You are on page 1of 152

‫كتاب‬

‫حكايات‬
‫الجن اليابانية‬
‫جمعها‬
‫يي ثيودو ار أوزاكي‬

‫ترجمها إلى العربية‬

‫نبيل المجللي‬

‫مقدمة الناشر‬
‫قصص الجان ل يذهب رونقها أبداا؛ً فهي مادة الحألما وحأياة الخيال‪ ،‬وهي خالدة في الروح‬
‫البشرية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫ككتتبت أساطير وحأكايات اليابان القديما الجميلة هذه‪ ،‬من أجل أطفال الغرب‪ ،‬وترجمها من‬
‫النسخة الحأديثة سادانامي سانجين‪ .‬إنها ليست ترجمات حأرفية‪ ،‬مع أنه تما الحأتفاظ بالقصة اليابانية‬
‫والتعبيرات اليابانية الطريفة بأمانة‪ .‬استخدما الجامع في بضعة مواضع‪ ،‬أحأداثا من نسخ أخرى‪ ،‬كي‬
‫يعزز المتعة والفائدة‪.‬‬
‫وتمت مواكبة التعبيرات الطريفة بالرسوما التوضيحأية الطريفة والمثيرة إنساني ا كذلك والتي‬
‫رسمها كاكوزو فوجي ياما‪ ،‬وهو فنان عاش في طوكيو‪ .‬ثمة ست وستون صورة لثنتين وعشرين‬
‫حأكاية‪ ،‬بمعدل ثلثا صور لكل حأكاية‪.‬‬
‫الحأكايات عن العامة والملوك؛ً وعن القلعا وقعببققر‪1‬؛ً وعن الشيوخ الطيبين والشيوخ‬
‫الشريرين؛ً وعن الميرات والمحأاربين؛ً عن الحأيوانات‪ ،‬والطيور‪ ،‬والسماء والبحأر‪ ،‬وعن عوالما الخيال‬
‫التي ل كتضاهى‪.‬‬
‫القصص هي تلك القصص المفضلة القديمة مثل " موموتارو‪ ،‬أو قصة ابن الخوخة‪ "،‬و "‬
‫قصة يوراشيما تارو‪ ،‬الفتى الصياد " – والكثير من القصص القل شهرة‪ ،‬مثل " الحأجارة الملونة‪،‬‬
‫والمبراطورة جوكوا "‪.‬‬
‫كلها ستلقى استحأسان الطفال الذين تسمو عقولهما ومخيلتهما فوق الحأواجز العرقية‪.‬‬
‫وسيلتقي كلهما من خلل هذه الكبكستط السحأرية المبهجة‪ .‬طكتبع هذا الكتاب أصلا سنة ثلثا‬
‫وتسعمائة وألف للميلد من قبل شركة ‪:‬‬
‫‪Archibold Constsble & co., Westminster.‬‬

‫مقدمة‬
‫إن مجموعة حأكايات الجن اليابانية الراهنة هي ثمرة اقتراح كقدما إليي عبر صديق من قبل‬
‫السيد آندرو لنغ‪ .‬وتمت ترجمتها من النسخة الجديدة التي كتبها سادانامي سانجين‪ .‬إنها ليست‬
‫ترجمات حأرفية‪ ،‬فبالرغما من أن القصة والتعبيرات اليابانية الطريفة قد أبقي عليها بأمانة‪ ،‬فإنها رويت‬
‫آخذين في العتبار أن كتمتتع قراء الغرب الصغار وليس طالب الفولكلور الفني‪.‬‬

‫‪ - 1‬أرض الجن في السأاطير والحكايات‪ .‬المترجم‬

‫‪2‬‬
‫أقدما شكري وامتناني للسيد ي‪ .‬ياسووكا‪ ،‬والنسة فوسا أوكاموتو‪ ،‬ولخي نوكبومورو‬
‫أوساكي‪ ،‬ود‪ .‬يوشيهيرو تاكاكي‪ ،‬والنسة كاميكو ياماو‪ ،‬التي ساعدتني في الترجمات‪.‬‬
‫إن القصة التي أطلقت عليها اسما " قصة الرجل الذي لما يشأ أن يموت " مأخوذة من كتاب‬
‫صغير كتب قبل مائة عاما من قبل شخص يدعى شينسوي تاميناغا‪ .‬وهي تدعى تشوسي كفورو‪ ،‬أو "‬
‫طول البقاء "‪ .‬وقاطع الخيزران وطفلة القمر " مأخوذة من الكتاب الكلسيكي " تاكيتاري مونو‬
‫غاتاري‪ "،‬وهي ل تصنف من تققبل اليابانيين بين حأكايات الجن‪ ،‬مع أنها في الواقع تنتمي إلى هذا‬
‫النوعا من الدب‪.‬‬
‫كرسمت الصور من قبل السيد كاكوزو فوجي مايا‪ ،‬وهو فنان من طوكيو‪.‬‬
‫تبعت في رواية هذه القصص بالنكليزية خيالي في إضافة مثل تلك اللمسات ذات اللون أو‬
‫الوصف المحأليين قدر ما بدا لي أنها تحأتاج أو قدر ما يسررني‪ ،‬وفي موضع أو موضعين أقحأمت‬
‫حأدث ا من نسخة أخرى‪ .‬وكنت أجد دائماا‪ ،‬في جميع الوقات‪ ،‬بين أصدقائي‪ ،‬صغا ار وكبا ار على‬
‫السواء‪ ،‬من النكليز أو من المريكان‪ ،‬مستمعين متشوقين لساطير وحأكايات الجن اليابانية‬
‫الجميلة‪ ،‬وكنت أجد في روايتها أيضا أنها ل تزال مجهولة بالنسبة للكثرية العظمى‪ ،‬وهذا ما‬
‫شجعني على كتابتها لطفال الغرب‪.‬‬

‫ي‪ .‬ت‪ .‬أو‬


‫طوكيو‪1903 ،‬‬

‫سيدي كيس الرز‬

‫في الماضي البعيد كان يعيش في اليابان محأارب شجاعا معروف للجميع بـ‪ :‬تاوا ار تودا‪ ,‬أو" سيدي‬
‫كيس الرز"‪.‬‬
‫اسمه الحأقيقي فوجي وا ار هيديساتو ‪ ,‬وثمة قصة ممتعة حأول تغيير اسمه ‪.‬‬
‫ففي أحأد الياما خرج في رحألة بحأث ا عن المغامرات ‪ ,‬لن له طبيعة المقاتل ولما كيتطبق أن‬
‫يكون عاطلا عن العمل ‪ .‬لذا فقد " امتشق سيفيه " ‪ ,‬و أخذ قوسه الكبيرة ‪ ,‬التي تفوقه طولا ‪ ,‬بيده‬
‫‪ ,‬و" مضى في رحألته" مدليا جعبته على ظهره‪ .‬لما يكن قد مضى بعيدا حأين وصل إلى جسر سيتا‬
‫– نو – كراشي الممتد فوق إحأدى نهايات بحأيرة بيوا الجميلة‪ .‬لما يكد يضع قدمه على الجسر حأتى‬

‫‪3‬‬
‫رأى أفعى تنينلية ضخمة ترقد معترضة طريقه مباشرة ‪ .‬كان جسمها كبي ار جدا بحأيثا بدت كجذعا‬
‫شجرة صنوبر كبيرة وقد غطت عرض الجسر كله ‪ .‬استقر أحأد مخالبها العظيمة على حأاجز أحأد‬
‫جانبي الجسر ‪ ,‬بينما امتد ذيلها في مواجهة الخر تماما ‪ .‬بدا التنين نائما ‪ ,‬وفيما كان يتنفس ‪,‬‬
‫كانت النار و الدخان يتصاعدان من منخريه ‪.‬‬
‫لما يقدر هيديساتو في أول المر أل يشعر بالرعب لدى رؤية هذا الزاحأف المرعب الممتد في‬
‫طريقه ‪ ,‬لنه كان عليه إما أن ينكفئ إلى الوراء أو أن يمشي فوق جسمها مباشرة ‪ .‬غير أنه‪ ,‬كان‬
‫رجل شجاعا ‪ ,‬تقدما إلى الماما بجرأة ‪ ,‬كمنحأيا كل خوف جانبا ‪ .‬كرنتش ‪ ,‬كرنتش ! خطا الن على‬
‫جسما التنين ‪ ,‬الن بين ثناياها ‪ ,‬و تابع طريقه حأتى دون التفاتة إلى الوراء‪.‬‬
‫كان قد خطا بضع خطوات حأين سمع شخص ا يناديه من الوراء ‪ .‬ولدى التفاته إلى الخلف‬
‫دهش لنه رأى أن ذلك التنين الضخما قد اختفى كلية و أن في مكانه رجلا غريب المظهر ‪ ,‬ينحأني‬
‫بتهذيب كبير نحأو الرض ‪ .‬يتدفق شعره الحأمر على كتفيه وقد توج بتاج على شكل رأس تنين ‪ ,‬و‬
‫صع ثوبه الخضر البحأري اللون بالصداف ‪ .‬عرف هيديساتو في الحأال أنه لما يكن إنسانا عاديا‬
‫كر ص‬
‫و دهش أكثر للحأدثا الغريب ‪ .‬أين مضى التنين في مثل هذه الفترة الوجيزة من الزمن ؟ أما تراه‬
‫تحألول إلى هذا الر جل ‪ ,‬وماذا يعني كل هذا المر ؟ وبينما كانت هذه الفكار تمر في عقله وصل‬
‫إلى الرجل الذي فوق الجسر وخاطبه على الفور ‪:‬‬
‫"أأنت من ناداني الن ؟ "‬
‫أجاب الرجل ‪ ":‬أجل ‪ ,‬أنا‪ .‬لي مطلب هاما إليك كي تنجزه ‪ .‬فهل تعتقد أنك تستطيع أن‬
‫تمنحأني إلياه؟ "‬
‫أجاب هيديساتو‪ " :‬إن كان في مقدوري فسأفعل‪ ,‬لكن أخبرني أول من أنت ؟ "‬
‫" أنا ملك تنانين البحأيرة ‪ ,‬وبيتي في هذه المياه تحأت هذا الجسر بالضبط ‪".‬‬
‫قال هيديساتو ‪ ":‬و ما الذي تريد أن تطلبه مني ؟ "‬
‫" أريدك أن تقتل عدوي اللدود ذا المائة رجلل‪ ,‬الذي يعيش هناك فوق الجبل ‪ ",‬و أشار ملك‬
‫التنانين إلى قملة مرتفعلة على شاطئ البحأيرة المقابل ‪.‬‬
‫" لقد عشت حأتى الن لسنوات كثيرة في هذه البحأيرة وعندي أسرة كبيرة من البناء والحأفاد‪.‬‬
‫عشنا لبعض الوقت فيما مضى في رعلب ‪ ,‬لن تنين ا اكتشف موطننا ‪ ,‬وليلة بعد ليلة يأتي‬
‫ويخطف واحأدا من أفراد أسرتي ‪ .‬أنا ل قدرة لي على إنقاذهما ‪ .‬إذا استمر المر طويل على هذا‬
‫الحأال ‪ ,‬فلن أفقد كل أولدي فقط بل سأقع أنا نفسي ضحأية للتنين ‪ .‬لذا فأنا حأزين جدا ‪ ,‬وقد قررت‬
‫أن أطلب في محأنتي مساعدة إنسان ‪ .‬انتظرت لهذه الغاية أياما عديدة على هيئة الفعى التنينية‬
‫المخيفة التي رأيتها ‪ ,‬على أمل أن يظهر رجل شجاعا ما ‪.‬لكن كل الذين جاؤوا من هذه الطريق ‪,‬‬
‫كانوا حأالما يرونني يذعرون و يمضون بعيدا بأسرعا ما يستطيعون ‪.‬أنت أول رجل وجدته قاد ار على‬

‫‪4‬‬
‫أن ينظر إلي بل خوف ‪,‬وهكذا عرفت على الفور أنك رجل ذو قوة كبيرة ‪ .‬أرجوك أن تشفق علي‪.‬‬
‫أفل تساعدني و تقتل عدوي ذا المائة تربجلل؟"‬
‫شعر هيديساتو بالحأزن على ملك التنانين لدى سماعا قصته ‪ ,‬و وعد بسرور أن يفعل ما يستطيعه‬
‫لمساعدته ‪ .‬سأل المحأارب أين يعيش ذو المائة رجل ‪ ,‬كيما يهاجما المخلوق مباشرة ‪ .‬أجاب ملك‬
‫التنانين أن موطنه فوق جبل ميكامي‪ ,‬لكن بما أنه يأتي كل ليلة في ساعة محأددة إلى قصر البحأيرة ‪,‬‬
‫لذا فهو يفضل النتظار حأتى ذلك الوقت ‪ .‬و هكذا تما إرشاد هيديساتو إلى قصر ملك التنانين ‪,‬‬
‫تحأت الجسر ‪ .‬مذهل أن يقال ‪ ,‬أنه بينما كان يتبع مضيفه نحأو السفل انفلق الماء ليمكنهما من‬
‫المرور ‪ ,‬وأن ملبسه لما تمسها الرطوبة حأين كان يعبر الرلجة ‪ .‬لما ير هيديساتو أبدا شيئا فائق‬
‫الجمال كهذا القصر المبني من الرخاما البيض تحأت البحأيرة لطالما سمع بقصر ملك البحأر في قاعا‬
‫البحأر ‪ ,‬حأيثا جميع الخدما والتابعين هما من أسماك البحأر ‪ ,‬لكن ها هنا بناء فخما في قلب بحأيرة بيوا‬
‫‪ .‬السماك الذهبية النيقة ‪ ,‬و الكارب الحأمر ‪ ,‬و السلمون الفضي كانت تقوما على خدمة ملك‬
‫التنانين و ضيفه ‪.‬‬
‫دهش هيديساتو من الوليمة التي مدت له ‪ .‬فقد كانت الطباق من أوراق و ورود اللوتس‬
‫المتبلورة ‪ ,‬و عصي الطعاما من أندر أخشاب البنوس ‪ .‬و حأالما جلسوا ‪ ,‬فتحأت البواب المنزلقة‬
‫وخرجت عشر سمكات ذهبية راقصة ‪ ,‬و تبعها من خلفها عشرة موسيقيين من أسماك الكارب‬
‫الحأمراء مع الكوتو و الساميس ‪ .‬على هذه الشاكلة انقضت الساعات حأتى منتصف الليل ‪ ,‬و‬
‫أبعدت الموسيقى الجميلة والرقص كل الفكار المتعلقة بذي المائة رجل ‪ .‬كان ملك التنانين على‬
‫وشك أن يشرب نخب المحأارب في فنجان جديد من الشراب حأين اهتز القصر فجأة بوقع أقداما ‪ ,‬وقع‬
‫أقداما ! كما لو أن جيش ا عظيم ا قد بدأ مسي ار في الجوار‪.‬‬
‫هي‬
‫ب هيديساتو ومضيفه مع ا واقفين و اندفعا إلى الشرفة ‪ ,‬و رأى المحأارب على الجبل المقابل‬
‫كرتين عظيمتين من نار متقدة تقتربان أكثر فأكثر ‪ .‬و قف ملك التنانين إلى جانب المحأارب يرتعد‬
‫خوفا ‪.‬‬
‫"ذو المائة رجل ! ذو المائة رجل ! هاتان الكرتان من نار هما عيناه ‪ .‬إنه قادما من أجل‬
‫فريسته ! هذا أوان قتله ‪" .‬‬
‫نظر هيديساتو إلى حأيثا أشار مضيفه ‪ ,‬و في الضوء الخافت للمساء المضاء بالنجوما ‪ ,‬وراء كرتي‬
‫النار رأى جسم ا طويل لذي مائة رجل ضخما يلف حأول الجبل ‪ ,‬و توهج الضوء في أرجله المائة‬
‫مثل عدد كبير جدا من المصابيح البعيدة التي تتحأرك ببطئ نحأو الشاطئ ‪.‬‬
‫لما كيبتد هيديساتو أدنى علمة على الخوف ‪ .‬حأاول أن يهدئ من روعا ملك التنانين ‪.‬‬
‫" ل تخف ‪ .‬سأقتل بالتأكيد ذا المائة رجل ‪ .‬أحأضر لي فقط قوسي و سهمي ‪".‬‬

‫‪5‬‬
‫طلب منه‪ ،‬و لحأظ المحأارب أنه يملك ثلثة أسهما باقية في جعبته ‪.‬‬
‫قاما ملك التنانين بما ك‬
‫تناول القوس ‪ ,‬و مهيأ سهما في الثلما ‪ ,‬سدد بانتباه و أطلقه ‪.‬‬
‫ضرب السهما الحأريش في وسط رأسه مباشرة ‪ ,‬لكنه بدل أن يخترقه ‪ ,‬طاش بعيدا و سقط‬
‫على الرض دون أذى ‪.‬‬
‫ل شيء يثلبط العزيمة ‪ ,‬تناول هيديساتو سهم ا آخر ‪ ,‬وهيأه في ثلما القوس وأطلقه ‪ .‬و مرة‬
‫ثانية ضرب السهما الهدف ‪ ,‬فقد ضرب الحأريش في وسط رأسه مباشرة ‪ ,‬ليطيش فقط بعيدا و يسقط‬
‫على الرض ‪ .‬كان الحأريش عصيا على السلحأة ! عندما رأى ملك التنانين أن سهاما هذا المحأارب‬
‫الشجاعا ل طاقة لها على قتل الحأريش ‪ ,‬قنط و أخذ يرتعد خوفا ‪.‬‬
‫رأى المحأارب أنه بقي معه في جعبته الن سهما واحأد فقط ‪ ,‬و إن فشل هذا فلن يستطيع أن‬
‫يقتل الحأريش ‪.‬‬
‫نظر عبر المياه ‪ .‬لف الحأيوان الزاحأف الضخما جسمه المرعب سبع مرات حأول الجبل و عما قريب‬
‫سينزل إلى البحأيرة ‪ .‬أقرب فأقرب أو مضت كرتا نار العينين ‪ ,‬و بدأ ضوء أرجله المائة يلقي‬
‫انعكاساته في مياه البحأيرة الساكنة ‪.‬‬
‫عندئذ تذكر المحأارب فجأة أنه قد سمع أن لعاب النسان قاتل للحأريشات ‪ .‬لكن هذا لما يكن‬
‫حأريشا عادي ا ‪ .‬كان هائلا جدا بحأيثا أن مجرد التفكير بمثل هذا المخلوق يجعل المرء يزحأف رعب ا ‪.‬‬
‫و قرر هيديساتو أن يجرب فرصته الخيرة ‪ .‬لذا آخذا سهمه الخير واضع ا نهايته أولا في فمه ‪,‬‬
‫هيأه في ثلما قوسه ‪ ,‬سدد بانتباه مرة أخرى وأطلق‪.‬‬

‫هذه المرة ضرب السهما أيضا الحأريش في وسط رأسه مباشرة ‪ ,‬لكنه بدلا من أن يطيش بعيدا دون‬
‫أن يؤذيه كما في السابق ‪ ,‬استقر في دماغ الحأيوان ‪ .‬ثما توقف الجسما الفعواني عن الحأركة برعدة‬
‫تشنجية ‪ ,‬وأظلما ضوء عينيه العظيمتين و أرجله المائة إلى وهج كليل مثل غروب يوما عاصف ‪ ,‬ثما‬
‫تلشى في الظلما ‪ .‬خيمت ظلمة عظيمة على السماوات ‪ ,‬قصف الرعد و أومض البرق ‪ ,‬و‬
‫زمجرت الريح بغضب ‪ ,‬و بدا كما لو أن العالما سينتهي ‪ .‬جثما ملك التنانين و أولده و تابعوه جميعا‬
‫في القساما المختلفة للقصر ‪ ,‬مذعورين حأتى الموت ‪ ,‬لن البناء اهتز حأتى أساساته ‪ .‬أخي ار انتهت‬
‫الليلة الفظيعة ‪ .‬بزغ نهار جميل صاف ‪ .‬رحأل ذو المائة رجل"الحأريش" عن الجبل ‪.‬‬
‫عندئذ نادى هيديساتو على ملك التنانين ليخرج معه إلى الشرفة ‪ ,‬لن الحأريش ميت و ليس‬
‫من شيء آخر يخشاه ‪.‬‬
‫ثما خرج كل سكان القصر ببهجة و أشار هيديساتو إلى البحأيرة ‪ .‬حأيثا كان يرقد جسد‬
‫الحأريش الميت طافيا على الماء ‪ ,‬الذي اصطبغ باللون الحأمر من دمه‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫لما يعرف امتنان ملك التنانين حأدودا ‪ .‬و السرة جاءت و انحأنت أماما المحأارب ‪ ,‬و هما‬
‫يدعونه مخلصهما وأشجع محأارب في كل اليابان ‪.‬‬
‫أعدت وليمة أخرى ‪ ,‬أكثر ترفا من الولى ‪ .‬كل أنواعا السمك‪ ,‬المعدة بكل طريقة يمكن‬
‫تخيلها ‪ ,‬نيئاا‪ ,‬و مطهوا ‪ ,‬و مسلوق ا ‪ ,‬و مشوي ا ‪ ,‬قدمت في صوان مرجانية و أطباق كريستالية ‪,‬‬
‫موضوعة أمامه ‪ ,‬و كان الشراب أفضل شيء تذوقه هيديساتو في حأياته ‪ .‬و لمعت الشمس بسطوعا‬
‫لتضيف إلى جمال كل شيء جمالا ‪ ,‬تألقت البحأيرة مثل سائل ماسي ‪ ,‬و كان القصر أجمل نها ار‬
‫ل‪.‬‬
‫بألف مرة منه لي ا‬
‫حأاول المضيف أن يقنع المحأارب بالبقاء بضعة أياما ‪ ,‬لكن هيديساتو أصر على الذهاب إلى‬
‫الوطن ‪ ,‬قائلا إنه أنهى الن ما جاء من أجله ‪ ,‬وأن عليه أن يعود ‪ .‬كان ملك التنانين و أسرته‬
‫جميع ا حأزانى لن عليه أن يغادر بصورة مبكرة جدا ‪ ,‬لكنهما بما أنه سيرحأل فقد رجوه أن يقبل عددا‬
‫من الهدايا الصغيرة "هكذا قالوا" تذكا ار لمتنانهما له لجل إنقاذهما إلى البد من عدوهما الرهيب‬
‫"الحأريش" ذي المائة رجل‪.‬‬
‫بينما وقف المحأارب في الرواق ليستأذن ‪ ,‬تحأول موكب من السماك فجأة إلى حأاشية من‬
‫الرجال ‪ ,‬كلهما يرتدي أثواب ا رسمية و على رؤوسهما تيجان التنين ليظهروا أنهما خداما ملك التنانين‬
‫العظيما ‪ .‬كانت الهدايا التي حأملوها كمايلي ‪:‬‬
‫أولا ‪ ,‬جرس برونزي كبير ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ ,‬حأقيبة أرز ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ ,‬قدبرج حأرير‪.‬‬
‫رابع ا ‪ ,‬قدر للطبخ ‪.‬‬
‫خامس ا ‪ ,‬جرسس ‪.‬‬
‫لما يشأ هيديساتو أن يقبل كل هذه الهدايا ‪ ,‬لكن بما أن ملك التنانين ألح عليه ‪ ,‬فإنه لما يستطع أن‬
‫يرفض بسهولة ‪.‬‬
‫و رافق ملك التنانين شخصيا المحأارب حأتى الجسر ‪ ,‬ثما استأذنه بانحأناءات و تمنيات طيبة‬
‫‪ ,‬تارك ا موكب الخدما ليرافق هيديساتو إلى بيته مع الهدايا ‪.‬‬
‫كان أهل بيت المحأارب و خدمه قلقين جدا حأين وجدوا أنه لما يعد في الليلة الماضية ‪ ,‬لكنهما‬
‫استنتجوا أخي ار أنه حأبس بالعاصفة العنيفة و لجأ إلى مكان ما ‪ .‬حأين لمحأه الخدما الذين يرقبون‬
‫عودته صاحأوا للجميع أنه يقترب ‪ ,‬و خرج كل أهل بيته ليقابلوه ‪ ,‬متسائلين كثي ار ماذا تعني حأاشية‬
‫الرجال الذين يحأملون الهدايا و البيارق ‪ ,‬التي تتبعه ‪.‬‬
‫حأالما أنزل تابعوا ملك التنانين الهدايا اختفوا ‪ ,‬و روى هيديساتو كل ما جرى له ‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫تبين أن للهدايا التي استلمها من ملك التنانين قدرة سحأرية ‪ .‬كان الجرس فقط عاديا ‪ ,‬و لن‬
‫هيديساتو ل يحأتاجه فقد قدمه إلى المعبد القريب المجاور ‪ ,‬حأيثا علق ‪ ,‬ليرن معلنا ساعات النهار‬
‫على المنطقة المحأيطة ‪.‬‬
‫كيس الرز الفريد ‪ ,‬مهما أخذ منه يوم ا بعد يوما من أجل وجبات الفارس و كل أسرته ‪ ,‬فإن‬
‫المخزون الذي في الكيس ل ينفد‪.‬‬
‫درج الحأرير أيضاا‪ ,‬ل يقصر ‪ ,‬مع أنه قد أخذت منه مرة بعد مرة قطع ا طويلة لصنع حألة‬
‫جديدة من الملبس للمحأارب كي يذهب إلى البلط في العاما الجديد ‪.‬‬
‫كانت قدر الطبخ عجيبة ‪ ,‬أيضا ‪ .‬ومهما وضع فيها ‪ ,‬فإنها تطبخه كما يراد شهيا دون إيقاد‬
‫نار إنها حأق ا قدر اقتصادية‪.‬‬
‫انتشرت شهرة ثروة هيديساتو في كل اتجاه ‪ ,‬و بما أنه ل يحأتاج لن ينفق مالا على الرز‬
‫أو النار ‪ ,‬فقد أصبح غني ا جدا و ميسو ار ‪ ,‬ومن هنا عرف بسيدي كيس الرز‪.‬‬

‫العصفورة ذات اللسان المقصوص‬


‫في الماضي البعيد كان يعيش في اليابان رجل عجوز و زوجته ‪ .‬كان الرجل العجوز جيدا ‪ ,‬طيب‬
‫القلب ‪ ,‬و شخصا مجتهدا ‪ ,‬لكن زوجته كانت سيئة الطبع ‪ ,‬و كانت تفسد سعادة بيتها بلسانها‬
‫المتذمر ‪ .‬كانت دائمة التذمر من شيء ما منذ الصباح و حأتى الليل ‪ .‬توقف الرجل العجوز منذ‬
‫زمن بعيد عن إعارة النتباه لمشاكساتها ‪ .‬كان أكثر النهار في الخارج في العمل في الحأقول ‪ ,‬و بما‬
‫أنه ل ولد له ‪ ,‬فقد احأتفظ ‪ ,‬لجل تسليته عندما يعود إلى البيت ‪ ,‬بعصفورة أليفة‪.‬أحأب الطائر‬
‫الصغير تماما كما لو أنه ولده ‪.‬‬
‫حأين يعود ليلا بعد عمله الشاق نها ار في الهواء الطلق كانت سعادته الوحأيدة أن يدلل‬
‫العصفورة ‪ ,‬أن يتحأدثا إليها و يلقنها مهارات صغيرة ‪ ,‬كانت تتعلمها بسرعة كبيرة ‪ .‬يفتح الرجل‬
‫العجوز قفصها و يدعها تطير في الغرفة ‪ ,‬ثما يلعبان مع ا ‪ .‬ثما حأين يأتي وقت العشاء ‪ ,‬يدخر دائم ا‬
‫بعض الطعمة الشهية من وجبته ليغذي بها طائره الصغير ‪.‬‬
‫في أحأد الياما خرج الرجل العجوز ليقطع الخشب في الغابة ‪ ,‬وبقيت المرأة العجوز في‬
‫البيت لتغسل الملبس ‪ .‬صنعت في اليوما السابق ‪ ,‬بعض النشاء ‪ .‬و الن حأين أتت لتبحأثا عنه ‪,‬‬
‫كان قد ذهب جميعه ؛ً الزبدية التي ملتها بالمس بالكامل فارغة تمام ا ‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫بينما كانت تتساءل من يمكن أن يكون قد استعمل أو سرق النشاء ‪ ,‬حأطت العصفورة‬
‫المدللة ‪ ,‬حأانية رأسها المكسو بالريش ـ وهي مهارة كانت تعلمتها من سيدها زقزق الطائر الجميل و‬
‫قال‪:‬‬
‫" إنه أنا من تناول النشاء ‪ .‬فلقد ظننته شيئ ا من الطعاما وضع من أجلي في تلك القصعة ‪ ,‬و أكلته‬
‫جميعه ‪ .‬إن أخطأت فأرجوك أن تسامحأيني ! تويت ‪ ,‬تويت ‪ ,‬تويت !"‬
‫أنت ترى من هذا أن تلك العصفورة كانت طائ ار صادق ا ‪ ,‬و كان على المرأة العجوز أن‬
‫تكون مستعدة لن تغفر لها فو ار حأين سألتها المعذرة بهذا الشكل الجميل ‪ .‬لكن المر ليس كذلك ‪.‬‬
‫فالمرأة العجوز لما تحأب العصفورة أبدا ‪ ,‬و غالبا ما تشاجرت مع زوجها لحأتفاظه بما دعته‬
‫طائ ار قذ ار في البيت ‪ ,‬قائلة إن هذا يسبب لها عملا إضافي ا ل غير‪ .‬الن فقط هي مبتهجة اكثر مما‬
‫ينبغي لحأصولها على سبب ما للتذمر بشأن الطائر المدلل ‪ .‬تذمرت و حأتى شتمت الطائر الصغير‬
‫المسكين بسبب سلوكه السيئ ‪ ,‬ولما تكتف باستعمال هذه الكلمات القاسية ‪ ,‬بل في نوبة غضب‬
‫أمسكت العصفورة ـ التي كانت كل هذا الوقت تفرد جناحأيها و تحأني رأسها أماما المرأة العجوز ‪,‬‬
‫لتعبر عن مدى أسفها ـ و أحأضرت المقص و قصت لسان الطائر الصغير المسكين ‪.‬‬
‫" أعتقد أنك أخذتت نشائي بذلك اللسان !الن يمكن أن تري كيف يشبه أن تذهبي بدونه!"‬
‫وبهذه الكلمات الفظيعة طردت الطائر ‪ ,‬غير عابئة على القل بما يمكن أن يصيبه و دون أدنى‬
‫شفقة على معاناته ‪ ,‬ولكما كانت فظة إلى حأد كبير !‬
‫صنعت المرأة العجوز بعد أن طردت العصفورة ‪ ,‬مزيدا من عجينة الرز ‪ ,‬متذمرة طيلة‬
‫الوقت من المشكلة ‪ ,‬و بعد أن نلشت كل ملبسها ‪ ,‬بسطت الشياء على اللواح لتجف في الشمس ‪,‬‬
‫بدلا من أن تكويها كما يفعلون في بلدنا‪.‬‬
‫في المساء عاد الرجل العجوز إلى البيت كالمعتاد ‪ ,‬تطللع في طريق العودة إلى الوقت‬
‫الذي سيصل فيه إلى بوابته و يشاهد طيره المدلل يطير مزقزق ا ليقابله ‪ ,‬نافش ا ريشه ليظهر ابتهاجه ‪,‬‬
‫و يأتي في النهاية ليرتاح على كتفه ‪ .‬لكن في هذه الليلة خاب أمل الرجل العجوز كثي ارا‪ ,‬لنه لما‬
‫يكن يشاهد حأتى ظل عصفورته العزيزة‪.‬‬
‫أسرعا خطاه ‪ ,‬نزعا صندله المصنوعا من القش بسرعة و خطا إلى الشرفة ‪ .‬ما تزال العصفورة‬
‫مختفية‪ .‬شعر الن باليقين أن زوجته ‪ ,‬في واحأد من انفعالتها النزقة ‪ ,‬قد حأبست العصفورة في‬
‫قفصها ‪.‬لذا فقد ناداها و قال بقلق ‪:‬‬
‫" أين سيزومي سان "النسة عصفورة " اليوما ؟ "‬
‫في البداية ادعت المرأة العجوز أنها ل تعرف‪ ,‬و أجابت ‪:‬‬
‫" عصفورتك ؟ أنا متأكدة أنني ل أعرف ‪ .‬أنا أفكر فيها الن‪ ,‬فأنا لما أرها طوال‬

