Professional Documents
Culture Documents
www.aldura.net
الجزء الول
•تقديم الكتاب
•مقدمة
•ذكر الفاظ مما اصطلح عليها أهل الطريق وتعارفون بينهم
•ذكر طبقات المشائخ
•ذكر فضائل الفرس من العجم
•فضائل البربر من العجم
•حملة العلم إلى المغرب
•امامة أبى الخطاب عبد العلى بن السمح
•بيان مسالة الحارث وعبد الجبار واختلف الناس فيها
•مقتل أبى الخطاب واصحابه رحمهم ال
•ولية ابى حاتم يعقوب بن لبيب الملزوزى الهوارى
•ذكر وقعة مغمداس
•مقتل أبى حاتم واصحابه
•امامة عبد الرحمن بن رستم
•أمامه عبد الوهاب بن عبد الرحمن
•أول افتراق في الباضية
•محاربة المام عبد الوهاب رحمه ال للواصلية
•نزول المام عبد الوهاب رحمة ال على مدينة طرابلس
•الفتراق الثاني في الباضية
•استعمال أبو عبيدة عبد الحميد الجناونى رحمة ال ومحاربته خلف بن السمح
•امامة افلح بن عبد الوهاب
•الفتراق الثالث في الباضية
•امامة محمد افلح بن عبدالوهاب
•امامة يوسف بن محمد بن افلح
•وقعة مانو وانقراض المامة
•انتشار مذهب الشيعة
•ذكر اخبار ابي يزيد مخلد بن كيداد الناكثي
تقديم الكتاب
وما أقدمني على هذا العمل المضني وشجعني عليه أل ما نحن عليه في مغربنا هذا من حاجة إلى احياء
تراثنا وابراز معالم شخصيتنا التاريخية وبط حاضرنا المشرق بماضينا المجيد لنبني على دعائم الصالة
والتفتح معا لنفرط ولنفرط ولعلها تكون منا مساهمة متواضعة في دفع مسيرة النهضة وتراثها تلك
النهضة الثقافية التي تحياها الجزائر وسائر أقطاب المغرب العربي في هذه الظروف الحساسة .
وقد أعتمد في تحقيق هذا الكتاب ثلث نسخ خطية رأيت فيهن الغناء من غيرهن وهن قلئل النسخة
الولى نسخة خزانة شيخي الفاضل ابراهيم ابن ابي بكر الفراري وهي أصح النسخ وأشدها تحقيقا ،وقد
أهمل الناسخ ذكر تاريخ كتابتها وذكر اسمه ،والنسخة الثانية نسخة الشيخ اطفيش الحاج محمد ،وهي
هي نسخة قديمة جدا قريبة من عهد المؤلف يذكر كاتبها أنه فرغ منها سنة 758هجرية ،والنسخة
الثالثة نسخة خزانة القاضي أبو فاره ابراهيم ويرجع تاريخها إلى القرن الثاني عشر الهجري .
وقد حاولة أن أقابل بين النسخ ما استطعت وأثبت النص صحيحا بعد تحقيقه وربما تكون النسخ متفقة في
العبارة كما هي مع الشارة استطعت وأثبت النص صحيحا بعد تحقيقه وربما تكون النسخ متفقة في
العبارة كما عدم اتضاح المراد أو استقامة العبارة عند ذلك أثبت العبارة كما هي مع الشارة إليها وأبداء
ما يبدو لي الصواب .
وخدمة للكتاب وتقريبا له لمتناول القارىء أضفت عناوين هامشية لمختلف المساءل والمباحث الواردة
في أثناء الكتاب وأثبتها على هامش الصفحات حتى يسهل الرجوع إليها واستجلؤها كما أضفت للكتاب
فهارس العناوين والموضوعات الواردة فيه وللعلم والماكن المذكورة وسوف يجد القارىء من حين
لخر تعليقا مني على ما أراه لبد منه لليضاح أو إزالة اللبس.
وبودي لو أخرج الكتاب وعليه دراسة علمية وتحقيقات تاريخية لتكون الفائدة أكمل وأشمل ولكن أعتقد
أن هذا العمل سيكون خطوة ثانية بعد تحقيقه وطبعه وعسى أن يجد أبناءنا الطلبة والرجال المتفرغين
للبحث من ينتدب لذلك وحسبي أن أكون قد قمت بأول خطوة في الموضوع.
وقد رجوت من الشيخ الفضل المحقق عبد الرحمن بكلي _ وأنا في أثناء تحقيق الكتاب – أن يقدم له
بمقدمة تكون أمس بالموضوع وأنسب بالكتاب أكتفى بها عن التعريف بالكتاب وبالمؤلف فلبي رغبتي
ورحب بها فله مني كامل الشكر والتقدير كما أقدم ثنائي وشكري الخالص للخوان الذين قدموا لي يد
المساعدة ولم يبخلوا بأي جهد فساهموا معي في اخراج الكتاب بما قدموه من جهد وخدمات شكر ال
سعيهم وجزاهم خيرا.
مقدمة
الحمد ل الذي الذي خلق السمات والرض وجعل الظلمات والنور يعلم ما يسرون وما تعلنون وال عليم
بذات الصدور ،خلق النسان عمله البيان وكل شئ عنده بمقدار سبحان من جعل له عينين ولسانا
وشفتين ،وهديناه النجدين ،فسعيد يسره لليسرى وشقى يسره للعسرى ،هو الذي خلقكم وما تعلمون ل
يسئل عما يفعل وهم يسئلون ،احمده من عرف جلله وكبرياءه واقدس من دون التشبيه صفته واسماءه
،والصلة والسلم على سيدنا محمد خاتم النبيين والمرسلين الذي ارسله ال رحمة للعالمين ونسخ
بشريعة دينه كل شريعة ودين ،وعلى آله واصحابه الكرمين ،وتابعيهم باحسان إلى يوم الدين وتابعي
التابعين صلى ال عليهم اجمعين صلة دائمة إلى يوم الدين .
وبعد :فان العلم دليل يقتدي به ،والي طريق الرشد هاد يهتي به " إنما يخشى ال من عباده العلماء "
" والعلماء ورثة النبياء " وفي الية والخبر دليل على أن العلم ما صاحبه العمل ،وصادفته الخشية
والوجل فإنه من أخشى ال تعالى لما لديه ،ويسعى فيما يقدم بين يديه ،وهل لمن عرى من الخشية فوز
بعمل الحسنات ،واستحقاق وراثة تلك الدرجات ؟
وينبغي لمن نزع إلى هذا النزع وطلب هذا العمل الرفع ،آن يتعرف مناقب السلف والخبار ،ويحصل
سيرهم الصالحة ليقتدي بحميد تلك الثار ،فإن ذلك مما يقوى الرغبة والشتياق ( )1والحرص على
المصير إلى تلك المنازل السنية واللحاق ،ويخص على الطريق الثوم ،وينهي عن أهواء الهاون في
هواء الخسران والندم ،فما أتقمن من عرف طريق الصلح ان يتبعه ! وما أقبح من جهة أن يضيعه !
وقد استمرت عادة اصحابنا ان اول ما يمرن عليه المبتدئ أذا وصل ،السكينة والوقار وتعليم سير السلف
،لتكون لهم على اتباعهم معينة ،فإاذ أكتسى تلك السلف تلك الحلة قلما بدلها ،ثم بعد ذلك " ما يفتح ال
الناس من رحمة قلما بدلها ،وما يمسك فل مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم " .فال ينفعهم وينفع
بهم في الدنيا والدين ،ويجعلنا لثارهم مقتدين ،ل مبدلين ول مغيرين وينقذنا برحمته اجمعين ،وهو
ارحم الراحمين
كتاب ابى زكرياء يحيى بن ابى بكر رضى ال عنه ()2استخلص ذلك وانتقيه فبادرت لجابة سؤاله ايجابا
لعظم حرمة السؤال وان كان ينبغى ان اكون ممن استغفى واستقال فرأيت عصيانه من النكير بل المحظور
،فأخذت في تهذيب الكتاب المذكور واضيف إلى ذلك ما ل بد منه من خطبة وشعر غير مشهور ،على
انى معترف بالقصر والفهامة ،وراغب في الغضاء من ذوى الفطان والنباهة متيقن ان الماء يطيب
بطيب موارده ،وان كان اجاجا ،وقد يعود مرا معافا وان كان عذبا ثجاجا ،ول شك انى قصدت الفن
الذي بدأت بذكره لم احفل بعيب عائب ،ول بشكره فان ظفرت بموافقة من اجيب سؤاله فقد ظفرت
بالمرغوب ،فان قصرت فل غرو لبطاء السكيت ()3عن شاء المجلى وال اسأله .التوفيق والرشاد إلى
سواء الطريق ،وقد رأيت ان اقدم مقدمة تكون فراشا للكتاب ،تفهم منها ألفاظ اصطلح عليه اصحابنا
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
المتأخرون ،وفيها عند من ل يعرفها اضطراب ،ثم آتى بتسمية مشائخها وذكر طباقتهم خلفا عن سلف ،
على ترتيب يتأتى بيانه ،ليتم المقصود ويتألف ،ثم اجرد السيرة وانقلها من الكتاب المذكور ،على
حسب ما وقعت فيه ،وما كان في ألفاظه خشونة نقلت معانية فيكون نفهم ما سئلت سهل على قارئه .
----------------------------------------------
( )1في نسخة :الستيثاق
( )2يشر الى تاريخ أبي زكرياء يحي بن أبي بكر الذي ل زال مخطوطل وهو اصل هذا الكتاب
( )3السكيت بصيفة التصغير :آخر الخيل في الحلبة عكس المجلى
فمن ذلك العزابة واحدهم عزابى ،هذه اللفظة أستعملتها لقبا لكل من لزم الطريق وطلب العلم وسير أهل
الخير ،وحافظ عليها وعمل بها ،فان حسن جميع هذه الصفات سمي عزابيا ،وان حافظ على السير
والعمل بها فقط سمي به ،وأن حصل العلم دون السير والعمل بها والمحافظة عليها لم يسم بهذا السم ن
واعلم ان لهذا الصنف سيما انفردوا بها ،واحوال عرفوا بها ،ل يتفضل عليهم فيها سواهم ،وذلك في
تسميتهم ،وخطابهم ،ومؤاكلتهم ،ولباسهم ،واوقات نومهم وقيامهم ،واورادهم وصيامهم ،
وعبادتهم ،وعندهم في ذلك قوانين يعتادونها وحود ل يتعدونها ،وهذا السم مشتق من الغزوب عن
الشئ وهو البعد عنه ،فاستعير لمن بعد عن المور الدنيوية الشاغلة عن الخرة ،ولو استقصينا وصف
تلك الحوال ل تسع القول فطال ،وسيأتي ذكر ما امكن من ذلك في موضعه ان شاء ال ،واول ما
استعمل هذا اللقب في أيام ابي عبدال محمد بن ابى بكر رضى ال عنه ،لما أسس الحلقة ورتب قوانينها
.
الحلقة ،اسم لجماعة تشتمل على الشيخ يعلمهم العلم ويلقنه السير ويبصرهم في الدين بحسب ما يفتح
ال على كل واحد منه يحصل البعض ،وان أعياه الكل " ،فان لم يصبها وابل فطل " فكانهم محلقون
ولو أنهم مفترقون .
التلميذ اسم للواحد المبتدئ عند الدخول في الطريق سواء كان طالب فنو أو مقتصرا على الصلحية فقط
وأصل هذه اللفظة فارسى .
الختمة :اجتماعهم لذكر ال والدعاء عند طلوع الشمس وعند غروبها بشيخ أو بغير ،وكأنهم يختمون
به عمل الليل وعمل النهار .
المجتمع والجمع والميعاد ،الفاظ مترادفة على معنى واحد وهو أن يجمعهم الشيخ على وعظ يفيدهم ،أو
لتذمير امرمهم يكون شورى من أصلح فساد أو تلقي فوات ،أو امر بمعروف أو نهي عن منكر ،فمع
الختيار أن يكون ذلك يوم الثنين ويوم الثنيني ويوم الخميس ،ويكون في أي وقت دعت اليه الحال ،
ليل أو نهارا ،في أي يوم كان ،أول من رتبة أبو الحر على بن الحصين بمكة ()1
الهجران والبعاد الفاظ تترادف على معنى واحد وذلك ،او ظهرت عليه خزية أو أتى بنقيصه في قول أو
عمل أو تصنيع ،فأنه يهاجره كل اهل الصلح فل يكلم ول يخطر حالت بينه وبين أهل الخير ،فان تاب
واستغفر قبل منه ورجع إلى الجماعة ،وزال عنه شين ذلك الوسم ،وكان بقاؤه في وحشة الهجران بقدر
عظم الجرم وصغره ،وتوبة المجرم واصراره ،فمنهم من يتوب فيرجعه في الحال ،ومنهم من يبقى
ساعة او ساعتين أو يوما أو يومين أو أياما أو أعواما أو عمره أن عظم الجرم ودوام المجرم على
الصرار وترك الستغفار ،أسال ال ان يقينا شرا أتفسنا وشر كل ذي شر .
------------------------------------
( )1أبو الحر علي بن الحصين العنبري الشاري من أصحاب عبدال بن يحي طالب الحق وهما من الشراه
،عاش في أوائل القرن الثاني بجنوب الجزيرة العربية رحمه ال
هذا الفصل نقتله مما فعله الشيخ ابو عمار عبد الكافى رضى ال عنه :وذلك أنه لما رأى العزابة يسندون
أمر دينهم واحدا عن واحد ،اكابر ذلك ،وثقة عن ثقة ،رأى من حسن نظرة أن يكون ذلك جولة عن
جملة ،ولم يتخللها خلل ول اختلل ،لن ذلك أذا كان واحدا عن واحد دخله الغلط ووقع فيه الطعن ولن
أخبار اآحاد ضعيفة عند اصحاب الحديث فرتبها رحمة ال على المبين من سني الهجرة ،والتاريخ الذي
بينه وبين هجرة رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وذكر ممن أشتملت عليه كل خمسين سنة من المئين
المذكورة .
فالذين اجتمعت عليهم الخمسون الولى من المائة الولى هم أصحاب رسول ال عليه وسلم ،وفضيلتهم
رضي ال عنه ،واسماؤهم ومزاياهم أشهر من أن نحتاج إلى تعدادهم ،فهم مجوم الهدى ومصابيح
الدجا ،وأنما نعتت على مكانتهم من أمهاد الفضل ،تبركا بذكرهم ،ولئل يكون السكوت عن ذكرهم في
محالهم من التقدم اعراضا ،أو التجوز عن شرفهم غمضا ( )1وأغماضا (.)2
وممن اشتملت عليهم الخمسون الخرى من المائة الولى :جابر بن زيد الزدي ،وعبدال بن أباض
المدنى ،وعمران بن حطان الشيباني ،وجعفر بن السماك العبدى واوب بلل مرادس وعروة ابنا ادية
وهي جدة لهما وهما ابنا جدير حنطليان فيما ذكر المبرد ،وصحار العبدي ،وقريب ،وزحاف ،وسالم
بن عطية الهللى ،والخباب بن كليب ،والحنف بن قيس ،وأياس بن معاوية ،ونظراؤهم كثيرون .
وممن اشتملت عليه الخمسون الولى من المائة الثانية :أبو عبيدة مسلم بن ابي كريمة التميمي ،
وضمام بن السائب ،وابو مودود حاجب الطائى ،وابو عبيدة عبد ال بن القاسم ،وأبو حمزة بن نوح
الدهان ،وعبدال بن يحيى الكندي ،وابو حمزة المختار بن عوف الشارى ويلج بن عقبة ،وابرهن بان
عبد الرحمن ،وابو الحر على ابن الحصين العنبرى ،وابو يزيد الخوارزمي ،وأبو محمد المهدى ،وابو
روح ومازن ابنا كنانة ،ونظراؤهم كثير.
وممن اشتملت عليه الخمسون الولى من المائة الثانية ومن هنا أنتشار المذهب بالمغرب ،ولذلك كان
رجاله شرقيين وغربيين عربا وبربرا تلمذة ابي عبيده وغيرهم ،الربيع أبن حبيب ووائل بن ايوب
الحضرمى وابو غسان مخلد بن المعرد ،وعبد السلم بن عبد القدوس ،ومحبوب بن الرحيل ،وأبو
الخطاب المعافري وهو عبد العلى بن السمح وعبد داود القبلى ،واسماعيل بن درار الغدامسى ،وعبد
الوهاب بن عبد الرحمن ابن رستم ،وابو حاتم الملزوزى وابو سفيان ،ونظراؤهم كثير .
وممن اشتملت عليهم الخمسون الولى من المائة الثالثة :افلح بن عبد الوهاب ،وابو مرادس ،
ومهدى ،وابان بن وسيم ،ومحمد بن يانس ،وبو مهاصر ،وابو زكرياء التوكيتي ،وعبد الحميد ،
ونظراؤهم كثير .
ممن اشتملت عليه الخمسون الخيرة من المائة الثالثة :محمد بن افلح وبانه يوسف وسعد بن أبي
يوسف وعمروس ابن فتح ،ابو منصور الياس ،وابو معروف ،ونظراؤهم كثير.
وممن اشتملت عليه الخمسون الولى من المائة الرابعة :حسنون ابن ايوب ،وابو مسور اليهراسنى ،
وابو الخطاب وسيل بن سيتتن( )3الزواعي ،وابو القاسم يزيد بن مخلد ،وابو خزر يغلى بن زلتاف ،
وهي امه وهو ابن أيوب ،وعبود المزاتى ،وجنون بن يمريان ،وسليمان بن ماطوس ،وسليمان بن
زرقون النفوسى ،ومحمد بن مسلم وابو سهل الفارسى ،ونظراؤهم كثير .
وممن اشتملت عليه الخمسون الخيرة من المائة الرابعة :أبو نوح سعيد بان زنغيل وابو صالح بكر بن
القاسم اليهراسنى ،وابو زكرياء فيصل بن ابى مسور ،وابو عمر النملى ،وابو موسى عيسى بن
السميح الزواغى ،وابو نوح سعيد بن بخلف المدونى ،وابو محمد ويسلن بان يعقوب ونظراؤهم كثير .
وممن أشتملت عليه الخمسون الولى من المائة الخامسة :ومن هنا ابتداء العزابة ابو عبدال محمد بن
بكر ،وزكرياء ويونس ابما فصيل بن أبى مسور ،وعبدال بن مانوج وعبدال بن زورتين ،وويسلن
بن ابى صالح وابو بكر الزواغى وورسفلس ابن مهدى وعبدال أبن الخير ،وورسفلس بن عبدال ،
وابو مكدول مطلكودانس الزنزفى ،وأهل غار " أمجان " وابو جابر بن سدرمام ،وابو عمران موسى
بن زكرياء ،وكباب ابم مصلح وابو يحي زكرياء بن جرنان ،وعبدال المدونى ونظراؤهم كثير .
وممن اشتملت عليه الخمسون الولى من المائة السادسة :عبد الرحمن بن معلى ،ويحيى بن زكرياء ،
وايوب بن اسماعيل بن المعيز ،وعبدال بن محمد .فالى هنا انتهت تسمية من سمينا – ثم قال فهؤلء
أئمتنا في الدين وقاداتنا في السلم رحمهم ال .
" قال الشيخ ابو العباس " فهذا الترتيب الذي رتبه الشيخ ابو عمار عبد الكافى رضى ال عنه حسن في
المعنى إل أنه لم يذكر الطبقة التي فيها شيوخه ومعاضروه إل بعضا من الكل واستغنى فيها عن كثير من
العدد ،وفيمن سمى كفاية ،ولول قصده الكتفاء بتسمية من سمى لزدت من معاصره عدة مشائخ ،أئمة
أهل علم ودين ،وأصحاب تواليف اضراب عثمان بن خليفه السوفى وقرناؤه ولكنى عدلت عن ذلك إذ
المقصور تسمية جماعة فالمحصول قد حصل ،ورأيت ان أذكر جماعة الشياخ الذين اخذوا عن الجماعة
التي أنتهى إليها ترتيب الشيخ الذين أبى عمار واضمهم إلى الخمسين من المائة التي نحن فيها وهم
الذين أخذنا عنهم وفي آخر الكتاب أذكر أن شاء ال ما وصل إلى وصح عندى من مناقبهم ،وكراماتهم ،
فيتقدم ذكر مناقب من تقديمهم فيكون كل واحد في رتبته ،ويجرى كل سابق في حلبته .
ففمن أشتملت عليه الخمسون الخيرة من المائة السادسة :ابو عمارة عبد الكافى بن يعقوب التناوتي ،
وابو يعقوب يوسف بن ابراهيم السدراتى ،وابنه ابراهيم ،وزكرياء ابن صالح ،وفيصل بن ابى
مسعود ،وأسحاق بن ابراهيم ومحمد التميجارى ،وموسى النفوسى ،وابو نوح بن يوسف وابنه يحي،
ويوسف بن خلفون ،ومحمد بن أبى على السوفى ،وعبد السلم بن عبد الكريم ،والفضل بن أبى سفيان
،اسماعيل بن صالح ،ويوسف بن محمد الوسياني ،وفى هذه الطبقة أدركتهم يعدون جدى سليمان أبن
علي ،وجدى يخلف بت يخلف النفوسى ،ونظراؤهم كثير .
ممن أشتملت عليه الخمسون الولى من المائة السابعة :مشائخ جيلنا فمنهم من صار إلى ال ومنهم
الحياء فمن الموات محمد بن ابى جميل ،وسعد بن معاذ ،وابراهيم أبن اسحاق ،وابو سهل يحيى ،
وابو يعقوب بن عبدال وميمون بن معدين ،وقد اشير علي بان انظم والدي في سلكهم ومن الحياء ،
يحيى بن فيصل ،وعيسى بن زكرياء وصالح بن سليمان الزواغي ،ويحيى بن داود السعيدى ( )4ويبيب
بن محمد ،واحمد بن محمد ،وعمر بن يخلف الزواغى ،ومن هذه الطبقة معاصرون من أهل الجتهاد
والزهد والكرامات وليسوا هنالك في العلوم :عبد الكافى ابن ونمو الريغى ،وابراهيم بن عيسى المديونى
،وسليمان أبن يكنى ونظراء النوعين كثير .
فهؤلء أشياخنا وقادتنا وائمتنا وساداتنا جعلهم ال اعلما للهدى وجنبنا باتباعهم سبيل الموبقات والردى
ثم ناخذ في ذكر ما بسطنا لجله مقدمة الكتاب ،ونذكر المم فالمم من اخبار المتقدمين ،ونأتى بعده
بمناقب الصالحين ،وربما اندرج ذكر بعض المناقب في أثناء التاريخ والخبار ،وال الموفق وبه نعتصم
وهو حسبنا ونعم الوكيل .
ومن ها هنا أبتدائ في أستخراج ما أنبه عليه من الكتاب المذكور فأول ذلك ذكر سبب مصير مذهب
الباضية ببلد المغرب وابتداء امرهم ونقتله من ارض المشرق واخبار العلم الخمسة النفر .
حدث غير واحد من اصحابنا عن المام افلح عن ابنه عبد الوهاب عن جده عبد الرحمن بن رستم أنه قال
:أول من جاء يطلب مذهب الباضية ونحن بقيروان أفريقية ،سلمة بن سعيد قال قدم علينا من أرض
البصرة ومعه عكرمة الباضية وعكرمة يدعو إلى مذهب الصفرية ،فسمعت سلمة يقول وددت ان لو
ظهر هذا المر يعنى مذهب الباضية يوما واحدا من أول النهار إلى آخر فل أسف على الحياة بعدة ،فقيام
عبد الرحمان مجتهدا في ذلك المر ،فقال له رجل من أهل الدعوة اذا كنت تريد العلم بما كلفت به وعلقت
مطلبه بخاطرك ،فدونك أرض البصرة ،فان بها رجل عالما يكنى ،أبا عبيدة مسلم بن ابى كريمة
التميمي ،فانك تجد عنده ما تطلب ،فلذلك توجه عبد الرحمن بن رستم إلى البصرة رحمة ال ،وقيل أن
أمه هي التي ارشدته إلى ذلك وله حديث سأذكره بعد أن شاء ال عند الخمسة النفر الذين قرأوا على أبي
عبيدة واذكر ما صح عندنا من خبرهم في موضعه من الكتاب .
