You are on page 1of 37

‫الفواتح الهجائية في القرآن الكريم‬

‫تأليف وتحقيق‬

‫حسن شعراوي‬
‫‪hasansalehsharawy@yahoo.com‬‬

‫‪hsharawy2010@gmail.com‬‬
‫تمهيد‬
‫فواتح السور )‪: (3‬‬
‫من الموضوعات القرآنية التي تناولها الباحثون هو فواتح السور‪ .‬ونعني بفواتح السور هذه الحروف‬
‫المقطعة الموجودة في فاتحة بعض السور القرآنية‪ .‬وتزداد أهمية هذا الموضوع عندما نلحظ ما‬
‫أثير حوله من مشاكل وشبهات قد تؤدي إلى الشبهة في القرآن الكريم نفسه‪ .‬وسوف يعالج هذا‬
‫البحث تفسير هذه الظاهرة في القرآن الكريم ونترك معالجة الشبهات حولها إلى بحث قرآني آخر‪.‬‬
‫وقد جاءت هذه الحروف المقطعة في سور متعددة من القرآن وعلى أشكال مختلفة ‪ :‬منها ما هو ذو‬
‫حرف مثل )ص والقرآن ذي الذكر( و)ق والقرآن المجيد( و)ن والقلم وما يسطرون(‪ .‬ومنها ما هو‬
‫ذو حرفين مثل )طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى( و)يس والقرآن الحكيم( و)حم تنزيل الكتاب من‬
‫الّ العزيز الحكيم(‪ .‬ومنها ما هو ذو ثلثة حروف أو أكثر مثل )الم( و)المص( و)المر( و)كهيعص(‬
‫و)حم عسق(‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫وحين نأتي لمعالجة هذه الظاهرة في القرآن الكريم‪ .‬ل نجد العرب قد عرفوا هذه الطريقة من الكلم‬
‫عند افتتاح كلمهم‪ .‬كما أننا ل نجد لهذه الحروف معنى بإزائها غير مسمياتها من الحروف الهجائية‪.‬‬
‫______________________________‬
‫)‪ (3‬يراجع في هذا البحث ‪ :‬التبيان ‪ .51 - 47 /1‬والكشاف ‪ .25 - 21 /1‬والتفسير الكبير ‪/2‬‬
‫‪ 802‬وابن كثير ‪ .69 - 64 /1‬والمنار ‪ .123 - 122 /1‬ومناهل العرفان ‪220 - 219 /1‬‬
‫وتفسير القرآن لشلتوت ‪.64 - 35‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬

‫إلهامات إلهية في سورة نون والقلم‬


‫للشيخ حسن صالح الشعراوي‬

‫)ن‪ ،‬والقلم وما يسطرون ما أنت بنعمة ربك بمجنون( صدق ال‬
‫العظيم‬
‫هو النبي الكريم يونس بن متى‪ .‬قال عنه سيد الخلق وإمام البشر والرحمة‬
‫المهداة للعالمين‪ ..‬محمد بن عبد ال‪ ،‬صلى ال عليه وسلم‪" :‬ل تفضلوني‬
‫على يونس بن متى‪".‬ـ‬
‫القرآن حمال ذو وجوه ول تنقضي عجائبه وإعجازه قائم إلى يوم القيامة وحجته داحضة ظاهرة‪.‬‬
‫ومن عجائبه الحروف المقطعة‪ ،‬ومنها حرف النون في سورة القلم‪.‬‬

‫)ن( من الحروف المقطعة والتي لها شأن في القرآن الكريم في أوائل عدد كبير من سوره‪.‬‬
‫وقد شرعت في بحثي في دراسة الحروف المقطعة في القرآن الكريم بعد أن اطلعت على عدد كبير‬
‫من آراء علماء أجلء أفاض ال عليهم من نعمة العلم من مشايخنا في تفسير معنى الحروف المقطعة‪،‬‬
‫ومن أرجح الراء التي أعتبرها من خلل بحثي الدقيق أن الحروف المقطعة وال أعلم هي أسماء‬
‫لمم عاشت قبل السلم من أجناس مختلفة منها الجن والحن والبن والنس‪ ،‬وكانت لها طباع‬
‫سخ على هيئة طير‬‫وأخلقيات عديدة وعجيبة في الوقت ذاته‪ ،‬وأن هذه المم منها ما هلك ومنها ما ُم ِ‬
‫أو حيوان أو جماد كما أقرت بذلك كتب السنة المشرفة والحاديث النبوية الصحيحة‪.‬‬
‫ي بفهم معنى لهذا الحرف‬ ‫ن ال عل ّ‬
‫ومن الحروف المقطعة حرف الـنون في سورة القلم الشريفة‪ ،‬وقد م ّ‬
‫استناًدا إلى القرآن والسنة وهو أن )ن( التي هي في بداية السورة الكريمة هي الحوت‪.‬‬
‫قد يعجب سائل كيف يكون النون ذلك الحرف الوحيد هو الحوت؟!‬
‫لما بحثت في كتب الحديث الشريفة واستحضرت قصة نبي ال يونس وحديث القرآن وعنه ووصفه‬
‫ن َأن ّلن ّنْقِدَر‬
‫ظّ‬‫ضًبا َف َ‬
‫ب ُمَغا ِ‬
‫ن ِإذ ّذَه َ‬
‫بأنه )ذو النون( يقول تعالى بسم ال الرحمن الرحيم )َوَذا الّنو ِ‬
‫عَلْيِه‪...‬الية( وكان سبب تسميته بذي النون راجع إلى قصته مع الحوت عليه السلم‪ ،‬وذلك عندما‬ ‫َ‬
‫خرج غاضًبا من قومه لما آذوه ولم يستجيبوا لدعوته إلى توحيد ال وطاعته‪ ،‬فخرج غاضًبا منهم‬
‫ص القرآن‬ ‫ولكن دون إذن من ربه فهو بشر يحمل رسالة ربه إلى الناس بتكليف إلهي كونه نبّيا هكذا ن ّ‬
‫وكتب التفاسير‪ ،‬ولما فر مغاضًبا من قومه أراد أن يحيا بعيًدا عنهم وهذا ما أراده ولكن ال كانت‬
‫إرادته سابقة فال أعلم حيث يجعل رسالته من حيث المكان والناس والنبي المرسل إليهم‪ ،‬لكن نبي ال‬
‫يونس لم يصبر على أذاهم وفر هارًبا منهم مغاضًبا فذهب إلى البحر وهناك كانت سفينة تجارية‬
‫فركب معهم قبل أن تهم السفينة بالرحيل‪ ،‬واستأنسه ربان السفينة واستبشروا به خيًرا‪.‬‬
‫ولكن إرادة ال دائًما هي المتحكمة في أي شيء لن فيها مصلحة العباد‪ ،‬أو كما نقول أنت تريد وأنا‬
‫أريد وال يفعل ما يريد‪ ،‬غاية ما هنالك أن الكاسب والخاسر هو أنت أيها النسان؛ لذلك أ‪،‬ا ل أنسى‬
‫أبًدا نصيحة شيخ فاضل لي إذ أوصاني بالستخارة _أي استخارة ربي _ قبل الشروع في أي عمل‬
‫لن المصلحة والنفع بيد ال تعالى وكذا الضرر‪.‬‬
‫نبي ال يونس عليه السلم خرج مغاضًبا كأي إنسان وترك أرض الرسالة فأبت حكمة ال إل أن يعود‬
‫ولكن بعد عقاب بسيط لهذا النبي عليه السلم‪ ،‬وعقاب النبياء ليس كبقية البشر فعقاب ال لهم تدريب‬
‫وثواب مضاعف!‬
‫وتشاء إرادة ال أن تهيج الرياح في البحر وتتلطم المواج ويختل توازن السفينة‪ ،‬فينادي نبي ال‬
‫يونس عليه السلم الناس بأن يدعوا ال أن يرحمهم وينجيهم مما هم فيه‪ ،‬فيبكون ويتوبون‪ ،‬لكن ل‬
‫زالت المور مضطربة فالسفينة ستغرق‪ ،‬إذن يجب أن نخفف أحمال السفينة فيلقون بطعامهم‬
‫ط ابنك تحت رجليك_ وهذا ما‬ ‫حّ‬ ‫وشرابهم وأمتعتهم حتى بأبنائهم _ وكما نقول إن جالك الطوفان ُ‬
‫فعلوه ولكن ثورة البحر لم تهدأ وظهرت الحيتان حول السفينة تحوم وتنادي بأصواتها التي ارتجف‬
‫لها شراع السفينة‪ ..‬ماذا تريد الحيتان؟!‬
‫إنها تريد يونس عليه السلم!‬
‫حتى حيتان الماء؟! نعم حتى حيتان الماء تعرف النبياء‪ ،‬ولسان حالهم يقول‪ :‬إذا كنتم يا بني البشر ل‬
‫تريدون هذا الرجل الصالح يونس عليه السلم فنحن حيتان البحر نحتاجه ليس لنأكله ولكن لنأنس به!‬
‫وبالفعل يقترع ركاب السفينة على من يلقي بنفسه فداءً لنجاة الباقين ويدخل نبي ال يونس معهم في‬
‫القرعة فيرفضون فيلح ويصر أن يكون معهم في القرعة فيقترعون ثلًثا فتقع الُقرعة على نبي ال‬
‫يونس عليه السلم‬
‫إذن هو المطلوب‪ ،‬فيبكي الناس ويدعون ربهم أن ينجيهم من أجل نبي ال يونس لكن يجب وأن ُتنّفذ‬
‫إرادة ال‬
‫فيودعهم نبي ال ويوصيهم بالطاعة ثم يقف على حافة السفينة‪ ،‬وهنا تكون المعجزة يخرج أكبر‬
‫الحيتان ويفغر فاه وكأنه يقول روحي فداك يا نبي ال يونس!‬
‫ويلقي يونس بنفسه في فم النون – الحوت – وظل الحوت ل يأكل ول يشرب وذو النون في بطنه‬
‫يسبح ويستغفر )ل إله إل أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ل إله إل أنت سبحانك إني كنت من‬
‫الظالمين ل إله إل أنت سبحانك إني كنت من الظالمين(‬
‫ويعيش بني ال يونس بعيًدا عن الناس بل عن العالم كله‪ ،‬ولكن هلى تنفعك الوحدة التي رجوتها يا‬
‫يونس؟! نعم تعبت من الناس لكنك ُمَكّلف!‬
‫وظل الحوت يسمع ويردد كلم نبي ال يونس عليه السلم ومن حوله كائنات البحر تنادي ربهــا‬
‫بأن يعفو عنه‪ ،‬ثم تنادي الملئكة _ كما نصت كتب السنة _ قال فسبح وهططو فططي بطططن‬
‫الحوت‪ ،‬فسمعت الملئكة تسبيحه‪.‬‬
‫فقالوا‪ :‬يا ربنا إنا نسمع صوتا ً ضعيفا بأرض غريبة‪.‬‬
‫ً‬
‫قال رب العالمين‪ :‬ذلك عبدي يونس عصاني فحبسططته فططي بطططن الحططوت‬
‫في البحر‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬العبد الصالح الذي كان يصعد إليك منططه فططي كططل يططوم وليلططة عمططل‬
‫صالح!‬
‫قال رب العالمين‪ :‬نعم‪.‬‬
‫قال‪ :‬فشفعوا له عند ذلك فأمر الحوت فقذفه في الساحل‬
‫فلما خرج وجده قومه بعد عناء شديد وبحث فططي كططل البقططاع عنططه وجططده‬
‫كا متعًبا فسجدوا لله توبة وشكًرا فغفر الله لهم يقول تعالى‪:‬‬ ‫منه ً‬
‫ي ِفي ال ْ َ‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا‬ ‫ب ال ْ ِ‬
‫خْز ِ‬ ‫م عَ َ‬
‫ذا َ‬ ‫فَنا عَن ْهُ ْ‬‫ش ْ‬‫مُنوا ك َ َ‬ ‫س لَ ّ‬
‫ما آ َ‬ ‫}إ ِّل قَوْ َ‬
‫م ُيون ُ َ‬
‫ن{‬
‫حي ٍ‬‫م إ َِلى ِ‬ ‫مت ّعَْناهُ ْ‬
‫وَ َ‬
‫ضا يقول النبي صلى ال عليه وسلم في‬ ‫إذن النون هو الحوت كما نصت على ذلك الية الكريمة‪ ،‬وأي ً‬
‫الحديث‪) :‬ما قدس ال أمة ل يأخذ ضعيفها الحق من قويها غير متعتع_ أي غير ناقص ول متعب _‬
‫ت‪-‬أي دعت‬ ‫صّل ْ‬
‫ض‪َ ،‬‬ ‫ثم قال أي النبي صلى ال عليه وسلم‪ :‬من انصرف غريمه _دائنه_ وهو عنه را ٍ‬
‫له بالستغفار وزيادة النعم – عليه دواب الرض ونون الماء _أي حوت البحار_ ومن انصرف‬
‫غريمه وهو ساخط كتب عليه في كل يوم وليلة وجمعة وشهر ظلم(‪ .‬صدق رسول ال عليه وسلم‬
‫)واخرجه الطبراني في الكبير‪ ،‬ورواه أحمد بنحوه من حديث عائشة بإسناد جيد قوي(‬
‫والشاهد في الحديث أن النون هو حوت البحر‪.‬‬

