Professional Documents
Culture Documents
تأليف وتحقيق
حسن شعراوي
hasansalehsharawy@yahoo.com
hsharawy2010@gmail.com
تمهيد
فواتح السور ): (3
من الموضوعات القرآنية التي تناولها الباحثون هو فواتح السور .ونعني بفواتح السور هذه الحروف
المقطعة الموجودة في فاتحة بعض السور القرآنية .وتزداد أهمية هذا الموضوع عندما نلحظ ما
أثير حوله من مشاكل وشبهات قد تؤدي إلى الشبهة في القرآن الكريم نفسه .وسوف يعالج هذا
البحث تفسير هذه الظاهرة في القرآن الكريم ونترك معالجة الشبهات حولها إلى بحث قرآني آخر.
وقد جاءت هذه الحروف المقطعة في سور متعددة من القرآن وعلى أشكال مختلفة :منها ما هو ذو
حرف مثل )ص والقرآن ذي الذكر( و)ق والقرآن المجيد( و)ن والقلم وما يسطرون( .ومنها ما هو
ذو حرفين مثل )طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى( و)يس والقرآن الحكيم( و)حم تنزيل الكتاب من
الّ العزيز الحكيم( .ومنها ما هو ذو ثلثة حروف أو أكثر مثل )الم( و)المص( و)المر( و)كهيعص(
و)حم عسق( ...إلخ.
وحين نأتي لمعالجة هذه الظاهرة في القرآن الكريم .ل نجد العرب قد عرفوا هذه الطريقة من الكلم
عند افتتاح كلمهم .كما أننا ل نجد لهذه الحروف معنى بإزائها غير مسمياتها من الحروف الهجائية.
______________________________
) (3يراجع في هذا البحث :التبيان .51 - 47 /1والكشاف .25 - 21 /1والتفسير الكبير /2
802وابن كثير .69 - 64 /1والمنار .123 - 122 /1ومناهل العرفان 220 - 219 /1
وتفسير القرآن لشلتوت .64 - 35
بسم ال الرحمن الرحيم
)ن ،والقلم وما يسطرون ما أنت بنعمة ربك بمجنون( صدق ال
العظيم
هو النبي الكريم يونس بن متى .قال عنه سيد الخلق وإمام البشر والرحمة
المهداة للعالمين ..محمد بن عبد ال ،صلى ال عليه وسلم" :ل تفضلوني
على يونس بن متى".ـ
القرآن حمال ذو وجوه ول تنقضي عجائبه وإعجازه قائم إلى يوم القيامة وحجته داحضة ظاهرة.
ومن عجائبه الحروف المقطعة ،ومنها حرف النون في سورة القلم.
)ن( من الحروف المقطعة والتي لها شأن في القرآن الكريم في أوائل عدد كبير من سوره.
وقد شرعت في بحثي في دراسة الحروف المقطعة في القرآن الكريم بعد أن اطلعت على عدد كبير
من آراء علماء أجلء أفاض ال عليهم من نعمة العلم من مشايخنا في تفسير معنى الحروف المقطعة،
ومن أرجح الراء التي أعتبرها من خلل بحثي الدقيق أن الحروف المقطعة وال أعلم هي أسماء
لمم عاشت قبل السلم من أجناس مختلفة منها الجن والحن والبن والنس ،وكانت لها طباع
سخ على هيئة طيروأخلقيات عديدة وعجيبة في الوقت ذاته ،وأن هذه المم منها ما هلك ومنها ما ُم ِ
أو حيوان أو جماد كما أقرت بذلك كتب السنة المشرفة والحاديث النبوية الصحيحة.
ي بفهم معنى لهذا الحرف ن ال عل ّ
ومن الحروف المقطعة حرف الـنون في سورة القلم الشريفة ،وقد م ّ
استناًدا إلى القرآن والسنة وهو أن )ن( التي هي في بداية السورة الكريمة هي الحوت.
قد يعجب سائل كيف يكون النون ذلك الحرف الوحيد هو الحوت؟!
لما بحثت في كتب الحديث الشريفة واستحضرت قصة نبي ال يونس وحديث القرآن وعنه ووصفه
ن َأن ّلن ّنْقِدَر
ظّضًبا َف َ
ب ُمَغا ِ
ن ِإذ ّذَه َ
بأنه )ذو النون( يقول تعالى بسم ال الرحمن الرحيم )َوَذا الّنو ِ
عَلْيِه...الية( وكان سبب تسميته بذي النون راجع إلى قصته مع الحوت عليه السلم ،وذلك عندما َ
خرج غاضًبا من قومه لما آذوه ولم يستجيبوا لدعوته إلى توحيد ال وطاعته ،فخرج غاضًبا منهم
ص القرآن ولكن دون إذن من ربه فهو بشر يحمل رسالة ربه إلى الناس بتكليف إلهي كونه نبّيا هكذا ن ّ
وكتب التفاسير ،ولما فر مغاضًبا من قومه أراد أن يحيا بعيًدا عنهم وهذا ما أراده ولكن ال كانت
إرادته سابقة فال أعلم حيث يجعل رسالته من حيث المكان والناس والنبي المرسل إليهم ،لكن نبي ال
يونس لم يصبر على أذاهم وفر هارًبا منهم مغاضًبا فذهب إلى البحر وهناك كانت سفينة تجارية
فركب معهم قبل أن تهم السفينة بالرحيل ،واستأنسه ربان السفينة واستبشروا به خيًرا.
