You are on page 1of 20

‫مفتاح الجنة‬

‫د‪.‬محمد بن عبد الرحمن العريفي‬


‫الحمد ل الذي رضي السلم لعباده دينا ‪ ..‬ونصب الدلة على على ألوهيته وبينها تبييناً ‪ ..‬وكفى‬
‫بربك هادياً ومعيناً ‪ ..‬لم يتخذ ولدا ‪ ..‬ولم يكن له شريك في الملك ‪ ..‬وكبره تكبيراً ‪..‬‬
‫يعطي ويمنع ‪ ..‬ويخفض ويرفع ‪ ..‬ويصل ويقطع ‪ ..‬ول يسأل عما يقضي ويصنع ‪ ..‬ل شريك له‬
‫في ملكه ‪ ..‬ول ندّ له في حكمه ‪ ..‬ول ظهير له ول وزير ‪ ..‬ول شبيه له ول نظير ‪ ..‬ذلت الجبابرة‬
‫لعزته ‪ ..‬وانكسرت النفوس لهيبته ‪ ..‬وخشعت القلوب لعظمته ‪..‬‬
‫فأشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله ‪..‬‬
‫وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ‪ ..‬وصفيه وخليله ‪..‬‬
‫صلى ال ‪ ..‬أما بعد ‪..‬‬

‫أما الول ‪ :‬فجلس إليّ مهموماً وقال ‪ :‬يا شيخ ‪ ..‬مللت من الغربة ‪..‬‬
‫فقلت ‪ :‬عسى ال أن يعجل رجوعك إلى أهلك ‪..‬‬
‫فبكى ‪ ..‬وقال ‪ :‬ول لو عرفت شوقهم إليّ ‪ ..‬هل تصدق أن أمي سافرت أربعمائة ميل لتدعو لي عند‬
‫ضريح قبر الشيخ فلن ‪ ..‬وتسأله أن يردني إليها ‪ !!..‬ثم قال ‪ :‬هو رجل مبارك تقبل منه الدعوات‬
‫‪ ..‬ويسمع دعاء الداعين ‪ ..‬حتى بعد موته ‪!!..‬‬

‫أما الثاني ‪ :‬فقد حدثني بعض المشايخ أنه كان على صعيد عرفات ‪ ..‬والناس في بكاء ودعوات ‪ ..‬قد‬
‫لفوا أجسادهم بالحرام ‪ ..‬ورفعوا أكفهم إلى الملك العلم ‪ ..‬قال ‪ :‬وبينما نحن في خشوعنا لفت‬
‫نظري شيخ كبير ‪ ..‬قد انحنى ظهره ‪ ..‬وهو يردد ‪ :‬يا شيخ فلن ‪ ..‬أسألك أن تكشف كربتي ‪ ..‬اشفع‬
‫لي ‪ ..‬وارحمني ‪ ..‬ويبكي وينتحب ‪..‬‬
‫فانتفض جسدي ‪ ..‬وصحت به ‪ :‬اتق ال ‪ ..‬كيف تدعو غير ال !! هذا الولي عب ٌد مملوكٌ ‪ ..‬ل‬
‫يسمعك ول يجيبك ‪ ..‬ادعُ ال وحده ل شريك له ‪..‬‬
‫فالتفت إليّ ثم قال ‪ :‬إليك عني يا عجوز ‪ ..‬أنت ما تعرف قدر الشيخ عند ال !!‪ ..‬أنا أؤمن يقينًا أنه‬
‫ما تنزل قطرة من السماء ‪ ..‬ول تنبت حبة من الرض إل بإذن هذا الشيخ ‪..‬‬
‫فسبحان ال ‪ ..‬أين هؤلء اللجئين إلى غير مولهم ‪ ..‬الطالبين حاجاتهم من موتاهم ‪ ..‬المتجهين‬
‫بكرباتهم إلى عظام باليات ‪ ..‬وأجساد جامدات ‪ ..‬أينهم عن ال ‪ !!..‬الذي يرى حركات الجنين ‪..‬‬
‫ويسمع دعاء المكروبين ‪..‬‬
‫البحر المتلطم ‪..‬‬
‫كانت الدنيا مليئة بالمشركين ‪ ..‬هذا يدعو صنماً ‪ ..‬وذاك يرجو قبراً ‪..‬‬
‫وكان من بينهم سيد من السادات ‪ ..‬هو عمرو بن الجموح ‪..‬‬
‫كان له صنم اسمه مناف ‪ ..‬يتقرب إليه ‪ ..‬ويسجد بين يديه ‪..‬‬
‫صنم صنعه من خشب ‪ ..‬لكنه أحب إليه من أهله وماله ‪..‬‬

‫وكان هذا دأبه مذ عرف الدنيا ‪ ..‬حتى جاوز عمره الستين سنة ‪..‬‬

‫فلما بُعث النبي صلى ال عليه وسلم في مكة ‪ ..‬وأرسل مصعب بن عمير رضي ال عنه ‪ ..‬داعيةً‬
‫ومعلماً لهل المدينة ‪ ..‬أسلم أولد عمرو بن الجموح دون أن يعلم ‪..‬‬
‫فقالوا ‪ :‬يا أبانا قد اتبعه الناس فما ترى في اتباعه ؟ فقال ‪ :‬ل أفعل حتى أشاور مناف !!‬
‫ثم قام عمرو إلى مناف ‪ ..‬فوقف بين يديه ‪ ..‬وقال ‪:‬‬
‫ش ْر عليّ يا مناف ‪ ..‬فلم يردّ‬‫يا مناف ‪ ..‬قد علمت بخبر هذا القادم ‪ ..‬وإنما ينهانا عن عبادتك ‪ ..‬فأ ِ‬
‫الصنم شيئاً ‪ ..‬فأعاد عليه فلم يجب ‪..‬‬
‫فقال عمرو ‪ :‬لعلك غضبت ‪ ..‬وإني ساكت عنك أياماً حتى يزول غضبك ‪..‬‬
‫ثم تركه وخرج ‪ ..‬فلما أظلم الليل ‪ ..‬أقبل أبناؤه إلى مناف ‪ ..‬فحملوه وألقوه في حفرة فيها أقذار‬
‫وجيف ‪..‬‬
‫فلما أصبح عمرو دخل إلى صنمه فلم يجده ‪..‬‬
‫فصاح بأعلى صوته ‪ :‬ويلكم !! من عدا على إلهنا الليلة ‪ ..‬فسكت أهله ‪..‬‬
‫ففزع ‪..‬واضطرب ‪..‬وخرج يبحث عنه ‪..‬فوجده منكسًا على رأسه في الحفرة‪..‬فأخرجه وطيبه‬
‫وأعاده لمكانه‪..‬‬
‫ت من فعل هذا لخزيته ‪..‬‬ ‫وقال له ‪ :‬أما وال يا مناف لو علم ُ‬
‫فلما كانت الليلة الثانية أقبل أبناؤه إلى الصنم ‪ ..‬فحملوه وألقوه في تلك الحفرة المنتنة ‪ ..‬فلما أصبح‬
‫الشيخ التمس صنمه ‪ ..‬فلم يجده في مكانه ‪..‬‬
‫فغضب وهدد وتوعد ‪ ..‬ثم أخرجه من تلك الحفرة فغسله وطيبه ‪..‬‬
‫ثم ما زال أولده يفعلون ذلك بالصنم كل ليلة وهو يخرجه كل صباح فلما ضاق بالمر ذرعًا راح‬
‫ستَها ‪..‬‬
‫إليه قبل منامه وقال ‪ :‬ويحك يا مناف إن العنز لتمنع أُ ْ‬
‫ثم علق في رأس الصنم سيفاً وقال ‪ :‬ادفع عدوك عن نفسك ‪..‬‬
‫ن الليلُ حمل الفتيةُ الصنم وربطوه بكلب ميت وألقوه في بئر يجتمع فيها النتن ‪ ..‬فلما أصبح‬ ‫فلما جَ ّ‬
‫الشيخ بحث عن مناف فلما رآه على هذا الحال في البئر قال ‪:‬‬
‫لقد خاب من بالت عليه الثعالب‬ ‫ورب يبـول الثعلبـان برأسه‬
‫ثم دخل في دين ال ‪ ..‬وما زال يسابق الصالحين في ميادين الدين ‪..‬‬
‫وانظر إليه ‪ ..‬لما أراد المسلمون الخروج إلى معركة بدر ‪ ..‬منعه أبناؤه لكبر سنه ‪ ..‬وشدة عرجه ‪..‬‬
‫فلما كانت غزوة أحُد ‪ ..‬أراد عمرو الخروج للجهاد ‪ ..‬فمنعوه فذهب إلى النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫‪ ..‬يدافع عبرته ‪ ..‬ويقول ‪ ( :‬يا رسول ال إن بنيّ يريدون أن يحبسوني عن الخروج معك إلى‬
‫الجهاد ‪ ..‬قال ‪ :‬إن ال قد عذرك ‪..‬‬
‫فقال ‪ ..‬يا رسول ال ‪ ..‬وال إني لرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة ‪..‬‬
‫فأذن له صلى ال عليه وسلم بالخروج ‪ ..‬فلما وصلوا إلى ساحة القتال ‪ ..‬انطلق يضرب بسيفه‬
‫جيش الظلم ‪ ..‬ويقاتل عباد الصنام ‪ ..‬حتى كثرت عليه السيوف فقتل ‪..‬‬
‫فدفنه النبي عليه الصلة والسلم ‪ ..‬وبعد ست وأربعين سنة ‪ ..‬نزل بمقبرة شهداء أحد ‪ ..‬سيل شديد‬
‫‪ ..‬غطّى أرض القبور ‪..‬‬
‫فسارع المسلمون إلى نقل رُفات الشهداء ‪ ..‬فلما حفروا عن قبر عمرو بن الجموح ‪ ..‬فإذا هو كأنه‬
‫نائم ‪ ..‬لم تأكل الرض من جسده شيئاً ‪..‬‬
‫فتأمل كيف ختم ال له بالخير لما رجع إلى الحق لما تبين له ‪..‬‬
‫بل انظر كيف أظهر ال كرامته في الدنيا قبل الخرة ‪ ..‬لما حقق ل إله إل ال ‪..‬‬
‫هذه الكلمة التي قامت بها الرض والسموات ‪ ..‬وفطر ال عليها جميع المخلوقات ‪ ..‬وهي سبب‬
‫دخول الجنة ‪..‬‬
‫ولجلها خلقت الجنة والنار ‪ ..‬وانقسم الخلق إلى مؤمنين وكفار ‪ ..‬وأبرار وفجار ‪..‬‬
‫فل تزول قدما العبد بين يدي ال حتى يسأل عن مسألتين ماذا كنتم تعبدون وماذا أجبتم المرسلين ‪..‬‬
‫سفينة النجاة ‪..‬‬
‫وكم من إنسان هلك مع الهالكين ‪ ..‬واستحق اللعنة إلى يوم الدين ‪ ..‬بسبب أنه لم يحقق التوحيد ‪..‬‬
‫فال هو الرب الواحد ‪ ..‬ل يتوكل العبد إل عليه ‪ ..‬ول يرغب إل إليه ‪..‬‬
‫ول يحلف إل باسمه ‪ ..‬ول ينذر إل له ‪..‬‬
‫ل ل إله إل ال ‪..‬‬
‫فهذا هو تحقيق شهادة أن ل إله إل ال ‪ ..‬ولهذا حرم ال على النار أه َ‬

‫وانظر إلى معاذ رضي ال عنه ‪ ..‬لما مشى خلف النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ..‬فالتفت إليه النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم فجأة ثم سأله ‪ ..‬يا معاذ ‪ :‬أتدري ما حق ال على العباد ‪ ..‬وما حق العباد على‬
‫ال ‪..‬‬
‫قال ‪ :‬ال ورسوله أعلم ‪..‬‬
‫فقال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬حق ال على العباد أن يعبدوه ول يشركوا به شيئاً ‪ ..‬وحق العباد على‬
‫ال أن ل يعذب من ل يشرك به شيئاً ‪..‬‬
‫وفي حديث آخر ‪ ..‬أنه رضي ال عنه سأل النبي صلى ال عليه وسلم فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ..‬أي‬
‫ذنب عند ال أعظم ‪ ..‬فقال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬أن تجعل ل ندًا وهو خلقك ‪..‬‬

