You are on page 1of 9

‫العدد‬

‫مجانًا مع العدد‪:‬‬ ‫الغالف‪:‬‬

‫‪138‬‬
‫‪138‬‬

‫صندوق العجائب‬
‫أحمد الصفريوي‬ ‫أحمد الصفريوي‬

‫‪95‬‬
‫ترجمة‪ :‬رشيد مرون‬

‫ملتقى اإلبداع العريب والثقافة اإلنسانية‬ ‫العدد ‪ - 138‬أبريل ‪2019‬‬

‫ثــقــافـيـة شــــهــريــة‬

‫‪@aldoha_magazine‬‬

‫‪AL-DOHA MAGAZINE‬‬
‫أحمد الصفريوي‬
‫أوالً‪ .‬كما‬ ‫«حدثنمي والمدي عمن الجنَّمة‪ ،‬لكمن لندخلهما علينما أن منموت َّ‬ ‫َّ‬
‫من يقتل نفسمه ال‬ ‫وأن َم ْ‬
‫ُحرممة‪ّ ،‬‬
‫أن قتمل النفمس ممن الكبائمر امل َّ‬ ‫أضماف ّ‬

‫‪aldoha_magazine‬‬
‫صندوق‬ ‫السنة الثانية عرشة ‪ -‬العـدد مئة ومثانية وثالثون‬
‫يتبمق يل ّإال االنتظمار‪ ،‬انتظمار أن أصبح‬
‫َ‬ ‫يدخمل مملكمة الجنمان‪ .‬لمذا مل‬
‫زمن ولَّى‬
‫ٍ‬ ‫يعتقد الكثيرون أنها تنتمي إلى‬

‫السنة ‪ - 12‬العدد ‪ - 138‬رجب ‪ - 1440‬أبريل ‪2019‬‬


‫ثمم أمموت ألُبعمث قمرب نهمر السلسمبيل‪ .‬االنتظمار! االنتظار هو‬ ‫رجماً ‪ّ ،‬‬
‫املموت لحظتهما‪ .‬كنمت أصحمو ممن النموم‬ ‫ِ‬ ‫العبودية مستمرة‬
‫الوجمود‪ .‬مل تخفنمي فكمر ُة‬

‫رجب ‪ - 1440‬أبريل ‪2019‬‬

‫صندوق العجائب‬
‫وأفعمل مما ُيطلَمب منمي أن أفعمل‪ .‬ويف املسماء تغرب الشممس فأعود‬ ‫إدغار موران‪:‬‬

‫العجائب‬
‫أن يوم ًا قد‬ ‫للنموم بانتظمار الصبماح ألفعمل الميء نفسمه‪ .‬كنمت أعلمم ّ‬
‫‪Doha Magazine‬‬ ‫‪aldoha_magazine‬‬ ‫‪@aldoha_magazine‬‬
‫المقاومة حرَّرتني‬

‫‪Doha Magazine‬‬
‫األيمام يفمي لرتاكمم الشمهور‪ ،‬والفصمول‪،‬‬ ‫أن تموايل ّ‬ ‫انضماف آلخمر‪ّ ،‬‬
‫ثمم سمأبلغ السمابعة والثامنمة‬ ‫من الشعور بالذنب‬
‫واألعموام‪ .‬عممري سمت سمنوات‪ّ ،‬‬
‫العمارشة‪ .‬ويف العمارشة يصبمح املمرء رجماً ‪ .‬يف سمن‬ ‫ِفسكي‬ ‫والتاسمعة‪ُ،‬وي ْ‬
‫ثمم‬ ‫شكسبير وثيربانتيس‪ ،‬تولستُوي ودوست‬
‫ّ‬
‫التجموال وحيد ًا يف كُ لِّ الحارة‪ ،‬سمأتجاذب أطراف‬ ‫غالب‬ ‫سميمكنني‬
‫العمارشةوميرزا‬
‫ميشيما وكاواباتا‪ ،‬ماركس‬
‫الحديمث ممع الباعمة‪ ،‬سمأتعلَّم الكتابمة‪ ،‬كتابمة اسممي عمى األَقملّ ‪،‬‬
‫ٍ‬
‫لقاءات مستحيلة!‬

‫تصدر عن‪:‬‬
‫كلات‬ ‫العرافات لقمراءة طالعي‪ ،‬سمأتعلَّم‬ ‫َّ‬ ‫سمأمتكَّ ن ممن زيارة إحمدى‬
‫سمحرية وأصنمع طاسمم»‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ترجمة‪ :‬رشيد مرون‬

‫‪Year 12 - No. 138 Rajab 1440 - April 2019‬‬


‫َّ‬
‫الموظف!‬ ‫مو ُتـــ‬ ‫إدارة اإلصدارات والرتجمة‬
‫وزارة الثقافة والرياضة‬
‫أبريل ‪2019‬‬

‫رواية‬ ‫ترجمة‬
‫رشيد مرون‬ ‫حوارات‪:‬‬
‫مرزاق علواش ‪ -‬عبد العزيز آل محمود ‪ -‬سعيد‬
‫بنعبد الواحد ‪ -‬ميشال سير ‪ -‬حكيم قروي‬

‫الـــدوحــــة ‪ -‬قـــــطــــر‬
‫غالف الكتاب‪:‬‬ ‫غالف المجلة‪:‬‬
‫‪Guy ROSSEY‬‬ ‫‪©modernslavery.co.uk‬‬ ‫صـــدر الــعــدد األول يف نــوفــمــر ‪ ،1969‬ويف يــنــايــر ‪ 1976‬أخـــذت توجهها الــعــريب واســتــمــرت‬
‫(فرنسا)‬ ‫يف الـــصـــدور حــتــي يــنــايــر عــــام ‪ 1986‬لــتــســتــأنــف الـــصـــدور مـــجـــدد ًا يف نــوفــمــر ‪.2007‬‬

‫تقارير | متابعات |‬

‫عربي‬
‫ّ‬ ‫بلد‬
‫في أكثر من ٍ‬ ‫التوزيع واالشتراكات‬ ‫االشتراكات السنوية‬
‫تأنيث الفقر!‬ ‫تليفون ‪)+974( 44022295 :‬‬ ‫داخل دولة قطر‬
‫جمال الموساوي‬ ‫فاكس ‪)+974( 44022690 :‬‬
‫‪ 120‬ريــا ً‬
‫ال‬ ‫األفراد ‬
‫‪4‬‬
‫‪ 240‬ريــا ً‬
‫ال‬ ‫الدوائــر الرســمية‬
‫الربيد اإللكرتوين‪:‬‬
‫‪ 220‬ألف مولود إضافي ّ‬
‫كل يوم‬ ‫‪distribution-mag@mcs.gov.qa‬‬ ‫خارج دولة قطر‬
‫ّ‬ ‫‪doha.distribution@yahoo.com‬‬
‫السكاني‬ ‫االنفجار‬ ‫‪ 300‬ريــال‬ ‫دول الخليــج العــريب‬
‫‪ 300‬ريــال‬ ‫باقــــــي الدول العربية‬
‫تـ‪ :‬مروى بن مسعود‬
‫‪ 75‬يــورو‬ ‫دول االتحــاد األورويب‬
‫‪7‬‬ ‫الشؤون المالية واإلدارية‬ ‫‪ 100‬دوالر‬ ‫أمـــــــــــــــــــيــــركـــــــا‬
‫‪finance-mag@mcs.gov.qa‬‬ ‫‪ 150‬دوالر ًا‬ ‫كــــنــــدا وأسرتالــــيا‬
‫ً‬
‫حرارة على اإلطالق‬ ‫السنوات األربع األخيرة األكثر‬
‫ترســـل قـيمة االشـــتراك بموجـب حـــوالة مصـــرفية أو شـــيك بالريال القــطـري‬
‫االحترار العالمي‬ ‫باســم وزارة الثقافــة والرياضــة علــى عنــوان المجلة‪.‬‬
‫تـ‪ :‬ياسين المعيزي‬
‫‪10‬‬
‫مواقع التواصل‬
‫فكر المؤامرة‬ ‫‪@aldoha_magazine‬‬

‫وباء حقيقي؟‬
‫ٌ‬ ‫هل هو‬ ‫‪Doha Magazine‬‬

‫حوار‪ :‬ماري جيشو ‪ -‬تـ‪ :‬مونية فارس‬


‫‪aldoha_magazine‬‬

‫‪12‬‬ ‫الموزعون‬
‫هل استغنى جيل اإلنترنت عن ال ُّلغة؟‬ ‫وكيل التوزيع يف دولة قطر‪:‬‬

‫ثقافة «الميم»‬ ‫دار الرشق للطباعة والنرش والتوزيع ‪ -‬الدوحة ‪ -‬ت‪ 44557810 :‬فاكس‪44557819 :‬‬

‫أمجد جمال‬
‫وكالء التوزيع يف الخارج‪:‬‬
‫‪14‬‬
‫ســلطنة ُعامن ‪ -‬مؤسســة ُعامن للصحافة واألنباء والنرش واإلعالن ‪ -‬مســقط ‪ -‬ت‪- 009682493356 :‬‬
‫فاكــس‪ /0096824649379 :‬الجمهورية اللبنانية ‪ -‬مؤسســة نعنوع الصحفيــة للتوزيع ‪ -‬بريوت ‪ -‬ت‪:‬‬
‫إدغار موران ‪:‬‬ ‫‪ - 009611666668‬فاكس‪ /009611653260 :‬جمهورية مرص العربية ‪ -‬مؤسسة األهرام ‪ -‬القاهرة ‪ -‬ت‪:‬‬
‫‪ - 002027704365‬فاكس ‪ /002027703196‬جمهورية الســودان ‪ -‬دار الريان للثقافة والنرش والتوزيع‬
‫االنخراط في المقاومة ح َّررني من الشعور بالذنب‬ ‫‪ -‬الخرطــوم ‪ -‬ت‪ - 00249154945770 :‬فاكــس‪ / 00249183242703 :‬اململكــة املغربيــة ‪ -‬الرشكــة‬
‫جون بيرنبوم ‪ -‬تـ‪ :‬طارق غرماوي‬ ‫العربيــة اإلفريقية للتوزيع والنرش والصحافة‪ ،‬ســريس ‪ -‬الدار البيضــاء ‪ -‬ت‪- 00212522249200 :‬‬
‫‪16‬‬ ‫فاكس‪00212522249214:‬‬

