Professional Documents
Culture Documents
ن َ
الـر ّحِــيــم بِسْــ ِم الله َ
الـر ّ ْحمٰـــ ِ
الحمد هلل ربّ العالمين وأفضل الصالة وأت ّم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .أما بعد..
ففي ظالم وازدحام هذا الزمن ،يجدر على األهل والمربين تربية أبنائهم على أسس وقواعد تساعدهم وتكون عونا ً لهم للتصدي
لمثل هذه الشبهات واالنحرافات التي تواجه الشباب المسلمين .وقد تواترت األحاديث التي تبرهن على أن هذا الزمن هو من
أقرب األزمنة لقيام الساعة لما فيه من شبهات وفتن وانحرافات ال ُتع ّد وال ُتحصى ،فقد قال النبي في الحديث الصحيح:
الزمان ،ويُق َبضُ العِلم ،و َتظه ُر الف َتن ،ويُل َقى ال ُّشحُّ ،و َي ُ
كث ُر ال َهرْ ج قالوا :وما ال َهرْ ج؟ قا َل :ال َق ْتل) .وللوقوع في الفتن (ي َتقاربُ َّ
والشبهات طرق وسبل يسلكها اإلنسان حين فقدانه لُألسس التي لم يتربى وينشأ عليها ،فمن طرق الوقوع في الفتن ،الجهل
واالنحراف عن الدين ،وعدم امتالك اإليمان الكافي الشافي الذي يش ّد ويُقوّ ي اإلنسان في المحن وعند اعتراضه لبعض الفتن
والشبهات .ومنها أيضا ً عدم وجود القدوة الحسنة في واقع اإلنسان ،فعند فقدان القدوة ،يبدأ اإلنسان باالنحراف والبحث عن
مصدر آخر ليكون قدوة له ،وأغلب الحال تكون هذه قدوة فاسدة ومخيبة لإلنسان في حياته وآخرته.
وبعد هذا الكالم لنسأل أنفسنا هذا السؤال ،كيف ،وفي ازدحام هذه الفتن والشبهات ،يجدر بنا كمربين تربية أبناء مستقيمين
يعرفون الحق ويتبعونه؟ ما سُبل هذا الطريق؟ وما هي اُألسس والقواعد الذي يجب أن يكون عليه هؤالء األبناء ليتصدوا لمثل
وفي البحث سيكون مرتكز على أربع قواعد يجب أن يربّى عليها كل طفل ليكون مستقيما ً في حياته ويكون متبعا ً للقرآن
والسنة .وسيعتمد البحث على أدلة القرآن والسنة وأقوال السلف الصالح في االستنتاج ألدلة هذه القواعد المهمة .وستنقسم
القواعد كالتالي:
)١التوحيد
)٢التربية الصالحة
)٣العلم بالواقع
)٤التفكير الناقد
ما هي أُألسس والقواعد التي يجب أن يربّى عليها كل مسلم؟
أوالً التوحيد .التوحيد هو من أهم القواعد الذي يجب أن يربى عليها كل أحد .فكل نبيٍ من األنبياء أتى ليُأسس شيء
واحد وهو توحيد الخالق سبحانه وتعالى .وحقيقة التوحيد :هي إفراد هللا بالعبودية واأللوهية وعدم إشراك هللا في خلقه وتدبيره
شيء .فقال هللا تعالى في قصة نوح عليه السالم{ :ولقد أرسلنا نوحا ً إلى قومه فقال يا ِ
قوم اعبدوا هللا ما لكم من إل ٍه غيره إ ّني
يوم عظيم} .ويتكرر هذا المعنى في سورة الشعراء مررارً وتكراراً في تذكير جميع األنبياء لقومهم بهدفهم
عذاب ٍ
َ أخاف عليكم
من الحياة وسبب وجودهم في هذا الكون .وقد قال عليه السالم( ،كل بني آدم مولو ٌد على الفطرة .)..ولمّا أراد لقمان ع ّد
ك َل ُ
ظ ْل ٌم {وِإ ْذ َقا َل لُ ْق َمانُ اِل ْب ِن ِه َوه َُو َيع ُ
ِظ ُه َيا ُب َنيَّ اَل ُت ْش ِركْ ِباهَّلل ِ ۖ ِإنَّ ال ِّشرْ َ الوصايا البنه بدءها بقاعدة التوحيد ،فقال هللا على لسانهَ :
