You are on page 1of 12

‫الخلقية ( ظاهرة الكذب )‪ ،‬لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي‬

‫ّ‬ ‫تربية األوالد في اإلسالم – ‪ : 51 / 03‬التربية‬


‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬


‫ٍ‬
‫محمد الصَّادق الوعد األمين ‪،‬‬ ‫رب العالمين ‪ ،‬والصالة والسالم على سيدنا‬ ‫الحمد هلل ِّ‬
‫اللهم ال علم لنا إال ما علَّمتنا ‪َّ ،‬إنك أنت العليم الحكيم ‪ ،‬اللهم علِّمنا ما ينفعنا ‪ ،‬وانفعنا بما‬
‫َّ‬
‫الحق حقَّاً وارزقنا‪ 0‬اتباعه ‪ ،‬وأرنا الباطل باطالً وارزقنا اجتنابه ‪،‬‬‫َّ‬ ‫علَّمتنا وزدنا‪ 0‬علما‪ ،‬وأرنا‪0‬‬
‫واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ‪ ،‬وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ‪.‬‬
‫أيها اإلخوة الكرام مع الدرس الثالث من دروس تربية األوالد في اإلسالم ‪ ،‬في الدرس‬
‫األب المسلم عليه أن ينشئ أوالده تنشئة‬
‫أن َ‬ ‫الماضي َّ‬
‫تحدثنا عن التربية اإليمانيَّة ‪ ،‬وكيف‪َّ 0‬‬
‫َّنت‬ ‫والسنة ‪ِّ ،‬‬
‫تؤكد هذا التكليف لآلباء ‪ ،‬وبي ُ‬ ‫َّ‬ ‫إيمانيَّة وذكرت لكم قصصاً‪ 0‬ونصوصاً من الكتاب‬
‫َّ‬
‫مسؤوليةٌ كبيرة ‪ ،‬وها أنا ذا اليوم أنتقل إلى موضوع التربيَّة الخلُقيَّة ‪.‬‬ ‫اُألبوة‬
‫أيضاً أن َّ‬
‫أيُّها اإلخوة الكرام ‪ ..‬اإليمان كما قال عليه الصالة والسالم‪: 0‬‬
‫حسن الخلُق " ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫" اإليمان‬
‫يبق من الدين شيء ‪ ،‬فاإليمان حسن الخلق ‪،‬‬
‫تلغي األخالق من الدين لم َ‬‫لمجرد أن َ‬
‫َّ‬
‫إن أكثرها مما اتَّفق‬
‫وهناك أحاديث كثيرة جداً وصحيحة وقد‪ 0‬أجمع عليها علماء األحاديث ‪ ،‬بل َّ‬
‫أن حسن الخلق هو أعظم ما في اإليمان ‪ ،‬وأعظم ما في‬ ‫عليه الشيخان ‪ ،‬هذه األحاديث ِّ‬
‫تؤكد َّ‬
‫يربي ابنه كما‬
‫أن اَألب المسلم ّ‬‫كل شيء ‪ ،‬الحقيقة فضالً عن َّ‬ ‫وأنه إذا ذهب ذهب ُّ‬
‫اإلسالم ‪َّ ،‬‬
‫قلت في الدرس الماضي على اإليمان باهلل واإليمان برسوله وكتبه وباليوم‪ 0‬اآلخر ‪ ،‬وعلى إقامة‬
‫الصالة وإ يتاء الزكاة وصوم‪ 0‬رمضان ‪ ،‬ويربِّي ابنه على ِّ‬
‫حب نبيِّه وعلى تالوة القرآن ‪ ،‬فضالً‬
‫األب إلى غرسها في نفس ابنه ‪،‬‬ ‫كل ذلك ‪ ،‬هناك مجموعة ِقَيم خلقيَّة ال َّ‬
‫بد من أن ينتبه ُ‬ ‫عن ِّ‬
‫لذلك أروي لكم هذه القصَّة ولعلَّها مفيدةٌ جداً ‪:‬‬
‫ري ‪ :‬كنت ابن ثالث سنين أقوم بالليل ‪ ،‬فأنظُر إلى صالة‬ ‫قال سهل بن عبد اهلل التُستُ ّ‬
‫خالي محمد بن ِسوار ‪ ،‬فقال لي يوماً ‪ :‬أال تذكر اهلل الذي خلقك ‪ ،‬قلت ‪ :‬كيف أذكره ؟ قال قل‬
‫ناظر‬ ‫مر ٍ‬ ‫بقلبك عند تقلُّبك في فراشك ثالث َّ‬
‫تحرك به لسانك ‪ :‬اهلل معي ‪ ،‬اهلل ٌ‬ ‫ات من غير أن ِّ‬
‫مرات ‪ .‬فقلت ذلك‬‫سبع َّ‬ ‫ِّ‬
‫ثم أعْلمته ‪ ،‬فقال ‪ :‬قل في كل ليلة َ‬‫إلي ‪ ،‬اهلل شاهدي‪ .‬فقلت ذلك ليالَي َّ‬
‫مرة ‪ ،‬فقلته‪ ..‬ففي الليلة الثالثة قال ‪ :‬وقع‬
‫ثم أعْلمته ‪ ،‬فقال ‪ :‬قل ذلك في ك ّل ليلة إحدى عشرة َّ‬
‫َّ‬
‫فلما كان بعد سنة قال لي خالي ‪ :‬احفظ ما علَّمتك‬‫في قلبي حالوة الذكر‪ ،‬وقع في قلبي حالوته َّ‬
‫ودم عليه إلى أن تدخل القبر َّ‬
‫فإنه ينفعك في الدنيا واآلخرة ‪ .‬قال ‪ :‬فلم أزل على ذلك سنين‬ ‫ُ‬
‫ثم قال لي خالي يوماً ‪ :‬يا سهل ‪ ،‬من كان اهلل معه ‪ ،‬ومن كان‬
‫سري ‪َّ ،‬‬
‫فوجدت لذلك حالوة في ِّ‬
‫ّ‬
‫اهلل ناظراً‪ 0‬إليه ‪ ،‬ومن كان اهلل شاهده أيعصيه ؟! إيَّاك والمعصية ‪.‬‬
‫وبهذا التوجيه السديد والترويض المستمر ‪ ،‬والتربية اإليمانيَّة الحقَّة ‪ ،‬أصبح سهل رحمه‬
‫أدبه وعلَّمه وربَّاه ‪.‬‬
