You are on page 1of 40

‫الفهرس‬

‫المقدمة‪3 ................................................................................:‬‬
‫كيف تتلقى العلم وكيف يظهر أثر العلم عليك‪7 ........................................... :‬‬
‫ما هو العلم النافع؟ ‪7 ......................................................................‬‬
‫ماذا يحتاج طالب العلم في هذا الشأن؟ ‪8 ..................................................‬‬
‫دين‪01 .................................................................... :‬‬
‫إن هذا العلم ٌ‬
‫من أين لنا أن نعرف كل هذا؟ ‪01 ..........................................................‬‬
‫حجة لك أو عليك‪08 ............................................................. :‬‬
‫العلم ّ‬
‫مه ّمة لطالب العلم‪77............................................................... :‬‬
‫أمور ّ‬
‫ٌ‬
‫القلب موضع العلم‪77 ................................................................... :‬‬
‫نتعلّم من أبي هريرة‪31 ................................................................... :‬‬
‫الصبر على الطّلب‪33 ................................................................... :‬‬
‫الخاتمة‪33............................................................................... :‬‬

‫‪2‬‬
‫المقدمة‪:‬‬
‫رب العاملني وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له‪،‬‬ ‫لسالم عليكم ورمحة اهلل وبركاته‪ ،‬احلمد هلل ِّ‬ ‫ا ّ‬
‫صليت على ِآل إبراهيم يف‬ ‫َ‬ ‫حممد كما‬ ‫ِ‬
‫حممد وعلى آل ّ‬ ‫صل على ّ‬ ‫عبده ورسوله‪ ،‬اللّهم ِّ‬ ‫حممد ُ‬‫وأشهد أ ّن ّ‬
‫كت على ِآل إبراهيم إنّ َ‬
‫ك محي ٌد‬ ‫حممد كما بار َ‬ ‫ِ‬
‫حممد وعلى آل ّ‬ ‫ك محي ٌد جمي ٌد‪ ،‬اللّهم بارك على ّ‬ ‫العاملني إنَّ َ‬
‫وشر األموِر حمدثاهتا‪،‬‬ ‫احلديث كالم اهللِ‬‫ِ‬
‫حممد ﷺ ّ‬ ‫النيب ّ‬
‫ّ‬ ‫هدي‬ ‫اهلدي‬
‫ّ‬ ‫أحسن‬
‫َ‬ ‫و‬ ‫ُ‬ ‫أصدق‬
‫َ‬ ‫جمي ٌد‪ .‬وبعد؛ فإن‬
‫ين﴾‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ز‬ ‫ت وما أَنتم ِِبع ِ‬
‫ج‬ ‫بدعة ضاللة ﴿إِ َّن ما تُوع ُدو َن ََل ٍ‬
‫وكل ٍ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫املنهجي ال ّدفعة الثّالثة‪ ،‬هذهِ ّأو ُل حماضرٍة‬
‫ّ‬ ‫ناء‬‫أخص بال ّذك ِر طلبةَ البِ‬ ‫ُّ‬ ‫و‬ ‫ام؛‬ ‫ر‬ ‫الك‬ ‫م‬ ‫وسهال ِ‬
‫بطلبة العل ِ‬ ‫أهال ا‬ ‫ا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ورجاال ونساءا‪،‬‬
‫ا‬ ‫كبارا‬ ‫ألتقي بشباب اإلسالم وطلبة العل ِم الكرام ا‬
‫صغارا و ا‬ ‫يل معكم‪ ،‬وأنا سعي ٌد أن َ‬
‫ونسأل اهلل تعاىل ﷻ أن يهدينا ويس ّددنا‪.‬‬ ‫ُ‬

‫عدد كبريٌ ِمن احلضور يرفعون أيديهم باحلديث إن شاء اهلل يف آخ ِر احملاضرةِ سنعطي ا‬
‫جماال ملن‬ ‫عندي ٌ‬
‫الزووم‬ ‫لطلبة ِ‬‫يسأل وتكون األولوية ِ‬
‫خاصة على ّ‬
‫املنهجي؛ وكانت هذه احملاضرة باألصل هلم ّ‬ ‫ّ‬ ‫البناء‬ ‫ّ‬
‫ولكن قدر اهلل مل يعمل فاقرتح األخ املشرف الكرمي أن تكون احملاضرة على قنايت حىت يتيسر للحضور‬
‫االستماع إليها‪ ،‬فلو تكرمتم أال يرفع أحد يده لطلب احلديث ألين ال أتيح ذلك اَلن‪.‬‬

‫عنوان هذه احملاضرة "دليل طالب العلم‪ :‬االهتداء بالقرآن وحديث رسول اهلل ﷺ في تحصيل‬
‫شرعي"‪.‬‬
‫العلم ال ّ‬
‫لكل القائمني على املشاريع الدعويّة والتعليميّة واإلسالميّة واإلصالحيّة‪،‬‬
‫أحب أن أدعو ّ‬ ‫قبل أن أبدا ّ‬
‫املنهجي أسال اهلل تبارك وتعاىل أن يبارك سعيهم وجيعله‬ ‫ّ‬ ‫أخص هبم القائمني على برنامج البناء‬‫و ّ‬
‫خالصا لوجه اهلل تبارك وتعاىل‪ ،‬وأن ينفعهم بأعماهلم‪.‬‬
‫ا‬
‫َّاس أَنتُ ُم الْ ُف َقَراءُ إِ َىل اللَّ ِه‬
‫أحببت أن أبدا هذا اللقاء يف هذه احملاضرة بقوله تبارك وتعاىل‪﴿ :‬يَا أَيُّ َها الن ُ‬
‫كل شيء‪ ،‬وأعظم فقر يفتقر إليه العبد هلل تبارك‬ ‫فالعبد فقريٌ إىل اهلل تعاىل يف ّ‬
‫يد﴾ ُ‬ ‫احلَ ِم ُ‬
‫ن ْ‬ ‫َواللَّهُ ُه َو الْغَِ ُّ‬
‫قصة عظيمة يف القرآن ذكر‬
‫الرشد‪ .‬لذلك ذكر اهلل تبارك وتعاىل ﷻ ّ‬
‫وتعاىل هتيئة أسباب الفالح و ّ‬

‫‪3‬‬
‫خالصتها مث ذكر تفاصيلها وهي قصة أصحاب الكهف قال‪﴿ :‬إِ ْذ أَوى ٱلْ ِفْت يةُ إِ َىل ٱلْ َك ْه ِ‬
‫ف فَ َقالُواْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫نك َر ْمحَةا َوَهيِّ ْئ لَنَا ِم ْن أ َْم ِرنَا َر َش ادا﴾ ذكرت هذه اَلية كخالصة لقصة هؤالء ونالحظ‬
‫َربَّنَا ءَاتِنَا ِمن لَّ ُد َ‬
‫احلق وسعوا فيه ُمستهدين باهلل تبارك وتعاىل ﷻ مسرتشدين به‬
‫يف هذه اَلية أن هؤالء أرادوا اخلري و ّ‬
‫مستعينني به‪ ،‬واهلل ﷻ ذكر دعاءهم وهذا الدعاء يف رأيي أعظم ما يفتتح به أي عمل من أعمال‬
‫اخلري‪ ،‬ألن هذا الدعاء يطلب فيه العبد أن يهيئ اهلل تبارك ﷻ األسباب اليت ينجز هبا مطلوبة فكأنه‬
‫علي برمحة منك‪ ،‬وهيّئ يل األسباب املعينة ألبصر‬ ‫يقول‪" :‬يا ّ‬
‫رب؛ طلبت سبيلك وشرعت فيه‪ ،‬فأمنن ّ‬
‫خريا"‪ ،‬ا‬
‫متاما كما‬ ‫املضي فيما يرضيك‪ ،‬والثّبات عليه واجعل عاقبة أمري ا‬ ‫ّ‬ ‫أعن على‬
‫الرشاد‪ ،‬و ّ‬
‫احلق و ّ‬
‫ِِ‬
‫رب افرغ‬ ‫صْب ارا َوتَ َوفَّنَا ُم ْسلم َ‬
‫ني﴾ يعن؛ يا ّ‬ ‫﴿ربَّنَا أَفْ ِر ْغ َعلَْي نَا َ‬
‫سأل املؤمنون من سحرة فرعون قالوا‪َ :‬‬
‫الصرب ما جيعلنا نتحمل ما حنن مقبلون عليه من البالء‪.‬‬ ‫علينا من ّ‬
‫الصالح‬ ‫احلق والنّفع و ّ‬ ‫السداد واخلري والبصرية وإصابة ّ‬ ‫الرشد الذي ذكر يف هذه اَلية ِبعىن اهلدى و ّ‬ ‫وّ‬
‫نك َر ْمحَةا َوَهيِّ ْئ لَنَا ِم ْن أ َْم ِرنَا َر َش ادا﴾ فاهلل سبحانه وتعاىل‬
‫﴿ربَّنَا آتِنَا ِمن لَّ ُد َ‬
‫فهذا الدعاء جامع للخري‪َ .‬‬
‫﴿من يَ ْه ِد اللَّهُ فَ ُه َو‬
‫ﷻ بعد ذكره هلذه اَليات ذكر يف هذه القصة فقال ذلك من آيات اهلل‪َ :‬‬
‫فيبني اهلل تبارك وتعاىل ﷻ أنه هدى هؤالء الفتية إىل‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫الْمهت ِد ومن ي ْ ِ‬
‫ضل ْل فَلَن ََت َد لَهُ َوليًّا ُّمْرش ادا﴾‪ّ .‬‬ ‫ُ َْ ََ ُ‬
‫رشدا‪ ،‬ولوال هدايته هلم مل يهتدوا‪.‬‬ ‫احلق‪ ،‬وهيَّأ هلم من أم ِرهم ا‬ ‫الرشاد و ّ‬ ‫الصواب و ّ‬
‫ّ‬
‫وعمال‪ ،‬فيدعو ربّه‬
‫قوال ا‬ ‫أحب أن أي ُمسلم يطلب باباا من أبواب اخلري أن يستحضر هذا الدعاء ا‬ ‫وأنا ّ‬
‫نك َر ْمحَةا َوَهيِّ ْئ لَنَا ِم ْن أ َْم ِرنَا َر َش ادا﴾ فهذا يؤكد أن العبد يعلم يقيناا‬
‫﴿ربَّنَا آتِنَا ِمن لَّ ُد َ‬
‫تبارك وتعاىل ﷻ َ‬
‫اب اهلدى‪ ،‬يف أي باب يف إصالح نفسك‪ ،‬وإصالح‬ ‫باب من أبو ِ‬ ‫أنه لوال هدى اهلل ما اهتدى ألي ٍ‬
‫باب من أبو ِ‬
‫اب اخلري تطلبه؛ ال ب ّد‬ ‫زوجك‪ ،‬يف طلب العلم‪ ،‬يف تعلم القرآن‪ ،‬يف اللياقة البدنية‪ ،‬يف أي ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يب ﷺ يقول‪" :‬أن احلمد هلل حنمده ونستعينه ونستهديه" يعن نطلب منه‬
‫أن تستهدي باهلل‪ .‬كان النّ ّ‬
‫اهلداية‪.‬‬
‫يب ﷺ يقول‪" :‬اللّهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت‬
‫وجاء يف هذا الدعاء باب عظيم كان النّ ّ‬
‫احلي الّذي ال‬
‫أنت ّ‬‫بعزتك ال إله إال أنت أن تضلن َ‬
‫إين أعوذ ّ‬
‫وإليك أنبت وبك خاصمت‪ ،‬اللّهم ّ‬
‫اجلن واإلنس ميوتون"‪.‬‬
‫ميوت‪ ،‬و ّ‬
‫‪4‬‬
‫﴿ربَّنَا آتِنَا ِمن لَّ ُد َ‬
‫نك َر ْمحَةا‬ ‫املنهجي للدفعة الثّالثة هبذا ال ّدعاء العظيم‪َ :‬‬
‫ّ‬ ‫إذن‪ :‬نستفتح برنامج البناء‬
‫َوَهيِّ ْئ لَنَا ِم ْن أ َْم ِرنَا َر َش ادا﴾‪.‬‬
‫أحب كذلك أن تشعر بأمرين بنعم اهلل تبارك وتعاىل عليك‪:‬‬
‫ّ‬
‫‪ .1‬نعمة اإلسالم‪.‬‬
‫‪ .2‬نعمة اهلداية‪.‬‬
‫‪ .3‬نعمة طلب االستقامة‪.‬‬
‫‪ .4‬نعمة التماس العلم والتّفقه يف الدين‪.‬‬
‫ِ‬
‫وباإلسالم‬ ‫ِبحم ٍد ا‬
‫رسوال‬ ‫واهلل من هدي إىل هذه فقد هدي إىل اخلري كلّه‪ .‬أن تكون رضيت باهلل ربًّا و ّ‬
‫كبريا من وقتك حلضور احملاضرات‬
‫ديناا‪ ،‬وأن تطلب االستقامة‪ ،‬وأن تلتمس العلم‪ ،‬وأن تدخر جزءاا ا‬
‫يدل على ِ‬
‫رمحة اهلل‬ ‫والدروس مث املذاكرة والدراسة واملراجعة واحلفظ والضبط واملراجعة اجلماعية‪ ،‬هذا ّ‬
‫تبارك وتعاىل بك فهذا ّأول ما ينبغي أن تستشعره أن تعلم نعمة اهللِ عليك‪.‬‬
‫َ‬
‫غافال‬
‫شاكرا هلا أم تكون ا‬ ‫ذاكرا ا‬ ‫ونعمة اهلل تعاىل ﷻ هي ابتالء فيبتليك اهلل هبا وميتحنك‪ ،‬هل ستكون ا‬ ‫ّ‬
‫ض ِل َرِِّّب لِيَْب لَُوِِن‬
‫ال ََٰه َذا ِمن فَ ْ‬
‫جاحدا هبا؟ كما قال سليمان عليه ملا رأى عرش بلقيس أمامه‪﴿ :‬قَ َ‬
‫ا‬ ‫كافرا‬
‫ا‬
‫ءَأَ ْش ُكُر أ َْم أَ ْك ُفُر﴾‪.‬‬
‫أوال‪ُ :‬‬
‫حنمد اهلل تبارك وتعاىل وأن نكون ذاكرين شاكرين هلذه النعم‪.‬‬ ‫ا‬
‫الصغري أو الكبري أو املرآة الّذي جيعل‬
‫فالشاب أو الفتاة أو ّ‬
‫كثريا‪ّ ،‬‬
‫خريا ا‬ ‫ثانياا‪ :‬هذا ّ‬
‫يدل على أ ّن بك ا‬
‫جزءاا من يومه للتفقه يف الدين والتماس العلم واحلفظ واملدارسة واملراجعة‪ ،‬هذا يدل على أ ّن لديه‬
‫جمرد إرادة ورغبة‪ ،‬أو‬
‫إرادة للخري‪ ،‬وأنّه يسعى يف اخلري‪ ،‬ولكن هذه اإلرادة حنتاج أن تكتمل ّأال تكون ّ‬
‫الصدق‬
‫تتم بالعلم و ّ‬
‫الصاحلة حتتاج أن ّ‬ ‫فعال عبثياا دون ختطيط‪ ،‬فهذه اإلرادة ّ‬
‫جمرد محاس وعاطفة‪ ،‬أو ا‬
‫الصرب والتّقوى واحلكمة وحسن التّخطيط والتّدبري‪ ،‬فبهذه األمور يكتمل بناء طالب‬ ‫واإلخالص و ّ‬
‫القوي األمني يف بابه وحىت يؤتى طلب العلم مثرته‪.‬‬
‫العلم فيكون الطّالب ّ‬

‫‪5‬‬
‫فكثريٌ ِمن النّاس َمن ميضي عمره يف ِ‬
‫طلب العل ِم‪ ،‬ولكنّه ال يعرف ما العلم الّذي يطلب‪ ،‬وما هي‬
‫الشرعي! وكيف يدخل على أصناف العلوم؟ وكيف يدرس؟ وكيف‬ ‫ّ‬ ‫مراتب العلوم ومصادر العلم‬
‫يضبط؟ وكيف يراجع؟ وماهي أبواب العلم املهمة حتت كل فرع من فروع العلم؟‬

‫فلذلك عندنا محاضرتان‪:‬‬


‫األولى هي هذه المحاضرة وستكون طويلة‪ ،‬وأعطي وقتاا ملن يريد أن يسأل وأن تكون يف موضوع‬
‫احملاضرة فهذه احملاضرة عنواهنا‪ :‬دليل طالب العلم‪ ،‬وقد اخرتت أن يكون هذا الدليل من القرآن ومن‬
‫حديث رسول اهلل ﷺ وسيأيت بيان ذلك إن شاء اهلل‪.‬‬

‫غدا وهي بعنوان‪ :‬كيف يرتب طالب العلم يومه أو يوم في حياة طالب‬
‫وعندنا محاضرة ثانية ا‬
‫فكأين مكانك دخلت يف هذا الربنامج‪ ،‬برنامج‬
‫تطبيقي لطالب العلم ّ‬
‫ّ‬ ‫عملي‬
‫ّ‬ ‫العلم‪ .‬يعن برنامج‬
‫جديد على حياة ال ّدراسة كيف أنظم يومي؟ كيف أرتبه؟ ِباذا أبدأ؟ ما األمور اليت أحرص عليها؟‬
‫وكيف أرتب وقيت وأحسن استثمار الوقت املتاح؟‬
‫فنحن نريد استثمار‬ ‫ٍ‬
‫مدرس أو طبيب أو مهندس أو عامل أو طالب جامعة‪ُ .‬‬ ‫ممكن ّلربة منزل أو ّ‬
‫الوقت املخصص لطلب العلم‪ .‬نريد أن حنسن يف ِ‬
‫طلب العلم وهذا املدخل الثاين يف هذه احملاضرة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫فيقول اهلل تبارك وتعاىل‪﴿ :‬تَبَ َارَك الَّذي بِيَده الْ ُم ْل ُ‬
‫ك َوُه َو َعلَى ُك ِّل َش ْيء قَد ٌير * الَّذي َخلَ َق الْ َم ْو َ‬
‫ت‬
‫وْ ِ‬
‫ور﴾ ففي هذه اَلية اهلل ّبني أنه خلق املوت واحلياة‬ ‫َح َس ُن َع َم اال َوُه َو الْ َع ِز ُيز الْغَ ُف ُ‬
‫احلَيَا َة ليَْب لَُوُك ْم أَيُّ ُك ْم أ ْ‬ ‫َ‬
‫اقعا‪ ،‬فهو القائل‪:‬‬ ‫مقدرا وو ا‬
‫كل ذلك ا‬ ‫عمال‪ ،‬فاهلل تبارك وتعاىل ﷻ عليم‪ ،‬يعلم ّ‬ ‫ليبلو اخللق أيّهم أحسن ا‬
‫مقدرا ولكن ال حياسبنا على‬ ‫﴿ولَنَْب لُونَّ ُكم َح َّ َٰىت نَ ْعلَم ٱلْم ََٰج ِه ِدين ِمن ُكم و ََِّٰ ِ‬
‫يعلم ذلك ا‬ ‫ين﴾ فاهلل ُ‬ ‫ٱلصرب َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َ ْ‬
‫ف اللَّهُ نَ ْف اسا إَِّال ُو ْس َع َها َهلَا َما َك َسبَ ْ‬
‫ت َو َعلَْي َها َما‬ ‫علمه ِبا نفعل ولكن حياسبنا على كسبنا ﴿ال يُ َكلِّ ُ‬
‫فطالب العل ِم مبتلى وممتحن‪ ،‬بأصناف من االبتالء والفنت للتمحيص‬ ‫ُ‬ ‫حاضرا‬
‫ا‬ ‫ت﴾ ووجدوا ذلك‬ ‫ا ْكتَ َسبَ ْ‬
‫طالب عل ٍم فأنت‬ ‫تكون‬ ‫أن‬ ‫مسلم‪:‬‬ ‫بصفتك‬ ‫فأنت‬ ‫بات‪،‬‬ ‫ر‬‫الق‬ ‫من‬ ‫واالختبار‪ ،‬فطلب العلم كأي قر ٍ‬
‫بة‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫تبصر به‪.‬‬‫كشافا ُ‬ ‫تطلب ا‬ ‫ُ‬