‫ولكن‬
‫هل الحوت شاهد عدل على بني يهود؟!‬

‫تحدثت في مقالي السابق عن قضية الحروف المقطعة في القرآن الكريم‬


‫واخترت منها حرًفا في بداية سورة القلم وهو حرف النون وأتيت بشاهدين من‬
‫القرآن والسنة النبوية أن النون هو الحوت‪.‬‬
‫حسًنا!‬
‫ما علقة الحوت بالقضية السياسية التي كنت أنوي تناولها في المقال من‬
‫البداية‪ ،‬حتى ظن البعض أن المقال ديني محض أو دعوي؟‬
‫الحقيقة أنني في قراءتي لتفسير السورة الكريمة نون والقلم وجدت هناك علقة‬
‫ل للشك في العلقة الوثيقة بين الدين‬
‫قوية ولفتة للنظر مما ل يدع مجا ً‬
‫والسياسة وأن كلهما ل ينفك عن الخر طالما أن الحكومات عجزت بقوانينها‬
‫الوضعية عن التوفيق بين مصالح الناس والحتياجات الشخصية‪.‬‬
‫أرجع إلى العنوان الثاني في المقالة‬
‫هل الحوت شاهد عدل على بني يهو؟!‬
‫نعم‬
‫الحوت أو النون‪ ،‬ودعونا نستعملها كثيًرا حتى ل نبتعد عن هدف المقالة‪ ،‬شاهد‬
‫عدل على بني إسرائيل بعدما تخلوا عن أمانة الدين والدعوة وتركوا كتاب ال‬
‫المنزل على موسى ومن قبله أنبياء ال كداود وسليمان وغيرهم بل وحاولوا‬
‫التملص من مسؤولية الدين تماًما وسعوا في الرض فساًدا يقول تعالى )وإذا‬
‫قيل لهم ل تفسدوا في الرض قالوا إنما نحن مصلحون أل إنهم هم المفسدون‬
‫ولكن ل يشعرون( سورة البقرة‬
‫وكأن القرآن بهذه السورة الكريمة نون والقلم يقول لبني إسرائيل‪:‬‬
‫إذا كنتم يا بني يهود يا من كنتم تكتبون وتحفظون الوحي من موسى خنتم أمانة‬
‫ظا للمانة منكم كالطير وما‬ ‫الدين وحرفتم ما أملى عليكم‪ ،‬فإن ل جنًدا أكثر حف ً‬
‫قصة سليمان مع الهدهد عنا ببعيد‪ ،‬والحوت مع يونس والنمل وناقة صالح‬
‫وغيرها‪ ،‬هؤلء شهود عدل عليكم‪.‬‬
‫ألم تتجمع الحيتان على شاطئ آيلة لسماع قراءاتهم للتوراة الصحيحة‪ ،‬ولما‬
‫عصوا وتركوا التلوة هربت الحيتان رغم جهد بني إسرائيل في حبسها‬
‫بالكلليب والحبال؟!‬
‫شّرعا يوم سبتهم ويوم ل يسبتون ل تأتيهم(‬ ‫يقول تعالى )إذ تأتيهم حيتانهم ُ‬
‫صدق ال العظيم‬
‫علم بني إسرائيل تحفظه الحيتان وتقصه بقدرة ال على خلقه طالما أنكم‬ ‫هذا ِ‬
‫خنتم المانة أعني أمانة التبليغ‪.‬‬
‫كيف هذا يا سيدي؟! ل يمكنني القتناع بكلمك فأنا لست مسلًما!‬
‫هكذا رد علي أحد الصدقاء بعد أن تحاورت معه في مادة هذا المقال‪.‬‬
‫وتشاء إرادة ال أن يكون معي الدليل العقلي في وقتها مجرد بحث صغير‬
‫نشرته مجلة العربي مع أحد أعدادها عن الحوت وأنواعه‪ ،‬وكان من ضمن‬
‫البحث مادة تشريحية لرأس الحوت ومناطق الحساس فيها‪ ،‬وكان نص كلم‬
‫الباحث النجليزي‪ :‬أن الحوت فيه خليا إحساس واستجابة بصرية وسمعية‬
‫وعقلية هي نفسها الموجودة في النسان ولكن بحجم أكبر وبكثرة تتناسب مع‬
‫حجم الحوت‪.‬‬
‫عا بأن العلقة بين الحوت والعلم الشرعي ليست بعيدة بل‬ ‫ولكي تكون أكثر اقتنا ً‬
‫وطيدة جّدا تجد الدليل القوي في قصة نبي ال موسى وخادمه والحوت‬
‫والخضر عليهم السلم وذلك في سورة الكهف في القرآن الكريم‪ ،‬إذ لما خرج‬
‫الحوت من جراب الخادم لما ناما هو ونبي ال موسى فر هارًبا إلى البحر‪،‬‬
‫ولما تدارك نبي ال موسى الجوع ونادى صاحبه أن يعد له الطعام بشي الحوت‬
‫لم يجده فسأله عنه فأشار أنه نسي الحوت عند الصخرة فعادا وهناك وجدا‬
‫الخضر عليه السلم أعلم أهل الرض‪ ،‬والذي كان يبحث عنه نبي ال موسى‬
‫عليه السلم!‬
‫إذن العلقة بين العلم والحوت علقة وثيقة وقوية ول يمكن أن تكون جزاًفا ‪-‬‬
‫حاشا ل –‬
‫الحوت إذن شاهد عدل على تحريف بني إسرائيل لتوراتهم وخيانتهم لمانة‬
‫الدين‪.‬‬
‫ودليل آخر على أن العلقة بين الحوت وهو من أشهر ثروات بني إسرائيل‬
‫قديًما وعلقته بالعلم في متابعة بسيطة لسياق اليات في سورة القلم نجد أن‬
‫لفظة النون التي هي الحوت جاء بعدها مباشرة كلمة )القلم( ثم الكلم المكتوب‬
‫والمسطور‬
‫يقول تعالى‬
‫)نون والقلم وما يسطرون‪ (..‬الية‬
‫الحوت إذن شاهد عدل على تحريف وتزييف بني إسرائيل لحقيقة الدين‬
‫فما بال القلم وأما القلم فهو قلم نبي ال زكريا نعم الشاهد الثاني على المسيحيين‬
‫وتحريفهم لناجيلهم حتى ل نكاد نجد آية صحيحة في أي إنجيل منها وقد قرأت‬
‫واطلعت على عدد منها ليس بالقيل‪ ،‬ل تجد إل كلًما غير مقنع ومليئ بالشك‬
‫والريبة!‬
‫قال لي صديقي وما دليلك على أن القلم رمز للمسيحيين؟!‬
‫قلت له هو رمز لخيانة أمانة الدين ودليلي في قول ال تعالى في قصة نبي ال‬
‫زكريا عليه السلم )إذ يلقون أقلمهم أيهم يكفل مريم( نعم عندما اقترعوا على‬
‫من يرعى مريم البتول أم المسيح عيسى عليه السلم فألقى كل حواري قلمه‬
‫فوقعت القرعة على أصدق قلم قلم نبي ال زكريا عليه السلم لنه أكثرهم‬
‫أمانة في تبليغ الرسالة عن ربه‪ ،‬فانتقل الخير كله مع مريم إلى نبي ال زكرّيا‪.‬‬
‫فهذا قلم نبي ال زكريا شاهد عدل عليكم يا بني إسرائيل ومن تبعهم من‬
‫النصارى ممن خانوا أمانة الدين وزوروا وبدلوا وحرفوا أناجيلهم‪.‬‬
‫الن لدينا شاهدا عدل على بني إسرائيل يهود ونصارى على خيانة المانة‬
‫طا تحت كلمة تزويرها!‬ ‫وتبديل الحقائق وتزويرها‪ ،‬وضع عشرين خ ّ‬
‫فإذا كان بنوا إسرائيل خانوا المانة مع ال فهل نأتمنهم نحن على أماناتنا؟!‬
‫مجمل آراء العلماء المعتبرين في الحروف الهجائية‬
‫)المقطعة(‬
‫الحروف المقطعة في القرآن الكريم‬
‫هي فواتح السور التي تكون على شكل حروف هجائية مفردة أو شبه مفردة‪.‬‬
‫عدد الحروف المقطعة‪:‬‬
‫جاءت الحروف المقطعة في فاتحة تسع وعشرين سورة‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪} -1‬الم{‪ :‬البقرة‪ ،‬آل عمران‪ ،‬العنكبوت‪ ،‬الروم‪ ،‬لقمان‪ ،‬السجدة‪.‬‬
‫‪} -2‬المص{‪ :‬العراف‪.‬‬
‫‪} -3‬الر{‪ :‬يونس‪ ،‬هود‪ ،‬يوسف‪ ،‬إبراهيم‪ ،‬الحجر‪.‬‬
‫‪} -4‬المر{‪ :‬الرعد‪.‬‬
‫‪} -5‬كهيعص{‪ :‬مريم‪.‬‬
‫‪} -6‬طه{‪ :‬طه‪.‬‬
‫‪} -7‬طسم{‪ :‬الشعراء‪ ،‬القصص‪.‬‬
‫‪} -8‬طس{‪ :‬النمل‪.‬‬
‫‪} -9‬يس{‪ :‬يس‪.‬‬
‫‪} -10‬ص{‪ :‬ص‪.‬‬
‫‪} -11‬حم{‪ :‬غافر‪ ،‬فصلت‪ ،‬الزخرف‪ ،‬الدخان‪ ،‬الجاثية‪ ،‬الحقاف‪.‬‬
‫‪} -12‬حم‪ ،‬عسق{‪ :‬الشورى‪.‬‬
‫‪13 -‬ق{‪ :‬ق‪.‬‬
‫‪} -14‬ن{‪ :‬القلم‪.‬‬
‫وكما أن الحروف المقطعة ظهرت في أوائل )‪ (29‬سورة من القرآن الكريم‪ ،‬فإن عدد الحروف‬
‫ل‪.‬‬
‫الهجائية في اللغة العربية )‪ (29‬حرفًا ‪-‬أيضًا‪ -‬باعتبار الهمزة حرفًا مستق ً‬
‫وبالتأمل في عدد الحروف المقطعة بعد حذف المكرر منها نحصل على )‪ (14‬حرفًا‪ ،‬وهي تمثل‬
‫ل‪ ،‬وإنما أطلق‬
‫نصف عدد الحروف الهجائية العربية باعتبار الهمزة واللف حرفًا واحدًا مستق ً‬
‫النصف للدللة على الكل من باب العجاز البلغي‪ .‬كما ُيلحظ بالتأمل ‪-‬أيضًا‪ -‬إن تعداد مجموعات‬
‫الحروف المقطعة التي ذكرناها آنفًا )الم‪ ،‬المص‪ ،‬الر‪... ،‬الخ( تمثل هي الخرى )‪ (14‬مجموعة‬
‫حرفية‪.‬‬
‫ومنهم من جمع الحروف المقطعة في قوله‪ :‬صراط علي حق نمسكه‪ ،‬أو صح طريقك مع السنة‪ ،‬أو‬
‫طرق سمعك النصيحة‪ ،‬أو سر حصين قطع كلمه‪ ،‬أو صن سرًا يقطعك حمله‪ ،‬أو من حرص على‬
‫بطه كاسر‪ ،‬أو نص حكيم قاطع له سر‪ ،‬أو ألم يسطع نور حق كره‪.‬‬
‫قال العلمة الزمخشري‪ :‬ثم إذا نظرت في هذه الربعة عشر وجدتها مشتملة على أنصاف أجناس‬
‫الحروف‪ ،‬بيان ذلك أن ذلك أن فيها من المهموسة نصفها‪) :‬الصاد‪ ،‬والكاف‪ ،‬والهاء‪ ،‬والسين‪،‬‬
‫والحاء(‪ .‬ومن المجهورة نصفها‪) :‬اللف‪ ،‬واللم‪ ،‬والميم‪ ،‬والراء‪ ،‬والعين‪ ،‬والطاء‪ ،‬والقاف‪ ،‬والياء‪،‬‬
‫والنون(‪ .‬ومن الشديدة نصفها‪) :‬اللف‪ ،‬والكاف‪ ،‬والطاء‪ ،‬والقاف(‪ .‬ومن الرخوة نصفها‪) :‬اللم‪،‬‬
‫والميم‪ ،‬والراء‪ ،‬والصاد‪ ،‬والهاء‪ ،‬والعين‪ ،‬والسين‪ ،‬والحاء‪ ،‬والياء‪ ،‬والنون(‪ .‬ومن المطبقة نصفها‪:‬‬
‫)الصاد‪ ،‬والطاء(‪ .‬ومن المنفتحة نصفها‪) :‬اللف‪ ،‬واللم‪ ،‬والميم‪ ،‬والراء‪ ،‬والكاف‪ ،‬والهاء‪ ،‬والعين‪،‬‬
‫والسين‪ ،‬والحاء‪ ،‬والقاف‪ ،‬والياء‪ ،‬والنون(‪ .‬ومن المستعلية نصفها‪) :‬القاف‪ ،‬والصاد‪ ،‬والطاء(‪ .‬ومن‬
‫المنخفضة نصفها‪) :‬اللف‪ ،‬واللم‪ ،‬والميم‪ ،‬والراء‪ ،‬والكاف‪ ،‬والهاء‪ ،‬والياء‪ ،‬والعين‪ ،‬والسين‪،‬‬
‫والحاء‪ ،‬والنون(‪ .‬ومن حروف القلقلة نصفها‪) :‬القاف‪ ،‬والطاء( ]‪. [1‬‬
‫وتصنف الحروف المقطعة على أساس المباني إلى‪:‬‬
‫‪ -1‬ذات الحرف الواحد‪ :‬ص‪ ،‬ق‪ ،‬ن‪.‬‬
‫‪ -2‬ذات الحرفين‪ :‬طه‪ ،‬طس‪ ،‬يس‪ ،‬حم‪.‬‬
‫‪ -3‬ذات الثلثة أحرف‪ :‬الم‪ ،‬الر‪ ،‬طسم‪.‬‬
‫‪ -4‬ذات الربعة أحرف‪ :‬المص‪ ،‬المر‪.‬‬
‫‪ -5‬ذات الخمسة أحرف‪ :‬كهيعص‪ ،‬حم عسق‪.‬‬
‫ومن الحروف المقطعة ما تكرر في فواتح السور‪ ،‬فجاء على النحو التي‪:‬‬
‫‪ -1‬ما افتتحت به سورة واحدة‪ :‬المص‪ ،‬المر‪ ،‬كهيعص‪ ،‬طه‪ ،‬طس‪ ،‬يس‪ ،‬ص‪ ،‬حم عسق‪ ،‬ق‪ ،‬ن‪.‬‬
‫‪ -2‬ما افتتحت به سورتان‪ :‬طسم‪.‬‬
‫‪ -‬ما افتتحت به خمس سور‪ :‬الر‪.‬‬
‫‪ -4‬ما افتتحت به ست سور‪ :‬الم‪ ،‬حم‪.‬‬
‫وتسمى السور المفتتحة بـ)طسم( و)طس(‪ :‬الطواسيم أو الطواسين‪ ،‬وتسمى السور المفتتحة بـ)حم(‪:‬‬
‫الحواميم‪ .‬وقد أنشد أبو عبيدة‪:‬‬
‫سّبَع ْ‬
‫ت‬ ‫ت وبالحواميم التي قد ً‬
‫وبالطواسيم التي قد ُثّلَث ْ‬
‫ويسمى بعض السور بالميمات‪ ،‬وبعضها الخر بالراآت‪.‬‬
‫طريقة قراءة الحروف المقطعة‪:‬‬
‫ل ُتقرأ هذه الحروف كالسماء مثل باقي الكلمات‪ ،‬بل تقرأ واحدة واحدة بصورة متقطعة‪ ،‬ومن أجل‬
‫ذلك سميت بالحروف المقطعة‪.‬‬
‫ن ميْم(‪ ،‬وهكذا‬
‫ف لْم ميْم(‪ ،‬وننطق )طسم( بهذه الكيفية‪) :‬طاْء سي ْ‬
‫فننطق )الم( بهذه الكيفية‪) :‬أل ْ‬
‫بالنسبة للبقية‪ ،‬مع ملحظة تسكين الواخر باستمرار‪.‬‬
‫لماذا الحروف المقطعة؟‬
‫لعل أهم مصداق يتجلى في تفسير هذه الحروف ‪-‬التي اختص بها القرآن دون غيره من الكتب‬
‫السماوية‪ -‬هو مصداق العجاز بأبعاده المختلفة‪.‬‬
‫إن أول أمٍر يلفت نظر المتدبر فيها هو ما يلي هذه الحروف من عبارات‪ ،‬إذ نجد هذه العبارات ‪-‬في‬
‫حِكَم ْ‬
‫ت‬ ‫ب ُأ ْ‬
‫ب{ ‪ ،‬أو }ِكَتا ٌ‬
‫ت اْلِكَتا ِ‬
‫ك آَيا ُ‬
‫ك{ ‪ ،‬أو }ِتْل َ‬
‫ل ِإَلْي َ‬
‫ب ُأنِز َ‬
‫ب{ ‪ ،‬أو }ِكَتا ٌ‬ ‫ك اْلِكَتا ُ‬
‫الغالب‪ -‬من قبيل‪َ} :‬ذِل َ‬
‫جيِد{ ‪ ،‬أو غيرها؛ مما يكشف عن وجود علقة وطيدة‬ ‫ن اْلَم ِ‬
‫ب{ ‪ ،‬أو }َواْلُقْرآ ِ‬ ‫ل اْلِكَتا ِ‬
‫آَياُتُه{ ‪ ،‬أو }َتنِزي ُ‬
‫بين هذه الحروف وآيات القرآن المبين‪.‬‬
‫ويحتمل بقوة أن يكون الباري عز جل أراد من هذه الحروف تحدي العرب المعروفين ببلغتهم‬
‫وتفوقهم اللغوي‪ ،‬وكأنه يقول لهم‪ :‬آيات هذا الكتاب أو التنزيل أو القرآن إنما جاءت بهذه الحروف‬
‫التي بين أيديكم وفي لغتكم‪ ،‬فهل تقدرون على التيان بسورة واحدة منه؟‬
‫فكثير ما أكد ال عز شأنه في العبارات التي تلي هذه الحروف مباشرة بأن هذا القرآن مبين‪ِ} :‬تْلكَ‬
‫ن{ ‪َ} ،‬واْلِكَتا ِ‬
‫ب‬ ‫ب ُمِبي ٍ‬
‫ن َوِكَتا ٍ‬
‫ت اْلُقْرآ ِ‬
‫ك آَيا ُ‬
‫ن{ ‪ِ} ،‬تْل َ‬
‫ن ُمِبي ٍ‬
‫ب َوُقْرآ ٍ‬
‫ت اْلِكَتا ِ‬
‫ك آَيا ُ‬
‫ن{ ‪ِ} ،‬تْل َ‬
‫ب اْلُمِبي ِ‬
‫ت اْلِكَتا ِ‬
‫آَيا ُ‬
‫ن{ ‪ .‬كما أكد سبحانه في موضع آخر من القرآن على ارتباط )مبين( باللغة العربية‪ ،‬فقال تعالى‪:‬‬ ‫اْلمُِبي ِ‬
‫ن{ ]الشعراء‪،[195-193:‬‬‫ي ُمِبي ٍ‬
‫عَرِب ّ‬‫ن َ‬‫سا ٍ‬ ‫ن‪ِ ،‬بِل َ‬
‫ن اْلُمنِذِري َ‬‫ن ِم ْ‬‫ك ِلَتُكو َ‬
‫عَلى َقْلِب َ‬
‫ن‪َ ،‬‬
‫لِمي ُ‬
‫حاَ‬ ‫ل ِبِه الّرو ُ‬‫}َنَز َ‬
‫ن{ ]الشعراء‪،[199-198:‬‬
‫عَلْيِهْم َما َكاُنوا ِبِه ُمْؤِمِني َ‬
‫ن‪َ ،‬فَقَرَأُه َ‬‫جِمي َ‬
‫عَ‬‫لْ‬ ‫ضاَ‬ ‫عَلى َبْع ِ‬‫ثم قال‪َ} :‬وَلْو َنّزْلَناُه َ‬
‫وكأن الكتاب كان مبينًا لنه نزل بلغة العرب‪ ،‬وبالرغم من هذا فقد فشل المشركون منهم على‬
‫التيان بمثل كلم ال سبحانه‪.‬‬
‫وقد أشرنا سلفًا إلى أن ال جل جلله أطلق النصف للدللة على الكل بذكره لنصف عدد الحروف‬
‫الهجائية العربية‪ ،‬وهي شبيهة بأن تقدم لحدهم لوحة فنية مطلية بعشرات اللوان المختلفة‪ ،‬ثم تقول‬
‫له‪m :‬بالحمر والصفر والزرق أنا صنعت هذه اللوحة الرائعة‪ ،‬فهل تستطيع عمل مثل ذلك؟‪،n‬‬
‫في إشارة منك إلى أن هذه الثلثة ألوان هي اللوان الرئيسة المكونة لباقي اللوان المختلفة ‪-‬كما هو‬
‫ثابت علميًا‪ ،-‬أو رغبة في الشارة إلى أن من جنس هذه اللوان وأشباهها صنعت لوحتك‪.‬‬
‫قال المام علي بن أبي طالب )ع(‪m :‬كذب قريش واليهود بالقرآن وقالوا هذا سحر مبين تقّوله‪،‬‬
‫ب{ أي يا محمد هذا الكتاب الذي أنزلته إليك هو الحروف المقطعة التي منها‬
‫ك اْلِكَتا ُ‬
‫فقال ال‪} :‬الم‪َ ،‬ذِل َ‬
‫ألف ولم وميم‪ ،‬وهو بلغتكم وحروف هجائكم‪ ،‬فأتوا بمثله إن كنتم صادقين‪ ،‬واستعينوا بذلك بسائر‬
‫شهدائكم]‪. [2‬‬
‫وقال المام علي بن موسى الرضا )ع(‪m :‬إن ال تبارك وتعالى أنزل هذا القرآن بهذه الحروف‬
‫ن َ‬
‫ل‬ ‫ل َهَذا اْلُقْرآ ِ‬
‫ن َيْأُتوا ِبِمْث ِ‬
‫عَلى َأ ْ‬
‫ن َ‬
‫جّ‬
‫س َواْل ِ‬
‫لن ُ‬
‫تاِ‬
‫جَتَمَع ْ‬
‫نا ْ‬
‫ل َلِئ ْ‬
‫التي يتداولها جميع العرب‪ ،‬ثم قال‪ُ} :‬ق ْ‬
‫ظِهيًرا{ ]السراء‪. [3] [88:‬‬ ‫ض َ‬‫ضُهْم ِلَبْع ٍ‬
‫ن َبْع ُ‬
‫ن ِبِمْثِلِه َوَلْو َكا َ‬
‫َيْأُتو َ‬
‫ومما يزيد من إعجاز هذه الحروف وتحدي الباري جل شأنه للعرب؛ إنه ثبت أن هذه الحروف التي‬
‫تفتتح بها سورة معينة‪ ،‬تكون هي الغالبة على باقي الحروف في الكلمات‪ ،‬ففي سورة )ق( ‪-‬على‬
‫سبيل المثال‪ -‬نجد أن حرف القاف هو الكثر إحصائيًا بين سائر الحروف في الكلمات‪ ،‬كما السورة‬
‫تطرق موضوعات مبنية على حرف القاف‪ ،‬مثل‪) :‬ذكر القرآن‪ ،‬ذكر الخلق‪ ،‬ذكر الرقيب‪ ،‬ذكر‬
‫القتل‪ ،‬ذكر المتقين‪ ،‬ذكر تشقق الرض‪ ،‬ذكر الرزق‪... ،‬إلخ(‪ .‬كما يرى الزركشي أن كل معاني‬
‫السورة مناسب لما في حرف القاف من الشدة والجهر والقلقلة والنفتاح ]‪.[4‬‬
‫ول يخلو هذا الفهم المذكور لمعنى الحروف المقطعة من نقص في الدقة والحكام‪ ،‬لنه يبقى حائرًا‬
‫أمام جملة من التساؤلت المهمة‪ ،‬نحو‪:‬‬
‫‪ -‬لماذا لم يكن للقرآن ذكر بعد بعض الحروف مباشرة‪ ،‬في الوقت الذي كان له ذكر بعد أغلبها؟‬
‫ل من النصف الذي ذكره؟‬
‫‪ -‬لماذا لم يذكر النصف الخر من الحروف الهجائية بد ً‬
‫ل من )حم( تكون )مح( أو أي حرفين‬
‫ت الحروف بغير هذا الترتيب والكيفية‪ ،‬فبد ً‬
‫‪ -‬لماذا لم تأ ِ‬
‫آخرين‪ ،‬وكذلك بالنسبة لبقية الحروف؟‬
‫‪ -‬لماذا تكرر بعضها في فواتح السور وبعضها الخر لم يتكرر؟‬
‫‪ -‬لماذا جاءت هذه الحروف فاتحة لسورة معينة دون غيرها من السور؟‬
‫‪ -‬لماذا عدت بعض الحروف آية مستقلة دون البعض الخر؟‬
‫ويبدو أن هذه التساؤلت بحاجة إلى مزيد من الوقفات والتأملت والتدبرات من قبل الباحثين‬
‫والمختصين للوصول إلى إجابات مقنعة‪.‬‬
‫حول استئثار ال بعلم الحروف المقطعة‪:‬‬
‫يذهب فريق كبير من عظماء المفسرين وعلماء القرآن إلى أن هذه الحروف علمًا استأثر ال به‬
‫واختصه لذاته‪ ،‬أو أنها رموزًا وأسرارًا خاصة بين ال جل جلله وبين رسوله المين )ص(‪.‬‬
‫ولكن هذا الرأي يظل عاجزًا أمام ما يزخر به القرآن الكريم من آيات تدعو إلى ضرورة التدبر فيه‬
‫ب َأْقَفاُلَها{ ]محمد‪ ،[24:‬وقال‪َ} :‬أَف َ‬
‫ل‬ ‫عَلى ُقُلو ٍ‬‫ن َأْم َ‬
‫ن اْلُقْرآ َ‬‫ل َيَتَدّبُرو َ‬ ‫دون استثناء‪ .‬قال تعالى‪َ} :‬أَف َ‬
‫لًفا َكِثيًرا{ ]النساء‪ ،[82:‬وقال‪} :‬كَِتا ٌ‬
‫ب‬ ‫خِت َ‬
‫جُدوا ِفيِه ا ْ‬
‫ل َلَو َ‬‫غْيِر ا ِّ‬
‫عْنِد َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن ِم ْ‬
‫ن َوَلْو َكا َ‬‫ن اْلُقْرآ َ‬
‫َيَتَدّبُرو َ‬
‫ب{ ]ص‪.[29:‬‬ ‫لْلَبا ِ‬
‫ك ِلَيّدّبُروا آَياِتِه َوِلَيَتَذّكَر ُأْوُلوا ا َ‬
‫ك ُمَباَر ٌ‬
‫َأنَزْلَناُه ِإَلْي َ‬
‫ل إليها‪ .‬ول‬
‫فل يمكن أن تكون هناك آية نازلة في القرآن دون أن يكون لفهم الناس وتدبرهم سبي ً‬
‫يستبعد أن يكون في القرآن بعض السرار والرموز بين ال عز وجل ونبيه الكرم )ص(‪ ،‬ولكن‬
‫ليس على مستوى يستوجب غموض الحرف والكلمة‪ ،‬بحيث يستحيل فك المعنى بالنسبة للمتدبر‬
‫والمتأمل‪ ،‬وإنما السرار والرموز ‪-‬إن وجدت‪ -‬فقد تكون بين طيات الكلم ووراء معانيه أو ما شابه‬
‫ذلك‪.‬‬
‫ومما يعزز ذلك أنه لم يثبت عن العرب أبان العهد السلمي الول ما يشير إلى عدم فهمهم لمعاني‬
‫الحروف المقطعة‪ ،‬فلو كانوا يجهلون ذلك لظهر من هنا وهناك من يسأل عن أسرارها وحقيقتها‪،‬‬
‫ولكان فيها فرصة وذريعة لليهود وغيرهم ‪-‬من الذين يحرفون الكلم عن مواضعه‪ -‬لحاكة الفتن‬
‫واختلق الشبهات للطعن في القرآن بحجة طلسمية آياته بالنسبة لفهم الناس‪ ،‬فكيف يكون }َهَذا َبَيا ٌ‬
‫ن‬
‫ن{ ]آل عمران‪[138:‬؟‬‫ظٌة ِلْلُمّتِقي َ‬
‫عَ‬
‫س َوُهًدى َوَمْو ِ‬
‫ِللّنا ِ‬
‫آراء أخــــرى ‪:‬‬
‫في معنى الحروف المقطعة عدة آراء أخرى فيها نظر‪ ،‬ومنها‪:‬‬

