You are on page 1of 4

‫الجندر‪ :‬المفهوم والحقيقة والغاية‬

‫حسن حسين الوالي‪-‬غزة فلسطين‬


‫ل بين ُركَنين هاّمين من أركان إعمار هذا‬ ‫ق التكام َ‬ ‫خَلق ال ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬النسان ِمن َذَكر وُأنثى؛ ليحّق َ‬ ‫َ‬
‫ن وهذه الرض؛ قال ‪ -‬تعالى سبحانه ‪:-‬‬ ‫جلهما هذا الكو ُ‬ ‫عّمر بهما ومن أ ْ‬ ‫الكْون؛ بل هما الّركنان الساسّيان اللذان ُ‬
‫جَعُلوا‬
‫ل َت ْ‬
‫ت ِرْزًقا ّلُكْم َف َ‬
‫ن الّثَمَرا ِ‬
‫ج ِبِه ِم َ‬
‫خَر َ‬
‫سَماء َماء َفَأ ْ‬
‫ن ال ّ‬‫ل ِم َ‬
‫سَماء ِبَناًء َوَأنَز َ‬
‫شا َوال ّ‬
‫ض ِفَرا ً‬
‫لْر َ‬ ‫ل َلُكُم ا َ‬ ‫جَع َ‬
‫}اّلِذي َ‬
‫ن{ ]البقرة‪.[22 :‬‬ ‫ل َأنَداًدا َوَأنُتْم َتْعَلُمو َ‬
‫ِّ‬

‫سّنة الخلق‪ ،‬والسياق الكوني؛ بل هي حالة تنسجم مع ثنائية تعّم‬ ‫صة بالنسان تْعِزله عن ُ‬ ‫هذا التكاُمل ليس حالًة خا ّ‬
‫ت في هذا الكون‪ ،‬والتي يتحّقق بها التوازن والّتزان‪ ،‬فسبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز‪:‬‬ ‫وتشمل المخلوقا ِ‬
‫سّنة ال في هذا الكون‪،‬‬‫ج{ ]ق‪ ،[7 :‬وَتمضي ُ‬ ‫ج َبِهي ٍ‬
‫ل َزْو ٍ‬
‫ي َوَأنَبْتَنا ِفيَها ِمن ُك ّ‬
‫سَ‬‫ض َمَدْدَناَها َوَأْلَقْيَنا ِفيَها َرَوا ِ‬
‫لْر َ‬
‫}َوا َ‬
‫ت في هذا الكون الفسيح‪ ،‬الذي يحمل أعظَم المعاني على عظمة الخاِلق البارئ‬ ‫ل المخلوقا ِ‬ ‫لكّ‬ ‫وهي تكاد تعّم لتشم َ‬
‫المصّور سبحانه‪.‬‬

‫ل ِفيَها‬
‫جَع َ‬
‫ت َ‬
‫ل الّثَمَرا ِ‬
‫ن ُك ّ‬
‫ي َوَأْنَهاًرا َوِم ْ‬
‫سَ‬
‫ل ِفيَها َرَوا ِ‬
‫جَع َ‬ ‫ض َو َ‬ ‫لْر َ‬ ‫ل من قائل ‪َ} :-‬وُهَو اّلِذي َمّد ا َ‬ ‫الذي يقول ‪ -‬ج ّ‬
‫ن{ ]الرعد‪.[3 :‬‬ ‫ت ِلَقْوٍم َيَتَفّكُرو َ‬
‫لَيا ٍ‬
‫ك َ‬‫ن ِفي َذِل َ‬ ‫ل الّنَهاَر ِإ ّ‬
‫شي الّلْي َ‬
‫ن ُيْغ ِ‬
‫ن اْثَنْي ِ‬
‫جْي ِ‬
‫َزْو َ‬