‫‪9‬‬
‫وقت ما بعد الظهر ‪ .‬لن أفاجأ إذا كان الطائر الناكر للجميل قد طار بعيدا و تركك بعد كل تدليلك‬
‫له !"‬
‫لكنها في النهاية اعترفت بكل شيء‪ ,‬حأين لما يكف الرجل العجوز عن الكلما ‪ ,‬و إنما‬
‫سألها أخرى و أخرى ‪ ,‬مص ار على أنها يجب أن تعرف ماذا حأل بعصفورته المدللة ‪ ,‬أخبرته بنزق‬
‫كيف أكلت العصفورة عجينة الرز التي أعدتها خصيص ا لتنشية ملبسها ‪ ,‬و كيف أنها حأين اعترفت‬
‫العصفورة بما فعلت ‪ ,‬أخرجت بغضب كبير مقصها و قصت لسانها ‪ ,‬و كيف أنها طردت الطائر‬
‫أخي ار و منعته من العودة ثانية ‪.‬‬
‫ثما أرت المرأة العجوز زوجها لسان العصفورة قائلة ‪:‬‬
‫" هاهو ذا اللسان الذي قطعته ! لماذا أكل الطائر البغيض الصغير‪ ,‬نشائي ؟ "‬
‫كان كل ما استطاعا الرجل العجوز أن يجيب به ‪ " :‬كيف أمكنك أن تكوني قاسية إلى هذا‬
‫الحأد؟ آه ! كيف أمكنك أن تكوني قاسية إلى هذا الحأد ؟ " ‪ .‬كان أطيب من أن يعاقب زوجته‬
‫السليطة ‪ ,‬لكنه كان منزعجا بشكل فظيع لما جرى لعصفورته الصغيرة المسكينة ‪.‬‬
‫قال لنفسه ‪ " :‬يا لها من نكبة فظيعة على مسكينتي سيزومي سان أن تفقد لسانها ! لن‬
‫ضها ! أما‬
‫تكون قادرة على الزقزقة بعد الن ‪ ,‬و من المؤكد أن ألما قطعه بتلك الطريقة الفظة قد أقبمقر ق‬
‫من شيء يمكن أن يفعل ؟ "‬
‫ذرف الرجل العجوز دموع ا كثيرة بعد أن نامت زوجته المشاكسة ‪ .‬و بينما كان يجفف‬
‫الدموعا بكما ثوبه القطني ‪ ,‬طمأنته فكرة مشرقة ‪ :‬سيذهب ويبحأثا عن العصفورة في الصباح ‪.‬‬
‫حأين قرر هذا صار قاد ار على النوما أخي ارا‪.‬‬
‫في الصباح التالي استيقظ باك ار ‪ ,‬حأالما بزغ النهار ‪,‬و تناول فطو ار عاجلا ‪ ,‬انطلق فوق‬
‫التلل و عبر الغابات ‪ , ,‬متوقف ا عند كل أجمة خيزران ليصيح ‪:‬‬
‫" أين ‪ ,‬أوه أين هي عصفورتي مقطوعة اللسان ؟ "‬
‫لما يقف أبدا ليرتاح لوجبة الظهيرة ‪ ,‬و كان قد مر وقت طويل بعد الظهر حأين وجد نفسه‬
‫قرب غابة خيزران كبيرة ‪ .‬فغياض الخيزران هي المكنة المفضلة للعصافير ‪ ,‬و هناك عند حأافة‬
‫الغابة من المؤكد بصورة كافية أنه رأى عصفورته العزيزة تنتظره لترحأب به ‪ .‬لما يستطع أن يصدق‬
‫عينيه من السرور ‪ ,‬و ركض إلى الماما بسرعة لتحأيتها ‪ .‬حأنت رأسها الصغير و قامت بعدد من‬
‫المهارات التي لقنها إياها سيدها ‪ ,‬لتظهر متعتها برؤية صديقها القديما ثانية ‪ ,‬و مدهش أن نروي‬
‫أنها كانت تتكلما كما في الماضي ‪ .‬أخبرها الرجل العجوز كما كان حأزينا لكل ما حأصل ‪ ,‬وسأل عن‬
‫لسانها ‪ ,‬متعجبا كيف تستطيع أن تتحأدثا بهذه الطلقة الزائدة بدونه حأينئذ فتحأت العصفورة منقارها‬
‫و أرته أن لسان ا جديدا قد نمى في مكان اللسان الول ‪ ,‬و رجته أل يعود للتفكير في الماضي‪ ,‬لنها‬
‫الن على ما يراما تمام ا ‪ .‬ثما عرف الرجل العجوز أن عصفورته جنية ‪ ,‬و ليست طائ ار عادي اق ‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫تصعب المبالغة في وصف فرح الرجل العجوز الن فلقد نسي كل مشاكله ‪ ,‬نسي حأتى كما كان‬
‫متعبا ‪ ,‬لنه وجد عصفورته المفقودة ‪,‬و بدلا من أن تكون مريضة و بل لسان كما كان يتوقع و‬
‫خشي أن يجدها ‪ ,‬كانت على ما يراما و سعيدة بلسان جديد ‪ ,‬و بل أثر من سوء المعاملة التي تلقتها‬
‫من زوجته‪ .‬وفوق كل هذا هي جنية ‪.‬‬
‫طلبت إليه العصفور أن يتبعها ‪ ,‬و قادته طائرة أمامه إلى بيت جميل في قلب أجمة‬
‫الخيزران‪.‬‬
‫دهش الرجل العجوز تماما حأين دخل إلى البيت ليجد كما كان مكانا جميلا ‪ .‬فقد كان مبنيا من أشد‬
‫أنواعا الخشب بياضا ‪ ,‬و كانت الكبكسط الناعمة التي حألت مكان السجاجيد بلون الكريما من أفضل ما‬
‫رأى على الطلق ‪ ,‬و الوسائد التي أخرجتها العصفورة من أجله لكي يجلس عليها مصنوعة من‬
‫ب الل ص‬
‫ك مشكاةق‪ 2‬كل غرفة من الغرف‪.‬‬ ‫ت جميلة و عل ك‬
‫أنعما الحأرير و" الكريب" وزينت مزهريا س‬
‫‪1‬‬

‫قادت العصفورة الرجل العجوز إلى مكان الشرف ‪ ,‬ثما شكرته جالسة على مسافة متواضعة ‪,‬‬
‫بكثير من النحأناءات المهذبة على كل اللطف الذي أبداه نحأوها سنين طويلة ‪.‬‬
‫بعدئذ قدمت السيدة عصفورة ‪ ,‬كما سندعوها ‪ ,‬الن ‪ ,‬كل أسرتها للرجل العجوز‪ .‬بعد أن تما‬
‫ف ‪ ,‬وليمةا على صوان جميلة من الطراز‬‫هذا‪ ,‬أدخلت بناكتها ‪ ,‬المكسوات بعباءات الكريب المره ت‬
‫ق‬
‫القديما وليمة من كل أنواعا الطعمة اللذيذة ‪ ,‬حأتى بدأ الرجل العجوز يظن أنه يحألما ‪ .‬في وسط الغداء‬
‫أدت بعض بنات العصفورة رقصة مدهشة ‪ ,‬تدعى " سوزومي ـ أدوري " أو " رقصة العصفورة "‬
‫لمتاعا الضيف ‪.‬‬
‫لما يمتع الرجل العجوز نفسه أبدا بهذا القدر ‪ .‬مضت الساعات بسرعة كبيرة زائدة عن الحأد‬
‫في هذه البقعة الحأبيبة ‪ ,‬مع كل هؤلء العصفورات الجنيات اللواتي يقمن على خدمته ويولمن له و‬
‫يرقصن أمامه‪.‬‬
‫لكن الليل جاء وذكرته الظلمة أن لديه طريق ا طويلا يقطعه و أن عليه أن يفكر بالستئذان و‬
‫العودة إلى البيت ‪ .‬شكر مضيفته اللطيفة على تسليتها الرائعة ‪ ,‬و رجاها أن تنسى من أجل خاطره‬
‫كل ما عانته على يدي زوجته العجوز المشاكسة ‪ .‬أخبر السيدة عصفورة أنه من دواعي عزائه و‬
‫سعادته أن يجدها في مثل هذا البيت الجميل و أن يعرف أنها ليست بحأاجة إلى شيء ‪ .‬لقد كان‬
‫ق لمعرفة كيف رحألت و ماذا حأصل لها حأقيقة هما ما دفعاه ليبحأثا عنها ‪ .‬الن وقد عرف أن‬
‫القل ك‬
‫كل شيء على ما يراما فبإمكانه أن يعود إلى البيت جذلا ‪.‬‬
‫ومهما أرادته لي شيء فما عليها إل أن ترسل إليه وسيحأضر حأالا ‪.‬‬

‫‪ - 1‬نوع من القماش الرقيق الجعد والمصنوع من خيط حريري أو قطني بألوان مختلفة‪ -‬المترجم‪.‬‬
‫‪ - 2‬فجوة في جدار الغرفة تعرض فيها الشأياء الثمينة‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫رجته السيدة عصفورة أن يبقى و يرتاح لعدة من الياما و يستمتع بالتغيير ‪ ,‬لكن الرجل العجوز‬
‫قال إنه يجب أن يعود إلى زوجته العجوز ـ التي من المحأتمل أن تكون مغتاظة لعدما عودته إلى‬
‫البيت في الوقت المعتاد ـ و إلى عمله ‪ ,‬و بالتالي ‪ ,‬لما يقدر أن يقبل دعوتها الكريمة التي تمنى‬
‫تلبيتها كثي ار ‪ .‬لكن الن وقد عرف أين تعيش السيدة عصفورة فسيأتي لرؤيتها كلما كان لديه وقت‪.‬‬
‫حأين رأت السيدة عصفورة أنها لما تستطع أن تقنع الرجل العجوز بالبقاء أكثر ‪ ,‬أصدرت أم ار‬
‫لبعض خدمها ‪ ,‬وعلى الفور قأدخلوا صندوقين ‪ ,‬واحأدا كبي ار و الخر صغير ‪ .‬و ت‬
‫ضعا أماما الرجل‬ ‫س ك‬ ‫ك‬
‫العجوز و طلبت إليه السيدة عصفورة أن يختار أييهما يحأب هديةا ‪ ,‬منها ‪.‬‬
‫ل‪:‬‬
‫لما يستطع الرجل العجوز أن يرفض هذا الطلب اللطيف ‪ ,‬واختار الصندوق الصغر‪ ,‬قائ ا‬
‫" أنا الن عجوز أكثر من اللزما و ضعيف على حأمل الصندوق الكبير و الثقيل‪ .‬وبما أنك‬
‫قلت إنني يمكنني أن آخذ أيهما أريد ‪ ,‬فسأختار الصغير ‪ ,‬الذي سيكون من السهل علي حأمله‪".‬‬
‫ثما ساعدته العصافير كلها في وضعه على ظهره و ذهبت إلى البوابة لتراه يغادر‪ ,‬موصدعة له‬
‫بكثير من النحأناءات و متوسلة إليه أن يأتي ثانية حأالما يكون لديه الوقت ‪ .‬هكذا افترق الرجل‬
‫العجوز و عصفورته المدللة بمنتهى السرور ‪ ,‬دون أن تبدي العصفورة أدنى شعور سيء جراء كل‬
‫الفظاظة التي عانتها على يدي الزوجة العجوز ‪ .‬لكنها شعرت فقط بالسى لجل الرجل العجوز‬
‫الذي عليه أن يأوي إليها كل حأياته ‪.‬‬
‫حأين وصل الرجل العجوز إلى البيت وجد زوجته أكثر غيظ ا من المعتاد ‪ ,‬لن الوقت متأخر‬
‫ليلا و لنها ظلت تنتظره زمنا طويلا ‪.‬‬
‫" أين كنت كل هذا الوقت ؟ " سألت بصوت ضخما " لماذا عدت متأخ ار على هذا النحأو ؟"‬
‫حأاول الرجل العجوز تهدئتها بأن يريها صندوق الهدايا الذي أحأضره معه ‪ ,‬ثما حأدثها بكل ما جرى له‬
‫‪ ,‬و كيف تمتع بشكل مدهش في بيت العصفورة ‪.‬‬
‫قال الرجل العجوز ‪ " :‬الن دعينا نشاهد ما في الصندوق ‪ " ,‬دون أن يتيح لها زمن ا لتتذمر ثانية ‪.‬‬
‫عليتك أن تساعديني في فتحأه ‪ " .‬و جلسا معا أماما الصندوق و فتحأاه ‪.‬‬
‫ولدهشتهما البالغة وجدا الصندوق مليئا إلى الحأافة بقطع نقود الذهب و الفضة وأشياء‬
‫ثمينة أخرى كثيرة ‪ .‬تألقت كبكسطك كوخهما الصغير بشكل تاما بينما كانوا يخرجون الشياء واحأدا واحأدا‬
‫ويضعونها على الرض ويلمسونها مرة بعد مرة ‪ .‬ابتهج الرجل العجوز كثي ار لمشهد الثروة التي‬
‫باتت الن له ‪ .‬كانت هدية العصفورة فوق أكثر آماله تألق ا ‪ ,‬لنها ستمكنه من التوقف عن العمل و‬
‫العيش في طمأنينة و راحأة بقية أيامه ‪.‬‬
‫قال مرات عديدة ‪ " :‬شك ار لعصفورتي الصغيرة الطيبة ! شك ار لعصفورتي الصغيرة الطيبة‬
‫!"‬

‫‪12‬‬
‫لكن المرأة العجوز ‪ ,‬بعد أن انتهت لحأظات الدهشة الولى و الرضى لمشهد الذهب و الفضة ‪ ,‬لما‬
‫تسطع أن تكبح جشع طبيعتها الشريرة ‪ .‬بدأت الن توبخ الرجل العجوز على عدما إحأضاره صندوق‬
‫الهدايا الكبير إلى البيت ‪ ,‬لنه أخبرها ببراءة كيف أنه رفض صندوق الهدايا الكبير الذي قدمته له‬
‫العصافير ‪ ,‬مفضلا الصندوق الصغير لنه كان خفيف ا سهل الحأمل إلى البيت‪.‬‬
‫قالت ‪" :‬أيها الرجل العجوز السخيف ‪ ,‬لقما لبما تحأضر الصندوق الكبير ؟ فصكبر فقط كما خسرنا‬
‫‪ .‬كان من الممكن أن نحأصل على ضعفي كمية الفضة و الذهب هذه ‪ .‬لبد أنك عجوز مجنون !‬
‫" صرخت ‪ ,‬ثما مضت إلى الفراش أشد ما تكون غضبا ‪.‬‬
‫تمنى الرجل العجوز الن لو لما يقل شيئا عن الصندوق الكبير ‪ ,‬لكن فات الوان؛ً فلقد‬
‫قررت المرأة العجوز الجشعة ‪ ,‬غير راضية بالحأظ الجيد الذي حأل عليهما بصورة غير متوقعة و‬
‫الذي بالكاد تستحأقه ‪ ,‬قررت أن تحأصل على المزيد إن أمكن ‪.‬‬
‫باك ار في الصباح التالي استيقظت وجعلت الرجل العجوز يصف لها الطريق إلى بيت‬
‫العصفورة ‪.‬‬
‫حأين عرف ما في نيتها حأاول أن يثنيها عن الذهاب ‪ ,‬لكن عبثا ‪ .‬فما كانت لتصغي لكلمة‬
‫قالها ‪ .‬إنه لمر غريب أل تشعر تلك المرأة العجوز بالخجل من الذهاب لرؤية العصفورة بعد‬
‫الطريقة القاسية التي عاملتها بها بقطعها للسانها في قسبورلة من الغضب ‪ .‬لكن جشعها للحأصول‬
‫على الصندوق الكبير جعلها تنسى كيل شيء آخر ‪ .‬وحأتى لما يدر في خلدها أن العصافير يمكن‬
‫أن تكون غاضبة منها كما ككين فعلا و أنهن يمككن أن يعاتقببقنها على ما اقترفت ‪ .‬منذ عادت السيدة‬
‫ل‪ ,‬باكية و نازفة الفما ‪ ,‬فإن أسرتها و‬
‫عصفورة إلى البيت في الحأالة الحأزينة التي وجدوها فيها أو ا‬
‫أقاربها ما فتئوا يتحأدثون عن قسوة المرأة العجوز ‪ .‬سأل بعضهما بعض ا ‪ " :‬كيف أمكنها أن تكبنتزقل‬
‫مثل هذه العقوبة الثقيلة لذنب تافه مثل أكل بعض عجينة الرز بطريق الخطأ ؟ " أحأبوا جميع ا‬
‫الرجل الذي كان لطيف ا للغاية و طيب ا و صبو ار على كل مشاكله ‪ ,‬لكنهما كرهوا المرأة العجوز ‪ ,‬و‬
‫ل‪.‬‬
‫عزموا ‪ ,‬إن حأالفهما الحأظ ‪ ,‬على معاقبتها كما تستحأق ‪ .‬و ما كان عليهما أن ينتظروا طوي ا‬
‫بعد المشي بضع ساعات و جدت المرأة العجوز أخي ار أيكة الخيزران التي جعلت زوجها‬
‫يصفها بعناية ‪ ,‬و هي تقف الن أمامها صائحأة ‪:‬‬
‫"أين بيت العصفورة ذات اللسان المقطوعا ؟ أين بيت العصفورة ذات اللسان المقطوعا ؟"‬
‫أخي ار شاهدت إفريز البيت يلوح من بين أوراق الخيزران‪ .‬هرعت إلى الباب وقرعت بصوت مرتفع ‪.‬‬
‫حأين أخقبقر الخدما السيدة عصفورة أن معلمتها العجوز بالباب تطلب رؤيتها ‪ ,‬كانت مندهشة نوعا ما‬
‫للزيارة غير المتوقعة ‪ ,‬بعد كل ما جرى ‪ ,‬و تعجبت كثي ار لجرأة المرأة العجوز على المغامرة بالقدوما‬
‫إلى البيت ‪ .‬كانت السيدة العصفورة على أي حأال ‪ ,‬طائ ار مهذب ا ‪ ,‬و لهذا خرجت لتحأية المرأة‬
‫العجوز ‪ ,‬متذكرة أنها كانت ذات مرة سيدتها ‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫على أي حأال ‪ ,‬تعمدت المرأة العجوز ‪ ,‬أل تضيع الوقت في الكلمات ‪ ,‬فمضت مباشرة إلى‬
‫الموضوعا ‪ ,‬دون أدنى خجل ‪ ,‬و قالت ‪:‬‬
‫" ل حأاجة بك لن تتكلفي عناء إمتاعي كما فعلت برجلي العجوز ‪ .‬لقد حأضرت بنفسي‬
‫لحأصل على الصندوق الذي تركه وراءه بحأماقة متناهية ‪ .‬سأستأذن بالنصراف عاجلا إذا كنت‬
‫ستعطيني الصندوق فذاك كل ما أريد !"‬
‫وافقت السيدة العصفورة فو ار ‪ ,‬و أمرت خدمها بأن يحأضروا الصندوق الكبير ‪ .‬أمسكت‬
‫المرأة العجوز به بلهفة و رفعته على ظهرها ‪ ,‬ودون أن تتوقف حأتى لتشكر السيدة عصفورة أخذت‬
‫تسرعا نحأو البيت‪.‬‬
‫كان الصندوق ثقيلا للغاية بحأيثا لما تستطع أن تمشي بسرعة ‪ ,‬فضلا عن أن تجري‪ ,‬كما‬
‫كانت تود أن تفعل ‪ ,‬كانت متلهفة للوصول إلى البيت و رؤية ما بداخل الصندوق‪ ,‬لكن كثي ار ما‬
‫توجب عليها أن تجلس وتريح نفسها في الطريق ‪.‬‬
‫وبينما كانت تترنح تحأت الحأمولة الثقيلة‪ ,‬تعاظمت رغبتها في فتح الصندوق كثي ار بصورة‬
‫ل تقاوما‪ .‬لما تستطع أن تنتظر أكثر‪ ,‬لنها افترضت أن هذا الصندوق مملوء بالذهب والفضة‬
‫والجواهر الثمينة مثل الصندوق الصغير الذي تسليقمه زوجها‪.‬‬
‫أخي ار وضعت هذه المرأة العجوز الجشعة والنانية الصندوق بجانب الطريق وفتحأته‬
‫بعناية‪ ,‬متوقعة أن تمتع ناظريها بمنجما من الثروة‪ .‬ما رأته‪ ,‬على أي حأال‪ ,‬أرعبها كثي ار بحأيثا أنها‬
‫فقدت عقلها تقريباا‪ .‬فحأالما رفعت الغطاء‪ ,‬قفز عدد من العفاريت المروعة من الصندوق كما لو‬
‫أنهما ينوون قتلها‪ .‬إنها لما تر أبدا حأتى في الكوابيس مثل هذه المخلوقات المروعة التي تضمنها‬
‫صندوقها المشتهى كثي ارا‪ .‬جاء عفريت بعين واحأدة في وسط جبهته وحأملق فيها‪ ,‬و كمكسوسخ بأفواه‬
‫ق‬
‫مفتوحأة بدت كما لو أنها ستلتهمها‪ ,‬و حأية عظيمة تكورت وفلحأت قربها‪ ,‬وضفدعا كبير وثب ون ل‬
‫باتجاهها‪.‬‬
‫لما تروعا المرأة العجوز هكذا أبدا في حأياتها‪ ,‬وركضت من المكان بأسرعا ما استطاعت أن‬
‫تحأمله رجلها المرتجفتان‪ ,‬راضية بأن تنجو بجلدها‪ .‬حأين وصلت إلى البيت سقطت أرضا‬
‫وأخبرت زوجها دامعة العينين بكل ما حأصل لها‪ ,‬وكيف أنها كادت تقتل من تققبتل العفاريت الذين‬
‫في الصندوق‪.‬‬
‫ل‪:‬‬
‫ل‪ ,‬قائ ا‬
‫ثما بدأت تلوما العصفورة‪ ,‬لكن الرجل العجوز أوقفها حأا ا‬
‫" ل تلومي العصفورة‪ ,‬إنه خبثك الذي لقي جزاءه‪ .‬آمل فقط أن يكون هذا درسا لك‬
‫للمستقبل‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫لما يقل الرجل العجوز أي شيء آخر‪ ,‬ومنذ ذلك اليوما ندمت على مشاكساتها‪ ,‬وأساليبها‬
‫الفظة‪ ,‬وبالتدريج أصبحأت عجو از طيبة‪ ,‬بحأيثا أن زوجها ل يصدق أنها الشخص ذاته‪ ,‬وأمضيا‬
‫أيامهما الخيرة معا بسرور متحأررين من الحأاجة أو الهما‪ ,‬منفقين بعناية الثروة التي استلمها الرجل‬
‫العجوز من عصفورته المدللة‪ ,‬ذات اللسان المقطوعا‪.‬‬

‫قصة يوراشيما تارو ‪ ,‬الفتى الصياد‬


‫في الماضي البعيد و في مقاطعة تانغو عاش على شاطئ اليابان في قرية الصيد الصغيرة ميزو ـ نو‬
‫ـ يي صياد شاب يسمى يوراشيما تارو ‪ .‬كان أبوه صيادا من قبله ‪ , .‬و انتقلت مهارته على نحأو‬
‫مضاعف بل أكثر إلى ولده ‪ ,‬لن يوراشيما كان أمهر صياد في ذلك الريف كله‪ ,‬و كان بإمكانه أن‬
‫يمسك في اليوما عددا أكبر من البونيتو و التاي‪ 1‬مما يستطيع رفاقه في أسبوعا ‪.‬‬

‫‪ - 1‬البونيتو و التاي نوعان من أنواعا السمك الذي يعيش في بحأار اليابان المترجما‬

‫‪15‬‬
‫ولكنه كان معروف ا في قرية الصيد الصغيرة ‪ ,‬بقلبه الطيب أكثر من كونه صياد بحأر ذكي ‪ .‬لما‬
‫يؤذ في كل حأياته شيئا ‪ ,‬سواء كان عظيما أما صغي ار ‪ .‬و حأين كان صبليا ‪ ,‬كان زملؤه يضحأكون‬
‫منه دائما ‪ ,‬لنه لما يكن يشاركهما في تعذيب الحأيوانات ‪ ,‬بل كان يحأاول دائما أن يصونها من هذه‬
‫الرياضة القاسية ‪.‬‬
‫ذات غسق صيفي ناعما كان ذاهب ا إلى البيت في نهاية صيد نهاري حأين التقى مجموعة من‬
‫الطفال ‪ .‬كانوا جميع ا يصرخون بأعلى أصواتهما ‪ ,‬و بدا أنهما كانوا في حأالة من النفعال الشديد‬
‫تجاه شيء ما ‪ ,‬و في سيره نحأوهما ليرى ما المر و جد أنهما كانوا يعذبون سلحأفاة ‪.‬‬
‫جرها أولا صبي إلى هذه الناحأية ‪ ,‬ثما جرها صبي آخر إلى تلك الناحأية ‪ ,‬بينما ضربها طفل ثالثا‬
‫بعصاا‪ ,‬و ضرب الرابع قشرتها بحأجر ‪.‬‬
‫في هذه اللحأظة شعر يوراشيما بالسف على السلحأفاة المسكينة و قرر أن ينقذها ‪.‬‬
‫تكلما إلى الولد ‪ " :‬انظروا إلي أيها الولد ‪ ,‬أنتما تسيئون معاملة تلك السلحأفاة المسكينة بشكل يفوق‬
‫الحأد بحأيثا أنها ستموت سريعا !"‬
‫لما كيتعبر الولد ‪ ,‬الذين كانوا جميعا في السن التي يبدو فيها أن الطفال يسرهما أن يكونوا‬
‫جلفين تجاه الحأيوانات ‪ ,‬انتباه ا لتوبيخ يوراشيما اللطيف ‪ ,‬بل تابعوا إزعاجها كما في السابق ‪.‬‬
‫أجاب أكبر الولد سن ا ‪:‬‬
‫" من يأبه إذا ما عاشت أو ماتت ؟ نحأن ل نفعل ‪ .‬هيا يا أولد ‪ ,‬تابعوا ‪ ,‬تابعوا !"‬
‫و بدؤوا يعاملون السلحأفاة المسكينة بوحأشية أكثر من السابق انتظر يوراشيما لحأظة ‪ ,‬مفك ار‬
‫في نفسه ما عسى أن تكون الوسيلة الفضل للتعامل مع الولد ‪ .‬ربما يحأاول أن يقنعهما أن يعطوه‬
‫السلحأفاة ‪ ,‬لذا فقد ابتسما لهما و قال‪:‬‬
‫" أنا واثق أنكما جميع ا طيبون ‪ ,‬أيها الطفال اللطفاء ! الن ألن تعطوني السلحأفاة ؟ فأنا‬
‫أرغب كثي ار في امتلكها !"‬
‫" ل ‪ ,‬لن نعطيك السلحأفاة ‪ ",‬قال أحأد الولد ‪ " .‬ولماذا علينا أن نفعل ؟ فقد اصطدناها‬
‫بأنفسنا ‪".‬‬
‫قال يوراشيما ‪ ":‬ما تقوله صحأيح ‪ ,‬لكنني ل أطلب منكما أن تعطوني إياها بل مقابل‪.‬‬
‫فسأعطيكما بعض النقود ثمن ا لها ـ بكلمات أخرى ‪ ,‬أوجيسان ) العما ( سيشتريها منكما ‪ ,‬أل يكفيكما‬
‫ذلك ‪ ,‬يا أولدي ؟" عرض النقود عليهما ‪ ,‬مربوطة بقطعة خيط عبر ثقب في مركز كل قطعة نقدية‬
‫‪ ".‬انظروا ‪ ,‬يا أولد ‪ ,‬تستطيعون شراء أي شيء تحأبون بهذه النقود ‪ .‬تستطيعون أن تفعلوا بهذه‬
‫النقود ما هو أكبر بكثير مما تفعلون بتلك السلحأفاة المسكينة ‪ .‬انظروا كما أنتما أولد طيبون‬
‫وتصغون إلي ‪".‬‬