‫أراتا إيسوزاكي‬ ‫األسعار‬


‫نجم يسطع من قلب الدمار‬ ‫‪ 15‬دره ً‬
‫ام‬ ‫اململكة املغربية‬ ‫‪ 10‬رياالت‬ ‫دولة قطر‬

‫محمد أدهم السيد‬ ‫‪ 3000‬لرية‬ ‫الجمهورية اللبنانية‬ ‫‪ 800‬بيسة‬ ‫سلطنة عامن‬


‫‪116‬‬
‫‪ 5‬جنيهات‬ ‫جمهورية السودان‬ ‫‪ 10‬جنيهات‬ ‫جمهورية مرص العربية‬

‫أبريل ‪138 2019‬‬ ‫‪2‬‬


‫ثقافات‬

‫الغناء الصنعاني‬

‫طب النفوس‬
‫يلفت نظرنا‪ ،‬ونحن بصدد البحث عن سرية جان‬
‫المبري‪ ،‬تسجيل عىل موقع اليوتيوب معنون‬
‫بـ«جان المبري يغني بدا كالبدر عىل القنبوس»‪،‬‬
‫توجه أواخر‬
‫وهذا ليس بغريب؛ فالرجل َّ‬
‫الثامنينيات إىل صنعاء بغرض البحث لنيل‬
‫الدكتوراه يف املوسيقى اليمنية‪ ،‬ورسعان ما‬
‫ترك عازف الساكسفون آلته الغربية بعدما قاده‬
‫الفضول والتعلُّق مبا اكتشفه وعايشه إىل تعلُّم‬
‫أصول العزف الصنعاين عىل آلة القنبوس…‬
‫المبري‪ ،‬أحد أبرز الباحثني يف الفولكلور اليمني‪،‬‬
‫أسهم بأبحاثه التي متتد لعقدين يف نرش الرتاث‬
‫ّ‬
‫ولعل من‬ ‫الغنايئ الصنعاين يف أرجاء املعمور‪،‬‬
‫نتائج هذا الصنيع إعالن املنظَّ مة الدولية للرتبية‬
‫والعلم والثقافة (اليونسكو) رسمي ًا عام ‪2003‬‬
‫إدراج األغنية الصنعانية ضمن الرتاث العاملي‬
‫الالمادي‪.‬‬