‫ف الفسيولوجية‪ ،‬والبيولوجية والفيزيائية‬ ‫فهذه الثنائية الرائعة تمتّد‪ ،‬وتعّم وتشمل الوجوَد المادي‪ ،‬والوظائ َ‬
‫ل إلى أْرقى شكل من أشكال الوجود في هذا الكون‪ ،‬والذي يترّبع عليه النسان بمنظوماته‬ ‫للمخلوقات؛ وصو ً‬
‫ت الملئكة عن‬ ‫ب العالمين ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬بمعرفٍة عجز ِ‬ ‫الِقيمّية والجتماعية والثقافية‪ ،‬والتي تلّقاها من ر ّ‬
‫ن*‬
‫صاِدِقي َ‬
‫ن ُكنُتْم َ‬‫سَماء َهُؤلء ِإ ْ‬
‫عَلى اْلَملِئَكِة َفَقالَ َأنِبُئوِني ِبَأ ْ‬ ‫ضُهْم َ‬ ‫عَر َ‬ ‫سَماء ُكّلَها ُثّم َ‬ ‫لْ‬ ‫عّلَم آَدَم ا َ‬ ‫الوصول لها؛ }َو َ‬
‫حِكيُم{ ]البقرة‪.[31:‬‬ ‫ت اْلَعِليُم اْل َ‬
‫ك َأن َ‬
‫عّلْمَتَنا ِإّن َ‬
‫ل َما َ‬‫عْلَم َلَنا ِإ ّ‬
‫ل ِ‬‫ك َ‬
‫حاَن َ‬
‫سْب َ‬
‫َقاُلوا ُ‬

‫هذه المعرفة والدراك اليماني السائر على َدْرب الِهداية ُمحاَرب بَغواية إبليس اللعين؛ عدّو النسان‪ ،‬الذي أقسم‬
‫حقًدا على النسان لُيحيَده عن طريق الصواب‪ ،‬ويأخذه إلى دروب الهلك‪ ،‬وخزي الدنيا والخرة ُيعِمي‬ ‫حسًدا و ِ‬
‫ل ما يملك من‬
‫بصيرَته عن الحقيقة القرآنية‪ ،‬ويوهمه بخيالت من الَكِذب الذي ُيزّينه له بأّنه حقيقة‪ ،‬ويجملها بك ّ‬
‫خْدماِته لولي نعمته إبليس اللعين‪ ،‬ويتحّول من خاضع‬ ‫ل ُيكاِبر ويقّدم ِ‬
‫ُزخرف فكري كاذب‪ ،‬فيضل النسان‪ ،‬ويظ ّ‬
‫ل بها كثيًرا من الناس؛ ليبوَء بذنبه وذنوبهم‪.‬‬ ‫للضللة إلى شخص مفتون بها‪ ،‬وُيض ّ‬

‫ل قضية يتّم الحديث عنها‪،‬‬ ‫ما دفعني للحديث بهذه المقّدمة هو تهيئُة القلوب والذهان ِلَما سأعرضه من أفكار حو َ‬
‫ب ‪ -‬بقصد أو غير قصد‪ ،‬وحتى ل أكتَم علًما‬ ‫صا الشبا َ‬
‫وُتتداول بَفْهم أو غير فهم‪ ،‬وُتسّوق بين أبنائنا وبناتنا ‪ -‬خصو ً‬
‫ض الحقائق المتعّلقة بها‪.‬‬
‫ضح بع َ‬‫جم بلجام من نار يوَم القيامة‪ ،‬فإنني أتناول هذه القضيَة لو ّ‬
‫تعلمُته أو أعلمه‪ ،‬فُأْل ِ‬

‫جنسي‪ ،‬لهما حسب المصطلح النجليزي ‪ ، sex‬يتم وصفُ‬ ‫الرجل والمرأة هما ذكر وأنثى من ناحية التعريف ال ِ‬
‫علًما بأّنه كانت‬
‫ث بهما‪ِ ،‬‬
‫ل منهما‪ ،‬وهي صفات واضحة وثابتة‪ ،‬ول يمكن العب ُ‬ ‫صفات البيولوجية والفسيولوجية لك ّ‬‫ال ّ‬
‫ج مسوخ بشرية من‬ ‫ت للتغيير في هذه الفسيولوجية بالنسبة للرجل والمرأة‪ ،‬فكانت النتيجُة إنتا َ‬‫هناك محاول ٌ‬
‫المتحّولين جنسّيا أو المتحولت‪.‬‬