‫عبُدُوا‬
‫نا ْ‬
‫ل أَ ِ‬
‫ل ُأمّةٍ رَسُو ً‬
‫نعم ‪ ..‬التوحيد من أجله ‪ ..‬بعث ال الرسل ‪ ..‬قال تعالى ‪َ { :‬ولَقَ ْد َب َع ْثنَا فِي كُ ّ‬
‫ج َت ِنبُوا الطّاغُوتَ } ‪ ..‬والطاغوت هو كل ما عبد من دون ال ‪ ..‬من صنم أو قبر ‪..‬‬ ‫لّ وَا ْ‬
‫ا َ‬

‫ج َع ْلنَا‬
‫سِلنَا أَ َ‬
‫ك مِنْ رُ ُ‬
‫س ْلنَا مِنْ َق ْبِل َ‬
‫ل مَنْ َأرْ َ‬
‫والتوحيد هو مهمة الرسل الولى كما قال تعالى ‪ { :‬وَاسْأَ ْ‬
‫ن آِلهَةً ُي ْعبَدُونَ } ‪ ..‬والعمال كلها متوقفة في قبولها على التوحيد ‪ ..‬قال تعالى ‪:‬‬ ‫حمَ ِ‬‫ن الرّ ْ‬‫مِنْ دُو ِ‬
‫ع ْنهُمْ مَا كَانُوا َي ْع َملُونَ } ‪ ..‬ومن حقق التوحيد نجا ‪ ..‬كما صح عند الترمذي‬ ‫حبِطَ َ‬
‫ش َركُوا لَ َ‬
‫{ َوَلوْ أَ ْ‬
‫‪ ..‬أن ال تعالى قال ‪ :‬يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الرض خطايا ثم لقيتني ل تشرك بي شيئاً لتيتك‬
‫بقرابها مغفرة ‪..‬‬
‫ولعظم أمر التوحيد ‪ ..‬خاف النبياء من فقده ‪..‬‬
‫فذاك أبو الموحدين ‪ ..‬محطم الصنام ‪ ..‬وباني البيت الحرام ‪ ..‬إبراهيم عليه السلم ‪ ..‬يبتهل إلى‬
‫الملك العلم ‪ ..‬ويقول ‪ { :‬واجنبني وبني أن نعبد الصنام } ‪ ..‬ومن يأمن البلء بعد إبراهيم ؟ ‪..‬‬

‫بداية النحراف ‪..‬‬


‫أول ما حدث الشرك في قوم نوح ‪..‬‬
‫فبعث ال نوحاً ‪ ..‬فنهاهم عن الشرك ‪ ..‬فمن أطاعه ووحد ال نجى ‪..‬‬
‫ومن ظل على شركه ‪ ..‬أهلكه ال بالطوفان ‪ ..‬وبقي الناس بعد نوح على التوحيد زماناً ‪ ..‬ثم بدأ‬
‫إبليس في الفساد ‪ ..‬ونشر الشرك بين العباد ‪ ..‬ولم يزل ال تعالى يبعث المرسلين مبشرين‬
‫ومنذرين ‪..‬‬
‫إلى أن بعث خاتم النبيين صلى ال عليه وسلم ‪ ..‬فسارت المة على التوحيد ‪..‬‬
‫إلى أن عاد الشرك إلى بعضهم بسبب تعظيم الولياء والصالحين ‪..‬‬
‫بنيت الضرحة على قبورهم ‪ ..‬وصرف الدعاء والنذر لمقاماتهم ‪..‬‬
‫وسموا هذا الشرك توسلً بالصالحين ‪ ..‬وزعموا أن تعظيمهم لقبور هؤلء ‪ ..‬تقربهم إلى ال زلفى‬
‫‪..‬‬
‫ونسوا أن هذه حجة المشركين الولين حيث قالوا عن أصنامهم ‪ { :‬ما نعبدهم إلى ليقربونا إلى ال‬
‫زلفى } ‪..‬‬
‫نعم أبو جهل وأبو لهب كانوا يعتقدون أن ال هو الله العظم‪ ..‬لكنهم أشركوا معه آلهة أخرى ظنوا‬
‫أنها توصل إليه ‪ ..‬وتشفع لهم عنده ‪..‬‬

‫قـصـة ‪..‬‬
‫روى البيهقي وغيره ‪ :‬أنه لما ظهر النبي صلى ال عليه وسلم بدعوته بين الناس ‪ ..‬حاول كفار‬
‫قريش أن ينفروا الناس عنده ‪ ..‬فقالوا ‪ :‬ساحر ‪ ..‬كاهن ‪ ..‬مجنون ‪..‬‬
‫لكنهم وجدوا أن أتباعه يزيدون ول ينقصون ‪..‬‬
‫فاجتمع رأيهم على أن يغروه بمال ودنيا ‪..‬‬
‫فأرسلوا إليه حصين بن المنذر الخزاعي ‪ ..‬وكان من كبارهم ‪..‬‬
‫فلما دخل عليه حصين ‪ ..‬قال ‪ :‬يا محمد ‪ ..‬فرقت جماعتنا ‪ ..‬وشتت شملنا ‪ ..‬فإن كنت تريد مالً‬
‫أعطيناك ‪ ..‬وإن أردت نساءً زوجناك ‪ ..‬وإن أردت ملكًا ملكناك ‪ ..‬ومضى في كلمه وإغرائه ‪..‬‬
‫والنبي عليه الصلة والسلم ينصت إليه ‪..‬‬
‫فلما انتهى من كلمه ‪ ..‬قال له صلى ال عليه وسلم ‪ :‬أفرغت يا أبا عمران ‪..‬‬
‫قال ‪ :‬نعم ‪ ..‬قال ‪ :‬فأجبني عما أسألك ‪..‬‬
‫يا أبا عمران ‪ ..‬كم إلهاً تعبد ؟ قال ‪ :‬أعبد سبعة ‪ ..‬ستة في الرض ‪ ..‬وواحداً في السماء !! قال ‪:‬‬
‫فإذا هلك المال ‪ ..‬من تدعو !؟‬
‫قال ‪ :‬أدعوا الذي في السماء ‪ ..‬قال ‪ :‬فإذا انقطع القطر من تدعو ؟‬
‫قال ‪ :‬أدعوا الذي في السماء ‪ ..‬قال ‪ :‬فإذا جاع العيال ‪ ..‬من تدعو ؟‬
‫قال ‪ :‬أدعوا الذي في السماء ‪ ..‬قال ‪ :‬فيستجيب لك وحده ‪ ..‬أم يستجيبون لك كلهم ‪ ..‬قال ‪ :‬بل‬
‫يستجيب وحده ‪..‬‬
‫فقال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬يستجيب لك وحده ‪ ..‬وينعم عليك وحده ‪ ..‬وتشركهم في الشكر ‪ ..‬أم أنك‬
‫تخاف أن يغلبوه عليك ‪ ..‬قال حصين ‪ :‬ل ‪ ..‬ما يقدرون عليه ‪..‬‬
‫فقال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬يا حصين ‪..‬أسلم أعلمك كلمات ينفعك ال بهن ‪..‬فقيل إنه أسلم فعلمه‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم دعاء يدعو به‪ ( ..‬أو كما جاء في الحديث ) ‪..‬‬
‫وفي الصحيحين وغيرهما ‪..‬‬
‫عن أبي هريرة رضي ال عنه أن النبي صلى ال عليه وسلم بعث خيلً جهة نجد ‪ ..‬لينظروا له ما‬
‫حول المدينة ‪..‬‬
‫فبنما هم يتجولون على دوابهم ‪ ..‬فإذا برجل قد تقلد سلحه ‪ ..‬ولبس الحرام ‪ ..‬وهو يلبي قائلً ‪:‬‬
‫لبيك اللهم لبيك ‪ ..‬لبيك ل شريك لك ‪ ..‬إل شريكًا هو لك ‪ ..‬تملكه وما ملك ‪ ..‬ويردد ‪ :‬إل شريكًا هو‬
‫لك ‪ ..‬تملكه وما ملك ‪..‬‬
‫فأقبل الصحابة عليه ‪ ..‬وسألوه أين يريد ‪ ..‬فأخبرهم أنه يريد مكة ‪ ..‬فنظروا في حاله فإذا هو قد‬
‫أقبل من ديار مسيلمة الكذاب ‪ ..‬الذي ادعى النبوة ‪..‬‬
‫فربطوه وأوثقوه وجاؤوا به إلى المدينة ‪ ..‬ليراه النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ..‬ويقضي فيه ما شاء ‪..‬‬
‫فلما رآه النبي عليه الصلة والسلم ‪ ..‬قال لصحابه ‪ :‬أتدون من أسرتم ‪ ..‬هذا ثمامة بن أثال سيد‬
‫بني حنيفة ‪..‬‬
‫ثم قال اربطوه في سارية من سواري المسجد ‪ ..‬وأكرموه ‪..‬‬
‫ثم ذهب صلى ال عليه وسلم إلى بيته وجمع ما عنده من طعام وأرسل به إليه ‪..‬‬
‫فربطوه بسارية من سواري المسجد ‪ ..‬فخرج إليه النبي صلى ال عليه وسلم فقال ‪ :‬ما عندك يا‬
‫ثمامة ؟‬
‫قال ‪ :‬عندي خير يا محمد ‪ ..‬إن تقتلني تقتل ذا دم ‪ ( ..‬أي ينتقم لي قومي ) ‪ ..‬و إن تنعم تنعم على‬
‫شاكر ‪ ..‬وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت ‪..‬‬
‫فتركه صلى ال عليه وسلم حتى كان الغد ‪ ..‬ثم قال له ‪ :‬ما عندك يا ثمامة ؟‬
‫فقال ‪ :‬عندي ما قلت لك إن تقتلني تقتل ذا دم ‪ ..‬و إن تنعم تنعم على شاكر ‪ ..‬و إن كنت تريد المال‬
‫فسل منه ما شئت ‪..‬‬
‫فتركه صلى ال عليه وسلم حتى بعد الغد ‪ ..‬فمر به فقال ‪ :‬ما عندك يا ثمامة ؟‬
‫فقال ‪ :‬عندي ما قلت لك ‪..‬‬
‫فلما رأى صلى ال عليه وسلم أنه ل رغبة له في السلم ‪ ..‬وقد رأى صلة المسلمين ‪ ..‬وسمع‬
‫حديثم ‪ ..‬ورأى كرمهم ‪ ..‬قال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬أطلقوا ثمامة ‪ ..‬فأطلقوه ‪ ..‬وأعطوه دابته‬
‫وودعوه ‪..‬‬
‫فانطلق ثمامة إلى ماء قريب من المسجد ‪ ..‬فاغتسل ‪ ..‬ثم دخل المسجد ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬أشهد أن ل إله إل ال وأن محمداً رسول ال ‪..‬‬
‫يا محمد وال ما كان على وجه الرض وجه أبغض إلي من وجهك ‪ ..‬فقد أصبح وجهك أحب‬
‫الوجوه إلي ‪..‬‬
‫و ال ما كان دين أبغض إلي من دينك ‪ ..‬فأصبح دينك أحب الدين إلي ‪..‬‬
‫وال ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك فأصبح بلدك أحب البلد إلي ‪..‬‬
‫ثم قال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ..‬إن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى ؟‬
‫فبشره النبي صلى ال عليه وسلم بالخير ‪ ..‬وأمره أن يكمل طريقه إلى مكة ويعتمر ‪..‬‬
‫فذهب إلى مكة يلبي بالتوحيد قائلً ‪ ..‬لبيك ل شريك لك ‪ ..‬لبيك ل شريك لك ‪..‬‬
‫نعم أسلم فقال ‪ :‬لبيك ل شريك لك ‪ ..‬فل قبر مع ال يعبد ‪ ..‬ول صنم يُصلّى له ويُسْجَد ‪ ..‬ثم دخل‬
‫ثمامة رضي ال عنه مكة ‪ ..‬فتسامع به سادات قريش فأقبلوا عليه ‪..‬‬
‫فسمعوا تلبيته فإذا هو يقول ‪ ..‬لبيك ل شريك لك ‪ ..‬لبيك ل شريك لك ‪..‬‬
‫فقال له قائل ‪ :‬أصبوت ؟ قال ‪ :‬ل ‪ ..‬ولكن أسلمت مع محمد صلى ال عليه وسلم ‪..‬‬
‫فهموا به أن يؤذوه ‪ ..‬فصاح بهم وقال ‪:‬‬
‫وال ‪ ..‬ل تأتيكم من اليمامة حبة حنطة ‪ ..‬حتى يأذن فيها النبي صلى ال عليه وسلم ‪..‬‬
‫فانظر كيف كان يعظم ال ‪ ..‬ويعظم غيره معه ‪ ..‬فصار بذلك مشركاً ‪..‬‬
‫نعم ‪ ..‬كانوا يعظمون ال ‪ ..‬أكثر من تعظيمهم لهذه اللهة ‪..‬‬
‫فقل لي بربك ‪ ..‬ما الفرق بين شرك أبي جهل وأبي لهب ‪..‬‬
‫وبين من يذبح اليوم عند قبر ‪ ..‬أو يسج ُد على أعتاب ضريح ‪ ..‬أو يذبحُ له ويطوف ‪..‬‬
‫أو يقف عند مشهد الولي ذليلً خاضعاً ‪ ..‬منكسراً خاشعاً ‪..‬‬
‫يلتمس من عظام باليات شفاء المريض ‪ ..‬ورد المسافر ‪..‬‬
‫ستَجِيبُوا َلكُ ْم إِنْ ُك ْنتُمْ‬
‫عبَا ٌد َأ ْمثَاُلكُمْ فَادْعُوهُمْ َف ْليَ ْ‬
‫ن تَدْعُونَ مِنْ دُونِ الِّ ِ‬
‫عجباً ‪ ..‬وال يقول ‪ { :‬إِنّ الّذِي َ‬
‫صَادِقِينَ } ‪..‬‬
‫وهذا الشرك ‪..‬الذي يقع عند القبور من ذبح لها ‪..‬وتقرب إلى أهلها ‪ ..‬هو أعظم الذنوب ‪..‬‬
‫ك ِلمَن‬ ‫ك بِ ِه َو َيغْ ِفرُ مَا دُونَ َذِل َ‬ ‫ش َر َ‬
‫ل َيغْ ِفرُ أَن يُ ْ‬ ‫نعم أعظم من الخمر والزنا ‪ ..‬وقد قال تعالى ( إِنّ الّ َ‬
‫يَشَاء ) ‪..‬‬
‫نعم ‪ ..‬ال ل يغفر أن يشرك به ‪ ..‬بينما قد يغفر ال للزناة ‪ ..‬ويعفو عن القتلة والجناة ‪ ..‬أما الشرك‬
‫فهو أعظم الذنوب ‪ ..‬ول يغفره ال أبداً ‪ ..‬قال ال { إن الشرك لظلم عظيم } ‪..‬‬
‫والجنة حرام على المشركين ‪ ..‬قال تعالى ‪ ( :‬إنه من يشرك بال فقد حرم ال عليه الجنة ومأواه‬
‫النار وما للظالمين من أنصار ) ‪..‬‬
‫ومن وقع في الشرك ‪ ..‬أفسد عليه هذا الشرك ‪ ..‬جميع عباداته من صلة وصوم وحج وجهاد‬
‫وصدقة ‪ ..‬قال تعالى ‪ { :‬ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن‬
‫من الخاسرين } ‪..‬‬

