You are on page 1of 3

‫البحث النوعي ‪ qualitative research‬منهجية في البحث في العلوم تركز على وصف الظواهر‬

‫والفهم والعمق لها‪ ،‬ويختلف عن البحث الكمي الذي يركز عادة على التجريب وعلى الكشف عن‬
‫السبب أو النتيجة بالعتماد على المعطيات العددية‪ .‬فالسؤال المطروح في البحث النوعي سؤال‬
‫مفتوح النهاية ويهتم بالعملية والمعنى أكثر من اهتمامه بالسبب والنتيجة)‪.(1‬‬
‫اتخذ البحث النوعي عدة أسماء‪ ،‬منها البحث الطبيعي ‪ ،naturalistic‬لنه يهتم بدراسة الظواهر‬
‫في سياقها الطبيعي‪ ،‬وقد يسمى البحث التفسيري‪ ،‬لنه ل يكتفي بالوصف فقط بل يتعدى ذلك‬
‫للتحليل والتفسير‪ ،‬وقد يسمى‪ ،‬خاصة في مجال دراسات علم النسان‪ ،‬العمل الميداني‬
‫ضا الثنوجرافي‪ .‬وهناك فرق بينه وبين )البحث‬ ‫‪ ،fieldwork‬ويسمى أحياًنا في هذا المجال أي ً‬
‫الوصفي( الذي يأتي ضمن أنواع البحث الكمي‪ ،‬أن البحث الوصفي يعتمد بدرجة أساس على‬
‫الرقام والستبانات)‪.(2‬‬
‫هناك أنواع متعددة من البحث تدخل تحت مسمى البحث النوعي‪ ،‬وهذا ناتج عن تنوع أهداف البحث‬
‫النوعي‪ ،‬فتارة يكون هدف البحث النوعي تأسيس نظرية ‪ ،grounded theory‬وتارة يكون الهدف‬
‫بناء المفاهيم أو التعرف عليها‪ ،‬وربما كان الهدف الوصف‪ .‬إل أنه رغم هذا التباين في الهداف فإن‬
‫كل هذه النواع تتفق على أن المقصد هو »الفهم« العمق لسلوك النسان وخبراته‪ ،‬ووصف‬
‫عمليات بناء المعاني التي يستخدمها الناس وما هي تلك المعاني‪ .‬فعلى النقيض مما هو موجود في‬
‫البحث الكمي‪ ،‬فالبحث النوعي ل يسعى لجمع »حقائق« عن سلوك النسان يتحقق منها على ضوء‬
‫نظرية معدة‪ ،‬تمكن العلماء من التنبؤ بسلوك النسان‪ ،‬من خلل التعميم‪ ،‬بل في البحث النوعي‬
‫ينظر إلى سلوك النسان على أنه من التعقيد بحيث يصعب فهمه بهذه الطريقة‪ .‬فالنظر للبحث من‬
‫خلل منظور السبب والنتيجة أو التنبؤ يؤثر سلًبا في قدرة الباحث على النظر بشكل أعمق للمعاني‬
‫التي يتضمنها سلوك النسان‪.‬‬
‫وقد تنامى قبول هذا التوجه في البحث‪ ،‬خاصة في المجال التربوي‪ ،‬نتيجة لتضاؤل الرضا عن‬
‫التوجه التقليدي الكمي في دراسة المشكلت التربوية والجتماعية‪ ،‬خاصة ما ل يتناسب منها مع‬
‫التحليل العددي‪ .‬أضف إلى ذلك القناعة بأن السلوك النساني يتأثر بشكل كبير بالبيئة التي يوجد‬
‫فيها‪ ،‬ولذا فمما يساعد على فهم السلوك فهم البيئة التي يقع فيها‪ .‬فالبحث النوعي ل يكتفي‬
‫بوصف الشياء كما هي بل يسعى للحصول على فهم أعمق للصورة الكبرى التي يكون فيها ذلك‬
‫الشيء‪ ،‬ويبحث عن معرفة كيف وصلت المور إلى ما وصلت إليه‪ ،‬وكيف يشعر الناس المحيطون‬
‫بها‪ ،‬وما آراؤهم حولها وما المعاني التي يحملونها عنها)‪.(3‬‬
‫استراتيجيات البحث النوعي‬