‫طلقة بين الرجل والمرأة‬ ‫ب العالمين الذكر والنثى‪ ،‬وقف دعاة المساواة الم ْ‬
‫خَلق ر ّ‬
‫وأمام هذا العجز في التغّير فيما َ‬
‫عاجزين أماَم هذه الحقيقة الواضحة‪ ،‬غير القابلة للتغيير والعبث‪ ،‬ظهر في السبعينيات ِمن هذا القرن مصطل ُ‬
‫ح‬
‫النوع الجتماعي‪ ،‬أو الجندر‪ ،‬ومفهوم الجندر ‪ Gender‬كلمة إنجليزية تنحدر من أصل لتيني‪ ،‬وتعني في‬
‫ث الذكورة والنوثة(‪ ،‬وإذا استعْرنا ما ذكرْته )آن أوكلي( التي‬
‫الطار اللغوي ‪ Genus‬؛ أي‪) :‬الجنس من حي ُ‬
‫ن كلمة ‪ Sex‬؛ أي‪ :‬الجنس‪ ،‬تشير إلى التقسيم‬ ‫علم الجتماع‪ ،‬سنجد أّنها توضح أ ّ‬ ‫ت المصطلح إلى ِ‬ ‫أدخل ِ‬
‫البيولوجي بين الذكر والنثى‪ ،‬بينما يشير النوع ‪ Gender‬إلى التقسيمات الموازية وغير المتكافئة )اجتماعّيا إلى‬
‫الذكورة والنوثة(‪ ،‬ولديها كتاب عن هذا عنوانه )الجنس والنوع والمجتمع‪ ،‬عام ‪1972‬م(‪.‬‬

‫ن الفروق الفسيولوجية بين الرجل والمرأة ل يمكن إنكاُرها‪ ،‬كما ل يمكن‬ ‫حنا‪ :‬أ ّ‬
‫حا‪ ،‬فإنه كما أوض ْ‬
‫بشكل أكثر وضو ً‬
‫العبث بها‪ ،‬وبالتالي فهي تقف كعلمة استفهام كبيرة أماَم دعاة المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة‪.‬‬
‫ضح الفروق بين الرجل والمرأة على صعيد‬ ‫وِمن هنا تّم التركيز على )الجندر(‪ ،‬أو النوع الجتماعي؛ لّنه يو ّ‬
‫الدور الجتماعي‪ ،‬والمنظور الثقافي والوظيفة‪ ،‬تلك الفروق النابعة كِنتاج لعوامل ِدينّية وثقافّية‪ ،‬وسياسية‬
‫صَنعها البشر عبَر تاريخهم الطويل‪ ،‬حسب مفهوم )الجندر(‪.‬‬ ‫واجتماعية؛ أي‪ :‬إنها فروق َ‬

‫ومن هنا؛ إذا عجز البشر عن إزالة الفروق البيولوجية‪ ،‬فِمن الممكن إزالُة الفروق النوعية )الجندرية( بين الرجل‬
‫ل المجتمع‪ ،‬يكفل إزالَة هذه الفروق‪.‬‬
‫ج تنمويٍة تعمل على تغيير ِقيمي وبنيوي داخ َ‬‫والمرأة‪ ،‬وذلك ِمن خلل برام َ‬

‫ج )الجندرية( التصّدي لها‪ :‬الوظيفة الجتماعية للرجل والمرأة‪ ،‬على افتراض أ ّ‬


‫ن‬ ‫وِمن القضايا التي تحاول البرام ُ‬
‫ن مصطلح المجتمع الّذكوري‪ ،‬وبالتالي‬
‫ضم َ‬
‫الرجل ُيهيِمن على المرأة‪ ،‬ويمارس قّوة اجتماعّية وسياسية عليها ِ‬
‫ح المرأة قّوة سياسّية واجتماعّية واقتصادية تساوي القوَة الممنوحة للرجل في جميع المستويات حتى في‬
‫يجب من ُ‬
‫السرة‪.‬‬

