You are on page 1of 40

‫كتاب شرح عجائب القلب‬

‫وهو الكتاب الول من ربع المهلكات‬


‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫الحمد لله الذي تتحيششر دون إدراك جللششه القلششوب والخششواطر وتششدهش فششي مبششادي إشششراق‬
‫أنواره الحداق والنواظر المطلع على خفيات السرائر العالم بمكنونات الضمائر المستغني‬
‫في تدبير مملكته عششن المشششاور والمششوازر مقلشب القلششوب وغفششار الششذنوب وسششتار العيششوب‬
‫ومفرج الكروب والصلة على سيد المرسلين وجامع شششمل الششدين وقششاطع دابششر الملحششدين‬
‫وعلى آله الطيبين الطاهرين وسلم كثيرا أما بعد فشرف النسان وفضششيلته الششتي فششاق بهششا‬
‫جملة من أصناف الخلق باستعداده لمعرفة الله سبحانه التي هي في الدنيا جمششاله وكمششاله‬
‫وفخره وفي الخرة عدته وذخره وإنما استعد للمعرفة بقلبه ل بجارحة من جوارحه فالقلب‬
‫هو العالم بششالله وهششو المتقششرب إلششى اللششه وهششو العامششل للششه وهششو السششاعي إلششى اللششه وهششو‬
‫المكاشف بما عند الله ولديه وإنما الجوارح أتباع وخدم وآلت يستخدمها القلب ويسششتعملها‬
‫استعمال المالك للعبد واستخدام الراعي للرعية والصانع لللششة فششالقلب هششو المقبششول عنششد‬
‫الله إذا سشلم مشن غيشر اللشه وهشو المحجشوب عشن اللشه إذا صشار مسشتغرقا بغيشر اللشه وهشو‬
‫المطالب وهو المخاطب وهو المعاتب وهو الذي يسعد بالقرب من الله فيفلح إذا زكاه وهو‬
‫الذي يخيب ويشقى إذا دنسه ودساه وهو المطيع بالحقيقششة للشه تعشالى وإنمشا الششذي ينتششر‬
‫على الجوارح من العبادات أنواره وهو العاصي المتمرد على الله تعالى وإنما الساري إلششى‬
‫العضاء من الفواحش آثاره وبإظلمه واستنارته تظهر محاسن الظاهر ومساويه إذ كل إناء‬
‫ينضح بما فيه وهو الذي إذا عرفه النسان فقد عرف نفسششه وإذا عششرف نفسششه فقششد عششرف‬
‫ربه وهو الذي إذا جهله النسان فقد جهل نفسه وإذا جهل نفسه فقد جهل ربه ومششن جهششل‬
‫قلبه فهو بغيره أجهششل إذ أكششثر الخلششق جششاهلون بقلششوبهم وأنفسششهم وقششد حيششل بينهششم وبيششن‬
‫أنفسهم فإن الله يحششول بيششن المششرء وقلبششه وحيلششولته بششأن يمنعششه عششن مشششاهدته ومراقبتششه‬
‫ومعرفة صفاته وكيفية تقلبه بين أصبعين مششع أصششابع الرحمششن وأنششه كيششف يهششوي مششرة إلششى‬
‫أسفل السافلين وينخفض إلى أفق الشياطين وكيف يرتفع أخرى إلى أعلى عليين ويرتقششي‬
‫إلى عالم الملئكة المقربين ومن لم يعرف قلبششه ليراقبششه ويراعيششه ويترصششد لمششا يلششوح مششن‬
‫خزائن الملكوت عليه وفيه فهو ممن قال الله تعالى فيه نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك‬
‫هم الفاسقون فمعرفة القلب وحقيقة أوصافه أصل الششدين وأسششاس طريششق السششالكين وإذ‬
‫فرغنا من الشطر الول من هذا الكتاب من النظر فيما يجري على الجوارح مششن العبششادات‬
‫والعادات وهو العلم الظاهر ووعدنا أن نشرح في الشطر الثاني ما يجري على القلشب مشن‬
‫الصفات المهلكات والمنجيات وهو العلم الباطن فل بد أن نقدم عليه كتابين كتابا في شرح‬
‫عجائب صفات القلب وأخلقه وكتابا في كيفية رياضة القلب وتهذيب أخلقه ثم ننششدفع بعششد‬
‫ذلك في تفصيل المهلكات والمنجيات فلنذكر الن من شرح عجائب القلب بطريششق ضششرب‬
‫المثال ما يقشرب مشن الفهشام فشإن التصشريح بعجشائبه وأسشراره الداخلشة فشي جملشة عشالم‬
‫الملكوت مما يكل عن دركه أكثر الفهام‪.‬‬
‫بيان معنى النفس والروح والقلب والعقل وما هو المراد‬
‫بهذه السامي‬
‫أعلم أن هذه السماء الربعة تستعمل في هذه البواب ويقل في فحول العلماء من يحيششط‬
‫بهذه السامي واختلف معانيها وحدودها ومسمياتها وأكثر الغاليط منشؤها الجهششل بمعنششى‬
‫هذه السامي واشتراكها بين مسميات مختلفة ونحن نششرح فشي معنشى هشذه السشامي مشا‬
‫يتعلق بغرضنا اللفظ الول لفظ القلب وهو يطلق لمعنيين أحدهما اللحم الصنوبري الشكل‬
‫المودع في الجانب اليسر من الصدر وهو لحم مخصوص وفششي بششاطنه تجويششف وفششي ذلششك‬
‫التجويف دم أسود هو منبع الروح ومعدنه ولسنا نقصد الن شرح شششكله وكيفيتششه إذ يتعلششق‬
‫به غرض الطباء ول يتعلق به الغراض الدينية وهذا القلب موجششود للبهششائم بششل هششو موجششود‬
‫للميت ونحن إذا أطلقنا لفظ القلب في هذا الكتاب لم نعن به ذلك فإنه قطعة لحم ل قششدر‬
‫له وهو مششن عشالم الملشك والشششهادة إذ تششدركه البهشائم بحاسشة البصشر فضششل عشن الدمييششن‬
‫والمعنى الثاني هو لطيفة ربانية روحانية لها بهذا القلب الجسماني تعلق وتلك اللطيفة هي‬
‫حقيقششة النسششان وهششو المششدرك العششالم العششارف مششن النسششان وهششو المخششاطب والمعششاقب‬
‫والمعاتب والمطالب ولها علقة مع القلب الجسماني وقد تحيرت عقششول أكششثر الخلششق فششي‬
‫إدراك وجه علقته فإن تعلقه به يضاهي تعلق العراض بالجسام والوصششاف بالموصششوفات‬
‫أو تعلق المستعمل لللة باللة أو تعلق المتمكن بالمكان وشرح ذلششك ممششا نتوقششاه لمعنييششن‬
‫أحدهما أنه متعلق بعلوم المكاشفة وليس غرضنا من هذا الكتاب إل علوم المعاملة والثاني‬
‫أن تحقيقه يستدعي إفشاء سر الروح وذلك مما لم يتكلم فيه رسول الله صلى اللششه عليششه‬
‫وسلم‪ 1‬فليس لغيره أن يتكلم فيه والمقصود أنا إذا أطلقنششا لفششظ القلششب فششي هششذا الكتششاب‬
‫أردنا بشه هشذه اللطيفشة وغرضشنا ذكشر أوصشافها وأحوالهشا ل ذكشر حقيقتهشا فشي ذاتهشا وعلشم‬
‫المعاملة يفتقر إلى معرفة صفاتها وأحوالها ول يفتقر إلى ذكر حقيقتها اللفظ الثاني الششروح‬
‫وهو أيضا يطلق فيما يتعلق بجنس غرضششنا لمعنييششن أحششدهما جسششم لطيششف منبعششه تجويششف‬
‫القلب الجمساني فينشر بواسطة العروق الضوارب إلى سششائر أجششزاء البششدن وجريششانه فششي‬
‫البدن وفيضان أنوار الحياة والحس والبصششر والسششمع والشششم منهششا علششى أعضششائها يضششاهي‬
‫فيضان النور من السراج الذي يدار في زوايا البيت فإنه ل ينتهششي إلششى جششزء مششن الششبيت إل‬
‫ويستنير به والحياة مثالها النور الحاصل في الحيطان والروح مثالها السراج وسريان الروح‬
‫وحركته في الباطن مثال حركة السششراج فششي جششوانب الششبيت بتحريششك محركششه والطبششاء إذا‬
‫أطلقوا لفظ الروح أرادوا به هذا المعنى وهششو بخششار لطيششف أنضششجته حششرارة القلششب وليششس‬
‫شرحه من غرضنا إذ المتعلق به غرض الطباء الذين يعششالجون البششدان فأمششا غششرض أطبششاء‬
‫الدين المعالجين للقلب حتى ينساق إلى جوار رب العالمين فليس يتعلق بشرح هذه الروح‬
‫أصل المعنى الثاني هو اللطيفة العالمة المدركة من النسان وهو الششذي شششرحناه فششي أحششد‬
‫معاني القلب وهو الذي أراده الله تعالى بقوله قل الروح مششن أمششر ربششي وهششو أمششر عجيششب‬
‫رباني تعجز أكثر العقول والفهام عن درك حقيقته اللفظ الثالث النفس وهو أيضا مشششترك‬
‫بين معان ويتعلق بغرضنا منه معنيان أحششدهما أنششه يششراد بششه المعنششى الجششامع لقششوة الغضششب‬
‫والشهوة في النسان على ما سيأتي شرحه وهذا الستعمال هو الغالب على أهل التصوف‬
‫لنهم يريدون بالنفس الصل الجامع للصفات المذمومششة مششن النسششان فيقولششون ل بششد مششن‬
‫مجاهدة النفس وكسرها وإليه الشارة بقوله صلى الله عليششه وسششلم أعششدى عشدوك نفسششك‬
‫التي بين جنبيك‪ 2‬المعنى الثاني هي اللطيفة التي ذكرناها التي هي النسان بالحقيقة وهششي‬
‫نفس النسان وذاته ولكنها توصف بأوصاف مختلفششة بحسششب اختلف أحوالهششا فششإذا سششكنت‬
‫تحت المر وزايلها الضطراب بسبب معارضة الشهوات سميت النفس المطمئنة قال اللششه‬
‫تعالى في مثلها يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية والنفششس بششالمعنى‬
‫الول ل يتصور رجوعها إلى الله تعالى فإنها مبعدة عن الله وهي من حششزب الشششيطان وإذا‬
‫لم يتم سكونها ولكنها صارت مدافعة للنفششس الشششهوانية ومعترضششة عليهششا سششميت النفششس‬
‫اللوامة لنها تلوم صاحبها عند تقصيره في عبادة موله قال الله تعششالى ول أقسششم بششالنفس‬
‫اللوامة وإن تركششت العششتراض وأذعنششت وأطششاعت لمقتضششى الشششهوات ودواعششي الشششيطان‬
‫سميت النفس المارة بالسوء قال الله تعششالى إخبششارا عششن يوسششف عليششه السششلم أو امششرأة‬
‫العزيز وما أبرئ نفسي إن النفس لمارة بالسوء وقد يجوز أن يقال المراد بالمارة بالسوء‬
‫هي النفس بالمعنى الول فإذن النفس بالمعنى الول مذمومة غاية الذم وبششالمعنى الثششاني‬
‫محمودة لنها نفس النسان أي ذاته وحقيقته العالمة بالله تعالى وسائر المعلومات اللفششظ‬

‫‪ 1‬حديث أنه صلى الله عليه وسلم لم يتكلم في الروح متفق عليه من حديث ابن مسعود في سؤال اليهود‬
‫عن الروح وفيه فأمسك النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرد عليهم فعلمت أنه يوحى إليه الحديث وقد تقدم‬
‫‪ 2‬حديث أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك أخرجه البيهقي في كتاب الزهد من حديث ابن عباس وفيه‬
‫محمد بن عبد الرحمن بن غزوان أحد الوضاعين‬
‫الرابع العقل وهو أيضا مشترك لمعان مختلفة ذكرناها في كتششاب العلششم والمتعلششق بغرضششنا‬
‫من جملتها معنيان أحدهما أنه قد يطلق ويراد به العلم بحقششائق المششور فيكششون عبششارة عششن‬
‫صفة العلم الذي محله القلب والثاني أنه قد يطلشق ويشراد بشه المشدرك للعلشوم فيكشون هشو‬
‫القلب أعني تلك اللطيفة ونحن نعلم أن كشل عشالم فلشه فشي نفسشه وجشود هشو أصشل قشائم‬
‫بنفسه والعلم صفة حالة فيه والصفة غيششر الموصششوف والعقششل قششد يطلششق ويششراد بششه صششفة‬
‫العالم وقد يطلق ويراد به محل الدراك أعني المدرك وهو المشراد بقشوله صشلى اللشه عليشه‬
‫وسلم أول ما خلق الله العقل‪ 1‬فإن العلم عرض ل يتصششور أن يكششون أول مخلششوق بششل لبششد‬
‫وأن يكون المحل مخلوقا قبله أو معه ولنه ل يمكن الخطاب معه وفي الخششبر أنششه قششال لششه‬
‫تعالى أقبل فأقبل ثم قال له أدبششر فششأدبر الحششديث فششإذن قششد انكشششف لششك أن معششاني هششذه‬
‫السماء موجودة وهي القلب الجسماني والششروح الجسششماني والنفششس الشششهوانية والعلششوم‬
‫فهذه أربعة معان يطلق عليها اللفاظ الربعة ومعنى خامس وهي اللطيفة العالمة المدركة‬
‫من النسان واللفاظ الربعة بجملتها تتوارد عليها فالمعششاني خمسششة واللفششاظ أربعششة وكششل‬
‫لفظ أطلق لمعنيين وأكثر العلماء قد التبس عليهم اختلف هذه اللفششاظ وتواردهششا فششتراهم‬
‫يتكلمون في الخواطر ويقولون هذا خاطر العقششل وهششذا خششاطر الششروح وهششذا خششاطر القلششب‬
‫وهذا خاطر النفس وليس يدري الناظر اختلف معاني هذه السماء ولجششل كشششف الغطششاء‬
‫عن ذلك قدمنا شرح هذه السامي وحيث ورد في القرآن والسنة لفظ القلششب فششالمراد بششه‬
‫المعنى الذي يفقه من النسان ويعرف حقيقة الشششياء وقششد يكنششى عنششه بششالقلب الششذي فششي‬
‫الصدر لن بين تلك اللطيفة وبين جسم القلب علقة خاصة فإنها وإن كانت متعلقششة بسششائر‬
‫البدن ومستعملة له ولكنها تتعلق به بواسششطة القلششب فتعلقهششا الول بششالقلب وكششأنه محلهششا‬
‫ومملكتها وعالمها ومطيتها ولذلك شبه سهل التستري القلششب بششالعرش والصششدر بالكرسششي‬
‫فقال القلب هو العرش والصدر هو الكرسي ول يظن به أنه يرى أنه عششرش اللششه وكرسششيه‬
‫فإن ذلك محششال بششل أراد بششه أنششه مملكششة النسششان والمجششرى الول لتششدبيره وتصششرفه فهمششا‬
‫بالنسبة إليه كالعرش والكرسي بالنسبة إلى الله تعششالى ول يسششتقيم هششذا التشششبيه أيضششا إل‬
‫من بعض الوجوه وشرح ذلك أيضا ل يليق بغرضنا فلنجاوزه‪.‬‬
‫بيان جنود القلب‬
‫قال الله تعالى وما يعلم جنود ربك إل هو فلله سششبحانه فششي القلششوب والرواح وغيرهششا مششن‬
‫العوالم جنود مجندة ل يعرف حقيقتها وتفصيل عددها إل هششو ونحششن الن نشششير إلششى بعششض‬
‫جنود القلب فهو الذي يتعلق بغرضنا وله جندان جند يرى بالبصار وجند ل يرى إل بالبصششائر‬
‫وهو في حكم الملششك والجنششود فششي حكششم الخششدم والعششوان فهششذا معنششى الجنششد فأمششا جنششده‬
‫المشاهد بالعين فهو اليد والرجل والعين والذن واللسان وسائر العضاء الظاهرة والباطنة‬
‫فإن جميعها خادمة للقلب ومسخرة له فهو المتصرف فيها والمردد لها وقد خلقت مجبولششة‬
‫على طاعته ل تستطيع له خلفا ول عليه تمردا فإذا أمر العيششن بالنفتششاح انفتحششت وإذا أمششر‬
‫الرجل بالحركة تحركت وإذا أمر اللسان بالكلم وجزم الحكم به تكلم وكذا سششائر العضششاء‬
‫وتسششخير العضششاء والحششواس للقلششب يشششبه مششن وجششه تسششخير الملئكششة للششه تعششالى فششإنهم‬
‫مجبولون على الطاعة ل يستطيعون له خلفا بششل ل يعصششون اللششه مششا أمرهششم ويفعلششون مششا‬
‫يؤمرون وإنما يفترقان في شيء وهو أن الملئكة عليهم السشلم عالمشة بطاعتهششا وامتثالهشا‬
‫والجفان تطيع القلب في النفتاح والنطباق على سبيل التسشخير ول خشبر لهشا مشن نفسشها‬
‫ومن طاعتها للقلب وإنما افتقر القلب إلى هششذه الجنششود مششن حيششث افتقششاره إلششى المركششب‬
‫والزاد لسفره الذي لجله خلق وهو السششفر إلششى اللششه سششبحانه وقطششع المنششازل إلششى لقششائه‬
‫فلجله خلقت القلوب قال الله تعالى وما خلقششت الجششن والنششس إل ليعبششدون وإنمششا مركبششه‬
‫البدن وزاده العلم وإنما السباب التي توصله إلى الزاد وتمكنه من الششتزود منششه هششو العمششل‬
‫الصالح وليس يمكن العبد أن يصل إلى الله سبحانه ما لم يسكن البششدن ولششم يجششاوز الششدنيا‬
‫فإن المنزل الدنى ل بد من قطعه للوصشول إلشى المنشزل القصشى فالشدنيا مزرعشة الخشرة‬
‫وهي منزل من منازل الهدى وإنما سميت دنيا لنها أدنى المنزلتين فاضششطر إلششى أن يششتزود‬

‫‪ 1‬حديث أول ما خلق الله العقل وفي الخبر أنه قال له أقبل فأقبل وقال أدبر فأدبر الحديث تقدم في العلم‬
‫من هذا العالم فالبدن مركبه الذي يصل به إلى هذا العالم فافتقر إلى تعهد البششدن وحفظششه‬
‫وإنما يحفظ البدن بأن يجلب إليه ما يوافقه من الغذاء وغيره وأن يدفع عنه مششا ينششافيه مششن‬
‫أسباب الهلك فافتقر لجل جلب الغذاء إلى جندين بشاطن وهشو الششهوة وظشاهر وهشو اليشد‬
‫والعضاء الجالبة للغذاء فخلق في القلب من الشهوات ما احتاج إليه وخلقت العضاء التي‬
‫هي آلت الشهوات فافتقر لجل دفع المهلكات إلششى جنشدين بشاطن وهششو الغضشب الششذي بششه‬
‫يدفع المهلكات وينتقم من العداء وظاهر وهششو اليششد والرجششل للششذين بهمششا يعمششل بمقتضششى‬
‫الغضب وكل ذلك بأمور خارجة فشالجوارح مششن البششدن كالسششلحة وغيرهششا ثششم المحتششاج إلشى‬
‫الغذاء ما لم يعرف الغذاء لم تنفعه شهوة الغذاء وإلفه فافتقر للمعرفة إلششى جنششدين بششاطن‬
‫وهو إدراك السمع والبصر والشم واللمس والذوق وظاهر وهو العين والذن والنف وغيرها‬
‫وتفصيل وجه الحاجة إليها ووجه الحكمة فيها يطول ول تحويه مجلششدات كششثيرة وقششد أشششرنا‬
‫إلى طرف يسير منها في كتاب الشكر فليقتنع به فجملة جنود القلب تحصرها ثلثة أصناف‬
‫صنف باعث ومستحث إما إلى جلب النافع الموافق كالشهوة وإما إلى دفع الضار المنششافي‬
‫كالغضب وقد يعبر عن هذا الباعث بالرادة والثاني هو المحرك للعضاء إلششى تحصششيل هششذه‬
‫المقاصد ويعبر عششن هششذا الثششاني بالقششدرة وهششي جنششود مبثوثششة فششي سششائر العضششاء ل سششيما‬
‫العضلت منها والوتار والثالث هو المدرك المتعرف للشياء كالجواسيس وهي قشوة البصششر‬
‫والسمع والشم والذوق واللمشس وهشي مبثوثشة فشي أعضشاء معينشة ويعشبر عشن هشذا بشالعلم‬
‫والدراك ومع كل واحد من هذه الجنود الباطنة جنششود ظشاهرة وهششي العضشاء المركبشة مشن‬
‫الشحم واللحم والعصب والدم والعظم التي أعدت آلت لهذه الجنود فإن قوة البطش إنما‬
‫هي بالصابع وقشوة البصشر إنمشا هشي بشالعين وكشذا سشائر القشوى ولسشنا نتكلشم فشي الجنشود‬
‫الظاهرة أعني العضاء فإنها من عالم الملك والشهادة وإنما نتكلم الن فيما أيدت بششه مششن‬
‫جنود لم تروها وهذا الصنف الثالث وهو المدرك من هذه الجملة ينقسم إلى ما قششد أسششكن‬
‫المنازل الظاهرة وهي الحواس الخمس أعني السمع والبصر والشم والذوق واللمس وإلى‬
‫ما أسكن منازل باطنة وهي تجششاويف الششدماغ وهششي أيضششا خمسششة فششإن النسششان بعششد رؤيششة‬
‫الشيء يغمض عينه فيدرك صورته في نفسه وهو الخيال ثم تبقى تلك الصورة معه بسبب‬
‫شيء يحفظه وهو الجند الحافظ ثم يتفكر فيما حفظه فيركب بعشض ذلشك إلشى البعششض ثششم‬
‫يتذكر ما قد نسشيه ويعششود إليشه ثشم يجمشع جملشة معشاني المحسوسشات فششي خيششاله بششالحس‬
‫المشترك بين المحسوسات ففي الباطن حس مشترك وتخيل وتفكر وتششذكر وحفششظ ولششول‬
‫خلق الله قوة الحفظ والفكر والذكر والتخيل لكان الدماغ يخلو عنه كما تخلو اليد والرجششل‬
‫عنه فتلك القوى أيضا جنود باطنة وأماكنها أيضا باطنة فهذه هي أقسام جنود القلب وشرح‬
‫ذلك بحيث يدركه فهم الضعفاء بضرب المثلة يطول ومقصود مثل هذا الكتاب أن ينتفع بششه‬
‫القوياء والفحول من العلماء ولكنا نجتهد في تفهيم الضششعفاء بضشرب المثلشة ليقششرب ذلششك‬
‫من أفهامهم‪.‬‬
‫بيان أمثلة القلب مع جنوده الباطنة‬
‫اعلم أن جندي الغضب والشهوة قد ينقادان للقلب انقيششادا تامششا فيعينششه ذلششك علششى طريقششه‬
‫الذي يسلكه وتحسن مرافقتهما في السفر الذي هو بصدده وقد يستعصيان عليه استعصاء‬
‫بغي وتمرد حتى يملكاه ويستبعداه وفيه هلكه وانقطاعه عن سفره الششذي بششه وصششوله إلششى‬
‫سعادة البد وللقلب جند آخر وهو العلششم والحكمششة والتفكششر كمششا سششيأتي شششرحه وحقششه أن‬
‫يستعين بهذا الجند فإنه حزب الله تعالى على الجندين الخرين فإنهما قششد يلتحقششان بحششزب‬
‫الشيطان فإن ترك الستعانة وسلط على نفسه جند الغضب والشششهوة هلششك يقينششا وخسششر‬
‫خسرانا مبينا وذلك حالة أكثر الخلق فإن عقولهم صارت مسخرة لشششهواتهم فششي اسششتنباط‬
‫الحيل لقضاء الشهوة وكان ينبغي أن تكون الشهوة مسششخرة لعقششولهم فيمششا يفتقششر العقششل‬
‫إليه ونحن نقرب ذلك إلى فهمك بثلثة أمثلة المثال الول أن نقول مثل نفس النسان فششي‬
‫بدنه أعني بالنفس اللطيفة المذكورة كمثل ملك في مششدينته ومملكتششه فششإن البششدن مملكششة‬
‫النفشس وعالمهشا ومسشتقرها ومشدينتها وجوارحهشا وقواهشا بمنزلشة الصشناع والعملششة والقششوة‬
‫العقلية المفكرة له كالمششير الناصشح والشوزير العاقشل والششهوة لشه كالعبشد السشوء يجلشب‬
‫الطعام والميرة إلى المدينة والغضب والحمية له كصاحب الشرطة والعبد الجششالب للميششرة‬
‫كذاب مكار خداع خبيث يتمثل بصورة الناصششح وتحششت نصششحه الشششر الهششائل والسششم القاتششل‬
‫وديششدنه وعششادته منازعششة الششوزير الناصششح فششي آرائه وتششدبيراته حششتى ل يخلششو مششن منششازعته‬
‫ومعارضته ساعة كما أن الوالي في مملكته إذا كان مستغنيا في تدبيراته بوزيره مستشيرا‬
‫له ومعرضا عن إشارة هذا العبد الخبيث مستدل بإشارته في أن الصواب فششي نقيششض رأيششه‬
‫أدبه صاحب شرطته وساسه لوزيره وجعله مؤتمرا له مسشلطا مششن جهتشه علشى هششذا العبشد‬
‫الخبيث وأتباعه وأنصاره حتى يكون العبد مسوسا ل سائسا ومأمورا مششدبرا ل أميششرا مششدبرا‬
‫استقام أمر بلده وانتظم العدل بسببه فكذا النفشس مششتى اسشتعانت بالعقششل وأدبشت بحميشة‬
‫الغضب وسلطتها على الشهوة واسششتعانت بإحششداهما علششى الخششرى تششارة بششأن تقلششل مرتبششة‬
‫الغضب وغلوائه بمخالفة الشهوة واستدراجها وتارة بقمع الشهوة وقهرها بتسليط الغضششب‬
‫والحمية عليهششا وتقبيششح مقتضششياتها اعتششدلت قواهششا وحسششنت أخلقهششا ومششن عشدل عششن هششذه‬
‫الطريقة كان كمن قال الله تعالى فيه أفرأيت من اتخذ إلهه هششواه وأضششله اللششه علششى علششم‬
‫وقال تعالى واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تششتركه يلهششث وقششال عششز‬
‫وجل فيمن نهى النفس عن الهوى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفششس عششن الهششوى فششإن‬
‫الجنة هي المأوى وسيأتي كيفية مجاهدة هذه الجنود وتسليط بعضها على بعض فششي كتششاب‬
‫رياضة النفس إن شاء الله تعششالى المثششال الثششاني اعلششم أن البششدن كالمدينششة والعقششل أعنششي‬
‫المدرك من النسان كملك مدبر لها وقواه المدركة من الحواس الظاهرة والباطنة كجنوده‬
‫وأعوانه وأعضاؤه كرعيته والنفس المارة بالسوء التي هي الشهوة والغضب كعششدو ينششازعه‬
‫في مملكته ويسعى في إهلك رعيته فصار بدنه كربشاط وثغشر ونفسششه كمقيششم فيششه مرابشط‬
‫فإن هو جاهد عدوه وهزمه وقهره على ما يحب حمد أثره وإذا عاد إلى الحضششرة كمششا قششال‬
‫الله تعالى والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل اللششه المجاهششدين بششأموالهم‬
‫وأنفسهم على القاعدين درجة وإن ضيع ثغره وأهمل رعيته ذم أثره فششانتقم منششه عنششد اللششه‬
‫تعالى فيقال له يوم القيامة يا راعي السوء أكلت اللحم وشربت اللبن ولم تأو الضالة ولششم‬
‫تجبر الكسير اليوم أنتقم منك‪ 1‬كما ورد في الخبر وإلى هذه المجاهدة الشارة بقوله صششلى‬
‫الله عليه وسلم رجعنا من الجهاد الصغر إلى الجهاد الكبر‪ 2‬المثال الثالث مثل العقل مثششل‬
‫فارس متصيد وشهوته كفرسه وغضبه ككلبه فمششتى كششان الفششارس حاذقششا وفرسششه مروضششا‬
‫وكلبه مؤدبا معلما كان جديرا بالنجاح ومتى كان هو في نفسه أخرق وكان الفششرس جموحششا‬
‫والكلب عقورا فل فرسه ينبعث تحته منقادا ول كلبه يسترسل بإشششارته مطيعششا فهششو خليششق‬
‫بأن يعطب فضل عن أن ينال ما طلب وإنما خرق الفارس مثل جهل النسان وقلششة حكمتششه‬
‫وكلل بصيرته وجماح الفرس مثل غلبة الشهوة خصوصا شهوة البطن والفرج وعقر الكلب‬
‫مثل غلبة الغضب واستيلئه نسأل الله حسن التوفيق بلطفه‪.‬‬
‫بيان خاصية قلب النسان‬
‫أعلم أن جملة ما ذكرناه قد أنعم الله به على سششائر الحيوانششات سششوى الدمششي إذ للحيششوان‬
‫الشهوة والغضب والحواس الظاهرة والباطنة أيضا حتى إن الشاة ترى الذئب بعينها فتعلششم‬
‫عداوته بقلبها فتهرب منه فذلك هششو الدراك البششاطن فلنششذكر مششا يختششص بششه قلششب النسششان‬
‫ولجله عظم شرفه واستأهل القرب من الله تعالى وهو راجع إلششى علششم وإرادة أمششا العلششم‬
‫فهو العلم بالمور الدنيوية والخروية والحقائق العقلية فشإن هششذه أمششور وراء المحسوسشات‬
‫ول يشاركه فيها الحيوانات بل العلوم الكلية الضرورية من خواص العقل إذ يحكششم النسششان‬
‫بأن الشخص الواحد ل يتصور أن يكون في مكانين في حالة واحدة وهذا حكم منه على كل‬
‫شخص ومعلوم أنه لم يدرك بالحس إل بعض الشخاص فحكمه على جميع الشششخاص زائد‬
‫على ما أدركه الحس وإذا فهمت هذا في العلم الظاهر الضروري فهو في سائر النظريششات‬
‫أظهر وأما الرادة فإنه إذا أدرك بالعقل عاقبة المر وطريشق الصشلح فيشه انبعشث مشن ذاتشه‬