ولكن إرادة ال دائًما هي المتحكمة في أي شيء لن فيها مصلحة العباد ،أو كما نقول أنت تريد وأنا
أريد وال يفعل ما يريد ،غاية ما هنالك أن الكاسب والخاسر هو أنت أيها النسان؛ لذلك أ،ا ل أنسى
أبًدا نصيحة شيخ فاضل لي إذ أوصاني بالستخارة _أي استخارة ربي _ قبل الشروع في أي عمل
لن المصلحة والنفع بيد ال تعالى وكذا الضرر.
نبي ال يونس عليه السلم خرج مغاضًبا كأي إنسان وترك أرض الرسالة فأبت حكمة ال إل أن يعود
ولكن بعد عقاب بسيط لهذا النبي عليه السلم ،وعقاب النبياء ليس كبقية البشر فعقاب ال لهم تدريب
وثواب مضاعف!
وتشاء إرادة ال أن تهيج الرياح في البحر وتتلطم المواج ويختل توازن السفينة ،فينادي نبي ال
يونس عليه السلم الناس بأن يدعوا ال أن يرحمهم وينجيهم مما هم فيه ،فيبكون ويتوبون ،لكن ل
زالت المور مضطربة فالسفينة ستغرق ،إذن يجب أن نخفف أحمال السفينة فيلقون بطعامهم
ط ابنك تحت رجليك_ وهذا ما حّ وشرابهم وأمتعتهم حتى بأبنائهم _ وكما نقول إن جالك الطوفان ُ
فعلوه ولكن ثورة البحر لم تهدأ وظهرت الحيتان حول السفينة تحوم وتنادي بأصواتها التي ارتجف
لها شراع السفينة ..ماذا تريد الحيتان؟!
إنها تريد يونس عليه السلم!
حتى حيتان الماء؟! نعم حتى حيتان الماء تعرف النبياء ،ولسان حالهم يقول :إذا كنتم يا بني البشر ل
تريدون هذا الرجل الصالح يونس عليه السلم فنحن حيتان البحر نحتاجه ليس لنأكله ولكن لنأنس به!
وبالفعل يقترع ركاب السفينة على من يلقي بنفسه فداءً لنجاة الباقين ويدخل نبي ال يونس معهم في
القرعة فيرفضون فيلح ويصر أن يكون معهم في القرعة فيقترعون ثلًثا فتقع الُقرعة على نبي ال
يونس عليه السلم
إذن هو المطلوب ،فيبكي الناس ويدعون ربهم أن ينجيهم من أجل نبي ال يونس لكن يجب وأن ُتنّفذ
إرادة ال
فيودعهم نبي ال ويوصيهم بالطاعة ثم يقف على حافة السفينة ،وهنا تكون المعجزة يخرج أكبر
الحيتان ويفغر فاه وكأنه يقول روحي فداك يا نبي ال يونس!
ويلقي يونس بنفسه في فم النون – الحوت – وظل الحوت ل يأكل ول يشرب وذو النون في بطنه
يسبح ويستغفر )ل إله إل أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ل إله إل أنت سبحانك إني كنت من
الظالمين ل إله إل أنت سبحانك إني كنت من الظالمين(
ويعيش بني ال يونس بعيًدا عن الناس بل عن العالم كله ،ولكن هلى تنفعك الوحدة التي رجوتها يا
يونس؟! نعم تعبت من الناس لكنك ُمَكّلف!
وظل الحوت يسمع ويردد كلم نبي ال يونس عليه السلم ومن حوله كائنات البحر تنادي ربهــا
بأن يعفو عنه ،ثم تنادي الملئكة _ كما نصت كتب السنة _ قال فسبح وهططو فططي بطططن
الحوت ،فسمعت الملئكة تسبيحه.
فقالوا :يا ربنا إنا نسمع صوتا ً ضعيفا بأرض غريبة.
ً
قال رب العالمين :ذلك عبدي يونس عصاني فحبسططته فططي بطططن الحططوت
في البحر.