َعظِ ي ٌم} .فقاعدة التوحيد ليست فكرة جديدة أو غريبة أو حتى صعبة على لألطفال للفهم واالستيعاب ،بل هي أساس حقيقي
قريب من عقل اإلنسان وال يخالفه ،فلهذا السبب ُخلق اإلنسان في حالة يقين وإيمان بوجود خالق للكون ومدبّر له،ولهذا السبب
ال يتقبل األطفال فكرة اإليمان بعدم آلهة ،حتى أنهم يرونها بعيدة وغير منطقية للعقل .وكما سلف هذه القاعدة ُتخدش في حال
تربّى اإلنسان في بيئة ال تدعم التوحيد كأي دين خارج اإلسالم .وفي قاعدة التوحيد يعلّم وينشأ اإلنسان على العلم باهلل من
خالل القرآن والسنة .فيتعلّم أسماء هللا وصفاته التي ُذكرت في الوحيين ،وقد قال هللا ّ
عزوجل{ :وهللا األسما ُء الح ٰ
ُسنى فادعوهُ
ً
ومخافة هلل تعالى ،فقد قال هللا{ ،إ ّنما ً
خشية بها} .ومن فوائد هذه القاعدة واالهتمام بها أنه عند تحقيقها يكون اإلنسان أكثر
يخشى هللا مِن عبا ِد ِه العُلماء} .ألنه يستحضر المعاني التي تعلّمها عن هللا بأنه علي ٌم حكي ٌم سمي ٌع قريبٌ مُجيب ،وأن هللا يراه في
ٰ
جميع أحواله ،فهذا يمنع اإلنسان عن الكذب والسرقة والغشّ والخداع وجميع األخالق السيئة والمنبوذة.
ثانياً ،وجود تربية صحيحة من األهل واألبوين على أسس اإلسالم .هذا األساس مهم وفاصل كبير في حياة اإلنسان.
فالتربية في الصغر تنعكس على حياة وسلوك اإلنسان عند ال ِك َبر .طريقة التربية واألخالق والقواعد التي يربى عليها اإلنسان
قد تكون حاكما ً فاصالً بين استقامته وعدم استقامته في المستقبل .يجب على المربين سلوك طرق التربية التي ربّى بها نبينا
محمد ﷺ أبنائه وما أوصانا به .فمن األشياء التي علمنا إياها عليه الصالة والسالم في قواعد الصالة أن يُعلّم الطفل
النبيﷺ
ومنها أيضا ً أن يرب ّٰى الطفل على محاسن األخالق المحمودة في اإلسالم والمعتبرة فيه .فلما سُئلت عائشة عن ُخلق
(كان ُخلُقُ ُه القرآن) ،والنبي هو قدوتنا ولكن ليس فقط في األعمال
َ أجابت بأروع ال َكلِم وأجمل ِه وصفاً ،قالت رضي هللا عنها:
الظاهرة ولكنه يكون قدوة لنا في معامالتنا و ُخلقنا .فمن خالل ما جاء في الس ّنة والقرآن يُربّى الطفل على األمانة والصبر
والحلم واألناة والشجاعة والصدق واإلخالص وما إلى ذلك مما نصّ عليه اإلسالم واعتمد تكراره .فعن أبي هريرة رضي هللا
ولجاج ,وعجلة ،وخفةٍ ,وطيش ،وحدةٍ ,وجشع ،فيصعبُ عليه في كبر ِه تالفي ذلك ،وتصي ُر هذه األخالق
ٍ صغره ،من غضبٍ,
ً
منحرفة أخالقهم ،وذلك بسبب صفات وهيئات راسخة ،فلو تحرز منها غاي َة التحرز فضحته يوما ً ما ،ولهذا تج ُد أكثر الناس
ثالثاً ،العلم بالواقع .يجب أن يكون للمربين علم كافي بالواقع المحيط بهم لكي ينعكس ذلك على األبناء .فعند معرفة
المربين بواقع حالهم ومحيطهم يعلّمون األبناء قواعد وثوابت ُتأخذ بعين االعتبار .فمع مرور الزمن وتصدّر مواقع التواصل
وما تحتويه من تشويه وتحريف لإلسالم ،يجب أن يكون لألهل دور في تقييد استعمال األبناء لهذه التواصل .ويجب أن يكون
ّ