‫‪6‬‬
‫كيف تتلقى العلم وكيف يظهر أثر العلم عليك‪:‬‬

‫ما هو العلم النافع؟‬

‫ما هو العلم النافع؟ وكيف تحصله؟ وكيف تثبته في قلبك؟ وكيف تحسن االنتفاع منه؟ وكيف‬
‫ومعلما؟‬
‫ا‬ ‫متعلما‬
‫كان خلق رسول اهلل ﷺ ا‬
‫يتعرف على صورة العامل الذي يرضي اهلل‬
‫جدا يف الباب‪ :‬أن طالب العلم حيتاج أن ّ‬
‫املهمة ا‬
‫من األمور ّ‬
‫جمرد مجع معلومات وحتصيل معرفة‪ .‬فالعلم يف اإلسالم نبني طرفاا منه؛‬ ‫ﷻ؛ فليس العلم يف اإلسالم ّ‬
‫فهو العلم الذي يرضي اهلل‪ ،‬ويهتدي به صاحبه‪ ،‬ويهدي العلم الذي يغريك إىل ما يرضي اهلل‪.‬‬
‫العلم الّذي يكون له سلطان عليه‪ ،‬ال ميكن أن حيسن طالب العلم تصور هذا‪ ،‬إال إذا اهتدى هبدى‬
‫ك َعلَ َٰى ُه ادى ِّمن َّرِّهبِ ْم‬
‫اهلل حينها يكون كما قال اهلل ﷻ‪﴿ :‬أَفَ َمن َكا َن َعلَ َٰى بَيِّ نَ ٍة ِّمن َّربِِّهۦ﴾‪﴿ ،‬أُوَٰلَئِ َ‬
‫ك ُه ُم الْ ُم ْفلِ ُحو َن﴾ فنحن نريد أن نتكلم عن اهلدى والبينة والبصرية يف طلب العلم‪ ،‬فاهلل ﷻ‬ ‫َوأُوَٰلَئِ َ‬
‫طالب العلم‪.‬‬ ‫خللق ِ‬ ‫بطلب العلم وذكر لنا فضل وثواب حتصيل العلم هو الذي هدانا ِ‬ ‫الذي أمرنا ِ‬
‫واخللق هنا ليس املقصود به األدب كما يظن بعض الناس وِبعىن الذوق واالحرتام‪ .‬فاخللق ِبعىن اهلدي‬
‫ك لَ َعلَ َٰى ُخلُ ٍق َع ِظيم﴾ فاخللق هو ال ّدين هو العمل وهو‬ ‫﴿وإِنَّ َ‬
‫والعمل كما قال سبحانه لنبيه ﷺ‪َ :‬‬
‫السنة‪ ،‬وحسن التّعامل يف اَتاهني يكمل أوهلما اَلخر‪:‬‬
‫اهلدى هو ّ‬
‫فاألول‪ :‬اإلخالص‪.‬‬
‫الصواب‪.‬‬ ‫والثاني‪ّ :‬‬
‫ِ‬
‫﴿ليَْب لَُوُك ْم أَيُّ ُك ْم أ ْ‬
‫َح َس ُن َع َم اال﴾ وهو أخلص العمل‪ ،‬هو أصوبه‪ ،‬فاهلل ميتحن النّاس لريى أيّهم أحسن‬
‫عمال‪ ،‬فحسن العمل من جهتني‪.‬‬ ‫ا‬
‫ظ ِ‬
‫نفسه فال يكون لنفسك وال للشيطان وال أحد نصيباا من هذا العلم‪ ،‬فيكون هذا‬ ‫أن خيلّصه من ح ّ‬
‫مقبوال‬
‫خالصا هلل‪ ،‬فاملراد هنا أن يتعلم طالب العلم اإلخالص يف طلبه‪ ،‬حىت يكون عمله ا‬
‫ا‬ ‫العلم كلّه‬
‫عند اهلل وعلى هدى من اهلل تبارك وتعاىل وهذا يأيت بالعلم والقرآن وسنّة نبيه ﷺ‪.‬‬
‫هذا باختصار معىن اإلحسان يف طلب العلم؛ ألن اهلل سبحانه يتقبل من احملسنني ومن املتقني‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫ماذا يحتاج طالب العلم في هذا الشأن؟‬

‫‪ ‬األمر األول‪ :‬معرفة قيمة ما تطلب‪.‬‬


‫حمنه على ما فيه‬ ‫حيتاج أن يعرف ما قيمة املطلوب؛ ألنه لن يثبت على هذا الطريق‪ ،‬ولن يصرب على ِ‬
‫من االمتحان واالبتالء والفنت‪ ،‬ولن يصرب على حتصيل طلب العلم وضبطه‪ ،‬ولن يصرب على نشره‬
‫وبثّه‪ ،‬واألمر باملعروف والنّهي عن املنكر‪ ،‬والعمل ِبسؤولية العلم إال بقدر ما يعلم بقيمة وقدر ما‬
‫﴿و َج َع ْلنَا ِمْن ُه ْم أَئِ َّمةا‬
‫يطلب‪ ،‬ويكون موقناا بذلك ويوقن بوعد اهلل سبحانه فاهلل سبحانه وتعاىل يقول‪َ :‬‬
‫صبَ ُرواْ َوَكانُواْ بَِايََٰتِنَا يُوقِنُو َن﴾‪.‬‬
‫يَ ْه ُدو َن بِأ َْم ِرنَا لَ َّما َ‬
‫فهذا اليقني هو الّذي يعينك بفضل اهلل تبارك وتعاىل أن تصرب على طلب العلم‪ ،‬وأن تكتسح كل‬
‫العوائق اليت تقف يف طريقك بطلب العلم‪.‬‬
‫عاما‪ -‬على مدار‬‫كالما ا‬
‫أحب حماضرايت أن تكون تطبيقيّة عمليّة‪ ،‬وليست ا‬ ‫الشباب ‪-‬و ّ‬ ‫فكثري من ّ‬
‫عاما وجدت شباباا الكثري منهم لديه مهارات‪ ،‬وعنده ذكاء‪ ،‬وعنده مال‪ ،‬وعنده مشايخ‪،‬‬ ‫عشرين ا‬
‫لكن ّأول ما يصطدم بأول عائق خيالف هواه أو مشكلة أو حمنة أو مشكلة مع األمن أو مع والده أو‬
‫يق ِ‬
‫طلب العل ِم‪ ،‬فال يصرب‪ ،‬فليس‬ ‫فأول ما يفكر فيه أن يرتك طر َ‬
‫نفسية أو ماديّة أو مشكلة يف العمل؛ ّ‬
‫لديه من اليقني ما يثبته يف هذه احملن‪ .‬ورِّبا العكس‪ :‬ال ميتحن هبذا الباب‪ ،‬رِّبا يكون يدرس علوم‬
‫فلما وجدها حتتاج هذا‬‫كبريا‪ّ ،‬‬
‫جهدا ا‬‫احلديث فيجدها صعبة؛ دراسة الرواة ودراسة األسانيد وحتتاج ا‬
‫اجملهود تركها‪.‬‬
‫فأنت بصفتك طالب علم حتتاج أن تعرف قيمة ما تطلب وقيمة ما حتبس نفسك عليه‪.‬‬

‫‪ ‬األمر الثاني‪ :‬معرفة مصادر العلم ومن أين يُطلب‪.‬‬


‫الشريعة‪ ،‬وال‬
‫فعليك أن تعرف من أين تطلبه؟! فنجد بعض الشباب يبقى سنوات طويلة يطلب علوم ّ‬
‫يعرف ما هي مصادر العلم! يف كل باب من أبواب ال ّدين‪ ،‬وال يعرف إال املختصرات واملتون والكتب‬
‫ودراسة رسائل الدكتوراه والرسائل املعاصرة! فأنت حتتاج أن تعرف من أين يؤخذ العلم!‬

‫‪8‬‬
‫‪ ‬األمر الثالث‪ :‬معرفة النيّات والمقاصد في طلب العلم‪.‬‬
‫كذلك حتتاج أن تتعلم‪ :‬النّيات واملقاصد يف طلب العلم؛ فليس املقصود يف طلب العلم أن‪ :‬ترفع‬
‫اجلهل عن نفسك‪ ،‬أو حتصل ل ّذة معرفيّة كما حيصل لدى دارس الفلسفة واملنطق وبعض العلوم‪ ،‬وكما‬
‫يقع فيه كثري من الشباب؛ فيتعلم العلم ليجادل‪ ،‬أو ليحاج النّاس ويفخر عليهم‪ ،‬ومياري يف العلم‪.‬‬
‫الصاحلة يف طلب العلم‪.‬‬
‫فأنت حتتاج أن تعرف ما هي النّيات ّ‬
‫الرابع‪ :‬معرفة أخالق طالب العلم‪.‬‬
‫‪ ‬األمر ّ‬
‫وتعرف اخللق الذي يرضاه اهلل ﷻ لطالب العلم‪ .‬فهو يريد منك أن تكون مصبو اغا بطلب العلم‪،‬‬
‫ب‬ ‫فأنت حتتاج مع أخالق اإلسالم العامة اليت ذكرت يف كتابه سبحانه‪﴿ :‬الَّ ِذين يُ ْؤِمنُو َن بِالْغَْي ِ‬
‫َ‬
‫اهم يُ ِنف ُقو َن﴾ إىل آخر اَليات‪ .‬وكذلك قوله‪﴿ :‬لَّ‬ ‫الص َالةَ وِ‬ ‫وي ِ‬
‫س الِْربَّ أَن تُ َولُّوا ُو ُج َ‬
‫وه ُك ْم‬ ‫َ‬ ‫ي‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫َ َ ْ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ق‬
‫ْ‬‫ز‬‫َ‬‫ر‬ ‫َّا‬
‫مم‬ ‫َّ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫و‬ ‫يم‬ ‫ق‬
‫َُ ُ‬
‫احلَ ِام ُدو َن‬
‫ب َوَٰلَ ِك َّن الِْ َّرب َم ْن َآم َن بِاللَِّه﴾‪ ،‬كذلك اَليات‪﴿ :‬التَّائِبُو َن الْ َعابِ ُدو َن ْ‬ ‫قِبل الْم ْش ِرِق والْم ْغ ِر ِ‬
‫َ َ‬ ‫ََ َ‬
‫َّ ِ‬ ‫اج ُدون﴾‪،‬كذلك‪ِ :‬‬ ‫الس ِ‬ ‫الراكِعُو َن َّ‬ ‫السائِ ُحو َن َّ‬
‫ين ميَْ ُشو َن َعلَى األرض َه ْوناا﴾ إىل‬ ‫الر ْمحَ ِن الذ َ‬
‫اد َّ‬
‫﴿وعبَ ُ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫اخرها من اَليات ممّا ذكره اهلل يف خلق املسلم الذي يرضاه اهلل تبارك وتعاىل‪.‬‬
‫فضال عن ذلك أن تعرف أخالق طالب العلم‪ ،‬ألنه سبحانه كما ذكر من رفعوا بالعلم‬ ‫فأنت حتتاج ا‬
‫ي آتَْي نَاهُ آيَاتِنَا‬ ‫ذ‬‫ذكر كذلك من خفضوا ووضعوا بالعلم‪ .‬فقال اهلل عز وجل‪﴿ :‬واتْل علَي ِهم نَبأَ الَّ ِ‬
‫َ‬ ‫ّ َ ُ َْ ْ َ‬
‫َخلَ َد إِ َىل األ َْر ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض َواتَّبَ َع‬ ‫ين * َولَْو شْئ نَا لََرفَ ْعنَاهُ هبَا َولَكنَّهُ أ ْ‬ ‫انسلَ َخ مْن َها فَأَتْ بَ َعهُ الشَّْيطَا ُن فَ َكا َن م َن الْغَا ِو َ‬
‫فَ َ‬
‫ين َك َّذبُواْ بِآيَاتِنَا‬ ‫ث أَو تَْت رْكه ي ْلهث ذَّلِك مثل الْ َقوِم الَّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ذ‬ ‫َ ََ ُ ْ‬ ‫ب إِن َْحتم ْل َعلَْيه يَْل َه ْ ْ ُ ُ َ َ‬ ‫َهواهُ فَمثَلُهُ َكمثَ ِل الْ َكلْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫يقص علينا مثل هذه‬ ‫يب ﷺ أن ّ‬ ‫َّ‬ ‫ص َ َّ‬ ‫ص ِ‬
‫ص لَ َعل ُه ْم يَتَ َفكُرو َن﴾ فاهلل سبحانه وتعاىل أمر النّ ّ‬ ‫ص الْ َق َ‬ ‫فَاقْ ُ‬
‫ِ‬ ‫مثال اليهود ﴿ َكمثَ ِل ِْ‬
‫َسفارا﴾ وغري ذلك ممّا سيأيت ذكره‪.‬‬ ‫احلما ِر َْحيم ُل أ ْ‬ ‫َ‬ ‫القصص‪ ،‬وذكر ا‬
‫فطالب العلم حيتاج أن يعرف اخللق الذي يكون يف طلبه للعلم َمرضياا عند اهلل‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫أمور أُخرى‪:‬‬
‫‪ٌ ‬‬
‫الشريعة‪.‬‬ ‫‪ ‬حسن ّ‬
‫تصور علم ّ‬
‫‪ ‬ما هي األخالق ّ‬
‫اخلاصة لطالب العلم مثل‪ :‬احلرص واجللد وتنظيم الوقت وحسن التدبري وأصناف‬
‫العلوم واملهارات‪.‬‬
‫‪ ‬مراحل الطّلب واحلكمة يف التعامل مع الوقت‪ ،‬وغري ذلك من املق ّدمات الّيت هتيئه للحياة‬
‫الدراسيّة‪.‬‬
‫‪ ‬فهل معنى ذلك أن هذه العلوم يجب أن يتعلمها قبل أن يشرع بتحصيل العلم؟‬
‫ال بالعكس هذه األمور سوف يتعلمها حينما يبدأ‪ ،‬فنور الطّريق يبدأ عند ّأول خطوة تسلكها فيه‪.‬‬
‫شخص المثقف‬ ‫فنحن ال نتكلم عن شخص الذي نسميه "الزبون الطيّاري" وهو ال ّ‬
‫هناك فرق كبري؛ ُ‬
‫مثال حيضر خطبة مجعة‪ ،‬ويهتم ِبا قاله اخلطيب‪ ،‬ويستمع لدرس‬ ‫العامة "هاوي" ا‬
‫الّذي يريد الثّقافة ّ‬
‫يف اليوتيوب أو حيضر حماضرة عابرة‪.‬‬
‫حنن نتكلم عن طالب علم ميثّل له طلب العلم أعلى ما يتقرب به إىل اهلل بعد ما فرضه اهلل ﷻ عليه‬
‫فنتكلم عن شخص بعد ما جعل قربته من األعمال املستحبة طلب العلم؛ فكان هذا هو القيمة‬
‫أخصه يف هذه احملاضرة‪.‬‬
‫املركزية األساسية بعد الفروض فهذا ما أردت أن ّ‬
‫دين‪:‬‬
‫إن هذا العلم ٌ‬
‫عمن‬
‫أحب أن أبدا احلديث عن هذا اخلط بقول ابن سريين رمحه اهلل‪" :‬إ ّن هذا العلم دين فانظروا ّ‬
‫و ّ‬
‫تأخذون دينكم"‪.‬‬

‫‪ ‬العلم في اإلسالم‪:‬‬
‫من املعاين اليت أراها أمامي وأذكر نفسي فيها وكل من أتدارس معه العلم‪ :‬إن العلم يف اإلسالم ليس‬
‫أي معرفة أخرى‪ ،‬كالفلسفة واملنطق والرياضيات‪ .‬هو خيتلف‪.‬‬
‫كالعلم يف ّ‬

‫‪01‬‬
‫حجة لك أو عليك‪ .‬ليس جمرد كتب تُدرس وال‬
‫فالعلم فيه ليس جمرد معرفة أو مجع معلومات‪ ،‬بل هو ّ‬
‫متون ُحتفظ وال معلومات تُ ّردد وال جمرد شهادات تُوضع على احلائط وال منشورات تكتب وال ألقاب‬
‫ينادى هبا‪ .‬كل هذه وسائل العلم وزينة العلم وزخرف العلم وصورة العلم‪.‬‬

‫حاال يف قلبك وخلقك وعملك‪ ،‬وهذا ما يبقى لك فقط‬


‫فالعلم هو الذي حيركك وجيعلك أحسن ا‬
‫من معاين العلم‪.‬‬

‫فكم من شخص حيسب نفسه أمام النّاس عاملا وهو عند اهلل من اجلاهلني املعتدين؟! وكم من‬
‫ا‬
‫ممارسا؟! يعن كلّما علم شيئاا عن اهلل‬
‫ا ا‬ ‫ا‬‫اقع‬
‫و‬ ‫بالعلم‬ ‫شخص ليس حمسوباا على أهل العلم ولكنّه يعيش‬
‫عمل به وطبقه‪ ،‬فالعلم دين والعلم خلق والعلم عمل والعلم أمانة والعلم رسالة والعلم مسؤولية‪.‬‬

‫جمرد‬
‫ال ب ّد أن تستحضر هذه املعاين من ّأول حلظة تدخل فيها لطلب العلم؛ ألن ﷻ مل يثن على ّ‬
‫ذم أهلها الذين مل يعملوا هبا قال اهلل سجانه وتعاىل‪:‬‬ ‫املعرفة بالعكس‪ ،‬بل ذكر املعرفة يف سياق ّ‬
‫اب يَ ْع ِرفُونَهُ َك َما يَ ْع ِرفُو َن أَبْنَاءَ ُه ْم﴾‪ .‬يعن عندهم إتقان هلذه املعلومة‪ ،‬ويعرفون‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اه ُم الْكتَ َ‬
‫ين آتَْي نَ ُ‬
‫﴿اللذ َ‬
‫فكل من عمل يف العلم فهو عامل ولو مل‬ ‫حجة عليهم كما سيأيت بيان ذلك‪ّ ،‬‬ ‫حججها‪ .‬لكنّها كانت ّ‬
‫حيفظ األدلة ويسرد أقوال النّاس واجلاهل من مل خيالف هواه‪ ،‬وما اتّبع هدى اهلل وترك طاعة اهلل‬
‫فصيحا‪ ،‬وكان يدعو النّاس‬
‫ا‬ ‫احلجج وكان لسانه‬
‫حىت لو كان حيفظ كل األدلة و ّ‬ ‫وتكاسل عن املعلومات ّ‬
‫إليها فال ب ّد أن تبصر طريقك وتعلم أين أنت من مستوى العلم؟! فتسرد األدلة واَليات واألحاديث‬
‫إين أعوذ بك من عل ٍم ال‬‫هم ّ‬‫يب ﷺ يقول‪":‬اللّ ّ‬
‫وحتاج فالناا‪ ،‬فكأ ّن النّ ّ‬ ‫وتدخل املناظرة وتغلب فالن ّ‬
‫ينفع"‪.‬‬

‫باختصار أيّها الطّالب الكرام العلم الشرعي‪ :‬هو طلب ما عند اهلل على هدى من اهلل‪ ،‬وما سوى‬
‫ذلك فهو زينة الحياة وخارج عن هذا المعنى‪.‬‬
‫يوصي طالبه هبذا‪.‬‬
‫لذلك كان عدد من أهل العلم ّ‬

‫‪00‬‬
‫لطالبه‪:‬‬
‫‪ ‬وصايا أهل العلم ّ‬
‫أوالا‪ :‬علّق اإلمام البخاري رمحه اهلل يف كتاب العلم هذا األثر ‪-‬واهلل تعاىل منذ أن هداين إليه وأنا‬
‫أكتبه أمامي وأنظر إليه من وقت َلخر وال أشبع من مجال هذا األثر‪ -‬قال ربيعة ‪-‬وهو امللقب بربيعة‬
‫الرأي‪ -‬قال‪" :‬ال ينبغي ألحد أن يكون عنده شيء من العلم أن يضيّع نفسه‪".‬‬

