Professional Documents
Culture Documents
المقدمة3 ................................................................................:
كيف تتلقى العلم وكيف يظهر أثر العلم عليك7 ........................................... :
ما هو العلم النافع؟ 7 ......................................................................
ماذا يحتاج طالب العلم في هذا الشأن؟ 8 ..................................................
دين01 .................................................................... :
إن هذا العلم ٌ
من أين لنا أن نعرف كل هذا؟ 01 ..........................................................
حجة لك أو عليك08 ............................................................. :
العلم ّ
مه ّمة لطالب العلم77............................................................... :
أمور ّ
ٌ
القلب موضع العلم77 ................................................................... :
نتعلّم من أبي هريرة31 ................................................................... :
الصبر على الطّلب33 ................................................................... :
الخاتمة33............................................................................... :
2
المقدمة:
رب العاملني وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له، لسالم عليكم ورمحة اهلل وبركاته ،احلمد هلل ِّ ا ّ
صليت على ِآل إبراهيم يف َ حممد كما ِ
حممد وعلى آل ّ صل على ّ عبده ورسوله ،اللّهم ِّ حممد ُوأشهد أ ّن ّ
كت على ِآل إبراهيم إنّ َ
ك محي ٌد حممد كما بار َ ِ
حممد وعلى آل ّ ك محي ٌد جمي ٌد ،اللّهم بارك على ّ العاملني إنَّ َ
وشر األموِر حمدثاهتا، احلديث كالم اهللِِ
حممد ﷺ ّ النيب ّ
ّ هدي اهلدي
ّ أحسن
َ و ُ أصدق
َ جمي ٌد .وبعد؛ فإن
ين﴾. ِ
ز ت وما أَنتم ِِبع ِ
ج بدعة ضاللة ﴿إِ َّن ما تُوع ُدو َن ََل ٍ
وكل ٍ
َ ْ ُ ُ َ َ َ َ ّ
املنهجي ال ّدفعة الثّالثة ،هذهِ ّأو ُل حماضرٍة
ّ ناءأخص بال ّذك ِر طلبةَ البِ ُّ و ام؛ ر الك م وسهال ِ
بطلبة العل ِ أهال ا ا
ِ ِ ِ
ورجاال ونساءا،
ا كبارا ألتقي بشباب اإلسالم وطلبة العل ِم الكرام ا
صغارا و ا يل معكم ،وأنا سعي ٌد أن َ
ونسأل اهلل تعاىل ﷻ أن يهدينا ويس ّددنا. ُ
عدد كبريٌ ِمن احلضور يرفعون أيديهم باحلديث إن شاء اهلل يف آخ ِر احملاضرةِ سنعطي ا
جماال ملن عندي ٌ
الزووم لطلبة ِيسأل وتكون األولوية ِ
خاصة على ّ
املنهجي؛ وكانت هذه احملاضرة باألصل هلم ّ ّ البناء ّ
ولكن قدر اهلل مل يعمل فاقرتح األخ املشرف الكرمي أن تكون احملاضرة على قنايت حىت يتيسر للحضور
االستماع إليها ،فلو تكرمتم أال يرفع أحد يده لطلب احلديث ألين ال أتيح ذلك اَلن.
عنوان هذه احملاضرة "دليل طالب العلم :االهتداء بالقرآن وحديث رسول اهلل ﷺ في تحصيل
شرعي".
العلم ال ّ
لكل القائمني على املشاريع الدعويّة والتعليميّة واإلسالميّة واإلصالحيّة،
أحب أن أدعو ّ قبل أن أبدا ّ
املنهجي أسال اهلل تبارك وتعاىل أن يبارك سعيهم وجيعله ّ أخص هبم القائمني على برنامج البناءو ّ
خالصا لوجه اهلل تبارك وتعاىل ،وأن ينفعهم بأعماهلم.
ا
َّاس أَنتُ ُم الْ ُف َقَراءُ إِ َىل اللَّ ِه
أحببت أن أبدا هذا اللقاء يف هذه احملاضرة بقوله تبارك وتعاىل﴿ :يَا أَيُّ َها الن ُ
كل شيء ،وأعظم فقر يفتقر إليه العبد هلل تبارك فالعبد فقريٌ إىل اهلل تعاىل يف ّ
يد﴾ ُ احلَ ِم ُ
ن ْ َواللَّهُ ُه َو الْغَِ ُّ
قصة عظيمة يف القرآن ذكر
الرشد .لذلك ذكر اهلل تبارك وتعاىل ﷻ ّ
وتعاىل هتيئة أسباب الفالح و ّ
3
خالصتها مث ذكر تفاصيلها وهي قصة أصحاب الكهف قال﴿ :إِ ْذ أَوى ٱلْ ِفْت يةُ إِ َىل ٱلْ َك ْه ِ
ف فَ َقالُواْ َ َ
نك َر ْمحَةا َوَهيِّ ْئ لَنَا ِم ْن أ َْم ِرنَا َر َش ادا﴾ ذكرت هذه اَلية كخالصة لقصة هؤالء ونالحظ
َربَّنَا ءَاتِنَا ِمن لَّ ُد َ
احلق وسعوا فيه ُمستهدين باهلل تبارك وتعاىل ﷻ مسرتشدين به
يف هذه اَلية أن هؤالء أرادوا اخلري و ّ
مستعينني به ،واهلل ﷻ ذكر دعاءهم وهذا الدعاء يف رأيي أعظم ما يفتتح به أي عمل من أعمال
اخلري ،ألن هذا الدعاء يطلب فيه العبد أن يهيئ اهلل تبارك ﷻ األسباب اليت ينجز هبا مطلوبة فكأنه
علي برمحة منك ،وهيّئ يل األسباب املعينة ألبصر يقول" :يا ّ
رب؛ طلبت سبيلك وشرعت فيه ،فأمنن ّ
خريا" ،ا
متاما كما املضي فيما يرضيك ،والثّبات عليه واجعل عاقبة أمري ا ّ أعن على
الرشاد ،و ّ
احلق و ّ
ِِ
رب افرغ صْب ارا َوتَ َوفَّنَا ُم ْسلم َ
ني﴾ يعن؛ يا ّ ﴿ربَّنَا أَفْ ِر ْغ َعلَْي نَا َ
سأل املؤمنون من سحرة فرعون قالواَ :
الصرب ما جيعلنا نتحمل ما حنن مقبلون عليه من البالء. علينا من ّ
الصالح احلق والنّفع و ّ السداد واخلري والبصرية وإصابة ّ الرشد الذي ذكر يف هذه اَلية ِبعىن اهلدى و ّ وّ
نك َر ْمحَةا َوَهيِّ ْئ لَنَا ِم ْن أ َْم ِرنَا َر َش ادا﴾ فاهلل سبحانه وتعاىل
﴿ربَّنَا آتِنَا ِمن لَّ ُد َ
فهذا الدعاء جامع للخريَ .
﴿من يَ ْه ِد اللَّهُ فَ ُه َو
ﷻ بعد ذكره هلذه اَليات ذكر يف هذه القصة فقال ذلك من آيات اهللَ :
فيبني اهلل تبارك وتعاىل ﷻ أنه هدى هؤالء الفتية إىل ِ ِ ِ الْمهت ِد ومن ي ْ ِ
ضل ْل فَلَن ََت َد لَهُ َوليًّا ُّمْرش ادا﴾ّ . ُ َْ ََ ُ
رشدا ،ولوال هدايته هلم مل يهتدوا. احلق ،وهيَّأ هلم من أم ِرهم ا الرشاد و ّ الصواب و ّ
ّ
وعمال ،فيدعو ربّه
قوال ا أحب أن أي ُمسلم يطلب باباا من أبواب اخلري أن يستحضر هذا الدعاء ا وأنا ّ
نك َر ْمحَةا َوَهيِّ ْئ لَنَا ِم ْن أ َْم ِرنَا َر َش ادا﴾ فهذا يؤكد أن العبد يعلم يقيناا
﴿ربَّنَا آتِنَا ِمن لَّ ُد َ
تبارك وتعاىل ﷻ َ
اب اهلدى ،يف أي باب يف إصالح نفسك ،وإصالح باب من أبو ِ أنه لوال هدى اهلل ما اهتدى ألي ٍ
باب من أبو ِ
اب اخلري تطلبه؛ ال ب ّد زوجك ،يف طلب العلم ،يف تعلم القرآن ،يف اللياقة البدنية ،يف أي ٍ
ّ ّ
يب ﷺ يقول" :أن احلمد هلل حنمده ونستعينه ونستهديه" يعن نطلب منه
أن تستهدي باهلل .كان النّ ّ
اهلداية.
يب ﷺ يقول" :اللّهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت
وجاء يف هذا الدعاء باب عظيم كان النّ ّ
احلي الّذي ال
أنت ّبعزتك ال إله إال أنت أن تضلن َ
إين أعوذ ّ
وإليك أنبت وبك خاصمت ،اللّهم ّ
اجلن واإلنس ميوتون".
ميوت ،و ّ
4
﴿ربَّنَا آتِنَا ِمن لَّ ُد َ
نك َر ْمحَةا املنهجي للدفعة الثّالثة هبذا ال ّدعاء العظيمَ :
ّ إذن :نستفتح برنامج البناء
َوَهيِّ ْئ لَنَا ِم ْن أ َْم ِرنَا َر َش ادا﴾.
أحب كذلك أن تشعر بأمرين بنعم اهلل تبارك وتعاىل عليك:
ّ
.1نعمة اإلسالم.
.2نعمة اهلداية.
.3نعمة طلب االستقامة.
.4نعمة التماس العلم والتّفقه يف الدين.
ِ
وباإلسالم ِبحم ٍد ا
رسوال واهلل من هدي إىل هذه فقد هدي إىل اخلري كلّه .أن تكون رضيت باهلل ربًّا و ّ
كبريا من وقتك حلضور احملاضرات
ديناا ،وأن تطلب االستقامة ،وأن تلتمس العلم ،وأن تدخر جزءاا ا
يدل على ِ
رمحة اهلل والدروس مث املذاكرة والدراسة واملراجعة واحلفظ والضبط واملراجعة اجلماعية ،هذا ّ
تبارك وتعاىل بك فهذا ّأول ما ينبغي أن تستشعره أن تعلم نعمة اهللِ عليك.
َ
غافال
شاكرا هلا أم تكون ا ذاكرا ا ونعمة اهلل تعاىل ﷻ هي ابتالء فيبتليك اهلل هبا وميتحنك ،هل ستكون ا ّ
ض ِل َرِِّّب لِيَْب لَُوِِن
ال ََٰه َذا ِمن فَ ْ
جاحدا هبا؟ كما قال سليمان عليه ملا رأى عرش بلقيس أمامه﴿ :قَ َ
ا كافرا
ا
ءَأَ ْش ُكُر أ َْم أَ ْك ُفُر﴾.
أوالُ :
حنمد اهلل تبارك وتعاىل وأن نكون ذاكرين شاكرين هلذه النعم. ا
الصغري أو الكبري أو املرآة الّذي جيعل
فالشاب أو الفتاة أو ّ
كثرياّ ،
خريا ا ثانياا :هذا ّ
يدل على أ ّن بك ا
جزءاا من يومه للتفقه يف الدين والتماس العلم واحلفظ واملدارسة واملراجعة ،هذا يدل على أ ّن لديه
جمرد إرادة ورغبة ،أو
إرادة للخري ،وأنّه يسعى يف اخلري ،ولكن هذه اإلرادة حنتاج أن تكتمل ّأال تكون ّ
الصدق
تتم بالعلم و ّ
الصاحلة حتتاج أن ّ فعال عبثياا دون ختطيط ،فهذه اإلرادة ّ
جمرد محاس وعاطفة ،أو ا
الصرب والتّقوى واحلكمة وحسن التّخطيط والتّدبري ،فبهذه األمور يكتمل بناء طالب واإلخالص و ّ
القوي األمني يف بابه وحىت يؤتى طلب العلم مثرته.
العلم فيكون الطّالب ّ
5
فكثريٌ ِمن النّاس َمن ميضي عمره يف ِ
طلب العل ِم ،ولكنّه ال يعرف ما العلم الّذي يطلب ،وما هي
الشرعي! وكيف يدخل على أصناف العلوم؟ وكيف يدرس؟ وكيف ّ مراتب العلوم ومصادر العلم
يضبط؟ وكيف يراجع؟ وماهي أبواب العلم املهمة حتت كل فرع من فروع العلم؟
غدا وهي بعنوان :كيف يرتب طالب العلم يومه أو يوم في حياة طالب
وعندنا محاضرة ثانية ا
فكأين مكانك دخلت يف هذا الربنامج ،برنامج
تطبيقي لطالب العلم ّ
ّ عملي
ّ العلم .يعن برنامج
جديد على حياة ال ّدراسة كيف أنظم يومي؟ كيف أرتبه؟ ِباذا أبدأ؟ ما األمور اليت أحرص عليها؟
وكيف أرتب وقيت وأحسن استثمار الوقت املتاح؟
فنحن نريد استثمار ٍ
مدرس أو طبيب أو مهندس أو عامل أو طالب جامعةُ . ممكن ّلربة منزل أو ّ
الوقت املخصص لطلب العلم .نريد أن حنسن يف ِ
طلب العلم وهذا املدخل الثاين يف هذه احملاضرة.