قالوا :العبد الصالح الذي كان يصعد إليك منططه فططي كططل يططوم وليلططة عمططل
صالح!
قال رب العالمين :نعم.
قال :فشفعوا له عند ذلك فأمر الحوت فقذفه في الساحل
فلما خرج وجده قومه بعد عناء شديد وبحث فططي كططل البقططاع عنططه وجططده
كا متعًبا فسجدوا لله توبة وشكًرا فغفر الله لهم يقول تعالى: منه ً
ي ِفي ال ْ َ
حَياةِ الد ّن َْيا ب ال ْ ِ
خْز ِ م عَ َ
ذا َ فَنا عَن ْهُ ْش ْمُنوا ك َ َ س لَ ّ
ما آ َ }إ ِّل قَوْ َ
م ُيون ُ َ
ن{
حي ٍم إ َِلى ِ مت ّعَْناهُ ْ
وَ َ
ضا يقول النبي صلى ال عليه وسلم في إذن النون هو الحوت كما نصت على ذلك الية الكريمة ،وأي ً
الحديث) :ما قدس ال أمة ل يأخذ ضعيفها الحق من قويها غير متعتع_ أي غير ناقص ول متعب _
ت-أي دعت صّل ْ
ضَ ، ثم قال أي النبي صلى ال عليه وسلم :من انصرف غريمه _دائنه_ وهو عنه را ٍ
له بالستغفار وزيادة النعم – عليه دواب الرض ونون الماء _أي حوت البحار_ ومن انصرف
غريمه وهو ساخط كتب عليه في كل يوم وليلة وجمعة وشهر ظلم( .صدق رسول ال عليه وسلم
)واخرجه الطبراني في الكبير ،ورواه أحمد بنحوه من حديث عائشة بإسناد جيد قوي(
والشاهد في الحديث أن النون هو حوت البحر.
ولكن
هل الحوت شاهد عدل على بني يهود؟!
-1إنها جاءت لثارة انتباه المشركين وجعلهم يستمعون إلى القرآن بإنصات وإصغاء .ويرد عليه
بأن ذلك يستوجب إثارة النتباه في كافة سور القرآن وليس بعضها ،وكذلك في فواتح خطب
وأحاديث الرسول العظم )ص(.
-2إن جمع حساب كل حرف من هذه الحروف بعد حذف المكرر منها ُيَمّكن من معرفة مدة بقاء
هذه المة واستخلص أزمان الحوادث والفتن والملحم ،وذلك عن طريق حساب الجمل البجدية
)أبجد هوز( بما يقابلها من أرقام ،أو ما يعرف باسم حساب )أبي جاد(.
ويرد عليه بأن هذا تكلف من جهة القرآن ،كما أنهم حسبوا مدة بقاء هذه المة بـ) (693عامًا ،وقد
ص ال نفسه بأمور الغيب كهذه ،فقال في تجاوزنا الن ضعفها بكثير ،وكيف يعلمون ذلك وقد خ ّ
حاِم َوَما َتْدِري َنْف ٌ
س لْر َ
ث َوَيْعَلُم َما ِفي ا َ
ل اْلَغْي َ
عِة َوُيَنّز ُ
سا َ
عْلُم ال ّ
عْنَدُه ِ
ل ِ ن ا َّ
خاتمة سورة لقمانِ} :إ ّ
خِبيٌر{ ]لقمان.[34: عِليٌم َ ل َن ا َّت ِإ ّ
ض َتُمو ُ ي َأْر ٍ س ِبَأ ّ
غًدا َوَما َتْدِري َنْف ٌ
ب َ
س ُ
َماَذا َتْك ِ
-3إنها أسماء للسور التي افتتحت بها .ويرد عليه بأنها لو كانت أسماء للسور لستوجب ذلك وجود
مجموعة سور تحمل نفس السم ،مما يعني وجود سورتين باسم )طسم( ،وخمس سور باسم )الر(،
وست سور باسم )الم( ،وست سور أخرى باسم )حم( ،وهذا مما ل يعقل.
-4إنها أسماء للقرآن .ويرد عليه بأنه لم يصلنا من الروايات ما يشير إلى أن الرسول الكرم )ص(
أو أحدًا من أهل بيته )ع(؛ دعا إلى قراءة )الم( أو )حم( أو )طس( أو غيرها ،وهو يقصد من ذلك
الشارة إلى القرآن بأكمله ،بل على العكس تمامًا ،فإنه ترد أسماء كـ)حم السجدة( للدللة على سورة
معينة ل أكثر.