‫‪16‬‬
‫لما يكن الولد سيئين أبدا ‪ ,‬كانوا فقط مولعين بالذى ‪ ,‬و بينما كان يوراشيما يتكلما اكتسبهما‬
‫بابتسامته اللطيفة و كلماته المحأببة و بدؤوا " يكونون من عقليته " كما يقولون في اليابان ‪ .‬بالتدريج‬
‫جاؤوا جميعا إليه ‪ ,‬يقدما زعيما الجماعة الصغيرة السلحأفاة إليه ‪.‬‬
‫" حأسن جدا ‪ ,‬أوجيسان ‪ ,‬سنعطيك السلحأفاة إذا كنت ستعطينا النقود !" و أخذ يوراشيما‬
‫السلحأفاة و أعطى النقود للولد الذين ركضوا بعيدا ينادي بعضهما بعض ا ‪ ,‬و غابوا عن النظر بعد‬
‫وقت قصير ‪.‬‬
‫ل‪:‬‬
‫بعدئذ ربت يوراشيما على ظهر السلحأفاة ‪ ,‬قائ ا‬
‫" أيها الشيء المسكين ! ـ ل بأس ‪ ,‬ل بأس ! أنت آمنة الن ! يقولون إن اللقلق يعيش ألف‬
‫عاما ‪ ,‬لكن السلحأفاة تعيش عشرة آلف عاما ‪ .‬أنت تحأظين بحأياة أطول من أي مخلوق في هذا العالما‬
‫صقر تلك الحأياة الثمينة من قبل أولئك الولد القساة ‪ .‬لحأسن‬ ‫ت‬
‫‪ ,‬و كنت في خطر عظيما من أن تكبختق ق‬
‫الحأظ أنني كنت أمر بالجوار و أنقذتك ‪ ,‬و هكذا فإن الحأياة ما تزال لك ‪ .‬أنا سأعيدك الن إلى‬
‫وطنك ‪ ,‬البحأر حأالا ‪ ,‬ل تققدعي أحأدا كيبمتسك بك ثانية ‪ ,‬لنه ربما ل يكون هناك من ينقذك في المرة‬
‫التالية !"‬
‫كان الصياد اللطيف خلل الوقت الذي يتكلما فيه ‪ ,‬يمشي بسرعة إلى الشاطئ و على‬
‫الصخور ؛ً بعدئذ وضقع السلحأفاة في الماء و راقب الحأيوان و هو يختفي ‪ ,‬ثما انعطف بنفسه نحأو‬
‫البيت ‪ ,‬لنه كان متعب ا و الشمس قد غربت ‪.‬‬
‫في الصباح التالي خرج يوراشيما كالمعتاد في قاربه ‪ .‬الطقس لطيف و البحأر و السماء‬
‫كلهما كان أزرق اللون و ناعما في الضباب الرقيق للصباح الصيفي ‪ .‬صعد يوراشيما إلى مركبه و‬
‫اندفع بشكل حأالما إلى البحأر ‪ ,‬ملقي ا حأبله حأين فعل ذلك ‪ .‬سرعان ما اجتاز مراكب الصيد الخرى و‬
‫خلفها وراءه إلى أن غابت عن الرؤية في البعيد ‪ ,‬و اندفع مركبه أبعد فأبعد فوق المياه الزرقاء ‪.‬‬
‫على نحأو ما‪ ,‬لما يعرف لماذا ‪ ,‬شعر بسعادة غير عادية في ذاك الصباح‪ ,‬و تمنى لو أن له‪ ,‬مثل‬
‫السلحأفاة التي أطلق سراحأها اليوما الفائت‪ ,‬آلفا من السنين ليحأياها بدلا من المدة القصيرة لحأياته‬
‫البشرية ‪.‬‬
‫أجفقل من حألمه على سماعا اسمه ينادى ‪:‬‬
‫" يوراشيما ‪ ,‬يوراشيما !"‬
‫طفا السما فوق البحأر واضحأ ا كجرس و ناعم ا كريح الصيف ‪.‬‬
‫نهض و نظر في كل اتجاه ‪ ,‬ظانا أن أحأد المراكب الخرى قد لحأق به ‪ ,‬و لكنه حأدق‬
‫قدر طاقته فوق المتداد الرحأيب للماء ‪ ,‬قريبا أو بعيدا لما يكن ثمة علمة على مركب ‪ ,‬لذا فإن‬
‫الصوت ل يمكن أن يكون قد صدر عن أي إنسان ‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫أجفل ‪ ,‬متعجب ا ممن أو مما ناداه بهذا الوضوح ‪ ,‬نظر في كل الجهات حأوله و رأى أن‬
‫سلحأفاة قد جاءت دون علمه إلى جانب المركب ‪ .‬رأى يوراشيما بدهشة أنها كانت ذات السلحأفاة‬
‫التي أنقذها اليوما الفائت ‪.‬‬
‫قال يوراشيما ‪ " :‬حأسن ا ‪ ,‬سيدة سلحأفاة ‪ ,‬أكنت أنت من صاح باسمي الن ؟"‬
‫أشارت السلحأفاة برأسها عدة مرات ‪ ,‬و قالت ‪:‬‬
‫" أجل ‪ ,‬أنا ‪ :‬بالمس في ظلك المحأترما تما إنقاذ حأياتي ‪ ,‬و قد حأضرت لعصبقر لك عن‬
‫شكري و لخبرك كما أنا ممتنة لكرمك نحأوي ‪".‬‬
‫قال يوراشيما ‪ " :‬حأقا ‪ ,‬ذاك من أدبك الكبير ‪ .‬اصعدي إلى المركب ‪ .‬كنت أود أن أقدما‬
‫لك سيجارة ‪ ,‬لكنك سلحأفاة فأنت بل شك ل تدخنين ‪ " ,‬و ضحأك الصياد من النكتة ‪.‬‬
‫ضحأكت السلحأفاة " هي ـ هي ـ هي ـ هي ! ؛ً ساكه ) شراب الرز ( هي شرابي المنعش‬
‫المفضل ‪ ,‬لكنني ل أهتما بالتبغ ‪".‬‬
‫قال يوراشيما ‪ " :‬حأقا ‪ ,‬أنا آسف كثي ار جدا لنني ليس لدي )ساكه ( في مركبي لقدما لك‬
‫‪ ,‬لكن اصعدي و جففي ظهرك في الشمس ـ فالسلحأف دائما تحأب أن تفعل ذلك ‪".‬‬
‫وهكذا تسلقت السلحأفاة إلى المركب ‪ ,‬بمساعدة الصياد ‪ ,‬و بعد تبادل كلمات المجاملة‬
‫قالت السلحأفاة‪:‬‬
‫" هل رأيت قط رن جن ‪ ,‬قصر التنين ملك البحأر ‪ ,‬يا يوراشيما؟"‬
‫هز الصياد رأسه و أجاب ‪ " :‬ل ؛ً كان البحأر وطني عاما بعد عاما ‪ ,‬و مع أنني سمعت‬
‫كثي ار عن عالما الملك التنين تحأت البحأر فإنني لما أقر بعد ذاك المكان العجيب ‪ .‬ل بد أنه بعيد جدا ‪,‬‬
‫إن كان موجودا أصلا ! "‬
‫" هل المر حأق ا كذلك ؟ أنت لما تر قط قصر ملك البحأر ؟ إذن فقد فاتتك رؤية أعجب‬
‫المشاهد في كل الدنيا ‪ .‬إنه بعيد جدا في قعر البحأر ‪ ,‬لكنني لو أخذتك إلى هناك فسنصل إلى‬
‫المكان في وقت قصير ‪ .‬إذا أحأببت أن ترى أرض ملك البحأر فسأكون دليلتك ‪" .‬‬
‫" أنا ارغب ‪ ,‬بالتأكيد ‪ ,‬أن أذهب إلى هناك ‪ ,‬و لطف منك أن تفكري بأخذي ‪ ,‬لكن عليك‬
‫أن تتذكري أنني لست سوى إنسان ضعيف ‪ ,‬و ليس لدي المقدرة على السباحأة كمخلوق بحأري مثلك‬
‫"‬
‫قبل أن يتمكن الصياد من أن يقول المزيد أوقفته السلحأفاة ‪ ,‬قائلة ‪:‬‬
‫" ماذا؟ ل حأاجة لن تسبح بنفسك‪ .‬إن ركبت على ظهري فسآخذك دون أية مشكلة لك‪".‬‬
‫قال يوراشيما ‪ " :‬لكن كيف لي أن أركب على ظهرك الصغير ؟ "‬
‫" ربما بدا لك المر مضحأك ا ‪ ,‬لكنني أؤكد لك أنك تستطيع أن تفعل ذلك ‪ .‬حأاول مرة ! فقط‬
‫تعال و اركب على ظهري ‪ ,‬و انظر ما إذا كان هذا مستحأيلا كما تظن ! "‬

‫‪18‬‬
‫حأين أنهت السلحأفاة الكلما ‪ ,‬نظر يوراشيما إلى قوقعتها ‪ ,‬و غريب أن نقول أنه رأى أن هذه‬
‫المخلوقة كبرت فجأة بالقدر الذي يستطيع معه النسان أن يجلس بسهولة على ظهرها‪.‬‬
‫قال يوراشيما ‪ " :‬هذا غريب حأقا ! إذن أيتها السيدة سلحأفاة ‪ ,‬بإذنك الكريما سأركب على‬
‫ظهرك ‪ -.‬و صاح حأين قفز عليها ‪ -‬دوكويشو ! "‪.1‬‬
‫قالت السلحأفاة ‪ ,‬بوجه جامد ‪ ,‬كما لو أن هذا التصرف الغريب كان حأدث ا عادي ا تماماا‪:‬‬
‫" الن سنبدأ على مهلنا ‪ " ,‬و مع هذه الكلمات قفزت إلى داخل الماء ‪ ,‬و يوراشيما على‬
‫ظهرها ‪.‬‬
‫غاصت السلحأفاة عبر الماء إلى السفل ‪ .‬مضى هذان الرفيقان الغريبان لوقت طويل خلل الماء‪.‬‬
‫لما يتعب يوراشيما أبدا ‪ ,‬و ل تبللت ثيابه بالماء ‪ .‬أخي ار ‪ ,‬و من مسافة بعيدة بدت بوابة ضخمة ‪,‬‬
‫ووراء البوابة ‪ ,‬السقف الطويلة المائلة لقصر عند الفق ‪.‬‬
‫" ياه ‪ ",‬تعجب يوراشيما " يبدو أن البوابة لقصر كبير يظهر الن ! يا سيدة سلحأفاة ‪ ,‬هل لك‬
‫أن تخبريني ما ذاك القصر الذي نستطيع أن نراه الن ؟"‬
‫" تلك هي البوابة العظيمة لقصر رن جن ‪ .‬السقف الكبير الذي تراه وراء البوابة هو قصر‬
‫ملك البحأر ذاته ‪" .‬‬
‫قال يوراشيما ‪ ":‬إذن فقد وصلنا أخي ار إلى عالما ملك البحأر و قصره ‪",.‬‬
‫أجابت السلحأفاة ‪ ":‬أجل ‪ ,‬حأق ا ‪ ,‬ثما أل تعتقد أننا وصلنا بسرعة كبيرة ؟" و بينما كان يتكلما‬
‫وصلت السلحأفاة إلى جانب البوابة ‪ .‬ها نحأن هنا ‪ ,‬و عليك أن تمشي من فضلك من هنا‪".‬‬
‫مضت السلحأفاة الن في المقدمة ‪ ,‬و قالت مخاطبة حأارسة الباب ‪:‬‬
‫" ها هو يوراشيما تارو من بلد اليابان ‪ .‬قد حأظيت بشرف إحأضاره كزائر للمملكة ‪ .‬أرجو‬
‫أن تدلوه إلى الطريق ‪".‬‬
‫ثما قامت حأارسة الباب التي كانت سمكة فو ار بقيادتهما عبر البوابة ‪.‬‬
‫خرجت سمكة البراميس الحأمراء ‪ ,‬و سمكة الفلوندر ‪ ,‬و سمكة موسى ‪ ,‬و الحألبار ‪ ,‬و كل‬
‫الخدما الرئيسيين للتنين ملك البحأر بانحأناءات لبقة للترحأيب بالغريب ‪.‬‬
‫" يوراشيما ساما ‪ ,‬يوراشيما ساما ! أهلا بك في قصر البحأر ‪ ,‬موطن التنين ملك البحأر ‪.‬‬
‫مرحأب ا بك ثلث ا ‪ ,‬كونك جئت من بلد بعيد كهذا ‪ .‬و أنت يا سيدة سلحأفاة ‪ ,‬نحأن مدينون لك كثي ار‬
‫لعنائك في إحأضار يوراشيما إلى هنا ‪ ".‬ثما قالوا ‪ ,‬ملتفتين ثانية إلى يوراشيما‪ :‬اتبعنا من فضلك في‬
‫هذا التجاه ‪",‬‬
‫و من هنا أضحأت عصبة السماك كلها أدلء له ‪.‬‬

‫‪ " - 1‬حسناا " )وهي كلمة تستخدم فقط بين الطبقات الدنيا من المجتمع(‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫لما يعرف يوراشيما ‪ ,‬لنه مجرد صياد شاب فقير ‪ ,‬كيف يتصرف في القصر ؛ً لكن ‪ ,‬و مع‬
‫أن ذلك غريب بالنسبة له ‪ ,‬لما يشعر بالخجل أو الرتباك ‪ ,‬و إنما تبع دليلته اللطيفات بهدوء إلى‬
‫حأيثا قدنه إلى القصر الداخلي ‪ .‬حأين وصل البوابات خرجت أميرة جميلة مع مرافقاتها العذ اروات‬
‫للترحأيب به‪ .‬كانت أجمل من أي كائن إنساني ‪ ,‬و كانت مكسوة بأكسية متهدلة حأمراء و خضراء‬
‫ناعمة مثل الجانب السفلي لموجة ‪ ,‬و أومضت الخيوط الذهبية خلل طيات عباءتها ‪ .‬و جرى‬
‫ي ابنة ملك منذ مئات سنوات عديدة مضت ‪ ,‬و حأين كانت‬
‫شعرها السود الجميل على كتفيها في ز ل‬
‫تتكلما كان صوتها يتردد مثل موسيقى فوق الماء ‪ .‬استغرق يوراشيما في عجب بينما كان ينظر إليها‬
‫‪ ,‬و لما يستطع أن يتكلما ‪ .‬ثما تذكر أن عليه أن ينحأني ‪ ,‬و لكن قبل أن يتمكن من أن يقوما بانحأناءة‬
‫ضئيلة تناولته الميرة من يده و قادته إلى قاعة جميلة ‪ ,‬و إلى مقعد الشرف عند الطرف العلوي ‪ ,‬و‬
‫دعته إلى الجلوس ‪.‬‬
‫قالت الميرة " يا يوراشيما تارو ‪ ,‬إنه لمما يمنحأني أقصى السرور أن أرحأب بك في مملكة أبي‬
‫‪.‬‬
‫البارحأة حأررت سلحأفاة ‪ ,‬و أنا أرسلت إليك لشكرك على إنقاذ حأياتي ‪ ,‬لنني كنت أنا السلحأفاة ‪.‬‬
‫ك أن هنا إلى البد في أرض الشباب البدي ‪ ,‬حأيثا الصيف ل يموت أبدا و حأيثا‬
‫ت فل ق‬
‫الن لو شئ ق‬
‫ل أحأزان أبدا ‪ ,‬و سأكون عروسك لو أردت ‪ ,‬و سنحأيى مع ا بسعادة إلى البد بعدئذ !"‬
‫وبينما كان يوراشيما يصغي إلى كلماتها الحألوة و يحأدق في وجهها الجميل امتل قلبه بدهشة‬
‫عظيمة و بهجة ‪ ,‬و أجابها ‪ ,‬متسائلا ما إذا كان كل ذلك حألما ‪:‬‬
‫" شك ار ألف مرة على كلمك اللطيف ‪ .‬ليس هناك ما أرغب به أكثر من أن يؤذن لي في أبقى‬
‫هنا معكما في هذه الرض الجميلة ‪ ,‬التي سمعت عنها كثي ار ‪ ,‬و لكنني لما أرها إلى هذا اليوما‪.‬‬
‫بعيدا عن كل ما يمكن أن يقال ‪ ,‬هذا هو أكثر المكنة التي رأيتها إدهاش ا على الطلق ‪".‬‬
‫و فيما كان يتكلما ظهر سرب من السماك ‪ ,‬ترتدي كلها ملبس رسمية تلمس الرض واحأدة‬
‫واحأدة ‪ ,‬دخلن القاعة ‪ ,‬بصمت و بخطوات فخمة ‪ ,‬يحأملن على صحأاف مرجانية أطعمة شهية و‬
‫طحألبا بحأريا ‪ ,‬ل يمكن لحأد أن يحألما بمثلها ‪ ,‬و مدت هذه الوليمة الرائعة أماما العروس و العريس ‪.‬‬
‫تما الحأتفال بالزفاف بروعة مبهرة و كان في عالما ملك البحأر ابتهاج عظيما ‪ .‬حأالما شرب الزوجان‬
‫الشابان نخبيهما بكأس شراب العرس ثلث ا في ثلثا ‪ ,‬عزفت الموسيقى ‪ ,‬و غنيت الغاني ‪ ,‬و‬
‫دخلت أسماك بحأراشف فضية و أذيال ذهبية من المواج و رقصت ‪ .‬تمتع يوراشيما من كل قلبه ‪.‬‬
‫فهو لما يجلس قط كل حأياته إلى مثل هذه الوليمة المدهشة ‪.‬‬
‫حأين انتهت الوليمة سألت الميرة العريس ما إذا كان يرغب في التجول خلل القصر و رؤية‬
‫كل ما تنبغي رؤيته ‪ .‬ثما أطلع الصياد السعيد ‪ ,‬متابع ا عروسه ‪ ,‬ابنة ملك البحأر ‪ ,‬على كل عجائب‬
‫تلك الرض المسحأورة حأيثا الشباب و البهجة يمضيان يدا بيد فل الزمن و ل العمر يمكن أن تؤثر‬

‫‪20‬‬
‫فيهما ‪ .‬كان القصر مبني ا من الرجوان و مزين ا بالللئ ‪ ,‬و كانت جماليات و عجائب القصر من‬
‫العظمة بحأيثا يعجز اللسان عن وصفها ‪.‬‬
‫لكن ‪ ,‬بالنسبة ليوراشيما ‪ ,‬ما كان أكثر إدهاشا من القصر هو الحأديقة المحأيطة به ‪ .‬فهنا يشاهد‬
‫في آن واحأد منظر الفصول الربعة ؛ً كانت جماليات الصيف و الشتاء ‪ ,‬و الربيع و الخريف ‪,‬‬
‫معروضة للزائر المتعجب في وقت واحأد ‪.‬‬
‫في البداية ‪ ,‬حأين نظر إلى الشرق ‪ ,‬كانت أشجار الكرز و الخوخ تشاهد بكامل إزهارها ‪ ,‬وكانت‬
‫طيور العندليب تغني في الممرات القرمزية المشجرة ‪ ,‬و الفراشات تطير من زهرة إلى زهرة ‪.‬‬
‫ونظر إلى الجنوب فكانت كل الشجار خضراء في أوان اكتمال الصيف ‪ ,‬و زيكز النهار و‬
‫كجبدكجكد الليل كانا يصوتان على نحأو مرتفع ‪.‬‬
‫ونظر إلى الغرب فكانت أشجار القيقب الخريفية مشتعلة مثل سماء الغروب ‪ ’,‬و كانت‬
‫القحأوانات في أوان اكتمالها ‪.‬‬
‫إواذ نظر إلى الشمال جعقل التبدكل يوراشيما كيبجتفكل ‪ ,‬لن الرض كانت بيضاء من أثر الثلج ‪ ,‬و‬
‫كانت الشجار و البامبو مغطاة أيضا بالثلج و كانت البركة سميكة من أثر الجليد ‪.‬‬
‫و كل يوما كانت هناك مسرات جديدة و عجائب جديدة بالنسبة ليوراشيما ‪ ,‬و كانت سعادته‬
‫عظيمة جدا بحأيثا أنه نسي كل شيء ‪ ,‬حأتى البيت الذي خلفه وراءه ووالديه ووطنه‪ ,‬و مرت ثلثة‬
‫أياما دون أن يفكر بكل ما تركه وراءه ‪ .‬ثما ثاب إليه عقله و تذكر من يكون ‪ ,‬و أنه ل ينتمي إلى هذه‬
‫الرض العجيبة أو إلى قصر ملك البحأر ‪ ,‬و قال لنفسه ‪:‬‬
‫" يا إلهي ! يجب أل أستمر في القامة هنا ‪ ,‬لن لي أبا شيخا و أما في البيت ‪ .‬ماذا يمكن أن‬
‫يكون قد حأصل لهما خلل كل هذا الوقت ؟ ل بد أنهما كانا قلقين كثي ار كل هذه الياما حأين لما أعد‬
‫كالمعتاد ‪ .‬علي أن أعود حأالا دون أن أدعا يوم ا آخر يمر ‪ " .‬و بدا يعد للرحألة بعجلة كبيرة ‪.‬‬
‫ثما ذهب إلى زوجته الجميلة ‪ ,‬الميرة ‪ ,‬و قال منحأني ا أمامها ‪:‬‬
‫" في الواقع ‪ ,‬أنني كنت سعيدا جدا معك لفترة طويلة ‪ ,‬يا أوتوهيمه ساما )لن ذاك كان اسمها( ‪,‬‬
‫و لقد كنت لي أكثر لطفا من أن تستطيع الكلمات أن تعبر ‪ .‬لكنني علي الن أن أقول وداعا ‪ .‬علي‬
‫أن أعود إلى والدي ‪".‬‬
‫عندها بدأت أوتوهيمه ساما تبكي ‪ ,‬و قالت برقة و حأزن ‪:‬‬
‫" ألست مسرو ار هنا ‪ ,‬يا يوراشيما ‪ ,‬حأتى رغبت في أن تغادرني بصورة عاجلة أكثر من اللزما ؟‬
‫لما العجلة ؟ ابق معي يوما آخر فقط ‪".‬‬
‫لكن يوراشيما كان قد تذكر والديه ‪ ,‬و الواجب في اليابان نحأو البوين أقوى من أي شيء آخر ‪,‬‬
‫أقوى حأتى من السرور أو الحأب ‪ ,‬و هو ل يمكن أن يقتنع ‪ ,‬لكنه أجاب ‪:‬‬

‫‪21‬‬
‫" حأق ا ‪ ,‬إن علي أن أذهب ‪ .‬ل تحأسبي أنني راغب في تركك ‪ .‬المر ليس كذلك ‪ .‬يجب أن‬
‫أذهب و أرى والدي العجوزين ‪ .‬دعيني أذهب ليوما واحأد و سأعود إليك ‪" .‬‬
‫قالت الميرة بأسى ‪ " :‬إذن ‪ ,‬ليس هناك ما يمكن فعله ‪ .‬سأعيدك اليوما إلى أبيك و أمك ‪ ,‬و بدلا‬
‫من أن أحأاول أن أحأتفظ بك معي يوم ا آخر ‪ ,‬سأمنحأك هذا كعلمة على حأبنا ـ أرجوك أعده معك‬
‫" ؛ً و أحأضرت له صندوق ا مطلي ا بالورنيش يلتف حأوله رباط حأريري و شرابات من حأرير أحأمر ‪.‬‬
‫كان يوراشيما قد استلما الكثير الكثير من الميرة حأتى الن بحأيثا أنه شعر بوخز الضمير في أخذ‬
‫الهدية ‪ ,‬و قل ‪ " :‬ل يبدو أنه من الصواب أن آخذ مع ذلك هدية أخرى منك بعد كل المنن الكثيرة‬
‫التي تلقيتها على يديك ‪ ,‬لكن بما أنها رغبتك فسأفعل ‪ ",‬ثما أضاف ‪:‬‬
‫" أخبريني ما هذا الصندوق ؟"‬
‫أجابت الميرة ‪ ":‬ذاك تاماتيه ـ باكو ) صندوق اليد الجوهرة ( ‪ ,‬و هو يحأتوي شيئ ا ثمين ا جدا ‪.‬‬
‫يجب أل تفتح هذا الصندوق ‪ ,‬مهما ط أر ! إن فتحأته فسيصيبك شيء فظيع ! عدني الن أنك لن‬
‫تفتح هذا الصندوق أبدا !"‬
‫ووعد يوراشيما أن ل يفتح الصندوق أبدا أبدا مهما حأدثا ‪.‬‬
‫ثما نزل مؤدي ا تحأية الوداعا لوتوهيمه ساما إلى شاطئ البحأر ‪ ,‬تتبعه الميرة و مرافقوها ‪ ,‬و هناك‬
‫وجد سلحأفاة كبيرة تنتظره ‪.‬‬
‫صعد بسرعة ظهر تلك المخلوقة و حأمل بعيدا فوق البحأر المتألق نحأو الشرق ‪.‬‬
‫التفت إلى الخلف ليلوح بيده لتوهيمه ساما إلى أن لما يعد يستطيع أخي ار أن يراها مطلقاا‪ ,‬وغابت‬
‫أرض ملك البحأر و أسطحأة القصر المدهش ضاعت في لمسافة البعيدة‪ ,‬البعيدة ‪ .‬ثما ‪ ,‬نظر ‪,‬‬
‫ووجهه متلفت بشوق صوب أرضه ‪ ,‬إلى بروز التلل الزرق عند الفق أمامه‪.‬‬
‫أخي ار حأملته السلحأفاة إلى خليج يعرفه جيدا ‪ ,‬و إلى الشاطئ الذي قد أبحأر منه ‪ .‬خطا على‬
‫الشاطئ و نظر حأواليه بينما مضت السلحأفاة بعيدا إلى عالما ملك البحأر ‪.‬‬
‫لكن ما هذا الخوف الغريب الذي يتملك يوراشيما حأالما يقف و ينظر حأوله ؟ لماذا تراه يحأدق‬
‫بثبات أكثر من اللزما إلى الناس الذين يمرون به ‪ ,‬و لماذا يقفون هما بدورهما و ينظرون إليه ؟‬
‫الشاطئ نفسه و التلل نفسها ‪ ,‬لكن الناس الذي يراهما يمشون مرو ار به لهما وجوه تختلف عن تلك‬
‫التي كان يعرفها بصورة جيدة من قبل ‪.‬‬
‫مشى بسرعة نحأو بيته القديما‪ ,‬متعجب ا مما عسى أن يعنيه هذا المر‪ .‬حأتى هو بدا مختلفاا‪ ,‬لكن‬
‫بيتا نهض في البقعة ‪ ,‬وها هو ينادي صائحأا ‪:‬‬
‫ت للتو !" و كان على وشك الدخول ‪ ,‬حأين رأى رجلا غريبا يخرج ‪.‬‬
‫" يا أبي ‪ ,‬لقد عد ك‬
‫فكر الصياد ‪ ":‬لعل والدي انتقل حأين كنت بعيدا ‪ ,‬و ذهبا إلى مكان آخر ‪".‬‬
‫أخذ يشعر على نحأو ما بقلق غريب ‪ ,‬لما يستطع أن يقول لماذا ‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫قال ‪ ":‬عفوا " للرجل الذي كان يحأدق به " لكن حأتى خلل بضعة الياما الخيرة كنت أعيش في هذا‬
‫البيت ‪ .‬اسمي يوراشيما تارو ‪ .‬أين ذهب والدي اللذان تركتهما هنا ؟"‬
‫حأل تعبير مرتبك على وجه الرجل ‪ ,‬و قال و هو ما يزال يحأدق بتركيز إلى وجه يوراشيما ‪:‬‬
‫" ماذا؟ هل أنت يوراشيما تارو ؟"‬
‫قال الصياد ‪ ":‬أجل أنا يوراشيما ضحأك الرجل هاها ! يجب أل تلقي مثل هذه النكات ‪ .‬صحأيح أنه‬
‫عاش في يوما من الياما رجل يدعى يوراشيما تارو في هذه القرية ‪ ,‬لكن تلك قصة عمرها ثلثمائة‬
‫عاما ‪ .‬ل يمكنه أن يكون حأيا الن !"‬
‫حأين سمع يوراشيما هذه الكلمات الغريبة خاف ‪ ,‬و قال ‪:‬‬
‫" من فضلك ‪ ,‬من فضلك ل تمازحأني فأنا محأتار بصورة كبيرة ‪ .‬أنا حأق ا يوراشيما تارو ‪ ,‬وأنا‬
‫ق هذه البقعة ‪ .‬أخبرني‬
‫بالتأكيد لما أعش ثلثمائة عاما ‪ .‬حأتى قبل أربعة أو خمسة أياما كنت أعيش فو ق‬
‫بما أريد أن أعرف دون مزيد من المزاح ‪ ,‬من فضلك ‪".‬‬
‫لكن وجه الرجل صار رزينا شيئا فشيئا و أجاب ‪:‬‬
‫" يمكن أن تكون يوراشيما تارو أو ل تكون ‪ ,‬أنا ل أعرف ‪ .‬لكن يوراشيما تارو الذي سمعت‬
‫به هو رجل عاش منذ ثلثمائة عاما ‪ .‬لعلك روحأه جئت لتزور بيتك القديما ؟"‬
‫قال يوراشيما ‪ ":‬لماذا ته أز بي ؟ أنا لست روحأ ا ! أنا رجل حأي ـ أل ترى قدمي " ؛ً و " دن دن‬
‫‪ ",‬داس على الرض ‪ ,‬أول بقدما واحأدة ثما بالثانية ليري الرجل ‪ ) .‬الشباح في اليابان ل أرجل لها ‪(.‬‬
‫أصر الرجل الذي لما يستطع أن يصدق ما قاله الصياد " لكن يوراشيما تارو عاش منذ‬
‫ثلثمائة عاما ‪ ,‬ذاك كل ما أعرفه ؛ً إنه مكتوب في سجلت القرية ‪".‬‬
‫ضاعا يوراشيما في حأيرة و مأزق ‪ .‬وقف ناظ ار حأواليه ‪ ,‬مرتبك ا بصورة مرعبة ‪ ,‬و‪ ,‬حأقاا‪ ,‬فإن‬
‫بعض ا من مظهر كل شيء كان مختلف ا عما تذكره قبل أن يذهب بعيدا ‪ ,‬و الشعور المرعب الذي أليما‬
‫به من أن ما قاله الرجل ربما كان صادق ا ‪ .‬بدا كأنه في حألما غريب ‪ .‬الياما القليلة التي قضاها في‬
‫قصر ملك البحأر فيما وراء البحأر لما تكن أياما أبدا ؛ً بل كانت مئات من السنين ‪ ,‬و في ذلك الزمن‬
‫مات والداه و كل الناس الذين عرفهما ‪ ,‬و سجلت القرية قصته ‪ .‬ل فائدة من البقاء هنا أكثر ‪ .‬عليه‬
‫أن يعود إلى زوجته الجميلة وراء البحأر ‪.‬‬
‫شق طريقه عائدا إلى الشاطئ ‪ ,‬حأاملا في يده الصندوق الذي أعطته إياه الميرة ‪ .‬لكن أي‬
‫طريق هو ؟ لما يقدر أن يكتشفه بمفرده ! فجأة تذكر الصندوق ‪ ,‬التاماتيه ـ باكو ‪.‬‬
‫" أخبرتني الميرة حأين أعطتني الصندوق أل أفتحأه ـ وأنه يتضمن شيئا ثمينا جدا ‪ .‬لكن بما‬
‫ق قلبي من الحأزن ‪ ,‬في‬ ‫ت كل ما كان عزي از عليي هنا ‪ ,‬ور ي‬
‫أنني ل أملك بيتا الن‪ ,‬و بما أنني فقققبد ك‬
‫مثل هذا الوقت ‪ ,‬لو فتحأت الصندوق ‪ ,‬فمن المؤكد أنني سأجد شيئ ا يعينني ‪ ,‬شيئ ا يهديني سبيل‬