ِ ٍ ِ ِ ِِ
فيقول اهلل تبارك وتعاىل﴿ :تَبَ َارَك الَّذي بِيَده الْ ُم ْل ُ
ك َوُه َو َعلَى ُك ِّل َش ْيء قَد ٌير * الَّذي َخلَ َق الْ َم ْو َ
ت
وْ ِ
ور﴾ ففي هذه اَلية اهلل ّبني أنه خلق املوت واحلياة َح َس ُن َع َم اال َوُه َو الْ َع ِز ُيز الْغَ ُف ُ
احلَيَا َة ليَْب لَُوُك ْم أَيُّ ُك ْم أ ْ َ
اقعا ،فهو القائل: مقدرا وو ا
كل ذلك ا عمال ،فاهلل تبارك وتعاىل ﷻ عليم ،يعلم ّ ليبلو اخللق أيّهم أحسن ا
مقدرا ولكن ال حياسبنا على ﴿ولَنَْب لُونَّ ُكم َح َّ َٰىت نَ ْعلَم ٱلْم ََٰج ِه ِدين ِمن ُكم و ََِّٰ ِ
يعلم ذلك ا ين﴾ فاهلل ُ ٱلصرب َ ْ َ َ َ ُ َ َ ْ
ف اللَّهُ نَ ْف اسا إَِّال ُو ْس َع َها َهلَا َما َك َسبَ ْ
ت َو َعلَْي َها َما علمه ِبا نفعل ولكن حياسبنا على كسبنا ﴿ال يُ َكلِّ ُ
فطالب العل ِم مبتلى وممتحن ،بأصناف من االبتالء والفنت للتمحيص ُ حاضرا
ا ت﴾ ووجدوا ذلك ا ْكتَ َسبَ ْ
طالب عل ٍم فأنت تكون أن مسلم: بصفتك فأنت بات، رالق من واالختبار ،فطلب العلم كأي قر ٍ
بة
َ ّ
تبصر به.كشافا ُ تطلب ا ُ
6
كيف تتلقى العلم وكيف يظهر أثر العلم عليك:
ما هو العلم النافع؟ وكيف تحصله؟ وكيف تثبته في قلبك؟ وكيف تحسن االنتفاع منه؟ وكيف
ومعلما؟
ا متعلما
كان خلق رسول اهلل ﷺ ا
يتعرف على صورة العامل الذي يرضي اهلل
جدا يف الباب :أن طالب العلم حيتاج أن ّ
املهمة ا
من األمور ّ
جمرد مجع معلومات وحتصيل معرفة .فالعلم يف اإلسالم نبني طرفاا منه؛ ﷻ؛ فليس العلم يف اإلسالم ّ
فهو العلم الذي يرضي اهلل ،ويهتدي به صاحبه ،ويهدي العلم الذي يغريك إىل ما يرضي اهلل.
العلم الّذي يكون له سلطان عليه ،ال ميكن أن حيسن طالب العلم تصور هذا ،إال إذا اهتدى هبدى
ك َعلَ َٰى ُه ادى ِّمن َّرِّهبِ ْم
اهلل حينها يكون كما قال اهلل ﷻ﴿ :أَفَ َمن َكا َن َعلَ َٰى بَيِّ نَ ٍة ِّمن َّربِِّهۦ﴾﴿ ،أُوَٰلَئِ َ
ك ُه ُم الْ ُم ْفلِ ُحو َن﴾ فنحن نريد أن نتكلم عن اهلدى والبينة والبصرية يف طلب العلم ،فاهلل ﷻ َوأُوَٰلَئِ َ
طالب العلم. خللق ِ بطلب العلم وذكر لنا فضل وثواب حتصيل العلم هو الذي هدانا ِ الذي أمرنا ِ
واخللق هنا ليس املقصود به األدب كما يظن بعض الناس وِبعىن الذوق واالحرتام .فاخللق ِبعىن اهلدي
ك لَ َعلَ َٰى ُخلُ ٍق َع ِظيم﴾ فاخللق هو ال ّدين هو العمل وهو ﴿وإِنَّ َ
والعمل كما قال سبحانه لنبيه ﷺَ :
السنة ،وحسن التّعامل يف اَتاهني يكمل أوهلما اَلخر:
اهلدى هو ّ
فاألول :اإلخالص.
الصواب. والثانيّ :
ِ
﴿ليَْب لَُوُك ْم أَيُّ ُك ْم أ ْ
َح َس ُن َع َم اال﴾ وهو أخلص العمل ،هو أصوبه ،فاهلل ميتحن النّاس لريى أيّهم أحسن
عمال ،فحسن العمل من جهتني. ا
ظ ِ
نفسه فال يكون لنفسك وال للشيطان وال أحد نصيباا من هذا العلم ،فيكون هذا أن خيلّصه من ح ّ
مقبوال
خالصا هلل ،فاملراد هنا أن يتعلم طالب العلم اإلخالص يف طلبه ،حىت يكون عمله ا
ا العلم كلّه
عند اهلل وعلى هدى من اهلل تبارك وتعاىل وهذا يأيت بالعلم والقرآن وسنّة نبيه ﷺ.
هذا باختصار معىن اإلحسان يف طلب العلم؛ ألن اهلل سبحانه يتقبل من احملسنني ومن املتقني.
7
ماذا يحتاج طالب العلم في هذا الشأن؟
8
األمر الثالث :معرفة النيّات والمقاصد في طلب العلم.
كذلك حتتاج أن تتعلم :النّيات واملقاصد يف طلب العلم؛ فليس املقصود يف طلب العلم أن :ترفع
اجلهل عن نفسك ،أو حتصل ل ّذة معرفيّة كما حيصل لدى دارس الفلسفة واملنطق وبعض العلوم ،وكما
يقع فيه كثري من الشباب؛ فيتعلم العلم ليجادل ،أو ليحاج النّاس ويفخر عليهم ،ومياري يف العلم.
الصاحلة يف طلب العلم.
فأنت حتتاج أن تعرف ما هي النّيات ّ
الرابع :معرفة أخالق طالب العلم.
األمر ّ
وتعرف اخللق الذي يرضاه اهلل ﷻ لطالب العلم .فهو يريد منك أن تكون مصبو اغا بطلب العلم،
ب فأنت حتتاج مع أخالق اإلسالم العامة اليت ذكرت يف كتابه سبحانه﴿ :الَّ ِذين يُ ْؤِمنُو َن بِالْغَْي ِ
َ
اهم يُ ِنف ُقو َن﴾ إىل آخر اَليات .وكذلك قوله﴿ :لَّ الص َالةَ وِ وي ِ
س الِْربَّ أَن تُ َولُّوا ُو ُج َ
وه ُك ْم َ ي
ْ ُ
َ َ ْ ن
َ ق
ْزَر َّا
مم َّ ن
َ و يم ق
َُ ُ
احلَ ِام ُدو َن
ب َوَٰلَ ِك َّن الِْ َّرب َم ْن َآم َن بِاللَِّه﴾ ،كذلك اَليات﴿ :التَّائِبُو َن الْ َعابِ ُدو َن ْ قِبل الْم ْش ِرِق والْم ْغ ِر ِ
َ َ ََ َ
َّ ِ اج ُدون﴾،كذلكِ : الس ِ الراكِعُو َن َّ السائِ ُحو َن َّ
ين ميَْ ُشو َن َعلَى األرض َه ْوناا﴾ إىل الر ْمحَ ِن الذ َ
اد َّ
﴿وعبَ ُ
َ َّ
اخرها من اَليات ممّا ذكره اهلل يف خلق املسلم الذي يرضاه اهلل تبارك وتعاىل.
فضال عن ذلك أن تعرف أخالق طالب العلم ،ألنه سبحانه كما ذكر من رفعوا بالعلم فأنت حتتاج ا
ي آتَْي نَاهُ آيَاتِنَا ذذكر كذلك من خفضوا ووضعوا بالعلم .فقال اهلل عز وجل﴿ :واتْل علَي ِهم نَبأَ الَّ ِ
َ ّ َ ُ َْ ْ َ
َخلَ َد إِ َىل األ َْر ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ض َواتَّبَ َع ين * َولَْو شْئ نَا لََرفَ ْعنَاهُ هبَا َولَكنَّهُ أ ْ انسلَ َخ مْن َها فَأَتْ بَ َعهُ الشَّْيطَا ُن فَ َكا َن م َن الْغَا ِو َ
فَ َ
ين َك َّذبُواْ بِآيَاتِنَا ث أَو تَْت رْكه ي ْلهث ذَّلِك مثل الْ َقوِم الَّ ِ ِ ِ
َ ذ َ ََ ُ ْ ب إِن َْحتم ْل َعلَْيه يَْل َه ْ ْ ُ ُ َ َ َهواهُ فَمثَلُهُ َكمثَ ِل الْ َكلْ ِ
َ َ َ
يقص علينا مثل هذه يب ﷺ أن ّ َّ ص َ َّ ص ِ
ص لَ َعل ُه ْم يَتَ َفكُرو َن﴾ فاهلل سبحانه وتعاىل أمر النّ ّ ص الْ َق َ فَاقْ ُ
ِ مثال اليهود ﴿ َكمثَ ِل ِْ
َسفارا﴾ وغري ذلك ممّا سيأيت ذكره. احلما ِر َْحيم ُل أ ْ َ القصص ،وذكر ا
فطالب العلم حيتاج أن يعرف اخللق الذي يكون يف طلبه للعلم َمرضياا عند اهلل.
9
أمور أُخرى:
ٌ
الشريعة. حسن ّ
تصور علم ّ
ما هي األخالق ّ
اخلاصة لطالب العلم مثل :احلرص واجللد وتنظيم الوقت وحسن التدبري وأصناف
العلوم واملهارات.
مراحل الطّلب واحلكمة يف التعامل مع الوقت ،وغري ذلك من املق ّدمات الّيت هتيئه للحياة
الدراسيّة.
فهل معنى ذلك أن هذه العلوم يجب أن يتعلمها قبل أن يشرع بتحصيل العلم؟
ال بالعكس هذه األمور سوف يتعلمها حينما يبدأ ،فنور الطّريق يبدأ عند ّأول خطوة تسلكها فيه.
شخص المثقف فنحن ال نتكلم عن شخص الذي نسميه "الزبون الطيّاري" وهو ال ّ
هناك فرق كبري؛ ُ
مثال حيضر خطبة مجعة ،ويهتم ِبا قاله اخلطيب ،ويستمع لدرس العامة "هاوي" ا
الّذي يريد الثّقافة ّ
يف اليوتيوب أو حيضر حماضرة عابرة.
حنن نتكلم عن طالب علم ميثّل له طلب العلم أعلى ما يتقرب به إىل اهلل بعد ما فرضه اهلل ﷻ عليه
فنتكلم عن شخص بعد ما جعل قربته من األعمال املستحبة طلب العلم؛ فكان هذا هو القيمة
أخصه يف هذه احملاضرة.
املركزية األساسية بعد الفروض فهذا ما أردت أن ّ
دين:
إن هذا العلم ٌ
عمن
أحب أن أبدا احلديث عن هذا اخلط بقول ابن سريين رمحه اهلل" :إ ّن هذا العلم دين فانظروا ّ
و ّ
تأخذون دينكم".
العلم في اإلسالم:
من املعاين اليت أراها أمامي وأذكر نفسي فيها وكل من أتدارس معه العلم :إن العلم يف اإلسالم ليس
أي معرفة أخرى ،كالفلسفة واملنطق والرياضيات .هو خيتلف.
كالعلم يف ّ
01
حجة لك أو عليك .ليس جمرد كتب تُدرس وال
فالعلم فيه ليس جمرد معرفة أو مجع معلومات ،بل هو ّ
متون ُحتفظ وال معلومات تُ ّردد وال جمرد شهادات تُوضع على احلائط وال منشورات تكتب وال ألقاب
ينادى هبا .كل هذه وسائل العلم وزينة العلم وزخرف العلم وصورة العلم.
فكم من شخص حيسب نفسه أمام النّاس عاملا وهو عند اهلل من اجلاهلني املعتدين؟! وكم من
ا
ممارسا؟! يعن كلّما علم شيئاا عن اهلل
ا ا ااقع
و بالعلم شخص ليس حمسوباا على أهل العلم ولكنّه يعيش
عمل به وطبقه ،فالعلم دين والعلم خلق والعلم عمل والعلم أمانة والعلم رسالة والعلم مسؤولية.
جمرد
ال ب ّد أن تستحضر هذه املعاين من ّأول حلظة تدخل فيها لطلب العلم؛ ألن ﷻ مل يثن على ّ
ذم أهلها الذين مل يعملوا هبا قال اهلل سجانه وتعاىل: املعرفة بالعكس ،بل ذكر املعرفة يف سياق ّ
اب يَ ْع ِرفُونَهُ َك َما يَ ْع ِرفُو َن أَبْنَاءَ ُه ْم﴾ .يعن عندهم إتقان هلذه املعلومة ،ويعرفون ِ ِ
اه ُم الْكتَ َ
ين آتَْي نَ ُ
﴿اللذ َ
فكل من عمل يف العلم فهو عامل ولو مل حجة عليهم كما سيأيت بيان ذلكّ ، حججها .لكنّها كانت ّ
حيفظ األدلة ويسرد أقوال النّاس واجلاهل من مل خيالف هواه ،وما اتّبع هدى اهلل وترك طاعة اهلل
فصيحا ،وكان يدعو النّاس
ا احلجج وكان لسانه
حىت لو كان حيفظ كل األدلة و ّ وتكاسل عن املعلومات ّ
إليها فال ب ّد أن تبصر طريقك وتعلم أين أنت من مستوى العلم؟! فتسرد األدلة واَليات واألحاديث
إين أعوذ بك من عل ٍم الهم ّيب ﷺ يقول":اللّ ّ
وحتاج فالناا ،فكأ ّن النّ ّ وتدخل املناظرة وتغلب فالن ّ
ينفع".
باختصار أيّها الطّالب الكرام العلم الشرعي :هو طلب ما عند اهلل على هدى من اهلل ،وما سوى
ذلك فهو زينة الحياة وخارج عن هذا المعنى.