‫٭ دراسة الحالة‬
‫دراسة استراتيجية من استراتيجيات البحث النوعي‪ ،‬وهي عبارة عن فحص دقيق وعميق لوضع‬
‫معين أو حالة فردية‪ ،‬أو حادثة معينة‪ ،‬أو مجموعة من الوثائق المحفوظة‪ .‬فالفكرة الساسية في‬
‫دراسة الحالة هي أن تتم دراسة حالة واحدة )وربما عدد من الحالت( بشكل مفصل ودقيق‬
‫وباستخدام كافة الوسائل المناسبة‪ .‬وقد يكون هناك تنوع في أهداف أو أسئلة دراسة الحالة إل أن‬
‫الهدف العام هو الوصول إلى أكمل فهم ممكن لتلك الحالة‪ .‬فأسلوب دراسة الحالة يقصد منه‬
‫الوصول إلى فهم عميق لحالة معينة‪ ،‬قد تكون لفرد أو أفراد أو فصل معين في مدرسة‪ ،‬أو نحو‬
‫ذلك‪ ،‬ويكون دراسة الحالة في وضعها وسياقها الطبيعيين‪ ،‬دون النشغال بتعميم النتائج على‬
‫الحالت الخرى‪.‬‬
‫بخلف الوضع في البحث التجريبي الذي يتحكم الباحث فيه بمتغيرات الدراسة ليستكشف مدى‬
‫تأثير السبب )أو العامل المؤثر(‪ ،‬وبخلف البحث المسحي الذي تطرح فيه مجموعة من السئلة‬
‫على عينة ممثلة لمجتمع الدراسة‪ .‬بخلف هذين الحالين فإن أسلوب دراسة الحالة يهتم بملحظة‬
‫خصائص وحدة مفردة‪ .‬والهدف من هذه الملحظة الستكشاف بعمق أكثر والتحليل بشكل أدق‬
‫وأكثر تركيًزا للظواهر التي تكون دورة الحياة لهذه الوحدة‪ .‬و»الحالة« الجيدة هي ما كانت واضحة‬
‫المعالم‪ ،‬بحيث تكون حالة محددة يمكن توصيفها لتتميز عما سواها‪ ،‬وتكون دراسة الحالة ذات طابع‬
‫دا من حالة معينة‪ ،‬فترابط الحالة الداخلي أمر مهم لتكون مؤهلة‬ ‫شمولي‪ ،‬بحيث ل تكون جانًبا واح ً‬
‫للدراسة‪ .‬ويفضل أن يكون هناك تنوع في مصادر البيانات والمعلومات الخاصة بالحالة المدروسة‪.‬‬
‫ويمكن استخدام جميع المعلومات الممكنة كمية كانت أو نوعية‪ ،‬لكن أسلوب الملحظة هو العنصر‬
‫الرئيس في دراسة الحالة‪.‬‬
‫٭ النثوجرافي‬
‫اشتهر هذا النوع من البحث النوعي لدى علماء الجتماع والدراسات النثروبولوجية‪ .‬وبعض المراجع‬
‫تجعل هذا السم مرادًفا للبحث النوعي‪ .‬فالنثوجرافي تعني الكتابة عن البيئة الثقافية لشعب ما أو‬
‫مجموعة ما تكون وحدة ثقافية‪ .‬فهو نوع من البحث يهتم بالوصف التفصيلي المتعمق لبيئة ثقافية‬
‫ما‪ .‬وقد تكون هذه الثقافة ثقافة مدينة أو مجتمع أو مدرسة أو وصف دراسي أو نحو ذلك‪.‬‬
‫٭ النظرية المؤسسة ‪Grounded theory‬‬
‫النظرية المؤسسة تعني بناء نظرية من خلل تحليل البيانات‪ ،‬ومن خلل الترقي بالبناء على‬
‫التساق والنماط التي يكشف عنها التحليل‪ .‬فمن خلل التصنيف الولي للبيانات والمؤلفة بينها‬
‫دا‪ ،‬ومع تعدد تلك النساق ووضوحها يمكن أن تكون نظرية‬ ‫تتشكل النساق وتتضح بشكل أكثر تجري ً‬
‫تمتد جذورها للبيانات الولية‪ .‬وهذا ما يسمى بالنظرية المؤسسة‪ ،‬بمعنى أن الباحث يسلك مسل ً‬