‫اهلل من كبار العارفين ‪ ،‬ومن رجال اهلل الصالحين ‪ ،‬بفضل خاله الَّذي َّ‬
‫لعمي ‪ ،‬الفضل لخالي‬ ‫كثيراً ما نشاهد أشخاصاً‪ 0‬متدينين صالحين َّ‬
‫جداً يقول لك أحدهم ‪ :‬الفضل ِّ‬
‫لعمتي ‪ ،‬الفضل لوالدتي ‪ ،‬شيء ال َّ‬
‫يقدر بثمن أن يلهمك اهلل تربية‬ ‫‪ ،‬الفضل لوالدي‪ ، 0‬الفضل َّ‬
‫طفل صغير‪ ، 0‬ابناً كان أو غير ابن ‪ ..‬فهذا أصبح من كبار العارفين بهذا التوجيه اللطيف ‪ :‬اهلل‬
‫معي ‪ ،‬اهلل ناظر إلي‪ ،‬اهلل شاهدي‪.‬‬
‫ثم رفع العدد إلى أن أصبحت هذه‬ ‫اكتفى منه أو َل األمر أن يقولها وهو في الفراش ‪َّ ،‬‬
‫فلما نشأ عليها قال ‪ :‬من كان اهلل معه ‪ ،‬ومن كان اهلل‬
‫الكلمة كلمة ثابتة في حياة هذا الغالم ‪َّ ،‬‬
‫ناظراً إليه ‪ ،‬ومن كان اهلل شاهده أيعصيه ؟! قال ‪ :‬ال ‪ ..‬قال ‪ :‬إيَّاك أن تعصيه ‪.‬‬
‫أن الحياة ال تصلح إال باإليمان‪ ،‬أحياناً اإلنسان يشعر‬ ‫على ٍ‬
‫كل هناك نقطة مهمة جداً ‪ّ ..‬‬
‫أن هناك قيوداً تقيِّده ‪ ،‬أي إذا كان اإليمان قيد‪ ،‬واالستقامة قيد ‪ ،‬أنت قيِّدت بهذا القيد َّ‬
‫لكن اهلل‬ ‫َّ‬
‫وجل من أجلك قيَّد لك مليار إنسان ‪ ،‬ما هو السِّر َّأنك إذا تعاملت مع مؤمن فأنت مرتاح‬ ‫عز َّ‬‫َّ‬
‫يغشك ‪ ،‬أو أن يكذب عليك ‪ ،‬أو أن يخونك ‪ ،‬أو أن يأخذ ما ليس له‬ ‫ال تخاف‪ ،‬ال تخاف أن َّ‬
‫عز َّ‬
‫وجل قيَّد مليار إنسان من أجلك ‪،‬‬ ‫منك ‪ ،‬هذه الطمأنينة دخلت عليك ألنك مقيَّد ‪ ،‬وألن اهلل َّ‬
‫وحياتنا ال تستقيم إال بهذه الطريقة ‪ ،‬تتعامل مع الناس جميعاً ‪ ،‬هؤالء الذين تتعامل معهم إن‬
‫كانوا مؤمنين فهم مقيَّدون مثلك ‪ ،‬يخافون اهلل ‪ ،‬ال يأخذون ما ليس لهم ‪ ،‬يخافون أن يكذبوا ‪،‬‬
‫أو أن يغ ّشوا ‪ ،‬أو أن يحيفوا على أحد ‪ ،‬فكما أنت مقيَّد هم مقيَّدون من أجلك‪.‬‬
‫تشككون في اهلل ‪ ،‬ولواله لخانتني زوجتي ‪ ،‬ولواله‬ ‫فلذلك يقول أحد اُألدباء الغربيِّين ‪ :‬لم ِ‬
‫َ‬
‫أن هؤالء الذين تعيش معهم وترتاح‬ ‫لسرقني‪ 0‬خادمي ‪ ،‬أحد أسباب سعادتك‪ 0‬في الحياة الدنيا َّ‬
‫وخوفهم‪ 0‬من اهلل جعلهم يستقيمون في تعاملهم‬
‫إليهم وتطمئن إلى عالقتك بهم اإليمان قيَّدهم ‪ّ ،‬‬
‫عز َّ‬
‫وجل قيَّد لك ك ّل المسلمين‪ ،‬فهم مقيَّدون من أجلك ‪.‬‬ ‫لكن اهلل َّ‬
‫معك ‪ ،‬فأنت قيَّدت نفسك َّ‬
‫يقول بعض الفالسفة أيضاً ‪َّ :‬إنه ال وجود لألخالق من دون اعتقادات ثالث ـ كلمة دقيقة‬
‫جداً كنت أقولها‪ 0‬كثيراً من قبل ـ ال وجود‪ 0‬لألخالق من دون اعتقادات ثالث ‪:‬‬
‫وجود اهلل ‪ ،‬وخلود‪ 0‬الروح بعد الموت ـ أي النفوس ـ والحساب بعد الموت ‪ .‬أي أن اهلل‬
‫موجود ‪ ،‬وهناك حياة أبديَّة وفيها‪ 0‬سيحاسب اإلنسان عن ِّ‬
‫كل ما اقترفت‪ 0‬يداه ‪ ..‬إذا أيقنت أن اهلل‬
‫بد من أن تستقيم على أمره ‪ ،‬وال‬ ‫موجود ‪ ،‬ويعلم ‪ ،‬وسيحاسب ‪ ،‬وهناك حياةٌ بعد الحياة ‪ ،‬ال َّ‬
‫بد من أن تكون أخالقياً ‪ ..‬األخالق في بعض تعاريفها ‪ :‬هي عملية خوف أوالً ـ انضباط‪ 0‬ـ بعد‬ ‫َّ‬
‫حين تنقلب إلى عمليَّة متعة ‪ ،‬عندما يألف اإلنسان األخالق ال يستطيع أن يحيد عنها ‪ .‬وهذا‬
‫عز َّ‬
‫وجل ‪ ،‬الشيء في أوله صعب ‪ ،‬لكن بعد حين يصبح جزءاً من كيانك‪،‬‬ ‫من عظمة اهلل َّ‬
‫التمرس بها ‪ ،‬لكن بعد حين تغدو متعة لك ‪،‬‬
‫فدائماً الصعوبة تكون في أول األوامر فقط ‪ ،‬في ُّ‬
‫المؤمن بعد حين قضيَّة الجهاد انتهت بالنسبة له ‪ ،‬أن يجاهد نفسه وهواها ‪ ،‬أن يبذل جهوداً‬
‫ليغض من بصره ولضبط‪ 0‬لسانه فال ‪ ،‬أصبحت استقامة لسانه وجوارحه جزءاً من كيانه‬‫َّ‬ ‫كبيرة‬
‫عز َّ‬
‫وجل ‪.‬‬ ‫وهذا معنى قول اهلل َّ‬

