Professional Documents
Culture Documents
ظلت العقول المتدبرة ـ وحتى وقت قريب ـ تعتريها الحيرة أتجاه عملية الخلق ،فتعددت
النظريات حول هذه العملية متضاربة تضاربا ً يصل في أحيان كثيرة إلى مناقضة بعضها للبعض
الخر ،أومناقضتها لحقائق علوم أخرى ،ولم يكن لي من هذه النظريات أن يخرج من ميدان
التضارب هذا إل بارتقائها ـ أونزولها ـ إلى مستوى الخرافة .إل أن هذا ليعطينا حقا ً في توجيه
شيء من اللوم لصحاب تلك النظريات إذا علمنا أن علم الجنة المهتم بعملية خلق الكائنات
الحية لم يتأكد وجوده إل في العقود الخيرة ،ولم يكن ليكتب له هذا الوجود لول تظافر علوم
عده ،كعلم التشريح وعلم وظائف العضاء وعلم النسجة وغيرها ،وجميع هذه العلوم لم نكن
لنحقق في أغلبها الكثير لول استخدامنا لجهزة دقيقة في عمليتي الفحص والتحليل كالمجهر
البسيط والمركب ،والمجهر اللكتروني ،والموجات بمختلف أطوالها ،والتحاليل المختلفة
الكيميائي منها والفيزيائي .حتى أننا لنكاد نجاوز الحقيقة كثيرا ً بقولنا أن النسان احتاج
لستخدام كل ماتوصل إليه حتى يومنا هذا من سبل المعرفة في سبيل فهم جزء يسير -لكنه
هام -من عملية خلقه .ولن العلم طريق متشعب الدروب ،تؤدي كل درب منها إلى دروب
شتى -لشك أنها توصل إلى حقيقة واحدة وقد تكون جامعة -لم يقنع العلم بمراقبة عملية
الخلق والكتفاء بمعرفة كيفياتها وتسجيل مايعتريها من هنات ،بل طمح إلى تعرف ماوراء هذه
الهنات ،وسعى إلى ادراك طرق تجنبها ،فكانت الدعوة للمتناع عن التدخين الذي ينقص وزن
الجنين ويحدث به التشوهات ،ومنع تناول الحوامل لعقار الثاليدومايد لنه يؤدي إلى ولدة أجنة
مشوهة ،وكان جل من عرف بقواعد هذا العلم من دعاة مناهضة انتشار أسلحة الدمار
خلقية شتى .وخلل الشامل لن نساء هيروشيما ونجازاكي مازلن يلدن أطفال ً بتشوهات ِ
مسيرته القصيرة في عمرها ،العظيمة فيما أنجزت ،كان هذا العلم يحقق للنسان مالم يكن
يتوقع منه ،فأتاح أنواع شتى من علجات العقم ،وطرق أكثر لمنع الحمل ،وأتاح الخصاب
داخل أنابيب المختبرات ،ثم خرج علينا أخيرا ً باستنساخه للنعجة دوللي ،ليضع أمامنا نظرية
استنساخ النسان .هذه النظرية التي تطرح آمال ً تشبه الحلم بأن يتيسر للنسان أن ينسخ
نفسه كما ينسخ المستندات ،وبذات الطريقة التي تنسخ بها الميبا نفسها ،فمايجري في
المعامل اليوم يمني من قضى العمر في جمع المال بنسخة جديدة يتمتع من خللها بماله ،
وتعطي ذات المال لمريض اليدز بالستمرار في نسخة أخرى منه حتى يتوفر العلج لمرضه ،
وبالستساخ تستطيع المم أن تستعيد أبطالها بأيجاد نسخ من أجسادهم .فهل ستتحقق عودة
هتلر ليسترد ثأره من خلل حرب عالمية أخرى ؟ .وهل سيظهر إينشتين جديد ليضيف بعدا ً آخر
لم يظهر بعد ؟ وهل يمكن للنسان أن يحقق خلوده بأخذه نسخة من كل من قارب نهايته من
بني جنسه .آليات التكاثر :تتعدد آليات حفظ النوع لدى الكائنات الحية وتختلف ،فنجد أنواع
عده تتكاثر بذات الطريقة ،ونجد النوع الواحد يتخذ أكثر من طريقة ،يعتمدها أسلوبا ً لتواصل
حياة بني جنسه ،أما النسان فقد حافظ ـ وحتى هذا الوقت ـ على التكاثر الجنسي وسيلة
وحيدة لحفظ نوعه ،وذلك بإخصاب البييضة بواسطة الحيي المنوي لتحفيز البييضة الساكنة