‫‪ -1‬إنها جاءت لثارة انتباه المشركين وجعلهم يستمعون إلى القرآن بإنصات وإصغاء‪ .‬ويرد عليه‬
‫بأن ذلك يستوجب إثارة النتباه في كافة سور القرآن وليس بعضها‪ ،‬وكذلك في فواتح خطب‬
‫وأحاديث الرسول العظم )ص(‪.‬‬
‫‪ -2‬إن جمع حساب كل حرف من هذه الحروف بعد حذف المكرر منها ُيَمّكن من معرفة مدة بقاء‬
‫هذه المة واستخلص أزمان الحوادث والفتن والملحم‪ ،‬وذلك عن طريق حساب الجمل البجدية‬
‫)أبجد هوز( بما يقابلها من أرقام‪ ،‬أو ما يعرف باسم حساب )أبي جاد(‪.‬‬
‫ويرد عليه بأن هذا تكلف من جهة القرآن‪ ،‬كما أنهم حسبوا مدة بقاء هذه المة بـ)‪ (693‬عامًا‪ ،‬وقد‬
‫ص ال نفسه بأمور الغيب كهذه‪ ،‬فقال في‬ ‫تجاوزنا الن ضعفها بكثير‪ ،‬وكيف يعلمون ذلك وقد خ ّ‬
‫حاِم َوَما َتْدِري َنْف ٌ‬
‫س‬ ‫لْر َ‬
‫ث َوَيْعَلُم َما ِفي ا َ‬
‫ل اْلَغْي َ‬
‫عِة َوُيَنّز ُ‬
‫سا َ‬
‫عْلُم ال ّ‬
‫عْنَدُه ِ‬
‫ل ِ‬ ‫ن ا َّ‬
‫خاتمة سورة لقمان‪ِ} :‬إ ّ‬
‫خِبيٌر{ ]لقمان‪.[34:‬‬ ‫عِليٌم َ‬ ‫ل َ‬‫ن ا َّ‬‫ت ِإ ّ‬
‫ض َتُمو ُ‬ ‫ي َأْر ٍ‬ ‫س ِبَأ ّ‬
‫غًدا َوَما َتْدِري َنْف ٌ‬
‫ب َ‬
‫س ُ‬
‫َماَذا َتْك ِ‬
‫‪ -3‬إنها أسماء للسور التي افتتحت بها‪ .‬ويرد عليه بأنها لو كانت أسماء للسور لستوجب ذلك وجود‬
‫مجموعة سور تحمل نفس السم‪ ،‬مما يعني وجود سورتين باسم )طسم(‪ ،‬وخمس سور باسم )الر(‪،‬‬
‫وست سور باسم )الم(‪ ،‬وست سور أخرى باسم )حم(‪ ،‬وهذا مما ل يعقل‪.‬‬
‫‪ -4‬إنها أسماء للقرآن‪ .‬ويرد عليه بأنه لم يصلنا من الروايات ما يشير إلى أن الرسول الكرم )ص(‬
‫أو أحدًا من أهل بيته )ع(؛ دعا إلى قراءة )الم( أو )حم( أو )طس( أو غيرها‪ ،‬وهو يقصد من ذلك‬
‫الشارة إلى القرآن بأكمله‪ ،‬بل على العكس تمامًا‪ ،‬فإنه ترد أسماء كـ)حم السجدة( للدللة على سورة‬
‫معينة ل أكثر‪.‬‬
‫‪ -5‬إن كل حرف من هذه الحروف يشير إلى اسم من أسماء ال الحسنى‪ .‬ويرد عليه بوجود‬
‫ل‪ -‬في )كهيعص(‪ :‬إن‬ ‫الختلف الكبير في تعيين أسماء ال التي تشير إليها هذه الحروف‪ ،‬فقالوا ‪-‬مث ً‬
‫الكاف تدل على الكافي‪ ،‬والهاء على الهادي‪ ،‬والياء على الحكيم‪ ،‬والعين على العليم‪ ،‬والصاد على‬
‫الصادق‪ .‬بينما قال آخرون بأن‪ :‬الكاف تدل على الملك‪ ،‬والهاء على ال‪ ،‬والياء والعين على العزيز‪،‬‬
‫والصاد على المصور‪ .‬وقال فريق ثالث بأنها تدل على‪ :‬الكبير‪ ،‬الهادي‪ ،‬المين‪ ،‬العزيز‪ ،‬الصادق‪.‬‬
‫وهناك من القوال المختلفة غيرها مما يخدش في خبرها ودقته‪.‬‬
‫‪ -6‬إنها حروف لو أحسن الناس تأليفها لعلموا اسم ال العظم‪ .‬ويرد عليه بما ثبت من كون اسم ال‬
‫العظم ليس اسمًا لفظيًا‪ ،‬وتفصيل ذلك في مبحث )أسماء ال الحسنى(‪.‬‬
‫‪ -7‬إنها أقسام أقسم ال بها على أنها من أسمائه أو أنها من الحروف المعجمية التي تألف منها‬
‫القرآن‪ .‬ويرد عليه بأن هذه القسام ‪-‬إن صحت‪ -‬ل تستوفي تمام شروط القسم وأركانه من ذكٍر لداة‬
‫القسم والقاسم والمقسوم به والمقسوم عليه والغاية من القسم‪ ،‬وأن يرد بعدها قسم في بعض الحيان‬
‫ل يدل على كون هذه الحروف قسمًا بحد ذاتها‪.‬‬
‫فائــــــــــدة‪:‬‬
‫يقول العلمة السيد محمد حسين الطباطبائي ما نصه‪ :‬ثم إنك إن تدبرت بعض التدبر في هذه السور‬
‫التي تشترك في الحروف المفتتح بها مثل الميمات والراآت والطواسين والحواميم وجدت في السور‬
‫المشتركة في الحروف من تشابه المضامين وتناسب السياقات ما ليس بينها وبين غيرها من السور‪.‬‬
‫ل اْلِكَتابِ‬
‫ويؤكد ذلك ما في مفتتح أغلبها من تقارب اللفاظ كما في مفتتح الحواميم من قوله‪َ} :‬تْنِزي ُ‬
‫ب{ أو ما هو في معناه‪،‬‬ ‫ت اْلِكَتا ِ‬
‫ك آَيا ُ‬
‫ل{ أو ما هو في معناه‪ ،‬وما في مفتتح الراآت من قوله‪ِ} :‬تْل َ‬‫ِمنْ ا ِّ‬
‫ونظير ذلك واقع في مفتتح الطواسين‪ ،‬وما في مفتتح الميمات من نفي الريب عن الكتاب أو ما هو‬
‫في معناه‪.‬‬
‫ويمكن أن يحدس من ذلك أن بين هذه الحروف المقطعة وبين مضامين السور المفتتحة بها ارتباطًا‬
‫خاصّا‪ ،‬ويؤيد ذلك ما نجد أن سورة العراف المصدرة بـ)المص( في مضمونها كأنها جامعة بين‬
‫مضامين الميمات وص‪ ،‬وكذلك سورة الرعد المصدرة بـ)المر( في مضمونها كأنها جامعة بين‬
‫مضامين الميمات والراآت ]‪[5‬‬
‫تصانيف في الحروف المقطعة‪:‬‬
‫من التصانيف التي ألفت في هذا الموضوع‪) :‬رسالة في أسرار الحروف التي في أوائل السور‬
‫القرآنية( لبن سينا‪) ،‬الحروف المقطعة في أوائل السور( لبي سعيد الخادمي‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫]‪ [1‬جار ال أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري‪ .‬الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون القاويل في وجوه التأويل‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‬
‫‪.139‬‬

‫]‪ [2‬السيد هاشم بن سليمان بن إسماعيل الحسيني البحراني‪ .‬البرهان في تفسير القرآن‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.54‬‬

‫]‪ [3‬محمد باقر المجلسي‪ .‬بحار النوار الجامعة لدرر أخبار الئمة الطهار‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.319‬‬

‫]‪ [4‬بدر الدين محمد بن عبدال الزركشي‪ .‬البرهان في علوم القرآن‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.258‬‬