-5إن كل حرف من هذه الحروف يشير إلى اسم من أسماء ال الحسنى .ويرد عليه بوجود
ل -في )كهيعص( :إن الختلف الكبير في تعيين أسماء ال التي تشير إليها هذه الحروف ،فقالوا -مث ً
الكاف تدل على الكافي ،والهاء على الهادي ،والياء على الحكيم ،والعين على العليم ،والصاد على
الصادق .بينما قال آخرون بأن :الكاف تدل على الملك ،والهاء على ال ،والياء والعين على العزيز،
والصاد على المصور .وقال فريق ثالث بأنها تدل على :الكبير ،الهادي ،المين ،العزيز ،الصادق.
وهناك من القوال المختلفة غيرها مما يخدش في خبرها ودقته.
-6إنها حروف لو أحسن الناس تأليفها لعلموا اسم ال العظم .ويرد عليه بما ثبت من كون اسم ال
العظم ليس اسمًا لفظيًا ،وتفصيل ذلك في مبحث )أسماء ال الحسنى(.
-7إنها أقسام أقسم ال بها على أنها من أسمائه أو أنها من الحروف المعجمية التي تألف منها
القرآن .ويرد عليه بأن هذه القسام -إن صحت -ل تستوفي تمام شروط القسم وأركانه من ذكٍر لداة
القسم والقاسم والمقسوم به والمقسوم عليه والغاية من القسم ،وأن يرد بعدها قسم في بعض الحيان
ل يدل على كون هذه الحروف قسمًا بحد ذاتها.
فائــــــــــدة:
يقول العلمة السيد محمد حسين الطباطبائي ما نصه :ثم إنك إن تدبرت بعض التدبر في هذه السور
التي تشترك في الحروف المفتتح بها مثل الميمات والراآت والطواسين والحواميم وجدت في السور
المشتركة في الحروف من تشابه المضامين وتناسب السياقات ما ليس بينها وبين غيرها من السور.
ل اْلِكَتابِ
ويؤكد ذلك ما في مفتتح أغلبها من تقارب اللفاظ كما في مفتتح الحواميم من قولهَ} :تْنِزي ُ
ب{ أو ما هو في معناه، ت اْلِكَتا ِ
ك آَيا ُ
ل{ أو ما هو في معناه ،وما في مفتتح الراآت من قولهِ} :تْل َِمنْ ا ِّ
ونظير ذلك واقع في مفتتح الطواسين ،وما في مفتتح الميمات من نفي الريب عن الكتاب أو ما هو
في معناه.
ويمكن أن يحدس من ذلك أن بين هذه الحروف المقطعة وبين مضامين السور المفتتحة بها ارتباطًا
خاصّا ،ويؤيد ذلك ما نجد أن سورة العراف المصدرة بـ)المص( في مضمونها كأنها جامعة بين
مضامين الميمات وص ،وكذلك سورة الرعد المصدرة بـ)المر( في مضمونها كأنها جامعة بين
مضامين الميمات والراآت ][5
تصانيف في الحروف المقطعة:
من التصانيف التي ألفت في هذا الموضوع) :رسالة في أسرار الحروف التي في أوائل السور
القرآنية( لبن سينا) ،الحروف المقطعة في أوائل السور( لبي سعيد الخادمي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
] [1جار ال أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري .الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون القاويل في وجوه التأويل ،ج ،1ص
.139
] [2السيد هاشم بن سليمان بن إسماعيل الحسيني البحراني .البرهان في تفسير القرآن ،ج ،1ص.54
] [3محمد باقر المجلسي .بحار النوار الجامعة لدرر أخبار الئمة الطهار ،ج ،2ص.319
] [4بدر الدين محمد بن عبدال الزركشي .البرهان في علوم القرآن ،ج ،1ص.258
] [5السيد محمد حسين الطباطبائي .الميزان في تفسير القرآن ،ج ،18ص.9-8
وتتناول النقطة الخامسة :كل المعلومات التي ترتبط بتأريخ النسان ومزاجه النفسي والروحي
والعقلي والقوانين الجتماعية العامة التي تتحكم في سلوكه وعلقاته ومدى صلته بالسماء وأساليب
هذه الصلة من النبوة والوحي واللهام والدين والكتاب والشريعة وجميع صفات النبياء التي تستنبط
من قصصهم.
وتتناول النقطة السادسة :كل المعلومات التي ترتبط بالبرزخ والمعاد والجنة والنار.
وتتناول النقطة السابعة :كل المعلومات التي ترتبط بالقيم والمثل التي يجب أن يتحلى بها النسان
والتي ترتفع به في عالم النسانية وتوصله إلى الكمال المنشود.