‫محسن العتيقي‬

‫أبريل ‪138 2019‬‬ ‫‪146‬‬


‫موضــوع هــذه القــراءة‪ ،‬إلــى بعــض التغييــرات والمراجعــات علــى‬ ‫العربيــة فــي إحــدى جامعــات باريــس‪ ،‬وعنــد‬ ‫ّ‬ ‫َد َرس المبيــر اللُّغــة‬
‫مســتوى التحليــل والشــرح لتالئــم بيئــة ومســتوى القــراءة؛ حيــث ال‬ ‫ـم‬‫انتقالــه إلــى اليمــن اشــتغل مترجم ـ ًا فــي الســفارة الفرنســية‪ ،‬ثـ ّ‬
‫يحتــاج القــارئ العربــي إلــى شــرح ظواهــر أو أمــو ٍر بديهيــة‪ ،‬لذلــك‬ ‫قرر دراســة الموســيقى الشــرقية‬ ‫بعــد فتــرة عــاد إلــى باريــس‪ ،‬حيث َّ‬
‫العربيــة (‪ 250‬صفحة) باقتراح من المبير لتخفيف‬ ‫ّ‬ ‫تفادتهــا الترجمة‬ ‫ـرة‪ ،‬متسـلِّح ًا بمقومــات‬‫وشــحات‪ ،‬ليعــود إلــى اليمــن‪ ،‬هــذه المـ ّ‬ ‫والم َّ‬‫ُ‬
‫الكتــاب مــن تفاصيلــه الزائدة‪.‬‬ ‫العربيــة واليمنيــة علــى وجــه الخصــوص‬ ‫ّ‬ ‫ـيقية‬‫ـ‬ ‫الموس‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫الثقاف‬ ‫ـم‬ ‫فهـ‬
‫«طــب النفــوس» هــو ثمــرة أبحاث لنيل درجــة الدكتوراه من مدرســة‬ ‫بعدمــا تعــذَّ ر عليــه فــي البدايــة اســتيعاب وتع ُّلــم نمــط موســيقي‬
‫أعدها المبير مــا بين ‪- 1985‬‬ ‫الدراســات العليــا للعلــوم االجتماعيــة‪ّ ،‬‬ ‫متقن ينتقل شــفاهي ًا ويتطلَّب تجربة المعايشــة واالحتكاك بشــيوخ‬
‫‪ ،1987‬وفــي التســعينيات بــدأ فــي تحضيــر الكتــاب الــذي كلَّفــه زهاء‬ ‫ـن الصنعانــي‪ .‬وهكــذا أخــذ فــي التع ُّلــم‪ ،‬وبمــوازاة ذلــك اسـ ّ‬
‫ـتمر‬ ‫الفَ ـ ّ‬
‫ســبع ســنوات أخــرى مــن المراجعــة والتمحيــص‪ ،‬إلــى أن نشــر عــام‬ ‫المبيــر فــي بحوثــه العلميــة‪ .‬خبــرة الرجــل ســتجعله الحقـ ًا مديــر ًا‬
‫‪ .1997‬والكتــاب يرصــد ويح ِّلــل‪ ،‬مــن الناحية االجتماعيــة والتاريخية‬ ‫للمعهــد الفرنســي لآلثار والعلوم االجتماعيــة (‪ )CEFAS‬في صنعاء‬
‫ـن الغنائــي فــي صنعــاء والمجتمــع‬ ‫والموســيقولوجية‪ ،‬موقــع الفَ ـ ّ‬ ‫منــذ عــام ‪ 2003‬إلــى ‪ ،2008‬وفــي عهــده نشــر المعهــد ثالثيــن كتابـ ًا‬
‫اليمنــي بشــكلٍ عام‪.‬‬ ‫عــن اليمــن تو َّزعــت ما بين مخطوطات وأبحــاث‪ .‬وكان قبل ذلك‪ ،‬في‬
‫قبــل الدخــول فــي مضاميــن الكتــاب‪ ،‬ينبغــي اإلشــارة أوالً‪ ،‬إلــى أنــه‬ ‫عــام ‪ ،1998‬قــد نظَّ ــم ندوة حول التراث الموســيقي اليمني بالتعاون‬
‫متغيــرات بنيويــة‬
‫ِّ‬ ‫بيــن تاريــخ تأليــف الكتــاب ويومنــا هــذا‪ ،‬حصلــت‬ ‫بيــن القســم الثقافــي في الســفارة الفرنســية ووزارة الثقافــة اليمنية‬
‫تجعلنــا غيــر ملزميــن بإســقاط مضمــون الكتــاب‪ ،‬فــي مجملــه‪ ،‬على‬ ‫فأســفرت هــذه النــدوة عــن تأســيس مركــز التــراث الموســيقي الــذي‬
‫راهــن الغنــاء الصنعانــي‪ .‬وهكذا‪ ،‬فإن اســتحضار هــذه المضامين ال‬ ‫ـم مــن كنــوز األغنيــة اليمنيــة‪.‬‬ ‫لــه فضــل تســجيل ورقمنــة مقــدار ُمهـ ّ‬
‫يرتبــط بالضــرورة بالصــورة التــي عليهــا فضــاء «المقيــل» أو «الغنــاء‬ ‫المبيــر‪ ،‬أحــد أبــرز الباحثيــن فــي الفولكلــور اليمنــي‪ ،‬أســهم بأبحاثــه‬
‫الصنعانــي» اليــوم‪ ،‬وإنمــا ســتأخذ المراجعــة بعين االعتبار الســياق‬ ‫التــي تمتــد لعقديــن فــي نشــر التــراث الغنائــي الصنعاني فــي أرجاء‬
‫ـدث عنــه المؤ ِّلــف‪ .‬وثانيـاً‪ ،‬يمكــن إيجــاز منطلق‬ ‫التاريخــي الــذي يتحـ َّ‬ ‫المعمــور‪ ،‬ولَعــلّ مــن نتائــج هــذا الصنيــع إعــان المنظَّ مــة الدوليــة‬
‫محددة؛ ذلــك أنه يصعب‬ ‫َّ‬ ‫هــذه القــراءة فــي تركيزها على زاويــة نظر‬ ‫للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) رسمي ًا عام ‪ 2003‬إدراج األغنية‬
‫ـرق للكتــاب حســب تسلســل فصولــه أو اإلحاطــة بــكلّ محتــواه‬ ‫التطـ ُّ‬ ‫الصنعانيــة ضمــن التــراث العالمــي الالمــادي‪ .‬كمــا كان لالمبير اليد‬
‫ـم الهائــل مــن المعلومــات والتحليــات‪ ،‬وهكــذا فــإن مــا‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫للك‬ ‫نظــر ًا‬ ‫فــي إحيــاء صناعــة آلــة القنبــوس التــي كانت قــد انقرضــت تمام ًا في‬
‫ســيطبع هــذه القــراءة ليــس التلخيــص‪ ،‬وإنمــا محاورة مع الســطور‬ ‫اليمــن‪ .‬وبصفتــه أنثروبولوجيـاً‪ ،‬وأســتاذ ًا باحثـ ًا فــي علــم موســيقى‬
‫متفرقــة أو متشــابكة‪.‬‬‫ِّ‬ ‫ومــا بينهــا مــن ســياقات‬ ‫الشــعوب (‪ ،)Ethnomusicologie‬كتب المبير من منطلق مناهج‬
‫يمكننــا االســتئناف‪ ،‬مبدئيــاً‪ ،‬مــن كــون المبيــر فــي كتابــه «طــب‬ ‫تخصصــه العديــد مــن المقــاالت‪ ،‬وكتب ًا حــول الفولكلور الموســيقي‬ ‫ّ‬
‫تأمــل شــاعرية فضــاء «المقيــل» باعتبــاره‬ ‫النفــوس» ينطلــق مــن ُّ‬ ‫اليمنــي‪ .‬وقبــل أن يؤلّف كتابه «العود» الــذي خصصه آللة القنبوس‬
‫مميــزة للثقافــة الشــعبية اليمنيــة‪ ،‬ومــن خاللــه ينظــر إلــى‬ ‫مؤسســة ّ‬ ‫َّ‬ ‫الصنعانــي‪ ،‬وكذلــك تجميعــه فــي الفتــرة األخيــرة لحوالــي ثالثمئــة‬
‫ُّغويــة والطقوســية‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ـه‬‫ـ‬ ‫بمكونات‬ ‫ـاء‬
‫ـ‬ ‫الفض‬ ‫ـذا‬
‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـر‬
‫ـ‬ ‫تأثي‬ ‫ـد‬
‫ـ‬ ‫لرص‬ ‫ـارج‬ ‫ـ‬ ‫الخ‬ ‫لحــن خــاص بالغناء الصنعاني‪ ،‬كان قد نشــر عام ‪ 1997‬كتابه «طب‬
‫فــي المخيــال المجتمعــي وذهنيــة تفكيــر النــاس‪ ،‬ومــا يحيــط ذلــك‬ ‫النفــوس‪ ..‬فــن الغنــاء الصنعانــي» (‪La médecine de l’âme. Le‬‬
‫مــن عمليــات التطويــق المتبادلــة بيــن فضــاء ســري وآخــر علنــي‪،‬‬ ‫‪ chant de Sanaa dans la société yéménite) 320‬صفحــة‪،‬‬
‫لمــا فــي تداخلهمــا كثيــر االلتبــاس والحــذر وااللتفــاف‪ .‬إنــه فضــاء‬ ‫صدر عن منشورات (‪ )Société d’ethnologie, Nanterre‬بفرنسا‪.‬‬
‫لعزف الموســيقى ومضغ «القات»‪ ،‬وتبادل أطراف الحديث وتوســيع‬ ‫ال واســع ًا في اليمــن بعدما صــدرت ترجمته‬ ‫نجــح الكتــاب ولقــي إقبا ً‬
‫دائــرة العالقــات االجتماعيــة‪ ،‬ومــن هنــا يصبــح «المقيــل» مجتمعـ ًا‬ ‫ـؤرخ اليمنــي الدكتــور علــي محمــد زايــد‬ ‫المـ ِّ‬
‫العربيــة التــي قــام بهــا ُ‬
‫ّ‬
‫صغيــراً‪ ،‬أو صالونـ ًا نخبويـ ًا ال يلتحــق بــه الصنعانــي دون مواصفــات‬ ‫ونشــرت فــي ثــاث طبعــات‪ ،‬األولــى عــام ‪ ،2002‬والثانية فــي ‪،2004‬‬