‫‪ 1‬حديث يقال يوم القيامة يا راعي السوء أكلت اللحم وشربت اللبن ولم ترد الضالة الخبر لم أجد له أصل‬
‫‪ 2‬حديث رجعنا من الجهاد الصغر إلى الجهاد الكبر أخرجه البيهقي في الزهد من حديث جابر وقال هذا إسناد‬
‫في ضعف‬
‫شوق إلى جهة المصلحة وإلى تعاطي أسبابها والرادة لها وذلك غيششر إرادة الشششهوة وإرادة‬
‫الحيوانات بل يكون على ضد الشششهوة فششإن الشششهوة تنفششر عششن الفصششد والحجامششة والعقششل‬
‫يريدها ويطلبها ويبذل المال فيهششا والشششهوة تميششل إلششى لششذائذ الطعمششة فششي حيششن المششرض‬
‫والعاقل يجد في نفسه زاجرا عنها وليس ذلك زاجر الشهوة ولو خلق الله العقششل المعششرف‬
‫بعواقب المور ولم يخلق هذا الباعث المحرك للعضششاء علششى مقتضششى حكششم العقششل لكششان‬
‫حكم العقل ضائعا على التحقيق فإذن قلب النسان اختششص بعلشم وإرادة ينفششك عنهششا سششائر‬
‫الحيوان بل ينفك عنها الصششبي فششي أول الفطششرة وإنمششا يحششدث ذلششك فيششه بعششد البلششوغ وأمششا‬
‫الشهوة والغضب والحواس الظاهرة والباطنة فإنها موجودة في حق الصبي ثم الصبي فششي‬
‫حصول هذه العلوم فيه له درجتان إحداهما أن يشتمل قلبه علششى سششائر العلششوم الضششرورية‬
‫الولية كالعلم باستحالة المستحيلت وجواز الجائزات الظاهرة فتكون العلوم النظرية فيهششا‬
‫غير حاصلة إل أنها صارت ممكنة قريبة المكان والحصول ويكون حاله بالضافة إلى العلوم‬
‫كحال الكاتب الذي ل يعرف من الكتابة إل الدواة والقلم والحشروف المفشردة دون المركبشة‬
‫فإنه قد قارب الكتابة ولششم يبلغهششا بعششد الثانيششة أن تتحصششل لششه العلششوم المكتسششبة بالتجششارب‬
‫والفكر فتكون كالمخزونة عنده فإذا شاء رجع إليها وحاله حال الحاذق بالكتابششة إذ يقشال لششه‬
‫كاتب وإن لم يكن مباشرا للكتابة بقدرته عليها وهذه هي غاية درجششة النسششانية ولكششن فششي‬
‫هششذه الدرجششة مراتششب ل تحصششى بتفششاوت الخلششق فيهششا بكششثرة المعلومششات وقلتهششا وبشششرف‬
‫المعلومات وخستها وبطريق تحصيلها إذ تحصششل لبعششض القلششوب بإلهششام إلهششي علششى سششبيل‬
‫المبادأة والمكاشفة ولبعضهم بتعلم واكتساب وقد يكون سريع الحصششول وقششد يكششون بطششئ‬
‫الحصول وفي هذا المقام تتباين منازل العلماء والحكماء والنبياء والولياء فدرجات الترقي‬
‫فيه غير محصورة إذ معلومات الله سبحانه ل نهايششة لهششا وأقصششى الرتششب رتبششة النششبي الششذي‬
‫تنكشف له كل الحقائق أو أكثرها من غير اكتساب وتكلف بكشف إلهششي فششي أسششرع وقششت‬
‫وبهذه السعادة يقرب العبد العبد من الله تعالى قربا بالمعنى والحقيقة والصفة ل بالمكششان‬
‫والمسافة ومراقي هذه الششدرجات هششي منششازل السششائرين إلششى اللششه تعششالى ول حصششر لتلششك‬
‫المنازل وإنما يعرف كل سالك منزله الذي بلغه في سلوكه فيعرفه ويعششرف مششا خلفششه مششن‬
‫المنزل فأما ما بين يديه فل يحيط بحقيقته علما لكن قد يصششدق بششه إيمانششا بششالغيب كمششا أنششا‬
‫نؤمن بالنبوة والنبي ونصدق بوجوده ولكن ل يعرف حقيقة النبششوة إل النششبي وكمششا ل يعششرف‬
‫الجنين حال الطفل ول الطفل حال المميز وما يفتح لششه مششن العلششوم الضششرورية ول المميششز‬
‫حال العاقل وما اكتسبه من العلوم النظرية فكذلك ل يعششرف العاقششل مششا افتتششح اللششه علششى‬
‫أوليائه وأنبيائه من مزايا لطفه ورحمته ما يفتح الله للناس من رحمة فل ممسك لها وهششذه‬
‫الرحمة مبذولة بحكم الجود والكرم من الله سششبحانه وتعششالى غيششر مضششنون بهششا علششى أحششد‬
‫ولكن إنما تظهر في القلوب المتعرضه لنفحات رحمة الله تعالى كما قال صلى اللششه عليششه‬
‫وسلم إن لربكم في أيام دهركم لنفحششات أل فتعرضششوا لهششا‪ 1‬والتعششرض لهششا بتطهيششر القلششب‬
‫وتزكيته من الخبث والكدورة الحاصلة من الخلق المذمومششة كمششا سششيأتي بيشانه وإلششى هشذا‬
‫الجود الشارة بقوله صلى الله عليه وسلم ينزل الله كل ليلة إلششى سششماء الششدنيافيقول هششل‬
‫من داع فأستجيب له وبقوله صلى الله عليه وسلم حكاية عن ربه عز وجل لقد طال شوق‬
‫البرار إلى لقائي وأنا إلى لقائهم أشد شوقا‪ 2‬وبقوله تعالى مششن تقششرب إلششي شششبرا تقربششت‬
‫إليه ذراعا‪ 3‬كل ذلك إشارة إلى أن أنوار العلوم لم تحتجب عن القلوب لبخل ومنع من جهة‬
‫المنعم تعالى عن البخل والمنع علوا كبيرا ولكن حجبششت لخبششث وكششدورة وشششغل مششن جهششة‬
‫القلوب فإن القلوب كالواني فما دامت ممتلئة بالماء ل يدخلها الهواء فشالقلوب المششغولة‬
‫بغير الله ل تدخلها المعرفة بحلل الله تعالى وإليه الشارة بقششوله صششلى اللششه عليششه وسششلم‬
‫لول أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظششروا إلششى ملكششوت السششماء‪ 4‬ومششن هششذه‬
‫الجملة يتبين أن خاصية النسان العلم والحكمة وأشرف أنواع العلم هو العلم بالله وصفاته‬

‫‪ 1‬حديث إن لربكم في أيام دهركم لنفحات الحديث متفق عليه من حديث أبي هريرة وأبي سعيد وقد تقدم‬
‫‪ 2‬حديث يقول الله عز وجل لقد طال شوق البرار إلى لقائي الحديث لم أجد له أصل إل أن صاحب‬
‫الفردوس خرجه من حديث أبي الدرداء ولم يذكر له ولده في مسند الفردوس إسنادا‬
‫‪ 3‬حديث يقول الله من تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا متفق عليه من حديث أبي هريرة‬
‫وأفعاله فبه كمشال النسشان وفشي كمشاله سشعادته وصشلحه لجشوار حضشرة الجلل والكمشال‬
‫فالبدن مركب للنفس والنفس محل للعلم والعلم هو مقصود النسان وخاصيته التي لجلششه‬
‫خلق وكما أن الفرس يشارك الحمار فششي قششوة الحمششل ويختششص عنششه بخاصششية الكششر والفششر‬
‫وحسن الهيئة فيكون الفرس مخلوقا لجل تلك الخاصية فإن تعطلت منه نزل إلى حضيض‬
‫رتبة الحمار وكذلك النسان يششارك الحمششار والفشرس فششي أمششور ويفارقهشا فشي أمشور هشي‬
‫خاصيته وتلك الخاصية من صفات الملئكة المقربين من رب العالمين والنسان علشى رتبششة‬
‫بين البهائم والملئكة فإن النسان من حيث يتغذى وينسل فنبات ومن حيث يحس ويتحرك‬
‫بالختيار فحيوان ومن حيث صورته وقامته فكالصورة المنقوشة على الحائط وإنما خاصيته‬
‫معرفة حقائق الشياء من استعمل جميع أعضائه وقواه على وجه الستعانة بها على العلششم‬
‫والعمل فقد تشبه بالملئكة فحقيق بأن يلحق بهم وجدير بأن يسمى ملكا وربانيا كما أخششبر‬
‫الله تعالى عن صواحبات يوسف عليه السلم بقششوله مششا هششذا بشششرا إن هششذا إل ملششك كريششم‬
‫ومن صرف همته إلى أتباع اللذات البدنية يأكل كما تأكل النعام فقششد انحششط إلششى حضششيض‬
‫أفق البهائم فيصير إما غمرا كثور وإما شرها كخنزير وإما ضربا ككلششب أو سششنور أو حقششودا‬
‫كجمل أو متكبرا كنمر أو ذا روغان كثعلب أو يجمع ذلك كله كشيطان مريد ومششا مششن عضششو‬
‫من العضاء ول حاسة من الحواس إل ويمكن الستعانة به على طريق الوصششول إلششى اللششه‬
‫تعالى كما سيأتي بيان طرف منه في كتاب الشكر فمن استعمله فيه فقد فششاز ومششن عششدل‬
‫عنه فقد خسر وخاب وجملة السعادة في ذلك أن يجعشل لقشاء اللشه تعشالى مقصششده والششدار‬
‫الخرة مستقره والدنيا منزله والبدن مركبه والعضاء خدمه فيستقر هو أعني المدرك مششن‬
‫النسان في القلب الذي هو وسط مملكتششه كالملششك ويجششري القششوة الخياليششة المودعششة فششي‬
‫مقدم الششدماغ مجششرى صششاحب بريششدة إذ تجتمششع أخبششار المحسوسششات عنششده ويجششري القششوة‬
‫الحافظة التي مسكنها مؤخر الدماغ مجرى خازنه ويجري اللسان مجشرى ترجمشانه ويجشري‬
‫العضاء المتحركة مجرى كتابه ويجري الحواس الخمس مجرى جواسيسه فيوكل كل واحد‬
‫منها بأخبار صقع من الصقاع فيوكل العين بعالم اللشوان والسشمع بعشالم الصشوات والششم‬
‫بعالم الروائح وكذلك سائرها فإنها أصحاب أخبار يلتقطونها من هذه العشوالم ويؤدونهششا إلشى‬
‫القوة الخيالية التي هي كصاحب البريد ويسلمها صاحب البريد إلى الخازن وهششي الحافظششة‬
‫ويعرضها الخازن على الملك فيقتبس الملك منها ما يحتاج إليه فششي تششدبير مملكتششه وإتمششام‬
‫سفره الذي هو بصدده وقمع عدوه الذي هو مبتلي به ودفع قواطع الطريق عليه فإذا فعششل‬
‫ذلك كان موفقا سعيدا شششاكرا نعمششة اللششه وإذا عطششل هششذه الجملششة أو اسششتعملها لكششن فششي‬
‫مراعاة أعدائه وهي الشهوة والغضب وسائر الحظوظ العاجلة أو فششي عمششارة طريقششه دون‬
‫منزله إذ الدنيا طريقه التي عليها عبوره ووطنه ومستقره الخرة كان مخذول شششقيا كششافرا‬
‫بنعمة الله تعالى مضيعا لجنود الله تعالى ناصرا لعششداء اللششه مخششذل لحششزب اللششه فيسششتحق‬
‫المقت والبعاد في المنقلب والمعاد نعوذ بالله من ذلك وإلششى المثششال الششذي ضششربناه أشششار‬
‫كعب الحبار حيث قال دخلت على عائشة رضي الله عنها فقلت النسان عيناه هششاد وأذنششاه‬
‫قمع ولسانه ترجمان ويداه جناحان ورجله بريد والقلب منه ملك‪ 1‬فإذا طاب الملك طششابت‬
‫جنوده فقالت هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وقال علي رضششي اللششه‬
‫عنه في تمثيل القلوب إن لله تعالى في أرضه آنية وهي القلوب فأحبهششا إليششه تعششالى أرقهششا‬
‫وأصفاها وأصلبها ثششم فسششره فقشال أصشلبها فشي الشدين وأصشفاها فششي اليقيشن وأرقهششا علشى‬
‫الخوان وهو إشارة إلى قوله تعالى أشداء على الكفار رحماء بينهم وقوله تعالى مثل نوره‬
‫كمشكاة فيها مصباح قال أبي بن كعب رضي الله عنه معناه مثل نور المؤمن وقلبه وقششوله‬
‫تعالى أو كظلمات في بحر لجي مثل قلب المنافق وقال زيد بن أسلم في قوله تعالى فششي‬

‫‪ 4‬حديث لول أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم الحديث أخرجه أحمد من حديث أبي هريرة بنحوه‬
‫وقد تقدم في الصيام‬
‫‪ 1‬حديث عائشة النسان عيناه هاد وأذناه قمع ولسانه ترجمان الحديث أخرجه أو نعيم في الطب النبوي‬
‫والطبراني في مسند الشاميين والبيهقي في الشعب من حديث أبي هريرة ونحوه وله ولحمد من حديث‬
‫أبي ذر وأما الذن فقمع وأما العين فمقرة لما يوعي القلب ول يصح منها شيء‬
‫لوح محفوظ وهو قلب المؤمن وقال سشهل مثشل القلشب والصشدر مثشل العشرش والكرسشي‬
‫فهذه أمثلة القلب‪.‬‬
‫بيان مجامع أوصاف القلب وأمثلته‬
‫اعلم أن النسان قد اصطحب في خلقته وتركيبه أربع شششوائب فلششذلك اجتمششع عليششه أربعششة‬
‫أنواع من الوصاف وهي الصفات السبعية والبهيمية والشششيطانية والربانيششة فهششو مششن حيششث‬
‫سلط عليه الغضب يتعششاطى أفعششال السششباع مششن العششداوة والبغضششاء والتهجششم علششى النششاس‬
‫بالضرب والششتم ومشن حيشث سشلطت عليشه الششهوة يتعشاطى أفعشال البهشائم مشن الششره‬
‫والحرص والشبق وغيره ومن حيث إنه في نفسه أمر رباني كما قال الله تعالى قل الششروح‬
‫من أمر ربي فإنه يدعي لنفسه الربوبية ويحب الستيلء والسششتعلء والتخصششص والسششتبداد‬
‫بالمور كلها والتفرد بالرياسة والنسلل عن ربقة العبودية والتواضع ويشتهي الطلع علششى‬
‫العلوم كلها بل يدعي لنفسه العلم والمعرفة والحاطة بحقائق المور ويفرح إذا نسب إلششى‬
‫العلم ويحزن إذا نسب إلى الجهل والحاطة بجميع الحقائق والسششتيلء بششالقهر علششى جميششع‬
‫الخلئق من أوصاف الربوبية وفي النسان حرص على ذلك ومن حيث يختششص مششن البهششائم‬
‫بالتمييز مع مشاركته لها في الغضب والشهوة حصلت فيه شيطانية فصار شريرا يسششتعمل‬
‫التمييز في استنباط وجوه الشر ويتوصل إلششى الغششراض بششالمكر والحيلششة والخششداع ويظهششر‬
‫الشر في معرض الخير وهذه أخلق الشياطين وكل إنسشان فيشه ششوب مشن هشذه الصشول‬
‫الربعة أعني الربانية والشيطانية والسبعية والبهيمية وكل ذلك مجمششوع فششي القلششب فكششأن‬
‫المجموع في إهاب النسان خنزير وكلب وشيطان وحكيم فششالخنزير هششو الشششهوة فششإنه لششم‬
‫يكن الخنزير مذموما للونه وشكله وصورته بل لجشعه وكلبه وحرصه والكلششب هششو الغضششب‬
‫فإن السبع الضاري والكلب العقور ليس كلبا وسبعا باعتبششار الصششورة واللششون والشششكل بششل‬
‫روح معنى السبعية الضراوة والعدوان والعقر وفي بشاطن النسششان ضششراوة السشبع وغضششبه‬
‫وحرص الخنزير وشبقه فالخنزير يدعو بالشره إلى الفحشاء والمنكر والسبع بالغضب إلششى‬
‫الظلم واليذاء والشيطان ل يزال يهيج شهوة الخنزير وغيظ السبع ويغششري أحششدهما بششالخر‬
‫ويحسن لهما ما هما مجبولن عليه والحكيم الشذي هشو مثشال العقشل مشأمور بشأن يشدفع كيشد‬
‫الشيطان ومكره بأن يكشف عششن تلبيسششه ببصششيرته النافششذة ونششوره المشششرق الواضششح وأن‬
‫يكسر شره هذا الخنزيششر بتسشليط الكلشب عليشه إذ بالغضشب يكسشر سشورة الششهوة ويشدفع‬
‫ضراوة الكلب بتسليط الخنزير عليه ويجعل الكلب مقهورا تحششت سياسششته فششإن فعششل ذلششك‬
‫وقدر عليه اعتدل المر وظهر العدل في مملكة البدن وجرى الكل على الصراط المستقيم‬
‫وإن عجز عن قهرها وقهروه واستخدموه فل يزال في استنباط الحيل وتدقيق الفكر ليشبع‬
‫الخنزير ويرضى الكلب فيكون دائما في عبادة كلب وخنزير وهششذا حششال أكششثر النششاس مهمششا‬
‫كان أكثر همتهم البطن والفرج ومنافسة العداء والعجب منه أنه ينكر على عبششدة الصششنام‬
‫عبادتهم للحجارة ولو كشف الغطاء عنه وكوشف بحقيقة حاله ومثل لششه حقيقششة حششاله كمششا‬
‫يمثل للمكاشفين إما في النوم أو في اليقظة لرأى نفسه ماثل بين يدي خنزيششر سششاجدا لششه‬
‫مرة وراكعا أخرى ومنتظرا لشارته وأمره فمهما هاج الخنزيششر لطلششب شششيء مششن شششهواته‬
‫انبعث على الفور في خدمته وإحضار شهوته أو رأى نفسه ماثل بين يدي كلب عقور عابششدا‬
‫له مطيعا سامعا لما يقتضيه ويلتمسه مدققا بششالفكر فششي حيششل الوصششول إلششى طششاعته وهششو‬
‫بششذلك سششاع فششي مسششرة شششيطانه فششإنه الششذي يهيششج الخنزيششر ويششثير الكلششب ويبعثهمششا علششى‬
‫استخدامه فهو من هذا الوجه يعبد الشيطان بعبادتهما فليراقب كل عبششد حركششاته وسششكناته‬
‫وسكوته ونطقه وقيامه وقعوده ولينظر بعين البصيرة فل يشرى إن أنصششف نفسششه إل سشاعيا‬
‫طول النهار في عبادة هؤلء وهذا غاية الظلم إذ جعل المالك مملوكا والرب مربوبا والسيد‬
‫عبدا والقاهر مقهروا إذ العقل هو المستحق للسيادة والقهر والستيلء وقد سششخره لخدمششة‬
‫هؤلء الثلثة فل جرم ينتشر إلى قلبه من طاعة هؤلء الثلثة صفات تتراكم عليه حتى يصير‬
‫طابعا ورينا مهلكا للقلب ومميتا له أما طاعشة خنزيشر الششهوة فتصشدر منهشا صشفة الوقاحشة‬
‫والخبث والتبششذير والتقششتير والريششاء والهتكششة والمجانششة والعبششث والحششرص والجشششع والملششق‬
‫والحسد والحقد والشماتة وغيرها وأما طاعة كلب الغضب فتنتشر منهششا إلششى القلششب صششفة‬
‫التهور والبذالة والبششذخ والصششلف والستشششاطة والتكششبر والعجششب والسششتهزاء والسششتخفاف‬
‫وتحقير الخلق وإرادة الشر وشهوة الظلم وغيرهششا وأمششا طاعششة الشششيطان بطاعششة الشششهوة‬
‫والغضب فيحصل منها صفة المكر والخداع والحيلة والدهاء والجراءة والتلبيس والتضششريب‬
‫والغش والخب والخنا وأمثالها ولو عكس المر وقهر الجميع تحت سياسششة الصششفة الربانيششة‬
‫لستقر في القلب من الصفات الربانية العلم والحكمة واليقين والحاطششة بحقششائق الشششياء‬
‫ومعرفة المور على ما هي عليه والستيلء علششى الكششل بقششوة العلششم والبصششيرة واسششتحقاق‬
‫التقدم على الخلق لكمال العلم وجلله ولستغنى عن عبادة الشهوة والغضب ولنتشر إليه‬
‫من ضبط خنزير الشهوة ورده إلى حد العتدال صفات شريفة مثل العفة والقناعة والهششدو‬
‫والزهد والورع والتقوى والنبسششاط وحسششن الهيئة والحيششاء والظششرف والمسششاعدة وأمثالهششا‬
‫ويحصل فيه من ضبط قوة الغضب وقهرها وردها إلى حد الواجب صفة الشششجاعة والكششرم‬
‫والنجدة وضبط النفس والصبر والحلم والحتمال والعفو والثبات والنبل والشششهامة والوقششار‬
‫وغيرها فالقلب في حكششم مششرآة قششد اكتنفتششه هششذه المششور المششؤثرة فيششه وهششذه الثششار علششى‬
‫التواصل واصلة إلى القلب أما الثار المحمودة التي ذكرناها فإنهششا تزيششد مششرآة القلششب جلء‬
‫وإشراقا ونورا وضياء حتى يتلل فيه جلية الحق وينكشف فيه حقيقششة المششر المطلششوب فششي‬
‫الدين وإلى مثل هذا القلب الشارة بقوله صلى اللششه عليششه وسششلم إذا أراد اللششه بعبششد خيششرا‬
‫جعل له واعظا من قلبه‪ 1‬وبقوله صلى الله عليه وسلم من كششان لششه مششن قلبششه واعششظ كششان‬
‫عليه من الله حافظ‪ 2‬وهذا القلب هو الذي يستقر فيه الذكر قال اللششه تعششالى أل بششذكر اللششه‬
‫تطمئن القلوب وأما الثار المذمومة فإنها مثل دخان مظلم يتصششاعد إلششى مششرآة القلششب ول‬
‫يزال يتراكم عليه مرة بعد أخرى إلى أن يسششود ويظلششم ويصششير بالكليششة محجوبششا عششن اللششه‬
‫تعالى وهو الطبع وهو الرين قال الله تعالى كل بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون وقال‬
‫عز وجل أن لو نشاء أصبناهم بذنبوهم ونطبع علششى قلششوبهم فهششم ل يسششمعون فربششط عششدم‬
‫السماع بالطبع بالذنوب كما ربط السماع بالتقوى فقال تعالى واتقوا الله واسششمعوا واتقششوا‬
‫الله ويعلمكم الله ومهما تراكمت الذنوب طبع على القلوب وعنششد ذلششك يعمششى القلششب عششن‬
‫إدراك الحق وصلح الدين ويستهين بأمر الخرة ويستعظم أمر الدنيا ويصششير مقصششور الهششم‬
‫عليها فإذا قرع سمعه أمر الخرة وما فيها من الخطار دخل من أذن وخششرج مششن أذن ولششم‬
‫يستقر في القلب ولم يحركه إلى التوبة والتدارك أولئك يئسوا من الخرة كما يئس الكفششار‬
‫من أصحاب القبور وهذا هو معنى اسوداد القلب بالذنوب كما نطق به القرآن والسنة قششال‬
‫ميمون بن مهران إذا أذنب العبد ذنبا نكت في قلبه نكتة سوداء فإذا هششو نششزع وتششاب صششقل‬
‫وإن عاد زيد فيها حتى يعلو قلبه فهو الران وقد قششال النششبي صششلى اللششه عليششه وسششلم قلششب‬
‫المؤمن أجرد فيه سراج يزهر وقلب الكافر أسود منكوس‪ 3‬فطاعششة اللششه سششبحانه بمخالفششة‬
‫الشهوات مصقلة للقلب ومعاصيه مسودات له فمن أقبل على المعاصي اسود قلبششه ومششن‬
‫أتبع السيئة الحسنة ومحا أثرها لم يظلم قلبه ولكن ينقص نوره كالمرآة التي يتنفششس فيهششا‬
‫ثم تمسح ويتنفس ثم تتمسح فإنها ل تخلو عششن كششدورة وقششد قششال صششلى اللششه عليششه وسششلم‬
‫القلوب أربعة قلب أجرد فيه سراج يزهر فذلك قلب المؤمن وقلشب أسشود منكشوس فشذلك‬
‫قلب الكافر وقلب أغلف مربوط على غلفه فذلك قلب المنافق وقلب مصششفح فيششه إيمششان‬
‫ونفاق‪ 4‬فمثل اليمان فيه كمثل البقلة يمدها الماء الطيب ومثل النفاق فيششه كمثششل القرحششة‬
‫يمدها القيح والصديد فأي المادتين غلبت عليه حكم له بها وفي رواية ذهبششت بششه قششال اللششه‬
‫تعالى إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فششإذا هششم مبصششرون فششأخبر أن‬
‫جلء القلب وإبصاره يحصل بالذكر وأنه ل يتمكن منه إل الششذين اتقششوا فششالتقوى بششاب الششذكر‬
‫والذكر باب الكشف والكشف باب الفوز الكبر وهو الفوز بلقاء الله تعالى‪.‬‬
‫‪ 1‬حديث إذا أراد الله بعبده خيرا جعل له واعظا من قلبه أخرجه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من‬
‫حديث أم سلمة وإسناده جيد‬
‫‪ 2‬حديث من كان له من قلبه واعظ كان عليه من الله حافظ لم أجد له أصل‬
‫‪ 3‬حديث قلب المؤمن أجرد فيه سراج يزهر الحديث أخرجه أحمد والطبراني في الصغير من حديث أبي‬
‫سعيد وهو بعض الحديث الذي يليه‬
‫‪ 4‬حديث القلوب أربعة قلب أجرد فيه سراج يزهر الحديث أخرجه أحمد والطبراني في الصغير من حديث أبي‬
‫سعيد الخدري وقد تقدم‬
‫بيان مثل القلب بالضافة إلى العلوم خاصة‬
‫اعلم أن محل العلشم هشو القلشب أعنشي اللطيفشة المشدبرة لجميشع الجشوارح وهشي المطاعشة‬
‫المخدومة من جميع العضاء وهي بالضافة إلى حقائق المعلومات كششالمرآة بالضششافة إلششى‬
‫صور المتلونات فكما أن للمتلون صورة ومثال تلك الصورة ينطبع في المشرآة ويحصشل بهشا‬
‫كذلك لكل معلوم حقيقة ولتلك الحقيقة صورة تنطبع في مرآة القلب وتتضح فيها وكمششا أن‬
‫المرآة غير وصور الشخاص غير وحصول مثالها في المششرآة غيششر فهششي ثلثششة أمششور فكششذلك‬
‫ههنا ثلثة أمور القلب وحقائق الشياء وحصول نفس الحقششائق فششي القلششب وحضششورها فيششه‬
‫فالعالم عبارة عن القلب الذي فيه يحل مثال حقائق الشياء والمعلششوم عبششارة عششن حقششائق‬
‫الشياء والعلم عبارة عن حصول المثال في المرآة وكمششا أن القبششض مثل يسششتدعي قابضششا‬
‫كاليد ومقبوضا كالسيف ووصول بين السيف واليد بحصول السيف في اليششد ويسششمى قبضششا‬
‫فكذلك وصول مثال المعلوم إلى القلب يسمى علما وقد كانت الحقيقششة موجششودة والقلششب‬
‫موجودا ولم يكن العلم حاصل لن العلشم عبششارة عششن وصشول الحقيقشة إلشى القلشب كمششا أن‬
‫السيف موجود واليد موجودة ولم يكن اسم القبض والخذ حاصل لعدم وقششوع السششيف فششي‬
‫اليد نعم القبض عبارة عن حصول السششيف بعينششه فششي اليششد والمعلششوم بعينششه ل يحصششل فششي‬
‫القلب فمششن علششم النشار لشم تحصششل عيشن النششار فشي قلبشه ولكشن الحاصشل حششدها وحقيقتهشا‬
‫المطابقة لصورتها فتمثيله بالمرآة أولى لن عين النسان ل تحصل في المرآة وإنما يحصل‬
‫مثال مطابق له وكذلك حصول مثال مطابق لحقيقة المعلوم في القلب يسمى علما وكمششا‬
‫أن المرآة ل تنكشف فيها الصورة لخمسة أمور أحدها نقصان صورتها كجوهر الحديششد قبششل‬
‫أن يدور ويشكل ويصقل والثاني لخنثه وصدئه وكدورته وإن كان تام الشكل والثالث لكونه‬
‫معدول به عن جهة الصورة إلى غيرها كما إذا كانت الصششورة وراء المششرآة والرابششع لحجششاب‬
‫مرسل بين المرآة والصورة والخامس للجهل بالجهششة الششتي فيهششا الصششورة المطلوبششة حششتى‬
‫يتعذر بسببه أن يحاذي بها شطر الصورة وجهتها فكذلك القلششب مششرآة مسششتعدة لن ينجلششي‬
‫فيها حقيقة الحق في المور كلها وإنما خلششت القلششوب عششن العلششوم الششتي خلششت عنهششا لهششذه‬
‫السباب الخمسة أولها نقصان في ذاته كقلب الصبي فإنه ل ينجلي له المعلومات لنقصششانه‬
‫والثاني لكدورة المعاصي والخبث الذي يتراكم على وجه القلب مششن كششثرة الشششهوات فششإن‬
‫ذلك يمنع صفاء القلب وجلءه فيمتنع ظهور الحق فيه لظلمته وتراكمه وإليه الشارة بقوله‬
‫صلى الله عليه وسلم من قارف ذنبا فششارقه عقششل ل يعششود إليششه أبششدا‪ 1‬أي حصششل فششي قلبششه‬
‫كدورة ل يزول أثرها إذ غايته أن يتبعششه بحسششنة يمحششوه بهششا فلششو جشاء بالحسششنة ولششم تتقششدم‬
‫السيئة لزداد ل محالة إشراق القلب فلما تقدمت السيئة سقطت فائدة الحسنة لكششن عششاد‬
‫القلب بها إلى ما كان قبل السيئة ولم يزدد بها نورا فهذا خسران مبين ونقصان ل حيلة لششه‬
‫فليست المرآة التي تتدنس ثم تمسح بالمصقلة كالتي تمسح بالمصقلة لزيششادة جلئهششا مششن‬
‫غير دنس سابق فالقبال على طاعة الله والعراض عن مقتضى الشهوات هشو الشذي يجلشو‬
‫القلب ويصفيه ولذلك قال الله تعالى والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سششبلنا وقششال صششلى اللششه‬
‫عليه وسلم من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم‪ 2‬الثالث أن يكششون معششدول بششه عششن‬
‫جهة الحقيقة المطلوبة فإن قلب المطيع الصالح وإن كان صافيا فإنه ليس يتضح فيه جليششة‬
‫الحق لنه ليس يطلب الحق وليس محاذيا بمرآته شطر المطلوب بل ربما يكون متسوعب‬
‫الهم بتفصيل الطاعات البدنية أو بتهيئة أسباب المعيشة ول يصرف فكره إلششى التأمششل فششي‬
‫حضرة الربوبية والحقائق الخفية اللهية فل ينكشف لششه إل مششا هششو متفكششر فيششه مششن دقششائق‬
‫آفات العمال وخفايا عيوب النفس إن كان متفكرا فيها أو مصالح المعيشة إن كان متفكرا‬
‫فيها وإذا كان تقييد الهم بالعمال وتفصيل الطاعات مانعشا عششن انكششاف جليششة الحشق فمشا‬
‫ظنك فيمن صرف الهم إلى الشهوات الدنيوية ولذاتها وعلئقها فكيف ل يمنع عششن الكشششف‬
‫الحقيقي الرابششع الحجششاب فشإن المطيششع القششاهر لشششهواته المتجششرد الفكششر فششي حقيقششة مششن‬