لتستأنف سلسلة انقسامات محددة منذ لحظات الخلق الولى .تبدأ البييضة المخصبة في
النقسام ،فتنقسم إلى جزئين لتكون خليتين لكل منهما نواتها الخاصة بها ،ثم تنقسم كل من
هاتين الخليتين انقساما ً آخر لتنتج كل منهما خليتين ،فيصبح المجموع أربع خليا ،وهذه الربع
تنقسم كل منها على حده لتظهر ثمان خليا جديدة وهذه الثمان تنقسم فتكون ست عشرة
خليه وهكذا ...لنجد سيتوبلزم الخليه وقد تقسم إلى عدد كبير من الخليا الصغيرة التي تتراص
بجانب بعضها البعض فتظهر لنا تحت المجهر وكأنها كتلة من فقاعات الصابون .خلل هذه
النقسامات ليحدث أي نمو لهذه الخليا ،فكل مانلحظه هو النقسام تلو النقسام فقط ،
وكأن الخلية قد أعارت كل قواها لهذا النقسام ،فهي تضحي بنموها وزيادة حجمها في سبيل
إنتاج فرد جديد .البداية دائما ً متواضعه :قام عالم الجنة اللماني سبيمان HANS SPEMAN
بتجربة ربط فيها شعرة حول بييضة سمندل الماء قبل بدء النقسام فيها بحيث كادت تلك
الشعرة تقسم البييضة إلى جزئين لكنه كان شديد الحرص على أليحدث ذلك فأدى هذا الى أن
كان للبيضة نصفين ؛ نصف به النواة تسبح في السيتوبلزم بينما النصف الخر هو عبارة عن
سيتوبلزم لنواة فيه ،ثم ُتركت البييضة لتبدأ أنقسامها ،فكان النقسام في ذلك الجزء
المحتوي على النواة دون أن يحدث في الجزء المحتوي على السيتوبلزم وحده .إستمر
النقسام في الجزء المحتوي على النواة حتى تكون بهذه النقسامات المتكررة 16خلية ،عند
جل النواة )15جزء شدت الشعرة فضغطت البييضة لتنقسم الى نصفين ؛ نصف يحتوي ُ ذلك ُ
من أصل ستة عشر جزء( ونصف ليحتوي سوى جزء واحد من أصل ستة عشر جزء .
واستمرت مراقبة البييضة فكانت النتيجة أن تكون في كل النصفين جنين كامل واحد تكون من
جل البييضة والخر تكون من جزء واحد من 16جزء من البييضة ،فدل هذا على أن كل جزء ُ
من الستة عشر جزء يحوي ذات المكونات وإل لما تكون جنين كامل من كليهما .لكن
الملحظة الغرب كانت أن يحدث في بعض الحيان أن يعجز النصف المحتوي على النواة عن
ل .فتكون الجنين أن يكون جنينا ً بينما النصف الذي ليكتسب نواة إل متأخرا ً يتكون منه جنينا ً كام ً
إذا ً يحكمه شيء آخر خلف وجود النواة ،وبتكرار التجربة استبان ذلك للباحث ولم يكن غير
مساحة صغيرة خالية من أي صبغة تشبه الهلل في شكلها ،ولثبات أهمية هذا الفراغ الهللي
قام سبيمان بتجربة أخرى راعى فيها هذه المرة أن تقسم الشعرة البييضة إلى جزئين تكون
النواة في أحدهما ويكون الفراغ الهللي في الجزء الخر ،وكانت النتيجة مذهلة ؛ إذ تكون
جنينا ً في النصف المحتوي على الفراغ الهللي ،بينما لم يتكون جنينا ً في ذلك الجزء من
البييضة المحتوي على النواة .يظهر واضحا ً من هذه التجارب أن تكون الجنين لم يكن معتمدا ً
على وجود النواة أو عدمه ،بل أن مايحدده كان شيئا ً آخر في سيتوبلزم البييضة ،فتطور
الجنين بصورة طبيعية يعتمد على وجود مادة في السيتوبلزم ،وبالتحديد -وفقا ً للتجارب
السابقة -في الفراغ الهللي .فالبييضة إذا ً تنقسم بعد إخصابها إلى مجموعة خليا لتحتوي كل
خلية من هذه الخليا جزًء من نواة البييضة وجزء من سيتوبلزم البييضة أيضا ً ،وتكون أنوية