‫متفــق عليهــا لتحقيــق غايــات نفســية واجتماعيــة وأخــرى لهــا صلــة‬ ‫والثالثــة فــي ‪ .2006‬وقــد خضعــت ترجمــة هــذا الكتــاب‪ ،‬الــذي هــو‬
‫‪147‬‬ ‫أبريل ‪138 2019‬‬
‫ـدده مجموعــة أعــراف صارمــة‪.‬‬ ‫الــذي تحـ ِّ‬ ‫باالختــاف واالختيــارات الممكنــة مــن داخــل الثقافــة الواحــدة‪.‬‬
‫ارتبــط «المقيل» باســتهالك (القات)‪ ،‬ولفهــم هذه العالقة العضوية‬ ‫يــروي جــان المبيــر فــي كتابــه «طــب النفــوس» مــن خــال تجربــة‬
‫يســتدل المبير بتحليل باحثة أنثربولوجية اســمها (ســيال وير)‪ ،‬التي‬ ‫حياتيــة‪ ،‬فيقــول فــي المســتهل‪ :‬لــم تتضــح لــي هــذه المعانــي ّإل‬
‫تــرى بــأن طقــس اســتهالك (القــات) «تحــاك مــن حوله شــبكة رمزية‬ ‫ـددة تنتــج‬
‫بعــد معايشــة طويلــة لـ«المقايــل»‪ .‬ويقصــد معانــي متعـ ِّ‬
‫كثيفــة يندمــج فيهــا مــا هــو اجتماعــي‪ ،‬ومــا هــو فيزيولوجــي‪ .‬وقــد‬ ‫فــي تداخلهــا نســق ًا مــن الرمــوز والــدالالت التــي تؤطِّ ــر الشــخصية‬
‫أصبحــت هــذه المــادة‪ ،‬مــن حيــث هــي مبــرر للتآلــف االجتماعــي‪،‬‬ ‫اليمنيــة وأنمــاط ســلوكها االجتماعــي‪ ،‬ســتقف عليهــا هــذه القــراءة‬
‫موضــوع عقيــدة توهم‪ -‬ليســت دون آثــار‪ -‬على الوقائع الموســيقية‪،‬‬ ‫المو ِّلــدة لبنيــة‬
‫مــن خــال مــا يمكــن تســميته بالمعانــي المفتاحيــة ُ‬
‫وتعبــر عــن مجموعــة مــن التقاليــد الشــفوية التــي يحتمــل أنهــا‬ ‫ِّ‬ ‫العالمــات والرمــوز‪ .‬علــى أننا حتــى وإن اعتمدنا مبــدأ التلخيص كما‬
‫ـداً»‪ .‬ومــادام االســتهالك يتــم بطريقــة جماعيــة فإنــه مــن‬ ‫قديمــة جـ ّ‬ ‫ســبقت االشــارة‪ ،‬فإنــه فــي المحصلة ســنضطر إلــى تكملــة فكرة من‬
‫المهــم اختيــار األصحــاب‪ ،‬وهكــذا تتقاطــع فــي أدب الجلســة داخل‬ ‫آخــر الكتــاب بعدمــا نكون قــد اســتأنفناها من أوله‪ ،‬وهكــذا دواليك‪،‬‬
‫«المقيــل» ثالثيــة التــراث الصوفــي فــي عــادة الســماع واالحتفــال‬ ‫نظــر ًا لطبيعــة الكتــاب التحليليــة التــي ترتــد وتتــرك أصـ ً‬
‫ـداء فــي هذه‬
‫ـددات‪ ،‬هي الزمــان والمــكان واألصحاب‪.‬‬ ‫الروحانــي وفقـ ًا لثالثــة محـ َّ‬ ‫الفقــرة أو تلــك بغايــة التوضيــح أو لربط الســياقات بمسـ ِّـبباتها‪ ،‬كما‬
‫وبالتقســيم الثالثي نفســه تبرمج الحصة الزمنية في «المقيل»‪ ،‬فعلى‬ ‫علينــا أن نأخــذ بعيــن االعتبــار كون «طــب النفوس» مكتوب ًا بأســلوب‬
‫الطريقــة الســامية القديمــة يبــدأ اليــوم في اليمــن عند الغــروب‪ ،‬لكن‬ ‫ـدة‪ ،‬فالكاتــب يجمــع بيــن علــم االجتمــاع‬ ‫تتداخــل فيــه أســاليب ِعـ ّ‬
‫قبــل ذلــك‪ ،‬وفــي المرحلــة األولى يصــل رواد «المقيل» عنــد الظهيرة‪،‬‬ ‫واألنثروبولوجيــا وعلــم الموســيقى‪ ،‬وكذلك أدب الرحلــة والربورتاج‬
‫ـم يأخــذون أماكنهــم‬ ‫يحيــون الحضــور الــذي ســبقهم إلــى المجــيء‪ ،‬ثـ ّ‬ ‫ٍ‬
‫ـهادات وشــواهد فلســفية‪...‬‬ ‫الصحافــي‪ ،‬كمــا يعتمــد علــى شـ‬
‫ـك حزم (القــات)‪ .‬وبعد ذلك تأتي «ســاعة‬ ‫فــي أجــواء مرحــة يرافقها َفـ ّ‬
‫ـول الحديــث إلــى تبــادل األخبــار والمعلومــات والرؤى‪،‬‬ ‫األنــس» فيتحـ َّ‬
‫الساعة السليمانية يف املقيل‬
‫ويتأمل اســتقبا ً‬
‫ال‬ ‫َّ‬ ‫ـم يليهــا الصمــت‪ ،‬حيــث يغــرق كلّ واحــد فــي ذاتــه‬ ‫ثـ ّ‬ ‫ينطلــق المبيــر إذاً‪ ،‬مــن فضــاء «المقيــل»‪ ،‬مــن (مســرح) الغنــاء‬
‫لـ«الســاعة الســليمانية»‪ .‬إنها ساعة الغوص في الفكر‪ ،‬وضياع النظرة‬ ‫الصنعانــي‪ ،‬إذا جــاز القــول‪ ،‬ومــادام هــذا الفضــاء نخبويــاً‪ ،‬فــإن‬
‫تأمل الشــمس الغاربة‪ ،‬كما يصــف المبير‪« :‬حيث‪،‬‬ ‫فــي الفــراغ‪ ،‬أو فــي ُّ‬ ‫الحديــث عن «جلســات الطرب» داخله يجــري مثلما يجري الحديث‬
‫غالبـ ًا مــا يوجــد لــدى عشــاق الموســيقى والغنــاء‪ ،‬بالقــرب مــن مــكان‬ ‫عــن «جلســات األدب»‪ ،‬ومــن َث َّم يســتقي المبير تشــبيهه لـ«المقيل»‬
‫«المقيــل»‪ ،‬عصافيــر مختــارة لموهبتهــا فــي الهمس والشــدو‪ ..‬وهكذا‬ ‫مؤسســة ذكوريــة بالصالونــات األوروبيــة فــي بدايــة‬ ‫َّ‬ ‫مــن حيــث هــو‬
‫التأمــل ُحلــةً صوتيــة‪ ،‬تشــمل جلبــة الريــح فــي األشــجار‪..‬‬ ‫ُّ‬ ‫يكتســي‬ ‫ـدد‬‫القــرن العشــرين‪ ،‬بــل ويقــف علــى أثرهمــا المشــترك الــذي يتحـ َّ‬
‫تشــكل جميــع هــذه العناصــر موســيقى العالــم الــذي يفشــي ســر‬ ‫انطالقـ ًا مــن كــون كال الفضاءيــن يخلقــان ألفــة اجتماعيــة مفتوحــة‬
‫وجــود منظَّ ــم عظيــم‪ ...‬وإذ ترتبــط هــذه الســاعة بالنبــي ســليمان‪،‬‬ ‫محددة تمامـاً‪ .‬واأللفة‬
‫َّ‬ ‫علــى الخــارج‪ ،‬في إطار شــبكة مــن العالقات‬
‫فألنــه اهتم بالشــعراء والموســيقيين‪ ،‬وائ ُتمرت لــه العصافير والجن‪،‬‬ ‫هنــا كمــرادف للتماســك االجتماعــي‪ .‬ونفهــم مــن هــذا أن «المقيــل»‬
‫ال غروب الشــمس‪..‬‬ ‫متأم ً‬
‫وألنــه الحكيــم الــذي يفكِّر في جمــال العالم ِّ‬ ‫ليــس مــكان تســلية أو لهــو؛ فحينمــا تفــرغ الشــوارع مــا بيــن وقــت‬
‫ـؤدي فريضــة الصــاة»‪ .‬ويحاكي‬ ‫ضحــى بمتعــه األرضيــة كي يـ ِّ‬ ‫كمــا أنــه َّ‬ ‫تنــاول الغــداء وغــروب الشــمس‪ ،‬يتكــئ النــاس بارتيــاح فــي دواوين‬
‫تقســيم الزمــن فــي «المقيــل» هــذه التضحيــة‪ ،‬حيــث ينضــب التدفــق‬ ‫ـمى «مفــارج»‪ ،‬أي مــكان اإلفــراج واالســترخاء‪ .‬فهــل‬ ‫اجتماعيــة تسـ َّ‬
‫الموســيقي حــال أذان المغــرب‪ ،‬فيعيــد العــازف عــوده إلــى الخبــاء‪،‬‬ ‫الفلحيــن المتعبيــن‪ ،‬بحيــث يجــدون‬ ‫يكــون مرتــادو «المقيــل» مــن َّ‬
‫ويســتمع الجميــع إلــى نــداء الصــاة‪ .‬إن الســاعة الســليمانية ســاعة‬ ‫فــي هــذا الفضاء فســحةً للراحــة؟‪ .‬إن هذا الســؤال ال يطرحه المبير‬
‫الحكمــة ومــا وراء الطبيعة‪ ،‬لذلك غالب ًا مــا ال تضاء مصابيح الكهرباء‬ ‫ـرر اســترخاء اليمنييــن داخــل «المقيــل»!‪ .‬لكنــه‬ ‫فــي بحثــه عــن مبـ ِّ‬
‫لكــي يبقــى الحضــور بيــن النــور والظــام‪ ...‬وإن أذان صــاة المغــرب‬ ‫ـم‬
‫تســاؤل يحيلنــا‪ ،‬بواقــع الحــال‪ ،‬علــى طقــس «مضــغ (القــات)» ثـ ّ‬
‫التأمــل‪ .‬ويصــف المبيــر هــذه‬
‫ُّ‬ ‫هنــا يبقــي علــى مســافة مقبولــة لهــذا‬ ‫اعتمالــه مــع الموســيقى والغنــاء داخــل فضــاء لــه نظامــه الداخلي‬
‫أبريل ‪138 2019‬‬ ‫‪148‬‬