‫ووجوه تضييع النفس كثيرة‪:‬‬


‫‪ .1‬منها أال خيلص يف علمه‪،‬‬
‫‪ .2‬ومنها ّأال يصرب على العلم‪،‬‬
‫‪ .3‬ومنها أال يعمل بالعلم‪،‬‬
‫يذل نفسه ويذل ما معه من العلم‪،‬‬ ‫‪ .4‬ومنها أن ّ‬
‫‪ .5‬ومنها أن يفرط يف نشر العلم وبثّه‪.‬‬
‫يسع يف نشرها أو يفخر هبا على الناس‬
‫فكم من إنسان حصل معلومات ال يعمل هبا أو ال َ‬
‫ويستصغرهم‪.‬‬

‫ثاني ا‪ :‬وكذلك نقل عبد اهلل بن وهب قال‪ :‬حدثن مالك بن أنس‪" :‬أن ا‬
‫رجال قال وسأله عن طلب‬
‫الرجل عامل‪ ،‬قال‪ :‬إن طلب العلم حسن‪ ،‬ولكن انظر إىل الذي يلزمك من حني‬ ‫العلم فقال هذا ّ‬
‫تصبح ومن حني متسي فالزمه‪ ،‬وال تؤثرن عليه شيئاا‪".‬‬
‫فهذه أعظم نصيحة ممكن ينصحها معلم لطالبه يقول له‪ :‬طلب العلم حسن بال شك‪ ،‬ولكن انظر‬
‫إىل الذي يلزمك يعن الفرائض اليت تلزمك يف كل مشهد وموقف من حني تصبح ومن حني متسي‬
‫طالب يستيقظ قبل الفجر ليتابع منشورات‬ ‫فالزمه‪ .‬فهذا هو االصل وال تؤثرن عليه شيئاا‪ ،‬فكم من ٍ‬
‫كذا وكذا‪ ،‬ويضيّع هذا الوقت الّذي ينبغي أن جيعله يف ال ّدعاء واالستغفار والطاعة‪ ،‬وكم من ٍ‬
‫طالب‬
‫بقي جيادل يف حديث نزول اهلل تبارك وتعاىل إىل مساء ال ّدنيا‪ ،‬حني يبقى ثلث الليل األخري وال يتعرض‬
‫لفضل اهلل تبارك وتعاىل يف هذا الوقت فال يصلّي وال يستغفر اهلل من ذنبه وال يتلو كتاب اهلل وال‬
‫يسأل اهلل من فضله‪.‬‬

‫‪02‬‬
‫وجمرد شهادة يعمل‬
‫فكم من إنسان تعلّم العلم ليفخر به على النّاس ليجلدهم بالعلم‪ ،‬ليتكرب عليهم‪ّ ،‬‬
‫أذل العلم وصار سلعة يباع ويشرتى من الظاملني أو األغنياء‬
‫هبا أو مصدر رزق‪ ،‬أو كم من إنسان ّ‬
‫واملرتفني أو لعبة أو ساعة أو حاسوب أو هدية فيبذل دينه ويغري الفتاوى اليت توافق أهواء هؤالء‬
‫املرتفني‪.‬‬

‫الشافعي كلمة مجيلة سجلتها ونفعن اهلل تبارك وتعاىل هبا‪" :‬من تعلم القرآن‬ ‫ثالثا‪ :‬هلذا قال ّ‬
‫الشيخ ّ‬
‫عظمت قيمته ‪-‬يتكلم عن آثار أبواب العلوم‪ ،-‬ومن نظر يف الفقه نبل مقداره‪ ،‬من كتب احلديث‬
‫رق طبعه‪ ،‬ومن نظر يف احلساب جزل رأيه‪ ،‬ومن مل يصن نفسه مل‬ ‫قويت حجته‪ ،‬ومن نظر يف اللغة َّ‬
‫ينفعه علمه"‪.‬‬

‫الشافعي العامل الكبري ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬الّذي أمضى عمره كله يف طلب العلم‬
‫فهذه الكلمات خترج من ّ‬
‫ونشرا وبثًّا للعلم‪ .‬ذكر هذه اخلالصة‪" :‬ومن مل يصن نفسه مل‬
‫وتدريسه وطاف البلدان تلقياا للعلم‪ ،‬ا‬
‫ينفعه علمه"‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬كما قال عكرمة رمحه اهلل‪" :‬إن هلذا العلم مثناا ‪-‬وهو خياطب املشايخ‪ -‬قيل‪ :‬وما هو؟ قال‪" :‬أن‬
‫تضعه فيمن حيسن محله‪ ،‬وال يضيعه‪".‬‬

‫يذل نفسه بالعلم أو يفخر على النّاس‬


‫كل إنسان حتمل العلم فيصونه‪ ،‬فكثري من الناس ّ‬
‫يعن فليس ّ‬
‫بدال من أن يرمحهم بالعلم‪.‬‬
‫بالعلم ويبغي عليهم ويستطيل عليهم ا‬
‫باحلق‪ :‬هو رمحة اخللق أن تستعمله إلصالح نفسك‪ ،‬وإصالح النّاس‪ .‬فهكذا كان عمل رسل‬ ‫فالعلم ّ‬
‫فكل من تعلّم العلم ليقوم بالقسط‪ ،‬ويدعو النّاس للقيام‬
‫الرسل ليقوموا بالقسط ّ‬ ‫اهلل‪ ،‬فاهلل أرسل ّ‬
‫بالقسط؛ فهو على سنن املرسلني‪ ،‬ومن خري النّاس‪.‬‬

‫‪03‬‬
‫‪ ‬معنى أ ّن العلم دين‪:‬‬
‫إ ّن هذا العلم دين فاكتب هذه الكلمة أمامك على املكتب فما معىن أن العلم دين؟ فانظروا عمن‬
‫تأخذون دينكم‪ .‬ليست هي جمرد فرع‪ ،‬هذا العلم دين؛ يعن أن هذا ال ّدين يؤخذ من اهلل وهو كذلك‬
‫باهلل‪ ،‬يعن لن تتعلم إال هبدي اهلل‪ ،‬وهو كذلك إىل اهلل فال ينبغي أن يصرف اال هلل‪ ،‬فالعلم من اهلل‬
‫﴿و َعلَّ َم َ‬
‫ك َما َملْ تَ ُكن‬ ‫يب ﷺ وقال‪َ :‬‬
‫أمنت على النّ ّ‬ ‫وإليه فهو اهلادي واملعلم فهو علم أدم األمساء كلها‪ ،‬و ّ‬
‫﴿ال ُِحييطُو َن بِ َش ْي ٍء ِّم ْن ِع ْل ِم ِه إَِّال ِِبَا َشاءَ﴾‪ ،‬فأنت لن تتعلم إال‬
‫يما﴾ َ‬ ‫ضل اللَّ ِه علَي َ ِ‬
‫ك َعظ ا‬‫تَ ْعلَ ُم َوَكا َن فَ ْ ُ َ ْ‬
‫﴿ما أُوتِيتُم ِّم َن الْعِْل ِم إَِّال قَلِ ايال﴾ فبذلك كما أنك تتعلم من اهلل‬ ‫ِبا شاء اهلل‪ ،‬وبالقدر الذي شاءه اهلل‪َ ،‬‬
‫فال ينبغي أن تبذل علمك إال هلل‪.‬‬

‫عوضا هلذا العلم دون الفردوس‪.‬‬


‫وأقوهلا يا شباب كل من طلب الفقه يف الدين ال ميكن أن يرضى ا‬
‫يعن أتصور إن اإلنسان الذي اهتدى هبدى اهلل من العلم يف كتاب اهلل وحديث رسول اهلل ﷺ‪ ،‬ال‬
‫ميكن أن يشرتي هبذا العلم إال الفردوس‪ ،‬ألن هذا العلم دين ومثنه اجلنة‪ ،‬فمن تعلّم لغري ذلك فلن‬
‫ينفعه علمه‪.‬‬

‫جدا وجيب أن تتعلمها‪ ،‬فالّذي يدخل يف بداية احلياة الدراسيّة دون أن‬ ‫مهمة ا‬ ‫فكل هذه األمور ّ‬
‫يستحضر هذه املعاين فلن ينتفع بالعلم‪ ،‬وسيكون حجة عليه‪ ،‬فاهلل سبحانه وتعاىل ذكر القرآن فهل‬
‫آن َما ُه َو ِش َفاء َوَر ْمحَةٌ‬
‫ذكر أنه هدى لكل من تُلي عليه؟ ال بل للمتقني‪ ،‬وقال‪﴿ :‬ونُنَ ِّزُل ِمن الْ ُقر ِ‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫لِّْلم ْؤِمنِني﴾‪﴿ ،‬ال ي ِز ُ ِ ِ‬
‫يد الظَّالم َ‬
‫ني إَالَّ َخ َس اارا﴾‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫مجيل‪ ،‬وأحسب أن كل‬
‫كالم ٌ‬
‫لكل أحد وقد ذكرنا هذا الكالم يف املقدمة‪ ،‬فهو ٌ‬
‫نافعا ّ‬‫فليس العلم ا‬
‫إنسان عاقل ال بّد أن يقتنع هبذا الكالم‪.‬‬

‫‪04‬‬
‫من أين لنا أن نعرف كل هذا؟‬

‫يعني من أين نعرف فضل العلم؟ ونعرف أخالق العالِم والمتعلم؟ وفضل الفقه في الدين؟‬
‫وتلقي العلم وضبط العلم وحفظ العلم؟ والحرص على العلم والفتية والحكمة في التعليم‬
‫واإلصالح؟‬

‫يب ﷺ يفتتح اخلُطب بقوله‪" :‬إن أصدق‬


‫يب ﷺ‪ .‬لذلك كان النّ ّ‬
‫لن َتد أعظم من كتاب اهلل وهدي النّ ّ‬
‫يبﷺ"‪.‬‬
‫احلديث كتاب اهلل وأحسن اهلدي هدي النّ ّ‬
‫ِ‬
‫ول ِّم َن ٱللَّه يَْت لُواْ ُ‬
‫ص ُح افا ُّمطَ َّهَرةا﴾‪.‬‬ ‫﴿ر ُس ٌ‬
‫يب ﷺ هي العمل وهي اهلدي َ‬
‫كتاب اهلل هو العلم وسنة النّ ّ‬
‫لذلك أنصح كل طلبة العلم أياا كان مستواهم يف البداية أو متوسط ولو صار له مئة عام يف طريق‬
‫العلم‪:‬‬

‫‪ ‬النصيحة األولى‪:‬‬
‫خيتص يف العلم سواء يف آداب طالب العلم‬
‫ّ‬ ‫أنصحه أن جيمع كل ما جاء يف القرآن والسنة ممّا‬
‫الشباب حني يدخل يف هذا الباب جيمع كتاباا‪ ،‬فهذه‬
‫واملتعلم وآفات العلم ومقاصد العلم‪ ،‬فكثري من ّ‬
‫كتب جيدة ككتاب (حلية األولياء) و(تذكرة السالك واملتعلم يف أخالق ِ‬
‫العامل واملتعلم) كلها كتب‬ ‫ّ‬
‫جيدة لكن يف رأيي امجع ذلك بنفسك من القرآن‪ ،‬فكلما وجدت كلمة العلم أو املعرفة أو ِ‬
‫العامل أو‬
‫العلماء أو يعلم‪ ،‬امجع هذه املادة من كتاب اهلل وسرتى ما سيفتح لك من أبواب اهلدى يف طريق‬
‫طلب العلم‪.‬‬
‫‪ ‬النصيحة الثانية‪:‬‬
‫قراءة كتاب العلم من صحيح مسلم واهلل معرفة هذا الباب اخلاص فيه‪ ،‬معرفة ماذا يطلب من العلم؟‬
‫وكيف يطلب؟ والنيات يف طلب العلم كيف نتلقاه وننشره؟ واجلرأة يف بيان احلق وغري ذلك‪.‬‬
‫اري ومسند‬ ‫ِ‬
‫واهلل أفضل ما ميكن أن هتتدي به من بعد كتاب اهلل هو كتاب العلم من صحيح البخ ّ‬
‫ال ّدارمي هذه هي األصول اقرأها وامجعها‪ ،‬مث بعد ذلك امجع ما تشاء‪.‬‬

‫‪05‬‬
‫األمر األول‪ :‬هي امليزان الذي يعرض عليه كل ما جاء بعده فعليك أن تفهم هذه‪ ،‬ألهنا مهمة ا‬
‫جدا‪،‬‬
‫فكثري من الكتب تتكلم عن طالب العلم وآداب طالب العلم‪ ،‬فتذ ُكر أمورا حم ّدثة ومبتدعة‪ ،‬ليست‬
‫عما جاء عن‬
‫كلها صحيحة فهي ختطئ يف أكثر من جهة‪ ،‬وال هتتم ِبا جاء يف القرآن واحلديث ّ‬
‫العلم‪ ،‬ممكن تذ ُكر حديث أو آية‪ ،‬ولكن ال تعمل استقراء‪.‬‬

‫األمر الثاني‪ :‬أهنا تغفل أبواباا عظيمة‪ ،‬هي أعظم ألف مرةٍ مما ذكرت فيه‪ ،‬وحشدت فيه األدلة‪.‬‬

‫األمر الذي بعد ذلك‪ ،‬أ ّن طالب العلم حينما يقرأ هذه الكتب يغفل عن املصدر األصلي للهدى يف‬
‫هو كتاب‬
‫كل باب؛ لذلك أنا يف رأيي أن أعظم ما فعله البخاري ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬يف دين اإلسالم َ‬
‫اجلامع (املسند الصحيح املختصر من أمور رسول اهلل ﷺ وسننه وأيامه)؛ ألنه يقول لك أنت بصفتك‬
‫هو هدي رسول اهلل‬
‫مسلم يف كل باب من أبواب الدين‪ ،‬وكل أمر من أمور حياتك أعظم ما حتتاجه َ‬
‫ﷺ‪ ،‬فكأن كتاب البخاري تطبيق عملي من سنة النيب ﷺ وقبلها من كتاب اهلل‪ ،‬لقول الشافعي يف‬
‫مطلع كتابه الرسالة‪" :‬وليست تنزل بأحد من أهل دين اهلل نازلة‪ ،‬إال ويف كتاب اهلل الدليل على سبيل‬
‫اهلدى فيها" لكن من الذي جيمع؟‪ ،‬ومن الذي يستخرج هذه املعاين؟ ومن الذي يبثُّها يف الناس؟‪،‬‬
‫هذا واهلل من خري الناس‪.‬‬

‫أنا أرى أن من يطلب اهلدى من كتاب اهلل يف أي باب ومن حديث النيب صلى اهلل عليه وسلم‪،‬‬
‫يبث ذلك يف الناس‪ ،‬هو خري وارث لألنبياء واملرسلني‪ ،‬وأرجو أن يرفعه اهلل‬ ‫ويفقهه ويتدبَّر فيه مث ُّ‬
‫ونشرا بني الناس‬
‫أصل فاعتنوا به قراءةا ودراسةا ا‬
‫تبارك وتعاىل بذلك‪ ،‬فكتاب العلم من صحيح البخاري ٌ‬
‫فيه أصح األخبار وأمجعها يف هدي النيب ﷺ متعلِّ اما‪ ،‬ومعلِّ اما‪ ،‬وداعياا‪ُ ،‬‬
‫ومفتياا‪ ،‬وقاضياا‪ ،‬وفيه فضل‬
‫العلم‪ ،‬وفضل التماس العلم‪ ،‬وحتصيل العلم‪ ،‬وفيه الصرب على العلم‪ ،‬والرحلة يف طلب العلم‪ ،‬فيه بيان‬
‫منازل العلوم وأشرف العلوم وأعالها‪ ،‬فيه كذلك فضل من َّفقهه اهلل يف الدين ورفعه اهلل بالعلم فعلِم‬
‫وعلَّم‪ ،‬فيه احلرص على التعلُّم‪ ،‬وفيه احلكمة يف تل ّقي العلوم والعمل هبا واحلكمة يف نشرها والدعوة إىل‬
‫السمر يف العلم‪ ،‬فيه‬‫اهلل فيه الفهم يف العلم‪ ،‬فيه تبليغ العلم‪ ،‬فيه كتابة العلم‪ ،‬فيه حفظ العلم‪ ،‬فيه َّ‬
‫اجلرأة يف بيان احلق وحتمل األذى يف سبيل نشر العلم‪ ،‬فيه التناوب يف العلم واملذاكرة‪ ،‬فيه خلق‬

‫‪06‬‬
‫املعلم‪ ،‬وفيه فقه التَّعليم‪ ،‬فيه فقه ال ُفتية‪ ،‬والقضاء‪ ،‬فيه نوعا العلم‪ :‬الرواية والتفسري‪ ،‬فيه األخبار‪ ،‬وفقه‬
‫حث النساء على التَّفقه يف الدين‪ ،‬وأنه مل مينعهن احلياء أن َّ‬
‫يتفقهن يف الدين‪ ،‬فيه عناية‬ ‫األخبار‪ ،‬فيه ُّ‬
‫صهن فيه بالعلم‪ ،‬فيه كيف‬ ‫يوما خي ُّ‬
‫نساء اإلسالم يف صدر اإلسالم يف أن جيعل هلم رسول اهلل ﷺ ا‬
‫يقبض العلم‪ ،‬فيه كيف يُصان العلم‪ ،‬وكيف يصون طالب العلم نفسه فال يضيِّع نفسه‪ ،‬مل يرتك‬
‫أصال من األصول اليت حيتاجها طالب العلم‪ ،‬أو العامل‪ ،‬أو القاضي‪ ،‬أو املفيت‪،‬‬
‫البخاري ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬ا‬
‫أصح ما جاء فيها فرحم اهلل البخاري رمحة واسعة ونفعنا اهلل ِبا كتب‪ ،‬فمختصر هذا أن‬
‫إال وذكر َّ‬
‫أصدق احلديث كالم اهلل‪ ،‬وأن أحسن اهلدي هدي النيب صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫‪ ‬النصيحة الثالثة‪:‬‬
‫من األمور اليت أحب أن أدلَّك عليها كطالب علم أن تعرف أن أعلى ما يطلب اإلنسان أن يتعلم‬
‫يريد أن يتعلم يف الصناعة‪ ،‬يف الزراعة‪ ،‬يف جمال عمله…‪ ،‬يريد أن يتعرف فاملعرفة هي فطرة عند‬
‫اإلنسان فأنت ال بد أن تعرف منازل العلوم‪ ،‬ومراتب العلوم ليست العلوم مرتبة واحدة فال بد أن‬
‫تعلم أن أعلى العلوم‪ ،‬وأصلها‪ ،‬وأنفعها وأحقها بأن تُتَعلم وتطلب‪ :‬العلم باهلل‪ ،‬وبدين اإلسالم‪ ،‬هذا‬
‫ك األَعلَى﴾ أعلى العلم‪ ،‬أن تكون عاملا باهلل ولو‬‫اسم َربِّ َ‬
‫﴿سبِّ ِح َ‬ ‫أعلى العلوم‪ ،‬حىت أن هذا من معىن َ‬
‫ا‬
‫أحدا تعلَّم كل ما يف احلياة الدنيا كل العلوم‪ :‬الطبيعية‪ ،‬والرياضية وكل العلوم… ومل يتعلَّم ما جيعله‬ ‫أن ا‬
‫شر‬
‫يؤمن باهلل‪ ،‬وخيلص له‪ ،‬ويعظمه‪ ،‬وحيبه‪ ،‬ويرجوه ويتوكل عليه وخيلص له‪ ،‬فهو كما قال اهلل من ُّ‬
‫الربية‪ ،‬وأولئك ﴿ َك ْاألَنْ َع ِام بَ ْل ُه ْم أ َ‬
‫َض ُّل َسبِ ايال﴾‪.‬‬
‫ب َوَهل ٌو﴾‪﴿ ،‬أَ َمل يَعلَم بِأ َّ‬ ‫ِ‬
‫َن‬ ‫كثريا أمرنا بأن نتعلم ﴿اعلَموا أَََّّنَا احلَياةُ الدُّنيا لَع ٌ‬
‫لذلك اهلل سبحانه وتعاىل ا‬
‫اللَّهَ يَرى﴾‪﴿ ،‬فَاعلَم أَنَّهُ ال إِلهَ إَِّال اللَّهُ ﴾ والنيب ﷺ ذكر أنه أعلم الناس باهلل‪ ،‬وأنه أشدهم له خشية‪،‬‬
‫فقبل أن تبدأ يف طلب العلم حتتاج كذلك ‪-‬أنا هنا يف هذه احملاضرة أحاول أن أفتح لك أبواباا تطلبها‬
‫أنت‪ ،‬أنا هنا لن أستوعب عنوان احملاضرة بالتأكيد لكنها خطوط عريضة ملا ينبغي أن تلتمسه من‬
‫القرآن والسنة يف العلم‪ ،-‬من أعظم ما يلتمس أن تعرف فضل التماس العلوم‪ ،‬اهلل سبحانه وتعاىل‬
‫يك ِمن‬‫جعل الناس إما عامل به وبدينه‪ ،‬وإما أعمى‪ ،‬قال سبحانه وتعاىل‪﴿ :‬أَفَ َمن يَعلَ ُم أَََّّنا أُن ِزَل إِلَ َ‬
‫ِ‬ ‫َِّ‬
‫كثريا عن الذين أوتوا‬ ‫ك احلَ ُّق َك َمن ُه َو أَعمى إَّنا يَتَ َذ َّكُر أُولُو األَلباب﴾‪ ،‬واهلل سبحانه وتعاىل ذكر ا‬
‫َربِّ َ‬
‫‪07‬‬
‫العلم‪ ،‬وذكر أثر العلم عليهم ﴿ولِيعلَم الَّذين أوتُوا العِلم أَنَّه احل ُّق ِمن ربِّ َ ِ ِ‬
‫ت لَهُ‬ ‫ك فَيُؤمنوا بِه فَتُخبِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ََ َ َ‬
‫جدا‪ ،‬كما يف قصة قارون ملا أبصروا فتنة قارون ومل يتمنَّوا مكانه كما متنّاه‬ ‫قُلوبُ ُهم﴾ ‪ ،‬وآيات كثرية ا‬
‫اب اللَّ ِه َخريٌ﴾ إىل آخر‬ ‫لم َويلَ ُكم ثَو ُ‬
‫َ‬
‫قال الَّذين أوتُوا العِ‬
‫﴿و َ َ‬ ‫الذين يريدون احلياة الدنيا والقصة معروفة َ‬
‫أيضا من األمور العظيمة اليت جاءت يف كتاب اهلل ولعلها أهم‬ ‫جدا‪ ،‬ا‬
‫القصة فهذي من األمور املهمة ا‬
‫عنصر عندنا اليوم‪ ،‬وأحب منك أن تكتب هذا الكالم‪.‬‬