الخليا متشابهة لنها وكما تبين لنا مماسبق قدرة كل منها على أن يكون جنينا ً ،لكن هذه
الخليا تختلف فيما تحتويه من سيتوبلزم البييضة ،وهذا الختلف هو الذي يعطي صفة التمايز
للخليا المتكونة فمنها مايتمايز ليكون القلب ومنها مايكون الوعية ومنها مايكون الدماغ
وهكذا ...ويتحقق هذا التمايز بما تفرضه مادة السيتوبلزم على النواة بتأثيرها على محتواها
الوراثي فُتظهر منها ماتشاء وتخفي ماتشاء .إن النقسامات المبدئية في البييضة تحدث
بمعزل عن الجينات التي تحتويها نواتها أي أن محتويات نواة البييضه من المورثات لتلعب أي
دور في بدء النقسام بها بل أن هذا النقسام يتم بقيادة مباشرة من معلومات تتكون في
البييضة خلل نموها .وهذه المعلومات لتوجد في نواتها بل هي في القشرة Cortical Layer
.وتكون أوامر النقسام قابلة للتحويل والتعديل في بداية النقسام ،إل أنه بعد عدة أنقسامات
وحين تتفتت القشرة بين عدد كبير من الخليا تفقد هذه القشرة هذه الخاصية وتصبح مقيدة
ببرنامج محدد غير قابل للتعديل ،هذا البرنامج هو الذي يعطي ميزة التميز للخليا المختلفة
فهذه تنقسم في أتجاه تكوين الدماغ وتلك يأخذ أنقسامها أتجاه تكوين العظام وهذه خلية
تحمل برنامج تكوين العضلت ،وهكذا ...فنواة كل خلية من الخليا المتكونة تحتوي العديد من
المعلومات الوراثية التي يمكن أن تجعل الخلية تتطور في أتجاهات مختلفة ،لكن كل خلية
لتأخذ إل طريقا ً واحدا ً ،فهذه تتميز الى خلية عصبية مع أنها تحتوي المعلومات الوراثية التي
تمكنها من أن تكون خلية من خليا القلب أو خلية من خليا العضلت ،لكن هذه الخلية بإهمالها
معلوماتها الوراثية الخرى ) التي تجعل منها شيئا ً آخر غير الخلية العصبية ( هو ماجعلها تصبح
أحد خليا الجهاز العصبي .فكل خلية من الخليا الناتجة عن أنقسام البييضة تملك نواة
) تحتوي ذات خصائص البييضة المخصبة ( هذه النواة تسبح في سيتوبلزم يمثل جزء مشتق
من سيتوبلزم البييضة ،وسيتوبلزم كل خلية يختلف عن ذلك الخاص بشقيقتها الخرى بينما
نواة كل خلية تشبه النوية التي تحتويها شقيقاتها من الخليا ،فمحتويات النواة تضاعف نفسها
قبل أنقسام الخلية بواسطة النقسام الفتيلي ) Mitosisتنقسم النواة إلى قسمين ويضاعف
كل من هذين القسمين نفسه ليذهب كل قسم في جزء من الخلية عند انقسامها ( بينما
ينقسم السيتوبلزم فيصبح بكل خلية جديدة جزء منه ليكون محتوى كل خلية مختلف عن
محتوى غيرها ؛ فكأني أملك ورقة وأنت لتملك مثلها فطلبت مني أن نتساوى في أمتلك
الورقة ،وهنا لدينا طريقتين لنتساوى ؛ فيمكن أن أنسخ نسخة أخرى من هذه الورقة لعطيها
لك وبذلك يصبح لدى كل منا ذات الورقة ) وهذا مايحدث للنواة فهي تضاعف نفسها قبل
النقسام ( أما الطريقة الخرى فهي أن أقطع الورقة إلى نصفين فيبقى لدي النصف العلوى
وتأخذ أنت النصف السفلي فهما مختلفان لن أحدهما العلوي والخر السفلي ) وهذا مايحدث
لسيتوبلزم البييضة عند أنقسامها إلى خليتين ( .وينتج عن هذا خروج خليا إلى الحياة متشابهة
في تركيب أنويتها مختلفة فيما تحتوي من السيتوبلزم .فالخلية اللبنية ووفق ماتحتوي من
السيتوبلزم أهملت ماتحتويه نواتها من جينات كانت ستجعل منها خلية عضلية وأهملت الجينات