‫والشرك له صور متعددة ‪:‬‬


‫منها ما يخرج من الملة ‪ ..‬ويخلد صاحبه في النار إذا مات ولم يتب منه ‪..‬‬
‫كدعاء غير ال ‪ ..‬والتقرب بالذبائح والنذور لغير ال ‪ ..‬من القبور والجن ‪ ..‬والخوفِ من الموتى ‪..‬‬
‫أو الجن والشياطين أن يضروه أو يمرضوه ‪..‬‬
‫ورجا ِء غير ال فيما يقدر عليه إل ال ‪ ..‬من قضاء الحاجات ‪ ..‬مما يمارس الن حول الضرحة‬
‫والقبور ‪..‬‬
‫فالقبور تزار لجل التعاظ والدعاء للموات ‪ ..‬كما قال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬زوروا القبور فإنها‬
‫تذكركم الخرة ‪..‬‬
‫أما زيارة القبور لدعاء أهلها ‪..‬أو طلب الحاجات منهم فهذا شرك أكبر ‪ ..‬ول فرق بين كون المدعو‬
‫المقبور نبيًا أو ولياً ‪ ..‬فكل هؤلء بشر ‪ ..‬ل يملكون ضراً ول نفعاً ‪ ..‬قال ال لحب خلقه إليه محمد‬
‫ضرّا ) ‪..‬‬‫ل َ‬ ‫ل َأ ْمِلكُ ِلنَفْسِي نَ ْفعًا وَ َ‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ ( :‬قُل ّ‬
‫ويدخل في ذلك ما يفعله الجهال عند قبر النبي صلى ال عليه وسلم من دعائه والستغاثة به ‪ ..‬أو‬
‫عند قبر الحسين ‪ ..‬أو البدوي ‪ ..‬أو الجيلني ‪ ..‬أو غيرهم ‪..‬‬
‫أما زيارة القبور للصلة عندها والقراءة ‪ ..‬فهذه بدعة ‪..‬‬
‫وكثير من هذه القبور ‪ ..‬التي تُعظّم ‪ ..‬يكون لها خدم يظهرون التقى ويختلقون الكاذيب ‪ ..‬ويدعون‬
‫إلى الشرك ‪..‬‬
‫ومما يزيد الطيب بلة ‪ ..‬أنهم لم يكتفوا بتعظيم الموات وإنما صرفوا الموال في تزيين القبور‬
‫والبناء عليها ‪..‬‬
‫وقد حذر النبي عليه الصلة والسلم من ذلك ‪ ..‬بل قال لعلي رضي ال عنه ‪ :‬ل تدع تمثالً إل‬
‫طمسته ‪ ..‬ول قبراً مشرفاً إل سوّيته ‪..‬‬
‫ونهى صلى ال عليه وسلم أن ( يجصص القبر ‪ ..‬وأن يقعد عليه ‪ ..‬وأن يبنى عليه ‪ ..‬أو أن يكتب‬
‫عليه " ‪ ..‬ولعن ‪ " J‬المتخذين عليها [ أي القبور] المساجد والسُرج " ‪ ..‬وقال عليه الصلة والسلم‬
‫‪ " :‬لعن ال قوماً اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " وهذا في قبره الشريف وفي كل قبر ‪ ..‬ولم يكن على‬
‫عهد الصحابة والتابعين بناء على قبر نبي ول غيره ‪..‬‬

‫ولكن ماذا يفعلون هناك ؟‬


‫يقصد كثير من القبوريين الضرحة حاملين معهم الغنام والبقار ‪ ..‬وأنواع الطعمة والموال ‪..‬‬
‫قربانًا لصاحب الضريح‪ ..‬وقد يطوفون بالقبر وبتمرغون بترابه‪..‬‬
‫وتجد بعضهم يحلفون بالولياء ولمقبورين بل لو حلف بال ما قبلوا منه ول صدقوه ‪ ..‬فإذا حلف‬
‫باسم ولي من أوليائهم قبلوه وصدقوه ‪..‬‬
‫ومنهم من يخلع نعاله احتراماً لصاحب الضريح ‪..‬‬
‫ويتبرك بالضريح والقبة فيأخذ من ترابها‪ ..‬أو يضع يديه على القبر ويمسح على جسده ‪ ..‬بل ترى‬
‫المرأة ترفع طفلها ‪ ..‬وتهزه وهي تخاطب الشيخ المقبور راجية منه البركة في صغيرها ‪ ..‬وقد‬
‫ترى من يسجد وهو مستقبل القبر ‪..‬‬
‫ومنهم من يعتكف عند القبر أياماً ‪ ..‬التماساً لشفاء أو قضاء حاجة ‪..‬‬
‫ع والسكينةُ والتأث ُر والبكاء‪..‬‬‫كما يظهر على الزائر الخشو ُ‬
‫فصار هؤلء المقبورون آلهة من دون ال ‪ ..‬وال ل يرضى أن يعبد معه نبي ول ملك ‪ ..‬فكيف إذا‬
‫عُبد معه غيرهم ‪..‬‬
‫وهؤلء المقبورون ل يستطيعون نصر أنفسهم ‪ ..‬ول نفعها ‪ ,,‬فضلً عن نفع غيرهم ‪..‬‬
‫وما أقرب حال من يعظمونهم ويخافونهم ‪ ..‬من حال وفد ثقيف لما أسلموا فخافوا من صنم عندهم‬
‫‪ ..‬وهو ل يضر ول ينفع ‪..‬‬
‫فإنه لما تمكن السلم في الناس ‪ ..‬بدأت القبائل ترسل وفودها لتعلن إسلمها بين يدي النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪..‬‬
‫ل من قبيلة ثقيف ‪ ..‬إلى النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ..‬فأنزلهم المسجد‬ ‫فأقبل بضعة عشر رج ً‬
‫ليسمعوا القرآن ‪ ..‬فلما أرادوا إعلن إسلمهم ‪ ..‬نظر بعضهم إلى بعض فتذكروا صنمهم الذي‬
‫يعبدون ‪ ..‬وكانوا يسمونه الربة ‪..‬‬
‫فسألوا النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ..‬عن الربا والزنا والخمر فحرم عليهم ذلك كله ‪..‬‬
‫فأطاعوا ‪ ..‬ثم سألوه عن الربة ‪ ..‬ما هو صانع بها ؟‬
‫قال ‪ :‬اهدموها ‪ ..‬قالوا ‪ :‬هيهات !! لو تعلم الربة أنك تريد أن تهدمها ‪ ..‬قتلت أهلها ‪ ..‬ومن حولها ‪..‬‬
‫فقال عمر رضي ال عنه ‪ :‬ويحكم ما أجهلكم !! إنما الربة حجر ‪..‬‬
‫فقالوا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ..‬تولّ أنت هدمها ‪ .‬أما نحن فانا لن نهدمها أبدا ‪..‬‬
‫فقال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬سأبعث إليكم من يكفيكم هدمها ‪ ..‬فاستأذنوه أن يرجعوا إلى قومهم ‪..‬‬
‫فدعوا قومهم إلى السلم ‪ ..‬فأسلموا ومكثوا أياماً ‪ ..‬وفي قلوبهم وجل من الصنم ‪..‬‬
‫فقدم عليهم خالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة في نفر من الصحابة ‪..‬‬
‫فأقبلوا إلى الصنم وقد اجتمع الرجال والنساء والصبيان ‪..‬‬
‫وهم يرتجفون ‪ ..‬وقد أيقنوا أنها لن تنهدم ‪ ..‬وسوف تقتل من يمسها ‪..‬‬
‫فأقبل عليها المغيرة بن شعبة ‪ ..‬فأخذ الفأس ‪ ..‬وقال لصحابه ‪:‬‬
‫وال لضحكنكم من ثقيف ‪ ..‬فضربها بالفأس ‪..‬‬
‫ثم سقط يرفس برجله ‪ ..‬فصاح الناس ‪ ..‬وظنوا أن الصنم قتله ‪..‬‬
‫ثم قالوا لخالد بن الوليد ومن معه ‪ :‬من شاء منكم فليقترب ‪..‬‬
‫فلما رأى المغيرة فرحتهم بنصرة صنمهم ‪ ..‬قام فقال ‪ :‬وال يا معشر ثقيف ‪ ..‬إنما هي حجارة ومدر‬
‫‪ ..‬فاقبلوا عافية ال واعبدوه ‪ ..‬ثم ضربها فكسرها ‪ ..‬ثم عل الصحابة فوقها فهدموها حجراً حجراً‬
‫‪..‬‬
‫مادام أن ال فطر العباد على التوحيد ‪ ..‬فكيف نشأ الشرك ‪..‬؟!‬
‫لو تأملت كيف نشأ الشرك على الرض ‪ ..‬لوجدت أنه الغلو في الصالحين ورفعهم فوق منزلتهم ‪..‬‬
‫ففي قوم نوح ‪..‬كان الناس موحدين ‪..‬يعبدون ال وحده ل شريك له ‪..‬ولم يكن شرك على وجه‬
‫الرض أبداً‬
‫وكان فيهم خمسة رجال صالحين ‪ ..‬هم وُد وسواع ويغوث ويعوق ونسر ‪ ..‬فلما ماتوا ‪ ..‬حزن‬
‫عليهم قومهم ‪ ..‬وقالوا ‪ :‬ذهب الذين كانوا يذكروننا العبادة ‪ ..‬ويأمروننا بطاعة ال ‪..‬‬
‫فوسوس الشيطان لهم ‪ ..‬قائلً ‪ :‬لو صوّرتم صورهم ‪ ..‬على شكل تماثيل ‪ ..‬ونصبتموها عند‬
‫مساجدكم ‪ ..‬فإذا رأيتموهم ذكرتم العبادة فنشطتم لها ‪..‬‬
‫فأطاعوه ‪ ..‬فاتخذوا الصنام رموزاً ‪ ..‬لتذكرهم بالعبادة والصلح‪..!..‬‬
‫فكانوا فعلً ‪ ..‬يرون هذه الصنام فيتذكرون العبادة ‪ ..‬ومضت السنين ‪ ..‬وذهب هذا الجيل ‪ ..‬ونشأ‬
‫أولدهم من بعدهم ‪ ..‬وكبروا وهم يرون آباءهم يثنون على هذه التماثيل والصنام ‪ ..‬ويعظمونها ‪..‬‬
‫لنها تذكرهم بالصالحين ‪..‬‬
‫ثم نشأ قوم بعدهم ‪ ..‬فقال لهم إبليس‪ ( :‬إن الذين كانوا من قبلكم كانوا يعبدونها ‪ ..‬وكانوا إذا أصابهم‬
‫قحط أو حاجة لجئوا إليها ) فاعبدوها‪..‬‬
‫فعبدوها ‪ ..‬حتى بعث ال إليهم نوحًا عليه السلم ‪ ..‬فدعاهم ألف سنة إل خمسين عاماً ‪ ..‬فما آمن‬
‫معه إل قليل ‪ ..‬فغضب ال على الكافرين ‪ ..‬فأهلكهم بالطوفان ‪..‬‬
‫هذا ما حدث في قوم نوح عليه السلم ‪..‬‬