‫‪ 1‬حديث من قارف ذنبا فراقه عقل ل يعود إليه أبدا لم أر له أصل‬


‫‪ 2‬حديث من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم رواه أبو نعيم في الحلية من حديث أنس وقد تقدم في‬
‫العلم‬
‫الحقائق قد ل ينكشف له ذلك لكونه محجوبا عنه باعتقاد سبق إليه منذ الصششبا علششى سششبيل‬
‫التقليد والقبول بحسن الظن فإن ذلك يحول بينه وبين حقيقة الحق ويمنع من أن ينكشششف‬
‫فششي قلبششه خلف مششا تلقفششه مششن ظششاهر التقليششد وهششذا أيضششا حجششاب عظيششم بششه حجششب أكششثر‬
‫المتكلمين والمتعصبين للمششذاهب بششل أكششثر الصششالحين المتفكريششن فششي ملكششوت السششموات‬
‫والرض لنهم محجوبون باعتقششادات تقليديششة جمششدت فششي نفوسششهم ورسششخت فششي قلششوبهم‬
‫وصارت حجابا بينهم وبين درك الحقائق الخامس الجهل بالجهة التي يقع منها العثششور علششى‬
‫المطلوب فإن طالب العلم ليس يمكنه أن يحصل العلم بالمجهول إل بالتذكر للعلششوم الششتي‬
‫تناسب مطلوبه حتى إذا تذكرها ورتبها في نفسششه ترتيبششا مخصوصششا يعرفششه العلمششاء بطششرق‬
‫العتبار فعند ذلك يكون قد عثر على جهة المطلوب فتنجلي حقيقششة المطلششوب لقلبششه فششإن‬
‫العلوم المطلوبة التي ليست فطرية ل تقتنص إل بشبكة العلششوم الحاصششلة بششل كششل علششم ل‬
‫يحصل إل عن علمين سابقين يأتلفا ويزدوجان على وجه مخصوص فيحصل من ازدواجهمششا‬
‫علم ثالث على مثال ما يحصل النتشاج مشن ازدواج الفحشل والنشثى ثشم كمشا أن مشن أراد أن‬
‫يستنتج رمكة لم يمكنه ذلك من حمار وبعير وإنسان بششل مششن أصششل مخصششوص مششن الخيششل‬
‫الذكر والنثى وذلك إذا وقع بينهما ازدواج مخصوص فكذلك كل علم فله أصلن مخصوصان‬
‫وبينهما طريق في الزدواج يحصل من ازدواجهما العلم المستفاد المطلششوب فالجهششل بتلششك‬
‫الصول وبكيفية الزدواج هو المانع من العلم ومثششاله مششا ذكرنششاه مششن الجهششل بالجهششة الششتي‬
‫الصورة فيها بل مثاله أن يريد النسان أن يرى قفاه مثل بالمرآة فإنه إذا رفع المرآة بششإزاء‬
‫وجهه لم يكن قد حاذى بها شطر القفا فل يظهر فيها القفششا وإن رفعهششا وراء القفششا وحششاذاه‬
‫كان قد عدل بالمرآة عن عينه فل يرى المرآة ول صورة القفا فيها فيحتاج إلى مرآة أخششرى‬
‫ينصبها وراء القفا وهذه في مقابلتها بحيث يبصرها ويراعي مناسبة بين وضع المرآتين حتى‬
‫تنطبع صورة القفا في المرآة المحاذيششة للقفششا ثششم تنطبششع صششورة هششذه المششرآة فششي المششرآة‬
‫الخرى التي في مقابلة العين ثم تدرك العين صورة القفا فكذلك في اقتناص العلوم طرق‬
‫عجيبة فيها ازورارات وتحريفات أعجب ما ذكرناه في المرآة يعز علششى بسششيط الرض مششن‬
‫يهتدي إلى كيفية الحيلة في تلك الزورارات فهذه هي السباب المانعة للقلوب من معرفششة‬
‫حقائق المور وإل فكل قلب فهو بالفطرة صالح لمعرفة الحقشائق لنشه أمشر ربشاني ششريف‬
‫فارق سائر جواهر العالم بهذه الخاصية والشرف وإليه الشارة بقوله عز وجششل إنششا عرضششنا‬
‫المانة على السموات والرض والجبال فأبين أن يحملنهششا وأشششفقن منهششا وحملهششا النسششان‬
‫إشارة إلى أن له خاصية تميز بها عن السششموات والرض والجبششال بهششا صششار مطيقششا لحمششل‬
‫أمانة الله تعالى وتلك المانة هي المعرفة والتوحيد وقلب كل آدمي مستعد لحمششل المانششة‬
‫ومطيق لها في الصل ولكن يثبطه عن النهوض بأعبائها والوصششول إلششى تحقيقهششا السششباب‬
‫التي ذكرناها ولذلك قال صلى الله عليه وسلم كل مولود يولششد علششى الفطششرة وإنمششا أبششواه‬
‫يهودانه وينصرانه ويمجسانه‪ 1‬وقول رسول الله صلى الله عليششه وسششلم لششول أن الشششياطين‬
‫يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السماء‪ 2‬إشارة إلى بعششض هششذه السششباب‬
‫التي هي الحجاب بين القلوب وبين الملكوك وإليه الشارة بمششا روى عششن ابششن عمششر رضششى‬
‫الله عنهما قال قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله أيششن اللششه فششي الرض‬
‫أو في السماء قال في قلوب عباده المششؤمنين‪ 3‬وفششي الخششبر قششال اللششه تعششالى لششم يسششعني‬
‫أرضي ول سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن اللين الوادع‪ 4‬وفي الخبر أنه قيل يا رسششول‬
‫الله من خير الناس فقال كل مؤمن مخموم القلششب فقيششل ومششا مخمششوم القلششب فقششال هششو‬
‫التقي النقي الذي ل غش فيه ول بغي ول غدر ول غل ول حسششد‪ 5‬ولششذلك قششال عمششر رضششي‬
‫الله عنه رأى قلبي ربي إذ كان قد رفع الحجاب بالتقوى ومن ارتفع الحجاب بينه وبين اللششه‬
‫‪ 1‬حديث كل مولود يولد على الفطرة الحديث متفق عليه من حديث أبي هريرة‬
‫‪ 2‬حديث لول أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم الحديث تقدم‬
‫‪ 3‬حديث ابن عمر أين الله قال في قلوب عباده المؤمنين لم أجده بهذا اللفظ وللطبراني من حديث أبي عتبة‬
‫الخولني يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال إن لله آنية من أهل الرض وآنية ربكم قلوب عباده‬
‫الصالحين الحديث فيه بقية بن الوليد وهو مدلس لكنه صرح فيه بالتحديث‬
‫‪ 4‬حديث قال الله ما وسعني أرضي ول سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن اللين الوادع لم أر له أصل وفي‬
‫حديث أبي عتبة قبله عند الطبراني بعد قوله وآنية ربكم قلوب عباده الصالحين وأحبها إليه ألينها وأرقها‬
‫تجلى صورة الملك والملكوت في قلبششه فيششرى جنششة عششرض بعضششها السششموات والرض أمششا‬
‫جملتها فأكثر سعة من السموات والرض لن السششموات والرض عبششارة عششن عششالم الملششك‬
‫والشهادة وهو وإن كان واسع الطراف متباعد الكناف فهو متناه على الجملششة وأمششا عششالم‬
‫الملكوت وهي السرار الغائبة عن مشاهدة البصار المخصوصة بإدراك البصائر فل نهاية له‬
‫نعم الذي يلوح للقلب منه مقدار متناه ولكنه في نفسه وبالضافة إلى علم الله ل نهاية لششه‬
‫وجملة عالم الملك والملكوت إذا أخذت دفعة واحدة تسمى الحضرة الربوبية لن الحضششرة‬
‫الربوبية محيطة بكل الموجششودات إذ ليششس فششي الوجششود شششيء سششوى اللششه تعششالى وأفعششاله‬
‫ومملكته وعبيده من أفعاله فما يتجلى من ذلك للقلب هي الجنة بعينها عند قوم وهو سبب‬
‫استحقاق الجنة عند أهل الحق ويكون سعة ملكه في الجنة بحسب سعة معرفتششه وبمقششدار‬
‫ما تجلى له من الله وصفاته وأفعاله وإنمشا مشراد الطاعشات وأعمشال الجشوارح كلهشا تصشفية‬
‫القلب وتزكيته وجلؤه قد أفلح من زكاهشا ومشراد تزكيتشه حصشول أنشوار اليمشان فيشه أعنشي‬
‫إشراق نور المعرفة وهو المراد بقوله تعالى فمن يرد الله أن يهديه يشرح صششدره للسششلم‬
‫أفمن شرح الله صدره للسلم فهو على نور من ربه نعم هذا التجلي وهذا اليمان له ثلث‬
‫مراتب المرتبة الولى إيمان العوام وهو إيمان التقليششد المحششض والثانيششة إيمششان المتكلميششن‬
‫وهو ممزوج بنوع استدلل ودرجته قريبة من درجة إيمششان العششوام والثالثششة إيمششان العششارفين‬
‫وهو المشاهد بنور اليقين ونبين لك هذه المراتب بمثال وهو أن تصديقك بكون زيد مثل في‬
‫الدار له ثلث درجات الولى أن يخبرك من جربته بالصدق ولششم تعرفششه بالكششذب ول اتهمتششه‬
‫في القول فإن قلبك يسكن إليه ويطمئن بخبره بمجرد السماع وهذا اليمان بمجرد التقليد‬
‫وهو مثل إيمان العوام فإنهم لما بلغوا سن التمييز سمعوا من آبائهم وأمهششاتهم وجششود اللششه‬
‫تعالى وعلمه وإرادته وقدرته وسائر صششفاته وبعثششة الرسششل وصششدقهم ومششا جششاءوا بششه وكمششا‬
‫سمعوا به قبلوه وثبتوا عليه واطمأنوا إليه ولم يخطر ببششالهم خلف مششا قششالوه لهششم لحسششن‬
‫ظنهم بآبائهم وأمهاتهم ومعلميهم وهذا اليمان سبب النجششاة فششي الخششرة وأهلششه مششن أوائل‬
‫رتب أصحاب اليمين وليسوا من المقربين لنه ليس فيه كشف وبصيرة وانشراح صدر بنور‬
‫اليقين إذ الخطأ ممكن فيما سمع من الحاد بل من العداد فيما يتعلق بالعتقادات فقلوب‬
‫اليهود والنصارى أيضششا مطمئنششة بمششا يسششمعونه مششن آبششائهم وأمهششاتهم إل أنهششم اعتقششدوا مششا‬
‫اعتقدوا خطأ لنهم ألقى إليهم الخطأ والمسلمون اعتقدوا الحششق ل لطلعهششم عليششه ولكششن‬
‫ألقى إليهم كلمة الحق الرتبة الثانية أن تسمع كلم زيد وصوته من داخل الششدار ولكششن مششن‬
‫وراء جدار فتستدل به على كونه في الدار فيكون إيمانك وتصديقك ويقينك بكونه في الدار‬
‫أقوى من تصديقك بمجرد السماع فإنك إذا قيل لك إنه في الدار ثم سششمعت صششوته ازددت‬
‫به يقينا لن الصوات تدل على الشكل والصورة عند من يسمع الصوت في حشال مشششاهدة‬
‫الصورة فيحكم قلبه بأن هذا صوت ذلك الشخص وهذا إيمان ممشزوج بشدليل والخطششأ أيضشا‬
‫ممكن أن يتطرق إليه إذ الصوت قد يشبه الصوت وقد يمكن التكلششف بطريششق المحاكششاة إل‬
‫أن ذلك قد ل يخطر ببال السامع لنه ليس يجعل للتهمة موضعا ول يقدر في هششذا التلششبيس‬
‫والمحاكاة غرضششا الرتبششة الثالثششة أن تششدخل الششدار فتنظششر إليششه بعينششك وتشششاهده وهششذه هششي‬
‫المعرفششة الحقيقيششة والمشششاهدة اليقينيششة وهششي تشششبه معرفششة المقربيششن والصششديقين لنهششم‬
‫يؤمنون عن مشاهدة فينطوي في إيمانهم إيمان العوام والمتكلمين ويتميششزون بمزيششة بينششة‬
‫يستحيل معها إمكان الخطأ نعم وهم أيضا يتفاوتون بمقادير العلوم وبششدرجات الكشششف أمششا‬
‫درجات الكشف فمثاله أن يبصر زيشدا فشي الشدار عشن قشرب وفشي صشحن الشدار فشي وقشت‬
‫إشراق الشمس فيكمل له إدراكه والخر يدركه في بيششت أو مششن بعششد أو فششي وقششت عشششية‬
‫فيتمثل له في صورته ما يستيقن معه أنه هو ولكن ل يتمثششل فششي نفسششه الششدقائق والخفايششا‬
‫من صورته ومثل هذا متصور في تفاوت المشاهدة للمور اللهية وأما مقششادير العلششوم فهششو‬
‫بأن يرى في الدار زيدا وعمرا وبكرا غير ذلك وآخر ل يرى إل زيدا فمعرفة ذلك تزيد بكثرة‬
‫المعلومات ل محالة فهذا حال القلب بالضافة إلى العلوم والله تعالى أعلم بالصواب‪.‬‬

‫‪ 5‬حديث قيل من خير الناس قال كل مؤمن مخموم القلب الحديث أخرجه ابن ماجه من حديث عبد الله بن‬
‫عمر بإسناد صحيح‬
‫بيان حال القلب بالضافة إلى أقسام العلوم العقلية والدينية‬
‫والدنيوية والخروية‬
‫أعلم أن القلب بغريزته مستعد لقبول حقائق المعلومات كما سبق ولكن العلوم التي تحششل‬
‫فيه تنقسم إلى عقلية وإلى شرعية والعقلية تنقسم إلى ضرورية ومكتسبة والمكتسبة إلى‬
‫دنيوية وأخروية أما العقلية فنعني بها ما تقضي بها غريزة العقل ول توجد بالتقليد والسماع‬
‫وهي تنقسم إلششى ضششرورية ل يششدري مششن أيششن حصششلت وكيششف حصششلت كعلششم النسششان بششأن‬
‫الشخص الواحد ل يكون في مكانين والشيء الواحد ل يكون حادثا قششديما موجششودا معششدوما‬
‫معا فإن هذه علوم يجد النسان نفسه منذ الصبا مفطورا عليهششا ول يششدري مششتى حصششل لششه‬
‫هذا العلم ول من أين حصل له أعني أنه ل يدري له سببا قريبا وإل فليششس يخفششى عليششه أن‬
‫الله هو الذي خلقه وهداه وإلى علششوم مكتسششبة وهششي المسششتفادة بششالتعلم والسششتدلل وكل‬
‫القسمين قد يسمى عقل قال علي رضي الله عنه رأيت العقل عقليششن فمطبششوع ومسششموع‬
‫ول ينفع مسموع إذا لم يك مطبوع كمششا ل تنفششع الشششمس وضششوء العيششن ممنششوع والول هششو‬
‫المراد بقوله صلى الله عليه وسلم لعلي ما خلق الله خلقا أكرم عليه مششن العقل‪ 1‬والثششاني‬
‫هو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم لعلششى رضششي اللششه عنششه إذا تقششرب النششاس إلششى اللششه‬
‫تعالى بأنواع البر فتقرب أنششت بعقلك‪ 2‬إذ ل يمكششن التقششرب بششالغريزة الفطريششة ول بششالعلوم‬
‫الضرورية بل بالمكتسبة ولكن مثششل علششي رضششي اللششه عنششه هششو الششذي يقششدر علششى التقششرب‬
‫باستعمال العقل في اقتناص العلوم التي بها ينال القششرب مششن رب العششالمين فششالقلب جششار‬
‫مجرى العين وغريزة العقل فيه جارية مجرى قوة البصر في العيششن وقششوة البصششار لطيفششة‬
‫تفقد في العمى وتوجد في البصششر وإن كششان قششد غمششض عينيششه أو جششن عليششه الليششل والعلششم‬
‫الحاصل منه في القلب جار مجرى قششوة إدراك البصششر فششي العيششن ورؤيتششه لعيششان الشششياء‬
‫وتأخر العلوم عن عين العقل في مدة الصبا إلى أوان التمييز أو البلوغ يضاهي تأخر الرؤية‬
‫عن البصر إلى أوان إشراق الشمس وفيضان نورها علشى المبصشرات والقلشم الشذي سشطر‬
‫الله به العلوم على صفحات القلوب يجرى مجرى قرص الشمس وإنمششا لششم يحصششل العلششم‬
‫في قلب الصبي قبل التمييز لن لوح قلبه لم يتهيأ بعد لقبول نفس العلم والقلم عبارة عن‬
‫خلق من خلق الله تعالى جعله سببا لحصول نقش العلوم في قلوب البشر قال الله تعالى‬
‫الذي علم بالقلم علم النسان ما لم يعلم وقلم الله تعالى ل يشبه قلم خلقششه كمششا ل يشششبه‬
‫وصفه وصف خلقه فليس قلمه من قصب ول خشب كمششا أنششه تعششالى ليششس مششن جششوهر ول‬
‫عرض فالموازنة بين البصيرة الباطنة والبصر الظشاهر صشحيحة مشن هشذه الوجشوه إل أنشه ل‬
‫مناسبة بينهما فششي الشششرف فششإن البصششيرة الباطنششة هششي عيششن النفششس الششتي هششي اللطيفششة‬
‫المدركة وهي كالفارس والبدن كششالفرس وعمششى الفششارس أضششر علششى الفششارس مششن عمششى‬
‫الفرس بل ل نسبة لحد الضششررين إلششى الخششر ولموازنششة البصششيرة الباطنششة للبصششر الظششاهر‬
‫سماه الله تعالى باسمه فقال ما كذب الفؤاد ما رأى سمى إدراك الفؤاد رؤية وكذلك قوله‬
‫تعالى وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والرض وما أراد به الرؤية الظاهرة فإن ذلششك‬
‫غير مخصوص بإبراهيم عليه السلم حتى يعرض فششي معششرض المتنششان ولششذلك سششمى ضششد‬
‫إدراكه عمى فقال تعالى فإنها ل تعمى البصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور وقششال‬
‫تعالى ومن كان في هذه أعمى فهو في الخرة أعمى وأضل سبيل فهذا بيان العلم العقلششي‬
‫أما العلوم الدينية فهي المأخوذة بطريق التقليد مششن النبيششاء صششلوات اللششه عليهششم وسششلمه‬
‫وذلك يحصل بالتعلم لكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفهششم معانيهمششا‬
‫بعد السماع وبه كمال صفة القلب وسششلمته عششن الدواء والمششراض فششالعلوم العقليششة غيششر‬
‫كافية في سلمة القلب وإن كان محتاجا إليها كما أن العقل غير كاف فششي اسششتدامة صششحة‬
‫أسباب البدن بل يحتاج إلى معرفة خواص الدوية والعقاقير بطريق التعلششم مششن الطبششاء إذ‬

‫‪ 1‬حديث ما خلق الله خلقا أكرم عليه من العقل أخرجه الترمذي الحكيم في نوادر الصول بإسناد ضعيف وقد‬
‫تقدم في العلم‬
‫‪ 2‬حديث إذا تقرب الناس إلى الله بأنواع البر فتقرب أنت بعقلك أخرجه أبو نعيم من حديث علي بإسناد‬
‫ضعيف‬
‫مجرد العقل ل يهتدي إليه ولكن ل يمكن فهمه بعد سماعه إل بالعقل فل غنى بالعقششل عششن‬
‫السماع ول غنى بالسماع عن العقل فالداعي إلى محض التقليششد مششع عششزل العقششل بالكليششة‬
‫جاهل والمكتفي بمجرد العقل عن أنوار القرآن والسششنة مغششرور فإيششاك أن تكششون مششن أحششد‬
‫الفريقين وكن جامعا بين الصلين فإن العلوم العقلية كالغذية والعلششوم الشششرعية كالدويششة‬
‫والشخص المريض يستضر بالغذاء متى فاته الدواء فكذلك أمراض القلوب ل يمكر علجهششا‬
‫إل بالدوية المستفادة من الشريعة وهششي وظششائف العبششادات والعمششال الششتي ركبهششا النبيششاء‬
‫صلوات الله عليهم لصلح القلوب فمن ل يداوي قلبه المريض بمعالجات العبادة الشششرعية‬
‫واكتفى بالعلوم العقلية استضر بها كما يستضر المريض بالغذاء وظن من يظششن أن العلششوم‬
‫العقلية مناقضة للعلوم الشرعية وأن الجمع بينهما غير ممكن هو ظن صادر عن عمى فششي‬
‫عين البصيرة نعوذ بالله منه بل هذا القائل ربما يناقض عنده بعض العلوم الشششرعية لبعششض‬
‫فيعجز عن الجمع بينهما فيظن أنه تناقض في الدين فيتحير به فينسششل مششن الششدين انسششلل‬
‫الشعرة من العجين وإنما ذلك لن عجزه في نفسه خيل إليه نقضا في الدين وهيهات وإنما‬
‫مثاله مثال العمى الذي دخل دار قوم فتعششثر فيهششا بششأواني الششدار فقششال لهششم مششا بششال هششذه‬
‫الواني تركت على الطريق لم ل ترد إلى مواضعها فقششالوا لششه تلششك الوانششي فششي مواضششعها‬
‫وإنما أنت لست تهتدي للطريق لعماك فالعجب منك أنك ل تحيل عثرتك على عماك وإنمششا‬
‫تحيلها على تقصير غيرك فهذه نسبة العلوم الدينيششة إلششى العلششوم العقليششة والعلششوم العقليششة‬
‫تنقسم إلى دنيوية وأخروية فالدنيويششة كعلششم الطششب والحسششاب والهندسششة والنجششوم وسششائر‬
‫الحرف والصششناعات والخرويششة كعلششم أحششوال القلششب وآفششات العمششال والعلششم بششالله تعششالى‬
‫وبصفاته وأفعاله كما فصلناه في كتاب العلم وهما علمششان متنافيششان أعنششي أن مششن صششرف‬
‫عنايته إلى أحدهما حتى تعمق فيه قصرت بصيرته عن الخر على الكثر ولذلك ضرب علي‬
‫رضى الله عنه للدنيا والخرة ثلثة أمثلة فقال هما ككفششتي الميششزان وكالمشششرق والمغششرب‬
‫وكالضرتين إذا أرضيت إحداهما أسخطت الخرى ولذلك ترى الكياس في أمور الدنيا وفششي‬
‫علم الطب والحساب والهندسة والفلسفة جهششال فششي أمششور الخششرة والكيششاس فششي دقششائق‬
‫علوم الخرة جهال في أكثر علوم الدنيا لن قوة العقل ل تفي بالمرين جميعا فششي الغششالب‬
‫فيكون أحدهما مانعا من الكمال في الثاني ولذلك قال صلى الله عليه وسلم إن أكثر أهششل‬
‫الجنة البله‪ 1‬أي البله في أمور الدنيا وقال الحسن في بعض مواعظه لقد أدركنا أقوامششا لششو‬
‫رأيتموهم لقلتم مجانين ولو أدركوكم لقالوا شياطين فمهما سشمعت أمشرا غريبشا مشن أمشور‬
‫الدين جحده أهل الكياسة في سائر العلوم فل يغرنك جحودهم عششن قبششوله إذ مششن المحششال‬
‫أن يظفر سالك طريق المشرق بما يوجد في المغرب فكششذلك يجششري أمششر الششدنيا والخششرة‬
‫ولذلك قال تعالى إن الذين ل يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمششأنوا بهششا اليششة وقششال‬
‫تعالى يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الخرة هم غافلون وقال عز وجل فششأعرض‬
‫عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إل الحياة الدنيا ذلك مبلغهششم مششن العلششم فششالجمع بيششن كمششال‬
‫الستبصار في مصالح الدنيا والدين ل يكشاد يتيسشر إل لمشن رسشخه اللشه لتشدبير عبشاده فشي‬
‫معاشهم ومعادهم وهم النبياء المؤيدون بروح القدس المستمدون من القوة اللهيششة الششتي‬
‫تتسع لجميع المور ول تضيق عنها فأما قلوب سشائر الخلششق فإنهششا إذا اسششتقلت بششأمر الششدنيا‬
‫انصرفت عن الخرة وقصرت عن الستكمال فيها‪.‬‬
‫بيان الفرق بين اللهام والتعلم والفرق بين طريق الصوفية‬
‫في استكشاف الحق وطريق النظار‬
‫اعلم أن العلوم التي ليست ضرورية وإنما تحصل فششي القلششب فششي بعششض الحششوال تختلششف‬
‫الحال في حصولها فتارة تهجم على القلب كأنه ألقي فيه من حيث ل يدري وتارة تكتسششب‬
‫بطريق الستدلل والتعلم فالذي يحصل ل بطريق الكتسششاب وحيلششة الششدليل يسششمى إلهامششا‬
‫والذي يحصل بالستدلل يسمى اعتبارا واستبصارا ثم الواقع في القلشب بغيششر حيلششة وتعلششم‬
‫واجتهاد من العبد ينقسم إلى ما ل يدري العبد أنه كيف حصل له ومن أين حصششل وإلششى مششا‬
‫‪ 1‬حديث أكثر أهل الجنة البله أخرجه البزار من حديث أنس وضعفه وصححه القرطبي في التذكرة وليس‬
‫كذلك فقد قال ابن عدي أنه منكر‬
‫يطلع معه على السبب الذي منه استفاد ذلك العلم وهو مشاهدة الملك الملقى في القلب‬
‫والول يسمى إلهاما ونفثا في الروع والثاني يسمى وحيا وتختص به النبيششاء والول يختششص‬
‫به الولياء والصششفياء والششذي قبلششه وهششو المكتسششب بطريششق السششتدلل يختششص بششه العلمششاء‬
‫وحقيقة القول فيه أن القلب مستعد لن تنجلي فيه حقيقة الحششق فششي الشششياء كلهششا وإنمششا‬
‫حيل بينه وبينها بالسباب الخمسة التي سبق ذكرها فهششي كالحجششاب المسششدل الحششائل بيششن‬
‫مرآة القلب وبين اللوح المحفوظ الذي هو منقوش بجميع ما قضى الله به إلى يوم القيامة‬
‫وتجلى حقائق العلوم من مرآة اللوح في مرآة القلب يضاهي انطباع صورة من مششرآة فششي‬
‫مرآهتقابلها والحجاب بين المرآتين تششارة يششزال باليششد وأخششرى يششزول بهبششوب الريششاح تحركششه‬
‫وكذلك قد تهب رياح اللطاف وتنكشف الحجب عن أعين القلوب فينجلي فيها بعض ما هو‬
‫مسطور في اللوح المحفوظ ويكون ذلك تارة عند المنام فيعلم به ما يكون في المسششتقبل‬
‫وتمام ارتفاع الحجاب بالموت فبه ينكشف الغطاء وينكشف أيضا فشي اليقظشة حشتى يرتفشع‬
‫الحجاب بلطف خفي من الله تعالى فيلمع فششي القلششوب مششن وراء سششتر الغيششب شششيء مششن‬
‫غرائب العلم تارة كالبرق الخاطف وأخرى على التوالي إلى حد ما ودوامه في غاية النششدور‬
‫فلم يفارق اللهام الكتساب في نفس العلم ول في محله ول في سببه ولكششن يفششارقه مششن‬
‫جهة زوال الحجاب فإن ذلك ليس باختيار العبد ولم يفارق الششوحي اللهششام فششي شششيء مششن‬
‫ذلك بل في مشششاهدة الملششك المفيششد للعلششم فششإن العلششم إنمششا يحصششل فششي قلوبنششا بواسششطة‬
‫الملئكة وإليه الشارة بقوله تعالى وما كان لبشر أن يكلمه الله إل وحيا أو من وراء حجاب‬
‫أو يرسل رسول فيوحي بإذنه ما يشاء فإذا عرفت هذا فششاعلم أن ميششل أهششل التصششوف إلششى‬
‫العلوم اللهامية دون التعليمية فلذلك لم يحرصوا علششى دراسششة العلششم وتحصششيل مششا صششنفه‬
‫المصنفون والبحث عن القاويل والدلة المذكورة بل قالوا الطريق تقديم المجاهدة ومحششو‬
‫الصفات المذمومة وقطع العلئق كلها والقبال بكنه الهمة علششى اللششه تعششالى ومهمششا حصششل‬
‫ذلك كان الله هو المتولي لقلب عبده والمتكفل له بتنويره بأنوار العلم وإذا تولى اللششه أمششر‬
‫القلب فاضت عليه الرحمة وأشششرق النششور فشي القلششب وانششرح الصشدر وانكشششف لششه سشر‬
‫الملكوت وانقشع عن وجه القلب حجاب الغرة بلطف الرحمششة وتللت فيششه حقششائق المششور‬
‫اللهية فليس على العبد إل الستعداد بالتصفية المجردة وإحضار الهمة مع الرادة الصششادقة‬
‫والتعطش التام والترصد بدوام النتظار لما يفتحه الله تعالى من الرحمة فالنبياء والوليششاء‬
‫انكشف لهم المر وفاض علششى صششدورهم النششور ل بششالتعلم والدراسششة والكتابششة للكتششب بششل‬
‫بالزهد في الدنيا والتبري من علئقها وتفريغ القلب من شواغلها والقبال بكنه الهمششة علششى‬
‫الله تعالى فمن كان لله كان الله له وزعموا أن الطريق في ذلك أول بانقطاع علئق الششدنيا‬
‫بالكلية وتفريغ القلب منها وبقطع الهمششة عششن الهششل والمششال والولششد والششوطن وعششن العلششم‬
‫والولية والجاه بل يصير قلبه إلى حالة يستوي فيها وجود كل شيء وعدمه ثم يخلو بنفسه‬
‫في زواية مع القتصار على الفرائض والرواتب ويجلس فارغ القلب مجموع الهم ول يفششرق‬
‫فكره بقراءة قرآن ول بالتأمل في تفسير ول بكتب حديث ول غيره بل يجتهششد أن ل يخطششر‬
‫بباله شيء سوى الله تعالى فل يزال بعد جلوسه في الخلوة قششائل بلسششانه اللششه اللششه علششى‬
‫الدوام مع حضور القلب حتى ينتهي إلى حالة يترك تحريك اللسان ويرى كأن الكلمة جارية‬
‫على لسانه ثم يصبر عليه إلى أن يمحي أثره عن اللسان ويصادف قلبه مواظبا على الذكر‬
‫ثم يواظب عليه إلى أن يمحي عن القلب صورة اللفظ وحروفه وهيئة الكلمة ويبقى معنشى‬
‫الكلمة مجردا في قلبه حاضرا فيه كأنه لزم له ل يفارقه وله اختيار إلى أن ينتهي إلى هششذا‬
‫الحد واختيار في استدامة هذه الحالة بدفع الوسواس وليس له اختيار في استجلب رحمششة‬
‫الله تعالى بل هو بما فعله صار متعرضا لنفحات رحمة الله فل يبقى إل النتظششار لمششا يفتششح‬
‫الله من الرحمة كما فتحها على النبياء والولياء بهذه الطريق وعند ذلك إذا صدقت إرادتششه‬
‫وصفت همته وحسنت مواظبته فلم تجاذبه شهواته ولم يشغله حديث النفس بعلئق الششدنيا‬
‫تلمع لوامع الحق في قلبه ويكون في ابتدائه كالبرق الخاطف ل يثبت ثششم يعششود وقششد يتششأخر‬
‫وإن عاد فقد يثبت وقد يكون مختطفا وإن ثبت قد يطول ثباته وقششد ل يطششول وقششد يتظششاهر‬
‫أمثاله على التلحق وقد يقتصر على فن واحد ومنازل أولياء الله تعالى فيه ل تحصر كما ل‬
‫يحصى تفاوت خلقهم وأخلقهم وقد رجع هذا الطريق إلى تطهير محض من جانبك وتصفية‬
‫وجلء ثم استعداد وانتظار فقط وأما النظار وذوو العتبار فلششم ينكششروا وجششود هششذا الطريششق‬
‫وإمكانه وإفضائه إلى هذا المقصشد علشى النشدور فشإنه أكشثر أحشوال النبيشاء والوليشاء ولكشن‬
‫استوعروا هذا الطريق واسششتبطؤا ثمرتششه واسششتبعدوا اسششتجماع شششروطه وزعمششوا أن محششو‬
‫العلئق إلى ذلك الحد كالمتعششذر وإن حصششل فششي حششال فثبششاته أبعششد منششه إذ أدنششى وسششواس‬
‫وخاطر يشوش القلب وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قلب المؤمن أشد تقلبا مششن‬
‫القدر في غليانها‪ 1‬أخرجه أحمد والحاكم وقال عليه أفضل الصششلة والسششلم قلششب المششؤمن‬
‫بين أصبعين من أصابع الرحمن‪ 2‬وفي أثناء هذه المجاهدة قد يفسد المزاج ويختلششط العقششل‬
‫ويمرض البدن وإذا لم تتقدم رياضة النفس وتهذيبها بحقائق العلوم نشبت بششالقلب خيششالت‬
‫فاسدة تطمئن النفس إليها مدة طويلة إلى أن يزول وينقضي العمر قبل النجاح فيهششا فكشم‬
‫من صوفي سلك هذا الطريق ثم بقي في خيال واحد عشرين سنة ولو كان قد أتقن العلششم‬
‫من قبل لنفتح له وجه التبششاس ذلششك الخيششال فششي الحششال فالشششتغال بطريششق التعلششم أوثششق‬
‫وأقرب إلى الغرض وزعموا أن ذلك يضاهي ما لو ترك النسان تعلم الفقه وزعم أن النششبي‬
‫صلى الله عليه وسلم لم يتعلم ذلك وصار فقيها بالوحي واللهام من غير تكرير وتعليق وأنا‬
‫أيضا ربما انتهت بي الرياضة والمواظبة إليه ومن ظن ذلك فقد ظلششم نفسششه وضششيع عمششره‬
‫بل هو كمن يترك طريق الكسب والحراثششة رجشاء العثششور علشى كنششز مشن الكنشوز فشإن ذلشك‬
‫ممكن ولكنه بعيد جدا فكذلك هذا وقالوا ل بد أول من تحصيل ما حصششله العلمشاء وفهششم مشا‬
‫قالوه ثم ل بأس بعد ذلك بالنتظار لما لم ينكشف لسائر العلماء فعساه ينكشف بعششد ذلششك‬
‫بالمجاهدة‪.‬‬
‫بيان الفرق بين المقامين بمثال محسوس‬
‫اعلم أن عجائب القلب خارجة عششن مششدركات الحششواس لن القلششب أيضششا خششارج عششن إدراك‬
‫الحس وما لبس مدركا بالحواس تضعف الفهام عن دركه إل بمثال محسوس ونحن نقششرب‬
‫ذلك إلى الفهام الضعيفة بمثالين أحدهما أنه لو فرضنا حوضشا محفشورا فشي الرض احتمشل‬
‫أن يساق الماء من فوقه بأنهششار تفتششح فيششه ويحتمششل أن يحفششر أسششفل الحششوض ويرفششع منششه‬
‫التراب إلى أن يقرب من مستقر الماء الصافي فينفجر المششاء مششن أسشفل الحششوض ويكششون‬
‫ذلك الماء أصفى وأدوم وقد يكون أغزر وأكثر فذلك القلب مثل الحوض والعلم مثل المششاء‬
‫وتكون الحواس الخمس مثال النهار وقد يمكن أن تساق العلوم إلى القلب بواسطة أنهششار‬
‫الحواس والعتبار بالمشاهدات حششتى يمتليششء علمششا ويمكششن أن تسششد هششذه النهششار بششالخلوة‬
‫والعزلة وغض البصر ويعمد إلى عمششق القلششب بتطهيششره ورفششع طبقششات الحجششب عنششه حششتى‬
‫تنفجر ينابيع العلم من داخله فإن قلت فكيف يتفجر العلم من ذات القلششب وهششو خششال عنششه‬
‫فاعلم أن هذا من عجائب أسرارالقلب ول يسمح بذكره في علم المعاملة بل القششدر الششذي‬
‫يمكن ذكره أن حقششائق الشششياء مسششطورة فششي اللششوح المحفششوظ بششل فششي قلششوب الملئكششة‬
‫المقربين فكما أن المهندس يصور أبنية الدار في بياض ثم يخرجها إلى الوجود علششى وفششق‬
‫تلك النسخة فكذلك فاطر السموات والرض كتب نسخة العشالم مشن أولشه إلشى آخشره فشي‬
‫اللوح المحفوظ ثم أخرجه إلى الوجود علششى وفششق تلششك النسششخة والعششالم الششذي خششرج إلششى‬
‫الوجود بصورته تتأدى منه صورة أخرى إلى الحششس والخيششال فششإن مششن ينظششر إلششى السششماء‬
‫والرض ثم يغض بصره يرى صورة السماء والرض في خيششاله حششتى كششأنه ينظششر إليهششا ولششو‬
‫انعدمت السماء والرض وبقي هو في نفسه لوجد صورة السماء والرض فششي نفسششه كششأنه‬
‫يشاهدهما وينظر إليهما ثم يتأدى من خياله أثر إلى القلب فيحصل فيه حقائق الشياء التي‬
‫دخلششت فششي الحششس والخيششال والحاصششل فششي القلششب موافششق للعششالم الحاصششل فششي الخيششال‬
‫والحاصل في الخيال موافق للعالم الموجود فششي نفسششه خارجششا مششن خيششال النسششان وقلبششه‬
‫والعالم الموجود موافق للنسخة الموجودة في اللوح المحفوظ فكأن للعششالم أربششع درجششات‬
‫في الوجود وجود في اللوح المحفوظ وهو سشابق علششى وجشوده الجسشماني ويتبعششه وجششوده‬
‫‪ 1‬حديث قلب المؤمن أشد تقلبا من القدر في غليانها أخرجه أحمد والحاكم وصححه من حديث المقداد بن‬
‫السود‬
‫‪ 2‬حديث قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن عمر أخرجه‬
‫مسلم‬
‫الحقيقي ويتبع وجوده الحقيقي وجوده الخيالي أعني وجود صورته في الخيال ويتبع وجششوده‬
‫الخيالي وجوده العقلي أعنششي وجششود صششورته فششي القلششب وبعششض هششذه الوجششودات روحانيششة‬
‫وبعضها جسمانية والروحانية بعضها أشد روحانيششة مششن البعششض وهششذا اللطششف مششن الحكمششة‬
‫اللهية إذ جعل حدقتك على صغر حجمها بحيششث تنطبششع صششورة العششالم والسششموات والرض‬
‫على اتساع أكنافها فيها ثم يسري من وجودها في الحس وجود إلى الخيال ثششم منششه وجششود‬
‫في القلب فإنك أبدا ل تدرك إل ما هو واصل إليك فلو لم يجعل للعالم كله مثال فششي ذاتششك‬
‫لما كان لك خبر مما يباين ذاتك فسبحان من دبر هذه العجششائب فششي القلششوب والبصششار ثششم‬
‫أعمى عن دركها القلوب والبصار حتى صارت قلوب أكثر الخلق جاهلة بأنفسششها وبعجائبهششا‬
‫ولنرجع إلى الغرض المقصود فنقول القلب قد يتصور أن يحصل فيه حقيقة العالم وصورته‬
‫تارة من الحواس وتارة من اللوح المحفوظ كمششا أن العيشن يتصششور أن يحصششل فيهشا صشورة‬
‫الشمس تارة من النظر إليها وتشارة مشن النظشر إلشى المشاء الشذي يقابشل الششمس ويحكشي‬
‫صورتها فمهما ارتفع الحجاب بينه وبين اللوح المحفوظ رأى الشياء فيه وتفجر إليششه العلششم‬
‫منه فاستغنى عن القتباس من داخل الحواس فيكون ذلك كتفجر المششاء مششن عمششق الرض‬
‫ومهما أقبل على الخيالت الحاصلة من المحسوسات كان ذلك حجابا له عن مطالعة اللوح‬
‫المحفوظ كما أن الماء إذا اجتمع في النهار منع ذلك من التفجر فششي الرض وكمششا أن مششن‬
‫نظر إلى الماء الذي يحكي صورة الشمس ل يكون ناظرا إلى نفس الشمس فإذن للقلششب‬
‫بابان باب مفتوح إلى عالم الملكوت وهو اللوح المحفوظ وعالم الملئكة وباب مفتوح إلششى‬
‫الحواس الخمس المتمسكة بعالم الملك والششهادة وعشالم الششهادة والملشك أيضشا يحشاكي‬
‫عالم الملكوت نوعا من المحاكاة فأما انفتاح باب القلششب إلششى القتبششاس مششن الحششواس فل‬
‫يخفى عليك وأما انفتاح بابه الداخل إلى عالم الملكوت ومطالعة اللششوح المحفششوظ فتعلمششه‬
‫علما يقينيششا بالتأمششل فششي عجششائب الرؤيششا واطلع القلششب فششي النششوم علشى مشا سشيكون فششي‬
‫المستقبل أو كان في الماضي من غير اقتباس من جهة الحششواس وإنمششا ينفتششح ذلششك البشاب‬
‫لمن انفرد بذكر الله تعالى وقال صلى اللششه عليششه وسششلم سششبق المفششردون قيششل ومششن هششم‬
‫المفردون يا رسول الله قال المتنزهون بذكر الله تعالى وضع الذكر عنهم أوزارهم فششوردوا‬
‫القيامة خفافا ثم قال في وصفهم إخبارا عن الله تعالى فقال ثم أقبل بوجهي عليهم أتششرى‬
‫من واجهته بوجهي يعلم أحد أي شيء أريد أن أعطيه ثششم قششال تعششالى أول مششا أعطيهششم أن‬
‫أقذف النور في قلوبهم فيخبرون عنششي كمششا أخششبر عنهم‪ 1‬ومششدخل هششذه الخبششار هششو البششاب‬
‫الباطن فإذا الفرق بين علوم الولياء والنبياء وبيششن علششوم العلمششاء والحكمششاء هششذا وهششو أن‬
‫علومهم تأتي من داخل القلب من الباب المنفتح إلى عالم الملكشوت وعلشم الحكمشة يتشأتى‬
‫من أبواب الحواس المفتوحة إلى عالم الملك وعجششائب عششالم القلششب وتششردده بيششن عششالمي‬
‫الشهادة والغيب ل يمكن أن يستقصى في علششم المعاملششة فهششذا مثششال يعلمششك الفششرق بيششن‬
‫مدخل العالمين المثال الثاني يعرفك الفرق بين العملين أعني عمل العلماء وعمل الوليششاء‬
‫فإن العلماء يعملششون فششي اكتسششاب نفششس العلششوم واجتلبهششا إلششى القلششب وأوليششاء الصششوفية‬
‫يعملون في جلء القلوب وتطهيرها وتصشفيتها وتصشقيلها فقششط فقشد حكشى أن أهششل الصششين‬
‫وأهل الروم تباهوا بين يدي بعض الملوك بحسن صناعة النقش والصور فاستقر رأى الملك‬
‫على أن يسلم إليهم صفة لينقش أهل الصين منها جانبا وأهل الششروم جانبششا ويرخششي بينهمششا‬
‫حجاب يمنع اطلع كل فريق على الخر ففعل ذلك فجمع أهل الروم مششن الصششباغ الغريبششة‬
‫ما ل ينحصر ودخل أهل الصين من غير صبغ وأقبلششوا يجلششون جششانبهم ويصششقلونه فلمششا فششرغ‬
‫أهل الروم ادعى أهل الصين أنهم قد فرغوا أيضششا فعجششب الملششك مششن قششولهم وأنهششم كيششف‬
‫فرغوا من النقش من غير صبغ فقيل وكيف فرغتم من غير صبغ فقالوا مششا عليكششم ارفعششوا‬
‫الحجاب فرفعوا وإذا بجانبهم يتلل منه عجائب الصنائع الرومية مع زيادة إشششراق وبريششق إذ‬

