلى ‪ ،‬فإذا عجزت قوة الحمل ‪،‬‬
‫وتكونت القطرات الثقيلة التي تعجز تلك القوى عن حملها نزل المطر ‪.‬‬
‫ونلحظ في الية استعمال حرفي عطف متغايرين )ثم‘ وفاء( ‪ ،‬ثم الذي يدل‬
‫على الترتيب مع التراخي‘ والفاء الذي يدل على الترتيب مع التعقيب ‪ ،‬أنت‬
‫ل‪ :‬دخلت المكان ثم خرجت أي كان الخروج بعد وقت من الدخول ‪،‬‬ ‫تقول مث ً‬
‫بينما تقول‪ :‬دخلت المكان فجلست أي كان الجلوس عقب الدخول مباشرة‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫م ت ََر أ ّ‬ ‫فانظروا إلى استعمال حروف العطف في الية الكريمة‪ ? :‬أل َ ْ‬
‫كاما ً ?]النور‪" [ 43:‬بين كل عملية‬ ‫ه ُر َ‬ ‫جعَل ُ ُ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ه ثُ ّ‬‫ف ب َي ْن َ ُ‬ ‫م ي ُؤَل ّ ُ‬ ‫حابا ً ث ُ ّ‬ ‫س َ‬ ‫جي َ‬ ‫ي ُْز ِ‬
‫م" ولكن بعد أن يتم الركم‬ ‫وأخرى فترة زمنية ولذلك يعقبها بحرف العطف "ث ّ‬
‫خلل ِهِ ? غّير حرف‬ ‫َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫خُر ُ‬ ‫وتعجز القوى عن الحمل قال ‪ ? :‬فَت ََرى ال ْوَد ْقَ ي َ ْ‬
‫من‬ ‫ماِء ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫خَلل ِهِ وَي ُن َّز ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫خُر ُ‬ ‫العطف إلى "الفاء"? فَت ََرى ال ْوَد ْقَ ي َ ْ‬
‫من ب ََردٍ ? أي يكون‬ ‫ل ? فل بد أن يكون السحاب في شكل جبل ? ِفيَها ِ‬ ‫جَبا ٍ‬ ‫ِ‬
‫ل ِفيَها‬ ‫ِ ٍ‬ ‫با‬
‫َ‬ ‫ج‬ ‫من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ء‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫س‬‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫ز‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ن‬‫ُ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫و‬ ‫?‬ ‫"‬ ‫البرد‬ ‫من‬ ‫شيء‬ ‫الجبلي‬ ‫الشكل‬ ‫ذلك‬ ‫في‬
‫شاُء ?]النور‪َ [ 43:‬درس‬ ‫من ي َ َ‬ ‫عن ّ‬ ‫ه َ‬ ‫صرِفُ ُ‬ ‫شاُء وَي َ ْ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫ب ب ِهِ َ‬ ‫صي ُ‬ ‫من ب ََرد ٍ فَي ُ ِ‬ ‫ِ‬
‫ن السحاب الّركامي تختلف‬ ‫العلماء هذه الظاهرة كيف يتكون البرد فوجدوا أ ّ‬
‫درجة الحرارة في قمته عن قاعدته فالقمة تكون باردة والقاعدة تكون أقل‬
‫سحاب ثم ينزل هذا البرد إلى وسط‬ ‫برودة فيتكون شيء من البرد في قمة ال ّ‬
‫السحابة حيث الماء …‪..‬ص ‪ 4‬تحت درجة الصفر ‪ ،‬ولكنه سائل ‪ ،‬وكان من‬
‫المفترض أن يتجمد لكنه بقي سائل ً صورة سائل‪ ،‬ولكن بمجرد نزول تلك‬
‫النواة من البرد الذي في قمة السحابة إلى المنطقة الوسطى تتحول‬
‫المنطقة إلى كمية هائلة من حبات البرد‪.‬‬
‫المتوقع ماذا ؟‬
‫التوقع أن ينزل_ البرد شيء ثقيل ولبد أن تعجز السحابة عن حمله ‪.‬‬
‫ماذا وجد علماء الرصاد ؟‬
‫بعد تكون حبة البرد تنزل وقد تصيب الّناس ولكن في كثير من الحيان تنزل‬
‫حبة البرد ثم تعود مرة ثانية وتحدث دورة في جسم السحابة وتنزل بعد أن‬
‫تصبح ثقيلة وقد أضيف إليها كتلة جديدة من البرد فتنزل ‪ ،‬ويقول علماء‬
‫الرصاد ‪ :‬الن ستنفجر السحابة بالبرد وينزل هذا الكم الهائل من حبات البرد‬
‫وقبل أن يصل إلى قاعدة السحابة وينزل يجد تيارا ً آخر صاعدا ً يرفعه ويعيده‬
‫إلى وسط السحابة وهكذا تبقى حبة البرد تدور في جسم السحابة حتى يأذن‬
‫الله لها فتنزل ‪ ،‬فقد صرفت وحين أذن لها نزلت وهذا هو الوصف‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ه ُركاما فت ََرى‬ ‫َ‬ ‫جعَل ُ ُ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ه ثُ ّ‬ ‫ف ب َي ْن َ ُ‬ ‫م ي ُؤَل ّ ُ‬ ‫حابا ً ث ُ ّ‬ ‫س َ‬ ‫جي َ‬ ‫ه ي ُْز ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م ت ََر أ ّ‬ ‫القرآني ‪ ? :‬أل َ ْ‬
‫ه‬
‫ب بِ ِ‬ ‫صي ُ‬ ‫من ب ََرد ٍ فَي ُ ِ‬ ‫ل ِفيَها ِ‬ ‫جَبا ٍ‬ ‫من ِ‬ ‫ماِء ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫خَلل ِهِ وَي ُن َّز ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫خُر ُ‬ ‫ال ْوَد ْقَ ي َ ْ‬

‫‪200‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫شاُء ? ]النور‪.[ 43:‬‬‫من ي َ َ‬


‫عن ّ‬ ‫صرِفُ ُ‬
‫ه َ‬ ‫من ي َ َ‬
‫شاُء وَي َ ْ‬ ‫َ‬
‫لقد قامت ثلث دول هي أمريكا واليابان وأظن الثالثة هي استراليا بدراسة‬
‫لمدة عشر سنوات لمعرفة ما هو سبب تكون البرق‪ ،‬ويعد الدراسة قرروا ما‬
‫ن سبب تكوين البرق هو تكوين مواد صلبة‬ ‫هو سبب تكوين البرق‪ ،‬فوجدوا أ ّ‬
‫يعني بَرد في جسم السحابة في درجة حرارة معينة ‪.‬‬