‫واليوم نأتي إلى القبوريين فنسأل ‪ :‬كيف تبدأ علقتهم بالضريح ؟ وكيف تنتهي بهم إلى الشرك ؟‬
‫تبدأ العلقة بتقديس الشخاص ‪ ..‬ذوي الصلح والتقوى ‪..‬‬
‫ومن ثم ‪ :‬تستحب زيارة تلك البقاع ‪ ..‬ليس لتذكر الموت والخرة ‪ ..‬بل لتذكر الشيخ الصالح ودعاءِ‬
‫ح به ‪..‬‬
‫ال عنده رجاء الجابة ‪ ..‬ثم لمسُ القبر والتمس ُ‬
‫واتخاذه واسطة ووسيلة للشفاعة عند ال ‪ ..‬ويزعمون أن صاحب الضريح له جاه عند ال ‪ ..‬بينما‬
‫صاحب الحاجة متلطخ بالذنوب ‪ ..‬ل يصلح أن يدعو ال مباشرة ‪ ..‬فل ب ّد أن يجعل صاحب القبر‬
‫واسطة بينه وبين ال !!‬
‫ثم يقذف الشيطان في قلوب الزائرين ‪ ..‬يقول لهم ‪:‬‬
‫ما دام هذا المقبور مكرماً فقد يعطيه ال تصرفاً وقدرة ‪..‬‬
‫فيبدأ الزائر يعظم المقبور في نفسه ‪ ..‬ويهابه ‪ ..‬ويرجوه ‪..‬‬
‫ثم بعد ذلك يدعوه ‪ ..‬ثم يبني عليه مسجداً ‪ ..‬أو قبة وضريحاً ‪..‬‬
‫ثم ينسجون حوله الكرامات ‪ ..‬والقصص والحكايات ‪ ..‬فهذه امرأة دعته فرزقت زوجاً ‪ ..‬والثانية‬
‫أنجبت ولداً ‪ ..‬وهكذا ‪..‬‬
‫وبعضهم يردد قائلً ‪ ..‬من زار العتاب ما خاب ‪ ..‬أي‪ :‬من زار الضرحة والعتاب ( المقدسة )‬
‫‪ ..‬قضيت حاجته ونال مراده‪..‬‬
‫بل سئل أحد التجار ‪ :‬لماذا تقسم للزبائن بضريح الشيخ ‪ ..‬ول تقسم بال ؟‬
‫فقال ‪ :‬إنهم ل يرضون بالقسم باسم ال ‪ ..‬ول يرضون إل بالقسم بضريح سيدنا فلن ‪ ..‬فانظر‬
‫كيف صار تعظيمهم للضريح أكب َر من تعظيمهم ل !!‬
‫وما أقرب حال هؤلء بما حكاه أبو رجاء العطاردي رضي ال عنه ‪ ..‬لما قال ‪:‬‬
‫كنا في الجاهلية نعبد الصنام ‪ ..‬والحجار والشجار ‪..‬‬
‫فكان أحدنا يعبد حجراً ‪ ..‬فإذا رأى حجرًا آخر أمثل منه ‪ ..‬ألقى حجره وعبد الخر ‪ ..‬فإذا لم نجد‬
‫حجراً جمعنا جُثوة من تراب ثم جئنا بالشاة فحلبناه عليه ثم طفنا به‪..‬‬
‫فخرجنا مرة في سفر ‪ ..‬ومعنا إلهنا الذي نعبده ‪ ..‬حجر قد جعلناه في خُرج ‪ ..‬فكنا إذا أشعلنا ناراً‬
‫لطعام فلم نجد حجراً ثالثًا للقدر ‪ ..‬وضعنا إلهنا ‪ ..‬وقلنا ‪ :‬هو أدفأ له إذا اقترب من النار ‪..‬‬
‫فنزلنا منزلً يوماً ‪ ..‬وأخرجنا الحجر من الخُرج ‪..‬فلما ارتحلنا صاح صائح من قومي فقال ‪ :‬أل إن‬
‫ربكم قد ضل فالتمسوه ‪..‬‬
‫فركبنا كل بعير صعب وذلول نبحث عن ربنا ‪..‬‬
‫فبينما نحن نبحث إذ سمعت صائحاً آخر من قومي يقول ‪ :‬أل إني قد وجدت ربكم ‪ ..‬أو رباً يشبهه‬
‫‪..‬‬
‫فرجعت إلى موضع رحالنا ‪ ..‬فرأيت قومي ساجدين عند صنم ‪ ..‬فأتينا فنحرنا عنده البل ‪..‬‬
‫فاعجب من جهلهم في جاهلية ما قبل السلم ‪ ..‬واعجب أكثر من جاهليتهم اليوم ‪..‬‬
‫بال عليك ما الفرق بين يعبد حجراً ‪ ..‬ومن يعبد قبراً ‪..‬‬
‫بين من ينزل حاجاته بأصنام ‪ ..‬ومن ينزلها برفات وعظام ‪..‬‬
‫بين من يتعبد لقبور الولياء ‪ ..‬ومن يتعبد لطين وماء ‪..‬‬
‫نعم كل هؤلء يقولون ‪ :‬ما نعبدهم إل ليقربونا إلى ال زلفى ‪..‬‬

‫أربعة اعتراضات ‪ ..‬الول ‪:‬‬


‫قد يقول بعض المتعلقين بالقبور ‪ :‬أنتم تشددون علينا ‪ ..‬فنحن ل نعبد الموات ‪ ..‬لكن هؤلء‬
‫المقبورين أولياء صالحون ‪ ..‬لهم عند ال جاه ومكان ‪ ..‬فهم يشفعون لنا عند ال ‪ ..‬فنقول ‪ :‬هذا هو‬
‫شرك كفار قريش في عبادتهم للصنام ‪..‬‬
‫فمشركو العرب كانوا مقرين بتوحيد الربوبية ‪ ..‬وأن الخالق الرازق المدبر هو ال وحده ل شريك‬
‫خرِجُ‬
‫لبْصَا َر َومَن يُ ْ‬‫سمْ َع وَا َ‬
‫ض َأمّن َي ْمِلكُ ال ّ‬
‫لرْ ِ‬ ‫سمَا ِء وَا َ‬ ‫ل مَن َي ْرزُ ُقكُم مّنَ ال ّ‬ ‫له ‪ ..‬كما قال تعالى ‪ ( :‬قُ ْ‬
‫ل أَفَل َتتّقُونَ ) ‪..‬‬
‫سيَقُولُونَ الُّ فَقُ ْ‬‫ل ْمرَ فَ َ‬
‫ي َومَن يُ َد ّبرُ ا َ‬‫حّ‬ ‫ت مِنَ ال َ‬ ‫خرِجُ ال َم ّي َ‬
‫ت َويُ ْ‬
‫ن ال َم ّي ِ‬
‫حيّ مِ َ‬
‫ال َ‬
‫ومع ذلك قاتلهم النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ..‬لنهم لم يفردوا ال بجميع أنواع العبادة ‪..‬‬
‫والشرك هو أن يفعل العبد لغير ال شيئاً يختص به ال سبحانه سواءً أطلق على ذلك الغير ما كان‬
‫تطلقه عليه الجاهلية كالصنم والوثن ‪ ..‬أو أطلق عليه اسمًا آخر كالولي والقبر والضريح ‪..‬‬

‫الثاني ‪ ..‬وقد يعترض بعض المتعلقين بالقبور ‪ ..‬ويقولون ‪:‬‬


‫نحن نتقرب إلى المقبورين ‪ ..‬من الولياء والصالحين ‪ ..‬من أجل طلب الشفاعة‪ ..‬فهؤلء الموتى‬
‫قوم صالحون ‪ ..‬فلهم جاه وقدر عند ال ‪ ..‬نحن نطلب منهم أن يشفعوا لنا عند ال ‪..‬‬
‫فنقول لهم ‪ ..‬يا قوم ‪ ..‬ويحكم أجيبوا داعي ال وآمنوا به ‪..‬‬
‫ضرّهُمْ وَل‬‫لّ مَا ل َي ُ‬
‫إن ال قد سمّى اتخاذ الشفعاء شركاً ‪ ..‬فقال سبحانه ‪َ ( :‬و َي ْعبُدُونَ مِن دُونِ ا ِ‬
‫لرْضِ‬ ‫ت وَل فِي ا َ‬‫س َموَا ِ‬
‫لّ ِبمَا ل َي ْعلَمُ فِي ال ّ‬
‫ل َأ ُت َن ّبئُونَ ا َ‬
‫يَن َف ُعهُمْ َويَقُولُونَ َهؤُلءِ شُ َفعَا ُؤنَا عِندَ الِّ قُ ْ‬
‫ش ِركُونَ ) ‪..‬‬ ‫عمّا يُ ْ‬
‫سبْحَانَ ُه َو َتعَالَى َ‬
‫ُ‬
‫ونقول لهم أيضاً ‪ ..‬نحن نؤمن معكم ‪ ..‬بأن ال تعالى أعطى النبياء والولياء الشفاعة ‪ ..‬وهم‬
‫أقرب الناس إليه ‪ ..‬لكن ربنا نهانا عن سؤالهم ودعائهم ‪..‬‬
‫نعم ‪ ..‬النبياء والولياء والشهداء ‪ ..‬لهم شفاعة عند ال ‪ ..‬ولكنها ليست بأيديهم يشفعون لمن شاؤوا‬
‫‪ ..‬ويتركون من شاؤوا ‪ ..‬كل ‪ ..‬بل ل يشفعون إل بعد أن يأذن ال لهم ‪ ..‬ويرضى عن المشفوع ‪..‬‬
‫الثالث ‪ ..‬وهنا شبهة ‪ ..‬قد يقذفها الشيطان في بعض القلوب ‪..‬‬
‫ضمّن المسجد النبوي دون نكير‪ ..‬ولو كان ذلك حرامًا لم‬ ‫وهي أن قبر النبي صلى ال عليه وسلم قد ُ‬
‫يدفن فيه‪..‬‬
‫والجواب‪ :‬أن النبي صلى ال عليه وسلم دفن حيث مات ‪ ..‬والنبياء يدفنون حيث يموتون كما‬
‫جاءت بذلك الحاديث ‪..‬‬
‫فدفن في حجرة عائشة رضي ال عنه ‪ ..‬فلم يدفن في المسجد ‪ ..‬وإنما دفن في الحجرة ‪ ..‬هذا في‬
‫أول المر ‪..‬‬
‫والصحابة رضي ال عنهم دفنوه في حجرة عائشة كي ل يتمكن أحد بعدهم من اتخاذ قبره مسجداً‬
‫‪ ..‬كما في حديث عائشة رضي ال عنها قالت ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم في مرضه‬
‫الذي مات فيه ‪ ( :‬لعن ال اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ‪ ..‬قالت ‪ :‬فلول ذلك أُب ِرزَ‬
‫قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً ) أخرجه البخاري ومسلم ‪..‬‬
‫نعم دفن أول المر في بيت عائشة ‪ ..‬وكان بيت عائشة ملصقاً للمسجد من الجهة الشرقية ‪..‬‬
‫ومضت السنوات ‪ ..‬والناس يكثرون ‪ ..‬والصحابة يوسعون المسجد من جميع الجهات ‪ ..‬إل من‬
‫جهة القبر ‪..‬‬
‫وسعوه من جهة الغرب والشمال والجنوب ‪ ..‬إل الجهة الشرقية فلم يوسعوه منها لن القبر يحجزهم‬
‫عن ذلك ‪..‬‬
‫وفي سنة ثمان وثمانين ‪ ..‬أي بعد وفاة النبي صلى ال عليه وسلم بسبع وسبعين سنة ‪ ..‬وبعدما مات‬
‫عامة الصحابة الذين كانوا بالمدينة ‪ ..‬أمر الخليفة الولي ُد بن عبد الملك بهدم المسجد النبوي لتوسعته‬
‫‪ ..‬وأمر بتوسعته من جميع الجهات ‪ ..‬وإضافة جميع حُجر أزواج النبي صلى ال عليه وسلم ‪..‬‬
‫عندها وسع من الجهة الشرقية ‪ ..‬وأدخلت فيه حجرةُ عائشة رضي ال عنه ‪ ..‬فصار القبر بذلك‬
‫ملصقاً للمسجد ‪..‬‬
‫فهذه قصة القبر والمسجد ‪..‬‬