‫‪23‬‬
‫العودة إلى أميرتي الجميلة فوق البحأر ‪ .‬ليس ثما شيء آخر أفعله ‪ .‬بل ‪ ,‬بل ‪ ,‬سأفتح الصندوق و‬
‫أنظر !"‬
‫و هكذا وافق قلبه على فعل هذه المعصية ‪ ,‬و حأاول أن يقنع نفسه بأنه كان يفعل الشيء‬
‫الصحأيح بحأنثه بوعده ‪.‬‬
‫ببطء شديد ‪ ,‬فك الرباط الحأريري الحأمر ‪ ,‬ببطء و بانشداه رفع غطاء الصندوق الثمين‪ .‬فماذا‬
‫وجد ؟ غريب أن نقول إن سحأابة صغيرة قرمزية اللون بثلثة فروعا برزت من الصندوق فقط‪ .‬غطت‬
‫وجهه للحأظة ورفرفت فوقه كأنها تكره أن تذهب ‪ ,‬ثما طفت بعيدا مثل بخار فوق البحأر ‪.‬‬
‫يوراشيما ‪ ,‬الذي ظل حأتى تلك اللحأظة مثل شاب وسيما في سن الرابعة و العشرين ‪ ,‬غدا فجأة‬
‫كبي ار جدا جدا ‪ .‬انحأنى ظهره من الكبر‪ ,‬و غدا شعره أبيض كالثلج ‪ ,‬تجعد وجهه و سقط ميت ا على‬
‫الشاطئ ‪.‬‬
‫مسكين يوراشيما ! لما يستطع أبدا بسبب ذنبه أن يعود إلى عالما ملك البحأر أو إلى الميرة الحأبيبة‬
‫وراء البحأر ‪.‬‬
‫أيها الطفال الصغار ‪ ,‬ل تعصوا أبدا من هما أحأكما منكما ‪ ,‬لن العصيان هو البداية لكل شقاوات‬
‫و أحأزان الحأياة ‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫المزارع و الغرير‬
‫في الماضي البعيد ‪ ,‬البعيد ‪ ,‬كان يعيش م ازرعا عجوز و زوجته أقاما بيتهما في الجبال‪,‬‬
‫بعيدا عن أية بلدة ‪ .‬جارهما الوحأيد كان كغري ار سيئا و ماك ار ‪ .‬اعتاد هذا الغرير أن يخرج كل ليلة و‬
‫ينطلق نحأو حأقل الكم ازترعا و يفسد الخض اروات و الرز الذي أنفق الم ازرعا وقته في رعايتها باهتماما ‪.‬‬
‫في النهاية أصبح الغرير ل يرحأما في عمله المؤذي بصورة ل تطاق ‪ ,‬و تسبب في كثير من الضرر‬
‫في كل مكان من المزرعة ‪ ,‬بحأيثا أن الم ازرعا الودود لما يعد يطيق أن يحأتمله أكثر ‪ ,‬و قرر أن يضع‬
‫حأدا له ‪ .‬لذا فقد كمن يوما بعد يوما و ليلة في إثر ليلة ‪ ,‬بهراوة كبيرة ‪ ,‬على أمل أن يمسك بالغرير ‪,‬‬
‫لكن ذلك كله كان دون جدوى ‪ .‬ثما نصب مصائد للحأيوان الشرير‪.‬‬
‫لقي عناء الم ازرعا و صبره جزاءه ‪ ,‬ففي أحأد الياما الجميلة وجد ‪ ,‬أثناء ذهابه في جولته ‪,‬‬
‫الغرير أسي ار في حأفرة حأفرها هو لذلك الغرض ‪ .‬سر الم ازرعا للقاء القبض على عدوه‪ ,‬وحأمله إلى‬
‫بيته بأمان مقيدا بحأبل ‪ .‬حأين وصل الم ازرعا إلى البيت قال لزوجته ‪:‬‬
‫" أخي ار أمسكت الغرير السيئ ‪ .‬عليك أن كتبقي عينيك مفتوحأتين عليه حأين أكون خارج ا في‬
‫العمل و أل تدعيه يفلت ‪ ,‬لنني أريد أن أضعه في الحأساء هذه الليلة ‪" .‬‬
‫بعد أن قال هذا ‪ ,‬علق الغرير إلى عوارض مخزنه و خرج إلى عمله في الحأقول ‪ .‬كان‬
‫الغرير في كرب عظيما ‪ ,‬لن فكرة أن يصنع منه حأساء تلك الليلة ‪,‬لما ترق له على الطلق‪ ،‬و فكر‬
‫و فكر طويلا ‪ ,‬محأاولا أن يكتشف خطة يمكنه من خللها أن ينجو ‪ .‬كان صعب ا أن يفكر بوضوح‬
‫في وضعيته غير المريحأة ‪ ,‬فقد كان معلق ا رأس ا على عقب ‪ .‬وقفت العجوز زوجة الم ازرعا ‪,‬بالقرب‬
‫منه ‪ ,‬عند مدخل المخزن ‪ ,‬ناظرة إلى الخارج نحأو الحأقول الخضراء و الشجار و أشعة الشمس‬
‫اللطيفة ‪ ,‬و هي تطحأن الشعير ‪ .‬بدت متعبة وهرمة ‪ .‬تغ ي‬
‫ضن وجهها بتجاعيد كثيرة ‪ ,‬و كان أسمر‬
‫اللون كالجلد الجاف‪ ,‬وبين حأين و آخر كانت تتوقف لتجفف العرق الذي يتصبب من وجهها ‪.‬‬
‫قال الغرير الماكر ‪ " :‬سيدتي العزيزة ‪ ,‬ل بد أنك مرهقة من أداء مثل هذا العمل الثقيل في‬
‫مثل سنك ‪ .‬هلل تركتني أفعل ذلك نيابة عنك ؟ فذراعاي قويتان ‪ ,‬و أستطيع أن أريحأك لفترة‬
‫قصيرة! "‬
‫قالت المرأة العجوز ‪ " :‬شك ار لك على لطفك ‪ ,‬لكنني ل أستطيع أن أدعك تفعل هذا العمل‬
‫نيابة عني لنني ل يجب أن أفك قيدك ‪ ,‬فأنت ربما تهرب إن أنا فعلت ‪ ,‬و سيغضب زوجي جدا لو‬
‫أنه عاد إلى البيت ووجد أنك مضيت في سبيلك‪".‬‬
‫الغرير واحأد من أمكر الحأيوانات ‪ ,‬لذا فقد قال ثانية بصوت حأزين و لطيف جدا ‪:‬‬

‫‪25‬‬
‫" أنت قاسية جدا ‪ .‬وبإمكانك أن تفكي رباطي ‪ ,‬لنني أقتعكد بأل أحأاول الهرب ‪ .‬إوان كنت‬
‫خائفة من زوجك ‪ ,‬فسأقدكعتك تقيديني ثانية قبل عودته بعد أن أكون قد أنهيت طحأن الشعير ‪.‬‬
‫أنا متعب أكثر من اللزما ومتألما من التقييد في العلى هكذا ‪ .‬لو أنك تدعينني فقط أنزل لبضعة‬
‫دقائق فسأكون شاك ار حأق ا ! "‬
‫كانت المرأة العجوز ذات طبيعة طيبة و بسيطة ‪ ,‬و ل يمكنها أن تسيء الظن بأحأد‪.‬‬
‫ت بالسف ‪ ,‬أيض ا ‪,‬‬
‫ولما يدر في خلدها على الطلق أن الغرير كان يخدعها فقط كي يفر ‪ .‬قشقعقر ب‬
‫لجل الحأيوان حأين التفتت لتنظر إليه ‪ .‬فقد بدا في وضع محأزن معلقا من السقف إلى أسفل من‬
‫أرجله ‪ ,‬التي كانت كلها مقيدة معا بشدة زيادة عن الحأد بحأيثا أن الحأبل و الكعقققد كانت تغيب في‬
‫الجلد ‪ .‬لذا حألت الرباط و أنزلته لطيبة قلبها ‪ ,‬مصدقة وعد المخلوق بأنه لن يهرب بعيداا‪.‬‬
‫ثما ناولته المرأة العجوز التمديقة و طلبت إليه أن يقوما بالعمل لمدة قصيرة بينما تستريح ‪.‬‬
‫ب منه ‪ ,‬قفز الغرير فو ار على المرأة العجوز و‬ ‫ت‬
‫تناول المدقة ‪ ,‬و بدلا من أن يؤدي العمل كما طكل ق‬
‫طعها وصنع منها حأسااء ‪ ,‬وانتظر عودة الم ازرعا العجوز‬ ‫أسقطها بقطعة الخشب الثقيلة ‪ .‬ثما قتلها وق ي‬
‫‪.‬‬
‫عمل الرجل العجوز بجد في حأقوله طوال النهار ‪,‬و فكر بينما كان يعمل ‪ ,‬بسرور أنه لن يتما إفساد‬
‫عمله بعد الن من قبل الغرير المخرب ‪.‬‬
‫عند المغيب ترك عمله و استدار ليذهب إلى البيت ‪ .‬كان متعب ا كثي ار ‪ ,‬لكن فكرة العشاء‬
‫الجميل من حأساء الكغرير الساخن الذي ينتظر عودته أبهجته ‪ .‬و لما تخطر على باله فكرة أن الغرير‬
‫يمكن أن يفلت و ينتقما من المرأة العجوز المسكينة ‪.‬‬
‫في هذه الثناء تنكر الغرير على هيئة المرأة العجوز ‪ ,‬و حأالما رأى الم ازرعا العجوز يقترب خرج‬
‫ليحأييه من شرفة البيت الصغير ‪ ,‬قائلا ‪:‬‬
‫ت حأساء الغرير و أنا بانتظارك منذ وقت طويل ‪" .‬‬
‫ت أخي ار ‪ .‬لقد صنع ك‬
‫" كعبد ق‬
‫خلع الم ازرعا العجوز كخيفيه المصنوعين من القش بسرعة و جلس أماما صينية عشائه‬
‫الصغيرة ‪ .‬لما يتخيل الرجل المسكين حأتى في المناما أنها ليست زوجته إوانما هو أن الغرير هو من‬
‫كان يقوما على خدمته ‪ ,‬و سأل حأالا عن الحأساء ‪ .‬عندئذ غيير الغرير شكله فجأة ليعود إلى هيئته‬
‫الطبيعية و صاح قائلا ‪:‬‬

‫" أيها الرجل العجوز آكل الزوجة ! ابحأثا عن العظاما في المطبخ ! "‬
‫وهرب من البيت ضاحأكا بصوت مرتفع و بسخرية و ركض بعيدا إلى وكره في التلل ‪.‬‬
‫وتكترك الرجل العجوز وحأيدا ‪ .‬لما يستطع أن يصدق ما رأى وما سمع ‪ .‬ثما حأين أدرك الحأقيقة كاملة‬
‫فزعا وخاف كثيرا بحأيثا أنه أغمي عليه فو ار ‪ .‬بعد برهة أفاق وانفجر بالدموعا ‪ .‬بكى بصوت مرتفع و‬

‫‪26‬‬
‫بم اررة ‪.‬ترنح جيئة وذهاب ا في حأزنه اليائس ‪ .‬بدا المر مخيف ا جدا أن كتقتقل زوجته العجوز المخلصة‬
‫فعلا و طبخت من قبل الغرير بينما هو يعمل بهدوء في الحأقول ‪ ,‬غير عالما بشيء مما كان يجري‬
‫في البيت ‪ ,‬مهنئا نفسه على التخلص إوالى البد من الحأيوان الشرير الذي لطالما أفسد حأقوله ‪.‬‬
‫ويلي! يا للفكرة المرعبة ؛ً كاد يرتشف الحأساء الذي صنعه الحأيوان من امرأته العجوز المسكينة‬
‫‪.‬انتحأب بصوت مرتفع " يا إلهي ‪ ,‬يا إلهي ‪ ,‬يا إلهي ! "‪.‬‬
‫في هذه الظروف ‪ ,‬وغير بعيلد كان يعيش في نفس الجبل أرنب عجوز لطيف وودود ‪.‬‬
‫سمع الرجقل العجوقز وهو يبكي و يتنهد فبدأ في الحأال ينظر ما هي القضية ‪ ,‬و ما إذا كان هناك ما‬
‫يستطيع فعله لمساعدة جاره ‪ .‬أخبره الرجل العجوز بكل ما جرى‪ .‬حأين سمع الرنب القصة غضب‬
‫كثي ار من الغرير الشرير و المخادعا ‪ ,‬و طلب من الرجل العجوز أن يدعا له كل شيء وهو سيثأر‬
‫لموت زوجته ‪ .‬أخي ار تمت مواساة الم ازرعا ‪ ,‬و شكر الرنب‪ ,‬مجفف ا دموعه ‪ ,‬على طيبته في القدوما‬
‫إليه في كربه ‪.‬‬
‫عاد الرنب ‪ ,‬حأين رأى أن الم ازرعا أخذ يهدأ ‪ ,‬إلى بيته ليضع خططه لمعاقبة الغرير ‪.‬‬
‫في اليوما التالي كان الطقس جميلا ‪ ,‬و خرج الرنب ليبحأثا عن الغرير ‪ .‬لما يكن يشاهد في‬
‫أي مكان في الغابة أو على سفح الجبل أو في الحأقول ‪ ,‬لذا ذهب الرنب إلى وكره ووجد الغرير‬
‫مختبئ ا هناك ‪ ,‬فقد كان الحأيوان خائف ا أن كيظتهقر نفسه منذ هرب من بيت الم ازرعا‪ ,‬خشية غضب‬
‫الرجل العجوز ‪.‬‬
‫صاح الرنب ‪:‬‬
‫" لماذا أنت لست في الخارج في مثل هذا اليوما الجميل ؟ أخرج معي ‪ ,‬و سنذهب ونقطع العشب‬
‫فوق التلل مع ا ‪" .‬‬
‫وافق الغرير عن طيب خاطر ‪ ,‬وهو ل يشك أبدا في أن الرنب كان صديقه ‪ ,‬أن يخرج معه مسرو ار‬
‫جدا ليهرب فقط من جوار الم ازرعا و وخوف ا من لقائه ‪ .‬سلك الرنب الطريق الذي يبعد أميالا عن‬
‫بيتيهما ‪ ,‬نحأو التلل حأيثا كان العشب ينمو طويلا و كثيفا وحألوا ‪ .‬بدأ كلهما بالعمل لقطع ما‬
‫يمكنهما حأمله إلى البيت ‪ ,‬لتخزينه من أجل طعامهما الشتوي ‪ .‬حأين قطع كسل كقيل ما أراد ربطاه في‬
‫حأزمتين و انطلقا باتجاه البيت يحأمل كسل حأزمته من العشب على ظهره ‪ .‬في هذه المرة ترك الرنب‬
‫الغرير يمضي أولا ‪.‬‬
‫حأين قطعا جزءا من الطريق أخرج الرنب قطعة من الصوان وأخرى من الفولذ ‪ ,‬و ‪ ,‬أضرما النار‬
‫في حأزمة قشه‪ ،‬صادما لهما فوق ظهر الغرير بينما كان يمشي في المقدمة‪ .‬سمع الغرير صوت‬
‫اصطكاك الصوان‪,‬و سأل ‪:‬‬
‫" ما تلك الضجة ‪ ,‬كراك ‪ ,‬كراك ‪ ,‬؟ "‬

‫‪27‬‬
‫أجاب الرنب " أوه ‪ ,‬لشيء ‪ ,‬أنا فقط قلت " كراك ‪ ,‬كراك " لن هذا الجبل يدعى الجبل‬
‫المطقطق ‪" .‬‬
‫انتشرت النار سريعا في حأزمة العشب الجاف على ظهر الغرير ‪ .‬سأل الغرير ‪ ,‬وهو يسمع‬
‫طقطقة العشب المحأترق ‪ " ,‬ما ذاك ؟"‬
‫أجاب الرنب " و صلنا الن إلى الجبل المشتعل "‬
‫في هذه الثناء كانت الحأزمة قد احأترقت و احأترق كل الشعر الذي على ظهر الغرير‪.‬‬
‫الن عرف ماذا حأدثا من خلل رائحأة دخان العشب المحأترق ‪ .‬ركض الغرير ‪ ,‬وهو يصرخ بألما‬
‫بأسرعا ما أمكنه إلى حأفرته ‪ .‬تبعه الرنب ووجد ه ممدا على فراشه يئن من اللما ‪.‬‬
‫قال الرنب " يا لك من رفيق سيء الحأظ ! ل أستطيع أن أتخيل كيف حأدثا هذا !‬
‫سأحأضر لك دوااء يشفي ظهرك بسرعة ! "‬
‫ب الغرير قد بدأ للتو ‪ .‬وتمنى أن يموت‬
‫مضى الرنب بعيدا مسرو ار ومبتسم ا معتقدا أن عقا ق‬
‫الغرير من أثر حأروقه ‪ ,‬لنه أحأقيس أن ل عقوبة يمكن أن تكون كافية للحأيوان ‪ ,‬الذي كان مذنبا بقتل‬
‫امرأة عجوز مسكينة ل حأيلة لها وثقت به ‪ .‬ذهب إلى البيت وصنع مرهما بمزج بعض مرق التوابل‬
‫و الفلفل الحأمر مع ا ‪.‬‬
‫حأمل هذا إلى الغرير ‪ ,‬لكنه قبل وضعه أخبره أنه ربما يسبب له ألم ا شديدا ‪ ,‬لكنه ينبغي أن‬
‫ب للحأروق وكذا جروح ‪ .‬شكره الغرير و رجاه أن يطبقه حأالا ‪ .‬لكن‬
‫يحأتمله بصبر ‪ ,‬لنه دواسء عجي س‬
‫ليس هناك لغة يمكن أن تصف ألقما الغرير حأالما تما إلصاق الفلفل الحأمر فوق ظهره المتقرح ‪.‬‬
‫تدحأرج مرات و مرات و عوى بصوت عالل ‪ .‬شعر الرنب وهو ينظر إليه ‪,‬أنه قد شرعا بالنتقاما‬
‫لزوجة الم ازرعا ‪.‬‬
‫كان قد مضى على الغرير في الفراش حأوالي شهر ؛ً لكن حأروقه أخي ار ‪ ,‬ورغما تطبيق الفلفل‬
‫الحأمر ‪ ,‬شفيت و اندملت ‪ .‬حأين رأى الرنب أن الغرير آخذ بالتحأسن ‪ ,‬فكر بخطة أخرى يستطيع‬
‫من خللها تحأقيق موت المخلوق ‪ .‬لذا فقد مضى في أحأد الياما ليعود الغرير ويهنئه على شفائه‪.‬‬
‫خلل الحأديثا ذكر الرنب أنه سيذهب لصيد السمك ‪ ,‬وشرح كما هو ممتع صيد السمك‬
‫حأين يكون الطقس جميلا و البحأر هادئ ا ‪.‬‬
‫أصغى الغرير بسرور إلى وصف الرنب للطريقة التي يمضي فيها وقته الن ‪ ,‬و نسي كل‬
‫آلمه و مرضه طيلة شهر ‪ ,‬و فكر كما سيكون مسلي ا لو أنه يستطيع أن يذهب هو أيض ا لصيد‬
‫السمك ؛ً لهذا طلب من الرنب أن يصطحأبه حأين يذهب إلى صيد السمك في المرة القادمة ‪ .‬هذا‬
‫بالضبط ما كان يريده الرنب ‪ ,‬لذا وافق ‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫ثما مضى إلى البيت و بنى زورقين ‪ ,‬واحأدا من الخشب و الخر من صلصال ‪ .‬أخي ار‬
‫كأنج از كلهما ‪ ,‬و حأالما و قف الرنب و نظر إلى عمله شعر بأن كل تعبه سيكافأ إن نجحأت خطته‪,‬‬
‫و استطاعا أن يدبر لقتل الغرير الشرير الن ‪.‬‬
‫جاء اليوما الذي رتب الرنب أن يأخذ فيه الغرير لصيد السمك ‪ .‬احأتفظ بالزورق الخشبي‬
‫لنفسه و أعطى الغرير الزورق الصلصالي ‪ .‬ابتهج الغرير ‪ ,‬الذي ل يعرف شيئ ا عن الزوارق بزورقه‬
‫الجديد و فكر كما هو لطف من الرنب أن يعطيه إياه ‪ .‬ركب كلهما في زورقيهما و انطلقا بعد‬
‫المضي مسافة قليلة من الشاطئ اقترح الرنب أن يجربا زورقيهما و يريا أيهما يستطيع أن يبحأر‬
‫أسرعا‪ .‬تورط الغرير بالقتراح ‪,‬وبدأ كل منها يعمل على أن يجذف بأسرعا ما يستطيع لبعض الوقت ‪.‬‬
‫في منتصف السباق وجد الغرير زورقه يتبعثر إلى كسلر‪ ,‬لن الماء في هذه الحأالة بدأ يلصين‬
‫الصلصال صرخ بخوف كبير للرنب كي يساعده ‪ .‬لكن الرنب أجاب أنه كان يثأر لمقتل المرأة‬
‫العجوز وأن هذا كان قصده طوال الوقت ‪ ,‬و أنه سعيد لنه يظن أن الغرير لقى أخي ار ما يستحأقه‬
‫على كل جرائمه الشريرة ‪ ,‬و أنه سيغرق دون أن يساعده أحأد‪ .‬ثما رفع مجذافه وضرب الغرير بكل‬
‫قوته حأتى سقط مع الزورق الطيني الغارق ولما يعد كيشاقهكد أبداا‪.‬‬
‫هكذا وفى أخي ار بوعده للم ازرعا العجوز‪ .‬استدار الرنب في هذه الثناء و جلذف نحأو‬
‫الشاطئ ‪ ,‬بعد أن نزل إلى اليابسة و جلر زورقه نحأو الشاطئ ‪ ,‬أسرعا عائدا ليخبر الم ازرعا العجوز‬
‫بكل شيء ‪ ,‬وكيف أن عدوه الغرير قد قتل ‪.‬‬
‫شكره الم ازرعا العجوز بالدموعا في عينيه ‪.‬قال إنه حأتى الن ل يستطيع أن يناما ليلا أو يكون‬
‫بسلما نها ار ‪ ,‬وهو يفكر في أنه لما يثأر لموت زوجته ‪ ,‬لكنه من الن سيكون قاد ار على النوما و‬
‫الكل كما في السابق ‪.‬توسل إلى الرنب أن يبقى معه و يشاركه بيته ‪ ,‬وهكذا من هذا اليوما مضى‬
‫الرنب ليمكثا مع الم ازرعا العجوز و عاش كلهما مع ا صديقين جيدين حأتى نهاية أيامهما‪.‬‬

‫شينانشا ‪ ,‬أو العربة المشيرة‬


‫البوصلة ‪ ,‬بإبرتها التي تشير دائم ا إلى الشمال ‪ ,‬شيء شائع تمام ا ‪ ,‬و ل يظن أحأد أنها‬
‫استثنائية الن ‪ ,‬و لو أنها حأين اخترعت لول مرة كانت أعجوبة ‪.‬‬
‫في الماضي البعيد في الصين ‪ ,‬كان ما يزال هناك اختراعا أكثر إدهاشا يدعى الـ " شينا‬
‫نشا " ‪ .‬كان هذا نوع ا من مركبة عليها تمثال رجل يشير دائم ا إلى الجنوب ‪ .‬كيفما و ضعت‬
‫المركبة فإن التمثال كان يدور حأول نفسه و يشير إلى الجنوب ‪ .‬اخترعت هذه الداة اللفتة من قبل‬
‫كوتيه ‪ ,‬واحأد من أباطرة الصنيين في العصر السطوري ‪ .‬كان كوتيه ابن المبراطور يوهي ‪ .‬رأت‬
‫أمه قبل أن يولد رؤيا أنبأت بأن ولدها سيكون رجلا عظيما ‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫في إحأدى المسيات الصيفية خرجت كي تتمشى في المروج بحأث ا عن النسائما الباردة التي‬
‫تهب في نهاية النهار و لتحأدق بسرور في السماء المضاءة بالنجوما فوقها ‪ .‬وفيما كانت تنظر إلى‬
‫نجما الشمال أطلق ‪ ,‬ويا للغرابة ‪ ,‬ومضات حأية من البرق قي كل اتجاه ‪ .‬بعد وقت قصير من هذا‬
‫جاء ابنها كوتيه إلى العالما ‪.‬‬
‫ف والده المبراطور يوهي ‪ .‬نغصت فترة‬
‫بمرور الوقت نما كوتيه إلى مرحألة الرجولة و قخلق ق‬
‫حأكمه المبكرة بقوة من قبل المتمرد شييو ‪.‬أراد هذا المتمرد أن يجعل نفسه ملك ا ‪ ,‬و كثيرة هي‬
‫المعارك التي خاضها لجل هذا الهدف ‪.‬‬
‫كان شييو ساحأ ار شري ار ‪ ,‬رأسه مصنوعا من الحأديد ‪ ,‬وليس من رجل يستطيع أن يقهره‪.‬‬
‫أخي ار أعلن كوتيه الحأرب على المتمرد و قاد جيشه إلى المعركة ‪ ,‬و تقابل الجيشان في سهل‬
‫يدعى تاككوروكو‪ .‬هاجما المبراطور العدو بشجاعة ‪ ,‬لكن الساحأر أنزل ضباب ا كثيف ا على ميدان‬
‫المعركة و بينما كان الجيش الملكي يهيما في فوضى ‪ ,‬محأاولا أن يكتشف طريقه ‪ ,‬انسحأب شييو مع‬
‫جنوده ‪ ,‬ضاحأكا من خداعه للجيش الملكي‪.‬‬
‫مهما كان جنود المبراطور أقوياء وشجعان ‪ ,‬فإن المتمرد كان يستطيع بسحأره دائما أن يفر‬
‫في النهاية ‪.‬‬
‫عاد كوتيه إلى قصره ‪ ,‬و فكر و تأمل بعمق في كيفية قهر الساحأر ‪ ,‬لنه لما يقرر أن يستسلما‬
‫بعد ‪ .‬بعد وقت طويل اخترعا الشينانشا المزودة بتمثال رجل يشير دائم ا إلى الجنوب ‪ ,‬لنه لما تكن‬
‫هناك بوصلت في تلك الياما ‪ .‬بهذه الوسيلة التي تهديه السبيل لما يكن مضط ار لن يخشى‬
‫الضباب الكثيف المتراكما من الساحأر لرباك رجاله ‪.‬‬
‫أعلن كوتيه الحأرب ثانية على شييو ‪ .‬وضع الشينانشا في مقدمة جيشه و شق طريقه إلى‬
‫ميدان المعركة ‪.‬‬
‫بدأت المعركة بصورة جادة ‪ .‬كان المتمرد كيبدفقعك إلى الوراء من قبل الجنود الملكيين حأين لجأ‬
‫إلى السحأر ثانية‪ ,‬و على إثر تلوته لبعض الكلمات الغريبة بصوت مرتفع ‪ ,‬حأل على الفوار ضباب‬
‫كثيف فوق ميدان المعركة‪.‬‬
‫لكن في هذه المرة لما يكترثا أي جندي للضباب‪ ,‬و لما يرتبك أحأد‪ .‬استطاعا كوتيه بالشارة‬
‫إلى الشينانشا أن يجد طريقه ووجه جيشه دون أدنى خطأ ‪ .‬وطارد الجيش المتمرد حأثيث ا و صدهما‬
‫إلى الخلف حأتى جاؤوا إلى نهر كبير ‪ .‬كان هذا النهر الذي وجده كوتيه و رجاله طافحأ ا بالفيضانات‬
‫ويستحأيل عبوره ‪.‬‬
‫عبر شييو بسرعة ‪ ,‬مستعملا فنه في السحأر ‪ ,‬مع جيشه و أغلق على نفسه قلعة على‬
‫الضفة المقابلة‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫حأين وجد كوتيه أن مسيرة فشل انفعل من خيبة المل ‪ ,‬لنه كان قد أوشك على هزيمة المتمرد حأين‬
‫أوقفه النهر‪.‬‬
‫لما يستطع أن يفعل شيئا ‪ ,‬لنه لما تكن هناك زوارق في تلك الياما ‪ ,‬لذا أمر المبراطور أن‬
‫تنصب خيمته في أجمل بقعة يتيحأها المكان‪.‬‬
‫في أحأد الياما خرج من خيمته و بعد التجول لمدة قصيرة وصل إلى بركة ‪ .‬هنا جلس على‬
‫الضفة وغرق في تفكير ‪.‬‬
‫كان الوقت خريفا ‪ .‬كانت الشجار النامية على طول حأافة الماء تطرح أوراقها ‪ ,‬التي‬
‫كانت تطفو هنا وهناك على سطح البركة ‪ .‬و الشيء بالشيء يذكر ‪ ,‬التفت انتباه كوتيه إلى‬
‫عنكبوت على حأافة الماء ‪ .‬كانت الحأشرة الصغيرة تحأاول أن تصعد إلى واحأدة من الوراق الطافية‬
‫القريبة ‪ .‬فعلت ذلك أخي ار وصارت بعد قليل طافية فوق الماء إلى الجانب الخر للبركة‪.‬‬
‫هذا الحأادثا البسيط جعل المبراطور الذي يفكر أنه يمكن أن يحأاول أن يصنع شيئ ا ما‬
‫يستطيع أن يحأمله و رجاله فوق النهر بنفس الطريقة التي حأملت فيه الورقة العنكبوت ‪ .‬بدأ يعمل‬
‫وواظب حأتى ابتكر أول زورق ‪.‬‬
‫حأين وجد أنه كان عملا ناجحأ ا رتب رجاله لصنع المزيد ‪ ,‬و بمرور الوقت صار هناك ما يكفي من‬
‫الزوارق لكل الجيش ‪.‬‬
‫في هذه الثناء أخذ كوتيه جيشه عبر النهر ‪ ,‬و هاجما مراكز قيادة شييو ‪ .‬أحأرز نص ار‬
‫ل‪.‬‬
‫تاماا‪ ,‬وهكذا و ضع نهاية للحأرب التي أقلقت بلده زمنا طوي ا‬
‫لما يهدأ هذا المبراطور الحأكيما والطيب حأتى ضمن السلما والزدهار في كل بلده‪ .‬كان محأبوبا من‬
‫رعيته ‪ ,‬الذين استمتعوا بسعادتهما بالسلما لسنوات طويلة تحأت حأكمه ‪ .‬وأمضى قسط ا واف ار من وقته‬
‫في صنع الختراعات التي تنفع شعبه ‪ ,‬و قد نجح في الكثير منها إضافة إلى الزورق و الشينانشا‬
‫المشيرة إلى الجنوب ‪.‬‬
‫كان قد حأكما حأوالي مائة عاما حأين شاهد كوتيه في أحأد الياما بينما كان ينظر نحأو العلى ‪,‬‬
‫أن السماء صارت حأمراء فجأة‪ ,‬و جاء شيء ما يبرق مثل الذهب نحأو الرض ‪ .‬حأين اقترب أكثر‬
‫رأى كوتيه أنه كان تنين ا عظيم ا ‪ .‬اقترب التنين و حأنى رأسه أماما المبراطور ‪ .‬فزعت المبراطورة و‬
‫رجال الحأاشية بحأيثا ركضوا بعيدا وهما يصرخون ‪.‬‬
‫لكن المبراطور ابتسما فقط و صاح بهما أن يتوقفوا ‪ ,‬وقال ‪:‬‬
‫" ل تخافوا ‪ .‬هذا رسول من السماء ‪ .‬وقتي هنا قد انتهى ! " ثما صعد التنين ‪ ,‬الذي بدأ‬
‫يرتفع نحأو السماء ‪.‬‬
‫حأين رأت المبراطورة و رجال الحأاشية هذا بكوا مع ا ‪:‬‬

‫‪31‬‬
‫" انتظر لحأظة ! نحأن نود أن نأتي أيض ا ‪ " .‬و ركضوا جميع ا و أمسكوا بلحأية التنين و‬
‫حأاولوا أن يعتلوه ‪.‬‬
‫لكنه كان من المستحأيل على هذا القدر الزائد من الناس أن يركبوا فوق التنين‪ .‬تعلق العديد‬
‫عا الشعقر فسقطوا على الرض‪.‬‬
‫منهما بلحأية المخلوق بحأيثا أنه حأين حأاول أن يصعد انتز ق‬
‫في هذه الثناء كأجلست المبراطورة و العديد من رجال الحأاشية بأمان على ظهر التنين ‪.‬‬
‫طار التنين عالي ا في السماوات إلى درجة زائدة بحأيثا أن نزلء القصر الذين كتركوا خائبين لما يعودوا‬
‫يرونهما بعد وقت قصير ‪.‬‬
‫بعد مدة من الزمن سقط قوس وسهما إلى الرض في باحأة القصر ‪ .‬تما التعرف على أنهما‬
‫يخصان المبراطور كوتيه ‪ .‬أخذهما رجال الحأاشية و احأتفظوا بهما في القصر كبقايا مقدسة‪.‬‬

‫مغـامـرات كـنـتـارو ‪ ,‬الـولـد الذهبي‬


‫في الماضي البعيد ‪ ,‬البعيد عاش في كيوتو جندي شجاعا هو ايمه كينتوكي ‪ .‬وقع في ذلك‬
‫الحأين في غراما سيدة جميلة وتزوجها ‪ .‬بعد هذا بوقت غير طويل‪ ,‬أدين في المحأكمة من خلل حأقد‬
‫بعض أصدقائه ‪,‬وطرد من الخدمة ‪ .‬أثقلت المصيبة عقله أكثر من اللزما إلى درجة أنه لما يعش‬
‫طويلا بعد طرده ـ فتوفي ‪ ,‬تاركا وراءه زوجته الجميلة تواجه العالما بمفردها ‪ .‬هربت خشية أعداء‬
‫زوجها إلى جبال أشيغا ار حأالما مات زوجها ‪ ,‬و هناك في الغابات الموحأشة حأيثا لما يكن يأتي أحأد‬
‫أبدا سوى الحأطابين ‪ ,‬و لد لها صبي صغير ‪.‬‬
‫أسمته كنتارو أو الولد الذهبي ‪ .‬كان الشيء اللفت في هذا الطفل قوته الهائلة ‪ ,‬فكان كلما غدا‬
‫أكبر صار أقوى وأقوى ‪ ,‬بحأيثا أنه حأين أصبح في الثامنة من العمر كان قاد ار على أن يقطع‬
‫الشجار بسرعة مثل الحأطابين ‪ .‬ثما أعطته أمه فأسا كبيرة ‪ ,‬واعتاد على الخروج إلى الغابة و‬
‫مساعدة الحأطابين ‪ ,‬الذين دعوه " الطفل العجوبة " و دعوا أمه " مربية الجبال الرصينة " لنهما لما‬
‫يكونوا يعرفون طبقتها العالية ‪ .‬كانت تسلية كنتارو المفضلة الخرى أن يحأطما الصخور و الحأجار‬
‫‪ .‬يمكنكما أن تتخيلوا كما كان قوي ا !‬