التي كانت ستجعل منها خلية جنسية وأهملت تلك التي كانت ستجعلها أحد خليا الغدة الدرقية
أو أحد خليا اللسان ؛ باختصار أهملت كل الجينات التي تحتويها نواتها ولم تختر سوى تلك
الجينات التي تجعل منها خلية لبنية تستقر في الثدي وتفرز الحليب .فالخلية هنا إختارت أن
تكون خلية لبنية .لكن لماذا أرادت أن تكون كذلك ؟ لنها إستنتجت أن تركيبها يوافق هذا
الغرض وهذا الستنتاج جاء بناء على مايحتويه سيتوبلزم هذه الخلية .فهذه الخلية إذا ً أرادت
بناء على مااستنتجت من استنتاجات ،سندها ماإحتوته من معلومات من السيتوبلزم .فالخلية
لها إرادة ولها القدرة على الستنتاج بناء على تذكرها لما تحفظ ،فهي مالكة لمقومات العقل
بقدر يجعلنا نثبت لهذه الخلية صفة العقل ،وإن كان بقدر يختلف عن غيره من العقول إل أنه
مالك لجميع أدواته من الرادة الى الدراك و الستنتاج الى الذاكرة .فالخلية إذا ً تختار جزء من
مكونات نواتها من الذخيرة الوراثية وتتجاهل جلها .فما الذي يحدث لما تتجاهله من معلوماتها
الوراثية ؟ هل يتلشى ؟ أم ينتقل إلى خلية أخرى أم أن الخلية تظل محتفظة به في نواتها؟
منذ عام 1952أجريت العديد من التجارب التي استهدفت بيان هذا ،وقد إعتمدت هذه
التجارب على الطريقة التي استحدثها العالمان كيونغ وبريغس R. Briggs & T.J.King
لستخلص نواة البييضة قبل تخصيبها بطريقة جراحية ) بعض التجارب إعتمد أسلوب منع
نشاط هذه النواة بواسطة الشعة فوق البنفسجية ( ،وماتم في هذه التجارب هو سحب نواة
بييضة ضفدعه قبل إخصابها ووضع مكانها نواة أحد خليا جنين ضفدعة في مراحل تطوره
الولى ،وكانت نتيجة مثل هذه التجربة تولد جنين ضفدعة جديد في %80من التجارب التي
أجريت .وفي تجارب لحقة لم يتم أخذ النواة من خلية جنين ،بل استعيظ عنها بنواة أحد خليا
المعاء التي أكملت نموها وتميزها وصارت خلية معوية متميزة Differentiated Cellsوكانت
النتيجة تكون جنين كامل رغم أن النواة الموضوعة في البييضة هي نواة خلية معوية ماعادت
تؤدي غير وظيفة تخصصية ولتأبه من تكوينها الوراثي سوى بذلك الذي يخدم وظيفتها كأحد
خليا المعاء .لكن تكون الجنين بطريقة سليمة بواسطة زرع هذه الخلية دل على أن هذه
الخلية قد تراجعت إلى الوراء لتحقق الستفادة من كل مخزونها الوراثي لتخلق به جنينا ً كامل ً ،
وماكان ليتأتى لها هذا لو أن هذا المخزون من المادة الوراثية قد ُفقد أواعتراه شيء من
الفساد ،فمثل هذه التجربة يدل على أن المادة الوراثية لهذه الخلية لم ُتفقد ،بل تم تعطيلها
إلى حين للكتفاء بذلك الجزء الذي يوجهها كخلية معوية ،لكن وعندما طالت هذه الخلية أوامر
جديدة بوضعها في البييضة ) أوامر قادمة من سيتوبلزم البييضة ( أعادت الخلية التفتيش في
ذاكرتها لتستعيد كل مخزونها الوراثي لتستخدمه في تكوين جنين كامل ،فالمخزون الوراثي
لهذه الخلية لم يفقد ولم يدمر عندما كانت مكتفية بكونها خلية معوية بل إنه كان في حالة
سكون ،ولم يكن النشاط ليطال غير ذلك الجزء الموكل بأداء وظائف الخلية المعوية .فنشاط
أي خلية يعتمد على أي من جيناتها يكون في حال نشاطه ،وهذه العملية هي عملية ديناميكية
إذ تتغير الجينات النشطة لتنتقل صفة النشاط من جين إلى آخر داخل الخلية النامية وفقا ً