‫(سورة البقرة)‬

‫حرم اهلل ‪َّ ،‬‬


‫لكنك بالصالة ترقى‪ 0‬إلى مستوى الشرع ‪،‬‬ ‫عما َّ‬ ‫أنت بالصبر‪ُّ 0‬‬
‫تكف شهوتك‪َّ 0‬‬
‫ٍ‬
‫عندئذ لو سمح لك أن تفعل ما كان منهياً عنه ال تفعل‪ ،‬اإلنسان أحياناً يمتنع عن المعاصي‪0‬‬
‫خوفاً ‪ ،‬ولكن بعد حين يمتنع عنها اشمئزازاً‪ ، 0‬وهذه عالمة طيِّبة في اإلنسان ‪ .‬فهذا الفيلسوف‬
‫يقول ‪:‬‬
‫ٍ‬
‫إيمان بوجود الخالق ‪ ،‬وإ يمان بأبديَّة الحياة ‪ ،‬وإ يمان بعلم اهلل‬ ‫ال وجود‪ 0‬لألخالق من دون‬
‫األبدي ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫(أنه يعلم ) ‪ ،‬وبالجزاء‬
‫أيُّها اإلخوة ‪ ...‬أحياناً يتلفَّظ اإلنسان بكلمات لها معنى دقيق ‪ ،‬يقول لك ‪ :‬فالن لو لم يكن‬
‫لكن اإليمان سما به ِفعالً ‪ ،‬بعض األشخاص‬
‫مؤمناً مع هذا الذكاء وتلك الحيوية لكان مجرماً ‪َّ ،‬‬
‫عندهم مزاج عصبي ‪ ،‬والبعض مزاجهم‪ 0‬شهواني‪ ، 0‬وأشخاص عندهم مزاج شيطاني‪، 0‬‬
‫والبعض عندهم تلبُّد ‪ ،‬هذا بعض آراء علماء النفس بوجود أربعة نماذج ‪ :‬نموذج عصبي‪،‬‬
‫وآخر شهواني‪ 0‬ونموذج شيطاني ‪ ،‬والنموذج الرابع خامل مسالم‪ ،‬فاإلنسان من دون إيمان يمكن‬
‫أن يكون من النموذج العصبي وهذا يميل للسيطرة واالستعالء والقهر ‪ ،‬اإليمان يقيده ‪ ،‬ويسمو‪0‬‬
‫بالقوة‪،‬‬
‫به ‪ ،‬مع وجود هذا النموذج أو هذا الميل الجارف للسيطرة والتنكيل‪ 0‬باآلخرين واالعتداد َّ‬
‫ونشوة الظفر ‪ ..‬هذا نموذج وهو من دون اإليمان مخيف ‪ ،‬وكلُّكم‪ 0‬يرى ِّ‬
‫بأم عينه ماذا يجري‬
‫في العالم ‪ ،‬فمن عالمات قيام الساعة َّأنه ٌ‬
‫موت كعقاص الغنم ‪ ،‬ال يدري القاتل َلم ُيقتل ‪ ،‬وال‬
‫فيم قُتل ‪ .‬لم يرتكب جريمة ‪ ،‬يقولون لك ‪ :‬مئات القتلى ومئات الجرحى ‪،‬‬ ‫يدري المقتول َ‬
‫الجثث في الطرقات فوق بعضها البعض ‪ ،‬فلماذا القتل ؟! هذا نموذج فيه عصاب وبالطبع من‬
‫دون إيمان ‪.‬‬
‫قمة رأسه ‪ ،‬أي يصبح زيرا‬
‫المحرمة إلى َّ‬
‫َّ‬ ‫وهناك نموذج شهواني ينغمس في الشهوات‬
‫للنساء‪ ،‬وأشد انحرافاً من الزنا ‪ ..‬خمور على نساء على مخدرات على ‪ ....‬والعياذ باهلل ‪.‬‬
‫وهناك نموذج آخر شيطاني‪ ، 0‬أي إذا أوقع األذى بالناس يشعر بالنشوة ‪ ،‬إيقاع األذى ‪،‬‬
‫التفريق بين األحبَّة ‪ ،‬إثارة المشكالت ‪ ،‬إفساد العالقات ‪،‬ال يوجد مكاسب من ورائها ‪ ،‬هذا‬
‫نموذج شيطاني‪. 0‬‬
‫يحرك ساكناً ‪ ،‬ال أحد يعرفه إذا‬ ‫وهناك نموذج بليد وجوده كغيبته ال يقدم وال ِّ‬
‫يؤخر ‪ ،‬ال ِّ‬
‫وجد وال إذا غاب ‪ ،‬هذا نموذج ‪.‬‬
‫كحي ‪ ،‬والثاني مجرم ‪ ،‬والثالث‬ ‫ّ‬ ‫هذه النماذج األربعة من دون إيمان مخيفة األول ميِّت‬
‫أما اإليمان ـ فيا اهلل ـ يصبح‬ ‫قمة رأسه ‪ ،‬والرابع ٍ‬
‫مؤذ ‪َّ ،‬‬ ‫ينغمس في وحول الشهوات إلى َّ‬
‫اإلنسان كتلة من الخير ‪ ،‬كتلة عطاء ‪ ،‬المؤمن إن صاحبته تنتفع به ‪ ،‬إن ماشيته تنتفع به ‪،‬‬
‫وإ ن أصغيت إليه أو عاملته تنتفع به ‪ ،‬إن جاورته تنتفع به ‪ ،‬سيدنا أبو حنيفة له جار ٍ‬
‫مغن ‪،‬‬
‫وقد أوقع به َّ‬
‫أشد األذى وكان يغني طوال الليل وال ينام ويقول ‪:‬‬
‫وسداد‪ 0‬ثَ ٍ‬
‫غر‬ ‫ٍ‬
‫كريهة وطعان خلس‬ ‫فتى أضاعوا ليوم‬
‫َ‬ ‫وأي ً‬
‫أضاعوني َّ‬
‫ِ‬
‫المحتسب‬ ‫وقع هذا المغني في قبضة الشرطة ‪ ،‬فذهب سيدنا أبو حنيفة النعمان بذاته إلى‬
‫المحتسب وهو مدير‬ ‫فلما عاد معه إلى البيت ـ وقد أكبر ُ‬
‫حق عليه َّ‬ ‫ليشفع له ‪َّ ،‬‬
‫ألنه جار وله ّ‬
‫للشرطة مجيء أبي حنيفة ودخوله عليه فأطلق سراح ك ّل من اعتقل إكراماً له ـ وفي الطريق‬
‫فتى أضاعوا ‪ ..‬هل‬
‫وأي ً‬
‫قال له ‪ :‬يا فتى هل أضعناك ؟! تقول طوال الليالي أضاعوني ّ‬
‫أضعناك يا فتى؟‬
‫هذا هو المؤمن ‪ ،‬بعيداً عن التعريفات الدقيقة للمؤمن ‪ ،‬المؤمن إنسان محبوب كيفما‬
‫تعاملت معه ‪ ،‬تعامل تجاري ‪ ،‬تعامل سكني ‪ ،‬جوار‪ ،‬تعامل في السفر ‪ ،‬أصغيت له ‪،‬‬
‫َ‬
‫يهتم بك‪ ،‬إن أصغيت له تنتفع بعلمه ‪ ،‬إن ماشيته تربح ألنه‬ ‫حدثته ‪ ..‬إن َّ‬
‫حدثته يصغي لك ‪ُّ ،‬‬ ‫َّ‬
‫يْؤ ثِ ُرك على نفسه دائماً هذا هو اإليمان ‪ ،‬فلذلك من دون إيمان هناك نماذج موجودة في‬
‫حي يوجد شخص‬‫المجتمع وهذا شيء معروف‪ ، 0‬وكل عصر وكل مكان وكل زمان وكل ّ‬
‫قمة رأسه ‪ ،‬وبالخمور وبالمخدرات ‪ ،‬وباالنحراف الجنسي ‪ ،‬وهناك‬
‫غارق في الزنا إلى َّ‬
‫األول السيطرة واالستعالء‪ 0‬والقهر وإ خضاع‪ 0‬الناس له هذه شهوته ‪ ،‬وشخص آخر‬
‫شخص هدفه َّ‬
‫هدفه اإليقاع بين الناس أي إيقاع الشقاق والعداوة بين الناس ‪ ،‬ينقل كالماً من جهة لجهة ‪،‬‬
‫دائماً يتشفَّى بإفساد‪ 0‬ذات البين ‪ ،‬وشخص بليد ال ِّ‬
‫يقدم وال ِّ‬
‫يؤخر ‪.‬‬
‫أما عندما تدخل إلى عالم اإليمان فهذه النماذج غير موجودة ‪ ،‬هناك نموذج موحَّد ‪،‬‬
‫َّ‬
‫نام وإ دراكه عميق وشعوره دقيق ونفسه عامرة باإليمان ‪ ،‬وسلوكه منضبط‬ ‫إنسان عقله ٍ‬
‫عز َّ‬
‫وجل ‪ ،‬بنى حياته على العمل الصالح ‪..‬‬ ‫باإلسالم ‪ ،‬أساس حياته العطاء ‪ ،‬والدعوةُ إلى اهلل َّ‬
‫هذا اإليمان‪.‬‬
‫ألغيت الدين كلُّه ‪ ،‬الدين كلُّه‬
‫َ‬ ‫لمجرد أن تُلغي األخالق من الدين‬
‫إخواننا الكرام ‪َّ ...‬‬
‫خلق ‪ ،‬الدين كلُّه فهم وذوق وعطاء وتسامح ‪ ،‬هذا الذي تسمعونه من خالفات دينيَّة في العالم‬
‫وقتل ‪ ..‬هذا ليس من الدين في شيء ‪.‬‬
‫اآلن إلى بعض النصوص التي ِّ‬
‫تؤكد‪ 0‬التربية الخلُقيَّة ‪ ،‬الدرس الماضي َّ‬
‫كنا بالتربية‬
‫اإليمانيَّة اآلن بالتربيَّة الخلقيَّة ‪:‬‬
‫صلَّى اللَّ ُه َعلَ ْي ِه‬ ‫َأن رس َ ِ‬
‫ول اللَّه َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َأِبيه َع ْن َجدِّه َّ َ ُ‬ ‫وسى َع ْن‬‫ُّوب ْب ُن ُم َ‬ ‫" ‪َ .......‬ح َّدثََنا َأي ُ‬
‫س ٍن ‪* " ......‬‬ ‫ِم ْن َ‬
‫َأد ٍب َح َ‬ ‫سلَّ َم َقا َل َما َن َح َل َو ِال ٌد َولَ ًدا ِم ْن َن ْح ٍل َأف َ‬
‫ْض َل‬ ‫َو َ‬
‫(رواه الترمذي)‬