‫‪32‬‬
‫وخلف ا لغيره من الولد‪ ،‬نما كنتارو سريع ا في أدغال الجبل وحأيدا ‪ ,‬و بما أنه ل رفاق له فقد‬
‫صادق كل الحأيوانات و تعلما أن يفهمها و يتكلما كلمها الغريب ‪ .‬بالتدريج صارت كلها أليفة تماما و‬
‫صارت تنظر إلى كنتارو كسيد لها ‪ ,‬فكان يستعملها كخدما ورسل له ‪ .‬لكن أتباعه المخصوصين‬
‫كانوا الردبة ‪ ,‬و اليل ‪ ,‬و السعدان ‪ ,‬والرنب ‪.‬‬
‫كانت الدبة غالب ا ما تكحأضر جراءها لكنتارو ليمرح معها و حأين تأتي لتأخذها إلى البيت‬
‫يجلس كنتارو على ظهرها و يقوما برحألة إلى كهفها ‪ .‬وأغرما أيض ا باليل ‪ ,‬وغالب ا ما كان يضع‬
‫ذراعيه حأول عنق الحأيوان ليدلل على أن قرونه الطويلة كثي ار ل تخيفه ‪ .‬كان اللهو الذين كانوا‬
‫يحأصلون عليه معا عظيما‪.‬‬
‫في أحأد الياما صعد كنتارو إلى الجبال‪ ،‬كما جرت العادة‪ ،‬تتبعه الدبة ‪ ,‬واليل ‪ ,‬و السعدان‬
‫ق جبلل و أسفتل والد وعلى طرق قاسية ‪ ,‬وصلوا فجأة إلى‬ ‫‪ ,‬و الرنب ‪ .‬بعد المشي مدة من الزمن فو ق‬
‫سهل عريض و معشب مغطى بالزهور البرية الجميلة ‪.‬‬
‫هنا ‪ ,‬حأقا ‪ ,‬كان المكان جميلا حأيثا يمكنهما جميعا أن يلهوا معا جيدا ‪ .‬حأك اليل قرنيه‬
‫على شجرة للمتعة ‪ ,‬و حأك السعدان ظهره ‪ ,‬وملس الرنب أذنيه الطويلتين ‪ ,‬وأصدرت الدبة صوتا‬
‫يدل على الرضى ‪.‬‬
‫قال كنتارو ‪ " :‬هاهنا مكان من أجل لعبة جيدة ‪ .‬ما تقولون جميع ا في مباراة في المصارعة‬
‫؟"‬
‫أجابت الدبة ‪ ,‬كونها الكبر حأجما و الكبر سنا ‪ ,‬من الجميع فقالت ‪:‬‬
‫" سيكون ذاك لهوا عظيما ‪ ,‬أنا الحأيوان القوى ‪ ,‬لذا فسأصنع منصة للمتصارعين"؛ً وبدأت‬
‫تعمل برغبة لحأفر الرض وتربيتها لتأخذ شكلا ‪.‬‬
‫قال كنتارو ‪ " :‬حأسن سأنظر إليكما و أنتما تتصارعون مع بعضكما بعض ا ‪ .‬وسأمنح جائزة‬
‫لمن يكسب في كل جولة ‪" .‬‬
‫قالت الدبة ‪ " :‬ياله من لهو ! سنحأاول جميعا أن نحأصل على الجائزة ‪" ,‬‬
‫شرعا اليل ‪ ,‬و السعدان و الرنب بالعمل لمساعدة الدبة في إقامة المنصة التي كان عليهما‬
‫جميع ا أن يتصارعوا فوقها‪ .‬حأين انتهى هذا ‪ ,‬صاح كنتارو ‪:‬‬
‫ابدؤوا الن ! سيفتتح السعدان والرنب الرياضة و سيكون اليل حأكم ا ‪ .‬الن ‪ ,‬يا سيد أيل ستكون‬
‫ت الحأكما ! "‬
‫أن ق‬
‫أجاب اليل ‪ " :‬تهي ‪ ,‬تهي ! سأكون الحأكما ‪ .‬الن يا سيد سعدان و يا سيد أرنب ‪ ,‬إذا كنتما‬
‫جاهزين كليكما ‪ ,‬فامشيا وقفا على المنصة ‪" .‬‬
‫ثما وثب السعدان و الرنب كلهما ‪ ,‬بسرعة وبرشاقة ‪ ,‬إلى منصة المصارعة ‪ .‬كحأكما ‪ ,‬وقف‬
‫اليل بين الثنين و نادى ‪:‬‬

‫‪33‬‬
‫" يا ذا الخلفية الحأمراء ! يا ذا الخلفية الحأمراء ! " )هذا هو السعدان ‪ ,‬الذي له خلفية حأمراء في‬
‫اليابان(‪.‬‬
‫" هل أنت جاهز ؟ "‬
‫ثما التفت إلى الرنب ‪:‬‬
‫" يا ذا الذنين الطويلتين ! يا ذا الذنين الطويلتين ! هل أنت جاهز ؟ "‬
‫واجه كل المصارعين الصغيرين أحأدهما الخر ‪ .‬بينما رفع اليل عالي ا ورقةا كإشارة ‪ .‬حأين‬
‫أنزل الورقة اندفع السعدان و الرنب أحأدهما إلى الخر ‪ ,‬صائحأين " يويشو ‪ ,‬يويشو ! "‬
‫بينما كان السعدان و الرنب يتصارعان ‪ ,‬كان اليل يصيح مشجعا أو يصرخ بالتحأذيرات‬
‫لكليهما كلما دفع الرنب أو السعدان أحأدهما الخر قرب حأافة المنصة و كانا على خطر من‬
‫السقوط ‪.‬‬
‫نادى اليل ‪ " :‬يا ذا الخلفية الحأمراء ! اصمد في أرضك ! "‬
‫زمجرت الدبة ‪ " :‬يا ذا الذنين الطويلتين ! يا ذا الذنين الطويلتين ! كن قويا ‪ ,‬كن قويا ـ ل‬
‫تدعا السعدان يهزمك ! "‬
‫هكذا حأاول السعدان والرنب ‪ ,‬يشجعهما صديقاهما ‪ ,‬أن يهزما أحأدهما الخر باذلين أقصى‬
‫ما عندهما ‪ .‬أخي ار كسب الرنب السعدان ‪ .‬بدا السعدان وكأنه يتعثر ‪ ,‬و أرسله الرنب دافع ا له‬
‫دفعة جيدة ‪ ,‬طائ ار من على المنصة بوثبة ‪.‬‬
‫جلس السعدان المسكين يهرش خلفيته ‪ ,‬وكان وجهه طويلا كثي ار بينما كان يصرخ بغضب "‬
‫أوه ‪ ,‬أوه ! كما تؤلمني خلفيتي ـ خلفيتي تؤلمني ! "‬
‫قال اليل ‪ ,‬وهو يرى السعدان في هذه الحأالة على الرض ‪ ,‬رافع ا ورقته عالي ا ‪:‬‬
‫" انتهت هذه الجولة ـ فاز الرنب ‪" .‬‬
‫ثما فتح كنتارو صندوق غذائه و أخرج زلبية أرز ‪ ,‬قدمها للرنب قائلا ‪:‬‬
‫" هاهي ذي جائزتك ‪ ,‬ولقد ربحأتها بجدارة ! "‬
‫نهض الن السعدان وقد بدا منزعجا كثي ار ‪ ,‬وكما يقولون في اليابان " وقفت معدته‪ ",‬لنه‬
‫شعر أنه لما يهزما بنزاهة ‪ .‬لذا فقد قال لكنتارو و الخرين الذين كانوا واقفين على مقربة‪:‬‬
‫" أنا لما أهزما بل زلت قدمي وتعثرت ‪ .‬أرجوكما أعطوني فرصة ثانية و دعوا الرنب‬
‫يصارعني جولة أخرى ‪" .‬‬
‫بعد موافقة كنتارو‪ ,‬بدأ الرنب و السعدان يتصارعان ثانية ‪ .‬الن ‪ ,‬وكما يعرف الجميع ‪,‬‬
‫السعدان حأيوان ماكر بطبيعتة ‪ ,‬لذا قرر أن ينال أقصى ما يمكنه من الرنب هذه المرة إن استطاعا ‪.‬‬
‫وظن أن أفضل وأضمن طريقة لكي ينجز هذا ‪ ,‬ستكون بأن يمسك بإحأدى أذني الرنب الطويلتين ‪.‬‬
‫سريع ا ما تدبر أمره ليفعل هذا ‪ .‬جرد الرنب تمام ا من دفاعه من ألما جذب أذنه بصورة قاسية زيادة‬

‫‪34‬‬
‫عن الحأد ‪ ,‬و أمسك السعدان ‪ ,‬متشبث ا بفرصة أخي ار ‪ ,‬أمسك واحأدة من أرجل الرنب و أرسله ممدا‬
‫إلى وسط المنصة ‪ .‬السعدان هو الن المنتصر فاستلما من كنتارو زلبية الرز‪ ,‬التي أسعدته كثي ار‬
‫بحأيثا نسي تماما خلفيته المتقرحأة ‪.‬‬
‫صعد اليل الن وسأل الرنب ما إذا كان يشعر بالستعداد لجولة أخرى ‪ ,‬و إن كان كذلك‬
‫فهل سيجرب جولة معه ‪ ,‬ووقفا وقد وافق الرنب ليتصارعا ‪ .‬تقدمت الدبة كحأكما‪.‬‬
‫اليل بقرنين طويلين و الرنب بأذنين طويلتين ‪ ,‬ل بد أنه كان منظ ار ممتع ا لولئك الذين‬
‫كانوا يراقبون هذه المباراة الغريبة ‪ ,‬فجأة نزل اليل على واحأدة من ركبتيه ‪ ,‬و أعلنته الدبة ـ رافعة‬
‫الورقة عاليا مهزوما ‪ .‬بهذه الطريقة ‪ ,‬أحأيانا يغلب الول ‪ ,‬وأحأيانا الثاني ‪ ,‬تمتعت المجموعة‬
‫الصغيرة إلى أن تعبت ‪.‬‬
‫أخي ار نهض كنتارو و قال ‪:‬‬
‫" هذا يكفي لهذا اليوما ‪ .‬يا له من مكان جميل وجدناه للمصارعة ؛ً دعونا نأتي غدا ثانية ‪.‬‬
‫الن ‪ ,‬سنذهب جميعا إلى البيت ‪ .‬هيا بنا ! " سلك كنتارو الطريق قائلا هذا ‪,‬بينما تبعته الحأيوانات‬
‫‪.‬‬
‫بعد المسير مسافة قصيرة وصلوا إلى ضفاف نهر يتدفق خلل والد ‪ .‬وقف كنتارو و‬
‫أصدقاؤه الربعة المكسوون بالفراء و بحأثوا حأولهما عن وسيلة للعبور ‪ .‬لما يكن هناك ثمة جسر ‪.‬‬
‫كان النهر يندفع في طريقه " دن ‪ ,‬دن ‪ " .‬بدت كل الحأيوانات متجهمة ‪ ,‬تتساءل كيف يمكنها عبور‬
‫الجدول و الوصول إلى البيت في ذلك المساء ‪.‬‬
‫قال كنتارو على أي حأال‪:‬‬
‫" انتظروا لحأظة ‪ .‬سأصنع لكما جميع ا جس ار ‪ .‬جيدا في بضع دقائق ‪" .‬‬
‫نظرت الدبة ‪ ,‬و اليل ‪ ,‬و السعدان و الرنب إليه لترى ماذا سيفعل الن ‪.‬‬
‫مضى كنتارو من شجرة من الشجار التي كانت تنمو على طول الضفة إلى أخرى‪ .‬أخي ار و قف‬
‫أماما شجرة كبيرة جدا كانت تنمو على حأافة الماء ‪ .‬تناول الجذعا و سحأبه بكل قوته ‪ ,‬مرة‪ ,‬اثنتين‪,‬‬
‫ثلثة ! في المرة الثالثة ‪ ,‬كانت قوة كنتارو عظيمة زيادة بحأيثا أن الجذور انهارت ‪ ,‬و " مري ‪ ,‬مري‬
‫" ) طاخ ‪ ,‬طاخ ( ‪ ,‬سقطت الشجرة ‪ ,‬مشكلة جس ار ممتا از عبر الجدول ‪.‬‬
‫قال ‪ " :‬هو ذا ‪ ,‬ماذا تظنون في جسري ؟ إنه آمن تمام ا ‪ ,‬لذا اتبعوني ‪ " ,‬و مشى عبره أول‬
‫‪.‬‬
‫تبعته الحأيوانات الربعة‪ .‬فهي لما تقر من قبل أحأدا بمثل قوته أبداا‪ ,‬وصاحأت جميعا متعجبةا ‪:‬‬
‫" كما هو قوي ! كما هو قوي ! "‬
‫بينما كان كل هذا يجري ‪ ,‬رأى حأطاب قرب النهر تصادف أنه كان واقف ا على صخرة‬
‫مشرفة على الجدول ‪ ,‬رأى كل ذاك الذي مر أسفل منه ‪ .‬راقب بدهشة كبيرة كنتارو و رفاقه‬

‫‪35‬‬
‫الحأيوانات ‪ .‬حأين رأى هذا الولد يسحأب شجرة من جذورها و يلقيها عبر الجدول ليشكل جس ار فرك‬
‫عينيه ليتأكد من أنه لما يكن يحألما‪.‬‬
‫دهش الحأطاب ‪ ,‬هكذا بدا كما أوحأت ثيابه ‪ ,‬دهش بكل ما رأى ‪ ,‬وقال لنفسه ‪:‬‬
‫" ليس هذا طفلا عادي ا ‪ .‬ابن قمبن تكراه يكون ؟ سأكتشف قبل أن يمضي هذا اليوما ‪" .‬‬
‫أسرعا في إثر الفريق الغريب و عبر الجسر وراءهما ‪ .‬لما يعرف كنتارو شيئ ا عن كل هذا‪ ,‬و‬
‫لما يدر في خلده أن أقثققرهك كيقتفى‪ .‬عند الوصول إلى الجانب الخر من النهر تفرق هو و الحأيوانات ‪,‬‬
‫هي إلى ملجئها في الغابة و هو إلى أمه ‪ ,‬التي كانت تنتظره ‪.‬‬
‫وما إن دخل الكوخ ‪ ,‬الذي انتصب مثل علبة ثقاب في قلب غابة ‪ ,‬حأتى ذهب ليحأيي أمه ‪,‬‬
‫قائلا ‪:‬‬
‫" أوكاسان )ماما( ‪ ,‬ها أنا ذا ! "‬
‫قالت أمه بابتسامة مشرقة ‪ ,‬مسرورة برؤية ولدها في البيت سالم ا بعد اليوما الطويل ‪ " :‬أو‪,‬‬
‫كيمبو!‬
‫" كما تأخرت هذا اليوما ! لقد خشيت أن يكون قد أصابك مكروه ‪ .‬أين كنت كل هذا الوقت ؟ "‬
‫" أخذت أصدقائي الربعة ‪ ,‬الدبة ‪ ,‬واليل ‪ ,‬و السعدان ‪ ,‬و الرنب إلى التلل ‪ ,‬وهناك‬
‫جعلتهما يجربون مباراة مصارعة ‪ ,‬لرى من كان القوى ‪ .‬استمتعنا جميع ا بالرياضة ‪ ,‬و سنذهب‬
‫إلى نفس المكان غدا لنجري مباراة أخرى ‪" .‬‬
‫سألت أمه ‪ ,‬متظاهرة بأنها ل تعرف " من هو أقوى الجميع ؟ "‬
‫قال كنتارو ‪ " :‬أوه ‪ ,‬يا أمي ‪ ,‬أل تعرفين أنني القوى ؟ ل حأاجة لي لن أتصارعا مع أي منهما‬
‫‪".‬‬
‫" لكن من هو القوى ‪ ,‬بعدك ؟ "‬
‫أجاب كنتارو ‪ " :‬الدبة تأتي بعدي في القوة ‪" ,‬‬
‫و سألت أمه ثانية ‪ " :‬وبعد الدبة ؟ "‬
‫قال كنتارو ‪ " :‬ليس من السهل أن نقول من القوى بعد الدبة ‪ ,‬لن اليل ‪ ,‬و السعدان‪ ,‬و‬
‫الرنب يبدون جميع ا مثل بعضهما في القوة ‪" ,‬‬
‫فجأة أجفل كنتارو و أمه بسبب صوت من الخارج‬
‫" أصغ إلي ‪ ,‬أيها الولد الصغير ! حأين تذهب في المرة القادمة ‪ ,‬خذ هذا العجوز معك إلى‬
‫مباراة المصارعة ‪ .‬إنه يحأب أن ينضما للرياضة أيضا ! "‬
‫كان هذا الحأطاب العجوز الذي اقتفى أثر كنتارو من النهر ‪ .‬خلع كقبقاقبيه و دخل الكوخ ‪.‬‬
‫أخذت المفاجأة ياما ـ أوبا وولدها مع ا ‪ .‬نظ ار إلى الطفيلي بدهشة ‪ ,‬و رأيا أنه كان شخص ا لما يرياه‬
‫من قبل أبدا ‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫فسأل متعجبين ‪ " :‬من أنت ؟ "‬
‫عندئذ ضحأك الحأطاب وقال ‪:‬‬
‫" ل يهما من أكون الن ‪ ,‬لكن دعونا نرى من يملك الذراعا القوى ـ هذا الولد أما أنا ؟"‬
‫ثما أجاب كنتارو ‪ ,‬الذي عاش كل حأياته في الغابة ‪ ,‬الرجل العجوز دون أية لباقة ‪ ,‬قائلا ‪:‬‬
‫" سنجري محأاولة إذا كنت ترغب فيها ‪ ,‬لكن عليك أل تغضب أي ا كان المهزوما ‪" .‬‬
‫ثما مد كنتارو و الحأطاب مع ا ذراعيهما اليمنين و أمسك كل منهما بيد الخر ‪.‬‬
‫تصارعا كنتارو و الرجل العجوز بهذه الطريقة لمدة طويلة ‪ ,‬كل يحأاول أن يثني ذراعا الخر ‪,‬‬
‫لكن الرجل العجوز كان قويا كثي ار ‪ ,‬وكان الزوجان الغريبان متكافئان على نحأو متعادل‪ .‬أخي ار‬
‫استنكف الرجل العجوز ‪ ,‬معلن ا " لعبة مسحأوبة "‬
‫قال الحأطاب ‪ " :‬أنت ‪ ,‬حأق ا ‪ ,‬طفل قوي كثي ار ‪ .‬هناك قلة من الرجال الذين يستطيعون أن‬
‫يباهوا بقوة ذراعي اليمن! رأيتك أولا على ضفاف النهر منذ بضع ساعات ‪ ,‬حأين اقتلعت تلك‬
‫الشجرة الكبيرة لتصنع جس ار عبر السيل‪ .‬ولنني لما أستطع أن أصدق ما رأيت تبعتك إلى البيت ‪.‬‬
‫إن قوة ذراعك ‪ ,‬التي اختبرتها توا ‪ ,‬تدلل على ما رأيته هذا العصر ‪ .‬حأين يكتمل نموك ستكون‬
‫بالتأكيد أقوى رجل في كل اليابان ‪ .‬من المؤسف أنك تختفي بعيدا في هذه الجبال الموحأشة‪".‬‬
‫ثما التفت إلى أما كنتارو ‪:‬‬
‫" وأنت ‪ ,‬أيها الما ‪ ,‬ألما تفكري بأخذ طفلك إلى العاصمة ‪ ,‬و تعليمه أن يحأمل سيف ا كما يليق‬
‫بساموراي ) فارس ياباني ( ؟ "‬
‫أجابت الما ‪ :‬أنت لطيف جدا لنك اهتممت بولدي اهتماما كبي ار هكذا ؛ً لكنه كما ترى‬
‫وحأشلي و غير مثقف ‪ ,‬و أخشى أنه سيكون صعب ا كثي ار أن أفعل كما تقول ‪ .‬لقوته العظيمة كطفل‬
‫أخفيته بعيدا في هذا الجزء المجهول من الريف ‪ ,‬لنه كان يؤذي كل من يقترب منه ‪ .‬ولققكبما رغبت‬
‫لو أقدر ‪ ,‬في يوما من الياما ‪ ,‬أن أرى ولدي فارس ا يحأمل سيفين ‪ ,‬لكن وبما أننا ليس لنا أصدقاء ذوو‬
‫نفوذ يقدموننا في العاصمة ‪ ,‬لذا أشعر بأن أملي لن يتحأقق أبدا ‪" .‬‬
‫" ل حأاجة لن تزعجي نفسك بذلك ‪ .‬أصدقك القول أنا لست حأطابا ! أنا أحأد جنرالت‬
‫اليابان الكبار ‪ .‬اسمي ساداميتسو ‪ ,‬و أنا تابع السيد القوي ميناموتو ـ نو ـ رايكو ‪ .‬أمرني أن أتجول‬
‫في الريف و أبحأثا عن أولد يبشرون بقوة لفتة ‪ ,‬بحأيثا يمكن تدريبهما كجنود لجيشه ‪ .‬اعتقدت أنني‬
‫أفعل هذا على نحأو أفضل بتنكري على هيئة حأطاب ‪ .‬هكذا لحأسن الحأظ ‪ ,‬صادفت ولدك ‪ .‬الن ‪,‬‬
‫إذا كنت حأقا ترغبين في أن يكون سامورايا ) فارسا ( ‪ ,‬فسآخذه و أقدمه إلى السيد رايكو كمرشح‬
‫لخدمته ‪ .‬فما تقولين في هذا ؟‬
‫حأين كشف الجنرال بالتدريج عن خطته امتل قلب الما بابتهاج عظيما ‪ .‬لقد رأت أن هناك‬
‫فرصة مدهشة لن تتحأقق أمنية من أمنيات حأياتها ـ في أن ترى كنتارو ساموراي ا‬

‫‪37‬‬
‫قبل أن تموت ‪.‬‬
‫أجابت ‪ ,‬وقد حأنت رأسها إلى الرض ‪:‬‬
‫" إذن سأأتمنك على ولدي إذا كنت تعني ما تقول ‪" .‬‬
‫كان كنتارو طوال هذا الوقت جالس ا بجانب أمه مصغي ا إلى ما قيل ‪ .‬حأين أنهت أمه الكلما‬
‫‪ ,‬هتف ‪:‬‬
‫" أوه ‪,‬يا للسرور ‪,‬يا للسرور! علي أن أذهب مع الجنرال و سأصبح يوم ا ما ساموراي ! "‬
‫هكذا حأسما مصير كنتارو ‪ ,‬وقرر الجنرال أن ينطلق إلى العاصمة فو ار ‪ ,‬آخذا كنتارو معه‬
‫‪.‬‬
‫ليس من دالعا لن يقال إن ياما ـ أوبا كانت حأزينة على فراق ولدها ‪ ,‬لنه كان كل ما تبقى لها ‪.‬‬
‫لكنها أخفت حأزنها بوجه قوي ‪ ,‬كما يقولون في اليابان ‪ .‬علمت أن من مصلحأة ولدها أن يتركها‬
‫الن ‪ ,‬و أنه ليس عليها تثبط همته إبان انطلقه ‪.‬‬
‫وعد كنتارو بأل ينساها أبدا ‪ ,‬وقال إنه سيبني لها بيتا ‪ ,‬حأالما يصبح فارساق يحأمل سيفين ‪ ,‬و يعتني‬
‫بها في شيخوختها ‪.‬‬
‫حأضرت كل الحأيوانات ‪ ,‬التي روضها لتخدمه ‪ ,‬الدبة ‪ ,‬و اليل ‪ ,‬والسعدان ‪ ,‬و الرنب ‪,‬‬
‫حأالما وجدت أنه ذاهب إلى البعيد ‪ ,‬لتسأل إذا كان بإمكانها أن تخدمه كالمعتاد ‪ .‬حأين عرفت أنه‬
‫ذاهب بعيدا من أجل الخيرتبعته إلى سفح الجبل لتنظر إليه وهو يرحأل ‪.‬‬
‫قالت أمه ‪ " :‬يا كيمبو ‪ ,‬انتبه وكن ولدا جيدا ‪" .‬‬
‫قالت الحأيوانات المخلصة ‪ " :‬يا سيد كنتارو نتمنى لك صحأة جيدة في أسفارك ‪" .‬‬
‫ثما تسلقت جميع ا شجرة لتودعه ‪ ,‬ومن ذاك الرتفاعا راقبته و صار خياله يصغر و يصغر ‪,‬‬
‫حأتى غاب عن البصر ‪.‬‬
‫تابع الجنرال ساداميتسو طريقه مبتهج ا لكتشافه أعجوبة مثل كنتارو على نحأو غير متوقع‬
‫تماماا‪.‬‬
‫وعند وصولهما إلى مقصدهما أخذ الجنرال كنتارو فو اقر إلى سيده ‪ ,‬ميناتو ـ نو ـ رايكو ‪ ,‬و‬
‫أخبره بكل شيء عن كنتارو وكيف أنه اكتشف الطفل ‪ .‬سر السيد رايكو بالقصة ‪ ,‬وأمر أن يحأضر‬
‫إليه كنتارو ‪ ,‬وجعله واحأدا من أتباعه فو ار ‪.‬‬
‫كان جيش السيد رايكو مشهو ار بزمرته التي تدعى " الشجعان الربعة ‪ " .‬اختير هؤلء‬
‫المحأاربين من قبله من بين الشجع و القوى من جنوده ‪ ,‬وتميزت الزمرة الصغيرة المنتقاة بعناية‬
‫عبر كل اليابان بشجاعة رجالها التي ل تعرف الخوف ‪.‬‬
‫حأين كبر كنتارو ليصبح رجلا جعله سيده رئيس ا للشجعان الربعة ‪ .‬لقد كان أقوى الجميع بما‬
‫ل يقاس ‪ .‬بعد وقت قصير من هذا الحأدثا ‪ ,‬حأملت الخبار إلى المدينة بأن وحأش ا آكلا للحأوما البشر‬

‫‪38‬‬
‫اتخذ مسكنه غير بعيلد و أن الناس صعقوا من الخوف ‪ .‬أمر السيد رايكو كنتارو للنجدة ‪ .‬انطلق‬
‫على الفور ‪ ,‬مبتهجا لتوقع تجريب سيفه ‪.‬‬
‫قاما‪ ،‬مفاجئا الوحأش في عرينه ‪ ،‬بعمل مختصر باجتثاثا رأسه الكبير ‪ ,‬الذي حأمله عائدا‬
‫منتص ار إلى سيده‪.‬‬
‫ارتفع كنتارو ليصبح أعظما بطل في بلده ‪ ,‬وعظيمة القوة و الشرف و الثروة التي أتته ‪.‬‬
‫وفى الن بوعده وبنى بيت ا مريحأ ا لمه العجوز ‪ ,‬التي عاشت سعيدة معه في العاصمة حأتى آخر‬
‫أيامها ‪.‬‬
‫أليست هذه قصة بطل عظيما ؟‬

‫قصة الميرة هاسه‬


‫قصة من اليابان القديمة‬

‫‪39‬‬
‫لسنوات عديدة مضت عاش في نا ار‪ , 1‬العاصمة القديمة لليابان ‪ ,‬وزير دولة حأكيما ‪ ,‬باسما‬
‫تويوناري فوجيوا ار ‪ .‬كانت زوجته امرأة نبيلة ‪ ,‬و طيبة ‪ ,‬وجميلة تدعى الميرة موراساكي ) البنفسجة‬
‫( ‪ .‬تزوجا عن طريق أسرتيهما بحأسب التقليد الياباني حأين كانا صغيرين جدا ‪ ,‬وعاشا معا بسعادة‬
‫منذ ذلك الحأين ‪ .‬كان لديهما على أية حأال‪ ,‬سبب لحأزن عظيما‪ ,‬لنه فيما كانت السنون تمضي فإنه‬
‫لما يولد لهما طفل ‪ .‬جعلهما هذا المر حأزينين كثي ارا‪ ,‬لن كلا منهما كان يتمنى أن يرى طفلا لهما‬
‫يكبر كي يسعد شيخوختهما ‪ ,‬يحأمل اسما السرة‪ ,‬و يحأفظ طقوس الجداد حأين يموتا ‪ .‬قرر المير‬
‫وزوجته المحأبوبة ‪ ,‬بعد طول تشاولر و تفكيلر مللي ‪ ,‬أن يحأيجا إلى معبد هاسه ـ نو ـ كوانون ) إلهة‬
‫الرحأمة في هاسه ( ‪ ,‬لنهما كانا يؤمنان ‪ ,‬بحأسب التقليد الجميل لدينهما‪ ,‬أن أما الرحأمة ‪ ,‬كوانون ‪,‬‬
‫تأتي لتلبية دعوات الناس بأفضل صورة يحأتاجونها‪ .‬بالتأكيد بعد كل هذه السنوات من الصلة فإنها‬
‫ستأتي إليهما على هيئة طفل محأبوب جواب ا على حأجهما ‪ ,‬لن ذاك أعظما لحأياتهما ‪ .‬لقد حأا از كل ما‬
‫استطاعت هذه الحأياة أن تمنحأهما ‪ ,‬لكن كل ذلك كان كل شيء لن نداقء قلبيهما لما كيستجب ‪.‬‬
‫لذا فإن المير تويوناري و زوجته ذهبا إلى معبد كوالنون في هاسه و مكثا هناك مدةا طويلة‬
‫‪ ,‬يقدمان البخور يوميا و يصليان لكوالنون ‪ ,‬الما السماوية ‪ ,‬لتمنحأهما أمنية كل حأياتيهما ‪ .‬و أجيبت‬
‫صلتهما ‪.‬‬
‫أخيرا ولدت للميرة موراساكي ابنة‪ ,‬و كان ابتهاج قلبها عظيماا‪ .‬لدى تقديما الطفلة لزوجها‬
‫قر ار مع ا أن يدعواها هاسه ـ هيمه ‪ ,‬أو أميرة هاسه ‪ ,‬لنها كانت هدية من كوالنون في ذلك المكان ‪.‬‬
‫ربياها معا بعناية وحأنان كبيرين‪ ,‬و كبرت الطفلة قوية وجميلة‪.‬‬
‫حأين بلغت البنت الصغيرة في الخامسة من عمرها مرضت أمها بصورة خطيرة و لما‬
‫يستطع كل الطباء و الدوية أن تنقذها ‪ .‬وقبل أن تلفظ نفسها الخير نادت ابنتها إليها ‪ ,‬و قالت ‪,‬‬
‫وهي تمسح رأسها بلطف ‪:‬‬
‫" هاسه ـ هيمه ‪ ,‬أتعلمين أن أمك لن تستطيع العيش أكثر ؟ مع أني أموت ‪,‬فإن عليك أن‬
‫تنشئي فتاة طيبة ‪ .‬ابذلي جهدك لئل تسببي إزعاجا لمربيتك أو لحأد من أسرتك ‪.‬‬
‫لعل أباك أن يتزوج ثانية و تحأل أخرى مكاني كأما لك ‪ .‬فإذا كان هذا فل تحأزني علي‪ ،‬إوانما اعتبري‬
‫زوجة أبيك الثانية أم ا حأقيقية لك‪ ،‬و كوني مطيعة و بارة بها و بأبيك مع ا ‪.‬‬
‫تذكري حأين تكبرين أن تكوني مطيعة لمن هما أرفعك منك ‪ ,‬و أن تكوني لطيفة مع كل أولئك الذين هما‬
‫دونك ‪ .‬ل تنسي هذا ‪ .‬أموت على أمل أنك ستكونين امرأة نموذجية ‪" .‬‬
‫أصغت هاسه ـ هيمه في موقف احأتراما بينما كانت أمها تتكلما ‪ ,‬ووعدت أن تقوقما بكل ما قيل‬
‫لها ‪ .‬ثمة مثل يقول " كما تكون الروح في سن الثالثة تكون في سن المائة " وهكذا كبرت هاسه ـ‬