وتتناول النقطة الثامنة :كل المعلومات التي ترتبط بالشريعة السلمية بجوانبها القتصادية
والجتماعية والتجارية والحربية وغيرها).(2
وقد سلك القرآن الكريم لتبيان هذه الموضوعات منهجًا فريدًا يكاد يتميز عن سائر مناهج الكتب
الدينية الخرى حيث نرى أنه ل يكاد تمر سورة من القرآن الكريم أو جزء منه إل وقد تناول أكثر
هذه الموضوعات بأسلوب غاية في التناسق والربط والنسجام .كما نجد القرآن الكريم من ناحية
أخرى يعمل على إيضاح بعض المفاهيم والفكار غير المادية عن طريق المثلة والصور المادية
ليقرب بذلك الفكرة إلى النسان الذي ل يرى إل من خلل هذه الصور ويحدد الفكرة عن طريق
تكرار المثلة وتكثير الصور لتخلص مما قد يعلق بها من شوائب المادة وحدودها .كما أشرنا إلى
ذلك في بحث المحكم والمتشابه.
ونحن نعرف أن الهدف الساسي الذي استهدفه القرآن الكريم في نزوله هو التربية والتغيير
الجتماعي ل التثقيف والتعليم فحسب .ولذا نجد السلوب القرآني يخضع في جميع مراحله إلى هذا
ل ولكنه يؤدي إلى الغاية والهدف .وقد أوضحنا في الهدف ويأتي بهذا الشكل الذي قد يبدو متداخ ً
بعض أبحاثنا السابقة جوانب متعددة من هذه الطريقة في العرض والبيان.
_____________________________
) (2راجع بهذا الصدد الميزان :مقدمة تفسيرالميزان -ص . - 11
ولم يؤثر عن الرسول )ص( شيء صحيح في تفسير هذه الحروف بل يكاد أن ل يؤثر عنه شيء في
ذلك مطلقًا ليكون هو القول الفصل فيها .لعل هذا هو السبب في تعدد آراء العلماء واختلف وجهات
النظر فيما بينهم بصدد تفسير هذه الحروف :
وهناك اتجاهان رئيسان في تفسير هذه الحروف :
التجاه الول :
ل سبحانه بعلمها .ولذا فليس من الممكن هو الذي يرى أن هذه الحروف من الشياء التي استأثر ا ّ
لحد أن يصل إلى معرفة المراد منها .ويؤيد هذا التجاه ما روي عن عدد من الصحابة والتابعين.
ل فل تطلبوه .وذهب إليه كثير من العلماء والمحققين .كما جاء من أن الفواتح سر القرآن وأنها سر ا ّ
ذلك في بعض الروايات عن طريق أهل البيت )ع((4).
والتجاه الخر :
هو الذي يرى أنه ليس في القرآن الكريم شيء غير مفهوم لنا أو معروف لدى العلماء والمحققين.
ل سبحانه وتعالى وصف القرآن الكريم بصفات متعددة ل تتفق مع هذا وذلك انطلقًا من حقيقة أن ا ّ
الخفاء والستئثار فهو جاء بلسان عربي مبين كما أنه نزل تبيانًا لكل شيء وهدى للناس وغير ذلك.
وحين يكون القرآن بهذه الصفة ل يمكن إل أن يكون مفهومًا للناس واضحًا لهم .وقد نسب هذا
التجاه إلى المتكلمين من علماء السلم.
وعلى أساس هذا التجاه نجد كثيرًا من العلماء يحاولون تفسير هذه الحروف المقطعة المر الذي
استلزم تعدد مذاهبهم في ذلك .وقد ذكر الشيخ الطوسي مذاهب مختلفة في تفسير هذه الحروف وعد
منها الفخر الرازي واحدًا وعشرين تفسيرًا وسوف نقتصر على ذكر المهم منها :
______________________________
) (4التبيان .48 /1 :
الول :
ل وصفاته وأفعاله فقد روي
ما نسب إلى ابن عباس من أن هذه الحروف ترمز إلى بعض أسماء ا ّ
ل أرى() (5إلى غير ذلك .ويؤيده ما روي عن ل أعلم( .وفي )المر( ) :أنا ا ّ
عنه في )الم( ) :أنا ا ّ
ل(6).
معاوية بن قرة عن النبي )ص( من أنها حروف من أسماء ا ّ
الثاني :
إنها أسماء للقرآن الكريم كالكتاب والفرقان والذكر .وإلى هذا المذهب صار جماعة من التابعين
كقتادة ومجاهد وابن جريج والكلبي والسدي(7).
ويناقش هذان المذهبان بأنهما ل يستندان إلى دليل أو قرينة وإنما هي رجم بالغيب فل مناسبات
الظروف الموضوعية ول مناسبات الكلم اللغوية هي التي تشير إلى هذا المعنى وحالهما حال كل
تفسير أو فرضية أخرى يمكن أن تذكر شريطة أن ل تتنافى مع بديهّيات العقيدة القرآنية.