لتدرج نمو الخلية ،ففي أي لحظة يوجد بكل خلية قدر معين من جيناتها في حالة نشاط بينما
يسكن باقي ماتحتوي من جينات ،ويتغير هذا النشاط وفقا ً لنمو الخلية الذي يحدث نتيجه فعل
الجين النشط فيها .لكن السؤال القائم هو :مالذي يحكم هذه الجينات ،ومالذي يجعل هذا
الجين ينشط في هذه اللحظة من تطور الخلية بينما يغط باقي الجينات في سبات ؟ إن هذه
السيطرة تأتي من سيتوبلزم الخلية ،وقد أثبتنا فيما سبق أختلف الخليا الناتجة عن انقسام
البييضة في محتواها من السيتوبلزم ،فالسيتوبلزم هو الذي يقرر نشاط جين ما وخمود باقي
الجينات ووفقا ً لهذا التمييز يحدث التمايز في الجنين ) تميز خلياه إلى العضاء المختلفة
الشكل والوظيفة ( ،فالسيتوبلزم في ناتج النقسام المبكر ) الخليا الناتجة من النقسامين
الول والثاني للبييضة ( يوجه انقسام الخليا بتحفيزه بعض الجينات التي كانت في حالة خمود ،
وتكون البداية بانتاج كمية بسيطة من الحمض النووي الناقل داخل النواة ليعبرمن خلل الغشاء
النووي ) المحيط بالنواة ( ليصل الى السيتوبلزم حيث يعمل على بناء بروتينات جديدة ،يكون
بناءها خطوة في نمو الخلية وكذلك ُيحدث تغيرات في سيتوبلزم الخلية تحفز مزيدا ً من
الجينات لتنهض من سباتها وتساهم في تطور الخلية وتمايزها في الطريق المرسوم لها .إذا
أخذنا بييضة لرنب ماتزال في بداية أنقسامها وأخذت منها خلية واحدة ،أمكن إنتاج أرنب
كامل من هذه الخلية ،أما إذا تركت هذه الخلية ضمن مجموع الخليا الخرى فإن الخلية التي
اخترناها لن تكون إل جزء واحد من كامل الكائن الحي الوحيد الذي سيتكون من هذه الخلية .
ظمات تكوين الكائن الحي كامل ً في حال من ِ
فالخلية الواحدة الناتجة عن انقسام البييضه تملك ُ
إجبارها على النمو وحيدة بينما يقودها ماتملك من هذه المنظمات لتكوين أحد أجزاء الكائن
الحي في حال وجود خليا أخرى معها ،فاختيار الجينات التي يتم تحفيزها ليعتمد على تحكم
الخلية وحدها ،بل أن هناك تنظيما ً شامل ً يحكم عملية تطور الخليا ككل ،ويجعل الخليا
المتجاورة تتفاعل بطريقة تقودها لتكوين كائن كامل ،وذلك بالتحكم في جهازها الوراثي الذي
يتحكم بالتالي بتمايز الخليا إلى أعضاء مختلفة .فالجينات تحدد التتابع الذي تتخذه الحماض
المينية لتكون البروتين ،وأختلف التراتيب التي تتواجد بها هذه الحماض هو مايحدد الصفات
الوراثية للكائن الحي .إل أن مسألة نمو الكائن الحي ليست بناء البروتينات في الخلية
المناسبة ،في الوقت المناسب وحسب ،إنما هو هورموني وتناسق بديع يسير وفق خطة
ليمكن لها إل أن تكون موضوعة سلفا ً ،فأعصاب باطن قدمك التي تمتد لكثر من متر ليمكن
أن تكون قد قادتها الصدفة أوسيرتها طبيعتها الخلوية بل هو برنامج محدد ،يسير وفقه هذا
العصب مارا ً بين عضلت مختلفة ليصل أقصى نقطة في الجسد .فالجسد ينمو ويتطور بنمو
خلياه وهذه الخليا تنمو بالتغير المستمر الذي يسير وفق برنامج محدد ،أداة تنفيذه ال DNA
والبرامج الوراثية التي تخضع بدورها لنظام محكم يفوقها ويسيرها والذي لم نستطع إدراك
كنهه بعد ،فهذه البرامج الوراثية وبكل ماتقوم به من دور في تشكيل الكائن الحي ليست
سوى ترانزستور يشكل الكائن الحي ليظهره بصورة موافقة لتلك المستقرة في عالم الرواح