‫الم َربَّى غالي ‪ ..‬الطفل المربى‪ 0‬عنده حياء ‪ ،‬كلماته كلُّها مضبوطة ‪،‬‬
‫العوام يقولون ‪ُ :‬‬
‫ٍ‬
‫بكالم‬ ‫اإلنسان لو مشي في أحد األزقَّة وسمع كالم األطفال غير المهذبين ‪ ..‬واهلل يتكلمون‬
‫يخجل منه‪ ،‬الحجر يخجل وليس األشخاص ‪ ،‬إذا مرت بالطريق امرأة مثال أو معها‬
‫الحائطُ َ‬
‫بناتها ‪ ،‬أو شاب َّ‬
‫مهذب يسمعون كالماً اإلنسان يستحي أن َّ‬
‫يتذكره ‪ ،‬لذلك أعظم عطاء تعطيه‬
‫محصلة جهود جبَّارة بذلها أبوه في‬
‫ِّ‬ ‫ولكنه‬ ‫البنك األدب الحسن ‪ ،‬الطفل األديب ال َّ‬
‫يقدر بثمن ‪َّ ،‬‬
‫محصلة اهتمام وعناية ‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫مستمرة ‪،‬‬
‫َّ‬ ‫تربيَّته ‪ ،‬محصلة مالحظة ومتابعة ومحاسبة‬
‫أدب حسن " ‪ ،‬نحل بمعنى أعطى‪ ،‬إذاً أعظم‬ ‫والد ولداً من ٍ‬
‫نحل أفضل من ٍ‬ ‫" ما َن َح َل ٌ‬
‫النبي إلى سدرة المنتهى ؟‬
‫ُّ‬ ‫عطاء تعطيه إلى ابنك أن تؤدبه األدب الحسن ‪ .. ،‬لماذا ارتقى‬
‫قمة البشر ؟ ‪ ،‬قالت له ‪ :‬ما هذا األدب !! قال ‪َّ :‬‬
‫أدبني ربِّي فأحسن تأديبي ‪.‬‬ ‫ولماذا كان َّ‬
‫َّ‬
‫الجب أيهما أخطر ؟‬ ‫كلكم تعرفون ذلك عن سيدنا يوسف عندما دخل السجن وُألقي في‬
‫فلما خرج من السجن وأصبح عزيز‬ ‫ب فيه موت‪َّ ،‬‬‫الج ُّ‬
‫أما ُ‬
‫الجب طبعاً ‪ ،‬فالسجن فيه طعام ‪َّ ،‬‬
‫مصر واستقبل إخوته الذين تآمروا عليه وألقوه في غيابت الجب وذكر فض َل اهلل عليه ماذا قال‬
‫؟ قال‪:‬‬

‫( سورة يوسف )‬
‫يذكر إخوته بجريمتهم ‪ ،‬وقد أحسن بي إذ أخرجني‪ 0‬من‬ ‫لماذا لم يذكر الجب ‪ ،‬قيل ‪ :‬لئال ِّ‬

‫يعز الخطيئة إليهم ‪ ..‬قال ‪ِ " :‬م ْن َب ْع ِد ْ‬


‫َأن‬ ‫واألغرب من ذلك لم ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫الجب أبداً ‪،‬‬ ‫السجن ‪ ،‬لم يذكر‬
‫ولكن الشيطان دخل بيننا ‪ ،‬واألمر‬ ‫َّ‬ ‫ان َب ْي ِني َو َب ْي َن ِإ ْخ َو ِتي "‪ ..‬أي أننا لم نفعل شيئاً‬
‫ط ُ‬ ‫غ َّ‬
‫الش ْي َ‬ ‫َنَز َ‬
‫ان َب ْي ِني َو َب ْي َن ِإ ْخ َو ِتي " ما هذا‬
‫ط ُ‬ ‫غ َّ‬
‫الش ْي َ‬ ‫ليس كذلك ‪ ..‬فهم ائتمروا عليه ‪ِ " ،‬م ْن َب ْع ِد ْ‬
‫َأن َن َز َ‬
‫النبي الكريم مرة قال له وأعتقد ‪ -‬أبو سفيان القائل ‪ -‬يا ابن أخي ما أعقلك ‪ ،‬ما‬ ‫األدب !! ِّ‬
‫أكرمك ‪ ،‬ما أحكمك ‪ ،‬ما أوصلك ‪.‬‬
‫ما هذا الكرم وما هذا األدب وما هذا الوفاء وما هذا البر !! ‪ ..‬قال له ‪ :‬ما أعقلك وما‬
‫أرحمك وما أحكمك وما أوصلك ‪.‬‬
‫ينطق عن الهوى إن هو إال‬ ‫ُ‬ ‫والنبي عليه الصالة والسالم ال‬
‫ُّ‬ ‫مازلنا مع كالم رسول اهلل‬
‫وحي يوحى ‪.‬‬
‫ٌ‬
‫فيهن رجل وفيما‪ 0‬سوى‪ 0‬ذلك فأنا‬ ‫َّ‬
‫تنسوا قول سيدنا سعد بن أبي وقاص ‪ " :‬ثالثةٌ أنا َّ‬‫وال َ‬
‫سمعت حديثاً من رسول اهلل صلَّى اهلل عليه وسلَّم إال علمت‬‫ُ‬ ‫واحد من الناس ‪ ،‬واحدة منها ‪ :‬ما‬
‫ٌ‬
‫حق من اهلل تعالى " ‪.‬‬ ‫َّأنه ٌ‬
‫ول ِ‬
‫اهلل صلى‬ ‫س ِ‬ ‫س ْب َن َم ِال ٍك ُي َحد ُ‬ ‫س ِم ْع ُ‬ ‫ث ْب ُن ا ْل ُّن ْع َم ِ‬ ‫‪َ.....‬أخ َب َر ِني ا ْل َح ِ‬
‫ِّث َع ْن َر ُ‬ ‫ت َأَن َ‬ ‫ان ‪َ .‬‬ ‫ار ُ‬ ‫ْ‬ ‫"‬
‫اهلل عليه وسلم‬
‫َأح ِس ُنوا َ‬
‫َأد َب ُه ْم)‪.‬‬ ‫قَا َل (َأ ْك ِر ُموا َْأوالَ َد ُك ْم‪َ ،‬و ْ‬
‫( مسند ابن ماجة ‪ :‬عن الحارث بن النعمان )‬

‫ووجهه إليها ‪ ..‬هكذا خطأ ‪ ،‬هذه حرام ‪ ،‬وهذه يتكلَّم الناس‬


‫ْ‬ ‫حاسبه عليها‬
‫ْ‬ ‫كل كلمة‬
‫البد لها من طول نفس ‪ ،‬فالرجل الذي نفسه قصير‪ 0‬مشكلته كبيرة ألنه يربِّي‬ ‫عليك ‪ .‬التربية َّ‬
‫بالضرب ‪ ،‬قال عليه الصالة والسالم ‪:‬‬
‫خير من المعنِ َ‬
‫ف"‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫" علِّموا وال تُ ِّ‬
‫عنفوا َّ‬
‫فإن المعل ُم ٌ‬
‫( الجامع الصغير ‪ :‬عن " أبي هريرة " )‬

‫ِّ‬
‫المعنف ‪ ،‬هذا‬ ‫أروع‪ 0‬بكثير من التي يجنيها‬ ‫ِّ‬
‫النتائج اإليجابيَّة الطيِّبة التي يجنيها المعلم َ‬
‫ِّ‬
‫والمعنف ال‬ ‫ليس معلِّماً بل ِّ‬
‫معنفاً ‪،‬‬ ‫كل أمر من أمور التربية ‪ ،‬هذا َ‬ ‫الذي يستخدم الضرب في ِّ‬
‫ٍ‬
‫شيء‬ ‫شيء إال زانه ‪ ،‬وال ينزع من‬ ‫ٍ‬ ‫النبي عليه الصالة والسالم‪ ، 0‬ألنه ال يكون الرفق في‬
‫يحبُّه ّ‬
‫إال شانه‪.‬‬
‫رضي‬
‫َ‪0‬‬ ‫علي‬
‫الرزاق وسعيد‪ 0‬بن منصور وغيرهما من حديث ٍّ‬ ‫عبد َّ‬
‫حديث ثالث ‪ ..‬وأخرج ُّ‬