الثالث :
إن هذه الحروف مقتطعة من أسماء لها دللة معينة بحسب الواقع وهي مجهولة لنا معلومة للنبي
)ص( ويؤيد ذلك أن هذه الطريقة كانت معروفة لدى بعض العرب في مخاطباتهم وأحاديثهم .وقد
روي ذلك عن ابن عباس وابن مسعود وجماعة من الصحابة(8).
كما أن ما ذهب إليه الطبري وروي عن ابن أنس يكاد يتفق مع هذا المذهب أيضًا .وهذا المذهب
قريب إلى المذهب الول الذي روي عن ابن عباس أيضًا .ويمكن أن يناقش هذا المذهب بنفس
مناقشتنا للمذهبين السابقين.
_____________________________
) (5التفسير الكبير .2/6 :
) (6التبيان .1/51
) (7التفسير الكبير 2/6والتبيان .1/47
) (8التبيان .48 - 47 /1
الرابع :
إنها أسماء للسور التي جاءت فيها و)الم( اسم لسورة البقرة و)كهيعص( اسم لسورة مريم و)ن( اسم
لسورة القلم وهكذا...
وقد اختار هذا الرأي أكثر المتكلمين وجماعة من اللغويين) (9واستحسنه الشيخ الطوسي ودافع عنه
بعد أن أورد عليه بعض الشبهات) (10كما اختاره أيضًا الشيخ محمد عبده(11).
وتحمس الفخر الرازي في تأييده وأطنب في بيان الشبهات التي أوردوها عليه ونقضها) (12وأهم
ما أورد عليه الشبهتان التاليتان :
الولى :
إن السم إنما يوضع للتمييز بين المسميات .وهذا ل يتفق مع تسمية عدة سور باسم واحد كما حدث
في البقرة وآل عمران فإنه ورد في أولهما )الم( وحدث في السجدة وغافر وفصلت فإنه ورد في
أولها )حم(.
الثانية :
إن السم لبد أن يكون غير المسمى في الوقت الذي قام الجماع على أن هذه الحروف جزء من
السور التي جاءت فيها.
وقد أجاب الشيخ الطوسي عن الشبهة الولى :بأنه ل مانع من تسمية عدة أشياء باسم واحد مع
التمييز بينها بعلمة مميزة .وقد وقع هذا في العلم الشخصية كثيرًا كما أجاب عن الشبهة الثانية
بأنه ل مانع من تسمية الشيء ببعض ما فيه .كما حدث في تسمية سورة البقرة وآل عمران
والعراف من السور.
______________________________
) (9التفسير الكبير .2/5
) (10التبيان .1/49
) (11المنار .1/122
).11 - 8 /2 (12
ولكن مع كل هذا -قد يلحظ على هذا الرأي : -أن الحروف تقرأ مقطعة بذكر أسمائها )الف -لم
-ميم( ل مسمياتها وهذا ل يناسب أن تكون أسماء للسور وإل لكان قراءتها بمسمياتها كما هي
مكتوبة .وهذه الكيفية من القراءة تناسب أن تكون الحروف مقصودة في نفسها بالذكر ل أنها أسماء
لشياء أخرى.
الخامس :
إن هذه الحروف إنما جيء بها ليفتتح بها القرآن الكريم وليعلم بها ابتداء السورة وانقضاء ما قبلها.
وقد اختار هذا الرأي البلخي وروي عن مجاهد أيضًا وذكر له الشيخ الطوسي بعض المثلة من
استعمالت العرب) .(13ويؤيده قول احمد بن يحيى بن ثعلب :إن العرب إذا استأنفت كلمًا فمن
شأنهم أن يأتوا بشيء غير الكلم الذي يريدون استئنافه فيجعلونه تنبيهًا للمخاطبين على قطع الكلم
الول واستئناف الكلم الجديد(14).
وقد يلحظ على هذا الرأي بعدم شمول هذه الطريقة لجميع سور القرآن الكريم ويبقى الختصاص
حينئذ سرًا نحتاج إلى إيضاحه والكشف عنه.
______________________________
) (13التبيان .1/47
) (14التفسير الكبير .2/7
السادس :
إنها أسماء للحروف الهجائية المعروفة .وإنما جيء بها تنبيهًا للناس على أن القرآن الكريم الذي
عجزوا عن مباراته والتيان بمثله ليس إل مؤلفًا من هذه الحروف ومركبًا منها فلم يكن التحدي به
لنه يحتوي على مادة غريبة عنهم وإنما كان بشيء مركب من هذه الحروف التي يتكلمون
ويتحادثون بها وقد عجز عن التيان بمثله أهل الفصاحة والبلغة .وقد ذهب المبرد وجمع كبير من
المحققين إلى هذا المذهب(15).