‫)‪(24 /‬‬

‫ن البرد هو سبب تكوين البرق‪ ،‬لماذا؟‬ ‫وفي عام ‪1985‬م ُقرر بصفةٍ أكيدة أ ّ‬
‫لنه عندما يتحول الماء إلى مادة صلبة تتكون معه شحنات كهربائية تبقى في‬
‫كاما ً فَت ََرى ال ْوَد ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫ه ُر َ‬ ‫جعَل ُ ُ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ه ثُ ّ‬ ‫ف ب َي ْن َ ُ‬ ‫م ي ُؤَل ّ ُ‬ ‫حابا ً ث ُ ّ‬ ‫س َ‬ ‫جي َ‬ ‫ه ي ُْز ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م ت ََر أ ّ‬ ‫? أل َ ْ‬
‫شاءُ‬‫من ي َ َ‬ ‫ب ب ِهِ َ‬‫صي ُ‬ ‫من ب ََردٍ فَي ُ ِ‬ ‫ل ِفيَها ِ‬ ‫جَبا ٍ‬ ‫من ِ‬ ‫ماِء ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫خَلل ِهِ وَي ُن َّز ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫ج ِ‬ ‫خُر ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫صارِ ?] النور‪ [43:‬جسم‬ ‫ب ِبالب ْ َ‬ ‫سَنا ب َْرقِهِ ي َذ ْهَ ُ‬ ‫شاُء ي َكاد ُ َ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫عن ّ‬ ‫ه َ‬ ‫صرِفُ ُ‬ ‫وَي َ ْ‬
‫َ‬
‫السحابة وبحركة البرد تتكون أقطاب كهربائية موجبة في أعلى وسالبة في‬
‫َأسفل ومع كثرة واستمرار شحن هذه القطاب بالكهرباء يصبح البَرد نفسه‬
‫في حركته موصل بين تلك القطاب فيكون البرق ‪.‬‬
‫من ب ََردٍ‬ ‫ل ِفيَها ِ‬ ‫جَبا ٍ‬ ‫من ِ‬ ‫ماِء ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫تعالوا لنرى الوصف القرآني‪ ? :‬وَي ُن َّز ُ‬
‫سَنا ب َْرقِهِ ? – أي البرد – ?‬ ‫كاد ُ َ‬ ‫شاُء ي َ َ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫عن ّ‬ ‫ه َ‬ ‫صرِفُ ُ‬ ‫شاُء وَي َ ْ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫ب ب ِهِ َ‬ ‫صي ُ‬ ‫فَي ُ ِ‬
‫َ‬
‫صاِر?]النور‪.[43:‬‬ ‫ب ِباْلب ْ َ‬ ‫ي َذ ْهَ ُ‬
‫فهذه طريقة أخرى في تكوين السحاب ووصف يختلف عن طريقة تكوين‬
‫السحاب الطبقي ‪.‬‬
‫قب عليه‬ ‫فهناك لم يذكر البرق ول البَرد ول الرعد ول شيء من ذلك بل ع ّ‬
‫َ‬
‫ن ?]الروم ‪:‬‬ ‫شُرو َ‬ ‫ست َب ْ ِ‬‫م يَ ْ‬ ‫عَبادِهِ إ َِذا هُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫شاُء ِ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫ب ب ِهِ َ‬ ‫صا َ‬ ‫وقال ‪ ? :‬فَإ َِذا أ َ‬
‫‪[ 48‬‬
‫لكن هنا وصفه وصفا آخر مطابقا لحقيقة السحاب الّركامي ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫فمن عّلم محمدا ً – صلى الله عليه وسلم – هذه الفروق الدقيقة ‪ ،‬من علمه‬
‫ّ‬
‫سحابة ثم‬ ‫ن البَرد هو سبب تكون البرق من عّلمه أن البَرد ينزل في جسم ال ّ‬ ‫أ ّ‬
‫ن طريقة تكوين السحاب الّركامي تختلف عن طريقة‬ ‫يصرف؛ من علمه أ ّ‬ ‫ّ‬
‫طبقي ‪ ،‬لشك أنه الله سبحانه وتعالى‬ ‫تكوين السحاب ال ّ‬
‫سحاب بسبب لقاء تيارات هوائية‬ ‫وهناك نوع ثالث يتكون بين جبهتين من ال ّ‬
‫ة أو إعصارا ً فتعصر‪ ،‬وبحركتها ترفع هذه إلى أعلى‬ ‫متعاكسة تمّثل دوام ً‬
‫وتحمل بخار الماء من أسفل وترفعه وكلما ارتفعت كانت الفرصة لتكوين‬
‫قطرات ثقيلة أكبر وهذه القطرات تنمو وتتسع مساحتها وحين تثقل تلك‬
‫القطرات تنزل ‪ ،‬ثم ترفع كمية أخرى هذا النوع من السحاب ل ينزل دفعه‬
‫جاجا ً * ل ِن ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ج‬ ‫خرِ َ‬ ‫ماء ث َ ّ‬ ‫ت َ‬ ‫صَرا ِ‬ ‫معْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫واحدة وإنما ينزل متدفقا ً ثجاجا ً ? وَأنَزل َْنا ِ‬
‫فافا ً ?]النبأ‪) [ 16-14:‬ثجاجًا( أي متدفقا ً ينزل قطرة‬ ‫ت أ َل ْ َ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫حب ّا ً وَن ََباتًا* وَ َ‬ ‫ب ِهِ َ‬
‫حب ّا وَن ََباتا ?] النبأ‪[ 15:‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ج ب ِهِ َ‬ ‫خرِ َ‬ ‫بعد قطرة? ل ِن ُ ْ‬
‫ً‬
‫حب ّا وَن ََباتا ? ]النبأ‪[ 15:‬‬ ‫ً‬ ‫ج ب ِهِ َ‬ ‫خرِ َ‬ ‫" وهذه هي نتيجة هذا النوع من المطار ? ل ِن ُ ْ‬
‫فافا ً‬ ‫ت أ َل َْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫" هنا يذكر هذه الجنات الناتجة عن هذا المطر ويصفها بوصف ? وَ َ‬
‫? ]النبأ‪ [ 16:‬ومعناه بساتين وغابات أشجارها ملتفة بعضها على بعض من‬
‫شدة الرطوبة الناشئة عن هذا النوع من المطار فهي مختلفة في نتيجتها‬
‫جاجا ً ? ]النبأ‪[ 14:‬‬ ‫َ‬
‫ماء ث َ ّ‬ ‫ت َ‬ ‫صَرا ِ‬ ‫معْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫وكذلك في طريقة تكوينها " ? وَأنَزل َْنا ِ‬
‫فطريقة تكوينها العصر‪ ،‬وليس ماًء مستمرا ً بل ثجاجا ً فهو يختلف عن الطبقي‬
‫والّركامي ووصفه مختلف فتأمل كيف يصف القرآن هذا الوصف الدقيق‪ ،‬من‬

‫‪201‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يستطيع معرفة كل هذه السرار زمن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؟ ما‬
‫كان النسان يستطيع الطيران في السماء‪ ،‬إنما تمكن النسان من ذلك في‬
‫وقت قريب‪ ،‬وكم من اللت الحديثة والجهزة والتقنيات المتقدمة استعملها‬
‫النسان اليوم حتى وصل إلى كل هذه السرار ‪.‬‬
‫فمن أين لمحمد صلى الله عليه وسلم هذا العلم الذي جعل العلم الحديث‬
‫يجري وراءه ويلحقه ليأتي في نهاية المطاف ويقرر ما سبقه إليه القرآن‬
‫والسنة قبل ‪1400‬عام ‪.‬‬
‫لشك أنه الوحي الذي ل يأتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه ‪.‬‬
‫ْ‬
‫م آَيات َِنا ِفي الَفا ِ‬
‫ق‬ ‫ريهِ ْ‬‫سن ُ ِ‬
‫وهذا العجاز العلمي هو الذي ذكره سبحانه بقوله‪َ ? :‬‬
‫فسهم حتى يتبين ل َه َ‬ ‫َ‬
‫ن هذا القرآن هو‬ ‫حقّ ? ]فصلت‪ [ 53:‬أي أ ّ‬ ‫ه ال ْ َ‬‫م أن ّ ُ‬
‫وَِفي أن ُ ِ ِ ْ َ ّ َ َ َ ّ َ ُ ْ‬
‫ما‬
‫شهَد ُ ب ِ َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬
‫ه يَ ْ‬ ‫ّ‬
‫َالحق جاء َبالحق لنه نزل بعلم الله كما قال تعالى‪ ? :‬لك ِ ِ‬
‫ه?]النساء‪. [ 166:‬‬ ‫م ِ‬ ‫ه ب ِعِل ْ ِ‬
‫ك أنَزل َ ُ‬
‫ل إ ِل َي ْ َ‬‫أنَز َ‬
‫والحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على سيدنا ونبينا محمد صلى الله‬
‫عليه وآله وسلم ‪.‬‬
‫والسلم عليكم ورحمة الله وبركاته ‪..‬‬
‫الحلقة الرابعة عشر‪:‬‬
‫السلم عليكم ورحمة الله وبركاته ‪:‬‬
‫الحمد لله وأصلي وأسلم على رسول الله وبعد ‪..‬‬
‫ن الكريم في وصفه للكون يصفه منذ البداية ويصفه على حالته‬ ‫فإن القرآ َ‬
‫الراهنة اليوم ثم يصفه بما سيؤول إليه أمره ‪ ،‬وكل هذه مجالت للفكر‬
‫النساني والفكر البشري لكي ينظر إليها‪ ،‬بل قد أمرنا الله عز وجل فقال‪? :‬‬
‫خل ْقَ ? ] العنكبوت‪. [20:‬‬ ‫ف ب َد َأ َ ال ْ َ‬‫ض َفانظ ُُروا ك َي ْ َ‬ ‫َْ‬
‫سيُروا ِفي الْر ِ‬ ‫ل ِ‬ ‫قُ ْ‬

‫)‪(25 /‬‬

‫خلقت هكذا كما هي عليه اليوم ‪ ،‬وهذه هي‬ ‫ن الرض ُ‬ ‫لقد كان الناس يظنون أ ّ‬
‫أفكار أرسطو التي تبنتها من بعده الكنيسة ‪ ،‬فلما جاء القرن الثامن عشر‪،‬‬
‫وانطلقت الفكار أن الحاضر ما هو إل نتيجة للماضي وأن هناك آثارا ً موجودة‬
‫على الرض هنا وهناك يمكن أن نسير في الرض فنتعرف على تلك العلمات‬
‫لتدلنا بواقعها المشاهد على الماضي الذي كان من قبل ‪ ،‬حين وقع ذلك‬
‫احتدم الصراع بين رجال الكنيسة وقادة العلوم الحديثة ‪.‬‬
‫لكننا نجد المر على العكس في كتاب الله الكريم ؛ نجد أن العلوم الحديثة‬
‫قطعت شوطا ً طويل ً في التعرف على حقائق بداية الخلق وخاصة بداية خلق‬
‫الرض وتكوينها ثم وصلت بعد رحلة طويلة وبعد وسائل وطرائق حديثة‬
‫للبحث العلمي إلى مقررات ‪ ،‬فإذا المقررات الثابتة التي يصلون إليها هي‬
‫التي كان القرآن قد ذكرها من قبل‪.‬‬
‫ت‬ ‫َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬‫ن ال ّ‬
‫فُروا أ ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ي ََر ال ِ‬
‫نرى بداية الخلق‪ :‬يقول جل وعل‪ ? :‬أوَل ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن?‬ ‫ي أفَل ي ُؤْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫ح ّ‬ ‫يٍء َ‬
‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ُ‬
‫ماء ك ّ‬ ‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫جعَل َْنا ِ‬
‫ما وَ َ‬
‫قَناهُ َ‬ ‫كان ََتا َرْتقا ً فَ َ‬
‫فت َ ْ‬ ‫َواْلْر َ‬
‫ض َ‬
‫]النبياء‪[ 30:‬‬
‫" هذه الية ماذا فهم منها المفسرون الذين يعرفون هذا النص القرآني ؛ فهم‬
‫ابن عباس وقتادة والضحاك والحسن وعطاء وسعيد بن جبير وكعب كلهم‬
‫قالوا المقصود كانتا ملتصقتين ففصلتا‪.‬‬
‫وجاء البحث العلمي بعد رحلة طويلة ليقرر ما قرره القرآن ‪ ،‬وُتقدم لنا كتب‬
‫العلم صورا ً تدل على بداية الخلق …‪ .‬صور وتعليق عليها ‪.‬‬