‫الخي َر وأدِّبوهم " ‪ّ ،‬‬


‫الخي َر هو ‪ :‬اإليمان والطاعة هلل ‪ ،‬ففي‬ ‫أوالدكم‪ W‬وأهليكم ّ‬
‫َ‬ ‫اهلل عنه ‪ " :‬علِّموا‬
‫هذا الحديث إشارة إلى التربية اإليمانيَّة والتربية الخلُقيَّة في ٍ‬
‫آن واحد ‪.‬‬
‫رسول اهلل صلَّى اهلل عليه وسلَّم َّأنه‬
‫ِ‬ ‫رضي اهلل عنهما عن‬ ‫عب ٍ‬
‫اس‬ ‫البيهقي عن ابن ّ‬
‫ّ‬ ‫وأخرج‬
‫َ‬
‫َ‬
‫قال‪:‬‬
‫اسمه " ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حق الولَد على الوالد أن ُيحس َن أدبه وأن ُيحس َن َ‬
‫" من ِّ‬
‫ما أسماك أبوك ؟ قال له ‪ :‬زعيتر ‪ .‬ما هذا االسم ؟! توجد أسماء لطيفةٌ جداً ‪ ،‬أسماء‬
‫دينيَّة وأسماء أخالقيَّة ‪ ،‬مثل ‪ :‬كامل ‪ ،‬سعيد‪ ،‬حسام اسم فيه شجاعة ‪ ،‬فعلى األب أن يعتني‬
‫بأسماء أوالده َّ‬
‫ألن هذا االسم سيكون متداوالً ‪ ..‬أعرف صديقاً لي اسمه ‪ :‬عدوان ‪ ،‬وآخر‬
‫اسمه‪ :‬حرب ‪.‬‬
‫ان َيقُو ُل ُك ُّل ُغ ٍ‬
‫سلَّ َم َك َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الم‬ ‫صلَّى اللَّ ُه َعلَ ْيه َو َ‬
‫َأن َن ِب َّي اللَّه َ‬ ‫س ِن َع ْن َ‬
‫س ُم َرةَ َّ‬ ‫‪....‬ع ِن ا ْل َح َ‬
‫َ‬ ‫"‬
‫مرتَه ٌن ِبع ِقيقَ ِت ِه تُذْبح ع ْن ُه يوم ِ ِ‬
‫س َّمى " *‬ ‫سا ِبعه َو ُي َماطُ َع ْن ُه األ َذى َو ُي َ‬
‫َ ُ َ َْ َ َ‬ ‫ُْ َ َ‬
‫( مسند أحمد )‬

‫النبي صلّى اهلل عليه وسلَّم َّأنه قال ‪:‬‬ ‫ٍ‬


‫وروى‪ 0‬ابن حبَّان عن أنس رضي اهلل عنه عن ّ‬
‫ِ‬
‫ويماط‪ 0‬عنه األذى ‪ ،‬فإذا بلغ َّ‬
‫ست‬ ‫سمى‪ُ ، 0‬‬ ‫وي َّ‬ ‫الغالم ُي َع ُّ‬
‫ق ـ أي تذبح له العقيقة ـ في اليوم السابع‪ُ ،‬‬ ‫ُ‬
‫ب على‬ ‫ض ِر َ‬
‫ثالث ع َش َرة سنة ُ‬ ‫َ‬ ‫تسع سنين ُعزل عن ِفراشه ‪ ،‬فإذا بلغ‬ ‫سنين ُِّأدب ‪ ،‬وإ ذا بلغ َ‬
‫ك وعلَّمتُك‬ ‫ثم َأخ َذ بيده وقال ‪ :‬قد ََّأدبتُ َ‬
‫زوجه أبوه ‪َّ ،‬‬
‫ست عشرة َّ‬ ‫الصالة والصوم ‪ ،‬فإذا بلَ َغ َّ‬
‫ك في الدنيا وعذابك في اآلخرة"‬‫وأنكحتُك أعوذ باهلل من فتنتِ َ‪0‬‬
‫يؤدب أي أن الطفل إذا دخ َل التعليم االبتدائي يحاسب‬‫النبي في السنة السادسة َّ‬‫هذا توجيه ِّ‬
‫على كل كلمة ‪ ،‬وعلى كل هفوة ‪ ،‬وعلى كل نظرة‪ ،‬يحاسب على شيء ليس ِملكه في حوزته ‪،‬‬
‫أما الزوج اآلن يتكلَّف مليونين من الليرات على األقل ‪ ،‬وأتمنى من‬ ‫ِّ‬
‫يحاسب عن كل انحراف ‪ّ ،‬‬
‫يزوجوا أبناءهم وبناتهم ‪ ،‬وقد ِألف‬ ‫عز َّ‬
‫وجل شيئاً من الدنيا أن ِّ‬ ‫إخواننا الذين أعطاهم اهلل َّ‬
‫تتزوج حتى يأتي لها خاطب يخطبها ‪ ،‬وأنت إن كنت‬ ‫أما البنت ال َّ‬‫إخواننا أن االبن يزوجوه ‪ّ ،‬‬
‫نت لها بيتاً يأتي لها ألف خاطب ‪ ،‬فانت ِ‬
‫ق منهم المتديِّن ‪ ،‬فلماذا العناية فقط‬ ‫أم َ‬
‫ميسور الحال إن َّ‬
‫أجر كبير ‪ ،‬اآلن الوضع صعب للغاية ‪ ،‬فإن‬ ‫ك ٌ‬ ‫باألوالد الذكور ؟! هيِّئ البنتك أيضاً بيتاً فلَ َ‬
‫هيَّأت بيتاً متواضعاً وال أقول لك بيتاً فخماً ‪ ،‬ولو قلت‪ :‬أريد شاباً مؤمناً‪ 0‬سيأتي لك مائة ‪..‬‬
‫فالبيت مشكلة وحجر عثرة أمام الزواج ‪ ،‬واهلل تعالى قال‪:‬‬

‫(سورة النور)‬
‫" أنكحوا‪ W‬األيامى منكم " هذا أمر ‪ ،‬وال أتصور‪ 0‬اآلن عمال في زمن الفساد والفتن‬
‫واالنحراف‪ ،‬في زمن كل شيء فيه يدعو إلى الشهوة‪ ،‬الطرقات وكل شيء وفهمكم كفاية ‪..‬‬
‫يدعو ويثير الفتنة ‪ ،‬فال أعظم من تزويج الشباب المؤمنين من الفتيات المؤمنات في هذا‬
‫الزمان ‪ ،‬لذلك تسهيل الزواج ‪ ،‬تيسير البيوت والحاجات األساسيَّة ‪ ،‬فكل هذا من األعمال‬
‫الصالحة فقد قال اهلل َّ‬
‫عز وج ّل ‪:‬‬