‫‪ 1‬حديث سبق المفردون قيل ومن هم قال المستهترون بذكر الله الحديث أخرجه مسلم من حديث أبي‬
‫هريرة مقتصرا على أول الحديث وقال فيه وما المفردون قال الذاكرون الله كثيرا والذاكرات ورواه الحاكم‬
‫بلفظ قال الذين يستهترون بذكر الله وقال صحيح على شرط الشيخين وزاد فيه البيهقي في الشعب يضع‬
‫الذكر عنهم أثقالهم ويأتون يوم القيامة خفافا ورواه هكذا الطبراني في المعجم الكبير من حديث أبي‬
‫الدرداء دون الزيادة التي ذكرها المصنف في آخره وكلهما ضعيف‬
‫كان قد صار كالمرآة المجلوة لكثرة التصقيل فازداد حسن جانبهم بمزيد التصششقيل فكششذلك‬
‫عناية الوليششاء بتطهيششر القلششب وجلئه وتزكيتششه وصششفائه حششتى يتلل فيششه جليششة الحششق بنهايششة‬
‫الشراق كفعل أهل الصين وعناية الحكمششاء والعلمششاء بالكتسششاب ونقششش العلششوم وتحصششيل‬
‫نقشها في القلب كفعل أهل الروم فكيفما كان المر فقلب المؤمن ل يمششوت وعلمششه عنششد‬
‫الموت ل يمحى وصفاؤه ل يتكدر وإليه أشار الحسن رحمة الله عليه بقوله التراب ل يأكششل‬
‫محل اليمان بل يكون وسيلة وقربة إلى الله تعالى وأما مششا حصششله مششن نفششس العلششم ومششا‬
‫حصله من الصفاء والستعداد لقبول نفس العلم فل غنى به عنه ول سعادة لحششد إل بششالعلم‬
‫والمعرفة وبعض السعادات أشرف من بعض كما أنششه ل غنششى إل بالمششال فصششاحب الششدرهم‬
‫غني وصاحب الخزائن المترعششة غنششي وتفششاوت درجششات السششعداء بحسششب تفششاوت المعرفششة‬
‫واليمان كما تتفاوت درجات الغنياء بحسب قلة المال وكثرته فالمعششارف أنششوار ول يسششعى‬
‫المؤمنون إلى لقشاء اللششه تعششالى إل بششأنوارهم قششال اللششه تعشالى يسششعى نششورهم بيششن أيششديهم‬
‫وبأيمانهم وقد روي في الخبر إن بعضهم يعطي نورا مثل الجبل وبعضهم أصغر حتى يكششون‬
‫آخرهم رجل يعطي نورا على إبهام قدميه فيضيء مششرة وينطفيششء أخششرى فششإذا أضششاء قششدم‬
‫قدميه فمشى وإذا طفيء قام ومرورهم على الصراط على قششدر نششورهم فمنهششم مششن يمششر‬
‫كطرف العين ومنهم من يمر كالبرق ومنهم من يمر كالسحاب ومنششه مششن يمششر كانقضششاض‬
‫الكواكب ومنهم من يمر كالفرس إذا اشتد في ميدانه والذي أعطى نورا على إبهششام قششدمه‬
‫يحبوحبوا على وجهه ويديه ورجليه يجر يدا ويعلق أخرى ويصيب جوانبه النار فل يزال كذلك‬
‫حتى يخلص ‪1‬حديث صحيح على شرط الشيخين الحشديث فبهشذا يظهشر تفشاوت النشاس فشي‬
‫اليمان ولو وزن إيمان أبي بكر بإيمان العالمين سوى النبيين والمرسلين لرجح فهششذا أيضششا‬
‫يضاهي قول القائل لو وزن نور الشمس بنور السرج كلها لرجششح فإنمششا آحششاد العششوام نششوره‬
‫مثل نور السراج وبعضهم نوره كنور الشمع وإيمان الصششديقين نششوره كنششور القمششر والنجششوم‬
‫وإيمان النبياء كالشمس وكما ينكشف في نور الشمس صورة الفاق مششع اتسششاع أقطارهششا‬
‫ول ينكشف في نششور السششراج إل زوايششة ضششيقه مششن الششبيت فكششذلك تفششاوت انشششراح الصششدر‬
‫بالمعارف وانكشاف سعة الملكوت لقلوب العارفين ولذلك جاء فششي الخششبر أنششه يقششال يششوم‬
‫القيامة أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان ونصف مثقال وربع مثقششال‬
‫وشعيرة وذرة‪ 2‬كل ذلك تنبيه على تفاوت درجات اليمان وأن هذه المقادير مششن اليمششان ل‬
‫تمنع دخول النار وفي مفهومه أن من إيمانه يزيد على مثقال فإنه ل يدخل النار إذ لو دخششل‬
‫لمر بإخراجه أول وأن مششن فششي قلبششه مثقششال ذرة ل يسششتحق الخلششود فششي النششار وإن دخلهششا‬
‫‪3‬‬
‫وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم ليس شيء خيششرا مششن ألششف مثلششه إل النسششان المششؤمن‬
‫حسن إشارة إلى تفضيل قلب العارف بالله تعالى المشوقن فشإنه خيششر مششن ألشف قلششب مششن‬
‫العوام وقد قال تعالى وأنتم العلون إن كنتشم مشؤمنين تفضشيل للمششؤمنين علشى المسششلمين‬
‫والمراد به المؤمن العارف دون المقلد وقال عز وجل يرفع الله الذين آمنوا منكششم والششذين‬
‫أوتوا العلم درجات فأراد ههنا بالذين آمنوا الذين صدقوا من غير علششم وميزهششم عششن الششذين‬
‫أوتوا العلم ويدل ذلك على أن اسم المؤمن يقششع علششى المقلششد وإن لششم يكششن تصششديقه عششن‬
‫بصيرة وكشف وفسر ابن عباس رضي الله عنهما قوله تعالى والذين أوتششوا العلششم درجششات‬
‫فقال يرفع الله العالم فوق المششؤمن بسششبعمائة درجششة بيششن كششل درجششتين كمششا بيششن السششماء‬
‫والرض وقال صلى الله عليه وسلم أكثر أهششل الجنششة البلششه وعليششون لششذوي اللبششاب‪ 4‬وقششال‬
‫صلى الله عليه وسلم فضل العالم على العابد كفضلي على أدنى رجل من أصحابي‪ 5‬وفششي‬
‫رواية كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب فبهذه الشواهد يتضح لك تفاوت درجششات‬
‫‪ 1‬حديث إن بعضهم يعطي نورا مثل الجبل حتى يكون أصغرهم رجل يعطي نوره على إبهام قدمه الحديث‬
‫أخرجه الطبراني والحاكم من حديث ابن مسعود قال الحاكم صحيح على شرط الشيخين‬
‫‪ 2‬حديث يقال يوم القيامة أخرجوا من النار من في قلبه ربع مثقال من إيمان الحديث متفق عليه من حديث‬
‫أبي سعيد وليس فيه قوله ربع مثقال متفق عليه‬
‫‪ 3‬حديث ليس شيء خيرا من ألف مثله إل النسان أو المؤمن أخرجه الطبراني من حديث سلمان بلفظ‬
‫النسان ولحمد من حديث ابن عمر ل نعلم شيئا خيرا من مائة مثله إل الرجل المؤمن وإسنادهما حسن‬
‫إسناده‬
‫‪ 4‬حديث أكثر أهل الجنة البله وعليون لذوي اللباب تقدم دون هذه لزيادة ولم أجد لهذه الزيادة أصل‬
‫أهل الجنة بحسب تفاوت قلوبهم ومعارفهم ولهذا كان يوم القيامة يوم التغابن إذ المحروم‬
‫من رحمة الله عظيم الغبن والخسران والمحروم يرى فوق درجته درجات عظيمششة فيكششون‬
‫نظره إليها كنظششر الغنششي الششذي يملششك عشششرة دراهششم إلششى الغنششي الششذي يملششك الرض مششن‬
‫المشرق إلى المغرب وكل واحد منهما غني ولكن ما أعظم الفرق بينهما وما أعظم الغبششن‬
‫على من يخسر حظه من ذلك وللخرة أكبر درجات وأكبر تفضيل‪.‬‬
‫بيان شواهد الشرع على صحة طريق أهل التصوف في‬
‫اكتساب المعرفة ل من التعلم ول من الطريق المعتاد‬
‫أعلم أن من انكشف له شيء ولو الشيء اليسير بطريششق اللهششاموالوقوع فششي القلششب مششن‬
‫حيث ل يدري فقد صار عارفا بصحة الطريق ومن لم يدرك ذلك من نفسه قط فينبغششي أن‬
‫يؤمن بشه فششإن درجششة المعرفشة فيششه عزيشزة جششدا ويشششهد لشذلك ششواهد الشششرع والتجشارب‬
‫والحكايات أما الشواهد فقوله تعالى والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا فكل حكمششة تظهششر‬
‫من القلب بالمواظبة على العبادة من غير تعلم فهو بطريق الكشف واللهششام وقششال صششلى‬
‫الله عليه وسلم من عمل بما علم ورثششه اللششه علششم مششا لششم يعلششم ووفقششه فيمششا يعمششل حششتى‬
‫يستوجب الجنة ومن لم يعمل بما يعلم تاه فيما يعلم ولم يوفق فيما يعمل حششتى يسششتوجب‬
‫النار‪ 1‬وقال الله تعالى ومن يتق الله يجعل له مخرجا من الشششكالت والشششبه ويرزقششه مششن‬
‫حيث ل يحتسب يعلمه علما من غير تعلم ويفطنه من غير تجربة وقال اللششه تعششالى يششا أيهششا‬
‫الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا قيل نورا يفرق به بين الحق والباطل ويخرج بششه‬
‫من الشبهات ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يكثر في دعائه من سؤال النور فقال صلى‬
‫الله عليه وسلم اللهم أعطني نورا وزدني نورا واجعل لي في قلبي نورا وفششي قششبري نششورا‬
‫وفي سمعي نورا وفي بصري نورا حتى قال في شعري وفششي بشششري وفششي لحمششي ودمششي‬
‫وعظامي‪ 2‬وسئل صلى الله عليه وسلم عن قول الله تعالى أفمن شرح الله صدره للسلم‬
‫فهو على نور من ربه ما هذا الشرح فقال هو التوسششعة إن النششور إذا قششذف بششه فششي القلششب‬
‫اتسع له الصدر وانشرح‪ 3‬وقال صلى الله عليه وسلم لبن عبششاس اللهششم فقهششه فششي الششدين‬
‫وعلمه التأويل‪ 4‬وقال علي رضي الله عنه ما عندنا شيء أسره النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫إلينا إل أن يؤتي الله تعالى عبدا فهما في كتابه وليس هذا بالتعلم‪ 5‬وقيل في تفسششير قششوله‬
‫تعالى يؤتي الحكمة من يشاء إنه الفهم في كتاب الله وقال تعالى ففهمناها سششليمان خششص‬
‫ما انكشف باسم الفهم وكان أبو الدرداء يقول المؤمن من ينظر بنششور اللششه مششن وراء سششتر‬
‫رقيق والله إنه للحق يقذفه الله في قلوبهم ويجريه على ألسنتهم وقال بعض السلف ظششن‬
‫‪6‬‬
‫المؤمن كهانة وقال صلى الله عليه وسلم أتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله تعششالى‬
‫وإليه يشير قوله تعالى إن في ذلك ليات للمتوسمين وقششوله تعششالى قششد بينششا اليششات لقششوم‬
‫يوقنون وروى الحسن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنششه قششال العلششم علمششان فعلششم‬
‫باطن في القلب فذلك هو العلم النافع‪ 7‬وسئل بعض العلماء عن العلم الباطن ما هو فقششال‬
‫هو سر من أسرار الله تعالى يقذفه الله تعالى في قلشوب أحبشابه لشم يطلشع عليشه ملكشا ول‬
‫بشرا وقد قال صلى الله عليه وسلم إن من أمشتي محشدثين ومعلميشن ومكلميشن وإن عمشر‬