‫]‪ [5‬السيد محمد حسين الطباطبائي‪ .‬الميزان في تفسير القرآن‪ ،‬ج‪ ،18‬ص‪.9-8‬‬

‫التفسير الموضوعي لفواتح القرآن‬


‫موقع الرقام ينقل لكم هذا البحث للتفسير الموضوعي لفواتح السور كما هو ‪:‬‬
‫التعريف بالتفسير الموضوعي ‪:‬‬
‫حين نريد أن نلحظ الدراسات التفسيرية منذ العصور السلمية الولى نجد بينها اختلفًا كثيرًا في‬
‫النطباعات وتفاوتًا كبيرًا بالموضوعات ذات العلقة في البحوث القرآنية‪ .‬حيث نرى بعض‬
‫المفسرين يتجه إلى التأكيد على الجوانب اللغوية واللفظية في النص القرآني‪ .‬وبعضهم الخر يتجه‬
‫إلى التأكيد على الجانب التشريعي والفقهي من القرآن وثالثًا يتجه إلى التأكيد على الجانب العقدي‬
‫منه‪ .‬وهكذا بالنسبة إلى بقية الموضوعات القرآنية كالقصة وغيرها‪.‬‬
‫وبالرغم من هذا الختلف الكبير ل نكاد نجد اختلفًا مهمًا في منهج الدراسة والبحث‪ ،‬ذلك أنهم‬
‫اعتادوا على أن ينهجوا في البحث طريقة تفسير اليات القرآنية بحسب تسلسل عرضها في القرآن‬
‫الكريم‪ .‬وتنتهي مهمة تفسيرها عند تحديد معنى الية موضوعة البحث مع ملحظة بعض ظروف‬
‫السياق أو بعض اليات الخرى المشتركة معها في نفس الموضوع‪.‬‬
‫وفي الفترة المتأخرة من تأريخ التفسير أخذت تنمو بوادر منهج جديد في التفسير أو البحث القرآني‬
‫يقوم على أساس محاولة استكشاف النظرية القرآنية في جميع المجالت العقيدية والفكرية والثقافية‬
‫والتشريعية والسلوكية من خلل عرضها في مواضعها المختلفة من القرآن الكريم‪.‬‬
‫فحين نريد أن نعرف رأي القرآن الكريم في )اللوهية( يستعرض هذا المنهج الجديد اليات التي‬
‫جاءت تتحدث عن هذا الموضوع في مختلف المجالت وفي جميع المواضع القرآنية سواء في ذلك‬
‫ما يتعلق بأصل وجود الله أو بصفاته وحدوده‪ .‬ومن خلل هذا العرض العام والمقارنة بين اليات‬
‫وحدودها يستكشف النظرية القرآنية في )الله(‪.‬‬
‫ونظير هذا الموقف يتخذه في كل المفاهيم والنظريات أو بعض الظواهر القرآنية فيبحث عن السرة‬
‫أو )التقوى( أو )المر بالمعروف والنهي عن المنكر( أو )المجتمع( أو )الجهاد( أو )فواتح السور(‬
‫أو غير ذلك من الموضوعات القرآنية‪.‬‬
‫وقد يقتصر البحث على مقطع قرآني واحد لن القرآن لم يعرض لموضوع البحث إل في هذا‬
‫المقطع‪ .‬ومع ذلك نجد هذا الختلف بين المنهج الجديد والمنهج السابق في دراسة هذا المقطع‬
‫الواحد حيث تكون مهمة المنهج الجديد استخلص الفكرة والنظرية من خلل هذا المقطع دون‬
‫المنهج السابق‪.‬‬
‫فالتفسير الموضوعي ‪ -‬إذن يقوم على أساس دراسة موضوعات معينة تعرض لها القرآن الكريم في‬
‫مواضع مختلفة أو في موضع واحد وذلك من أجل تحديد النظرية القرآنية بملمحها وحدودها في‬
‫الموضوع المعين‪ .‬وقد خضع هذا المنهج في البحث لقانون التطور الذي يحدث عادة في مناهج‬
‫البحث فمر بمراحل متعددة حيث قام المنهج القديم للتفسير بدور الحضانة له ثم بلغ رشده وانفصل‬
‫عنه فإذا بالموضوعات القرآنية المختلفة تتخذ صفة البحث المستقل عن )الهيكل العام للتفسير‬
‫القديم(‪.‬‬
‫حاجة العصر إلى التفسير الموضوعي ‪:‬‬
‫لقد عرف السلم في أنظمته وتشريعاته ‪ -‬طريقه إلى المجتمع من خلل التطبيق؛ ذلك لن الجانب‬
‫الجتماعي من السلم لم يطرحه الرسول العظم )ص( كنظريات عامة عن المجتمع وعلقاته‬
‫المختلفة ثم جاء التشريع والتقنين بناء فوقّيا لها ليشمل جميع مناحي الحياة‪ .‬وإنما طرحه الرسول‬
‫العظم من خلل التقنين والتشريع وبيان الحكام المختلفة في قضايا المجتمع التفصيلية‪.‬‬
‫ومن هنا ل نجد البحث الموضوعي النظري يدخل في الشريعة السلمية إل في العصور المتأخرة‬
‫من تاريخ المسلمين‪ ،‬لن المجتمع السلمي كان يباشر التطبيق للقانون السلمي على أساس أنه‬
‫ل سبحانه لبد من اللتزام بها ضمن نطاقها المعين وفي حدودها الخاصة‬ ‫تشريع وأحكام من قبل ا ّ‬
‫بل حاجة إلى معرفة النظرية التي يقوم عليها الحكم الشرعي وكيفية معالجتها لمشاكل الحياة‬
‫الجتماعية‪.‬‬
‫ويكاد يختص هذا المر بالشريعة فقط دون الجانب العقيدي للسلم فإنه كان ول يزال مجالً للبحث‬
‫ل )ص(‬ ‫النظري بسبب أن جانب التطبيق فيه هو فهم النظرّية واليمان بها‪ .‬وهذا ما فعله رسول ا ّ‬
‫فإنه طرح في العقيدة النظرية السلمية بشكلها العام‪.‬‬
‫وحين انحسر السلم عن التطبيق في مجتمع المسلمين وواجه النظريات المذهبية المختلفة ظهرت‬
‫الحاجة الملحة إلى البحث الموضوعي القرآني في مختلف المجالت‪ .‬لن السلم أصبح بحاجة إلى‬
‫أن يعرض كنظرية مذهبية جاء بها الرسول محمد )ص( عن طريق الوحي‪ ،‬وذلك من أجل مواجهة‬
‫النظريات المذهبية الخرى‪ ،‬ومن أجل أن يتضح مدى صلحيته لمعالجة مشاكل الحياة المعاصرة‬
‫وصلته بتلك النظريات المذهبية‪ .‬كما أن فهم السلم كنظرية عامة هو الذي ييسر لنا سبيل أن نتبناه‬
‫نظامًا للحياة ندافع عنه ونكافح من أجل تطبيقه وصيانته‪.‬‬
‫فالحاجة إلى التفسير الموضوعي في هذا العصر تنبع في الحقيقة‪ .‬من الحاجة إلى عرض السلم‬
‫ومفاهيم القرآن عرضًا نظرّيا يتكفل الساس الذي تنبثق منه جميع التفصيلت والتشريعات الخرى‪،‬‬
‫حيث من الممكن أن نستكشف النظريات العامة من خلل التشريع والقانون السلمي لوجود‬
‫الرتباط الوثيق بين النظرية والتطبيق‪(1).‬‬
‫ل وطريقته في هذا العرض ‪:‬‬
‫الموضوعات التي عرض لها القرآن إجما ً‬
‫لقد تعرض القرآن الكريم إلى موضوعات كثيرة حيث تناول في ما تعرض له أكثر الجوانب الفكرية‬
‫والثقافية المرتبطة بالحياة والكون سواء ما يتعلق منها بالعقيدة أو بالتشريع أو بالخلق أو المجتمع‬
‫أو التأريخ أو غير ذلك من الجوانب الخرى‪.‬‬
‫وسوف نشير إلى النقاط الرئيسية التي تناولها القرآن الكريم علمًا بأن أكثر هذه النقاط تتفرع إلى‬
‫نقاط أخرى وموضوعات ثانوية تصلح للبحث الموضوعي والدرس العلمي وهذه النقاط هي‬
‫كالتالي ‪:‬‬
‫للوهية ‪ -‬أفعال الله ‪ -‬عالم الغيب ‪ -‬النسان قبل الدنيا ‪ -‬النسان في هذه الدنيا ‪ -‬النسان بعد هذه‬
‫اُ‬
‫الدنيا ‪ -‬الخلق النسانية ‪ -‬التشريع السلمي‪.‬‬
‫ل سبحانه وصفاته من الحياة والعلم‬
‫وتتناول النقطة الولى ‪ :‬كل المعلومات التي ترتبط بأسماء ا ّ‬
‫والقدرة والسمع والبصر‪ ...‬وغيرها‪.‬‬
‫وتتناول النقطة الثانية ‪ :‬كل المعلومات التي ترتبط بالخلق والرادة والمر والمشيئة والهداية‬
‫والضلل والقضاء والقدر والجبر والتفويض والرضا والسخط والحب‪.‬‬
‫وتتناول النقطة الثالثة ‪ :‬كل المعلومات التي ترتبط بالحجب واللوح والقلم والعرض والكرسي والبيت‬
‫المعمور والسماء والرض والملئكة والشياطين والجن‪ .‬وغير ذلك‪.‬‬
‫وتتناول النقطة الرابعة ‪ :‬كل المعلومات التي ترتبط بآدم وكيفية خلقه وخلفته وغيرها‪.‬‬
‫______________________________‬
‫)‪ (1‬راجع بهذا الصدد اقتصادنا لستاذنا السيد محمد باقر الصدر ‪.2/16 :‬‬

‫وتتناول النقطة الخامسة ‪ :‬كل المعلومات التي ترتبط بتأريخ النسان ومزاجه النفسي والروحي‬
‫والعقلي والقوانين الجتماعية العامة التي تتحكم في سلوكه وعلقاته ومدى صلته بالسماء وأساليب‬
‫هذه الصلة من النبوة والوحي واللهام والدين والكتاب والشريعة وجميع صفات النبياء التي تستنبط‬
‫من قصصهم‪.‬‬
‫وتتناول النقطة السادسة ‪ :‬كل المعلومات التي ترتبط بالبرزخ والمعاد والجنة والنار‪.‬‬
‫وتتناول النقطة السابعة ‪ :‬كل المعلومات التي ترتبط بالقيم والمثل التي يجب أن يتحلى بها النسان‬
‫والتي ترتفع به في عالم النسانية وتوصله إلى الكمال المنشود‪.‬‬
‫وتتناول النقطة الثامنة ‪ :‬كل المعلومات التي ترتبط بالشريعة السلمية بجوانبها القتصادية‬
‫والجتماعية والتجارية والحربية وغيرها)‪.(2‬‬
‫وقد سلك القرآن الكريم لتبيان هذه الموضوعات منهجًا فريدًا يكاد يتميز عن سائر مناهج الكتب‬
‫الدينية الخرى حيث نرى أنه ل يكاد تمر سورة من القرآن الكريم أو جزء منه إل وقد تناول أكثر‬
‫هذه الموضوعات بأسلوب غاية في التناسق والربط والنسجام‪ .‬كما نجد القرآن الكريم من ناحية‬
‫أخرى يعمل على إيضاح بعض المفاهيم والفكار غير المادية عن طريق المثلة والصور المادية‬
‫ليقرب بذلك الفكرة إلى النسان الذي ل يرى إل من خلل هذه الصور ويحدد الفكرة عن طريق‬
‫تكرار المثلة وتكثير الصور لتخلص مما قد يعلق بها من شوائب المادة وحدودها‪ .‬كما أشرنا إلى‬
‫ذلك في بحث المحكم والمتشابه‪.‬‬
‫ونحن نعرف أن الهدف الساسي الذي استهدفه القرآن الكريم في نزوله هو التربية والتغيير‬
‫الجتماعي ل التثقيف والتعليم فحسب‪ .‬ولذا نجد السلوب القرآني يخضع في جميع مراحله إلى هذا‬
‫ل ولكنه يؤدي إلى الغاية والهدف‪ .‬وقد أوضحنا في‬ ‫الهدف ويأتي بهذا الشكل الذي قد يبدو متداخ ً‬
‫بعض أبحاثنا السابقة جوانب متعددة من هذه الطريقة في العرض والبيان‪.‬‬

‫_____________________________‬
‫)‪ (2‬راجع بهذا الصدد الميزان ‪ :‬مقدمة تفسيرالميزان ‪ -‬ص ‪. - 11‬‬
‫ولم يؤثر عن الرسول )ص( شيء صحيح في تفسير هذه الحروف بل يكاد أن ل يؤثر عنه شيء في‬
‫ذلك مطلقًا ليكون هو القول الفصل فيها‪ .‬لعل هذا هو السبب في تعدد آراء العلماء واختلف وجهات‬
‫النظر فيما بينهم بصدد تفسير هذه الحروف ‪:‬‬
‫وهناك اتجاهان رئيسان في تفسير هذه الحروف ‪:‬‬
‫التجاه الول ‪:‬‬
‫ل سبحانه بعلمها‪ .‬ولذا فليس من الممكن‬ ‫هو الذي يرى أن هذه الحروف من الشياء التي استأثر ا ّ‬
‫لحد أن يصل إلى معرفة المراد منها‪ .‬ويؤيد هذا التجاه ما روي عن عدد من الصحابة والتابعين‪.‬‬
‫ل فل تطلبوه‪ .‬وذهب إليه كثير من العلماء والمحققين‪ .‬كما جاء‬ ‫من أن الفواتح سر القرآن وأنها سر ا ّ‬
‫ذلك في بعض الروايات عن طريق أهل البيت )ع(‪(4).‬‬
‫والتجاه الخر ‪:‬‬
‫هو الذي يرى أنه ليس في القرآن الكريم شيء غير مفهوم لنا أو معروف لدى العلماء والمحققين‪.‬‬
‫ل سبحانه وتعالى وصف القرآن الكريم بصفات متعددة ل تتفق مع هذا‬ ‫وذلك انطلقًا من حقيقة أن ا ّ‬
‫الخفاء والستئثار فهو جاء بلسان عربي مبين كما أنه نزل تبيانًا لكل شيء وهدى للناس وغير ذلك‪.‬‬
‫وحين يكون القرآن بهذه الصفة ل يمكن إل أن يكون مفهومًا للناس واضحًا لهم‪ .‬وقد نسب هذا‬
‫التجاه إلى المتكلمين من علماء السلم‪.‬‬
‫وعلى أساس هذا التجاه نجد كثيرًا من العلماء يحاولون تفسير هذه الحروف المقطعة المر الذي‬
‫استلزم تعدد مذاهبهم في ذلك‪ .‬وقد ذكر الشيخ الطوسي مذاهب مختلفة في تفسير هذه الحروف وعد‬
‫منها الفخر الرازي واحدًا وعشرين تفسيرًا وسوف نقتصر على ذكر المهم منها ‪:‬‬
‫______________________________‬
‫)‪ (4‬التبيان ‪.48 /1 :‬‬
‫الول ‪:‬‬
‫ل وصفاته وأفعاله فقد روي‬
‫ما نسب إلى ابن عباس من أن هذه الحروف ترمز إلى بعض أسماء ا ّ‬
‫ل أرى()‪ (5‬إلى غير ذلك‪ .‬ويؤيده ما روي عن‬ ‫ل أعلم(‪ .‬وفي )المر( ‪) :‬أنا ا ّ‬
‫عنه في )الم( ‪) :‬أنا ا ّ‬
‫ل‪(6).‬‬
‫معاوية بن قرة عن النبي )ص( من أنها حروف من أسماء ا ّ‬
‫الثاني ‪:‬‬
‫إنها أسماء للقرآن الكريم كالكتاب والفرقان والذكر‪ .‬وإلى هذا المذهب صار جماعة من التابعين‬
‫كقتادة ومجاهد وابن جريج والكلبي والسدي‪(7).‬‬
‫ويناقش هذان المذهبان بأنهما ل يستندان إلى دليل أو قرينة وإنما هي رجم بالغيب فل مناسبات‬
‫الظروف الموضوعية ول مناسبات الكلم اللغوية هي التي تشير إلى هذا المعنى وحالهما حال كل‬
‫تفسير أو فرضية أخرى يمكن أن تذكر شريطة أن ل تتنافى مع بديهّيات العقيدة القرآنية‪.‬‬

‫الثالث ‪:‬‬
‫إن هذه الحروف مقتطعة من أسماء لها دللة معينة بحسب الواقع وهي مجهولة لنا معلومة للنبي‬
‫)ص( ويؤيد ذلك أن هذه الطريقة كانت معروفة لدى بعض العرب في مخاطباتهم وأحاديثهم‪ .‬وقد‬
‫روي ذلك عن ابن عباس وابن مسعود وجماعة من الصحابة‪(8).‬‬
‫كما أن ما ذهب إليه الطبري وروي عن ابن أنس يكاد يتفق مع هذا المذهب أيضًا‪ .‬وهذا المذهب‬
‫قريب إلى المذهب الول الذي روي عن ابن عباس أيضًا‪ .‬ويمكن أن يناقش هذا المذهب بنفس‬
‫مناقشتنا للمذهبين السابقين‪.‬‬

‫_____________________________‬
‫)‪ (5‬التفسير الكبير ‪.2/6 :‬‬
‫)‪ (6‬التبيان ‪.1/51‬‬
‫)‪ (7‬التفسير الكبير ‪ 2/6‬والتبيان ‪.1/47‬‬
‫)‪ (8‬التبيان ‪.48 - 47 /1‬‬

‫الرابع ‪:‬‬
‫إنها أسماء للسور التي جاءت فيها و)الم( اسم لسورة البقرة و)كهيعص( اسم لسورة مريم و)ن( اسم‬
‫لسورة القلم وهكذا‪...‬‬
‫وقد اختار هذا الرأي أكثر المتكلمين وجماعة من اللغويين)‪ (9‬واستحسنه الشيخ الطوسي ودافع عنه‬
‫بعد أن أورد عليه بعض الشبهات)‪ (10‬كما اختاره أيضًا الشيخ محمد عبده‪(11).‬‬
‫وتحمس الفخر الرازي في تأييده وأطنب في بيان الشبهات التي أوردوها عليه ونقضها)‪ (12‬وأهم‬
‫ما أورد عليه الشبهتان التاليتان ‪:‬‬
‫الولى ‪:‬‬
‫إن السم إنما يوضع للتمييز بين المسميات‪ .‬وهذا ل يتفق مع تسمية عدة سور باسم واحد كما حدث‬
‫في البقرة وآل عمران فإنه ورد في أولهما )الم( وحدث في السجدة وغافر وفصلت فإنه ورد في‬
‫أولها )حم(‪.‬‬
‫الثانية ‪:‬‬
‫إن السم لبد أن يكون غير المسمى في الوقت الذي قام الجماع على أن هذه الحروف جزء من‬
‫السور التي جاءت فيها‪.‬‬

‫وقد أجاب الشيخ الطوسي عن الشبهة الولى ‪ :‬بأنه ل مانع من تسمية عدة أشياء باسم واحد مع‬
‫التمييز بينها بعلمة مميزة‪ .‬وقد وقع هذا في العلم الشخصية كثيرًا كما أجاب عن الشبهة الثانية‬
‫بأنه ل مانع من تسمية الشيء ببعض ما فيه‪ .‬كما حدث في تسمية سورة البقرة وآل عمران‬
‫والعراف من السور‪.‬‬
‫______________________________‬
‫)‪ (9‬التفسير الكبير ‪.2/5‬‬
‫)‪ (10‬التبيان ‪.1/49‬‬
‫)‪ (11‬المنار ‪.1/122‬‬
‫)‪.11 - 8 /2 (12‬‬
‫ولكن مع كل هذا ‪ -‬قد يلحظ على هذا الرأي ‪ : -‬أن الحروف تقرأ مقطعة بذكر أسمائها )الف ‪ -‬لم‬
‫‪ -‬ميم( ل مسمياتها وهذا ل يناسب أن تكون أسماء للسور وإل لكان قراءتها بمسمياتها كما هي‬
‫مكتوبة‪ .‬وهذه الكيفية من القراءة تناسب أن تكون الحروف مقصودة في نفسها بالذكر ل أنها أسماء‬
‫لشياء أخرى‪.‬‬
‫الخامس ‪:‬‬
‫إن هذه الحروف إنما جيء بها ليفتتح بها القرآن الكريم وليعلم بها ابتداء السورة وانقضاء ما قبلها‪.‬‬
‫وقد اختار هذا الرأي البلخي وروي عن مجاهد أيضًا وذكر له الشيخ الطوسي بعض المثلة من‬
‫استعمالت العرب)‪ .(13‬ويؤيده قول احمد بن يحيى بن ثعلب ‪ :‬إن العرب إذا استأنفت كلمًا فمن‬
‫شأنهم أن يأتوا بشيء غير الكلم الذي يريدون استئنافه فيجعلونه تنبيهًا للمخاطبين على قطع الكلم‬
‫الول واستئناف الكلم الجديد‪(14).‬‬
‫وقد يلحظ على هذا الرأي بعدم شمول هذه الطريقة لجميع سور القرآن الكريم ويبقى الختصاص‬
‫حينئذ سرًا نحتاج إلى إيضاحه والكشف عنه‪.‬‬
‫______________________________‬
‫)‪ (13‬التبيان ‪.1/47‬‬
‫)‪ (14‬التفسير الكبير ‪.2/7‬‬

