You are on page 1of 5

‫الدرس الثاني‬

‫بين القلب والنفس‬


‫أولا‪:‬النفس‬
‫لغة ‪:‬نفس الشيء تأتي بمعنى ذاته‪ ،‬وعينه‪ ،‬وحقيقته‪ ،‬كما يقال‪ :‬رأيت زيدًا‬
‫سه وعينَه‪ ،‬وقد يراد بلفظ النفس الدم الذي يكون في الحيوان‪ ،‬كقول‬
‫نف َ‬
‫ضا بمعنى‬
‫الفقهاء‪" :‬ما له نفس سائلة‪ ،‬وما ليس له نفس سائلة"‪ ،‬وتأتي أي ً‬
‫الروح‪.‬‬
‫اصطال احا ‪:‬جوهر مشرق للبدن‪ ،‬ينقطع ضو ُءه عند الموت من ظاهر البدن‬
‫وباطنه‪ ،‬وفي النوم ينقطع عن ظاهر البدن دون باطنه‪.‬‬

‫الفرق بين النفس والروح‪:‬‬


‫روي عن ابن عباس رضي هللا عنهما أنه قال‪" :‬لكل إنسان نفسان‪ :‬إحداهما‪:‬‬
‫نفس العقل الذي يكون به التمييز‪ ،‬واألخرى‪ :‬نفس الروح الذي به الحياة"‪،‬‬
‫وقال بعض اللغويين‪ :‬هما واحد‪ ،‬وقال آخرون‪ :‬هما متغايران؛ إذ النفس‬
‫سا؛ لتولد النفس منها‪،‬‬
‫مناط العقل‪ ،‬والروح مناط الحياة‪ ،‬وسميت النفس نف ً‬
‫واتصاله بها‪ ،‬كما س َّم ُوا الروح رو ًحا؛ ألن الروح موجودة بها‪.‬‬

‫أنواع النفوس‪:‬‬
‫وهي ثالثة‪:‬‬
‫‪1 -‬النفس األمارة بالسوء‪:‬‬
‫ع هواها بفعل الذنوب والمعاصي؛ قال تعالى ‪َ ﴿:‬و َما‬ ‫هي التي يغلب عليها ِّاتبا ُ‬
‫وء إِّ ََّّل َما َر ِّح َم َر ِّبي ِّإ َّن َر ِّبي َ‬
‫غف ُ ٌ‬
‫ور َر ِّحي ٌم ﴾‬ ‫س َأل َ َّم َ‬
‫ارة ٌ ِّبال ُّ‬
‫س ِّ‬ ‫أ ُ َب ِّر ُ‬
‫ئ نَ ْف ِّسي ِّإ َّن النَّ ْف َ‬
‫ضا‪(( :‬إن‬
‫[يوسف‪ ،]53 :‬وفي الحديث عن ابن مسعود رضي هللا عنه أي ً‬
‫للملك لَ َّمةً‪ ،‬وللشيطان لمة‪ ،‬فلمةُ الملك‪ :‬إيعاد بالخير‪ ،‬وتصديق بالحق‪ ،‬ولمةُ‬
‫الشيطان‪ :‬إيعاد بالشر‪ ،‬وتكذيب بالحق‪))[1].‬‬

‫‪2 -‬النفس اللوامة‪:‬‬


‫ْ‬
‫تابت‬ ‫ت الشر‬ ‫وهي التي تُذنب وتتوب‪ ،‬فعندها خير وشر‪ ،‬لكن إذا فعلَ ِّ‬
‫وأنابت‪ ،‬فتُس َّمى لوامة؛ ألنها تلوم صاح َبها على الذنوب‪ ،‬وألنها تتلوم ‪ -‬أي‪:‬‬
‫تتردد ‪ -‬بين الخير والشر؛ قال تعالى ‪ََّ ﴿:‬ل أ ُ ْق ِّس ُم ِّب َي ْو ِّم ْال ِّق َيا َم ِّة * َو ََّل أ ُ ْق ِّس ُم‬
‫ِّبالنَّ ْف ِّس اللَّ َّوا َم ِّة ﴾ [القيامة‪].2 ،1 :‬‬