يوصي طالبه هبذا.
لذلك كان عدد من أهل العلم ّ
00
لطالبه:
وصايا أهل العلم ّ
أوالا :علّق اإلمام البخاري رمحه اهلل يف كتاب العلم هذا األثر -واهلل تعاىل منذ أن هداين إليه وأنا
أكتبه أمامي وأنظر إليه من وقت َلخر وال أشبع من مجال هذا األثر -قال ربيعة -وهو امللقب بربيعة
الرأي -قال" :ال ينبغي ألحد أن يكون عنده شيء من العلم أن يضيّع نفسه".
ثاني ا :وكذلك نقل عبد اهلل بن وهب قال :حدثن مالك بن أنس" :أن ا
رجال قال وسأله عن طلب
الرجل عامل ،قال :إن طلب العلم حسن ،ولكن انظر إىل الذي يلزمك من حني العلم فقال هذا ّ
تصبح ومن حني متسي فالزمه ،وال تؤثرن عليه شيئاا".
فهذه أعظم نصيحة ممكن ينصحها معلم لطالبه يقول له :طلب العلم حسن بال شك ،ولكن انظر
إىل الذي يلزمك يعن الفرائض اليت تلزمك يف كل مشهد وموقف من حني تصبح ومن حني متسي
طالب يستيقظ قبل الفجر ليتابع منشورات فالزمه .فهذا هو االصل وال تؤثرن عليه شيئاا ،فكم من ٍ
كذا وكذا ،ويضيّع هذا الوقت الّذي ينبغي أن جيعله يف ال ّدعاء واالستغفار والطاعة ،وكم من ٍ
طالب
بقي جيادل يف حديث نزول اهلل تبارك وتعاىل إىل مساء ال ّدنيا ،حني يبقى ثلث الليل األخري وال يتعرض
لفضل اهلل تبارك وتعاىل يف هذا الوقت فال يصلّي وال يستغفر اهلل من ذنبه وال يتلو كتاب اهلل وال
يسأل اهلل من فضله.
02
وجمرد شهادة يعمل
فكم من إنسان تعلّم العلم ليفخر به على النّاس ليجلدهم بالعلم ،ليتكرب عليهمّ ،
أذل العلم وصار سلعة يباع ويشرتى من الظاملني أو األغنياء
هبا أو مصدر رزق ،أو كم من إنسان ّ
واملرتفني أو لعبة أو ساعة أو حاسوب أو هدية فيبذل دينه ويغري الفتاوى اليت توافق أهواء هؤالء
املرتفني.
الشافعي كلمة مجيلة سجلتها ونفعن اهلل تبارك وتعاىل هبا" :من تعلم القرآن ثالثا :هلذا قال ّ
الشيخ ّ
عظمت قيمته -يتكلم عن آثار أبواب العلوم ،-ومن نظر يف الفقه نبل مقداره ،من كتب احلديث
رق طبعه ،ومن نظر يف احلساب جزل رأيه ،ومن مل يصن نفسه مل قويت حجته ،ومن نظر يف اللغة َّ
ينفعه علمه".
الشافعي العامل الكبري -رمحه اهلل -الّذي أمضى عمره كله يف طلب العلم
فهذه الكلمات خترج من ّ
ونشرا وبثًّا للعلم .ذكر هذه اخلالصة" :ومن مل يصن نفسه مل
وتدريسه وطاف البلدان تلقياا للعلم ،ا
ينفعه علمه".
رابعا :كما قال عكرمة رمحه اهلل" :إن هلذا العلم مثناا -وهو خياطب املشايخ -قيل :وما هو؟ قال" :أن
تضعه فيمن حيسن محله ،وال يضيعه".
03
معنى أ ّن العلم دين:
إ ّن هذا العلم دين فاكتب هذه الكلمة أمامك على املكتب فما معىن أن العلم دين؟ فانظروا عمن
تأخذون دينكم .ليست هي جمرد فرع ،هذا العلم دين؛ يعن أن هذا ال ّدين يؤخذ من اهلل وهو كذلك
باهلل ،يعن لن تتعلم إال هبدي اهلل ،وهو كذلك إىل اهلل فال ينبغي أن يصرف اال هلل ،فالعلم من اهلل
﴿و َعلَّ َم َ
ك َما َملْ تَ ُكن يب ﷺ وقالَ :
أمنت على النّ ّ وإليه فهو اهلادي واملعلم فهو علم أدم األمساء كلها ،و ّ
﴿ال ُِحييطُو َن بِ َش ْي ٍء ِّم ْن ِع ْل ِم ِه إَِّال ِِبَا َشاءَ﴾ ،فأنت لن تتعلم إال
يما﴾ َ ضل اللَّ ِه علَي َ ِ
ك َعظ اتَ ْعلَ ُم َوَكا َن فَ ْ ُ َ ْ
﴿ما أُوتِيتُم ِّم َن الْعِْل ِم إَِّال قَلِ ايال﴾ فبذلك كما أنك تتعلم من اهلل ِبا شاء اهلل ،وبالقدر الذي شاءه اهللَ ،
فال ينبغي أن تبذل علمك إال هلل.
جدا وجيب أن تتعلمها ،فالّذي يدخل يف بداية احلياة الدراسيّة دون أن مهمة ا فكل هذه األمور ّ
يستحضر هذه املعاين فلن ينتفع بالعلم ،وسيكون حجة عليه ،فاهلل سبحانه وتعاىل ذكر القرآن فهل
آن َما ُه َو ِش َفاء َوَر ْمحَةٌ
ذكر أنه هدى لكل من تُلي عليه؟ ال بل للمتقني ،وقال﴿ :ونُنَ ِّزُل ِمن الْ ُقر ِ
َ ْ َ ّ
لِّْلم ْؤِمنِني﴾﴿ ،ال ي ِز ُ ِ ِ
يد الظَّالم َ
ني إَالَّ َخ َس اارا﴾. َ ُ َ
مجيل ،وأحسب أن كل
كالم ٌ
لكل أحد وقد ذكرنا هذا الكالم يف املقدمة ،فهو ٌ
نافعا ّفليس العلم ا
إنسان عاقل ال بّد أن يقتنع هبذا الكالم.
04
من أين لنا أن نعرف كل هذا؟
يعني من أين نعرف فضل العلم؟ ونعرف أخالق العالِم والمتعلم؟ وفضل الفقه في الدين؟
وتلقي العلم وضبط العلم وحفظ العلم؟ والحرص على العلم والفتية والحكمة في التعليم
واإلصالح؟
النصيحة األولى:
خيتص يف العلم سواء يف آداب طالب العلم
ّ أنصحه أن جيمع كل ما جاء يف القرآن والسنة ممّا
الشباب حني يدخل يف هذا الباب جيمع كتاباا ،فهذه
واملتعلم وآفات العلم ومقاصد العلم ،فكثري من ّ
كتب جيدة ككتاب (حلية األولياء) و(تذكرة السالك واملتعلم يف أخالق ِ
العامل واملتعلم) كلها كتب ّ
جيدة لكن يف رأيي امجع ذلك بنفسك من القرآن ،فكلما وجدت كلمة العلم أو املعرفة أو ِ
العامل أو
العلماء أو يعلم ،امجع هذه املادة من كتاب اهلل وسرتى ما سيفتح لك من أبواب اهلدى يف طريق
طلب العلم.
النصيحة الثانية:
قراءة كتاب العلم من صحيح مسلم واهلل معرفة هذا الباب اخلاص فيه ،معرفة ماذا يطلب من العلم؟
وكيف يطلب؟ والنيات يف طلب العلم كيف نتلقاه وننشره؟ واجلرأة يف بيان احلق وغري ذلك.
اري ومسند ِ
واهلل أفضل ما ميكن أن هتتدي به من بعد كتاب اهلل هو كتاب العلم من صحيح البخ ّ
ال ّدارمي هذه هي األصول اقرأها وامجعها ،مث بعد ذلك امجع ما تشاء.
05
األمر األول :هي امليزان الذي يعرض عليه كل ما جاء بعده فعليك أن تفهم هذه ،ألهنا مهمة ا
جدا،
فكثري من الكتب تتكلم عن طالب العلم وآداب طالب العلم ،فتذ ُكر أمورا حم ّدثة ومبتدعة ،ليست
عما جاء عن
كلها صحيحة فهي ختطئ يف أكثر من جهة ،وال هتتم ِبا جاء يف القرآن واحلديث ّ
العلم ،ممكن تذ ُكر حديث أو آية ،ولكن ال تعمل استقراء.
األمر الثاني :أهنا تغفل أبواباا عظيمة ،هي أعظم ألف مرةٍ مما ذكرت فيه ،وحشدت فيه األدلة.
األمر الذي بعد ذلك ،أ ّن طالب العلم حينما يقرأ هذه الكتب يغفل عن املصدر األصلي للهدى يف
هو كتاب
كل باب؛ لذلك أنا يف رأيي أن أعظم ما فعله البخاري -رمحه اهلل -يف دين اإلسالم َ
اجلامع (املسند الصحيح املختصر من أمور رسول اهلل ﷺ وسننه وأيامه)؛ ألنه يقول لك أنت بصفتك
هو هدي رسول اهلل
مسلم يف كل باب من أبواب الدين ،وكل أمر من أمور حياتك أعظم ما حتتاجه َ
ﷺ ،فكأن كتاب البخاري تطبيق عملي من سنة النيب ﷺ وقبلها من كتاب اهلل ،لقول الشافعي يف
مطلع كتابه الرسالة" :وليست تنزل بأحد من أهل دين اهلل نازلة ،إال ويف كتاب اهلل الدليل على سبيل
اهلدى فيها" لكن من الذي جيمع؟ ،ومن الذي يستخرج هذه املعاين؟ ومن الذي يبثُّها يف الناس؟،
هذا واهلل من خري الناس.
أنا أرى أن من يطلب اهلدى من كتاب اهلل يف أي باب ومن حديث النيب صلى اهلل عليه وسلم،
يبث ذلك يف الناس ،هو خري وارث لألنبياء واملرسلني ،وأرجو أن يرفعه اهلل ويفقهه ويتدبَّر فيه مث ُّ
ونشرا بني الناس
أصل فاعتنوا به قراءةا ودراسةا ا
تبارك وتعاىل بذلك ،فكتاب العلم من صحيح البخاري ٌ
فيه أصح األخبار وأمجعها يف هدي النيب ﷺ متعلِّ اما ،ومعلِّ اما ،وداعيااُ ،
ومفتياا ،وقاضياا ،وفيه فضل
العلم ،وفضل التماس العلم ،وحتصيل العلم ،وفيه الصرب على العلم ،والرحلة يف طلب العلم ،فيه بيان
منازل العلوم وأشرف العلوم وأعالها ،فيه كذلك فضل من َّفقهه اهلل يف الدين ورفعه اهلل بالعلم فعلِم
وعلَّم ،فيه احلرص على التعلُّم ،وفيه احلكمة يف تل ّقي العلوم والعمل هبا واحلكمة يف نشرها والدعوة إىل
السمر يف العلم ،فيهاهلل فيه الفهم يف العلم ،فيه تبليغ العلم ،فيه كتابة العلم ،فيه حفظ العلم ،فيه َّ
اجلرأة يف بيان احلق وحتمل األذى يف سبيل نشر العلم ،فيه التناوب يف العلم واملذاكرة ،فيه خلق
06
املعلم ،وفيه فقه التَّعليم ،فيه فقه ال ُفتية ،والقضاء ،فيه نوعا العلم :الرواية والتفسري ،فيه األخبار ،وفقه
حث النساء على التَّفقه يف الدين ،وأنه مل مينعهن احلياء أن َّ
يتفقهن يف الدين ،فيه عناية األخبار ،فيه ُّ
صهن فيه بالعلم ،فيه كيف يوما خي ُّ
نساء اإلسالم يف صدر اإلسالم يف أن جيعل هلم رسول اهلل ﷺ ا
يقبض العلم ،فيه كيف يُصان العلم ،وكيف يصون طالب العلم نفسه فال يضيِّع نفسه ،مل يرتك
أصال من األصول اليت حيتاجها طالب العلم ،أو العامل ،أو القاضي ،أو املفيت،
البخاري -رمحه اهلل -ا
أصح ما جاء فيها فرحم اهلل البخاري رمحة واسعة ونفعنا اهلل ِبا كتب ،فمختصر هذا أن
إال وذكر َّ
أصدق احلديث كالم اهلل ،وأن أحسن اهلدي هدي النيب صلى اهلل عليه وسلم.
النصيحة الثالثة:
من األمور اليت أحب أن أدلَّك عليها كطالب علم أن تعرف أن أعلى ما يطلب اإلنسان أن يتعلم
يريد أن يتعلم يف الصناعة ،يف الزراعة ،يف جمال عمله… ،يريد أن يتعرف فاملعرفة هي فطرة عند
اإلنسان فأنت ال بد أن تعرف منازل العلوم ،ومراتب العلوم ليست العلوم مرتبة واحدة فال بد أن
تعلم أن أعلى العلوم ،وأصلها ،وأنفعها وأحقها بأن تُتَعلم وتطلب :العلم باهلل ،وبدين اإلسالم ،هذا
ك األَعلَى﴾ أعلى العلم ،أن تكون عاملا باهلل ولواسم َربِّ َ
﴿سبِّ ِح َ أعلى العلوم ،حىت أن هذا من معىن َ
ا
أحدا تعلَّم كل ما يف احلياة الدنيا كل العلوم :الطبيعية ،والرياضية وكل العلوم… ومل يتعلَّم ما جيعله أن ا
شر
يؤمن باهلل ،وخيلص له ،ويعظمه ،وحيبه ،ويرجوه ويتوكل عليه وخيلص له ،فهو كما قال اهلل من ُّ
الربية ،وأولئك ﴿ َك ْاألَنْ َع ِام بَ ْل ُه ْم أ َ
َض ُّل َسبِ ايال﴾.