‫كا‬
‫استقرائًيا بحًتا ‪ inductive method‬بحيث ينتقل من البيانات إلى النظرية وليس من النظرية إلى‬
‫تحليل البيانات‪.‬‬
‫في البحث النوعي ل يسعى الباحث لن تكون العينة ممثلة إحصائًيا‪ ،‬كما في البحث الكمي‪ .‬بل‬
‫العينة يقررها الباحث بناء على الهدف من بحثه والسياق الذي يتم فيه البحث‪ ،‬بما يضمن توفر‬
‫معلومات كافية للوصول لفهم أعمق لمجتمع الدراسة)‪ .(4‬فالقصد ليس الخروج بنتائج يراد‬
‫تعميمها‪ ،‬بل التعمق في فهم الحالة أو الظاهرة المدروسة‪.‬‬
‫جمع المعلومات‬
‫طرق جمع المعلومات‬
‫في البحث النوعي هناك ثلث طرق أساسية لجمع المعلومات‪ :‬المقابلة‪ ،‬والملحظة‪ ،‬ودراسة‬
‫الوثائق‪.‬‬
‫أو ً‬
‫ل‪ :‬المقابلة‪:‬‬
‫تعتبر المقابلة من الطرق الرئيسة لجمع المعلومات في البحث النوعي‪ .‬فعن طريقة المقابلة‬
‫يستطيع الباحث أن يتعرف على أفكار ومشاعر ووجهات نظر الخرين‪ .‬كما تمكن هذه الطريقة‬
‫الباحث من إعادة بناء الحداث الجتماعية التي لم تلحظ مباشرة‪.‬‬
‫أنواع المقابلة‬
‫فا‪ ،‬والتي سبق‬ ‫٭ المقابلة المنظمة‪ :‬وفيها يتم سؤال المشارك سلسلة من السئلة المعدة سل ً‬
‫وحددت أنماط إجابتها‪ ،‬فهناك قدر ضئيل من التنوع في الجوبة‪ .‬وقد تستخدم هنا السئلة المفتوحة‪.‬‬
‫وفي المقابلت المنظمة يتلقى جميع المشاركين السئلة نفسها وبنفس الترتيب والطريقة‪ .‬ويكون‬
‫دا‪ .‬وطبيعة هذا النوع من المقابلت يركز على الجوبة العقلنية وليس على الجوبة‬ ‫دور الباحث محاي ً‬
‫العاطفية‪.‬‬
‫٭ المقابلة غير المنظمة‪ :‬وهي مقابلة غير مقننة‪ ،‬ذات أسئلة مفتوحة وعميقة‪ .‬في المقابلة غير‬
‫ل‪ .‬وهذا النوع يمكن الباحث من فهم‬ ‫المنظمة‪ ،‬يكون دور الباحث أقرب لمدير الحوار أكثر منه مقاب ً‬
‫تفكير المشارك وسلوكه دون إسقاط فرضيات الباحث السابقة أو تصنيفاته عليه‪ ،‬والتي قد تحد من‬
‫أقوال المشاركين)‪.(5‬‬
‫٭ المقابلة الجماعية‪ :‬هي المقابلة التي يعمل فيها الباحث مع مجموعة من الناس في وقت واحد‪.‬‬
‫في هذا النوع يكون دور الباحث إدارة الحوار وتسهيل جريانه وانسيابيته‪ ،‬ومهمته تسجيل التفاعل‬
‫الذي يدور بين المشاركين‪ ،‬وهذا يتطلب مهارات في إدارة الحوار وتوجيهه الوجهة المرادة‪ .‬وقد‬
‫تكون المقابلة الجماعية منظمة‪ ،‬أو غير منظمة‪ .‬والمقابلة الجماعية قد تظهر جوانب من الحالة‬
‫المدروسة ربما ل تظهر في أنواع المقابلت الخرى‪ ،‬وذلك نتيجة لما يعطيه التفاعل بين آراء‬
‫المشاركين ومشاعرهم وخبراتهم من إثراء للمقابلة وقدح لفكار الخرين من المشاركين‪.‬‬
‫التسجيل الصوتي من الشياء المهمة في المقابلة‪ ،‬فل يكفي أن يسجل الباحث ملحظاته في أثناء‬
‫المقابلة )وإن كان هذا قد يكون خياًرا مناسًبا‪ ،‬أحياًنا(‪ .‬فالتسجيل يساعد الباحث على إعادة النظر‬