‫‪ 5‬حديث فضل العالم على العابد كفضلي على أدنى رجل من أصحابي أخرجه الترمذي من حديث أبي أمامة‬
‫وصححه وقد تقدم في العلم وكذلك الرواية الثانية أخرجه الترمذي‬
‫‪ 1‬حديث من عمل بما علم الحديث تقدم في العلم دون قوله ووفقه فيما يعمل فلم أرها‬
‫‪ 2‬حديث اللهم أعطني نورا وزدني نورا الحديث متفق عليه من حديث ابن عباس متفق عليه‬
‫‪ 3‬حديث سئل عن قوله تعالى أفمن شرح الله صدر للسلم الحديث وفي المستدرك من حديث ابن مسعود‬
‫وقد تقدم في العلم‬
‫‪ 4‬متفق عليه حديث اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل قاله لبن عباس متفق عليه من حديث ابن عباس‬
‫دون قوله وعلمه التأويل فأخرجه بهذه الزيادة أحمد وابن حبان والحاكم وصححه وقد تقدم في العلم‬
‫‪ 5‬حديث علي ما عندنا شيء أسره إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم إل أن يؤتي الله عبدا فهما في‬
‫كتابه تقدم في آداب تلوة القرآن‬
‫‪ 6‬حديث أتقوا فراسة المؤمن الحديث أخرجه الترمذي من حديث أبي سعيد وقد تقدم أخرجه الترمذي‬
‫‪ 7‬حديث العلم علمان الحديث تقدم في العلم‬
‫منهم‪ 8‬وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما وما أرسلنا من قبلك من رسول ول نبي ول محدث‬
‫يعني الصديقين والمحدث هو الملهم والملهم هو الذي انكشف له في باطن قلبه من جهششة‬
‫الداخل ل مششن جهششة المحسوسششات الخارجششة والقششرآن مصششرح بششأن التقششوى مفتششاح الهدايششة‬
‫والكشف وذلك علم من غير تعلم وقال الله تعالى ومششا خلششق اللششه فششي السششموات والرض‬
‫ليات لقوم يتقون خصصها بهم وقال تعالى هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين وكششان‬
‫أبو يزيد وغيره يقول ليس العالم الذي يحفظ من كتاب فإذا نسي ما حفظه صار جاهل إنما‬
‫العالم الذي يأخذ علمه من ربه أي وقت ششاء بل حفششظ ول درس وهششذا هششو العلشم الربششاني‬
‫وإليه الشارة بقوله تعالى وعلمناه من لدنا علما مع أن كششل علششم مششن لششدنه ولكششن بعضششها‬
‫بوسائط تعليم الخلق فل يسمى ذلك علما لدنيا بل اللدني الذي ينفتح في سششر القلششب مششن‬
‫غير سبب مألوف من خارج فهذه شواهد النقل ولو جمع كل ما ورد فيه من اليات والخبار‬
‫والثار لخرج عن الحصر وأما مشاهدة ذلك بالتجارب فذلك أيضا خارج عششن الحصششر وظهششر‬
‫ذلك على الصحابة والتابعين ومن بعدهم وقال أبششو بكششر الصششديق رضششي اللششه عنششه لعائشششة‬
‫رضي الله عنها عند موته إنما هما أخواك وأختاك وكانت زوجته حامل فولدت بنتا فكان قششد‬
‫عرف قبل الولدة أنها بنت وقال عمر رضي اللششه عنششه فششي أثنششاء خطبتشه يشا سشارية الجبششل‬
‫الجبل إذ انكشف له أن العدو قد أشرف عليه فحذره لمعرفته ذلك ثم بلوغ صوته إليه مششن‬
‫جملة الكرامات العظيمة وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال دخلت على عثمان رضششي‬
‫الله عنه وكنت قد لقيت امرأة في طريقي فنظششرت إليهششا شششزرا وتششأملت محاسششنها فقششال‬
‫عثمان رضي الله عنه لما دخلت يدخل علي أحدكم وأثر الزنا ظاهر على عينيه أمششا علمششت‬
‫أن زنا العينين النظر لتتوبن أولعزرنك فقلت أوحي بعد النبي فقال ل ولكن بصيرة وبرهان‬
‫وفراسة صادقة وعن أبي سعيد الخراز قششال دخلششت المسششجد الحششرام فرأيششت فقيششرا عليششه‬
‫خرقتان فقلت في نفسي هذا وأشباهه كل على الناس فناداني وقششال واللششه يعلششم مششا فششي‬
‫أنفسكم فاحذروه فاستغفرت الله في سري فناداني وقال وهو الذي يقبل التوبة عن عباده‬
‫ثم غاب عني ولم أره وقال زكريا بن داود دخل أبو العباس بن مسروق علششى أبششي الفضششل‬
‫الهاشمي وهو عليل وكان ذا عيال ولم يعرف له سبب يعيش به قال فلما قمششت قلششت فششي‬
‫نفسي من أين يأكل هذا الرجل قال فصاح بي يا أبا العباس رد هذه الهمة الدنيششة فششإن للششه‬
‫تعالى ألطافا خفية وقال أحمد النقيب دخلت على الشبلي فقال مفتونا يا أحمششد فقلششت مششا‬
‫الخبر قال كنت جالسا فجرى بخاطري أنك بخيل فقلششت مششا أنششا بخيششل فعششاد منششي خششاطري‬
‫وقال بل أنت بخيل فقلت ما فتح اليوم على بشيء إل دفعتششه إلششى أول فقيششر يلقششاني قششال‬
‫فما استتم الخاطر حتى دخل علششى صششاحب لمششؤنس الخششادم ومعششه خمسششون دينششارا فقششال‬
‫اجعلها في مصالحك قال وقمت فأخذتها وخرجت وإذا بفقير مكفوف بين يدي مزين يحلششق‬
‫رأسه فتقدمت إليه وناولته الدنانير فقال أعطها المزين فقلت إن جملتها كذا وكششذا قششال أو‬
‫ليس قد قلنا لك إنك بخيل قال فناولتها المزيششن فقششال المزيششن قششد عقششدنا لمششا جلششس هششذا‬
‫الفقير بين أيدينا أن ل نأخذ عليه أجرا قال فرميت بها فشي دجلشة وقلشت مشا أعشزك أحشد إل‬
‫أذله الله عز وجل وقال حمزة بن عبد الله العلوي دخلت على أبي الخير النيناني وأعتقدت‬
‫في نفسي أن أسلم عليه ول آكل في داره طعاما فلما خرجت من عنده إذا به قششد لحقنششي‬
‫وقد حمل طبقا فيه طعام وقال يا فتى كل فقششد خرجششت السششاعة مششن اعتقششادك وكششان أبششو‬
‫الخير النيناني هذا مشهورا بالكرامات وقال إبراهيم الرقي قصدته مسششلما عليششه فحضششرت‬
‫صلة المغرب فلم يكد يقرأ الفاتحة مستويا فقلت في نفسي ضششاعت سششفرتي فلمششا سششلم‬
‫خرجت إلى الطهارة فقصدني سبع فعدت إلى أبي الخير وقلت قصدني سبع فخرج وصششاح‬
‫به وقال ألم أقل لك ل تتعششرض لضششيفاني فتنحششى السششد فتطهششرت فلمششا رجعششت قششال لششي‬
‫اشتغلتم بتقويم الظاهر فخفتم السد وأشتغلنا بتقويم البواطن فخافنا السد وما حكى مششن‬
‫تفرس المشايخ وإخبارهم عن اعتقادات الناس وضمائرهم يخرج عن الحصر بششل مششا حكششى‬
‫عنهم من مشاهدة الخضر عليه السلم والسؤال منه ومن سماع صوت الهاتف ومن فنششون‬
‫‪ 8‬أخرجه البخاري ومسلم حديث إن من أمتي محدثين ومكلمين وأن عمر منهم أخرجه البخاري من حديث‬
‫أبي هريرة لقد كان فيما قبلكم من المم محدثون فإن يك في أمتي أحد فإنه عمر ورواه مسلم من حديث‬
‫عائشة‬
‫الكرامات خارج عن الحصر والحكاية ل تنفع الجاحد ما لم يشاهد ذلك من نفسه ومن أنكششر‬
‫الصل أنكر التفصيل والدليل القاطع الذي ل يقدر أحد على جحده أمششران أحششدهما عجششائب‬
‫الرؤيا الصادقة فإنه ينكششف بهشا الغيششب وإذا جششاز ذلشك فشي النششوم فل يسشتحيل أيضشا فشي‬
‫اليقظة فلم يفارق النوم اليقظة إل في ركود الحواس وعدم اشتغالها بالمحسوسششات فكششم‬
‫من مستيقظ غائص ل يسمع ول يبصر لشتغاله بنفسه والثاني إخبار رسول الله صلى اللششه‬
‫عليه وسلم عن الغيب وأمور في المستقبل كما اشتمل عليه القرآن وإذا جششاز ذلششك للنششبي‬
‫صلى الله عليه وسلم جاز لغيره إذ النبي عبارة عن شخص كوشف بحقائق المششور وشششغل‬
‫بإصلح الخلق فل يسششتحيل أن يكششون فششي الوجششود شششخص مكاشششف بالحقششائق ول يشششتغل‬
‫بإصلح الخلق وهذا ل يسمى نبيا بل يسمى وليا فمن آمن بالنبياء وصدق بالرؤيا الصششحيحة‬
‫لزمه ل محالة أن يقر بأن القلب له بابان باب إلى خارج وهو الحواس وباب إلشى الملكشوت‬
‫من داخل القلب وهو باب اللهام والنفث في الروع والوحي فإذا أقربهما جميعا لششم يمكنششه‬
‫أن يحصر العلوم في التعلم ومباشرة السباب المألوفة بل يجوز أن تكون المجاهدة سبيل‬
‫إليه فهذا ما ينبه على حقيقة ما ذكرناه من عجيب تردد القلب بيششن عششالم الشششهادة وعششالم‬
‫الملكوت وأما السبب في انكشاف المر في المنام بالمثششال المحششوج إلششى التعششبير وكششذلك‬
‫تمثل الملئكة للنبياء والولياء بصور مختلفة فذلك أيضا من أسرار عجائب القلب ول يليششق‬
‫ذلك إل بعلم المكاشفة فلنقتصر علششى مششا ذكرنششاه فششإنه كششاف للسششتحثاث علششى المجاهششدة‬
‫وطلب الكشف منها فقد قال بعض المكاشفين ظهر لي الملك فسششألني أملششي عليششه شششيئا‬
‫من ذكرى الخفي عن مشاهدتي من التوحيد وقال ما نكتب لك عمل ونحن نحششب أن نصششعد‬
‫لك بعمل تتقرب بششه إلششى اللششه عششز وجششل فقلششت ألسششتما تكتبششان الفششرائض قششال بلششى قلششت‬
‫فيكفيكما ذلك وهذه إشارة إلى أن الكرام الكششاتبين ل يطلعششون علششى أسششرار القلششب وإنمششا‬
‫يطلعون على العمال الظاهرة وقال بعض العارفين سألت بعض البششدال عششن مسششألة مششن‬
‫مشاهدة اليقين فالتفت إلى شماله فقال ما تقول رحمك الله ثم التفت إلى يمينه فقال ما‬
‫تقول رحمك الله ثم أطرق إلى صدره وقال ما تقول رحمك الله ثششم أجششاب بششأغرب جششواب‬
‫سمعته فسألته عن التفاته فقال لم يكن عندي في المسألة جششواب عتيششد فسششألت صششاحب‬
‫الشمال فقال ل أدري فسألت صاحب اليمين وهشو أعلششم منشه فقششال ل أدري فنظششرت إلششى‬
‫قلبي وسألته فحدثني بما أجبتك فإذا هو أعلم منهما وكأن هذا هششو معنششى قششوله صششلى اللششه‬
‫عليه وسلم أن في أمتي محدثين وإن عمر منهم وفي الثر إن الله تعششالى يقششول أيمششا عبششد‬
‫اطلعت على قلبشه فرأيششت الغشالب عليشه التمسشك بشذكري تشوليت سياسشته وكنشت جليسشه‬
‫ومحادثه وأنيسه وقال أبو سليمان الداراني رحمة الله عليه القلب بمنزلة القبشة المضشروبة‬
‫حولها أبواب مغلقة فأي باب فتح له عمل فيه فقد ظهر انفتاح باب من أبواب القلششب إلششى‬
‫جهة الملكوت والمل العلى وينفتح ذلك الباب بالمجاهدة والششورع والعششراض عششن شششهوات‬
‫الدنيا ولذلك كتب عمر رضي الله عنه إلى أمراء الجناد احفظوا ما تسمعون من المطيعين‬
‫فإنهم ينجلي لهم أمور صادقة وقال بعض العلماء يد الله على أفواه الحكماء ل ينطقون إل‬
‫بما هيأ الله لهم من الحق وقال آخر لو شئت لقلت إن اللششه تعششالى يطلششع الخاشششعين علششى‬
‫بعض سره‪.‬‬
‫بيان تسلط الشيطان على القلب بالوساوس ومعنى‬
‫الوسوسة وسبب غلبتها‬
‫اعلم أن القلب كما ذكرناه مثل قبة مضروبة لها أبواب تنصب إليششه الحششوال مششن كششل بششاب‬
‫ومثاله أيضا مثال هدف تنصب إليه السهام من الجوانب أو هشو مثشال مشرآة منصششوبة تجتششاز‬
‫عليها أصناف الصور المختلفة فتتراءى فيها صورة بعد صورة ول تخلو عنها أو مثششال حششوض‬
‫تنصب فيه مياه مختلفة من أنهار مفتوحة إليه وإنما مداخل هذه الثار المتجددة في القلششب‬
‫في كل حال أما من الظاهر فالحواس الخمس وأما من الباطن فالخيال والشهوة والغضب‬
‫والخلق المركبة من مزاج النسان فإنه إذا أدرك بالحواس شيئا حصل منه أثر في القلششب‬
‫وكذلك إذا هاجت الشهوة مثل بسبب كثرة الكل وبسبب قوة في المزاج حصششل منهششا فششي‬
‫القلب أثر وإن كف عن الحساس فالخيالت الحاصلة في النفس تبقى وينتقل الخيششال مششن‬
‫شيء إلى شيء وبحسب انتقال الخيال ينتقل القلب من حال إلى حال آخششر والمقصششود أن‬
‫القلب في التغير والتأثر دائمشا مشن هشذه السشباب وأخشص الثشار الحاصشلة فشي القلشب هشو‬
‫الخواطر وأعني بالخواطر ما يحصل فيه من الفكار والذكار وأعني به إدراكاته علومششا إمششا‬
‫على سبيل التجدد وإما على سبيل التذكر فإنها تسمى خواطر من حيث إنها تخطر بعششد أن‬
‫كان القلب غافل عنها والخواطر هي المحركششات للرادات فششإن النيششة والعششزم والرادة إنمششا‬
‫تكون بعد خطور المنوى بالبال ل محالة فمبدأ الفعال الخواطر ثششم الخششاطر يحشرك الرغبششة‬
‫والرغبة تحرك العزم والعزم يحرك النية والنية تحرك العضاء والخشواطر المحركشة للرغبشة‬
‫تنقسم إلى ما يدعو إلى الشر أعني إلى ما يضر في العاقبة وإلى ما يدعو إلى الخير أعني‬
‫إلى مششا ينفششع فششي الششدار الخششرة فهمششا خششاطران مختلفششان فششافتقرا إلششى اسششمين مختلفيششن‬
‫فالخاطر المحمود يسمى إلهاما والخاطر المذموم أعني الداعي إلى الشر يسمى وسواسا‬
‫ثم إنك تعلم أن هذه الخواطر حادثة ثم إن كل حادث فل بد له من محدث ومهمششا اختلفششت‬
‫الحوادث دل ذلك على اختلف السباب هششذا مششا عششرف مششن سششنة اللششه تعششالى فششي ترتيششب‬
‫المسببات على السباب فمهما استنارت حيطشان الشبيت بنشور النشار وأظلشم سشقفه واسشود‬
‫بالدخان علمت أن سبب السواد غير سبب الستنارة وكذلك لنوار القلششب وظلمتششه سششببان‬
‫مختلفان فسبب الخاطر الداعي إلى الخير يسمى ملكا وسبب الخاطر الششداعي إلششى الشششر‬
‫يسمى شيطانا واللطف الذي يتهيأ به القلب لقبول إلهششام الخيششر يسششمى توفيقششا والششذي بششه‬
‫يتهيأ لقبول وسواس الشيطان يسششمى إغششواء وخششذلنا فششإن المعششاني المختلفششة تفتقششر إلششى‬
‫أسامي مختلفة والملك عبارة عن خلق خلقه الله تعالى شأنه إفاضششة الخيششر وإفششادة العلششم‬
‫وكشف الحق والوعد بالخير والمر بالمعروف وقد خلقه وسششخره لششذلك والشششيطان عبششارة‬
‫عن خلق شأنه ضد ذلك وهو الوعد بالشششر والمششر بالفحشششاء والتخويششف عنششد الهششم بششالخير‬
‫بالفقر فالوسوسة في مقابلة اللهام والشيطان فششي مقابلششة الملششك والتوفيششق فششي مقابلششة‬
‫الخذلن وإليه الشارة بقوله تعالى ومششن كششل شششيء خلقنششا زوجيششن فششإن الموجششودات كلهششا‬
‫متقابلة مزدوجة إل الله تعالى فإنه فرد ل مقابل لشه بشل هشو الواحششد الحشق الخشالق للزواج‬
‫كلها فالقلب متجاذب بين الشيطان والملك وقد قششال صششلى اللششه عليششه وسششلم فششي القلششب‬
‫لمتان لمة من الملك إيعاد بششالخير وتصششديق بششالحق فمششن وجششد ذلششك فليعلششم أنششه مششن اللششه‬
‫سبحانه وليحمد الله ولمة من العدو إيعاد بالشر وتكذيب بالحق ونهي عن الخير فمن وجششد‬
‫ذلك فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم ثم تل قوله تعالى الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم‬
‫بالفحشاء‪ 1‬الية وقال الحسن إنما هما همان يجولن في القلب هم من الله تعالى وهم من‬
‫العدو فرحم الله عبدا وقف عند همه فما كان من الله تعالى أمضششاه ومششا كششان مششن عششدوه‬
‫جاهده ولتجاذب القلب بين هذين المسلطين قال رسول الله صلى الله عليششه وسششلم قلششب‬
‫المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن‪ 2‬فالله يتعالى عششن أن يكششون لششه أصششبع مركبششة مششن‬
‫لحششم ودم وعصششب منقسششمة بالنامششل ولكششن روح الصششبع سششرعة التقليششب والقششدرة علششى‬
‫التحريك والتغيير فإنك ل تريد أصبعك لشخصه بششل لفعلششه فششي التقليششب والترديششد كمششا أنششك‬
‫تتعاطى الفعال بأصابعك والله تعالى يفعل مششا يفعششل باستسششخار الملششك والشششيطان وهمششا‬
‫مسخران بقدرته في تقليب القلوب كما أن أصابعك مسخرة لك فششي تقليششب الجسششام مثل‬
‫والقلب بأصل الفطرة صالح لقبول آثار الملك ولقبول آثار الشيطان صلحا متسششاويا ليششس‬
‫يترجح أحدهما على الخر وإنما يترجح أحد الجانبين باتباع الهوى والكبششاب علششى الشششهوات‬
‫أو العراض عنهششا ومخالفتهششا فششإن اتبششع النسششان مقتضششى الغضششب والشششهوة ظهششر تسششلط‬
‫الشيطان بواسششطة الهششوى وصششار القلششب عششش الشششيطان ومعششدنه لن الهششوى هششو مرعششى‬
‫الشيطان ومرتعه وإن جاهد الشهوات ولششم يسششلطها علششى نفسششه وتشششبه بششأخلق الملئكششة‬
‫عليهم السلم صار قلبه مسششتقر الملئكششة ومهبطهششم ولمششا كششان ل يخلششو قلششب عششن شششهوة‬
‫وغضب وحرص وطمع وطول أمل إلى غير ذلك من صفات البشرية المتشعبة عششن الهششوى‬
‫ل جرم لم يخل قلب عن أن يكون للشيطان فيه جولن بالوسوسة ولذلك قششال صششلى اللششه‬
‫‪ 1‬حديث في القلب لمتان لمة من الملك إيعاد بالخير الحديث أخرجه الترمذي وحسنه والنسائي في الكبرى‬
‫من حديث ابن مسعود أخرجه الترمذي والنسائي‬
‫‪ 2‬حديث قلب المؤمن بين أصبعين الحديث تقدم‬
‫عليه وسلم ما منكم من أحد إل وله شيطان قالوا وأنت يا رسول الله قال وأنششا إل أن اللششه‬
‫أعانني عليه فأسلم فل يأمر إل بخير‪ 1‬وإنما كان هذا لن الشششيطان ل يتصششرف إل بواسششطة‬
‫الشهوة فمن أعانه الله على شهوته حتى صارت ل تنبسط إل حيث ينبغي وإلى الحد الششذي‬
‫ينبغي فشهوته ل تدعو إلى الشر فالشيطان المتدرع بها ل يأمر إل بالخير ومهما غلب على‬
‫القلب ذكر الدنيا بمقتضيات الهوى وجد الشيطان مجششال فوسششوس ومهمششا انصششرف القلششب‬
‫إلى ذكر الله تعالى ارتحل الشيطان وضاق مجاله وأقبل الملك وألهم والتطارد بيششن جنششدي‬
‫الملئكشة والشششياطين فشي معركشة القلشب دائم إلششى أن ينفتشح القلشب لحششدهما فيسشتوطن‬
‫ويستمكن ويكون اجتياز الثاني اختلسا وأكثر القلوب قد فتحتها جنششود الشششياطين وتملكتهششا‬
‫فششامتلت بالوسششاوس الداعيششة إلششى إيثششار العاجلششة واطششراح الخششرة ومبششدأ اسششتيلئها اتبششاع‬
‫الشهوات والهوى ول يمكن فتحها بعد ذلك إل بتخلية القلب عن قوت الشيطان وهو الهششوى‬
‫والشهوات وعمارته بذكر الله تعالى الذي هو مطششرح أثششر الملئكششة وقششال جششابر بششن عبيششدة‬
‫العدوي شكوت إلى العلء بن زياد ما أجد في صدري من الوسوسة فقششال إنمششا مثششل ذلششك‬
‫مثل البيت الذي يمر به اللصوص فإن كان فيه شيء عشالجوه وإل مضششوا وتركششوه يعنششي أن‬
‫القلب الخالي عن الهوى ل يدخله الشيطان ولششذلك قششال اللششه تعششالى إن عبششادي ليششس لششك‬
‫عليهم سلطان فكل من اتبع الهوى فهو عبششد الهششوى ل عبششد اللششه ولششذلك سششلط اللششه عليششه‬
‫الشيطان وقال تعالى أفرأيت من اتخششذ إلهششه هششواه وهششو إشششارة إلششى أن مششن الهششوى إلهششه‬
‫ومعبوده فهو عبد الهوى ل عبد الله ولذلك قال عمرو ابششن العششاص للنششبي صششلى اللششه عليششه‬
‫وسلم يا رسول الله حال الشيطان بيني وبين صلتي وقراءتي فقال ذلك شيطان يقششال لششه‬
‫خنزب فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل على يسارك ثلثا قال ففعلت ذلك فأذهبه اللششه‬
‫عني‪ 2‬وفي الخششبر إن للوضششوء شششيطانا يقششال لششه الولهششان فاسششتعيذوا بششالله منه‪ 3‬ول يمحششو‬
‫وسوسة الشيطان من القلب إل ذكر ما سوى ما يوسوس به لنه إذا خطر في القلب ذكششر‬
‫شيء انعدم منه ما كان فيه من قبل ولكن كل شيء سوى الله تعالى وسوى ما يتعلششق بششه‬
‫فيجوز أيضا أن يكون مجال للشيطان وذكششر اللششه هششو الششذي يششؤمن جششانبه ويعلششم أنششه ليششس‬
‫للشيطان فيه مجال ول يعالج الشيء إل بضده وضششد جميششع وسششاوس الشششيطان ذكششر اللششه‬
‫بالستعاذة والتبري عن الحول والقوة وهو معنى قولك أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ول‬
‫حول ول قوة إل بالله العلي العظيم وذلك ل يقدر عليه إل المتقون الغالب عليهم ذكشر اللشه‬
‫تعالى وإنما الشيطان يطوف عليهم في أوقات الفلتات على سبيل الخلسة قال الله تعالى‬
‫أن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون وقششال مجاهششد فششي‬
‫معنى قول الله تعالى من شر الوسواس الخناس قال هو منبسششط علششى القلششب فششإذا ذكششر‬
‫الله تعششالى خنششس وانقبششض وإذا غفششل انبسششط علششى قلبششه فالتطششارد بيششن ذكششر اللششه تعششالى‬
‫ووسوسة الشيطان كالتطارد بين النور والظلم وبيششن الليششل والنهششار ولتضششادهما قششال اللششه‬
‫تعالى استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله وقال أنس قشال رسشول اللشه صشلى اللشه‬
‫عليه وسلم إن الشيطان واضع خرطومه على قلب ابن آدم فإن هو ذكر الله تعششالى خنششس‬
‫وإن نسي الله تعالى التقم قلبه‪ 4‬وقال ابن وضاح في حشديث ذكشره إذا بلشغ الرجشل أربعيشن‬
‫سنة ولم يتب ولم يتب مسح الشيطان وجهه بيده وقششال بششأبي وجششه مششن ل يفلح‪ 5‬وكمششا أن‬
‫الشهوات ممتزجة بلحم ابن آدم ودمه فسششلطنة الشششيطان أيضششا سششارية فششي لحمششه ودمششه‬
‫ومحيطة بالقلب من جوانبه ولذلك قال صلى الله عليه وسلم إن الشيطان يجري مششن ابششن‬

‫‪ 1‬حديث ما منكم من أحد إل وله شيطان الحديث أخرجه مسلم من حديث ابن مسعود أخرجه مسلم‬
‫‪ 2‬حديث ابن أبي العاص إن الشيطان حال بيني وبين صلتي الحديث أخرجه مسلم من حديث ابن أبي العاص‬
‫أخرجه مسلم‬
‫‪ 3‬حديث إن للوضوء شيطانا يقال له الولهان الحديث أخرجه ابن ماجه والترمذي من حديث أبي بن كعب‬
‫وقال غريب وليس إسناده بالقوي عند أهل الحديث أخرجه ابن ماجه والترمذي غريب وليس اسناده بالقوي‬
‫‪ 4‬حديث أنس إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب مكايد‬
‫الشيطان وأبو يعلى الموصلي وابن عدي في الكامل وضعفه‬
‫‪ 5‬حديث ابن وضاح إذا بلغ الرجل أربعين سنة ولم يتب مسح الشيطان بيده وجهه وقال بأبي وجه من ل يفلح‬
‫لم أجد له أصل‬
‫آدم مجرى الدم فضيقوا مجاريه بالجوع‪ 1‬وذلك لن الجوع يكسر الشهوة ومجرى الشيطان‬
‫الشهوات ولجل اكتناف الشهوات للقلب من جششوانبه قششال اللششه تعششالى إخبششارا عششن إبليششس‬
‫لقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعششن إيمششانهم وعششن‬
‫شمائلهم وقال صلى الله عليه وسلم إن الشيطان قعد لبن آدم بطششرق فقعششد لششه بطريششق‬
‫السلم فقال أتسلم وتترك دينك ودين آبائك فعصششاه وأسششلم ثششم قعششد لششه بطريششق الهجششرة‬
‫فقال أتهاجر أتدع أرضك وسمائك فعصاه وهاجر هو قعد لششه بطريششق الجهششاد فقششال أتجاهششد‬
‫وهو تلف النفس والمال فتقاتل فتقتل فتنكح نساؤك ويقسم مالششك فعصششاه وجاهششد‪ 2‬وقششال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن فعل ذلك فمات كان حقا على الله أن يدخله الجنششة‬
‫فذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم معنى الوسوسة وهششي هششذه الخشواطر الشتي تخطشر‬
‫للمجاهد أنه يقتل وتنكح نساؤه وغير ذلك مما يصرفه عن الجهششاد وهششذه الخششواطر معلومششة‬
‫فإذا الوسواس معلوم بالمشاهدة وكل خاطر فلششه سششبب ويفتقششر إلششى اسششم يعرفششه فاسششم‬
‫سببه الشيطان ول يتصور أن ينفك عنه آدمي وإنما يختلفون بعصيانه ومتابعته ولششذلك قششال‬
‫عليه السلم ما مششن أحششد إل ولششه شششيطان‪ 3‬فقششد اتضششح بهششذا النششوع مششن الستبصششار معنششى‬
‫الوسوسة واللهام والملك والشيطان والتوفيق والخذلن فبعد هذا نظر من ينظر فششي ذات‬
‫الشيطان أنه جسم لطيف أو ليس بجسم وإن كان جسما فكيف يدخل بدن النسان ما هششو‬
‫جسم فهذا الن غير محتاج إليه في علشم المعاملششة بششل مثششال البشاحث عششن هششذا مثششال مششن‬
‫دخلت في ثيابه حية وهو محتاج إلى إزالتها ودفع ضررها فاشتغل بالبحث عن لونها وشكلها‬
‫وطولها وعرضها وذلك عين الجهل فمصادمة الخواطر الباعثة علششى الشششر قششد علمششت ودل‬
‫ذلك على أنه عن سبب ل محالة وعلم أن الداعي إلى الشر المحذور فششي المسششتقبل عششدو‬
‫فقد عرف العدو ل محال فينبغي أن يشتغل بمجاهدته وقد عرف الله سبحانه عششداوته فششي‬
‫مواضع كثيرة من كتابه ليؤمن به ويحترز عنه فقال تعالى إن الشيطان لكم عششدو فاتخششذوه‬
‫عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير وقال تعالى ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن‬
‫ل تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين فينبغششي للعبششد أن يشششتغل بششدفع العششدو عششن نفسششه ل‬
‫بالسؤال عن أصله ونسبه ومسكنه نعششم ينبغششي أن يسششأل عششن سششلحه ليششدفعه عششن نفسششه‬
‫وسلح الشيطان الهوى والشهوات وذلك كاف للعالمين فأما معرفة ذاته وصشفاته وحقيقتششه‬
‫نعوذ بالله منه وحقيقة الملئكة فذلك ميدان العارفين المتغلغلين في علوم المكاشفات فل‬
‫يحتاج في علم المعاملة إلى معرفته نعم ينبغي أن يعلم أن الخواطر تنقسم إلششى مششا يعلششم‬
‫قطعا أنه داع إلى الشر فل يخفى كونه وسوسة وإلى ما يعلم أنه داع إلى الخيششر فل يشششك‬
‫في كونه إلهاما وإلى ما يتردد فيه فل يدري أنه من لمة الملك أو مششن لمششة الشششيطان فششإن‬
‫من مكايد الشيطان أن يعرض الشر في معششرض الخيششر والتمييششز فششي ذلششك غششامض وأكششثر‬
‫العباد به يهلكون فإن الشيطان ل يقدر على دعائهم إلى الشر الصريح فيصور الشر بصورة‬
‫الخير كما يقول للعالم بطريق الوعظ أما تنظر إلى الخلق وهششم مششوتى مششن الجهششل هلكششى‬
‫من الغفلة قد أشرفوا على النار أما لك رحمة على عباد الله تنقذهم من المعاطب بنصحك‬
‫ووعظك وقد أنعم الله عليك بقلب بصير ولسان ذلق ولهجة مقبولة فكيف تكفر نعمة اللششه‬
‫تعالى وتتعرض لسخطه وتسكت عن إشاعة العلم ودعوة الخلششق إلششى الصششراط المسششتقيم‬
‫وهو ل يزال يقرر ذلك في نفسه ويستجره بلطيف الحيل إلى أن يشتغل بوعظ النششاس ثششم‬
‫يدعوه بعد ذلك إلى أن يتزين لهم ويتصنع بتحسين اللفظ وإظهار الخيششر ويقششول لششه إن لششم‬
‫تفعل ذلك سقط وقع كلمك من قلوبهم ولم يهتدوا إلششى الحششق ول يششزال يقششرر ذلششك عنششده‬
‫وهو في أثنائه يؤكد فيه ششوائب الريشاء وقبشول الخلشق ولشذة الجشاه والتعشزز بكشثرة التبشاع‬
‫والعلم والنظر إلى الخلق بعين الحتقار فيستدرج المسكين بالنصح إلى الهلك فيتكلم وهو‬
‫يظن أن قصده الخير وإنما قصده الجشاه والقبشول فيهلشك بسشببه وهشو يظشن أنشه عنشد اللشه‬
‫بمكان وهو من الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله ليؤيد هششذا الششدين‬

‫‪ 1‬حديث إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم تقدم‬


‫‪ 2‬حديث إن الشيطان قعد لبن آدم بطريق الحديث أخرجه النسائي من حديث سبرة بن أبي فاكه بإسناد‬
‫صحيح‬
‫‪ 3‬حديث ما من أحد إل له شيطان الحديث تقدم‬
‫بقوم ل خلق لهم‪ 1‬و إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفششاجر‪ 2‬ولششذلك روى أن إبليششس لعنششه‬
‫الله تمثل لعيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم فقال له قششل ل إلششه إل اللششه فقششال كلمششة‬
‫حق ول أقولها بقولك لن له أيضا تحت الخير تلبيسات وتلبيسات الشيطان من هذا الجنس‬
‫ل تتناهى وبها يهلك العلماء والعباد والزهاد والفقراء والغنياء وأصناف الخلق ممن يكرهون‬
‫ظاهر الشر ول يرضون لنفسششهم الخشوض فشي المعاصشي المكشششوفة وسشنذكر جملششة مشن‬
‫مكايد الشيطان في كتاب الغرور في آخر هذا الربع ولعلنا إن أمهل الزمان صنفنا فيه كتابا‬
‫على الخصوص نسميه تلبيس إبليس فإنه قد انتشر الن تلبيسه في البلد والعبششاد ل سششيما‬
‫في المذاهب والعتقادات حتى لم يبق من الخيرات إل رسمها كششل ذلششك إذعانششا لتلبيسششات‬
‫الشيطان ومكايده فحق على العبد أن يقف عند كل هم يخطر له ليعلم أنه من لمة الملششك‬
‫أو من لمة الشيطان وأن يمعن النظر فيه بعين البصيرة ل بهوى من الطبع ول يطلششع عليششه‬
‫إل بنور التقوى والبصيرة وغزارة العلم كما قال تعالى إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من‬
‫الشيطان تذكروا أي رجعوا إلى نور العلم فإذا هم مبصرون أي ينكشف لهم الشكال فأمششا‬
‫من لم يرض نفسه بالتقوى فيميل طبعه إلى الذعششان بتلبيسششه بمتابعششة الهششوى فيكششثر فيششه‬
‫غلطه ويتعجل فيه هلكه وهو ل يشعر وفي مثلهم قال سبحانه وتعالى وبدا لهم من الله ما‬
‫لم يكونوا يحتسبون قيل هي أعمال ظنوها حسنات فإذا هي سششيئات وأغمششض أنششواع علششوم‬
‫المعاملة الوقوف على خدع النفس ومكايد الشيطان وذلك فرض عين على كششل عبششد وقششد‬
‫أهمله الخلق واشتغلوا بعلوم تستجر إليهم الوسشواس وتسششلط عليهشم الششيطان وتنسشيهم‬
‫عداوته وطريق الحتراز عنه ول ينجي من كثرة الوسواس إل سد أبواب الخششواطر وأبوابهششا‬
‫الحواس الخمس وأبوابها من داخل الشهوات وعلئق الدنيا والخلوة في بيششت مظلششم تسششد‬
‫باب الحواس والتجرد عن الهل والمال يقلل مداخل الوسواس من الباطن ويبقى مع ذلك‬
‫مداخل باطنة في التخيلت الجارية في القلب وذلششك ل يششدفع إل بشششغل القلششب بششذكر اللششه‬
‫تعالى ثم إنه ل يزال يجاذب القلب وينازعه ويلهيه عن ذكر الله تعالى فل بد مششن مجاهششدته‬
‫وهذه مجاهدة ل آخر لها إل الموت إذ ل يتخلص أحد من الشيطان ما دام حيا نعم قد يقوى‬
‫بحيث ل ينقاد له ويدفع عن نفسه شره بالجهاد ولكن ل يستغني قط عن الجهاد والمدافعششة‬
‫ما دام الدم يجري في بدنه فإذا ما دام حيا فأبواب الشششيطان مفتوحششة إلششى قلبششه ل تنغلششق‬
‫وهي الشهوة والغضب والحسد والطمع والشره وغيرهششا كمششا سششيأتي شششرحها ومهمششا كششان‬
‫الباب مفتوحا والعدو غير غافل لم يدفع إل بالحراسة والمجاهدة قال رجششل للحسششن يششا أبششا‬
‫سعيد أينام الشيطان فتبسم وقال لو نششام لسششترحنا فششإذن ل خلص للمششؤمن منششه نعششم لششه‬
‫سبيل إلى دفعه وتضعيف قوته قال صلى الله عليه وسلم إن المؤمن ينضششى شششيطانه كمششا‬
‫ينضى أحدكم بعيره في سفره‪ 3‬وقال ابن مسعود شيطان المؤمن مهزول وقال قيششس بششن‬
‫الحجاج قال لي شيطاني دخلت فيك وأنا مثل الجششزور وأنششا الن مثششل العصششفور قلششت ولشم‬
‫ذاك قال تذيبني بذكر الله تعالى فأهل التقوى ل يتعذر عليهم سد أبواب الشيطان وحفظها‬
‫بالحراسة أعني البواب الظاهرة والطرق الجلية التي تفضي إلى المعاصي الظاهرة وإنمششا‬
‫يتعثرون في طرقه الغامضة فإنهم ل يهتدون إليها فيحرسششونها كمششا أشششرنا إليششه فششي غششرور‬
‫العلماء والوعاظ والمشكل أن البواب المفتوحة إلى القلب للشيطان كثيرة وباب الملئكة‬
‫باب واحد وقد التبس ذلك الباب الواحد بهذه البواب الكثيرة فالعبد فيهششا كالمسششافر الششذي‬
‫يبقى في بادية كثيرة الطرق غامضة المسالك في ليلة مظلمششة فل يكششاد يعلششم الطريششق إل‬
‫بعين بصيرة وطلوع شمس مشرقة والعيششن البصششيرة ههنششا هششي القلششب المصششفى بششالتقوى‬
‫والشمس المشرقة هو العلم الغزير المستفاد من كتشاب اللشه تعشالى وسشنة رسشوله صشلى‬
‫الله عليه وسلم مما يهدي إلى غوامض طرقه وإل فطرقه كثيرة وغامضة قال عبد الله بششن‬
‫مسعود رضي الله عنه خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما خطا وقال هذا سبيل‬
‫الله ثم خط خطوطا عن يمين الخط وعن شماله ثم قال هذه سبل علششى كششل سششبيل منهششا‬
‫شششيطان يششدعو إليششه ثششم تل وأن هششذا صششراطي مسششتقيما فششاتبعوه ول تتبعششوا السششبل لتلششك‬
‫‪ 1‬حديث إن الله يؤيد هذا الدين بأقوام ل خلق لهم أخرجه النسائي من حديث أنس بإسناد جيد‬
‫‪ 2‬حديث إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر متفق عليه من حديث أبي هريرة وقد تقدم في العلم‬
‫‪ 3‬حديث إن المؤمن ينضى شيطانه الحديث أخرجه أحمد من حديث أبي هريرة وفيه ابن لهيعة‬
‫الخطوط‪ 1‬فبين صلى الله عليه وسلم كثرة طرقه وقد ذكرنششا مثششال للطريششق الغششامض مششن‬
‫طرقه وهششو الششذي يخششدع بششه العلمششاء والعبششاد المششالكين لشششهواتهم الكششافين عششن المعاصششي‬
‫الظاهرة فلنذكر مثال لطريقه الواضح الذي ل يخفى إل أن يضطر الدمي إلى سلوكه وذلك‬
‫كما روى عن النبي صلى الله عليه وسششلم أنششه قششال كششان راهششب فششي بنششي إسششرائيل فعمششد‬
‫الشيطان إلى جارية فخنقها وألقى في قلوب أهلها أن دواءها عنششد الراهششب فششأتوا بهششا إليششه‬
‫فأبى أن يقبلها فلم يزالوا به حتى قبلها فلما كانت عنده ليعالجها أتششاه الشششيطان فزيششن لششه‬
‫مقاربتها ولم يزل به حتى واقعها فحملت منه فوسوس إليه وقال الن تفتضح يأتيششك أهلهششا‬
‫فاقتلها فإن سألوك فقل ماتت فقتلها ودفنها فأتى الشيطان أهلها فوسششوس إليهششم وألقششى‬
‫في قلوبهم أنه أحبلها ثم قتلها ودفنها فأتاه أهلها فسألوه عنها فقال ماتت فأخذوه ليقتلششوه‬
‫بها فأتاه الشيطان فقال أنا الذي خنقتها وأنا الششذي ألقيششت فششي قلششوب أهلهششا فششأطعني تنششج‬
‫وأخلصك منهم قال بماذا قال اسجد لي سجدتين فسجد لششه سششجدتين فقششال لششه الشششيطان‬
‫إني برىء منك فهو الذي قال الله تعالى فيه كمثل الشششيطان إذ قششال للنسششان اكفششر فلمششا‬
‫كفر قال إني بريء منك‪ 2‬فانظر الن إلى حيله واضطراره الراهب إلششى هششذه الكبششائر وكششل‬
‫ذلك لطاعته له في قبول الجاريشة للمعالجشة وهشو أمشر هيشن وربمشا يظشن صشاحبه أنشه خيشر‬
‫وحسنة فيحسن ذلك في قلبه بخفي الهوى فيقدم عليه كالراغب فششي الخيششر فيخششرج المششر‬
‫بعد ذلك عن اختياره ويجره البعض إلى البعض بحيث ل يجد محيصا فنعوذ بالله مششن تضششييع‬
‫أوائل المور وإليه الشارة بقوله صلى الله عليه وسلم من حام حول الحمى يوشك أن يقع‬
‫فيه‪.3‬‬
‫بيان تفصيل مداخل الشيطان إلى القلب‬
‫اعلم أن مثال القلب مثال حصن والشيطان عدو يريد أن يدخل الحصن فيملكششه ويسششتولي‬
‫عليه ول يقدر على حفظ الحصن من العدو إل بحراسششة أبششواب الحصششن ومششداخله ومواضششع‬
‫ثلمه ول يقدر على حراسة أبوابه من ل يدري أبوابه فحماية القلب عن وسواس الشششيطان‬
‫واجبة وهو فرض عين على كل عبد مكلششف ومششا ل يتوصششل إلششى الششواجب إل بششه فهششو أيضششا‬
‫واجب ول يتوصل إلى دفع الشششيطان إل بمعرفششة مششداخله فصششارت معرفششة مششداخله واجبششة‬
‫ومداخل الشيطان وأبششوابه صشفات العبششد وهششي كشثيرة ولكنشا نششير إلششى البشواب العظيمشة‬
‫الجارية مجرى الدروب التي ل تضيق عن كثرة جنود الشيطان فمن أبوابه العظيمة الغضب‬
‫والشهوة فإن الغضب هو غول العقل وإذا ضعف جنششد العقششل هجششم جنششد الشششيطان ومهمششا‬
‫غضب النسان لعشب الششيطان بشه كمشا يلعشب الصشبي بشالكرة فقشد روي أن موسشى عليشه‬
‫السلم لقيه إبليس فقال له يا موسى أنت الذي اصطفاك الله برسالته وكلمك تكليمششا وأنششا‬
‫خلق من خلق الله أذنبت وأريد أن أتوب فاشفع لي إلى ربي أن يتوب علشي فقشال موسشى‬
‫نعم فلما صعد موسى الجبل وكلم ربه عز وجل وأراد النزول قال لشه ربشه أد المانشة فقشال‬
‫موسى يا رب عبدك إبليس يريد أن تتوب عليه فأوحى الله تعالى إلى موسى يا موسى قد‬
‫قضيت حاجتك مره أن يسجد لقبر آدم حتى يتاب عليه فلقي موسى إبليششس فقششال لششه قششد‬
‫قضيت حاجتك أمرت أن تسجد لقبر آدم حتى يتاب عليك فغضب واستكبر وقال لم أسششجد‬
‫له حيا أسجد له ميتا ثم قشال لششه يشا موسششى إن لشك علشي حقشا بمششا ششفعت لشي إلششى ربشك‬
‫فاذكرني عند ثلث ل أهلكك فيهن اذكرني حين تغضب فإن روحششي فششي قلبششك وعينششي فششي‬
‫عينك وأجري منك مجرى الدم اذكرني إذا غضبت فإنه إذا غضب النسان نفخششت فيششه أنفششه‬
‫فما يدري ما يصنع واذكرني حين تلقي الزحف فإني آتى ابن آدم حين يلقى الزحف فأذكره‬