ب َوَهل ٌو﴾﴿ ،أَ َمل يَعلَم بِأ َّ ِ
َن كثريا أمرنا بأن نتعلم ﴿اعلَموا أَََّّنَا احلَياةُ الدُّنيا لَع ٌ
لذلك اهلل سبحانه وتعاىل ا
اللَّهَ يَرى﴾﴿ ،فَاعلَم أَنَّهُ ال إِلهَ إَِّال اللَّهُ ﴾ والنيب ﷺ ذكر أنه أعلم الناس باهلل ،وأنه أشدهم له خشية،
فقبل أن تبدأ يف طلب العلم حتتاج كذلك -أنا هنا يف هذه احملاضرة أحاول أن أفتح لك أبواباا تطلبها
أنت ،أنا هنا لن أستوعب عنوان احملاضرة بالتأكيد لكنها خطوط عريضة ملا ينبغي أن تلتمسه من
القرآن والسنة يف العلم ،-من أعظم ما يلتمس أن تعرف فضل التماس العلوم ،اهلل سبحانه وتعاىل
يك ِمنجعل الناس إما عامل به وبدينه ،وإما أعمى ،قال سبحانه وتعاىل﴿ :أَفَ َمن يَعلَ ُم أَََّّنا أُن ِزَل إِلَ َ
ِ َِّ
كثريا عن الذين أوتوا ك احلَ ُّق َك َمن ُه َو أَعمى إَّنا يَتَ َذ َّكُر أُولُو األَلباب﴾ ،واهلل سبحانه وتعاىل ذكر ا
َربِّ َ
07
العلم ،وذكر أثر العلم عليهم ﴿ولِيعلَم الَّذين أوتُوا العِلم أَنَّه احل ُّق ِمن ربِّ َ ِ ِ
ت لَهُ ك فَيُؤمنوا بِه فَتُخبِ َ َ َ ُ َ ََ َ َ
جدا ،كما يف قصة قارون ملا أبصروا فتنة قارون ومل يتمنَّوا مكانه كما متنّاه قُلوبُ ُهم﴾ ،وآيات كثرية ا
اب اللَّ ِه َخريٌ﴾ إىل آخر لم َويلَ ُكم ثَو ُ
َ
قال الَّذين أوتُوا العِ
﴿و َ َ الذين يريدون احلياة الدنيا والقصة معروفة َ
أيضا من األمور العظيمة اليت جاءت يف كتاب اهلل ولعلها أهم جدا ،ا
القصة فهذي من األمور املهمة ا
عنصر عندنا اليوم ،وأحب منك أن تكتب هذا الكالم.
حجة لك أو عليك:
العلم ّ
لم ﴾، ِ ِ ِ
كثريا ما يقول ﴿ :من بَعد ما جاءَ ُه ُم الع ُ العلم ميثاق ومسؤولية ،لذلك اهلل سبحانه وتعاىل ﷻ ا
ِ ِ
َنت بِتابِ ٍع قبلَتَ ُهم َوما بَ ُ
عض ُهم ك َوما أ َ تاب بِ ُك ِّل آيٍَة ما تَبِعوا قبلَتَ َ ِ
ذين أوتُوا الك َ َ
يت الَّ
َ ت
ََأ ن مثال ﴿ولَئِ
أو ا َ
ِ ِ بِتابِ ٍع قِبلَةَ ب ٍ ِ
مني﴾ الحظ ِ
ك إِ اذا لَم َن الظّال َ عت أَهواءَ ُهم ِمن بَعد ما جاءَ َك ِم َن العِل ِم إِنَّ َ عض َولَئ ِن اتَّبَ َ َ
ِ
َنزلناهُ
ك أَ ﴿وَكذل َيؤكد أن جميء العلم هو مسؤولية ينبغي أن يعمل هبا اإلنسان ،حىت يف سورة الرعد َ
يل َوال و ٍاق﴾ ،هذا ك ِم َن اللَّ ِه ِمن َوِ ٍّ عدما جاءَ َك ِم َن العِل ِم ما لَ َ ِ
كما َعَربِيًّا َولَئ ِن اتَّبَ َ
عت أَهواءَ ُهم بَ َ ُح ا
يدل على الفرق بني طالب العلم وغريه ،فالعلم حجة عليك ،هو ميثاق ومسؤولية ،لذلك ربنا:
عقلو َن﴾ ،يعن كان ينبغي أن الكتاب أَفَال تَ ِ الرب وتَنسو َن أَن ُفس ُكم وأَنتُم تَتلو َن ِ ﴿أَتَأمرو َن النّ ِ ِ
َ َ َ اس ب ِّ َ َ َ ُ
أيضا يف قول اهلل عز وجل: تكون تالوتكم للكتاب تفصلكم عن اجلاهلني الذين ال يتلون الكتاب ،ا
ت اليهود على ش ٍ ت النَّصارى على ش ٍ
يء َوُهم يَتلو َن يس ِ َ ُ َ َ َ َل َّصارى ن ال تيء وقالَ ِ
َ َ َ
ت اليهود لَيس ِ
﴿وقالَ َ ُ َ
ِ
َ
ثل قَوهلِِم﴾ لدينا معنيان هنا وهم يتلون الكتاب هذا َ مقال الَّذين ال يعلَمو َن ِ
َ َ َ ك َ
الكتاب َكذلِ
َ
ِ
تعجب! ..كيف يقولون ذلك وهم يتلون الكتاب!
من اهلل عليه بالعلم هذه حجة عليه ،ليس معىن ذلك أنك أنت ترتك طلب العلم فهذا يؤكد أن من َّ
هدى
حىت ال يكون حجة عليك ..ال ،احلجة هذه شرف ،تتميَّز هبا عن اجلاهلني ،عن الضالني ،هو ا
لما﴾ ،فال من اهلل سبحانه وتعاىل؛ لذلك ربنا أمر النيب صلى اهلل عليه وسلم﴿ :وقُل ر ِّ ِ ِ
ب زدين ع ا َ َ
يظنن أحد أن يرتكه ،كبعض الشباب ،يف فرتة من الفرتات أول ما بدأت حفظ القرآن ،فقال يل :أنا
َّ
معا ،قال :ال أنا
ال أريد حفظ القرآن ،قلت له :ملاذا ؟! تعال حنن حناول أن حنفظ وجنتمع ونراجع ا
08
طبعا حديث ضعيف
علمت أن هناك حديثاا أ ّن من حيفظ القرآن وينساه له عذاب كذا وكذا .ا
جاهال أفضل!
حديث ،لكن املشكلة يف ظنِّه هو أن يبقى ا
ال ،اإلنسان البد أن يدخل نفسه يف معايل األمور ،وأن يصرب على العمل هبا -رّكز يف هاتني
الفكرتني -أن تُلقي بنفسك يف معايل األمور وأن تتحمل ضريبتها ،فهذا واهلل أشرف ما تصون به
نفسك ،هناك بعض الناس يقول " :أنا أريح نفسي أنا ،ما الذي يدفعن للدخول يف جمال طلب
العلم وأحفظ وأراجع ،وبعد ذلك أدعو إىل اهلل ،وممكن أن آمر باملعروف ،وأنه عن املنكر وأحد
يتضايق من فعلي ،أو يشتمن أو حنو ذلك ،أريح نفسي من هذه القصة كلها ،ما الذي يدفعن يف
يتحمل .لذلك ربنا هذا الباب ؟! ،ال ..فاإلنسان الشريف ال يرضى لنفسه إال ِبعايل األمور ،وكذلك َّ
بالنبوة والرسالة ،قال له- :رِّكزوا يف هذا املعىن العظيم- من على النيب حممد ﷺ َّ سبحانه وتعاىل ،ملَّا َّ
اصرب كما صب ر أُولُو ِ
فتحمل تبعات من عليه هبذا الكتاب َّ العزم ِم َن ُّ
الر ُس ِل ﴾ ،اهلل سبحانه وتعاىل َّ َ َ َََ
﴿فَ ِ
اصرب ِحلُك ِم
هذا األمر ،وكان النيب ﷺ سيد ولد آدم ،فاهلل سبحانه وتعاىل هناه يف آية أخرى﴿ :فَ ِ
الرسل الكرام﴿ ،إنّا حنن نزلنا احلوت ﴾ ،يعن أمره أن يتأسى بأولوا العزم من ُّ ب ِ ك وال تَ ُكن َك ِ
صاح ِ
َربِّ َ َ
عليك القرآن تنز ايال فاصرب﴾ ،إ اذا العلم ميثاق ليس معناه أن يرتك العلم حىت ال يكون حجة عليه ،بل
مستحضرا أن العلم ميثاق ومسؤولية من أول حلظة يف طلب العلم، ا معناه أن يدخل يف طلب العلم
أريد منك أن تالحظ هذه اَلية اجلليلة يف سورة األعراف ،هذه اَلية ال أشبع منها ملا أجد ما فيها
وحتركوا به واستناروا بنوره كثريا ما يذكر الذين عملوا ِبيثاق العلم ّ من البيّنات ،اهلل سبحانه وتعاىل ا
جدا يف القرآن ،فمن أمجع كثريا احجة عليهم ،ذكرهم ا ويذكر كذلك الذين مل ينتفعوا هبذا العلم وكان ّ
هبان لَيَأ ُكلو َن أَمو َالثريا ِم َن األَحبا ِر َو ُّ
الر ِ ِ
اَليات اليت جاءت يف هؤالء قوله سبحانه وتعاىل ﴿ :إ َّن َك ا
ِ الباط ِل ويص ّدو َن عن س ِ ِ اس بِ ِ
بيل اللَّه﴾ ،كذلك يف قول اهلل سبحانه وتعاىل ﴿ يَكتُبو َن الك َ
تاب َ َ ََ ُ النّ ِ
أن العلم بِأَيدي ِهم ﴾ إىل غري ذلك ،لكن هذه اَلية يف سورة األعراف آية عظيمة يف هذا املعىنُّ ،
وتدل َّ
ِِ
ف ِمن بَعدهم َخ ٌ
لف َوِرثُوا شرف ،وميثاق ومسؤولية ليس جمرد مجع معلومات فيقول سبحانه﴿ :فَ َخلَ َ
﴿ويَقولو َن َسيُغ َفُر لَنا﴾ يعن يبيعون علمهم و ِ
ض ه َذا األَدِن﴾ يعن عرض الدنيا َ أخذو َن َعَر َ
تاب يَ ُ
الك َ
أخذوهُ﴾ ،واهلل! هذه اَلية جيب حيرفون بالكتاب ﴿وإِن يأهتِِم عر ِ يضلُّون الناس هبذا العلم أو ِّ
ض مثلُهُ يَ ُ
َ َ ََ ٌ
09
مين اهلل عليك بالعلم ،ربنا يقول ،وهذا كأنه تبني معىن أن َّ أن جيعلها طالب العلم يف قلبه ،ألهنا ِّ
فيه﴾ ،ربنا تاب أَن ال يقولوا علَى اللَّ ِه إَِّال احل َّق ودرسوا ما ِ ميثاق ِ
الك ِ ؤخذ َعلَي ِهم ُ
َ َ ََ َ َ عتاب﴿ :أ َمل يُ َ
سبحانه وتعاىل يقول هنا أمل تتعلَّموا العلم ،أمل تدرسوا ما فيه؟ ،والدراسة تعن بلسان العرب" ،درس
القمح دراسة" معناها املكان الذي "تدوس" تضغط عليه ،أي الشيء الذي تعبت حىت تصل إليه،
تاب أَن ال يَقولوا َعلَى اللَِّه إَِّال ميثاق ِ
الك ِ ؤخذ َعلَي ِهم ُ فربنا سبحانه وتعاىل يذكر هؤالء يقول ﴿:أَ َمل يُ َ
ِ ِ ِ
ذين يَتَّقو َن﴾ أمل تعلموا بدراستكم يف الكتاب أن العلم إَّنا احلَ َّق َوَد َرسوا ما فيه َوال ّد ُار اَلخَرةُ َخريٌ للَّ َ
حيرف حيل أن ِّ يطلب به ما عند اهلل وال تطلب به دنيا ،وال يطلب به شهره وال مال ،وال جاه ،وال ُّ
العامل علمه لريضي الناس ،انظر إىل هذا العتاب يف هذه اَلية ،واهلل مما ينبغي أن يكتبه طالب العلم
﴿وإِذ أ َ
َخ َذ أمامه ،هذا خييف أن يبذل علمه لغري اهلل ،ربنا ينكر على هؤالء﴿ ،أمل يؤخذ عليهم﴾َ ،
اس َوال تَكتُمونَهُ﴾ ،هذا العلم الذي ينبغي أن يبذل هلل ويف تاب لَتُبَ يِّ نُنَّهُ لِلنّ ِ ِ
ذين أوتُوا الك َ اللَّهُ َ َّ
ميثاق ال َ
ليربر للظاملني أو الطُّغاة أفعاهلم ،كيف ميكن أن سبيل اهلل يتَّخذه لنيل مصاحله ،أو يتَّخذ هذا العلم ِّ
الص ِّد عن سبيل اهلل! كما يفعل كثريٌ من الدكاترة يبذل هذا العلم يف غري سبيل اهلل! بل يبذل يف َّ
الص ِّد عن سبيل اهلل ،هؤالء -واهلل- واألساتذة واملشايخ ،يبذل علمه ليس ملصلحة نفسه ،بل يف َّ
اعا ينتزعه قطاع طرق يف صورة مشايخ يضلُّون الناس ،كما قال النيب ﷺ " :إن اهلل ال يقبض العلم انتز ا
جهاال فسئلوا
رؤوسا ا
من صدور العلماء وإَّنا يقبضه بقبض العلماء ،حىت إذا مل يبق عامل اختذ الناس ا
فأفتوا بغري علم فضلُّوا وأضلُّوا".