‫إذن ‪ ..‬ل يصح لحد أبداً ‪ ..‬أن يحتج بما وقع بعد الصحابة رضي ال عنهم ‪ ..‬لنه مخالف‬
‫للحاديث الثابتة ‪ ..‬وما فهمه سلف المة‪ ..‬وقد أخطأ الوليد بن عبد الملك – عفا ال عنه ‪ -‬في‬
‫إدخاله حجرة عائشة رضي ال عنه ضمن المسجد‪ ..‬لن النبي صلى ال عليه وسلم نهى عن بناء‬
‫المساجد على القبور ‪ ..‬وكان الصل أن يوسّعَ المسجد من الجهات الخرى دون أن يتعرض‬
‫لحجرة عائشة ‪..‬‬

‫فأقول للمتعلقين بالمقبورين ‪ ..‬يا قومنا أجيبوا داعي ال وآمنوا به ‪..‬‬


‫بال عليكم ‪ ..‬هل تعلمون أن السلف الصالح كانوا يتوسلون بضريح ومقام ؟ ويغفلون عن الملك‬
‫العلم ؟‬
‫وهل تعلمون أن واحداً منهم وقف عند قبر النبي صلى ال عليه وسلم أو قبر أحد من أصحابه وآل‬
‫بيته‪ ..‬يسأله قضاء حاجة من الحاجات ‪ ..‬أو تفريج كربة من الكربات ؟‬
‫وانظر إلى الصحابة في عهد عمر رضي ال عنه في المدينة النبوية ‪ ..‬لما انقطع المطر ‪ ..‬وشكوا‬
‫ذلك إلى عمر رضي ال عنه ‪ ..‬خرج بهم ثم صلى صلة الستسقاء ‪ ..‬ثم رفع يديه وقال ‪:‬‬
‫اللهم إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا بدعاء نبينا لنا فأسقيتنا ‪ ..‬اللهم وإنا نتوسل إليك بدعاء عم نبيك صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪ ..‬ثم التفت إلى العباس رضي ال عنه وقال ‪ :‬قم يا عباس فادعُ ال أن يسقينا ‪ ..‬فقام‬
‫العباس ودعا ال تعالى ‪ ..‬وأمن الناس على دعائه وبكوا وابتهلوا ‪ ..‬حتى اجتمع فوقهم السحاب‬
‫وأمطروا ‪..‬‬

‫فانظر إلى الصحابة الكرام ‪ ..‬وهم أكثر منا فقهاً ‪ ..‬وأعظم محبة للنبي صلى ال عليه وسلم ‪ ..‬لما‬
‫نزلت بهم الكربات ‪ ..‬ما ذهبوا إلى قبر نبيهم صلى ال عليه وسلم ‪ ..‬ول قالوا ‪ :‬يا رسول ال !!‬
‫اشفع لنا عند ال ‪ ..‬كل ‪ ..‬فهم يعلمون أن دعاء الميت ل يجوز وإن كان نبياً مرسلً ‪..‬‬
‫فآ ٍه ثم آهٍ ‪ ..‬لمساكين اليوم يزدحمون على عظام ورفات ‪ ..‬يلتمسون منها المغفرة والرحمات ‪..‬‬
‫يا قومنا ‪ ..‬ويحكم ‪ ..‬هل تعلمون أن النبي صلى ال عليه وسلم حينما نهى عن إقامة الصور‬
‫والتماثيل ‪ ..‬نهى عنها عبثاً ولعباً ‪ ..‬أم أنه خاف أن تعيد للمسلمين جاهليتهم الولى ؟ بعبادة الصور‬
‫والتماثيل ؟ وأي فرق بين من يعظم الصور والتماثيل ‪ ..‬وبين من يعظم الضرحة والقبور ‪..‬‬

‫ومن وسائل الشرك ‪ ..‬الحلف بغير ال ‪:‬‬


‫فل يجوز الحلف بالكعبة ‪ ..‬ول بالمانة ‪ ..‬ول بالشرف ‪ ..‬ول بحياة فلن ‪..‬ول بجاه النبي ‪ ..‬ول‬
‫بجاه الولي ‪ ..‬كل ذلك حرام ‪ ..‬لن الحلف تعظيم ل يصح إل ل ‪..‬‬
‫وقد روى أحمد عن ابن عمر مرفوعًا ‪" :‬من حلف بغير ال فقد أشرك" ‪..‬‬
‫وقال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬من كان حالفاً فليحلف بال أو ليصمت ‪..‬‬
‫فإذا حلف بغير ال ‪ ..‬وهو يعتقد أن عظمة المحلوف به كعظمة ال فهو شرك أكبر ‪ ..‬وإن اعتقد أن‬
‫المحلوف به أقل من ال ‪ ..‬فهو شرك أصغر ‪..‬‬
‫ومن حلف بغير ال ناسياً ‪ ..‬فكفارته أن يقول ‪ :‬ل إله إل ال ‪ ،‬كما روى البخاري أن النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم قال ‪ ( :‬من حلف فقال في حلفه باللت والعزى فليقل ‪ :‬ل إله إل ال ) ‪..‬‬
‫ومن كان الحلف بغير ال يجرى على لسانه ‪ ..‬فيجب أن يجاهد نفسه على تركه ‪..‬‬

‫وكذلك من شرك اللفاظ الذي يجري على ألسنة بعض الناس ‪..‬‬
‫كقول بعضهم ‪ :‬ما شاء ال وشئت ‪ ..‬أو ‪ :‬لول ال وفلن ‪ ..‬أو ‪ :‬مالي إل ال وأنت ‪ ..‬وهذا من‬
‫بركات ال وبركاتك ‪..‬‬
‫والصواب أن يقول ‪ :‬ما شاء ال ثم فلن ‪ ..‬ولول ال ثم فلن ‪..‬‬

‫ومن وسائل الشرك ‪:‬‬


‫تعليق التمائم والحروز والوراق والحجب ‪ ..‬خوفًا من العين وغيرها ‪ ..‬فإذا اعتقد أن هذه مجرد‬
‫أسباب وطرق لرفع البلء أو دفعه ‪ ..‬فهذا شرك أصغر ‪..‬‬
‫أما إن اعتقد أنها تتحكم وتدفع البلء بنفسها ‪ ..‬فهذا شرك أكبر لنه تعلق بغير ال ‪ ..‬وجعل لغير ال‬
‫تصرفاً في الكون مع ال ‪..‬‬
‫والتمائم نوعان ‪:‬‬
‫من القرآن ‪ :‬كمن يعلق قماشًا أو جلداً ‪ ..‬أو قطعة ذهب ‪ ..‬أو غيرها قد كتب عليه آيات من القرآن ‪..‬‬
‫وهذه ل تجوز ‪ ..‬لنها لم يرد فعلها عن النبي ‪ J‬وأصحابه ‪ ..‬وقد تجر إلى تعليق غيرها ‪..‬‬
‫والنوع الثاني ‪ :‬من غير القرآن ‪ ..‬كمن يعلق ما كتب عليه أسماء الجن ‪ ..‬ورموز السحرة ‪ ..‬وهذا‬
‫من وسائل الشرك عياذاً بال ‪..‬‬
‫قال ابن مسعود ‪ :‬من قطع تميمة من إنسان ‪ ..‬فكأنما أعتق رقبة ‪..‬‬
‫ورأى النبي عليه الصلة والسلم رجلً قد علق في يده حلقة من صُفر ( حديد ) ‪ ..‬فقال له ‪ :‬ما‬
‫ف المرض ‪..‬‬ ‫هذا ؟ قال ‪ :‬من الواهنة ‪ ..‬أي خو َ‬
‫ت وهي عليك ما أفلحت أبداً ‪..‬‬ ‫فقال ‪ :‬انزِعها فإنها ل تزيدك إل وهناً ‪ ..‬لو م ّ‬
‫ومن الشرك ‪ :‬ادعاء علم الغيب ‪..‬‬
‫فل يعلم الغيب إل ال وحده‪ ..‬قال تعالى ‪ { :‬قل ل يعلم من في السموات والرض الغيب إل ال }‬
‫‪..‬‬
‫فل يمكن لحد أبداً ‪ ..‬أبداً ‪ ..‬أن يعلم الغيب ‪ ..‬ل ملك مقرب ‪ ..‬ول نبي مرسل ‪ ..‬ل يعلم الغيب إل‬
‫ال ‪..‬‬
‫إل أن يكون رسولً يوحى ال إليه شيئًا من المغيبات ‪ ..‬كما أخبر ال نبيه ‪ J‬بمكائد الكفار له ‪..‬‬
‫وأشراط الساعة ‪ ..‬ونحو ذلك ‪..‬‬
‫فمن ادعى علم الغيب بأي وسيلة من الوسائل ‪ ..‬كقراءة الكف أو الفنجان ‪ ..‬أو النظر في النجوم ‪..‬‬
‫أو الكهانة أو السحر ‪..‬فهو كاذب كافر ‪..‬‬
‫وما يحصل من المشعوذين والدجالين من الخبار بالمفقودات أو الغائبات ‪ ..‬وعن أسباب بعض‬
‫المراض ‪ ..‬إنما هو باستخدام الجن والشياطين ‪..‬‬
‫وقد يذهب بعض ضعاف اليمان إلى المنجمين فيسألهم عن مستقبله وعن زواجه ‪ ..‬وهذا حرام ‪..‬‬
‫ومن ادعى علم الغيب أو صدق من يدعيه فهو كافر ‪..‬‬
‫ومن ذلك اللجوء إلى أبراج الحظ في الجرائد والمجلت ‪ ..‬أو التصال هاتفيًا على بعض من يدعي‬
‫معرفة الغيب ‪ ..‬أو سؤالُهم ‪ ..‬كل ذلك حرام ‪..‬‬