‫أو «الصدمــة» التــي ترمــي إلــى «هــز المســتمع مثــل شــجرة لتســقط‬ ‫المســافة‪ ،‬بكونهــا تحتفــظ للمجتمــع والديــن بحقوقهمــا‪ ،‬فيفرضــان‬
‫الفاكهــة منهــا» أو «لــي مشــاعره كمــا تعصــر الثيــاب عنــد تجفيفها»‬ ‫حدودهمــا علــى اللهــو والموســيقى‪ .‬وهــذا مــا يحيلنــا إلــى أن خل ـ ً‬
‫ا‬
‫ولَعــلّ هــذا مــا يلخصــه الشــرط المطلــوب فــي العــازف‪ :‬أن يجعــل‬ ‫ربمــا كان مــن بيــن أســباب منــع الســلطة اإلماميــة‬ ‫فــي هــذه الحــدود َّ‬
‫العــود ينطــق (يخليــه يتك َّلــم‪ ،‬كمــا يقولــون)‪...‬‬ ‫وربمــا كان تج ُّنــب‬
‫ـاض ليــس ببعيــد!‪َّ .‬‬ ‫للموســيقى فــي صنعــاء حتــى مـ ٍ‬
‫ولكــي يكــون العــازف طبيبـاً! يرجــع المبيــر إلــى ليفــي شــتراوس فــي‬ ‫الــكالم فــي الســاعة الســليمانية‪ ،‬مخافــة قــول مــا ال يليــق بمقــام على‬
‫حديثــه عــن «العضــو المبتــور»‪ ،‬وإلــى رويت في حديثه عــن «العيب‬ ‫عتبــة القلــوب‪ ،‬ال حاجــة فيــه للكلمــات‪ ...‬وإنمــا تســتمد التعبيــرات‬
‫الــذي يجــب إصالحــه»‪ ،‬وذلــك لمقاربــة لفــظ «طــب النفــوس»‪،‬‬ ‫طاقتهــا مــن اإلجمــاع حــول الصمــت‪ ،‬إنها ســاعة حلم اليقظة‪ ،‬يســبح‬
‫ويخلــص إلــى أن االثنيــن اعتمــدا اســتعارات مــن طبيعــة العمليــات‬ ‫فيهــا «المخـ ّزن» فــي مجــرى الذاكــرة واالنتمــاء‪ ،‬إلــى أن تو ِّلــد المتعــة‬
‫الجراحيــة‪ .‬فــأي مــرض يمكــن عالجــه بمهمــة «طــب النفــوس»؟‪..‬‬ ‫ـدد لــه‪ ،‬وال وجهــة‪ ،‬وال إدراك‪،‬‬ ‫الشــعور بالطفــو البحــري‪ ،‬الــذي ال محـ ِّ‬
‫العربية اإلســامية التي تقابل‬‫ّ‬ ‫ويسترســل المبيــر ذاهبـ ًا إلــى الثقافــة‬ ‫إلــى أن يمتــد الشــفق مخلِّفـ ًا انطباعـ ًا بــأن الزمــن قــد تو َّقــف‪ ...‬ويكــون‬
‫بيــن الجســد والروح‪ ،‬كما الفلســفة األفالطونيــة‪« :‬حيث يجب عالج‬ ‫ـرر مــن هــذا الحــال والعــودة إلــى الزمــن المــادي‪ ،‬فــور ســماع‬ ‫التحـ ُّ‬
‫النفــس‪ ،‬ألنهــا الرمــز األعلــى لجــرح جوهــري‪ ،‬وجــودي‪ ،‬كامــن فــي‬ ‫المــؤذِّ ن‪ ،‬وتســاعد عبــارات مثــل‪( :‬آنســت!‪ ،‬آنســت وحــرس!‪ ،‬أنتــم‬
‫ٍ‬
‫«صوت‬ ‫يوحد في‬‫ـن ِّ‬‫ثمة فــإن «طب النفوس» فـ ٌّ‬ ‫أعمــاق الكائــن‪ .‬ومــن َّ‬ ‫األنــس!‪ ،)...‬التــي يتــم تبادل ترديدها عند نهاية الســهرة‪ ،‬على العودة‬
‫متناغــم» األجــزاء المفصولــة مــن الكائــن بفضــل المجــازات التــي‬ ‫إلــى الــكالم العــادي‪ ،‬بعدمــا يكــون (المقيلــون) قــد أبحــروا فــي عوالم‬
‫يقدمهــا اتحــاد الشــعر والموســيقى‪ ،‬معيــد ًا هــذا الكائــن إلــى حالــة‬ ‫ِّ‬ ‫ال قيمــة للــكالم العــادي فيهــا‪.‬‬
‫ال وأطيــب صحــة»‪.‬‬ ‫ســابقة يفتــرض أنهــا أكثــر كمــا ً‬ ‫هكــذا تجــري النشــوة الموســيقية فــي «المقيــل» علــى تخــوم الكالم‬
‫يعبــر المبيــر‪ ،‬أو بتعبيــ ٍر آخــر‪ ،‬عنــد زوال هــذه‬ ‫والصمــت‪ ،‬كمــا ِّ‬
‫تاريخٌ منيس وعازفون عىل الهامش‬ ‫التخــوم‪ .‬إنهــا لحظــات خــارج الزمــن‪ ،‬وليســت مــن العمــر‪ .‬نفهــم‬
‫محمــد مرشــد ناجــي فــي كتابــه‬ ‫َّ‬ ‫ا عــن التلخيــص الــذي ضمنــه‬ ‫نق ـ ً‬ ‫مــع المبيــر‪ ،‬بــأن مجــازات «المقيــل» تقــوم علــى تجربــة داخليــة‬
‫«الغنــاء اليمنــي القديــم ومشــاهيره» ال بأس‪ ،‬مادامــت اإلحالة أكثر‬ ‫دواء للنفوس؟‪ ،‬ومن‬ ‫ً‬ ‫تحركهــا الموســيقى‪ .‬أليــس الغناء الصنعانــي‬ ‫ِّ‬
‫دقــة‪ ،‬أن نســتدل بمــا ورد فيــه مــن كتاب «شــعر الغنــاء الصنعاني»‬ ‫ثمــة يعــرف هــذا التــراث بـــ «طــب النفــوس»‪ .‬إن اليمنييــن مــن قديم‬ ‫َّ‬
‫تتبــع‬
‫محمــد عبــده غانــم؛ ذلــك «إنــه مــن خــال ُّ‬
‫َّ‬ ‫لمؤلِّفــه الدكتــور‬ ‫الزمان اتخذوا من الموســيقى لغة مشــاعرهم‪ ،‬وكان عازف المزمار‪،‬‬
‫صفحــات التاريــخ فــي العصريــن األمــوي والعباســي‪ ،‬فــإن الباحــث‬ ‫كمــا ينقــل المبيــر‪ ،‬يتباهــى بقدرتــه علــى جعــل المزارعيــن فــي أعلى‬
‫العربية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫لــم يجــد ّإل اســم (ابن طنبــورة) اليمني من جنوب الجزيــرة‬ ‫الجبــل يتر َّنحــون طربـ ًا وهم ال يشــعرون‪ ،‬بل لقد اشــتهر أحد عازفي‬
‫ويظــلّ الفــراغ فــي ســجل الموســيقيين اليمنييــن حتــى آخــر ّأيــام‬ ‫القنبــوس بقدرتــه علــى إســالة دمــوع الســامعين‪ .‬أليســت كلمــة‬
‫(بنــي نجــاح) فــي زبيــد فنســمع بأسـ ٍ‬
‫ـماء يمنيــة فــي عالــم الغنــاء‬ ‫العربيــة القديمــة‪ ،‬بيــن المتعة‬ ‫«طــرب» نفســها تجمــع فــي الثقافــة‬
‫ّ‬
‫اليمنــي‪ .‬وفــي الفتــرة (األيوبيــة) ومــا تالهــا مــن العصــر (الرســولي)‬ ‫ـكلٍ‬
‫واللــذَّ ة وبهجــة الــروح‪ ،‬وصدمــة األحاســيس؟‪ ...‬إنــه بشـ عــام ما‬
‫ـن بــرزوا مــن‬
‫تظــلّ جميــع الســجالت التاريخيــة صامتــة عــن ذكــر َمـ ْ‬ ‫يعتمــل‪ ،‬بكامــل األصالــة‪ ،‬عنــد ســماع اليمنييــن للغنــاء الصنعاني‪،‬‬
‫وإن كان فــي بعض ســجالت العصر (الرســولي)‬ ‫المغنيــن اليمنييــن‪ْ .‬‬ ‫وهــذا مــا جعلهــم يطلقــون كلمــة «طــرب» علــى العــود نفســه‪ ،‬كمــا‬
‫ـن الموســيقى‬ ‫إشــارة واضحــة إلــى الــدور المهــم الــذي كان يلعبــه فـ ّ‬ ‫ـد أن صنعاني ًا نســب كالم ًا خيالي ًا آللــة القنبوس‪،‬‬ ‫وصــل األمــر إلى َحـ ّ‬
‫والرقــص فــي األفــراح واالحتفــاالت التــي تقيمهــا الدولــة‪ ...‬وحتــى‬ ‫ممــا لفــت انتبــاه المبيــر فــي موضــع آخــر مــن كتابــه ليربــط هــذا‬ ‫ّ‬
‫فــي ّأيــام (بنــي طاهــر) نجــد الســجالت خلــوة مــن أســماء مشــاهير‬ ‫االتحــاد بيــن صــوت اإلنســان وصــوت اآللــة مــن خــال مفهوميــن؛‬
‫الغنــاء حتــى نصــل إلــى ّأيــام اإلمــام الزيــدي شــرف الديــن يحيــى‬ ‫األول هــو لفــظ «وجــد»‪ ،‬الــذي يعنــي اكتشــاف مــا هــو روحــي كمــا‬ ‫َّ‬
‫معاصــر الملــك الطاهــري‪ ،‬وإلــى ّأيــام ابنــه المطهــر فنســمع عــن‬ ‫يقــول الغزالــي‪ ،‬أو إيجــاد شــيء لــم يــدرك مــن قبــل داخــل النفس‪.‬‬
‫ف َّنــانٍ قديــر يعــزف ويغنــي فــي قصــر الحاكــم التركــي بصنعــاء»‪.‬‬ ‫والثانــي هــو لفــظ «طــرب»‪ ،‬الذي يخلف ذلــك التأثير غيــر المنضبط‪،‬‬
‫‪149‬‬ ‫أبريل ‪138 2019‬‬
‫هنــا وأخــرى هنــاك عندمــا يقتضي الحــال‪ ،‬أو ليعيــد التذكير بجفاف‬ ‫ـر‬‫عاصــر‪ ،‬يقـ ّ‬‫الم ِ‬ ‫ال إلــى التاريــخ ُ‬ ‫وأمــام هــذا الفــراغ التاريخــي وصــو ً‬