وبث اعتقادات غير هناك حدود ال يجب تجاوزها وتعدّيها .فمواقع التواصل تحتوي على كل شيء ،من تحريف لإلسالم
مباشرة إلى عقل السامع ،وأيضا ً ما تحتويه من إحالل حرام ومناظر فاسدة .فيجب على األهل العلم بهذا الواقع وتقييده والعلم
بالمسالك الذي يسلكها المجرمين والمفسدين إلفساد عقول واعتقادات األبناء .وكذلك يجب على األبناء الوعي بهذا الواقع وعدم
حبس أنفسهم في مكان داخلي ال يرون منه الخارج والمشاكل التي تح ّل بالمسلمين .ولنستشهد بقولهﷺ فعن عبد هللا بن
عمر رضي هللا عنهما عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال( :المؤمن الذي يخالط الناس ،ويصبر على أذاهم خير من الذي ال
يخالط الناس وال يصبر على أذاهم) ،ومن فوائد الحديث :حث النبي -صلى هللا عليه وسلم-على االختالط بالناس ،لمعرفة
رابعاً ،امتالك مهارات التفكير الناقد .التفكير الناقد هو التفكير المنطقي الذي يقسّم المعلومات واألفكار التي يختلط
بها اإلنسان إلى صحيح وخاطئ .بكل بساطة هو تقسيم كل فكرة ودليلها إلى مقبولة وغير مقبولة حسب ما يعتقد اإلنسان وما
يؤمن به وما يبني به قواعد القبول والرفض .فيجب على الشاب المسلم وخصوصا ً في عصرنا هذا أن يمتلك مهارات النقد فال
يقبل كل فكرة واعتقاد يمرّ عليه ويتعرّ ض له .فإذا قال قائل مُع َت َقد يتب ّناه ويفتخر به ،كاستحباب الشذوذ ،في ذاك الوقت يجب أن
يكون للشاب المسلم طريقة نقد لهذه الفكرة ،فيسأل القائل :من أين أتيت بهذه الفكرة؟ وما دليلك؟ وما مصدره؟ ..الخ .فحين
يمتلك الشاب هذه القاعدة تسهّل عليه كثيراً من األمور ،فال يخضع ألفكار ومعتقدات الغرب ألنه يعلم -بأدلة واضحة
فإبراهيم عليه السالم نشأ بين قوم يعبدون األصنام والشمس والقمر والكواكب ولكنه عليه السالم لم تمرّ عليه هذه الصور من
العبادة الزائفة ،ولم يسكت ويتبع ما ترك قوم ُه عليهم آبائهم ،بل كان لديه تفكير ناقد ونقد كل صفة من صفات اآللهة ،فقد قال
هللا سبحانه وتعالى في قصة إبراهيم عليه السالم حين سأل قومه عن اآللهة{ :قا َل هل يسمعو َن ُكم إذ ْتدعون .أو ين َفعو َن ُكم أو
يضرّ ون }.وكذلك نبينا محمدﷺ ،لم يقتنع بما كان يفعله قوم ُه من عبادة أصنام وإصرار على الجاهلية .وكما أسلفنا سابقاً،
مع زيادة التكنولوجيا ومواقع التواصل أصبح من السهل جداً على أي إنسان أينما كان َ
بث أكبر عدد من األفكار واالعتقادات
التي تخالف اإلسالم بأشكال كثيرة ،ولكن نرى معظم الشباب يتقبلون مثل هذه األفكار لعدم امتالكهم التفكير الناقد وفرز
األفكار واألدلة إلى مقبولة وغير مقبولة .فأصبحنا شبه البعير التي تتبع الماشية أينما ذهبت وحلّت ،وقد ذكر عليه السالم هذا
المعنى ،فعن أبي سعيد رضي هللا عنه ،أنَّ النبي صلى هللا عليه وسلم قالَ ( :ل َت َّت ِبعُنَّ َس َن َن َمنْ َق ْب َل ُكم شِ بْرً ا بشبْر ،وذراعًا بذراع،
ضبٍّ َل َس َل ْك ُتمُوهُ؛ قلنا :يا رسول هللا؛ اليهو ُد وال َّنصارى؟ قال ال َّنبيُّ صلى هللا عليه وسلمَ :ف َمن؟!).