‫حجة لك أو عليك‪:‬‬
‫العلم ّ‬
‫لم ﴾‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫كثريا ما يقول‪ ﴿ :‬من بَعد ما جاءَ ُه ُم الع ُ‬ ‫العلم ميثاق ومسؤولية‪ ،‬لذلك اهلل سبحانه وتعاىل ﷻ ا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َنت بِتابِ ٍع قبلَتَ ُهم َوما بَ ُ‬
‫عض ُهم‬ ‫ك َوما أ َ‬ ‫تاب بِ ُك ِّل آيٍَة ما تَبِعوا قبلَتَ َ‬ ‫ِ‬
‫ذين أوتُوا الك َ‬ ‫َ‬
‫يت الَّ‬
‫َ‬ ‫ت‬
‫َ‬‫َ‬‫أ‬ ‫ن‬ ‫مثال ﴿ولَئِ‬
‫أو ا َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بِتابِ ٍع قِبلَةَ ب ٍ ِ‬
‫مني﴾ الحظ‬ ‫ِ‬
‫ك إِ اذا لَم َن الظّال َ‬ ‫عت أَهواءَ ُهم ِمن بَعد ما جاءَ َك ِم َن العِل ِم إِنَّ َ‬ ‫عض َولَئ ِن اتَّبَ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫َنزلناهُ‬
‫ك أَ‬ ‫﴿وَكذل َ‬‫يؤكد أن جميء العلم هو مسؤولية ينبغي أن يعمل هبا اإلنسان‪ ،‬حىت يف سورة الرعد َ‬
‫يل َوال و ٍاق﴾‪ ،‬هذا‬ ‫ك ِم َن اللَّ ِه ِمن َوِ ٍّ‬ ‫عدما جاءَ َك ِم َن العِل ِم ما لَ َ‬ ‫ِ‬
‫كما َعَربِيًّا َولَئ ِن اتَّبَ َ‬
‫عت أَهواءَ ُهم بَ َ‬ ‫ُح ا‬
‫يدل على الفرق بني طالب العلم وغريه‪ ،‬فالعلم حجة عليك‪ ،‬هو ميثاق ومسؤولية‪ ،‬لذلك ربنا‪:‬‬
‫عقلو َن﴾ ‪ ،‬يعن كان ينبغي أن‬ ‫الكتاب أَفَال تَ ِ‬ ‫الرب وتَنسو َن أَن ُفس ُكم وأَنتُم تَتلو َن ِ‬ ‫﴿أَتَأمرو َن النّ ِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫اس ب ِّ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫أيضا يف قول اهلل عز وجل‪:‬‬ ‫تكون تالوتكم للكتاب تفصلكم عن اجلاهلني الذين ال يتلون الكتاب‪ ،‬ا‬
‫ت اليهود على ش ٍ‬ ‫ت النَّصارى على ش ٍ‬
‫يء َوُهم يَتلو َن‬ ‫يس ِ َ ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬‫ل‬ ‫َّصارى‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ت‬‫يء وقالَ ِ‬
‫َ َ َ‬
‫ت اليهود لَيس ِ‬
‫﴿وقالَ َ ُ َ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫ثل قَوهلِِم﴾ لدينا معنيان هنا وهم يتلون الكتاب هذا‬ ‫َ‬ ‫م‬‫قال الَّذين ال يعلَمو َن ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫َ‬
‫الكتاب َكذلِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫تعجب!‪ ..‬كيف يقولون ذلك وهم يتلون الكتاب!‬
‫من اهلل عليه بالعلم هذه حجة عليه‪ ،‬ليس معىن ذلك أنك أنت ترتك طلب العلم‬ ‫فهذا يؤكد أن من َّ‬
‫هدى‬
‫حىت ال يكون حجة عليك ‪..‬ال‪ ،‬احلجة هذه شرف‪ ،‬تتميَّز هبا عن اجلاهلني‪ ،‬عن الضالني‪ ،‬هو ا‬
‫لما﴾ ‪ ،‬فال‬ ‫من اهلل سبحانه وتعاىل؛ لذلك ربنا أمر النيب صلى اهلل عليه وسلم‪﴿ :‬وقُل ر ِّ ِ ِ‬
‫ب زدين ع ا‬ ‫َ َ‬
‫يظنن أحد أن يرتكه‪ ،‬كبعض الشباب‪ ،‬يف فرتة من الفرتات أول ما بدأت حفظ القرآن‪ ،‬فقال يل‪ :‬أنا‬
‫َّ‬
‫معا‪ ،‬قال‪ :‬ال أنا‬
‫ال أريد حفظ القرآن‪ ،‬قلت له‪ :‬ملاذا ؟! تعال حنن حناول أن حنفظ وجنتمع ونراجع ا‬

‫‪08‬‬
‫طبعا حديث ضعيف‬
‫علمت أن هناك حديثاا أ ّن من حيفظ القرآن وينساه له عذاب كذا وكذا‪ .‬ا‬
‫جاهال أفضل!‬
‫حديث‪ ،‬لكن املشكلة يف ظنِّه هو أن يبقى ا‬
‫ال‪ ،‬اإلنسان البد أن يدخل نفسه يف معايل األمور‪ ،‬وأن يصرب على العمل هبا ‪-‬رّكز يف هاتني‬
‫الفكرتني‪ -‬أن تُلقي بنفسك يف معايل األمور وأن تتحمل ضريبتها‪ ،‬فهذا واهلل أشرف ما تصون به‬
‫نفسك‪ ،‬هناك بعض الناس يقول‪ " :‬أنا أريح نفسي أنا‪ ،‬ما الذي يدفعن للدخول يف جمال طلب‬
‫العلم وأحفظ وأراجع‪ ،‬وبعد ذلك أدعو إىل اهلل‪ ،‬وممكن أن آمر باملعروف‪ ،‬وأنه عن املنكر وأحد‬
‫يتضايق من فعلي‪ ،‬أو يشتمن أو حنو ذلك‪ ،‬أريح نفسي من هذه القصة كلها‪ ،‬ما الذي يدفعن يف‬
‫يتحمل‪ .‬لذلك ربنا‬ ‫هذا الباب ؟!‪ ،‬ال‪ ..‬فاإلنسان الشريف ال يرضى لنفسه إال ِبعايل األمور‪ ،‬وكذلك َّ‬
‫بالنبوة والرسالة‪ ،‬قال له‪- :‬رِّكزوا يف هذا املعىن العظيم‪-‬‬ ‫من على النيب حممد ﷺ َّ‬ ‫سبحانه وتعاىل‪ ،‬ملَّا َّ‬
‫اصرب كما صب ر أُولُو ِ‬
‫فتحمل تبعات‬ ‫من عليه هبذا الكتاب َّ‬ ‫العزم ِم َن ُّ‬
‫الر ُس ِل ﴾‪ ،‬اهلل سبحانه وتعاىل َّ‬ ‫َ‬ ‫َ َََ‬
‫﴿فَ ِ‬
‫اصرب ِحلُك ِم‬
‫هذا األمر‪ ،‬وكان النيب ﷺ سيد ولد آدم‪ ،‬فاهلل سبحانه وتعاىل هناه يف آية أخرى‪﴿ :‬فَ ِ‬
‫الرسل الكرام‪﴿ ،‬إنّا حنن نزلنا‬ ‫احلوت ﴾‪ ،‬يعن أمره أن يتأسى بأولوا العزم من ُّ‬ ‫ب ِ‬ ‫ك وال تَ ُكن َك ِ‬
‫صاح ِ‬
‫َربِّ َ َ‬
‫عليك القرآن تنز ايال فاصرب﴾‪ ،‬إ اذا العلم ميثاق ليس معناه أن يرتك العلم حىت ال يكون حجة عليه‪ ،‬بل‬
‫مستحضرا أن العلم ميثاق ومسؤولية من أول حلظة يف طلب العلم‪،‬‬ ‫ا‬ ‫معناه أن يدخل يف طلب العلم‬
‫أريد منك أن تالحظ هذه اَلية اجلليلة يف سورة األعراف‪ ،‬هذه اَلية ال أشبع منها ملا أجد ما فيها‬
‫وحتركوا به واستناروا بنوره‬ ‫كثريا ما يذكر الذين عملوا ِبيثاق العلم ّ‬ ‫من البيّنات‪ ،‬اهلل سبحانه وتعاىل ا‬
‫جدا يف القرآن‪ ،‬فمن أمجع‬ ‫كثريا ا‬‫حجة عليهم‪ ،‬ذكرهم ا‬ ‫ويذكر كذلك الذين مل ينتفعوا هبذا العلم وكان ّ‬
‫هبان لَيَأ ُكلو َن أَمو َال‬‫ثريا ِم َن األَحبا ِر َو ُّ‬
‫الر ِ‬ ‫ِ‬
‫اَليات اليت جاءت يف هؤالء قوله سبحانه وتعاىل‪ ﴿ :‬إ َّن َك ا‬
‫ِ‬ ‫الباط ِل ويص ّدو َن عن س ِ ِ‬ ‫اس بِ ِ‬
‫بيل اللَّه﴾‪ ،‬كذلك يف قول اهلل سبحانه وتعاىل ﴿ يَكتُبو َن الك َ‬
‫تاب‬ ‫َ َ‬ ‫ََ ُ‬ ‫النّ ِ‬
‫أن العلم‬ ‫بِأَيدي ِهم ﴾ إىل غري ذلك‪ ،‬لكن هذه اَلية يف سورة األعراف آية عظيمة يف هذا املعىن‪ُّ ،‬‬
‫وتدل َّ‬
‫ِِ‬
‫ف ِمن بَعدهم َخ ٌ‬
‫لف َوِرثُوا‬ ‫شرف‪ ،‬وميثاق ومسؤولية ليس جمرد مجع معلومات فيقول سبحانه‪﴿ :‬فَ َخلَ َ‬
‫﴿ويَقولو َن َسيُغ َفُر لَنا﴾ يعن يبيعون علمهم و‬ ‫ِ‬
‫ض ه َذا األَدِن﴾ يعن عرض الدنيا َ‬ ‫أخذو َن َعَر َ‬
‫تاب يَ ُ‬
‫الك َ‬
‫أخذوهُ﴾‪ ،‬واهلل! هذه اَلية جيب‬ ‫حيرفون بالكتاب ﴿وإِن يأهتِِم عر ِ‬ ‫يضلُّون الناس هبذا العلم أو ِّ‬
‫ض مثلُهُ يَ ُ‬
‫َ َ ََ ٌ‬