---------------------------------------------
( )1تساهل
( )2التجاوز عن الشئ وتركه
( )3اثبته صاحب السير باسم وسيل بن سنتين ،وكذلك صاحب الباضية في موكب التاريخ وهو أصح
( )4كذا بالنسخ ولعلة نسبة إلى صعيد مصر
بلغنا أن رسول اله صلى ال عليه وسلم لما نزل قوله تعالى " :يايها الذين آمنوا من يرتدد منكم عن
دينه " الية أشار إلى سليمان الفارسى وكان جالسا بين يديه قال :لعلهم أن يكونو من رهط هذا ،وعنه
صلى ال عليه وسلم قال " :أن ل كنزا ليس من ذهب ول من فضة ،لكنه في بطون ابناء فارس "
وذكر ابن داب عن عمر بن الخطاب رصى ال عنه أنه مشى ذات يوم مع المغيرة بن شعبة ،وكان
المغيرة اعور ،فقال له عمر رضى ال عنه ك هل أبصرت بعينيك هذه قط شيئا يا مغيرة ؟ قال نعم يا
أمير المؤمنين قال له عمر سيعود السلم كما عورت ثم ليعمن حتى ل يدرى من له ول من عليه ،فاذا
أتى علية مائة وستون سنة رد عليه سمعه وبصره ،بوفد كوفد الملوك ،طيبة ارواحهم ،صالحة
اعمالهم ،فقال له المغيرة من أي ماء يا امير المؤمنين ؟ امن الحجاز ام من ماء العراق ام من ماء الشام
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
؟ فولى عنه عمر وتركه ،فوليت الفرس تاهرت على رأس ستين ومائة .وعن رسول ال صلى ال عليه
وسلم قال :لو تعلق الدين بالثريا لنالته رجال من العجم ،واسعدهم به فارس ،وروى زيد بن اسلم ان
رسول ال صلى ال عليه وسلم رأى رؤيا وقصها على أصحابه ،فقال رأيت غنما سوداء خالطتها غنم
بيض ،فتأولتها ان العجم يدخلون السلم فيشتركونكم في نسائكم ،واموالكم ،فتعجبوا من ذلك ،فقال :
العجم يدخلون بلدنا يا رسول ال ! فقال :أي ،والذي نفسي بيده لو أن الدين تعلق بالثريا لنالته رجاله
من العجم ،واسعدهم به أهل فارس ،ومن طريق آخر أن النبى صلى ال عليه وسلم قال :لو تعلق العلم
بالثريا لنالته الفرس ،وقال بعض المفسرين في قوله تعالى ":ستدعون إلى الفرس ،وقال بعض
المفسرين في قوله تعالى " :ستدعون إلى قوم أولى باس شديد تقاتلونهم أو يسلمون " هم بنو جنيفة
وقال بعضهم هم فارس .
وذكر أبن قتيبة وعمرو بن بحر الجاحظ وغيرهما من أصحاب التاريخ عن أبن عباس رضى ال عنهما
أنه قال لما كان ليلة مولد النبى صلى ال عليه وسلم ،ارتج ايوان كسرى ،فسقطت منه أربع عشرة
شرافة فعظم ذلك اهل مملكته فما كان باوشك من أن كتب إليه صاحب اليمن يخبره أن بحيرة ساوة
غاضت تلك الليلة ،وكتب إليه صاحب الشام يخبره أن وادى السماوة انقطع تلك الليلة وكتب إليه صاحب
طبرية يخبره أن ماء تلك الليلة لم يجر في بحيرة طبرية ،وكتب غليه صاحب فارس يخبره أن بيوت
النيران خمدت تلك الليلة ،ولم تخمد قبل ذلك بألف سنة فلما تواترت الكتب عليه ابرز سرية وظهر لهل
مملكته فاخبرهم الخبر ،فقال :الموبذان ايها الملك أنى رأيت تلك الليلة رؤيا هالتنى ،قال له وما رايت ؟
قال له :رأيت أبل صعابا تقود خيل عرابا حتى أقتحمت دجلة وانتشرت في بلدنا فقال له :لقد رأيت ،
فما عندك في ـاويلها ؟ فقال له :ما عندي فيها ول في تأويلها شئ ،ولكن أرسل إلى عاملك بالحيرة
يوجه إليك رجل من علمائهم فانهم أهل علم بالدثان فبعث إليه رجل من علمائهم فانهم أهل علم بالحدثان
فبعث إليه فوجه إليه عبد المسيح بن نفيلة الغسانى ،فلما قدم عليه أخبره كسرى الخبر فقال :أيها الملك
وال ما عندى أخبره كسرى الخبر فقال :ايها الملك وال ما عندى فيها ول في تأويلها شئ ،ولكن
جهزنى إلى خال لى في الشام ،يقال له سطيح فقال :جهزوه ،فلما قدم على سطيح وجده أختصر فناداه
فلم يجبه وكلمه فلم يرد عليه فقال عبد المسيح :
فرفع إليه سيطح رأسه فقال :عبد المسيح على جمل مشيخ إلى سطيح بعثط ملك بنى ساسان لرتجاج
اليوان وخمود النيران ،ورؤيا الموبذان ،رأى أبل صعابا ،تقود خيل عرابا ،حتى اقتحمت الوادى ،
وانشرت في البلد ! عبد المسيح :أذا ظهرت التلوة ،وغاض وادى السماوة ،وغارت بحيرة ساوة
وظهر صاحب الهرواة فليس الشام بشام ،يملك منهم ملوك وملكات على عدد الشرافات ،وكل ما هو آت
آت ،ثم قال :
ثم اتى كسرى فاخبره الخبر فغمه وهاله ثم تعزى ،وقال إلى أن يملك أربعة عشر ملكا يدور الزمان ،
فملك منهم تسعة إلى مبعث رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وقال ابن قتيبة فال اعلم ممن التمام ،
وليس إل الخمسة الئمة الذين ولوا بتاهرت من ارض بعض المغرب ،ولوها نيفا على مائة وخمسين
فيما ذكر بعض الرواة ،قال أبو العباس احمد رحمه ال .اما قول الشيخ ان التمام كان بالئمة الخمسة
وانهم منهم فانا اراد في النسب ل في غيره ،واراد ان وليتهم اذ ولول صحيحا غل ان وليتهم على دين
السلم ومذهب العدل والقوام .
وعن فضائل البربر من العجم ما بلغنى ان عائشة رضى ال عنها ،دخل عليها ذات مرة رجل من البربر
وهى جالسة ومعها نفر من المهاجرين والنصار ،فقامت عائشة وسادتها فطرحتها للبربرى دونهم ،
فانسل القوم واجلين بذلك ،فلما قضى البربرى حاجته وخرج ارسلت إليهم عائشة ،حتى أجتمعو إليها ،
فقالت لهم :ما الذي اوجب خروجهم على تلك الحال ؟ قالوا :ل يثارك علينا وعلى نفسك رجل كنا
نزدريه ،وننتقص قومه ،فقالت انما فعلت ذلك لما قال فيهم رسول ال صلى ال عليه وسلم ،قالت
اتعرفون فلنا البربري ؟ قالوا نعم ،قالت كنت انا ورسول ال صلى ال عليه وسلم ،ذات مرة جالسين ،
اذ دخل علينا ذلك البربرى مصفر الوجه غائر العنين ،فنظر إليه رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فقال
ما دهاك ؟ أمرض ؟ فارقتنى بالمس ظاره الدم فجئتنني الساعة كأنما انتشرت من قبر ،فقال ،يا رسول
ال صلى ال عليه وسلم ،بت في هم شديد ،فقال ما همك ؟ قال :تردد بصرك في بالمس خفت ان
يكون نزل في قرآن فقال :ل يحزنك ذلك ،فانما ترديدى البصرة فيك لن جبريل عليه السلم جاءنى ،
فقال أوصيك بتقوى ال وبالبربر قلت :وأى البربر ؟ قال قوم هذا ،واشار إليك فنظرت غليك ،فقلم
لجبريل ما شأنهم ؟ قال :قوم يحيون دين ال بعد ان كاد يموت ويجدونه بعد أذا يبلى ثم قال جبريل :يا
محمد دين ال خلق من خلق ال نشأ بالحجارة واهله بالمدينة ،خلقه ضعيفا ثم ينميه وينشئة ،حتى يعلو
ويعظم ،ويثمر كما تثمر الشجرة ثم يقع وانما يقع رأسه بالمغرب ،والشئ إذا وقع لم يرفع من وسطه ،
ول من اسفله ،انما يرفع من عند رأسه .وبلغنا عن عمر بن الخطاب رضى ال عنه انه قدم عليه وفد
من البربر ،من لواته ارسلهم إليه عمرو بن العاص وهم محلقو الرؤوس واللحا ،فقال لهم عمر من أنتم
قالوا من البربر من لواته ؟ فقال عمر لجلسائه :هل فيكم من يعرف هذه القبيلة في شئ من قبائل العرب
والعجم ،قالوا :ل ،قال :العباس بن مرادس السلمى عندى منهم علم يا أمير المؤمنين هؤلء من ولد
بنى قيس ،وكان لقيس عدة من الولد ،أحدهم يسمى بربر بن قيس ،وفى خلقه بعض الرعونة فقال :
اخرق ذات مرة فخرج إلى البرارى فكثر بها نسله وولده ،فكانت العرب تقول تبربروا أى كثروا فنظر
إليه عمرو بن الخطاب رضى ال عنه فاستحضر ترجمانا يترجم كلمهم ،فقال لهم مالكم محلقو الرؤوس
واللحا ؟ فقالوا شعر نبت في الكفر ،فاحببنا ان نبدله بشعر ينبت في السلم ،فقال هل لكم مدائن
تسكنونها فقالوا :ل ،قال :فهل لكم حصون تتحصنون فيها ؟ قالوا :ل فقال :هل لكم اسواق تتبايعون
فيها ؟ قالوا :ل ،قال :فبكى عمر بن الخطاب رضى ال عنه ،فقال له جلساؤه وما يبكيك يا أمي
المؤمنين ؟ قال عمر أبكاني قلة هذه العصابة من المسلمين ،واجتماع أمم الكفر عليها ،فان ال تعالى
سيفتح للسلم بابا من المغرب بقوم يعز بهم السلم ويذل بهم الكفر ،أهل خشية وبصائر يموتون على
ما أبصروا ،وليست لهم مدائن يسكنون فيها ول حصون يتحصنون فيها ،ول أسواق يتبايعون فيها ،
فلذلك بكيت الساعة .حين ذكرت رسول ال صلى ال عليه وسلم ن وما ذكر من الفضل عليهم فردهم إلى
عمرو بن العاص وأمره ان يجعلهم في مقدمات العسكر ،واحس إليهم عمر بن الخطاب رضى ال عنه
وأكرمهم ،وأمرمهم ،وامر عمرو بن العاص أن يحس إليهم ،فكانوا مع عمرو بن العاص حتى قتل
عثمان ،فلما كان هذا الخبر في عصابة من أهل المغرب عن عمر عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ،
رجونا أن يكونوا أئمتنا ومن اقتفى آثارهم وأن يكونوا أهل تلك الفضيلة .
وبلغنا ان رجل من 1رية ابى بكر الصديق رضى ال عنه عن بعض الخلفاء أنه قال :با أهل مكة ويا أهل
المدينة اوصيكم بال وبالبربر خيرا ،فانهم سياتونكم بدين ال من المغرب بعد أن تضيعوه ،هم الذين
ذكرهم ال في كتابه بقوله ":يا أيها الذين آمنوا من يرتدد منكم عن دينه فسوف يأتى ال بقوم يحبهم
ويحبونه ،أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين .يجاهدون في سبيل ال واسع عليم " .ل ينظرون في
حسب امرئ غير طاعة ال ،قال البكرى :فمن حين وقعت الفتنة انما نقاتل نحن العرب على الدينار
والدرهم وأما البربر فانهم يقاتلون على دين ال ليقيموه قال :وهو يرفع الحديث إلى ابن مسعود رضى
ال عنه أن آخر حجة حججنا قام خطيبا فقال :يا أهل مكة ويا أهل المدينة اوصيكم بتقوى ال وبالبربر
فأنهم سيأتونكم بدين ال من المغرب ،وهم الذين يستبدل ال بكم اذ يقول ":وان تتولوا يستبدل قوما
غيركم ثم ل يكونوا امثالكم " والذى نفس ابن مسعود بيده لو ادركتهم كنت لهم أطوع من امائهم ،واقرب
إليهم من دثارهم ،وبلغنا عن عائشة رضى ال عنها انها أبصرت صبيا له ذؤابتان ذا جمال وهيئة فقالت
من اى قبيل هذا الصبى الشقى ؟ قالوا من البربر ،قالت عائشة البربر يقرون الضيف ويضربون بالسيف
ويلجمون الملوك لجام الخيل .
قلت وانما قدم الشيخ رحمة ال ذكر الفرس والبربر تنبيها على فضيلة ائمتنا اذ كانوا من الفرس وفضيلة
من انتهى إليه مذهبنا بالمغرب اذ كانوا جلهم البربر ولم يقصد بذلك تاخير العرب عن الفضيلة اذ فضيلة
العرب افضل وشرفهم أقدم رسول ال صلى ال عليه وسلم واصحابة ،وعلى ألسنتهم أنزل القرآن ،
ومنهم كان أسلفنا من الصحابة والتابعين لهم باحسان إلى يوم الدين ،ولكل خصلة من الفضل بحسب
عطاء ال ويسره له ،وال يؤتى من فضله من يشاء وال واسع عليم .
أبو الخطاب عبد العلى بن المسيح المعافرى ،وعبد الرحمن بن رستم الفارسى ،وعاصم السدراتى ،
واسماعيل أبن درار الغدامسى ،وابو داود القبلى ،وتحدثهم إلى ابى عبيدة رحمة ال وأخبارهم الول
فالول .
أخبار عبد الرحمن بن رستم بن بهرام بن كسرى الملك الفارسى رحمه ال
كان مولده بالعراق وكان أبوه منجما وكان يرى في علم مدخر عندهم ان ذريته ستلى أرض المغرب ،
وكان أبوه رستم متوجها من العراق ومعه عبد الرحمن أبنه وزوجته ليصل إلى أرض المغرب ،فلما كان
بمكه أو قريبا منها ادركته حمامه ،وانتقضت أيامه فلقى عبد الرحمن وامه الحجاج من أهل ارض
المغرب بمكة فتزوج رجل من القيروان أن عبد الرحمن ،فأقبل بهما حتى قدموا أرض القيروان ،ونشأ
بها عبد الرحمن .
فلما بلغ مبلغ الرجال وقرأ وتصفح ،نظر إليه رجل من أهل مذهبنا ،فقال له يا بنى ،ان كنت جادا فيما
أراك تطلبه فاقصد ابا عبيدة مسلم بن ابى كريمه ،تجد عنده ماتطلب .فسار عبد الرحمن بن رستم إلى
ابى عبيدة رحمة ال فاجتمع بالنفر الذى ذكرنا ،فصدوا ابا عبيده رحمه فصافحهم ابو عبيده وسألهم عن
احوالهم ،ومن أين أقبلوا فاخبروه انهم أرادوا تعلم العلم ،فاجابهم إلى ذلك ،ومكثوا عنده عدة سنين ،
وكان أبو عبيدة رحمة ال مستخيفا تخوفا من بعض أمراء البصرة ( )1فادخلهم سربا وجعل فيه سللسة
وطفق يعمل القفاف بباب السرب فمتى رأى شخصا مقبل حرك السلسلة فسكتوا فإذا انصرف حركها
فيأخذون في دراستهم ،وكان عبد الرحمن شابا جميل حديث السن وكان أبو عبيدة يجعل بينه وبين
الناس سترا لئل يشغلهم بجماله ،فلما بلغوا من العلم ما شاء ال وأرادوا النصراف إلى بلدهم رغب
عجائز متصلحات من المذهب إلى ابى عبيده في أن يريهن عبد الرحمن ليودعنه ويزودنه بالدعاء ،
فقالت أحداهن :بارك ال فيك كما بارك في عين الشمس ،وقالت الثانية بارك ال فيك كما بارك في
انسان العين ،وقالت الثالثة :بارك ال فيك كما بارك في مطيب الطعام من الملح .
فلما عزموا على المسير إلى بلدهم كلموا أبا عبيدة وشاوروه فيما يستقبلون من أمورهم ،فقالوا له :يا
شيخنا أرأيت أن لو كانت لنا قوة بالمغرب ووجدنا في أنفسنا طاقة أفنولى علينا رجل منا ؟ فقال لهم أبو
عبيدة توجهوا إلى بلدكم فان يكن في أهل دعوتكم من العدد والعدة ما تجب معه التولية عليكم فولوا على
أنفسكم رجل منكم ،فان ابى فاقتلوه ،واشار إلى أبى الخطاب رحمه ال تعالى .
قالوا فلما أرادوا الخروج من عنده هيأ الشيخ المركوب لتوديعهم ،ووضع رجله في الركاب فسأله
اسماعيل عن ثلثمائة مسألة من مسائل الحكام قبل أن يستوى علة متن الدابة ن فقال له :أبو عبيدة
اتريد ان تكون قاضيا يا أبن درار ؟ قال له :أرأيت أن أبتليت بذلك ! فبماذا تأمرنى يرحمك ال ؟ وقد ذكر
أنه أنما قال له ذلك في موطن المذكور .
ثم توجهوا إلى المغرب فلما وصلوا عرضوا المامة على عبد الرحمن فاعتذر بامانة كانت عنده للناس
فقبلوا عذره وأرادوا تواية ابى الخطاب رحمه ال .
---------------------------------
قال الشيخ أبو العباس رحمه ال أنما وضع الشيخ رحمه ال في هذا الموضع من كتابه ذكر ولية أبى
الخطاب ،ثم ولية الفرس ،لما أعتمده من ذكر ولية الفرس وأنتشار المذهب وائمتى ونقله إلى أرض
المغرب فلما كان ذلك هو المهم جعله أول ،والذي ينبغى أن نقدم نبدأ بذكر من أستخلف من اصحاب
رسول ال صلى ال عليى وسلم ،ثم أمامة عبد ال بن وهب الراسبى رحمه ال ونبدأ من أخباره ،ثم
تأخذ السير على التدريج ،ولعل فعله أصلح والذي رآه أنجح ،أذ علم ما عداه قد أنتهى حفظ الكثرين
إليه واغنت شهرته عن الدللة عليه فنشرع في ذكر ولية من ولى بالمغرب ،ولنبتدئ بذكر أبى الخطاب
رحمه ال ،وله التقدم لسبقه إليه ولستحقاقه أياه وسبق فضيلة العرب ثم ل بد أن شاء ال من ذكر ما
امكن من أخبار من اشرت إليهم في موضع يفرد لذلك أن شاء ال تعالى.
ذكر بعض أصحابنا انه لما قدم ابو الخطاب واصحابه من المشرق الى طرابلس اهتم بامور الناس
ومصالح المسلمين من له فيهم نظر من المشائخ والعيان ،وافاضل الناس ،واجتمعت جماعة ممن
وصفته ،ذلك بعد قتل الحارث وعبد الجبار ،والناس حينئذ في الكتمان فكانوا يتفاوضون في عقد المامة
،وفيمن هو أهل لها ،فاجالوا أفكارهم فيمن يولونه امرهم ،ثم اذا اجتمع رأيهم على أمضاء ذلك جعلوا
يرددون النظر فيما عزموا عليه هل لهم به طاقة ؟ وهل يستطيعون مدافعه عدوهم ام ل؟ فكانوا يجتمعون
في موضع يقال له " صياد " بخارج مدينة طرابلس ويظهرون أنهم يجتمعون في قضية أرض مشتركة
بين قوم أرادوا قسمتها ،وذكر أنما أضهروا أنهم أجتمعوا في قضية لجل وأمراة تخاصما فيها وتفاقم
أمرهما فكانهم يريدون أصلحها ،وكلما أنقضى مجلس وانفصلوا دخل منهم جمع إلى والى المدينة
فسلموت عليه مداراة له ،حتى إذا اتفق رأيهم على عقد الماة اجتمعت كلمتهم على مبايعة ابى الخطاب
رحمه ال .
وذكر بعض اصحابنا انهم لما اتفقوا على ذلك جعلوا بينهم موعدا معلوما ليجتمعوا فيه بصياد ،فاتفقوا
على ان ياتى كل واحد منهم بجماعة رجال من عشرية واتباعه ،وأن يأتوا بالسحلة ويجعلوا الدروق في
الجواليق ويخفونها بالتبن ،وجعلوا امارة بينهم وبين من في المدينة من مشائخ أهل دعوتهم ومن ل
يقدر على النهوض معهم انهم أذا رأوهم دخلو المدينة المدينة بجماعتهم ان يستهروا السلح ،واخبروهم
سرا أن المام ابو الخطاب فلما كانوا بالموعد الذي يجتمعون فيه بعامة المسلمين من شيوخ القبائل من
نفوسه وهوارة وزريشة ،وزناته وغيرهم فتوافوا بصياد ن ومعهم ابو الخطاب ،حين عمدوا لعقد ما
اعتقدوا قالوا له امض معنا على بركة ال إلى الذى ترددنا فيه منذ زمان ،قال فخرج معهم أبو الخطاب
ولم يدر ما يريدونه فلما وصلوا صياد تكلم متكلمهم ،فقال أليس قد اجتمع رئاينا على ما قد علمتوه ؟
قالوا بلى ،قال فأتموا أمركم إذا فقامت منهم طائفة ناحية فتناجنوا ساعة ن ثم رجعوا فقالوا لبى الخطاب
أبسط يديك لنبايعك على أن تحكم بيننا بكتاب ال وسنة نبيئه صلى ال عليه وسلم وآثار الصالحين ،فقال
لهم أبو الخطاب ما حسبت أن لهذا كان خروجى معكم ،فقالوا ل بد لنا من تقليدك أمور المسلمين ،فلما
رأى جدهم ،قال ل أقبل أن أتحمل امانتكم أل على شروط ،قالو كل شرط يجوز فنحن نعطيكه ،ونعطيك
فيه ،فقال لهم :شرطى عليكم أن ل تذكروا في عسكرى مسألة الحارث وعبد الجبار ،خوفا من أن يكون
في جماعة المسلمين أختلف وفرقة .
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
وقد حدث بعض أصحابنا أن مسألة الحارث وعبد الجبار أتصلت إلى المشرق فكان بين اصحابنا الذين في
المشرق بهذه المسالة أختلف وفرقة وفي المغرب أشد من ذلك ،حتى كتب إليهم أبو عبيده وأبو مودود
حاجب الطائى رضى ال عنهما بالكف عن ذكرها .قال الشيخ أبو العباس الخلف الذي في المسالة قديما
وحديثا أصلة في الولية المعينة هل تنتقل إلى الوقوف أم ل إل أن أنتقلت بحكم كتعين إلى البراءة ؟ وهذه
المسألة مبينة في العقائد وفي الفقه ،على اليقين هلى يدفعه الشك ؟ فعند أصحابنا ان اليقين يدفع الشك
ول يدفعه الشك فالولية ل تنقل إلى الووقف وعند الزيدية أنها تنتقل إلى الوقوف ولهم في ذلك أشكالت
ياتى ذكرها ومدافعتها ن وذلك أن الحارث وعبد الجبار كانا رجلين موصوفين بالصلح ،وهما من أهل
الولية ،فوجدا في موضع واحد مقتولين وسيف كل واحد منهما في جثة الخر .فوقع الختلف فيها ،
فقائل يقول ان كل منهما قتل الخر ،فينبغي أن نبرأ منهما فهذا ارذل القوال ،وقائل بان كل واح منهما
قتل الخر إل أنا ل ندرى الباغى منها فنبرا منه ول المبغى عليه فنتوله فل يسعنا إل الوقوف عن وليتها
والبراءة منهما هذا قول اصحاب عبدال بن زيد ،فقائل أنهما باقيان على ما كانا يستحقانه من الولية
لن صلحيتها متيقنة وقتل احهما الخر مشكوك فيه فل نتوقف عن وايتها فهذا من الحتمال ،اذ من
الحتمال الذي سبق إلى الخيال أن يكون البغاة الذين قتلوهما قد أولجوا سيف كل واحد منهما في جثة
صاحبة وتركوهما لما أرادوه من هذا الخلف فهذا قول اصحابنا .وللزيدية ( )1هنا افراط بمسئلتين ،
احداهما ان يقع اللعان بين الزوجين وهما من أهل الولية فل بد أن يكون البغل قاذفا أو تكون المرأة
زاينة ،وكل الفاحشتين من الكبائر إل أنا ل ندرى من أرتكيها منها فعلينا الوقوف او البراءة ،والثانية
أن ترى من بعد رجلين من أهل الولية وقد جرد كل واحد منهما سيفه ،وضرب صاحبه حتى ماتا ولست
تدرى الباغى ول المبغى عليه ،قلنا هذا كله احتمالت ولنا في رسول ال اسوة حسنة ،أذا نزل عليه ":
وممن حولكم من العراب منافقون ومن أهل المدينة ،مردوا على النفاق ،ل تعلمهم نحن نعلمهم " ،فلم
يبلغنا عنه صلى ال عليه وسلم أنه توقف عن مواصلة أحد ممن أظهر اليمان من أهل المدينة ول من
العراب ول انه تجنب أحدا مع انه صلى ال عليه وسلم ألم انه ل يعلمهم ،وان ال تعالى يعلمهم ،بل
أبقاهم على ما هم عليه من الولية المتقدم اليقين بها حتى فضحتهم الية من سور براءة في قوله تعالى
:ومهم فلما عرفوا يقينا أنتقلت الولية إلى البراءة ،فاطلب ذلك في موضعه تجده .
وبلغنى عن ناس من أصحابنا الذين بالشرق .بل قد وقفت عليه من قولهم :أنهم رحجوا قول اصحابنا
في القتيلين والمقتولين ،ورحجوا قول الزيدية في الملعنيين فاعتمد هذاك ال على القرآن وما تعلق به
يدحض كل قول يخالفه ،فهذا هو الخلف الذى في المسئلة .