ح َّتى لو َس َل ُكوا جُحْ ر َ
ختاماً ،فئة الشباب في مجتمعنا متعرضة وبشدة إلى االنحراف الفكري والعلمي إذا لم تنشأ في بيئة مناسبة صالحة
تكون عونا ً لها في دينها واستقامتها .يجب أن ينشأ اإلنسان على التوحيد الصحيح المتماشي مع اإلسالم ،وكذلك التربية
الصالحة التي ُتربَّي اإلنسن على ُأسس اإلسالم ومكارم األخالق الحميدة ،وكذلك علم اإلنسان بواقعه وموقعه في هذه الحياة
وأخيراً امتالك اإلنسان لقواعد التفكير الناقد ،وعدم قبوله ألي فكرة تمرّ عليه ولكن يجب تفكيك األفكار واألدلة ،وقبولها
ورفضها على حسب قوّ ِة أدلتها وما تحتويه .ولكن وبعد الكالم عن ظالم محيط الشباب وما يواجهونه من صعوبات ،ال ننكِر
أنه يوجد لدينا أمل وتفائل أن هذا الجيل ألنه هو من سيحمل راية اإلسالم ،وهم الذين سوف نرى تصدّر اإلسالم وارتفاع
المسلمين من خاللهم .ألن لدى هذا الجيل همّة ومصادر لم تكن موجودة في األجيال السابقة .فكما أن لهذا الجيل ظالم داكن
وجهل كاظم فهنالك أيضا ً نور ساطع وهو نو ُر الهداية ونور االستقامة الذي سينبعث من عندهم إذا أحس ّنا تربيتهم واالعتناء
بهم ،وأحس ّنا التعامل والتواصل معهم .فإذا فعلنا ذلك فوهللا لن نرى أي نوع من جهل وفتن وشبهات تكون مسيطرة عليهم
و ُتحرفهم عن الطريق المستقيم ،وكما قال سبحانه وتعالى{ :والذين جاهدوا فينا لنهدي ّنهم ُس ُب َلنا} ،فهذا الطريق ليس بسهل وليس
ٰ
ونهى بهيّن ولكن فيه محطات صعبة وشديدة ،ولكن ال يصبر وينجو إال من كان لديه إخالص هلل وكان م ّت ِبعا ً ما أ َم َر هللا به
عنهُ.
سنن الترمذي ،لمحمد بن عيسى بن َس ْورة الترمذي ،أبو عيسى ،تحقيق وتعليق :أحمد محمد شاكر (جـ ،)2 ،1
ومحمد فؤاد عبد الباقي (جـ ،)3وإبراهيم عطوة عوض (جـ ،)5 ،4ط شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي مصر.
صحيح البخاري | كتاب االعتصام بالكتاب والسنة باب قول النبي لتتبعن سنن من كان قبلكم (حديث رقم) 7320 :
صحيح مسلم .الصفحة .157خالصة حكم المحدث [ :صحيح] | التخريج :أخرجه البخاري ( ،)6037ومسلم (.)157
الراوي :أبو هريرة .المحدث :البخاري .المصدر :صحيح البخاري.الصفحة . 1385خالصة حكم المحدث :صحيح.
الراوي :عائشة رضي هللا عنها .أخرج ُه أبو يعلى ( )8/275بإسناد صحيح .
الراوي :أبو هريرة .المحدث :البغوي .المصدر :شرح السنة .الصفحة .6/476خالصة حكم المحدث :حسن
شرح وترجمة حديث :المؤمن الذي يخالط الناس ،ويصبر على أذاهم خير من الذي ال يخالط الناس وال يصبر على