‫‪202‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كان ََتا َرْتقا ً فَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫ما ?]النبياء‪:‬‬ ‫قَناهُ َ‬‫فت َ ْ‬ ‫ت َواْلْر َ‬
‫ض َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫فُروا أ ّ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫م ي ََر ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫? أوَل َ ْ‬
‫‪[ 30‬‬
‫" قال ابن كثير‪ :‬أي كان الجميع متصل بعضه ببعض متلصق متراكم بعضه‬ ‫ً‬
‫فوق بعض في ابتداء المر ففتق هذه من هذه ‪.‬‬
‫ثم ما حقيقة هذا الصل الذي انفصل منه الكون صورة نشرتها وكالة ناسا‬
‫للدخان وتكون الّنجوم منه فتتكون النجوم من السديم )الدخان( وقال تعالى‪:‬‬
‫وعا ً أ َوْ ك َْرها ً‬ ‫ض ا ِئ ْت َِيا ط َ ْ‬
‫َْ‬ ‫قا َ َ‬ ‫ن فَ َ‬ ‫وى إ َِلى ال ّ‬ ‫? ثُ ّ‬
‫ل لَها وَل ِلْر ِ‬ ‫خا ٌ‬ ‫ي دُ َ‬ ‫ماء وَهِ َ‬ ‫س َ‬ ‫ست َ َ‬
‫ما ْ‬
‫َ‬
‫ن ?]فصلت‪. [ 11:‬‬ ‫َقال ََتا أت َي َْنا طائ ِِعي َ‬
‫َ‬
‫فقد كانت دخان وهي كذلك إلى يومنا هذا كما في الصورة تتكون منه‬
‫النجوم‪ ،‬وهو دليل على بداية تكونها منه يقول )جيثهيستر( رئيس الفريق‬
‫الذي التقط الصورة وهو من جامعة )إرزونا( لقد كان الناس قد تقدموا‬
‫بنظريات تستحق التقدير عن ولدة النجوم ثم حصلنا على هذه الصورة‪ ،‬وهي‬
‫ل‪ ،‬ترى‬ ‫صورة غير مألوفة أبدًا‪ ،‬وفجأة يمكنك أن تشاهد بوضوح ما يحدث فع ً‬
‫لرض ما الذي‬ ‫بعينك كيف يتكون النجم من هذا الدخان‪ ،‬ثم بعد انفصال ا َ‬
‫جرى لها؟‪ ،‬لقد انفصلت من كتلة سديمية دخانية ملتهبة فهل كان لها سطح‪،‬‬
‫القرآن يقرر انه لم يكن لها سطح‪ ،‬ثم وجد السطح قال تعالى‪ ? :‬أ ََفل‬
‫ل ك َي ْ َ‬
‫ف‬ ‫جَبا ِ‬‫ت* وَإ َِلى ال ْ ِ‬ ‫ف ُرفِعَ ْ‬ ‫ماء ك َي ْ َ‬ ‫ت* وَإ َِلى ال ّ‬
‫س َ‬ ‫ق ْ‬
‫خل ِ َ‬‫ف ُ‬ ‫ل ك َي ْ َ‬ ‫ن إ َِلى اْل ِب ِ ِ‬ ‫َينظ ُُرو َ‬
‫ت ?]الغاشية‪[ 20-17:‬‬ ‫ض ك َي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ح ْ‬ ‫سط ِ َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ت * وَإ ِلى الْر ِ‬ ‫صب َ ْ‬ ‫نُ ِ‬
‫أي أنه لم يكن لها سطح ثم سطحت بعد‪ ،‬ولقد تحركت العلوم الحديثة من‬
‫الشواهد الكثيرة التي جمعتها‪ ،‬وبينت لنا كيف وجد هذا السطح فترى هذه‬
‫البحاث وهذه الكتب العلمية تحدثنا عن كيفية بداية سطح الرض عند‬
‫النفصال تخبرنا أن الرض انفصلت بسطح رقيق جدا ً ثم بالشهب‪ ...‬صور‬
‫وتعليق عليها شهب نزلت فانفجرت في جسم الرض الذي ل يزال ناريا‬
‫ملتهبا‪ ،‬أخذت القشرة تبرد بسبب ملمستها للجو‪.‬‬
‫ولو أنا فتحنا الكرة الرضية نصفين لوجدناها كالبطيخة من وسطها ملتهبة‬
‫)توضح بصورة(‬
‫ثم تحدث البراكين وبداية دوامات نشاط داخلي في باطن الرض الملتهب‬
‫ظهر في صورة براكين‪ ،‬وبهذه البراكين تكونت أول بداية للغلف الهوائي‪.‬‬
‫)صورة وتعليق(‬
‫سحاب ومنها يسقط المطر‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫وبدأت‬ ‫والبحار‬ ‫الجبال‬ ‫وهنا بدأت‬
‫تبين الدراسات بأن القارات لم تكن موجودة ولم تكن هناك قشرة أرضية‬
‫سميكة وإّنما كانت قشرة رقيقة سرعان ما تلشت ثم بدأت القشرة الرضية‬
‫تتكون عن طريق البراكين حتى تكونت القارات‪ ،‬وهناك بركان يستشهد به‬
‫العلماء اليوم هو بركان )تيلوية( "صورة"‬
‫ن الجبال تكونت من البراكين فهذا‬ ‫يقول العلماء‪ :‬نتيجة لهذه الدراسات إ ّ‬
‫وصف دقيق لتكون الجبال‪ ،‬رمي بها من أسفل مع حمم البراكين ثم سقطت‬
‫على الرض وتراكمت حتى صار شكلها كما هي عليه‪.‬‬
‫قي َْنا ِفيَها‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ها وَأل َ‬ ‫مد َد َْنا َ‬ ‫َ‬
‫ض َ‬‫ونرى الوصف القرآني يقول الله جل وعل‪َ ? :‬والْر َ‬
‫ل َزوٍْج ب َِهيٍج ?]ق‪ [ 7:‬لفظ )مدد( فعل ماضي كان‬ ‫من ك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫ي وَأنب َت َْنا ِفيَها ِ‬ ‫س َ‬ ‫َرَوا ِ‬
‫ذلك في الزمن السابق‪.‬‬

‫)‪(26 /‬‬

‫‪203‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ي‬ ‫جعَ َ‬ ‫َ‬ ‫ويقول جل وعل في سورة الرعد? وَهُوَ ال ّ ِ‬


