You are on page 1of 4

‫تتعرض شركة الخطوط الجوية العراقية النتقادات كثيرة بسبب اإلهمال وسوء اإلدارة‪ ،‬واستمرار التراجع في جودة األداء‬

‫ّ‬
‫والخدمات‪ .‬وباتت السمة المعروفة عنها أنها ال تلتزم بالموعد‪ ،‬وتتأخر دائما ً أو تلغي رحالتها دون سابق إنذار؛ مما يسبّب ضررا ً‬
‫بمصالح المسافرين؛ وهذه األمور وغيرها دعت الوكالة األوروبية لسالمة الطيران إلى فرض حظر على دخول الطائرات العراقية‬
‫في المجال الجوي األوروبي؛ لعدم توافر معايير سالمة المالحة الجوية؛ لذا فإن عودة “األجنحة الخضراء” إلى مكانتها المرموقة‬
‫يحتاج إلى معرفة ما حصل لمثيالتها في الدول األخرى وكيف تغلبت على مشكالتها‪ ،‬وحققت تطورا ً كبيراً‪ ،‬وستأخذ هذه الورقة‬
‫التطور‬
‫ّ‬ ‫‪.‬التجربة التركية كمثال لهذا‬

‫من يتابع الكيفية التي تطورت من خاللها الخطوط الجوية التركية التي حققت نجاحات متتالية في السنوات االثنتي عشرة الماضية‪،‬‬
‫عليه أن يعرف كيف عانت من الفشل وسوء اإلدارة في السابق‪ .‬وفي حين كانت الخطوط الجوية التركية تمتلك ‪ ٦٥‬طائرة في عام‬
‫‪ ،٢٠٠٣.‬منها ‪ ١١‬طائرة غير صالحة للطيران‪ ،‬فقد بلغ عددها ‪ ٣٢٨‬طائرة نهاية عام ‪ ٢٠١٧‬برحالت منظمة إلى (‪ )٣٠٢‬وجهة‬

‫وكما هو شأن الخطوط الجوية العراقية حالياً‪ ،‬كان تنظيم رحالت الطيران التركية يقتصر على الدول المجاورة والقريبة من تركيا‬
‫فقط؛ لعدم توافر اإلمكانات المادية والتقنية التي تسمح بتنظيم رحالت إلى بعض العواصم العالمية الكبيرة التي تبعد مسافات شاسعة‬
‫‪.‬عن تركيا‬

‫كيف تطورت الخطوط الجوية التركية؟‬

‫مع نهاية عام ‪ ،٢٠٠٣‬أقدمت الحكومة التركية على تغيير طاقم اإلدارة الذي كثرت عليها الشكاوى بطاقم جديد‪ ،‬وبعد عام من العمل‬
‫الدّؤوب اشترت الشركة ‪ ٦١‬طائرة جديدة‪ ،‬بعد أن كانت تمتلك آنذاك ‪ ٥٤‬طائرة تعمل فعلياً‪ ،‬ومع نهاية عام ‪ ٢٠١٥‬بلغ عدد‬
‫‪.‬الطائرات الموجودة في حيازة الشركة ‪ ٢٩٩‬طائرة ّ‬
‫تنظم رحالت إلى ‪ ٢٨٤‬مدينة حول العالم‬

‫وبحسب أرقام موقع الشركة‪ ،‬فقد كان دخلها مليار دوالر أمريكي تقريبا ً عام ‪ ،٢٠٠٣‬وارتفع إلى عشرة مليارات دوالر مع حلول‬
‫عام ‪ .٢٠١٥‬وقد ازداد عدد المسافرين الذين كانوا يستخدمون طائرات الخطوط الجوية التركية عام ‪ ٢٠٠٣‬من عشرة ماليين مسافر‬
‫إلى ما يقارب ‪ ٦١‬مليون مسافر في عام ‪ ٢٠١٥‬في الخطوط الداخلية والخارجية‪ .‬وارتفع عدد العاملين في الخطوط الجوية التركية‬
‫‪.‬عام ‪ ٢٠٠٣‬من ‪ ١٠‬آالف عامل إلى ما يقارب ‪ ٤٤‬ألف عامل في مختلف المجاالت مع نهاية عام ‪٢٠١٥‬‬

‫لقد تأسست الخطوط الجوية التركية في عام ‪ ١٩٣٣‬كشركة مملوكة للدولة وبتمويل كلي من الحكومة‪ ،‬ولكن بعد بدء برنامج‬
‫خصخصة القطاع العام في الثمانينيات‪ُ ،‬خصخِ صت الخطوط الجوية التركية في التسعينيات وصارت حصة الحكومة بعد عدة‬
‫‪.‬سنوات من خصخصة الشركة ‪ ٪٤٩‬فيما طرحت بقية األسهم للقطاع الخاص‬