‫‪ 1‬حديث ابن مسعود خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا فقال هذا سبيل الله الحديث أخرجه‬
‫النسائي في الكبرى والحاكم وقال صحيح السناد‬
‫‪ 2‬حديث كان راهب في بني إسرائيل فأخذ الشيطان جارية فخنقها وألقى في قلوب أهلها أن دواءها عند‬
‫الراهب الحديث بطوله في قوله تعالى كمثل الشيطان إذ قال للنسان اكفر رواه ابن أبي الدنيا في مكايد‬
‫الشيطان وابن مردويه في تفسيره في حديث عبيد بن أبي رفاعة مرسل وللحاكم نحوه موقوفا على علي‬
‫بن أبي طالب وقال صحيح السناد ووصله بطين في مسنده من حديث علي‬
‫‪ 3‬حديث من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه متفق عليه من حديث النعمان ابن بشير من يرتع حول‬
‫الحمى يوشك أن يواقعه لفظ البخاري‬
‫زوجته وولده وأهله حتى يولى وإياك أن تجلس إلى امرأة ليست بذات محرم فإني رسولها‬
‫إليك ورسولك إليها فل أزال حتى أفتنك بها وأفتنها بك فقد أشار بهذا إلى الشهوة والغضب‬
‫والحرص فإن الفرار من الزحف حششرص علششى الششدنيا وامتنششاعه مششن السششجود لدم ميتششا هششو‬
‫الحسد وهو أعظم مداخله وقد ذكر أن بعض الولياء قال لبليس أرني كيف تغلب ابششن آدم‬
‫فقال آخذه عند الغضب وعند الهوى فقد حكى أن إبليس ظهر لراهب فقال له الراهششب أي‬
‫أخلق بني آدم أعون لك قال الحدة فإن العبششد إذا كششان حديششدا قلبنششاه كمششا يقلششب الصششبيان‬
‫الكرة وقيل إن الشيطان يقول كيف يغلبني ابن آدم وإذا رضي جئت حتى أكششون فششي قلبششه‬
‫وإذا غضب طرت حتى أكون في رأسه ومن أبوابه العظيمة الحسششد والحششرص فمهمششا كششان‬
‫العبد حريصا على كل شيء أعمششاه حرصششه وأصششمه إذ قششال صششلى اللششه عليششه وسششلم حبششك‬
‫للشيء يعمي ويصم‪ 1‬ونور البصيرة هو الذي يعرف مششداخل الشششيطان فششإذا غطششاء الحسششد‬
‫والحرص لم يبصر فحينئذ يجد الشيطان فرصة فيحسن عند الحريششص كششل مششا يوصششله إلششى‬
‫شهوته وإن كان منكرا وفاحشا فقد روي أن نوحا عليه السلم لما ركب السفينة حمل فيها‬
‫من كل زوجين اثنين كما أمره الله تعالى فرأى في السفينة شيخا لم يعرفه فقال لششه نششوح‬
‫ما أدخلك فقال دخلت لصيب قلوب أصحابك فتكون قلوبهم معي وأبدانهم معك فقششال لششه‬
‫نوح أخرج منها يا عدو الله فإنك لعين فقال له إبليس خمس أهلك بهششن النششاس وسششأحدثك‬
‫منهم بثلث ول أحدثك باثنتين فأوحى الله تعالى إلى نوح أنه ل حاجة لك بششالثلث فليحششدثك‬
‫بالثنين فقال له نوح ما الثنتان فقال همششا اللتششان ل تكششذباني همششا اللتششان ل تخلفششاني بهمششا‬
‫أهلك الناس الحرص والحسد فبالحسد لعنت وجعلت شيطانا رجيما وأما الحرص فإنه أبيششح‬
‫لدم الجنة كلها إل الشجرة فأصبت حاجتي منه بالحرص ومن أبششوابه العظيمششة الشششبع مششن‬
‫الطعام وإن كان حلل صافيا فإن الشبع يقوي الشهوات والشهوات أسلحة الشششيطان فقششد‬
‫روي أن إبليس ظهر ليحيى بن زكريا عليهما السلم فرأى عليه معاليق من كل شيء فقال‬
‫له يا إبليس ما هذه المعاليق قال هذه الشهوات التي أصبت بها ابششن آدم فقششال فهششل فيهششا‬
‫من شيء قال ربما شبعت فثقلناك عن الصلة وعن الذكر قال فهل غير ذلششك قششال ل قششال‬
‫لله علي أن ل أمل بطني من الطعام أبدا فقال له إبليس ولله علي أن ل أنصح مسلما أبدا‬
‫ويقال في كثرة الكل ست خصال مذمومة أولها أن يذهب خوف الله مششن قلبششه الثششاني أن‬
‫يذهب رحمة الخلق من قلبه لنه يظشن أنهشم كلهششم ششباع والثششالث أنششه يثقششل عشن الطاعششة‬
‫والرابع أنه إذا سمع كلم الحكمة ل يجد له رقة والخامس أنه إذا تكلم بالموعظة والحكمششة‬
‫ل يقع في قلوب الناس والسادس أن يهيج فيه المراض ومن أبوابه حب التزين من الثششاث‬
‫والثياب والدار فإن الشيطان إذا رأى ذلك غالبا على قلب النسان باض فيه وفرخ فل يزال‬
‫يدعوه إلى عمشارة الشدار وتزييشن سشقوفها وحيطانهششا وتوسششيع أبنيتهششا ويششدعوه إلشى الششتزين‬
‫بالثياب والدواب ويستسخره فيها طول عمره وإذا أوقعه فششي ذلششك فقششد اسششتغنى أن يعششود‬
‫إليه ثانية فإن بعض ذلك يجره إلى البعض فل يششزال يششؤديه مششن شششيء إلششى شششيء إلششى أن‬
‫يساق إليه أجله فيموت وهو في سششبيل الشششيطان واتبششاع الهششوى ويخشششى مششن ذلششك سششوء‬
‫العاقبة بالكفر نعوذ بالله منه ومن أبوابه العظيمة الطمع في النششاس لنششه إذا غلششب الطمششع‬
‫على القلب لم يزل الشششيطان يحبششب إليششه التصششنع والششتزين لمششن طمششع فيششه بششأنواع الريششاء‬
‫والتلبيس حتى المطموع فيه كأنه معبوده فل يزال يتفكششر فششي حيلششة التششودد والتحبششب إليششه‬
‫ويدخل كل مدخل للوصول إلى ذلك وأقل أحواله الثناء عليه بمششا ليششس فيششه والمداهنششة لششه‬
‫بترك المر بالمعروف والنهي عن المنكر فقد روى صفوان بن سليم أن إبليس تمثششل لعبششد‬
‫الله بن حنظلة فقال له يا ابن حنظلة احفظ عني شيئا أعلمك به فقال ل حاجة لي به قششال‬
‫انظر فإن كان خيرا أخذت وإن كان شرا رددت يا ابن حنظلة ل تسأل أحدا غير الله سششؤال‬
‫رغبة وانظر كيف تكون إذا غضبت فششإني أملكششك إذا غضششبت ومششن أبششوابه العظيمششة العجلششة‬
‫وترك التثبت في المور وقال صلى الله عليه وسلم العجلة من الشيطان والتأني مششن اللششه‬
‫تعالى‪ 2‬وقال عز وجل خلق النسان من عجل وقال تعالى وكان النسان عجول وقال لنششبيه‬
‫‪ 1‬حديث حبك للشيء يعمي ويصم أخرجه أبو داود من حديث أبي الدرداء بإسناد ضعيف‬
‫‪ 2‬حديث العجلة من الشيطان والتأني من الله أخرجه الترمذي من حديث سهل بن سعد بلفظ الناة وقال‬
‫حسن‬
‫صلى الله عليه وسلم ول تعجل بالقرآن من قبل أن يقضي إليششك وحيششه وهششذا لن العمششال‬
‫ينبغي أن تكون بعد التبصرة والمعرفة والتبصرة تحتاج إلى تأمل وتمهل والعجلة تمنششع مششن‬
‫ذلك وعند الستعجال يروج الشيطان شره على النسان من حيششث ل يششدري فقششد روي أنششه‬
‫لما ولد عيسى بن مريم عليه السلم أتت الشششياطين إبليششس فقششالوا أصششبحت الصششنام قششد‬
‫نكست رءوسها فقال هذا حادث مكانكم فطار حتى أتى خافقي الرض فلم يجششد شششيئا ثششم‬
‫وجد عيسى عليه السلم قد ولد وإذا الملئكة حافين به فرجع إليهم فقششال إن نبيششا قششد ولششد‬
‫البارحة ما حملت أنثى قط ول وضعت إل وأنا حاضرها إل هذا فأيسوا من أن تعبششد الصششنام‬
‫بعد هذه الليلة ولكن ائتوا بني آدم من قبل العجلة والخفششة ومششن أبششوابه العظيمششة الششدراهم‬
‫والدنانير وسائر أصناف الموال من العروض والدواب والعقار فإن كل مششا يزيششد علششى قششدر‬
‫القوت والحاجة فهو مستقر الشيطان فإن من معه قوته فهو فارغ القلششب فلششو وجششد مششائة‬
‫دينار مثل على طريق انبعث من قلبه شهوات تحتاج كل شهوة منها إلى مششائة دينششار أخششرى‬
‫فل يكفيه ما وجد بل يحتاج إلى تسعمائة أخرى وقد كان قبل وجششود المششائة مسششتغنيا فششالن‬
‫لما وجد مائة ظن أنه صار بها غنيا وقشد صشار محتاجشا إلشى تسشعمائة ليششتري دارا يعمرهشا‬
‫وليششتري جاريشة وليششتري أثشاث الشبيت ويششتري الثيشاب الفشاخرة وكشل ششيء مشن ذلشك‬
‫يستدعي شيئا آخر يليق به وذلك ل آخر له فيقع في هاوية آخرها عمششق جهنششم فل آخششر لهششا‬
‫سواهقال ثابت البناني لما بعث رسول الله صلى الله عليششه وسششلم قششال إبليششس لشششياطينه‬
‫لقد حدث أمر فانظروا ما هو فانطلقوا حتى أعيوا ثم جاءوا وقالوا ما ندري قششال أنششا آتيكششم‬
‫بالخبر فذهب ثم جاء وقال قد بعث الله محمدا صلى الله عليه وسششلم قششال فجعششل يرسششل‬
‫شياطينه إلى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فينصرفون خششائبين ويقولششون مششا صششحبنا‬
‫قوما قط مثل هؤلء نصيب منهم ثم يقومون إلى صلتهم فيمحششي ذلششك فقششال لهششم إبليششس‬
‫رويدا بهم عسى اللششه أن يفتششح لهششم الششدنيا فنصششيب منهششم حاجتنششا‪ 1‬وروي أن عيسششى عليششه‬
‫الصلة والسلم توسد يوما حجرا فمر به إبليس فقال يشا عيسشى رغبشت فشي الشدنيا فأخشذه‬
‫عيسى صلى الله عليه وسلم فرمى به مششن تحششت رأسششه وقششال هششذا لششك مششع الششدنيا وعلششى‬
‫الحقيقة من يملك حجرا يتوسد به عند النوم فقد ملك من الدنيا مششا يمكششن أن يكششون عششدة‬
‫للشيطان عليه فإن القائم بالليل مثل للصلة مهما كان بالقرب منه حجر يمكن أن يتوسده‬
‫فل يزال يدعوه إلى النوم وإلى أن يتوسده ولو لم يكن ذلك لكان ل يخطر له ذلك ببال ول‬
‫تتحرك رغبته إلى النوم هذا في حجر فكيف بمن يملك المخششاد الميششثرة والفششرش الششوطيئة‬
‫والمتنزهات الطيبة فمتى ينشط لعبادة الله تعالى ومن أبوابه العظيمة البخل وخوف الفقر‬
‫فإن ذلك هو الذي يمنع النفاق والتصدق ويدعو إلششى الدخششار والكنششز والعششذاب الليششم وهششو‬
‫الموعود للمكاثرين كما نطق به القرآن العزيز قال خيثمة بششن عبششد الرحمششن إن الشششيطان‬
‫يقول ما غلبني ابن غلبة فلششن يغلبنششي علششى ثلث أن آمششره أن يأخششذ المششال مششن غيششر حقششه‬
‫وإنفاقه في غير حقه ومنعه من حقه وقال سفيان ليس للشيطان سلح مثل خششوف الفقششر‬
‫فإذا قبل ذلك منه أخذ في الباطل ومنع من الحق وتكلششم بششالهوى وظششن بربششه ظششن السششوء‬
‫ومن آفات البخششل الحششرص علششى ملزمششة السششواق لجمششع المششال والسششواق هششي معشششش‬
‫الشياطين وقال أبو أمامة إن رسول الله صلى الله عليه وسششلم قششال إن إبليششس لمششا نششزل‬
‫إلى الرض قال يارب أنزلتني إلى الرض وجعلتني رجيما فاجعل لي بيتا قششال الحمششام قششال‬
‫أجعل لي مجلسا قال السواق ومجامع الطرق قال اجعل لي طعامششا قششال طعامششك مششا لششم‬
‫يذكر اسم الله عليه قال اجعل لي شرابا قال كل مسكر قال اجعل لي مؤذنا قال المزامير‬
‫قال اجعل لي قرآنا قال الشعر قال اجعل لي كتابا قال الوشم قال اجعششل لششي حششديثا قششال‬
‫الكذب قال اجعل لي مصايد قال النساء‪ 2‬ومن أبوابه العظيمة التوصل التعصششب للمششذاهب‬
‫والهواء والحقد على الخصوم والنظششر إليهششم بعيششن الزدراء والسششتحقار وذلششك ممششا يهلششك‬

‫‪ 1‬حديث ثابت لما بعث صلى الله عليه وسلم قال إبليس لشياطينه لقد حدث أمر الحديث أخرجه ابن أبي‬
‫الدنيا في مكايد الشيطان هكذا مرسل‬
‫‪ 2‬حديث أبي أمامة إن إبليس لما نزل إلى الرض قال يارب أنزلتني إلى الرض وجعلتني رجيما فاجعل لي‬
‫بيتا قال الحمام الحديث أخرجه الطبراني في الكبير وإسناده ضعيف جدا ورواه بنحوه من حديث ابن عباس‬
‫بإسناد ضعيف أيضا‬
‫العباد والفساق جميعا فإن الطعن في الناس والشتغال بششذكر نقصششهم صششفة مجبولششة فششي‬
‫الطبع من الصفات السبعية فإذا خيل إليه الشيطان أن ذلك هو الحق وكان موافقششا لطبعششه‬
‫غلبت حلوته على قلبه فاشتغل به بكل همته وهو بذلك فرحان مسششرور يظششن أنششه يسششعى‬
‫في الدين وهو ساع في اتباع الشششياطين فششترى الواحششد منهششم يتعصششب لبششي بكششر الصششديق‬
‫رضي الله عنه وهو آكل الحرام ومطلق اللسان بالفضول والكذب ومتعششاط لنششواع الفسششاد‬
‫ولو رآه أبو بكر لكان أول عدو له إذ موالي أبي بكر من أخذ سبيله وسار بسيرته وحفظ ما‬
‫بين لحييه وكان من سيرته رضي الله عنه أن يضع حصاة في فمه ليكف لسانه عششن الكلم‬
‫فيما ل يعنيه فأنى لهذا الفضولي أن يدعى ولءه وحبه ول يسير بسيرته وترى فضوليا آخششر‬
‫يتعصب لعلي رضي الله عنه وكان من زهد علي وسيرته أنه لبس في خلفته ثوبششا اشششتراه‬
‫بثلثة دراهم وقطع رأس الكمين إلى الرسغ ونرى الفاسششق لبسششا الثيششاب الحريششر ومتجمل‬
‫بأموال اكتسبها من حرام وهو يتعاطى حب علي رضي الله عنه ويدعيه وهششو أول خصششمائه‬
‫يوم القيامة وليت شعري من أخذ ولدا عزيزا لنسان هو قرة عينه وحياة قلبه فأخذ يضششربه‬
‫و يمزقه وينتف شعره ويقطعه بالمقراض وهو مع ذلك يدعي حب أبيه وولءه فكيف يكششون‬
‫حاله عنده ومعلوم أن الدين والشرع كانا أحب إل أبششي بكششر وعمششر وعثمششان وعلششى وسششائر‬
‫الصحابة رضي الله عنهم من الهل والولد بل من أنفسشهم والمقتحمشون لمعاصشي الششرع‬
‫هم الذين يمزقون الشرع ويقطعونه بمقاريض الشهوات ويتوددون به إلى عدو الله إبليششس‬
‫وعدو أوليائه فترى كيف يكون حالهم يوم القيامة عند الصحابة وعند أولياء الله تعالى ل بل‬
‫لو كشف الغطاء وعرف هؤلء ما تحبه الصحابة في أمة رسول الله صلى الله عليه وسششلم‬
‫لستحيوا أن يجروا على اللسان ذكرهم مع قبح أفعششالهم ثششم إن الشششيطان يخيششل إليهششم أن‬
‫من مات محبا لبي بكر وعمر فالنار ل تحوم حوله ويخيل إلى الخر أنه إذا مات محبا لعلي‬
‫لم يكن عليه خوف وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لفاطمة رضششي اللششه عنهششا‬
‫وهي بضعة منه‪ 1‬إعملي فإني ل أغني عنك من الله شششيئا‪ 2‬وهششذا مثششال أوردنششاه مششن جملششة‬
‫الهواء وهكذا حكم المتعصبين للشافعي وأبي حنيفة ومالك وأحمد وغيرهم من الئمة فكل‬
‫من ادعى مذهب إمام وهو ليس يسير بسيرته فذلك المام هو خصمه يوم القيامة إذ يقول‬
‫له كان مذهبي العمل دون الحديث باللسان وكان الحششديث باللسششان لجششل العمششل ل لجششل‬
‫الهذيان فما بالك خالفتني في العمل والسششيرة الششتي هششي مششذهبي ومسششلكي الششذي سشلكته‬
‫وذهبت فيه إلى الله تعالى ثم ادعيت مذهبي كاذبا وهذا مدخل عظيم من مداخل الشيطان‬
‫قد أهلك به أكثر العالم وقد سلمت المدارس لقششوام قششل مششن اللششه خششوفهم وضششعفت فششي‬
‫الدين بصيرتهم وقويت في الدنيا رغبتهم واشتد على السشتتباع حرصشهم ولشم يتمكنشوا مشن‬
‫الستتباع وإقامة الجاه إل بالتعصب فحبسوا ذلك في صششدورهم ولششم ينبهششوهم علششى مكايششد‬
‫الشيطان فيه بل نابوا عن الشيطان في تنفيذ مكيدته فاستمر الناس عليششه ونسششوا أمهششات‬
‫دينهم فقد هلكوا وأهلكوا فالله تعالى يتوب علينا وعليهم وقال الحسن بلغنا أن إبليس قال‬
‫سولت لمة محمد صلى الله عليه وسلم المعاصششي فقصششموا ظهششري بالسششتغفار فسششولت‬
‫لهم ذنوبا ل يستغفرون الله تعالى منها وهي الهواء وقد صششدق الملعششون فششإنهم ل يعلمششون‬
‫أن ذلك من السباب التي تجر إلششى المعاصششي فكيششف يسششتغفرون منهششا ومششن عظيششم حيششل‬
‫الشيطان أن يشششغل النسششان عششن نفسششه بالختلفششات الواقعششة بيششن النششاس فششي المششذاهب‬
‫والخصومات قال عبد الله بن مسعود جلششس قششوم يششذكرون اللششه تعششالى فأتششاهم الشششيطان‬
‫ليقيمهم عن مجلسهم ويفرق بينهم فلم يستطع فأتى رفقة أخشرى يتحشدثون بحشديث الشدنيا‬
‫فأفسد بينهم فقاموا يقتتلون وليس إياهم يريد فقام الششذين يششذكرون اللششه تعششالى فاشششتغلوا‬
‫بهم يفصلون بينهم فتفرقوا عن مجلسهم وذلششك مششراد الشششيطان منهششم ومششن أبششوابه حمششل‬
‫العوام الذين لم يمارسوا العلم ولم يتبحروا فيه على التفكر في ذات اللششه تعششالى وصششفاته‬
‫وفي أمور ل يبلغها حد عقولهم حتى يشككهم في أصل الدين أو يخيل إليهم في الله تعالى‬
‫خيالت يتعالى الله عنها يصير أحدهم بها كافرا أو مبتدعا وهو به فششرح مسششرور مبتهششج بمششا‬
‫وقع في صدره يظن ذلك هو المعرفة والبصيرة وأنه انكشف له ذلك بششذكائه وزيششادة عقلششه‬
‫‪ 1‬حديث فاطمة بضعة مني متفق عليه من حديث المسور بن مخرمة‬
‫‪ 2‬حديث إني ل أغني عنك من الله شيئا قاله لفاطمة متفق عليه من حديث أبي هريرة‬
‫فأشد الناس حماقة أقششواهم اعتقششادا فششي عقششل نفسششه وأثبششت النششاس عقل أشششدهم اتهامششا‬
‫لنفسه وأكثرهم سؤال من العلماء قالت عائشة رضي الله عنها قال رسول الله صلى اللششه‬
‫عليه وسلم إن الشيطان يأتي أحدكم فيقول من خلقك فيقول اللششه تبششارك وتعششالى فيقششول‬
‫فمن خلق الله فإذا وجد أحدكم ذلك فليقل آمنت بالله ورسوله فإن ذلك يذهب عنه حديث‬
‫عائشة أن الشيطان يشأتي أحشدكم فيقشول مشن خلقشك فيقشول اللشه الحشديث أخرجشه أحمشد‬
‫والبزار وأبو يعلى في مسانيدهم ورجاله ثقششات وهششو متفششق عليششه مششن حششديث أبششي هريششرة‬
‫والنبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بالبحث في علج هذا الوسششواس فششإن هششذا وسششواس‬
‫يجده عوام الناس دون العلماء وإنما حششق العششوام أن يؤمنششوا ويسششلموا ويشششتغلوا بعبششادتهم‬
‫ومعايشهم ويتركوا العلم للعلماء فالعامي لو يزني ويسرق كان خيرا له من أن يتكلششم فششي‬
‫العلم فإنه من تكلم في الله وفي دينه من غير إتقششان العلشم وقششع فشي الكفشر مشن حيشث ل‬
‫يدري كمن يركب لجة البحر وهو ل يعرف السباحة ومكايد الشششيطان فيمششا يتعلششق بالعقششائد‬
‫والمذاهب ل تحصر وإنما أردنا بما أوردناه المثال ومن أبوابه سوء الظششن بالمسششلمين قششال‬
‫الله تعالى يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثششم فمششن يحكششم بشششر‬
‫على غيره بالظن بعثه الشيطان على أن يطول فيه اللسششان بالغيبششة فيهلششك أو يقصششر فششي‬
‫القيام بحقوقه أو يتوانى في إكرامه وينظر إليه بعين الحتقار ويرى نفسشه خيشرا منشه وكشل‬
‫ذلك من المهلكات ولجل ذلك منع الشرع من التعرض للتهم فقال صلى الله عليششه وسششلم‬
‫اتقوا مواضع التهم‪ 1‬حتى احترز هو صلى الله عليه وسلم من ذلك روي عن علي بن حسين‬
‫أن صفية بنت حيى بن أخطب أخبرته أن النبي صششلى اللششه عليششه وسششلم كششان معتكفششا فششي‬
‫المسجد قالت فأتيته فتحدثت عنشده فلمشا أمسشيت انصشرفت فقشام يمششي معشي فمشر بشه‬
‫رجلن من النصار فسلما ثم انصرفا فناداهما وقال إنها صفة بنت حيى فقال يا رسول الله‬
‫ما نظن بك إل خيرا فقال إن الشيطان يجرى من ابن آدم مجششرى الششدم مششن الجسششد وإنششي‬
‫خشيت أن يدخل عليكما‪ 2‬فانظر كيف أشفق صلى الله عليه وسلم على دينهمششا فحرسششهما‬
‫وكيف أشفق على أمته فعلمهم طريق الحتراز من التهمششة حششتى ل يتسششاهل العششالم الششورع‬
‫المعروف بالدين في أحواله فيقول مثلي ل يظن به إل الخير إعجابا منه بنفسششه فششإن أورع‬
‫الناس وأتقاهم وأعلمهم ل ينظر الناس كلهششم إليششه بعيششن واحششدة بششل بعيششن الرضششا بعضششهم‬
‫وبعين السخط بعضهم ولذلك قال الشاعر وعين الرضششا عششن كششل عيششب كليلششة ولكششن عيششن‬
‫السخط تبدي المساويا فيجب الحتراز عن ظن السوء وعن تهمة الشرار فششإن الشششرار ل‬
‫يظنون بالناس كلهم إل الشر فمهما رأيت إنسانا يسيء الظن بالناس طالبا للعيوب فششاعلم‬
‫أنه خبيث الباطن وأن ذلك خبثه يترشح منه وإنمششا رأى غيششره مششن حيششث هششو فششإن المششؤمن‬
‫يطلب المعاذير والمنافق يطلب العيوب والمؤمن سليم الصدر في حق كافة الخلششق فهششذه‬
‫بعض مداخل الشيطان إلى القلب ولو أردت استقصششاء جميعهششا لششم أقششدر عليششه وفششي هششذا‬
‫القدر ما ينبه على غيره فليس في الدمي صفة مذمومة إل وهي سلح الشششيطان ومششدخل‬
‫من مداخله فإن قلت فما العلج في دفع الشيطان وهل يكفشي فشي ذلشك ذكشر اللشه تعشالى‬
‫وقول النسان ل حول ول قوة إل بالله فاعلم أن علج القلب في ذلششك سششد هششذه المششداخل‬
‫بتطهير القلب من هذه الصفات المذمومة وذلك مما يطول ذكره وغرضششنا فششي هششذا الربششع‬
‫من الكتاب بيان علج الصفات المهلكات وتحتاج كل صفة إلى كتاب منفرد على ما سششيأتي‬
‫شرحه نعم إذا قطعت من القلب أصششول هششذه الصششفات كششان للشششيطان بششالقلب اجتيششازات‬
‫وخطرات ولم يكن له استقرار ويمنعه مششن الجتيششاز ذكششر اللششه تعششالى لن حقيقششة الششذكر ل‬
‫تتمكن من القلب إل بعد عمارة القلب بالتقوى وتطهيره من الصفات المذمومة وإل فيكون‬
‫الذكر حديث نفس ل سلطان له على القلب فل يدفع سلطان الشششيطان ولششذلك قششال اللششه‬
‫تعالى إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف مششن الشششيطان تششذكروا فششإذا هششم مبصششرون خصششص‬
‫بذلك المتقى فمثل الشيطان كمثل كلب جائع يقرب منك فإن لششم يكششن بيششن يششديك خششبز أو‬
‫لحم فإنه ينزجر بأن تقول له اخسأ فمجرد الصوت يدفعه فإن كان بين يديك لحم وهو جائع‬
‫‪ 1‬حديث اتقوا مواضع التهم لم أجد له أصل‬
‫‪ 2‬حديث صفية بنت حيى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان معتكفا فأتيته فتحدثت عنده الحديث وفيه أن‬
‫الشطيان يجري من ابن آدم مجرى الدم متفق عليه‬
‫فإنه يهجم على اللحم ول يندفع بمجرد الكلم فالقلب الخالي عششن قششوت الشششيطان ينزجششر‬
‫عنه بمجرد الذكر فأما الشهوة إذا غلبششت علشى القلششب دفعششت حقيقششة الششذكر إلششى حواشششي‬
‫القلب فلم يتمكن من سويدائه فيستقر الشيطان في سويداء القلب وأمششا قلششوب المتقيششن‬
‫الخالية من الهوى والصششفات المذمومششة فششإنه يطرقهششا الشششيطان ل للشششهوات بششل لخلوهششا‬
‫بالغفلة عن الذكر فإذا عاد إلى الذكر خنس الشيطان ودليل ذلك قوله تعالى فاستعذ بششالله‬
‫من الشيطان الرجيم وسششائر الخبششار واليششات الششواردة فششي الششذكر قششال أبششو هريششرة التقششى‬
‫شيطان المؤمن وشيطان الكافر فإذا شيطان الكافر دهين سمين كاس وشششيطان المششؤمن‬
‫مهزول أشعث أغبر عار فقال شيطان الكافر لشيطان المؤمن مالششك مهشزول قششال أنششا مششع‬
‫رجل إذا أكل سمى الله فأظل جائعا وإذا شرب سمى الله فأظل عطشانا وإذا لبس سمى‬
‫الله فأظل عريانا وإذا أدهن سمى الله فأظل شعثا فقال لكني مع رجل ل يفعل شششيئا مششن‬
‫ذلك فأنا أشاركه في طعامه وشرابه ولباسه وكان محمد بن واسع يقول كل يوم بعد صلة‬
‫الصبح اللهم إنك سلطت علينا عدوا بصيرا بعيوبنا يرانا هو وقبيله من حيث ل نراهششم اللهششم‬
‫فآيسه منا كما آيسته من رحمتك وقنطه منا كما قنطته من عفششوك وباعششد بيننششا وبينششه كمششا‬
‫باعدت بينه وبين رحمتك إنك على كل شيء قدير قال فتمثل لششه إبليششس يومششا فششي طريششق‬
‫المسجد فقال له يا ابن واسع هل تعرفني قال ومن أنت قال أنا إبليس فقال وما تريد قال‬
‫أريد أن ل تعلم أحد هذه الستعاذة ول أتعرض لك قال والله ل أمنعها ممششن أراد فاصششنع مششا‬
‫شئت وعن عبد الرحمن ابن أبي ليلى قال كان شيطان يأتي النبي صلى اللششه عليششه وسششلم‬
‫بيده شعلة من نار فيقوم بين يديه وهو يصلي فيقرأ ويتعوذ فل يذهب فأتششاه جبرائيششل عليششه‬
‫السلم فقال له قل أعوذ بكلمات الله التامات التي ل يجاوزهن بر ول فاجر من شر ما يلج‬
‫في الرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها ومن فتن الليل والنهار ومن‬
‫طوارق الليل والنهار إل طارقا يطرق بخير يا رحمن فقال ذلك فطفئت شششعلته وخششر علششى‬
‫وجهه‪ 1‬وقال الحسن نبئت أن جبرائيل عليه السلم أتى النبي صلى الله عليه وسششلم فقششال‬
‫إن عفريتا من الجن يكيدك فإذا أويت إلى فراشك فششاقرأ آيششة الكرسششي‪ 2‬وقششال صششلى اللششه‬
‫عليه وسلم أتاني الشيطان فنازعني ثم نازعني فأخششذت بحلقششه فوالششذي بعثنششي بششالحق مششا‬
‫أرسلته حتى وجدت برد ماء لسانه على يدي ولول دعوة أخي سليمان عليه السششلم لصششبح‬
‫طريحا في المسجد‪ 3‬وقال صلى الله عليه وسلم ما سلك عمر فجا إل سلك الشيطان فجا‬
‫غير الذي سلكه عمر‪ 4‬وهذا لن القلوب كانت مطهرة عششن مرعششى الشششيطان وقششوته وهششي‬
‫الشهوات فمهما طمعت في أن يندفع الشيطان عنك بمجششرد الششذكر كمششا انششدفع عششن عمششر‬
‫رضي الله عنه كان محال وكنت كمن يطمع أن يشرب دواء قبل الحتماء والمعدة مشغولة‬
‫بغليظ الطعمة ويطمع أن ينفعه كما نفع الذي شربه بعد الحتمششاء وتخليششة المعششدة والششذكر‬
‫الدواء والتقوى احتماء وهي تخلي القلب عن الشهوات فإذا نزل الذكر قلبا فارغا عششن غيششر‬
‫الذكر اندفع الشيطان كما تندفع العلة بنزول الدواء في المعدة الخالية عششن الطعمششة قششال‬
‫الله تعالى إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب وقال تعالى كتب عليه أنه مششن تششوله فششأنه‬
‫يضله ويهديه إلى عذاب السعير ومششن سششاعد الشششيطان بعملششه فهششو مششواليه وإن ذكششر اللششه‬