اهلل سبحانه وتعاىل ذكر الذين اختذوا العلم بغياا يبغون به على الناس ويستطيلون ويفخرون ،فرحوا ِبا
قليال ،ذكر الذين
عندهم من العلم ،ذكر الذين حيسدون يف العلم ،ذكر الذين يشرتون بآيات اهلل مثناا ا
يعينون الظاملني بالعلم ويأكلون أموال الناس بالباطل ويصدُّون عن سبيل اهلل ،وهم علماء يف الظّاهر،
ليس جمرد أن تقرأ كتاباا أو تأخذ دكتوراه تكون عاملا مرضيًّا عند اهلل ،فلذلك أنا أقول لك إذا كنت
ا
مثال واحد باملئة يف طريق حتصيل العلم فال بد أن َتتهد ٩٩يف املئة يف هذا الطريق وأن تصونَتتهد ا
العلم وأن ختلصه من حظوظ النفس هذا -واهلل -هو الذي جيعلك تنتفع بأقل ما يبلغك من العلم.
21
كثريا ما أردد هذه اَلية اليت نصح ابن تيمية -رمحه اهلل -صاحبه أبا قاسم املغريب- ،واهلل -هذه وأنا ا
الكلمة عظيمة ملن يعقلها قال له" :فمن َّنور اهلل قلبه هداه ِبا يبلغه من ذلك -يعن من العلم أو
الكتب أو الدروس أو املشايخ -ومن أعماه اهلل فلن تزيده كثرة العلم واملعرفة إال حريةا وضاللة"؛
احملرر ،وإمام زمانه ،وهو واهلل صادٌّ عن سبيل فكثريٌ من الناس حيسب أنه العامل ،وحيسب أنه احمل ّقق ،و ّ
اهلل ،يأكل بعلمه ويأكل بدينه ،ويفخر على الناس ،مع أنه يف ذات الوقت ليس حىت حم ّق اقا يف علمه
تتأمل هذه اَليةوال شيءِ ،بعىن هو حم ّقق يف العلم وال يبذله هلل ،فنعوذ باهلل من ذلك ،أريد منك أن ّ
اليت َّبني اهلل فيها أن عاملا أتاه اهلل اَليات مث مثَّله بالكلب يف أسوأ حاالته فهذا العلم الذي ُّ
حقه أن
ا
يرفع به اإلنسان عند اهلل-ال أقصد عند الناس﴿ -يرفع اهلل الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم
درجات﴾ يصري عند اهلل كالكلب! ﴿إِن َحت ِمل َعلَ ِيه يَ َلهث أَو تَرتُكهُ يَ َلهث﴾.
تتصور أنه ميكن إلنسان أن يكون عاملا ويكون عند اهلل كمثل الكلب ،وكمثل أنا أريد منك أن َّ
ا
أسفارا ،إذا مل يكن حقي اقا هبذا العلم إذا مل يكن يتحرك به ،إذا مل يكن يبذله هلل ،إذا
احلمار حيمل ا
كان يبذل علمه ملصاحله الشخصية يفخر به على الناس يستعلي به على الناس جيادل ومياري جملرد
املراء واجلدال ،واهلل ما هؤالء بالعلماء ،وال حىت طلبة العلم ،كيف ميكن أن يُبذل العلم لغري اهلل؟
نتصور الرجل
الص ِّد عن سبيل اهلل واالستعالء على الناس والكرب؟ ّ
كيف ميكن أن يكون العلم سبباا يف ّ
الص ِّد عن سبيل اهلل ،كهؤالء احلمقى الفاسقني
كثريا مث استعمل هذا املال يف ّماال ا الذي أعطاه اهلل ا
الفاجرين الذين آتاهم اهلل املال الكثري مث يأتون بالفسقة والفجرة واملمثلني الذين ينشرون الفسق
والفجور ،وينشرونه يف جمتمعات اإلسالم ،أريد أن أتوقع كيف يكون جزاء هذا الشخص عند اهلل ،اهلل
الص ِّد عن سبيل اهلل،
سبحانه وتعاىل يعطيه املال الكثري ،مث يبذل هذا املال -الذي هو مال اهلل -يف ّ
وحياربون به كل من دعا إىل اهلل ،كذلك إنسان أعطاه اهلل املال فاستعمل هذا املال حلظوظ نفسه ،أو
أعان به الظاملني اجملرمني ،لذلك أريد منك أن تكثر من هذا الدعاء ،اُدع اهلل سبحانه وتعاىل ﷻ:
وتعوذ باهلل تبارك وتعاىل الدعاء، ذاه من أكثر ﴾، ني ب ِِبَا أَنْعمت علَى فَلَن أَ ُكو َن ظَ ِهريا لِّْلمج ِرِ
م ﴿ر ِّ
ّ َ ا ُْ َ ْ َ َ َّ ْ َ
حظ نفسك ،أو يف إعانة من اهلل تبارك وتعاىل عليك من العلم يف ِّ أن تستعمل علوم اإلسالم ،أو ما َّ
حيذرنا من هؤالء. كثريا ما ِّالظاملني فاهلل سبحانه وتعاىل ا
20
أحب أن أقف مع ٍ
هداية عظيمة يف حديث رسول اهلل صلى حنن نأخذ هدايات من القرآن واحلديث ُّ
اهلل عليه وسلم ،عن أيب هريرة رضي اهلل عنه عن النيب ﷺ قال" :الناس معادن ،كمعادن ال ّذهب
والفضة ،خيارهم يف اجلاهلية خيارهم يف اإلسالم إذا ف ُقهوا" ،فالناس معادن فاملعدن هو مستقر
الشيء ،فمنها جاءت :جنات عدن ،الناس معادن منها الذهب ،والفضة ،واحلديد ،النحاس …إخل،
فالناس معادن ،أنا أريد أن أعرف معدين ،فهذا شيء باطن ال تستطيع أن تعرفه إال بورود املعرفة على
فكل من كانت تزيده املعرفة حسن قلبك" ،خيارهم يف اجلاهلية خيارهم يف اإلسالم إذا فقهوا"ّ ،
كل من زادته خريا د َّل هذا على ِطيب معدنه ،و ُّ خلق ،وعمل ،وعبادة ،وتواضع ،وكل من زادته املعرفة ا
دل هذا على وتيها -التِّيه هو الفخر -على من حتتهَّ ، احتقارا لغريه ،واستعالءا ا وحسدا ،و ا ا كربا،
املعرفة ا
خبث معدنه ،فاإلسالم يتناول املعرفة من جهتني من جهة الوعاء الذي تُعرض عليه املعرفة ،وهو
جدا -ربنا سبحانه القلب ومن جهة األثر الذي يظهر على طالب العلم -ركزوا يف هذه الفكرة مهمة ا
قاال ُسقناهُ لِبَ لَ ٍد ني يَ َدي َرمحَتِ ِه َح ّىت إِذا أَقَلَّت َسحاباا ثِ اشرا بَ َ
ياح بُ االر َ
وتعاىل قال﴿ :وهو الَّذي ي ِ
رس ُل ِّ ُ ََُ
ب ي
َِّّ
ط ال د
ُ ل
َ الب
و * ن
َ روكَّ ذ
َ ت
َ م ك
ُ َّ
ل عل
َ وتىامل ِج
ر ُن
ُ ك ات َكذلِت فَأَنزلنا بِِه املاء فَأَخرجنا بِِه ِمن ُك ِّل الثَّمر ِ ميِّ ٍ
ُ ََ ُ َ َ َ َ َ َ َ َ
اَليات لَِق ٍوم يَش ُكرو َن﴾ فهو يشبه ِ فصِّر ُ
ك نُ َ
ِ
ث ال َخيُر ُج إِّال نَ ِك ادا َكذل َذن َربِِّه َوالَّذي َخبُ َ
َخيرج نَباتُه بِِإ ِ
ُُ ُ
الوحي باملطر الذي ينزل على الرتبة ،هذه الرتبة منها الطَّيب ومنها اخلبيث ،البلد الطيب تربته طيبة
ومشاربه عذبة ،واملطر ينزل عليه ،خيرج نباته فإذا أنزل اهلل الغيث وأرسل عليه الرياح ،فتخرج هذه
الثمار طيبة ويف وقتها -الحظ هذه الفكرة املهمة أنا أريد منك أن ترِّكز يف كل لفظة يف هذه اَلية-
أول شيء ربنا سبحانه وتعاىل ﷻ ميثّل الوحي باملطر ينزل على الرتبة ،الرتبة هي القلب ،والرتبة الطيّبة
ماذا حيصل هبا حني ينزل املطر عليها فهي تربة نقية ستثمر يف حينها ووقتها؛ يعن ال يتأخر ،هذا هو
معىن العلم ،فبمجرد أن يرد العلم على قلبك فتتحرك به وله ،هذا هو الذي ذكره اهلل عن الصحابة
الكرام﴿ :إذا تليت عليهم آياته زادهتم إمياناا﴾ مباشرة.
قول أَيُّ ُكم زادته ِ
هذهِ إمياناا فَأ ََّما سورةٌ فَ ِم ُنهم َمن يَ ُ واهلل سبحانه وتعاىل ﷻ قالِ :
َُ ﴿وإذا ما أُن ِزلَت َ
َ
جس ِهم بشرو َن * وأ ََّما الَّذين يف قُلوهبِِم مرض فَزادهتُم ِرجسا إِىل ِر ِ
الَّذين آمنوا فَزادهتُم إمياناا وهم يستَ ِ
ا ََ ٌ َ َ َ َُ َ َ َ َ
َوماتوا َوُهم كافِرو َن﴾
22
الحظوا هنا أمران:
.1القبول.
.2األثر ،كما سيأيت معنا يف احلديث إن شاء اهلل يف خري املنتفعني من رسالة النيب ﷺ.
األمر األول :القبول.
فهو قَبِل العلم وظهر العلم عليه ،فهذا املعىن كشَّاف لطالب العلم ليعرف مدى طيب معدنه أو
خبثه ،فأول ما يسمع احلديث أو اَلية َتده ال يف ّكر إال كيف أعمل هبذه اَلية مباشراة ،مسع آية عن
قادرا
قيام الليل ،أو عن حترمي احلسد ،أو آية عن النفقة أو الصدقة فيبادر بالعمل هبا ،وإذا مل يكن ا
وحترك قلبه شوقاا للعمل هبا هذه من أعظم املفاتيح اليت تعرف هبا طيب عليها ،ورجا أن يعمل هباَّ ،
معدنك أو خبث املعدن ونسأل اهلل طيب املعدن ونعوذ باهلل من خبث املعدن.
لذلك ابن عمر رضي اهلل عنه يصف حال الصحابة ،يقول" :لقد عشنا برهةا من دهرنا َّ
وإن أحدثنا
يُؤتى اإلميان قبل القرآن-يعن يتعلم التسليم هلل واإلخالص واإلميان باليوم اَلخر وغري ذلك قبل أن
يؤتى القرآن يعن قبل أن يتعلم القرآن ِبا فيه من األخبار واألحكام وتنزل السورة على النيب ﷺ-
فيتعلّم حالهلا وحرامها وما ينبغي أن يوقف عنده فيها كما تعلمون أنتم القرآن" مث قال" :لقد رأيت
رجاال يُؤتى أحدهم القرآن فيقرأ ما بني فاحتته إىل خامتته ما يدري ما أمره وال زاجره وال ما ينبغي أن
ا
مقبوال؛
يوقف عنده منه ،ينثره نثر الدَّقل" .الدَّقل :هو التمر الرديء ،يعن خيرج القرآن منه ال يكون ا
ألنه جمرد حروف ،كما قال النيب صلى اهلل عليه وسلم" :ال تتجاوز حناجرهم" بغري ما يكون القرآن
حيركه هو الذي يأمره وينهاه هو الذي له حيًّا تعيش به ،كان ُخلقه القرآن كان القرآن هو الذي ّ
سلطان عليهِ ،بعىن أصح أنك أنت تربمج نفسك على القرآن ،كما أنت تطبِّع نفسك فيه فتخالف
هواك يف طاعته ،ال يوجد أمر امسه" أنا كسالن ،أنا عنيد…" ل هناك أمر امسه "مسعنا وأطعنا" أنك
تصورا وتصرفاا هبدى اهلل انظر يف حديث النيب ﷺ ملا قال" :إن
وعمال ا
علما ا أنت مسلم هلل تتش ّكل ا
ّ
اهلل يرفع هبذا الكتاب أقو ااما ويضع آخرين" نفس الكتاب ،اهلل ﷻ جعل القرآن للمؤمنني ذكر أكثر
من شيء أنه هو نور ،وأنه بينات ،وأنه روح ،ولكن انظروا هلاذين الوصفني﴿ :قل هو للذين آمنوا
هدى وشفاء﴾ ؛ يعن أنه اهلداية له يف كل باب من أبواب حياته ،هو الذي ينري له الطريق ﴿أومن
ا
23
نورا
نورا ميشي به يف الناس﴾ فاهلل ﷻ ملّا أحياه باإلسالم جعل له ا كان ميتاا فأحييناه وجعلنا له ا
طائف من الشيطان تذ ّكروا
مسهم ٌ كالكشاف يوضع على الشيء يبصر به احلق ﴿إن الذين اتقوا اذا ّ
فإذا هم مبصرون﴾ ،فأنت بصري بقدر علمك واهتدائك بالقرآن ،لذلك ربنا جعل الناس إما عامل أو
أعمى ،فهذا معىن اهلدى ،ومعىن الشفاء ،شفاء لكل ما يف الصدور وماقي الصدور صنفان من
الرتّدد ،وإما مرض عملي وهو الشك وحنو ذلك واالرتياب و ّ
الريب و ّ
املرض ،إما مرض علمي وهو َّ
مثال﴿ :يف قلوهبم مرض﴾ لقول كثري من العلماء - الرياء وحنو ذلك… لذلك ربنا قال االشهوة ،و ّ
الريب ،-قال اهلل ﷻ﴿ :فيطمع الذي يف قلبه مرض﴾ و هو الشهوة ،فربّنا جعل كتابه شفاءا الرياء أو ّ
ّ
ملا يف الصدور ،فكل من تلى كتاب اهلل فليستشفي به مما يف قلبه من كل األمراض ،الكرب احلسد و
مستنريا،
ا الرياء و الشهوة ،إذا أقبل على كتاب اهلل مستشفياا به ،انظروا مستشفياا مثل مستهدياا مثل
مستنريا طالب النور ،مستشفياا طالب منه الشفاء وبه ،كذلك مستهدياا ا انظروا للكلمات اجلميلة
كل من طلب القرآن ،فإن اهلل تبارك وتعاىل يعينه على االستشفاء به وعلى االستهداءطالب اهلدىُّ ،
به وعلى ِ
االستنارة به.