‫المصــادر التاريخيــة والتســجيالت الصوتيــة فيمــا هو بصــدد تحليله‬ ‫المبيــر أنــه باســتثناء البــدء مــع األســطوانة الرائــدة التــي أصدرهــا‬
‫ينبهنــا فــي معــرض حديثــه عــن تاريــخ أقــدم‬ ‫والحكــم عليــه؛ فهــو ِّ‬ ‫لســلو ســنة ‪ ،1951‬فــإن التســجيالت الصــادرة مــن منظــور علــم‬
‫ممــا هــو فــي صنعــاء يخــص الغنــاء؛ «نعــرف أن كتابيــن مفقوديــن‬ ‫ّ‬ ‫أما الدراســات‬ ‫ـد علــى أصابــع اليد الواحــدة‪ّ .‬‬ ‫دراســة الموســيقى‪ُ ،‬ت َعـ ّ‬
‫اليــوم أُلِّفــا فــي العصــر الرســولي حــول بعــض األلحــان‪ .‬وفــي تلــك‬ ‫الموســيقية فمــا تــزال نــادرة‪ .‬ومــن هنــا لم تــدرس موســيقى صنعاء‬
‫الفتــرة كانــت تصنــع فــي ســوق تعز خمســة أصناف مختلفــة من آلة‬ ‫مثلمــا درســت األلــوان اإلقليميــة األخــرى‪ ،‬ولذلــك مــا تــزال بكــراً‪.‬‬
‫الربــاب‪ .‬وكذلــك أشــكالٌ مختلفــة مــن الطبــول والدفــوف‪ .‬وبانتقــال‬ ‫َّ‬ ‫المؤلَّفــات المحل ّّيــة فــا تتنــاول الموســيقى مباشــرةً‪ ،‬وإنمــا عن‬ ‫أمــا ُ‬
‫ّ‬
‫ـي من البالط الرســولي الباذخ إلى بــاط أئمة الزيدية‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫الفَ‬ ‫ـون‬ ‫ـ‬ ‫الل‬ ‫ـذا‬ ‫هـ‬ ‫طريــق الشــعر؛ حيــث يجــري غالب ـ ًا تجاهــل الموســيقى واعتبارهــا‬
‫ٍ‬
‫ـول مــن نشــاط عام يشــجعه‬ ‫همــة‪ ،‬فتحـ َّ‬ ‫ـر بتغييــرات ُم َّ‬ ‫تقشــف‪ ،‬مـ ّ‬ ‫الم ِّ‬‫ُ‬ ‫ؤرخين بالشــعر‬ ‫جانبـ ًا ثانويـاً‪ .‬هكذا‪ ،‬يســتعيض المبير وغيره من ُ‬
‫الم ِّ‬
‫ـن نخبــوي وســري‪ ،‬وخاضــع لرقابــة‬ ‫ٍّ‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫ـى‬‫ـ‬ ‫إل‬ ‫ـعبيون‬ ‫ـ‬ ‫الش‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫ف‬‫تصو‬
‫ِّ‬ ‫الم‬‫ُ‬ ‫ـمى حديثـ ًا بـ«الغنــاء الصنعانــي» مــن‬ ‫عــن الوثائــق‪ ،‬ذلــك أن مــا ُيسـ َّ‬
‫رجــال الديــن المتزايــدة»‪.‬‬ ‫الفنــون المتقنــة التــي انتقلــت شــفاهياً‪ ،‬وعلــى العكــس فإن الشــعر‬
‫ـن فــي صنعــاء أنــه «فــي عهــد‬ ‫السـ ِّ‬
‫وفــي روايــات أخــرى عــن كبــار ِّ‬ ‫ينتقــل كتابيـاً‪ ،‬وعلــى هــذا االعتبــار ال يمكــن تحديــد ينابيــع الغنــاء‬
‫اإلمــام‪ ،‬كان هــواة الموســيقى يســدون جميــع الفتحــات بالوســائد‬ ‫األول ّإل مــن خالل تراث الشــعر «الحميني»‪ ،‬الذي يعود‬ ‫الصنعانــي َّ‬
‫والفــرش ليتمكَّ نــوا مــن العــزف دون أن يســمعهم أحــد‪ ...‬ويحكــي‬ ‫إلــى أزيــد مــن ســتة قــرون خلت‪ .‬لكــن‪ ،‬إذا جاز لنــا الســؤال‪ ،‬هل بدأ‬
‫شــاهد أن متملق ًا ذهب ذات يوم يشــتكي قائالً‪ :‬ســمعت من نافذتي‬ ‫فــي صنعــاء غناؤهــا المنســوب لهــا؟ هنــا يحيلنــا المبيــر علــى الوارد‬
‫جــاري يغنــي‪ .‬فأجابــه اإلمــام بســخرية‪ :‬ســد نافذتك»‪ .‬هكذا ســاهم‬ ‫فــي هــذا الســياق‪« :‬لــم تشــهد منطقــة صنعــاء الشــعر «الحمينــي»‬
‫التكييــف الصوتــي للفضــاء‪ ،‬حســب المبيــر‪« ،‬فــي وضــع قواعــد‬ ‫ـن مدينــة صنعــاء‬ ‫ّإل منــذ نهايــة القــرن الســادس عشــر‪ .‬إذ لــم تكـ ْ‬
‫فيســتر فعــل الموســيقى‪ ،‬كمــا ُتســتر بعــض أعضــاء‬ ‫لالحتشــام» ُ‬ ‫األهميــة السياســية التــي أصبــح لهــا‬ ‫ِّ‬ ‫قــد اكتســبت فــي تلــك الفتــرة‬
‫الجســد‪ ...‬وعلــى هــذا النحــو نفهــم كيــف يغ ِّنــي الراعــي علــى تخوم‬ ‫بيــن االحتالليــن العثمانييــن (مــن القــرن الســابع عشــر إلــى القــرن‬
‫قبيلتــه‪ ،‬وكيــف تصبــح «المقايــل» و «الســمرات» فــي صنعــاء بدائل‬ ‫الثامــن عشــر)‪ ...‬كمــا أن العديــد مــن الفَ َّنانيــن فــي مطلــع القــرن‬
‫الخاصــة وفضــاءات محايــدة تحافــظ علــى الســمعة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫عــن البيــوت‬ ‫الخاصة‬
‫ّ‬ ‫العشــرين قــد هاجــروا إلى عــدن‪ ،‬حيث أوجــدوا مدرســتهم‬
‫إننــا نفهــم مــع المبيــر‪ ،‬بــأن تراكــم االلتفاف علــى الحواجــز المكانية‬ ‫متحمســة‪ ،‬حيــث كان أهــل‬ ‫ِّ‬ ‫بهــم‪ .‬وكانــت المناقشــات فيمــا بينهــم‬
‫ال موســيقية عديــدة تدبير االنفالت‬ ‫واالجتماعيــة مســألة علَّمت أجيا ً‬ ‫ـي‪،‬‬ ‫صنعــاء يدافعــون عــن فكــرة أن مدينتهــم أصــل هــذا اللــون الفَ ّنـ ّ‬
‫ـن باعتباره‬ ‫بحــذر ومرونــة مــن قيــود مجتمــع ينظــر إلــى ممارســة الفَ ـ ّ‬ ‫وأنهــا تحافــظ علــى تراثــه األصفــى‪ ،‬لكنهــم ال يســتطيعون إنــكار‬
‫نشــاط ًا مشــبوهاً‪.‬‬ ‫إســهام الفَ َّنانيــن الذيــن ليســوا مــن صنعــاء‪ ،‬مثــل علــي أبــو بكــر‬
‫وإذ تبدو الصورة الشــائعة عن المغني قد تفاقمت خالل الســاالت‬ ‫باشــراحيل ( ُتوفي ســنة ‪ ،)1953‬وصالح العنتري ( ُتوفي سنة ‪..)1965‬‬
‫ـد قريــب كان‬ ‫اإلماميــة‪ ،‬فــإن هــذا يجعلنــا نفهــم كيــف أنــه إلــى عهـ ٍ‬ ‫«والحقيقــة أنــه إذا أخذنــا فــي الحســبان التاريــخ اليمنــي المضطــر‬
‫ـن إلــى‬
‫ويــة‪ ،‬وال يــزال‪ ،‬تدفعــه ممارســته للفَ ـ ّ‬ ‫الموســيقي فاقــد ًا ُ‬
‫لله ّ‬ ‫فإنــه مــن الصعــب الجــزم بمرجعيــة لهــا ســبق االكتمــال والريــادة‪،‬‬
‫التهميــش االجتماعــي‪ ،‬مــا جعــل العوائــل تمنــع أبناءهــا مــن عــزف‬ ‫ومــن ناحيــة أخــرى فــا يخطــر علــى بــال أحــد النظــر إلــى األغنيــة‬
‫العــود لمــا فيــه مــن شــقاء علــى صاحبــه‪ .‬وأمــام هــذا الوضــع‪ ،‬كان‬ ‫عاصــرة علــى أنهــا مفصولــة عــن جــذو ٍر مجيــدة‪ ،‬وإن‬ ‫الم ِ‬ ‫الصنعانيــة ُ‬
‫المغنــي يتحالــف مــع الشــاعر األديــب باعتبــاره‪ -‬فــي الغالــب‪ -‬مــن‬ ‫ـر المبيــر مســتعيض ًا‬ ‫ال فــي أساســه كمــا يقـ ّ‬ ‫كان هــذا الماضــي مجهــو ً‬
‫وجهــاء النــاس‪ ،‬إنــه حافــظ الشــعر ونصيــر الفَ َّنانيــن يقــف إلــى‬ ‫بخيــار تحليــل التــراث الصنعانــي بمنهــج الوصــف التطبيقــي لمــا‬
‫صالتــه برجــال اإلدارة واألعمــال والسياســة‪ ...‬ومقابل‬ ‫جانبهــم عبــر ِ‬ ‫هــو متو ِّفــر مــن ألحــانٍ (مئتــي لحــن) ومقامــات وتقنيــات فــي الغناء‬
‫ذلــك يعــزف الموســيقي فــي «مقيلــه»‪ ..‬وبفضــل هــذه الخدمــة‬ ‫وأمــا التأريــخ‪ ،‬فالواضــح أنــه ليــس مــن أولويــات كتــاب‬ ‫والعــزف‪ّ .‬‬
‫لــأول‬