رجعنا ،فأراد ابو الخطاب رضى ال عنه أن يقطع الختلف من جماعة المسلمين بامامته ،فقالوا له لك
ذلك علينا فبايعوه على القيام بحقوق ال ،وعلى ما فيه في الكتاب والسنة واتباع الئمة المهتدي ،فقبل
مبايعتهم ،وانصرف إلى المدينة ومعه جماعة المسلمين ،وذكر بعض أصحابنا ان ولية أبى الخطاب
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
كانت على رأس اربعين ومائة سنة ،ثم أجتمع رأيهم على دخول المدينة مدينة طرابلس وبها عامل لبي
جعفر المنصور ،فعمدوا إلى رجال باسلحتهم فحملوها في الجواليق افواه الجمال ،وكأنهم عير اقبلت إلى
المدينة وقد جعلوا افواه الجواليق إلى داخلها من أسفل ،وجعلوا مع كل جمل رجلين بالسلح ،فلما
توسطوا المدينة ولم يفطن احد بما صنعوا فتحوا الجواليق ،فخرج الرجال والسلح في أيديهم ،وقالوا :
ل حكم إل ل ،ول طاعة إل طاعة ال وطاعة ابى الخطاب ،وقصدوا نحو العامل ليقتلوه ،فأبى عليهم
أبو الخطاب ،وقصدوا نحو العامل ليقتلوه فأبى عليهم أبو الخطاب من ذلك ،وقال :أنما دخلنا عليهم
بالمان .فلما رءاهم اهل المدينة وقد شهروا السلح قالوا بالمان :هذه غدرة ،فقال لهم اصحاب أبى
الخطاب :ل بأس عليكم لسنا بأهل غدر .فمن أراد العافية منكم فليقم في منزله ،ويخر أبو الخطاب
العامل في القامة في المدينة وينخلع عن العمل ،أو الخروج بالمان .فاختار الخروج إلى أرض المشرق
،ودفع لبى الخطاب مفتاح بين المال فأخذها منه .
فاحسن ابو الخطاب رضي ال عنه السيرة وعدل في سيرته واحكامه ،وكانت ولية أبي الخطاب اربع
سنين وقد ولي على رأس أربعين ومائة ،وبلغنا ان امرأة من نساء القيروان كتبت بطاقة إلى المام ابي
الخطاب رضي ال عنه تشكو اليه جور (ورفجومة ) تقول فيما كتبت له ( :اما بعد " يا أمير المؤمنين "
فان لى ابنة وقد بلغت في الخوف عليها من ورجفومة والحوطة عليها ان حفرت حفرة تحت سريري
وصنتها فيها عنهم خشية ان يفسدوها كما فعلوا بامثالها فانظر الينا والسلم ) وكانت ورفجومة ولة
مدينة القيروان فلما وصلت البطاقة الى ابي الخطاب رضي ال عنه صادفته وهو يتوضأ ،فقرأها وجعل
يبكي رحمة بما نزل بها ،فنادى ( الصلة جماعة ) واجتمع اليه الناس وصلى بهم ،ثم صعد المنبر
خطيباً ،فحمد ال وانثى عليه ثم أخذ في ترغيب اصحابه في الجهاد وامر رعيته في التأهب والستعداد ،
وان يعزموا على المصابرة والجلد ،فخرج من المسجد وسل عند بابه سيفه وكسر غمده ،قال :ل حكم
إل ل ترغيبا في الجهاد وغضبا ل ولدينه ،وبلغنا من طريق آخر ان ورفجومة أخرجوا امرأة من
القيروان وهي تصيح وتقول :اغيثونى معاشر المسلمين ،فلم تجد احدا يدفع عنها فلما بلغ أبا الخطاب
رحمه ال ما نزل بها ،واستغاثتها بمعشر المسلمين فلم تجد أحدا يدفع عنها قال أبو الخطاب مجيبا لها :
لبيك لبيك .وقد ذكر بعض أصحابنا ان امرأة من أهل القيروان طلبها ورفجومة فصاحت من القيروان يا
ابا الخطاب اغثنى فمد ال في صوتها فسمعها أبو الخطاب من مدينة طرابلس ،فقال لها :لبيك يا اختاه ،
قال الشيخ ابو العباس رحمه ال ول ينكر هذا وامثاله من كرامات الولياء يؤيده ما بلغنا عن رسول ال
صلى عليه وسلم يقول ال جل وعل ":ل يوال العبد يخدمنى حتى احبه فإذا أحببته وهبت له عيني فيرى
بها وسمعي فيسمع بها" الحديث ،ول تقل العين والذن ههنا جارحتان ،بل الكلم عليها كالكلم على
امثالهما مما نزل في القرآن وفيما ورد في السنة ،وكل ذلك محمول على قدرة ال تعالى ،قال :فعند
ذلك أمر أبو الخطاب مناديه بان ينادى :النفير النفير فعسكر على طرف المدينة حتى أجتمع إليه من
اصحابه جموع كثيرة ،ثم أن أبا الخطاب خرج فيمن اجتمع له من أصحابه ومعه عبد الرحمن بن رستم
افارسى رضى ال عنه ن فخرجوا في سنة ممحملة ذات جوع وجذب ،فامدهم ال بالجراد ن فإذا نزلوا
نزل معهم ،واذا ارتحلوا ارتحل معهم .
وبلغنا ان ابا الخطاب لما خرج امر مناديه فنادى :ايها الناس من له ابوان كبيران أو أحدهما فليرجع ،
ومن له عروس قريب عهدها فليرجع ،ومن اراد الرجوع منكم فليرجع بالليل رجعت طائفة من عسكره
فلما كان بالغد أمر خيل تقطع وراءه فوجد أثر من رجع من الناس إلى أهلهم ،ثم فعل ذلك في الليلة
الثانية وفي الليلة الثالثة ،حتى رجعت خيلة فاخبرته بانه لم يبق من يرجع ،وانه لم يبق معه إل من له
رغبة في الجهاد .فعرض عسكره في ستة آلف ،وقال فيما قال :انى لرجو لمن خرج في عسكرنا
ومات مجاهدا ان يكون من أهل الجنة ال من من فيه أحدى ثلث قتل نفس بغير نفس ،وافتراش في
حرام ز واقتناء أرض غصبا .،فمن كانت فيه هذه الخصال أو واحدة منهن فليعلم انه واجد منهن مخرجا
أما قاتل النفس فبان ينقاد لولياء انه واجد منهن مخرجا أما لم يعلم له ولي ليشهد على نفسه بتركها
واما الثنتان الخيرتان فانه ليشهد على نفسه بتركهما والتخلى عنهما .وبلغنا ان أبا الخطاب مر بمدينة
" قابس " فحاصر أهلها حتى ضعفوا واذعنوا له بالطاعة فجعل على المدينة عامل ،وارتحل حتى اذا
نزل على القيروان فحاصر المدينة عامل ،وارتحل حتى اذا نزل على القيروان مرض عاصم السدراتى
مرضا شديدا ،كان من اخيار أهل العسكر ن وانجدهم ،واشهدهم شوكة على أهل القيروان فسمع
بمرضه أهل القيروان وأنه أشتهى القثاء فبعث أهل القيروان ببائع القثاء ،فسممعوا واحدة من قثائه ،
وامروه ان ل يبيعها ال لعاصم السدراتى فمضى البياع بما عنده من القثاء إلى المعسكر ،فاشترى لعصم
اصحابه تلك المسمومة فأتوه بها فاكلها فثار فيه سمعها ،حتى هلك ،وقد هرب البياع حين باعها
فاستشهد عاصم رحمه ال فصاح أهل المدينة أين عاصم السدراتى المقتول بالسم ؟ ثم جعلوا يقولون
مات عاصمكم يا بربر .فعلم أبو الخطاب أنهم خدعوه وبلغ منه موت عاصم مبلغا عظيما ،فقال لصحابه
:أنهم خدعونا وغدرونا ،فسنخدعهم ونغدرهم كما فعلوا ،فخدعهم رحمة ال ،وامر اهل العسكر بان
يأخذوا سلحهم ويخل اخبيتهم ويخرجوا تحت الليل وياخذوا الطريق شبه الهاربية مذعورين ،فاصبح
منزل عسكر ابى الخطاب خاليا ،فظن أهل القيروان أنهم هربوا منهم ليل ،وقالوا :انهزمت البربر ،
واخذوا بآثارهم ن ومضى أبو الخطاب رحمه ال فيمن معه إلى واد وراء فحص رقادة ،وكمن فيه بخلية
ورجله ،فأخذ اهل المدينة في طلب ابى الخطاب واصحابه .فلما لحقوا بهم ،وجدوهم معسكرين فثار ابو
الخطاب وأصحابه في وجوههم ،فهزموهم فتبعهم أبو الخطاب واصحابه ،يقتلونهم ،حتى دخلوا معهم
المدينة فتحصلت المدينة لبى الخطاب في سنة احدى واربعين ومائة من التاريخ .
فلما ولى ابو الخطاب المدينة أستعمل عليها عبد الرحمن بن رستم رحمه ال ،وقد أمر أبو الخطاب
أصحابه حين كان في حصار المدينة ان ل يفسدوا زرعا ول غيره .
وحدث بعض أصحابنا ان شيخا من شيوخ القيروان بعث ابنا له يرتاد مزرعة كانت له بقرب منزل عسكر
ابى الخطاب فقال يا بنى :أذهب وانظر هل بقى في مزرعتنا شئ قال :فخرج الغلم إلى المزرعة فوجدها
سالمة لن ينلها فساد ،فرجع الغلم إلى أبيه فأخبره ،فعجب لذلك وعجب الناس لعدل ابى الخطاي
وسيرته وطاعة أصحابه له فيما يامرهم به وينهاهم عنه .وكان من مقالة الشيخ المذكور اذ ذاك لمن
حضره من أهل القيروان :أتظنون ان ابا الخطاب يشبه من ولي عليكم قبلة دنيا وفضل ؟ وأن سيرتهم
كسيرته حسنا وعدل ؟ كل وال .أين مثل أبى الخطاب في سيرته وعدله وفضله !
وبلغنا ان أمرأتين قد خرجتا من القيروان حين فتحها ال لبى الخطاب بعد هزيمة أهلها ،فنظرت احداهما
إلى القتلى مزملين في ثيابهم كانهم رقود ،فقالن لصاحبتها :انظرى اليهم كانهم رقود .فسمى ذلك
الموضع رقادة إلى اليوم ولما دخل ابو الخطاب المدينة أمر أهل المدينة بان يخرجوا إلى قتلهم ليدفعوهم
.
وقد أمر ابو الخطاب من يتفقد القتلى ،فوجد قتيل واحدا منهم مسلوبا ،وامر مناديا ينادى في عسكره
من نزع عن أحد من القتلى شيئا فليردده ،فلم يردد أحد شيئا فعلم ان سالبه عمل غير صالح ،فلما أيس
من رده سلب القتيل المذكور طوعا ،ومخافة من عقاب ال تعالى ،ودعا أبو الخطاب ربه عزوجل أن
يفضحه ويظهر على اعين الناس فامر أبو الخطاب فرسان من عسكره بان يخرجوا ويجروا خيلهم بين
يديه وكان فيهم رجل فارس ن سدراته فلما اجريت الخيل انقطع حزام سرج السدراتى ن فوجد كساء
سفسارية تحت سرجه ،فسقط الكساء على أعين الناس وقيل بل كان جبة حرير .قلت والجراد أيضا عند
الحيتاج إليه واجابه الدعاء على الخائن كل ذلك من الكرامات فأخذه المام رحمه ال فعزره حسب ما
وبلغنا أن أبا الخطاب رضى ال عنه لما هزمهم احسن فيهم السيرة وامر اصحابه ان ل يتعبوا مدبرا ،
وليجهزوا على جريح فقال رجل من لواته من عسكر ابى الخطاب يقال له خالد أناكل من اموالهم كما
يأكلون أموالنا ويعتقدون أنها غنيمة احلت لهم ؟ فقال :أبو الخطاب رحمه ال ان فعلنا كما فعلوا فحق
على ال ان يرفضنا ويدخلنا معهم جهنم فنكون كما قال ال تعالى " :كما دخلت امة لعنت أختها فنكون
كما قال ال تعالى ":كلما دخلت أمة لعنت أختها حتى أذا أراركو فيها جميعا قالت أخراهم لولهم ربنا
هؤلء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار ،قال لكل ضعف ولكن ل تعلمون ،وقالت أولهم لخراهم فما
كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون "( )2ثم أن ابا الخطاب توجه إلى المدينة
طرابلس وقد استعمل عبد الرحمن بن رستم رحمه ال على القيروان .وعلى ما يليها من المدن ،
فاستعمل عبد الرحمن على القيوروان ,وعلى ما يليها من المدن ،فاستعمل عبد الرحمن على كتابته
رجل منهم يقال له عبدال بن عقيب فصلحت أحوال الناس .
وقد كان الرجل السدراتى لما لم لم يتجاوز عنه أبو الخطاب رأى أن قد نزلت عليه مصيبة عظيمة في
أجتماع الفضيحة والعانة عليه ،فسار مغضبا ،متوجها إلى بغداد ليستنفر منها جيشا من تلقاء ابل
جعفر المنصور ،فلما وصل بغداد طلب الدخول على ابى جعفر فوقت على الباب سنة ل يؤذن له في
الدخول على ابى جعفر ول بالنصراف ،فبعد تمام حول اذن له ابو جعفر في الدخول ،فدخل عليه وخل
به ،وسأله عن حاجته ،فقال له :حاجتى أن تنفذ معى عسكرا إلى ناحيتع المغرب ،فامر ابو جعفر
بالستعداد بالمسير إلى أرض المغرب ،فانفذ جيشا وجعل عليه محمدا بن الشعت الخزاعى اميرا .وذكر
بعض أصحابنا ان عدد أهل العسكر خمسون ألفا ،وقال :بعضهم سبعون ألفا ،فجعل على طائفة من
العسكر رجل دون ابن الشعت ،فتوجه ابن الشعث قاصدا إلى ابى الخطاب ،فلما انفصل العسكر من
مصر أرسل عيونه فكانت العيون تختلف بين الفريقين باخبار كل عيونه فكانت العيون تختلف بين
الفريقين باخبار كل منهما إلى الخر ،وبجميع ما يحدث عندهم فقدمت عيون ابن الشعث من عند ابى
الخطاب فسألهم عن اخباره ،فقالوا له أنجمل ام نفضل ؟ فقال :بل اجملوا ،فقالوا رأينا رهبانا بالليل
واسدا بالنهار ،يتمنون لقاءك كما يتمنى المريض الطبيب ،لو زنى صاحبهم لرجموه ولو سرق
لقطعوه ،خيلهم من نتاجهم ،ليس لهم بيت مال برتزقون منه وانما معاشهم من كسب ايديهم .فلما سمع
بان الشعت ما وصفوه هاله ذلك ظن فشاور المير الذى دونه في الرجوع فابى له من ذلك .
ولما رأى أبن الشعت ذلك وخاف تفرق الكلمة ،عمد إلى رجال من عسكره فامرهم أن يتزيوا بزي
الرسل ،كأنهم قدموا من ارض المشرق ،واودعتهم كتاب أستخرجه على لسان ابى جعفر ،وامرهم أن
يتنجوا عن العسكر فإذا كان وقت الضحى من الغد اقبلوا كأنهم قادمين من بغداد بكتاب خليفتهم فلما كان
الوقت الذى وعدهم بالقدهم فيه اقبلوا ،فلما رءاهم أهل العسكر تبادروا ،وأتوا بهم إلى ابن الشعث ،
فناولوه الكتاب الذى قدموا به فقرأه وأظهر أن ابا جعفر أمره بالرجوع ن فرجع بالعسكر لما أعتل به من
أمر ابى جعفر اياه بالرجوع لمر هو احوج إليهم فيه مما توجهوا إليه ،فرجع ،وكره صاحب ابن
الشعث الرجوع فلما رءاه كذلك أرسل إليه وأمر به فقتل ،فخيل إلى الناس أن أبا جعفر أمره بذلك ن
وضم إلى نفسه العسكرين .ثم أنه كر راجعا إلى المشرق وتباطأ في سيره وقرب المراحل ،والعيون
تختلف باخبار الفريقين فإذا ارتحل ابن الشعث أول النهار نزل عند أنتصافه ،فإذا كان إذا أرتحل ،وعيون
ابى الخطاب كلما رأت ابن الشعث أرتحل مرحلة رجعت منهم طائفة ،وأبن الشعث كلما ارتحل مرحلة
أمر خيل تقطع الثر خلفه لتنظر هلى بقى في عسكر ابى الخطاب أم ل ،وعيون أبن الشعث في عسكره
من عيون ابى الخطاب أم ل ،وعيون أبن الشعث في عسكر ابى الخطاب مقيمه ،فلما وصلت عيون أبى
اجتمع إليه من عسكر ابن الشعث تخبره برجوعه – وقد اجتمع على ابى الخطاب زهاء تسعين ألفا –
ابتدرت الناس إلى مواطنهم وذلك في زمان الحصاد ن فقال لهم أبو الخطاب يا قوم :أن العرب أهل مكر
وغدر ،فل تفترقوا عن ملككم ،حتى تستيقنوا برجوع القوم ،وغلبت عليه العمة فإذن لهم بالحاق ()3
أهليهم فساروا وتفرقوا عنه ،وفى كل ذلك لم تزل عيون أبن الشعث في عسكر ابى الخطاب.
فلما تيقنوا تفرق جموع ابى الخطاب اسرعوا بالمسير إلى صاحبهم ،فاخبروه فكر ابن الشعث راجعا
يطوى المراحل ،فلم يشعر ابو الخطاب ال وعسكر ابن الشعث قد غشي حيز طرابلس ،وأبو الخطاب
بها مقيم فقال لصحابه أن العدو قد غشي حريمى فل يسعنى القعود عن المدافعة عن رعيتى ،وقد
اعلمتكم من قبل بما كنت أتوقعه من مكر العرب ،قال ففرق الرسل أبو الخطاب في البلدان تستنفر
عسكره وتستمدهم فارسل إلى عبد الرحمن بن رستم يستحثه ،فأمر أبو الخطاب اصحابه بالخروج فاشار
عليه بعضهم بالقامة حتى تاتيه امداده ،فابى إل لخروج ،وقال :ل يسعنى المقام ،وقل دخل العدو حريم
رعيتى ،حتى أدفع ،حتى ادفع عنها ما غشيها أو الحق بال ،فخرج بمن حضره من أصحابه ومن
بقرب المدينة من نفوسه وهو أرة وزويشة وغيرهم يريد محمد بن الشعث فالتقيا " بتاورغا " وهو على
مسيرة ثمانية أيام من طرابلس .
------------------------------
( )1لعله اليزيدية .تأمل
( )2سورة العراف :آيه 38-37
( )3كذا في النسخ لعله باللحاق بأهليهم
حدث غير واحد من أصحابنا أن ابا الخطاب لما سمع برجوع أبن الشعث إليه بمن خرج بمن حضره من
أصحابه فأجد السير إليه ،فوجد أبو الخطاب قد سبق إلى الماء نازل عليه فقال ابن الشعث لصحابه :
أن نزل أبو الخطاب واصحابه واسترحوا وسقوا كراعهم ،واستقوا فانكم ل تظفرون بهم بشئ ،ول طاقة
لكم بهم ، ،وال فانتم أقدر عليهم منهم عليكم ،وهذا بتاروغا ،فلما وصلهم ابو الخطاب وعسكره شاقت
نفوسهم إلى لقائهم ،والجهاد في سبيل ال على بصيرة فلقاهم أبو الخطاب في قلة والعدو في كثرة ن
فاسرع القتل في أصحاب أبى الخطاب واشتد القتال فكان الرجال بين الصفين تنهدم كالحيطان ،ولم يبرج
ابو الخطاب زاصحابه رحمهم ال حتى أستشهدوا جميعا ن وكانوا في أربعة عشر ألفا فيما ذكر الرواة ،
وقد ذكر بعضهم أثنى عشر الفا فلم ينج من القتل إل السير ،فتسامعت رعيته بنقتله فهربوا إلى الجبال ،
ولجأوا إلى الحصون المنيعة والقلع العلية .وبلغنا أن عبد الرحمن بن رستم رحه ال لما وصلته رسل
المام اسرع ليحلق به ،فلما انتهى إلى مدينة " قابس " تلقاه مقتل المام وعسكره ،فافترت عساكره
وكر راجعا إلى مدينة القيروان ،فلما سمع عبد الرحمن بن حبيب بمصاب ابى الخطاب ومن معه وتفرق
العساكر ثار من مدينة القيروان ،وطلب عبد الرحمن بن رستم فلم يجده ،فلم يزل يبحث على أخباره
حتى ظفر به فابتدره رجل ،فلم يزل يبحث على أخباره حتى ظفر به فابتدره رجل من أهل القيروان من
أصحاب عبد الرحمن بن رستم إلى عبد الرحمن بن حبيب شافعا إليه فيه فقال له أيها المير لى أليك
حاجة ،فقال حوائجكم كلها مقضية أل عبد الرحمن بن رستم ن رضى ال عنه ،فقال أن لم أسألك في
عبد الرحمن بن رستم لما اراد أستعمال ابن حبيب على بعض أموال المسلمين لما أراد أستعمال ابن حبيب
على بعض اموال المسلمين قال :يا معشر المسلمين أبن حبيب على بعض أموال المسلمين قال :يا
معشر المسلمين ،ل تولوا ابن حبيب أمور المسلمين ،فانه أبليس أل ان عليه بشر ابن آدم فحقدها عليه
ابن حبيب .
فلما تفرق جنود ابى الخطاب وجنود عبد الرحمن بن رستم وتخلص من أبن حبيب خرج عبد الرحمن هو
وأبنه عبد الوهاب وعبد لهما خائفين مستحقين ،متوجهين إلى أرض المغرب ،وليس معه حمولة ول
مركب غير فرس واحد ،فمات الفرس في بعض الطريق ،فدفنوه مخافة أن تقص أثرهم ،فيطمع فيهم ،
وذلك في خارج قسطيلية ،فسمى ذلك الموضع " قبر الفرس " فلما عدموا الفرس وقد ضعفت قوى عبد
الرحمن تعاون عليه ابنه يحمله تارة ويحمله العبد اخرى ن فاذا حمله العبد قال عبد الوهاب :أن ادركنا
العدو فل تحطط ابى عن ظهرك لما دون خمسمائة ونحوها ،واذا عيى العبد وحمله عبد الوهاب قال :له
العبد كقوله له العبد كقوله له ،فلما وصلوا حول واد ،أجج وهو جبل منبع قصده عبد الرحمن وتحضن
به .
وحدث أبو الربيع سليمان بن يخلف رحمه ال عمن حدثه :أن عبد الرحمن لما تحصن بوادى اجج
وتحصن بالجبل ،لحقه هنالك ستون شيخا من شيوخ الباضية من طرابلس ،وسمع ابن الشعث بذلك ،
فأقبل مجدا معدا في طلبه ،فأخبر بأنه قي جبل منيع ،حتى وصله فحاصر عبد الرحمن بن رستم بعد أن
عسكر على عسكره مخافة أن يأتيه أبن رستم واصحابه ،فأطال المكث تحته فوخم عسكر أبن الشعث
ووقع فيهم الجدرى ومات منهم خلق كثير ،فجمع أبن الشعث أصحابه فقال لهم مستشيرا :قد رايتم
هؤلء القوم وما هم فيه من المنعه واقامتنا عليهم ل تجدى شيئا فما ترون في القامة عليهم او الرتحال
عنهم ؟ فاختلف رأيهم ،فجد هو على الرتحال ،فرجع إلى القيروان وقد يئس من عبد الرحمن وأصحابه
ودخلها وتحصن فيها .
حدث غير واحد من أصحابنا ان أبا حاتم ولى مدينة طرابلس في رجب سنة أربع وخمسين وائة ومكث
فيها اربع سنين ،وكانت وليته دفاع ،وطلب الحق يرسل ثقاته بما يجتمع من مال الصدقة إلى عبد
الرحمن قبل ظهوره ،وسبب ولية ابى حاتم ان جماعة من أصحابه من بقية من كان مع أبى الخطاب لما
أنسوا من نفوسهم في حيز طرابلس بعد أبى الخطاب قوة ن هموا بالجتماع لمر ابرموه ن فاظهروا عن
انفسهم غيره ،كما فعلوا أول مرة في تولية أبى الخطاب ،فعزموا على القيام على حيز طرابلس وواليها
من قبل ابى جعفر المنصور فسمع الوالى باجتماعهم فأخرج إليهم خمسمائة فارس ،وأمر عليهم امير
منهم .فلما وصلتهم الخيل ،قال لهم أميرها :أجيبوا بالطاعة لمير المؤمنين ،قالوا اجبنا بالطاعة لمير
المؤمنين .ل يعنون أبا جعفر ،وامير الخيل يعتقد أنهم عنوه ،فرجع بخيله إلى والى المدينة ن فاخبروه
باجابتهم ن فلم يقنعه ذلك منهم ثم أن جماعة ايعان اهل الدعوة اجتمعوا ليلة منصرف الخيل عنهم ،
واتفقوا على عقد المامة لبى حاتم ولية الدفاع ،فعقدوها له في ليلتهم تلك ،فلما أصبح خرج إليهم
الوالى بنفسه في خيل عظيمة ،فلما أتاهم قال أجيبوا لطاعة امير المؤمنين أبى جعفر المنصور ،فقالوا
عليك لعنة ال ،وعلى أي كافر معك ،يعنن أبا جعفر فناجزهم القتال فاقتتلوا قتال شديدا فهزمهم أبو
حاتم ومن معه من أهل الدعوة ،فاتبعوهم يقتلونهم حتى دخلوا مدينة طرابلس ن فمات من ذوى الجبابرة
بشر كثير .