‫وبفضل حافز تشجيع اإلنتاجية وزيادة رأس المال‪ ،‬نظمت الحكومة طرحا ً أوليا ً عاما ً في عام ‪ ١٩٩٠‬مع عرض ‪ ٪١,٨٣‬من أسهم‬
‫الشركة للقطاع الخاص؛ إال أن سمعة الخطوط الجوية التركية بقيت سيئة للغاية قبل التسعينيات وبعدها‪ ،‬وعانت من مشكالت كثيرة‪،‬‬
‫مثل‪ :‬سوء اإلدارة‪ ،‬والتأخير المستمر في الرحالت‪ ،‬وسوء الخدمات‪ ،‬وتعرضها لعمليات الخطف‪ ،‬وسوء الصيانة التي تسببت في‬
‫‪.‬سقوط بعض الطائرات‬

‫وفي عام ‪ ،٢٠٠٣‬جاءت حكومة حزب العدالة والتنمية إلى السلطة وبدأت بسياسة توسيع الخصخصة في الخطوط الجوية التركية‪.‬‬
‫وتم عرض عقدين عامين حيث انخفضت حصة الحكومة إلى ما دون ‪ ٪٧٥‬في عام ‪ ،٢٠٠٤‬و‪ ٪٤٩‬في عام ‪٢٠٠٦‬؛ ونتيجة لعملية‬
‫تحولت الشركة من كونها مؤسسة حكومية إلى شركة قطاع خاص بحلول أيار ‪ ٢٠٠٦‬مما دفع إلى مزي ٍد من‬
‫الخصخصة هذه‪ّ ،‬‬
‫‪.‬الكفاءة واإلنتاجية‬

‫وباشرت الحكومة التركية بتنفيذ سلسلة من اإلصالحات “القاسية” في الخطوط الجوية منذ عام ‪٢٠٠٣‬؛ بهدف توسيع شركة الطيران‬
‫‪.‬التركية‪ ،‬مثل‪ :‬تحرير السوق المحلية‪ ،‬وتحسين القدرة التنافسية الدولية للخطوط الجوية التركية‬

‫وبالتزامن مع مجيء حكومة العدالة والتنمية في عام ‪ ،٢٠٠٣‬أُن ِش َ‬


‫ئ مجلس تنفيذي جديد للخطوط الجوية التركية في نفس العام‪ ،‬التي‬
‫‪.‬اتخذت خطوات رئيسة لفتح طرق جديدة وتحسين الشبكة‪ ،‬وتجديد طائرات األسطول القديمة مع طائرات أحدث وأكثر كفاءة‬

‫ومن الجدير بالذكر أن عدد اتفاقيات الطيران المدني الدولي الموقعة بين تركيا والحكومات األجنبية قد ارتفع من ‪ ٨١‬اتفاقا ً في عام‬
‫‪ ٢٠٠٣.‬إلى ‪ ١٤٣‬اتفاقا ً بحلول عام ‪٢٠١٢‬؛ مما ساعد الخطوط الجوية التركية على توسيع شبكتها الدولية‬

‫لقد أنشأت الخطوط الجوية التركية شركات فرعية‪ ،‬وأسست شراكات مع مختلف أصحاب المصلحة لدعم عملياتها‪ ،‬وتشمل‬
‫الشركات الفرعية التابعة لها مراكز الصيانة والتصليح‪ ،‬ومراكز الخدمات التقنية‪ ،‬ومراكز المحركات‪ ،‬ومراكز الوقود‪ ،‬وشركات‬
‫األطعمة‪ ،‬ومراكز الخدمات األرضية للمسافرين وتنظيم الطائرات؛ وقد ساعدت هذه الشركات على تحسين جودة الخدمة من خالل‬
‫‪.‬تخصص كل منها‬

‫وفضالً عن ذلك‪ ،‬تمكنت الخطوط الجوية التركية من جعل هذه الشركات الفرعية فعالة ومنخفضة التكلفة‪ ،‬بحيث تشكل تكاليف‬
‫‪.‬الوقود والعمالة النسبة األكبر من تكاليف تشغيل شركات الطيران‬