‫‪3 -‬النفس المطمئنة‪:‬‬


‫ت وتريد ذلك‪ ،‬وتبغض الشر والسيئات‬ ‫الخير والحسنا ِّ‬
‫َ‬ ‫وهي التي تحب‬
‫وتكره ذلك‪ ،‬وقد صار ذلك لها ُخلقًا‪ ،‬وعادة‪ ،‬و َملَكة؛ ﴿ يَا أَيَّت ُ َها النَّ ْف ُ‬
‫س‬
‫ضيَّةً ﴾ [الفجر‪].28 ،27 :‬‬ ‫اضيَةً َم ْر ِّ‬ ‫ْال ُم ْ‬
‫ط َمئِّنَّةُ * ْ‬
‫ار ِّج ِّعي ِّإلَى َربِّ ِّك َر ِّ‬

‫ثانياا ‪ :‬القلب‬

‫لغة‪" :‬تحويل الشيء عن موضعه‪ ،‬يقال‪ :‬قَلَبه َي ْق ِّلبُه قَ ْلبًا‪ ،‬وقلَّبه؛ أي‪َّ :‬‬
‫حوله‬
‫ظهرا لبطن‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ظهرا لبطن‪ ،‬وتقلب الشيء‬
‫ً‬
‫ارا‬ ‫ان أَ ْ‬
‫ط َو َ‬ ‫اإل ْن َ‬
‫س ِّ‬ ‫ف ِّب ِّ‬
‫ص ِّر ُ‬ ‫الرأْ ُ‬
‫ي يَ ْ‬ ‫ي القَ ْل ُ‬
‫ب إَِّّلَّ ِّم ْن تَقَلُّبِّ ِّه ♦♦♦ َو َّ‬ ‫س ِّم َ‬
‫َما ُ‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫ب ِّم ْن قَ ْلب َوتَ ْح ِّوي ِّل‬
‫علَى القَ ْل ِّ‬ ‫ي القَ ْل ُ‬
‫ب إَِّّلَّ ِّم ْن تَقَلُّبِّ ِّه ♦♦♦ فَ ْ‬
‫اح َذ ْر َ‬ ‫س ِّم َ‬
‫َما ُ‬
‫واصطال احا ‪:‬وعندما يطلق اللفظ‪ ،‬فإنه يتناوله صنفان من الناس‪ ،‬فكل صنف‬
‫يعرفُه بطريقته‪:‬‬
‫ِّ‬
‫الصنف األول ‪:‬األطباء‪:‬يقولون‪ :‬إنه عضو عضلي أجوف‪ ،‬يقع في منتصف‬
‫التجويف الصدري تقريبًا‪ ،‬أو هو المضخة التي تضخ الدم من بداية تشكل‬
‫الجنين‪ ،‬وحتى وفاة اإلنسان‪ ،‬دون توقف من ليل أو نهار (‪ 7200‬لتر‬
‫يوميًّا‪).‬‬
‫الصنف الثاني ‪:‬العلماء والفقهاء والزهاد ‪:‬قالوا‪ :‬هو لطيفة ربانية روحانية‪،‬‬
‫لها تعلُّق بالقلب الذي َّ‬
‫عر ْفناه آنفًا‪ ،‬وعمو ًما هو من األسرار التي لم تفصح‬
‫عنه النصوص الشرعية‪.‬‬