‫‪09‬‬
‫مين اهلل عليك بالعلم‪ ،‬ربنا يقول‪ ،‬وهذا كأنه‬ ‫تبني معىن أن َّ‬ ‫أن جيعلها طالب العلم يف قلبه‪ ،‬ألهنا ِّ‬
‫فيه﴾‪ ،‬ربنا‬ ‫تاب أَن ال يقولوا علَى اللَّ ِه إَِّال احل َّق ودرسوا ما ِ‬ ‫ميثاق ِ‬
‫الك ِ‬ ‫ؤخذ َعلَي ِهم ُ‬
‫َ َ ََ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫عتاب‪﴿ :‬أ َمل يُ َ‬
‫سبحانه وتعاىل يقول هنا أمل تتعلَّموا العلم‪ ،‬أمل تدرسوا ما فيه؟‪ ،‬والدراسة تعن بلسان العرب‪" ،‬درس‬
‫القمح دراسة" معناها املكان الذي "تدوس" تضغط عليه‪ ،‬أي الشيء الذي تعبت حىت تصل إليه‪،‬‬
‫تاب أَن ال يَقولوا َعلَى اللَِّه إَِّال‬ ‫ميثاق ِ‬
‫الك ِ‬ ‫ؤخذ َعلَي ِهم ُ‬ ‫فربنا سبحانه وتعاىل يذكر هؤالء يقول‪ ﴿:‬أَ َمل يُ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ذين يَتَّقو َن﴾ أمل تعلموا بدراستكم يف الكتاب أن العلم إَّنا‬ ‫احلَ َّق َوَد َرسوا ما فيه َوال ّد ُار اَلخَرةُ َخريٌ للَّ َ‬
‫حيرف‬ ‫حيل أن ِّ‬ ‫يطلب به ما عند اهلل وال تطلب به دنيا‪ ،‬وال يطلب به شهره وال مال‪ ،‬وال جاه‪ ،‬وال ُّ‬
‫العامل علمه لريضي الناس‪ ،‬انظر إىل هذا العتاب يف هذه اَلية‪ ،‬واهلل مما ينبغي أن يكتبه طالب العلم‬
‫﴿وإِذ أ َ‬
‫َخ َذ‬ ‫أمامه‪ ،‬هذا خييف أن يبذل علمه لغري اهلل‪ ،‬ربنا ينكر على هؤالء‪﴿ ،‬أمل يؤخذ عليهم﴾‪َ ،‬‬
‫اس َوال تَكتُمونَهُ﴾ ‪ ،‬هذا العلم الذي ينبغي أن يبذل هلل ويف‬ ‫تاب لَتُبَ يِّ نُنَّهُ لِلنّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ذين أوتُوا الك َ‬ ‫اللَّهُ َ َّ‬
‫ميثاق ال َ‬
‫ليربر للظاملني أو الطُّغاة أفعاهلم‪ ،‬كيف ميكن أن‬ ‫سبيل اهلل يتَّخذه لنيل مصاحله‪ ،‬أو يتَّخذ هذا العلم ِّ‬
‫الص ِّد عن سبيل اهلل! كما يفعل كثريٌ من الدكاترة‬ ‫يبذل هذا العلم يف غري سبيل اهلل! بل يبذل يف َّ‬
‫الص ِّد عن سبيل اهلل‪ ،‬هؤالء ‪-‬واهلل‪-‬‬ ‫واألساتذة واملشايخ‪ ،‬يبذل علمه ليس ملصلحة نفسه‪ ،‬بل يف َّ‬
‫اعا ينتزعه‬ ‫قطاع طرق يف صورة مشايخ يضلُّون الناس‪ ،‬كما قال النيب ﷺ‪ " :‬إن اهلل ال يقبض العلم انتز ا‬
‫جهاال فسئلوا‬
‫رؤوسا ا‬
‫من صدور العلماء وإَّنا يقبضه بقبض العلماء‪ ،‬حىت إذا مل يبق عامل اختذ الناس ا‬
‫فأفتوا بغري علم فضلُّوا وأضلُّوا"‪.‬‬
‫اهلل سبحانه وتعاىل ذكر الذين اختذوا العلم بغياا يبغون به على الناس ويستطيلون ويفخرون‪ ،‬فرحوا ِبا‬
‫قليال‪ ،‬ذكر الذين‬
‫عندهم من العلم‪ ،‬ذكر الذين حيسدون يف العلم‪ ،‬ذكر الذين يشرتون بآيات اهلل مثناا ا‬
‫يعينون الظاملني بالعلم ويأكلون أموال الناس بالباطل ويصدُّون عن سبيل اهلل‪ ،‬وهم علماء يف الظّاهر‪،‬‬
‫ليس جمرد أن تقرأ كتاباا أو تأخذ دكتوراه تكون عاملا مرضيًّا عند اهلل‪ ،‬فلذلك أنا أقول لك إذا كنت‬
‫ا‬
‫مثال واحد باملئة يف طريق حتصيل العلم فال بد أن َتتهد‪ ٩٩‬يف املئة يف هذا الطريق وأن تصون‬‫َتتهد ا‬
‫العلم وأن ختلصه من حظوظ النفس هذا ‪-‬واهلل‪ -‬هو الذي جيعلك تنتفع بأقل ما يبلغك من العلم‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫كثريا ما أردد هذه اَلية اليت نصح ابن تيمية ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬صاحبه أبا قاسم املغريب‪- ،‬واهلل‪ -‬هذه‬ ‫وأنا ا‬
‫الكلمة عظيمة ملن يعقلها قال له‪" :‬فمن َّنور اهلل قلبه هداه ِبا يبلغه من ذلك ‪-‬يعن من العلم أو‬
‫الكتب أو الدروس أو املشايخ‪ -‬ومن أعماه اهلل فلن تزيده كثرة العلم واملعرفة إال حريةا وضاللة"؛‬
‫احملرر‪ ،‬وإمام زمانه‪ ،‬وهو واهلل صادٌّ عن سبيل‬ ‫فكثريٌ من الناس حيسب أنه العامل‪ ،‬وحيسب أنه احمل ّقق‪ ،‬و ّ‬
‫اهلل‪ ،‬يأكل بعلمه ويأكل بدينه‪ ،‬ويفخر على الناس‪ ،‬مع أنه يف ذات الوقت ليس حىت حم ّق اقا يف علمه‬
‫تتأمل هذه اَلية‬‫وال شيء‪ِ ،‬بعىن هو حم ّقق يف العلم وال يبذله هلل‪ ،‬فنعوذ باهلل من ذلك‪ ،‬أريد منك أن ّ‬
‫اليت َّبني اهلل فيها أن عاملا أتاه اهلل اَليات مث مثَّله بالكلب يف أسوأ حاالته فهذا العلم الذي ُّ‬
‫حقه أن‬
‫ا‬
‫يرفع به اإلنسان عند اهلل‪-‬ال أقصد عند الناس‪﴿ -‬يرفع اهلل الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم‬
‫درجات﴾ يصري عند اهلل كالكلب! ﴿إِن َحت ِمل َعلَ ِيه يَ َلهث أَو تَرتُكهُ يَ َلهث﴾‪.‬‬
‫تتصور أنه ميكن إلنسان أن يكون عاملا ويكون عند اهلل كمثل الكلب‪ ،‬وكمثل‬ ‫أنا أريد منك أن َّ‬
‫ا‬
‫أسفارا‪ ،‬إذا مل يكن حقي اقا هبذا العلم إذا مل يكن يتحرك به‪ ،‬إذا مل يكن يبذله هلل‪ ،‬إذا‬
‫احلمار حيمل ا‬
‫كان يبذل علمه ملصاحله الشخصية يفخر به على الناس يستعلي به على الناس جيادل ومياري جملرد‬
‫املراء واجلدال‪ ،‬واهلل ما هؤالء بالعلماء‪ ،‬وال حىت طلبة العلم‪ ،‬كيف ميكن أن يُبذل العلم لغري اهلل؟‬
‫نتصور الرجل‬
‫الص ِّد عن سبيل اهلل واالستعالء على الناس والكرب؟ ّ‬
‫كيف ميكن أن يكون العلم سبباا يف ّ‬
‫الص ِّد عن سبيل اهلل‪ ،‬كهؤالء احلمقى الفاسقني‬
‫كثريا مث استعمل هذا املال يف ّ‬‫ماال ا‬ ‫الذي أعطاه اهلل ا‬
‫الفاجرين الذين آتاهم اهلل املال الكثري مث يأتون بالفسقة والفجرة واملمثلني الذين ينشرون الفسق‬
‫والفجور‪ ،‬وينشرونه يف جمتمعات اإلسالم‪ ،‬أريد أن أتوقع كيف يكون جزاء هذا الشخص عند اهلل‪ ،‬اهلل‬
‫الص ِّد عن سبيل اهلل‪،‬‬
‫سبحانه وتعاىل يعطيه املال الكثري‪ ،‬مث يبذل هذا املال ‪-‬الذي هو مال اهلل‪ -‬يف ّ‬
‫وحياربون به كل من دعا إىل اهلل‪ ،‬كذلك إنسان أعطاه اهلل املال فاستعمل هذا املال حلظوظ نفسه‪ ،‬أو‬
‫أعان به الظاملني اجملرمني‪ ،‬لذلك أريد منك أن تكثر من هذا الدعاء‪ ،‬اُدع اهلل سبحانه وتعاىل ﷻ‪:‬‬
‫وتعوذ باهلل تبارك وتعاىل‬ ‫الدعاء‪،‬‬ ‫ذا‬‫ه‬ ‫من‬ ‫أكثر‬ ‫﴾‪،‬‬ ‫ني‬ ‫ب ِِبَا أَنْعمت علَى فَلَن أَ ُكو َن ظَ ِهريا لِّْلمج ِرِ‬
‫م‬ ‫﴿ر ِّ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ا ُْ‬ ‫َ ْ َ َ َّ ْ‬ ‫َ‬
‫حظ نفسك‪ ،‬أو يف إعانة‬ ‫من اهلل تبارك وتعاىل عليك من العلم يف ِّ‬ ‫أن تستعمل علوم اإلسالم‪ ،‬أو ما َّ‬
‫حيذرنا من هؤالء‪.‬‬ ‫كثريا ما ِّ‬‫الظاملني فاهلل سبحانه وتعاىل ا‬
‫‪20‬‬
‫أحب أن أقف مع ٍ‬
‫هداية عظيمة يف حديث رسول اهلل صلى‬ ‫حنن نأخذ هدايات من القرآن واحلديث ُّ‬
‫اهلل عليه وسلم‪ ،‬عن أيب هريرة رضي اهلل عنه عن النيب ﷺ قال‪" :‬الناس معادن‪ ،‬كمعادن ال ّذهب‬
‫والفضة‪ ،‬خيارهم يف اجلاهلية خيارهم يف اإلسالم إذا ف ُقهوا"‪ ،‬فالناس معادن فاملعدن هو مستقر‬
‫الشيء‪ ،‬فمنها جاءت‪ :‬جنات عدن‪ ،‬الناس معادن منها الذهب‪ ،‬والفضة‪ ،‬واحلديد‪ ،‬النحاس …إخل‪،‬‬
‫فالناس معادن‪ ،‬أنا أريد أن أعرف معدين‪ ،‬فهذا شيء باطن ال تستطيع أن تعرفه إال بورود املعرفة على‬
‫فكل من كانت تزيده املعرفة حسن‬ ‫قلبك‪" ،‬خيارهم يف اجلاهلية خيارهم يف اإلسالم إذا فقهوا"‪ّ ،‬‬
‫كل من زادته‬ ‫خريا د َّل هذا على ِطيب معدنه‪ ،‬و ُّ‬ ‫خلق‪ ،‬وعمل‪ ،‬وعبادة‪ ،‬وتواضع‪ ،‬وكل من زادته املعرفة ا‬
‫دل هذا على‬ ‫وتيها‪ -‬التِّيه هو الفخر‪ -‬على من حتته‪َّ ،‬‬ ‫احتقارا لغريه‪ ،‬واستعالءا ا‬ ‫وحسدا‪ ،‬و ا‬ ‫ا‬ ‫كربا‪،‬‬
‫املعرفة ا‬
‫خبث معدنه‪ ،‬فاإلسالم يتناول املعرفة من جهتني من جهة الوعاء الذي تُعرض عليه املعرفة‪ ،‬وهو‬
‫جدا‪ -‬ربنا سبحانه‬ ‫القلب ومن جهة األثر الذي يظهر على طالب العلم‪ -‬ركزوا يف هذه الفكرة مهمة ا‬
‫قاال ُسقناهُ لِبَ لَ ٍد‬ ‫ني يَ َدي َرمحَتِ ِه َح ّىت إِذا أَقَلَّت َسحاباا ثِ ا‬‫شرا بَ َ‬
‫ياح بُ ا‬‫الر َ‬
‫وتعاىل قال‪﴿ :‬وهو الَّذي ي ِ‬
‫رس ُل ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ََُ‬
‫ب‬ ‫ي‬
‫ِّ‬‫َّ‬
‫ط‬ ‫ال‬ ‫د‬
‫ُ‬ ‫ل‬
‫َ‬ ‫الب‬
‫و‬ ‫*‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫رو‬‫ك‬‫َّ‬ ‫ذ‬
‫َ‬ ‫ت‬
‫َ‬ ‫م‬ ‫ك‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ل‬ ‫ع‬‫ل‬
‫َ‬ ‫وتى‬‫امل‬ ‫ِج‬
‫ر‬ ‫ُن‬
‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ات َكذلِ‬‫ت فَأَنزلنا بِِه املاء فَأَخرجنا بِِه ِمن ُك ِّل الثَّمر ِ‬ ‫ميِّ ٍ‬
‫ُ‬ ‫ََ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اَليات لَِق ٍوم يَش ُكرو َن﴾ فهو يشبه‬ ‫ِ‬ ‫ف‬‫صِّر ُ‬
‫ك نُ َ‬
‫ِ‬
‫ث ال َخيُر ُج إِّال نَ ِك ادا َكذل َ‬‫ذن َربِِّه َوالَّذي َخبُ َ‬
‫َخيرج نَباتُه بِِإ ِ‬
‫ُُ ُ‬
‫الوحي باملطر الذي ينزل على الرتبة‪ ،‬هذه الرتبة منها الطَّيب ومنها اخلبيث‪ ،‬البلد الطيب تربته طيبة‬
‫ومشاربه عذبة‪ ،‬واملطر ينزل عليه‪ ،‬خيرج نباته فإذا أنزل اهلل الغيث وأرسل عليه الرياح‪ ،‬فتخرج هذه‬
‫الثمار طيبة ويف وقتها ‪-‬الحظ هذه الفكرة املهمة أنا أريد منك أن ترِّكز يف كل لفظة يف هذه اَلية‪-‬‬
‫أول شيء ربنا سبحانه وتعاىل ﷻ ميثّل الوحي باملطر ينزل على الرتبة‪ ،‬الرتبة هي القلب‪ ،‬والرتبة الطيّبة‬
‫ماذا حيصل هبا حني ينزل املطر عليها فهي تربة نقية ستثمر يف حينها ووقتها؛ يعن ال يتأخر‪ ،‬هذا هو‬
‫معىن العلم‪ ،‬فبمجرد أن يرد العلم على قلبك فتتحرك به وله‪ ،‬هذا هو الذي ذكره اهلل عن الصحابة‬
‫الكرام‪﴿ :‬إذا تليت عليهم آياته زادهتم إمياناا﴾ مباشرة‪.‬‬
‫قول أَيُّ ُكم زادته ِ‬
‫هذهِ إمياناا فَأ ََّما‬ ‫سورةٌ فَ ِم ُنهم َمن يَ ُ‬ ‫واهلل سبحانه وتعاىل ﷻ قال‪ِ :‬‬
‫َُ‬ ‫﴿وإذا ما أُن ِزلَت َ‬
‫َ‬
‫جس ِهم‬ ‫بشرو َن * وأ ََّما الَّذين يف قُلوهبِِم مرض فَزادهتُم ِرجسا إِىل ِر ِ‬
‫الَّذين آمنوا فَزادهتُم إمياناا وهم يستَ ِ‬
‫ا‬ ‫ََ ٌ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫َوماتوا َوُهم كافِرو َن﴾‬

‫‪22‬‬
‫الحظوا هنا أمران‪:‬‬
‫‪ .1‬القبول‪.‬‬
‫‪ .2‬األثر‪ ،‬كما سيأيت معنا يف احلديث إن شاء اهلل يف خري املنتفعني من رسالة النيب ﷺ‪.‬‬
‫‪ ‬األمر األول‪ :‬القبول‪.‬‬
‫فهو قَبِل العلم وظهر العلم عليه‪ ،‬فهذا املعىن كشَّاف لطالب العلم ليعرف مدى طيب معدنه أو‬
‫خبثه‪ ،‬فأول ما يسمع احلديث أو اَلية َتده ال يف ّكر إال كيف أعمل هبذه اَلية مباشراة‪ ،‬مسع آية عن‬
‫قادرا‬
‫قيام الليل‪ ،‬أو عن حترمي احلسد‪ ،‬أو آية عن النفقة أو الصدقة فيبادر بالعمل هبا‪ ،‬وإذا مل يكن ا‬
‫وحترك قلبه شوقاا للعمل هبا هذه من أعظم املفاتيح اليت تعرف هبا طيب‬ ‫عليها‪ ،‬ورجا أن يعمل هبا‪َّ ،‬‬
‫معدنك أو خبث املعدن ونسأل اهلل طيب املعدن ونعوذ باهلل من خبث املعدن‪.‬‬
‫لذلك ابن عمر رضي اهلل عنه يصف حال الصحابة‪ ،‬يقول‪" :‬لقد عشنا برهةا من دهرنا َّ‬
‫وإن أحدثنا‬
‫يُؤتى اإلميان قبل القرآن‪-‬يعن يتعلم التسليم هلل واإلخالص واإلميان باليوم اَلخر وغري ذلك قبل أن‬
‫يؤتى القرآن يعن قبل أن يتعلم القرآن ِبا فيه من األخبار واألحكام وتنزل السورة على النيب ﷺ‪-‬‬
‫فيتعلّم حالهلا وحرامها وما ينبغي أن يوقف عنده فيها كما تعلمون أنتم القرآن" مث قال‪" :‬لقد رأيت‬
‫رجاال يُؤتى أحدهم القرآن فيقرأ ما بني فاحتته إىل خامتته ما يدري ما أمره وال زاجره وال ما ينبغي أن‬
‫ا‬
‫مقبوال؛‬
‫يوقف عنده منه‪ ،‬ينثره نثر الدَّقل"‪ .‬الدَّقل‪ :‬هو التمر الرديء‪ ،‬يعن خيرج القرآن منه ال يكون ا‬
‫ألنه جمرد حروف‪ ،‬كما قال النيب صلى اهلل عليه وسلم‪" :‬ال تتجاوز حناجرهم" بغري ما يكون القرآن‬
‫حيركه هو الذي يأمره وينهاه هو الذي له‬ ‫حيًّا تعيش به‪ ،‬كان ُخلقه القرآن كان القرآن هو الذي ّ‬
‫سلطان عليه‪ِ ،‬بعىن أصح أنك أنت تربمج نفسك على القرآن‪ ،‬كما أنت تطبِّع نفسك فيه فتخالف‬
‫هواك يف طاعته‪ ،‬ال يوجد أمر امسه" أنا كسالن‪ ،‬أنا عنيد…" ل هناك أمر امسه "مسعنا وأطعنا" أنك‬
‫تصورا وتصرفاا هبدى اهلل انظر يف حديث النيب ﷺ ملا قال‪" :‬إن‬
‫وعمال ا‬
‫علما ا‬ ‫أنت مسلم هلل تتش ّكل ا‬
‫ّ‬
‫اهلل يرفع هبذا الكتاب أقو ااما ويضع آخرين" نفس الكتاب‪ ،‬اهلل ﷻ جعل القرآن للمؤمنني ذكر أكثر‬
‫من شيء أنه هو نور‪ ،‬وأنه بينات‪ ،‬وأنه روح‪ ،‬ولكن انظروا هلاذين الوصفني‪﴿ :‬قل هو للذين آمنوا‬
‫هدى وشفاء﴾ ؛ يعن أنه اهلداية له يف كل باب من أبواب حياته‪ ،‬هو الذي ينري له الطريق ﴿أومن‬
‫ا‬
‫‪23‬‬
‫نورا‬
‫نورا ميشي به يف الناس﴾ فاهلل ﷻ ملّا أحياه باإلسالم جعل له ا‬ ‫كان ميتاا فأحييناه وجعلنا له ا‬
‫طائف من الشيطان تذ ّكروا‬
‫مسهم ٌ‬ ‫كالكشاف يوضع على الشيء يبصر به احلق ﴿إن الذين اتقوا اذا ّ‬
‫فإذا هم مبصرون﴾ ‪ ،‬فأنت بصري بقدر علمك واهتدائك بالقرآن‪ ،‬لذلك ربنا جعل الناس إما عامل أو‬
‫أعمى‪ ،‬فهذا معىن اهلدى‪ ،‬ومعىن الشفاء‪ ،‬شفاء لكل ما يف الصدور وماقي الصدور صنفان من‬
‫الرتّدد‪ ،‬وإما مرض عملي وهو‬ ‫الشك وحنو ذلك واالرتياب و ّ‬
‫الريب و ّ‬
‫املرض‪ ،‬إما مرض علمي وهو َّ‬
‫مثال‪﴿ :‬يف قلوهبم مرض﴾ لقول كثري من العلماء ‪-‬‬ ‫الرياء وحنو ذلك… لذلك ربنا قال ا‬‫الشهوة‪ ،‬و ّ‬
‫الريب‪ ،-‬قال اهلل ﷻ‪﴿ :‬فيطمع الذي يف قلبه مرض﴾ و هو الشهوة‪ ،‬فربّنا جعل كتابه شفاءا‬ ‫الرياء أو ّ‬
‫ّ‬
‫ملا يف الصدور‪ ،‬فكل من تلى كتاب اهلل فليستشفي به مما يف قلبه من كل األمراض‪ ،‬الكرب احلسد و‬
‫مستنريا‪،‬‬
‫ا‬ ‫الرياء و الشهوة‪ ،‬إذا أقبل على كتاب اهلل مستشفياا به‪ ،‬انظروا مستشفياا مثل مستهدياا مثل‬
‫مستنريا طالب النور‪ ،‬مستشفياا طالب منه الشفاء وبه‪ ،‬كذلك مستهدياا‬ ‫ا‬ ‫انظروا للكلمات اجلميلة‬
‫كل من طلب القرآن‪ ،‬فإن اهلل تبارك وتعاىل يعينه على االستشفاء به وعلى االستهداء‬‫طالب اهلدى‪ُّ ،‬‬
‫به وعلى ِ‬
‫االستنارة به‪.‬‬
‫ين َال يُ ْؤِمنُو َن ِيف آ َذاهنِِ ْم َوقْ ٌر َوُه َو َعلَْي ِه ْم َع امى﴾ نفس القرآن الذي‬
‫َ َ‬
‫ربنا وصف القرآن‪ ،‬بأنه ﴿والَّ ِ‬
‫ذ‬
‫هو القبول‪،‬‬
‫جدا‪ ،‬فأول األمر َ‬
‫عمى‪ ،‬آيات كثرية ا‬ ‫وهدى وشفاءا للمؤمن كان على الكافر ا‬ ‫ا‬ ‫نورا‬
‫كان ا‬
‫كيف تتقبل هذا العلم‪.‬‬