‫وعلى مدى الخمس عشرة سنة الماضية‪ ،‬أصبحت تكلفة الوقود جزءا ً مهما ً بنحو خاص من التكاليف التشغيلية‪ ،‬وقد ارتفع سعر‬
‫الكيروسين النفاث من ‪ ٥٠‬دوالرا ً للبرميل في عام ‪ ٢٠٠٤‬إلى ‪ ١٢٦‬دوالرا ً للبرميل في عام ‪ ،٢٠١٣‬وانخفضت إلى ‪ ٨٣‬دوالرا ً‬
‫نهاية ‪ ،٢٠١٧‬وأصبح استخدام الطائرات الفعالة شعارا ً اعتمدته الخطوط الجوية التركية في سعيها لخفض تكاليف الوقود‪ .‬وفي حين‬
‫‪.‬كان متوسط عمر الطائرة ‪ ٩‬سنوات عام ‪ ،٢٠٠٤‬انخفض إلى ‪ ٦.٧‬سنوات بحلول عام ‪ ،٢٠١٣‬وحوالي ‪ ٥‬سنوات في عام ‪٢٠١٧‬‬

‫األكثر كفاءة في )‪ (A319-100‬وفي عام ‪ ،٢٠٠٦‬أخرجت الشركة عن الخدمة جميع طائراتها األقل كفاءة لتحل محلها طائرات‬
‫استهالك الوقود؛ ونتيجة لهذه اإلجراءات انخفض متوسط استهالك الوقود بنسبة ‪ ٪١٠‬تقريبا ً من ‪ ٢٠٠٥‬إلى ‪ .٢٠١٠‬وأطلقت‬
‫‪.‬الشركة مشروعا ً مشتركا ً مع شركة (أوبيت) النفطية الرائدة في تركيا؛ لتوفير الوقود وتخزين إعادة التزود بالوقود‬
‫ويرى بعضهم أن هناك حاجة ملحة وضرورية لخصخصة الخطوط الجوية العراقية بطريقة مشابهة للطريقة التركية‪ ،‬فالطيران‬
‫المدني العراقي بحاجة إلى بعض اإلجراءات “الصارمة”‪ ،‬تتمثل في طرحه للقطاع الخاص‪ ،‬وتأسيس إدارة جديدة تتولى رسم‬
‫‪.‬سياسات ناجحة وتنفيذها وتكون قائمة على الربح والخسارة‬

‫ولم تنجح وزارات النقل المتعاقبة في تولي شؤون الخطوط الجوية العراقية‪ ،‬على الرغم مما أنفقت من أموال ووضعت من برامج‬
‫وسياسات بسبب التداخل في السياسات والصالحيات في الحكومات االئتالفية المتتالية‪ ،‬وستبقى جودة خدمات الخطوط الجوية‬
‫‪.‬العراقية لألسف غير مرضية‪ ،‬ما لم تتحول إلى قطاع خاص خارج االئتالفات الحكومية المتعارضة‬

‫الموقع االستراتيجي للعراق‬

‫وبالعودة إلى األنموذج التركي‪ ،‬تجدر اإلشارة إلى أن معظم رحالت الطيران التركي ال تتجاوز األربع ساعات ما بين تركيا‬
‫وأوروبا‪ ،‬أو تركيا والشرق األوسط وشمال أفريقيا‪ ،‬أو تركيا وأواسط آسيا؛ وبالتالي تستطيع شركة الطيران باستخدامها موقع‬
‫‪.‬إسطنبول الجغرافي في تحقيق رحالت كثيرة مع تكلفة وقود مناسبة‬

‫ولجأت الحكومة التركية إلى اتّباع سياسة ناجحة في تنشيط السياحة مستفيدة من اإلرث التأريخي لمدينة إسطنبول‪ ،‬فضالً عن إنشاء‬
‫منتج عات سياحية كبيرة على المدن الساحلية‪ ،‬وسهلت وزارة السياحة للقطاع الخاص تسويق فكرة قضاء العطالت في تركيا مستفيدة‬
‫‪.‬من العروض منخفضة التكلفة للخطوط الجوية التركية‬

‫وهنا ال ب َّد من اإلشارة إلى األرث التأريخي للعراق سواء من الناحية اإلسالمية أو ما قبل اإلسالم‪ ،‬وأيضا ً يمكن االستفادة من موقع‬
‫العراق الجغرافي ‪-‬كما هو الشأن في إسطنبول‪ -‬في تحويل مطار بغداد إلى أحد أكبر المطارات في الشرق األوسط لمرور الطائرات‬
‫‪.‬بين الشرق والغرب‬