‫أنواع القلب‪:‬‬
‫‪1 -‬القلب السليم‪:‬‬
‫وهو الذي أخلص عبوديته هلل تعالى إرادة ومحبة‪ ،‬وتوكالً وإنابة‪ ،‬وإخباتًا‬
‫أحب في هللا‪ ،‬وإن أبغض أبغض في هللا‪ ،‬وإن‬ ‫َّ‬ ‫أحب‬
‫َّ‬ ‫وخشية ورجا ًء‪ْ ،‬‬
‫فإن‬
‫أعطى أعطى هلل‪ ،‬وإن منع منع هلل‪ ،‬وَّل ينقاد وَّل يحتكم إَّل هلل ورسوله‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫‪2 -‬القلب المريض‪:‬‬
‫وهو الذي فيه محبة هللا‪ ،‬واإليمان به‪ ،‬واإلخالص له‪ ،‬والتوكل عليه‪ ،‬كما‬
‫فيه محبة الشهوات وإيثارها‪ ،‬والحرص على تحصيلها‪ ،‬وفيه الحسد‬
‫والعجب‪ ،‬وحب العلو والفساد في األرض‪ ،‬فهو إما إلى السالمة أقرب‪ ،‬أو‬
‫إلى الهالك والموت أقرب‪.‬‬
‫‪3 -‬القلب الميت‪:‬‬
‫هو ذلك القلب الذي َّل حياة له؛ ه ُّمه الفوز بالشهوات وتحصيلها‪ ،‬ولو كان‬
‫أحب لهواه‪ ،‬وإن أبغض أبغض لهواه‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫أحب‬
‫َّ‬ ‫فيها سخط ربه وغضبه‪ ،‬فإن‬
‫وإن أعطى أو منع فلهواه؛ فهو متعبد لغير هللا حبًّا‪ً ،‬وخوفًا‪ ،‬ورجاء‪،‬‬
‫طا‪ ،‬وتعظي ًما‪ ،‬وذَّلًّ‪ ،‬مخالطةُ صاحب هذا القلب سقم‪ ،‬ومعاشرته سم‪،‬‬ ‫وسخ ً‬
‫ومجالسته هالك‪.‬‬

‫مسيرة القلب من السالمة إلى الموت‪:‬‬


‫مرحلة السالمة ‪:‬بتوحيد هللا تبارك وتعالى وعدم اإلشراك به‪ ،‬وطاعته في‬
‫السر والعلن‪ ،‬والصبر على ذلك‪ ،‬واتِّباع هدي نبيه صلى هللا عليه وسلم‬
‫وعدم اَّلبتداع في دين هللا‪ ،‬واَّلستسالم التام ألوامر هللا‪ ،‬واَّلستبشار‬
‫بأحكامه‪ ،‬ومالزمة ذكر هللا‪.‬‬

‫مرحلة القسوة والمرض‪:‬‬


‫إذ تتلقَّفه الشهوات‪ ،‬وتنهكه الشبهات؛ فيضعف أمامها‪ ،‬ويتساهل في تناول‬
‫المحرمات؛ تتبعًا للرخص‪ ،‬وتهاونًا بالسنن‪ ،‬فال خشوع وَّل تدبر‪ ،‬وينسى‬
‫العلم‪ ،‬وينهمك في الذنوب‪.‬‬

‫مرحلة الموت‪:‬‬
‫فال حياة له بعيدًا عن ربه وموَّله‪ ،‬ومجانبًا لسبيل المؤمنين المتقين‪ ،‬فال أمل‬
‫في حياته إَّل بالتوبة النصوح‪ ،‬وتقوى هللا‪ ،‬وكثرة الذِّكر واَّلستغفار‪،‬‬
‫ومالزمة الطاعات واألعمال الصالحة بأنواعها‪ ،‬وعدم اَّلنهماك في ملذات‬
‫الدنيا وشهواتها؛ بل اَّلعتدال والتوسط فيها‪ ،‬ومجاهدة مستمرة َّل تفتر؛ حتى‬
‫تعود له الحياة‪ ،‬نسأل هللا السالمة والعافية‪.‬‬
‫المراجع‪:‬‬
‫‪1 -‬مجموع فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية‪.293 - 292 /9 ،‬‬
‫‪2 -‬مدارج السالكين‪َّ ،‬لبن القيم‪ ،‬ج‪.1‬‬
‫‪3 -‬إحياء علوم الدين‪ ،‬للغزالي‪.3 /3 ،‬‬
‫‪4 -‬تزكية النفوس‪ ،‬ألحمد فريد‪ 25 - 24 ،‬و‪.74 - 70‬‬
‫‪5 -‬لسان العرب‪ 269 /11 ،‬و‪.232 /6‬‬
‫‪6 -‬الصحاح في اللغة‪ ،‬للجوهري‪.984 /3 ،‬‬
‫‪7 -‬التوقيف في مهمات التعاريف‪ ،‬للمناوي‪.328 ،‬‬

‫]‪[1‬أخرجه الترمذي (‪ ،)2988‬والنَّسائي في "الكبرى"‪" ،‬تحفة األشراف"‪،‬‬


‫‪9550‬‬

‫رابط‬
‫الموضوع‬
‫‪: http://www.alukah.net/sharia/0/5610/#ixzz5ENnqfVcQ‬‬

You might also like