‫س َ‬ ‫ل ِفيَها َرَوا ِ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫مد ّ الْر َ‬ ‫ذي َ‬
‫شي الل ّي ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن ِفي‬ ‫ل الن َّهاَر إ ِ ّ‬ ‫ن ي ُغْ ِ‬ ‫ن اث ْن َي ْ ِ‬ ‫جي ْ ِ‬
‫ل ِفيَها َزوْ َ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ت َ‬ ‫مَرا ِ‬ ‫ل الث ّ َ‬ ‫من ك ُ ّ‬ ‫وَأن َْهارا ً وَ ِ‬
‫ونت النهار‬ ‫مدت الرض وتك ّ‬ ‫ن?]الرعد‪ [ 3:‬فبالبراكين ُ‬ ‫فك ُّرو َ‬ ‫قوْم ٍ ي َت َ َ‬ ‫ت لّ َ‬ ‫ك لَيا ٍ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫َ‬
‫ها وَأل ْ َ‬ ‫َ‬
‫قي َْنا ِفيَها‬ ‫مد َد َْنا َ‬ ‫ض َ‬ ‫والجبال وقد قال تعالى في سورة "ق" ? َواْلْر َ‬
‫ل َزوٍْج ب َِهيٍج ?]ق‪[ 7:‬‬ ‫من ك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫ي وَأنب َت َْنا ِفيَها ِ‬ ‫س َ‬ ‫َرَوا ِ‬
‫فهذا الوصف عن مد الرض وربطه بالماء والجبال وربطه بالنهار يبين بدقة‬
‫بداية تخلق الرض‪.‬‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ها *‬ ‫وا َ‬ ‫س ّ‬ ‫مك ََها فَ َ‬ ‫س ْ‬ ‫ها * َرفَعَ َ‬ ‫ماء ب ََنا َ‬ ‫س َ‬ ‫خلقا أم ِ ال ّ‬ ‫شد ّ َ‬ ‫مأ َ‬ ‫ويقول الله ايضًا‪ ? :‬أأنت ُ ْ‬
‫ها‬ ‫ماء َ‬ ‫من َْها َ‬ ‫ج ِ‬ ‫خَر َ‬ ‫ها* أ َ ْ‬ ‫حا َ‬ ‫ك دَ َ‬ ‫ض ب َعْد َ ذ َل ِ َ‬ ‫َ‬
‫ها* َوالْر َ‬ ‫حا َ‬ ‫ض َ‬ ‫ج ُ‬ ‫خَر َ‬ ‫ش ل َي ْل ََها وَأ َ ْ‬ ‫وَأغْط َ َ‬
‫َ‬
‫ها ? ]النازعات‪[ 31-27:‬‬ ‫عا َ‬‫مْر َ‬ ‫وَ َ‬
‫ودحى في العربية يأتي بمعنى البسط والمد كما في مختار الصحاح وفي‬
‫دها وفي اّللسان‬ ‫سعها وم ّ‬ ‫أساس البلغة للمام الزمخشري بمعنى بسطها وو ّ‬
‫بمعنى ألقى فهو لمعنيين اللقاء والبسط وهذا هو الشيء الخاص تماما‪ً.‬‬
‫فقد خرجت الحمم فتمددت بها القشرة وخرج معها الماء وألقيت من علو‬
‫وتكونت بها الجبال وهذا منطبق تمام النطباق‪.‬‬
‫فلفظ الدحي يغطي عمليتي التوسع والمتداد وكذلك اللقاء‪.‬‬
‫وكذلك تكوين الجبال فكل الجبال الولى في تكوين الرض بركانية ولذلك‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫قال الله جل وعل‪ ? :‬وَأ َل ْ َ‬
‫سب ُل ً‬ ‫م وَأن َْهارا ً وَ ُ‬ ‫ميد َ ب ِك ُ ْ‬ ‫ي أن ت َ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ض َرَوا ِ‬ ‫قى ِفي الْر ِ‬
‫مد ٍ ت ََروْن ََها‬ ‫ت ب ِغَي ْرِ عَ َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬‫خل َقَ ال ّ‬ ‫ن ?]النحل‪ [ 15:‬وقال تعالى‪َ ? :‬‬ ‫دو َ‬ ‫ل ّعَل ّك ُ ْ‬
‫م ت َهْت َ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وَأ َل ْ َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ل َداب ّةٍ وَأنَزل َْنا ِ‬ ‫من ك ُ ّ‬ ‫ث ِفيَها ِ‬ ‫م وَب َ ّ‬ ‫ميد َ ب ِك ُ ْ‬ ‫ي أن ت َ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ض َرَوا ِ‬ ‫ْ‬
‫قى ِفي ال ْ َر ِ‬
‫ريم ٍ ?]لقمان‪ [10:‬فهذا ذكر واضح‬ ‫ل َزوٍْج ك َ ِ‬ ‫من ك ُ ّ‬ ‫ماًء فَأنب َت َْنا ِفيَها ِ‬ ‫ماِء َ‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫للقاء‪.‬‬ ‫لتكون الجبال عن طريق ا ِ‬
‫ويأتي الوصف أدق في حديث النبي صلى الله عليه وسلم "لما خلق الله‬
‫الرض جعلت تميد فخلق الجبال فعاد بها عليها فاستقرت"‪.‬‬
‫فقد خرج الجبل منها لنه عاد بها أي الجبال ول يكون العود إل من حيث بدأ‬
‫الخروج أي من الرض وعاد بها عليها فاستقرت الرض بها حيث عاد الصهير‬
‫مكونا طبقات متراكمة تضغط على القشرة فمد ّ جذرا ً تحتها فكان سببا ً‬
‫لتثبيتها الرض‪ ،‬وهذا بالضبط ما قررته مجلة العلوم المريكية المجلد التاسع‬
‫لعام ‪1993‬م يتكلم عن بركان "كيلوية" وكيف أنه يمدنا بالمعلومات التي‬
‫تبين لنا كيف كان الخلق‪ ،‬قال‪ :‬وتمدنا اللبة "يعني الصهير" التي انبعثت من‬
‫بركان "كيلوية" بعينية مباشرة من مواد على عمق عشرات بل ربما مئات‬
‫الكيلومترات داخل الرض وتقدم لنا كل مرحلة من الحداث عرضا ثمينا من‬
‫العمليات البركانية التي كونت أكثر من ‪ %80‬من سطح الرض الكلي فوق‬
‫وتحت سطح الرض‪.‬‬
‫ثم هذا الماء البحار من أين جاءت؟‬
‫بعد عام ‪ 1950‬فقط عرف العلماء أن هذه البحار كانت عبارة عن مياه‬
‫محبوسة في باطن الرض‪ ،‬وخرجت مع هذه البراكين‪ ،‬وإلى هذا تشير الية‬
‫ها *‬ ‫عا َ‬ ‫مْر َ‬
‫ها وَ َ‬ ‫ماء َ‬ ‫من َْها َ‬ ‫ج ِ‬ ‫خَر َ‬ ‫ها * أ َ ْ‬ ‫حا َ‬ ‫ك دَ َ‬ ‫ض ب َعْد َ ذ َل ِ َ‬ ‫َ‬
‫من قوله تعالى‪َ ? :‬والْر َ‬
‫ها ?]النزعات‪[ 32-30:‬‬ ‫سا َ‬ ‫وال ْجبا َ َ‬
‫ل أْر َ‬ ‫َ ِ َ‬
‫يقول وليام دي استوكس استاذ علم الجيولوجيا في جامعة أوتادا بأمريكا في‬
‫كتابه مبادئ تأريخ الرض "كانت النظرة التقليدية في العصور التي سبقت‬
‫عصر العلوم تقول‪ :‬إن اليابسة والمحيطات ظهرت فجأة في نظام عمل‬
‫ن الماء وغازات الجو خرجت من باطن الرض‬ ‫جاهز والنظرة الحديثة مفادها أ ّ‬
‫ويقول العالم البريطاني ديفيد ايروس في كتابه مدخل إلى علم المحيطات‪:‬‬

‫‪204‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن مصدر الماء هو الّنشاط البركاني وإلينابيع الحارة وتسخين الصخور‬ ‫إ ّ‬


‫النارية‪.‬‬
‫فهذا هو الوصف الذي ورد في تكوين الجبال ومد القارات وكيفية خروج الماء‬
‫من باطن الرض ثم يحدثنا عن الجبال ووظيفتها وجذورها‪ ،‬وكان بعض علماء‬
‫الجغرافيا يعّرف الجبل فيقول هو كتلة مرتفعة عن الرض‪ ،‬فهم لم يكونوا‬
‫يتكلمون عن جزء غائر في الرض‪ .‬فإنه ما من جبل إل وله جذور في الرض‬
‫وقد توصل النسان إلى هذه النظرية حديثا ً جدًا‪) .‬صورة وتعليق(‬
‫فالجبال على شكل وتد مغروس في الصهير البركاني ليحفظ الرض من‬
‫الضطراب‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ل أوَْتادا ?]النبأ‪ [ 7:‬تماما كأوتاد الخيمة‪.‬‬ ‫َ‬ ‫جَبا َ‬ ‫ْ‬
‫وقد قال تعالى‪َ ? :‬وال ِ‬
‫م ? ]النحل ‪ [ 15:‬فهي‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وقال تعالى‪ ? :‬وَأ َل ْ َ‬
‫ميد َ ب ِك ْ‬
‫ي أن ت َ ِ‬
‫س َ‬
‫ض َرَوا ِ‬ ‫قى ِفي الْر ِ‬
‫كمرساة السفينة التي تحفظها من المد والضطراب‪.‬‬

‫)‪(27 /‬‬

‫لم تعرف هذه الحقائق إل حديثا ً فأول تفكير عن جذور الجبال بدأ عام‬
‫‪1855‬م عندما قامت فرق المساحة البريطانية بمسح جبال هيماليا‪ ،‬فوجدوا‬
‫أن هناك اختلفا ً في قراءات الجاذبية‪ ،‬فتقدم أحد العلماء ببحث حول هذا‬
‫فوجد لغزا ً أسماه )لغز الهند(‪ ،‬قدم اللغز إلى عالم بريطاني اسمه )جي‪ .‬بي‪.‬‬
‫إيري( فأخذ إيري يدرس هذه القراءات وبعد شهرين قال ايري )أنا استنتج‬
‫ن تحت كل جبل من هذه الجبال جذر يغوص في‬ ‫من قراءات هذه الجهزة أ ّ‬
‫الطبقة التي من أسفل(‬
‫فجاء عالم آخر أسمه براك كان معاصرا له فقال‪) :‬ل لتفسير ذلك بأنه حدث‬ ‫ً‬
‫ضغط تحت الجبال فأزيحت الكتلة الثقيلة على الجانبين(‪.‬‬
‫ثم جاء عالم آخر عام ‪1930‬م اسمه ناينز فقال‪) :‬إن الجبل يضغط فالطبقة‬
‫التي تحدث تنثني ول يكون له امتداد كما قال إيري(‬
‫وهذه كلها نظريات )صورة وتعليقات(‬
‫جاءت مجلة العلوم المريكية الصادرة في يوليو ‪1986‬م يقول فيها الكاتب‬
‫العلمي )إل أن الدراسات الزلزالية التي أجريت على مدى عشرات السنين‬
‫الماضية أبدت ما تنبأ به )أيري( وهو أن سمك القشرة الرضية يختلف اختلفا‬
‫جوهريا ويترواح سمك القشرة الرضية القارية في المتوسط بين ثلثين‬
‫وأربعين كيلو مترًا‪ ،‬ولكنه يزداد تحت الجبال ليصل إلى ‪ 75‬كيلو مترا ً وتقوم‬
‫جذور القشرة الرضية بتعويض كتلة الجبال الزائدة عن طريق إزاحة الوشاح‬
‫الكبر كثافة هذا ما قررته مجلة العلوم المريكية عام ‪1986‬م أي دام أكثر‬
‫من مائة عام من كلم إيري‪ .‬وبعد اكتشاف أحدث الجهزة التي تقيس‬
‫الزلزل وتستقبل الموجات الزلزالية‪.‬‬
‫ن للجبال جذورا‪ ،‬وفي عام ‪1960‬م عرفوا وظيفة‬ ‫ً‬ ‫وقد قدمنا أن إيري قدر أ ّ‬
‫هذه الجبال وهي أنها لتثبيت القشرة الرضية بأكملها أليس هذا هو ما قرره‬
‫القرآن قبل ‪ 1400‬عام ‪.‬‬
‫َ‬
‫فمن يا ترى أخبر محمدا ً صلى الله عليه وسلم بكل هذه السرار من أخبره‬
‫بأسرار السماء والرض وما فيها لشك أّنه الله سبحانه وتعالى الذي قال‪? :‬‬
‫حيما ً ?‬‫فورا ً ّر ِ‬ ‫َْ‬ ‫قُ ْ َ‬
‫ن غَ ُ‬ ‫ه َ‬
‫كا َ‬ ‫ض إ ِن ّ ُ‬‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬
‫سّر ِفي ال ّ‬ ‫م ال ّ‬‫ذي ي َعْل َ ُ‬ ‫ه ال ّ ِ‬
‫ل أنَزل َ ُ‬
‫]الفرقان ‪[ 6:‬‬
‫فى‬ ‫َ‬
‫ن وَك َ‬ ‫ة يَ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫دو َ‬‫شهَ ُ‬ ‫ملئ ِك ُ‬‫مهِ َوال َ‬ ‫ه ب ِعِل ِ‬ ‫ما أنَزل إ ِلي ْك أنَزل ُ‬ ‫شهَد ُ ب ِ َ‬ ‫ن الل ُ‬ ‫وقال ‪ ? :‬لك ِ ِ‬