‫في المعلومات التي قيلت وتأملها مرة أخرى‪ .‬وقد يكون من المفيد كتابة الملحظات مع التسجيل‬
‫الصوتي لتنفيذ ما قد يلفت انتباه الباحث في أثناء المقابلة‪.‬‬
‫بعد النتهاء من تسجيل المقابلة‪ ،‬من الضروري أن يفرغ نصها كتابة‪ ،‬ليسهل تحليله والتأمل فيه‪.‬‬
‫دا أن يعاد نص المقابلة لمن أجريت معه المقابلة ليعيد قراءة النص‬ ‫وفي كثير من الحيان يكون مفي ً‬
‫ويضيف ما يراه مناسًبا أو يوضح ما يحتاج إلى توضيح‪.‬‬
‫ثانًيا‪ :‬الملحظة‬
‫الطريقة الساسية الثانية لجمع المعلومات في البحث النوعي هي الملحظة‪ .‬للملحظة تاريخ عريق‬
‫في العلوم الجتماعية‪ .‬ولها أهمية كبيرة في البحث التربوي بشكل خاص‪ .‬فكثير من المواقف‬
‫التربوية تحتاج إلى أن يقوم الباحث بملحظتها في وضعها الطبيعي وتسجيل ما يرى ويسمع مما‬
‫يجري فيها في حياتها اليومية الطبيعية‪ .‬ففي هذه الطريقة ل يتدخل الباحث في شؤون الفئة المراد‬
‫بحثها‪ ،‬كما في بعض طرق البحث‪ ،‬بل يلحظ ما يدور فعل ً في الوضع الطبيعي‪.‬‬
‫والملحظة قد تكون كمية )منظمة( وقد تكون نوعية غير منظمة‪ .‬ففي الملحظة الكمية يقوم‬
‫فا‪ .‬فمثل ً‬ ‫الباحث بالملحظة ويسعى لجمع معلومات رقمية )كمية( غالًبا عن طريق أداة معدة سل ً‬
‫يقوم بتسجيل عدد السئلة التي يلقيها المعلم‪ ،‬وعدد الطلب المشاركين في الفصل‪ ،‬أو حساب‬
‫الوقت الذي يستغرقه المعلم في الحديث‪ ،‬ونحو ذلك‪ .‬فالملحظ‪ /‬الباحث يهتم غالًبا بتسجيل أرقام‪،‬‬
‫وقد سبق وأعد نماذج لذلك‪.‬‬
‫ما من ذلك‪ ،‬فالملحظ‪ /‬الباحث ل يستخدم تصنيفات وأنما ً‬
‫طا‬ ‫ً‬ ‫تنظي‬ ‫أقل‬ ‫أما الملحظة النوعية فهي‬
‫فا‪ ،‬بل يسجل ملحظاته بشكل طبيعي ومسترسل ومفتوح‪ ،‬فيقوم بتسجيل الواقع كما‬ ‫محددة سل ً‬
‫يحدث‪ .‬والفكرة الساسية هنا هي أن التصنيف والتوصيف الذي تتعرض له المعلومات الناتجة عن‬
‫فا على المعلومات في‬ ‫الملحظة ستظهر بعد جمع المعلومات وتحليلها‪ ،‬بدل ً من أن تفرض تعس ً‬
‫أثناء عملية الملحظة‪.‬‬
‫وعندما تكون الملحظة غير منظمة فإن عملية الملحظة تنشأ من خلل سلسلة من العمليات‬
‫المختلفة‪ .‬فتبدأ باختيار الوضع المراد ملحظته وتحديد طريقة الوصول إليه ثم بدء عملية الملحظة‬
‫والتسجيل‪ .‬ومع تقدم الدراسة أو البحث تتغير طبيعة الملحظة بحيث تزداد تركيًزا‪ ،‬ما يؤدي إلى‬
‫ضا إلى دقة أكثر في اختيار مواضع‬‫مزيد من الدقة والوضوح في أسئلة البحث‪ ،‬وهذا بدوره يؤدي أي ً‬
‫الملحظة‪ .‬وتستمر الملحظة وجمع المعلومات حتى يحصل للباحث ما يسمى بالغراق )التشبع(‬
‫النظري‪ ،‬وهي الحالة التي يحس فيها الباحث أن الملحظة لم تعد تأتي بجديد‪ ،‬بل تكرار لما سبق‪.‬‬

‫المصدر مجلة المعرفة العدد ‪2007 / 150‬‬

You might also like