وبلغنا أن أبا حاتم لما هزم ال على يديه العدو وقد كان معه من عوام البربر من ل نظر له في أمور الدين
وانما حضروا تسليما لمور المسلمين فعمدوا إلى أسلب القتلى فنزعوها عنهم ن فغضب أبو حاتم لذلك ،
وقال ليس من سيرة المسلمين أذا قتلوا من بغى عليهم من أهل التوحيد أن يسلبوه ،بل يقولون لهل
المدينة أرجعوا إلى قتلكم فادفنوهم وخذوا ثيابهم .والن أما رددتم السلب ،وأما اعتزلت اموركم ،
وتركت الولية ،فلما سمعوا ذلك منه أطاعوه وردوا اسلب القتلى .فدخل ابو حاتم رحمه ال مدينة
طرابلس اثر الهزيمة فاقام بها ما شاء ال ثم نادى بالخروج إلى افريقية ،فبلغنا أنه خرج إليه جيش من
أفريقية ،فتلقاه أبو حاتم ببعض الطريق ن فقاتلهم فهزمهم ال له ،وأحسن فيهم السيرة ،فلم يجهز على
جريح ولم يسلب قتيل .
فلما نزل بالقيروان حاصره أهلها سنة ن وطال الحصار على أهلها فالقوا السلم واذعنوا واطاعوا ،إل ما
كان من ابن الشعث فإنه أنحجر في دار المارة في بقية من أصحابه الذين قدم بهم من أرض المشرق ،
فحاصره ابو حاتم سنة أخرى ،بعد دخول المدينة فاجلى أبو حاتم من بها من بقية جندا أبن الشعث
فاعطى كل خمسة رغيفا لزاده ،فتفرق أولئك البقية منصرفين إلى المشرق ،وذكر بعض أصحابنا أن
السدراتى المجلود على الخيانه الذي جلب العسكر من ان السدراتى المجلود على الخيانة الذي جلب
العسكر من المشرق ندم على ما فعل من أعانة العدو على قومه ،وأهل مذهبه ،واذاءته اياهم ،فخرج
ببقية العسكر يريد بهم المشرق ،واظهر لهم أنه يريد أن يردهم إلى بلدهم فأخذ بهم طريقا مضلة فهلكوا
عن آخرهم .
وبلغنا ان أبا حاتم سمع بطوالع أقبلوا من المشرق فخرج من مدينة طرابلس فتلقاهم بموضع يقال له
( مغمداس ) على مسيرة ثمانية ايام من المدينة فلما وصلهم أبو حاتم صفوا واقتلوا قتال شديدا ن فهزم
ال على يديه العدو فقتل منهم سته عشر ألفا ،وبلغنا ان رجل من الحضر لقى رجل من أهل الدعوى ،
فقال له المخالف ما تفسير تاورغا ؟ ( يقرعه بمقتل ابى الخطاب واصحاب رحمهم ال ) وكان صاحبنا
فطينا فاجابة ،بان قال تفسيرها مغمداس فيه أربعة أكداس ،في كل كدس أربعة آلف ،ثم لما هزمهم
رجع إلى طرابلس وحسنت حالته فيها .
وبلغنا ان ابا حاتم لما تكمن في مدينة طرابلس دس الكتب إلى المشرق من بقى من الطوالع بطرابلس
والقيروان إلى أبى جعفر ببغداد ،يشكون ابا حاتم .ويستقضون عليه ،فانفر إلى ابى حاتم جيشا كبيرا .
وامر عليه يزيد ابن حاتم الزدى قال :فلما أنفصل يزيد بن حاتم من مصر بعساكره ،وسمع أبو حاتم
بتوجهة ،جمع أصحابه ومن ولى عليه من القبائل ن فحضهم على الجهاد ورغبهم في الستشهاد .ولما
قرب يزيد من حيز طرابلس خرج إليه ابو حاتم بمن معه من أصحابه ،حين نزل موضعا يقال له " جنى
" ومعه قبيلة من البربر يقال لها مليلة ،يزيد بن حاتم على أبى حاتم ،فسأل أبو حاتم من حضره من
هوارة هلى أعان ابن حاتم على احد من البربر ؟ فقالوا :ليس أحد من البربر القبيلة واحدة من هوارة .
يقال لها مليلة فقال أبو حاتم :اللهم أذلل مليلة فاجاب ال دعوته فبقيت فيهم إلى اليوم ،فهم اذل البربر ،
قيل وكان مع أبن حاتم رجل من نفوسه يقال له عمر بن مطكود لغير .
فلما التقى الفريقان أقتتلوا قتال شديدا ،فاستنجز القتل في اصحابه أبى حاتم ،فلما رأى ذلك أبو حاتم قال
لصحابه :زفونى إلى الموت في سبيل ال زفاف العروس وقفوا لى قليل قال ،فتقدم أبو حاتم رحمه ال
حتى استشهد ومن معه من اصحابه رحمهم ال .
وبلغنا ان الموضع الذى استشهدوا فيه يرى فيه نور ساطع يضئ في كل ليلة الخميس يبصره من بعيد ن
يصعد عمودا في السماء وكذا ذكر من شاهده من أهل عصرنا على الصفة المذكرة .وحدث يعقوب بن
يوسف اليجرانى أنه أجتاز هو وصاحب له بالوضع المذكور ،فلما هبطاه وهو في مطمئن من الرض ،
أضاء لهم النور حتى تبين أثر الحشرات في الرض ،كما تبين نهارا ،فلما خرجا منه دخل في مظلمة
عظيمة ،فالتفتا إلى الموضع فاذا الضياء ساطع في الهواء والظلمة تحفهم من كل جانب فعادا ،إلى
الموضع فطفقا يدعون ال تعالى لما تبيناه من كرامة ،وكان يعقوب رجل شجاعا شديد المرة ل يروعه
هول ول يصيبه خور بل كان ثبتا ل يتهم خبره
حدث غير واحد من أصحابنا ان عبد الرحمن بن رستم ولى بتاهرت على رأس ستين ومائة ،وذكر
بعضهم أنه ولى سنة اثنين وستين ومائة ،وال اعلم أى التاريخين أصح وسبب وليته أن جماعة اهل
الدعوة اتفقوا على ان ينتخبوا موضعا يبنون فيه مدينة تكون حصنا لهم ،فارسلوا رجال من ذوى
المعرفة ،وفرقوهم في الجهات يتخيرون مكانا يصلح لما حاولوه ،ورجعوا وقد وقع اختيارهم على
تاهرت فدلوهم عليها ،فاتفق جمهورهم مع اهل تاهرت القديمة على شئ معلوم يأخذونه على غلتها ،
وقد كانت قبل ذلك رياضا ل عمارة فيها إل السباع والهوام .
فلما أتفقوا على عمارتها أمروا مناديا ينادى بسباعها ووحوشها وهوامها ان أخرجوا فانا اردنا عمارة
هذه الرض فأجلوها ثلثة أيام ،وبلغنا أنهم راوا وحوشها تحمل أولدها خارجة بها منها ن فكان ذلك
مما رغبهم في عمارتها وقوى عزمهم على انشائها .ثم أنهم اطلقوا النيران فاحترقت أشجارها ،وبقى
أصول ما احترق منها فشق عليهم مؤونة أقتلعها ،فعمدوا إلى حيس فلثوه بعسل ،وجعلوا تحت أصل
كل شجرة منها شيئا قليل ،فلما جن الليل طرقت الخنازير تلك الصول ،فجعلت تتبع رائحة الحيس ن
وتحفر تحت الصول ،حتى أتت على آخرها ،فلما أصبحوا وجدوها مقتلعة ،فعمدوا إلى مكان فأصلحوا
لصلتهم ن فلما أرادوا بناءه وقع اختيارهم على اربعة مواضع فاقرعوا عليها أيها يجعل المسجد
الجامع ،فوقعت القرعة على المكان الول الذى اصلحوا لصلتهم ،فبنوا الجامع به ،ثم أخذوا فى
انشائها وعمارتها ،فجعلوها ديارا وقصورا .
ثم أن أهل الخير والصلح وذوى الراء السديدة من جماعة أهل الدعوة رأوا ان لهم قوة تجب معها
عليهم تولية أمام .فتشاوروا فيمن يرون لذلك أهل من القبائل ،فوجدوا من كل قبيلة رأسا أو رأسين ،
فكل منهم أهل لذلك فقال فضلؤهم :أن عبد الرحمن بن رستم ممن ل تجهلون فضله ،وهو أحد حملة
العلم وعامل المام أبى الخطاب رحمه ال ،وقد كان المسلمون عرضووا عنها ودفعها عن نفسه فهو
أهل للمامة لدينه وعلمه ،وسابقته ،ومكانه ،وغير ذلك من حميد أوضافة ،ل سيما وليست له قبيلة
تمنعه أن بدل أو غير .فأن رأيتم توليته أموركم فافعلوا ،فاتفق رأيهم جميعا على توليته ،فبايعوه على
المامة ،بكتاب ال وسنة رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وآثار الخلفاء الراشدين ،فأحسن السرة في
أمامته ولم ينقم عليه احد في حكومته ،ولم يكن في أيامه أختلف ،والباضية كلها يومئذ مجتمعة متآلفة
لم يثر فيها ثأئر.
قال الشيخ أبو العباس وقد وقفت في كتابه المسالك والممالك من ذكر بناء تاهرت على ما هو أوضح
وأزيد فائدة ،ورأيت أن أثبته في هذا الموضع وأن كان في بعصه خلف لما صححناه عن المشائخ .ذكر
أبو عبيدة البكرى " أن تاهرت مدينة مسورة أنها أربعة أبواب باب الصفاء وبااب المنازل وباب الندلس
وباب المطاحن ،ولها قصبة مشرفة على السوق وتسمى المعصومة ،وهي على نهر تسمى " نافس "
ومنها شرب بساتينها وهي في شئ ،وفيها جميع الثمار وهي شددية البرد كثرة الغيوم ،والثلج .وقال
أبو عبد الرحمن بكر بن حماد )1(:
وتاهرت الجديدة على خمسة أيمال منها تاهرت القديمة وهي في شرق الحديثة ،ويقال أنهم لما ارادوا
بناء تاهرت كانوا يبنون بالنهار ،فاذا جن الليل واصبحوا وجدوا بنيانهم قد تهدم فبنوا حينئذ تاهرت
السفلى ،وهي الحديثة وكان صاحب تاهرت ميمون بن عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم ،بن بهرام
بن ذو شراز بن سابور بن بابكان بن سابور ذى الكتاف الملك الفارسى .كان ميمون رأس الباضية
وأمامهم ،وأمام الصفار ،والواصيلة ،وكان يسلم عليه بالخلفة ،وكان مجتمع الواصيلة قريبا من
تاهرت ،وكان عددهم ثلثين ألفا ،في بيوت كبيوت العراب يحملونها .
وتعاقب مملكة تاهرت بن ميمون وبنو اخوية اسماعيل وعبد الرحمن بن الرستمية إلى سنة ستة وتسعين
ومائتين فوصل أبو عبد ال الشيعى 00مدينة تاهرت فدخلها بالمان ثم قتل فيها من الرستمية عددًا كبيراً
،وبعث برؤوسهم إلى أخيه أبي العباس ،واطيف بها في القيروان ،ونصبت على باب رقادة .وأقام ملك
بني رستم بتاهرت مائة وثلثين سنة .وذكر محمد ابن يوسف أن عبد الرحمن بن رستم كان خليفة لبي
الخطاب عبد العلى بن السمح بن عبيد بن حرملة أيام تملكه على افريقية ،فلما قتله محمد بن الشعث
الخزاعي وذلك في صفر سنة اربع وأربعين ومائة هرب عبد الرحمن باهله وما خف من ماله ،ونزل
القيروان فاجتمعت اليه جماعة من اصحابه واتفقوا على تقديمه وبنيان مدينه تجمعهم ،فنزلوا موضع
تاهرت البرج وهو غيضة اشب ،ونزل عبد الرحمن منها موضعا مربعاً ل شجر فيه ،قال البربر ( :نزل
تافدمت :تفسيره :الدف شبهوه بالدف لتربيعه ،وادركتهم صلة الجمعة فصلوها هنالك فلما انقضت
الصلة ثارت صيحة شديدة على أسد ظهر في الشعراء فاخذ حيا وأوتي به إلى الموضع الذي صلوا فيه
فقتل هنالك ،فقال عبد الرحمن بن رستم هذا موضع ل يفارقه سفك دم ،ول حرب أبداً ،وابتدروا من تلك
الساعة فبنوا في ذلك الموضع مسجداً وقطعوا خشبه من تلك الشجار ،فهو كذلك إلى اليوم ،وهو مسجد
جامع وهو من أربع بلطات ،قال :وكان موضع تاهرت ملكا لقوم مستضعفين من منداس وصنهاجة
فراودهم عبد الرحم على البيع ،فوافقهم ان يودوا اليهم الخراج من السواق ،ويبيحوا لهم بنيان
المساكن فاختطوا وبنوا ،وسمى موضع تاهرت معسكر عبد الرحمن إلى اليوم(. ) 2
قال الشيخ :وبلغنا أن الوالي على أهل عمان في أيام عبد الرحمن رجل يسمى عبد الوارث ،وابو عبيدة
حي إذ ذاك وفي أمامة عبد الرحمن رحمه ال .ثم ان ولية عبد الرحمن بالمغرب اتصلت بمن بالبصرة
من أهل الدعوة فبعثوا اليه بثلثة احمال مال ،فلما وصلت الرسل تاهرت جعلوا يسألون عن دار المارة
وقد خلفوا المال بخارج المدينة ،فلما وصلوا الدار ،وجدوا المام رحمه ال في أعلى بيت يعمل بيده في
السقف ،والعبد يناوله الطين ،فسألوا العبد أن يأذن لهم ،وستأذن عليهم .وقد علم العبد أن سيده يسمع
كلمهم ،فقال له :اخرهم قليلً :فنزل وغسل من الطين جسده ،فأذن لهم ،فدخلوا فسلموا عليه وامر
بخبز وسمن فقدم بين ايديهم فلما أكلوا استأذنوا للتنحي عنه للنجوى ،فأذن لهم ،فتناجوا واتفقوا ان
يدفعوا له المال ،وانهم راضون ما عاينوه من أحواله .فلما وصلت الموال ووضعت للمام ،شاور
اصحابه فيها فاشاروا عليه بان يأخذها ،ويبثها في فقراء المسلمين ،وفي السلم ،وفعل رحمه ال ذلك
بمحضر الرسل .
فلما رجعت الرسل إلى المشرق اعلموا اخوانهم بسيرة عبد الرحمن وعدله وفضله ،وبعثوا بعد ذلك
باموال أكثر من الولى ،فلما وصلت إلى عبد الرحمن شاور اصحابه أيضا ،فقالوا :رأيك يا أمير
المؤمنين ،فقال اما إذ رددتم إلى الرأي ،فان رايي أن يرد إلى أهله ،فهم أحوج منا إليه فقد قوانا ال
واغنانا ،فله الحمد ،فشق ذلك على الرسل وليس لهم بد من طاعة المام ،فعجب أهل المشرق من
زهادة المام في الدنيا ورغبته في الخرة فأقروا بامامته ووصلوه بكتبهم .فكانت تاهرت حرزا وحصنا
لجماعة أهل الدعوة وسميت المعسكر المبارك .قلت أما كون المام رحمه ال وافق اصحابه في صرف
المال الول في الوجوه التي ادلوا بها لما رأى في ذلك من سد الخلل ،وأما رده المال الخر فلعله تعلق
بقوله صلى ال عليه وسلم تؤخذ من اغنيائكم وترد في فقرائكم ،فقصد التخصيص في الضافة ورأى
فقراء مواضع أخذت منه الزكاة بها أولى ،ولعله علم ان في المال الول مال غير مال الصدقة ،وان
المال الخر كله من مال الصدقة فرأى فيه الرأي الذي ذكرته من صرفه في فقراء الجهة التي أخذ منها
المال .
قال :فلما حضرت الوفاة عبد الرحمن رحمه ال جعل المامه شورى في ستة نفر كصنع عمر بن الخطاب
رضي ال عنه :احدهم مسعود الندلسي ،وكان فاضل فقيه ًا ،ورعا من شيوخ المسلمين ،وابو قدامة
يزيد بن فندين اليفرنى ،ومروان الندلسي ،وعبد الوهاب بن عبد الرحمن ،وابو الموفق سعدوس ابن
عطية ،وشكر بن صالح الكتامى ،فلما مات رحمه ال اجتمع أهل الشورى يتفاوضون فيمن يولونه أمور
المسلمين فتدافعها بعضهم إلى بعض .ال ان عامة المسلمين مالت نفوسهم إلى اثنين من النفر المسميين
؛ احدهما مسعود ،والخر عبد الوهاب فبعضهم أراد توليه هذا ،وبعضهم أراد تولية هذا ،فمكثوا نحو
شهرين يرون الرأي ثم ان الجمهور رجحوا مسعود أو مالت نفوسهم إلى توليته ،فبادروا ليبايعوه ،
فهرب واختفى فابتدروا عبد الوهاب ليبايعوه فلما سمع مسعود بتركهم اياه وطلبهم عبد الوهاب خرج
مبادرا ليكون أول من يبايعه ،وكان أبو قدامة لما لم تمل قلوب الناس إليه ورأى انه قد خل منها اراد
تولية عبد الوهاب وقال :هو منا أقرب رحما من غيره ،فلعل ذلك يعطفه علينا ،وانما قال ذلك لن ام
عبد الوهاب يفرنية فرجوا أن يؤثرهم في المر ،فقام ابو قدامه في نفر من اصحابه فأبوا ال مبايعة عبد
الوهاب لما يرجونه من يثاره اياهم ومع ذلك فقد تخوفت نفوسهم منه .
----------------------------------------
( )1هو الديب المشهور والشاعر التاهرتى ولد بها وتوفى سنة 292هـ
( )2راجع المغرب في ذكر بلد افريقيا والمغرب ،وهو جزء من كتاب المسالك والممالك من ص 66
فلما اراد الناس مبايعة عبد الوهاب تقدم مسعود الندلسي ليبايعه فعارضه ابن فندين واصحابه بالقول ،
فقالوا نبايعه على شرط ان ل يقضى أمرا دون جماعة معلومة ،فقال لهم مسعود :ل نعلم في المامة
شرطا غير ان يحكم فينا بكتاب ال وسنة نبيه رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فترك ابن فندين
واصحابه الشرط .فتقدم مسعود فبايع عبد الوهاب وبايعه الناس بعد ذلك بيعة عامة وحملوه إلى دار
المارة ولم يتخلف عن بيعته احد ولم ينقم عليه احد في حكومة ول في أمر من أموره حتى نجم ابن
فندين واصحابه .
مع ان طائفة تنتحل اسم الباضية يقال لهم ( العمرية ) لم تجمعنا واياهم العمرية من قبل وهم يزعمون
انهم اباضية ،وسندون مذهبهم إلى عبد ال بن مسعود رحمه ال وهم تبع عيسى بن عمير ،وسنفرد
كتابا في الرد عليهم ،ونقض ما خالفوا فيه أهل الحق ،ونذكر فيه الفتراقات والرد على كل فرقه خالفت
أهل الحق ،قلت انما نبه الشيخ رحمه ال على ذكر العمرية ليعلم ان الفتراق قد كان من قبل ،وانما
عنى هنا أول الفتراق بالمغرب ،قال الشيخ اسماعيل بن صالح رحمه ال سألت الشيخ أبا نوح بن
يوسف رحمه ال قلت :أين الكتاب الذي وعد به اشيخ أبو زكرياء ؟ قال قد قام عنه به الشيخ أبو عمار
عبد الكافى وهو الكتاب ( الموجز ) ( ) 1رجعنا.
فأما سب افتراق الباضية فيما ذكر غير واحد من اصحابنا فهو :ان عبد الوهاب رحمه ال لما ولى
المسلمين استعمل على وليته كلها أهل الورع والزهد ،وكل من علم انه ليست له رغبة في الولية ،
فاستعان على ما قلده ال من أمور المسلمين باهل العلم والبصائر في الدين .ولما رأى ذلك ابن فندين
واصحابه وتحققوا مخالفة ما يرجونه من ايثاره اياهم ،تغيرت قلوبهم وتنكرت صدورهم وساءت ظنونهم
وسقط في ايديهم وندموا على ما فرط منهم في مبايعة عبد الوهاب ،واخذوا في العلل والباطيل ،وقالوا
:انما كانت ولية عبد الوهاب على شرط ان ل يقطع أمرا دون جماعة معلومة ،ورجعوا في حاجة ()2
امرهم الذي لم يجزه لهم اهل البصائر من قبل ،وجعلوا يفتشون ذلك عند الجهال والطغاة ،ومن ليست
لهم بصيرة في الدين يستنزلون عقولهم ،ويستفزون افكارهم ،ويحيلون عقائدهم واشاعوا انه حابى
عليهم بعض الناس ،وولهم المور دونهم ،وزعموا انهم بذلك أولىمن سواهم ،وانه ل ينبغي ان يلي
امر جماعة المسلمين احد إذا كان في الجماعة من هو اعلم منه ،فتفاقم امرهم ،وكثر القيل والقال في
البلد ،وعظم داؤهم ،وكثر النزاع وانتشر الخلف ،فتارة يقولون نحن وليناه ،وتارة بقولون كيف يلينا
وفينا اعلم منه ،وتارة يقولون انما كانت وليته على شرط .
ثم ان جماعة المسلمين اجتمع رأيهم مع ابن فندين واصحابه على التوقف ،واصطلحوا على وضع اوزار
الحرب ويراسلوا في هذه القضية اخوانهم بالشرق ،فما اجابوهم به وقفوا عنده ،وعملوا به .فبعثوا
رسولين وتوجها إلى المشرق ،فلما وصل مصر وجدا بها شعيب بن المعروف وشيعته فأخبراه بموت
عبد الرحمن ومبايعة الناس عب الوهاب وخروج ابن فندين عليه وادعائه في امامة عبد الوهاب ،وما
زخرف من الباطيل ،فلما سمع شعيب ما ذكراه من الختلف خل بطائفة من اصحابه ،منهم ابو المتوكل
،فعزموا على المسير إلى تاهرت ليكونوا التاء على المام ،ثم ان الرسولين توجها إلى مكة فوجدا أبا
عمرو الربيع بن حبيب وابا غسان مخلد بن المعرد رحمهم ال في جماعة من اصحابنا ،واخبراهما بما
فيه من ارسال اخوانهم اليهم ،وبما حدث بالمغرب ،فدفعا اليهم كتبهم وقرأوها واجتمعوا ليجاوبوا عنها
فكتبوا :
( بسم ال الرحمن الرحيم ) ،صلى ال على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما .أما بعد ،فقد اتصل بنا ما
وقع قبلكم وما كتبتم فيه ،فأما ما ذكرتموه من امر الشرط فليس من سيرة المسلمين ان يجعلوا في
المامة شرطا :ان ل يقطع المام امرا دون جماعة معلومة .المامة صحيحة والشرط باطل ،فلو صح
في المامة الشرط لما قام ل حق ول اقيم له حد ،ولبطلت الحدود والحكام ،وضاع الحق ،والجماعة
يتعذر اتفاقها .على ان المام ان قدم اليه سارق فل يمكنه ان يقيم عليه الحق فيقطع يده حتى تحضر
الجماعة ،أو زنى أحد فل يرجم أو يجلد حتى تحضر الجماعة ،ول يجاهد المام عدوا ،ول ينهى عن
منكر ،ال بمحضر الجماعة ،فيكونوا كلهم اذا اماما ،وكلهم ل امام ،فهذا ابطال ،وتتبعه غير الستقامه
،ورمي المامة به بغي ،والسؤال عن هذا غبي .واما ما ذكرتم من توليه رجل وفي جماعة المسلمين
من هو اعلم منه فذلك جائز اذا كان مستكمل لشوط المامة ،وكان من أهل الفضل والدين ولعدل
والسياسة والمنزلة المرضية ،فقد ولى ابو بكر الصديق رضي ال عنه ؛ وزيد بن ثابت افرض منه ،
وعلى اقضى منه ،ومعاذ بالحلل والحرام اعرف منه ،وأبي بكتاب ال أقرأ منه ،كل شهد له رسول ال
صلى ال عليه وسلم بذلك ومع هذا فلم يكن احد منهم أولى منه بالمامة ،فالجواب اثبات الولية وابطال
الشرط ،ولو انعقدت عليه ،وتخطئه من اختلفه واحله غير محله )
ومما ضمنوه جوابهم ان المامة ل تبطل ال بحدث في المام بعد العذار والنذار ،وتمادى المحدث على
الصرار والستكبار ،فحينئذ يجب القيام عليه .وابطال ما صار من أمر المسلمين اليه .
ونرجع إلى ذكر شعيب وذلك انه لما انتهى اليه الرسولن بما قد تقدم ذكره من وقوع الخلف بالمغرب
توجه إلى تاهرت في نفر من اصحابه ،دون مشاورة من بمصر من المشائخ أهل الدعوة ،بل قد نهاه
عن ذلك من فطن به منهم فسار طمعا في المارة ،فلما وصل هو واصحابه دخل على المام ولم يكن له
بد من الدخول عليه ،فسأله المام رحمه ال عن المامة والشرط فأجابه بان المامة صحيحة والشرط
باطل ،وسأله ايضا هل تجوز تولية رجل وفي جماعة المسلمين من هو اعلم منه ؟ فاجاب بجواز ذلك .