‫‪ ‬األمر الثّاني‪ :‬أثر العلم عليك‪.‬‬


‫بالصبغة كأن أن يكون لديك قميص أبيض‪ ،‬وضعته يف صبغة مث أخرجت‬ ‫أثر العلم هذا أشبهه ّ‬
‫القميص من الصبغة فوجدت القميص عليه أثر هذه الصبغة‪ ،‬كذلك هذا األثر الذي ال بد أن يكون‬
‫للعلم أثر عليك كمؤمن‪ ،‬ال ميكن أن يكون العلم باطناا فقط‪ ،‬فأعظم فارق بني أهل السنة واملرجئة‪،‬‬
‫ت آنَاءَ اللَّْي ِل‬ ‫ِ‬
‫أن اإلميان قول وعمل ال بد أن يظهر أثره على العبد‪ ،‬انظروا إىل اَلية‪﴿ :‬أ ََّم ْن ُه َو قَان ٌ‬
‫ك‬‫اج ادا وقَائِما﴾ ذكر األثر قبل السبب‪ ،‬أنه قانت‪ ،‬القنوت هو دوام الطاعة ﴿يا مرَميُ اقْ نُِيت لِربِّ ِ‬ ‫سِ‬
‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ ا‬ ‫َ‬
‫هو دوام‬ ‫فالقنوت‬ ‫هلل﴾‪،‬‬ ‫ا‬‫قانت‬ ‫ة‬
‫ا‬ ‫أم‬ ‫كان‬ ‫اهيم‬
‫ر‬ ‫إب‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫﴿إ‬ ‫‪:‬‬‫وتعاىل‬ ‫سبحانه‬ ‫اهلل‬ ‫قول‬ ‫يف‬ ‫كذلك‬ ‫و‬ ‫ي﴾‬ ‫واسج ِ‬
‫د‬
‫َ‬ ‫ا‬ ‫ّ‬ ‫َُْ‬
‫وقائما حيذر اَلخرة ويرجو رمحة ربه‪ ،‬الحظوا ذكر‬ ‫ساجدا ا‬
‫ا‬ ‫﴿حي َذ ُر ْاَل ِخَرَة َويَْر ُجو َر ْمحَةَ َربِِّه﴾‬
‫الطاعة َْ‬
‫‪24‬‬
‫أمرا باطناا داخلياا‪ ،‬فيه‬ ‫وقائما‪ ،‬وذكر ا‬
‫ساجدا ا‬ ‫ا‬ ‫أمرا باطناا األول أنه هو قانت آناء الليل‬
‫ظاهرا و ا‬
‫أمرا ا‬‫هنا ا‬
‫ذين ال يَعلَمو َن إََِّّنا يَتَ َذ َّكُر‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫أنه هو حيذر اَلخرة ويرجو رمحة ربه‪﴿ ،‬قُل َهل يَستَ ِوي ال َ‬
‫ذين يَعلَمو َن َوال َ‬
‫تبني أن العلم هو الذي حيركك‬ ‫َلباب﴾ هذه اَلية فيها خالصة الدرس من أوله َلخره؛ ألهنا ّ‬ ‫أُولُو األ ِ‬
‫يدل أن صاحبه‬ ‫للعمل وهو الذي يظهر أثره عليك وال بد‪ ،‬وكل علم ال يظهر أثره على صاحبه فهذا ُّ‬
‫ّ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ذين ال‬ ‫ذين يَعلَمو َن َوال َ‬ ‫مل يهتد هبدى اهلل يف العلم‪ ،‬فاَلية ذكرت السبب وأثره‪َ ﴿ :‬هل يَستَ ِوي ال َ‬
‫يَعلَمو َن﴾‪.‬‬
‫ك احلَ ُّق‬‫يك ِمن َربِّ َ‬ ‫كذلك اهلل سبحانه وتعاىل قال يف معىن البصرية بالعلم‪﴿ :‬أَفَ َمن يَعلَ ُم أَََّّنا أُن ِزَل إِلَ َ‬
‫َلباب﴾ ‪-‬أولوا االلباب هم العلماء‪ -‬هل الفاصل بينهم وبني‬ ‫َكمن ُهو أَعمى إََِّّنا ي تَ َذ َّكر أُولُو األ ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َ َ‬
‫هد اللَّ ِه َوال يَن ُقضو َن‬ ‫غريهم جمرد املعرفة؟ ال‪ ..‬انظر ربنا ماذا قال يف صفة هؤالء‪﴿ :‬الَّذين يوفو َن بِع ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ذين‬ ‫َّ‬
‫يوص َل َوَخي َشو َن َربَّ ُهم َوَخيافو َن سوءَ احلساب * َوال َ‬ ‫ذين يَصلو َن ما أ ََمَر اللَّهُ بِه أَن َ‬ ‫َّ‬
‫امليثاق * َوال َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ك‬ ‫قناهم ِسًّرا َو َعالنِيَةا ويدرؤون بِاحلَ َسنَ ِة ال َّسيِّئَةَ أُولئِ َ‬ ‫الصال َة َوأَن َفقوا ممّا َرَز ُ‬
‫َقاموا َّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫صبَ ُروا ابتغاءَ َوجه َرِّهبم َوأ ُ‬
‫َ‬
‫وظاهرا العظيمة‪ ،‬هذه اَليات هي النور الذي أريد أن تكتبه‬ ‫ا‬ ‫قَب ال ّدا ِر﴾ هذه آثار العلم باطناا‬ ‫َهلُم عُ َ‬
‫أمامك وتنظر فيه‪ ،‬ال أقول لك كل عام مرة‪ ،‬بل انظر فيه لو استطعت كل يوم‪ ،‬فهو النور الذي‬
‫جيعلك تنتفع بآية واحدة تقرأها‪ ،‬فليس األمر بكثرة املعلومات‪.‬‬
‫حماضرا‪ ،‬فالطالب قال‪ :‬يا شيخ ما الدورة اليت تقرتحها؟‬
‫ا‬ ‫كنت قريباا يف جامعة أعمل مع الطالب‬
‫صعقت‬ ‫قلت‪ :‬أن جنتمع على سورة من سور القرآن‪ ،‬ومل أكمل‪ .‬قال‪ :‬ال ال حنن نريد درس علمي‪ُ ،‬‬
‫علما‪ ،‬قلت له‪:‬‬
‫من هذا اجلواب‪ ،‬ووجدت هذا التصور عند كثري من الطالب ال يتوقعون أن القرآن ا‬
‫تتصور أن اجتماعك على طلب علم‬ ‫القرآن هو أصل العلوم وأشرفها وهو دليلك ملا تطلب‪ ،‬فكيف ّ‬
‫فيتصور أن العلم هو أن‬
‫علما؟ فوجئت أن هذا االعتقاد موجود عند كثري من الشباب ّ‬ ‫القرآن ليس ا‬
‫يدرس يف كتب الفقه‪ ،‬وكتب احلديث‪ ،‬وكتب املنطق‪ ،‬لكن أصل العلوم وأشرفها وأعالها وأحقها‬
‫بالعناية هو كتاب اهلل‪ ،‬مل أدخل يف أي باب من أبواب الدين سواء يف بيان احلق أو أدلة احلق‬
‫وبراهني احلق أو الفرقان بني احلق والباطل وكشف الشبهات وكشف االعرتاضات عن اإلسالم‪،‬‬
‫ومهارات طالب العلم وأبواب النجاح والفالح واهلمة والنشاط والصرب…‪ ،‬أقسم! ما طلبت باباا من‬
‫‪25‬‬
‫جدا من شخص بني‬ ‫هذه األبواب يف كتاب اهلل إال وأجد الشفاء وال أحتاج إىل غريه معه‪ ،‬وأستغرب ا‬
‫يديه هذا النور وال يهتدي به وكأنه أعمى‪ ،‬أحدهم يدرس يف كتب التنمية البشرية عن علو اهلمة‪،‬‬
‫وعن التحقيق‪ ،‬اإلجناز وممكن أن يستفيد من بعض خربات هؤالء‪ ،‬لكن أنت تعمى عن أصل الفالح‬
‫السبل‪ .‬أذكر لكم آية واحدة كان يذكرها رسول‬
‫(كتاب اهلل) هو الذي يدلّك على أشرف املطالب و ّ‬
‫اهلل ﷺ حينما يستيقظ من نومه لقيام الليل يف الصحيحني‪ ،‬فيها خالصة ما حيتاجه اإلنسان يف باب‬
‫صابُِروا َوَرابِطُوا َواتَّ ُقوا اللَّهَ لَ َعلَّ ُك ْم تُ ْفلِ ُحو َن﴾ ‪ ،‬ذكر فيها‬ ‫النجاح وهي‪ ﴿ :‬يا أَيُّها الَّ ِذين آمنُوا ْ ِ‬
‫اصربُوا َو َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫أعظم املطالب والفالح‪ ،‬اهلل سبحانه وتعاىل جعل الفالح يف الدنيا واَلخرة أعظم مطلب ألي‬
‫إنسان‪ ،‬لذلك قد قال ﴿قد أفلح املؤمنون﴾ ‪ ،‬ويف نفس السورة يف آخرها ﴿إنه ال يفلح الكافرون﴾‬
‫حي على الفالح فهذا أعظم‬ ‫حي على الصالة ّ‬ ‫الفالح أعظم شيء‪ ،‬لذلك يومياا ينادي املنادي ّ‬
‫مطلب مث ذكر أعظم الوسائل ﴿يا أَيُّها الَّذين آمنُوا ِ‬
‫اصربوا َوصابِروا َورابِطوا َواتَّ ُقوا اللَّه﴾ فال ميكن أن‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫يكون هناك باب من أبواب الدين وال َتد يف كتاب اهلل وحديث رسول اهلل ﷺ" الشفاء فيه‪ ،‬لذلك‬
‫اب يُْت لَ َٰى َعلَْي ِه ْم﴾ هذا فيه كفاية وفيه التّمام ﴿الْيَ ْوَم‬ ‫ربنا قال‪ ﴿ :‬أَوَمل ي ْك ِف ِهم أَنَّا أَنزلْنَا علَي َ ِ‬
‫ك الْكتَ َ‬ ‫َ َْ‬ ‫َْ َ ْ‬
‫اإل ْس َال َم ِديناا﴾‪ ,‬لذلك كان أعظم مشروع‬ ‫يت لَ ُكم ِْ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫أَ ْكم ْلت لَ ُكم ِدينَ ُكم وأَْمتَمت علَي ُكم نِعم ِيت ور ِ‬
‫ض‬ ‫ْ َ ْ ُ َ ْ ْ ْ َ ََ‬ ‫َ ُ ْ‬
‫أبصر طالب العلم هبذا األصل‪ ،‬العناية بكتاب‬
‫أعيش له وأرجو أن يعينن اهلل تبارك وتعاىل عليه أن ِّ‬
‫اهلل وبالكتب اليت مجعت األحاديث والسنن واَلثار عن النيب صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وعن الصحابة‪،‬‬
‫ينبغي أن يكون هذا هو القاعدة املشرتكة جلميع طلبة العلم أيّا كانت األبواب اليت يدخلون فيها‪،‬‬
‫سواء كنت تريد أن تدرس اإلميان أو الفقه أو التفسري أو اللغة هذه هي القاعدة املشرتكة‪ .‬األصل‬
‫العناية بكتاب اهلل‪ ،‬وبالكتب اليت مجعت األحاديث و اَلثار‪( ،‬كجامع ابن راشد) و(موطأ مالك)‬
‫برواياته وكتاب (اَلثار البن حممد بن حسن الشيباين)‪ ،‬وكتب الشافعي( األم ) و(الرسالة) وما فيها‬
‫فكتاب األم مجاع العلم‪ ،‬و(مسند أيب داوود الطيالسي)‪ ،‬و(مصنف عبدالرزاق)‪ ،‬و(مسند احلميدي)‬
‫وكتاب( اإلميان أليب عبيدة القاسم ابن سالم)‪ ،‬و(سنن سعيد بن منصور)‪(،‬مصنف ابن أيب شيبه)‪،‬‬
‫و(مسند إسحاق بن راهويه)‪ ،‬و(مسند أمحد)‪ ،‬و(مسند ابن محيد)‪ ،‬و(مسند الدارمي)‪( ،‬صحيح‬
‫البخاري)‪( ،‬األدب املفرد) و(التاريخ الكبري)‪ ،‬وكذلك (صحيح مسلم)‪( ،‬سنن ابن ماجه) و(سنن أبو‬

‫‪26‬‬
‫وصوال إىل كتاب(املشتبه للنسائي) وما بينهما من‬
‫ا‬ ‫داوود) و (جامع الرتمذي) وغري ذلك من الكتب‬
‫الكتب‪ ،‬هذه قاعدة مشرتكة فينبغي إذا بدأت يف باب من أبواب الدين أن تستفتح هبا‪ ،‬ال أقول لك‬
‫إنك ال حتتاج ملا كتبه أهل العلم من املتأخرين بعدهم كابن عبد الرب‪ ،‬أو ابن تيمية‪ ،‬أو ابن القيم‪ ،‬أو‬
‫ابن كثري‪ ،‬وغريهم من األئمة الكرام‪.‬‬
‫املرد هلذه الكتب اليت مجعت اَليات يف الباب‬
‫إَّّنا قصدت أن تكون القاعدة واألصل واملنطلق‪ ،‬و ّ‬
‫واألحاديث بطرقها وألفاظها ورواياهتا‪ ،‬وما جاء عن الصحابة الكرام وفقه األئمة والعلماء‪.‬‬
‫غافال‬
‫واهلل هذه الكتب حينما تبدأ فيها ستعرف كل ما مضى من عمرك يف طلب العلم أنك كنت ا‬
‫عن هذا املعني األصلي‪.‬‬

‫جدا وهي فكرة‪" :‬كيف تتلقى العلم وكيف يظهر أثر‬


‫أرجو أال نطيل يف هذه النقطة ألهنا طويلة ا‬
‫العلم عليك"‪.‬‬

‫وهي ما أهتم به تقريباا يف كل ال ّدروس اليت أدرسها وأرجو أن اهلل ﷻ هداين هلذه الفكرة‪ ،‬وهداين‬
‫لالهتمام بنشر هذه الفكرة يف كثري من املعاهد أو الدورات أو احملاضرات؛ لعلمي بأن طالب العلم إذا‬
‫طويال يف غري العلم النافع‪.‬‬
‫عمرا ا‬
‫عمن يعلمه فإنه رِبا ميضي ا‬
‫مل يتلقى هذا املعىن العظيم ّ‬
‫مه ّمة لطالب العلم‪:‬‬
‫أمور ّ‬
‫ٌ‬
‫القلب موضع العلم‪:‬‬

‫فالخالصة‪ :‬أن القلب هو موضع العلم‪ ،‬طيب إذا كان القلب هو الذي يتلقى العلم وهو األصل كما‬
‫يب ﷺ‪" :‬إن يف اجلسد مضغة إذا صلحت صلح اجلسد كله‪ ،‬إذا فسدت فسد اجلسد كله‪ ،‬أال‬
‫قال النّ ّ‬
‫وهي القلب"‪.‬‬

‫يب ﷺ قال‪" :‬إ ّن اهلل ال‬


‫إذا كان كذلك فال ب ّد أن تتعلم سالمة القلب وال ب ّد أن حتسن التلقي‪ ،‬النّ ّ‬
‫ينظر إىل صوركم وال إىل أجسامكم ولكن ينظر إىل قلوبكم وأعمالكم"‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫أيضا من اخلالصات ينظر إىل قلوبكم هي اليت تتلقى العلم وإىل أعمالكم وهي اَلثار‬
‫هذا احلديث ا‬
‫الناَتة عن هذا العلم‪.‬‬

‫يب ﷺ قال‪" :‬إن األمانة نزلت‬


‫لذلك شباب يف احلديث العظيم حديث حذيفة رضي اهلل عنه عن النّ ّ‬
‫يف جذر قلوب الرجال‪-‬ليس املقصود هنا فقط الرجال املقصود النساء والرجال عموما‪ ،‬كل‬
‫املسلمني‪ -‬مثّ نزل القرآن" ‪.‬‬

‫يب عن‬
‫أوال‪ ،‬مث نزل القرآن‪ ،‬فعلموا من القرآن مث علموا من السنة‪ ،‬وملا ح ّدث النّ ّ‬
‫الحظوا نزلت األمانة ا‬
‫رفع األمانة بني أن األمانة ترفع من القلوب ويذهب أثرها‪ ،‬إذاا هذا يؤكد الثنائية اليت نتكلم عنها من‬
‫أول احملاضرة وهي الظاهر والباطن‪ ،‬القلب والعمل‪ ،‬إن اهلل ال ينظر إىل صوركم ال ينظر اهلل ﷻ إىل كم‬
‫دليل حتفظ يف املسألة‪ ،‬كم شهادة أخذهتا‪ ،‬هذه األشياء صورة للعلم‪.‬‬

‫لكن أعظم ما ينظر اهلل إليه‪ ،‬وهو األصل يف ذلك كله‪ :‬القلب‪ ،‬وأثر هذا العلم على نفسك‪.‬‬
‫غدا بإذن اهلل هي فكرة "القوة واألمانة" كيف أكون‬
‫لذلك شباب كانت الفكرة اليت سنتكلم عنها ا‬
‫القوي واألمني يف الباب الذي أطلبه‪ ،‬ميكن أن يكون اإلنسان عنده قوة‪ ،‬عنده مهارات‪ ،‬عنده ذكاء‪،‬‬
‫عنده جلد‪ ،‬عنده صرب‪ ،‬لكنه ليس أميناا ال يصون العلم‪ ،‬أو يكذب و يدلس‪ ،‬أو ينسب العلم إىل‬
‫مثال عن َّناذج الطلبة الذين‬
‫نفسه‪ ،‬أو يسرق املعلومات‪ ،‬واهلل لو حتدثت عن هذا الباب‪ ،‬لو حتدثت ا‬
‫يستعملون هذا العلم حيقرون به الناس‪ ،‬أو يستخفون به الناس‪ ،‬أو يستثمرون هذا العلم يف مصاحلهم‬
‫كثريا‪ ،‬ولكن هذه اخلالصة مهمة‬‫الشخصية‪ ،‬أو يربرون للظاملني أفعاهلم‪ ،‬هذا باب طويل تكلمت فيه ا‬
‫جدا وهي‪ :‬العلم القلب والعمل‪.‬‬
‫ا‬
‫جدا‪ ،‬يف رأيي هي من البينات يف هذا الباب‪ ،‬هي أخالق طالب العلم‪ ،‬اتفقنا أن‬‫املهمة ا‬
‫من األمور ّ‬
‫طالب العلم هو مسلم قبل كل شيء‪ ،‬فهو مأمور بكل ما جاء يف كتاب اهلل من أخالق املؤمنني‪ ،‬وأنا‬
‫كل الكتب املكتوبة يف األخالق‪،‬‬ ‫أحب منك أن َتمع هذه األخالق بنفسك فهذا واهلل أعظم من ّ‬ ‫ّ‬
‫وتزكية النفس‪ ،‬والورع‪ ،‬والزهد‪ ،‬والرقاق‪ ،‬وغري ذلك… أن َتمع اَليات واألحاديث يف هذا الباب‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫من ذلك مثل اَليات قوله تعاىل يف سورة الفرقان‪﴿ :‬و ِعباد َّ َّ ِ‬
‫الر ْمحَ ِن الذ َ‬
‫ين ميَْ ُشو َن َعلَى األرض َه ْوناا﴾ ‪،‬‬ ‫َ َُ‬
‫س الِْربَّ أَن تُ َولُّوا‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫صالهتم خاشعو َن﴾‪ ،‬وكذلك ﴿لْي َ‬ ‫ذين ُهم يف َ‬‫ومثل‪﴿ :‬قَد أَفلَ َح املُؤمنو َن * ال َ‬
‫وه ُكم قِبل الْم ْش ِرِق والْم ْغ ِر ِ‬
‫ب َوَٰلَ ِك َّن الِْربَّ َم ْن َآم َن بِاللَّ ِه﴾‪.‬كل هذه اَليات َتمعها يف خلق املؤمن‪،‬‬ ‫َ َ‬ ‫ُو ُج َ ْ َ َ َ‬
‫فضال عن ذلك‪ ،‬منها‬ ‫لكن طالب العلم الذي دخل يف باب التماس العلم يكون عليه أخالق أخرى ا‬
‫مثال احلرص يف العلم كما قال أبو هريرة رضي اهلل عنه‪" :‬قلت‪ :‬يا رسول اهلل من أسعد الناس يف‬ ‫ا‬
‫يب ﷺ‪" :‬لقد ظننت يا أبا هريرة أال يسألن عن هذا احلديث أحد‬
‫شفاعتك يوم القيامة؟‪ .‬فقال النّ ّ‬
‫أوىل منك؛ ملا رأيت من حرصك على احلديث‪ ...‬إىل آخر احلديث"‪.‬‬

‫أريد منك أن تفهم شيئاا‪ ،‬املعلم ال يعطيك بقدر ما عنده وإَّنا يعطيك بقدر حرصك أنت‪ ،‬عليك أن‬
‫وخيص‬
‫ّ‬ ‫تفهم أنك أنت الذي تستخرج من املعلم ما عنده‪ ،‬أي من املمكن أن يكون املعلم واحد‪،‬‬
‫بعض الطالب حلبه هلم‪ ،‬ولعلمه حبرصهم على ما يقول من الفوائد‪ ،‬ولعلمه جبلدهم وصربهم‪.‬‬
‫كما قلت لك الكتاب ال تأخذ منه بقدر ما فيه‪ ،‬وإَّنا تأخذ منه بقدر ما عندك من النيات‬
‫واملهارات‪ ،‬نفس الكتاب "القرآن‪ ،‬البخاري‪ ،‬كتاب األمة للشافعي‪ ،‬موطئ مالك‪ ،‬سري أعالم النبالء"‬
‫أي كتاب يشرتك اثنان‪ ،‬أو عشرة يف نفس القراءة وخيرج واحد بآالف الفوائد‪ ،‬ويظهر أثر الكتاب‬
‫عليه‪ ،‬واَلخر خرج منه ومل يفهم شيئاا‪ ،‬أو وفهم مخسني باملئة‪.‬‬
‫إ اذا الكتاب ال تأخذ منه بقدر ما فيه وإَّنا تأخذ منه بقدر ما عندك من النيات‪ ،‬أوال باملقاصد اليت‬
‫تطلبها‪ ،‬وكذلك بقدر املهارة‪ ،‬يعن بالضبط كأنك دخلت السوق‪ ،‬هذا السوق فيه عدة أسواق‪" :‬هذا‬
‫مثال سيارات‪ ،‬أنت دخلت‬ ‫السوق فيه خضراوات‪ ،‬فيه مالبس‪ ،‬فيه أشياء املكتبة أقالم ودفاتر‪ ،‬وفيه ا‬
‫السوق‪ ،‬بقدر ما تريد وبقدر ما متلك‪ ،‬ستأخذ"‪- ،‬اكتب هذه الثنائية‪ -‬أنت تأخذ من املعلم ومن‬
‫الكتاب بقدر مقاصدك وبقدر ما متلك من املهارات‪.‬‬

‫إن شاء اهلل سألقي عليكم بإذن اهلل محاضرة ثانية عن‪" :‬أشياء فنية لطالب العلم"‪ ،‬تشعر يف أن‬
‫طالب أنه موفق‪ ،‬واضح فيه أنه متمكن من العلم‪ ،‬وأنه مهتدي يف هذا العلم‪ ،‬فأنا أحاول إن شاء اهلل‬
‫أن أعطيك بعض املفاتيح اليت تعينك على هذا املعىن‪ ،‬بأنك تنتقل من اهلواية إىل االحرتاف‪ ،‬أن‬

‫‪29‬‬
‫تكون حمرتف‪ ،‬بأن تعرف مثال الكتب‪ ،‬تعرف كيف تذاكر‪ ،‬كيف تضبط‪ ،‬مىت تذاكر هذه املادة ومىت‬
‫تذاكر هذه املادة‪ ،‬إذا كنت جمتمع مع أصحابك األفضل أن تدرس حبث معاصر أم كتاب من كتب‬
‫الرتاث‪ ،‬هي" ملسات أو مفاتيح" أرجو أهنا ستعينك بإذن اهلل تبارك وتعاىل وختتصر لك الطريق‪.‬‬