‫َّ‬ ‫تبادلــة نشــأت تبعيــة المغنــي لألديــب الــذي يضمــن‬ ‫الم َ‬ ‫ُ‬ ‫وإن كان بيــن الفينــة واألخــرى يعــرج على معلومــة تاريخية‬ ‫المبيــر‪ْ ،‬‬
‫أبريل ‪138 2019‬‬ ‫‪150‬‬
‫الموســيقية ثانويــة تمامـ ًا بالقيــاس إلــى وظيفــة الغنــاء فــي الحيــاة‬ ‫ـتمر النــاس‬ ‫عالقــات متوازنــة بالوســط االجتماعــي‪ ،‬ورغــم ذلــك اسـ ّ‬
‫واإلنتاجية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫االجتماعيــة‬
‫ّ‬ ‫ا وقــوة»‪ .‬غيــر أن‬ ‫ـخص «ناقــص عق ـ ً‬ ‫فــي النظــر إلــى المغنــي كشـ ٍ‬
‫هــذه الوضعيــة تتق َّلــص كلّمــا ســعى المغنــي إلــى تكريــس صــورة‬
‫القنبوس‪ ..‬ليس مجرَّد آلة‬ ‫«الهــاوي» بتج ُّنبــه الغنــاء فــي األعــراس والظهــور العــام‪ ،‬مقابــل‬
‫لتوضيح تماثل اآللة الموســيقية مع جســد اإلنســان الذكر (الطفل)‬ ‫يتقدمها‪ .‬إن ادعاء‬ ‫َّ‬ ‫اتخاذه الموســيقى متعة شــخصية ال غرض آخر‬
‫يصــف المبيــر آلة القنبــوس قائالً‪ :‬لألجزاء المختلفــة من آلة الطرب‬ ‫«الموســيقي الهــاوي» كمــا يســتنتج المبيــر‪ ،‬يســمح بإصــدار رســالة‬
‫متنوعة لجميعها دالالت تشــبهها بجسد اإلنسان (الجلد‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫تســميات‬ ‫ضمنيــة ُتصــاغ علــى النحــو التالــي‪« :‬إذا كنــت موســيقياً‪ ،‬إنمــا أنــا‬
‫الرقبــة‪ ،‬الصــدر‪ ،‬البطــن‪ ،)...‬وبهــذه الصــورة يحيلنــا المبيــر علــى‬ ‫كذلــك مــن أجــل المتعــة الشــخصية‪ ،‬مــع أننــي أســتطيع أن أعمــل‬
‫أول مــن صنــع آلــة‬ ‫ـي األصليــة التــي تقــول‪ :‬إن َّ‬ ‫أســطورة العــود العربـ ّ‬ ‫شــيئ ًا آخــر‪ ،‬ولســت مضطــر ًا لذلك ال بضــرورة اقتصاديــة‪ ،‬وال بوضع‬
‫العــود هــو المــك (هــو أب يوبــال‪ ،‬الذي هو بــدوره «أب جميــع أولئك‬ ‫ـن يكســب المــال دون أن‬ ‫عائلــي»‪ .‬وفــي الواقــع كان مــن الهــواة َمـ ْ‬
‫الذيــن يعزفــون القيثــارة والشــبابة»‪ ،‬حســب الترجمــة المســكونية‬ ‫يبــوح بذلــك‪ ..‬كان عليــه فقــط ّأل يناقش التعويض المادي مســبقاً‪،‬‬
‫ـل ابنــه فــي‬ ‫لإلنجيــل)‪ ،‬وهــو شــخصية عاشــت قبــل الطوفــان‪ُ ،‬ق ِتـ َ‬ ‫حتــى يتــرك للكــرم القبلــي فرصــة الجــود عليــه‪.‬‬
‫ـروف غامضــة‪ ،‬فظــل يبكــي ابنــه الــذي علقــت جثتــه علــى غصــن‪.‬‬ ‫ظـ ٍ‬ ‫وإن حصــل االعتــراف بالمغنــي قديمـ ًا أو حديثـاً‪ ،‬فإن ذلــك يتم وفق‬
‫وعندمــا ســمع صــوت الريــح تهــب وتخلــل أحشــاء الولــد الميــت‬ ‫تأثيــرات جانبيــة فاعلــة واقعيـاً؛ ففــي اليمن‪ ،‬كمــا في بلــدانٍ أخرى‪،‬‬
‫ـم‬
‫خطــرت لــه فكــرة أن يشــد تلــك األحشــاء ويصنــع منهــا أوتــاراً‪ ،‬ثـ ّ‬ ‫اتخــذ التراتــب االجتماعــي فــي الريــف معاييــر عشــائرية‪ ،‬بينمــا فــي‬
‫يجعــل مــن الحــوض لوحــة تناغــم‪ ،‬ومــن عظــم الــذراع مقبض ـاً‪،‬‬ ‫المــدن ُيضــاف إلــى هــذه المعاييــر الوضــع االقتصادي‪ .‬وهكــذا‪ ،‬فإن‬
‫ومــن األصابــع مفاتيــح (عــن المســعودي)‪.‬‬ ‫تترســب تقديرات المجتمع‬ ‫َّ‬ ‫ما بين أعلى الســلم االجتماعي وأســفله‬
‫وكمــا لفــت نظرنــا المبيــر بتســجيل يظهــر فيــه عازفـ ًا علــى القنبــوس‪،‬‬ ‫ـد‬‫لنفســه‪ ،‬مــن خــال طبيعــة المهــن التــي يزاولهــا الفــرد‪ ،‬إذ ُت َعـ ُّ‬
‫خاصـ ًا عــن هــذه اآللــة‬ ‫ّ‬ ‫فإنــه بعــد كتــاب «طــب النفــوس» أ َّلــف كتابـ ًا‬ ‫بعــض المهــن الحرفيــة َأقــلّ شــأن ًا مــن أخــرى‪ ،‬وكذلــك ُيص َّنــف فــي‬
‫ـاء صنعانــي بدونهــا‪ ،‬بــل إنهــا اآللــة‬ ‫الموســيقية التــي ال يســتقيم غنـ ٌ‬ ‫ـكوك‬‫ـؤدي إلــى شـ ٍ‬ ‫دائــرة المهــن «الوضيعــة» كلّ مــا مــن شــأنه أن يـ ِّ‬
‫الوحيــدة التــي ترافــق غنــاء المدينــة‪ .‬والظاهــر أن كتابه عــن القنبوس‬ ‫فــي االســتقامة الخلقيــة‪ ،‬كالسماســرة وأصحــاب المقاهــي‪ ،‬وكذلك‬
‫األول‪ ،‬ســواء من حيث‬ ‫هــو تفصيــل لمــا أورده عن هــذه اآللة في كتابه َّ‬ ‫«المزاينة» الذين هم موســيقيون محترفون‪ .‬وكان الموســيقي ُيعفى‬
‫تاريخهــا أو صنعهــا‪ ،‬أو تقنيــات عزف المقامــات واأللحان‪ ،‬وكذلك من‬ ‫ـؤد ف ّنــه مقابــل مبلــغ مــن المــال متفقـ ًا‬ ‫مــن هــذا التصنيــف مــا لــم ُيـ ِّ‬
‫حيــث شــخصية العــازف وعالقــات الموســيقيين‪ .‬وفيمــا يلــي تلخيص‪،‬‬ ‫تأصل‬ ‫وربما َّ‬ ‫عين غير جمهور «المقيل»‪َّ .‬‬ ‫عليه مســبقاً‪ ،‬أو لجمهور ُم َّ‬
‫متصــرف فيــه‪ ،‬فــي وصــف القنبــوس مــن «طــب النفوس»‪:‬‬ ‫هــذا التقديــر مــن كــون الموســيقى والغنــاء الشــائعين فــي اليمــن‬
‫فمــن حيــث التاريــخ‪ ،‬يذكــر المبيــر‪« :‬أنــه لــم يوجــد تــراث احتــراف‬ ‫اتصــا بشــكلٍ وثيــق باألنشــطة اإلنتاجيــة واالجتماعيــة؛ حيــث كان‬
‫صناعــة العناصــر المتصلــة بــاآلالت منــذ الفتــرة الرســولية‪ ،‬ولَعــلّ‬ ‫الريفيــون‪ ،‬ســواء تعلَّقــت المناســبة بالزراعــة أو البنــاء أو االحتفــاء‬
‫ـدد الديني‪ .‬فقــد كان النجارون أو الموســيقيون‬ ‫ذلــك يعــود إلى التشـ ُّ‬ ‫بشــرف القبيلة‪ ...‬يصاحبون هذه األنشــطة بالغنــاء‪ ،‬كـ«المهاجل»‪،‬‬
‫ـم الذيــن يصنعــون آلــة «الطــرب»‪ .‬ومــع ذلــك فــإن وجود‬ ‫أنفســهم هـ ّ‬ ‫ـمى عند النســاء بـ«الحــادي»‪ ،‬و«البرع»‪،‬‬ ‫وهــي أهازيــج العمل‪ ،‬وتسـ َّ‬
‫بعــض األنــواع ذات الجــودة العاليــة‪ ،‬مــن حيــث العمــل‪ ،‬ومــن حيث‬ ‫ثم األناشــيد‬ ‫التــي تغنــى في األحداث السياســية المرتبطة بالقبيلة‪ّ ،‬‬
‫ربما‬ ‫ـراً‪َّ ،‬‬
‫الص َّناع كانوا ينقلون مهاراتهم سـ ّ‬ ‫النغــم‪ ،‬يدعــو لالعتقاد بأن ُ‬ ‫الدينيــة‪ ،‬وأغانــي األعيــاد المرافقــة للرقــص فــي األعــراس‪« ...‬هــذه‬
‫تزمتـاً‪ ،‬مثل الحجاز في القرن التاســع‬ ‫فــي المناطــق المجــاورة ا َ‬
‫ألقــلّ ُّ‬ ‫األلــوان بدرجــات متفاوتــة تســهم فــي تماســك المجتمــع‪ ..»..‬ومــن‬
‫عشــر‪ ...‬وانتشــر هــذا العــود مــن عــدن‪ ،‬حيــث كان يعــرف باســم‬ ‫ـة أخــرى فــإن «الصفــات الوظيفيــة تعطــي لتلــك األلــوان قيمــة‬ ‫ناحيـ ٍ‬
‫«القنبــوس» إلــى مدغشــقر‪ ،‬وجــزر القمــر‪ ،‬وإندونيســيا‪ .‬ولــم يعــد‬ ‫ميــزة»؛ وهــي «إعــادة إنتــاج الفئــات المحلّيــة كمــا هــي»‪.‬‬ ‫أخالقيــة ُم ّ‬
‫يعـزِف علــى هــذه اآللــة فــي صنعاء ســوى حوالي عشــرة أشــخاص»‪.‬‬ ‫ــد المتعــة‬ ‫الرســمية ُت َع ُّ‬
‫ّ‬ ‫لكــن‪ ،‬يخلــص المبيــر‪ ،‬بأنــه مــن الناحيــة‬