‫‪205‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫شِهيدا ً ? ]النساء‪[ 166:‬‬ ‫ِبالل ّهِ َ‬


‫والحمد لله رب العالمين‬
‫والسلم عليكم ورحمة الله وبركاته‪،،،‬‬
‫الحلقة الخامسة عشرة‪:‬‬
‫السلم عليكم ورحمة الله وبركاته‬
‫الحمد الله وأصلي وأسلم على رسول الله وبعد‪:‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫م‬
‫سهِ ْ‬
‫ف ِ‬ ‫م آَيات َِنا ِفي الَفا ِ‬
‫ق وَِفي أن ُ‬ ‫ريهِ ْ‬
‫َ‬ ‫سن ُ ِ‬‫فإن الله تعالى قد قال في كتابه‪َ ? :‬‬
‫َ‬ ‫حتى يتبين ل َه َ‬
‫شِهيد ٌ ? ]فصلت‪:‬‬ ‫يٍء َ‬
‫ش ْ‬‫ل َ‬ ‫َ‬
‫ه عَلى ك ُ ّ‬ ‫ك أن ّ ُ‬ ‫حقّ أوَل َ ْ‬
‫م ي َك ْ ِ‬
‫ف ب َِرب ّ َ‬ ‫ه ال ْ َ‬
‫م أن ّ ُ‬
‫َ ّ َََّ َ ُ ْ‬
‫‪ [ 35‬وقد رأينا بعض آيات الله في الفاق في حلقات ماضية ونرى اليوم‬
‫بعض هذه المعجزات العلمية التي ظهرت في عصرنا‪.‬‬
‫لجنة الحديث ومن قضاياه الهامة موضوع متى يأخذ الجنين‬ ‫فمن ذلك علم ا َ‬
‫الشكل النساني؟ ولقد بحثت هذا المر مع البروفيسور اللماني "شومخر"‬
‫فقال‪ :‬قبل القرن الثامن عشر كان يستحيل أن يقدر اليوم بالضبط إل ّ بخطأ‬
‫حوالي واحد وعشرين يوم زيادة أو مثلها نقص فسألته لماذا؟ فقال‪ :‬لنه ل‬
‫يمكن للرجل إتيان الزوجة طاهرة إل خلل مثل هذا الوقت وهو ل يستطيع‬
‫بالضبط تحديد هل حملت أول طهرها أم نهايته وهي مدة واحد وعشرين يوم‪.‬‬
‫وكذلك بسبب ندرة العينات المدروسة ولقد كانت هذه تمثل مشكلة‪ ،‬ولكن‬
‫كن النسان أن يصل إلى تحديد اليوم الفاصل‬ ‫بتقدم أساليب العلم الحديث تم ّ‬
‫بين الشكل غير النساني والشكل النساني الذي بدأ يأخذ مكانة في هذا‬
‫الجنين )صورة مع التعليق(‬
‫ً‬
‫)جنين في ما قبل الثاني والربعين يوما ثم بعد هذا اليوم( )صورة مع‬
‫التعليق(‬
‫لقد ظهرت الصورة البشرية بجلء بعد اليوم الثاني والربعين حسب الصور‬
‫التي وضحتها أحدث الجهزة‪.‬‬
‫وقد جاء حديث في صحيح مسلم يقول فيه عليه الصلة والسلم‪" :‬إذا مر‬
‫بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكا ً فصورها وخلق سمعها‬
‫وبصرها ولحمها وجلدها وعظامها" فمن عّلم محمدا ً صلى الله عليه وسلم‬
‫كل هذا إنه الله سبحانه‪.‬‬

‫)‪(28 /‬‬

‫أرسلنا من هيئة العجاز العلمي طبيبا ً مندوبا ً لنا إلى بريطانيا فكان ممن‬
‫قابلهم الدكتور‪" /‬ديفيد بالمر"‪ ،‬هذا البروفيسور ُذهل عندما سمع هذا الّنص‬
‫النبوي ثم قال كلمات لهذا الطبيب قال له ‪ :‬لقد ذهب زماننا وجاء زمانكم‬
‫فقال له‪ :‬يا بروفيسور أنا ل أسألك عن هذا المر إّنما أسألك ما رأيك في هذا‬
‫الجانب العلمي الذي أطلعتم عليه في صدق هذا الحديث وتحققه في الواقع‬
‫هل حقا ً اليوم الثاني والربعين هو اليوم الفاصل الذي يبدأ بعده تكوين‬
‫ن زماننا‬
‫الصورة الدمية للنسان ولم تكن قبل ذلك تكونت قال ‪ :‬قلت لك إ ّ‬
‫قد ولى وجاء زمانكم أنتم‪ ،‬قال له‪ :‬يا بروفيسور ما زلتم أنتم قادة العلوم‬
‫الحديثة‪ ،‬قال له ‪ :‬أنظر هل كان والدك يجرؤ أن يتقدم ويستطيع أن يتقدم‬
‫بهذه السئلة إلى والدي لن بلده كانت من ضمن المستعمرات البريطانية‬
‫وقال أيضًا‪ :‬إني في عجب من كلم محمد إنه يصل إلى الحقيقة هكذا‬
‫مباشرة بل لف ول دوران اليوم الثاني والربعين اليوم الثاني والربعين ويحدد‬
‫بغاية الدقة‪.‬‬

‫‪206‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪-‬أليس هذا من السرار الغائبة في أعماق الرحام التي ل يعلمها إل الله جل‬
‫وعل وهو الذي علم رسوله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫ة‬
‫صي َ ٍ‬ ‫صي َةِ * َنا ِ‬ ‫ً‬
‫فعا ِبالّنا ِ‬ ‫س َ‬ ‫َ‬ ‫• كنت أقرأ قول الله جل وعل‪ ? :‬ك َل ّ ل َِئن ل ّ ْ‬
‫م َينت َهِ لن َ ْ‬
‫ة?]العلق‪[ 16 ,15:‬‬ ‫خاط ِئ َ ٍ‬ ‫َ‬
‫كاذِب َةٍ َ‬
‫والّناصية هي مقدمة الجبهة عند منابت الشعر فكنت أقول في نفسي كيف‬
‫يصف الله الّناصية بأّنها كاذبة خاطئة وهي ل تنطق ول تجترح الثام فَأحتار‬
‫في أمري‪.‬وأرجع إلى كتب التفسير فأرى الغالب منهم يؤولها عن الظاهر‬
‫فيقول معناها ناصية كاذب خاطئ منهم الشوكاني والجمهور‪.‬‬
‫ولكن ابن كثير رحمه الله يقول‪ :‬يعني ناصية أبي جهل كاذبة خاطئة‪ ،‬كاذبة‬
‫في مقالها خاطئة في أفعالها‪ ،‬وكنت أنا أجد أن مازال في نفسي حاجة إلى‬
‫ما يشبعها في هذا المعنى‪ .‬وأخذت أبحث وأسأل حتى شاء الله وصول‬
‫ي عن طريق البروفيسور محمد يوسف سكر الذي كان رئيسا ّ‬ ‫الجواب إل ّ‬
‫لقسم الدراسات العليا في كلية الطب بجامعة الملك عبد العزيز وهو من‬
‫السودان أخذ يصف لي المخ ووظائفه ومراكزه حتى وصل إلى الجزء الذي‬
‫ن وظيفة هذا الجزء توجيه سلوك النسان فقلت له‪ :‬ماذا‬ ‫في الناصية وقال إ ّ‬
‫ي فقلت له‪ ،‬إذا أراد النسان أن يكذب فالوامر‬ ‫قلت يا بروفيسور؟ فكرر عل ّ‬
‫تصدر من هنا أو إن أراد أن يخطئ تصدر من هنا قال‪ :‬نعم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وجدتها وجدتها قال ‪ :‬ماذا؟ ما هي؟ فذكرت له الية قال‪ :‬ل‪.‬ل مادام‬
‫المسألة متعلقة بالية دعني أراجع معلوماتي فراجع الكتب ثم وجدته بعد‬
‫أسبوعين فقلت له‪ :‬ماذا وجدت يا بروفيسور؟ قال‪ :‬ما قلت لك هو صحيح ثم‬
‫قابلت البروفيسور " كيث إل مور " وهو من أشهر علماء الجنة في العالم‬
‫ومن أشهر علماء التشريح وله كتاب في تشريح المخ بحجم القاموس‬
‫فسألته هذا السؤال فقال‪ :‬نعم الناصية هي المسؤولة عن المقايسات العليا‬
‫وعن اتخاذ القرار فقلت له فما بال اللسان؟ قال ‪ :‬عسكري ينفذ الوامر‬
‫قلت له والجوارح؟ قال‪ :‬جنود تنفذ ما يصدر من أوامر من الناصية قلت له‪:‬‬
‫إذن هي الكاذبة وهي الخاطئة قال‪ :‬نعم ثم اتفقت أنا وهو إن نقدم بحثا في‬
‫المؤتمر الطبي العالمي الذي عقد في القاهرة على أن أتولى أنا الجانب‬
‫الشرعي ويتولى هو الجانب العلمي في هذا البحث وأثناء عرضه أخذ يصف‬
‫القضية في أمخاخ الحيوانات فإذا به يتكلم عن الّناصية عندها‘ووظيفة‬
‫ة‬
‫ٍ‬ ‫آي‬ ‫عن‬ ‫الناصية في الحيوانات فلما سمعته يتكلم قلت‪ :‬سبحان الله إنه يتكلم‬
‫من َدآب ّةٍ إ ِل ّ‬ ‫ما ِ‬ ‫أخرى وسرٍ آخر انتبهنا له ولم نلتفت إليه وهو قوله تعالى‪ّ ? :‬‬
‫صي َت َِها ?]هود‪ [ 56:‬ليست المسألة فقط عند النسان بل حتى عند‬ ‫خذ ٌ ب َِنا ِ‬
‫هُوَ آ ِ‬
‫الحيوان وهذا شيٌء متعلق بعلم التشريح المقارن فمن عّلم محمدا ً صلى الله‬
‫؟!‬
‫عليه وسلم كل هذا ‍‬
‫ض ?]الفرقان‪6:‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫قال تعالى ‪ ? :‬قُ ْ َ‬
‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬
‫سّر ِفي ال ّ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ذي ي َعْل ُ‬‫ه ال ِ‬
‫ل أنَزل ُ‬
‫[ سبحان الله وكذلك جاء في الحديث في دعاء رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك"أي مركز‬
‫القيادة‪.‬‬
‫وفي حديث آخر "وأعوذ بك من شر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته" وفي‬
‫حديث آخر " الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة" لحظوا التركيز‬
‫على الناصية في هذه النصوص‪.‬‬