‫نتعلّم من أبي هريرة‪:‬‬

‫أيضا أليب هريرة‪ ،‬عندما الناس قالوا‪ :‬أكثر أبو هريرة‪ ،‬أبو‬ ‫جدا‪ ،‬هو حديث ا‬ ‫أيضا من األمور املهمة ا‬
‫أيضا يف البخاري قال أبو هريرة‪" :‬ولوال آيتان يف كتاب‬ ‫هريرة يروي أحاديث ال يرويها غريه‪ ،‬واحلديث ا‬
‫ين‬ ‫اهلل ما حدثت حديثا"‪ ،‬مث يتلو قول اهلل ﷻ يف سورة البقرة من أول قول اهلل تبارك وتعاىل‪ِ َّ َّ :‬‬
‫﴿إن ٱلذ َ‬ ‫ا‬
‫ب﴾ إىل قوله تبارك وتعاىل‬ ‫ت َوٱ ْهلَُد َٰى ِمن بَ ْع ِد َما بَيَّ َٰنَّهُ لِلن ِ‬
‫َّاس ِف ٱلْكِ َٰتَ ِ‬ ‫ي ْكتُمو َن ما أَنزلْنَا ِمن ٱلْب يِّ َٰنَ ِ‬
‫َ ُ َ َ َ َ‬
‫"الرحيم"‪.‬‬

‫مث يربر أبو هريرة ملاذا هو حافظ للحديث ومكثر يف روايته؟! ملاذا حفظ ما مل حيفظه غريه؟!‪ ،‬وضبط‬
‫فق باألسواق‪ ،‬وإن إخواننا من‬
‫الص ُ‬
‫مامل يضبطه غريه؟!‪ ،‬قال‪" :‬إن إخواننا من املهاجرين كان يشغلهم ّ‬
‫األنصار كان يشغلهم العمل يف أمواهلم‪ ،‬وإن أبا هريرة كان يلزم رسول اهلل ﷺ ِ‬
‫بشبَع بطنه‪ ،‬وحيضر ما‬
‫ال حيضرون‪ ،‬وحيفظ ما ال حيفظون"‪ .‬بإذن اهلل ﷻ ألقي عليكم حماضرة كاملة‪ ،‬ثالث ساعات‪ ،‬عن‬
‫الثالث أمور اليت ذكرها أبو هريرة يف هذا احلديث‪ ،‬ي يف رأيي خالصة ما يتميز به طالب العلم عن‬
‫غريه‪.‬‬

‫لماذا؟ حينما تعرف قصة أيب هريرة ستعرف ملاذا قال أبو هريرة يف هذا احلديث‪ ،‬أبو هريرة أسلم‬
‫يب‬
‫يب ﷺ قرابة ثالث سنوات‪ ،‬سبقه املهاجرين واألنصار وفاته من النّ ّ‬‫متأخرا‪ ،‬يعن أدرك من حياة النّ ّ‬
‫ا‬
‫ﷺ تقريباا عشرين سنة من بعثة رسول اهلل‪ ،‬يعن أن الفرصة املتاحة له قليلة‪ ،‬فمن هنا ماذا كان‬
‫يفعل؟ مجع قلبه على هدفه‪ :‬العلم هبدي رسول اهلل ﷺ وضبطه‪ ،‬وحفظه‪ ،‬وبثّه بني النّاس‪ ،‬هكذا‬
‫جدا من العلم‪ ،‬وليس لديه شيء يسبق به‪،‬‬ ‫متأخرا‪ ..‬فاته كثري ا‬
‫طريقه واضح امامه‪ ،‬دخل يف اإلسالم ا‬
‫جماهدا فاتته املشاهد الكربى‪ ،‬فجمع قلبه‬
‫ويتقرب به إىل اهلل‪ ،‬مل يكن غنياا ينّفق على النّاس‪ ،‬مل يكن ا‬
‫على هدفه‪ :‬العلم بسنة رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وحفظها‪ ،‬والسعي يف نشرها‪ ،‬فكانت قربته إىل اهلل‪.‬‬
‫‪31‬‬
‫األول‪ :‬وضوح الهدف وثباته‪.‬‬
‫‪ ‬الخلق ّ‬
‫إ اذا‪ :‬أول ُخلق نتعلمه من أبو هريرة‪ :‬وضوح اهلدف وثباته‪ ،‬قد تكون طالب علم لكن أول ما يأيت‬
‫عليك أمر ترتك طلب العلم‪ ،‬كان يل صاحب جاءه دين‪ ،‬مث كان ّأول شيء فكر به هو يبع مكتبته‪،‬‬
‫وترك الدروس‪ ،‬ليس لديه أدِن معىن من الصرب فكيف ميكن أن يعينك اهلل؟‪ ،‬أريد منك أن َتلس مع‬
‫نفسك وتقول ما هو الذي عندك تستجلب به رمحة اهلل؟ إذا مل تسع‪ ،‬ومل َتتهد‪ ،‬وتصرب‪ ،‬وختطو‬
‫دائما يذكر البادرة من العبد‪ ،‬وإن كان‬ ‫تعول؟ اهلل سبحانه وتعاىل ا‬ ‫خطوات‪ ،‬فبماذا ترجو؟ على ماذا ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اه ْم ُه ادى﴾‪.‬‬ ‫احلَ ِّق إِنَّ ُه ْم فْت يَةٌ َآمنُوا بَِرِّهب ْم َوِزْدنَ ُ‬
‫ك نَبَأ َُه ْم بِ ْ‬
‫ص َعلَْي َ‬‫﴿حن ُن نَ ُق ُّ‬
‫الكل من فضل اهلل‪َْ :‬‬
‫َّ ِ‬
‫َّق بِٱحلُ َ َٰ‬
‫سىن * فَ َسنُيَ ِّسُرهۥُ‬ ‫صد َ‬‫ين ْٱهتَ َد ْواْ …﴾‪﴿ ،‬فَأ ََّما َمن أَعطَ َٰى َوٱتَّ َق َٰى * َو َ‬ ‫يد ٱللَّهُ ٱلذ َ‬
‫﴿ويَِز ُ‬
‫َ‬
‫هد ُكم …﴾‪.‬‬ ‫ُوف بِع ِ‬
‫هدي أ ِ‬ ‫لِليسرى﴾‪﴿ ،‬وأَوفُواْ بِع ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫من الالزم أن يكون هناك بداية‪ ،‬بادرة‪ ،‬فانظر إىل أيب هريرة رضي اهلل عنه مجع قلبه علو هذه الثالثية‪،‬‬
‫سأخره‪ ،‬مع أنه جاء يف أول احلديث‪.‬‬
‫هذا أول خلق نتعلمه منه‪ .‬ثانياا‪ :‬هناك أول ولكن ُّ‬
‫‪ ‬الخلق الثاني‪ :‬لزوم مصدر العلم‪.‬‬
‫الخلق الثاني‪ :‬أنه كان يلزم رسول اهلل ﷺ ألنه عرف أن النّ ّ‬
‫يب هديه خري اهلدي وأن العلم عنه هو‬
‫أشرف العلم‪.‬‬
‫إذاا أبو هريرة يعلمنا أن نبحث عن مصادر العلم و ّأال ننشغل بغريها‪ ،‬كم من املمكن أن تكون فتاة مل‬
‫تقرأ كتابا واحدا يف أحكام الطهارة اليت تلزمها وهي تقرأ كتاب يف فلسفة أرسطو‪ ،‬كم من طالب علم‬
‫اَلن يدرس منذ عشرين سنة يعيش على املختصرات ورسائل الدكتوراه واملتون‪ ،‬ومل يقرأ تختصر‬
‫البخاري‪ .‬إ اذا نتعلم من أيب هريرة أنه كان يعرف منبع العلم وأصل العلم‪.‬‬

‫‪ ‬الخلق الثالث‪ :‬التخفف من الدنيا‪.‬‬


‫نتعلم أيضا منه‪ :‬التخفف من الدنيا‪ ،‬ألنه كان يلزم النّ ّ‬
‫يب صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬معىن يلزمه يف كل‬
‫مشاهده أنه سييتقلل من الدنيا‪ ،‬كان يلزم رسول اهلل ﷺ بشبع بطنه‪ ،‬إن من أعظم الفروق بني‬
‫الناجح و املخفق‪ ،‬أن اإلنسان الناجح يقلل من املباحات يقتصد فيها‪ .‬نتعلم من ذلك االقتصاد يف‬

‫‪30‬‬
‫حارا‬
‫املباحات والتخفف من الدنيا‪ ،‬وأحدثكم عن بعض الشباب‪ ،‬أن عدد منهم حينما يكون اجلو ا‬
‫مل يكن يذاكر‪.‬‬
‫وطالب إذا كان هناك حماضرة لشيخ على بعد ساعة منه وسريكب مثال قطار أو سيارة مل يكن ليأيت‪.‬‬
‫وطالب كان ميكن أن يشرتي حذاء بثالث أالف جنيه‪ ،‬وال يرضى أن يشرتي كتابا ب مخسني جنيه‬
‫الذي ستقام به دورة‪.‬‬
‫كيف يتصور هؤالء أن يعينهم اهلل؟ كيف يتصور هؤالء أهنم طلبة علم؟‪ ،‬انظر أبو هريرة يقول‪" :‬كان‬
‫يلزم رسول اهلل ﷺ بشبع بطنه"‪ ،‬كم من إنسان اليوم يريد أن ينام ِمأل عينيه‪ ،‬ويأكل مأل بطنه‪،‬‬
‫ويلبس أغلى اللبس‪ ،‬ويشغل ثالثة أو أربعة وظائف‪ ،‬ويف نفس الوقت يتصور أن يكون عامل‪ ،‬هل‬
‫حتلم؟‪ ،‬عليك أن تفهم أن عليك أن تعطي العلم وقتك‪ ،‬وحياتك‪ ،‬وتفكريك‪ ،‬فأنا ال أحب ان ختدع‬
‫نفسك‪.‬‬

‫الرابع‪ :‬الحضور ال ّدائم‪.‬‬


‫‪ ‬الخلق ّ‬
‫مما نتعلمه أيضا من أبي هريرة‪ :‬حيضر ماال حيضرون‪.‬‬

‫كثري من الشباب يقول‪" :‬عادي من املمكن أن أستمع إىل الدرس" فيستهني ِبسألة أن حيضر‬
‫الدرس‪ ،‬احلضور هذا هو لقاء أهل العلم واخلري هذا أمر ال يقدر؛ ألن احلياة العلمية ليست جمموعة‬
‫معلومات‪ ،‬بعض الناس يقول‪" :‬ما الذي يدفعن لقطع ثالث ساعات ألمسع درس ‪ 45‬دقيقة‪ ،‬من‬
‫املمكن أن أخذ التسجيل من الشباب" فأقول له‪" :‬ال واهلل‪ ،‬أنا آخر شيء أتعلمه من الشيخ هو‬
‫املعلومات‪ ،‬إَّنا أريد أن أتعلم منه‪ ،‬انظر كيف يذاكر كيف يواظب على العبادات‪ ،‬أنا أنتفع من هديه‬
‫أكثر بكثري من املعلومات"‪.‬‬
‫هذه املشكلة؛ لذلك من األمور اليت هداين اهلل إليها بفضله وكرمه وليست من واهلل أن هداين اهلل‬
‫بالعناية بسرية األنبياء‪ ،‬واملرسلني‪ ،‬والصحابة‪ ،‬وأهل العلم‪ ،‬لو سألن أحدهم ما هو أعظم ما هداك‬
‫اهلل فيه بعد حب القرآن‪ ،‬لقلت له سري العلماء‪ ،‬ألن هذا هو العلم املعاش‪ ،‬العلم احلي‪ ،‬العلم‬
‫املتحرك‪.‬‬
‫‪32‬‬
‫أنا ملا أقرأ مثال يف ترمجة البخاري أن البخاري بقي أياما يف البصرة يصنف بعض الكتب واألبواب‬
‫قال‪" :‬أقمت بالبصرة ‪-‬أنظروا للعلم حينما يكون ديناا وعبادة‪ -‬أصنف الكتب‪ ،‬وأذهب إىل حلج‬
‫والعمرة أرجو أن يبارك اهلل تبارك وتعاىل للمسلمني يف هذه املصنفات"‪ ،‬انظر إىل هذا املعىن‪ ،‬هذا‬
‫الرجل يكتب العلم ويصنف ويعلم أن هذا العلم دين ويطلب أن يبارك اهلل فيه‪ ،‬مع أنه كتبه ومجعه‪،‬‬
‫وتعب فيه‪ ،‬وذهب إىل أكرب العلماء‪ ،‬وعنده أعلى األسانيد وأصح الروايات‪ ،‬ولكنه يعلم أن هذا إن‬
‫مل يكن ليبارك اهلل تعاىل فيه سيطري ويكون هباء منثورا‪ ،‬يرجو بركة ذلك "أرجو أن يبارك اهلل فيه "‪،‬‬
‫أنت حينما تقرأ مثل هذا تتغري نظرتك عن العلم‪ ،‬لذلك جماهد بن جرب له كلمة مجيلة قال‪" :‬طلبنا‬
‫بعد النية"‪ ،‬يقول‪" :‬أنا مل أكن أتصور كل هذه النيات‬ ‫هذا العلم وما لنا فيه كبري نية مث رزق اهلل فيه ُ‬
‫واملقاصد‪ ،‬ولكن حني تعبت وصربت هداين اهلل تبارك وتعاىل"‪.‬‬

‫نتعلم من أبي هريرة‪ :‬احلرص على حضور جمالس العلم والتعب فيها واالنفاق‪.‬‬
‫كيف ال تنفق والكافر ينفق ماله ليص ّد عن سبيل اهلل‪ ،‬أستغرب من أحدهم يكون معه مثن الكتاب‬
‫ويقرأه بصيغة الكرتونية على اهلاتف‪ ،‬تستخسر أن تدفع مثن صحيح البخاري؟!هل أنت متخيل أنك‬
‫من املمكن أن تعان على طلب العلم‪.‬‬
‫قال‪" :‬وحيضر ما ال حيضرون وحيفظ ما ال حيفظون" نقف هنا وقفة‪.‬‬

‫العلم لديك ثالثة مراحل‪:‬‬


‫‪ .1‬قبل الدرس‪ :‬عليك حتضريه‪-‬إذا كان له كتاب‪.-‬‬
‫‪ .2‬وأثناء الدرس‪ :‬االنتباه واليقظة وتقييد الفوائد‪-‬أو لو كان الدرس مسجل ميكن تقييد الفوائد‬
‫الح اقا‪.-‬‬
‫‪ .3‬وبعد الدرس‪ :‬حضورك دورة يف الكتاب أو دراستك هذا الكتاب مع شيخ‪ ،‬هذه أول مراحل‬
‫دراسة الكتاب‪ ،‬انت ابتدأت فيه ومل تنهه‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫‪ ‬الخلق الخامس‪ :‬الحرص‪.‬‬
‫جدا‪:‬‬
‫يب ﷺ يقول ألبو هريرة كلمة صرحية ا‬‫ضا من أبي هريرة‪ :‬احلرص‪.‬النّ ّ‬
‫من أعظم ما نستفيد أي ا‬
‫يب ﷺ ذلك الظن من أيب هريرة‬‫ظن النّ ّ‬
‫"لقد ظننت أال يس ألن عن هذا احلديث أحد أوىل منك"‪ّ ،‬‬
‫بسبب أنه كما قال‪" :‬ملا رأيت من حرصك على احلديث"‪.‬‬
‫احلرص‪ :‬أال تبقي وال تذر من الشيء الذي أنت حترص عليه‪ ،‬أنك ال تريد أن تفوت منه شيئاا‬
‫ميكنك احلصول عليه‪ .‬ما معىن ذلك؟‬
‫مثال‪ :‬ملا أرى طالب يف كل مرة أقول فيها أي معلومة يبادر بكتابتها‪،‬‬
‫معناه أين أنا بصفيت مدرس ا‬
‫ويسألن‪ ،‬ويراجع وإذا كلفته بتكليف يضبطه‪ ،‬ويقدمه يف وقته‪ ،‬يعتن بكالمي‪ ،‬بدرسي‪ ،‬كيف ميكن‬
‫أن أخبل بعلمي عليه؟!‪ ،‬على العكس بل أنا سأخصه بالعلم‪ ،‬وسأعطيه من وقيت‪ ،‬وجهدي بل لو‬
‫أملك ألعطيته الكتب وكل شيء‪.‬‬
‫هذا العامل الذي يعرف قيمة العلم‪ ،‬وهذا ما كان يفعله عبد اهلل بن املبارك كان ينفق على مشاخيه‬
‫وعلى طالبه‪ ،‬كل من يَ ْعلَ ُمهُ‪ ،‬عبد اهلل بن مبارك إذا رأى أحد من أهل العلم ينفق عليه إذا رآه‬
‫حمتاجا‪ ،‬ألنه يعلم قيمة أن تبن عامل أو طالب علم‪.‬‬
‫ا‬
‫أبدا‪ ،‬ولكن ال بد أن تشعر معلمك ِبا يقدمه‬
‫أيضا نتعلم احلرص‪ ،‬ال أقصد منك أن ترائي بعملك ال ا‬
‫لك‪ ،‬ليس أن تنثي عليه‪ ،‬أن يرى أثر العلم عليك‪.‬‬
‫مثال‪ :‬أن يعطيك أحدهم ساعة غالية مجيلة فتأخذ الساعة هذه وترميها يف البحر‪ ،‬هل من‬
‫تصور ا‬
‫مغفال‪.‬‬
‫املمكن أن يعطيك ساعة أخرى بالطبع ال سيكون ا‬
‫لكن لو أنه حني أعطاك الساعة فشكرته عليها ولبستها ووضعتها يف مكان‪ ،‬ونظفتها هذا يوحي له‬
‫أنك شكرت النعمة وهذا هو احلرص‪ ،‬ال بد أن يكون فيك تلك الصفة‪ ،‬احرص على ما ينفعك‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫السادس‪ :‬عدم كتم العلم‪.‬‬
‫‪ ‬الخلق ّ‬
‫نتعلم أيضا من أبي هريرة‪ :‬عدم كتم العلم‪ ،‬بيان العلم‪ ،‬وبث العلم‪.‬‬

‫جدا قياسيا‬
‫أبو هريرة رضي اهلل عنه ذكر البخاري أنه كان حيضر جملسه ‪ 088‬تلميذ وهذا رقم كبري ا‬
‫فمثال عائشة رضي اهلل عنها كان يروي عنها من الرواة الذين كانوا يروون عنها‪،‬‬
‫على وقته وعصره‪ ،‬ا‬
‫مثال أسود‪ ،‬وأبو سلمة ابن عبد الرمحن وهؤالء‪ ،‬وأنس بن مالك‪ ،‬والزهري‪ ،‬ونافع‪.‬‬
‫ا‬
‫جدا‪ ،‬هل تتصور أن أبا‬
‫لكن عندما تعلم أن أيب هريرة رضي اهلل عنه روى عنه‪ 088‬تابعي‪ ،‬رقم كبري ا‬
‫هريرة رضي اهلل عنه اجتمع عليه الناس فقط ألجل أنه صحايب وحافظ لألحاديث؟ هناك صفة‬
‫أخرى‪ :‬أنه كان يبذل نفسه للناس‪.‬‬
‫واَلن نرى طالب علم يطلب منه خطبة مجعة أو درس فيشرتط عليهم شروط تعجيزية‪ ،‬أستغرب من‬
‫هؤالء‪ ،‬أستغرب بأن هناك من يفتح أمامه باب عظيم يف الثواب مث يشرتط على الناس هذه الشروط‪،‬‬
‫ويف اَلخر يلبس ثوب احملتسب‪.‬‬
‫جدا أن يكتب‬
‫أمرا انزعجت منه‪ ،‬قال أهنم طلبوا من طالب عامل عادي ا‬ ‫اخربين صديقي باألمس ا‬
‫جدا! ألجل إعالن من‬
‫إعالن ملعهد معني‪ ،‬وهو يعلم أن هذا املعهد نافع‪ ،‬اشرتط عليهم مبلغ كبري ا‬
‫دقيقتني!‪ ،‬تصور‪ :‬ملعهد نافع‪ ،‬جماين هل تكسب منه‪ ،‬دقيقتني فقط‪ ،‬صعقت صراحة‪.‬‬
‫هنا يوجد معىن أن تشعر أن اإلسالم هو دينك قضيتك‪ ،‬هل أنت حمتاج أن يُتألف قلبك؟!‬
‫تقول "أريد مكان مكيف وكذا وكذا…"‪ ،‬يا أخي أنت تبذل نفسك وتذهب إىل الناس‪ ،‬هذا قربتك‬
‫إىل اهلل! أنت تنفع نفسك قبل أي شيء ﴿إن تنصروا اهلل ينصركم ويثبت أقدامكم﴾‪ ،‬أنت أول من‬
‫رضا وسعادة وهناءا‪ ،‬أقسم باهلل ال‬
‫ينتفع من هذا‪ ،‬يثبتك اهلل تعاىل به‪ ،‬وينفعك به وينزل على قلبك ا‬
‫تشرتيها كنوز الدنيا‪ ،‬هل تتصور أن اهلل يضيع من سعى يف سبيله‪ ،‬واهلل قد أسأت الظن ابذل نفسك‬
‫هلذا الدين واتعب‪ ،‬أنت مل تعمل شيئاا‪ ،‬حنن مل نعمل أي شيء‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫الصبر على الطّلب‪:‬‬