‫‪151‬‬ ‫أبريل ‪138 2019‬‬
‫بدعــاء أو بيتيــن مــن الشــعر‪ ،‬ويمكــن بعــد ذلــك أن ينتقــل إلــى‬ ‫وأمــا مــن حيــث الصناعــة‪ ،‬فالقنبــوس أو (الطــرب) يحفــر فــي جــزع‬ ‫ّ‬
‫األغــراض الثالثــة األساســية لشــعر الغــزل؛ العتــاب‪ ،‬الفــراق‪،‬‬ ‫مــن خشــب المشــمش‪ ،‬ويغطــى جزئيـ ًا بلوحــة تناغــم تندمــج مــع‬
‫ويتأســس المثــال الجمالــي علــى‬ ‫التوســل والدعــاء‪...‬‬ ‫الوصــف‪،‬‬ ‫ـزء آخــر بجلــد الغنــم ممــا يعطيــه نغم ـ ًا أكثــر‬ ‫الملمــس‪ ،‬وفــي جـ ٍ‬
‫َّ‬ ‫ُّ‬
‫ـص‬ ‫مبــدأ رئيســي يعمــل علــى مســتويين‪« :‬إذ ينبغــي أن يتحــد النـ ّ‬ ‫عضويــة وغنــى فــي التناغــم من صوت العــود الحديــث‪« .‬كما جعله‬
‫وحــداً‪ ،‬هــو «المعنــى» و«المغنــى»‪.‬‬ ‫واللحــن حتــى يشــكال ك ً‬
‫ال ُم َّ‬ ‫حجمــه الصغيــر آلــة مثالية لعزف الموســيقى خالل فتــرات المنع»‪.‬‬
‫«يتوحــد صــوت اإلنســان وصــوت اآللــة علــى نحــوٍ‬ ‫َّ‬ ‫وينبغــي أيضـ ًا أن‬ ‫وعــدد أوتــار عــود صنعــاء التقليــدي ســبعة‪« :‬ثالثــة صفــوف مــن‬
‫وثيــق لخدمــة المعنــى‪ ...‬العــود يخــدم الصــوت‪ ،‬والصــوت يخــدم‬ ‫وتريــن مــن األمعــاء الغليظــة ووتــر فــردي معدنــي‪ ،‬وينظــر إليهــا‬
‫ـدد الجمــل اللحنيــة أساس ـ ًا باألبيــات واألشــطر‪،‬‬ ‫الكلمــات‪ ...‬وتتحـ َّ‬ ‫باعتبارهــا معـ ًا أربعــة أوتــار‪ ،‬ويكــون ائتالفهــا التقليــدي مــن الصوت‬
‫وهــذه العناصــر يقطعهــا عــازف اآللــة ويرممهــا علــى طريقتــه»‪ .‬فـــ‬ ‫الخفيــض إلــى الصــوت المرتفــع (دو‪ ،‬اليتيــم‪ /‬ري‪ ،‬الرخيــم‪ /‬صــول‪،‬‬
‫(العــود ينعطــف مــع البيــت‪ ،‬كمــا يقــول العازفــون اليمنيــون‪.)...‬‬ ‫مؤشــرات عن العزف‬ ‫ِّ‬ ‫األوســط‪ /‬دو‪ ،‬الحــازق) وتعطــي أســماء األوتار‬
‫ـتعمل أغلــب األلحــان نغمــة (صــول) كقــرار‪ ،‬متطابقـ ًا‬ ‫نفســه‪ ،‬إذ ُتسـ َ‬
‫ـص الشــعري‪...‬‬ ‫هكــذا‪ ،‬تقيــم تدخــات اآللــة حــوار ًا بارع ـ ًا مــع ال َّنـ ِّ‬
‫«يمكــن الحديــث عــن تواطــؤ بيــن األشــكال الشــعرية واألشــكال‬ ‫مــع ارتفــاع الوتــر األوســط المعــروف باســم «لســان اآللــة‪ ...‬لكــن‬
‫الموســيقية‪ ...‬يجــري البحــث عــن األثــر الموســيقي لبلــوغ هــدف‬ ‫الجــزء األكبــر مــن كلّ لحــن يميــل ألن يعــزف علــى وتــر (دو)‪ ،‬الــذي‬
‫ـمى «الســقيم»‪ ،‬أي المريــض‪ ،‬أو الــذي يجلــب ســقام الحــب‪...‬‬ ‫ُيسـ َّ‬
‫الشــعر علــى نحــوٍ أفضــل‪ ،‬وكمــا يقــول الفارابــي لــم ُتؤ َّلــف األلحــان‬
‫الرقــة والحنــان»‪.‬‬‫ِّ‬ ‫ـدوره‬ ‫ـ‬ ‫ب‬ ‫ـم‬
‫ـ‬ ‫الرخي‬ ‫ـس‬ ‫ـ‬ ‫ويعك‬
‫الكاملــة لمتعــة الحــواس وحدهــا‪ ،‬بــل لتوليــد صــور ٍة فــي النفــس‪،‬‬
‫يتضمــن لــون الغنــاء الصنعانــي‬ ‫َّ‬ ‫ـر‪،‬‬
‫ـ‬ ‫المبي‬ ‫وبتجميــع َأولــي قــام بــه‬
‫أو عاطفــة‪ ،‬وهــذه هــي مــا تســتمد كلمــات الشــعر منهــا الفوائــد‬
‫ـمى «معانــي»‪ ،‬تنــدرج مــن حيــث مظهرهــا‬ ‫حوالــي مئتــي لحــن ُتسـ َّ‬
‫المؤ ّلــف التحاد‬ ‫األهميــة النفســية التــي يعطــي هــذا ُ‬ ‫ِّ‬ ‫األعظــم‪ .‬ونــرى‬
‫وآالتهــا المصاحبــة في إطار المقامات المنتمية إلى الشــرق‪« ...‬لكن‬
‫الشــعر والموســيقى بهــدف إثــارة المتعــة الموســيقية أي «الطرب»‪.‬‬
‫روح األغنيــة اليمنيــة أكثــر اتباعـ ًا للحــن منهــا إلــى المقــام؛ فاللحــن‬
‫وال تتحقَّــق المتعــة ّإل بتقاســمها فــي «المقيــل»‪ ،‬وهكــذا يقيــم‬
‫هــو الوحــدة المفهوميــة األساســية‪ ،‬فــي حيــن لــم يحافــظ التــراث‬
‫الموســيقيون فيمــا بينهــم عالقــات طابعهــا الفرديــة‪ ،‬وفــي الوقــت‬
‫نظريــة للمقامــات‪ .»...‬ويمكــن تعريــف «القومــة»‬ ‫ّ‬ ‫علــى ّأيــة معرفــة‬
‫«يبــدي كلّ منهــم لآلخــر احترامـ ًا ظاهريـ ًا يســهم فــي األلفة‬ ‫نفســه‪ُ ،‬‬ ‫ال ُمركَّ ب ـ ًا يشــبه الـ«النوبــة» األندلســية‪.‬‬ ‫باعتبارهــا «وصلــة» أو شــك ً‬
‫وأل يعزف‬ ‫االجتماعيــة‪ .‬وتقتضــي طبيعة هذا الفَ ّن العــزف المنفرد‪ّ ،‬‬ ‫تخص جوانــب المقامات‬ ‫وإجمــاالً‪ ،‬يــرى المبيــر‪ ،‬أن المفاهيــم التــي‬
‫ّ‬
‫الموســيقيون معـ ًا قط‪ :‬وبغنــاء المغني العازف (الفَ َّنــان) الصنعاني‬ ‫للنظرية‪ ،‬مكتوبة‬ ‫قليلــة‪ ،‬ويبــدو فــي نظره؛ أن «هــذا الغياب النســبي‬
‫ّ‬
‫بخاصــة إلــى ّأيــة‬
‫ّ‬ ‫بمرافقــة العــود يكتفــي بنفســه تمامـاً‪ ،‬وال يحتــاج‬ ‫ـجع الموســيقيين اليمنيين علــى التفكير بعمليات‬ ‫أو شــفوية‪ ،‬قــد شـ َّ‬
‫آلــة إيقــاع‪ ...‬تقــوم األلفــة إذاً‪ ،‬ليــس علــى العــزف مع ـاً‪ ،‬بــل علــى‬ ‫التزييــن علــى نحــوٍ مجــازي خــاص‪ .‬وهكــذا يلجــأ كلّ موســيقي إلــى‬
‫تبــادل االســتماع بانتبــاه‪ .‬وإذا حضــر عــدد مــن الموســيقيين يتنــاول‬ ‫الحيــة مــن ف ّنــه‪ ،‬وغالبـ ًا مــا‬ ‫خيالــه لكــي يــدرك بالصنعــة الجوانــب‬
‫َّ‬
‫كلّ منهــم العــود ويتداولــون علــى العــزف‪ ،‬باســتقاللٍ تــام‪.»...‬‬ ‫المغ َّنــى‪ :‬لحن يجري كـ«ســيلٍ‬ ‫يســتمد مجــازات مــن مصــدر الشــعر ُ‬
‫ربمــا كانــت هــذه المشــاركة النموذجيــة قــد وجــدت جذورهــا فــي‬ ‫َّ‬ ‫متدفــق»‪ ،‬أو يمســي فــي داللٍ مثــل الغــزال‪ ،‬أو يتمايــل كغصــن بــان‬
‫أســطورة تنســب إلــى مدينــة كوكبــان الواقعــة علــى بعــد حوالــي‬ ‫فــي الريــح‪ ،»...‬لذلــك ال ِغنــى عــن معرفة الشــعر لفهم الموســيقى‬
‫أربعيــن كيلــو متــر ًا مــن صنعــاء‪ ،‬وهي مدينــة كانت مشــهورة بكونها‬ ‫اليمنيــة وممارســتها؛ إذ يؤثــر توضيــح أغــراض الشــعر علــى األداء‬
‫مهــد ًا للفنــون‪ ،‬يجــري فيهــا االجتمــاع في منــزل ُمع َّلــق رأس الجبل‪،‬‬ ‫الموســيقي‪ ،‬فيســمح الشــعر بحفــظ الموســيقى عــن ظهــر قلــب‪،‬‬
‫يطــل علــى منظـ ٍر مهيــب‪ ،‬هنــاك حيــث انتقل العــود عند كلّ جلســة‬ ‫ـؤدي التداخــل بيــن بناهــا‪ ،‬مــن حيــث تمازجهــا وتعاكســها‪ ،‬إلــى‬ ‫ويـ ِّ‬
‫ـد إلــى أخــرى‪ ،‬ولــم يجـ ِر االنتقــال إلــى األغنيــة التاليــة ّإل بعــد‬ ‫مــن يـ ٍ‬ ‫إغنــاء األداء‪...‬‬
‫أن يكــون (القنبــوس) قــد دار دور ًة كاملــة علــى الديــوان!‪.‬‬ ‫«بتوســل الرحمــة اإللهيــة‬ ‫ُّ‬ ‫يبتــدئ المغنــي فــي الغنــاء الصنعانــي‬
‫أبريل ‪138 2019‬‬ ‫‪152‬‬
‫‪153‬‬ ‫أبريل ‪138 2019‬‬

You might also like