‫(سورة المائدة)‬

‫يس َر‬
‫أفضل شفاعة أن تشفع بين اثنين في نكاح ‪ ،‬هذه أفضل شفاعة‪ ،‬فإن كان األب قد ّ‬
‫اهلل تعالى له أموره ‪ ،‬فليهيِّئ بيتاً ولو صغيراً البنته‪ ،‬ولو كان البيت في ظاهر دمشق أو‬
‫دخلُه أربعة آالف أو خمسة آالف ‪ ،‬ومع هذا البيت تسير األمور ‪ ،‬فإن‬‫ريفها ‪ ،‬فستجد شاباً ْ‬
‫لعل اهلل‬ ‫وتأمن طعامه فاهلل يتولَّى الباقي ‪ ،‬وهذه َّ‬
‫تسمى إقالع ‪َّ ..‬‬ ‫سكن في بيت وكان له مأوى َّ‬
‫ويغير‪ 0‬البيت ويأتي إلى دمشق ‪ ..‬ولعله بعد حين ِ‬
‫يحقق للبنت ما تتمنى من‬ ‫يغنيه ولو بعد حين ِّ‬
‫ٍ‬
‫بغرفة أو غرفتين خارج دمشق‪ ، 0‬مع أساس‬ ‫المباحات ‪ ،‬ولكن عليك أنت أوالً أن تجعله يقنع ‪،‬‬
‫وفساد في األرض‪.‬‬
‫ٌ‪0‬‬ ‫متواضع‪ ،‬وشاب مؤمن مستقيم ‪ ..‬إن لم نفعل تكن فتنةٌ‬
‫اسأل المعنيين بشأن األخالق اآلن ‪ ،‬حاالت السفاح أصبحت ال تحصى ‪ ،‬إن لم يكن‬
‫نكاح فالبدي ُل هو السفاح ‪ ..‬إذا لم توجد بيوت فيها أزواج تصبح البيوت فيها دعارة ‪ ،‬هذه‬
‫ٌ‬
‫أن الَّذي دعانا رجل‬ ‫ٍ‬
‫لموقف مفاده َّ‬ ‫مسؤوليَّة المجتمع المسلم ‪ ..‬قد حضرت عقد قران فتأثرت‬
‫هديةً أبداً ‪ ،‬فليس هذا معقوالً ‪ ،‬وقد فوجئنا في العقد َّ‬
‫أن ثمن الهدايا التي يجب‬ ‫مليء ولم ِّ‬
‫يقدم َّ‬
‫تزوج الشباب ‪ ،‬كفانا‬ ‫ٍ‬
‫موثوقة كي ِّ‬ ‫تصرف‪ٍ 0‬‬
‫جهة‬ ‫يقدمها تبلغ سبعمائة ألف ‪ ،‬وقد وضعها‪ 0‬في ُّ‬ ‫أن ِّ‬
‫شابين ‪ ،‬هذا شيء جميل ‪ ،‬يجب أن نفعله ‪.‬‬‫وزوج بثمنها شاباً أو ّ‬ ‫هدايا قد مللنا منها ِّ‬
‫أخ آخر كذلك أعجبني موقفه ‪ ،‬أقام عقد ِقران فذكر لي أخ من إخواننا وقال‪ 0‬لي ‪ :‬واهلل‬
‫في اليوم الثاني كامل النفقات ُد ِف َع مثلها لتزويج الشباب ‪ ،‬ولدينا مثال عامي ( كبَّرها بتكبر ‪،‬‬
‫صغرها بتصغر‪ ، ) 0‬فإن كبَّرها يدفع ثالث ماليين ‪ ،‬وإ ن َّ‬
‫صغرها‪ 0‬ال يحتاج إال لمائتي ألف فقط‬ ‫َّ‬
‫والنبي عليه‬
‫ّ‬ ‫تدبِّر بيتاً بمائة وخمسين ألفاً خارج العاصمة ‪ ،‬واألساس متواضع‪،‬‬ ‫‪ ،‬يمكنك أن َ‬
‫تصدقوا‪ ، 0‬وهو‬ ‫ُّ‬
‫الحق كيف كان بيته ؟ لو وصفته لكم ال ِّ‬ ‫الصالة والسالم‪ 0‬سيِّد الخلق وحبيب‬
‫ق فهو القائل ‪ :‬ما لي‬ ‫النبي ال َّ‬
‫يصد ُ‪0‬‬ ‫ُّ‬ ‫ُّ‬
‫الحق ‪ ..‬غرفةٌ صغيرةٌ ‪ ،‬فوصف‪ 0‬بيت‬ ‫ِّد الخلق وحبيب‬
‫سي ُ‬
‫والدنيا ‪ .‬األصل أن تكون مؤمناً‪. 0‬‬
‫ٍ‬
‫مؤمن‬ ‫شاب‬ ‫ٍ‬
‫لشابة ‪ٍ ،‬‬ ‫بأن أفض َل عمل اآلن هو أن تسهم في تزويج ٍ‬
‫شاب‬ ‫ِّ‬
‫ُألخص كالمي َّ‬
‫تقر‬
‫ألنه ال يوجد أب عنده بنات في بيته إال ويكون قلقاً ‪ ،‬وال ُّ‬ ‫ٍ‬
‫مؤمنة ‪ ،‬هذا عمل عظيم ‪َّ ،‬‬ ‫لشاب ٍ‬
‫َّة‬
‫شاب في َريعان الشباب وهو يغلي وال يملك بيتاً وال عمالً‬ ‫َّ‬
‫بتزويجهن ‪ ،‬وال أب عنده ٌ‬ ‫عينهُ إال‬
‫ِ‬
‫للناس األعمال ‪ ،‬فمن كان عنده عمل متواضع‬ ‫إال ويكون قلقاً ‪ ،‬لذلك فأعظم عمل أن تيس َِّر‬
‫الربا حرمةً‬
‫حرم اهلل تعالى ِّ‬ ‫يديره ويعمل تحت يديه عشرة شباب ‪ ،‬فهذا ِّ‬
‫يشغل الناس ‪ ،‬فلماذا َّ‬
‫شديدة ؟‬
‫َّ‬
‫ألنك لو فتحت محالً صغيراً تجد ألف شخص يخدمك ‪ ،‬لو استعرضنا‪ 0‬حاجة محل‬
‫لعمال ‪،‬‬
‫تجاري صغير‪ 0‬تجد حاجته ألشياء كثيرة مثالً ‪ :‬الفواتير تحتاج لمطبعة ‪ ،‬وهي تحتاج َّ‬
‫وحبر ‪ ،‬وآالت ‪ ،‬ونقل هذه الحاجات للمحالت تحتاج لشاحنة ‪ ،‬وعلى الشاحنة يعمل سائق ‪،‬‬
‫أمن لك أكياس ‪ ،‬وتحتاج كذلك إلى بطاقات ‪ ،‬وإ لى محاسب‬
‫وتحتاج إلى أكياس ‪ ،‬فيوجد‪ 0‬إنسان َّ‬
‫‪ ،‬وإ لى صانع وإ لى موظَّف ‪ ،‬وتحتاج كذلك إلى مستودع‪.‬‬
‫محل صغير‪ِّ 0‬‬
‫يشغل ألف شخص وهو ال يشعر ‪ ،‬وأخطر‪ 0‬شيء في المجتمع البطالة ‪،‬‬
‫الغربي يقولون لك‪ :‬سبعة ماليين عامل بال عمل ‪ ،‬ثمانية‬ ‫البطالة هذه التي َّ‬
‫يئن منها المجتمع‬
‫ّ‬
‫ماليين ‪ ،‬واإلنسان إذا فرغ‪ 0‬من العمل التفت إلى االنحطاط أو الجريمة ‪ ،‬فدائماً‪ِّ 0‬‬
‫مؤشرات‬
‫الجريمة في المجتمع تترافق‪ 0‬مع البطالة ‪ ،‬الجريمة العدوانيَّة والشهوانيَّة ‪ ،‬هذه الجرائم تتأثَّر‬
‫بالبطالة ‪.‬‬
‫عنصراً نافعاً ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫تزوج فانتهت أموره ومشاكله وأصبح‬
‫ثم َّ‬
‫أمن عمالً َّ‬
‫أحياناً تجد شاباً َّ‬
‫هموم اآلخرين ‪.‬‬ ‫وإ نساناً في خدمة اآلخرين ‪ ،‬لم يعد عبئاً على اآلخرين ‪ ،‬أصبح ِ‬
‫يحم ُل‬
‫َ‬
‫تربية األوالد الخلُقيَّة أربع صفات ‪ :‬ظاهرة الكذب ‪،‬‬
‫إخواننا الكرام ‪ ...‬أخطر نقاط في ّ‬
‫السرقة ‪ ،‬وظاهرة السباب والشتائم ‪ ،‬وظاهرة الميوعة واالنحالل ‪ .‬فهذه هي‬ ‫وظاهرة ِ‬
‫ِ‬
‫وبالصغار ‪.‬‬ ‫األمراض األربعة الفتَّاكة بالشباب‬
‫نبدأ أوالً بظاهرة الكذب وبحديث رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلَّم ‪:‬‬
‫ال َأربع م ْن ُك َّن ِف ِ‬ ‫صلَّى اللَّ ُه َعلَ ْي ِه َو َ َّ‬ ‫َأن َّ‬
‫يه‬ ‫سل َم قَ َ ْ َ ٌ َ‬ ‫الن ِب َّي َ‬ ‫" ‪َ ......‬ع ْن عبد اهلل ْب ِن َع ْم ٍرو َّ‬
‫ق َحتَّى َي َد َع َها ِإ َذا‬ ‫صلَ ٌة ِم َن ِّ‬
‫النفَا ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫صلَ ٌة م ْن ُه َّن َكا َن ْت فيه َخ ْ‬
‫ِ ِ‬
‫صا َو َم ْن َكا َن ْت فيه َخ ْ‬
‫ِ‬ ‫َك َ ِ‬
‫ان ُم َنافقًا َخال ً‬
‫اص َم فَ َج َر‪* "....‬‬ ‫اه َد َغ َد َر َوِإ َذا َخ َ‬
‫َّث َك َذ َب َوِإ َذا َع َ‬
‫ان َوِإ َذا َحد َ‬
‫أؤتمن َخ َ‬
‫(رواه البخاري‪ W‬ومسلم)‬