‫ومن وسائل الشرك ‪ :‬السحر والكهانة والعرافة ‪..‬‬


‫وهو من أعظم الذنوب ‪ :‬قال صلى ال عليه وسلم ‪( :‬اجتنبوا السبع الموبقات قالوا ‪ :‬وما هي ؟ قال ‪:‬‬
‫الشراك بال والسحر )‪..‬‬
‫ب إليهم بما يحبونه ‪ ..‬ليقوموا بخدمة الساحر ‪ ..‬وفيه ادعاء‬ ‫فالسحر فيه استخدام الشياطين ‪ ..‬والتقر ُ‬
‫ث َأتَى } ‪..‬‬
‫ح ْي ُ‬
‫حرُ َ‬‫علم الغيب ‪ ..‬وهذا كفر وضلل ‪ ..‬لذا قال تعالى ‪ { :‬وَل يُ ْفلِحُ السّا ِ‬
‫وحكم الساحر القتل ‪ ..‬كما فعل جماعة من الصحابة رضي ال عنهم ‪..‬‬
‫واليوم تساهل الناس بالسحر ‪ ..‬وصار فنًا من الفنون بل ويقيمون للسحرة‬
‫الحفلت‪..‬والمسابقات‪..‬ويحضرها آلف المتفرجين والمشجعين ‪..‬وهذا من التهاون بالعقيدة‬
‫وما أجمل أن يصنع بالساحر ما صنعه أبو ذر الغفاري رضي ال عنه ‪..‬‬
‫فإنه دخل على أحد الخلفاء فرأى بين يديه ساحراً ‪ ..‬يلعب بسيف في يده ‪ ..‬ويخيل للناس أنه‬
‫يضرب يقطع رأس الرجل ثم يعيده ‪..‬‬
‫فجاء أبو ذر من اليوم التالي ‪ ..‬وقد لبس رداءه ‪ ..‬وخبأ سيفه تحته ‪ ..‬ثم دخل على الخليفة ‪ ..‬فإذا‬
‫الساحر بين يديه يلعب بالسيف ‪ ..‬ويسحر أمام الناس ‪ ..‬وهم في عجب وإعجاب ‪..‬‬
‫فاقترب منه أبو ذر ‪ ..‬ثم أخرج سيفه فجأة ورفع وهوى به على رقبة هذا الساحر ‪ ..‬فأطار رأسه ‪..‬‬
‫فسقط الساحر صريعاً ‪ ..‬وقال أبو ذر ‪ :‬سمعت النبي ‪ J‬يقول ‪ :‬حد الساحر ضربة بالسيف ‪ ..‬ثم‬
‫التفت إليه أبو ذر وقال ‪ :‬أحيي نفسك ‪ ..‬أحيي نفسك ‪..‬‬
‫وقد قال صلى ال عليه وسلم ‪ ( :‬من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد &‪#‬‬
‫‪. ) ;61554‬‬

‫ومما يجب التنبه له ‪ :‬أن السحرة والكهان والعرافين يظهرون أحيانًا بمظهر الصالحين ‪ ..‬ويأمرون‬
‫المرضى بالذبح لغير ال ‪ ..‬بأن يذبحوا خروفًا صفته كذا ‪ ..‬أو دجاجة ‪..‬‬
‫وأحيانًا يكتبون لهم الطلسم الشركية ‪ ..‬والتعاويذ الشيطانية ‪..‬‬
‫بصفة حروز يعلقونها في رقابهم ‪ ..‬أو يضعونها في بيوتهم ‪..‬‬
‫وبعضهم يظهر بمظهر الولي الذي له خوارق وكرامات ‪ ..‬كأن يضربَ نفسه بالسلح ‪ ..‬أو يضعَ‬
‫نفسه تحت عجلت السيارة ول تؤثر فيه ‪..‬‬
‫إلى غير ذلك من الشعوذات ‪ ..‬التي هي في حقيقتها سحر من عمل الشيطان ‪ ..‬يجريه على أيديهم ‪..‬‬
‫وشياطينهم ت ِفرّ عند ذكر ال ‪..‬‬
‫كما ذكر أحدهم أنه سافر يومًا إلى إحدى الدول ‪ ..‬ودخل أحد مسارحها ‪ ..‬وأخذ ينظر إلى ما يسمى‬
‫السيرك ‪..‬‬
‫قال ‪ :‬وبينما نحن ننظر إلى اللعاب المتنوعة ‪ ..‬فإذا بامرأة تأتي ثم تمشي على حبل بقدرة عجيبة ‪..‬‬
‫ثم قفزت على الجدار ‪ ..‬ومشت عليه كما تمشي البعوضة ‪ ..‬والناس قد أخذ منهم العجب منها كل‬
‫مأخذ ‪ ..‬فقلت في نفسي ‪ ..‬ل يمكن أن يكون ما تفعله حركات بهلوانية تدربت عليها ‪ ..‬صحيح أنا‬
‫عاص ‪ ..‬لكني موحّد ‪ ..‬ل أرضى بمثل هذا فتحيرت ماذا أفعل ؟‬
‫فتذكرت إني حضرت خطبة جمعة عن السحر والسحرة ‪ ..‬وكان مما ذكر الشيخ أن السحرة‬
‫يستعملون الشياطين ‪ ..‬وأن الشياطين يبطل كيدها ‪ ..‬وتفنى قوتها إذا ذكر ال ‪..‬‬
‫فقمت من على كرسيي ‪ ..‬ومضيت أمشي متجهاً إلى خشبة المسرح ‪ ..‬والناس يصفقون معجبين ‪..‬‬
‫ويظنوني لفرط إعجابي ‪ ..‬أقترب من الساحرة ‪..‬‬
‫فلما وصلت إلى المسرح ‪ ..‬وصرت قريباً من هذه الساحرة ‪ ..‬وجهت نظري إليها ثم قرأت آية‬
‫الكرسي ‪ ( :‬ال ل إله إل هو الحي القيوم ل تأخذه سنة ول نوم ‪ .. ) ..‬فبدأت المرأة تضطرب ‪..‬‬
‫وتضطرب ‪ ..‬فوال ما ختمت الية إل وقعت على الرض ‪ ..‬وأخذت تنتفض ‪ ..‬وقام الناس وفزعوا‬
‫‪ ..‬وحملوها إلى المستشفى ‪..‬‬
‫وصدق ال إذ قال ( إن كيد الشيطان كان ضعيفاً ) ‪ ..‬وقال ‪ ( :‬ومكروا ومكر ال وال خير‬
‫الماكرين ) ‪..‬‬

‫ومن وسائل الشرك ‪ :‬تعظيم التماثيل والنصب التذكارية ‪..‬‬


‫والتماثيل جمع تمثال ‪ ..‬وهو الصورة المجسمة على شكل إنسان أو حيوان ‪..‬‬
‫والنصب التذكارية ‪ :‬تماثيل يقيمونها على صور الزعماء والعظماء ‪ ..‬وينصبونها في الميادين‬
‫والحدائق ونحوها ‪..‬‬
‫وما وقع الشرك في الرض إل بسبب هذه التماثيل ‪..‬‬
‫أما ترى قوم نوح لما صنعوا تماثيل لرجال منهم ‪ ..‬لم يمض عليهم زمن حتى عبدوهم من دون ال‬
‫‪..‬‬
‫لذا نهى صلى ال عليه وسلم عن التماثيل والصور ‪ ..‬لنه وسيلة إلى الشرك ‪..‬‬
‫بل لعن صلى ال عليه وسلم المصورين ‪ ..‬وأخبر أنهم أشد الناس عذابا يوم القيامة ‪ ..‬وأمر بطمس‬
‫الصور ‪ ..‬وأخبر أن الملئكة ل تدخل بيتا فيه صورة ‪..‬‬

‫ومن وسائل الشرك ‪ :‬التوسل البدعي ‪:‬‬


‫كالتوسل بجاه النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ..‬أو بذوات المخلوقين أو حقهم ‪ ..‬فل يجوز أن يقول في‬
‫دعائه ‪ :‬اللهم إني أسألك بجاه نبيك ‪ ..‬أو بحق فلن ‪ ..‬أو بروح الميت فلن ‪ ..‬كل هذا ل يجوز ‪..‬‬
‫والتوسل الجائز ‪ ..‬هو التوسل إلى ال بأسمائه وصفاته ‪ ..‬فيقول ‪ :‬يا رحيم ارحمني ‪ ..‬يا غفور‬
‫اغفر لي ‪..‬‬
‫وكذلك التوسل إلى ال باليمان والعمال الصالحة ‪ ..‬كأن يقول اللهم بإيماني بك وتصديقي لرسلك‬
‫‪ ..‬أدخلني جنتك ‪..‬‬
‫والتوسل إلى ال بدعاء الصالحين الحياء ‪ ..‬كأن يطلب من عبد صالح حي ‪ ..‬أن يدعو ال له ‪ ..‬فإن‬
‫دعاء المسلم لخيه بظهر الغيب مستجاب ‪ ..‬أما طلب الدعاء من ميت في قبره ‪ ..‬فل يجوز ‪..‬‬
‫فكل ما سبق هو من حقوق ال على عباده ‪ ..‬ل يجوز صرفه لغير ال تعالى ‪..‬‬
‫ومن اليمان بال أيضًا ‪:‬‬
‫اعتقاد أن ال رب كل شيء وأنه المستحق للعبادة ‪..‬‬
‫شيْ ٌء وَ ُهوَ السّمي ُع ا ْل َبصِيرُ } ‪..‬‬
‫وله السماء الحسنى والصفات العلى ‪َ { ..‬ل ْيسَ َك ِم ْثلِهِ َ‬
‫ل على خلقه بذاته وصفاته ‪ ..‬مستوٍ على العرش ‪..‬‬ ‫وأنه يتكلم متى شاء بما شاء كيف شاء ‪ ..‬وأنه عا ٍ‬
‫يعلم أحوال خلقه ‪ ..‬ويسمع أقوالهم ‪ ..‬ويرى أفعالهم ‪..‬‬
‫ونؤمن بأن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة ‪ ..‬قال تعالى ‪ { :‬وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها‬
‫ناظرة } ‪..‬‬
‫واليمان بالملئكة ‪ ..‬واليمان بالكتب ‪ ..‬فالقرآن أنزله ال على محمد ‪ ..‬والتوراة على موسى ‪..‬‬
‫والنجيل على عيسى ‪ ..‬والزبور على داود ‪ ..‬عليهم الصلة والسلم ‪ ..‬وكلها كلم ال تعالى ‪..‬‬

‫واليمان بالنبياء عليهم السلم ‪..‬‬


‫س ْلنَا‬
‫وهم كثير ‪ ..‬منهم من أخبرنا ال باسمه ‪ ..‬ومنهم من لم يخبرنا به ‪ ..‬قال تعـالى ‪َ { :‬ولَقَدْ َأرْ َ‬
‫عَل ْيكَ}‪..‬‬
‫عَل ْيكَ َو ِم ْنهُ ْم مّن لّمْ نَ ْقصُصْ َ‬
‫صنَا َ‬
‫ك ِم ْنهُم مّن َقصَ ْ‬
‫ل مّن َق ْبِل َ‬
‫رُسُ ً‬

‫واليمان باليوم الخر ‪..‬‬


‫ل بعذاب القبر ونعيمه ‪ ..‬وهو ثابت بالكتاب والسنة ‪..‬‬ ‫فتؤمن أو ً‬
‫قال تعالى ‪ { :‬وحاق بآل فرعون سوء العذاب النار يعرضون عليها غدواً وعشيًا ويوم تقوم‬
‫الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب } ‪..‬‬
‫وقال تعالى عن المنافقين ‪ { :‬سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم } ‪ ..‬قال ابن مسعود‬
‫وغيره ‪ :‬العذاب الول في الدنيا ‪ ..‬والثاني عذاب في القبر ‪ ..‬ثم يردون إلى عذاب عظيم في النار ‪..‬‬
‫أما الحاديث في إثبات عذاب القبر ونعيمه ‪ ..‬فهي كثيرة ‪ ..‬بل قد صرح ابن القيم وغيره أنها‬
‫متواترة ‪ ..‬وفي السنة أكثر من خمسين حديثاً في ذلك ‪..‬‬
‫منها ما في الصحيحين أن النبي صلى ال عليه وسلم م ّر بقبرين ‪ ..‬فقال ‪ :‬إنهما ليعذبان وما يعذبان‬
‫في كبير أما أحدهما فكان ل يستتر من البول وأما الخر فكان يمشي بالنميمة ) ‪..‬‬
‫ومنها ما في الصحيحين أنه صلى ال عليه وسلم كان يقول في دعائه ‪ ( :‬اللهم إني أعوذ بك من‬
‫عذاب القبر ‪.. ) ..‬‬

‫ومن اليمان باليوم الخر ‪..‬‬


‫اليمان بالبعث وإحياء الموتى حين ينفخ في الصور ‪ ..‬فيقومون حفاة عراة غرلً ( غير‬
‫ك َل َميّتونَ ثُ ّم ِإنّك ْم َيوْمَ الْ ِقيَامَ ِة ُت ْب َعثُونَ } ‪..‬‬
‫مختوننين ) ‪ ..‬كما قال تعالى ‪ { :‬ثُ ّم ِإنّكمْ َبعْدَ َذِل َ‬