ين َال يُ ْؤِمنُو َن ِيف آ َذاهنِِ ْم َوقْ ٌر َوُه َو َعلَْي ِه ْم َع امى﴾ نفس القرآن الذي
َ َ
ربنا وصف القرآن ،بأنه ﴿والَّ ِ
ذ
هو القبول،
جدا ،فأول األمر َ
عمى ،آيات كثرية ا وهدى وشفاءا للمؤمن كان على الكافر ا ا نورا
كان ا
كيف تتقبل هذا العلم.
26
وصوال إىل كتاب(املشتبه للنسائي) وما بينهما من
ا داوود) و (جامع الرتمذي) وغري ذلك من الكتب
الكتب ،هذه قاعدة مشرتكة فينبغي إذا بدأت يف باب من أبواب الدين أن تستفتح هبا ،ال أقول لك
إنك ال حتتاج ملا كتبه أهل العلم من املتأخرين بعدهم كابن عبد الرب ،أو ابن تيمية ،أو ابن القيم ،أو
ابن كثري ،وغريهم من األئمة الكرام.
املرد هلذه الكتب اليت مجعت اَليات يف الباب
إَّّنا قصدت أن تكون القاعدة واألصل واملنطلق ،و ّ
واألحاديث بطرقها وألفاظها ورواياهتا ،وما جاء عن الصحابة الكرام وفقه األئمة والعلماء.
غافال
واهلل هذه الكتب حينما تبدأ فيها ستعرف كل ما مضى من عمرك يف طلب العلم أنك كنت ا
عن هذا املعني األصلي.
وهي ما أهتم به تقريباا يف كل ال ّدروس اليت أدرسها وأرجو أن اهلل ﷻ هداين هلذه الفكرة ،وهداين
لالهتمام بنشر هذه الفكرة يف كثري من املعاهد أو الدورات أو احملاضرات؛ لعلمي بأن طالب العلم إذا
طويال يف غري العلم النافع.
عمرا ا
عمن يعلمه فإنه رِبا ميضي ا
مل يتلقى هذا املعىن العظيم ّ
مه ّمة لطالب العلم:
أمور ّ
ٌ
القلب موضع العلم:
فالخالصة :أن القلب هو موضع العلم ،طيب إذا كان القلب هو الذي يتلقى العلم وهو األصل كما
يب ﷺ" :إن يف اجلسد مضغة إذا صلحت صلح اجلسد كله ،إذا فسدت فسد اجلسد كله ،أال
قال النّ ّ
وهي القلب".
27
أيضا من اخلالصات ينظر إىل قلوبكم هي اليت تتلقى العلم وإىل أعمالكم وهي اَلثار
هذا احلديث ا
الناَتة عن هذا العلم.
يب عن
أوال ،مث نزل القرآن ،فعلموا من القرآن مث علموا من السنة ،وملا ح ّدث النّ ّ
الحظوا نزلت األمانة ا
رفع األمانة بني أن األمانة ترفع من القلوب ويذهب أثرها ،إذاا هذا يؤكد الثنائية اليت نتكلم عنها من
أول احملاضرة وهي الظاهر والباطن ،القلب والعمل ،إن اهلل ال ينظر إىل صوركم ال ينظر اهلل ﷻ إىل كم
دليل حتفظ يف املسألة ،كم شهادة أخذهتا ،هذه األشياء صورة للعلم.
لكن أعظم ما ينظر اهلل إليه ،وهو األصل يف ذلك كله :القلب ،وأثر هذا العلم على نفسك.
غدا بإذن اهلل هي فكرة "القوة واألمانة" كيف أكون
لذلك شباب كانت الفكرة اليت سنتكلم عنها ا
القوي واألمني يف الباب الذي أطلبه ،ميكن أن يكون اإلنسان عنده قوة ،عنده مهارات ،عنده ذكاء،
عنده جلد ،عنده صرب ،لكنه ليس أميناا ال يصون العلم ،أو يكذب و يدلس ،أو ينسب العلم إىل
مثال عن َّناذج الطلبة الذين
نفسه ،أو يسرق املعلومات ،واهلل لو حتدثت عن هذا الباب ،لو حتدثت ا
يستعملون هذا العلم حيقرون به الناس ،أو يستخفون به الناس ،أو يستثمرون هذا العلم يف مصاحلهم
كثريا ،ولكن هذه اخلالصة مهمةالشخصية ،أو يربرون للظاملني أفعاهلم ،هذا باب طويل تكلمت فيه ا
جدا وهي :العلم القلب والعمل.
ا
جدا ،يف رأيي هي من البينات يف هذا الباب ،هي أخالق طالب العلم ،اتفقنا أناملهمة ا
من األمور ّ
طالب العلم هو مسلم قبل كل شيء ،فهو مأمور بكل ما جاء يف كتاب اهلل من أخالق املؤمنني ،وأنا
كل الكتب املكتوبة يف األخالق، أحب منك أن َتمع هذه األخالق بنفسك فهذا واهلل أعظم من ّ ّ
وتزكية النفس ،والورع ،والزهد ،والرقاق ،وغري ذلك… أن َتمع اَليات واألحاديث يف هذا الباب.
28
من ذلك مثل اَليات قوله تعاىل يف سورة الفرقان﴿ :و ِعباد َّ َّ ِ
الر ْمحَ ِن الذ َ
ين ميَْ ُشو َن َعلَى األرض َه ْوناا﴾ ، َ َُ
س الِْربَّ أَن تُ َولُّوا َّ ِ ِِ َّ ِ
صالهتم خاشعو َن﴾ ،وكذلك ﴿لْي َ ذين ُهم يف َومثل﴿ :قَد أَفلَ َح املُؤمنو َن * ال َ
وه ُكم قِبل الْم ْش ِرِق والْم ْغ ِر ِ
ب َوَٰلَ ِك َّن الِْربَّ َم ْن َآم َن بِاللَّ ِه﴾.كل هذه اَليات َتمعها يف خلق املؤمن، َ َ ُو ُج َ ْ َ َ َ
فضال عن ذلك ،منها لكن طالب العلم الذي دخل يف باب التماس العلم يكون عليه أخالق أخرى ا
مثال احلرص يف العلم كما قال أبو هريرة رضي اهلل عنه" :قلت :يا رسول اهلل من أسعد الناس يف ا
يب ﷺ" :لقد ظننت يا أبا هريرة أال يسألن عن هذا احلديث أحد
شفاعتك يوم القيامة؟ .فقال النّ ّ
أوىل منك؛ ملا رأيت من حرصك على احلديث ...إىل آخر احلديث".
أريد منك أن تفهم شيئاا ،املعلم ال يعطيك بقدر ما عنده وإَّنا يعطيك بقدر حرصك أنت ،عليك أن
وخيص
ّ تفهم أنك أنت الذي تستخرج من املعلم ما عنده ،أي من املمكن أن يكون املعلم واحد،
بعض الطالب حلبه هلم ،ولعلمه حبرصهم على ما يقول من الفوائد ،ولعلمه جبلدهم وصربهم.
كما قلت لك الكتاب ال تأخذ منه بقدر ما فيه ،وإَّنا تأخذ منه بقدر ما عندك من النيات
واملهارات ،نفس الكتاب "القرآن ،البخاري ،كتاب األمة للشافعي ،موطئ مالك ،سري أعالم النبالء"
أي كتاب يشرتك اثنان ،أو عشرة يف نفس القراءة وخيرج واحد بآالف الفوائد ،ويظهر أثر الكتاب
عليه ،واَلخر خرج منه ومل يفهم شيئاا ،أو وفهم مخسني باملئة.
إ اذا الكتاب ال تأخذ منه بقدر ما فيه وإَّنا تأخذ منه بقدر ما عندك من النيات ،أوال باملقاصد اليت
تطلبها ،وكذلك بقدر املهارة ،يعن بالضبط كأنك دخلت السوق ،هذا السوق فيه عدة أسواق" :هذا
مثال سيارات ،أنت دخلت السوق فيه خضراوات ،فيه مالبس ،فيه أشياء املكتبة أقالم ودفاتر ،وفيه ا
السوق ،بقدر ما تريد وبقدر ما متلك ،ستأخذ"- ،اكتب هذه الثنائية -أنت تأخذ من املعلم ومن
الكتاب بقدر مقاصدك وبقدر ما متلك من املهارات.
إن شاء اهلل سألقي عليكم بإذن اهلل محاضرة ثانية عن" :أشياء فنية لطالب العلم" ،تشعر يف أن
طالب أنه موفق ،واضح فيه أنه متمكن من العلم ،وأنه مهتدي يف هذا العلم ،فأنا أحاول إن شاء اهلل
أن أعطيك بعض املفاتيح اليت تعينك على هذا املعىن ،بأنك تنتقل من اهلواية إىل االحرتاف ،أن
29
تكون حمرتف ،بأن تعرف مثال الكتب ،تعرف كيف تذاكر ،كيف تضبط ،مىت تذاكر هذه املادة ومىت
تذاكر هذه املادة ،إذا كنت جمتمع مع أصحابك األفضل أن تدرس حبث معاصر أم كتاب من كتب
الرتاث ،هي" ملسات أو مفاتيح" أرجو أهنا ستعينك بإذن اهلل تبارك وتعاىل وختتصر لك الطريق.
أيضا أليب هريرة ،عندما الناس قالوا :أكثر أبو هريرة ،أبو جدا ،هو حديث ا أيضا من األمور املهمة ا
أيضا يف البخاري قال أبو هريرة" :ولوال آيتان يف كتاب هريرة يروي أحاديث ال يرويها غريه ،واحلديث ا
ين اهلل ما حدثت حديثا" ،مث يتلو قول اهلل ﷻ يف سورة البقرة من أول قول اهلل تبارك وتعاىلِ َّ َّ :
﴿إن ٱلذ َ ا
ب﴾ إىل قوله تبارك وتعاىل ت َوٱ ْهلَُد َٰى ِمن بَ ْع ِد َما بَيَّ َٰنَّهُ لِلن ِ
َّاس ِف ٱلْكِ َٰتَ ِ ي ْكتُمو َن ما أَنزلْنَا ِمن ٱلْب يِّ َٰنَ ِ
َ ُ َ َ َ َ
"الرحيم".
مث يربر أبو هريرة ملاذا هو حافظ للحديث ومكثر يف روايته؟! ملاذا حفظ ما مل حيفظه غريه؟! ،وضبط
فق باألسواق ،وإن إخواننا من
الص ُ
مامل يضبطه غريه؟! ،قال" :إن إخواننا من املهاجرين كان يشغلهم ّ
األنصار كان يشغلهم العمل يف أمواهلم ،وإن أبا هريرة كان يلزم رسول اهلل ﷺ ِ
بشبَع بطنه ،وحيضر ما
ال حيضرون ،وحيفظ ما ال حيفظون" .بإذن اهلل ﷻ ألقي عليكم حماضرة كاملة ،ثالث ساعات ،عن
الثالث أمور اليت ذكرها أبو هريرة يف هذا احلديث ،ي يف رأيي خالصة ما يتميز به طالب العلم عن
غريه.
لماذا؟ حينما تعرف قصة أيب هريرة ستعرف ملاذا قال أبو هريرة يف هذا احلديث ،أبو هريرة أسلم
يب
يب ﷺ قرابة ثالث سنوات ،سبقه املهاجرين واألنصار وفاته من النّ ّمتأخرا ،يعن أدرك من حياة النّ ّ
ا
ﷺ تقريباا عشرين سنة من بعثة رسول اهلل ،يعن أن الفرصة املتاحة له قليلة ،فمن هنا ماذا كان
يفعل؟ مجع قلبه على هدفه :العلم هبدي رسول اهلل ﷺ وضبطه ،وحفظه ،وبثّه بني النّاس ،هكذا
جدا من العلم ،وليس لديه شيء يسبق به، متأخرا ..فاته كثري ا
طريقه واضح امامه ،دخل يف اإلسالم ا
جماهدا فاتته املشاهد الكربى ،فجمع قلبه
ويتقرب به إىل اهلل ،مل يكن غنياا ينّفق على النّاس ،مل يكن ا
على هدفه :العلم بسنة رسول اهلل ﷺ ،وحفظها ،والسعي يف نشرها ،فكانت قربته إىل اهلل.
31
األول :وضوح الهدف وثباته.