‫)‪(29 /‬‬

‫‪207‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دوا ْ‬ ‫شهِ ُ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫‪ -‬ومن القضايا التي يثيرها المتشككون والمرتابون قول الله ‪َ ? :‬وا ْ‬
‫ل وا َ‬ ‫كوَنا َر ُ َ‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ضو ْ َ‬ ‫من ت َْر َ‬ ‫م ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫مَرأَتا ِ‬‫ج ٌ َ ْ‬ ‫ن فََر ُ‬ ‫جلي ْ ِ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫م فَِإن ل ّ ْ‬ ‫جال ِك ُ ْ‬ ‫ن من ّر َ‬ ‫شِهيد َي ْ ِ‬ ‫َ‬
‫خَرى ? ]البقرة‪ [ 282:‬فبعض‬ ‫ُ‬
‫ما ال ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫داهُ َ‬ ‫ح َ‬‫ما فت ُذكَر إ ِ ْ‬ ‫داهُ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ضل إ ْ‬ ‫داء أن ت َ ِ‬ ‫الشهَ َ‬
‫الملحدة يسخرون ويقول كيف يعدل شهادة الرجل بشهادة امرأتين وكان‬
‫بعض من يرد عليهم يعلل بضعف المرأة عامة في الجانب النفسي ولكن شاء‬
‫الله تعالى أن ُيكشف سر هذا النص وهذا التشريع في مجلة التايم المريكية‬
‫الصادرة ‪ 31‬يوليو ‪1995‬م فقد نشرت صورة للدماغ ضمن بحث لمخ الرجل‬
‫والمرأة )صورة مع التعليق(‬
‫فوجدوا مركز الكلم والذاكرة عند الرجل يعملن كل على حدة فل تتداخل‬
‫المعلومات بينما مركز المرأة يحدث تداخل في المعلومات بين الكلم‬
‫والذاكرة فتغطي بعض معلومات مركز الكلم معلومات مركز الذاكرة‬
‫ّ‬
‫فشرط الشارع وجود امرأتين ثم علل بأن أحداهما تتكلم والخرى تذكرها إن‬
‫ضلت أي ضاع عليه بعض المعلومات بسبب اشتغال مركز الذاكرة بالكلم‪.‬‬
‫‪ -‬من أسرار خلق النسان الجلد جعله الله تعالى حدودا ً لجسم النسان‬
‫الخارجي ولذا جعل الله فيه مساحات واسعة للحساس في النهايات الصعبة‬
‫التي تجعل النسان يحس باللم منها الخليا الحساسة بالحرارة والحريق‬
‫فهي في الجلد فلو ُنزع الجلد فإنه ل يحس إل شيئا ً يسيرا يسمى ألم من‬
‫الدرجة الثالثة‪.‬‬
‫يقول الدكتور سالم المحمود في بحث اشتركت معه فيه في المؤتمر الطبي‬
‫فُروا ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫للعجاز الذي عقد في القاهرة ذكر قول الله جل وعل ‪ ? :‬إ ِ ّ‬
‫ذوُقوا ْ‬ ‫ها ل ِي َ ُ‬‫جُلودا ً غَي َْر َ‬ ‫م ُ‬ ‫م ب َد ّل َْناهُ ْ‬‫جُلود ُهُ ْ‬ ‫ت ُ‬ ‫ج ْ‬ ‫ض َ‬‫ما ن َ ِ‬ ‫م َنارا ً ك ُل ّ َ‬ ‫صِليهِ ْ‬ ‫ف نُ ْ‬ ‫سو ْ َ‬ ‫ِبآَيات َِنا َ‬
‫ب ? ]النساء‪ [ 56:‬إنه إذا نضجت زال اللم فيعيد الله لهم جلودا ً‬ ‫ذا َ‬ ‫ال ْعَ َ‬
‫يذوقون العذاب‪.‬‬
‫لكن ماذا عن الماء الحميم الذي يعذب به أهل النار؟‬
‫ميما ً‬ ‫ح ِ‬ ‫ماء َ‬ ‫قوا َ‬ ‫س ُ‬ ‫يقول دكتور سالم المحمود‪ :‬حين يقول الله جل وعل‪ ? :‬وَ ُ‬
‫َ‬
‫م? ]محمد‪) [ 15:‬يعرض صورة لتشريح المعاء مع التعليق(‬ ‫مَعاءهُ ْ‬ ‫قط ّعَ أ ْ‬ ‫فَ َ‬
‫إن الله جل وعل بطن المعاء من الداخل بغشاء مخاطي غير حساس‬ ‫ّ‬
‫للحرارة ل يتألم بها؛ فبتقطيع المعاء يكون اللم حيث يخرج الماء الحميم إلى‬
‫الحشاء والحشاء بها أعصاب حساسة للحرارة وهي كثيرة جدا ً في الحشاء‬
‫)صورة مع التعليق(‬
‫َ‬
‫فنرى تغاير وصف العذاب وطريقته بين الجلد والحشاء ومناسبة ذلك العذاب‬
‫للكفار‪.‬‬
‫فلو عكس المر بينهما لم يكن عذابا ً لكن الدقة والعلم المطلق جعلت‬
‫الوصف مناسبا ً للردع والزجر‪.‬‬
‫فطعم العذاب والحساس به يتوقف على أمرين‪-:‬‬
‫س وتتفاعل الحرارة‬ ‫صلت للحرارة وهي النهايات العصبية التي تح ّ‬ ‫وجود مو ّ‬
‫صلت‬ ‫ي مو ّ‬ ‫وتنقل الشارات العصبية مع الجهاز العصبي إلى مركز الوعي‪ -‬أ ِ‬
‫ومركز وعي!! من يا ُترى عّلم محمدا ً صلى الله عليه وسلم كل هذه السرار‬
‫التي لم يتم كشفها إل بأدق الجهزة‪.‬‬
‫دقنا في هذه الوصاف صدق في وصف الجنة والنار لنا‬ ‫ن من ص َ‬ ‫كأ ّ‬ ‫ول ش ّ‬
‫ودقة وصفه في تلك الوصاف السابقة ومثلما وصلنا إلى هذه الحقائق‬
‫العلمية فنصل إلى حقيقة ما أخبرنا عن اليوم الخر ولقاء الله تبارك وتعالى‬
‫وحسابه وعقابه وجنته وناره وعندها ينادي المنادون كما ذكرت الية‪ ? :‬وََناَدى‬
‫قا ً فَهَ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬
‫جدّتم ّ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫ح ّ‬‫ما وَعَد ََنا َرب َّنا َ‬ ‫جد َْنا َ‬ ‫ب الّنارِ أن قَد ْ وَ َ‬ ‫حا َ‬ ‫ص َ‬
‫جن ّةِ أ ْ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫أ ْ‬

‫‪208‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬
‫ن?‬ ‫مي َ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫م َأن ل ّعْن َ ُ‬
‫ة الل ّهِ عََلى ال ّ‬ ‫مؤَذ ّ ٌ‬
‫ن ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫قا ً َقاُلوا ْ ن َعَ ْ‬
‫م فَأذ ّ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫وَعَد َ َرب ّك ُ ْ‬
‫م َ‬
‫]العراف‪. [ 44:‬‬
‫اللهم أهدنا إلى طريقك الكريم‪،،،‬‬
‫والسلم عليكم ورحمة الله وبركاته‬
‫راجعه‪ :‬عبد الله بن عّباس غانم الحبوري ‪1427‬هـ‬
‫علي عمر بلعجم‬
‫ن المقصود أي ليس على شكل قطرات ‪.‬‬ ‫‪ -‬كأ ّ‬
‫‪ -‬ذكر الشيخ عبد المجيد‪-‬حفظه الله‪-‬جزًء من الية ثم بدأ بالحديث حولها‬
‫ورأيت ذكر الية كاملة قبل البدء بالتفصيل‪.‬‬
‫‪ -‬كانت الكلمة)سمن( والظاهر أنه ل معنى لها هنا‪.‬‬
‫‪ -‬رأيت ذكر اليات ]النبأ‪ [16-14:‬المتعلقة قبل التفصيل ‪.‬‬
‫‪ -‬كانت الكلمة لعبده ولمعنى لها‬
‫‪ -‬كانت العبارة )فإذا ثبتت المقررات التي يصلون إليها( فاقتضى السياق‬
‫تغيرها على هذا النحو‪.‬‬
‫‪ -‬كانت اللفظة)من(‬
‫‪ -‬سنن الترمذي ‪ ,5/454‬برقم‪ ,(3369) :‬وأخرجه أحمد ‪ ,3/124‬برقم‪):‬‬
‫‪،(12275‬وأخرجه أبو يعلى في مسنده ‪،(4310)7/286‬وكذلك أخرجه‬
‫البيهقي في شعب اليمان ‪ ,3/44‬برقم‪،(3441) :‬وأخرجه عبد بن حميد في‬
‫وام بن‬
‫مسنده ‪ ,1/365‬برقم‪(1215):‬كلهم من طريق يزيد بن هارون عن الع ّ‬
‫حوشب عن سليمان بن أبي سليمان )مولى ابن عّباس( عن أنس بن مالك‬
‫وهذا إسناد رجاله ثقات سوى سليمان قال عنه الدارقطني مجهول وقال ابن‬
‫حجر مقبول‪ ,‬قال الشيخ اللباني‪:‬ضعيف‪ ,‬وقال الشيخ شعيب الرنؤوط‬
‫إسناده ضعيف‪.‬‬
‫‪ -‬كانت اللفظة أهذا‬
‫‪ -‬العبارة فيها غموض‬
‫ـ صحيح مسلم‪ ,4/2037:‬برقم‪.(2645) :‬‬
‫‪ -‬أضفت لفظة)عند( لقتضاء السياق لها‪.‬‬

‫)‪(30 /‬‬

‫‪ -‬أضفت لفظة )وصول( لقتضاء السياق‪.‬‬


‫ـ مسند احمد‪ ,1/452:‬برقم‪ (4318):‬ومعجم الطبراني الكبير‪,10/169:‬‬
‫برقم‪،(10352) :‬وصحيح ابن حبان‪ ,3/253:‬برقم‪ ,(972) :‬قال الشيخ شعيب‬
‫الرنؤوط إسناده صحيح ‪.‬‬
‫‪ -‬سنن الترمذي ‪ ,5/518‬برقم‪ ،(3481) :‬وسنن أبي داود ‪ ,2/732‬برقم‪):‬‬
‫‪ (5051‬وأصل الحديث في مسلم ‪ ,4/2084‬برقم‪. (2713) :‬‬
‫ـ البخاري ‪ ,3/1047‬برقم‪ ,(2694) :‬ومسلم ‪ ,3/1492‬برقم‪. (1871) :‬‬
‫‪ -‬كان هنا لفظة )حسن(‪.‬‬
‫)‪ -(18‬الظاهر أن هنا لفظة )مع(‪.‬‬
‫الحلقة التاسعة عشر‬
‫السلم عليكم ورحمة الله وبركاته‬
‫الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على سيدنا ونبينا محمد صلى الله‬
‫عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ‪ ..‬وبعد‪:‬‬
‫فقد أيد الله رسوله محمدا ً صلى الله عليه وسلم ببينات ومعجزات وآله‬

‫‪209‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وبراهين تكفي للبشرية إلى قيام الساعة على اختلف ثقافاتهم وعلى اختلف‬
‫إدراكهم وكنا نتكلم عن المعجزات بالخوارق التي أيد الله بها رسوله في‬
‫حلقات ماضية وقد استعنا ببعض الخرائط للدكتور حسين مؤنس في كتابه‬
‫أطلس تاريخ السلم ونتكلم اليوم عن معجزة جديدة وهي )الخبار بالغيب(‬
‫هذا الغيب المجهول ‪ ،‬الغيب الذي في الماضي‪ ،‬أو الغيب الذي في الحاضر ‪،‬‬
‫والغيب الذي في الحاضر إما أن يكون في مكان بعيد ل سبيل للوصول إليه ‪،‬‬
‫أو أن يكون غائبا ً في نفوس الناس ل يستطيع أن يكشفه أحد إل الذي يعلم‬
‫ما بداخل النفوس‪ ،‬والغيب الذي في المستقبل سواء المستقبل القريب أو‬
‫المستقبل البعيد إلى عصرنا هذا وإلى ما بعد عصرنا وإلى أن يدخل أهل‬
‫الجنة الجنة ويدخل أهل النار النار‪ ،‬هذا الغيب الذي يتكشف على مر الزمان‪،‬‬
‫هذا الغيب الذي تحقق منه الكثير وانكشف مما أخبر به الرسول صلى الله‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫معجزات محمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬والله يقول‪? :‬لك ِ ِ‬ ‫َ‬
‫عليه وسلم هو من‬
‫ه?]النساء‪ [166:‬فسواء هذا الوحي الذي‬ ‫م ِ‬ ‫ْ‬
‫ه ب ِعِل ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل إ ِلي ْك أن َْزل ُ‬‫ما أ َن َْز َ‬
‫شهَد ُ ب ِ َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ه يَ ْ‬
‫في القرآن أو ذلك الوحي الذي في السنة النبوية قد نزل بعلم الله جل وعل‪،‬‬
‫والرسول ل ينطق عن الهوى ‪ ،‬إن هو إل وحي يوحى ‪ ،‬وقد أشاد الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم إلى أن أكبر معجزة له هي هذا الوحي كما قال عليه‬
‫الصلة والسلم في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم‪:‬‬
‫)ما من النبياء نبي إل أعطي ما مثله آمن عليه البشر وإنما كان الذي أوتيته‬
‫ي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا ً يوم القيامة(‪.‬‬ ‫وحيا ً أوحاه الله إل ّ‬
‫إن لكل نبي معجزة على أساسها يكون اليمان وأما أكبر معجزة عندي‬
‫وأظهرها هي هذا الوحي الذي جاءني ‪ ،‬وهذا الوحي في العلم الذي فيه وقد‬
‫رأينا ما كشف الله لنا فيما نسميه في عصرنا اليوم بالعجاز العلمي في‬
‫القرآن والسنة‪.‬‬
‫ونتحدث اليوم عن أخبار الغيب التي كشفها الله لرسوله في الماضي وفي‬
‫الحاضر في وقت النبي وفي المستقبل بعد وقت النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫ونبدأ بخبر الماضي‪ :‬أما الماضي فيتعلق بأسرار خلق الكون وقد رأينا في‬
‫حلقات سابقة كيف أخبر القرآن بسر تكوين الرض‪ ،‬كيف رفع هذا الكون‬
‫ورفعت هذه السماء‪ ،‬وكيف خرج الضياء من بين الظلم وكيف اشتد ظلم‬
‫السماء‪ ،‬وكيف تكونت النجوم‪ ،‬وكيف كان الدخان الذي هو أصل تلك النجوم‬
‫وأصل السماء‪ ،‬ثم كيف انفصلت الرض عن السماء‪ ،‬ثم كيف تكون سطح‬
‫الرض‪ ،‬وكيف تكونت الجبال‪ ،‬وكيف خرج الماء تكلمنا عن ذلك كله‪ ،‬وهذا ل‬
‫خل ْ َ‬
‫ق‬ ‫م َ‬ ‫شهَد ْت ُهُ ْ‬ ‫ما أ َ ْ‬ ‫سبيل لمعرفته إل بوحي من الله‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ ? :‬‬
‫ضدا?]الكهف‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ن عَ ُ‬ ‫ّ‬
‫ضلي َ‬ ‫م ِ‬ ‫ْ‬
‫خذ َ ال ُ‬
‫مت ّ ِ‬
‫ت ُ‬ ‫ما ك ُن ْ ُ‬
‫م وَ َ‬‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫خل ْقَ أ َن ْ ُ‬
‫ض َول َ‬ ‫َْ‬
‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬‫س َ‬‫ال ّ‬
‫‪. [51‬‬
‫ولكن جعل الله علمات في الرض تدلنا على كيفية بدء الخلق وأمرنا أن‬
‫ق?‬ ‫خل َ‬‫ْ‬ ‫ف ب َد َأ َ ال ْ َ‬‫ض َفان ْظ ُُروا ك َي ْ َ‬ ‫َْ‬
‫سيُروا ِفي الْر ِ‬ ‫ل ِ‬ ‫ننظر إلى ذلك فقال تعالى ?قُ ْ‬
‫]العنكبوت‪) [20:‬أي قد جعلت لكم علمات في الرض تسيروا فيها وتعلمون‬
‫بها كيف بدء الخلق أما أن تقولوا هكذا من رؤوسكم بدون دليل فل‪ ،‬ما كنتم‬
‫شاهدين خلق الرض ول خلق السماء ول خلق أنفسكم(‪.‬‬