‫واليمان بالحساب والجزاء ‪ ..‬والجنة ‪ ..‬والنار ‪..‬‬


‫وتؤمن بأشراط الساعة الصغرى والكبرى ‪ ..‬كخروج الدجال ‪ ..‬ونزول عيسى عليه السلم من‬
‫السماء ‪ ..‬وطلوع الشمس من مغربها ‪ ..‬وخروج دابة الرض من موضعها ‪ ..‬وغير ذلك ‪..‬‬
‫ونؤمن ‪ ..‬بالشفاعة ‪ ..‬والحوض والميزان ‪ ..‬ورؤية ال تعالى ‪ ..‬وغير ذلك من أمور الخرة ‪..‬‬
‫ومن اليمان أيضاً اليمان بالقدر خيره وشره ‪ ..‬مقدر ومكتوب من ال تعالى ‪..‬‬
‫ومما يقدح في اليمان ‪..‬‬

‫الستهزاء بالدين ‪ ..‬فهو ردة عن السلم ‪ ..‬قال ال ‪:‬‬


‫{ قل أبال وآياته ورسوله كنتم تستهزؤن ل تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم } ‪..‬‬
‫ومثل هذا ما يقوله بعضهم ‪ :‬إن السلم دين قديم ل يصلح لعصرنا ‪ ..‬أو إنه تأخر ورجعية ‪ ..‬أو‬
‫يقول ‪ :‬إن القوانين الوضعية أحسن من السلم ‪..‬‬

‫ومن أكبر القوادح في اليمان ‪ ..‬الحكم بغير ما أنزل ال ‪..‬‬


‫فمن مقتضى اليمان بال الحكم بشرعه ‪ ..‬في القوال والفعال ‪ ..‬والخصومات والموال ‪ ..‬وسائر‬
‫الحقوق ‪..‬‬
‫قال تعالى ‪ { :‬فل وربك ل يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم ل يجدوا في أنفسهم حرجاً‬
‫حكُم ِبمَا أَنزَلَ الّ فَُأ ْولَـ ِئكَ هُ ُم ا ْلكَا ِفرُونَ ) ‪..‬‬
‫مما قضيت ويسلموا تسليماً } ‪ ..‬وقال ‪َ ( :‬ومَن لّمْ َي ْ‬
‫فل بد من الحكم بما أنزل ال ‪ ..‬في كل شيء في البيع والشراء ‪ ..‬والسرقة ‪ ..‬والزنا ‪ ..‬وغيرها ‪..‬‬
‫وليس في أحكام الطلق والزواج والحوال الشخصية فقط ‪..‬‬
‫ومن شرع قوانين للناس ‪ ..‬وزعم أن هذه القوانين أنسب وأفضل من حكم ال فهو كافر ‪..‬‬
‫قال ال ‪ { :‬أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به ال } ‪ ..‬وقال ال ‪ { :‬أفحكم الجاهلية‬
‫يبغون ومن أحسن من ال حكما لقوم يوقنون } ‪..‬‬
‫وفي الصحيح أنه لما أنزل ال ‪ { :‬اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون ال } ‪ ..‬قال عدي بن‬
‫حاتم رضي ال عنه ‪ :‬يا رسول ال ‪ ..‬لسنا نعبدهم ‪ ..‬قال صلى ال عليه وسلم ‪ ( :‬أليس يحلون لكم‬
‫ما حرم ال فتحلونه ‪ ..‬ويحرمون ما أحل ال فتحرمونه ؟ ) ‪ ..‬قال ‪ :‬بلى ‪ .‬قال صلى ال عليه وسلم‬
‫‪" :‬فتلك عبادتهم " ‪..‬‬

‫ومن القوادح في اليمان ‪ ..‬موالة الكفار ‪ ..‬أو معاداة المؤمنين ‪..‬‬


‫ول شك ‪ ..‬أنه يجب على المسلمين أن يحذروا موادة الكافرين ‪ ..‬كما قال تعالى ‪ { :‬يَا َأ ّيهَا الّذِينَ‬
‫ن ِإَل ْيهِمْ بِا ْل َموَ ّد ِة وَقَ ْد كَ َفرُوا ِبمَا جَا َءكُ ْم مِنَ الْحَقّ } ‪..‬‬ ‫آ َمنُوا ل َتتّخِذُوا عَ ُدوّي وَعَ ُد ّوكُ ْم َأ ْوِليَاءَ ُتلْقُو َ‬
‫لّ َورَسُولَ ُه َوَلوْ كَانُوا‬ ‫خ ِر ُيوَادّونَ مَنْ حَادّ ا َ‬ ‫لّ وَا ْليَوْمِ الْ ِ‬‫وقال تعالى ‪ { :‬ل تَجِدُ َقوْمًا ُي ْؤ ِمنُونَ بِا ِ‬
‫خوَا َنهُمْ َأوْ عَشِي َر َتهُمْ } ‪..‬‬ ‫آبَاءَهُ ْم َأوْ َأ ْبنَاءَهُ ْم َأ ْو إِ ْ‬
‫واليات كلها تدل على كفرهم بال ‪ ..‬وكيدهم للسلم وأهله ‪..‬‬
‫ت إِن‬ ‫ن أَ ْفوَا ِههِمْ َومَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ َأ ْك َبرُ قَ ْد َب ّينّا َلكُ ُم اليَا ِ‬ ‫ت ا ْل َبغْضَاء مِ ْ‬ ‫كما قال تعالى ‪ { :‬قَ ْد بَ َد ِ‬
‫حبّو َنكُمْ َو ُت ْؤ ِمنُونَ بِا ْل ِكتَابِ ُكلّ ِه َوإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آ َمنّا َوإِذَا‬
‫ل يُ ِ‬ ‫حبّو َنهُ ْم وَ َ‬ ‫كُنتُمْ َتعْ ِقلُونَ هَاأَنتُ ْم ُأوْلء تُ ِ‬
‫سكُمْ‬ ‫ت الصّدُو ِر إِن َتمْسَ ْ‬ ‫علِيمٌ بِذَا ِ‬ ‫ظكُمْ إِنّ الّ َ‬ ‫ل مُوتُو ْا ِب َغيْ ِ‬‫ن ا ْل َغيْظِ قُ ْ‬ ‫ل مِ َ‬ ‫لنَامِ َ‬‫عَل ْيكُمُ ا َ‬
‫عضّواْ َ‬ ‫خَل ْواْ َ‬‫َ‬
‫ل ِبمَا‬‫ش ْيئًا إِنّ ا ّ‬‫ض ّركُمْ َكيْدُهُمْ َ‬ ‫ل َي ُ‬ ‫صبِرُو ْا َو َتتّقُواْ َ‬
‫س ّيئَةٌ يَ ْفرَحُو ْا ِبهَا َوإِن َت ْ‬ ‫ص ْبكُمْ َ‬ ‫سؤْهُ ْم َوإِن ُت ِ‬ ‫سنَ ٌة تَ ُ‬
‫حَ َ‬
‫ن مُحِيطٌ } ‪..‬‬ ‫َي ْع َملُو َ‬
‫ومن صور موالة بعض المسلمين للكافرين اليوم ‪ :‬مخالطتهم وموادتهم من غير قصد الدعوة ‪ ،‬أو‬
‫مساكنتهم في بلدهم ‪ ،‬أو السفر إليهم من غير ضرورة ‪ ..‬والتشبه بهم في اللباس ‪ ..‬أو المظهر ‪..‬‬
‫أو طريقة الحياة ‪ ..‬أو التكلم بلغتهم من غير حاجة ‪..‬‬

‫ومن أكبر القوادح في اليمان ‪..‬‬


‫تنقص أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ..‬أو سبهم ‪ ..‬أو تنقص أهل بيته الكرام ‪..‬‬
‫فنحب أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ..‬ول نغلوا في حب أحد منهم ‪ ..‬ل في علي رضي ال‬
‫عنه ‪ ..‬ول في غيره ‪..‬‬
‫ول نتبرأ من أحد منهم ‪ ..‬بل نبغض من يبغضهم ‪ ..‬ول نذكرهم إل بخير ‪ ..‬قال تعالى‪ {:‬وَالسّابِقُونَ‬
‫عنْهُ } ‪..‬‬
‫ع ْنهُ ْم َورَضُوا َ‬
‫ن َرضِيَ الُّ َ‬
‫حسَا ٍ‬
‫ن ا ّت َبعُوهُمْ بِإِ ْ‬
‫لْ ْنصَارِ وَالّذِي َ‬
‫جرِينَ وَا َ‬
‫ن ا ْل ُمهَا ِ‬
‫ن مِ َ‬
‫لْ ّولُو َ‬
‫اَ‬
‫ومذهب أهل السنة والجماعة فيما حدث بينهم من خلفات أو حروب ‪ ..‬المساك عن ذلك كله ‪..‬‬
‫فهم بشر يخطئون ويصيبون ‪ ..‬وكما عصم ال سيوفنا عن الدخول في تلك الفتن فلنعصم منها‬
‫ألسنتنا ‪ ..‬ونقول ‪ :‬هم بشر لهم رب يجمعهم يوم القيامة ويحكم بينهم ‪..‬‬
‫ونثبت الخلفة بعد رسول ال صلى ال عليه وسلم لبي بكر ‪ ..‬تفضيلً له وتقديماً على جميع المة‬
‫‪ ..‬ثم لعمر ‪ ..‬ثم لعثمان ‪ ..‬ثم لعلي رضي ال عنهم ‪..‬‬

‫ومن القوادح في اليمان ‪..‬‬


‫ما استحدثه بعض المسلمين من بدع يزعمون أنها تقربهم إلى ال ‪..‬‬
‫كالحتفال بمولد النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ..‬والقيام له في أثناء ذلك ‪ ..‬وإلقاء السلم عليه ‪..‬‬
‫أو الحتفال بمولد غيره من الولياء والصالحين ‪..‬‬
‫وذلك كله من البدع الدين ‪ ..‬لم يفعله النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ..‬ول الصحابة رضي ال عنهم ‪..‬‬
‫وقد ثبت عنه صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪ ( :‬من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) أي‬
‫مردود عليه ‪ ..‬وقال ‪ ( :‬كل محدثة بدعة وكل بدعة ضللة ) ‪..‬‬
‫وقال تعالى { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم السلم ديناً } ‪ ..‬نعم أكمل‬
‫لنا الدين ‪ ..‬ولو كان الحتفال بالموالد من الدين الذي يرضاه ال لبينه الرسول صلى ال عليه وسلم‬
‫للمة ‪..‬‬
‫وقد صرح العلماء بإنكار الموالد ‪ ..‬خاصة إذا وقع فيها غلو في الرسول صلى ال عليه وسلم ‪..‬‬
‫واختلط النساء بالرجال ‪ ..‬أو استعمال آلت الملهي ‪..‬‬
‫وقد يقع فيها الشرك الكبر بدعاء الرسول صلى ال عليه وسلم ‪ ..‬والستغاثة به ‪ ..‬وطلبه المدد ‪..‬‬
‫واعتقاد أنه يعلم الغيب ‪ ..‬ونحو ذلك من المور الكفرية ‪..‬‬
‫كما يردد بعضهم قول البوصيري ‪:‬‬
‫يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به *** سواك عند حدوث الحادث العمم‬
‫إن لم تكن آخذا يوم المعاد يدي *** صفحا وإل فقل يا زلة القدم‬
‫فإن من جودك الدنيا وضرتها *** ومن علومك علم اللوح والقلم‬
‫ومثل هذه الوصاف ‪ :‬علم الغيب ‪ ..‬والمغفرة يوم القيامة ‪ ..‬والتحكم في الدنيا والخرة ‪ ..‬ل تصح‬
‫إل لمن بيده ملكوت السموات والرض ‪..‬‬
‫وهذه تقع كثيراً ‪ ..‬في الحتفال بمولد النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ..‬أو مولد غيره من الولياء ‪..‬‬
‫فإن قيل ‪ ..‬إن هذه الموالد يذكر فيها الرسول ‪ ..‬وتقرأ سيرته ‪ ..‬قلنا ‪..‬‬
‫هذا كلم حسن ‪ ..‬ولكن يمكن أن يذكر الرسول صلى ال عليه وسلم وسيرته من غير تحديد موعد‬
‫معين كل سنة ‪ ..‬فيذكر على المنابر ‪ ..‬أو في المحاضرات ‪ ..‬أو المجالس العامة ‪ ..‬وغيرها ‪..‬‬
‫وقد قال تعالى ‪ { :‬فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى ال والرسول } ‪..‬‬
‫فبحثنا في القرآن ‪ ..‬فلم نجد أن ال أمرنا بالموالد ‪ ..‬بل يخبر أن الدين كامل ‪ ..‬وبحثنا في السنة فلم‬
‫نجد فيها أنه صلى ال عليه وسلم فعله ول أمر به ول فعله أصحابه ‪..‬‬
‫لْرْضِ‬ ‫ول ينبغي للعاقل أن يغتر بكثرة من يفعله من الناس ‪ ..‬قال تعالى { َوإِنْ تُطِ ْع َأ ْك َث َر مَنْ فِي ا َ‬
‫سبِيلِ الِّ } ‪..‬‬
‫ضلّوكَ عَنْ َ‬
‫ُي ِ‬