‫عّرفت الموسوعة البريطانية )الجندر(‪:‬‬ ‫وقد َ‬


‫ت ل يرتبط فيها شعور النسان بخصائصه العضوية‪،‬‬ ‫سه كَذَكر أو أنثى‪ ...‬ولكن هناك حال ٌ‬
‫"هي شعور النسان بنف ِ‬
‫ت ثابتة بالولدة؛ بل تؤّثر‬
‫ن الُهوية الجندرية ليس ْ‬
‫صفات العضوية وُهويته الجندرية‪ ،‬إ ّ‬ ‫ول يكون هناك تواُفق بين ال ّ‬
‫فيها العوامل النفسية والجتماعية بتشكيل نواة الُهوية الجندرية‪ ،‬وتتغّير وتتوسع بتأثير العوامل الجتماعية‪ ،‬كلما‬
‫نما الطفل"‪.‬‬

‫)الجندر( حسب تعريف منظمة الصحة العالمية‪:‬‬


‫صفات مركبة اجتماعية‪ ،‬ل‬
‫ف الخصائص التي يحملها الرجل والمرأة ك ِ‬ ‫"هو المصطلح الذي ُيفيد استعماله وص َ‬
‫علقة لها بالختلفات الُعضوية"‪.‬‬

‫وكما جاءت في )المادة الخامسة( من )السيداو(‪ ،‬وهي المادة التي تطالب ‪ -‬وبشدة ‪ -‬بتغيير النماط الجتماعّية‬
‫ل من الرجل والمرأة؛ بهدف تحقيق القضاء على التحّيزات والعادات الُعرفية‪.‬‬‫والثقافية لَدور ك ّ‬

‫ب المنشور في أحد المواقع النسوية العربية على الشبكة اللكترونية كما يلي‪:‬‬ ‫وقد ورد تعريف )الجندر(‪ ،‬حس َ‬
‫ل من الذكر والنثى‪ ،‬وهذه الدوار تكتسب‬ ‫"النوع الجتماعي )الجندر(‪ :‬يتعلق بالدوار المحّددة اجتماعّيا لك ّ‬
‫ل الثقافة الواحدة‪ ،‬وِمن ثقافة لخرى‪ ،‬وهذا المصطلح‬ ‫بالتعليم وتتغّير مع مرور الزمن‪ ،‬وتختلف اختلًفا واسًعا داخ َ‬
‫ضا‪ :‬الصورة التي ينظر بها‬‫يشير إلى الدوار والمسؤوليات التي ُيحّددها المجتمع للمرأة والرجل‪ ،‬وهو يعني أي ً‬
‫علقة بالختلفات الجسدّية )البيولوجية والجنسية(‪.‬‬ ‫المجتمُع للمرأة والرجل‪ ،‬وهذا ليس له َ‬

‫ل مصطلح مْنح المرأة القّوة ‪ power‬بمصطلح تمكين ‪ empower mednt‬؛ لتوصيف النشطة‬ ‫هذا؛ ويتّم تبدي ُ‬
‫المتعّلقة بإزالة الختلفات الجتماعّية والثقافّية والوظيفّية كاّفة بين الرجل والمرأة‪.‬‬

‫ن المومة تأخذ حيًزا كبيًرا عند الجندريين‪ ،‬فعالمة‬‫ونحو تحقيق إزالة الفروق الوظيفية بين الرجل والمرأة‪ ،‬فإ ّ‬
‫خرافة‪ ،‬ول يوجد هناك غريزة للمومة‪ ،‬وإنما ثقافة المجتمع هي التي‬ ‫ن المومة ُ‬ ‫الجتماع )أوكلي( تقول‪" :‬إ ّ‬
‫ن المومة تعتبر وظيفًة اجتماعية‪.‬‬ ‫تصنع هذه الغريزة؛ ولهذا نجد أ ّ‬