ويمكن أن يناقش هذا المذهب بأن مجرد ذكر الحروف في أول السورة بهذا الشكل المتقطع ل يكفي
في إيضاح هذه الحقيقة .وقد ل يشعر الناس بذلك .فل يحقق حينئذ القرآن هدفه من ذكرها.
وقد كان من الممكن أن يصل القرآن إلى ذلك عن طريق إيضاح الفكرة ببيان قضية عامة تستوعب
هذا المضمون وتشرحه .فالفكرة التي يتبناها هذا المذهب وإن كانت صحيحة ولكنها تبدو غير
منسجمة مع طبيعة ذكر هذه الحروف بهذا السلوب.
السابع :
أن هذه الحروف إنما جاءت في أول السور ليفتح القرآن أسماع المشركين الذين تواصلوا بعدم
النصات إليه .كما جاء في قوله تعالى -على لسانهم )ل تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم
تغلبون( فكانت هذه الحروف -بطريقة عرضها وغموضها سببًا للفت أنظار المشركين إلى استماع
القرآن الكريم رجاء أن يتضح لهم منه هذا الغموض والبهام عند استماعهم له.
ويزداد هذا المذهب وضوحًا إذا لحظنا الحالة النفسية التي كان يعيشها المشركون آنذاك حيث
ينظرون إلى القرآن الكريم على أنه صورة المعجزة المدعاة وأنه ذو صلة بالغيب وعوالمه العجيبة.
فهم ينتظرون في كل لحظة أن تحدث ظاهرة غريبة تفسر لهم الموقف وتأتيهم بالمور العجيبة.
______________________________
) (15ن .م .2/6
الثامن :
إنها حروف من حساب الجمل .لن طريقة الحساب البجدي المعروفة الن كانت متداولة بين أهل
الكتاب آنذاك .فهذه الحروف تعبر عن آجال أقوام معينين.
ومن هنا نجد -كما روي عن ابن عباس -أبا ياسر ابن أخطب اليهودي يحاول أن يتعرف على أجل
المة السلمية وعمرها من خلل هذه الحروف(16).
وقد لحظ ابن كثير على هذا الرأي بقوله ) :وأما من زعم أنها دالة على معرفة العدد وأنه يستخرج
من ذلك أوقات الحوادث والفتن والملحم فقد ادعى ما ليس له .وطار في غير مطاره وقد ورد في
ذلك حديث ضعيف .وهو مع ذلك أل على بطلن هذا المسلك من التمسك به على صحته(17)(..
كما لحظ عليه السيد رشيد رضا بمثل هذه الملحظة حيث قال ) :إن أضعف ما قيل في هذه
الحروف وأسخفه أن المراد بها الشارة بأعدادها في حساب الجمل إلى مدة هذه المة أو ما يشابه
ذلك((18).
التاسع :
إن ذكر هذه الحروف في القرآن الكريم يدل على ناحية إعجازية تشبه دللة بقية اليات القرآنية.
وذلك لن النطق بهذه الحروف وإن كان متيسرًا بالنسبة إلى كل من يتكلم العربية .ولكن أسماءها لم
يكن يتيسر إل للمتعلم من العرب ولما كان النبي )ص( أمّيا -كما يعرفه بذلك معاصروه -فقدرته
على معرفة أسمائها قرينة على تلقيه ذلك من قبل الغيب .ولعل هذا هو السبب في تقديم ذكرها على
السورة كلها.
______________________________
) (16ن .م .2/7
) (17تفسير القرآن العظيم .1/68
) (18المنار .1/132
وقد أوضح الزمخشري هذه الفكرة بإبداء ملحظة أخرى هي :أن ظاهرة غريبة تلحظ حين نريد
أن ندرس هذه الحروف بدقة تدعونا إلى الحكم بأن هذه الحروف قد اختيرت بعناية فائقة ل تتوفر إل
لدى المتخصصين من علماء العربية).(19
العاشر :
ما ذكره ابن كثير وأوضحه السيد رشيد رضا وحاصله :أن من الملحظ أنه قد جاء بعد هذه
الحروف ذكر الكتاب الكريم ونبأ تنزيله .ولم يتخلف عن ذلك إل سور أربع هي مريم والعنكبوت
والروم والقلم وفي كل واحدة من هذه السور نجد أمرًا مهمًا يشبه مسألة الكتاب وإنزاله.
فأننا نجد في فاتحة سورة مريم خلق يحيى من امرأة عاقرة كبيرة ومن شيخ عجوز وهو أمر يخالف
القوانين التجريبية السائدة .وفي فاتحة العنكبوت والروم أمران مهمان يرتبطان بالدعوة ومصيرها
ل لختبار الناس وتمييز الصالح منهم
حيث جاء في فاتحة العنكبوت بيان قانون اجتماعي وضعه ا ّ
عن غيره .ولهذا القانون تأثير كبير على سير الدعوة حيث يوضح أن الفتنة والعذاب ل يمكن أن
ل لحبائه وإنما هما اختبار لصدق إيمانهم ورسوخه.