ثم ان شعيبا خرج فتوجه نحو ابن فندين ،واصحابه فأطعموه في المارة ،فندم على فتياه للمام رحمه
ال فوازر( ) 3ابن فندين واصحابه على المام ،وصار لهم عونا على الخلف ،فخرج من بالمدينة من
اكابر اصحاب ابن فندين إلى المنازل المتدانية من تاهرت ،وجعلوا يستفسدون قلوب أهلهاويجتمعون
فيها بحل ما انعقد من المامة ويتناجون بالثم والعدوان ،وذلك سموا ( النجوية ) ثم بعد ذلك ولما ادخلوا
بذلك شغبا في السلم سموا ( الشغبية ) ،ثم الحدوا في اسماء ال تعالى فسموا ( الملحدة ) .وسموا
النكاث لنكثهم البيعة بغير حدث ،وبلغنا انهم كانوا يدخلون المدينة بالجماعات ،فتكلم جماعة من
المسلمين بذلك ،واشاروا على المام بان ينهاهم عن ذلك ،فنهاهم المام فلم ينتهوا ،وعاب عليهم
خروجهم من المدينة إلى المنازل فقالوا :هذه مدينتنا وتلك منالنا ،فان رأى المام في ذلك منكرا تركناه .
قال فاعرض عنهم المام ثم صاروا بعد ذلك يدخلون المدينة بالسلح ،فاشار أيضا جماعة من المسلمين
على المام بان ينهاهم عن ذلك .فقالوا :ان رأى المام في امساك السلح منكرا تركناه قال :فاعرض
عنهم المام ،وامر اهل المدينة بامساك السلح مخافة منهم من غدر يحدث منهم .
وبلغنا ان نفرا منهم اجتمعوا على غدر المام فأداروا المر بينهم ،فقال قائلهم كيف لنا بالوصول إلى قتله
؟ فلم يتجه لهم ذلك .ثم ان رجل اشار عليهم بأن يحضروا تابوتا فيجعلوه فيه ،ويمضوا بالتابوت إلى
المام كأنهم مختصمون فيه ،وكان التفاق قد تعذر ،ليفضي المر إلى وضعه على يد المين ،ثم ل
يرضون ال ان يكون في امانة المام ،فعمدوا إلى تابوت وادخلوا فيه الرجل المشير ،ومعه سيفه وكان
غلق التابوت من داخله ،قأقبلوا بالتابوت إلى المام رحمه ال ،ففعلوا ما عزموا عليه من الملحاة .
حتى اظهروا ان كادوا يقتتلون ،فقال قائلهم للمام ،يا أمير المؤمنين أفصل بين هؤلء القوم ،وانزع
التابوت من ايديهم جميعا حتى يصطلحوا أو يصح لمن يصح منهم ،فقالوا باجمعهم :قد اصاب فيما اشار
به عليك يا امير المؤمنين ،فقال :دونكم وما أشار به .فقال المختصمون :لسنا نثق بامانة أحد ال أن
يكون امير المؤمنين ،فتوخى رحمه ال مرضاتهم وساعدهم ،فقال :احملوا تابوتكم إلى حيث آمركم ان
تضعوه ،فلما حملوه تبين للمام ان الذي حملوه ثقيل وقال متمثل ( يا بؤسا للغدر فما اسجاه !! ) ثم ان
المام تأمل التابوت فوجده مغلقا من داخله ،فازداد ريبة وغلب على ظنه انهم ارادوا الغدر .وكانوا قد
رغبوا في ان ل يوضع التابوت ال في بيت ينام المام فيه ،فلما وضعوه خرجوا مستبشرين فرحين ،
وظنوا ان قد ظفروا بحاجتهم فخيبهم ال ،ورد عليهم مكرهم وجعل كيدهم في تضليل .
وقد ذكر انهم قالوا لصاحبهم اذا انت قتلت المام فأذن لصلة الصبح عند طلوع الفجر ،فاذا سمعوا اذانه
ابتدروا لدار المام ،وان هو لم يؤذن علموا انه لم يظفر بحاجته فلما جن الليل أخذ المام رحمه ال في
صلته فلما فرغ منها وكانت عادته اذا فرغ منها ان يتناول كابا فيقرأ فيه حينا من الليل ،فلما كانت تلك
الليلة عمد المام إلى زق منفوخ فوضعه على فراشه .والقى عليه ملحفة بيضاء ،فلما قضى حاجته من
قراءة الكتاب وحان وقت نومه أخذ مصباحا وأوقده وكب علي غطاء يستره ،وتنحى إلى جانب البيت
واقبل على الصلة بحيث ل يسمعه ول يراه من بالتابوت .فلما هدأ صوت المام عن صاحب التابوت ،
وظن ان المام قد نام ،فتح التابوت فخرج منه فنظر في البيت يمينا وشمال ن فلم ير شيئا ال بياضا في
ناحية البيت كهيئة المضطجع ،فظن انه المام ،فتيممه فجرد سيفه ،والمام رحمه ال يراه فلما وقف
على الفراش ضرب الزق بالسيف فظن انه قد قتل المام فلما سمع المام وقعة السيف على الزق كشف
الغطاء عن المصباح واتاه المام والسيف في يده فقده نصفين ولفه في تابوته .
فلما كان الغد اجتمعوا فسألوا من لقيهم ،هل حدث حادث فلم يخبروا بشيء فقال بعضهم لبعض :اسمع
احد منكم عن المام وصاحبكم شيئا ؟ فكل قال :ل ،فقالوا :امضوا بنا لنأخذ تابوتنا ،فنقول قد اتفقنا .
ففعلوا ذلك فقال لهم المام :امضوا إلى حيث وضعتموه فخذوه .فمضوا حتى دخلوا البيت فوجدوا
تابوتهم في الموضع الذي تركوه فيه فحملوه ،فما وصلوا إلى مأمنهم فتحوا التابوت فوجدوا صاحبهم
قتيل مقدودا نصفين ،فخيب ال سعيهم ،واخلف ظنهم ،والحد ل ،فخرجوا من المدينة خوفا من ان
يوقع بهم المام والمسلمون لسوء صنعهم .
ثم ان شعيبا خرج من عند المام قال لبن فندين واصحابه ماذا تنتظرون به فبادروه ورعيته لتظفروا
بغفلته وانما قال ذلك استعجل وخوفا ان يأتي الجواب من المشرق فتكون عليهم الحجة ويفترق عنه أهل
الشغب وقد علم ان الصواب ما افتى به أول ثم رجع عن الصواب حين طمع فيما طمع فيه ،وكان ابن
فندين واصحابه يتربصون الدوائر بالمسلمين ،ويتوقعون فرصة ينتهزونها ويترقبون من أهل المدينة
غرة يجدونها ،والمام كما ذكرنا قد قد أمر بامساك السلح رعيته واصحابه ،فهم على ذلك فلما كان
ذات يوم خرج المام لبعض حاجاته ،فبادر يزيد بن فندين واصحابه المدينة ليدخلوها على حي غفلة من
أهلها فقامت في المدينة الصيحة فتبادر الناس من كل مكان فخرج افلح بن المام في سلحه مبادرا
فوجدهم على باب المدينة ،وقد كادوا يدخلونها ،فوقف افلح على الباب واثبت احدى رجليه في صفات
الباب( )4حتى انسلخ جلد قدمه إلى العرقوب وجعل يتقى بدرقته ،حتى لم يجد فيها حصنا يتقى به
شيئا ،فرمى بها ،فاقتلع باب المدينة فتترس به ،وعادة يتقى به الطعن ،والضرب ،فتكامل عنده أهل
المدينة فوجدوا يزيد بن فندين مقالبلة ،وعلى رأس ابن فندين بيضتان ،وضربه افلح بالسيف فقد
البيضتين والرأس ونشب السيف في عمود الباب ،فخر ابن فندين صريعاً ،فوجد افلح في يده بعض
الشدة حين ضربه فظن ان صلبة في رأس ابن فنديم ،فقال ( ما اقوى رأسك يا بربري يا مشوم ) ولما
رءاه اصحابه صريعاص ولوا منهزمين ،فقتل منهم جماعة كثيرة فكان عدد القتلى اثنى عشر ألفا فعثر
بهم شؤمهم أول مرة في هلك هذا العدد الكثير .وبلغنا ان دم قتلهم سالت على باب المدينة كالسيل
لكثرتهم .
ثم ان أهل المدينة اجتمعوا في عدد وحاولوا أن يردوا الباب كما كان لم يستطيعوا ذلك ،فقالوا لفلح اردد
ما نزعت فقال :ردوا علي غضبي آنفا اردده لكم ،ثم إن المام رحمه ال رجع إلى المدينة فوجد على
بابها المقتلة فهاله ما رأى بسأل عن ذلك فاخبر بما كان من ابن فندين واصحابه فامر بجمع القتلى
فجمعوا ،وصلى عليهم رجاء للصلح وطلبا للعافية لعامة المسلمين ثم ان شعيبا لما انهزم القوم هرب إلى
مدينة طرابلس ،فاظهر مخالفة المام والبراءة منه واستقبل الحجاج بذلك ،واتصل ذلك بالربيع رحمه ال
وبمن بالمشرق من أهل الدعوة فبرؤوا من شعيب وابن فندين ن ومن قتل معه ،ومن سلك سبيله ،المن
تاب .
وكان الربيع يقول في مجالسه :عبد الوهاب امامنا وتقينا وامام المسلمين ويظهر البراءة ممن خالفه ،
فقيل له :كيف تبرأ من شعيب بغير حدث ؟ فقال :أي حدث أعظم من خلفة لعبد الوهاب وبراءته منه ؟
ثم ان بقية اصحاب ابن فندين الذين لم يصابوا يوم قتل عمرت صدورهم ضغائن واحقادا فتنحوا ناحية
عن المدينة ،فاجتمعوا بكدية ،فسميت كدية النكار ،وجعلوا يفشون الخلف والفساد سرا وجهرا ،وفي
كل ذلك لم يزل شرهم يعود عليهم ،وبعد ان أهلك ال ابن فندين واصحابه قدم الرسولن بالجاب من
فقهاء المشرق مشتمل على ماتقدم ذكره م ولية عبد الوهاب واستحقاقه المامه ،وتخطئه ابن فندين
واصحابه ،والبراءة منهم .
فزاد ذلك يقينا كل من شرح ال صدره للطاعة ،وحمدا ل على ما وهب له من سلمة دينه ودنياه ،
وثبوت عقائدهم على صحة يقينهم .
وبلغنا ان ميمون بن عبد الوهاب قتل ليل وقطع لحمه اربا اربا ،فلما اصبح وجده اهل المدينة على تلك
الحال فأوتي به إلى المام رحمه اله فنظر إليه المام فقال :أي بني ،اجتمعت في مصيبتي فيك ثلث
امثال للعامة ،احدهما قولهم فيمن مرت الخيل بكسائه ،والثانية قولهم فيمن اصيب بليل ،والثالثة قولهم
اذا مسست ابن السلطان فأمسسه مس عنيفا .ثم جهز ابنه ودفنه ،ولم يدر من قتله وذلك بعد مصاب
ابن فندين واصحابه ورجوع الجواب .ثم ان ابنا لميمون خرج ساعيا ،فلما وصل إلى النكار نادوه يا ابن
المهدور دمه ،فرجع إلى جده عبد الوهاب فاخبره الخبر ،فجعل يبحث عن قاتله حتى حقق ان النكار
قتلوه ،فاخرج اليهم عسكرا وامر عليه ابن ميمون فأدركهم بعد أيام فألفاهم مجتمعين على اهبة ينتظرون
.فصادفوه فقاتلهم فهزمهم ال له ،وقتل منهم عددا كثيراً فقصر الناس عن احصاء عدد القتلى ،فقالوا :
أي اسماء القوم اقل عددا فصححوا ان أقل اسماءهم هارون ،فقالوا احسبوا كم قتيل اسمه هارون ،
فوجدهم ثلثمائة ،فما ظنك بسوى هارون فاومن ال قوتهم ورد كيدهم واذلهم .
وكان بيت الرستميين بيت العلوم وجامعا لفنونها ،من علم التفسير والحديث ،والفرائض ،والصول ،
والفروع وعلم اللسان ،وعلم النجوم ،وقد حكي عن بعضهم انه قال :معاذ ال ان تكون عندنا امة ل
تعرف منزلة القمر ،وبلغنا ان عبد الوهاب بعث ألف دينار إلى اخوانه بالبصرة ليشتروا له بها كتبا ،
فاقتضى نظرهم ان يشتروها ورقا وتطوعوا بالمداد واجرة النساخ والمفسرين ،حتى اكملوا ديوانا عظيما
فبعثوا به اليه فشق( ) 5جميع الديوان فقال الحمد ل اذ ليس فيه مسألة عزبت عنى ال مسألتان ولو
سئلت عنهما لجبت قياسا على نظائرهما ووافقت الصواب .
----------------------------------
(- )1ل زال الكتاب من جملة المخطوطات ن وقد قام الدكتور عمار الطالبي من جامعة الجزائر اخيرا
بدراسة عليه ،واخبرني انه يقوم بطبعه .
( - )2كذا في النسخ ،ولعل الصواب :ورجعوا إلى لجاجة أمرهم
( - )3من وزارة موازرة على المر عاونه وقواه ن مقلوب آزره
( - )4كذا في الصل ،وفي نسخه في صفات بالباب
( - )5كذا بالنسخ ،لعله فشقق جميع الديوان ،فيكون من شقق الكلم :اخرجه اسحن مخرج ،في
الحديث ( :تشقيق الكلم عليكم شديد )
حدث غير واحد من اصحابنا ان المام عبد الوهاب رحمه ال لما أوهن ال على يديه كلمة النكار
واورثهم الخزي والعار ،تحرك الواصلية بعض الحركة ،وهم قوم من البربر اكثرهم من زناتة ،وذلك
لما احسوا بوقوع التفرق وحاولوا ان ينتهزوا فرصة ،فبلغ المام ذلك فاعذر اليهم مرة بعد مرة ،وقد
نشأ في الواصلية شاب حدث السن شجاع ل يقوم له شيء ،وهو ابن اميرهم ،وفيهم رجل ينتحل
المناظرة فتتكاتفت كلمة الواصلية ،واجتمعوا من كل أوب منحازين من تاهرت ،واكثرهم أهل البادية .
فاظهروا مخالفة المام رحمه ال ،فاعذر اليهم ،ثم خرج اليهم ،بعساكر كثيرة فقاتلهم مرة بعد مرة
فكان الشاب الواصلي ل يدرك احدا ال قتلة ،وابوه يحرضه على القتال .
فلما رأى ما نزل به منهم ،وان حربهم مقيم ،أرسل إلى أهل نفوسه ستمدهم طالبا منهم جيشا نجيبا
يكون فيهم رجل مناظر عالم بفنون الرد على المخالفين ،ورجل علم بفنون التفاسير ،ورجل شجاع ،
يستعده لمبارزة الشاب الواصلي ،ولما وصلت رسل المام رحمه ال إلى جبل نفوسه ائتمروا فيمن
يرسلونه إلى المام ،فاجتمعوا على ان يبعثوا اربعة نفر احدهم مهدى الويغوي ،والثاني ايوب بن
العباس ،والثالث ابن يأنيس ،والرابع قيل اسمه محمد ابو محمد ،وقيل ابو الحسن البدلني رحمهم ال
،فاستحضرهم عامل جبل نفوسه فمل حضروا اعلمهم بما كان من استمداد المام ،واتفاق الجماعة على
توجيههم وامروهم ان يتأهبوا للمسير .
فبلغنا ان النفر تساءلوا فيما بينهم فقال لهم مهدي اما انا فاكفيكم المناظرة ،وقال محمد بن يأنيس وانا
تفسير القرآن ،قد اخذته عن الثقات ،واعتمدوا على أيوب في المبارزة .وأخذ النفر في اهبة السفر
فخرجوا من جبل نفوسة متوجهين إلى تاهرت ،فلما انفصلوا عن الجبل رغب اليهم محمد بن يأنيس في
ان يكون لهم خادما فأبوا عليه ،فالح عليهم إلى أن اجابوا رغبته فجعلوا كلما رحلوا ،ساروا نهارهم الى
الليل ،فاذا نزلوا عمد محمد بن يأنيس إلى خيلهم فعلفها ،ثم اخذ في معالجة معيشتهم فإذا طعموا أو
ناموا اقبل على الصلة راكعا ساجدا إلى الفجر ،وكان صائما نهاره وقائما ليله ،فكان هذا دأبه ودأبهم ،
فلما رأوا تماديه على ذلك شق عليهم ،واشفقوا عليه .فرغبوا اليه ان يرفق بنفسه أو يدع عن بعض ما
تكلفه في سفره ،وينام ساعة من ليله ،فأبى ،فعزموا عليه ان يترك ،وال نظروا في خادم سواه ،فلما
تحقق جدهم وخشي ان يعزلوه عما تولى من خدمتهم .قال :قد اجبت ،على ان تأذنوا لي في ركعتين ل
غير ،فطابت انفسهم وأذنوا له في الركعتين فلما كان في الليلة المقبلة وقد فرغ من خدمتهم قام ليأتي
بالركعتين فقرأ في الركعة الولى نصف القرآن ،وفي الثانية النصف الخر ،فطلع عليه الفجر ،فلما كان
من الغد وعلم اصحابه بما كان منه شق عليهم اشد مما كان قبل ،فرغبوا اليه في ان يعودوا الى الحالة
الولى ،ورأوا ذلك ارفق به مما صار اليه .
وبلغنا انهم ناموا ذات ليلة فاستيقظ احدهم فرأى ابن يأنيس قائما يصلي وكانت ليلة مطيرة شديدة البرد
والريح فسمع لكساء بن يأنيس صريرا اذا ضربته الريح ،فقال :ان كان ل يدخل الجنة ال من كان مثلك
يا ابن يأنيس فستستوحش فيها .بل ال لطيف بعباده ورحمته واسعة .
وبلغنا ان المام رحمه ال لما سمع بخروجهم من جبل نفوسه متوجهين اليه قال لعبيدة من بشرني منكم
بقدومهم فهو حر ،وكان العبيد اذا اصبح خرجوا من المدينة ينظرون يمينا وشمال ،وكان احد عبيد
المام أعرج ل يستطيع النهوض مع العبيد فكان يرقى سور المدينة فلما كان يوم قدومهم أبصرهم العبيد
الذين كانوا في خارج المدينة ،فلما تحققوا ذلك بادروا يتسابقون ليخبروا المام فلما رءاهم العرج عن
بعد ،عجل إلى المام فبشره ،فخرج حرا فجاءه اصحابه فوجدوا العرج قد سبقهم بالبشارة فقالوا ( فاز
بها العرج ) فلما وصل النفر المدينة اخبروا المام بانهم اربعة فساءه ذلك ،وكان ينتظر قدوم عسكر
كبير فلما دخلوا على المام رحمه ال ،سألهم عن احوالهم وعن قدومهم في اربعة نفر دون عسكر .
فاخبره كل واحد منهم بما تكفل به ،واعلمه انهم بمعونة ال عز وجل ومساعدة المام يقومون مقام
العسكر .فامر المام رحمه ال بانزالهم في دار الضيافة ،فاقاموا في أبر حال .
وبلغنا ان المام اجل قبل ذلك الواصلية أجل ،قبل قدوم النفوسيين ،فلما قدموا قال لهم :تأهبوا للخروج
قالوا له :دعنا حتى نستريح وتستريح دوابنا فقد اساءها السفر ،فأسعفهم ،ولما جرى ذكر المناظرة
بينهم وبين المام واعلمهم مهدى انه يكفيهم المناظرة قال لهم المام :انه جرى بيني وبين الواصلي
المنتحل المناظرة كلم ،اريد ان اعرضه عليك فقال :افعل يا امير المؤمنين ،فجعل المام يعرض عليه
ما وقع بينهما من مناظرة ،ويذكر سؤال كل واحد منهما ،وجواب الخر فكلما وجد من كلم الواصلي
حيدة ،قال :يا امير المؤمنين زاغ في الحجة ،وزاغ عن الحجة ،حتى اطلع المام رحمه ال على جميع
ما لبس فيه المعتزلى ،ومواضع حيداته ،فوثق بان مهديا سيظفر بالمعتزلي.
وبلغنا ان مهديا لما صار بتاهرت – جعل – يغيب عن اصحابه اياما ل يدرون له مستقرا ،حتى ساءت
ظنونهم ،فلما كان ذات ليلة قدم عليهم ،فقالوا له :قد استبطأناك ففيم كان مغيبك ؟ فقال لهم :انى قد
رددت الى مذهب الحق سبعين عالما من أهل الخلف .
ثم ان المام بعث إلى رئيس المعتزلة بانه سيخرج اليهم في يوم كذا ،فلما كان ذلك اليوم وقد ساءت
ظنون المعتزلة وامتلت قلوبهم رعبا يتوقعون ما سيجلى لهم من أمر نفوسة فكانوا في غم شديد ،فامر
المام رعيته بالخروج الى الواصلية والحضور لمناظرة مهدى للمعتزلة .فقال له ايوب بن العباس يا
امير المؤمنين بخيل نركبها ،فامر المام رحمه ال ايوب بدخول دار الدواب فدخل الصطبل فجعل كلما
رأى فرسا حسن الصورة ،أخذ بناصيته وجذبه فل تثبت حوافره على الرض يكاد يسقط على رأسه ،
حتى أتى على آخرها فلم يعجبه منها شيء فقال ايوب للمام اجمع( )1فرسي فان تعبه علي احسن إلى
من غيره ،فامر المام بفرسه فاحضر ،فلما جذبه كما فعل بكل فرس اجتذبه قبل ولم يال جهدا في جبذه
فاقنع الفرس برأسه في الهواء طامحا ،ولم تزل له حوافر مثبتة في موضعها ،ثم ردد النظر في الفرس
فوجد به الحفاء ،فامر باحراق الرمل حتى حمي ،وفرش ،وأمر عليه فرسه يطأ ذلك الرمل بحوافره ،
ففعل به ذلك ثلثة ايام ،فبعد ذلك امر الناس بالخروج ،فخرجوا والتقى العسكران والناس ينظرون الى
ايوب ،فيتعجبون بما يسمعون عنه من اشجاعة ،وانه ل يلقى شجاعا ال قتله ،فاعذر المام الى
المعتزلة ودعاهم الى ترك ما به ضلوا ،فأبوا ال المناصبة وسألوا المناظرة ،وقد صفت الصفوف فخرج
مهدى لمحمد بن يأنيس أخرج اليه فناظرة ،فقال له ابن يانيس رحمه ال :بل اخرج اليه انت ،ولست
باعلم منا ،ولكن اخشى ان يعقدني العرق الذي من قبل ذلك اسملته نفسه فارسل إلى مهدى في خفية من
اصحابه :ان انا ناظرتك فظفرت بي سترت علي ،وان ظفرت بك سترت عليك ،فليس منا احد يدري لمن
يكون الظفر .فارسل مهدى إلى اصحابه ان علمة ظفري بالمعتزلي ان أنزع القلنسوة عن رأسي ،
واضعها تحت ركبتي ،ثم تناظرا فجرت بينهما وجوه من المناظرة والناس يعلمون ما يقولون ،فلم يظفر
احد بصاحبه ،ثم دخل في مناظرات لم يفقهها احد غير المام ،ثم دخل في وجه لم يفقهها أحد ول المام
،فما كان باوشك من ان ظفر به مهدى والقى القلنسوة ،فكبر اصحاب مهدى لعلمهم بظفره بالمعتزلي ،
فلما رأى المعتزلي ذلك قال غدرت يا مهدى .
وافترقا عن مجلس المناظرة ن وقد اظفر ال مهديا ،ونصر حجة أهل الحق ول الحمد .ثم خرج الفتى
المشهور بالشجاعة يطلب المبارزة ،فأخذ ايوب بن العباس في اهبة الخروج اليه فجبنذ فرسه حتى
استوى بين الصفين واراد ركوبه بحيث يراه كل الفريقين ،فتجاهل في ركوبه ،فضحك منه عامة
الفريقين وازدروه ،فقال لهم ابو الفتى الواصلي الن جاء من يقتل ولدي ،افل ترون ان فرسه لما ركبه
ادلى واسترسل ،ول يفعل الفرس ذلك ال تحت الفارس الحاذق الممارس ،فخرج ايوب الى لفتى فبارزه
فتطاردا قليلً ،وتضاربا حينا ،فحمل عليه ايوب فضربه وقتله ،وذكر بعض أصحابنا اه شكه بالرمح
واحتمله كالجرادة ،فلما رات المعتزلة رئيسها وفارسها صريعا ،ولوا منهزمين بعد ما حمى الوطيس
وقتل الرئيس واستنجر القتل في المعتزلة وكان أفلح بن عبد الوهاب يضرب ناحية وايوب يضرب ناحية
أخرى ،وكان سيف ايوب بن العباس ليس له ال حد واحد ،وقيل ان ذلك اذا عيى حمله على عاتقه ،
فلما امعن اهل العسكر في قتل الواصلية ودخوهم ،وضعت الحرب اوزارها ،ولم يكن بقى من المعتزلة
إل اليسير وصار المسلمون يعدونهم من قتلة أفلح من قتله أيوب فوجدوا احدهما يزيد على الخر واحدا ،
قيل وصاحب الزيادة هو افلح ،وذكر بعض اصحابنا ان قتلى افلح اربعمائة .ولما أوهن ال المعتزلة ،
ونهزموا وعسكر المام ي سافلتهم ،بلغنا ان ايوب بن العباس رأى شخصا قائما كهيئة ارجل فى حومة
القتال ،فخاله رجل فضربه بالسيف فأحس شدة ،فلما رجع قال لصحابه :انى ضربت شيئا فيه ولم ادر
ما هو فتصفحوا القتلى فوجدوه عمودا قائما ،فلمسوه بأيدهم ،فسقط منفصل من الموضع الذى أصابته
ضربة ايوب .