‫وهنا يظهر مصطلح "الصحة النجابية"‪ ،‬وهو ‪ -‬حسب المنظور الجندري ‪ -‬ليس كالمفهوم العالمي له‪ ،‬والهادف‬
‫إلى معالجة الشكاليات الناِتجة من وظيفة المرأة كأّم على مستوى النجاب‪ ،‬والتي قد تقف عائًقا أمام ممارستها‬
‫ل والّرضاعة‪ ،‬وغيرها من الوظائف‬ ‫لَدْورها الجندري المساوي لدور الرجل‪ ،‬وِمن هذه الشكاليات الحم ُ‬
‫عّدة مؤتمرات بهذا الخصوص‪ ،‬حيث أبد ْ‬
‫ت‬ ‫جة على مستوى ِ‬ ‫ن هذا المفهوم أثار ض ّ‬ ‫الفسيولوجية للمرأة‪ ،‬كما أ ّ‬
‫جد بأّنه يشرع الجهاض‪.‬‬ ‫ت عليه‪ ،‬عندما ُو ِ‬
‫بعض الدول المشاِركة تحّفظا ٍ‬

‫وكما جاء في التقرير الذي أعدْته )لجنة المرأة( التابعة للمم المتحدة؛ لمناقشته في اجتماعها المنعِقد في‬
‫صبية في تفعيل مساواة النوع‬
‫صين باشتراك الّرجال وال ّ‬ ‫‪/12‬مارس ‪2004 /‬م‪ ،‬الذي ناقش محورين خا ّ‬
‫ضا استخدام اتفاقيات السلم في تفعيل مساواة النوع‪.‬‬ ‫‪ ، Gender Equality‬وأي ً‬

‫ل على البنود الخاصة بالعتراف الرسمي بـ)الشذوذ وحماية حقوق‬ ‫ن الترجمة العربية للتقرير لم تشتم ْ‬
‫وقد لوحظ أ ّ‬
‫الشواذ(؛ بل والسعي لَقبولهم ِمن ِقبل المجتمع‪ ،‬وتشجيع الشباب على ممارسة الّزنا والجهر به‪ ،‬واعتبار‬
‫ذلك تعبيًرا عن )المشاعر(‪ ،‬ودعًما لتعليم الممارسة الجنسّية بمختلف أشكالها الطبيعّية والشاّذة‪.‬‬

‫انظروا على سبيل المثال كتاب "السرة وتحديات المستقبل" من مطبوعات المم المتحدة )صفحة‪،(42 - 36 :‬‬
‫طا‪ ،‬ومنها ُأسر الجنس الواحد؛ أي‪ُ :‬أسر‬
‫ل ونم ً‬
‫ن السرة يمكن تصنيفها إلى ‪ 12‬شك ً‬
‫ث الجتماعي أ ّ‬
‫وفيه يجد الباح ُ‬
‫الشواذ‪.‬‬

‫ج طبيعي لنشطة الجندريين التي تهدف إلى إزالة الختلفات الثقافية‪ ،‬والجتماعية‪،‬‬ ‫ن ذلك نتا ٌ‬
‫وبالتالي فإ ّ‬
‫ت شعارات المساواة‪ ،‬وتمكين المرأة‪ ،‬وتمكين الشباب‪...‬إلخ‪.‬‬
‫والوظيفية‪ ،‬بين الرجل والمرأة‪ ،‬تح َ‬

‫ل أّنها تتناَفى والفطرَة التي خلق ال عليها النسان رجلً‬


‫هذه الدعوات والبرامج مهما كانت أهداُفها وغاياتها‪ ،‬إ ّ‬
‫ن النسان الذي‬‫وامرأة‪ ،‬وتصطدم ‪ -‬وبشكل سافر ‪ -‬بعقيدتنا وِديننا الذي نؤمن به‪ ،‬تلك العقيدة التي ترتكز على أ ّ‬
‫ب العالمين ِمن زوجين اثنين؛ آدم وحواء ‪ -‬جزٌء من الثنائية المتناغمة في هذا الكون‪ ،‬والذي يحّقق بها‬ ‫خلَقه ال ر ّ‬
‫َ‬
‫التوازن‪ ،‬والثبات والعمار‪.‬‬