‫َّث ك َذب ‪ ..‬لي قريب ربَّى ابنه على الصدق بجهود جبَّارة‬
‫يعنينا من هذا الحديث ‪ :‬إذا حد َ‬
‫‪ ،‬ويسكن في بلد غير بلد والدته ‪ ،‬فلما جاء ليزور‪ 0‬والدته ومعه أوالده ‪ ،‬فال ِجدة قالت للصغير ‪:‬‬
‫تحرك‬
‫اسكت مساء سنخرج سوياً ‪ ،‬فسكت ‪ ..‬وفي‪ 0‬المساء انتظر وقد لبس ثيابه فلم يجد أي ُّ‬
‫أن من أخطر المضاعفات الناشئة في نفس‬ ‫الجدة فقال لها ‪ِ :‬‬
‫أنت كاذبة ‪ .‬واهلل أنا أرى َّ‬ ‫من َّ‬
‫ألنك إذا أخلفت وعدك‬ ‫فالبد من أن تنجز وعدك ‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬ ‫وعدته‬
‫وعدته وأخلفت ‪ ،‬إذا ْ‬ ‫الطفل إذا ْ‬
‫كذاب‬ ‫عملياً ‪ ..‬درس عملي في الكذب ال ينسى قد لقّنته له ‪ ،‬بالطبع لن يقول لك َّ‬ ‫علَّمته الكذب ّ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ولكن المهم الحقيقة ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫بل سيسكت ‪ ،‬عرفك ّأنك كاذب ‪ ،‬فال يهم الكالم‬
‫سلَّ َم ثَالثَ ٌة ال ُي َكلِّ ُم ُه ُم اللَّ ُه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صلَّى اللَّ ُه َعلَ ْيه َو َ‬
‫سو ُل اللَّه َ‬
‫" ‪َ .....‬ع ِن َأِبي ُهَر ْي َرةَ قَا َل ‪ :‬قَا َل َر ُ‬
‫ستَ ْك ِبٌر‬ ‫ِئ‬ ‫ش ْي ٌخ َز ٍ ِ َّ‬ ‫يوم ا ْل ِقيام ِة وال ي ْنظُر ِإلَ ْي ِهم وال يَز ِّكي ِهم ولَهم ع َذ ِ‬
‫اب َو َعا ٌل ُم ْ‬ ‫ان َو َمل ٌك َكذ ٌ‬ ‫يم َ‬‫اب َأل ٌ‬
‫ْ َ ُْ َ ٌ‬ ‫ْ َ ُ‬ ‫َْ َ َ َ َ َ ُ‬
‫"‬
‫( صحيح مسلم )‬

‫عذاب أليم ‪.‬‬


‫ٌ‬ ‫الكذاب ال ينظُر اهلل إليه وال يكلِّمه وله‬ ‫َّ‬
‫‪ ‬‬
‫سلَّ َم َعلَ ْي ُك ْم ِب ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫" ‪َ .....‬ع ْن َع ْب ِد اللَّ ِه قَ َ‬
‫ق فَِإ َّن‬‫الص ْد ِ‬ ‫صلَّى اللَّ ُه َعلَ ْيه َو َ‬
‫سو ُل اللَّه َ‬ ‫ال ‪ :‬قَا َل َر ُ‬
‫ق‬
‫الص ْد َ‬
‫ق َو َيتَ َح َّرى ِّ‬ ‫ص ُد ُ‬ ‫ق َي ْه ِدي ِإلَى ا ْل ِبِّر َوِإ َّن ا ْل ِبَّر َي ْه ِدي ِإلَى ا ْل َج َّن ِة َو َما َيَزا ُل َّ‬
‫الر ُج ُل َي ْ‬ ‫الص ْد َ‬
‫ِّ‬
‫ور َي ْه ِدي‬ ‫صدِّيقًا َوِإيَّا ُك ْم َوا ْل َك ِذ َب فَِإ َّن ا ْل َك ِذ َب َي ْه ِدي ِإلَى ا ْلفُ ُج ِ‬
‫ور َوِإ َّن ا ْلفُ ُج َ‬
‫حتَّى ي ْكتَب ِع ْن َد اللَّ ِه ِ‬
‫َ ُ َ‬
‫ب َو َيتَ َح َّرى ا ْل َك ِذ َب َحتَّى ُي ْكتَ َب ِع ْن َد اللَّ ِه َك َّذ ًابا ‪* " ....‬‬ ‫ِ‬
‫الر ُج ُل َي ْكذ ُ‬
‫ار َو َما َي َزا ُل َّ‬ ‫ِإلَى َّ‬
‫الن ِ‬
‫(رواه الشيخان)‬

‫أن هذا اإلنسان إن رأينا حالة صحيفته نجد مكتوباً‪ 0‬فيها ‪ :‬ك ّذاب ‪ ،‬له صحيفة‬
‫أي ّ‬
‫عز َّ‬
‫وجل مكتوب فيها ك ّذاب ‪.‬‬ ‫( إضبارة) عند اهلل َّ‬
‫أيُّها اإلخوة الكرام ‪ ...‬الكذب خيانة ‪ ،‬يقو ُل عليه الصالة والسالم‪: 0‬‬
‫" َك ُبرت خيان ًة أن تُحدِّث أخاك بحديث هو لك به مصدِّق وأنت له به كاذب " ‪.‬‬
‫( الجامع الصغير ‪ :‬عن سفيان بن أسيد )‬

‫الكاذب يشعر ََّأنهُ يخون ‪ ،‬قال لك ‪ :‬انصحني ‪ .‬وعندك قطعة قماش فاسدة لونها سيئ‬
‫َّ‬
‫مصدق‪ 0‬ألنه طلب منك أن تنصحه‬ ‫فقلت له ‪ :‬هذه أحسن شيء ‪ .‬والمشتري‪َّ 0‬‬
‫صدقك‪ ،‬هو لك‬
‫الصدق أمانة والكذب خيانة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫سمى الكذب خيانة وقال ‪:‬‬ ‫فالنبي َّ‬‫ّ‬ ‫وأنت له به كاذب ‪ ،‬فقد ُخنتَه ‪..‬‬
‫اآلن عليه الصالة والسالم من وسائله في تربيَّة األطفال على الصدق ‪:‬‬
‫صلَّى اللَّ ُه َعلَ ْي ِه‬ ‫ِ‬
‫سو ُل اللَّه َ‬ ‫ام ٍر ََّأن ُه قَا َل َد َعتْ ِني ِّ‬
‫ُأمي َي ْو ًما َوَر ُ‬
‫" ‪ .....‬ع ْن ع ْب ِد اللَّ ِه ْب ِن ع ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫سلَّ َم َو َما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُأع ِط َ‬ ‫اع ٌد ِفي َب ْي ِت َنا فَقَالَ ْت َها تَ َعا َل ْ‬‫وسلَّم قَ ِ‬
‫صلَّى اللَّ ُه َعلَ ْيه َو َ‬ ‫سو ُل اللَّه َ‬ ‫يك فَقَا َل لَ َها َر ُ‬ ‫َ ََ‬
‫َأما ِإ َّن ِك لَ ْو لَ ْم‬ ‫صلَّى اللَّ ُه َعلَ ْي ِه َو َ َّ‬
‫سل َم َ‬
‫ِ‬
‫سو ُل اللَّه َ‬ ‫ال لَ َها َر ُ‬
‫يه تَ ْم ًرا فَقَ َ‬‫ُأع ِط ِ‬
‫يه قَالَ ْت ْ‬ ‫َأن تُع ِط ِ‬ ‫ِ‬
‫ََأر ْدت ْ ْ‬
‫ش ْيًئا ُك ِت َب ْت َعلَ ْي ِك ِكذ َْب ٌة " *‬
‫تُ ْع ِط ِه َ‬
‫( سنن أبي داود )‬