‫‪ 1‬حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى كان الشيطان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم بيده شعلة من نار الحديث‬
‫أخرجه ابن أبي الدنيا في مكايد الشيطان هكذا مرسل ولمالك في الموطأ نحوه عن يحيى بن سعيد مرسل‬
‫ووصله ابن عبد البر في التمهيد من رواية يحيى ابن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة عن عياش‬
‫الشامي عن ابن مسعود ورواه أحمد والبزار من حديث عبد الرحمن بن حبيش وقيل له كيف صنع رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ليلة كادته الشياطين فذكر نحوه‬
‫‪ 2‬حديث الحسن نبئت أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن عفريتا من الجن يكيدك الحديث‬
‫أخرجه ابن أبي الدنيا في مكايد الشيطان هكذا مرسل‬
‫‪ 3‬حديث أتاني شيطان فنازعني ثم نازعني فأخذت بحلقه الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا من رواية الشعبي‬
‫مرسل هكذا وللبخاري من حديث أبي هريرة أن عفريتا من الجن تفلت علي البارحة أو كلمة نحوها ليقطع‬
‫علي صلتي فأمكنني الله منه الحديث والنسائي في الكبرى من حديث عائشة كان يصلي فأتاه الشيطان‬
‫فأخذه فصرعه فخنقه وقال حتى وجدت برد لسانه على يدي الحديث وإسناده جيد‬
‫‪ 4‬حديث ما سلك عمر فجا إل سلك الشيطان فجا غير فجه متفق عليه من حديث سعد بن أبي وقاص بلفظ‬
‫يا ابن الخطاب ما لقيك الشيطان سالكا فجا الحديث‬
‫بلسانه وإن كنت تقول الحديث قد ورد مطلقا بشأن الششذكر يطششرد الشششيطان‪ 1‬ولششم تفهشم أن‬
‫أكثر عمومات الشرع مخصوصة بشروط نقلها علماء الدين فأنظر إلى نفسك فليس الخبر‬
‫كالعيان وتأمل أن منتهى ذكرك وعبادتك الصلة فراقششب قلبششك إذا كنششت فششي صششلتك كيششف‬
‫يجاذبه الشيطان إلى السواق وحساب العالمين وجواب المعاندين وكيف يمر بك في أودية‬
‫الدنيا ومهالكها حتى إنك ل تذكر ما قد نسيته من فضششول الششدنيا إل فششي صششلتك ول يزدحششم‬
‫الشيطان على قلبك إل إذا صليت فالصلة محشك القلشوب فبهشا يظهشر محاسشنها ومسشاويها‬
‫فالصلة ل تقبل من القلوب المشحونة بشهوات الدنيا فل جرم ل ينطرد عنك الشيطان بل‬
‫ربما يزيد عليك الوسواس كما أن الدواء قبل الحتماء ربما يزيششد عليششك الضششرر فششإن أردت‬
‫الخلص من الشيطان فقدم الحتماء بالتقوى ثم أردفه بدواء الذكر يفر الشيطان منك كمششا‬
‫فر من عمر رضي الله عنه ولذلك قال وهب بششن منبششه اتششق اللششه ول تسششب الشششيطان فششي‬
‫العلنية وأنت صديقه في السر أي أنت مطيع له وقال بعضهم يا عجبا لمن يعصى المحسن‬
‫بعد معرفته بإحسانه ويطيع اللعين بعد معرفته بطغيانه وكمشا أن اللشه تعشالى قشال ادعشوني‬
‫استجب لكم وأنت تدعوه ول يستجيب لك فكذلك تذكر الله ول يهرب الشيطان منك لفقششد‬
‫شروط الذكر والدعاء قيل لبراهيم بن أدهم ما بالنا ندعو فل يستجاب لنا وقد قششال تعششالى‬
‫ادعوني استجب لكم قال لن قلوبكم ميتة قيل وما الذي أماتها قششال ثمششان خصششال عرفتششم‬
‫حق الله ولم تقوموا بحقه وقرأتم القرآن ولم تعملوا بحدوده وقلتم نحب رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ولم تعملوا بسنته وقلتم نخشى الموت ولششم تسششتعدوا لششه وقششال تعششالى إن‬
‫الشيطان لكم عدوا فاتخذوه عدوا فواطأتموه على المعاصي وقلتششم نخششاف النششار وأرهقتششم‬
‫أبدانكم فيها وقلتم نحب الجنة ولم تعملوا لها وإذا قمتم من فرشششكم رميتششم عيششوبكم وراء‬
‫ظهوركم وافترشتم عيوب الناس أمامكم فأسخطتم ربكم فكيف يستجيب لكششم فششإن قلششت‬
‫فالداعي إلى المعاصي المختلفة شيطان واحد أو شياطين مختلفون فاعلم أنه ل حاجة لك‬
‫إلى معرفة ذلك في المعاملة فاشتغل بدفع العدو ول تسأل عن صفته كل البقل من حيششث‬
‫يؤتي ول تسأل عن المبقلة ولكن الذي يتضح بنور الستبصار في شواهد الخبار أنهم جنششود‬
‫مجندة وأن لكل نوع من المعاصي شيطانا يخصه ويدعو إليه فأما طريق الستبصار فششذكره‬
‫يطول ويكفيك القدر الذي ذكرناه وهو أن اختلف المسببات يدل على اختلف السباب كما‬
‫ذكرناه في نور النار وسواد الدخان وأما الخبار فقد قال مجاهد لبليس خمسششة مششن الولد‬
‫قد جعل كل واحد منهم على شيء من أمره ثبر والعور ومبسوط وداسم وزلنبور فأما ثبر‬
‫فهو صاحب المصائب الذي يأمر بالثبور وشق الجيوب ولطم الخدود ودعوى الجاهلية وأمششا‬
‫العور فإنه صاحب الزنا يأمر به ويزينه وأما مبسوط فهو صاحب الكذب وأمششا داسششم فششإنه‬
‫يدخل مع الرجل إلى أهله يرميهم بالعيب عنششده ويغضششبه عليهششم وأمششا زلنبششور فهششو صششاحب‬
‫السوق فبسببه ل يزالششون متظلميششن وشششيطان الصششلة يسششمى خنششزب‪ 2‬وشششيطان الوضششوء‬
‫يسمى الولهان‪ 3‬وقد ورد في ذلك أخبار كثيرة وكما أن الشياطين فيهشم كششثرة فكشذلك فشي‬
‫الملئكة وقد ذكرنا في كتاب الشكر السر في كششثرة الملئكششة واختصششاص كششل واحششد منهششم‬
‫بعمل منفرد به وقد قال أبو أمامة الباهلي قال رسشول اللشه صشلى اللشه عليشه وسشلم وكشل‬
‫بالمؤمن مائة وستون ملكا يذبون عنه ما لم يقدر عليه من ذلك للبصر سشبعة أملك يشذبون‬
‫عنه كما يذب الذباب عن قصعة العسل في اليوم الصائف وما لو بششدا لكششم لرأيتمششوه علششى‬
‫كل سهل وجبل كل باسط يده فاغر فاه ولو وكل العبد إلشى نفسشه طرفشة عيشن لختطفتشه‬
‫الشياطين‪ 4‬وقال أيوب بن يونس بن يزيد بلغنا أنه يولد من أبناء النس من أبنششاء الجششن ثششم‬
‫ينشئون معهم وروى جابر ابن عبد الله أن آدم عليه السلم لما هبط إلى الرض قال يششارب‬
‫هذا الذي جعلت بيني وبينه عداوة إن لم تعني عليه ل أقوى عليششه قششال ل يولششد لششك ولششد إل‬

‫‪ 1‬الحديث الوارد بأن الذكر يا عمر يطرد الشيطان تقدم‬


‫‪ 2‬حديث إن شيطان الصلة يسمى خنزب أخرجه مسلم من حديث عثمان بن أبي العاص وقد تقدم أول‬
‫الحديث‬
‫‪ 3‬حديث إن شيطان الوضوء يسمى الولهان تقدم وهو عند الترمذي من حديث أبي‬
‫‪ 4‬حديث أبي أمامة وكل بالمؤمن مائة وستون ملكا يذبون عنه الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا في مكايد‬
‫الشيطان والطبراني في المعجم الكبير بإسناد ضعيف‬
‫وكل به ملك قال يارب زدني قال أجزي بالسيئة سيئة وبالحسنة عشرا إلششى مششا أريششد قششال‬
‫رب زدني قال باب التوبة مفتوح ما دام في الجسد الروح قال إبليس يارب هذا العبد الذي‬
‫كرمته علي إن ل تعني عليه ل أقوى عليه قال ل يولد لششه ولششد إل ولششد لششك ولششد قششال يششارب‬
‫زدني قال تجري منهم مجرى الششدم وتتخششذون صششدورهم بيوتششا قششال رب زدنششي قششال أجلششب‬
‫عليهم بخيلك ورجلك إلى قوله غرورا وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم خلق الله الجن ثلثة أصناف صنف حيششات وعقششارب وخشششاش الرض‬
‫وصنف كالريح في الهواء وصنف عليهشم الثششواب والعقشاب وخلششق اللشه تعشالى النشس ثلثشة‬
‫أصناف صنف كالبهائم كما قال تعالى لهم قلوب ل يفقهون بها ولهم أعيششن ل يبصششرون بهششا‬
‫ولهم آذان ل يسمعون بها أولئك كالنعام بل هم أضششل وصششنف أجسششامهم أجسششام بنششي آدم‬
‫‪1‬‬
‫وأرواحهم أرواح الشياطين وصنف في ظل اللششه تعششالى يششوم القيامششة يششوم ل ضششل إل ظله‬
‫وقال وهيب بن الورد بلغنا أن إبليس تمثل ليحيى بن زكريا عليهما السلم وقششال إنششي أريششد‬
‫أن أنصحك قال ل حاجة لي في نصحك ولكن أخششبرني عششن بنششي آدم قششال هششم عنششدنا ثلثششة‬
‫أصناف أما صنف منهم وهم أشد الصناف علينا نقبل على أحدهم حتى نفتنه ونتمكششن منششه‬
‫فيفزع إلى الستغفار والتوبة فيفسد علينا كل شيء أدركنا منه ثم نعود إليه فيعود فل نحن‬
‫نيأس منه ول نحن ندرك منه حاجتنا فنحن منه في عناء وأما الصنف الخر فهششم فششي أيششدينا‬
‫بمنزل الكرة في أيدي صبيانكم نقلبهم كيف شئنا قد كفونششا أنفسششهم وأمششا الصششنف الثششالث‬
‫فهم مثلك معصومون ل نقدر منهم على شيء فششإن قلششت فكيششف يتمثششل الشششيطان لبعششض‬
‫الناس دون البعض وإذا رأى صورة فهل هي صورته الحقيقية أو هو مثال يمثل لششه بششه فششإن‬
‫كان على صورته الحقيقية فكيف يرى بصور مختلفة وكيف يرى في وقت واحد في مكانين‬
‫وعلى صورتين حتى يراه شخصان بصورتين مختلفششتين فششأعلم أن الملششك والشششيطان لهمششا‬
‫صورتان هي حقيقة صورتهما ول تدرك حقيقششة صشورتهما بالمشششاهدة إل بششأنوار النبششوة فمششا‬
‫رأى النبي صلى الله عليه وسلم جبرائيل عليششه السشلم فششي صششورته إل مششرتين‪ 2‬وذلششك أنششه‬
‫سأله أن يريه نفسه على صورته فواعده بالبقيع وظهر له بحراء فسد الفق مششن المشششرق‬
‫إلى المغرب ورآه مرة أخرى على صورته ليلة المعراج عند سدرة المنتهى وإنما كان يششراه‬
‫في صورة الدمي غالبشا‪ 3‬فكشان يشراه فشي صشورة دحيشة الكلشبي‪ 4‬وكشان رجل حسشن الشوجه‬
‫والكثر أنه يكاشف أهل المكاشفة من أرباب القلوب بمثال صششورته فيتمثششل الشششيطان لششه‬
‫في اليقظة فيراه بعينه ويسمع كلمه بأذنه فيقوم ذلك مقشام حقيقشة صشورته كمشا ينكششف‬
‫في المنام لكثر الصالحين وإنما المكاشف في اليقظة هو الشذي انتهشى إلشى رتبشة ل يمنعشه‬
‫اشتغال الحواس بالدنيا عن المكاشفة التي تكون في المنششام فيششرى فششي اليقظششة مششا يششراه‬
‫غيره في المنام كما روى عن عمر بن عبد العزيز رحمششه اللششه أن رجل سششأل ربششه أن يريششه‬
‫موضع الشيطان من قلب ابن آدم فرأى في النوم جسد رجل شبه البلور يششرى داخلششه مششن‬
‫خارجه ورأى الشيطان في صورة ضفدع قاعششد علششى منكبششه اليسششر بيششن منكبششه وأذنششه لششه‬
‫خرطوم طويل دقيق قد أدخله من منكبه اليسششر إلششى قلبششه يوسششوس إليششه فششإذا ذكششر اللششه‬
‫تعالى خنس ومثل هذا قد يشاهد بعينه في اليقظة فقد رآه بعششض المكاشششفين فششي صششورة‬
‫كلب جاثم على جيفة يشدعو النشاس إليهششا وكشانت الجيفشة مثششال الششدنيا وهشذا يجششري مجشرى‬
‫مشاهدة صورته الحقيقية فإن القلب ل بد وأن تظهر فيششه حقيقششة مششن الششوجه الششذي يقابششل‬
‫عالم الملكوت وعند ذلك يشرق أثره على وجهشه الششذي يقابششل عشالم الملشك والشششهادة لن‬

‫‪ 1‬حديث أبي الدرداء خلق الله الجن ثلثة أصناف صنف حيات وعقارب الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا في‬
‫مكايد الشيطان وابن حبان في الضعفاء في ترجمة يزيد بن سنان وضعفه والحاكم نحوه مختصرا في الجن‬
‫فقط ثلثة أصناف من حديث أبي ثعلبة الخشني وقال صحيح السناد‬
‫‪ 2‬حديث أنه صلى الله عليه وسلم ما رأى جبريل في صورته إل مرتين أخرجه الشيخان من حديث عائشة‬
‫وسئلت هل رأى محمد ربه وفيه ولكنه رأى جبريل في صورته مرتين‬
‫‪ 3‬حديث أنه كان يرى جبريل في صورة الدمي غالب أخرجه الشيخان من حديث عائشة وسئلت فأين قوله‬
‫ثم دنا فتدلى قالت ذاك جبريل كان يأتيه في صورة الرجل الحديث‬
‫‪ 4‬حديث أنه كان يرى جبريل في صورة دحية الكلبي أخرجه الشيخان من حديث أسامة بن زيد أن جبريل أتى‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أم سلمة فجعل يحدث ثم قام قال النبي صلى الله عليه وسلم لم سلمة‬
‫من هذا قالت دحية الحديث‬
‫أحدهما متصل بالخر وقد بينا أن القلب له وجهان وجه إلى عالم الغيب وهو مدخل اللهششام‬
‫والوحي ووجه إلى عششالم الشششهادة فالششذي يظهششر منششه فششي الششوجه الششذي يلششي جششانب عششالم‬
‫الشششهادة ل يكششون إل صششورة متخيلششة لن عششالم الشششهادة كلششه متخيلت إل أن الخيششال تششارة‬
‫يحصل من النظر إلى ظاهر عالم الشهادة بالحس فيجوز أن ل تكششون الصششورة علششى وفششق‬
‫المعنى حتى يرى شخصا جميل الصورة وهو خبيث الباطن قبيششح السششر لن عششالم الشششهادة‬
‫عالم كثير التلبيس أما الصورة التي تحصل في الخيششال مششن إشششراق عششالم الملكششوت علششى‬
‫باطن سر القلوب فل تكون إل محاكية للصفة وموافقة لها لن الشيطان فششي صششورة كلششب‬
‫وضششفدع للصششفة وموافقششة لهششا فل جششرم ل يششرى المعنششى القبيششح إل بصششورة قبيحششة فيششرى‬
‫الشيطان في صورة كلب وضفدع وخنزير وغيرها ويرى الملششك فششي صششورة جميلششة فتكششون‬
‫تلك الصورة عنوان المعاني ومحاكية لها بالصشدق ولشذلك يشدل القشرد والخنزيشر فشي النشوم‬
‫على إنسان خبيث وتدل الشاة على إنسان سليم الصدر وهكذا جميع أبواب الرؤيا والتعششبير‬
‫وهذه أسرار عجيبة وهي من أسرار عجشائب القلششب ول يليششق ذكرهششا بعلشم المعاملششة وإنمششا‬
‫المقصود أن تصدق بششأن الشششيطان ينكشششف لربششاب القلششوب وكششذلك الملششك تششارة بطريششق‬
‫التمثيل والمحاكاة كما يكون ذلشك فشي النشوم وتشارة بطريشق الحقيقشة والكشثر هشو التمثيشل‬
‫بصورة محاكية للمعنى هشو مثشال المعنشى ل عيشن المعنشى إل أنشه يششاهد بشالعين مششاهدة‬
‫محققة وينفرد بمشاهدته المكاشف دون من حوله كالنائم‪.‬‬
‫بيان ما يؤاخذ به العبد من وساوس القلوب وهمها‬
‫وخواطرها وقصودها وما يعفى عنه ول يؤاخذ به‬
‫اعلم أن هذا أمر غامض وقد وردت فيه آيات وأخبار متعارضة يلتبس طريق الجمع بينهششا إل‬
‫على سماسرة العلماء بالشرع فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال عفى عن‬
‫أمتي ما حدثت به نفوسها ما لم تتكلم به أو تعمل به‪ 1‬وقششال أبششو هريششرة قششال رسششول اللششه‬
‫صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى يقول للحفظشة إذا هشم عبشدي بسشيئة فل تكتبوهشا فشإن‬
‫‪2‬‬
‫عملها فاكتبوها سيئة وإذا هم بحسنة لم يعملها فاكتبوها حسنة فإن عملها فاكتبوها عشششرا‬
‫وقد خرجه البخاري ومسلم في الصحيحين وهو دليل على العفششو عششن عمششل القلششب وهمششه‬
‫بالسيئة وفي لفظ آخر من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة ومن هم بحسششنة فعملهششا‬
‫كتبت له إلى سبعمائة ضعف ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتششب عليششه وإن عملهششا كتبششت‬
‫وفي لفظ آخر وإذا تحدث بأن يعمل سيئة فأنا أغفرها له ما لم يعملها وكل ذلك يشدل علشى‬
‫العفو فأما مششا يششدل علششى المؤاخششذة فقششوله سششبحانه إن تبششدوا مششا فششي أنفسششكم أو تخفششوه‬
‫يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وقوله تعالى ول تقف ما ليششس لششك بششه‬
‫علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئول فدل على أن عمل الفؤاد كعمل‬
‫السمع والبصر فل يعفي عنه وقوله تعالى ول تكتموا الشهادة ومششن يكتمهششا فششإنه آثششم قلبششه‬
‫وقوله تعالى ل يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلششوبكم والحششق‬
‫عندنا في هذه المسألة ل يوقف عليه ما لم تقع الحاطة بتفصيل أعمال القلششوب مششن مبششدأ‬
‫ظهورها إلى أن يظهر العمل على الجوارح فنقول أول ما يرد على القلب الخششاطر كمششا لششو‬
‫خطر له مثل صورة امرأة وأنها وراء ظهره في الطريق لو التفت إليها لرآها والثاني هيجان‬
‫الرغبة إلى النظر وهو حركة الشهوة في الطبع وهذا يتولد من الخاطر الول ونسميه ميششل‬
‫الطبع ويسمى الول حديث النفس والثالث حكم القلب بأن هذا ينبغي أن يفعششل أي ينبغششي‬
‫أن ينظر إليها فإن الطبع إذا مال لم تنبعث الهمة والنية مششا لششم تنششدفع الصششوارف فششإنه قششد‬
‫يمنعه حياء أو خوف من اللتفات وعدم هذه الصوارف ربما يكون بتأمل وهو على كل حال‬
‫حكم من جهة العقل ويسمى هذا اعتقادا وهو يتبششع الخششاطر والميششل الرابششع تصششميم العششزم‬
‫على اللتفات وجزم النية فيه وهذا نسميه هما بالفعل ونية وقصدا وهذا الهم قد يكششون لششه‬

‫‪ 1‬حديث عفى لمتى عما حدثت به نفوسها متفق عليه من حديث أبي هريرة إن الله تجاوز لمتي عما حدثت‬
‫به أنفسها الحديث‬
‫‪ 2‬حديث أبي هريرة يقول الله إذا هم عبدي بسيئة فل تكتبوها عليه الحديث قال المصنف أخرجه مسلم‬
‫والبخاري في الصحيحين قلت هو كما قال واللفظ لمسلم فلهذا والله أعلم قدمه في الذكر‬
‫مبدأ ضعيف ولكن إذا أصغى القلب إلى الخاطر الول حتى طالت مجاذبته للنفس تأكد هذا‬
‫الهم وصار إرادة مجزومة فإذا انجزمت الرادة فربما يندم بعد الجزم فيترك العمششل وربمششا‬
‫يغفل بعارض فل يعمل به ول يلتفت إليه وربما يعوقه عائق فيتعذر عليه العمل فههنششا أربششع‬
‫أحوال للقلب قبل العمل بالجارحة الخاطر وهو حديث النفس ثم الميل ثم العتقاد ثم الهم‬
‫فنقول أما الخاطر فل يؤاخذ به لنه ل يدخل تحت الختيار وكششذلك الميشل وهيجشان الشششهوة‬
‫لنهما ل يدخلن أيضا تحت الختيار وهما المرادان بقوله صلى الله عليه وسششلم صششلى اللششه‬
‫عليه وسلم عفى عن أمتي ما حدثت به نفوسها فحديث النفس عبارة عششن الخششواطر الششتي‬
‫تهجس في النفس ول يتبعها عزم على الفعل فأما الهم والعزم فل يسششمى حششديث النفششس‬
‫بل حديث النفس كما روي عن عثمان بن مظعون حيث قال للنبي صلى الله عليه وسلم يا‬
‫رسول الله نفسي تحششدثني أن أطلششق خولششة قششال مهل إن مششن سششنتي النكششاح قششال نفسششي‬
‫تحدثني أن أجب نفسي قال مهل خصاء أمتي دءوب الصيام قال نفسي تحدثني أن أترهششب‬
‫قال مهل رهبانية أمتي الجهاد والحج قال نفسششي تحششدثني أن أتششرك اللحششم قششال مهل فششإني‬
‫أحبه ولو أصبته لكلته ولو سألت الله لطعمنيه‪ 1‬فهذه الخواطر التي ليس معها عششزم علششى‬
‫الفعل هي حديث النفس ولذلك شاور رسول الله صلى الله عليششه وسشلم إذ لششم يكششن معششه‬
‫عزم وهم بالفعل وأما الثالث وهو العتقاد وحكم القلب بأنه ينبغي أن يفعل فهذا تردد بيششن‬
‫أن يكون اضطرارا أو اختيارا والحوال تختلف فيه فالختياري منه يؤاخذ به والضششطراري ل‬
‫يؤاخذ به وأما الرابع وهو الهم بالفعل فإنه مؤاخذ به إل أنه إن لم يفعل نظر فششإن كششان قششد‬
‫تركه خوفشا مشن اللشه تعشالى ونشدما علشى همشه كتبشت لشه حسشنة لن همشه سشيئة وامتنشاعه‬
‫ومجاهدته نفسه حسنة والهم على وفق الطبع مما يدل على تمام الغفلششة عششن اللششه تعششالى‬
‫والمتناع بالمجاهدة على خلف الطبع يحتاج إلى قوة عظيمة فجده في مخالفة الطبششع هششو‬
‫العمل لله تعالى والعمل لله تعالى أشد من جششده فششي موافقششة الشششيطان بموافقششة الطبششع‬
‫فكتب له حسنة لنه رجح جده في المتناع وهمه بششه علششى همششه بالفعششل وإن تعششوق الفعششل‬
‫بعائق أو تركه بعذر ل خوفا من الله تعالى كتبششت عليششه سششيئة فششإن همششه فعششل مششن القلششب‬
‫اختياري والدليل على هذا التفصيل مشا روى فششي الصشحيح مفصشل فششي لفشظ الحشديث قششال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قششالت الملئكششة عليهششم السششلم رب ذاك عبششدك يريششد أن‬
‫يعمل سيئة وهو أبصر به فقال ارقبوه فإن هو عملها فاكتبوها له بمثلها وإن تركها فاكتبوهششا‬
‫له حسنة إنما تركها من جرائي‪ 2‬وحيث قال فإن لم يعملها أراد به تركها للششه فأمششا إذا عششزم‬
‫على فاحشة فتعذرت عليه بسبب أو غفلة فكيف تكتب له حسنة وقد قال صلى اللششه عليششه‬
‫وسلم إنما يحشر الناس على نياتهم‪ 3‬ونحن نعلششم أن مششن عششزم ليل علششى أن يصششبح ليقتششل‬
‫‪ 1‬حديث إن عثمان بن مظعون قال يا رسول الله نفسي تحدثني أن أطلق خولة قال مهل إن من سنتي‬
‫النكاح الحديث أخرجه الترمذي الحكيم في نوادر الصول من رواية علي بن زيد عن سعيد بن المسيب‬
‫مرسل نحوه وفيه القاسم بن عبيد الله العمري كذبه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وللدارمي من حديث‬
‫سعد بن أبي وقاص لما كان من أمر عثمان بن مظعون الذي كان من ترك النساء بعث إليه رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم فقال يا عثمان إني لم أومر بالرهبانة الحديث وفيه من رغب عن سنتي فليس مني‬
‫وهو عندكم بلفظ رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل ولو أذن له لختصينا‬
‫وللبغوي والطبراني في معجمي الصحابة بإسناد حسن من حديث عثمان بن مظعون أنه قال يا رسول الله‬
‫إني رجل تشق علي هذه العزوبة في المغازي فتأذن لي يا رسول الله في الخصاء فأختصي قال ل ولكن‬
‫عليك يا ابن مظعون بالصيام فإنه مجفرة ولحمد والطبراني بإسناد جيد من حديث عبد الله بن عمرو خصاء‬
‫أمتي الصيام والقيام وله من حديث سعيد بن العاص بإسناد فيه ضعف إن عثمان بن مظعون قال يا رسول‬
‫الله ائذن لي في الختصاء فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله قد أبدلنا بالرهبانية الحنيفية‬
‫السمحة والتكبير على كل شرف الحديث وابن ماجه بسند ضعيف من حديث عائشة النكاح من سنتي‬
‫ولحمد وأبي يعلى من حديث أنس لكل نبي وقال أبو يعلى لكل أمة رهبانية ورهبانية هذه المة الجهاد في‬
‫سبيل الله وفيه زيد العمى وهو ضعيف ولبي داود من حديث أبي أمامة إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل‬
‫الله وإسناده جيد‬
‫‪ 2‬حديث قالت الملئكة رب ذاك عبدك يريد أن يعمل سيئة وهو أبصر الحديث قال المصنف إنه في الصحيح‬
‫وهو كما قال في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة‬
‫‪ 3‬حديث إنما يحشر الناس على نياتهم أخرجه ابن ماجة من حديث جابر دون قوله إنما وله من حديث أبي‬
‫هريرة إنما يبعث الناس على نياتهم وإسنادهما حسن ومسلم من حديث عائشة يبعثهم الله على نياتهم وله‬
‫من حديث أم سلمة يبعثون على نياتهم‬
‫مسلما أو يزني بامرأة فمات تلك الليلة مات مصرا ويحشر على نيته وقد هششم بسششيئة ولششم‬
‫يعملها والدليل القاطع فيه ما روي عن النششبي صششلى اللششه عليششه وسششلم أنششه قششال إذا التقششى‬
‫المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار فقيل يا رسول اللششه هششذا القاتششل فمششا بششال‬
‫المقتول قال لنه أراد قتل صاحبه‪ 1‬وهذا نص في أنه صار بمجرد الرادة من أهل النششار مششع‬
‫أنه قتل مظلوما فكيف يظن أن الله ل يؤاخذ بالنية والهشم بشل كشل هشم دخشل تحشت اختيشار‬
‫العبد فهو مؤاخذ به إل أن يكفره بحسنة ونقض العزم بالندم حسنة فلذلك كتبت له حسششنة‬
‫فأما فوت المراد بعائق فليس بحسنه وأما الخواطر وحديث النفشس وهيجشان الرغبشة فكشل‬
‫ذلك ل يدخل تحت اختيار فالمؤاخذة به تكليف ما ل يطاق ولذلك لما نزل قششوله تعششالى وإن‬
‫تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله جاء نششاس مششن الصششحابة إلششى رسششول اللششه‬
‫صلى الله عليه وسلم وقالوا كلفنا ما ل نطيق إن أحدنا ليحدث نفسه بما ل يحششب أن يثبششت‬
‫في قلبه ثم يحاسب بذلك فقال صلى الله عليششه وسششلم لعلكششم تقولششون كمششا قششالت اليهششود‬
‫سمعنا وعصينا قولوا سمعنا وأطعنا فقالوا سمعنا وأطعنا‪ 2‬فأنزل الله الفرج بعد سنة بقوله‬
‫ل يكلف الله نفسا إل وسعها فظهر به أن كل ما ل يدخل تحت الوسع من أعمال القلب هو‬
‫الذي ل يؤاخذ به فهذا هو كشف الغطاء عن هذا اللتباس وكل من يظن أن كششل مششا يجششري‬
‫على القلب يسمى حديث النفس ولششم يفششرق بيششن هششذه القسششام الثلثششة فل بششد وأن يغلششط‬
‫وكيف ل يؤاخذ بأعمال القلب من الكبر والعجب والرياء والنفاق والحسششد وجملششة الخبششائث‬
‫من أعمال القلب بل السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئول أي ما يششدخل تحششت‬
‫الختيار فلو وقع البصر بغير اختيار على غير ذي محرم لم يؤاخذ به فإن أتبعها نظششرة ثانيششة‬
‫كان مؤاخذا به لنه مختار فكذا خواطر القلب تجري هذا المجرى بل القلب أولى بمؤاخذته‬
‫لنه الصل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم التقوى ههنا وأشار إلى القلب‪ 3‬وقال الله‬
‫تعالى لن ينال الله لحومها ول دماؤها ولكن يناله التقوى منكم وقال صلى الله عليه وسششلم‬
‫الثم حواز القلوب‪ 4‬وقال البر ما اطمأن إليه القلب وإن أفتوك وأفتوك‪ 5‬حتى إنششا نقششول إذا‬
‫حكم القلب المفتي بإيجاب شيء وكان مخطئا فيه صار مثابششا عليششه بششل مششن قششد ظششن أنششه‬
‫تطهر فعليه أن يصلي فإن صلى ثم تذكر أنه لم يتوضأ كان له ثششواب بفعلششه فششإن تششذكر ثششم‬
‫تركه كان معاقبا عليه ومن وجد على فراشه امرأة فظن أنها زوجته لم يعششص بوطئهششا وإن‬
‫كانت أجنبية فإن ظن أنها أجنبية ثم وطئها عصى بوطئها وإن كانت زوجته وكششل ذلششك نظششر‬
‫إلى القلب دون الجوارح‪.‬‬
‫بيان أن الوسواس هل يتصور أن ينقطع بالكلية عند الذكر‬
‫أم ل‬
‫اعلششم أن العلمششاء المراقششبين للقلششوب النششاظرين فششي صششفاتها وعجائبهششا اختلفششوا فششي هششذه‬
‫المسألة على خمس فرق فقالت فرقة الوسوسة تنقطع بذكر الله عز وجل لنه صلى اللشه‬
‫عليه وسلم قال فإذا ذكر الله خنس‪ 6‬والخنس هو السكوت فكأنه يسششكت وقششالت فرقششة ل‬
‫ينعدم أصله ولكن يجري في القلب ول يكون له أثششر لن القلششب إذا صششار مسششتوعبا بالششذكر‬
‫كان محجوبا عششن التششأثر بالوسوسششة كالمشششغول بهمششه فششإنه قششد يتكلششم ول يفهششم وإن كششان‬
‫الصوت يمر على سمعه وقالت فرقششة ل تسششقط الوسوسششة ول أثرهششا أيضششا ولكششن تسششقط‬
‫غلبتها للقلب فكأنه يوسوس من بعد وعلى ضعف وقالت فرقة ينعدم عند الذكر في لحظة‬