الخلق ّ
إ اذا :أول ُخلق نتعلمه من أبو هريرة :وضوح اهلدف وثباته ،قد تكون طالب علم لكن أول ما يأيت
عليك أمر ترتك طلب العلم ،كان يل صاحب جاءه دين ،مث كان ّأول شيء فكر به هو يبع مكتبته،
وترك الدروس ،ليس لديه أدِن معىن من الصرب فكيف ميكن أن يعينك اهلل؟ ،أريد منك أن َتلس مع
نفسك وتقول ما هو الذي عندك تستجلب به رمحة اهلل؟ إذا مل تسع ،ومل َتتهد ،وتصرب ،وختطو
دائما يذكر البادرة من العبد ،وإن كان تعول؟ اهلل سبحانه وتعاىل ا خطوات ،فبماذا ترجو؟ على ماذا ّ
ِ ِ
اه ْم ُه ادى﴾. احلَ ِّق إِنَّ ُه ْم فْت يَةٌ َآمنُوا بَِرِّهب ْم َوِزْدنَ ُ
ك نَبَأ َُه ْم بِ ْ
ص َعلَْي َ﴿حن ُن نَ ُق ُّ
الكل من فضل اهللَْ :
َّ ِ
َّق بِٱحلُ َ َٰ
سىن * فَ َسنُيَ ِّسُرهۥُ صد َين ْٱهتَ َد ْواْ …﴾﴿ ،فَأ ََّما َمن أَعطَ َٰى َوٱتَّ َق َٰى * َو َ يد ٱللَّهُ ٱلذ َ
﴿ويَِز ُ
َ
هد ُكم …﴾. ُوف بِع ِ
هدي أ ِ لِليسرى﴾﴿ ،وأَوفُواْ بِع ِ
َ َ َ ُ َ
من الالزم أن يكون هناك بداية ،بادرة ،فانظر إىل أيب هريرة رضي اهلل عنه مجع قلبه علو هذه الثالثية،
سأخره ،مع أنه جاء يف أول احلديث.
هذا أول خلق نتعلمه منه .ثانياا :هناك أول ولكن ُّ
الخلق الثاني :لزوم مصدر العلم.
الخلق الثاني :أنه كان يلزم رسول اهلل ﷺ ألنه عرف أن النّ ّ
يب هديه خري اهلدي وأن العلم عنه هو
أشرف العلم.
إذاا أبو هريرة يعلمنا أن نبحث عن مصادر العلم و ّأال ننشغل بغريها ،كم من املمكن أن تكون فتاة مل
تقرأ كتابا واحدا يف أحكام الطهارة اليت تلزمها وهي تقرأ كتاب يف فلسفة أرسطو ،كم من طالب علم
اَلن يدرس منذ عشرين سنة يعيش على املختصرات ورسائل الدكتوراه واملتون ،ومل يقرأ تختصر
البخاري .إ اذا نتعلم من أيب هريرة أنه كان يعرف منبع العلم وأصل العلم.
30
حارا
املباحات والتخفف من الدنيا ،وأحدثكم عن بعض الشباب ،أن عدد منهم حينما يكون اجلو ا
مل يكن يذاكر.
وطالب إذا كان هناك حماضرة لشيخ على بعد ساعة منه وسريكب مثال قطار أو سيارة مل يكن ليأيت.
وطالب كان ميكن أن يشرتي حذاء بثالث أالف جنيه ،وال يرضى أن يشرتي كتابا ب مخسني جنيه
الذي ستقام به دورة.
كيف يتصور هؤالء أن يعينهم اهلل؟ كيف يتصور هؤالء أهنم طلبة علم؟ ،انظر أبو هريرة يقول" :كان
يلزم رسول اهلل ﷺ بشبع بطنه" ،كم من إنسان اليوم يريد أن ينام ِمأل عينيه ،ويأكل مأل بطنه،
ويلبس أغلى اللبس ،ويشغل ثالثة أو أربعة وظائف ،ويف نفس الوقت يتصور أن يكون عامل ،هل
حتلم؟ ،عليك أن تفهم أن عليك أن تعطي العلم وقتك ،وحياتك ،وتفكريك ،فأنا ال أحب ان ختدع
نفسك.
كثري من الشباب يقول" :عادي من املمكن أن أستمع إىل الدرس" فيستهني ِبسألة أن حيضر
الدرس ،احلضور هذا هو لقاء أهل العلم واخلري هذا أمر ال يقدر؛ ألن احلياة العلمية ليست جمموعة
معلومات ،بعض الناس يقول" :ما الذي يدفعن لقطع ثالث ساعات ألمسع درس 45دقيقة ،من
املمكن أن أخذ التسجيل من الشباب" فأقول له" :ال واهلل ،أنا آخر شيء أتعلمه من الشيخ هو
املعلومات ،إَّنا أريد أن أتعلم منه ،انظر كيف يذاكر كيف يواظب على العبادات ،أنا أنتفع من هديه
أكثر بكثري من املعلومات".
هذه املشكلة؛ لذلك من األمور اليت هداين اهلل إليها بفضله وكرمه وليست من واهلل أن هداين اهلل
بالعناية بسرية األنبياء ،واملرسلني ،والصحابة ،وأهل العلم ،لو سألن أحدهم ما هو أعظم ما هداك
اهلل فيه بعد حب القرآن ،لقلت له سري العلماء ،ألن هذا هو العلم املعاش ،العلم احلي ،العلم
املتحرك.
32
أنا ملا أقرأ مثال يف ترمجة البخاري أن البخاري بقي أياما يف البصرة يصنف بعض الكتب واألبواب
قال" :أقمت بالبصرة -أنظروا للعلم حينما يكون ديناا وعبادة -أصنف الكتب ،وأذهب إىل حلج
والعمرة أرجو أن يبارك اهلل تبارك وتعاىل للمسلمني يف هذه املصنفات" ،انظر إىل هذا املعىن ،هذا
الرجل يكتب العلم ويصنف ويعلم أن هذا العلم دين ويطلب أن يبارك اهلل فيه ،مع أنه كتبه ومجعه،
وتعب فيه ،وذهب إىل أكرب العلماء ،وعنده أعلى األسانيد وأصح الروايات ،ولكنه يعلم أن هذا إن
مل يكن ليبارك اهلل تعاىل فيه سيطري ويكون هباء منثورا ،يرجو بركة ذلك "أرجو أن يبارك اهلل فيه "،
أنت حينما تقرأ مثل هذا تتغري نظرتك عن العلم ،لذلك جماهد بن جرب له كلمة مجيلة قال" :طلبنا
بعد النية" ،يقول" :أنا مل أكن أتصور كل هذه النيات هذا العلم وما لنا فيه كبري نية مث رزق اهلل فيه ُ
واملقاصد ،ولكن حني تعبت وصربت هداين اهلل تبارك وتعاىل".
نتعلم من أبي هريرة :احلرص على حضور جمالس العلم والتعب فيها واالنفاق.
كيف ال تنفق والكافر ينفق ماله ليص ّد عن سبيل اهلل ،أستغرب من أحدهم يكون معه مثن الكتاب
ويقرأه بصيغة الكرتونية على اهلاتف ،تستخسر أن تدفع مثن صحيح البخاري؟!هل أنت متخيل أنك
من املمكن أن تعان على طلب العلم.
قال" :وحيضر ما ال حيضرون وحيفظ ما ال حيفظون" نقف هنا وقفة.
33
الخلق الخامس :الحرص.
جدا:
يب ﷺ يقول ألبو هريرة كلمة صرحية اضا من أبي هريرة :احلرص.النّ ّ
من أعظم ما نستفيد أي ا
يب ﷺ ذلك الظن من أيب هريرةظن النّ ّ
"لقد ظننت أال يس ألن عن هذا احلديث أحد أوىل منك"ّ ،
بسبب أنه كما قال" :ملا رأيت من حرصك على احلديث".
احلرص :أال تبقي وال تذر من الشيء الذي أنت حترص عليه ،أنك ال تريد أن تفوت منه شيئاا
ميكنك احلصول عليه .ما معىن ذلك؟
مثال :ملا أرى طالب يف كل مرة أقول فيها أي معلومة يبادر بكتابتها،
معناه أين أنا بصفيت مدرس ا
ويسألن ،ويراجع وإذا كلفته بتكليف يضبطه ،ويقدمه يف وقته ،يعتن بكالمي ،بدرسي ،كيف ميكن
أن أخبل بعلمي عليه؟! ،على العكس بل أنا سأخصه بالعلم ،وسأعطيه من وقيت ،وجهدي بل لو
أملك ألعطيته الكتب وكل شيء.
هذا العامل الذي يعرف قيمة العلم ،وهذا ما كان يفعله عبد اهلل بن املبارك كان ينفق على مشاخيه
وعلى طالبه ،كل من يَ ْعلَ ُمهُ ،عبد اهلل بن مبارك إذا رأى أحد من أهل العلم ينفق عليه إذا رآه
حمتاجا ،ألنه يعلم قيمة أن تبن عامل أو طالب علم.
ا
أبدا ،ولكن ال بد أن تشعر معلمك ِبا يقدمه
أيضا نتعلم احلرص ،ال أقصد منك أن ترائي بعملك ال ا
لك ،ليس أن تنثي عليه ،أن يرى أثر العلم عليك.
مثال :أن يعطيك أحدهم ساعة غالية مجيلة فتأخذ الساعة هذه وترميها يف البحر ،هل من
تصور ا
مغفال.
املمكن أن يعطيك ساعة أخرى بالطبع ال سيكون ا
لكن لو أنه حني أعطاك الساعة فشكرته عليها ولبستها ووضعتها يف مكان ،ونظفتها هذا يوحي له
أنك شكرت النعمة وهذا هو احلرص ،ال بد أن يكون فيك تلك الصفة ،احرص على ما ينفعك.
34
السادس :عدم كتم العلم.
الخلق ّ
نتعلم أيضا من أبي هريرة :عدم كتم العلم ،بيان العلم ،وبث العلم.
جدا قياسيا
أبو هريرة رضي اهلل عنه ذكر البخاري أنه كان حيضر جملسه 088تلميذ وهذا رقم كبري ا
فمثال عائشة رضي اهلل عنها كان يروي عنها من الرواة الذين كانوا يروون عنها،
على وقته وعصره ،ا
مثال أسود ،وأبو سلمة ابن عبد الرمحن وهؤالء ،وأنس بن مالك ،والزهري ،ونافع.
ا
جدا ،هل تتصور أن أبا
لكن عندما تعلم أن أيب هريرة رضي اهلل عنه روى عنه 088تابعي ،رقم كبري ا
هريرة رضي اهلل عنه اجتمع عليه الناس فقط ألجل أنه صحايب وحافظ لألحاديث؟ هناك صفة
أخرى :أنه كان يبذل نفسه للناس.
واَلن نرى طالب علم يطلب منه خطبة مجعة أو درس فيشرتط عليهم شروط تعجيزية ،أستغرب من
هؤالء ،أستغرب بأن هناك من يفتح أمامه باب عظيم يف الثواب مث يشرتط على الناس هذه الشروط،
ويف اَلخر يلبس ثوب احملتسب.
جدا أن يكتب
أمرا انزعجت منه ،قال أهنم طلبوا من طالب عامل عادي ا اخربين صديقي باألمس ا
جدا! ألجل إعالن من
إعالن ملعهد معني ،وهو يعلم أن هذا املعهد نافع ،اشرتط عليهم مبلغ كبري ا
دقيقتني! ،تصور :ملعهد نافع ،جماين هل تكسب منه ،دقيقتني فقط ،صعقت صراحة.
هنا يوجد معىن أن تشعر أن اإلسالم هو دينك قضيتك ،هل أنت حمتاج أن يُتألف قلبك؟!
تقول "أريد مكان مكيف وكذا وكذا…" ،يا أخي أنت تبذل نفسك وتذهب إىل الناس ،هذا قربتك
إىل اهلل! أنت تنفع نفسك قبل أي شيء ﴿إن تنصروا اهلل ينصركم ويثبت أقدامكم﴾ ،أنت أول من
رضا وسعادة وهناءا ،أقسم باهلل ال
ينتفع من هذا ،يثبتك اهلل تعاىل به ،وينفعك به وينزل على قلبك ا
تشرتيها كنوز الدنيا ،هل تتصور أن اهلل يضيع من سعى يف سبيله ،واهلل قد أسأت الظن ابذل نفسك
هلذا الدين واتعب ،أنت مل تعمل شيئاا ،حنن مل نعمل أي شيء.
35
الصبر على الطّلب:
يب ﷺ جاءه الصحايب الكرمي وقال له" :أال تسنتصر لنا" مل يقل يا رب انصرهم بل ذكره حىت
ملا النّ ّ
يصرب "كان من قبلكم يؤتى فيوضع املنشار يف مفرق رأسه فيشق بنصفني ال يرده ذلك عن دينه".
قطارا فيقول" :ال ،أريد
الواحد منّا حني يكون اجلو حار يقول" :ال أذاكر" ،وآخر لو دورة سريكب هلا ا
طيارة" ،ما دام أن ربنا أعطاك املال لتنفق وتتعب أنت املنتفع قبل كل شيء ،من الالزم أن يكون
أحدا يؤلف قلبك وآخر يشجعك ،أحدهم يقول" :شيخ هل لديك هذه الروح ،ال تكن إنسان تتنظر ا
دائما ،لكن
ميكن أن تقل يل كلمتني ترفع مهيت هبم؟ هل ميكن أن تشجعن؟" ،حسناا أنا واهلل أشجع ا
أنت ال تنتظر أن يرفع أحد مهتك ،بالعكس أنت من تبث يف الناس هذه الروح.