ثم بعد ذلك بزمان أرسلت المعتزلة إلى أيوب بن العباس بان يأتيهم بعد فعله الفاعيل فيهم ،فعزم على
المسير إليهم فمنعه أصحابه فأبى إل المسير فحذروره الغدر ،فلم يعبا بهم ،فسار أيوب حتى وصل بعض
احيائهم ،فتيممه فإذا برجال من احي ينتظرون المامه بهم ،فانزلوه في خص ورحبوا به فلما جن الليل
قدموا له العشاء وهي جفنة طعام عليها شاة ووطب من لبن ،قال أسند ظهره إى دعامة الخص وجعل
يتلو القرآن ،حى طلع الفجر ،فصلى الصبح بوضوء العشاء ،فلما طلعت عليه الشمس ،أمرهم بان
يقدموا فرسة ،فقدموه وهم عازمون على غدره فلما ركب فرسه تكلم متكلمهم فقال :يا ايوب ان فتيان
الحي راغبون في أن تلعبهم على فرسك ،فقال ايوب ال ،ثم ان فتيان الحى ركبوا خيلهم ،فتناولوا
قضبانا يترامون بها ،وفيهم رجل شجاع قد تكفل لهم بغدر ايوب فلعبهم ايوب قليل ،ولم يشعر ال
والرجل خلفه قد ش عليه بالرمح ،فتغافل عنه ايوب حين علم به ،فلما اراد أن يضربه اتقى ايوب
ضربته ،وشد عليه اويوب فقتله فحمل على اصحابه فقتل منهم ثمانية ،ثم حمل أخرى فقتل ثمانية
أخرى ،فصاح ايوب بنساء الحي هلى يكفيكن ،أو ازيدكن ؟ فقلن :قد اكتفينا ،قال فتوجه ايوب فمر
بواد فوجد فيه اسدا ولبوة وأشبالهما ،فشد عليها بالسيف فقطع ارجلهما فتركهما يزحفان ،واجتاز بحى
من احياء البربر ،فقال يا أهل الحى من اراد منكم اللحم المكروه فليقصد الوادى عند السدرة فابتدر الحى
إلى الوادى فوجدوا السد واللبوة وأشبالهما فطفق القوم يأكلون .
وذكر بعض اصحابنا ان مهديا كان رجل ورعا زاهدا في الدنيا طالبا للخرة ،وكان له أخ أو ابن خالة
طالبا لللخرة من غير أعراض عن خطة من الدنيا فاختصما يوما بتاهرت إلى المام ،فقال ،مهدى :يا
امير المؤمنين ان هذا أخي قد شغلته دنيا حتى كاد يضر بآخرته ،فقال الخر :ان هذا اخى قد شغله
رفض دنياه حتى كاد يضر بآخرته ن فاعرض عنهما ودعا لهما بخير .
ولما توجه المام رحمه ال الى جبل نفوسة اصابه مطر بين منازل نفوسة وهو مرتحل ،فقصد دار
مهدى فوجدها دار عابد زاهد ليست له رغبة في الدنيا ،فلم يجد بها ما يقى عن نفسه القطر ،فرغب
اليه ابن خالته الذي له حظ من الدنيا وسأله انتقال المام ومن معه الى داره ،واعمله ان ذلك ارفق
بالمام لما هو فيه من اليسار ،واخف عن مهدى لما علمه فيه من القتار ،فاجابه سؤاله ،فخرجوا الى
دار ابن خال مهدى ،ومهدى معه ،فلما دخلوا داره وجدوها دار ذي نعمة وبسطة ،وسعة رزق ،فخلع
على كل واحد منهم ثيابا جديدة لم يصبها مطر ،وفرش فرشا وثيرة واحضر أطعمة حفيلة وأظهر لهم من
صنوف البر ما استحسنه المام غاية الستحسان ن حتى استدعى منه ان قال لمدى :الن خضمك ابن
خالتك( )2فيما اختصمتما ،وبان ان حجته قامت على حجتك .
وبلغنا ان مهديا خطب امرأة بجبل نفوسة فاستشارت في أمره شيخا من المشائخ .فقال لها :ان مهديا
رجل له رغبة في الخرة وزهد في الدنيا واجتهاد في الصلح وله أرض كريمة محثوت لها سد فوق
سد ،قد انهدمت سدودها وخربت رها ،ولم تدعه نفسه الى اصلح شيء منها ،ول يستطيع اصلحها
العدد القليل من الناس ،واراد ان يتزوجك ،فل تصلح جسوره ال بتراب تنقليه على رأسك فزادها ذلك
رغبة فيه وفي صلحية وتزوجها مهدى ،وهي تنقل التراب على رأسها لصلح الجسور ،فذكرها
الشيخ فيما اعملها من قبل به ،فحمدت ال على ما اعطاها من خدمة ولي من أوليائه .قال اشيخ ابو
العباس وانما ساق الشيخ رحمه ال هذا الخبر قبله ليعلمك بمراتب الرجال وما حووا من درجات الكمال ،
وهم مع نذلك ل يعتورهم كبر ول استنكاف ،بل قد سلكوا سبيل من درج من اخيار السلف ،فال ينفعنا
ببركتهم اجمعين .
---------------------------------
حدث غير واحد من اصحابنا ان المام رحمه ال أراد المسير الى الحج فاخذ في اهبة السفر ،ثم سار
متوجها ،فلما وصل الى جبال دمرا استعمل عليها رجل من أهلها يقال له فزار ،ثم توجه إلى جبل
نفوسه ،فاجتمعت عليه جموع نفوسه فاخبرهم بما عزم عليه من تيممه الحج .فقالوا يا امير المؤمنين
ان رايت المقا م فعلت ،فانا نخشى عليك من المسودة( ، ) 1فانهم ان علموا بمسيرك عن بلدك وتوجهك
الى بلدهم لم تسلم من افة تصيبك منهم ،من قتل ،او سجن ،او نكال .وقد تعين عليك القيام بأمور
المسلمين ،والنظر فيما يجمع كلمتهم ،ويصلح شأنهم فاقامتك فيهم آكد وواجب .فقد علمت انك لو غبت
عنهم لضاعت الحقوق وتفرقت الكلمة ،قال فأرسل المام رحمه ال إلى اخوانه بالمشرق وكان المقدم في
ذلك العصر في العلم والورع والفضل أبا الربيع بن حبيب ،رحمه ال وابن عباد المصري ،فلما وصلهم
الرسل والقوا اليهما من القول ما دار بين المام وبين جماعة نفوسة ،واخبروهما ان المام يستفتيهما
مستضيئا علما من نورهما ،مع ما وهب ال له من العلم ،معتمدا ان فتيا غيره في نازلة مختصة به
أولى ،وانهى للنفس عنالهوى .فاجابه الربيع بان من كان مثلك في العناية بأمور المسلمين ومحل
امانتهم وخاف على نفسه من أهل الجور والبغي ،فينبغي له ان يستأجر من يحج عنه وهو حي .واجاب
ابن عباد بان من كان على هذه الصفة فليس عليه حج ،لن امان الطريق من الشروط التي هي مشترطة
في وجوب الحج .فمكث المام رحمه ال ينتظر رسله ،فلما قدمت الرسل بالجوابين أخذ بجواب الربيع
وارسل من يحج عنه .
وأقام بجبل نفوسة في تلك الحالة سبعة أعوام يستدرجهم في تعليم مسائل الصلة ،وانفصل عنه فيما ذكر
قبل تكميلها .قال ابو العباس احمد بن الشيخ ابي عثمان سعيد ،وذلك لن نوازل مسائل الصلة كثيرة ،
وهي أول ما يحافظ عليه ،وقد قال رسول ال صلى ال عليه وسلم (( :أول ما يحاسب به العبد
الصلة )) .
قال وكان المام رحمه ال لما صرف الرسل الى المشرق جمع جموعا كثيرة وعسكرا ونزل على مدينة
طرابلس محاصرا لها ومحاول دخولها في الطاعة ،والمصير إلى ما عليه أهل الحق ،فحاصرها اشد
الحصار ،ثم رأى له الصواب في الرتحال عنها فإرتحل عنها .
--------------------------------
حدث جماعة من اصحابنا ان المام رحمه ال لما اراد التوجه الى تاهرت اجتمعت جموع أهل بلد
طرابلس ،فسألوا واليا يوليه عليهم ،وأراد ان يولى عليهم بعض وزرائه فلم يوافق ذلك مرادهم ،
ورغبوا في ان يولى عليهم وزيره السمح ابن عبد العلى رحمه ال ،لما رأوا محبة المام فيه ،وحسن
ظنه مع كونه ابن إمامهم .فلما علم المام عبد الوهاب رحمه ال إن رغبتهم في السمح ،اذ ل يقوم
مقامه في نصيحة وعناية وحسن محبة احد ،ثم قال لهم ومع هذا فانى أو ثركم به على نفسي ،
فاستعمله عليهم وارتحل إلى تاهرت .
فلما ولى السمح على حيز طرابلس احسن فيهم السيرة ،وعدل في احكامه ،فصلحت أحوالهم فلم يزل
مقرا بإمامة عبد الوهاب وناصحا له في رعيته حتى حضرته الوفاة ،وقد كانت عماله على نواحي
طرابلس سالكين مسلكه ،في حسن السيرة ،فاجتمع اليه اصحابه فقالوا له :اوصنا وأمرنا بأمرك ،فانا
مطيعوك في الحياة وبعد الممات ،فانك لم تال بيننا رشدا جزاك ال عن رعيتك وعن السلم خيرا .فقال
لهم السمح رحمه ال أوصيكم ونفسى بتقوى ال ،والعمل بما أمركم به ،والنتهاء عما نهاكم عنه ،
وطاعة امامكم عبد الوهاب وتأييده ما دام على الحق الذي عليه سلفه ،وجهاد من خالفه ،فبذلك تستقيم
احوالكم ،وينتظر شملكم ،ويتم خير دينكم ودنياكم .وتوفي رحمه ال ،فلما توفي عظم مصابه وبلغ في
الناس فقده مبلغا عظيما .
وخلف ولدا اسمه ( خلف ) فلشدة محبة الناس في السمح وعظم منزلته فيهم أحسنت العامة الظن
( بخلف ) وأراد من ليست له بصيرة في الدين ول نظر في العواقب توليته عليهم ،فقال أهل البصائر :ل
ينبغي لكم ان تفتاتوا على امامكم في شيء مما قلده ال من أموركم ،ووله من صالح جمهوركم ،فقال
ذوو العقول القاصرة :اما ان فعلنا ذلك رجونا ان يكون وفق ارادة امامنا ،وقال فريق منهم :نوليه على
انفسنا ريثما يصل من المام أمر نقف عنده ،فان اثبته اثبتناه ،وان عزله عزلناه .فأبى ذلك كله أهل
الصلح كابى منيف اسماعيل بن درار الغدامسى وابى الحسن ايوب ،وامثالهما .فغلبت العامة وولوه من
غير اذن المام ،ول رضى من أهل الصلح فولوه على انفسهم .وكاتبوا المام بموت عامله ،واقامتهم
ولده مقامه ،على انه ان اجاز اجازوه وال عزلوه .فلما وقف على ما خاطبوه جاوبهم بما نصه :
" أما بعد فانى آمركم بتقوى ال تعالى ،والتباع بما آمركم به ،والنتهاء عما نهاكم عنه ،والذي
كتبتموني به من وفاة السمح وتولية بعض الناس خلفا ،خلفا منهم ورد أهل الخير ذلك ،فان مولى خلفا
بغير اذن امامه قد أخطأ سيرة المسلمين ،ومن ابى توليته فقد اصاب ،فاذا اتاكم كتابي هذا فليرجع كل
عامل استعمله السمح الى عمله الذي ولي عليه ،الخلف بن السمح ،فحتى يأتيه أمرى وتوبوا الى ربكم
لعلكم تفلحون "
فلما وصل جواب المام أهل بلد طرابلس بما تضمنه من رد العمال الى اعمالهم ،وتخطئة من ولى
خلفا ،وتصويب من توقف عن توليته ،قلقوا فكتبوا الى المام يراجعونه في أمر خلف ،ويسألونه ان
يجيز توليتهم اياه .فجاوب رحمه ال بكتابين احدهما الى الجماعة ،والخر أفراد به خلفا ،يعلمهم ان
ذلك ل يسعه من قبل ال تعالى ،وانه ل سبيل الى بقائه على عمل .ثم اقتضى نظر المام رحمه ال ان
يوجه امناء من قبله الى جهة طرابلس مختبرين لحوالها ،وعلم( ) 1اليهم بتولية خلف على جهات
طرابلس ان وجدوه قد اعتزل واطاع ال ،وامر التقدمة .وان هم وجدوه مصرا على الخلف نابذا امر
المام وراءه ظهريا ،رفضوه .حتى يحكم ال فيه وهو خير الحاكمين .
قال فوصل امناء المام فوجدوا خلفا في عتوه واستنكاره ،فدفعوا له كتابا بالعتزال ،فابى .وشايعه
على ذلك اصحابه الذين ولوه وانهم لما وصل كتاب المام بتخطئتهم كتبوا الى ابى سفيان محبوب بن
الرحيل كتاب المام بتخطئتهم كتبوا الى ابى سفيان محبوب بن الرحيل كتابا وجهوه اليه بالمشرق ،وهو
اذاك رأس جماعة أهل الدعوة هنالك ،والمقدم عليهم بعد انقراض طبقة الربيع ومعاصريه ،رافعين اليه
ماصدر عن المام فيهم ،وقدروا ما هم عليه من اصابتهم بزعمهم ،وحسنوا تولية خلف ورجوا ان
يكون منه جواب يوافق نظرهم الفاسد ،فوصلهم جوابه رحمه ال بتخطئتهم وتصويب من امتنع عن
توليته ،وتوجيب طاعة امامهم .
فلما وصلهم جواب محبوب بما خالف مواقفهم نبذوه واخذوا في مسلك طرق الضلل ،حتى اعلنوا بنبذ
امامة عبد الوهاب وقالوا ما هو لنا بامام ،وانما امامنا خلف ،اذ هو في حوزتنا ،والحافظ لجماعتنا ،
والجامع لكلمتنا .واما عبد الوهاب فانه في حوزة غير حوزتنا ،وغير أهل لجماعتنا ،فبرأ منهم أهل
الدعوة وليس بيننا وبينهم خلف ال في مسألة القرار بامامة عبد الوهاب .
--------------------------------------------------
استعمال أبو عبيدة عبد الحميد الجناونى رحمة ال ومحاربته خلف بن السمح
ذكر جماعة من اصحابنا ان عامل المام عبد الوهاب رحمه ال ابو الحسن ايوب ادركته منيته فكتبت
نفسة ومن حولهم من بلد طرابلس الى المام ،يخبرونه ويستدعون منه استعمال عامل ،فكاتبهم بان
يعلموه برجل يرضى لعمالهم وتتفق عليه كلمة أهل الفضل منهم ،فسموه له ،فكاتبوه باتفاق كلمتهم
على ابى عبيدة عبد الحميد الجناوني ،فكتب بتوليته على اعمالهم والنظر في امورهم ،ول علم له بما
أرادوه .ونفذ به امر المام فاجتمعت جموع أهل بلد طرابلس من نفوسة وغيرهم على أبي عبيدة
ليسمعوا منه ويطيعوا ،فلما قرأ كتاب المام تنصل من الولية وقال :انا ضعيف قالها مرارا فكتب
الىالمام متنصل ومقرا بالعجز والضعف فلم يقبل منه المام عذرا فكتب اليه بالقامة على ما وله من
القيام على أمور المسلمين .
وكتب فيما كتب به اليه ( ان كنت ضعيفا في المال فبيت مال المسلمين تقويك ،وان كنت ضعيف البدن
فالحق يقويك وان كنت ضعيفا في العلم فعليك بابى زكرياء الللوتي فاستعن به فيما يستقبل من امورك )
.فاجتمعت عليه أيضا الجموع فقال لهم انتظروني ،فغاب عنهم ما يدرون ما يحاول فسار الى عجوز
نفوسية مشهورة بالعلم والدين والصلح ،فاستشارها في تحمل ما تقلد أو الفرار ،فقالت له هلتعلم في
بلدك من أهل زمانك أقوم منك بما كلفت له هل تعلم في بلدك من أهل زمانك أقوم منك بما كلفت به
واحق بتقليد ما تقلدت ؟ قال :اما في امور الرجال فل ،قالت فادخل اذا فيما قلدك المام ،وال فانى
اخشى ان تهشم عظامك في نار جهنم ،فقد قامت عليك الحجة ،فرجع اليهم وتقلد ما قلده من أ/ورهم
فكانت جماعة نفوسة يذكرون فضلها ،ويعترفون بها .
فلما ولى عبد الحميد احسن السيرة وقام بحقوق ال عز وجل وعمل بطاعته .فلما سمع خلف بن السمح
بتولية المام عبد الحميد بلغ ذلك منه مبلغا عظيما ،واستكبر ،واستخف اشياعه من الضلل فأطاعوه ،
وجعل يشن الغارات على رعية عبد الحميد ،ويدس اللصوص ،فوجه اليه أبو عبيدة الحميد يأمره بالكف
عن الرعية ،فلم يكف ،فكتب أبو عبيدة الى المام يخبره بما نزل بالرعية فكتب اليه المام ان يعامله
بالملطفة والملينة ما استطاع ،لعله يتذكر أو يخشى ،فقال له :ان لم تجد بدا من المدافعة فمدافع عن
الرعية .فمكث يلطفة حينا الى ان ورد عليه الخبر بوفاة المام رحمه ال .
ولما توفي عبد الوهاب تدانى العدو من تاهرت طمعا في الستيلء عليها ،ورجوا الظفر بها وباهلها لما
ظنوه من عجزهم عن المدافعة ،اذا اضحوا بل امام ،فابتدر جماعة أهل الدعوة ،فبايعوا افلح بن عبد
الوهاب ،فعقدوا له المامة فكان ميمون النقيبة ،فسكن ال به البلد ووقية من الفساد .وما بلغ ابا
عبيدة موت المام وتولية ابنه افلح المامة ،كتب ابو عبيدة الى افلح يستشيره في امر الخبيث بن الطيب
ويستأذنه الدفاع ،فكتب اليه بمثل ما كتب به ابوه رحمه ال .
فلما بلغ خلفا وفاة المام وتولية افلح انف واستكبر ولم يقر بامامته ،ول دان بطاعته ،وانحاز بمن معه
الى موضع يقال له ( تيمتى ) فسلط اشياعه على الطعام ،وشن الغارات على رعايا المام ،واستباح
الموال ،واخرب الديار ،وقتل الرجال ،حتى قتل عدة من اصحابه ،يحسب انهم من رعية ابي عبيدة
عبد الحميد ،ثم عظمت صولته واشتدت شوكته حتى استمال كثيرا من الناس فمالوا اليه ،واكثر ميلهم
خصب جانب خلف ،وجذب حيز ابي عبيدة ،فكانوا معه طلبا لمعاشهم ورغبة في الدنيا وكانوا معه على
رأيه وبدعته .
ولما رأى قلة اصحاب ابي عبيدة وكثرة من معه من الضلل سولت له نفسه الخبيث انتهاز الفرصة
ومبادرة ابي عبيدة واصحابه ليستأصل شافتهم ،فجمع عساكره وتيمم أبا عبيدة فلما سمع به أبو عبيدة
أمر اصحابه بالخروج فخرجوا .فعسكر ببعد من الجبل ولما تدانى العسكران بعث خلف رعيل من خيله
نحو أربعمائه فارس ،فهم اصحاب عبد الحميد بأن يخرجوا إلى محاربتهم فمنهم عبد الحميد من ذلك
رقوبا ما عند المام ،وطلبا للسلمة ،فقصدت الخيل قرية يقال لها " ويدوف " من رعيته عبد الحميد،
فانتهبوا ما امكنهم من الموال وقتلوا ما قدروا عليه من الرجال وكان أكثر الخيل أخذه خلف واهل بيته
ومواليه ومماليكه .
فلما تحقق عبد الحميد بغيهم ولم يجد بدا من قتالهم امر أصحابه بقتالهم .فالتقوا وانهزمت خيل خلف
وقتل منهم عدد كثير .فاراد أصحاب عبد الحميد أتباعهم فناهم عن ذلك .واحسن السيرة ولما رأى خلف
ما أصاب اصحابه من الهزيمة والتقل ،كر راجعا إلى الموضوع الذي منه خرج وهو موضع يقال له
تيمتى فأقام به ،ورجع عبد الحميد إلى موضعه وأمر أصحابه بالرجوع إلى مواضعهم ،وظن ان القوم ل
يريدون بعد ذلك باسا ن ثم أرسل إلى خلف أذا ما فعلت فكن في حيزك ،واكون في حيزى ،وضع الحرب
فأبى خلف إل المحاربة وجعل يشن الغارات على رعية عبد الحميد ،وسلط عليها من يسومها أنواع
العذاب ل يألوا فسادا وقتل في الموال ،والنفس ،ثم أن خلفا أزدهى بكثرة من اجتمع له العدد ،فأمر
أبو عبيده اصحابه بالخروج ،فخرجوا وهم في عدد قليل ،ولكنهم أهل بصائر يموتون على ما بايديهم
من الحق .ل يأسفون على ما فاتهم من دنياهم ول يعدون زايدا ال تقوى بهم ،ول مطلبا ال ما يقدمونه
لخراهم .وقد اختلف في عددهم فقيل سبعمائة وقيل عدد اصحاب بدر ثلثماءة وثلثة عشر ،فاقبل خلف
بمن اجتمع له وقد غره بال الغرور ،ولم يدر ( ان ال مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ) فجاء في
أربعة آلف فارس فارسل الىابي عبيدة رسولين بخلع ولية افلح ويقر له بالولية ،فلما قدم رسوله
بذلك الىابي عبيدة حاجهم ابو عبيدة في امر الئمة ،فقال :هل احدث افلح أو أبوه في السلم حدثا يحل
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
لكما معه خلع وليتهما ؟ واحتج عليهم بطاعة السمح لعبد الوهاب رحمه ال ،فاعتل بانقطاع
الحوازات ،فقال لهما :السمح قد اقر بطاعته عى اختلف الحوازات ،فقال له احدهما انا نخاف ان لم
نجب الى طاعة هذا الرجل هراقة الدماء ،فقال ابو عبيدة :ايهما اعظم هراقة الدماء ام الترك للقيام بدين
ال تعالى ؟ فقال له الرجل :هراقة الدماء اعظم ،قال له عبد الحميد :لو كان المر كما ذكرت ما افترق
اصحاب النهراوان وغيرهم ،واصحاب النخيلة ،وابو بلل واصحابه وعبدال بن يحيى ،وابو حمزة
واصحابهما ،وابو الخطاب ومن معه ،وابو حام ومن تبعه ،ولذعنوا للطاعة دون هراقة الدماء ،انما
قاتلوا وقتلوا في القيام بدين ال ،ولم ينكلوا خوفا من اراقة الدماء بل قد بذلوا مهجتهم ،مجاهدين على
آثارهم خير متقدمين ،ل نبغى عنهم بدل ول عنهم حول .فمن حاول منا غير ذلك فال يحكم بيننا وهو
خير الحاكمين ،ثم قال للرسولين :فان استعظمتم هراقة الدماء ،فارجعا الى صاحبكما فقول له :ان هذا
يوم الخميس فدعونا ،فاذا كان غدا يوم الجمعة نصوم ل تعالى ونطلع ،أنا ،وهو ،وابو المنيف
اسماعيل بن درار ،فنبتهل فنجعل لعنة ال على الظالمين ،ونسأل ال ربنا ان يفتح بيننا وهو خير
الفاتحين .
فرجع الرسولن الى خلف فاخبراه بما جرى بينهما وبين ابي عبيدة من القول فامر خلف عساكره
بالتهيء للقاء ابي عبيدة ،فلما قرب عسكره عسكر ابي عبيدة ،تقدم رجل من اصحاب خلف ممن يرى
تصويب ابي عبيدة ،واصحابه تميل نفسه اليهم ويشفق عليهم ،فقال لبي عبيدة :تنح باصحابك
الىسفح الجبل فان كانت الدائرة لكم ادركتم ما رجوتم ،وامنتم ما خفتم ،وان تكن عليكم كنتم في حصن
ول يضركم ذلك .فقال ابو عبيدة لصحابه هذه نصيحة قد اخرجها ال من عدوكم وعدوه ،فامر اصحابه
بالتنحي ،واسندوا ظهورهم الى جبل فظن خلف ان ذلك على جبن وهلع فقدم سرعان خيله ،ورعيان
رجله ،فلما جاء والعساكر على اثره ،وغشوا ابا عبيدة دعا ابو عبيدة بوضوء فتوضأ مستترا برجال ،
وصلى ركعتين وابتهل وتضرع الى ال تعالى عز وجل ،وسأل ان يقل شوكتهم وقال ( :يا من لم اعرض
عنه منذ استقبلت أمره ل تفرق هذه العصابة على يدي ) وبلغنا ان رجل من اصحاب خلف دنا من عسكر
ابي عبيدة فقال لرجل منهم ما الذي أوقفكم ؟ قال وقفنا ندععو ال ،فقال الخلفي فما بال السلح ،فقال
للدفاع في سبيل ال ،قال من تدفعون ؟ فقال :ندفع من بغى علينا ،فقال له آخر من اصحاب ابي عبيدة
لصاحبه مالك النت له القول؟ فقال له :طمعا في الصلح ورغبة في تأخير بعض الشر ،يا اخي ،ثم تدانى
القوم بعضهم من بعض ،فاقتتلوا قتال شديدا ،وذلك في عشية الخميس الثالث عشر من رجب سنة
احدى عشرة ومائتين ،قال وكان في عسكر ابي عبيدة رجل شجاع ،حاذق بالطعن يقال له البعاس ،ولد
ايوب بن العباس ،فنظر اليه ابو عبيدة فرآه يضرب يمينا وشمال ،وقد حمى الميمنة والميسرة والقلب ،
فقال ابو عبيدة وقد ركزه اه لحمي المعقبات ،وقاه ال نار العقاب ،وذكر عن العباس انه ضرب رجل
بسيفه فأطار رأسه ،وقال العباس للرأس :الى النار وقال الراس :وبئس المصير ،وكان ممن يكثر
النسك والجتهاد قبل ذلك ،فقال العباس :هذا جسد كنت ادعوا له بالجنة زمانا ،وانه لمن وقود النار ،
انا ل وانا اليه راجعون ،نسأل ال خواتم الخير .