‫‪ - 1‬اسما موضع في اليابان‪ .‬المترجما‬

‫‪40‬‬
‫هيمه كما أرادت لها أمها ‪ ,‬أميرة طيبة مطيعة صغيرة ‪ ,‬مع أنها كانت في ذلك الحأين أصغر من أن‬
‫تفهما كما كان فقبقكد أصمها عظيماا‪.‬‬
‫تزوج المير تويوناري ثانية‪ ,‬بعد وقت قصير من موت زوجته الولى ‪ ,‬سيدة ذات أصل‬
‫نبيل تسمى الميرة تيروته ‪ .‬كانت مختلفة كثي ار في الشخصية ‪ ,‬مع السف! عن الميرة و الحأكيمة‬
‫ب قا ل‬
‫س ‪ ,‬سيئ فلما تحأب ابنة زوجها إطلق ا ‪ ,‬تقول في نفسها ‪:‬‬ ‫موراساكي ‪ ,‬فقد كان لهذه المرأة قل س‬
‫" إنها ليست طفلتي ! إنها ليست طفلتي ! "‬
‫لكن هاسه تحأملت كل فظاظة بصبر ‪ ,‬بل إنها خدمت خالتها بلطف و أطاعتها بكل طريقة و لما‬
‫تتسبب بأي إزعاج ‪ ,‬كما ربتها أمها الطيبة ‪ ,‬بحأيثا أن السيدة تيروته لما يكن لديها سبب لتشتكي‬
‫منها ‪.‬‬
‫كانت الميرة الصغيرة مجتهدة كثي ار ‪ ,‬وكان موضوعاها المفضلن الموسيقى و الشعر ‪.‬‬
‫كانت تمضي ساعات عديدة وهي تتمرن كل يوما ‪ ,‬و أحأضر أبوها أبرعا الساتذة الذين استطاعا أن‬
‫يجدهما ليعلموها الكوتو ) القيثارة اليابانية ( ‪ ,‬و فن كتابة الرسائل و الشعر ‪ .‬حأين كانت في السنة‬
‫الثانية عشرة من العمر كانت تستطيع أن تعزف بجمال فائق بحأيثا أنها و أمها كانتا تستدعيان إلى‬
‫القصر لتعتزفا أماما المبراطور‪.‬‬
‫إنه مهرجان أزهار الكرز ‪ ,‬و كانت هناك أعياد عظيمة في البلط ‪ .‬ألقى المبراطور بنفسه‬
‫في متعة الفصل ‪ ,‬و أمر أن على الميرة هاسه أن تعزف أمامه على الكوتو ‪ ,‬و أن على أمها‬
‫تيروته أن ترافقها على الفلوت ‪.‬‬
‫جلس المبراطور على منصة مرتفعة ‪ ,‬علقت أمامها ستارة من الخيزران المشرح بنعومة و‬
‫الرشيرابات الرجوانية ‪ ,‬بحأيثا يمكن لجللته أن يرى الجميع و دون أن يرى‪ ,‬لنه ل كيسمح لنسان‬
‫عادي من الرعية أن ينظر إلى وجهه المقدس ‪.‬‬
‫كانت هاسه عازفةا ماهرة مع أنها صغيرة جدا ‪ ,‬و كثي ار ما كدتهش أساتذتها بذاكرتها وموهبتها‬
‫‪.‬‬
‫في هذه المناسبة الهامة عزفت بصورة طيبة ‪ .‬لكن الميرة تيروته ‪ ,‬زوجة أبيها ‪ ,‬التي كانت امرأة‬
‫كسولة ل تزعج نفسها بالتدريب يومي ا ‪ ,‬فشلت في مرافقتها و كان عليها أن تطلب من واحأدة من‬
‫سيدات البلط أن تحأل محألها ‪ .‬كان هذا خزي ا عظيم ا ‪ ,‬وكان تفكيرها بأنها فشلت في حأين نجحأت‬
‫ابنة زوجها يجعلها تغار بصورة عنيفة؛ً وكي يزيد المبراطور الطين بتلةا أرسل الكثير من الهدايا‬
‫الجميلة إلى الميرة الصغيرة مكافأة لها على عزفها الجيد في القصر ‪.‬‬
‫كان هناك الن سبب آخر كي تكره الميرة تيروته ابنة زوجها ‪ ,‬فقد نالت الحأظ الطيب بأن‬
‫يولد لها صبي ‪ ,‬وهي تواصل القول في صميما قلبها ‪:‬‬
‫" لو لما تكن هاسه ـ هيمه موجودة ‪ ,‬لحأاز ولدي كل حأب أبيه ‪" .‬‬

‫‪41‬‬
‫ولنها لما تتعلما أبدا كيف تضبط نفسها ‪ ,‬فقد سمحأت لهذه الفكرة الشريرة أن تنمو لتتحأول‬
‫إلى رغبة بغيضة بإزهاق حأياة ابنة زوجها ‪.‬‬
‫لذا فقد أمرت في يوما من الياما ببعض السما و سممت شيئا من الشراب الحألو ‪ .‬وضعت‬
‫هذا الشراب المسموما في زجاجة ‪ .‬وصبت شراب ا جيدا في زجاجة أخرى مشابهة ‪ .‬كانت مناسبة‬
‫مهرجان الصبيان في الخامس من شهر أيار ‪ ,‬و كانت هاسه ـ هيمه تلعب مع أخيها الصغير ‪.‬‬
‫كانت كل كدماهك من المحأاربين مبعثرة و هي تحأكي له قصص ا مدهشة عن كل واحأد منها ‪ .‬كانا‬
‫يتمتعان معا و يضحأكان بمرح مع خدمهما حأين دخلت أمه بزجاجتي الشراب وبعض الكعكات‬
‫اللذيذة ‪.‬‬
‫قالت الميرة الشريرة تيروته بابتسامة ‪:‬‬
‫" كلكما جيد و سعيد ‪ ,‬لذا فقد أحأضرت لكما بعض الشراب الحألو كمكافأة ـ وها هي بعض‬
‫الكعكات الجميلت لولدي ‪".‬‬
‫و ملت كوبين من زجاجتين مختلفتين ‪.‬‬
‫تناولت هاسه ـ هيمه التي لما تحألما أبدا بالجزء الفظيع الذي كانت تنفذه زوجة أبيها‪ ,‬تناولت‬
‫صي‬
‫ب من أجله ‪.‬‬ ‫واحأدا من كوبي الخمر و أعطت لخيها الصغير الكوب الخر الذي ك‬
‫علمت المرأة الشريرة بعناية الزجاجة المسمومة ‪ ,‬و بدخولها إلى الغرفة توترت ‪ ,‬و لنها كانت تصب‬
‫الخمر بسرعة أعطت دون وعي منها الكوب المسموما إلى طفلها ‪ .‬كانت كل هذا الوقت تراقب بقلق‬
‫الميرة الصغيرة ‪ ,‬لكن ما أذهلها أن ل تغير أيا كان قد ط أر على وجه الفتاة الصغيرة‪ .‬فجأة صرخ‬
‫الولد الصغير و ألقى بنفسه على الرض ‪ ,‬وهو يتلوى من اللما ‪ .‬طارت أمه إليه‪ ,‬آخذة حأذرها كي‬
‫تريق زجاجتي الشراب الصغيرتين اللتين أتت بهما إلى الغرفة ‪ ,‬و انتشلته‪ .‬اندفع الخدما إلى الطبيب‬
‫‪ ,‬لما يقدر شيسء أن ينقذ الطفل ـ فمات خلل ساعة بين ذراعي أمه‪.‬‬
‫لما يكن الطباء يعرفون الكثير في تلك الزمنة القديمة ‪ ,‬واعتبر أن الشراب لما يوافق الصبي ‪,‬‬
‫مسببا له تشنجات مات على أثرها‪.‬‬
‫هكذا عوقبت المرأة الشريرة بفقد طفلها حأين حأاولت أن تتخلص من ابنة زوجها ؛ً و لكنها‬
‫بدل من أن تلوما نفسها راحأت تكره هاسه ـ هيمه أكثر من ذي قبل بم اررة و سوء قلبها ‪ ,‬و تتحأين‬
‫الفرصة بشوق‪ ,‬التي تأخرت لتؤذيها إلى أن سنحأت على أية حأال ‪.‬‬
‫حأين كانت هاسه ـ هيمه في الثالثة عشرة من العمر ‪ ,‬صارت تعرف كشاعرة لها بعض‬
‫المزايا ‪ .‬كان هذا إنجازا كيشجع من النساء في اليابان القديمة ‪ ,‬و يحأوز احأتراما عاليا ‪.‬‬
‫حأيل الفصل الماطر في نا ار ‪ ,‬وكل يوما كيبنققكل أن الفيضانات تسبب الدمار في الجوار‪ .‬وأن‬
‫نهر تاتسوتا ‪ ,‬الذي كان يتدفق عبر أراضي القصر الملكي ‪ ,‬ارتفع إلى ذروة ضفتيه‪ ,‬و أقلقت زمجرةك‬
‫ل‪ ,‬بحأيثا كانت‬ ‫سيول الماء المندفعة على طول سريلر ضي ل‬
‫ق المبراطوقر أكثر من اللزما نها ار و لي ا‬

‫‪42‬‬
‫ي إلى كل المعابد البوذية يطلب من‬ ‫ت‬
‫الضطرابات العصبية الحأادة هي النتيجة‪ .‬كأرسقل مرسوسما ملك س‬
‫الكهنة أن يقدموا صلوات دائمة للسماء لتسكت ضجة الفيضان ‪ .‬لكن هذا لما كيبجتد‪.‬‬
‫ثما كهمس في دوائر البلط أن الميرة هاسه ‪ ,‬ابنة المير تويوناري فوجيو ار ‪ ,‬الوزير الثاني‬
‫في البلط ‪ ,‬الشاعرة الكثر موهبة للعصر ‪ ,‬رغما أنها ما تزال صغيرة ‪ ,‬و أكد أساتذتها النبأ ‪ .‬في‬
‫الماضي البعيد ‪ ,‬أثارت شاعرة جميلة وموهوبة عذراء مشاعر السماء بالصلة شع ار ‪ ,‬أنزلت مط ار‬
‫ب سيرة الشاعرة أونو ـ نو ـ كوماتشي القدماء ‪.‬‬
‫على أرض جاعت بسبب القحأط ـ هكذا قال ككلتا ك‬
‫فلو كتبت الميرة هاسه قصيدة و قدمتها في صلة ‪ .‬أل يمكنها أن توقف ضجيج النهر المتدفق و‬
‫تزيل سبب المرض الملكي ؟ ما قاله البلط وصل أخي اقر إلى آذان المبراطور نفسه ‪ ,‬و أرسل أم ار‬
‫إلى المير تويوناري لهذه الغاية ‪.‬‬
‫ا كان خوف هاسه ـ هيمه و دهشتها عظيمين حأق ا حأين أرسل إليها والدها و أخبرها بما هو‬
‫مطلوب منها ‪.‬‬
‫ثقيل ‪ ,‬حأقا ‪ ,‬كان الواجب الملقى على عاتقها الغض ـ أن تنقذ حأياة المبراطور بفضل شعرها ‪.‬‬
‫أخي ار جاء اليوما و انتهت قصيدتها ‪ .‬كانت مكتوبة على كراسة من الورق منقطة بشكل‬
‫كثيف بغبار الذهب ‪.‬‬
‫تقدمت مع أبيها و أتباعها و بعض موظفي البلط ‪ ,‬إلى ضفة السيل المزمجر و رافعة قلبها إلى‬
‫السماء ‪ ,‬قرأت القصيدة التي ألفتها ‪ ,‬بصوت جهوري ‪ ,‬رافعة إياها نحأو السماء بيديها كلتاهما‪.‬‬
‫بدا المر غريبا فعلا لكل أولئك الواقفين حأولها ‪ .‬فقد أوقفت المياه زمجرتها ‪ ,‬وهدأ النهر في‬
‫استجابة مباشرة لصلتها ‪ .‬بعد هذا بوقت قصير استعاد المبراطور عافيته ‪.‬‬
‫كان جللته مسرو ار بدرجة بالغة ‪ ,‬و أرسل إليها إلى القصر و أنعما عليها برتبة تشينجو ـ و‬
‫تعني الفريق ـ ليميزها ‪ .‬منذ ذلك الوقت دعيت تشينجو ـ هيمه ‪ ,‬أو الميرة الفريق ‪ ,‬وكانت محأترمة و‬
‫محأبوبة من قبل الجميع ‪.‬‬
‫ثمة شخص واحأد فقط لما يكن مسرو ار لنجاح هاسه ـ هيمه ‪ .‬كانت تلك هي زوجة أبيها ‪.‬‬
‫تحألما أبدا بموت طفلها الذي قتلته لدى محأاولتها دس السما لبنة زوجها ‪ ,‬كان الخزي قد أحأاط بها‬
‫من رؤيتها ترتفع إلى القوة و الشرف ‪ ,‬مشمولة بالرعاية الملكية و إعجاب كل البلط ‪ .‬اشتعل‬
‫حأسدها وغيرتها في قلبها مثل نار ‪ .‬وعديدة كانت الكاذيب التي نقلتها إلى زوجها عن هاسه ـ هيمه‬
‫‪ ,‬لكن كل ذلك كان من غير طائل‪ .‬فلما يكن ليصغي إلى أي من حأكاياتها ‪ ,‬قائلا لها بحأدة إنها‬
‫مخطئة تماما‪.‬‬
‫أخي ار أمرت زوجة الب ‪ ,‬منتهزة فرصة غياب زوجها ‪ ,‬واحأدا من خدمها القدماء أن يأخذ‬
‫الفتاة البريئة إلى جبال هيباري ‪ ,‬أكثر أجزاء البلد وحأشة ‪ ,‬و أن يقتلها هناك ‪ .‬لفقت قصة فظيعة عن‬
‫الميرة الصغيرة ‪ ,‬قائلة إنها الطريقة الوحأيدة لمنع الخزي من أن يحأل بالسرة ـ وذلك بقتلها ‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫كان‪ ,‬خادمها ‪ ,‬كاتودا ملزم ا بأن يطيع سيدته ‪ .‬على أي حأال ‪ ,‬فقد وجد أن الخطة الكثر‬
‫حأكمة ربما تكون بأن يتظاهر بالطاعة في غياب والد الفتاة‪ ,‬لذا فقد وضع هاسة‪ -‬هيمة في محأفة‬
‫ورافقها إلى المكان الكثر عزلة والذي أمكنه أن يجده في المقاطعة البرية‪ .‬علمت الطفلة المسكينة‬
‫أن ل فائدة من الحأتجاج لدى زوجة أبيها القاسية على إرسالها بعيدا بهذه الهيئة الغريبة‪ ,‬لذا فقد‬
‫مضت كما قيل لها‪.‬‬
‫لكن الخادما العجوز كان يعلما أن الميرة الشابة كانت بريئة تمام ا من كل الشياء التي لفقتها‬
‫له زوجة الب كأسباب لوامرها الشنيعة‪ ,‬وقرر أن ينقذ حأياتها‪ .‬إنه على أي حأال لن يستطيع العودة‬
‫إلى سيدته القاسية ما لما يقتلها‪ ,‬لذا فقد قرر أن يبقى في البرية ‪ .‬بنى بمساعدة بعض الفلحأين بعد‬
‫وقت قصير كوخ ا صغي ارا‪ ,‬وأرسل لزوجته س ار كي تأتي‪ ,‬قاما هذان العجوزان بكل ما في وسعهما‬
‫ليعتنيا بالميرة التعيسة‪ .‬الن كانت كل الوقت تثق بأبيها‪ ,‬عالمة أنه حأالما يعود إلى البيت ويجدها‬
‫غائبة‪ ,‬فإنه سيبحأثا عنها‪.‬‬
‫عاد المير تيوناري‪ ,‬بعد بضعة أسابيع إلى البيت‪ ,‬وأحأيط علما من قبل زوجته أن ابنته‬
‫هاسة‪-‬هيمة قد فعلت إثما وهربت خوف العقاب‪ .‬فكاد يمرض من النزعاج‪ .‬روى كل واحأد في‬
‫القصر القصة ذاتها – أن هاسة – هيمة اختفت فجأة‪ ,‬ولما يعرف أحأد لماذا أو إلى أين‪.‬وخوف‬
‫الفضيحأة أبقى المر ساكن ا وبحأثا في كل مكان أمكنه أن يفكر فيه‪ ,‬لكن ذلك كان دون جدوى‪.‬‬
‫في أحأد الياما دعا جميع رجاله مع ا وطلب إليهما أن يستعدوا للصيد عدة أياما في الجبال‪,‬‬
‫محأاولا أن ينسى هذا البلء الفظيع‪ .‬بعد قليل كانوا مستعدين يركبون خيولهما‪,‬ينتظرون سيدهما لدى‬
‫البوابة‪ .‬انطلق بقوة وسرعة إلى مقاطعة جبال هيباري‪ ,‬وتبعته رفقة عظيمة‪ .‬بعد وقت قصير صار‬
‫بعيدا يتقدما الجميع‪ ,‬وأخي ار وجد نفسه في واد ضيق رائع‪.‬‬
‫نظر حأوله معجب ا بالمنظر الجميل‪ ,‬فلحأظ بيت ا صغي ار على أحأد التلل القريبة‪ ,‬ثما سمع‬
‫بوضوح صوت ا جميلا يق أر بصوت مرتفع‪ ,‬ترلجل‪ .‬وقد أسره الفضول لمعرفة من يمكن أن يدرس‬
‫باجتهاد كهذا في بقعة منعزلة كهذه‪ ,‬تاركا فرسه لسائس خيله‪ ,‬صعد إلى أعلى جانب التل واقترب‬
‫من الكوخ‪ .‬كانت دهشته تزداد كلما اقترب أكثر‪ ,‬لنه استطاعا أن يرى أن القارئ إنما كان فتاة‬
‫جميلة‪ .‬كان الكوخ مفتوحأ ا وكانت تجلس في مواجهة المنظر‪ .‬مصغي ا بانتباه‪ ,‬سمعها تق أر الكتب‬
‫البوذية المقدسة بخشوعا كبير أسرعا باحأث ا بفضول زائد أكثر فأكثر‪ ,‬نحأو البوابة الصغيرة ودخل‬
‫الحأديقة الصغيرة‪ ,‬و رأى ابنته المفقودة هاسة – هيمة‪ .‬كانت خاشعة جدا فيما تقول بحأيثا أنها لما‬
‫تسمع ولما تر أباها إلى أن تكلما‪.‬‬
‫صاح ‪ " :‬هاسة – هيمة ! أهذه أنت يا هاستي !"‬
‫لما تستطع‪ ،‬وقد أخذتها المفاجأة‪,‬أن تدرك أن أباها العزيز هو من كان يناديها‪ ,‬وللحأظة‬
‫سلبت منها القدرة على الكلما أو الحأركة‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫كان كل ما استطاعت أن تقوله ‪ ":‬أبي ‪ ,‬أبي ! أأنت حأق ا – آه‪ ,‬يا أبي !"‪ ,‬وأمسكت بكمه‬
‫السميك راكضة نحأوه‪ ,‬و انفجرت غامرة وجهها بانفعال من الدموعا‪.‬‬
‫أبعد أبوها شعرها السود‪ ,‬سائلا إياها بلطف أن تخبره بكل ما جرى‪ ,‬لكنها تابعت البكاء‬
‫فقط‪ ,‬وتساءل فيما إذا لما يكن يحألما بالفعل‪.‬‬
‫ثما ظهر الخادما العجوز المخلص كاتودا‪ ,‬وحأاني ا نفسه نحأو الرض أماما سيده‪ ,‬أباح بحأكاية‬
‫الظلما الطويلة‪ ,‬مخب ار له عن كل ما حأدثا‪ ,‬وكيف أنه وجد ابنته في مثل هذه البقعة المنعزلة‬
‫والمهجورة مع خادمين عجوزين فقط يقومان على العناية بها‪.‬‬
‫لما تعرف دهشة المير وسخطه حأدوداا‪ .‬ترك الصيد حأالا وأسرعا إلى البيت مع ابنته‪.‬‬
‫عدا أحأد الرفقة قدم ا ليخبر أهل البيت بالخبار السارة‪ ,‬وسامعة ما حأدثا‪ ,‬وخشية لقاء‬
‫زوجها الن حأيثا اكتشف خبثها‪ ,‬هربت الخالة‪ ،‬وقد سمعت بما حأدثا‪ ،‬خشية لقاء زوجها وقد‬
‫اكتشف خبثها‪ ،‬من البيت وعادت مكللة بالعار إلى بيت والدها‪ ,‬ولما يعد كيسمعك عنها شيء أكثر من‬
‫ذلك‪.‬‬
‫كوفئ الخادما العجوز كاتودا بأعلى ترقية في خدمة سيده‪ ,‬وعاش بسعادة حأتى نهاية أيامه‪,‬‬
‫مخلص ا للميرة الصغيرة‪ ,‬التي لما تنس أبدا أنها مدينة بحأياتها لهذا الخادما المين‪ .‬لما تعد تزعجها‬
‫زوجة أبيها القاسية‪ ,‬ومرت أيامها بسرور وهدوء مع أبيها‪.‬‬
‫وبما أن المير تويوناري ليس له ابن‪ ,‬فقد تبنى ولدا أصغر لحأد نبلء البلط ليكون وريثه‪,‬‬
‫وليتزوج ابنته هاسة – هيمة‪ ,‬وخلل بضع سنوات تما الزواج‪.‬‬
‫عاشت هاسة – هيمة إلى سن متقدمة طيبة‪ ,‬وقال الجميع إنها كانت السيدة الكثر حأكمة‪ ,‬وورعاا‪,‬‬
‫والجمل التي حأكمت في بيت المير تويوناري القديما على الطلق‪ .‬حأازت بهجة تقديما ولدها‪ ,‬سيد‬
‫السرة في المستقبل‪ ,‬لبيها تمام ا قبيل أن يتقاعد من الحأياة العملية‪.‬‬
‫إوالى اليوما كيحأتفظ بقطعة من عمل البرة في واحأد من معابد كيوتو البوذية‪.‬إنها قطعة جميلة‬
‫من النسيج‪ ,‬مزود بصورة بوذا مطرزة بخيوط حأريرية مسحأوبة من ساق زهرة اللوتس‪ .‬ويقال إن هذه‬
‫القطعة من صنع يدي الميرة الطيبة هاسة‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫قصة الرجل الذي لم يشأ أن يموت‬
‫في الماضي البعيد ‪ ,‬البعيد عاش رجل يدعى سنتارو ‪ .‬لقبه كان يعني " المليونير" ‪ ,‬لكن مع‬
‫أنه لما يكن غنيا كثي ار إلى ذاك الحأد ‪ ,‬فهو ما يزال بعيدا كثي ار عن كونه فقي ار ‪ .‬فقد ورثا ثروة صغيرة‬
‫عن أبيه و عاش عليها ‪ ,‬مزجيا وقته بل مبالة ‪ ,‬دون أية أفكار جادة عن العمل ‪ ,‬إلى أن صار في‬
‫الثانية و الثلثين من عمره ‪.‬‬
‫في أحأد الياما ‪ ,‬و دون أيما سبب ‪ ,‬جاءته فكرة السقوط في المرض أو الموت بائس ا كثي ارا‪.‬‬
‫قال في نفسه ‪ " :‬أريد أن أعيش حأتى أصبح في سن الخمسمائة أو الست مائة عاما على‬
‫القل ‪ ,‬معافى من كل مرض ‪ .‬إن المدة العادية لحأياة النسان قصيرة جدا ‪" .‬‬
‫تساءل ما إذا كان من الممكن ‪ ,‬العيش ببساطة و اقتصاد من الن فصاعدا ‪ ,‬كي يطيل‬
‫حأياته كما كان يرغب ‪.‬‬
‫عرف أنه توجد قصص كثيرة في التاريخ القديما لباطرة عاشوا ألف سنة ‪ ,‬و هناك أميرة‬
‫ياماتو ‪ ,‬التي قيل ‪ ,‬إنها عاشت حأتى سن الخمسمائة ‪ .‬كانت هـذه آخر قصـة مدونة لحأياة طويلة‬
‫جدا ‪.‬‬
‫ولطالما سمع سنتارو حأكاية الملك الصيني المسمى شن ـ نو ـ شيكو ‪ .‬فقد كان واحأدا من‬
‫أكثر حأكاما الصين مقدرة و قوة في التاريخ ‪ .‬بنى كل القصور الكبيرة ‪ ,‬وجدار الصين العظيما‬
‫المشهور أيض ا ‪.‬‬
‫كان لديه كل شيء يمكن أن يرغبه في العالما ‪ ,‬لكن على الرغما من كل سعادته ‪ ,‬و ترف و عظمة‬
‫بلطه ‪ ,‬و حأكمة مستشاريه و مجد حأكمه ‪ ,‬ظيل بائسا لنه كان يعلما أن عليه في يوما من الياما أن‬
‫يموت و يتركها جميعا ‪.‬‬
‫كانت فكرة الموت ترافق شن ـ نو ـ شيكو حأين يذهب إلى النوما ليلا ‪ ,‬و حأين كان يستيقظ في‬
‫الصباح ‪ ,‬وبينما كان يذهب خلل نهاره‪ .‬لما يكن يستطيع أن يفير منها ‪ .‬آه ـ لو يستطيع فقط أن يجد‬
‫" إكسير الحأياة ‪ " ,‬فسيكون سعيدا ‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫دعا المبراطور أخي ار لجتماعا رجال حأاشيته و سألهما جميع ا ما إذا كان باستطاعتهما أن يجدوا‬
‫له " إكسير الحأياة " الذي كثي ار ما ق أر عنه و سمع به‪.‬‬
‫قال أحأد رجال الحأاشية المسنين ‪ ,‬و بالذات جوفوكو ‪ ,‬إنه بعيدا جدا عبر البحأار كان يوجد بلد‬
‫يدعى هورايزان ‪ ,‬و أن نساك ا محأددين كانوا يعيشون هناك يملكون سر " إكسير الحأياة " قمبن قشتر ق‬
‫ب‬
‫من هذا الشراب عاش إلى البد ‪.‬‬
‫أمر المبراطور جوفوكو بأن ينطلق إلى أرض هورايزان ‪ ,‬ويجد النساك ‪ ,‬ويحأضر قارورة من‬
‫الكسير السحأري ‪ .‬أعطى لجوفوكو واحأدة من أفضل سفنه الشراعية ‪ ,‬جهزها لجله ‪ ,‬و شحأنها‬
‫بكميات عظيمة من الكنوز و الحأجار الثمينة لجوفوكو ليأخذها هدايا للنساك ‪.‬‬
‫أبحأر جوفوكو إلى أرض هورايزان ‪ ,‬لكنه لما يعد أبدا للمبراطور المنتظر ؛ً و لكن منذ ذاك‬
‫الوقت قيل عن جبل فوجي أنه الجبل السطوري و موطن النساك الذين امتلكوا سر الكسير ‪ ,‬و أن‬
‫جوفوكو كان يعبد كإله راعا لهما ‪.‬‬
‫في هذا الوقت قرر سنتارو أن ينطلق ليجد النساك‪ ,‬ويصبح أن واحأدا منهما‪ ,‬إن استطاعا‪,‬‬
‫ثا حأين كان طفل أن هؤلء‬ ‫بحأيثا يتمكن من الحأصول على ماء الحأياة البدية ‪ .‬تذكر أنه كحأصد ق‬
‫النساك ل يسكنون فقط على جبل فوجي ‪ ,‬بل هما يسكنون كل القمما العالية كما قيل ‪.‬‬
‫لذا ترك بيته القديما في رعاية أقاربه ‪ ,‬و انطلق في بحأثه ‪ .‬سافر عبر كل المناطق الجبلية‬
‫للرض ‪ ,‬متسلق ا رؤوس أعلى القمما ‪ ,‬لكنه لما يجد ناسك ا واحأدا أبدا ‪.‬‬
‫أخي ار ‪ ,‬بعد أن تجول في منطقة مجهولة لعدة أياما ‪ ,‬قابل صيادا ‪.‬‬
‫سأل سنتارو ‪ " :‬أتستطيع أن تخبرني أين يعيش النساك الذين يملكون إكسير الحأياة ؟"‬
‫قال الصياد ‪ " :‬ل ‪ ,‬ل أستطيع أن أخبرك أين يعيش مثل هؤلء النساك‪ ,‬لكن يوجد لص سيء‬
‫السمعة يعيش في هذه النحأاء ‪ .‬يقال إنه رئيس عصابة من مائتين من التباعا ‪" .‬‬
‫أغضب هذا الجواب الغريب سنتارو كثي ار جدا ‪ ,‬و فكر كما هو جنوني أن يضيع مزيدا من‬
‫الوقت في البحأثا عن النساك بهذه الطريقة ‪ ,‬لذا قرر أن يذهب فو اقر إلى ضريح جوفوكو‪ ,‬الذي‬
‫تجري عبادته على أنه الله الراعي للنساك في جنوب اليابان ‪.‬‬
‫وصل سنتارو إلى الضريح و صلى سبعة أياما ‪ ,‬متضرعا لجوفوكو أن يريه السبيل إلى ناسك‬
‫يمكن أن يمنحأه ما تمنى كثي ار أن يجده ‪.‬‬
‫في منتصف ليل اليوما السابع ‪ ,‬بينما ركع سنتارو في المعبد ‪ ,‬انفتح باب الضريح العمق ‪,‬‬
‫وظهر جوفوكو في سحأابة منيرة ‪ ,‬و تكلما مناديا سنتارو أن يأتي هكذا ‪:‬‬
‫ب بسهولة ‪ .‬تظن أنك تريد أن تصبح ناسكا لكي تجد‬
‫" رغبتك أنانية كثي ار و ل يمكن أن كتوقه ق‬
‫إكسير الحأياة ‪ .‬هل تعرف كما هي قاسية حأياة الناسك ؟ يسمح للناسك أن يأكل فقط الفاكهة وثمار‬
‫العليق و لحأاء شجر الناناس ؛ً على الناسك أن يقطع نفسه عن العالما بحأيثا يمكن لقلبه أن يصير‬