أوتلك المرسومة في حقله المورفوجيني وفقا ً لنظرية العوامل المورفوجينية التي قال به
العالم الروسي الكسندر غارويتشي سنة . 1922إن ماجرى على بييضة الرنب تأكد عدم
سريانه على كل الكائنات الحية ،إذ أن فصل أحد الخليتين الناتج عن النقسام الول لبييضة
الدودة الحلقية وحضانتها في الظروف المناسبة لها لم يحقق نمو دودة حلقية كاملة ،ولم ينتج
ف لبدء الحياة ،والسبب في هذا عن حضانتها سوى تكون جزء بسيط من الجنين لم يكن بكا ٍ
راجع الى احتواء هذه الخلية على معلومات توجيه ثابتة إكتسبتها من الخلية الم المنقسمة عنها
،ولتملك هذه الخلية إل السير وفق هذه الوامر مهما كانت الظروف التي تمر بها ،حتى وإن
كانت هذه الظروف وضعها بعيدا ً عن غيرها من الخليا ،المر الذي لينتج عنه إل تكوين جزئي
للجنين ،فالنقسام في هذا النوع من الكائنات محدد .أما النسان فتجدنا نقول بحرية إنقسام
خلياه Indeterminateفكل خلية من خليا الجنين الناتجة عن انقسام البييضة تحتوي بداخلها
معلومات وراثية ،تجعل هذه الخلية تنمو لتكون أحد أعضاء الجنين ؛ فهذه خلية تحمل برنامجا ً
يجعلها تكون خليا الدماغ وهذه أخرى تحمل أسس تكوين الجهاز الهضمي وهكذا ...فكل خلية
تتطور لتكون العضو المسخرة لبناءه ليكون مجموع الخليا وتحت سيطرة البرنامج المحدد
الذي تحدثنا عنه منذ قليل الجنين الكامل .لكن ماذا سيحدث لو إنفصلت أحد هذه الخليا عن
شقيقتها ؟ هل ستكون نصف جنين؟ ذلك مالنراه .بل إن الواقع يرينا عكسه فالتوائم
المتطابقة التي تقابلنا كثيرا ً ليست غير تطبيق طبيعي لتقنية فصل الخليا فورأنقسام البييضة ،
ففي أحوال الحمل العامة تنقسم البييضة إلى خليتين ،ثم يستمر انقسام هذه الخليا لتتمايز
فيما بعد إلى أعضاء مختلفة لتكون جنينا ً واحدا ً .أما في حالت التوائم المتطابقة فمايحدث بعد
انقسام البييضة هو انفصال الخليتان الناتجتان لتنمو كل منهما على حده وتبدأ تنفيذ البرنامج
الوراثي لنشاء قاعدة جنين كامل بواسطة النقسامات المتكررة ،وتكون النتيجة جنينين
متشابهين .الستنساخ في حياتنا :تشاركنا حياتنا الكثير من الكائنات الحية التي لتظهر لنا إل
بتعمدنا البحث عنها ،ومن هذه المخلوقات كائن مجهري وحيد الخلية يدعى الميبا ،يعيش في
مياة المستنقعات فيلتقط مايجد فيها من مواد عضوية يحصل منها على الطاقة اللزمة ويدعم
بها بناء جسده ،فيزداد حجم الميبا حتي تطال حجما ً معينا ً لتستطيع بعده الستزادة ،فتنقسم
الميبا إلى خليتين يحتوي كل منهما ذات العدد من الكروموسومات ) المورثات ( ،فالنقسام
هنا لم يستلزم وجود جنس مقابل من الكائن الحي ،أي أنه تم بدون الحاجة إلى وجود ذكر
وأنثى من الميبا ،فمجرد أنقسام الخلية أنتج خليتين جديدتين تتمتعان بكامل صفات الكائن
الحي ،بما فيها التكاثر بذات الطريقة .أما في النباتات والحيوانات فإن حياتها تكاد تكون
مستحيلة بدون استنساخ خلياها بواسطة النقسام ،إذ أن هذه هي الطريقة الوحيدة لستمرار
نموها ،بل هو لزم لستمرار حياتها .فالنسان ينشأ بانقسام خلية واحدة العديد من
النقسامات لتشكل مليارات الخليا ،ويستمر استنساخ الخليا في النسان طوال حياته
لتعويض مايبلى من خلياه ،إذ يفقد النسان كل يوم %من مجموع خليا جسده ،ولو لم يتأتى