‫)‪(31 /‬‬

‫‪210‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأما النوع الثاني من أخبار الغيب الذي في الماضي فهو قصص الرسل‬
‫السابقين وقصص المم السابقة‪ ،‬فمحمد صلى الله عليه وسلم وقومه ما‬
‫كانوا يعلمون من ذلك‪ ،‬وليس هذا من ثقافتهم ويواجههم القرآن بهذا بعد‬
‫حيَها إ ِل َي ْ َ‬ ‫كم َ‬
‫ما‬‫ك َ‬ ‫ب ُنو ِ‬ ‫ن أن َْباِء ال ْغَي ْ ِ‬‫ذكره لقصص سيدنا نوح ويقول لهم ‪? :‬ت ِل ْ َ ِ ْ‬
‫َ‬
‫ك?]هود‪ [49:‬يعني ل أنت يا محمد ول قومك ل شك‬ ‫م َ‬
‫ت َول قَوْ ُ‬ ‫مَها أن ْ َ‬ ‫ت ت َعْل َ ُ‬
‫ك ُن ْ َ‬
‫أن العرب سمعوا ذلك وعلموا أن القرآن ينفي عنهم أنهم كانوا يعرفون هذه‬
‫الخبار ولو كانوا يعلمون لكذبوا محمدا ً صلى الله عليه وسلم وقالوا ‪ :‬يكذب‬
‫علينا ويقول ما كنا نعلم نحن نعلم ولكن القرآن يواجههم بهذا ويواجههم‬
‫بالحقائق ويسكتون ‪ ،‬فمن علم محمدا ً صلى الله عليه وسلم أخبار الولين‬
‫وقصص الولين‪ ،‬إن الذين ورثوا هذه الديان قد اختلفوا فيما بينهم فلما‬
‫جاءهم الرسول صلى الله عليه وسلم كشف لهم أماكن الخطأ وأماكن الغلط‬
‫الذي وقعوا فيه وكثير منهم دخل في دين الله فهذه أيضا ً معجزة بإخباره‬
‫بالغيب وحله المشاكل حيرت أكابر أهل هذه الديان‪ ،‬وضمن هذا ما ذكره‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬ما أخبرنا به الدكتور‪ /‬موريس بوكاي ‪ :‬كان ضمن فريق‬
‫فرنسي استقبل جثة فرعون وخانت الحكومة المصرية على جثة فرعون‬
‫التي هي محفوظة لديهم بدأ فيها تآكل شيء في النف فأرسلوها إلى فرنسا‬
‫لعلجها‪.‬‬
‫قال لي الدكتور موريس بوكاي فلما وصلت الجثة إلى باريس واستقبلناها‬
‫وأطلقت لها إحدى وعشرون طلقة كما تستقبل الرؤساء ثم أخذنا نكشف‬
‫على جثة هذا الفرعون فرأينا أن الدلة كلها تؤكد أنه فرعون موسى لماذا؟‬
‫لننا وجدنا بقايا الملح في جسمه – في جثته – ملح البحر ‪ ،‬ووجدنا كذلك أن‬
‫عظامه مكسرة بينما الجلد ليس مقطع فمعناه أن التكسير كان بضغط لين ل‬
‫يقطع الجلد ول اللحم ولكنه يكسر العظام وهذا هو الذي يفهم من الماء‬
‫وانطباق فلقتي البحر من الماء على هذا الفرعون فتتكسر العظام‪ ،‬وهناك‬
‫علمات ‪.‬‬
‫العظم عندما يكسر يسيل منه مادة أسمنتية هذه المادة السمنتية موجودة‬
‫في جثة فرعون وموجودة في جمجمته‪ ،‬مما يدل على أنها تهشمت بهذا الماء‬
‫وتكسرت‪ ،‬ومع أنه بقي محافظا ً على الجلد واللحم ‪ ،‬ورأينا آثار الموت غرقا ً‬
‫الذي يموت غرق يكون له آثار تبقى في جسمه ‪ ،‬تعرفنا على ذلك وعلمنا أنها‬
‫جثة فرعون ثم ألف بعد ذلك الدكتور موريس كتابا ً قال فيه ‪:‬‬
‫إن التوراة تذكر أن الجثة أي جثة فرعون ابتلعها البحر ولكنها ل تعطي تفصيل ً‬
‫بشأن ما حدث لها لحقًا‪ ،‬أما القرآن فيذكر أن جثة فرعون الملعون سوف‬
‫تنقذ من الماء‪ ،‬كما جاء في الية السابقة وهي قول الله جل وعل ?َفال ْي َوْ َ‬
‫م‬
‫ن?‬‫ن آَيات َِنا ل ََغافُِلو َ‬ ‫س عَ ْ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬‫ن ك َِثيرا ً ِ‬
‫ة وَإ ِ ّ‬
‫ك آي َ ً‬ ‫خل ْ َ‬
‫ف َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫ن لِ َ‬ ‫ك ل ِت َ ُ‬
‫كو َ‬ ‫ك ب ِب َد َن ِ َ‬‫جي َ‬‫ن ُن َ ّ‬
‫]تونس‪ [92:‬فاليوم ننجيك ببدنك هو أشار إليها قبل ذلك في كلمه فقوله إلى‬
‫ما قاله موريس بوكاي – قال أما القرآن فيذكر أن جثة الفرعون الملعون‬
‫سوف تنقذ من الماء كما جاء في الية السابقة‪ ،‬وقد أظهر الفحص الطبي‬
‫لهذه الموميا‪ ،‬أن الجثة لم تظل في الماء مدة طويلة‪ ،‬إذ أنها لم تظهر أية‬
‫علمات للتلف التام بسبب المكوث الطويل في الماء‪ ،‬ويعني ذلك أن هذه‬
‫الجثة قد أخرجت‪ ،‬وأريد أن أقف هنا وقفة مع فكرة التحنيط التي تنسب إلى‬
‫الفراعنة ول يزال الناس يتحدثون عنها ويقولون هي لغز من اللغاز‪ ،‬أقول‬
‫عندما حللت اللفافات التي يظنها الناس أن اللفافات هذه هي التي حفظت‬
‫جثة الفراعنة ‪ ،‬ويحتفظ فيها جثث الفراعنة‪ ،‬عندما حللوها وجدوا فيها‬
‫الفطريات ووجدوا فيها الجراثيم قد غزتها وأكلتها فلو كانت للحفظ ما غزتها‬

‫‪211‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الجراثيم فإذا الحفظ بشيء آخر وليس بهذه المواد التي استعملها قدماء‬
‫المصريين فقدماء المصريين ما كانوا يعرفون الجراثيم ول يعرفون‬
‫الطفيليات‪ ،‬وليست لديهم ميكروسكوبات وليست لديهم آلت وآلتهم بدائية‬
‫التي نراهم يستعملونها في الحرب وفي السلم وفي غيرها‪ ،‬فالزعم أنه كان‬
‫لهم علم خفي ‪ ،‬مستواهم العلمي والتقني ل يمنحهم هذه الفكرة أن تكون‬
‫لهم فكرة عن جراثيم وعن غيرها‪ ،‬فلبد أن هذا هو شيء آخر لبد أن هذا تم‬
‫بشيء آخر ثم لماذا اختفى سر التحنيط‪ ،‬اختفى هذا السر‪ ،‬فيقولون اختفى –‬
‫ويقولون‪ :‬إن البشر في عصرنا اليوم الذين عرفوا البكتريا وعرفوا أسباب‬
‫تحلل الجسام يعجزون أن يحنطوا كما حنط الفراعنة‪ ،‬هذا كلم ل يستطيع‬
‫إنسان أن يقبله وأظن والله أعلم أن الله نجى فرعون ونجى جميع الجثث‬
‫من جيشه التي أغرقت لتخرج ولتكون سببا ً لمجيء المصريين ليروا جثث‬
‫أهليهم ويعودوا بها ليدفنوها في قبورهم‪.‬‬
‫وهناك مؤشرات كثيرة تدل على أنها حادثة واحدة وجاء الناس كل أخذ جثة‬
‫صاحبه وعاد بها إلى قبره فهل يكون هذا هو السبب ‪ ،‬وأن الله سبحانه‬
‫وتعالى أعلن لنا في القرآن قال ‪:‬‬
‫ن آَيات َِنا‬
‫س عَ ْ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ك ل ِت َ ُ‬‫ك ب ِب َد َن ِ َ‬
‫جي َ‬ ‫?َفال ْي َوْ َ‬
‫ن الّنا ِ‬
‫م َ‬
‫ن كِثيرا ِ‬
‫ة وَإ ِ ّ‬
‫فك آ ي َ ً‬‫خل َ‬‫ن َ‬‫م ْ‬
‫ن لِ َ‬
‫كو َ‬ ‫م ن ُن َ ّ‬
‫ن?]يونس‪.[92:‬‬ ‫ل ََغافُِلو َ‬

‫)‪(32 /‬‬

‫‪212‬‬

You might also like