‫السادس ‪:‬‬
‫إنها أسماء للحروف الهجائية المعروفة‪ .‬وإنما جيء بها تنبيهًا للناس على أن القرآن الكريم الذي‬
‫عجزوا عن مباراته والتيان بمثله ليس إل مؤلفًا من هذه الحروف ومركبًا منها فلم يكن التحدي به‬
‫لنه يحتوي على مادة غريبة عنهم وإنما كان بشيء مركب من هذه الحروف التي يتكلمون‬
‫ويتحادثون بها وقد عجز عن التيان بمثله أهل الفصاحة والبلغة‪ .‬وقد ذهب المبرد وجمع كبير من‬
‫المحققين إلى هذا المذهب‪(15).‬‬
‫ويمكن أن يناقش هذا المذهب بأن مجرد ذكر الحروف في أول السورة بهذا الشكل المتقطع ل يكفي‬
‫في إيضاح هذه الحقيقة‪ .‬وقد ل يشعر الناس بذلك‪ .‬فل يحقق حينئذ القرآن هدفه من ذكرها‪.‬‬
‫وقد كان من الممكن أن يصل القرآن إلى ذلك عن طريق إيضاح الفكرة ببيان قضية عامة تستوعب‬
‫هذا المضمون وتشرحه‪ .‬فالفكرة التي يتبناها هذا المذهب وإن كانت صحيحة ولكنها تبدو غير‬
‫منسجمة مع طبيعة ذكر هذه الحروف بهذا السلوب‪.‬‬
‫السابع ‪:‬‬
‫أن هذه الحروف إنما جاءت في أول السور ليفتح القرآن أسماع المشركين الذين تواصلوا بعدم‬
‫النصات إليه‪ .‬كما جاء في قوله تعالى ‪ -‬على لسانهم )ل تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم‬
‫تغلبون( فكانت هذه الحروف ‪ -‬بطريقة عرضها وغموضها سببًا للفت أنظار المشركين إلى استماع‬
‫القرآن الكريم رجاء أن يتضح لهم منه هذا الغموض والبهام عند استماعهم له‪.‬‬
‫ويزداد هذا المذهب وضوحًا إذا لحظنا الحالة النفسية التي كان يعيشها المشركون آنذاك حيث‬
‫ينظرون إلى القرآن الكريم على أنه صورة المعجزة المدعاة وأنه ذو صلة بالغيب وعوالمه العجيبة‪.‬‬
‫فهم ينتظرون في كل لحظة أن تحدث ظاهرة غريبة تفسر لهم الموقف وتأتيهم بالمور العجيبة‪.‬‬
‫______________________________‬
‫)‪ (15‬ن‪ .‬م ‪.2/6‬‬
‫الثامن ‪:‬‬
‫إنها حروف من حساب الجمل‪ .‬لن طريقة الحساب البجدي المعروفة الن كانت متداولة بين أهل‬
‫الكتاب آنذاك‪ .‬فهذه الحروف تعبر عن آجال أقوام معينين‪.‬‬
‫ومن هنا نجد ‪ -‬كما روي عن ابن عباس ‪ -‬أبا ياسر ابن أخطب اليهودي يحاول أن يتعرف على أجل‬
‫المة السلمية وعمرها من خلل هذه الحروف‪(16).‬‬
‫وقد لحظ ابن كثير على هذا الرأي بقوله ‪) :‬وأما من زعم أنها دالة على معرفة العدد وأنه يستخرج‬
‫من ذلك أوقات الحوادث والفتن والملحم فقد ادعى ما ليس له‪ .‬وطار في غير مطاره وقد ورد في‬
‫ذلك حديث ضعيف‪ .‬وهو مع ذلك أل على بطلن هذا المسلك من التمسك به على صحته‪(17)(..‬‬
‫كما لحظ عليه السيد رشيد رضا بمثل هذه الملحظة حيث قال ‪) :‬إن أضعف ما قيل في هذه‬
‫الحروف وأسخفه أن المراد بها الشارة بأعدادها في حساب الجمل إلى مدة هذه المة أو ما يشابه‬
‫ذلك(‪(18).‬‬
‫التاسع ‪:‬‬
‫إن ذكر هذه الحروف في القرآن الكريم يدل على ناحية إعجازية تشبه دللة بقية اليات القرآنية‪.‬‬
‫وذلك لن النطق بهذه الحروف وإن كان متيسرًا بالنسبة إلى كل من يتكلم العربية‪ .‬ولكن أسماءها لم‬
‫يكن يتيسر إل للمتعلم من العرب ولما كان النبي )ص( أمّيا ‪ -‬كما يعرفه بذلك معاصروه ‪ -‬فقدرته‬
‫على معرفة أسمائها قرينة على تلقيه ذلك من قبل الغيب‪ .‬ولعل هذا هو السبب في تقديم ذكرها على‬
‫السورة كلها‪.‬‬
‫______________________________‬
‫)‪ (16‬ن‪ .‬م ‪.2/7‬‬
‫)‪ (17‬تفسير القرآن العظيم ‪.1/68‬‬
‫)‪ (18‬المنار ‪.1/132‬‬
‫وقد أوضح الزمخشري هذه الفكرة بإبداء ملحظة أخرى هي‪ :‬أن ظاهرة غريبة تلحظ حين نريد‬
‫أن ندرس هذه الحروف بدقة تدعونا إلى الحكم بأن هذه الحروف قد اختيرت بعناية فائقة ل تتوفر إل‬
‫لدى المتخصصين من علماء العربية)‪.(19‬‬
‫العاشر ‪:‬‬
‫ما ذكره ابن كثير وأوضحه السيد رشيد رضا وحاصله‪ :‬أن من الملحظ أنه قد جاء بعد هذه‬
‫الحروف ذكر الكتاب الكريم ونبأ تنزيله‪ .‬ولم يتخلف عن ذلك إل سور أربع هي مريم والعنكبوت‬
‫والروم والقلم وفي كل واحدة من هذه السور نجد أمرًا مهمًا يشبه مسألة الكتاب وإنزاله‪.‬‬
‫فأننا نجد في فاتحة سورة مريم خلق يحيى من امرأة عاقرة كبيرة ومن شيخ عجوز وهو أمر يخالف‬
‫القوانين التجريبية السائدة‪ .‬وفي فاتحة العنكبوت والروم أمران مهمان يرتبطان بالدعوة ومصيرها‬
‫ل لختبار الناس وتمييز الصالح منهم‬
‫حيث جاء في فاتحة العنكبوت بيان قانون اجتماعي وضعه ا ّ‬
‫عن غيره‪ .‬ولهذا القانون تأثير كبير على سير الدعوة حيث يوضح أن الفتنة والعذاب ل يمكن أن‬
‫ل لحبائه وإنما هما اختبار لصدق إيمانهم ورسوخه‪.‬‬
‫ل على خذلن ا ّ‬ ‫يكون دلي ً‬
‫______________________________‬
‫)‪ (19‬الزمخشري ‪ .24 - 23 /1‬واقرأ تعليق أحمد بن المنير السكندري أيضًا‪.‬‬

‫وفي فاتحة الروم قضية الخبار بغلبة الروم على الفرس في بضع سنين‪ .‬وفي فاتحة القلم وخاتمتها‬
‫ل عليه وآله من تهم كما‬ ‫تبرئة الرسول من تهمة الجنون التي كانت من أول ما رمي به النبي صلى ا ّ‬
‫أن السورة كانت من أول ما نزل من القرآن‪.‬‬
‫وهذا الرتباط بين الحروف المقطعة وبين التأكيد على الكتاب وإنزاله من السماء يدعونا للقول إنه‬
‫إنما جيء بها لغاية قرع السماع وهز القلوب ودفع الناس إلى استماع القرآن الكريم والنصات‬
‫إليه‪(20).‬‬
‫وهذا المذهب يكاد ينطلق من المذهب السابع ‪ -‬كما اعترف بذلك السيد رشيد رضا ‪ -‬كما أن السيد‬
‫رشيد رضا يخطئ حين يتصور أنه انفرد به حيث سبقه إليه ابن كثير‪.‬‬
‫موقفنا من هذه المذاهب ‪:‬‬
‫وموقفنا من هذه المذاهب يتحدد على ضوء بعض الظواهر العامة التي عاشتها مسألة )فواتح السور(‬
‫وهي ‪:‬‬
‫‪ - 1‬عدم ورود تفسير واضح للفواتح عن الرسول‪.‬‬
‫‪ - 2‬سكوت الصحابة عن سؤال الرسول بصدد هذا الموضوع‪.‬‬
‫‪ - 3‬عدم تعارف استعمال العرب لهذا السلوب في كلمهم‪.‬‬
‫وهذه الظواهر الثلث تجعلنا نؤمن بأن الموقف تجاه هذه الحروف من قبل معاصري الوحي والنبوة‬
‫كان واضحًا وجليًا المر الذي أدى إلى سكوت النبي والصحابة معًا‪ .‬وحينئذ فإما أن يكون هذا‬
‫الوضوح نتيجة توضيح النبي بأنها من المتشابهات التي يحسن السكوت والتسليم عندها‪ .‬أو أنه كان‬
‫نتيجة أن الغاية من استعمالها كانت جارية على نهج المذهب السابع‪ .‬فإنه المذهب الوحيد الذي شرح‬
‫القضية بشكل ينسجم مع هذه الظواهر ول يستلزم السؤال والستفسار‪.‬‬
‫ويكون هذا السلوب في اللفات من الساليب التي برع القرآن في استعمالها‪.‬‬