‫‪47‬‬
‫نقي ا كالذهب و طليق ا من كل رغبة أرضية ‪ .‬بالتدريج بعد اتباعا هذه القواعد الصارمة ‪ ,‬يتوقف‬
‫الناسك عن الشعور بالجوعا أو البرد أو الحأ اررة ‪ ,‬و يصبح جسمه حأفيفا بحأيثا يستطيع أن يمتطي‬
‫كركيا أو شبوطا‪ , 1‬و أن يمشي على الماء دون أن يبلل قدميه‪.‬‬
‫" أنت ‪ ,‬يا سنتارو مولع بالعيش الرغيد و بكل رفاهية ‪ .‬أنت لست حأتى مثل النسان العادي ‪ ,‬لنك‬
‫كسول بصورة استثنائية ‪ ,‬و أكثر حأساسية للحأ اررة و البرودة من كجصل الناس ‪ .‬لن يمكنك أبدا أن‬
‫تمضي حأافي القدما أو أن تلبس ثوب ا رقيق ا واحأدا في زمن الشتاء !‬
‫هل تحأسب أنك ستملك الصبر و القجلققد لتحأيى حأياة الناسك يوما ما ؟‬
‫" وجوابا على صلتك ‪ ,‬سأساعدك ‪ ,‬على أي حأال ‪ ,‬بطريقة أخرى ‪ .‬سأرسلك إلى بلد الحأياة‬
‫البدية ‪ ,‬إلى حأيثا ل يأتي الموت أبدا ـ وحأيثا يعيش الناس إلى البد ! "‬
‫وضع جوفوكو في يد سنتارو وهو يقول هذا ‪,‬كركي ا صغي ار مصنوع ا من الورق ‪ ,‬آم ار له أن‬
‫يركب على ظهره و سيحأمله هو إلى هناك‪.‬‬
‫أطاعا سنتارو بذهول‪ .‬قككبقر الكركي بصورة تكفي ليمتطيه بيسر‪ .‬ثما بسط جناحأيه ‪ ,‬ارتفع عاليا‬
‫في الجو و طار بعيدا فوق الجبال على يمين البحأر‪.‬‬
‫كان سنتارو خائف ا في البداية ‪,‬لكنه بالتدريج اعتاد الطيران السريع خلل الهواء قدما و قدم ا‬
‫مضيا للف الميال ‪ .‬لما يتوقف الطير أبدا لراحأة أو لطعاما ‪ ,‬وبما أنه كان طائ ار ورقي ا فهو بل‬
‫شك لما يتطلب أية تغذية ‪ ,‬ولكن الغريب أن نقول ‪ ,‬و ل سنتارو أيض ا‪.‬‬

‫بعد أياما عديدة وصل جزيرة ‪ .‬طار الكركي مسافة في داخل البلد ثما حأط‪.‬‬
‫وحأالما تريجقل سنتارو عن ظهر الطائر ‪ ,‬انطوى طواعية و طار إلى جيبه‪.‬‬
‫الن بدأ سنتارو ينظر حأوله بدهشة ‪ ,‬بفضول ليرى ماذا تشبه بلد الحأياة البدية‪.‬مشى أولا حأول‬
‫البلد ثما عبر المدينة ‪ .‬كل شيء كان غريب ا تمام ا طبعاا‪ ,‬و مختلف ا عن أرضه ‪ .‬لكن الرض والناس‬
‫مع ا بدوا مزدهرين ‪ ,‬لذا قرر أنه سيكون جيدا له أن يمكثا هنا و أخذ غرفة في أحأد الفنادق ‪.‬‬
‫كان المالك رجلا لطيفا ‪ ,‬وحأين أخبره سنتارو أنه غريب و أنه حأضر ليعيش هناك ‪ ,‬وعد بأن‬
‫يرتب كل شيء ضروري مع حأاكما المدينة فيما يتعلق بإقامة سنتارو هناك ‪ .‬وحأتى أنه وجد بيتا‬
‫لضيفه ‪ ,‬و بهذه الطريقة حأصل سنتارو على رغبته العظيمة و أصبح مقيم ا في بلد الحأياة البدية ‪.‬‬
‫في ذاكرة كل سكان الجزيرة أنه لما يمت إنسان أبدا هناك ‪ ,‬و المرض كان شيئ ا غير معروف ‪.‬‬
‫جاء الكهنة من الهند و الصين و أخبروهما عن بلد جميل يدعى الفردوس ‪ ,‬حأيثا السعادة و البركة و‬
‫الرضا تعمر قلوب الناس ‪ ,‬لكنه ل يمكن الوصول إلى بواباتها إل بالموت ‪ .‬هذا العرف تحأيدقر‬
‫جيل إلى جيل ـ لكن أحأدا ل يعرف بالضبط ما هو الموت سوى أنه يؤدي إلى الفردوس‪.‬‬‫لعصورل من ل‬

‫‪ - 1‬الشببوط ‪ :‬نوع من السمك النهري‪ .‬المترجم‬

‫‪48‬‬
‫وخلف ا لسنتارو و الناس العاديين الخرين ‪ ,‬وبدل من الفزعا الكبير من الموت ‪ ,‬كانوا جميع ا ‪,‬‬
‫أغنياء و فقراء يرغبون به معا كشيء جيد و مرغوب ‪ .‬كانوا جميعا متعبين من حأياتهما الطويلة ‪ ,‬و‬
‫يتوقون للذهاب إلى أرض الرضا التي تدعى الفردوس و التي أخبرهما عنها الكهنة منذ قرون مضت‬
‫‪.‬‬
‫كل هذا اكتشفه سنتارو بالحأديثا مع سكان الجزيرة ‪ .‬ووجد أنه‪ ،‬بحأسب أفكاره‪ ،‬في أرض‬
‫النقلب‪ .‬كل شيء كان معكوس ا ‪ .‬فقد رغب في الفرار من الموت ‪ .‬وجاء إلى أرض الحأياة البدية‬
‫بكثير من الراحأة و البهجة ‪ ,‬ليجد فقط أن السكان‪ ,‬المحأكومون بأل يموتوا ذاتهما‪ ,‬يعتبرون أن من‬
‫البركة أن يجدوا الموت ‪.‬‬
‫وأن ما كان يعتبره هنا سم ا كان هؤلء الناس يأكلونه كطعاما جيد ‪ ,‬و كل الشياء التي كان‬
‫معتاداق عليها كطعاما كانوا ينبذونها ‪ .‬عندما يصل أي تجار من البلد الخرى ‪ ,‬يندفع الغنياء إليهما‬
‫متلهفين لشراء السموما ‪ .‬كان يبتلعون هذه بلهفة آملين الموت أن يأتي ليمكنهما الذهاب إلى الفردوس‬
‫‪.‬‬
‫لكن ما كان سموما مميتة في الراضي الخرى كان ل تأثير له في هذا المكان الغريب‪ ,‬و‬
‫الناس الذين كانوا يبتلعونها على أمل الموت ‪ ,‬يجدون فقط أنهما خلل وقت قصير يشعرون بتحأسن‬
‫في الصحأة بدل من السوء ‪.‬‬
‫عبث ا كانوا يحأاولون أن يتخيلوا ما يشبه الموت ‪ .‬الغنياء يودون لو يدفعون كل أموالهما و كل‬
‫صروا فقط حأياتهما حأتى إلى مائتين أو ثلثمائة عاما‪ .‬فأن تحأيى بل أي‬
‫بضائعهما إن استطاعوا أن يق ص‬
‫تغيير إلى البد كان يبدو لهؤلء الناس شيئا مملا ومحأزناق ‪.‬‬
‫في الصيدليات كان ثمة عقار يطلب باستمرار ‪ ,‬لن بعد استعماله لمائة سنة ‪ ,‬يفترض أن‬
‫يحأول الشعر قليل إلى الرمادي و أن يسبب اضطرابات في المعدة ‪.‬‬
‫دهش سنتارو حأين وجد أن سمك الكرة الساما‪ 1‬يقدما في المطاعما كطبق لذيذ ‪ ,‬و أن الباعة‬
‫المتجولين في الشوارعا يتجولون بائعين صلصات مصنوعة من الذباب السباني ‪ .‬لما ير أبدا أحأدا‬
‫مريضا بعد أكل هذه الشياء المرعبة ‪ ,‬و ل وجد أحأدا مصابا حأتى بالرشح ‪.‬‬
‫ابتهج سنتارو ‪ .‬قال في نفسه إنه لن يتعب من العيش ‪ ,‬و يعتبر أن من الكفر أن يرغب‬
‫بالموت‪.‬‬
‫كان الرجل السعيد الوحأيد في الجزيرة ‪ .‬لنه من ناحأيته كان يرغب في أن يعيش آلف السنين و‬
‫يتمتع بالحأياة ‪.‬‬

‫‪ - 1‬سمكة قادرة على أن تنفخ نفسها على شكل كرة‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫استقير في العمل ‪ ,‬وهو في الوقت الحأاضر ل يحألما حأتى بالعودة إلى أرض الوطن ‪.‬‬
‫وبمرور السنين ‪ ,‬على أية حأال ‪ ,‬لما تكن المور تمضي بسهولة كما في السابق ‪ .‬حألت به‬
‫خسائر ثقيلة في العمل ‪ ,‬ومرات عديدة فشلت بعض القضايا مع جيرانه ‪ .‬وسبب له هذا انزعاجا‬
‫كبي ار ‪.‬‬
‫مر الوقت بالنسبة له كرمية سهما ‪ ,‬لنه كان مشغولا بالعمل منذ الصباح و حأتى الليل ‪.‬‬
‫مرت ثلثمائة عاما بهذه الطريقة الرتيبة ‪ ,‬ثما بدأ أخي ار يتعب من الحأياة في هذا البلد ‪ ,‬وصار يتوق‬
‫إلى رؤية أرضه وبيته القديما ‪ .‬مهما عاش هنا فإن الحأياة ستكون هي نفسها ‪ ,‬لذا أليس من الجنون‬
‫والعنت المكثا هنا إلى البد ؟‬
‫تذكر سنتارو في رغبته بالنجاة من أرض الحأياة البدية ‪ ,‬جوفوكو ‪ ,‬الذي ساعده من قبل حأين‬
‫رغب بالفرار من الموت ـ و صلى للقديس لكي يعيده إلى أرضه ثانية ‪ .‬ما إن صلى حأتى خرج‬
‫الكركي الورقي فجأة من جيبه‪.‬ذهل سنتارو لدى رؤية أنه ظل سليم ا بعد كل هذه السنين ‪ .‬مرة أخرى‬
‫كبر الطائر و كبر حأتى صار كبي ار كفاية لجل أن يصعد عليه‪ .‬وحأالما فعل هذا ‪ ,‬بسط الطائر‬
‫جناحأيه و طار بسرعة عبر البحأر باتجاه اليابان‪.‬‬
‫كان عناد طبيعة النسان عظيم ا بحأيثا أنه نظر إلى الخلف و أقتس ق‬
‫ف على كصل ما خلفه وراءه‪.‬‬
‫حأاول بل جدوى أن يوقف الطائر‪ .‬استمر الكركي الورقي المدهش ‪ ,‬تفكك ‪ ,‬وسقط إلى البحأر ‪.‬‬
‫سقط سنتارو معه ‪ .‬صاح بصوت مرتفع‪ ,‬لجوفوكو كي ينقذه ‪ ,‬خائف ا كثي ار جدا من فكرة الغرق‪.‬‬
‫نظر حأواليه ‪ ,‬لكن لما يكن هناك سفينة في مدى النظر ‪ .‬ابتلع كمية من ماء البحأر ‪ ,‬المر الذي زاد‬
‫حأاله تعاسة ‪ .‬بينما كان يناضل هكذا ليظل عائما ‪ ,‬رأى قرشا ضخما يسبح نحأوه ‪ .‬حأين اقترب أكثر‬
‫فتح فمه الواسع مستعدا للتهامه ‪ .‬كان سنتارو مشلولا تمام ا بالخوف حأين شعر أن نهايته باتت‬
‫وشيكة ‪ ,‬و صرخ بأعلى ما استطاعا في حأياته لجوفوكو كي يأتي و يخلصه ‪.‬‬
‫أنظر ‪ ,‬وشاهد ‪ ,‬استيقظ سنتارو بفعل صرخاته ‪ ,‬ليجد أنه إنما سقط نائم ا خلل صلته‬
‫الطويلة أماما الضريح ‪ ,‬و أن كل مغامراته غير العادية و المرعبة إنما كانت مجرد حألما مطلق العنان‬
‫‪ .‬كان غارقا في عرق بارد و خوف ‪ ,‬وهو مرتبك تماما ‪.‬‬
‫فجأة بلغه ضوء لمع ‪ ,‬ووقف في الضوء رسول ‪ .‬كان الرسول يحأمل بيده كتابا‪ ,‬فقال لسنتارو‬
‫‪:‬‬
‫" لقد أرسلت إليك من قبل جوفوكو ‪ ,‬الذي أذن لك ‪ ,‬استجابة لصلتك ‪ ,‬أن ترى أرض الحأياة‬
‫البدية في المناما‪ .‬لكنك تعبت من الحأياة هناك ‪ ,‬ورجوت لكيسمح لك بالعودة إلى أرض الوطن كي‬
‫تموت ‪ .‬و لكي يمتحأنك ‪ ,‬جوفوكو ‪ ,‬تركك تسقط في البحأر ‪ ,‬ثما أرسل القرش ليبتلعك ‪.‬‬
‫لما تكن رغبتك بالموت حأقيقية ‪ ,‬لنك صرخت حأتى في تلك اللحأظة بصوت مرتفع و ناديت طلب ا‬
‫للمساعدة ‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫" إنه من العبثا أيض ا بالنسبة لك أن ترغب في أن تصبح ناسك ا ‪ ,‬و أن تجد إكسير الحأياة ‪.‬‬
‫هذه الشياء ليست لمثلك ـ ل تهمل أبدا أن تحأفظ الذكريات السنوية لجدادك ‪ ,‬و اجعل واجبك أن‬
‫تقدما لجل مستقبل أطفالك ‪ .‬هكذا أريد أن تعيش إلى شيخوخة طيبة و كن سعيدا ‪ ,‬لكن أقتلبع عن‬
‫الرغبة التي ل طائل من ورائها بالهرب من الموت ‪ ,‬لنه ل أحأد يستطيع أن يفعل ذلك ‪ ,‬و أنت الن‬
‫قد وجدت بالتأكيد أن الرغبات النانية حأين تمنح فهي ل تجلب السعادة ‪.‬‬
‫" في هذا الكتاب الذي أعطيك إياه وصفات عديدة جيدة لك لتعرفها ـ إذا درستها ‪ ,‬ستهتدي في‬
‫الطريق الذي أشرت عليك به ‪" .‬‬
‫اختفى الملك حأالما أنهى الكلما ‪ ,‬وحأفظ سنتارو الدرس عن ظهر قلب ‪ .‬عاد إلى بيته القديما‬
‫و الكتاب بيده ‪ ,‬و حأاول أن يعيش حأياة جيدة و مفيدة و أن يراعي الدروس التي أعطيت له في‬
‫الكتاب‪ ،‬نابذا كل رغباته القديمة التي ل جدوى منها ‪ ،‬و ازدهر هو وبيته منذ ذاك ‪.‬‬

‫قاطع الخيزران و طفلة القمر‬


‫في الماضي البعيد ‪ ،‬البعيد‪ ،‬كان يعيش قاطع خيزران عجوز ‪ .‬كان فقي ار جدا‪ ،‬وحأزين ا‬
‫أيض ا‪ ،‬للن السماء لما ترسل طفلا يبهج شيخوخته ‪ ,‬لما يكن في قلبه أمل في الراحأة من العمل إلى‬
‫أن يموت ويوضع في القبر الساكن‪ .‬يمضي كلل صباح بعيدا إلى الغابات و التلل حأيثا كان‬
‫الخيزران يرفع ريشاته الخض اروات الرشيقات في مواجهة السماء‪ .‬حأين كان يحأدد اختياره ‪,‬فإنه كان‬
‫يقطع ريشات الغابة هذه ‪,‬وبعد أن يفلقها بالطول ‪ ,‬أو يقطعها إلى عقد‪ ,‬كان يحأمل خشب الخيزران‬
‫إلى البيت ويصنعه سلع ا مختلفة من أجل السرة ‪ ,‬و يكسب هو وزوجته رزق ا ضئيلا ببيعها ‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫خرج في أحأد الصباحأات كالمعتاد إلى عمله ‪ ,‬وبعد أن وجد أجمة خيزران جميلة‪ ,‬بدأ يعمل ليقطع‬
‫بعضها‪.‬فجأة غمرت أيكة الخيزران الخضراء بضوء ساطع ناعما‪,‬كما لو أن بد ار أشرق على البقعة‪.‬‬
‫نظر حأوله في دهشة‪ ,‬ورأى أ ن البريق كان يتدفق من إحأدى أشجار الخيزران‪ .‬أنزل الرجل العجوز‪,‬‬
‫وكله عجب‪,‬فأسه ومضى نحأو الضوء‪ .‬حأين اقترب أكثر رأى أن هذا التللقؤ كان قادم ا من فتحأة في‬
‫ساق شجرة خيزران خضراء‪ ,‬وما هو أشد عجب ا أن يشاهد ‪ ,‬في وسط البريق إنسان ا صغي ارا‪ ,‬ارتفاعه‬
‫ثلثا إنشات فقط ‪ ،‬جميل المظهر على نحأو رائع‪.‬‬
‫قال الرجل العجوز‪ " :‬ل بد أنتك أرسلتت لتكوني طفلتي‪ ,‬لنني وجدتك هنا بين أشجار‬
‫الخيزران حأيثا يكون عملي اليومي " متناولا المخلوق الصغير بيده و أخذه إلى البيت إلى زوجته‬
‫لتربيه‪.‬كانت البنت الصغيرة جميلة جدا وبإفراط وصغيرة كذلك‪ ,‬بحأيثا أ ن الرجل العجوز وضعها‬
‫في سلة ليحأميها من أدنى إمكانية في أن تؤذى بأية طريقة‪.‬‬
‫كان الزوجان العجوزان سعيدين جدا الن‪ ,‬لن حأسرتهما كانت كل حأياتهما على أنهما ل‬
‫أطفال لهما‪ ,‬وبسرور قلدما كل حأب شيخوختهما إلى الطفلة الصغيرة التي جاءتهما بطريقة عجيبة‬
‫جداا‪.‬‬
‫من هذا الوقت فصاعدا ‪ ,‬صار الرجل العجوز كثي ار ما يجد ذهب ا في أثلما أشجار الخيزران حأين‬
‫كان يحأصدها و يقطعها ؛ً ليس ذهب ا فقط‪ ,‬و إنما أحأجا ار ثمينة أيض ا ‪ ,‬بحأيثا أنه أصبح بالتدريج‬
‫غني ا ‪ .‬بنى لنفسه بيت ا جميلا ‪ ,‬ولما يعد يعرف كقاطع خيزران فقير ‪ ،‬بل كرجل ثري‪.‬‬
‫مضت ثلثة شهور بسرعة ‪ ,‬و في ذلك الوقت أصبحأت طفلة الخيزران ‪ ,‬و يا عجباا‪ ,‬فتاة‬
‫مكتملة النمو ‪ ،‬بحأيثا رفع والداها ـ بالتربية شعرها و ألبساها الثواب الفضفاضة‪ .‬كانت ذات جمال‬
‫رائع بحأيثا كانا يضعانها خلف الستائر مثل أميرة ‪ ,‬و ل يسمحأان لحأد أن يراها ‪ ,‬قائمين على‬
‫خدمتها بأنفسهما ‪ .‬لقد بدت و كأنها مصنوعة من الضياء ‪ ,‬لن البيت كان يمتلئ بالشعاعا الناعما ‪،‬‬
‫حأتى أنه في ظلمة الليل يكون مثله في وقت النهار ‪.‬‬
‫كان لوجودها تأثير رقيق على من كان حأولها ‪ .‬كان على الرجل العجوز حأين يشعر بالحأزن‪ .‬أن‬
‫ينظر فقط إلى ابنته ـ بالتربية فيزول حأزنه ‪ ,‬و صار سعيدا مثلما كان حأين كان شاب اقا‪.‬‬
‫أخي ار جاء يوما تسمية طفلتهما المكتشفة حأديث ا ‪ ,‬وهكذا استدعى الزوجان العجوزان مانح‬
‫أسماء شهير ‪ ,‬و أعطاها اسما الميرة ضوء القمر ‪ ,‬لن جسمها كان يصدر ضواء كثي ار ناعم ا بحأيثا‬
‫يمكن أن تكون ابنة إله القمر ‪.‬‬
‫داقما الحأتفال ثلثة أياما مع الغناء و الرقص و الموسيقى ‪ .‬كان كل أصدقاء و أقارب‬
‫الزوجين العجوزين حأاضرين ‪ ,‬وكانت متعتهما بالمباهج المقامة للحأتفال بتسمية الميرة ضوء القمر‬
‫عظيمة ‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫أعلن كل من رآها أنه لما يشاهد أحأد في مثل جمالها ؛ً كل الجميلت في طول الرض و عرضها‬
‫يبدون باهتات في إزائها ‪ ,‬هكذا قالوا ‪ .‬انتشرت شهرة جمال الميرة في كل اتجاه ‪ ,‬وكثر كان‬
‫الملتمسون الذين يريدون أن يفوزوا بها ‪ ,‬أو حأتى أن يظفروا برؤيتها ‪ .‬أقاما الملتمسون من البعيد و‬
‫من القريب خارج البيت و صنعوا فتحأات صغيرة في السياج ‪ ،‬على أمل أن يظفروا بلمحأة من الميرة‬
‫أثناء ذهابها من غرفة إلى أخرى على طول الشرفة ‪ .‬مكثوا هناك ليلا نهارا ‪ ،‬مضحأين حأتى بنومهما‬
‫من أجل فرصة رؤيتها ‪،‬ولكن بل جدوى ‪ .‬ثما اقتربوا من البيت ‪ ،‬و حأاولوا أن يتكلموا مع الرجل‬
‫العجوز و زوجته أو مع بعض الخدما ‪ ،‬لكنهما لما يمنحأوا حأتى هذا‪.‬‬
‫ظلوا رغما كل هذه الخيبة ماكثين يوما بعد يوما ‪ ،‬وليلة بعد ليلة ‪ ،‬و عدوها كل شيء ‪،‬‬
‫وعظيمةس أكثر مما كيتصور كانت رغبتهما برؤية الميرة ‪.‬‬
‫أخي ار ‪ ,‬على أي حأال ‪ ,‬فقد أكثر الرجال ‪ ,‬وقد أروا كما كان طلبهما ميئوس ا منه ‪ ,‬فقدوا القلب و‬
‫المل مع ا ‪ ,‬و عادوا إلى بيوتهما ‪ .‬بدا أن حأماسة الجميع و ثباتهما ما عدا خمسة فرسان ‪ ,‬ازدادت‬
‫بالعقبات أكثر بدلا من أن تضمحأل ‪ .‬مضى هؤلء الرجال الخمسة حأتى دون وجباتهما ‪ ,‬و أكلوا نتفا‬
‫من أي شيء أحأضر إليهما ‪ ,‬بحأيثا يمكنهما أن يظلوا دائما واقفين خارج المسكن ‪ .‬وقفوا هناك في كل‬
‫الحأوال الجوية ‪ ,‬في أشعة الشمس و في المطر ‪.‬‬
‫كانوا يكتبون أحأيان ا الرسائل للميرة ‪ ,‬لكنها لما تتعطف عليهما بجواب ‪ .‬ثما حأين فشلت الرسائل‬
‫بأن تنتزعا أي جواب ‪ ,‬كتبوا القصائد إليها ليخبروها عن الحأب الذي ل أمل فيه و الذي حأرمهما من‬
‫النوما ‪ ,‬و من الطعاما ‪ ,‬ومن الراحأة ‪ ,‬و حأتى من بيوتهما ‪ .‬لما تعط الميرة ضوء القمر بعد أية إشارة‬
‫على أنها استلمت أشعارهما ‪.‬‬
‫مر الشتاء بهذه الحأالة من القنوط ‪ .‬و أخلى الثلج و الجليد و الرياح الباردة مكانها بالتدريج‬
‫لدفئ الربيع ‪ .‬ثما جاء الصيف ‪ ,‬و اشتعلت الشمس متوقدة و لذعة في السماوات في العلى و في‬
‫الرض تحأت ‪ ,‬وظل هؤلء الفرسان المخلصين يراقبون و ينتظرون ‪ .‬في نهاية هذه الشهور الطويلة‬
‫صاحأوا لقاطع الخيزران العجوز و توسلوا إليه أن يظهر لهما بعض الشفقة و أن يريهما الميرة ‪ ,‬لكنه‬
‫أجابهما فقط بما أنه ليس والدها الحأقيقي لذا فإنه ل يستطيع أن يلح عليها أن تطيعه بما يخالف‬
‫رغباتها ‪.‬‬
‫بعد تلقي هذا الجواب الصارما ‪ ,‬عاد الفرسان الخمسة إلى بيوتهما المختلفة ‪ ,‬وفكروا في‬
‫أفضل السبل ملمسة قلب الميرة الفخورة ‪ ,‬ولو قدر أن تلقي إليهما سمع ا ‪ .‬تناولوا كسببحأاتتهما وركعوا‬
‫أماما أضرحأتهما المنزلية ‪ ,‬و أحأرقوا البخور الثمين ‪ ,‬ضارعين إلى بوذا أن يمنحأهما أمنية قلوبهما ‪.‬‬
‫هكذا مرت أياما عديدة ‪ ,‬لكنهما مع ذلك لما يستطيعوا أن يرتاحأوا في بيوتهما ‪.‬‬
‫لذا فقد انطلقوا ثانية صوب منزل قاطع الخيزران في هذه المرة خرج الرجل العجوز ليراهما‪ ,‬و‬
‫سألوه أن كيبعلتقمهكبما ما إذا كان قرار الميرة أل ترى أبدا أي رجل مهما يكن ‪ ,‬وتوسلوا إليه أن يتكلما‬

‫‪53‬‬
‫لمصلحأتهما و أن يخبرها عن عظيما حأبهما ‪ ,‬وكما انتظروا طويلا خلل برد الشتاء وحأر الصيف ‪ ,‬بل‬
‫نوما و بل سقف خلل كل الحأوال الجوية ‪ ,‬دون طعاما و بل راحأة ‪ ,‬على أملل متقلد بالظفر بها ‪ ,‬و‬
‫أنهما يرغبون بأن يعتبروا هذا السهر الطويل متعة لو أعطتهما فرصة واحأدة للدفاعا عن قضيتهما معها‬
‫‪.‬‬
‫أعار الرجل العجوز أذن ا صاغية لحأكايتهما عن الحأب ‪ ,‬لنه شعر بالحأزن من صميما قلبه‬
‫لجل هؤلء الملتمسين المخلصين و أحأب أن يرى ابنته الحأبيبة و قد تزوجت واحأدا منهما‪.‬‬
‫لذا فقد مضى إلى الميرة ضوء القمر و قال بوقار ‪:‬‬
‫" رغما أنك كنت دائما تبدين لي كائنا سماويا ‪ ,‬فإنني تكبدت مشقة تربيتك كطفلتي و كنت‬
‫سعيدة بحأماية سقفي ‪ .‬فهل سترفضين أن تفعلي ما أرغب ؟ "‬
‫عندها أجابت الميرة ضوء القمر أنه ل يوجد شيء ل تفعله من أجله ‪ ,‬وأنها تبجله و تحأبه‬
‫كأبيها ‪ ,‬وأنها من جهتها ل تستطيع أن تتذكر الزمان الذي سبق قدومها إلى الرض ‪.‬‬
‫أصغى الرجل العجوز بسعادة كبيرة بينما كانت تتكلما بهذه الكلمات الموقرة ‪ .‬ثما أخبرها كما‬
‫هو متلهف لن يراها متزوجة بأمان و سعادة قبل أن يموت ‪.‬‬
‫" أنا رجل عجوز ‪ ,‬نيف على السبعين من العمر ‪ ,‬ونهايتي يمكن أن تأتي في أي وقت‪ .‬إن‬
‫من الضروري و الصواب أن تري خمسة الملتمسين هؤلء و أن تختاري واحأدا منهما ‪" .‬‬
‫قالت الميرة بأسى ‪ " :‬أوه ‪ ,‬لماذا علي أن أفعل هذا ؟ ليس لدي رغبة في الزواج الن‪" .‬‬
‫أجاب الرجل العجوز ‪ " :‬لقد وجدتك منذ سنين عديدة مضت ‪ ,‬حأين كنتت مخلوقا صغي ار‬
‫طوله ثلثة إنشات ‪ ,‬في وسط ضوء أبيض عظيما ‪ .‬تدفق الضوء من شجرة الخيزران التي كنت‬
‫مخفية فيها و قادتني إليك ‪ .‬لذا كنت دائما أفكر في أنك أعظما من امرأة بشرية ‪ .‬إن من حأقك علي‬
‫ما دمت حأي ا أن تبقي كما أنت إذا شئت ذلك ‪ ,‬لكنني سأتوقف عن الحأياة يوم ا ما فمن سيعتني بك‬
‫يومئذ ؟ لذا أرجوك أن تقابلي خمسة الرجال الشجعان هؤلء واحأدا في كل مرة و أن تحأزمي أمرك‬
‫على أن تتزوجي واحأدا منهما ! "‬
‫ثما أجابت الميرة بأنها تحأس بأنها ليست جميلة بالقدر الذي أظهرتها فيه الشاعة ‪ ,‬و أنها‬
‫لو رضيت بأن تتزوج من أي واحأد منهما ‪ ,‬ل يعرفها حأقيقة من قبل ‪ ,‬ربما يتغير قلبه فيما بعد ‪ .‬لذا و‬
‫بما أنها لما تتيقن منهما ‪ ,‬حأتى على الرغما من أن والدها أخبرها بأنهما فرسان جديرون بالثقة ‪ ,‬فإنها لما‬
‫تشعر أن من الحأكمة أن تراهما ‪.‬‬
‫قال الرجل العجوز ‪ " :‬كل ما تقولينه معقول ‪ ,‬لكن أي نوعا من الرجال تقبلين أن تشاهدي‬
‫؟ أنا ل أعتبر خمسة الرجال هؤلء الذين خدموك شهو ار ‪ ,‬جذلين ‪ .‬لقد وقفوا خارج هذا البيت خلل‬
‫الشتاء و الصيف ‪ ,‬منكرين على أنفسهما الطعاما و النوما على أمل أن يكسبوا ودك ‪ .‬ماذا تطلبين‬
‫أكثر ؟ "‬