ل على خذلن ا ّ يكون دلي ً
______________________________
) (19الزمخشري .24 - 23 /1واقرأ تعليق أحمد بن المنير السكندري أيضًا.
وفي فاتحة الروم قضية الخبار بغلبة الروم على الفرس في بضع سنين .وفي فاتحة القلم وخاتمتها
ل عليه وآله من تهم كما تبرئة الرسول من تهمة الجنون التي كانت من أول ما رمي به النبي صلى ا ّ
أن السورة كانت من أول ما نزل من القرآن.
وهذا الرتباط بين الحروف المقطعة وبين التأكيد على الكتاب وإنزاله من السماء يدعونا للقول إنه
إنما جيء بها لغاية قرع السماع وهز القلوب ودفع الناس إلى استماع القرآن الكريم والنصات
إليه(20).
وهذا المذهب يكاد ينطلق من المذهب السابع -كما اعترف بذلك السيد رشيد رضا -كما أن السيد
رشيد رضا يخطئ حين يتصور أنه انفرد به حيث سبقه إليه ابن كثير.
موقفنا من هذه المذاهب :
وموقفنا من هذه المذاهب يتحدد على ضوء بعض الظواهر العامة التي عاشتها مسألة )فواتح السور(
وهي :
- 1عدم ورود تفسير واضح للفواتح عن الرسول.
- 2سكوت الصحابة عن سؤال الرسول بصدد هذا الموضوع.
- 3عدم تعارف استعمال العرب لهذا السلوب في كلمهم.
وهذه الظواهر الثلث تجعلنا نؤمن بأن الموقف تجاه هذه الحروف من قبل معاصري الوحي والنبوة
كان واضحًا وجليًا المر الذي أدى إلى سكوت النبي والصحابة معًا .وحينئذ فإما أن يكون هذا
الوضوح نتيجة توضيح النبي بأنها من المتشابهات التي يحسن السكوت والتسليم عندها .أو أنه كان
نتيجة أن الغاية من استعمالها كانت جارية على نهج المذهب السابع .فإنه المذهب الوحيد الذي شرح
القضية بشكل ينسجم مع هذه الظواهر ول يستلزم السؤال والستفسار.
ويكون هذا السلوب في اللفات من الساليب التي برع القرآن في استعمالها.
حسن شعراوي
Hasansalehsharawy@yahoo.com
Hsharawy2010@gmail.com
ســــــــــيرة ذاتيـــة
حسن صالح أبو المعاطي محمد الشعراوي السم :
كاتب وشاعر مصري
alhaqaeq.net
)صاحب ديوان الزورق المثقوب(
كافة حقوق نشره لشركة scribd.com
عضو اتحاد الكتاب والدباء العرب
عضو اتحاد المترجمين الدوليين
ATA
عضو اتحاد الُقّراء
)القرآن الكريم(
عضو منظمة حقوق المرأة العربية
حــــّر
محرر وباحث لغوي ُ العمل:
وقد جاوزت هذه الخبرة 10سنوات( تم خللها مراجعة عدد كبير من الكتب في شتى صنوف
المعرفة ،فتنوعت ما بين كتب في إدارة العمال ،وعلم النفس ،وبرامج الكمبيوتر ،وكتب التراث
السلمي ،ومواقع النترنت والمشاركة في بناء المعاجم اللغوية المتخصصة.
الهوايات:
1كتابة الشعر
2تأليف القصة القصيرة
3كتابة السيناريو
4الغناء السلمي والبتهالت
5المشاركة في الحوارات الدبية والمنتديات
– 6الفروسية وتربية الخيل
- 7الترجمة
The author: Hasan Saleh sharawy
Name: Hassan Saleh Abou El-Maati Mohamed al
Shaarawi
Phone:
hasansalehsharawy@yahoo.com
hsharawy2010@gmail.com
Skills:
(Windows 95 and even Windows Xp) and Adobe Acrobat, html, vss and sdlx
Work experience:
- Patch linguistic heritage of the literature and translators grammatically and spelling,
linguistically and stylistically
- Revision and evaluation of translators in terms of style and ability to deliver the idea,
compared to the Arabic text and English text and the compatibility of this idea compiled
with our values and our religion.
This experience has exceeded 10 years) during which a review of a large number of
books in various forms of knowledge, Vtnoat between books in business administration,
psychology, computer programs, and Islamic heritage books, web sites and participate in
building specialized dictionaries.
- Preparation of research and specialized studies in the literature and criticism and as
Other trades