‫لحضرة صاحب الفضيلة الستاذ الجليل الشيخ محمود شلتوت‬


‫سورة البقرة‬
‫مجمل ما سبق ـ الحرف المقطعة في فواتح السور وآراء العلماء فيها ـ هل في كتاب ال ما ل يفهم‬
‫ـ هل المتشابه في القرآن من هذا الباب ـ الرأي الذي نراه في ذلك كله‪.‬‬
‫صفحة ‪336‬‬
‫قال فضيلته في أحد أبحاثه ومقالته‪ :‬قدمنا لقراء " رسالة السلم " في العدد السابق‪ ،‬التعريف‬
‫بسورة البقرة‪ ،‬وعرضنا فيه لسبب هذه التسمية‪ ،‬ومناهج الناس في فهم القصص القرآني‪ ،‬كما‬
‫عرضنا لمقاصد السورة التي احتوتها‪ ،‬ومنه تبين ان هذه السورة المدنية عنيت بشئون الجوار الجديد‬
‫الذي صار المسلمون إليه بالهجرة من مكة إلى المدينة‪ ،‬فذكرت كثيرا من أحوال اليهود وشبههم‪،‬‬
‫كما ذكرت كثيرا من أحوال النصارى ومزاعمهم‪ ،‬وأن هذا القسم ختم بالحديث عن حادثة تحويل‬
‫القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة‪ ،‬ثم عنيت بعد ذلك بشئون المسلمين الخاصة من جهة التكاليف‪،‬‬
‫فذكرت كثيرًا منها‪ ،‬يرجع بعضه إلى الدماء‪ ،‬وبعضه إلى العبادات من صوم وحج‬
‫وصلة‪ ،‬وبعضه إلى السرة من زواج وطلق وإيلء وعدة إلى آخر ما اشتملت عليه مما يحتاج‬
‫إليه المسلمون في تنظيم نواحي الحياة‪ ،‬وأنها مع هذا وذاك عنيت في مبدئها ووسطها وخاتمتها‬
‫بتجلية العقيدة الحقة التي جاءت لتقريرها ودعوة الناس إليها رسالة السلم‪ ،‬فجاء في أولها‪ " :‬ذلك‬
‫الكتاب ل ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلة ومما رزقناهم ينفقون‪،‬‬
‫والذين يؤمنون بما أنزل اليك وما انزل من قبلك وبالخرة هم يوقنون‪ ،‬أولئك على هدى من ربهم‬
‫وأولئك هم المفلحون " وجاء في وسطها وبين مقصديها‪ " :‬ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق‬
‫والمغرب ولكن البر من امن بال واليوم الخر والملكئة والكتاب والنبيين‪ ،‬وآتى المال على حبه‬
‫ذوى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب‪ ،‬وأقام الصلة وآتى الزكاة‬
‫والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس اولئك الذي صدقوا‬
‫واولئك هم المتقون " وجاء في آخرها‪ " :‬آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بال‬
‫وملئكته وكتبه ورسله ل نفرق بين أحد من رسله‪ ،‬وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا واليك‬
‫المصير "‪.‬‬
‫وقد كان سياق اليات الولى بيان عظم القرآن‪ ،‬وأنه هداية للنفوس الخيرة التي لم تطمس إشراقها‬
‫القلبي ظلمة المادة‪ ،‬ول عصبية الجنسية‪ ،‬ول غلظة الكباد أمام حاجة المحتاج من بني النسان‪،‬‬
‫وأن هؤلء هم الذين ينتفعون بهداية الكتاب‪ ،‬ل غيرهم ممن غشيتهم ظلمة المادة فقصروا إدراكهم‬
‫على ما يحسون‪ ،‬وقصروا اتجاهاتهم على ما تركه الباء والجداد فلم يعرفوا إل ما عرفوا‪،‬‬
‫وتحجرت قلوبهم فلم تتأثر أمام حاجة المحتاجين‪ ،‬ولم تقم فيهم بحق الشكر على ما رزقهم ال‪ ،‬وكان‬
‫سياق الية الوسطى قرع أسماع المختلفين فيما ل يعود عليهم بخير ول يفضي بهم إلى نفع‪ ،‬بحقيقة‬
‫البر التي يجب أن يلتزموها‪ ،‬ويسلكوا سبيلها‪ ،‬ويطهروا أنفسهم عما سواها‪ ،‬ل فرق في ذلك بين‬
‫يهودي أو نصراني أو مسلم‪ ،‬تلك الحقيقة التي ل ترتبط بشيء من المظاهر والصور والشكال‪،‬‬
‫وإنما ترتبط بالواقع الصحيح‪،‬‬
‫‪ /‬صفحه ‪/337‬‬
‫واللباب الخالص في شأن العقيدة‪ ،‬وما ينبغي أن يكون عليه النسان من الخلق الفاضلة والعمال‬
‫الصالحة‪ ،‬وكان سياق الية الخيرة بيان أن هذه العقيدة التي دعا إليها السلم هي عقيدة المصطفين‬
‫الخيار من عباد ال الذين صفت نفوسهم‪ ،‬واستضاءت بنور المعرفة قلوبهم‪ ،‬وأدركوا أن دعوة ال‬
‫في كل جيل وأمة هي دعوة ال‪ ،‬ل تعدد فيها‪ ،‬ول اختلف‪ " :‬ان الدين عند ال السلم " " ومن‬
‫يبتغ غير السلم دينا فلن يقبل منه وهو في الخرة من الخاسرين "‪.‬‬
‫بدأت " سورة البقرة " بحروف ثلثة تقرأ مقطعة هكذا‪ :‬ألف‪ .‬لم‪ .‬ميم‪ ،‬وشاركها في البدء بالحروف‬
‫على هذا النحو كثير من سور القرآن‪ ،‬ليس فيها من المدني سوى السورة التي تليها‪ ،‬وهي سورة "‬
‫آل عمران " " الم‪ .‬ال ل اله ال هو الحي القيوم نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه‪،‬‬
‫وأنزل التوراة والنجيل من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان " أما باقي السور فمكي‪.‬‬
‫وقد جاءت الحروف المقطعة التي بدئت بها هذه السور كلها‪ ،‬على أنواع‪ :‬منها ما هو ذو حرف‬
‫واحد‪ ،‬مثل " ص والقرآن ذي الذكر " " ق والقرآن المجيد " " ن والقلم وما يسطرون " ومنها ما‬
‫هو ذو حرفين‪ ،‬مثل " طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى " " يس والقرآن الحكيم " " حم تنزيل‬
‫الكتاب من ال العزيز الحكيم " ومنها ما هو ذو ثلثة أو أكثر‪ ،‬مثل " الم " و " المص " و " المر "‬
‫و " كهيعص " و " حم عسق " … الخ‪.‬‬
‫افتتحت هذه السور بالحروف على هذا النحو‪ ،‬ولم يكن هذا السلوب معروفا عند العرب من قبل‪،‬‬
‫ولم يكن لهذه الحروف معان في اللغة العربية تدل عليها سوى مسمياتها كحروف هجائية يلتئم منها‬
‫الكلم‪ ،‬ولم يصح عن الرسول )صلى ال عليه وسلم( بيان للمراد منها‪ ،‬وقد كان الناس ـ لذلك ـ‬
‫أمامها فريقين‪ :‬فريق يرى أنها مما استأثر ال بعلمه‪ ،‬فل يصل أحد إلى معرفة المراد منها‪ ،‬ويروى‬
‫في ذلك عن أبي بكر الصديق رضي ال عنه " في كل كتاب سر‪ ،‬وسره في القرآن‬
‫‪ /‬صفحه ‪/338‬‬
‫أوائل السور " وعن علي رضي ال عنه‪ " ،‬أن لكل كتاب صفوة‪ ،‬وصفوة هذا الكتاب حروف‬
‫التهجي "‪ ،‬وقد سئل الشعبي عن هذه الحروف فقال‪ " :‬سر ال فل تطلبوه " وهكذا ورد عن كثير من‬
‫الصحابة والتابعين‪ ،‬والفريق الخر ينكر ان يكون في كتاب ال ما ليس مفهوما للخلق‪ ،‬ويرى ان‬
‫هذا المبدأ يتنافى مع الوصاف التي وصف ال بها القرآن من أنه " بلسان عربي مبين "‪ ،‬وأنه نزل‬
‫" تبيانا لكل شئ "‪ ،‬وانه " هدى للناس " ونحو ذلك من الوصاف‪ ،‬ويقولون‪ :‬لو ان فيه ما ل يفهم‬
‫لما صح فيه وصف من هذه الوصاف‪ ،‬إلى أدلة أخرى من هذا الوادي‪ ،‬وقد نسب هذا القول إلى‬
‫المتكلمين‪ ،‬وأثر عنهم في بيان المراد بهذه الحرف أقوال كثيرة منها‪ :‬أنها أسماء للسور التي بدئت‬
‫بها‪ ،‬ومنها أنها رموز لبعض أسماء ال تعالى أو صفاته‪ ،‬فاللف مثل إشارة إلى أنه تعالى " أحد‪،‬‬
‫أول‪ ،‬آخر‪ ،‬أبدى‪ ،‬ازلى " واللم مثل اشارة إلى أنه " لطيف " والميم إلى أنه " ملك‪ ،‬مجيد‪ ،‬منان "‬
‫والعين إلى انه " عزيز‪ ،‬عدل " وروي عن ابن عباس أنه قال في " ألم "‪ :‬أنا ال أعلم‪ ،‬وفي " الر"‪:‬‬
‫أنا ال أرى … إلى غير ذلك مما يروون‪ ،‬ومنها وهو أشهرها ومختار المحققين منهم كما يقولون‪،‬‬
‫أنها حروف أنزلت للتنبيه على أن القرآن ليس ال من هذه الحروف التي عرفوها‪ ،‬وألفوا كلمهم‬
‫منها‪ ،‬وهم قادرون عليها‪ ،‬وعارفون بقوانين فصاحتها وبلغتها‪ ،‬فلم يكن القرآن بمادته التي يتألف‬
‫منها غريبا عليهم‪ ،‬وقد تحداهم الرسول بمثل هذا القرآن‪ ،‬أو بعشر سور‪ ،‬أو بسورة واحدة‪ ،‬فعجزوا‪،‬‬
‫فلو كان من عند غير ال ومادته معروفة لهم ل ستطاعوا أن ينفوا عن انفسهم العجز والخزي‪ ،‬ولما‬
‫جوبهوا بالعجز الدائم المستمر في مستقبل ل يعلم مداه ال ال " فان لم يفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار‬
‫التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين "‪.‬‬
‫وردت هذه القوال وغيرها عن المتكلمين الذي يرون ان القرآن ل يمكن ان يحتوي على ما ل يفهم‬
‫الناس‪ ،‬ونحن نرى بادئ ذي بدء أن القول بأنها رموز للسماء أو الصفات أو لقضايا وصفية ل‬
‫سبحانه‪ ،‬قول ل يكاد قلب يطمئن اليه‪،‬‬
‫‪ /‬صفحه ‪/339‬‬
‫إذ ل مستند له يعتمد عليه‪ ،‬ول قانون يرجع إليه‪ ،‬فلكل ناظر أن يختار ما يخطر على باله من أسماء‬
‫أو صفات أو قضايا‪ ،‬ويجعل الحروف رمزًا له‪ ،‬ونرى أيضا ان القول بأنها اسماء السور يرده‬
‫اشتهار السور بأسماء أخرى غير هذه الحروف‪ ،‬كسورة البقرة‪ ،‬وسورة آل عمران‪ ،‬وسورة‬
‫العراف‪ ،‬وسورة مريم‪ ،‬وما إليها فلو كانت أسماء للسور كما يقولون لتواترت على ألسنة أصحاب‬
‫رسول ال )صلى ال عليه وسلم(‪ ،‬وعلى ألسنة المؤمنين جيل بعد جيل‪ ،‬ونرى ان القول الذي‬
‫نسبوه إلى المحققين من أصحاب هذا الرأي‪ ،‬وهو التنبيه على أن هذا القرآن من مادة الكلم الذي‬
‫ألفوه وقد عجزوا مع ذلك عنه‪ ،‬قول يعتمد قضيتين تصيدهما القائلون به من الواقع التاريخي لموقف‬
‫العرب من القرآن‪ ،‬ومن طبيعة هذه الحروف‪ :‬إحداهما أن هذه من حروف التهجي المعروفة عند‬
‫العرب التي يتركب منها كلمهم‪ ،‬وأن القرآن مؤلف منها‪ ،‬والخرى أنهم مع ذلك قد عجزوا عن‬
‫التيان بمثله‪ ،‬وما كان للعرب أن يجهلوا‪ ،‬أو يغفلوا‪ ،‬عن أن القرآن الذي يتلوه عليهم محمد )صلى‬
‫ال عليه وسلم( هو من هذه الحروف‪ ،‬أما عجزهم عن التيان بمثله فهو أمر يعرفونه من أنفسهم‪،‬‬
‫ويعرفه التاريخ عنهم‪ ،‬وقد سجله القران عليهم بالعبارة الواضحة البينة‪ ،‬فليس المر في القضيتين‬
‫بمحتاج إلى استخدام رمز كهذا الرمز البعيد الذي ل يستند إلى نقل صحيح‪ ،‬ول فهم واضح‪.‬‬
‫هذا وقد نوقش المتكلمون فيما استدلوا به على المبدأ الذي بنوا عليه أقوالهم في معاني أوائل السور‪،‬‬
‫وهو أنه ل يمكن أن يكون في القرآن ما ل يفهم‪ ،‬فقيل لهم‪ :‬إن وصف القرآن بما وصف به من أنه‬
‫هدى وتبيان ونحو ذلك ل يبطله ان تجئ في أوائل بعض سوره مثل هذه الحروف التي لم يتعلق بها‬
‫تكليف أو ارشاد وأنه ما دام واضحا في جملته وفيما قصد به‪ ،‬فل بأس أن يرد فيه بعض ما استأثر‬
‫ال بعلمه‪ ،‬تنبيها على القدرة التامة في جانب الربوبية‪ ،‬والقصور في جانب العبودية‪ ،‬وتلك سنة ال‬
‫في خلقه وتكاليفه‪ ،‬فكم له في الكون من أسرار تنقضي الدنيا ول تدرك‪ ،‬وكم له في التكاليف من‬
‫أسرار ل يملك العبد أمامها إل أن يمتثل‪ ،‬وما هذه المكتشفات التي تتجدد للبشر يومًا بعد يوم‪،‬‬
‫وتنكشف للعلماء جيل بعد‬
‫‪340‬‬
‫جيل‪ ،‬إل قطرة أو قطرات من بحر خلق ال الذي ل يعرف مداه سواه " قل لو كان البحر مداداً‬
‫لكلمات ربي لنفد البحر قبل أ ن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا "‪ " .‬ولو أن ما في الرض من‬
‫شجرة أقلم والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات ال إن ال عزيز حكيم "‪.‬‬
‫وإن في قوله تعالى وهو بصدد الحديث عن السراء بعبده من المسجد الحرام إلى المسجد القصى "‬
‫لنريه من آياتنا " وقوله وهو بصدد الحديث عن اليحاء إليه " لقد رأى من آيات ربه الكبرى "‪،‬‬
‫لَتنبيها لقلوب المؤمنين إلى أن في مكنون هذا الكون‪ ،‬وفي باطن خلق ال ما ل تدركه العقول‪ ،‬ول‬
‫تصل إليه الفهام‪ " ،‬وما أوتيم من العلم إل قليل " وإذا كانت هذه لمحة ترشدنا إلى أن في الخلق‬
‫أسرارًا ل تدرك للعباد‪ ،‬فإن في الصلة من جهة أعداد ركعاتها وأوقاتها وكثير من وسائلها‬
‫وكيفياتها‪ ،‬وفي الزكاة والكفارات وسائر المقادير المشروعة المطلوبة‪ ،‬للمحات أخرى واضحة جلية‬
‫ضا في تكاليفه ما يعجز البشر عن ادراك اسراره‪ ،‬وما عليهم إل أن يؤمنوا ويمتثلوا‪،‬‬‫في أن ل أي ً‬
‫فتصدق فيهم العبودية‪ ،‬ويخلص منهم اليمان‪ ،‬وما كان القرآن إل شأًنا من شئون ال جرت فيه سنته‬
‫في الخلق والتكليف‪ ،‬فلم يخل من حروف استأثر بها علم ال‪ ،‬وثبت بها قصور البشر دون أن يمس‬
‫ذلك مقاصد القرآن‪ ،‬أو ينقص من وضوح القرآن وبيان القرآن‪.‬‬
‫وعلى هذا فنحن نؤمن بأن في القرآن سرا ل يدركه البشر هو معاني هذه الحرف التي جاءت في‬
‫فواتح السور‪ ،‬ولكن ل ينبغي أن نتوسع فنطرد هذا المبدأ فيما وضحت دللته العربية‪ ،‬وثبت عن‬
‫الرسول )صلى ال عليه وسلم( بيانه‪ ،‬فنزعم كما زعم أناس من قبل أن للقرآن ظاهرا يدل عليه‬
‫ويفهمه العامة‪ ،‬ويكلفون به‪ ،‬وباطنا ل يفهمه ال الخواص من عباد ال وهم مكلفون به‪ ،‬فتلك نزعة‬
‫فرقت المسلمين‪ ،‬وضرب بعضهم بها رقاب بعض‪.‬‬
‫ولعل قائل يقول‪ :‬كيف ل يكون في القرآن سر غير مدرك للبشر سوى معاني هذه الحرف التي‬
‫نتحدث عنها‪ ،‬وقد استفاض الحديث‪ ،‬وامتلت الكتب‬
‫‪ /‬صفحه ‪/341‬‬
‫في الولين والخرين بأن في القرآن محكما ومتشابها‪ ،‬وأن المحكم ما فهمه الناس‪ ،‬وعرفوا دللته‬
‫ومعناه‪ ،‬وأن المتشابه ما لم يفهمه الناس ولم يعفروا دللته ومعناه‪ ،‬وأن العلماء كانوا أمام هذا‬
‫المتشابه فريقين‪ :‬فريق السلف يرى التفويض وعدم الخوض في معناه‪ ،‬وفريق الخلف يرى التأويل‬