‫يب ﷺ جاءه الصحايب الكرمي وقال له‪" :‬أال تسنتصر لنا" مل يقل يا رب انصرهم بل ذكره حىت‬
‫ملا النّ ّ‬
‫يصرب "كان من قبلكم يؤتى فيوضع املنشار يف مفرق رأسه فيشق بنصفني ال يرده ذلك عن دينه"‪.‬‬
‫قطارا فيقول‪" :‬ال‪ ،‬أريد‬
‫الواحد منّا حني يكون اجلو حار يقول‪" :‬ال أذاكر"‪ ،‬وآخر لو دورة سريكب هلا ا‬
‫طيارة"‪ ،‬ما دام أن ربنا أعطاك املال لتنفق وتتعب أنت املنتفع قبل كل شيء‪ ،‬من الالزم أن يكون‬
‫أحدا يؤلف قلبك وآخر يشجعك‪ ،‬أحدهم يقول‪" :‬شيخ هل‬ ‫لديك هذه الروح‪ ،‬ال تكن إنسان تتنظر ا‬
‫دائما‪ ،‬لكن‬
‫ميكن أن تقل يل كلمتني ترفع مهيت هبم؟ هل ميكن أن تشجعن؟"‪ ،‬حسناا أنا واهلل أشجع ا‬
‫أنت ال تنتظر أن يرفع أحد مهتك‪ ،‬بالعكس أنت من تبث يف الناس هذه الروح‪.‬‬
‫إذا كان الرجل الكافر‪ ،‬امللحد‪ ،‬الفاجر على قناة اليوتيوب وغريها ينشر الفسق‪ ،‬والفجور‪ ،‬واإلحلاد‬
‫حبوا‪ ،‬استعن باهلل‪ ،‬وابذل نفسك لدين اهلل‪ ،‬واعلم أن اهلل ﷻ‬ ‫بكل جرأة‪ ،‬وأنت متشي يف هذا الطريق ا‬
‫معك‪ ،‬ويبارك يف علمك‪ ،‬إَّنا تتعلم ألجل أن تستثمر‪ ،‬أن تتعلم ألجل ماذا؟ لكي تلبس ثوب‬
‫ِ‬
‫﴿وَكأَيِّن من نَِ ٍّ‬
‫يب قاتَ َل َم َعهُ‬ ‫احملتسب؟‪،‬وتتكلم عن العلم والبذل‪..‬بذل ماذا؟‪ ،‬اهلل سبحانه وتعاىل قال‪َ :‬‬
‫ِربِّيو َن َكثري فَما وهنوا لِما أَصاب هم يف س ِ ِ‬
‫ضعُفوا َوَما استَكانو‪﴿ ،﴾..‬إِن َمي َسس ُكم قَر ٌ‬
‫ح‬ ‫بيل اللَّه َوما َ‬ ‫َ‬ ‫َُ‬ ‫ٌ ََ‬ ‫ّ‬
‫وم قَر ٌح ِمثلُهُ﴾ أين البذل‪ ،‬أين العطاء‪ ،‬أين الصرب‪ ،‬أين اجللد‪ ،‬أين العطاء‪ ،‬أين الروح اليت‬
‫س ال َق َ‬
‫فَ َقد َم َّ‬
‫تتحرك هبا‪.‬‬
‫هل أنت يف مقابل كل ما تراه من مظاهر الفسق‪ ،‬والفجور‪ ،‬والعصيان‪ ،‬والفواحش وهذا كله من‬
‫هؤالء…؟ أنكون حنن نائمون؟ ﴿وقُل لِلَّذين ال ي ِ‬
‫ؤمنو َن اعملوا على مكانَتِ ُكم إِنّا ِ‬
‫عاملو َن﴾‪.‬‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫جيب أن يكون لديك صرب وجلد واحتساب هلل‪ ،‬لذلك إن مل تدخل للعلم هبذه الطريقة أنا أنصحك‬
‫أصال‪ ،‬بكل صراحة‪ ،‬إذا كنت تدخل هذا الدين لتستمتع لتقرأ معلومة‪ ،‬ال توهم نفسك‬ ‫أال تدخل ا‬
‫أنك تريد أن يكون هذا العلم قربتك إىل اهلل‪ ،‬هذا العلم دين‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫حيتاج إىل إخالص‪ ،‬حيتاج إىل بصرية‪ ،‬حيتاج إىل حسن تدبري‪ ،‬إىل جلد‪ ،‬إىل صرب‪ ،‬إىل تقوى‪ ،‬إىل‬
‫احتساب‪ ،‬لزم أن يكون عندك جلد يف هذا الباب‪ ،‬ليس بعد أن تقابلك حمنة صعبة ترت املعهد‬
‫مباشرةا‪ ،‬عند أول عقبة بسيطة ترتك العلم!‪.‬‬
‫يا أخي اصرب ﴿فَ َال اقْ تَ َح َم الْ َع َقبَةَ﴾؛ ذلك من أعظم حكم اهلل أن يوجد يف هذا الطريق ابتالءات‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫َٰ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ني﴾ ليخرج الدخالء‪﴿ ،‬ما َكا َن اللَّهُ ليَ َذ َر الْ ُم ْؤمن َ‬
‫ني‬ ‫ص َدقُواْ َولَيَ ْعلَ َم َّن ٱلْ َكذبِ َ‬
‫ين َ‬‫﴿‪..‬فَلَيَ ْعلَ َم َّن ٱللَّهُ ٱلذ َ‬
‫ب﴾‪ ،‬القلة القليلة الباقية القلة القليلة الباقية وإن كانت‬ ‫يث ِمن الطَّيِّ ِ‬ ‫َعلَ َٰى َما أَنتُم َعلَْي ِه َح َّ َٰىت َميِ َيز ْ ِ‬
‫اخلَب َ َ‬ ‫ْ‬
‫ين﴾ متحيص يزيدك قوة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ر‬ ‫قليلة لكنها كبرية ؛ألهنم الصفوة ﴿ولِيم ِّحص ٱللَّه ٱلَّ ِذين ءامنواْ وميَْحق ٱلْ ََٰك ِ‬
‫ف‬
‫َ‬ ‫َ ُ َ َ ُ َ َ َُ َ َ َ‬
‫أنت عندما تصيبك ضائقة مثال أول ما تفكر فيه أن ترتك طلب العلم! ترتك املعهد!‪.‬‬
‫واحدة تقول يل‪ :‬أنا كنت قائمة على مشروع كبري‪ ،‬ولكن صاحبيت يف املعهد قالت هلي كلمة سيئة‬
‫فرتكت املعهد "يا سالم!‪ ..‬هبذه السهولة؟!‪..‬ما هذه اهلشاشة؟!"‪.‬‬
‫لذلك بني اهلل أن املنافق غري املؤمن‪ :‬املنافق يف غيبه يرتدد‪ ،‬إَّنا املؤمن ثابت‪ ،‬ال يستأذن يف عمل‬
‫الطاعة‪ ،‬صابر‪ ،‬حمتسب‪﴿ ،‬فَما َوَهنوا لِما أَصابَ ُهم يف َس ِ‬
‫بيل اللَّ ِه …﴾ العجيب يف هذه اَلية أن اهلل‬
‫ﷻ مل يذكر فقط أهنم بقوا يف سبيل اهلل!‬
‫صمودا‪ ،‬وثباتاا‪ ،‬وقوة‪ ،‬ينبغي أن يهون عندك كل شيء يف‬
‫ا‬ ‫ال‪ّ ،‬بني أهنم مل يزدهم هذا االبتالء إال‬
‫سبيل اهلل‪ ،‬أغلى ما متلك أبذله هلل يقول الصحايب اجلليل‪" :‬ولست أبايل حني أقتَل مسلما على أي‬
‫جنب كان يف اهلل مصرعي وذلك يف ذات االله وإن يشأ يبارك على أوصال شل ٍو مزع"‪ ،‬ما دام هلل‬
‫فليس هناك مشكلة‪ ،‬كل شيء يهون يف سبيل اهلل‪ ،‬عليك أن تتعلم االحتساب‪ ،‬أنت إذا أردت أن‬
‫تنجح يف أي باب دون االحتساب‪ ،‬اعلم أن قدر جناحك فيه بقدر احتسابك‪ ،‬االحتساب هلل يهون‬
‫جبال املصائب‪ ،‬ويسهل صعاب األعمال‪ ،‬واهلل أصعب األعمال هتون باالحتساب‪..‬‬
‫حينما أتذكر االحتساب أتذكر قول املتنيب‪ ،‬وإن كان ال يقصد به هذا أصال‪ ،‬لكن أنا أستحضر هذا‬
‫رغما عن املتنيب نفسه يقول‪:‬‬
‫املعىن وأجره على معىن االحتساب ا‬
‫إين إذا باشرت أمرا أريده *** تدانت أقاصيه وهان أشده‬
‫‪37‬‬
‫ب‪ ،‬ولو كان صعباا هان‪.‬‬
‫أي‪ :‬يف حينما أضع يف عقلي أمرا وهو بعيد قَ ُر َ‬
‫كما قال سعد بن ناشئ‪:‬‬
‫إذا هم مل تردع عزمية مهه *** ومل يأيت ما يأيت من األمر هابه‬
‫إذا هم ألقى بني عينه عزمه *** ونكب عن ذكر العواقب جانبه‬
‫إذا عزمت فتوكل على اهلل‪ ،‬يقول أحدهم‪ ":‬كنت أحب واحدة معي يف اجلامعة‪ ،‬وخطبت لغريي‪،‬‬
‫زهقت من الدنيا" حني سألته ملَ ملْ حتضر الدروس‪ ،‬وهكذا؟!‪ِ ..‬بجرد أنك امتحنت هبذا االمتحان!‪.‬‬
‫لذلك ربنا تعاىل كان يقص علينا قصص األنبياء واملرسلني‪ ،‬ويقص علينا االبتالءات لنعلم أن هذا هو‬
‫اس أَن يُ َرتكوا أَن‬ ‫الطريق‪ ،‬فأنت إذا أردت تدخل هذا الطريق دون أن تَغرم فيه شيء ﴿أ ِ‬
‫ب النّ ُ‬
‫َحس َ‬ ‫َ‬
‫ص َدقوا َولَيَعلَ َم َّن‬ ‫ذين‬ ‫َّ‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫َّ‬
‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫َّ‬ ‫م‬‫َ‬‫ل‬ ‫ع‬‫ي‬‫َ‬‫ل‬ ‫ف‬
‫َ‬ ‫م‬ ‫ِ‬
‫ه‬ ‫يقولوا آمنّا وهم ال يفتنو َن * ولََقد فَت نَّا الَّذين ِمن قَبلِ‬
‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َُ‬ ‫َ َُ‬ ‫َ‬
‫بني﴾‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الكاذ َ‬
‫أبث فيك الروح‪ ،‬أريد أن أدعوك للعناية‬
‫فأنا يا شباب يف هذه احملاضرة أريد أكثر من هدف‪ ،‬أريد أن ّ‬
‫يب ﷺ ‪ ،‬أريد أن أدلك على العلم الذي هتتدي به أنت فيه‬ ‫باالهتداء بالعلم من كتاب اهلل وحديث النّ ّ‬
‫لنفسك قبل أن تفكر يف غريك‪ ،‬العلم الذي تتحرك فيه ومتشي يف الناس‪ ،‬العلم الذي تبذله إلصالح‬
‫املسلمني لتقليل شرهم‪ ،‬ولتكثري خريهم‪ ،‬العلم الذي تلقى به ربك سبحانه وتعاىل‪ ،‬ويكون قربتك إىل‬
‫القيه﴾ ‪ ,‬وأذكرك هبذا احلديث الذي رواه أبو هريرة رضي اهلل‬ ‫ك َكدحا فَم ِ‬ ‫اهلل ﴿…إِنَّ َ ِ ِ‬
‫ك كاد ٌح إىل َربِّ َ ا ُ‬
‫منهم‪...‬ور ُج ٌل تَ َعلَّ َم العِْل َم‪،‬‬
‫َ‬ ‫عنه حديث عظيم‪ :‬إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليهم "هم ثالث‬
‫قال‪ :‬تَعلَّم ِ‬ ‫ِ‬ ‫وعلَّ َمهُ وقَ َرأَ ال ُقْرآ َن‪ ،‬فَأُِيتَ به فَ َعَّرفَهُ نِ َع َمهُ فَ َعَرفَها‪َ ،‬‬
‫وعلَّ ْمتُهُ‬
‫ت الع ْل َم‪َ ،‬‬ ‫ت فيها؟ َ َ ْ ُ‬ ‫قال‪ :‬فَما َعم ْل َ‬ ‫َ‬
‫ت ال ُقْرآ َن لِيُ َ‬ ‫قال‪َ :‬ك َذبت‪ ،‬ولَ ِكنَّك ت علَّمت العِْلم لِي َ ِ‬ ‫وقَرأْ ِ‬
‫قال‪ :‬هو‬ ‫قال‪ :‬عاملٌ‪ ،‬وقَ َرأْ َ‬ ‫َ ََ ْ َ َ ُ‬ ‫َْ‬ ‫يك ال ُقْرآ َن‪َ ،‬‬ ‫تف َ‬ ‫َ ُ‬
‫حىت أُلْ ِق َي يف النَّار"‪ ،‬ليُأ ّكد لكم أن العلم ابتالء‬ ‫وج ِه ِه َّ‬
‫ب علَى ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قيل‪ُ ،‬مثَّ أُمَر به فَ ُسح َ‬ ‫ئ‪ ،‬ف َق ْد َ‬ ‫قا ِر ٌ‬
‫ف إِلَي ِهم‬‫الدنيا َوزينَتَها نُ َو ِّ‬
‫يد احلَيا َة ُّ‬
‫﴿من كا َن يُر ُ‬
‫وامتحان وأنت ممتحن به‪ ،‬قال تعاىل سبحانه وتعاىل‪َ :‬‬
‫بخسو َن﴾ ‪ ،‬تتعلم ليقال عامل‪ ،‬تتعلم لتفخر على الناس‪،‬‬ ‫أَعما َهلُم فيها‪-‬أي يف الدنيا‪َ -‬وُهم فيها ال يُ َ‬
‫تتعلم لتنال شهادات‪ ،‬تتعلم لتنال الوظيفة انتهى‪ ..‬إ اذا ال تقول إنك كنت تتعلم هلل‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫الخاتمة‪:‬‬
‫تختصر احلاضرة يف كلمة "إن هذا العلم دين"‪ ،‬إذا كان العلم دينا فأنت حتتاج أن تتعلم كيف حتسن‬
‫يف العلم‪ ،‬أخلصه وأصوبه‪ ،‬أن ختلصه من حظوظ نفسك‪ ،‬وأن يكون على هدى من اهلل‪ ،‬على نور‬
‫من اهلل‪ ،‬على بصرية من اهلل‪ ،‬على بينة من اهلل‪.‬‬
‫أن تعرف ما الذي تتعلم وكيف تتعلم‪ ،‬كيف تضبط‪ ،‬كيف تذاكر‪ ،‬مهارات طالب العلم‪ ،‬أن تقلل‬
‫من املباحات‪ ،‬كيف تسرف يف املباحات وتظن أن يبارك اهلل يف علمك؟ وأن تنام على راحتك‪،‬‬
‫وتسهر على راحتك‪ ،‬وتلعب على راحتك‪ ،‬وتتفسح براحتك‪ .‬ماذا يبقى لك من العلم؟‬
‫أحدهم يقول يف الشتاء اجلو بارد‪ ،‬ويف الصيف اجلو حار‪ ،‬والربيع أخرج مع أصحايب أرفه عن نفسي‬
‫ابدا‪ ،‬وال أتعب نفسي معهم‪ ،‬كل شخص‬ ‫نائما‪ ،‬أنا ال أستبشر هبؤالء ا‬
‫ففي الشتاء والصيف كنت ا‬
‫أحاول أن أعلمه وأجتهد معه لكن بعد ذلك يقول‪ " :‬ال‪ ،‬أنت تشق علينا وحنن لسنا مثلك‪ ،‬أنت‬
‫حالة استثنائية‪ ،‬هذه قدرات خاصة"‪ ،‬ان ال أستبشر هبؤالء‪ ،‬ال يوجد شيء كهذا‪ ،‬يوجد شيء امسه‬
‫َّهم ُسبُلَنا َوإِ َّن اللَّهَ لَ َم َع‬ ‫ِ‬ ‫استعانة باهلل وعزم‪ ،‬وإرادة‪ ،‬وجلد‪ ،‬وصرب َّ‬
‫جاهدوا فينا لَنَهديَن ُ‬
‫ذين َ‬
‫﴿وال َ‬‫َ‬
‫تخلصا هلل إال يفتح اهلل تبارك وتعاىل عليك‪ ،‬فاستعن باهلل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫نني﴾ ‪ ،‬ال ميكن أن َتاهد يف شيء ا‬
‫املُحس َ‬
‫أنت يف بداية هذا الربنامج‪ ،‬كن على قدر املسؤولية‪ ،‬تصور هذا الربنامج الذي تقرأه هذا‪ ،‬كم من‬
‫وبضع‬
‫اجلهود بذلت فيه‪ ،‬كم من اجلهود تختلفة‪ ،‬من املمكن أنك ال تعرف سوى الشيخ أمحد السيد‪ٌ ،‬‬
‫من امل ِ‬
‫حاضرين؟!‬
‫ُ‬
‫ال‪ ،‬يوجد فريق عمل كامل‪ ،‬أحدهم يكتب الربنامج‪ ،‬وآخر يطبعه‪ ،‬وآخر يكتب األسئلة‪ ،‬وآخر‬
‫يراجع‪ ،‬وآخر يسمع‪.‬‬
‫فوجئت أنه يوجد تقريباا مثاَّنئة شخص يسمعون يف البناء املنهجي‪ ،‬هذا شيء عظيم‪ ،‬أنه يوجد مثاَّنئة‬
‫شخص عملهم أنك حني حتفظ يسمعون لك!‬
‫كيف يكون كل هؤالء يتعبون ألجلك أنت مث يكون عندك كسل‪ ،‬وضعف يف هذا األمر‪ ،‬خذ هذا‬
‫األمر بقوة فاملؤمن القوي خري وأحب عند اهلل من املؤمن الضعيف‪ ،‬ال تكثر من التفاصيل واألسئلة‪،‬‬
‫‪39‬‬
‫قائال‪" :‬أنا‬
‫قائال‪" :‬اعطن برناجماا"‪ ،‬أرسلت له برنامج وكيف تذاكر‪ ،‬مث يرسل يل ا‬
‫يرسل يل أحدهم ا‬
‫عندي ثالث ساعات يف اليوم من املمكن أن تنظمهم يل؟"‪ ،‬أنظمهم لك كيف؟‪ ..‬أسرح لك‬
‫أهوي لك وأنت تذاكر؟‪ ،‬ما هذا الدلع؟ لو ذكرت لكم الرسائل‪ ..‬مئات‬
‫شعرك؟‪ ،‬ألبسك املعطف؟ ِّ‬
‫جدا…‬
‫الرسائل يومياا‪ ،‬غريبة ا‬
‫غدا ستكون احملاضرة مهمة‪ ،‬أتكلم فيها عن الربنامج اليومي لطالب العلم‪.‬‬
‫إن شاء اهلل ا‬

‫‪41‬‬

You might also like