له تعويض هذه الخليا لتلشى خلل أيام .فهذه كريات الدم الحمراء لتعيش الواحدة منها
لكثر من 120يوما ً ،ومايبلى من هذه الخليا يعوضه الجسد باستنساخه لخليا جديدة تحمل
ذات الصفات ،ومئات خليا الجلد التي تتلشى كل يوم يتم استنساخ خليا أخرى مكانها ،
وكذلك الخليا المبطنة لتجاويف الجسد ،فتعويض هذه الخليا المفقودة بذات الطريقة
)الستنساخ( تضمن للنسان أن يعيش رغم فقده للف الخليا كل يوم .التكاثر بل تزاوج:
الستنساخ وإن كان يعتمد نوعا ً خاصا ً من المزاوجة ،إل أنه ليحتاج في سبيل تحققه لتمام
مراسم الزواج السائده عند النسان والحيوان وحتى بعض الكائنات المجهرية .فالنسان قد
حافظ ـ وحتى هذا الوقت ـ على التزاوج كوسيلة لبد منها لنتاج كائنات جديدة ،وكانت الطبيعة
سندا ً له في ذلك فلم تشذ عن هذه السنة إل في حالت نادرة كان يقصد من وراءها العجاز
اللهي .إل أن هذا لم يكن حائل ً لستنساخ كائنات حية عن غير هذا الطريق ،ولم يكن في هذا
أيما تحدٍ ،لن الطبيعة ذاتها كانت تسمح بالتكاثر بوسائل شتى لنواع مختلفة من الكائنات ،
فالتكاثر العذري واللجنسي والنقسام البسيط كلها اشكال مثبتة تضمن التكاثر دون اللجؤ إلى
الثنائية التقليدية وضرورة الخصاب .بل أن أجسامنا ذاتها تعتمد هذا السلوب بشكل دائم
ومستمر ،فخليا الجلد تهتري منها المئات كل يوم فتتجدد باستنساخ نفسها ،والكبد إذا فني
بعض من خلياه أعاد ترميمها دون الحاجة إلى أي اخصاب ،وكذلك خليا العضلت وخليا
العظام ،وأي خلية من خليا جسدك لك أن تتصور لها القدرة على نسخ نفسها ،حتى يطال
تفكيرك خليا الدماغ ،عندها سنضطر لدعوتك للتأمل معنا ...إذ أن خليا الدماغ وحدها غير
قابلة للتجديد فمايموت منها ليعوضه شيء ،بل إن أنقسامها يتوقف منذ الشهر الولى لنمو
الجنين ،ولنا في هذا الموضوع وقفة أخرى نرجو أن تتحقق .هل يحقق الستنساخ الخلود :في
إحدى التجارب ُأخذت خلية من نسيجها ،ووضعت في إناء به سائل مغذي مناسب لطبيعة
الخلية ومشابه للوسط الذي كانت تعيش فيه ،فحدثت بهذه الخلية انقسامات عده ُ .أخذت
واحدة من الخليا الناتجة عن هذه النقسامات ،وفصلت وحدها في إناء آخر به ذات السائل
المغذي لتواصل انقسامها ،فانقسمت هذه الخلية بدورها عدة انقسامات ثم توقفت،أخذت
خلية من ناتج النقسام هذا وفصلت بذات الطريقة السابقة ،فمرت هذه الخلية هي الخرى
بعدد من النقسامات ثم توقفت .لوحظ من هذه التجربة أن عدد النقسامات التي تمر بها كل
واحدة من الخليا السابقة يتناسب مع عدد النقسامات التي شهدتها الخلية الم والتي كان من
نتاج انقسامها الخلية الحاليه موضع التجربة ،وكأن عمر كل خلية من هذه الخليا محدد بعدد
من النقسامات تمر بها ثم تنتهي ،ولوحظ كذلك وجود علقة بين عددالنقسامات التي
تشهدها الخلية وعمر الكائن المأخوذة منه هذه الخلية ،فالخلية المأخوذة من جنين انقسمت
50مرة قبل توقفها عن النقسام ،والخلية المتأتية من شخص بالغ انقسمت 30مرة وتلك
القادمة من الكهل لم يتجاوز عدد انقساماتها 20انقساما ً ،ويتوقف عدد النقسامات على
متوسط عمر الكائن كذلك إذ مرت خلية ُأخذت من السلحفاة بعدد 114انقساما ً قبل توقفها،