‫وصرف اللفظ عن دللته المعروفة إلى معنى يتفق مع ما دل عليه المحكم‪ ،‬ويعتبرون من ذلك أمثال‬
‫قوله تعالى‪ " :‬الرحمن على العرش استوى "‪ " .‬يد ال فوق أيديهم "‪ " .‬بل يداه مبسوطتان "‪" .‬‬
‫والرض جميعًا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه "‪ .‬فهل كل ذلك ل يكفي في أن في‬
‫القرآن ما ل يعرف معناه وراء فواتح السور؟‬
‫ونقول أول‪ :‬نعم كان كل ذلك‪ ،‬وقرأناه عن السلف والخلف‪ ،‬ولكن يفوت هذا لقائل إن العلماء اختلفوا‬
‫فيما بينهم في معنى المتشابه الذي قوبل بالمحكم في قوله تعالى‪) :‬هو الذي أنزل عليك الكتاب منه‬
‫آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات( وكان لهم في ذلك أقوال كثيرة ينسب بعضها‬
‫للمتكلمين‪ ،‬وبعضها للصوليين‪ ،‬وبعضها لغير هؤلء وهؤلء‪ ،‬وقد اشتهر من بين هذه القوال‬
‫قولن‪ :‬أحدهما ما يلمح القائل إليه‪ ،‬وخلصته أن المتشابه هو ما يوهم ظاهره معنى ل يليق بجلل‬
‫ال‪ ،‬ول يتفق مع دللة المحكم في تنزيه ال عن صفات الحوادث‪ ،‬فإما أن يؤمن به المسلم على وجه‬
‫ل يتنافى مع التنزيه‪ ،‬ول يجنح إلى تعيين المراد منه بالتأويل‪ ،‬فيبقى له سره محفوظا في الغيب‬
‫الذي ل يعلم حقيقته ال ال‪ ،‬وإما أن يصرفه عن ظاهره‪ ،‬ويعين له معنى يدل عليه ويؤمن به على‬
‫هذا الوجه‪ ،‬وذلك‪ ،‬كأن يقال كما قالوا‪ :‬الستواء بمعنى الستيلء‪ ،‬واليد بمعنى القدرة‪ ،‬واليمين‬
‫بمعنى القوة‪ ،‬وبسط اليدين بمعنى كثرة المنح والعطاء‪ ،‬إلى غير ذلك‪ ،‬وعلى هذا الوجه ل يكون من‬
‫المتشابه بمعنى ما أستأثر ال بعلمه‪ ،‬وإنما هو من المتشابه الذي يحتاج في معرفة معناه إلى الرجوع‬
‫للمحكم فيعلمه أرباب القدرة على هذا وهم الراسخون في العلم‪ ،‬والمر على هذا الرأي الخير‬
‫واضح في ان القرآن ليس فيه متشابه بمعنى ما استاثر ال بعلمه‪.‬‬
‫‪ /‬صفحه ‪/342‬‬
‫وبينما يرى بعض العلماء هذا الرأي في معنى المتشابه‪ ،‬يرى غيرهم أن المتشابه المقابل للمحكم هو‬
‫ما تعددت جهات دللته‪ ،‬وكان موضعا لخلف العلماء‪ ،‬ومحل لجتهادهم‪ ،‬وذلك يرجع اما إلى‬
‫الختلف في معنى مفرد ورد في الية كالقرء في الحيض أو الطهر‪ ،‬أو في معنى تركيب كما نرى‬
‫في قوله تعالى‪ " :‬للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فان فاءوا فان ال غفور رحيم‪ ،‬وإن‬
‫عزموا الطلق فان ال سميع عليم "‪ ،‬وإما إلى تحكيم حيدث صح عند الفقيه في معنى الية بينما أن‬
‫غيره لم يحكمه في معناها لسبب من السباب التي يراها‪ ،‬وأمثلة ذلك كثيرة مبسوطة في كتب‬
‫الخلف يعرفها أهل العلم بالفقه‪ ،‬وهي المقصودة‪ " ،‬بالمور المشتبهات " في قوله )صلى ال عليه‬
‫وسلم( " الحلل بين‪ ،‬والحرام بين‪ ،‬وبينهما أمور مشتبهات ل يعلمهن كثير من الناس "‪ ،‬وعلى هذا‬
‫يكون المتشابه بعيدا عن دائرة ما استأثر ال بعلمه وليس مما نتكلم فيه‪.‬‬
‫وكما وجدنا المتشابه بهذا المعنى في القضايا الفقهية‪ ،‬نجده ايضا في قضايا أخرى ل تتعلق بصفات‬
‫ال وتنزيهه‪ ،‬ول بعقيدة ما‪ ،‬وذلك كما في المسائل العلمية التي عرض لها المتكلمون‪ ،‬واختلفت فيها‬
‫فرقهم‪ ،‬مثل خلق الفعال‪ ،‬ورؤية البارئ‪ ،‬وحقيقة الميزان والصراط‪ ،‬وزيادة الصفات على الذات‬
‫وما إلى ذلك من المسائل التي أثر فيها الخلف بين فريقي المعتزلة وأهل السنة‪ ،‬وكان لكل فريق ـ‬
‫من القرآن ـ على ما رأى حجته ومستنده‪ ،‬ول ريب أن خلف المتكلمين في مثل هذه القضايا هو‬
‫كخلف الفقهاء في مذاهبهم وآرائهم‪ ،‬ففي النوعين لم ُيرد ال ان يكلف عباده بقضية معينة‪ ،‬بل فتح‬
‫باب الجتهاد للعقل البشري ليسلكه النسان‪ ،‬ويحقق به نعمة ال عليه في الدراك والفهم‪ ،‬والكل في‬
‫ذلك مؤمن ناج مرضي عند ال أخطأ أم أصاب‪ ،‬وهذا جانب تكفينا منه في هذا المقام تلك الشارة‪،‬‬
‫وأرجو أن يكون فيها بلغ لقوم اتخذوا اختلف العلماء في المسائل الكلمية التي هي وراء العقائد‬
‫سبيل للطعن والتجريج في اليمان‬
‫‪ /‬صفحه ‪/343‬‬
‫والعقيدة‪ ،‬وما كان ال ليرضى عن الطعن والتجريح لرأي رآه الناظر في موضوع وضعه ال‬
‫موضع النظر والجتهاد‪.‬‬
‫وبعد فلنا أن نختار في معنى المتشابه ذلك الرأي الذي يرجع إلى اختلف الدللة واحتمال المعاني‬
‫المختلفة في آيات الحكام‪ ،‬أو آيات المعارف على النحو الذي أشرنا إليه‪ ،‬ولنا أن نختار رأي الخلف‬
‫من المتكلمين الذين يصرفون اللفظ عن ظاهره إلى معنى يليق بجلل ال وتنزيهه‪ ،‬وعلى هذا وذاك‬
‫يبقى لنا ما قلناه من أنه ليس في القرآن ما استأثر ال بعلمه سوى فواتح السور‪.‬‬
‫على أن بين المتشابه في رأي المفوضين‪ ،‬وبين فواتح السور فرقا كبيرًا‪ ،‬ذلك أن المتشابه ورد في‬
‫قضايا ذات محمول وموضوع وإثبات ونفي‪ ،‬ومفردات تلك القضايا لها دللت حقيقية معروفة‬
‫لرباب اللغة‪ ،‬وقد تستعمل في معان مجازية تصرف إليها بالقرائن‪ ،‬ول كذلك فواتح السور التي هي‬
‫أحرف مقطعة‪ ،‬ليست قضايا ذات موضوع ومحمول‪ ،‬وليس مفردات ذات معان مفيدة على نحو "‬
‫استوى " في قوله‪ " :‬الرحمن على العرش استوى " مثل‪ ،‬وقد جاءت هذه القضايا أوصافا ل‪،‬‬
‫واعتقد الجميع ثبوت محمولها لموضوعها‪ ،‬على وجه يقضي به اليمان‪ ،‬ول كذلك ايضا فواتح‬
‫السور التي نتحدث عنها‪.‬‬
‫ولعل القارئ بعد هذا كله يستطيع ان يتلمس ما يزيل الشبهة التي أشرنا إليها في صدر هذا‬
‫الستطراد‪.‬‬
‫ونعود بعد هذا إلى موضوعنا فنقول‪:‬‬
‫وكم ان هذه الحروف من حيث معانيها المرادة ل سر استأثر بعلمه‪ ،‬فان في التيان بها على هذا‬
‫الترتيب الذي جاءت به‪ ،‬وتنوعت به فواتح السور‪ ،‬وفي اختيار بعض الحروف دون بعض‪ ،‬وهو‬
‫صنع الحكيم الخبير الذي ل يضع امرا على محض المصادفة‪ ،‬لسرا آخر تقصر دون إدراكه‬
‫العقول‪.‬‬
‫ولعل من الخير للناس بعد الذي قررناه في هذا المقام ان يوفروا على أنفسهم‪.‬‬
‫‪ /‬صفحه ‪/344‬‬
‫عناء البحث في معاني هذه الحروف‪ ،‬وأسرار ترتبيها واختيارها على هذا النحو‪ ،‬وأن يكفوا عن‬
‫الخوض فيما ل سبيل إلى علمه‪ ،‬ولم يكلفهم ال به‪ ،‬ولم يربط به شيئا من أحكامه أو تكاليفه‪،‬‬
‫وحسبهم ان يعرفوا ان التيان بهذه الفواتح على هذا السلوب الذي لم يكن مألوفا في الكلم‪ ،‬ول‬
‫معروفًا عند العرب‪ ،‬كان قرعا لسماع أولئك الجاحدين الذين تواصوا فيما بينهم أل يسمعوا لهذا‬
‫القرآن‪ ،‬وأن يلغوا فيه لعلهم يغلبون‪ ،‬كان هزا لقلوبهم‪ ،‬ودفعا بهم إلى القاء السمع‪ ،‬وتدبر ما يلقى‪،‬‬
‫وقد جاء بعد هذه الحروف في العم الغلب نبأ ذلك الشأن العظيم‪ ،‬وهو كتاب ال الذي أنزله على‬
‫محمد )صلى ال عليه وسلم(‪ ،‬وختم به رسالته إلى خلقه‪ ،‬وبين فيه شريعته وسننه في كونه‪ ،‬وكان‬
‫لنبيه معجزة خالدة‪ ،‬تنطق بأنه رسول ال رب العالمين‪ ،‬اقرأ إن شئت " الم ذلك الكتاب ل ريب فيه‬
‫" " الم ال ل اله ال هو الحي القيوم نزل عليك الكتاب بالحق " " المص كتاب أنزل اليك " " الر‬
‫تلك آيات الكتاب الحكيم " " الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير " " الر تلك آيات‬
‫الكتاب المبين إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون " " المر تلك آيات الكتاب والذي أنزل اليك من‬
‫ربك الحق " " الر كتاب انزلناه اليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور " " الر تلك ايات الكتاب‬
‫وقرآن مبينن " " طه ما انزلنا عليك القرآن لتشقى " " طسم تلك ايات الكتاب المبين " " طس تلك‬
‫آيات القرآن وكتاب مبين " " طسم تلك آيات الكتاب المبين نتلو عليك من نبأ موسى وفرعون بالحق‬
‫لقوم يؤمنون " " الم تلك آيات الكتاب الحكيم هدى ورحمة للمحسنين " " الم تنزيل الكتاب ل ريب‬
‫فيه من رب العالمين " " يس والقرآن الحكيم انك لمن المرسلين على صراط مستقيم " " ص‬
‫والقرآن ذي الذكر " " حم تنزيل الكتاب من ال العزيز العليم " " حم تنزيل من الرحمن الرحيم " "‬
‫حم عسق كذلك يوحى إليك وإلى الذين من قبلك ال العزيز الحكيم " " حم والكتاب المبين إنا جعلناه‬
‫قرآنا عربيا لعلكم تعقلون " " حم والكتاب المبين إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين " " حم‬
‫تنزيل الكتاب من ال العزيز الحكيم " " ق والقرآن المجيد "‪.‬‬
‫‪ /‬صفحه ‪/345‬‬
‫اقرأ ذلك إن شئت تجد هذه السور كلها تتحدث عن القرآن أو تنزيل القرآن أو انزاله‪ ،‬وهو الكتاب‬
‫الذي كان موضع الخذ والرد فيما بينهم وبين الرسول‪ ،‬وهو الكتاب الذي جاء ليصرفهم عما هم فيه‬
‫من ضلل وبغي‪ ،‬وهو الكتاب الذي وقفوا منه موقف المكابرة والعناد‪ ،‬وهو الكتاب الذي رموه بأنه‬
‫أساطير الولين‪ ،‬وبأنه حديث مفترى‪ ،‬وبأنهم لو شاءوا لقالوا مثله إلى غير ذلك مما كانوا يحاولون‬
‫به صرف الناس عن القرآن والصد عنه‪ ،‬فبدأت هذه السور بهذا السلوب تأثيرا في قلوبهم‪ ،‬ولفتا‬
‫لنظارهم‪ ،‬ول يخفى أن المفاجأة بالغريب الذي لم يؤلف‪ ،‬لها في إرهاف السماع‪ ،‬وتنبيه الذهان ما‬
‫ل يحتاج إلى بيان‪ ،‬وفي هذا ما يكشف عن السر في أن جميع هذه السور ـ ما عدا سورتين اثنتين ـ‬
‫كان مما نزل بمكة حيث المعارضة في أوج شدتها وعنفها‪ ،‬حتى السورتان المدنيتان كانتا في أبان‬
‫اشتداد المجادلة والمناقشة بين المسلمين وغيرهم من اليهود والنصارى‪ ،‬ومن شاء فليقرأ النصف‬
‫الول في كل من السورتين ليرى كيف انصرفت كل منهما فيه إلى الحجاج عن الحق‪ ،‬والمجادلة‬
‫عن دعوة القرآن على نحو شبيه بما كان من شأن القرآن مع المشركين‪.‬‬
‫ول ينبغي أن يقال ان كثيرا من السور بدأت بالتحدث عن إنزال القرآن الكريم‪ ،‬ومع ذلك لم تبدا بهذه‬
‫الفواتح‪ ،‬وذلك كسورة الكهف " الحمد ل الذي انزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا" وسورة‬
‫الفرقان‪ " :‬تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا " وسورة الزمر‪ " :‬تنزيل‬
‫الكتاب من ال العزيز الحكيم " وسورة القدر‪ ":‬إنا أنزلناه في ليلة القدر " فانما جاء ذلك على سياق‬
‫آخر قضى بذكر الحمد على إنزال الكتاب‪ ،‬أو التمجيد لمنزل الكتاب‪ ،‬أو التنويه بشأن الكتاب نفسه‪،‬‬
‫ولم تسق هذه السور مساق التنبيه وقرع السماع على النحو الذي جاءت به السور التي ذكرنا‪،‬‬
‫ولكل مقام مقال‪.‬‬
‫بقي أن يقال إن أربعا من السور التي بدئت بهذه الحروف لم يجئ بعد الحروف فيها ذكر القرآن‬
‫وتنزيله كما جاء في غيرها‪ ،‬وهي‪ :‬سورة مريم " كهيعص‬
‫‪ /‬صفحه ‪/346‬‬
‫ذكر رحمة ربك عبده زكريا " وسورة العنكبوت‪ " :‬الم أحسب الناس ان يتركوا أن يقولوا آمنا وهم‬
‫ل يفتنون " وسورة الروم‪ " :‬الم غلبت الروم في أدنى الرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون"‪،‬‬
‫وسورة القلم‪ " :‬ن والقلم وما يسطرون "‪.‬‬
‫فنقول‪ :‬نعم لم يأت بعد الحروف في اوائل هذه السور الربع ذكر القرآن ول تنزيله‪ ،‬ولكن جاء‬
‫بعدها ما يشارك القرآن في أنه كان على غير السنن المألوفة للناس‪ ،‬فقصة زكريا ونداؤه لربه أن‬
‫يهب له على الكبر وليا‪ ،‬واستجابة ال لهذا النداء وتبشيره اياه بيحيى‪ ،‬أمر جدير بأن تقرع له‬
‫السماع‪ ،‬وتنبه له القلوب‪ ،‬وكذلك شأن سورة الروم التي أخبرت بغيب يحدث في المستقبل ل يشهد‬
‫له الواقع الحاضر‪ ،‬فكان مما يحسن في هذا المقام أن يوجه الناس إلى نبأ هذا الغيب بمثل هذا‬
‫السلوب‪ ،‬وسورة العنكبوت جاءت فاتحتها لتخلع الناس من شأن جرت عادتهم بالستنامة اليه‪،‬‬
‫والنصراف به عن الحق‪ ،‬ذلك هو الكتفاء بظاهر اليمان دون تحمل أعباء الجهاد في سبيله‪،‬‬
‫والقيام بالتكاليف اللهية التي يقتضيها‪ ،‬ول ريب أن هذا امر ألفت النفوس أن تركن اليه‪ ،‬وأنه يؤدي‬
‫بالناس إلى الفساد في حياتهم ودينهم ويجعل الرسالت اللهية قليلة الجدوى في الصلح والسعاد‪،‬‬
‫فكان من الحكمة أن يلفت الناس لفتا قويا يغرس في قلوبهم أن سنة ال جرت بالختبار والبتلء‬
‫تمحصيًا للقلوب‪ ،‬وتمييزا للخبيث من الطيب " ما كان ل ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز‬
‫الخبيث من الطيب" " ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن ال الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين " أما‬
‫سورة القلم فمهمتها لفت النظار إلى ما يوحي به القلم من العلم والحكمة اللذين هما أساس هذا الدين‬
‫وهدف ذلك الكتاب العظيم‪.‬‬
‫أما بعد فهذا هو الثر الذي يقترن بسماع هذه الحروف في فواتح السور‪ ،‬أما معناها فل أستطيع أن‬
‫أقول فيه سوى هذه الكلمة الماثورة التي تعبر عن ايمان سلف صالح يؤمن حق اليمان بعظمة ال‬
‫وكتاب ال‪ :‬ال أعلم بمراده‪.‬‬