‫ظم الحياة‬ ‫هذه الحقيقة التي أقّرها ال في شريعته‪ ،‬وأنزلها على أنبيائه الذين عّلموها للبشر‪ ،‬شرائع ونواميس تن ّ‬
‫النسانية‪ ،‬وُتحاِفظ على إنسانية النسان الذي كّرمه ال‪ ،‬وأمر الملئكة بالسجود له‪ ،‬وتتكّفل له بطريق الخير‬
‫ق َوَيْعُقو َ‬
‫ب‬ ‫حا َ‬‫سَ‬ ‫ل َوِإ ْ‬
‫عي َ‬
‫سَما ِ‬‫ل ِإَلى ِإْبَراِهيَم َوِإ ْ‬‫ل ِإَلْيَنا َوَما ُأنِز َ‬
‫ل َوَما ُأنِز َ‬ ‫والسعادة في الدنيا والخرة؛ }ُقوُلوا آَمّنا ِبا ِّ‬
‫ن{ ]البقرة‪:‬‬ ‫سِلُمو َ‬
‫ن َلُه ُم ْ‬
‫حُ‬‫حٍد ّمْنُهْم َوَن ْ‬
‫ن َأ َ‬
‫ق َبْي َ‬
‫ل ُنَفّر ُ‬
‫ن َرّبِهْم َ‬ ‫ن ِم ْ‬ ‫ي الّنِبّيو َ‬
‫سى َوَما ُأوِت َ‬ ‫عي َ‬
‫سى َو ِ‬
‫ي ُمو َ‬
‫ط َوَما ُأوِت َ‬
‫سَبا ِ‬
‫لْ‬‫َوا َ‬
‫‪.[136‬‬

‫لسرة التي هي‬ ‫جَعل العلقة بينهما علقَة مودة ورحمة وسكن‪ُ ،‬تبَنى فيه ا ُ‬ ‫ل ونساًء َ‬ ‫هذا الّدين الذي نؤِمن به رجا ً‬
‫ق‪ ،‬وإن لم يكن‬
‫ن كل ما جاء به هذا الّدين هو ح ّ‬ ‫النواة الولى في بناء الفْرد والمجتمع‪ ،‬والدولة والّمة‪ ،‬ونؤِمن بأ ّ‬
‫ن ما وزمان ما؛ قال ‪-‬‬ ‫شر في مكا ٍ‬
‫حكمة قد ل ندركها كَب َ‬ ‫ن ال ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬له فيه ِ‬ ‫لنا فيه نفع ظاهر‪ ،‬فإ ّ‬
‫ضَعها‬
‫ساِء{ ]النساء‪ ،[34 :‬فهم قّوامون على النساء‪ ،‬ولكن بضوابط و َ‬ ‫عَلى الّن َ‬
‫ن َ‬
‫ل َقّواُمو َ‬
‫جا ُ‬
‫سبحانه وتعالى ‪} :-‬الّر َ‬
‫ب العالمين‪ ،‬حاُلها كحال الرجل‪ ،‬فكيف يظلم ال‬ ‫ظا على هذه المرأة‪ ،‬التي هي مخلوقة من مخلوقات ر ّ‬ ‫الشرع؛ حفا ً‬
‫خَلقه؟!‬
‫مخلوًقا َ‬

‫ن‪ ،‬فيها من الضوابط والحكام ما فيه؛‬


‫صة به ّ‬
‫ن النساء ُكّرمن بسورة خا ّ‬
‫فإذا كان الرجل قّواًما على المرأة‪ ،‬فإ ّ‬
‫ظا على كرامة المرأة وإنسانيتها‪ ،‬وحقوقها القتصادية والجتماعية والشرعّية‪.‬‬ ‫حفا ً‬

‫ل امرأة معّذبة مضللة‪ ،‬تسعى نحو وهٍم كاذب في الحرية التي فيها عبوديتها وهلكها‪ ،‬حالها حال‬
‫ما أتمّناه لك ّ‬
‫ل نور المصباح‪.‬‬ ‫الفراشة الحائمة حو َ‬