ثم انهزم اصحاب خلف واسرع القتل فيهم ،فقتل منهم عدد كثير ،فأمر أبو عبيدة اصحابه ان ل يتبعوا
مدبرا ،ول يجهزوا على جريح ،واحسن فيهم السيرة ،فانحاز خلف وبقية اصحابه الى الموضع الذي
يقال له تيمتي ،وامر باخراج جميع من فيها من نفوسة ،واجلهم ثلثة أيام ،وقال من وجد فيها بعد
الثلثة ايام فمهدور الدم ،وباخراج اليتامى ،والرامل ،ومن ل ذنب له ،فخرجوا من ديارهم كرها .
ولما رأى اصحابه ما نزل بهم من خسار الدين والدنيا ،تفرقوا عنه ال قليل منهم .
ثم سار من تفرق عنه منهم يقرأون على أبي عبيدة السلم ،تائبين ،فمن جاء منهم قبل توبته ،فاوهن
ال شوكة خلف فلم تكن له بعد ذلك حركة ثم مات في زيغه ثم ابنه مات ،ولم تكن له حركة .ثم ولد ابن
خلف بعدهما فانحاز الى جزيرة جربة وما جاورها ،وسنذكر خبره اذا وصلنا اليه ان شاء ال .
ثم ان المام افلح رحمه ال تمكن في امامته واستقامت له الحوال واستقامت به ،ولم يبق في ايامه بعد
خلف منازع ول في جهاته طالع ،وبلغنا انه كان في العلوم متفقها وعلى انواعه متطلعا ،ولقد ذكر انه
كان يجلس لربع حلق وذلك قبل بلوغه الحلم .وقام أبو عبيدة على ما وله المام ملزما طاعة ال
وحفظ ما اوجب عليه حفظه ،من حدود ال وحقوق رعيته الى ان توفي رحمه ال .ثم استعمل المام
رحمه ال العباس على ما كان عليه عبد الحميد ،فأحسن السيرة وعامل رعيته بما عاملها به اب عبيدة
عبد الحميد من الرفق والحنان والعدل والحسان الى ان توفي العباس رحمه ال .
حدث غير واحد م اصحابنا ان المام رضي ال عنه استعمل على قنطنار ابا يونس وسيم بن يونيس
النفوسي ،فولى قنطنار وما ولها ،فاحسن السيرة .ووسيم هذا من نفوسة الجبل ،ومنها خرج تحرجا
من تباعات الناس ،وذلك انه كان له اماء يحتطبن من غير املكه ،فخرج ذات مرة لما شعر بذلك فوجد
الواضع التي يحتطبن منها قد دمرت وتهدمت جسورها ،لستنقاع الماء بها لماصنع المام فلم ير
السلمة ال في الهروب بدينه ،فوله المام قنطنار لما علم من صلحيته وورعه ،وكان له ابن اسمه
سعد ،وكان ذا فهم وذكاء ،فسار سعد الى تاهرت ليطلب العلم بها فكان هو ونفاث بن نصر يحضران معا
مجالس المام رحمه ال ،يقرآن عليه ،فكان كل واحد منهما يجتهد ويجهد نفسه في دراسة العلم ،حتى
حصل ما رأيا فيه مقنعا ،وتشوقا الى بلدهما ،وذلك بعد وفاة وسيم ،فخرجا متوجهين الى بلدهما ،
وكان المام لما بلغه موت ابي يونس عازما على استعمال عامل يلي جهات قنطنار ،فنظر في ذلك فلم ير
له اهل ال سعدا لما تحققه من صلحيته واختبره من حسن حاله ،فكتب كتابا باستعمال سعد ،فطواه ،
وختم عليه بخاتمه ،وأودعهما اياه ،ولم يعلمهما أيهما العامل وقال لهما حين دفعه اليهما :ل تفكاه حتى
تصل قنطنار .
فسار فلما كان ببعض الطريق غلب الشره على نفاث فاستخفه حب الرئاسه ،فاستغل سعدا وتخلف الى
رحلهما ،فقص خاتم الكتاب وقرأه ،فوجد سعدا هو العامل ،فظنت نفسه الظنون ،واعتقد العداوة
واضمر الغش لستمال المام سعدا دونه ،ولما وصل قنطنار قرأ بها كتاب المام ،فسمع أهلها واطاعا
فاقام سعد واليا عليهم ،محسنا للسيرة ،عامل بطاعة ال عز وجل ،وتمادى نفاث الى بالده ،فسئل عن
المام واحواله ،فاظهر الطعن فيه ،وقال انه اضاع امور المسلمين ويزيد في الخلقة اذا مشى ،ويلبس
الطرطور ،ويخرج الى الصيد ن ويصلى بالشبور( ، ) 1فبلغ المام طعنه فيه ،وارسل المام اليه بان
يحضره بما نقم عليه فقا لن كان ما تقول حقا قبلنا ورجعنا اليه ،وان كان باطل فاءة ،وهذه الكلمة فيها
معنى الوعيد ،فلما بلغ ذلك نفاثا ،قال ايه من السلطان هو القتل .
وله مسائل انتحلها ل اصل لها منها زعمه ان الخطبة بدعة ومنها قوله ان ابن الخ الشقيق أولى
بالميراث من الخوة للب ،وانهم يحجبونهم ،ولما انتشر ذلك عنه وسمعه مشائخ أهل الدعوة ن قالوا
لو لم يكن له جرم ال فتياه هذه لكان بها أهل للضلل ،فكيف والضلل محيط به في جميع الحوال ،فمن
مذموم احواله ما بلغنا انه دخل قرية وجاء الى دار رجل من اهلها فلم يجده فانصرف ،فلما اتى صاحب
الدار اعلمه اهله بمجئ نفاث يسأل عنه ،فابتدر الرجل وكب دابته وخرج يطلب نفاثا ،ليرجع الى
مذهبه ،فسار الى الليل فادرك نفاثا يعاتب نفسه ويقول :ضللت وأضللت يا نفاث ،فمحمد الرجل ربه
ورجع الىاهله ،واقام على مذهب اهل الحق ،وبلغنا ان ابن اخت لنفاث اتاه فقال له :عبر لى رؤيا
رأيتها ،رأيت رجل جمع شعيرا فجعله صبرة كبيرة فرقى سنور اعلها ،فقال له ذلك رجل جمع علوما
فاستولى عليه الشيطان ،فقال انت هو الرجل يا خالي .
وبلغنا انه بلغ عظيما في تحصيل العلوم واوتي فهما ،ال انه فسد ذلك بما طبع عليه من الحسد ،وغلب
عليه من حب الخوض في غمرات الدنيا ،فم فهمه ان امرأة سألته عن بيض طاهر طبخ في ماء نجس ،
هل سنجس البيض ام ل ،فقال لها قفى مكانك حتى اخرج اليك ،فدخل الدار واخذ نيلجا فجعله في ماء ،
وطبخ فيه بيضا حتى نضج ،فلما قشر البيضة وجد لون النيلج قد خلط الى داخل البيضة ،فعلم ان القشر
ل يمنع النجس فخرج الى المرأة ،فأعلمها ان البيض غير طاهر .وبلغنا ان سعدا خرج في اثر نفاث
ليتلفى أهل جبل نفوسة ،قبل استفساد نفاث نثم شرع في بناء دار مجاورة لنفاث وجعل اخوانه يحسنون
عونه في البناء ،وفي اثناء ذلك لم يزل نفاث يلزم العمل معه بيده ،وكان يحسن صناعة البناء فكلما
رأىذلك منه خاف توهم النفوسيين انه راض عن نفاث ،فكان يقول له بمحضر جمعهم الى متى انت مقيم
على كفرك يا نفاث ؟ فقال معاذ ال من الكفر( )2يا شيخ فاذا خل سعد باصحابه قاله لهم ،ما كان جزاء
من يحسن عوني ان اعامله بقبح من القول ،ول ان اقابله ال يحسن عوني ان اعامله بقبح من القول ،
ول ان اقابله ال بالكرام ،وانما خفت ان يراه معي اهل الموضع فيحسنون به الظن ويجد سبيل الى
فتنتهم .
وذكر عن نفاث انه توجه الى ارض الشرق ووصل بغداد ومكث فيها زمانا وكان يستأنس برجل من أهل
بغداد ،ويجالسه وبينما هما ذات يوم جالسان ،اذ سمع نفاث مناديا ينادي فقال لصاحبه ما هذا ؟ فقال
مسألة وقعت في مجلس امير المؤمنين ،فمن اجابه عنه فله سؤاله ،ومناه فقال له نفاث انا اجيب امير
المؤمنين عن مسألته ،فقال له صاحبه اخشى عليك من القتل ان لم تجبه بعد تكلفك بالجواب .فقال له بل
اجيبه عن كل ما سأل .
فاجتاز به خدمة السلطان فسأله عن احواله ،وبلديه ونسبه ومولده ،فقال له نفاث :يا أمير المؤمنين أنا
رجل من البربر والبربر ل أدب عندهم فان رأى أمير المؤمنين الصفح عن العبد ان أساء والتجاوز عنه
ان بدا منه الجفاء فعل ؟ فقال له السلطان :قل ما بدا لك فسأله السلطان عن المسألة فاجاب عنها ،ثم
سأله عن مسألة أخرى فاجاب ،ثم سأله عن اخرى فاجاب ،وذلك بمحضر الفقهاء الكابر من أهل
بغداد ،فطفق كل منهم يسأله فيجيب حتى نفذ السؤال فلم يقف عن جواب .فنظر اليه السلطان نظرة
مزدر برثاثة حالة على ما اوتى من العلم ،فقال نعم العسل في ظرف سوء ،ففطن به نفاث ،فقال
معرضا :ونعم الرجل في قبر سوء ،يعني ديوان جابر بن زيد رحمه ال فانى في خزانة السلطان ل
ينتفع به احد ،فغضب السلطان لذلك وهم به .وتذكر ما قدم من اذنه في ان يقول ما شاء ،فامسك ،ثم
انه قال له :سل حاجتك ن فقال ل حاجتى ان تهب لي ديوان جاب بن زيد رحمه ال لستنسخه ،فاجابه
السلطان الى ذلك .فلما خرج نفاث قال للسلطان بعض وزرائه ،يا أمير هذا ديوان معدوم غير موجودا
ال في خزانتك ن فكيف تسمح لسواك فيخرجه فيصير في غير خزانتك ،وفي غير بلدك ،ويزداد به هذا
المغربي فخامة .ما هذا براي ،فقال لهم انى قد وعدت الرجل ومثلى ل ينبغي له ان يخالف وعدا ،فما
الحيلة فاشار عليه احدهم ان يخيره في يوم وليلة مقبلة من ايام اقامته فينسخ فيهما ما قدر عليه ،ففعل
فاختار يوما وليلة واعلمه بهما ثم اعد جميع ما قد رأى ان فيه كفاية ،من حبر واقلم مبرية ،وورق
وكاغد واستأجر جماعة من الوراقين .فلما كان اليوم الذي عزم فيه على أخذ الديوان وقد هيأ كل ما
يحتاج الي ،فرق الديوان على الوراقين ،وجعل لكل ناسخ دينارا ولكل ممل نصف دينار دينار ،فلما كان
آخر النهار استدعى آخرين ،وجعل لكل ناسخ دينارين ،ولكل ممل دينارا فالجرة الولي على عمل
النهار ،والخرى على عمل الليل ،فما انقضى الليل آل والديوان كله قد كمل نسخه ،آل سفرا واحد .فجاءه
رسول السلطان يطلب الديوان ،فدفعه الى من تناوله له ،أبقى في يديه السفر الذي لم ينسخه ،فشقه في
مجلس السلطان مرة واحده فحفظه كله ،فاعلم السلطان بذلك أمر بامتحانه فاخذ منه الكتاب فقراه سردا
بل نظر ،فعجب السلطان بذلك ،ففصل نفاث من مجلسه أمل السفر على من نسخه فكمل له الديوان ،
وأعملت الحيلة في القبض عليه .واعمل هو حيله في التخلص ،وسلك طريقا مجهولة ،حتى نفذ الى بلده
ومعه الديوان ،قيل بأنه سبعة أحمال .فلما وصل إلى بلد طرابلس وجد أصحابه الذين ضلو لضللته قد
قلوا وضعفوا ،فساء ظنه وخشى ان اظهر الديوان تكون جماعة اهل الدعوة هم المنتفعون به ،فلم تسمح
نفسه الخبيثه باظهاره ،فحفر حفره ودفن فيها الديوان بحيث ل يعلم له موضع ،ففقد الى يومنا هذا ،
ومات نفاث وكان بدء امره نفاقا وكفرا وعاقبته حسدا،فنعوذ بال من علم ل ينفع وعمل للكلم الطيب ل
يرفع ،ولم يبق ببلدنا من يقول بقول نفاث وينصر حجته ال فريق من مطماطة فمنهم من بالجملة ومنهم
بالجمل واليه ينسبون ،فيقال لهم النفاثية ،فوقى ال المامة شره ،ودحض عزه .
واقام المام رحمه ال بتاهرت سالمة ايامه من الشوائب متصفا بجميل الخير وحميد المناقب ،رادعا لكل
باغ وظالم ل تاخذه في ال لومة لئم ،الى ان توفي رحمه ال عليه .وكانت مدة امامته ستين سنه .
فولى بعده ابنه ابو بكر وكان ابنه محمد غائبا بارض المشرق لقضاء فريضة الحج فدل عليه واخذ بمكه
وحمل الى بغداد وسجن بها حينا ،ثم اطلق واحسنت جائزته .فتوجه يريد المغرب ،فزعموا انه لما
انفصل من بغداد كان ببغداد من اهل التعديل من اعلمهم انه سوف تكون له وليه ،فجدوا في طلبه
يريدون به شرا ،فنجاه ال من شرهم ووصل الى تاهرت فوجد اهلها مجتمعين في أمر ابي بكرلما بينه
وبين ابن عرفة .وذلك ان ابن عرفة من اعيان اهل تاهرت فكانت بينه وبين ابي بكر مواقعه افضت
الىحرب وكاد الفتراق ان يقع والفتن ل ترفع بينهما ،فبينما الناس في ذلك اذ اصبح ابن عرفة قتيل.
فنسب الى ابي بكر وهذا ما منع من وقوع التفاق على طاعته ،فلما يسر ال بقدوم محمد كان رافعا
للخلف ،وقاطعا لقبائح الوصاف فاعتزل ابو بكر الولية وانسلخ منها .ولم يجد الناس لمحمد محيدا
عنها ،فعقدوا له بيعة ،والتزموا سمعه وطاعته.
-----------------------------------------
حدث غير واحد من اصحابنا ان محمدا بن افلح اجمعت على توليته جماعة المسلمين ،فولوه على
انفسهم فلم يختلف عليه اثنان ،وبلغ الغايه فى العدل والفضل والقتداء بمن سلفه ،فكانت نفوسه فيما
قيل ل يعدلون ايامه وسيرته ال بايام جده عبد الرحمن وسيرته ال بايام جده عبد الرحمن وسيرته وذلك
انهم اتخذوا مجلسه حينئذ كالمسجد ،فطائفه يصلون ،وطائفه يقرأون الكتاب ،وطائفة يتذاكرونفي فنون
العلم ،ومكث في امامته اربعين سنة على هذا الحال ،محمود السيره مجتهدا في الصلح قائما بالحق
قاضيا بالعدل الى ان علت سنة ورق عظمه ،وتوفي رحمه ال ،وله تاليف في الرد على اهل الخلف ل
يشق فيها غباره ول تياره ،فولى ابنه يوسف ابن محمدا بن افلح رحمه ال .
ولما مات محمد رحمه ال ولى ابنه يوسف ،فمكث في المامه اثنى عشر سنة ،وقد اطردت له المور ،
وكان عامله على جبل نفوسه ابا منصور الياس على ما كان علية في ايام ابيه ،وايام جده ،وكان قاضية
اذ ذاك عمروس فتح رحمة ال وكان عالما كبيرا وله تواليف تأليف في الصول والفروع .وكان قد عزم
على ان يؤلف تأليفاً مرضيا على ثلثة قواعد :الكتاب ،والسنة ،والرأى ،ويجعل كل قاعدة بمعزل فادركه
اجله عجل قبل تأليفه " فانا ل وانا اليه راجعون " ،وفي ايام يوسف كان طلب أبى منصور ولد ابن
خلف على ما سيأتي ذكره .وذلك ان ابا منصور كان فاضل مستجاب الدعاء ،اذ كرامات ،ذكر عنه انه اذا
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
خرج في عسكر ركب بغله وكان ل يتقي النبال ،وكانت النبال تتحادى عنه وعن بغلته يمينا وشمال ،
وهو مقتحم الحروب ،ل يقع شئ منها عليه ول عليها ،قلت ولعل ركوبه البغلة لن ينشط العامة،
ويشجعهم ولن يعلموا انه ل يحدث نفسه بفرار فيتاسوه به ،وان كانت البغله ليست بمركوب لقتحم
الحروب .
وحديث يعقوب بن ابى يعقوب ان ابا منصور رحمه ال حرج فى طلب ولد ابن خلف فى اخر ولية
الرستميين وقد هرب منه وسار الى زواغة والتأمت رواغة .واجمعوا أن يمنعوه ،وكانوا على مذهب
ابيه فسمعوا قوله واطاعوه واقبلوا مجيبين دعوته إلى أن من ال عليهم بأبي منصور فردهم عن
مذهبه ،إلى مذهب الحق حسبما يأتي ذكره أن شاء ال ،قال فسار أبو منصور بعسكر من نفوسة فلما
وصل ريضة بخارج جزيرة جربة وجد بها جموع زواغة ،في اعداد كثيرة محدقين على ولد ابن خلف ،
عازمين على منعه من ابي منصور ،قال :فقام فيهم شيخ من بني يوراسن يقال ابو سلمة ،فقال :يا
معشر زواغة عندي لكم نصيحة ،وذلك أن تختاروا واحدة من ثلثة اما ان تتركوا بادية زيرة ،وتدخلوا
جزيرة جربة فتمتنعوا باخوتكم وتمنعوا صاحبكم ،واما ان ترسلوا وفدا الى المام ،فترغبوا اليه في ان
يفردكم بعامل ،فتخرجوا من طاعة نفوسة ،فل يكون لهم عليكم سبيل .واما ان تدفعوا لي ابن خلف
فانطلق به الى نفوسة تحت امان وانا كفيل بسلمته ،وانهم ل يخرجون فيه عن قانون الحق ،فلما
سمعت زواغة مقالته قام رجل من عامتهم فقال ما اراد هذا اليوراسنى ال اليقاع بخليفتنا ،فقال ابو
سلمة :كيف قلت ؟ فابتدر الجواب رجل من علمائهم ،فقال اعرض عنه يا ابا سلمة ،فأنه جاهل ،
فقال قد اعرضت عنه ،وقام منصرفا عن محفلهم .
ثم ان زواغة اجتمعت على مناصبة ابي منصور فناجزهم القتال فاقتتلوا قتال شديدا ،فانهزمت زواغة ،
وكان اكثر شجر الريضة قريب عهد بالنشاء ،وكانوا لما غرسوه حفوه باعواد اثبتوها في حفر ووصلوا
ما بينها بالحبال لترد عنها الوحش لئل يفسدها ،فاكثر تلك الرض على هذه الصفة ،فلما خرج القوم
اعترضتهم تلك الجبال ،فكلما راموا مهربا وطلبوا ملجأ حالت الحبال بينهم وبين ما يطلبون ،فطفق
اصحاب ابى منصور يقتلونهم في كل مكان ،حتى مات منهم عدد كثير ،فرجع عنهم .واجتمع من ابقته
الوقيعة منهم فلجأوا الى جزيرة جربة واستجار ولد ابن خلف برجل من زواعة يقال له معقل من بنى
تامستاوت ،فادخله في قصر من قصور جربة ،يقال له غردان فسار اليهم أبو منصور بعسكره ،فلما دنا
من جزيرة جربه وجه رجل من بنى يراس الى الزواغى مجير ولد ابن خلف ،وارسل معه مائة دينار
مصارفة ،ودخل الرجل جربة فلما وصل الى الزواغى سلم عليه وجعل يصافحه ويصب الدنانير من كمه
الى كم الزواغى فلما أحس بالدنانير جعل يسأله عن أحوال الشيخ ويقول له :لو اتيت الى اولدنا لدفعناهم
اليك .وكان ابو منصور رحمه ال لما قدم الى جربة وصل اليها بعد ثلثة أو قريبا منها لن من سيرته اذا
كان مرتحل بعسكره وحضر وقت الصلة نقر في الطبل فيقف أول العسكر وآخره ثم ينزل فيصلى بهم ،
فاذا صلوا ارتحلوا .وكان هذا دأبه فهو سبب مهله في السير ،فلما حل بهم أبو منصور تقدم الى معقل
ولد ابن خلف ،فقال :انزل ايها المير فقد طالما ارملت نساء زواغة ،فقال ولد ابن خلف ليتكم لم
تسمونى اميرا وناداهم نداء فيه جفاء ،قال فدفعوه الى ابى منص 2ور فساد به ولم يكن بجزبة حينئذ
حركة ول قتال ،فاحتمل ولد ابن خلف الى الجبل فسجنوه هنالك ،ولم يزل مسجونا حتى نزلت عنده
نازلة في قطع رجل لص ،فاختلفوا فيها فاحتاجوا اليه ،فانه ،كان عالما فتوجهوا نحوه وسألوه من أين
تقطع رجل السارق فافتاهم بانها تقطع دون العقب ،فقال عند ذلك مقالة جابر بن زيد لما استفتى فى
السجن وخبره مشهور وسيأتي ذكره ،وقد ذكر بعض اصحابنا ان الفتى تاب ورجع الى مذهب أهل الحق ،
وحسنت حاله ،ثم ان أبا منصور توفي رحمه ال وولى مكانه افلح بن العباس بنفوسة من قبل المام فكان
حدث غير واحد من اصحابنا ان نفوسة كانوا اطوع رعيا بالدولة الرستمية وأكثرها عونا على الخير
وأشدها بأسا في النصر على العداء ،وفي ذلك يقول المام رحمه ال :انما قام هذا الدين بنفوس نفوسة
وأموال مزاته ،وانشهر الصيت على نفوسة حتى اشتهر في بلد المشرق عند سلوك المسودة ،لمكتبات
أهل بلد القيروان وأهل طرابلس وغيرها من بلد المغرب التي انتشرت بها دعوتهم ،واستقامت بها
مملكتهم ،وبهم ظهروا على من سواهم وكان ذلك في أيام المتوكل ببغداد.
فلما تواترت الكتب اليه من الجهات الغربيه ان دعوة الرستميين قد تمت وأيامهم قد استقامت ل ينازعهم
فيها منازع ول يدافعهم عنا مدافع ،ويستنفرون من عنده جيشا ينتظم به اليهم ملك طرابلس والمغرب
فاهتز لذلك وتحرك اليه خاطره ،فوجه عسكرا الى المغرب وأمر عليه ابراهيم بن احمد بن بني الغلب
فتوجه ابراهيم بعسكره الى المغرب قاصدا تاهرت ،فلما قرب من طرابلس سمعت بخبره نفوسة فاجتمعوا،
واجتمع رأيهم على ان يتركواه وما اراده من المسير الى تاهرت ،دون ان يناصبوه .فاتصل به ما عزموا
عليه ،فوجه اليهم ان اتركوا الي ساحل البحر مقدار نشر عمامتي لجتاز فيه انا ومن معي ،فأبوا من
ذلك فلما رأى ابراهيم ان ل بد من رجوعه الى المشرق أو مناصبتهم عزم على لقائهم ،فقال لصحابه:
خذوا اسلحتكم وشمروا وجوزوا على الساحل و ل تتعرضوا لهؤلء القوم فان تركونا و طريقنا . . .وال
قاتلناهم ،فبلغ نفوسة ما عزم عليه ابراهيم ،فقال بعضهم دعوا هذا الرجل يجتاز ول تتعرضوا له بشيء،
فأبى الكثرون ذلك وكان ممن كره تعرضهم يعد بن ابي يونس وأشار بالكف عنهم ،فقال له بعض العامة:
يا سعد تشوقت الى شداخ قنطنار فجزعت من القتل في سبيل ال .فقال لهم يا قوم ليس في ما تقولون،
ولكن خشيت ان تذبح البقرة فيتبعها عجلها -يعني بالبقرة نفوسة وبالعجل قنطنار -ثم خرجوا الى العسكر
يمنعونه السلوك الى المغرب .فلحقوه بموضع يقال له مانو ،وهو قصر على ساحل البحر من ابنية المم
السالفة فاقتتلوا قتال شديدا لم ير أشد منه بالمغرب فى ذلك العصر فخرج رجل من عسكر المشرق يطلب
المبارزة من عسكر نفوسة فلم يخرج اليه احد القتله ،فأراد الخروج اليه افلح بن العباس وهو امير
الجيش ،فأبى ذلك أصحابه فقال لبد من ذلك فخرج اليه فقتله افلح واشتد بينهم واسرع القتل في الفريقين
وكثر القتل والجراح في نفوسة حتى هموا بألنهزام ،فلما رأى ذلك افلح أمر أمر صاحب البند ان يركزه
في الرض حتى لينهزم احد على البند ،فأبى صاحب البند من ذلك .ثم اقتتلوا مليا ،ثم رجع فقال اركز
البند فأبى فقال لبد ان تحفر للبند فتركزه فقال له صاحب البند انى قد امسكته مع جدك ومع ابيك ومع
اخيك ،ولم يأمرنى احد منهم بأن احفر له ،وها انا حفرت له حفر ال لك .فلما ركزه فى الحفرة ،ولى
أفلح منهزما وتركهم يلوذون به ،ولم يستجيزوا ان ينهزموا ويتركوا البند قلئما ،فقتل منهم بشر كثير .