‫وألجل تحويل مطار بغداد إلى مطار عالمي رابط بين القارات‪ ،‬يفترض إنشاء مجمع وقود في المطار يعمل على توفير الوقود‬
‫النفاث لمختلف شركات الطيران‪ ،‬ولن تنجح هذه العملية ما لم تتو َّل شركة معروفة دوليا ً برصانتها تصميم مجمع الوقود في مطار‬
‫‪.‬بغداد وإدارته‬

‫وحين المقارنة مع مطار دبي في اإلمارات العربية المتحدة‪ ،‬وهي من أكثر المطارات ازدحاما ً في العالم من حيث الرحالت الدولية‪،‬‬
‫نجد أنها تتعامل مع طلبيات شركات الطيران وتوافِر الوقود بكمية تتجاوز ملياري غالون سنويا ً ‪-‬على وفق بيانات شركة النفط‬
‫‪.‬اإلماراتية‪-‬؛ ولتوفير تلك الكميات قدمت الحكومة اإلماراتية تسهيالت تزويد الوقود عبر مصفاة جبل علي‬

‫وستؤدي خصخصة الخطوط الجوية العراقية بالنتيجة إلى تقديم تسهيالت كبرى للمسافرين‪ ،‬بدءا ً من خدمات المواصالت العامة‬
‫وسيارات األجرة‪ ،‬ومكاتب االستعالمات والدعم‪ ،‬والخدمات المالية كتسهيالت مكاتب الصرافة وماكينات الصراف اآللي في مباني‬
‫المطار‪ ،‬والمطاعم‪ ،‬ومنتجات السوق الحرة‪ ،‬ومركز طبي‪ ،‬والتسوق‪ .‬وهناك تسهيالت أخرى مطلوبة مثل صيدلية تعمل على مدار‬
‫الساعة‪ ،‬وعيادة لإلسعافات األولية‪ ،‬وغرف لعناية األطفال ولعبهم‪ ،‬وصالونات حالقة‪ ،‬وخدمة وكاالت السفر‪ ،‬فضالً عن حاجته إلى‬
‫‪.‬فنادق من الدرجة األولى‬

‫العاملون في الخطوط الجوية العراقية‬

‫تع ُّد العمالة ثاني أكبر بند لتكاليف التشغيل بالنسبة للعديد من الخطوط الجوية‪ ،‬وقد سجلت شركات الطيران التركية تكلفة تشغيل‬
‫للموظفين بنسبة ‪ ٪١٧‬من إجمالي النفقات في عام ‪ ،٢٠١٣‬التي هي تكلفة منخفضة مقارنة مع مجموعة الخدمات الجوية التي تقدمها‬
‫‪.‬غالبية شركات الطيران العالمية‬

‫وإذا ما قورنت مع طيران اإلمارات فإن موظفيها يتمتعون أيضا ً بميزة انخفاض تكاليف اليد العاملة؛ بسبب استخدامهم أسواق العمل‬
‫الرخيصة مثل الهند وباكستان وسريالنكا وبنغالديش؛ لتنفيذ مهام مثل‪ :‬الخدمات في المطارات‪ ،‬والصيانة‪ ،‬ومراكز االتصال‪ .‬في‬
‫حين أن شركات الطيران األوروبية تعمل على وفق قوانين االتحاد األوروبي التي تتطلب رواتب عالية بدعم من نقابات قوية‪ ،‬وهذا‬
‫‪.‬التفاوت الكبير بين تكاليف العمالة مع موقع مدينة إسطنبول االستراتيجي‪ ،‬جعل شركة الطيران التركية تحقق إرباحا ً كبيرة‬

‫وتع ُّد إسطنبول ‪-‬وهي القاعدة الرئيسة للخطوط الجوية التركية ذات النسبة السكانية الهائلة‪ -‬مصدر العمالة المنخفضة التكلفة‪،‬‬
‫وبمماثلة كلفة المعيشة فيها مع معظم المدن األوروبية‪ ،‬وعدم وجود نقابة قويّة للمطالبة بحقوق العاملين‪ ،‬أضافت ميزة ربحية‬
‫‪.‬للطيران التركي‬

‫ولن تنجح الخطوط الجوية العراقية ما لم تتبع الحكومة سياسات جديدة ناجحة‪ ،‬فالحكومة ‪-‬أوالً وقبل كل شيء‪ -‬بحاجة إلى‬
‫خصخصة الشركة وتغيير اإلدارة بكادر إداري متخصص بعيد عن السياسة‪ ،‬ومن ثم إنشاء شركات فرعية مساندة للطيران العراقي‬
‫‪.‬تتولّى تقديم الخدمات المطلوبة‪ ،‬واستخدام عمالة منخفضة التكلفة‬

‫‪‬‬

You might also like