‫ت عمران بتكريم رّباني‪ ،‬وتطهير وتزكية‪ ،‬وهي امرأة‪.‬‬


‫ص مريم بن َ‬
‫ن رب العالمين خ ّ‬
‫إّ‬

‫ل مجال من‬ ‫ل منهما على الخر في ك ّ‬ ‫ل للرجل على المرأة‪ ،‬بل تفضيل لك ّ‬ ‫هذا الّدين الذي أقّر الختلف ليس تفضي ً‬
‫ساء‬
‫سُبوا َوِللّن َ‬
‫ب ِمّما اْكَت َ‬
‫صي ٌ‬
‫ل َن ِ‬
‫جا ِ‬
‫ض ّللّر َ‬
‫عَلى َبْع ٍ‬
‫ضُكْم َ‬
‫ل ِبِه َبْع َ‬
‫ل ا ُّ‬
‫ضَ‬ ‫ل َتَتَمّنْوا َما َف ّ‬
‫مجالت الختلف؛ قال تعالى }َو َ‬
‫عِليًما{ ]النساء‪.[32 :‬‬ ‫يٍء َ‬‫ش ْ‬
‫ل َ‬ ‫ن ِبُك ّ‬
‫ل َكا َ‬
‫ن ا َّ‬
‫ضِلِه ِإ ّ‬
‫ن َف ْ‬‫ل ِم ْ‬
‫سَأُلوا ا َّ‬
‫ن َوا ْ‬
‫سْب َ‬
‫ب ِمّما اْكَت َ‬
‫صي ٌ‬
‫َن ِ‬

‫ل ونساء؛ فعن ابن عباس ‪ -‬رضي‬ ‫هذا الّدين الذي أقّر الختلفات بين الّرجال والنساء‪ ،‬ونهانا عنها تربيًة لنا رجا ً‬
‫ال عنهما ‪ -‬قال‪ :‬قال رسول ال ‪ -‬صّلى ال عليه وسّلم ‪َ)) :-‬لَعن ال المتشبهين من الّرجال بالنساء‪ ،‬والمتشبها ِ‬
‫ت‬
‫من النساء بالرجال((‪.‬‬

‫خُر كلم‬
‫ن هو الكريم‪ ،‬وأمرنا بالّرفق بالقوارير‪ ،‬فقد كان آ ِ‬‫وهذا الّدين الذي أوصانا بالّنساء خيًرا‪ ،‬فجعل َمن يكرمه ّ‬
‫نبينا الحبيب ‪ -‬صلوات ال عليه وسلم ‪)) :-‬أوصيكم بالّنساء خيًرا((‪.‬‬

‫خِربة‪ ،‬والنفسيات المشوهة‪ ،‬ذكوًرا وإناًثا‪ ،‬وإن‬


‫فإذا كانت الدعوات الكاذبة لصحاب الِفكر الفاسد‪ ،‬والقلوب ال َ‬
‫حاولوا أن ُيغّلفوها بغلف من الزيف‪ ،‬وُيزّينوها بدعوات كاذبة‪ ،‬وشعارات رنانة؛ بدعوى السعي للّدفاع عن حرية‬
‫طى بستار من‬ ‫ت كاذبة‪ُ ،‬تغ ّ‬
‫ظلم يقع عليها‪ ،‬أو تفعيل دورها في المجتمع‪....‬إلخ‪ ،‬وهي دعوا ٌ‬
‫المرأة‪ ،‬أو تخليصها ِمن ُ‬
‫الضللة‪ ،‬الغاية النهائية للمرّوجين والمرّوجات لفكار )الجندر( بكل ما يحمل من تقليعات ومسميات من جندرة‬
‫ت المريضة‪،‬‬‫لسرة‪ ،‬وجندرة القتصاد‪...‬إلخ‪ ،‬مما أفرزته العقليا ُ‬‫اللغة‪ ،‬وجندرة السياسة‪ ،‬وجندرة الدب‪ ،‬وجندرة ا ُ‬
‫والنفسيات المشوهة المسيطرة في مؤتمرات ِبكين والقاهرة‪ ،‬وصنعاء وروما‪ ،‬من أفكار رفضتها معظُم الدول‬
‫المشاِركة في هذه المؤتمرات؛ لّنها تتناَفى والفطرة‪.‬‬

‫ل ما أوتينا من قّوة؛ لنها إذا كانت تتنافى مع الفطرة‪ ،‬فهي تصطدم‬


‫ونرفضها نحن بقلوبنا‪ ،‬بعقولنا‪ ،‬بألسنتنا‪ ،‬وبك ّ‬
‫بمعتقداتنا وِديننا السلمي‪ ،‬وِقَيِمنا الصيلة‪.‬‬