‫ومن العجائب ‪:‬‬


‫أن بعض الناس يجتهد في حضور الحتفالت المبتدعة ‪ ..‬ويتخلف عن الجمع والجماعات ‪..‬‬
‫وبعضهم يظن أن النبي صلى ال عليه وسلم يحضر المولد ‪ ..‬ولذا يقومون مرحبين ‪..‬‬
‫ونعلم جميعاً أنه ل يتم إيمان عبد حتى يحب الرسول صلى ال عليه وسلم ‪ ..‬ويعظمه ‪ ..‬ومن‬
‫تعظيمه وتوقيره ‪ ..‬اتخاذه إماما متبوعاً ‪ ..‬فل نتجاوز ‪ ..‬ما شرعه من العبادات ‪..‬‬

‫ومن البدع الظاهرة ‪:‬‬


‫الحتفال بليلة ‪ 27‬من رمضان ‪:‬‬
‫فقد قال صلى ال عليه وسلم كما في الصحيحين ‪ :‬من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم‬
‫من ذنبه ‪ ..‬ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ‪..‬‬
‫هذا هديه صلى ال عليه وسلم في رمضان وفي ليلة القدر ‪ ..‬وأما الحتفال بليلة سبع وعشرين على‬
‫أنها ليلة القدر فهو مخالف لهدي الرسول صلى ال عليه وسلم فالحتفال بها بدعة ‪ ..‬خاصة أن ليلة‬
‫القدر قد تكون ليلة السابع والعشرين ‪ ..‬وقد تكون غيرها من الليالي ‪.‬‬

‫ومن البدع أيضاً ‪:‬‬


‫الحتفال بليلة السراء والمعراج ‪..‬‬
‫مع أن الليلة التي حصل فيها السراء والمعراج لم يأت في الحاديث الصحيحة تعيينها ل في رجب‬
‫ول غيره ‪..‬‬
‫ولو ثبت تعيينها لم يجز تخصيصها بشيء من عبادة أو احتفال ‪..‬‬
‫لن النبي صلى ال عليه وسلم وأصحابه رضي ال عنهم لم يحتفلوا بها ‪ ..‬ولم يخصوها بشيء ‪..‬‬
‫والنبي صلى ال عليه وسلم قد بلغ الرسالة ‪ ..‬وأدى المانة ‪ ..‬فلو كان تعظيم هذه الليلة والحتفال‬
‫بها من دين ال لبينه لنا ‪..‬‬

‫ومن البدع ‪:‬‬


‫الحتفال بليلة النصف من شعبان وتخصيص يومها بالصيام ‪..‬‬
‫وليس على ذلك دليل يجوز العتماد عليه ‪ ..‬وقد ورد في فضلها أحاديث ضعيفة ل يجوز العتماد‬
‫عليها ‪ ..‬كما ذكر ابن رجب وغيره ‪..‬‬
‫وقال زيد بن أسلم ‪ :‬ما أدركنا أحدًا من مشيختنا ول فقهائنا يلتفتون إلى النصف من شعبان ‪..‬‬

‫وأخيراً ‪..‬‬
‫فإن الجريمة الكبرى ‪ ..‬والداهية العظمى ‪..‬ترك الصلة ‪..‬‬
‫وقد قال صلى ال عليه وسلم فيما رواه مسلم ‪" :‬بين الرجل وبين الكفر أو الشرك ترك الصلة " ‪..‬‬
‫وصح عند الترمذي عن عبد ال بن شقيق عن أبي هريرة رضي ال عنه قال ‪ :‬كان أصحاب‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ل يرون شيئاً من العمال تركه كفر غير الصلة ‪..‬‬
‫ذكر ابن القيم ‪:‬‬
‫أن أحد المحتضرين ‪ ..‬كان صاحب معاص وتفريط ‪ ..‬فلم يلبث أن نزل به الموت ‪ ..‬ففزع من‬
‫حوله إليه ‪ ..‬وانطرحوا بين يديه ‪ ..‬وأخذوا يذكرونه بال ‪ ..‬ويلقنونه ل إله إل ال ‪ ..‬وهو يدافع‬
‫عبراته ‪ ..‬فلما بدأت روحه تنزع ‪ ..‬صاح بأعلى صوته ‪ ..‬وقال ‪ :‬أقول ‪ :‬ل إله إل ال !! وما‬
‫تنفعني ل إله إل ال ؟!! وما أعلم أني صليت ل صلة !! ثمّ أخذ يشهق حتى مات ‪..‬‬
‫أمّا عامر بن عبد ال بن الزبير ‪ ..‬فلقد كان على فراش الموت ‪ ..‬يعد أنفاس الحياة ‪ ..‬وأهله حوله‬
‫يبكون ‪..‬‬
‫فبينما هو يصارع الموت ‪ ..‬سمع المؤذن ينادي لصلة المغرب ‪ ..‬ونفسه تحشرج في حلقه ‪ ..‬وقد‬
‫أشت ّد نزعه ‪ ..‬وعظم كربه ‪..‬‬
‫فلما سمع النداء قال لمن حوله ‪ :‬خذوا بيدي ‪!!..‬‬
‫قالوا ‪ :‬إلى أين ؟ ‪ ..‬قال ‪ :‬إلى المسجد ‪ ..‬قالوا ‪ :‬وأنت على هذه الحال !! قال ‪ :‬سبحان ال ‪!! ..‬‬
‫أسمع منادي الصلة ول أجيبه ‪ ..‬خذوا بيدي ‪ ..‬فحملوه بين رجلين ‪ ..‬فصلى ركعة مع المام ‪ ..‬ثمّ‬
‫مات في سجوده ‪ ..‬نعم ‪ ..‬مات وهو ساجد ‪..‬‬
‫فمن أقام الصلة ‪ ..‬وصبر على طاعة موله ‪ ..‬ختم له برضاه ‪..‬‬
‫كان سعد بن معاذ رضي ال عنه ‪ ..‬صالحاً قانتاً ‪ ..‬متعبداً مخبتاً ‪ ..‬عرفه الليل ببكاء السحار ‪..‬‬
‫وعرفه النهار بالصلة والستغفار ‪..‬‬
‫أصابه جرح في غزوة بني قريظة‪..‬فلبث مريضاً أيامًا ثم نزل به الموت‪..‬‬
‫فلما أخبر به النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ..‬قال لصحابه ‪ :‬انطلقوا إليه ‪ ..‬قال جابر ‪:‬‬
‫فخرج وخرجنا معه ‪ ..‬وأسرع حتى تقطعت شسوع نعالنا ‪ ..‬وسقطت أرديتنا ‪ ..‬فعجب أصحابه من‬
‫سرعته ‪ ..‬فقال ‪:‬‬
‫إني أخاف أن تسبقنا إليه الملئكة فتغسله ‪ ..‬كما غسلت حنظلة ‪..‬‬
‫فانتهى إلى البيت فإذا هو قد مات ‪ ..‬وأصحاب له يغسلونه ‪ ..‬وأمه تبكيه ‪ ..‬فقال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ :‬كل باكية تكذب إل أم سعد ‪ ..‬ثم حملوه إلى قبره ‪ ..‬وخرج صلى ال عليه وسلم يشيعه ‪..‬‬
‫فقال القوم ‪ :‬ما حملنا يا رسول ال ميتًا أخف علينا منه ‪..‬‬
‫فقال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬ما يمنعه أن يخف وقد هبط من الملئكة كذا وكذا لم يهبطوا قط قبل‬
‫يومهم ‪ ..‬قد حملوه معكم ‪ ..‬والذي نفسي بيده لقد استبشرت الملئكة بروح سعد ‪ ..‬واهتز له العرش‬
‫‪..‬‬
‫ع ْنهَا‬
‫ل َي ْبغُونَ َ‬
‫س ُنزُلً خَالِدِينَ فِيهَا َ‬
‫ت الْ ِفرْ َدوْ ِ‬
‫جنّا ُ‬
‫ت َلهُمْ َ‬
‫ت كَا َن ْ‬
‫ع ِملُوا الصّالِحَا ِ‬
‫ن الّذِينَ آ َمنُوا وَ َ‬
‫{ إِ ّ‬
‫حوَلً } ‪..‬‬ ‫ِ‬
‫ومن أكبر المعاصي ‪ ..‬منع الزكاة ‪ ..‬فهي الركن الثالث من أركان السلم ‪..‬‬
‫وفي صحيح مسلم أنه قال ‪ ( :‬ما من صاحب ذهب ول فضة ل يؤدي منها حقها‪ ،‬إل إذا كان يوم‬
‫القيامة صفحت له صفائح من نار‪ ،‬فأحمي عليها في نار جهنم‪ ،‬فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره‪،‬‬
‫كلما بردت أعيدت له‪ ،‬في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما‬
‫إلى الجنة وإما إلى النار ) ‪..‬‬
‫وروى البخاري أنه قال ‪ ( :‬من آتاه ال مال فلم يؤد زكاته مثّل له يوم القيامة شجاعا أقرع له‬
‫زبيبتان يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزمتيه – يعني شدقيه – ثم يقول‪ :‬أنا مالك‪ ،‬أنا كنزك‪ .‬ثم تل‬
‫النبي الية‪ :‬ول يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم ال من فضله هو خيراً لهم بل هو شر لهم‬
‫سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة )‬

‫وأخيراً ‪ ..‬يا قومنا أجيبوا داعي ال وآمنوا به ‪ ..‬يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم ‪ ..‬وال‬
‫إني لكم ناصح ‪ ..‬والحق قد تبين ‪ ..‬والدين واحد ل يتعدد ‪ ..‬فال فرد صمد ‪ ..‬ل يرضى أن يشرك‬
‫معه أحد ‪ ..‬ول تكن من أولئك الذين يقولون ‪ ( :‬إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون )‬
‫‪ ..‬بل قل ‪ :‬إنا موحّدون طائعون متبعون ‪ ..‬ول تغتر بكثرة من يذبح عند القبور ‪ ..‬أو يشرك بال‬
‫عندها ‪ ..‬ول تأخذك كثرة الحاجي والقصص التي ينسجها هؤلء عن مقبوريهم ‪ ..‬وانظر إلى أبي‬
‫طالب عم النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ..‬كان ينصر النبي عليه الصلة والسلم ويحميه ‪ ..‬ومع ذلك‬
‫‪ ..‬لما مات كافراً ‪ ..‬فقال النبي عليه الصلة والسلم ‪ :‬لستغفرن لك ما لم أُن َه عنك ‪ ..‬أنزل ال قوله‬
‫ن َلهُ ْم َأ ّنهُمْ‬
‫ش ِركِينَ َوَل ْو كَانُوا أُولِي ُق ْربَى مِنْ َبعْ ِد مَا َت َبيّ َ‬
‫س َتغْ ِفرُوا ِل ْلمُ ْ‬
‫ن يَ ْ‬
‫ن آ َمنُوا أَ ْ‬
‫ن لِل ّن ِبيّ وَالّذِي َ‬
‫‪ ( :‬مَا كَا َ‬
‫جحِيمِ ) ‪ ..‬بل ‪ ..‬انظر إلى محطم الصنام ‪ ..‬وباني البيت الحرام ‪ ..‬إبراهيمَ عليه السلم‬ ‫َأصْحَابُ الْ َ‬
‫‪ ..‬الذي ابتلي في موله‪ ..‬وعذب في سبيل ال‪..‬ل يستطيع يوم القيامة أن ينفع أباه‪..‬لن أباه مات‬
‫مشركاً بال‪ ..‬فتنبه لهذا كله وتذكر ( يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل‬
‫امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ) ‪ ( ..‬يوم ل ينفع مال ول بنون إل من أتى ال بقلب سليم ) ‪ ..‬وكن‬
‫رجاعًا إلى الحق ‪ ..‬ناصحًا لغيرك ‪ ..‬داعيًا إلى التوحيد ‪..‬أسأل ال للجميع الهدى والرشاد ‪ ..‬وال‬
‫تعالى أعلم وصلى ال وسلم وبارك على رسول ال ‪..‬‬

You might also like