وقد كان أفلح فيما بلفنا قد كره خروجهم الى ابراهيم ،وقتالهم اياه ،ولذلك فعل بهم ما فعل .ثم ان رجل
من ذوى البصيرة فى دين ال ردد بصره في البند فرآه قائما والناس يلوذون به ويصرعون حوله فعمد
اليه وقال انى لرى انك لم يبق لك حظ في النصر ،وانك منهزم ،فضربه بسيقه فسيط .فلما رأى من بقى
من عسكر أفلح ان البند قد سقط ولوا مدبرين ،فافلت من افلت منهم .فذكر من يوثق به ان عدة القيلى
اثنا عشر ألفا ،فمن نفوسة يومئذ اربعة آلف ومن سائر القبائل ثمانية آلف ،وكان في القتى اربعمائة
عالم ،ولم يبق بعدهم عالم يفتى في النوازل ال ابو القاسم البغطورى ،وعبدال بن الخير .ثم تلمذتها
بعدهما .وبلغنا ان عمروس ابن فتح كان في آخر العسكر وتحته فرس سابق وكان يحمى صاحبه ،فاذا
طلب لحق واذا طلب سبق ،فنصبوا له حبال واضطروه اليها ،فعثر به الفرس واخذ أسيرا.
ومضوا به الى ابراهيم بن أحمد ،فاشار الى عمروس بان يستعفى فيعفى عنه ،قال عمروس تلك كلمة ل
يسعها منى ،ولكن أسال ان ل تنزعوا عنى سروايلى هذا فانى أوقن بالهلك ،فجعلوا يقطعون اعضاءه
فقطعوه أنملة فأنملة ،فلما وصلوا بالقطع الى عضده استثهد رحمه ال .
ثم ان بقية نفوسة بعد الواقعة رجعوا الى جبل نفوسة فتحصنوا فيه ،وتشاوروا فى عزل أفلح بن العباس
وتولية له ابو بكر بن يوسف النفوسى ،رحمه ال ،ووحه اليه ،فأخذته رسله من تيزاج ،وهى قرية من
قراها ،فلما أخذوه سألهم الشيخ ان يدعوه حتى يركع ركعتين ،فتركوه فصلى واخذ فى الدعاء والتصرع
الى ال عز وجل ،فارسل ال عليهيم ريحا صرصرا ،فأظلمت الرض اشد من ظلمة الليل فحيل بينهم
وبين الشيخ مكفوف البصر ،ومضى الى تناوته ،وهم اهل القرية المعروفة بشيطان ،من قرى نفزاوة،
فنجاه ال من كيدهم.
ثم ان عدو ال توجه الى القيروان بالثمانين رحل الذين هم فى وثاقه ،من قنطنار ،وفيهم رجل يقال له
ابن تتيت مقطوعالعرقوب_ ولم تطلب نفسه بالهروب دون اذنهم _ فأذنوا له ،فسل رجله من القيد وهرب
.فأخذ اصحابه ،فقتلوا باجمعهم ،فكان ما ابقته من الضعف هذه الواقعة وما اتصل بها سببا لنقراض
الدعوة ،وذلك لن نفوسة كانوا عمدتها ،قامت بقيامهم ،وانقطعت لنقطاعهم ،فلما ضعفوا انتهكت
الحرمة .واستفزت المامة .حتى انقرضت حسبما ياتى ذكره.
نبدأ بنبد من أخبار عبيد ال ووقوعه بأرض المغرب وانتشار مذهب الشيعة بها ،وما يتصل بذلك من
الخبار التى ذكرها ،ويفتقر هذا الكتاب اليها ،حتى ل يخلو منها ،لرتباطها بشئ سلفنا
رأيت باستخارة ال ان اختزل اكثر ما ذكره الشيخ رحمه ال ،فى هذا الموضع ،لقلة فائدته ،واذكر منها
موضع الحاجة ،واستخلصه عن مقتضى ما ذكره "الرقيق" في تاريخ أفريقية ما تدعوا اليه الحاجة.
فاقول :عبيد ال هذا هو الذى يكنى ابا القاسم ،وسموه المهدى محمد ،وهو الذى يسمى :المام القائم
بن على بن موسى ابن جعفر بن محمد بن على بن الحسين ،بن على بن ابى طالب فيما ذكره الرقيق.
وقد ذكر الرقيق ان المهدى هو ابو محمد ،وانت الخليفة بعده ابنه القائم ابو القاسم محمد بن المهدى
وبعده ابنه المنصور اسماعيل بن بن القائم ،وبعده ابنه المعز،معد بن المنصور ،ومعد هو ابو تميم ،
وسيأتى ذكر شئ عنه فى اثناء أخبار هذا الكتاب .
وقد قال بعض الناسبين ،واصحاب التواريخ ان انتسابهم الى أهل البيت غير ثابت ،وكان هذا قد حصل به
شئ من علم الحدثان ،وكان يرى ان امره بعزلعة من ارض اليمن ،ومنها تفرق دعاتهم ،وان بأرض
المغرب تتم الدولة ،ويعم ذكرها ورأى بالعلمات ان ابا القاسم الحسين بن فرج بن حوشب الكوفى هو
الداعى باليمن ،الى ان انتشرت به الدعوة الشيعية وان عبدال الحسن بن احمد بن زكرياء الكوفى
المعروف بصاحب البدر هو الداعى بأرض المغرب ،فوجهه اليها وامره انيبدأ بلقاء ابى القاسم الداعى
باليمن ويتمنى سيرته ،وينتظر مخارج افعاله ،فيجتهد بها ،ففعل.
ثم خرج الى مكه فصادف بها جماعة من كتامة ،ممن حج تلك السنة ،وكان منهم من تقدم له شئ من
التشبع ،فصاحنهم حتى أنزلوه قلة ايكجان بنظر ميلة ،من بلد كتامة ،فلدلك قيل له الكجانى ،ثم انتقل الى
تاصروت ،
فأقام ببلد كتامة داعيا مدة سنتين ،تمكنت به الدعوة الشعبية ،وانتشرت فيما يليها من الجهات بعد ان
عبأ العساكر ،وكابر الحروب ،وقارع غير واحد من الغالبة،ة وقوي ،وافتتح البلد في أخبار تطول ،
وانما قصدنا من ذلك الختصار.
وفي اثناء هذه المدة توفى المام بالعراق ،وعهد الى ابنه المهدى عبيد ال ،فجاءته في الكتاب عبيد ال
يعلمه ان المور قد تمهدت ،او كادت ،فتوجه الى المغرب مجاهدا قاصدا سلجماسة ،فاجتاز في طريقه
على وأرجلن فاستخف به سفهاؤها ،وحتوا في وجهه التراب يقولون :هذا الذى جاء من الشرق يطلب
الملك ،وكان اشر الناس عليه أهل قصر بكر ،وكان عند وصوله حسبما يأتى ذكره حرق المسجد الكبير ،
وكان عند وصوله :غيلر فتطير بهذا السم .فتوجه الى سلجماسة فوجد صاحب سلجماسة اليسع بن
مدرار فأكرم مثواه ،وأسكنه عالية دار لرجل من أهل سلجماسة ساكن في اسفلها ،فلما كان ليلة من
الليالى رأى السلمجاسى في منامه كأن ثعبان عظيما فى داره مضطجعا ،فانتيه مذعورا ،فقص الرؤيا على
ضيفه من غير ان يعلمه انه الذى لرأها ،فقال له ان صح ما ذكرت فهذا ملك يملك المغرب والمشرق ،
فقبل يده وقالب :وال يا مولى انى رأيت الرؤيا وليس معى في دارى غيرك ،فازداد بذلك أنسا وازال
وحشه ،واقام بسجلماسة الى ان فتح ابو عبدال طبنة وبغاي وطرابلس والقيروان وقفصة وما يتخلل هذه
المدن من القرى ،واستولى على جميع افريقية ،واجلى عنها من كان فيها الغلبة ،فلما طاعت له البلد
واستقامت له المور عزم على المسير الى سلجلماسة في طلب المهدى عبيد ال فخرج ابو عبيد ال من
رقادة الى سجلماسة ،فاجتاز على تاهرت فكان منها ما كان من غدر بنى اليقظان بالمام يوسف بن
محمد بن افلح بن عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم رحمه ال ،وشكى من بتاهرت ونظائرها من
الشيعة والواصلية وغيرهم الى الشيعة أمارة الفرس ،وسألوه أن يستأصل شافتهم ،وخرجت دوس بنت
المام يوسف رحمه ال ،تشكو الى عبدال الشيعي غدر بني يقظان اباها ،ووعدته ان يتزوجها ان هو
أخذ لها ثار ابيها ،فجاءه فيمن جاءه من أهل الموضع ومعهم ابوهم ،فسأله ابو عبدال الكجاني من انت
؟ قال :أنا يقظان فقال بل انت حيران ،مالذي دعاكم الى قتل اميركم فاسلبتم ملكه ،واطفأتم نور السلم
بغير سبب ،والقيتم بأيديكم الينا بغير قتال ؟ ثم امر بهم فقتلوا جميعا ،ثم ان يعقوب بن المام وابنة اخيه
دوس خرجا في خفاء الى جهة وارجلن حتى نزلها وانما خرج بها خوفا من ابي عبدال الشيعي أن
يستنجز الوعد ،فطلبها فلم يجدها ،ودخل المدينه فانتهبها وانتهك حرمتها ،واجلى كثيرا من أهلها ،
وجعل اعزة اهلها اذلة .
وكان دخوله المدينة بالمان فلما دخلها غدر وقتل اهل بيت المامة من الرستميين واهل الملك وأهلك
الحرث والنسل ،فانقطعت المامة بموت المام يوسف رحمه ال ومن قتل معه ومن قتل بعد دخول
المدينة وذكر انه وجد صومعة مملوءة كتبا وهي المشتملة على ديوان تاهرت الذي يذكره العزابة ،
ي من الديوان اثر أصل .
فانتقى منه ما انتقى واحرق الباقي ،فلم يبق لش ْ
ولما علم عبيد ال بقدوم ابي عبد ال خرج ليلقاه وقد علم جميع الدعاة والقيادةانه صاحب الوقت ،وان
له يدعو بعد ما خاف عليه الغدر من ابن مدرار ،فلما قدم على عسكر ابي عبدال جاء معه ابنه القاسم
فقدم لهما ابو عبدال فرسين فركبا وحفت بهم العساكر ،ومشى عبيد ال والدعاة بين يديه وأبو عبد ال
يقول :هذا مولي ومولكم ،وابن ابنت رسول ال صلى ال عليه وسلم ،والذي كنتم تنتظرون ،وجميع
الناس يسمعون كلمه ،وعقدوا له البيعة فلما دخل افريقية وذلك في عام سبعة وتسعين ومائتين ،وقد
تمكنت دولته ،وجه عسكرا عظيما الى وارجلن ،فلما سمع اهله باقبال العسكر تحصنوا بالكدية
المعروفة بكريمة ،وهي كدية حصينة شاهقة بينها وبين وارجلن قدر ستة اميال ،فملوا مؤاجل بها
ماء ،واخرجوا ما قدروا عليه وما امكنهم ،فلما وصلهم العسكر دمر الديار وحاصروهم في الكدية ،
وطوق بها سبعة اطواق ،وهم بالمقام معهم ،حتى يهلكوا عطشا ،فقال لهم رجل ممن كان معهم ويقال
انه يهودي لعنه ال هاتوا قصاعا كبارا ،فملوها زيتا ،ونصبوها علىحرف((كريمة )) بحيث يراهم أهل
العسكر وجعلوا كانهم يمتجون الماء ويصبونها للجمال تشرب ،ومعهم جمال كثيرة وقد تمكن منها
العطش ،فجعلت الجمال كلما رأت القصاع مملوءة حسبتها ماء ،فقصدتها فكلما كرعت وجدته زيتا
فقنعت برؤوسها ،وتنفض مشافرها ،وتنشر بأنوفها ،فلما رأى ذلك اهل العسكر قالوا ما هذا ال عن
ماء جم ل تكنسه الدلء ففيم المقام ؟ وارتحلوا وقد كانوا حين انتهاب الديار وجدوا بيضة نعامة مملوءة
شعيرا فحملوها معهم فلما وصلوا رملة ايفران لحقهم رجل من وارجلن ممن اراد هلك المسلمين فواله
من العسكر ناس سدراتيون فقال لهم لم ارتحلتم عن القوم وليس معهم ماء ؟ وانما تلك حيلة احتالوها
عليكم ،فارجعوا فانكم ستظفرون فابتدره السدراتيون ،فقتلوه خوفا ان يسمع مقالته احد من أهل العسكر
.وانما فعلوا ذلك حمية لخوانهم وقبيلهم ان يظفر بهم اهل العسكر .وإنما فعلوا ذلك حمية لخوانهم
وقبيلهم أن يظفر بهم أهل العسكر ،ولما وصل أهل العسكر الى صاحبهم بالقيروان لمهم ،ونسب اليهم
التقصير ،فقالوا :كيف نقاتل حصنا هكذا ؟ ورشقوا رغيفا بأعلى ذرع طويل وهذه مطامرهم ،واخرجوا
له البيضة المملوءة شعيرا.
قالوا كيف نقاتل هؤلء وأي فائدة تفيد بقتالهم ؟ فنجاهم ال عز وجل .ويسر اسباب سلمتهم ،ولما
تمكن امر عبيد ال بالقيروان واستحكمت دولته بلغ عن ابي عبد ال انه عازم على غدره فلما تحقق ذلك
منه بذاته وبمن صافوه على ذلك من الكتاميين ،فقتلهم اجمعين ،وذلك في جمادى الثانية سنة 98ثمان
وتسعين ومائتين وسلم له ملك افريقية حتى قبض وولى بعده ابنة القاسم وفي ايامه ظهر ابو يزيد بن
كيداد اليفرني.
حدث بعض اصحابنا أن أبا يزيد رجل من بني يفرن وكان مسكنة بقلعة" سدادة " من تفيوس ،قلت أما
نسب سدادة فوهم أو غلط .وأن كان هذا النسب قد وقع أيضا ليس هكذا في كتاب الرقيق ،وإنما ذكر
اصلة من بني ويسيان توزر ،ثم نشأ بتفيوس وليس كذلك .انما كان مسكنة في منزل يلي جهة سدادة
وهو اليوم خال دارس في الجانب الغربي منه كانت مدرسة ابي يزيد على عين ماء ،هي معروفة بعين
النكارة الى يومنا هذا ،وعشيرته من أهل تطاوين ،وهم رهط "بني كندل" قال :وله حديث مع ابي
الربيع سليمان بن زرقون فى ابتداء اشغالهم بطلب العلم ورجوع ابي يزيد الى مكان مذهب النكارة وتركه
لمذهب الوهبية نستدركه في موضعه ان شاء ال ،وإنما قصدنا هنا أن نذكر قيامه على القاسم بن عبيد
ال ،وما أل إليه أمره فاول ما اوقع في نفسه القيام أنه لما توجه الى المشرق يريد الحج حين فراره من
عبيد ال لما طلبه ،فلما وصل الى مصر وقد حلق رأسه وقال له :غط رأسك أيها الثائر فلما سمعها ابو
يزيد وقع في نفسه ما وقع من ذلك فسار متوجها .فطولب في بعض البلد التي سلكها بمكس ،
فاستعظمه ولما رجع ووصل الى قرب جبل نفوسة فارقة من كان معه من أهل جبل نفوسه ،قاصدين
منازلهم .فقال لهم أبو يزيد :اقرأوا اخواننا السلم ،وقولوا لهم قد فاتنا منكم كثير وفاتكم منا كثير ،
وانه ليس ل علينا أن نشتري حجة ،يشير بهذا الى المكس الحقير الذي طولب به ،ويريد بهذه الرسالة
اختلف القلوب .
ثم سار حتى وصل موضعه بتقيوس ،فجعل النكار يجتمعون عليه في المكان المعروف به واطلع منهم
من اطلع على عزم من القيام حتى اشتهر خبره ،وفشى وسمع به ابن المهدي القاسم ،فكاتب والى
قسطالية بمطالبته والبحث عنه ،لنه كان يرى أن قائما يقوم عليه من زناته فيلقى منه شغبا ،وسمع من
علمات ابي يزيد ما دله على أنه الذي أنه الذي يقوم عليه.
فوجه اليه والى قسطالية من توزر فأخذ وسجن في توزر مكبول ،فطال مقامه في السجن حتى قنط
ويئس من السلمة واشتدت عليه أبواب الحيل .فبلغ خبره جماعة من النكار ،فتشاورا في أمره ،
فأجمعوا على أن يختاروا أربعة رجال أهل شدة ونجدة ،فساروا أخر النهار ودخلوا مدينة توزر ،فوقف
احدهم على باب المدينة وتقدم ثلثة الى السجن وكسروا بابه وقتلوا السجان ،واخرجوا جميع من في
السجن ،فاخرجوا صاحبهم في كبوله،فحمله أحد الثلثة على ظهره وجرد الخران سيوفهم ،فجعل
احدهما أمامة والخر وراءه فكل من قام اليهم قتلوه ،حتى خرجوا من المدينة ،فلم يتبعهم أحد .فلما
وصلوا موضعا بين الحامة وتوزر وهناك صخرة حطوه عليها ،وكسروا الكبول ،حتى أطلقوه ،
والصخرة معروفة بصخرة ابي يزيد الى اليوم ،فتوجهوا بصاحبهم الى صحراء سماطة قاصدين بني
درجين ،وكان بها حينئذ عدد كثير زهاء ثمانية عشر ألف فارس ،فيما ذكروا ورجوا أن يمنعوه فلم
يكترثوا به ،إذ كان غير المذهب.
فسار من عندهم مستخفيا حتى وصل جبل أوراس ،وكان عند اخوانه بالجبل مكرما ولم يزل البحث عنه
حتى علم موضعه فوجه اليه القاسم بن عبيد ال جيشا عظيما ،فحاصروه بجبل أوراس سبع سنين،
وبلغت نفوسهم التراقي حتى قال قائلهم لما نزل بهم ما نزل من البلوى والضرر ،وقال ":جبل ل يصعد ،
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
ومطر سكب ،وفتى مستقص ،وشيخ ل يثنى ونحن المبتلون" .ولما رأى القوم ما نزل بهم اتوا ابا يزيد،
وقالوا له قد رأيت ما نزل بنا من هلك هذا الفتى ،ول طاقة لنا بمدافعته ،ول صبر على أكثر مما أصابنا
من الضرر ،وهلك رجل واحد أيسر من هلك جماعة كبيرة ،فقال لهم ابو يزيد امهلوني هذه الليلة.
فلما اظلم الليل امر بخمسمائة ثور ،وان يشد بكل قرني ثور حزمة حلفا ،وفي ذنبه أخرى ،وأمر
بخمسمائة رجل من أصحابه من ذوي النجدة والبأس واخذوا سلحهم واستاق كل رجل منهم ثوراً ،حتى
اذا قربوا من العسكر أطلق كل رجل منهم نارا في حلفا ثوره فلما احست الثيران حرارة النيران ،ركضت
وخاضت العسكر ،والرجال في ساقتها بالسيوف مسلطة ،يضربون بها كل من ادركوه من أهل العسكر ،
وجعل ال ذلك سببا لهزيمة العسكر ،فانهزموا وابو يزيد وأصحابه يقتلونهم حتى قتلوا عددا كثيرا ،ولما
اصبح عرض أبو يزيد عسكره فعرض في اثنى عشر ألف فارس ممن صار اليه من عسكر الشيعة خاصة
ممن كان عدوه بالمس وسار في طلب عسكرهم ،فتسامعت به القبائل فجاءوة منكل مكان ،وطار إسمه
في الفاق فاجتمعت له عساكر عظيمة ،حتى عدوا في عسكرة ألف ألف أبلق فيما قيل ،ومعه جماعة
كبيرة من مزاتة فجعل يفتح المدن والقرى حتى افتتح الساحل كله،واقبل يريد قسطالية ،التي منها خرج
فافتتحها .فلما احس من نفسه قوة ورأى كثرة من معه ،قال له بعض عزابته الى متى ننتظر بثأر يزيد
بن فندين يومى الى امامهم المقتول بتاهرت ،فقال له أبو يزيد أن نحن تخلصنا وتفرغنا من نسج الكساء
اشتغلنا بفليه.
قال وكان حوله جماعة من مزاتة فيهم مسارة بن غني وهو يومئذ رأسهم فسمع مقالة أبي يزيد وفهم
المثل الذى ضربه ،فقال له :ل تظن أن الوهبية خرجوا معك فانهم في مساجدهم وانما خرجنا معك نحن
نشاركك في أكل هذه الميتة ،فدع ما تحدث به نفسك وال اقتتلنا قتال كلب الحي ،يريد بالميتة الموال
التي كانوا ينتهبونها ،ثم أنه سار يريد القاسم بالقيروان ،فكل مدينة وقرية مروا بها اخربها وسبي
النساء واستباح الموال ،كفعل نافع بن الزرق وغيره من الخوارج ،بل قد زاد عليهم ،وكان ينكر
عليه ،ويقول ان هذا لهو الخروج من الدين ،ولما رأى أبو يزيد ذلك منه خشي أن يفسد عليه قلوب
العامة ،فامر بقتله ليل ،فلم يعلم خبرة .فلما سمع القاسم باقبال ابي يزيد اليه بجنود ل قبل لهم بها خرج
من القيروان ،يريد المهدية وخلف على القيروان واليا من قبيلة.
فلما نزل أبو يزيد على القيروان حاصرها حصارا شديدا حتى أشرف أهلها على الهلك ،فانهب طائفة من
المدينة وحاز كثيرا من اطرافها ،والقوا اليه بايديهم ،وخرجوا باجمعهم ال قاضي المدينة ،فانه انحجز
في دار المارة بأموال جسيمة فوجه اليه أبو يزيد بان يخرج فأبى أن يخرج ال عن أمان فأمنه فلما خرج
شاور أبو يزيد في أمره وزراءه فقال أحدهم( وكان يكنى أبا عمارة ) ألم تعلم ما قال في كتاب كليلة
ودمنه؟ قال وما الذي قال؟ قال ( :ليس شيء اروح للقلب من قتل عدو ،وان بلغ في الضعف النهاية)
فامر ابو يزيد بقتله فقتل بعد أخذه بالمان ،واخذ جميع تلك الموال.
وذكر أن عدة ما خربت من القرى على يديه في أفريقية ثلثون ألف قرية ،وفعل في أفريقية من الفسوق
والفجور والعصيان وأنواع الفساد ما لم تفعله الفراعنة ول أحد من ملوك أهل الكفار.
وبلغنا أنه عوتب يوما على ما يفعله أهل عسكره من الفساد واستباحة المحارم ،فقال :وما كفر سليمان
ولكن الشياطين كفروا "وكان في هذه الحركات كلها يركب على حمار أوتي به من مصر ،فكان يعجز
الخيل أن مشى وعدا ،وبلغنا أن الشيخ أبا القاسم يزيد بن مخلد الوسياني رحمه ال قال يوما وقد وصف
له ما اخرب أبو يزيد من البلدان فذكر قومنا فقال لقد فتح فيهم أبو يزيد بابا ،أل أنه لم يحسن السيرة ،
وبلغنا أنه مر بعسكره على قابس درهم فامر بافسادها .فاقام عليهم مدة يدمر ويخرب ،فلما أراد
الرتحال عنها قومت بدرهم ،فصار يطالب أهل قابس بما بين القيمتين .وبلغنا أنه نزل الساحل فأخذ أهل
عسكره صبيتين جميلتين ،فجاءته أمهما شاكية ،فقالت له :ياشيخ أن العزابة أخذوا ابنتين سبوهما
وغصبوهما وهما حرتان فلم يجبها ،غير أنه قال :وهل في أفريقية حرة؟ فخافت المرأة على نفسها ،
فهربت ونجت بنفسها ،وبلغنا عنه أنه ل يبيت كل ليلة ال على اربع ابكار من بنات الحرار.
ثم أن أبا يزيد سار من القيروان يريد المهدية حتى نزلها وحاصر بها القاسم زمانا طويل وكان قد نزل
بالرملة التي بباب المدينة وبني حول المدينة مصلى هو اليوم معروف بمصلى أبي يزيد ،ولم يزل
محاصراً الى أن توفي القاسم وولى إبنه إسماعيل فسمع ،أهل العسكر بوفاة القاسم.