‫البصرة ليتلقَّى‬
‫ّ‬ ‫المنورة إلى‬
‫جاء من المدينة َّ‬
‫رضي اهلل عن علماء الحديث هذا الذي َ‬ ‫لذلك‬
‫َ‬
‫حديثاً عن أحد الرواة ‪ ،‬هذا الراوي ك َذب على فرسه ال على ٍ‬
‫طفل صغير‪ ، 0‬فقد رفع ثوبه‬ ‫ّ‬
‫تو ِه ‪..‬‬ ‫أن به شعيراً‪ 0‬كي تُقبِ َل عليه ‪َّ ،‬‬
‫فتقدم فإذا بالثوب ال شعير فيه ‪ ،‬فرجع من ِّ‬ ‫موهماً فرسه َّ‬
‫وحي المهاجرين ‪ ،‬جاء من المدينة المنورة إلى البصرة ليتلقى حديثاً‬
‫ّ‬ ‫ليس ما بين ساحة المرجة‬
‫فلما رآه يكذب على فرسه اتهمه بالكذب ولم يسأله‬‫عن أحد الرواة‪ ،‬لم يكن الطيران موجوداً ‪َّ ،‬‬
‫ُأعطك ‪.‬‬
‫َ‬ ‫لما رأى هذه المرأة تقول لغالمها الصغير ‪ :‬تعال‬ ‫فالنبي عليه الصالة والسالم ّ‬
‫ّ‬ ‫شيئاً ‪،‬‬
‫أرد ِت أن تعطيه ؟ قالت ‪ُ :‬أعطيه تمراً ‪ .‬فقال عليه الصالة والسالم ‪ :‬أما َّإنك لو لم‬
‫قال ‪ :‬ماذا ّ‬
‫تعطه شيئاً ُكتبت ِ‬
‫عليك كذبة ‪.‬‬
‫قصةٌ بعضكم يعرفها ‪َّ ..‬‬
‫أن العالم الربَّاني‪ 0‬الشيخ عبد القادر الجيالني رحمه اهلل يروي‬
‫ُّ‬
‫نشأت على الصدق ‪ ،‬وذلك َّأني‬ ‫حين ما‬
‫بنيت أمري من ُ‬ ‫الصدق قال ‪ُ :‬‬ ‫قصةً طريفةً عن ِّ‬
‫َّ‬
‫أستعين بها على النفقة ‪،‬‬ ‫ُأمي َأربعين ديناراً‬ ‫خرجت من َّ‬
‫ُ‬ ‫العلم ‪ ،‬أعطتني‪ّ 0‬‬
‫ب ُ‬ ‫مكةَ إلى بغداد أطلُ ُ‬
‫خرج علينا جماعةٌ من اللصوص ‪-‬‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫أرض همدان‬ ‫فلما وصلنا إلى‬ ‫وعاهدتني على الصدق ‪ّ ،‬‬
‫قلت ‪ :‬أربعون ديناراً ‪.‬‬‫واحد منهم وقال لي ‪ :‬ما معك ؟ ُ‬
‫ٌ‬ ‫فمر‬ ‫قطّاع الطريق‪ ، -‬فَأخذوا‪ِ 0‬‬
‫القافلة َّ‬
‫َأربعون ديناراً ‪.‬‬ ‫فقلت له‬
‫رج ٌل آخر قال ‪ :‬ما معك ؟ ُ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫َ‬ ‫فتركني ‪ ،‬فرآني ُ‬
‫فظن أني َأهزُأ به َ‬
‫ك‬
‫قال ‪ :‬يا غالم ما حملَ َ‬‫فصاح ‪ ..‬فسألني‪ 0‬فَأخبرته ‪َ .‬‬
‫َ‬ ‫فَأخذني إلى كبيرهم ـ كبير اللصوص ـ‬
‫الخشيةَ رئيس‬
‫َ‬ ‫فَأخاف أن أخون عهدها ‪ ،‬فأخذت‬
‫ُ‬ ‫ُأمي على الصدق‬ ‫ت ّ‬‫عاهد ُ‬
‫ّ‬ ‫لت‬
‫على الصدق ؟ ُق ُ‬
‫َأخون‬
‫َ‬ ‫َأخاف أن‬
‫َ‬ ‫ُأمك وأنا ال‬
‫عهد ِّ‬
‫تخون َ‬
‫َ‬ ‫تخاف أن‬
‫ُ‬ ‫اللصوص ‪ ،‬فصاح َّ‬
‫ومزق‪ 0‬ثيابه وقال‪ :‬أنت‬
‫ك يا ُغالم ‪ .‬هذا‬‫تائب هلل على ِيد َ‬ ‫ِ‬
‫القافلة كلِّها وقال ‪ :‬أنا ٌ‬ ‫أمر ِّ‬
‫برد ما أخذوه من‬ ‫ثم َ‬
‫عهد اهلل ‪َّ ،‬‬
‫فقال من مع كبير اللصوص ‪:‬‬ ‫العارف باهلل الجليل عبد القادر الجيالني ‪َ ،‬‬
‫َ‬ ‫الشيخ‬
‫َ‬ ‫الغالم أصبح‬
‫كبيرنا في التَ ْوَبة ‪ ،‬فتابوا‪ 0‬جميعاً على يدي رئيسهم‪0‬‬
‫وأنت اليوم ُ‬
‫َ‬ ‫قطع الطريق‪0‬‬
‫كبيرنا في ِ‬
‫أنت ُ‬‫َ‬
‫قاطع الطريق‪.‬‬
‫أحياناً بموقف‪ 0‬أخالقي ال يعلم إال اهلل ما نتائجه ‪ ..‬عصابة من اللصوص وقطّاع طريق‬
‫أما اآلن فقد اختلف الوضع ‪،‬‬
‫ب من طفل صادق الحديث ‪ّ ،‬‬ ‫تعج ُ‬
‫تسلُب أموال المسافرين ‪َ ،‬‬
‫فتابوا جميعاً ببركة الصدق ‪ ،‬مما ينفع في هذه المناسبة َّأنه إذا الحظ األب َّ‬
‫أن ابنه يكذب يجب‬
‫الظن ويتساهل ‪ ،‬فقد حضر للبيت وهو متعب‬ ‫أن يتابع األمر وال يتساهل ‪ ،‬أحياناً األب يحسن َّ‬
‫قصةً كاذبة ويتركه ‪ ،‬لكن حينما يحمل األب ابنه على الصدق ويتعب‬‫وسمع ابنه يروي‪َّ 0‬‬
‫ف ثماراً يانعة ‪.‬‬ ‫بالتحقيق والتدقيق والنصيحة والمتابعة لعلَّه بعد حين ِ‬
‫يقط ُ‬
‫يقدر بثمن ‪ ،‬فشيء عظيم أن تكون صادقاً ‪ ،‬فالصدق‪ 0‬مع الناس‬ ‫اإلنسان الصادق ال َّ‬
‫الصدق مع اهلل ‪ ،‬يوجد‪ 0‬صدق مع اهلل ‪ ،‬وأحياناً‬
‫ُ‬ ‫ثم ِ‬
‫تنتق ُل إلى‬ ‫ينقلُك إلى الصدق مع نفسك ‪َّ ،‬‬
‫ُ‬
‫يكون اإلنسان صادقاً مع نفسه فال يحاول أن يوهم نفسه أوهاماً غير صحيحة ‪ ،‬يبدُأ صدقُه مع‬
‫ثم مع اهلل ‪.‬‬
‫ثم مع نفسه ‪َّ ،‬‬
‫الناس ‪َّ ،‬‬
‫إن شاء اهلل في درس قادم‪ 0‬نتابع ظاهرة السرقة ‪ ،‬وظاهرة الميوعة والسباب والشتائم ‪،‬‬
‫هذه مما يعانيه المجتمع المسلم ‪ ،‬فيكفي أن تمشي في طريق وتسمع السباب المنحطَّ ‪،‬‬
‫والشتائم ‪ ،‬والميوعة ‪ ،‬والخالعة‪ ،‬والتشبُّه بالفتيات ‪ ،‬وإ ن وجد طريق فيه من الجنسين اسمع‬
‫لطرف آخر ‪ ..‬هؤالء أوالد مسلمون كلُّهم ‪ ،‬فبالدنا إسالميَّة والحمد هلل ‪ ،‬هذه‬
‫ٍ‬ ‫طرف‬
‫ٌ‬ ‫ماذا يقول‬
‫تربية ؟ لذلك المؤمن يتميَّز بتربية أوالده ‪ ..‬انتبه ‪ ،‬حاسب ‪ ،‬دقِّق ‪ ،‬اجلس معهم وإ ال كما قلت‬
‫فالمتزوج‪ 0‬الذي ُرزق بأوالد يبدُأ‬
‫ِّ‬ ‫ويسعد بانضباطهم ‪،‬‬
‫ُ‪0‬‬ ‫لكم دائماً ‪ :‬اإلنسان يشقى بشقاء أوالده‬
‫أنجب أوالداً فسوف‪ 0‬يربيهم‪ 0‬هكذا ‪ ،‬واهلل سبحانه‬
‫َ‬ ‫فليصمم على أنه إذا‬
‫ُ‪0‬‬ ‫يتزوج‬
‫من اآلن ‪ ،‬ومن لم َّ‬
‫وتعالى في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ‪.‬‬
‫رب العالمين‬ ‫ُّ‬
‫والحمد هلل ِّ‬
‫* * *‬
‫‪ ‬‬

You might also like