‫‪ 1‬حديث إذا التقى بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار الحديث متفق عليه من حديث أبي بكرة‬
‫‪ 2‬حديث لما نزل قوله تعالى وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله جاء ناس من الصحابة إلى‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا كلفنا ما ل نطيق الحديث أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة وابن‬
‫عباس نحوه‬
‫‪ 3‬حديث التقوى ههنا وأشار إلى القلب أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة وقال إلى صدره‬
‫‪ 4‬حديث الثم حواز القلوب تقدم في العلم‬
‫‪ 5‬حديث البر ما اطمأن إليه القلب وإن أفتوك وأفتوك أخرجه الطبراني من حديث أبي ثعلبة ولحمد نحوه‬
‫من حديث وابصة وفيه وإن أفتاك الناس وأفتوك وقد تقدما‬
‫‪ 6‬حديث إذا ذكر الله خنس أخرجه ابن أبي الدنيا وابن عدي من حديث أنس في أثناء حديث إن الشيطان‬
‫واضع خطمه على قلب ابن آدم الحديث وقد تقدم قريبا‬
‫وينعدم الذكر في لحظه ويتعاقبان في أزمنششة متقاربششة يظششن لتقاربهششا أنهششا متسششاوقة وهششي‬
‫كالكرة التي عليها نقط متفرقة فإنك إذا أدرتها بسرعة تواصلها بالحركة واستدل هؤلء بأن‬
‫الخنس قد ورد ونحن نشاهد الوسوسة مع الذكر ول وجه له إل هذا وقالت فرقة الوسوسة‬
‫والذكر يتساوقان في الدوام على القلب تساوقا ل ينقطع وكما أن النسان قد يششرى بعينيششه‬
‫شيئين في حالة واحدة فكذلك القلب قد يكون مجرى لشيئين فقششد قششال صششلى اللششه عليششه‬
‫وسلم ما من عبد إل وله أربعة أعين عينان في رأسه يبصر بهما أمر دنياه وعينان في قلبششه‬
‫يبصر بهما أمر دينه‪ 1‬وإلششى هششذا ذهششب المحاسششبي والصششحيح عنششدنا أن كششل هششذه المششذاهب‬
‫صحيحة ولكن كلها قاصرة عن الحاطة بأصناف الوسواس وإنما نظر كل واحششد منهششم إلششى‬
‫صنف واحد من الوسواس فأخبر عنه والوسواس أصناف الول أن يكون من جهة التلششبيس‬
‫بالحق فإن الشطيان قد يلبس بششالحق فيقششول للنسششان تششترك التنعششم باللششذات فششإن العمششر‬
‫طويل والصبر عن الشهوات طول العمر ألمه عظيم فعنشد هشذا إذا ذكشر العبشد عظيشم حشق‬
‫الله تعالى وعظيم ثوابه وعقابه وقال لنفسه الصبر عن الشهوات شديد ولكن الصبر علششى‬
‫النار أشد منه ول بد من أحدهما فإذا ذكر العبد وعد الله تعالى ووعيده وجدد إيمانه ويقينششه‬
‫خنس الشيطان وهرب إذ ل يستطيع أن يقول له النار أيسر من الصشبر علشى المعاصشي ول‬
‫يمكنه أن يقول المعصية ل تفضي إلى النار فإن إيمانه بكتاب الله عز وجل يدفعه عن ذلك‬
‫فينقطع وسواسه وكذلك يوسوس إليه بالعجب بعمله فيقول أي عبد يعرف الله كما تعرفششه‬
‫ويعبده كما تعبده فما أعظم مكانك عند الله تعششالى فيتششذكر العبششد حينئذ أن معرفتششه وقلبششه‬
‫وأعضاءه التي بها عمله وعلمه كل ذلك من خلق الله تعالى فمششن أيششن يعجشب بششه فيخنشس‬
‫الشيطان إذ ل يمكنه أن يقول ليس هذا من الله فإن المعرفة واليمان يدفعه فهذا نوع من‬
‫الوسواس ينقطع بالكلية عن العارفين المستبصرين بنور اليمان والمعرفة الصششنف الثششاني‬
‫أن يكون وسواسه بتحريك الششهوة وهيجانهشا وهشذا ينقسشم إلشى مشا يعلشم العبشد يقينشا أنشه‬
‫معصية وإلى ما يظنه بغالب الظن فإن علمه يقينششا خنششس الشششيطان عششن تهييششج يششؤثر فششي‬
‫تحريك الشهوة ولم يخنس عن التهييج وإن كان مظنونا فربما يبقى مؤثرا بحيث يحتاج إلى‬
‫مجاهدة في دفعه فتكون الوسوسة موجودة ولكنها مدفوعة غير غالبششة الصششنف الثششالث أن‬
‫تكون وسوسة بمجرد الخواطر وتذكر الحوال الغالبششة والتفكششر فششي غيششر الصششلة مثل فششإذا‬
‫أقبل على الذكر تصور أن يندفع سششاعة ويعششود وينششدفع ويعششود فيتعششاقب الششذكر والوسوسششة‬
‫ويتصور أن يتساوقا جميعا حتى يكون الفهم مشتمل على فهششم معنششى القششراءة وعلششى تلششك‬
‫الخواطر كأنهما في موضعين من القلب وبعيد جدا أن يندفع هشذا الخنشس بالكليشة بحيشث ل‬
‫يخطر ولكنه ليس محال إذا قال صلى الله عليه وسلم من صلى ركعتين لششم يحششدث فيهمششا‬
‫نفسه بشيء من أمر الدنيا غفر له ما تقدم من ذنبه‪ 2‬فلول أنه متصور لمششا ذكششره إل أنششه ل‬
‫يتصور ذلك إل في قلب استولى عليه الحب حتى صار كالمستهتر فإنا قد نرى المسششتوعب‬
‫القلب بعدو تأذى به قد يتفكر بمقدار ركعتين وركعات فششي مجادلششة عششدوه بحيششث ل يخطششر‬
‫بباله غير حديث عدوه وكذلك المستغرق في الحب قششد يتفكششر فششي محادثششة محبششوبه بقلبششه‬
‫ويغوص في فكره بحيث ل يخطر بباله غير حديث محبوبه ولشو كلمشه غيشره لشم يسشمع ولشو‬
‫اجتاز بين يد أحد لكان كأن ل يراه وإذا تصور هذا في خوف من عششدو وعنششد الحششرص علششى‬
‫مال وجاه فكيف ل يتصور من خوف النار والحرص علششى الجنششة ولكششن ذلششك عزيششز لضششعف‬
‫اليمان بالله تعالى واليوم الخر وإذا تأملت جملة هذه القسام وأصناف الوسواس علمششت‬
‫أن لكل مذهب من المذاهب وجها في محل مخصوص وبالجملششة فششالخلص مششن الشششيطان‬
‫في لحظة أو ساعة غير بعيد ولكن الخلص منه عمرا طويل بعيد جششدا ومحششال فششي الوجششود‬
‫ولو تخلص أحد من وساوس الشيطان بالخواطر وتهييج الرغبة لتخلششص رسششول اللششه صششلى‬
‫الله عليه وسلم فقد روي أنه نظر إلى علم ثوبه في الصلة فلما سشلم رمششى بششذلك الثششوب‬

‫‪ 1‬حديث ما من عبد إل وله أربعة أعين عينان في رأسه يبصر بهما أمر دنياه وعينان في قلبه يبصر بهما أمر‬
‫دينه أخرجه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث معاذ بلفظ الخرة مكان دينه وفيه الحسين‬
‫بن أحمد بن محمد الهروي السماخي الحافظ كذبه الحاكم والفة منه‬
‫‪ 2‬حديث من صلى ركعتين لم يحدث فيهما نفسه بشيء من الدنيا تقدم في الصلة‬
‫وقال شغلني عن الصلة وقال اذهبوا به إلى أبي جهم وائتششوني بأنبجششانيته‪ 1‬وكششان فششي يششده‬
‫خاتم من ذهب فنظر إليه وهو على المنبر ثم رمى به قال نظرة إليه ونظششرة إليكم‪ 2‬وكششان‬
‫ذلك لوسوسة الشيطان بتحريك لذة النظر إلى خاتم الذهب وعلم الثوب وكششان ذلششك قبششل‬
‫تحريم الذهب فلذلك لبسه ثم رمى به فل تنقطع وسوسة عروض الدنيا ونقدها إل بششالرمي‬
‫والمفارقة فما دام يملك شيئا وراء حاجته ولو دينارا واحدا ل يدعه الشيطان في صلته من‬
‫الوسوسة في الفكر في ديناره وأنه كيف يحفظه وفيماذا ينفقه وكيف يخفيه حششتى ل يعلششم‬
‫به أحد وكيف يظهره حتى يتباهى به إلى غير ذلك من الوساوس فمن أنشششب مخششالبه فششي‬
‫الدنيا وطمع في أن يتخلص من الشطيان كان كمن انغمس في العسل وظن أن الششذباب ل‬
‫يقع عليه فهو محال فالدنيا باب عظيم لوسوسة الشيطان وليس له بششاب واحششد بششل أبششواب‬
‫كثيرة قال حكيم من الحكماء الشيطان يأتي ابن آدم من قبل المعاصي فإن امتنع أتاه مششن‬
‫وجه النصيحة حتى يلقيه في بدعة فإن أبى أمششره بششالتحرج والشششدة حششتى يحششرم مششا ليششس‬
‫بحرام فإن أبى شككه في وضوئه وصلته حششتى يخرجششه عششن العلششم فششإن أبششى خفششف عليششه‬
‫أعمال البر حتى يراه الناس صابرا عفيفا فتميل قلوبهم إليه فيعجب نفسه وبه يهلكه وعنششد‬
‫ذلك يشتد إلحاحه فإنها آخر درجة ويعلم أنه لو جاوزها أفلت منه إلى الجنة‪.‬‬
‫بيان سرعة تقلب القلب وانقسام القلوب في التغير والثبات‬
‫اعلم أن القلب كما ذكرناه تكتنفه الصفات التي ذكرناها وتنصب إليششه الثششار والحششوال مششن‬
‫البواب التي وصفناها فكأنه هدف يصاب على الدوام من كل جانب فإذا أصابه شيء يتششأثر‬
‫به أصابه من جانب آخر ما يضاده فتتغير صفته فإن نزل بششه الشششيطان فششدعاه إلششى الهششوى‬
‫نزل به الملك وصرفه عنه وإن جذبه شيطان إلى شر جششذبه شششيطان آخششر إلششى غيششره وإن‬
‫جذبه ملك إلى خير جذبه آخر إلى غيره فتارة يكون متنازعا بين ملكين وتارة بين شيطانين‬
‫وتارة بين ملك وشيطان ل يكون قششط مهمل وإليششه الشششارة بقششوله تعششالى ونقلششب أفئدتهششم‬
‫وأبصارهم ولطلع رسول الله صلى الله عليششه وسششلم علششى عجيششب صششنع اللششه تعششالى فششي‬
‫عجائب القلب وتقلبه كان يحلف به فيقول ل ومقلب القلوب‪ 3‬وكان كثيرا ما يقول يا مقلب‬
‫القلوب ثبت قلبي على دينك قالوا أو تخاف يا رسول اللششه قششال ومششا يششؤمنني والقلششب بيششن‬
‫أصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء‪ 4‬وفي لفظ آخر إن شششاء أن يقيمششه أقششامه وإن‬
‫شاء أن يزيغه أزاغه وضرب له صلى الله عليه وسلم ثلثششة أمثلششة فقششال مثششل القلششب مثششل‬
‫العصفور يتقلب في كل ساعة‪ 5‬وقال صلى الله عليه وسلم مثل القلب فششي تقلبششه كالقششدر‬
‫إذا استجمعت غليانا‪ 6‬وقال مثششل القلششب كمثششل ريشششة فششي أرض فلة تقلبهششا الريششاح ظهششرا‬
‫لبطن‪ 7‬وهذه التقلبات وعجائب صنع الله تعالى في تقلبها من حيث ل تهدي إليه المعرفة ل‬
‫يعرفها إل المراقبون والمراعون لحوالهم مع الله تعالى والقلوب فششي الثبششات علششى الخيششر‬
‫والشر والتردد بينهما ثلثة قلب عمششر بششالتقوى وزكششا بالرياضششة وطهششر عششن خبششائث الخلق‬
‫تنقدح فيه خواطر الخير من خزائن الغيب ومداخل الملكوت فينصرف العقششل إلششى التفكششر‬
‫‪ 1‬حديث أنه صلى الله عليه وسلم نظر إلى علم في ثوبه في الصلة الحديث تقدم‬
‫‪ 2‬حديث كان في يده خاتم من ذهب فنظر إليه على المنبر فرماه فقال نظرة إليكم أخرجه النسائي من‬
‫حديث ابن عباس وتقدم في الصلة‬
‫‪ 3‬حديث ل ومقلب القلوب أخرجه البخاري من حديث ابن عمر‬
‫‪ 4‬حديث يا مثبت القلوب ثبت قلبي على دينك الحديث أخرجه الترمذي من حديث أنس وحسنه والحاكم من‬
‫حديث جابر وقال ابن أبي الدنيا صحيح على شرط مسلم ولمسلم من حديث عبد الله ابن عمرو اللهم‬
‫مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك والنسائي في الكبرى و ابن ماجه والحاكم وصححه على شرط‬
‫البخاري ومسلم من حديث النواس بن سمعان ما من قلب إل بين أصبعين من أصابع الرحمن إن شاء أقامه‬
‫وإن شاء أزاغه والنسائي في الكبرى بإسناد جيد نحوه من حديث عائشة‬
‫‪ 5‬حديث مثل القلب مثل العصفور يتقلب في كل ساعة أخرجه الحاكم في المستدرك وقال صحيح على‬
‫شرط مسلم والبيهقي في الشعب من حديث أبي عبيدة بن الجراح قلت رواه البغوي في معجمه من حديث‬
‫أبي عبيد غير منسوب وقال ل ادري له صحبة أم ل‬
‫‪ 6‬حديث مثل القلب في تقلبه كالقدر إذا استجمعت غليانا أخرجه أحمد والحاكم وقال صحيح على شرط‬
‫البخاري من حديث المقداد بن السود‬
‫‪ 7‬حديث مثل القلب كمثل ريشة بأرض فلة الحديث أخرجه الطبراني في الكبير والبيهقي في الشعب من‬
‫حديث أبي موسى الشعري بإسناد حسن وللبزار نحوه من حديث أنس بإسناد ضعيف‬
‫فيما خطر له ليعرف دقائق الخير فيه ويطلع على أسرار فوائده فينكشف له بنور البصشيرة‬
‫وجهه فيحكم بأنه ل بد من فعله فيستحثه عليه ويدعوه إلى العمششل بششه وينظششر الملششك إلششى‬
‫القلب فيجده طيبا في جوهره طاهرا بتقواه مستنيرا بضياء العقل معمورا بششأنوار المعرفششة‬
‫فيراه صالحا لن يكون له مستقرا ومهبطا فعند ذلك يمده بجنود ل ترى ويهديه إلى خيرات‬
‫أخرى حتى ينجر الخير إلى الخير وكذلك على الششدوام ول يتنششاهى إمششداده بششالترغيب بششالخير‬
‫وتيسير المر عليه وإليه الشارة بقششوله تعششالى فأمششا مششن أعطششى واتقششى وصششدق بالحسششنى‬
‫فسنيسره لليسرى وفي مثل هذا القلب يشرق نور المصباح من مكشششاة الربوبيششة حششتى ل‬
‫يخفى فيه الشرك الخفي الذي هو أخفى من دبيب النملة السوداء فششي الليلششة الظلمششاء فل‬
‫يخفى على هذا النور خافية ول يروج عليه شيء من مكايششد الشششيطان بششل يقششف الشششيطان‬
‫ويوحي زخرف القول غرورا فل يلتفت إليه وهذا القلب بعششد طهشارته مششن المهلكششات يصششير‬
‫على القرب معمورا بالمنجيات التي سنذكرها من الشكر والصبر والخوف والرجاء والفقششر‬
‫والزهد والمحبة والرضا والشوق والتوكل والتفكر والمحاسبة وغير ذلك وهششو القلششب الششذي‬
‫أقبل الله عز وجل بشوجهه عليشه وهشو القلشب المطمئن المشراد بقشوله تعشالى أل بشذكر اللشه‬
‫تطمئن القلوب وبقوله عز وجل يا أيتها النفس المطمئنششة القلششب الثششاني القلششب المخششذول‬
‫المشحون بالهوى المدنس بشالخلق المذمومشة والخبشائث المفتشوح فيششه أبشواب الشششياطين‬
‫المسدود عنه أبواب الملئكة ومبدأ الشر فيه أن ينقدح فيه خاطر من الهوى ويهجششس فيششه‬
‫فينظر القلب إلى حاكم العقل ليستفتي منه ويستكشف وجه الصششواب فيششه فيكششون العقششل‬
‫قد ألف خدمة الهوى وأنس به واسششتمر علششى اسششتنباط الحيششل لششه وعلششى مسششاعدة الهششوى‬
‫فتستولي النفس وتساعد عليه فينشرح الصدر بالهوى وتنبسط فيه ظلمششاته لنحبششاس جنششد‬
‫العقل عن مدافعته فيقوى سلطان الشيطان لتسششاع مكششانه بسششبب انتشششار الهششوى فيقبششل‬
‫عليه بالتزيين والغرور والماني ويوحي بشذلك زخرفشا مشن القشول غشرورا فيضشعف سشلطان‬
‫اليمان بالوعد والوعيد ويخبو نور اليقين لخوف الخرة إذ يتصاعد عن الهوى دخششان مظلششم‬
‫إلى القلب يمل جوانبه حتى تنطفيء أنواره فيصير العقل كالعين الششتي مل الششدخان أجفانهششا‬
‫فل يقدر على أن ينظششر وهكششذا تفعششل غلبششة الشششهوة بششالقلب حششتى ل يبقششى للقلششب إمكششان‬
‫التوقف والستبصار ولو بصره واعظ وأسمعه ما هو الحق فيه عمى عن الفهششم وصششم عششن‬
‫السمع وهاجت الشهوة فيه وسطا الشيطان وتحركت الجوارح على وفششق الهششوى فظهششرت‬
‫المعصية إلى عالم الشهادة من عالم الغيب بقضاء من الله تعشالى وقششدره وإلشى مثششل هششذا‬
‫القلب الشارة بقوله تعالى أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيل أم تحسب أن‬
‫أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إل كالنعام بل هم أضل سبيل وبقوله عز وجل لقد حششق‬
‫القول على أكثرهم فهم ل يؤمنون وبقوله سواء عليهم أأنشذرتهم أم لشم تنشذرهم ل يؤمنشون‬
‫ورب قلب هذا حاله بالضافة إلى بعض الشهوات كالذي يتورع عن بعض الشياء ولكنششه إذا‬
‫رأى وجها حسنا لم يملك عينه وقلبه وطاش عقله وسقط مسششاك قلبششه أو كالششذي ل يملششك‬
‫نفسه فيما فيه الجاه والرياسة والكبر ول يبقى معه مسششكة للتثبششت عنششد ظهششور أسششبابه أو‬
‫كالذي ل يملك نفسه عند الغضب مهما استحقر وذكر عيششب مششن عيششوبه أو كالششذي ل يملششك‬
‫نفسه عند القدرة على أخذ درهم أو دينار بل يتهالك عليه تهالششك الششواله المسششتهتر فينسششى‬
‫فيه المروءة والتقوى فكل ذلك لتصاعد دخان الهوى إلى القلب حتى يظلم وتنطفيششء منششه‬
‫أنواره فينطفيء نور الحياء والمروءة واليمان ويسعى في تحصيل مششراد الشششيطان القلششب‬
‫الثالث قلب تبدو فيه خواطر الهوى فتدعوه إلى الشر فيلحقه خاطر اليمششان فيششدعوه إلششى‬
‫الخير فتنبعث النفس بشششهوتها إلششى نصششرة خششاطر الشششر فتقششوى الشششهوة وتحسششن التمتششع‬
‫والتنعم فينبعث العقل إلى خاطر الخير ويدفع في وجه الشهوة ويقبشح فعلهشا وينسشبها إلشى‬
‫الجهل ويشبهها بالبهيمة والسبع فششي تهجمهشا علشى الشششر وقلششة اكتراثهشا بشالعواقب فتميششل‬
‫النفس إلى نصح العقل فيحمل الشيطان حملة على العقل فيقوي داعي الهوى ويقششول مششا‬
‫هذا التحرج البارد ولم تمتنع عن هواك فتششؤذي نفسششك وهششل تششرى أحششدا مششن أهششل عصششرك‬
‫يخالف هواه أو يترك غرضه أفتترك لهم ملذ الدنيا يتمتعون بها وتحجششر علششى نفسششك حششتى‬
‫تبقى محروما شقيا متعوبا يضحك عليشك أهشل الزمشان أفتريشد أن يزيشد منصشبك علشى فلن‬
‫وفلن وقد فعلوا مثل ما اشتهيت ولم يمتنعوا أما ترى العالم الفلني ليس يحترز مششن مثششل‬
‫ذلك ولو كان ذلك شرا لمتنع منه فتميل النفس إلى الشيطان وتنقلب إليه فيحمششل الملششك‬
‫حملة على الشيطان ويقول هل لششك إل مششن أتبششع لششذة الحششال ونسششي العاقبششة أفتقنششع بلششذة‬
‫يسيرة وتترك لذة الجنة ونعيمها أبد الباد أم تستثقل ألم الصششبر عششن شششهوتك ول تسششتثقل‬
‫ألم النار أتغتر بغفلة الناس عشن أنفسشهم واتبشاعهم هشواهم ومسشاعدتهم الششيطان مشع أن‬
‫عذاب النار ل يخففه عنك معصية غيرك أرأيت لو كنت في يوم صائف شششديد الحششر ووقششف‬
‫الناس كلهم في الشمس وكان لك بيت بارد أكنت تساعد الناس أو تطلب لنفسك الخلص‬
‫فكيف تخالف الناس خوفا من حر الشمس ول تخالفهم خوفا من حر النار فعند ذلك تمتثششل‬
‫النفس إلى قول الملك فل يزال يتردد بين الجندين متجاذبا بين الحزبين إلى أن يغلب على‬
‫القلب ما هو أولى به فإن كانت الصفات التي في القلب الغالب عليها الصفات الشششيطانية‬
‫التي ذكرناها غلب الشيطان ومال القلب إلششى جنسششه مششن أحششزاب الشششيطان معرضششا عششن‬
‫حزب الله تعالى وأوليائه ومساعدا لحزب الشيطان وأعدائه وجششرى علششى جششوارحه بسششابق‬
‫القدر ما هو سبب بعده عن الله تعالى وإن كان الغلب على القلششب الصششفات الملكيششة لششم‬
‫يصغ القلب إلى إغواء الشيطان وتحريضه إياه على العاجلة وتهششوينه أمششر الخششرة بششل مششال‬
‫إلى حزب الله تعالى وظهرت الطاعة بموجب ما سبق مششن القضششاء علششى جششوارحه فقلششب‬
‫المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن أي بين تجاذب هششذين الجنششدين وهششو الغششالب أعنششي‬
‫التقليب والنتقال من حزب إلى حزب أما الثبششات علششى الششدوام مششع حششزب الملئكششة أو مششع‬
‫حزب الشيطان فنادر من الجانبين وهذه الطاعات والمعاصي تظهر من خزائن الغيب إلششى‬
‫عالم الشهادة بواسطة خزانة القلب فإنه من خزائن الملكوت وهي أيضا إذا ظهششرت كششانت‬
‫علمات تعرف أرباب القلوب سابق القضاء فمن خلق للجنة يسششرت لششه أسششباب الطاعششات‬
‫ومن خلق للنار يسرت له أسباب المعاصي وسلط عليه أقران السوء وألقى في قلبه حكم‬
‫الشيطان فإنه بأنواع الحكم يغر الحمقى بقوله إن الله رحيم فل تبال وإن الناس كلهششم مششا‬
‫يخافون الله فل تخالفهم وإن العمششر طويششل فاصششبر حششتى تتششوب غششدا يعششدهم ويمنيهششم ومششا‬
‫يعدهم الشيطان إل غرورا يعدهم التوبة ويمنيهم المغفرة فيهلكهشم بشإذن اللشه تعشالى بهشذه‬
‫الحيل وما يجري مجراها فيوسع قلبه لقبول الغششرور ويضششيقه عششن قبششول الحششق وكششل ذلششك‬
‫بقضاء من الله وقدر فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للسلم ومن يرد أن يضله يجعل‬
‫صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد فششي السششماء إن ينصششركم اللشه فل غشالب لكشم وإن يخشذلكم‬
‫فمن ذا الذي ينصركم من بعده فهو الهادي والمضل يفعل ما يشششاء ويحكششم مششا يريششد ل راد‬
‫لحكمه ول معقب لقضائه خلق الجنة وخلق لها أهل فاستعملهم بالطاعة وخلق النار وخلششق‬
‫لها أهل فاستعمله بالمعاصي وعرف الخلق علمة أهل الجنشة وأهشل النشار فقشال إن البشرار‬
‫لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم ثم قال تعالى فيما روى عن نبيه صششلى اللششه عليششه وسششلم‬
‫هؤلء في الجنة ول أبالي وهؤلء في النار ول أبالي‪ 1‬فتعالى الله الملك الحق ل يسشئل عمشا‬
‫يفعل وهم يسئلون ولنقتصر على هذا القدر اليسير من ذكر عجائب القلب فإن استقصششاءه‬
‫ل يليق بعلم المعاملة وإنما ذكرنا منه ما يحتاج إليه لمعرفة أغوار علوم المعاملة وأسرارها‬
‫لينتفع بها من ل يقنع بالظواهر ول يجتزئ بالقشر عن اللباب بل يتشوق إلى معرفة دقششائق‬
‫حقائق السباب وفيما ذكرناه كفاية له ومقنع إن شاء اللششه تعششالى واللششه ولششي التوفيششق تششم‬
‫كتاب عجائب القلب ولله الحمد والمنة ويتلوه كتاب رياضة النفس وتهذيب الخلق والحمد‬
‫لله وحده وصلى الله على كل عبد مصطفى‪.‬‬

‫‪ 1‬حديث قال الله عز وجل هؤلء إلى الجنة ول أبالي وهؤلء إلى النار ول أبالي أخرجه أحمد وابن حبان من‬
‫حديث عبد الرحمن بن قتادة السلمي وقال ابن عبد البر في الستيعاب أنه مضطرب السناد‬

You might also like