ونعلم جميعا ً أن السلحف من الكائنات المعمرة التي يتجاوز عمرها المائة عام .وكانت أفضل
الخليا التي ُأعتمد عليها في عمليات الستنساخ تلك المأخوذة من الجنة ،أما تلك التي ترجع
الى أجساد بالغة فكانت تعترضها معوقات كثيرة تمنع تطورها الى أجنة كاملة ،وذلك راجع إلى
جل مقدرتها على النقسام خلل حياتها ضمن جسد أن جميع خليا الشخص البالغ قد استهلكت ُ
صاحبها ،فلم يعد مقدرا ً أمامها سوى عدد محدود من النقسامات ،ليكفي لبناء كائن جديد ،
كما أن التعرض لمدة طويلة ) عمر النسان المأخوذة منه الخلية ( للعديد من العوامل
الفيزيائي منها والكيميائي ،ليمكن إل أن يكون قد خلف حيودا ً في البرنامج الوراثي للخلية مما
يعيق قدرتها على النقسام .فالستنساخ إذا ً يستلزم خليا قادرة على النقسام ،ولها رصيد
جيد من القدرة عليه ،وفي هذا كامل الرد على من يظن بالستنساخ قدرة على تخليد النسان
،لن الستنساخ ليس إعادة النسان في ثوب جديد ليعيش حياة جديدة .بل إن مايتولد من
بالستنساخ هو كائن أخر ليمت للكائن الول سوى بصفة البوة والمومة معا ً ،ومشابهته له
من الناحية المورفولوجية ،أما غير ذلك فهو كينونة أخرى لها روحها المستقلة ،وربما لها
حقولها المورفوجينية الخاصة بها .والقول باستنساخ الموتى ،لشك أنه تنطع بالقول ،فعودة
الموتى بعث ،والبعث بيد الله لم يسلم مفاتيحه لحد ،فبالموت تموت الخليا ،والستنساخ
ليمكن له أن يتعامل إل مع ماهو حي ،حتى وإن كان هذا الحي دقيقا ً لنراه .وحتى إن تسنى
لنا أن نستنسخ خلية من جسد في المراحل الولى لوفاته ،فليس من المنطق في شيء أن
نعتبر هذا المستنسخ هو ذات الميت ،بل هو كينونة جديدة لها روحها الخاصة بها وحقولها
المورفوجينية كذلك .آفاق جديده :ماتزال هناك الكثير من العقبات التي تقف حجر عثرة في
طريق حرب النسان مع المرض ،ولن النسان لما يضع أسلحته بعد ،فإن الستنساخ يفتح له
أبوابا ً جديدة في هذا المجال ،وبتآزر علم الوراثة الذي ُقطع فيه شوطا ً لبأس به حتى الن مع
الستنساخ الذي لم تبان تطبيقاته بعد يمكن أن يتأمل النسان الكثير من المستقبل ،فعلم
الوراثه وصل الى معرف أسرار بعض المراض الوراثية ،وتمكن من تحديد الجينات
المعطوبة ،لكنه ظل محتارا ً في ايجاد الحل المناسب ،وبظهور الستنساخ يمكن أن نأمل
بإمكانية استبدال أنوية الخليا المصابة بالخلل الجيني بأنوية سليمة مستخلصة من خليا نفس
المريض ،لتتكاثر هذه الخليا الجديدة حالة محل الخليا الغير سليمة ،وبهذه الطريقة يمكن أن
نتجاوز عمليات الرفض التي قد تعترض بعض حالت نقل العضاء .ويمكننا زرع أنوية
مستخلصة من خليا النسان ضمن خليا أي كائن آخر كالبكتيريا مثل ً لحثها على إنتاج أى مادة
نحتاجها في علج الحالت المرضية كالهرمونات أوالنزيمات ،فيكون هذا الهورمون أو النزيم
مشابها ً تماما ً لما ينتج في جسم النسان .وغير هذا كثير من التطبيقات التي يمكن أن تطالها
يد العلماء كل في تخصصه ،بمجرد أن يثبت هذا القادم الجديد أقدامه على الرض .إن كل
اختراع أواكتشاف علمي لشك يمنحنا خطوة تالية إلى المام على درب المعرفة الشامله ،أما
الستنساخ فلشك أنه سيكون الخطوة التي أوصلتنا إلى قمة الهرم لُتظهر لنا دروبا ً كثيرة
ظلت مهملة طيلة الزمان الماضية .