‫ض يحافظ على المرأة‪ ،‬ويضعها في المكانة‬ ‫ض ل يحمل شبهَة الوقوف في وجه حقوق المرأة؛ بل هو رف ٌ‬ ‫وهو رف ٌ‬
‫ت درجَتها في الّدين والدنيا ثلثة‬ ‫ب العالمين‪ ،‬بأقدس رسالة‪ ،‬وهي المومة التي رفع ْ‬ ‫السامية التي اصطفاها لها ر ّ‬
‫أضعاف درجِة الرجل؛ ))قال‪ :‬أمك‪ ،‬ثم َمن؟ قال‪ :‬أمك‪ ،‬ثم َمن؟ قال‪ :‬أمك‪ ،‬ثم َمن؟ قال‪ :‬أبوك((‪ ،‬هذا الصطفاء‬
‫ت جناح هذا الّدين ترعرعت الّنساء‪،‬‬ ‫ن شاعرة وفارسة وممّرضة‪ ،‬فتح َ‬ ‫الذي لم يقف عائًقا في وجه المرأة لن تكو َ‬
‫سيبة بنت كعب‬ ‫ن للتاريخ أسمى أمثلة‪ ،‬وفي شّتى المجالت‪ ،‬في التمريض كانت الصحابية ُرفيدة‪ ،‬وَن ِ‬ ‫وسجل َ‬
‫ل وأراها تقاتل دوني((‪ ،‬وفي‬ ‫لإ ّ‬ ‫شما ً‬
‫ت يوَم ُأحد يميًنا ول ِ‬
‫الفارسة‪ ،‬عنها يقول ‪ -‬صّلى ال عليه وسّلم ‪)) :-‬ما التف ّ‬
‫شفاء بنت عبدال‪ ،‬وعلى ُهَدى القرآن الكريم وَدْرب المصطفى إلى يوِمنا هذا‪ ،‬كم‬ ‫ب كانت الطبيبة المداوية ال ّ‬‫الط ّ‬
‫ن السكن والسكينة‪،‬‬ ‫ت على أساس ِم َ‬ ‫ِمن َنسيبة بنت كعب‪ ،‬وكم من الشفاء بنت عبدال‪ ،‬ترعرعن في كنف ُأسرة قام ْ‬
‫صراع القائم على مفاهيَم تناحرية ِمن منطلق اعتقاد‬ ‫وكان بين ركنيها ‪ -‬الرجل والمرأة ‪ -‬المودة والرحمة‪ ،‬وليس ال ّ‬
‫عبارٌة عن اضطهاد لها‪ ،‬ويجب أن ُتصاِرع مضطهَدها؛ لتنتصَر عليه‪ ،‬وإن لزم‬ ‫ن دورها في السرة ِ‬ ‫المرأة بأ ّ‬
‫لسرة‪ ،‬والجندريون جاهزون!!‬ ‫المُر تبحث عن القّوة والتمكين من خارج ا ُ‬

‫ب العباد‪ ،‬وأكرمنا بأن‬


‫الحمد ل الذي أكرمنا بهذا الّدين‪ ،‬يحترم آدميَتنا‪ ،‬وُيخرجنا من عبادة الِعباد إلى عبادة ر ّ‬
‫خْلق محّمد ‪ -‬صّلى ال عليه وسّلم ‪ -‬النبي المين‪ ،‬وشّرفنا بالقرآن‬ ‫جعلنا مسلمين موحدين‪ ،‬وشّرَفنا بأشرف ال َ‬
‫جة على الكافرين والفاسقين إلى يوم الّدين‪.‬‬ ‫حّ‬‫الكريم؛ ُ‬

‫وكّرمنا فلسطينّيين على هذه الرض المقّدسة‪ ،‬ساحل من سواحل الشام‪ ،‬أو بيت المقدس وأكنافه‪ ،‬نعيش مرابطين‬
‫محتسِبين‪ ،‬ونقضي شهداء ‪ -‬بإذن ال‪.‬‬

You might also like