‫خواطر في سورة البقرة حول الحروف النورانية‬


‫)الشيخ محمد متولي الشعراوي(‬
‫)آلم "‪ ("1‬بدأت سورة البقرة بقوله تعالى"ألم" ‪ ..‬وهذه الحروف مقطعة‬
‫ومعنى مقطعة أن كل حرف ينطق بمفرده‪ .‬لن الحرف لها أسماء ولها‬
‫مسميات ‪ ..‬فالناس حين يتكلمون ينطقون بمسمى الحرف وليس باسمه ‪..‬‬
‫فعندما تقول كتب تنطق بمسميات الحروف‪ .‬فإذا أردت أن تنطق بأسمائها‪.‬‬
‫تقول كاف وتاء وباء ‪ ..‬ول يمكن أن ينطق بأسماء الحروف إل من تعلم‬
‫ودرس‪ ،‬أما ذلك الذي لم يتعلم فقد ينطق بمسميات الحروف ولكنه ل ينطق‬
‫بأسمائها‪ ،‬ولعل هذه أول ما يلفتنا‪ .‬فرسول الله صلى الله عليه وسلم كان‬
‫أميا ل يقرأ ول يكتب ولذلك لم يكن يعرف شيئا عن أسماء الحروف‪ .‬فإذا جاء‬
‫ونطق بأسماء الحروف يكون هذا إعجازا ً من الله سبحانه وتعالى ‪ ..‬بأن هذا‬
‫القرآن موحى به إلي محمد صلى الله عليه وسلم ‪ ..‬ولو أن رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم درس وتعلم لكان شيئا عاديا أن ينطق بأسماء الحروف‪.‬‬
‫ولكن تعال إلي أي أمي لم يتعلم ‪ ..‬أنه يستطيع أن ينطق بمسميات‬
‫الحروف ‪ ..‬يقول الكتاب وكوب وغير ذلك ‪ ..‬فإذا طلبت منه أن ينطق‬
‫بمسميات الحروف فأنه ل يستطيع أن يقول لك‪ .‬أن كلمة كتاب مكونة من‬
‫الكاف والتاء واللف والباء ‪ ..‬وتكون هذه الحروف دالة على صدق رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم في البلغ عن ربه‪ .‬وأن هذا القرآن موحى به من الله‬
‫سبحانه وتعالى‪ .‬ونجد في فواتح السور التي تبدأ بأسماء الحروف‪ .‬تنطق‬
‫الحروف بأسمائها وتجد نفس الكلمة في آية أخرى تنطق بمسمياتها‪ .‬فألم‬
‫في أول سورة البقرة نطقتها بأسماء الحروف ألف لم ميم‪ .‬بينما تنطقها‬
‫بمسميات الحروف في شرح السورة في قوله تعالى‪} :‬ألم نشرح لك صدرك‬
‫"‪) { "1‬سورة الشرح( وفي سورة الفيل في قوله تعالى‪} :‬ألم تر كيف فعل‬
‫ربك بأصحاب الفيل "‪) { "1‬سورة الفيل(‬
‫ما الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ..‬ينطق "ألم" في سورة‬
‫البقرة بأسماء الحروف ‪ ..‬وينطقها في سورتي الشرح والفيل بمسميات‬
‫الحروف‪ .‬لبد أن رسول الله عليه الصلة والسلم سمعها من الله كما نقلها‬
‫جبريل عليه السلم إليه هكذا‪ .‬إذن فالقرآن أصله السماع ل يجوز أن تقرأه إل‬
‫بعد أن تسمعه‪ .‬لتعرف أن هذه تقرأ ألف لم ميم والثانية تقرأ ألم ‪ ..‬مع أن‬
‫الكتابة واحدة في الثنين ‪ ..‬ولذلك لبد أن تستمع إلي فقيه ول استمعوا إلي‬
‫قارئ ‪ ..‬ثم بعد ذلك يريدون أن يقرأوا القرآن كأي كتاب‪ .‬نقول ل ‪ ..‬القرآن له‬
‫تميز خاص ‪ ..‬أنه ليس كأي كتاب تقرؤه ‪ ..‬لنه مرة يأتي باسم الحرف‪ .‬ومرة‬
‫يأتي بمسميات الحرف‪ .‬وأنت ل يمكن أن تعرف هذا إل إذا استمعت لقارئ‬
‫يقرأ القرآن‪ .‬والقرآن مبني على الوصل دائما وليس على الوقف‪ ،‬فإذا قرأت‬
‫في آخر سورة يونس مثل‪" :‬وهو خير الحاكمين" ل تجد النون عليها سكون بل‬
‫تجد عليها فتحة‪ ،‬موصولة بقول الله سبحانه وتعالى بسم الله الرحمن‬
‫الرحيم‪ .‬ولو كانت غير موصولة لوجدت عليها سكون‪ ..‬إذن فكل آيات القرآن‬
‫الكريم مبنية على الوصل ‪ ..‬ما عدا فواتح السور المكونة من حروف فهي‬
‫مبنية على الوقف ‪ ..‬فل تقرأ في أول سورة البقرة‪" :‬ألم" والميم عليها ضمة‪.‬‬
‫بل تقرأ ألفا عليها سكون ولما عليها سكون وميما عليها سكون‪ .‬إذن كل‬
‫حرف منفرد بوقف‪ .‬مع أن الوقف ل يوجد في ختام السور ول في القرآن‬
‫الكريم كله‪ .‬وهناك سور في القرآن الكريم بدأت بحرف واحد مثل قوله‬
‫تعالى‪} :‬ص والقرآن ذي الذكر "‪) { "1‬سورة ص( }ن والقلم وما يسطرون‬
‫"‪) { "1‬سورة القلم( ونلحظ أن الحرف ليس آية مستقلة‪ .‬بينما "ألم" في‬
‫سورة البقرة آية مستقلة‪ .‬و‪":‬حم"‪ .‬و‪" :‬عسق" آية مستقلة مع أنها كلمة‬
‫حروف مقطعة‪ .‬وهناك سور تبدأ بآية من خمسة حروف مثل "كهيعص" في‬
‫سورة مريم ‪ ..‬وهناك سور تبدأ بأربعة حروف‪ .‬مثل "المص" في سورة‬
‫"العراف"‪ .‬وهناك سور تبدأ بأربعة حروف وهي ليست آية مستقلة مثل‬
‫"ألمر" في سورة "الرعد" متصلة بما بعدها ‪ ..‬بينما تجد سورة تبدأ بحرفين‬
‫هما آية مستقلة مثل‪" :‬يس" في سور يس‪ .‬و"حم" في سورة غافر‬
‫وفصلت ‪ ..‬و‪" :‬طس" في سورة النمل‪ .‬وكلها ليست موصلة بالية التي بعدها‬
‫‪ ..‬وهذا يدلنا على أن الحروف في فواتح السور ل تسير على قاعدة محددة‪.‬‬
‫"ألم" مكونة من ثلث حروف تجدها في ست سور مستقلة ‪ ..‬فهي آية في‬
‫البقرة وآل عمران والعنكبوت والروم والسجدة ولقمان‪ .‬و"الر" ثلثة حروف‬
‫ولكنها ليست آية مستقلة‪ .‬بل جزء من الية في أربع سور هي‪ :‬يونس‬
‫ويوسف وهود وإبراهيم ‪ ..‬و‪" :‬المص" من أربعة حروف وهي آية مستقلة في‬
‫سورة "العراف" و "المر" أربعة حروف‪ ،‬ولكنها ليست آية مستقلة في‬
‫سورة الرعد إذن فالمسألة ليست قانونا يعمم‪ ،‬ولكنها خصوصية في كل‬
‫حرف من الحروف‪ .‬وإذا سألت ما هو معنى هذه الحروف؟‪ ..‬نقول أن‬
‫السؤال في أصله خطأ ‪ ..‬لن الحرف ل يسأل عن معناه في اللغة إل إن كان‬
‫حرف معنى ‪ ..‬والحروف نوعان‪ :‬حرف معنى ‪ ..‬والحروف نوعان‪ :‬حرف مبني‬
‫وحرف معنى‪ .‬حرف المبنى ل معنى له إل للدللة على الصوت فقط ‪ ..‬أما‬
‫حروف المعاني فهي مثل في‪ .‬ومن ‪ ..‬وعلى ‪) ..‬في( تدل على الظرفية ‪..‬‬
‫و)من( تدل على البتداء و)إلي( تدل على النتهاء ‪ ..‬و)على( تدل على‬
‫الستعلء ‪ ..‬هذه كلها حروف معنى‪ .‬وإذا كانت الحروف في أوائل السور في‬
‫القرآن الكريم قد خرجت عن قاعدة الوصل لنها مبنية على السكون لبد أن‬
‫يكون لذلك حكمة ‪ ..‬أول لنعرف )آلم "‪> ("1‬قول رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪" :‬من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها‪ ،‬ل‬
‫أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولم حرف وميم حرف"<‬
‫ولذلك ذكرت في القرآن كحروف استقللية لنعرف ونحن نتعبد بتلوة القرآن‬
‫الكريم أنا نأخذ حسنة على كل حرف‪ .‬فإذا قرأنا بسم الله الرحمن الرحيم‪.‬‬
‫يكون لنا بالباء حسنة وبالسين حسنة وبالميم حسنة فيكون لنا ثلثة حسنات‬
‫بكلمة واحدة من القرآن الكريم‪ .‬والحسنة بعشر أمثالها‪ .‬وحينما نقرأ "ألم"‬
‫ونحن ل نفهم معناها نعرف أن ثواب القرآن على كل حرف نقرؤه سواء‬
‫فهمناه أم لم نفهمه ‪ ..‬وقد يضع الله سبحانه وتعالى من أسراره في هذه‬
‫الحروف التي ل نفهمها ثوابا وأجرا ل نعرفه‪ .‬ويريدنا بقراءتها أن نحصل على‬
‫هذا الجر‪ ..‬والقرآن الكريم ليس إعجازا في البلغة فقط‪ .‬ولكنه يحوي إعجازا‬
‫في كل ما يمكن للعقل البشري أن يحوم حوله‪ .‬فكل مفكر متدبر في كلم‬
‫الله يجد إعجازا في القرآن الكريم‪ .‬فالذي درس البلغة رأى العجاز البلغي‪،‬‬
‫والذي تعلم الطب وجد إعجازا طبيا في القرآن الكريم‪ .‬وعالم النباتات رأى‬
‫إعجازا في آيات القرآن الكريم‪ ،‬وكذلك عالم الفلك‪ ..‬وإذا أراد إنسان منا أن‬
‫يعرف معنى هذه الحروف فل نأخذها على قدر بشريتنا ‪ ..‬ولكن نأخذها على‬
‫قدر مراد الله فيها ‪ ..‬وقدراتنا تتفاوت وأفهامنا قاصرة‪ .‬فكل منا يملك مفتاحا ً‬
‫من مفاتيح الفهم كل على قدر علمه ‪ ..‬هذا مفتاح بسيط يفتح مرة واحدة‬
‫وآخر يدور مرتين ‪ ..‬وآخر يدور ثلث مرات وهكذا ‪ ..‬ولكن من عنده العلم‬
‫يملك كل المفاتيح‪ ،‬أو يملك المفتاح الذي يفتح كل البواب‪ ..‬ونحن ل يجب أن‬
‫نجهد أذهاننا لفهم هذه الحروف‪ .‬فحياة البشر تقتضي منا في بعض الحيان‬
‫أن نضع كلمات ل معنى لها بالنسبة لغيرنا ‪ ..‬وأن كانت تمثل أشياء ضرورية‬
‫بالنسبة لنا‪ .‬تماما ككلمة السر التي تستخدمها الجيوش ل معنى لها إذا‬
‫سمعتها‪ .‬ولكن بالنسبة لمن وضعها يكون ثمنها الحياة أو الموت ‪ ..‬فخذ‬
‫كلمات الله التي تفهمها بمعانيها ‪ ..‬وخذ الحروف التي ل تفهمها بمرادات الله‬
‫فيها‪ .‬فالله سبحانه وتعالى شاء أن يبقى معناها في الغيب عنده‪ .‬والقرآن‬
‫الكريم ل يؤخذ على نسق واحد حتى نتنبه ونحن نتلوه أو نكتبه‪ .‬لذلك تجد مثل‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم مكتوبة بدون ألف بين الباء والسين‪ .‬ومرة تجدها‬
‫مكتوبة باللف في قوله تعالى‪} :‬اقرأ باسم ربك الذي خلق "‪) { "1‬سورة‬
‫العلق(‬
‫وكلمة تبارك مرة تكتب باللف ومرة بغير اللف ‪ ..‬ولو أن المسألة رتابة في‬
‫كتابة القرآن لجاءت كلها على نظام واحد‪ .‬ولكنها جاءت بهذه الطريقة لتكون‬
‫كتابة القرآن معجزة وألفاظه معجزة‪ .‬ونحن نقول للذين يتساءلون عن‬
‫الحكمة في بداية بعض السور بحروف ‪ ..‬نقول إن لذلك حكمة عند الله‬
‫فهمناها أو لم نفهمها ‪ ..‬والقرآن نزل على أمة عربية فيها المؤمن والكافر ‪..‬‬
‫ومع ذلك لم نسمع أحدا ً يطعن في الحرف التي بدأت بها السور‪ .‬وهذا دليل‬
‫على أنهم فهموها بملكاتهم العربية ‪ ..‬ولو أنهم لم يفهموها لطعنوا فيها‪ .‬وأنا‬
‫انصح من يقرأ القرآن الكريم للتعبد ‪ ..‬أل يشغل نفسه بالتفكير في المعنى‪.‬‬
‫أما الذي يقرأ القرآن ليستنبط منه فليقف عند اللفظ والمعنى ‪ ..‬فإذا قرأت‬
‫القرآن لتتعبد فاقرأه بسر الله فيه ‪ ..‬ولو جلست تبحث عن المعنى ‪ ..‬تكون‬
‫قد حددت معنى القرآن الكريم بمعلوماتك أنت‪ .‬وتكون قد أخذت المعنى‬
‫ناقصا نقص فكر البشر ‪ ..‬ولكن اقرأ القرآن بسر الله فيه‪ .‬إننا لو بحثنا معنى‬
‫كل لفظ في القرآن الكريم فقد أخرجنا المي وكل من لم يدرس اللغة‬
‫العربية دارسة متعمقة من قراءة القرآن‪ .‬ولكنك تجد أميا لم يقرأ كلمة‬
‫واحدة ومع ذلك يحفظ القرآن كله‪ .‬فإذا قلت كيف؟ نقول لك بسر الله فيه‪.‬‬
‫والكلم وسيلة إفهام وفهم بين المتكلم والسامع‪ .‬المتكلم هو الذي بيده‬
‫البداية‪ ،‬والسامع يفاجأ بالكلم لنه ل يعلم مقدما ماذا سيقول المتكلم ‪ ..‬وقد‬
‫يكون ذهن السامع مشغول بشي آخر ‪ ..‬فل يستوعب أول الكلمات ‪ ..‬ولذلك‬
‫قد تنبهه بحروف أو بأصوات ل مهمة لها إل التنبيه للكلم الذي سيأتي بعدها‪.‬‬
‫وإذا كنا ل نفهم هذه الحروف‪ .‬فوسائل الفهم والعجاز في القرآن الكريم ل‬
‫تنتهي‪ ،‬لن القرآن كلم الله‪ .‬والكلم صفة من صفات المتكلم ‪ ..‬ولذلك ل‬
‫يستطيع فهم بشري أن يصل إلي منتهى معاني القرآن الكريم‪ ،‬إنما يتقرب‬
‫منها‪ .‬لن كلم الله صفة من صفاته ‪ ..‬وصفة فيها كمال بل نهاية‪ .‬فإذا قلت‬
‫إنك قد عرفت كل معنى للقرآن الكريم ‪ ..‬فإنك تكون قد حددت معنى كلم‬
‫الله بعلمك ‪ ..‬ولذلك جاءت هذه الحروف إعجاز لك‪ .‬حتى تعرف إنك ل‬
‫تستطيع أن تحدد معاني القرآن بعلمك‪ ..‬أن عدم فهم النسان لشياء ل يمنع‬
‫انتفاعه بها ‪ ..‬فالريفي مثل ينتفع بالكهرباء والتليفزيون وما يذاع بالقمر‬
‫الصناعي وهو ل يعرف عن أي منها شيئا‪ .‬فلماذا ل يكون الله تبارك وتعالى‬
‫قد أعطانا هذه الحروف نأخذ فائدتها ونستفيد من أسرارها ويتنزل الله بها‬
‫علينا بما أودع فيها من فضل سواء أفهم العبد المؤمن معنى هذه الحروف أو‬
‫لم يفهمها‪ .‬وعطاء الله سبحانه وتعالى وحكمته فوق قدرة فهم البشر ‪ ..‬ولو‬
‫أراد النسان أن يحوم بفكره وخواطره حول معاني هذه الحروف لوجد فيها‬
‫كل يوم شيئا جديدا‪ .‬لقد خاض العلماء أن ذلك هو الحق المراد من هذه‬
‫الحروف ‪ ..‬بل كل منهم يقول والله أعلم بمراده‪ .‬ولذلك نجد عالما يقول‬
‫)ألر( و)حم( و)ن( وهي حروف من فواتح السور تكون اسم الرحمن ‪ ..‬نقول‬
‫إن هذا ل يمكن أن يمثل فهما عاما لحروف بداية بعض سور القرآن ‪ ..‬ولكن‬
‫ما الذي يتعبكم أو يرهقكم في محاولة إيجاد معان لهذه الحروف؟! لو أن الله‬
‫سبحانه وتعالى الذي أنزل القرآن يريد أن يفهمنا معانيها ‪ ..‬لوردها بمعنى‬
‫مباشر أو أوضح لنا المعنى‪ .‬فمثل أحد العلماء يقول إن معنى )ألم( هو أنا الله‬
‫اسمع وأرى ‪ ..‬نقول لهذا العالم لو أن الله أراد ذلك فما المانع من أن يورده‬
‫بشكل مباشر لنفهمه جميعا ‪ ..‬لبد أن يكون هناك سر في هذه الحروف ‪..‬‬
‫وهذا السر هو من أسرار الله التي يريدنا أن ننتفع بقراءتها دون أن نفهمها‪..‬‬
‫ولبد أن نعرف أنه كما أن للبصر حدودًا‪ .‬وللذن حدودا ً وللمس والشم‬
‫والتذوق حدودًا‪ ،‬فكذلك عقل النسان له حدود يتسع لها في المعرفة ‪..‬‬
‫وحدود فوق قدرات العقل ل يصل إليها‪ .‬والنسان حينما يقرأ القرآن‬
‫والحروف الموجودة في أوائل بعض السور يقول إن هذا أمر خارج عن قدرته‬
‫العقلية ‪ ..‬وليس ذلك حجرا ً أو سدا ً لباب الجتهاد ‪ ..‬لننا إن لم ندرك فإن‬
‫علينا أن نعترف بحدود قدراتنا أمام قدرات خالقنا سبحانه وتعالى التي هي بل‬
‫حدود‪ .‬وفي اليمان هناك ما يمكن فهمه وما ل يمكن فهمه ‪ ..‬فتحريم أكل‬
‫لحم الخنزير أو شرب الخمر ل ننتظر حتى نعرف حكمته لنمتنع عنه‪ .‬ولكننا‬
‫نمتنع عنه بإيمان أنه مادام الله قد حرمه فقد أصبح حراما‪ .‬ولذلك يقول‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬ما عرفتم من محكمه فاعملوا به‪ ،‬وما لم‬
‫تدركوا فآمنوا به"<}هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم‬
‫الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه‬
‫ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إل الله والراسخون في العلم‬
‫يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إل أولوا اللباب "‪) { "7‬سورة آل‬
‫عمران(‬
‫إذن فعدم فهمنا للمتشابه ل يمنع أن نستفيد من سر وضعه الله في كتابه ‪..‬‬
‫ونحن نستفيد من أسرار الله في كتابه فهمناها أم لم نفهمها‪.‬‬
‫المصدر ‪ :‬إفتتاحية الشيخ الشعراوي لشرح سورة البقرة‬

‫حسن شعراوي‬

‫‪Hasansalehsharawy@yahoo.com‬‬

‫‪Hsharawy2010@gmail.com‬‬

‫ســــــــــيرة ذاتيـــة‬
‫حسن صالح أبو المعاطي محمد الشعراوي‬ ‫السم ‪:‬‬
‫كاتب وشاعر مصري‬
‫‪alhaqaeq.net‬‬
‫)صاحب ديوان الزورق المثقوب(‬
‫كافة حقوق نشره لشركة ‪scribd.com‬‬
‫عضو اتحاد الكتاب والدباء العرب‬
‫عضو اتحاد المترجمين الدوليين‬
‫‪ATA‬‬
‫عضو اتحاد الُقّراء‬
‫)القرآن الكريم(‬
‫عضو منظمة حقوق المرأة العربية‬

‫‪3/6/1976‬‬ ‫‪ 34‬عاًما‬ ‫السن وتاريخ الميلد‪:‬‬

‫أعزب‬ ‫الحالة الجتماعية‪:‬‬

‫معفى نهائّيا‬ ‫الموقف من التجنيد‪:‬‬

‫قرية ميت راضي – بنها – قليوبية‪ -‬مصـر‬ ‫العنوان‪:‬‬

‫منزل‪002/013/3881380 :‬‬ ‫الهاتف‪:‬‬


‫البريد اللكتروني‪:‬‬
‫‪hasansalehsharawy@yahoo.com‬‬
‫‪hsharawy2010@gmail.com‬‬

‫ليسانس آداب لغة عربية ‪1998‬م‬ ‫المؤهل وسنة التخرج‪:‬‬

‫حــــّر‬
‫محرر وباحث لغوي ُ‬ ‫العمل‪:‬‬

‫ماجستير في الدب العربي‬


‫المهارات‪:‬‬
‫التحدث والكتابة بتقدير جيد‬ ‫اللغة النجليزية‪:‬‬

‫خبرة في العمل على جهاز الكمبيوتر بإصدارات ويندوز المختلفة‬ ‫الكمبيــوتر‪:‬‬


‫) ويندوز ‪ 95‬وحتى ويندوز ‪ (Xp‬و ‪ Adobe Acrobat‬و ‪ html‬و‬
‫و ‪sdlx‬‬ ‫‪vss‬‬
‫الخــــــبرة العملية‪:‬‬
‫خبرة في مجال التحرير الصحفي والتصحيح والبحث اللغوي بكبرى دور النشر‪ ،‬والصحف ودور‬
‫الترجمة‪.‬‬
‫ومن طبيعة العمل تحرير وتصحيح المؤلفات والمترجمات نحوّيا وإملئّيا ولغوّيا وأسلوبّيا وضبط‬
‫تشكيلها‪ ،‬والحكم على المترجمات وتقييمها من ناحية السلوب والقدرة على توصيل الفكرة‪ ،‬ومقارنة‬
‫النص العربي بالنص النجليزي ومدى توافق هذه الفكرة المترجمة مع قيمنا وديننا الحنيف‪.‬‬
‫‪ -‬خبرة في التحرير الصحفي على شبكة النترنت‪.‬‬
‫‪ -‬خبرة في عمل )بروفريدينج( للمترجمات إلى العربية‪.‬‬

‫وقد جاوزت هذه الخبرة ‪10‬سنوات( تم خللها مراجعة عدد كبير من الكتب في شتى صنوف‬
‫المعرفة‪ ،‬فتنوعت ما بين كتب في إدارة العمال‪ ،‬وعلم النفس‪ ،‬وبرامج الكمبيوتر‪ ،‬وكتب التراث‬
‫السلمي‪ ،‬ومواقع النترنت والمشاركة في بناء المعاجم اللغوية المتخصصة‪.‬‬

‫الهوايات‪:‬‬
‫‪ 1‬كتابة الشعر‬
‫‪ 2‬تأليف القصة القصيرة‬
‫‪ 3‬كتابة السيناريو‬
‫‪ 4‬الغناء السلمي والبتهالت‬
‫‪ 5‬المشاركة في الحوارات الدبية والمنتديات‬
‫‪ – 6‬الفروسية وتربية الخيل‬
‫‪ - 7‬الترجمة‬
The author: Hasan Saleh sharawy
Name: Hassan Saleh Abou El-Maati Mohamed al
Shaarawi

Egyptian writer and poet

Name and professional journalist Hassan Shaarawi

Age and date of birth, 34, 3/6/1976

Marital status: Single

Military Status: Exempt final

Address: village of Meet Radi - Banha - Qalubia - Egypt

Phone:

House 002/013 \ 3883180

E-mail

hasansalehsharawy@yahoo.com

hsharawy2010@gmail.com

Qualifications and year of graduation: Bachelor of Arts in 1998 Arab language

Occupation: Editor and researcher for language

Skills:

English: speaking and writing good grade


Computer: the experience of working on the computer and Windows versions different

(Windows 95 and even Windows Xp) and Adobe Acrobat, html, vss and sdlx

Work experience:

Experience in the field of editorial content, e-language debugging and configuration of


automated content and linguistic research with major publishing houses, newspapers and
the role of translation. E-publishing companies

It is the nature of work:

- Editorial content of the e

- Patch linguistic heritage of the literature and translators grammatically and spelling,
linguistically and stylistically

- Adjust the full composition of the structure of the floor

- Revision and evaluation of translators in terms of style and ability to deliver the idea,
compared to the Arabic text and English text and the compatibility of this idea compiled
with our values and our religion.

Experience in the editorial on the Internet .. And update the site

- Experience in the work (Provredenj) for interpreters into Arabic.

This experience has exceeded 10 years) during which a review of a large number of
books in various forms of knowledge, Vtnoat between books in business administration,
psychology, computer programs, and Islamic heritage books, web sites and participate in
building specialized dictionaries.

- Preparation of research and specialized studies in the literature and criticism and as

Other trades

_ Peasant farms more than 20 years experience

- Horse trainer and horsemanship

You might also like