إذا كان الرجل الكافر ،امللحد ،الفاجر على قناة اليوتيوب وغريها ينشر الفسق ،والفجور ،واإلحلاد
حبوا ،استعن باهلل ،وابذل نفسك لدين اهلل ،واعلم أن اهلل ﷻ بكل جرأة ،وأنت متشي يف هذا الطريق ا
معك ،ويبارك يف علمك ،إَّنا تتعلم ألجل أن تستثمر ،أن تتعلم ألجل ماذا؟ لكي تلبس ثوب
ِ
﴿وَكأَيِّن من نَِ ٍّ
يب قاتَ َل َم َعهُ احملتسب؟،وتتكلم عن العلم والبذل..بذل ماذا؟ ،اهلل سبحانه وتعاىل قالَ :
ِربِّيو َن َكثري فَما وهنوا لِما أَصاب هم يف س ِ ِ
ضعُفوا َوَما استَكانو﴿ ،﴾..إِن َمي َسس ُكم قَر ٌ
ح بيل اللَّه َوما َ َ َُ ٌ ََ ّ
وم قَر ٌح ِمثلُهُ﴾ أين البذل ،أين العطاء ،أين الصرب ،أين اجللد ،أين العطاء ،أين الروح اليت
س ال َق َ
فَ َقد َم َّ
تتحرك هبا.
هل أنت يف مقابل كل ما تراه من مظاهر الفسق ،والفجور ،والعصيان ،والفواحش وهذا كله من
هؤالء…؟ أنكون حنن نائمون؟ ﴿وقُل لِلَّذين ال ي ِ
ؤمنو َن اعملوا على مكانَتِ ُكم إِنّا ِ
عاملو َن﴾. َ َ َ َ ُ َ
جيب أن يكون لديك صرب وجلد واحتساب هلل ،لذلك إن مل تدخل للعلم هبذه الطريقة أنا أنصحك
أصال ،بكل صراحة ،إذا كنت تدخل هذا الدين لتستمتع لتقرأ معلومة ،ال توهم نفسك أال تدخل ا
أنك تريد أن يكون هذا العلم قربتك إىل اهلل ،هذا العلم دين.
36
حيتاج إىل إخالص ،حيتاج إىل بصرية ،حيتاج إىل حسن تدبري ،إىل جلد ،إىل صرب ،إىل تقوى ،إىل
احتساب ،لزم أن يكون عندك جلد يف هذا الباب ،ليس بعد أن تقابلك حمنة صعبة ترت املعهد
مباشرةا ،عند أول عقبة بسيطة ترتك العلم!.
يا أخي اصرب ﴿فَ َال اقْ تَ َح َم الْ َع َقبَةَ﴾؛ ذلك من أعظم حكم اهلل أن يوجد يف هذا الطريق ابتالءات
ِِ ِ َٰ ِ َّ ِ
ني﴾ ليخرج الدخالء﴿ ،ما َكا َن اللَّهُ ليَ َذ َر الْ ُم ْؤمن َ
ني ص َدقُواْ َولَيَ ْعلَ َم َّن ٱلْ َكذبِ َ
ين َ﴿..فَلَيَ ْعلَ َم َّن ٱللَّهُ ٱلذ َ
ب﴾ ،القلة القليلة الباقية القلة القليلة الباقية وإن كانت يث ِمن الطَّيِّ ِ َعلَ َٰى َما أَنتُم َعلَْي ِه َح َّ َٰىت َميِ َيز ْ ِ
اخلَب َ َ ْ
ين﴾ متحيص يزيدك قوة. ِ
ر قليلة لكنها كبرية ؛ألهنم الصفوة ﴿ولِيم ِّحص ٱللَّه ٱلَّ ِذين ءامنواْ وميَْحق ٱلْ ََٰك ِ
ف
َ َ ُ َ َ ُ َ َ َُ َ َ َ
أنت عندما تصيبك ضائقة مثال أول ما تفكر فيه أن ترتك طلب العلم! ترتك املعهد!.
واحدة تقول يل :أنا كنت قائمة على مشروع كبري ،ولكن صاحبيت يف املعهد قالت هلي كلمة سيئة
فرتكت املعهد "يا سالم! ..هبذه السهولة؟!..ما هذه اهلشاشة؟!".
لذلك بني اهلل أن املنافق غري املؤمن :املنافق يف غيبه يرتدد ،إَّنا املؤمن ثابت ،ال يستأذن يف عمل
الطاعة ،صابر ،حمتسب﴿ ،فَما َوَهنوا لِما أَصابَ ُهم يف َس ِ
بيل اللَّ ِه …﴾ العجيب يف هذه اَلية أن اهلل
ﷻ مل يذكر فقط أهنم بقوا يف سبيل اهلل!
صمودا ،وثباتاا ،وقوة ،ينبغي أن يهون عندك كل شيء يف
ا الّ ،بني أهنم مل يزدهم هذا االبتالء إال
سبيل اهلل ،أغلى ما متلك أبذله هلل يقول الصحايب اجلليل" :ولست أبايل حني أقتَل مسلما على أي
جنب كان يف اهلل مصرعي وذلك يف ذات االله وإن يشأ يبارك على أوصال شل ٍو مزع" ،ما دام هلل
فليس هناك مشكلة ،كل شيء يهون يف سبيل اهلل ،عليك أن تتعلم االحتساب ،أنت إذا أردت أن
تنجح يف أي باب دون االحتساب ،اعلم أن قدر جناحك فيه بقدر احتسابك ،االحتساب هلل يهون
جبال املصائب ،ويسهل صعاب األعمال ،واهلل أصعب األعمال هتون باالحتساب..
حينما أتذكر االحتساب أتذكر قول املتنيب ،وإن كان ال يقصد به هذا أصال ،لكن أنا أستحضر هذا
رغما عن املتنيب نفسه يقول:
املعىن وأجره على معىن االحتساب ا
إين إذا باشرت أمرا أريده *** تدانت أقاصيه وهان أشده
37
ب ،ولو كان صعباا هان.
أي :يف حينما أضع يف عقلي أمرا وهو بعيد قَ ُر َ
كما قال سعد بن ناشئ:
إذا هم مل تردع عزمية مهه *** ومل يأيت ما يأيت من األمر هابه
إذا هم ألقى بني عينه عزمه *** ونكب عن ذكر العواقب جانبه
إذا عزمت فتوكل على اهلل ،يقول أحدهم ":كنت أحب واحدة معي يف اجلامعة ،وخطبت لغريي،
زهقت من الدنيا" حني سألته ملَ ملْ حتضر الدروس ،وهكذا؟!ِ ..بجرد أنك امتحنت هبذا االمتحان!.
لذلك ربنا تعاىل كان يقص علينا قصص األنبياء واملرسلني ،ويقص علينا االبتالءات لنعلم أن هذا هو
اس أَن يُ َرتكوا أَن الطريق ،فأنت إذا أردت تدخل هذا الطريق دون أن تَغرم فيه شيء ﴿أ ِ
ب النّ ُ
َحس َ َ
ص َدقوا َولَيَعلَ َم َّن ذين َّ
ل ا ه َّ
ل ال ن
َّ مَل عيَل ف
َ م ِ
ه يقولوا آمنّا وهم ال يفتنو َن * ولََقد فَت نَّا الَّذين ِمن قَبلِ
َ َ ُ َ َ َ َ َ َُ َ َُ َ
بني﴾. ِ
الكاذ َ
أبث فيك الروح ،أريد أن أدعوك للعناية
فأنا يا شباب يف هذه احملاضرة أريد أكثر من هدف ،أريد أن ّ
يب ﷺ ،أريد أن أدلك على العلم الذي هتتدي به أنت فيه باالهتداء بالعلم من كتاب اهلل وحديث النّ ّ
لنفسك قبل أن تفكر يف غريك ،العلم الذي تتحرك فيه ومتشي يف الناس ،العلم الذي تبذله إلصالح
املسلمني لتقليل شرهم ،ولتكثري خريهم ،العلم الذي تلقى به ربك سبحانه وتعاىل ،ويكون قربتك إىل
القيه﴾ ,وأذكرك هبذا احلديث الذي رواه أبو هريرة رضي اهلل ك َكدحا فَم ِ اهلل ﴿…إِنَّ َ ِ ِ
ك كاد ٌح إىل َربِّ َ ا ُ
منهم...ور ُج ٌل تَ َعلَّ َم العِْل َم،
َ عنه حديث عظيم :إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليهم "هم ثالث
قال :تَعلَّم ِ ِ وعلَّ َمهُ وقَ َرأَ ال ُقْرآ َن ،فَأُِيتَ به فَ َعَّرفَهُ نِ َع َمهُ فَ َعَرفَهاَ ،
وعلَّ ْمتُهُ
ت الع ْل َمَ ، ت فيها؟ َ َ ْ ُ قال :فَما َعم ْل َ َ
ت ال ُقْرآ َن لِيُ َ قالَ :ك َذبت ،ولَ ِكنَّك ت علَّمت العِْلم لِي َ ِ وقَرأْ ِ
قال :هو قال :عاملٌ ،وقَ َرأْ َ َ ََ ْ َ َ ُ َْ يك ال ُقْرآ َنَ ، تف َ َ ُ
حىت أُلْ ِق َي يف النَّار" ،ليُأ ّكد لكم أن العلم ابتالء وج ِه ِه َّ
ب علَى ْ
ِ ِ
قيلُ ،مثَّ أُمَر به فَ ُسح َ ئ ،ف َق ْد َ قا ِر ٌ
ف إِلَي ِهمالدنيا َوزينَتَها نُ َو ِّ
يد احلَيا َة ُّ
﴿من كا َن يُر ُ
وامتحان وأنت ممتحن به ،قال تعاىل سبحانه وتعاىلَ :
بخسو َن﴾ ،تتعلم ليقال عامل ،تتعلم لتفخر على الناس، أَعما َهلُم فيها-أي يف الدنياَ -وُهم فيها ال يُ َ
تتعلم لتنال شهادات ،تتعلم لتنال الوظيفة انتهى ..إ اذا ال تقول إنك كنت تتعلم هلل.
38
الخاتمة:
تختصر احلاضرة يف كلمة "إن هذا العلم دين" ،إذا كان العلم دينا فأنت حتتاج أن تتعلم كيف حتسن
يف العلم ،أخلصه وأصوبه ،أن ختلصه من حظوظ نفسك ،وأن يكون على هدى من اهلل ،على نور
من اهلل ،على بصرية من اهلل ،على بينة من اهلل.
أن تعرف ما الذي تتعلم وكيف تتعلم ،كيف تضبط ،كيف تذاكر ،مهارات طالب العلم ،أن تقلل
من املباحات ،كيف تسرف يف املباحات وتظن أن يبارك اهلل يف علمك؟ وأن تنام على راحتك،
وتسهر على راحتك ،وتلعب على راحتك ،وتتفسح براحتك .ماذا يبقى لك من العلم؟
أحدهم يقول يف الشتاء اجلو بارد ،ويف الصيف اجلو حار ،والربيع أخرج مع أصحايب أرفه عن نفسي
ابدا ،وال أتعب نفسي معهم ،كل شخص نائما ،أنا ال أستبشر هبؤالء ا
ففي الشتاء والصيف كنت ا
أحاول أن أعلمه وأجتهد معه لكن بعد ذلك يقول " :ال ،أنت تشق علينا وحنن لسنا مثلك ،أنت
حالة استثنائية ،هذه قدرات خاصة" ،ان ال أستبشر هبؤالء ،ال يوجد شيء كهذا ،يوجد شيء امسه
َّهم ُسبُلَنا َوإِ َّن اللَّهَ لَ َم َع ِ استعانة باهلل وعزم ،وإرادة ،وجلد ،وصرب َّ
جاهدوا فينا لَنَهديَن ُ
ذين َ
﴿وال ََ
تخلصا هلل إال يفتح اهلل تبارك وتعاىل عليك ،فاستعن باهلل. ِ
نني﴾ ،ال ميكن أن َتاهد يف شيء ا
املُحس َ
أنت يف بداية هذا الربنامج ،كن على قدر املسؤولية ،تصور هذا الربنامج الذي تقرأه هذا ،كم من
وبضع
اجلهود بذلت فيه ،كم من اجلهود تختلفة ،من املمكن أنك ال تعرف سوى الشيخ أمحد السيدٌ ،
من امل ِ
حاضرين؟!
ُ
ال ،يوجد فريق عمل كامل ،أحدهم يكتب الربنامج ،وآخر يطبعه ،وآخر يكتب األسئلة ،وآخر
يراجع ،وآخر يسمع.
فوجئت أنه يوجد تقريباا مثاَّنئة شخص يسمعون يف البناء املنهجي ،هذا شيء عظيم ،أنه يوجد مثاَّنئة
شخص عملهم أنك حني حتفظ يسمعون لك!
كيف يكون كل هؤالء يتعبون ألجلك أنت مث يكون عندك كسل ،وضعف يف هذا األمر ،خذ هذا
األمر بقوة فاملؤمن القوي خري وأحب عند اهلل من املؤمن الضعيف ،ال تكثر من التفاصيل واألسئلة،
39
قائال" :أنا
قائال" :اعطن برناجماا" ،أرسلت له برنامج وكيف تذاكر ،مث يرسل يل ا
يرسل يل أحدهم ا
عندي ثالث ساعات يف اليوم من املمكن أن تنظمهم يل؟" ،أنظمهم لك كيف؟ ..أسرح لك
أهوي لك وأنت تذاكر؟ ،ما هذا الدلع؟ لو ذكرت لكم الرسائل ..مئات
شعرك؟ ،ألبسك املعطف؟ ِّ
جدا…
الرسائل يومياا ،غريبة ا
غدا ستكون احملاضرة مهمة ،أتكلم فيها عن الربنامج اليومي لطالب العلم.
إن شاء اهلل ا
41