‫‪54‬‬
‫ثما قالت الميرة ضوء القمر إن عليها أن تجري اختبا ار آخر لحأبهما قبل أن تمنحأهما طلبهما‬
‫بأن يقابلوها ‪ .‬كان على خمسة المحأاربين أن يبرهنوا على حأبهما بأن يحأضر كل واحأد منهما من‬
‫البلد البعيدة شيئا ترغب في امتلكه ‪.‬‬
‫في تلك المسية ذاتها وصل الملتمسون و بدؤوا يعزفون على مزاميرهما بالدور ‪ ,‬ويغنون‬
‫أغانيهما التي ألفوها بأنفسهما لتخبر عن حأبهما العظيما الذي ل يكل ‪ .‬خرج قاطع الخيزران إليهما وقدما‬
‫لهما تعاطفه مع كل ما تحأملوه و كل الصبر الذي أظهروه في رغبتهما بكسب ود ابنته بالتبني ‪ .‬ثما‬
‫أبلغهما رسالتها ‪ ,‬بأنها سترضى بأن تتزوج من سينجح في إحأضار ما تريده ‪ .‬كان هذا لتختبرهما ‪.‬‬
‫قبل الخمسة جميعا التجربة ‪ ,‬و اعتبروها خطة ممتازة ‪ ,‬لنها ستمنع الغيرة بينهما‪.‬‬
‫ثما أرسلت الميرة ضوء القمر كلمة للفارس الول أنها تطلب منه أن يحأضر لها القصعة‬
‫الحأجرية التي كانت لبوذا في الهند ‪.‬‬
‫طكلب من الفارس الثاني أن يذهب إلى جبل هوراي ‪ ,‬الذي يقال إنه يقع في البحأر الشرقي‬
‫‪ ,‬و أن يحأضر غصنا من الشجرة العجيبة التي تنمو على قمته ‪ .‬كانت جذور هذه الشجرة من‬
‫الفضة ‪ ,‬و الجذعا من الذهب ‪ ,‬والغصان تحأمل الجواهر ثما ار ‪.‬‬
‫أمر الفارس الثالثا أن يذهب إلى الصين و يبحأثا عن جرذ النار و أن يحأضر لها جلده‪.‬‬
‫طلب إلى الفارس الرابع أن يبحأثا عن التنين الذي يحأمل فوق رأسه الحأجر المتألق ذي‬
‫خمسة اللوان و أن يحأضر الحأجر إليها ‪.‬‬
‫كان على الفارس الخامس أن يجد السنونو الذي يحأمل في معدته صدفة و أن يحأضر‬
‫الصدفة إليها ‪.‬‬
‫ظن الرجل العجوز أن هذه مهاسما صعبة جدا و تردد في حأمل الرسائل ؛ً لكن الميرة لن‬
‫تقدما شروط ا أخرى ‪ .‬نقلت طلباتها كلمة كلمة إلى خمسة الرجال الذين ثبطت تهقمقمكهما و أصيبوا‬
‫بالغثيان جميع ا حأين سمعوا ما طلب منهما ‪ ,‬لما بدا لهما من استحأالة المهاما المعطاة لهما و عادوا إلى‬
‫بيوتهما يائسين لكن بعد زمن ‪ ,‬حأين فكروا بالميرة ‪ ,‬كبعثا الحأب الذي في قلوبهما لها ‪ ,‬و قرروا أن‬
‫يقوموا بمحأاولة للفوز ‪ .‬كما طلب منهما ‪.‬‬
‫أرسل الفارس الول كلمة إلى الميرة أنه سينطلق ذلك اليوما في طلب قصعة بوذا ‪ ,‬و‬
‫أنه يأمل أن يأتي بها إليها قريب ا ‪ .‬لكنه لما تكن لديه الشجاعة ليمضي إلى الهند ‪ ,‬لن السفر في تلك‬
‫الياما كان صعب ا جدا و محأفوف ا بالمخاطر‪ ,‬لذا فقد ذهب إلى أحأد المعابد في كويوتو و أخذ قصعة‬
‫حأجرية من المذبح الذي هناك ‪ ,‬مقدما مبلغا كبي ار للقس مقابله ثما لفها بقطعة قماش من الذهب و ‪,‬‬
‫و بعد أن انتظر بهدوء ثلثا سنوات ‪ ,‬عاد وحأمله إلى الرجل العجوز ‪ .‬تعجبت الميرة ضوء القمر‬
‫لن الفارس ما كان ينبغي أن يعود بهذه السرعة الزائدة‪ .‬تناولت القصعة من غلفها الذهبي وتوقعت‬

‫‪55‬‬
‫أن تمل الغرفة ضياء ‪ ,‬لكنها لما تشع أبداا‪ ,‬لذا عرفت أنها شيء زائف و أنها ليست قصعة بوذا‬
‫الحأقيقية ‪.‬‬
‫ردتها على الفور و رفضت أن تراه ‪ .‬رمى الفارس القصعة و عاد إلى بيته يائسا ‪ .‬فلقد تخلى الن‬
‫عن كل آماله في الفوز بالميرة إلى البد ‪.‬‬
‫أخبر الفارس الثاني والديه أنه يحأتاج أن يغير الهواء من أجل صحأته ‪ ,‬لنه كان يستحأي‬
‫أن يخبرهما بأن حأب الميرة ضوء القمر كان السبب الحأقيقي لمغادرته لهما ‪.‬‬
‫ثما غادر بيته ‪ ,‬مرسل في نفس الوقت كلمة للميرة أنه منطلق إلى جبل هوراي على أمل أن يحأضر‬
‫لها غصنا كانت تتمنى بشدة لو تمتلكه من الشجرة الذهبية و الفضية‪ .‬سمح لخدمه أن يرافقوه نصف‬
‫الطريق فقط ‪ ,‬ثما أعادهما إلى البيت ‪ .‬وصل إلى شاطئ البحأر و صعد سفينة صغيرة ‪ ,‬وبعد البحأار‬
‫لثلثة أياما نزل إلى اليابسة و استخدما عدة نجارين ليبنوا له بيت ا بحأيثا ل يستطيع أحأد أن الدنو منه ‪.‬‬
‫ثما أغلق على نفسه مع ستة من الصائغين المهرة ‪ ,‬وحأاول أن يصنع غصن ذهب و فضة على‬
‫الشكل الذي ظن أنه سيرضي الميرة على أنه قادما من الشجرة العجيبة التي تنمو على جبل هوراي‬
‫‪ .‬صرح كل شخص سأله أن جبل هوراي يتبع لرض الخرافة ليس للواقع ‪.‬‬
‫حأين أنجز الغصن ارتحأل إلى الوطن وحأاول أن يبدو كما لو كان مرهق ا ومنهك ا من أثر‬
‫السفر‪ .‬وضع الغصن المزين بالجواهر في صندوق مطلي بالليقكر و حأمله إلى قاطع الخيزران ‪،‬‬
‫راجي ا له أن يقدمه إلى الميرة‪.‬‬
‫خدعا الرجل العجوز تماما بمظهر الفارس الملطخ من أثر السفر ‪ ,‬وظن أنه قد عاد‬
‫بالغصن لتوه من رحألته الطويلة ‪ .‬لذا حأاول أن يقنع الميرة بأن ترضى بأن ترى الرجل ‪ .‬لكنها ظلت‬
‫صامتة و بدت حأزينة جدا ‪.‬‬
‫بدأ الرجل العجوز يخرج الغصن و أثنى عليه ككنز ل يوجد في أي مكان من كل الرض ‪ .‬ثما تكلما‬
‫عن الفارس ‪ ,‬كما هو وسيما و كما هو شجاعا حأتى يشرعا في رحألة إلى بلد بعيد جدا كجبل هوراي ‪.‬‬
‫تناولت الميرة ضوء القمر الغصن بيدها و نظرت إليه باهتماما ‪ .‬ثما أخبرت أباها بالتبني‬
‫أنها تعلما أنه يستحأيل على الرجل أن يكون قد جلب غصنا من شجرة الذهب و الفضة التي تنمو‬
‫على جبل هوراي بهذه السرعة و بهذه السهولة ‪ ,‬و أنها آسفة لن تقول إنها تعتقد أنه زائف ‪.‬‬
‫حأينئذ خرج الرجل العجوز إلى الفارس المنتظر ‪ ,‬الذي كان قد اقترب من البيت ‪ ,‬وسأله‬
‫أين وجد الغصن ‪ .‬عندها لما يتردد الرجل عن اختلق قصة طويلة ‪.‬‬
‫" منذ سنتين مضتا ركبت سفينة و بدأت البحأثا عن جبل هوراي ‪ .‬بعد المضي أماما الريح‬
‫لبعض الوقت وصلت البحأر الشرقي البعيد ‪ .‬ثما هبت عاصفة عظيمة وقذفت بي هنا وهناك لعدة‬
‫أياما ‪ ,‬فاقدا كل حأساب لدرجات البوصلة ‪ ,‬و أخي ار دفعنا إلى الشاطئ على جزيرة غير معروفة ‪.‬‬
‫هناك وجدت المكان المأهول بشياطين هددت في وقت من الوقات بأن تقتلني و تأكلني ‪ .‬على أي‬

‫‪56‬‬
‫حأال ‪ ,‬تدبرت أمري على مصادقة هذه المخلوقات الرهيبة ‪ ,‬وساعدتني و بحأارتي في إصلح‬
‫الزورق ‪ ,‬و أبحأرت ثانية ‪ .‬نفد طعامنا ‪ ,‬و عانينا كثي ار من المرض على متن الزورق ‪ .‬أخي ار ‪,‬في‬
‫اليوما الخمسمائة منذ انطلقنا ‪ ,‬رأيت على البعد في الفق ما يشبه قمة جبل ‪ .‬لدى القتراب أكثر‬
‫ظهر أنها جزيرة ‪ ,‬كان ينهض في وسطها جبل مرتفع ‪.‬‬
‫نزلت ‪ ,‬وبعد التجوال ليومين أو ثلثة ‪ ,‬رأيت كائن ا مشع ا قادم ا نحأوي على الشاطئ ‪ ,‬ممسك ا بيديه‬
‫قطعة ذهبية ‪ .‬صعدت إليه و سألته ما إذا كنت بالمصادفة السعيدة ‪ ,‬قد وجدت جزيرة جبل هوراي ‪,‬‬
‫فأجاب ‪:‬‬
‫" أجل ‪ ,‬هذا جبل هوراي ! "‬
‫" تسلقت القمة بصعوبة بالغة ‪ ,‬حأيثا كانت تقف الشجرة الذهبية بجذور فضية في‬
‫الرض‪.‬‬
‫إن عجائب تلك الرض الغريبة كثيرة ‪ ,‬ولو شرعت بإخباركما عنها فلن أستطيع أن أقف أبدا وعلى‬
‫الرغما من رغبتي في البقاء هناك مدة أطول ‪ ,‬أسرعت عائدا لدى انتزاعي للغصن ‪ .‬اقتضت مني‬
‫العودة بأقصى سرعة أربعمائة يوما ‪ ,‬و كما ترون ‪ ,‬فإن ثيابي ل تزال رطبة من أثر التعرض لعوامل‬
‫الطبيعة في رحألتي البحأرية الطويلة ‪.‬‬
‫لما أنتظر حأتى لبدل ثيابي ‪ ,‬كنت كثير التلهف لحأضار الغصن للميرة بسرعة ‪.‬‬
‫في هذه اللحأظة تمام ا وصل ستة الصائغين ‪ ,‬الذين استخدموا في صنع الغصن ‪ ,‬لكنهما لما‬
‫يدفع لهما من قبل الفارس ‪ ,‬وصلوا إلى البيت و أرسلوا التماسا إلى الميرة كي يدفع لهما لقاء عملهما ‪.‬‬
‫قالوا إنهما عملوا لكثر من ألف يوما لصنع غصن الذهب ‪ ,‬بأماليده الفضية الصغيرة و ثماره المزينة‬
‫بالجواهر ‪ ,‬و الذي قدما لها اليوما من قبل الفارس ‪ ,‬لكنهما لما يتلقوا بعد شيئ ا كمكافأة ‪.‬‬
‫هكذا افتضح خداعا هذا الفارس‪ ,‬و‪ ,‬كانت الميرة مسرورة جدا بأن ترد الغصن سعيدة بالنجاة من‬
‫ملتمس لحأوح آخر‪ .‬دعت العمال ودفعت لهما بتسامح‪ ,‬وغادروا مسرورين‪ .‬لكنهما بوغتوا في الطريق‬
‫إلى البيت من قبل الرجل الخائب‪ ,‬الذي ضربهما حأتى كادوا يهلكون‪ ,‬لفشائهما السر‪ ,‬وبالكاد نجوا‬
‫بحأياتهما‪ .‬ثما عاد الفارس إلى البيت‪ ,‬ثائر القلب ؛ً وقانطا من كسب ود الميرة إلى البد‪ ,‬هجر‬
‫المجتمع وانسحأب إلى حأياة العزلة بين الجبال‪.‬‬
‫في هذا الوقت كان للفارس الثالثا صديق في الصين‪ ,‬لذا كتب إليه ليحأصل على الصنف‬
‫المرغوب فيه‪ .‬حأالما وصلت الخبار بأن السفينة التي أبحأر عليها صديقه إلى الوطن قد وصلت‬
‫إلى الميناء‪ ,‬ركب صهوة الحأصان سبعة أياما ليقابله‪ .‬سلما صديقه مبلغا كبي ار من المال واستلما جلد‬
‫جرذ النار‪ .‬حأين وصل إلى البيت وضعه بعناية في صندوق وأرسله إلى الميرة بينما انتظر جوابها‬
‫في الخارج‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫أخذ قاطع الخيزران الصندوق من الفارس‪ ,‬وكالعادة‪ ,‬حأمله إليها وحأاول أن يلطفها لتشاهد‬
‫الفارس في الحأال‪ ,‬لكن الميرة ضوء القمر رفضت‪ ,‬قائلة إنها يجب أن تختبر الجلد أولا بوضعه في‬
‫النار‪ .‬إذا كان الشيء الحأقيقي فلن يحأترق‪ .‬لذا فقد نزعت غلف الكريب وفتحأت الصندوق‪ ,‬ثما ألقت‬
‫ف بكلمته‪.‬‬‫بالجلد إلى النار‪ .‬طقطق الجلد واحأترق فو ارا‪ ,‬وعلمت الميرة أن هذا الرجل أيض ا لما ي ت‬
‫وهكذا فشل الفارس الثالثا أيضاا‪.‬‬
‫لما يكن الفارس الرابع أكثر إقدام ا من البقية‪ .‬وعوض ا عن النطلق في طلب التنين الذي‬
‫يحأمل فوق رأسه الجوهرة المشعة ذات خمسة اللوان‪ ,‬دعا كل خدمه معا وأعطاهما المر بالبحأثا‬
‫عنها طولا وعرضا في اليابان وفي الصين‪ ,‬وحأظر بصرامة على أي منهما أن يعود حأتى يجدوه‪.‬‬
‫انطلق خدمه وتاتبعوه الكثيرون في اتجاهات مختلفة‪ ,‬غير ناوين‪ ,‬على أي حأال‪ ,‬أن يطيعوا‬
‫ل‪ .‬فهما ببساطة أخذوا عطلة‪ ,‬ذهبوا إلى أماكن ريفية جميلة معاا‪ ,‬وتذمروا من‬
‫ما اعتبروه أم ار مستحأي ا‬
‫جور سيدهما‪.‬‬
‫في غضوتن ذلك‪ ,‬ذهب الفارس ظانا أن أتباعه لن يفشلوا في إيجاد الجوهرة‪ ,‬ذهب إلى بيته‪,‬‬
‫وهيأه بشكل جميل من أجل استقبال الميرة‪ ,‬كان يشعر بأنه على يقين من الفوز بها‪.‬‬
‫مضى عاما في انتظار مضجر‪ ,‬ولما يعد رجاله بعد بجوهرة التنين‪ .‬صار الفارس يائساا‪ .‬لما‬
‫يستطع أن ينتظر أكثر‪ ,‬لذا استأجر سفينة آخذا معه رجلين فقط‪ ,‬وأمر القبطان أن يمضي في‬
‫البحأثا عن التنين ؛ً رفض القبطان والبحأارة أن يشرعوا فيما كان كما قالوا بحأث ا مضحأكاا‪ ,‬لكن الفارس‬
‫أجبرهما أخي ار أن يمضوا إلى البحأر‪.‬‬
‫واجهوا حأين لما يكن قد مضى على خروجهما سوى بضعة أياما عاصفة عظيمة استمرت‬
‫طويلا بحأيثا‪ ,‬أن الفارس وقد ضعف غضبه بمرور الوقت‪ ,‬قرر أن يقلع عن اصطياد التنين‪ .‬قذف‬
‫بهما أخي ار على الشاطئ‪ ,‬لن الملحأة كانت بدائية في تلك الياما‪ .‬أخلد الملتمس الرابع‪ ,‬مرهق ا‬
‫بأسفاره وانزعاجه‪ ,‬إلى الراحأة‪ .‬أصيب بزكاما شديد‪ ,‬وكان عليه أن يأوي إلى الفراش بوجه منتفخ‪.‬‬
‫أرسل حأاكما المكان‪ ,‬وقد سمع بحأالته‪ ,‬أرسل رسولا برسالة يدعوه فيها إلى بيته‪ .‬بينما كان‬
‫هناك يتأمل في كل مشاكله‪ ,‬تحأول حأبه للميرة إلى غضب‪ ,‬ووضع اللوما عليها في كل الصعوبات‬
‫التي مر بها‪ .‬ظن أن من المحأتمل تمام ا أنها ربما كانت ترغب في قتله لتتمكن من التخلص‬
‫منه‪,‬ولكي تحأقق رغبتها أرسلته في بحأثه المستحأيل‪.‬‬
‫عند هذه النقطة جاء كل الخدما الذين أرسلهما ليجاد الجوهرة ليروه‪ ,‬ودهشوا حأين وجدوا أن‬
‫المديح وليس الستياء كان بانتظارهما‪ .‬أخبرهما سيدهما أنه مريض تماما من المغامرة‪ ,‬وقال إنه ينوي‬
‫أل يقترب أبدا من منزل الميرة مرة ثانية في المستقبل‪.‬‬
‫مثل كل البقية‪ ,‬فشل الفارس الخامس في بحأثه – لما يستطع أن يجد محأارة السنونو‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫في هذا الوقت وصلت شهرة جمال الميرة ضوء القمر إلى مسامع المبراطور‪ ,‬وأرسل‬
‫واحأدة من سيدات البلط لترى ما إذا كانت جميلة فعلا كما تقول الشائعة؛ً إذا كانت كذلك‬
‫فسيستدعيها إلى القصر ويجعلها واحأدة من السيدات اللواتي يقمن على خدمة الملكة‪.‬‬
‫حأين وصلت سيدة البلط‪,‬رفضت الميرة ضوء القمر ‪ ,‬برغما توسلت أبيها ‪ ,‬أن تراها‪.‬‬
‫أصرت المبعوثة الملكية ‪ ,‬قائلة إن هذا أمر المبراطور ‪ .‬عندئذ أخبرت الميرة ضوء القمر الرجل‬
‫العجوز أنها إذا أجبرت بالقوة على أن تذهب إلى القصر لمر المبراطور ‪ ,‬فإنها ستختفي من‬
‫الرض ‪.‬‬
‫حأين كأخبر المبراطور بإصرارها على رفض استدعائه ‪ ,‬و أنها إذا ضغط عليها لتطيع فإنها‬
‫ستختفي تمام ا عن النظار ‪ ,‬قرر أن يذهب و يراها ‪ .‬لذا خطط للذهاب في رحألة صيد في جوار‬
‫منزل قاطع الخيزران ‪ ,‬و مشاهدة الميرة بنفسه ‪ .‬أرسل رسالة إلى الرجل العجوز حأول نيته ‪ ,‬و‬
‫تلقى الموافقة على الخطة ‪.‬‬
‫في اليوما التالي انطلق المبراطور مع حأاشيته ‪ ,‬التي تدبر بعد وقت قصير أمر استباقها ‪ .‬وجد بيت‬
‫قاطع الخيزران وترجل ‪ .‬ثما دخل البيت و مضى مباشرة إلى حأيثا كانت الميرة تجلس مع خادماتها‬
‫الملزمات ‪.‬‬
‫لما ير أبدا أحأدا جميلا بهذا الشكل المدهش ‪ ,‬ولما يستطع إل أن ينظر إليها ‪ ,‬لنها كانت‬
‫أجمل من أي إنسان حأيثا كانت تتألق بإشعاعها الناعما ‪ .‬حأين أدركت الميرة ضوء القمر أن غريب ا‬
‫كان ينظر إليها حأاولت أن تهرب من الغرفة ‪ ,‬لكن المبراطور أمسك بها و رجاها أن تصغي لما‬
‫كان ينبغي أن يقوله ‪.‬‬
‫كان ردها الوحأيد أن تخفي وجهها بأكمامها ‪.‬‬
‫وقع المبراطور بغرامها بعمق ‪ ,‬وتوسل إليها أن تأتي إلى البلط ‪ ,‬حأيثا سيعطيها منزلة‬
‫شرف و كل شيء يمكن أن ترغب فيه ‪ .‬كان على وشك أن يرسل في طلب المحأفات الملكية ليعود‬
‫بها معه فو ار ‪ ,‬قائلا إن حأسنها وجمالها يجب أن يزين بلطا ل أن تخبأ في كوخ قاطع خيزران ‪.‬‬
‫لكن الميرة أوقفته ‪ .‬قالت إنها إذا أجبرت على الذهاب إلى القصر فإنها ستتحأول فو ار إلى‬
‫ظل ‪ ,‬وبدأت حأتى و هي تتكلما تفقد شكلها ‪ .‬صورتها بهتت أماما بصره بينما كان ينظر ‪.‬‬
‫حأينئذ وعد المبراطور بأن يتركها حأرة فقط إذا عادت إلى هيأتها السابقة ‪ ,‬المر الذي نفذته‬
‫‪.‬‬
‫حأان الن بالنسبة له وقت العودة ‪ ,‬لن حأاشيته مندهشون لما يمكن أن يكون قد حأدثا‬
‫لمليكهما حأين افتقدوه لهذه الفترة الطويلة جدا ‪ .‬لذا حأياها مودعا ‪ ,‬وغادر البيت بقلب حأزين ‪ .‬كانت‬
‫الميرة ضوء القمر بالنسبة له المرأة الكثر جمالا في العالما ؛ً كل الخريات كن مظلمات بالمقارنة‬
‫معها ‪ ,‬كان يفكر فيها ليلا ونها ار ‪ .‬يقضي جللته الن كثي ار من وقته في كتابة القصائد‪ ,‬يحأدثها‬

‫‪59‬‬
‫عن حأبه و إخلصه ‪ ,‬و يرسلها إليها ‪ ,‬ومع أنها رفضت أن تراه مرة ثانية فإنها ردت بكثير من‬
‫البيات من تأليفها ‪ ,‬تخبره بلطف وود أنها لن تستطيع أبدا أن تتزوج أحأدا على هذه الرض ‪.‬‬
‫في هذا الوقت لحأظ أبوها بالتبني أن الميرة تجلس ليلة بعد ليلة في شرفتها و تحأدق‬
‫لساعات بالقمر ‪ ,‬في مزاج من أعمق الكتئاب ‪ ,‬تنتهي عادة بانفجار دموعا ‪ .‬في إحأدى الليالي‬
‫وجدها الرجل العجوز تبكي هكذا كما لو كان قلبها مكسو ار ‪ ,‬و رجاها أن تخبره عن سبب حأزنها‪.‬‬
‫أخبرته بكثير من الدموعا أنه أصاب في ظنه حأين افترض أنها ل تمت إلى هذا العالما ـ أنها‬
‫في الحأقيقة قد أتت من القمر ‪ ,‬و أن مدتها على الرض ستنتهي قريبا ‪ .‬في اليوما الخامس عشر من‬
‫شهر آب ذاته سيأتي أصدقاؤها من القمر ليحأضروها ‪ ,‬وسيكون عليها أن تعود ‪ .‬كان والداها كليهما‬
‫هناك ‪ ,‬لكنها نسيتهما لنها قضت عم ار على الرض ‪ ,‬و كذلك نسيت عالما القمر الذي تنتمي إليه ‪.‬‬
‫جعلها التفكير في أنها ستغادر أباها الحأنون ‪ ,‬و البيت الذي ظلت فيه سعيدة مدة طويلة ‪,‬‬
‫تبكي‪.‬‬
‫حأين سمعت مرافقاتها هذا قحأتزني كثي ار ‪ ,‬ولما يستطعن الكل أو الشرب من الحأزن لمجرد‬
‫التفكير بأن الميرة ستغادرهن بعد وقت قصير جدا ‪.‬‬
‫أرسل المبراطور ‪ ,‬حأالما نقلت إليها النباء ‪ ,‬رسلا إلى البيت ليعرفوا ما إذا كانت الشاعة‬
‫صحأيحأة أما ل ‪.‬‬
‫خرج قاطع الخيزران العجوز لمقابلة الرسل الملكيين ‪.‬‬
‫أثرت أياما الحأزن القليلة على الرجل العجوز ؛ً فقد شاخ بصورة كبيرة ‪ ,‬و بدا أكبر بكثير من سبعين‬
‫سنة التي هي عمره ‪ .‬أخبرهما ‪ ,‬باكيا بم اررة ‪ ,‬أن الشاعة صحأيحأة ‪ ,‬لكنه ينوي ‪ ,‬على أي حأال ‪ ,‬أن‬
‫يسجن مبعوثي القمر ‪ ,‬و أن يفعل كل ما يستطيع ليمنع أن تحأمل الميرة لتعاد ‪.‬‬
‫عاد الرجال و أخبروا جللته بكل ما مر ‪ .‬في اليوما الخامس عشر من ذلك الشهر أرسل‬
‫المبراطور تحأ ارقسةا من ألفي محأارب ليراقبوا البيت ‪ .‬أقاما ألف منهما على السطح ‪ ,‬ألف آخر ظلوا‬
‫يراقبون نطاق كل مداخل البيت كانوا جميعا رماة مدربين ‪ ,‬بأقواسهما و سهامهما ‪ .‬خبأ قاطع‬
‫الخيزران وزوجته الميرة ضوء القمر في غرفة داخلية ‪.‬‬
‫أعطى الرجل العجوز أوامره بأل يناما تلك الليلة أحأسد‪ ,‬وأن على جميع من في البيت أن يظلوا‬
‫يرقبون بدقة ‪ ,‬و أن يكونوا جاهزين لحأماية الميرة ‪ .‬أتمقل بهذه الحأتياطات ‪ ,‬و بمساعدة رجال‬
‫المبراطور المسلحأين ‪ ,‬أن يقاوما رسل القمر ‪ ,‬لكن الميرة أعلمته أن كل هذه الجراءات للحأتفاظ‬
‫بها ستكون بل فائدة ‪ ,‬و أن قومها حأين يأتون لجلها فل شيء أيا كان يقدر أن يمنعهما من حأمل‬
‫بغيتهما ؛ً و حأتى رجال المبراطور سيكونون عاجزين ‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫ثما أضافت بدموعا حأزينة جدا جدا على مغادرته و زوجته ‪ ,‬هما من تعلمت أن تحأبهما كوالديها؛ً لو‬
‫تستطيع أن تفعل كما تحأب فإنها ستبقى معهما في شيخوختهما ‪ ,‬و ستحأاول أن ترد كل الحأب و‬
‫الحأنان اللذين غمراها بهما طوال كل حأياتها الرضية ‪.‬‬
‫انقضت الليلة ! بزغ قمر الحأصاد الصفر عالي ا في السماوات ‪ ,‬غام ار العالما النائما بضيائه‬
‫الذهبي ‪ .‬حأل الصمت فوق غابات الصنوبر و الخيزران ‪ ,‬وفوق السطح حأيثا كان ألف من الرجال‬
‫المسلحأين ينتظرون ‪.‬‬
‫ثما أخذ الليل يصبح رماديا قبيل الفجر و أمل الجميع بأن الخطر قد انتهى ـ وأن ليس على‬
‫الميرة ضوء القمر أن تغادرهما بعد كل شيء ‪ .‬ثما رأى المراقبون فجأة سحأابة من نطاق القمر ـ و‬
‫بينما كانوا ينظرون بدأت هذه السحأابة تتدحأرج نحأو الرض ‪ .‬اقتربت أكثر فأكثر‪ ,‬و رأى الجميع‬
‫بهلع أن مسارها يتجه نحأو البيت ‪.‬‬
‫خلل وقت قصير كحأتجقبت السماء تمام ا ‪ ,‬إلى أن حألت السحأابة أخي ار فوق المسكن على‬
‫بعد عشرة أقداما من الرض ‪ .‬وقفت في وسط السحأابة عربة طائرة ‪ ,‬وفي العربة عصبة من الكائنات‬
‫المنيرة ‪ .‬بدا واحأسد من بينهما مثل ملك و ظهر أنه الزعيما خطا خارج العربة و ‪ ,‬توازن في الهواء ‪,‬‬
‫نادى على الرجل العجوز ليخرج ‪.‬‬
‫قال ‪ " :‬لقد حأل وقت مغادرة الميرة ضوء القمر لتعود إلى القمر الذي أتت منه‪ .‬لقد‬
‫ارتكبت خطأا جسيم ا ‪ ,‬وأكبرتسقلت لتعيش هنا في السفل مدة من الزمان كعقوبة ‪ .‬نحأن نعلما مقدار‬
‫العناية الجيدة بذلتها للميرة ‪ ,‬وكافأناك على هذا و أرسلنا إليك الثروة و الرخاء ‪ .‬كنا نضع الذهب‬
‫في أشجار الخيزران لتجده ‪" .‬‬
‫قال الرجل العجوز ‪ " :‬لقد ربيت هذه الميرة عشرين سنة و لما ترتكب و ل مرة واحأدة‬
‫خطأ‪ ,‬لذا فإنه ل يمكن أن تكون هي السيدة التي تبحأثون عنها ‪ ,‬أرجو أن تبحأثوا في مكان آخر ‪" .‬‬
‫حأينئذ نادى الرسول بصوت مرتفع قائلا ‪:‬‬
‫" أيتها الميرة ضوء القمر‪,‬اخرجي من هذا المسكن السفلي ‪,‬ل تبقي هنا لحأظة أخرى ‪" .‬‬
‫عند هذه الكلمات فكتتقحأت ستائر غرفة الميرة ‪ ,‬مبدية الميرة مشرقة بإشعاعها ‪ ,‬لمعة و‬
‫مدهشة و ممتلئة جمالا ‪.‬‬
‫قادها الرسول قككدم ا ووضعها في العربة ‪ .‬نظرت إلى الخلف ‪ ,‬و رأت بشفقة الحأزن‬
‫العميق للرجل العجوز ‪ .‬كلمته بكثير من الكلمات المواسية ‪ ,‬وأخبرته أنها ليست رغبتها أن في‬
‫تغادره و أنه يجب عليه دائما أن يفكر فيها حأين ينظر إلى القمر ‪.‬‬
‫توسل قاطع الخيزران أن يسمح له بمرافقتها ‪ ,‬لكن هذا لما يسمح به ‪ .‬خلعت الميرة ثوبها‬
‫الخارجي المزخرف و قدمته إليه تذكا ار ‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫ف أجنحألة ‪ ,‬حأمل آخر زجاجة مليئة بإكسير‬‫حأمل واحأد من كائنات القمر في العربة معط ق‬
‫الحأياة أعطيت للميرة لتشربها ‪ .‬ابتلعت قليلا و كانت على وشك أن تعطي البقية للرجل العجوز ‪,‬‬
‫ت من تفبعتل ذلك ‪.‬‬
‫لكنها كمنتقع ب‬
‫كان ثوب الجنحأة على وشك أن يوضع على كتفيها ‪ ,‬لكنها قالت ‪:‬‬
‫" انتظروا قليلا ‪ .‬على أل أنسى صديقي الطيب المبراطور ‪ .‬يجب أن أكتب له مرة‬
‫أخرى لقول وداع ا ما دمت ل أزال بهذا الشكل البشري ‪" .‬‬
‫وعلى الرغما من نفاد صبر الرسل و عمال العربة جعلتهما ينتظرون بينما كانت تكتب ‪.‬‬
‫وضعت زجاجة إكسير الحأياة مع الرسالة ‪ ,‬وطلبت من الرجل العجوز ‪ ,‬مناولة له إياها ‪ ,‬أن‬
‫يسلمهما إلى المبراطور ‪.‬‬
‫ثما بدأت العربة تجري باتجاه السماء نحأو القمر ‪ ,‬بينما الجميع يحأدقون بعيون دامعة‬
‫بالميرة المنسحأبة ‪ ,‬انبلج الفجر ‪,‬وفي النور الوردي للنهار غابت عربة القمر و كل من فيها بين‬
‫السحأب التي تشبه صوف الخراف التي كانت منطلقة الن عبر السماء على أجنحأة ريح الصباح ‪.‬‬
‫ت رسالة الميرة ضوء القمر إلى القصر ‪ .‬كان المبراطور خائفا من لمس إكسير‬ ‫كحأتملق ب‬
‫الحأياة ‪ ,‬لذا بعثه مع الرسالة إلى قمة أقدس جبل في البلد ‪ ,‬جبل فوجي ‪ ,‬وهناك أحأرقها المبعوثون‬
‫الملكيون عند الشروق لهذا يقول الناس حأتى اليوما إنه كيشاقهكد كدخاسن يتصاعد من قمة جبل فوجي إلى‬
‫السماء ‪.‬‬

‫مرآة ماتسوياما‬
‫قصة من اليابان القديمة‬
‫منذ سنوات بعيدة مضت كان يعيش في اليابان القديمة ‪ ,‬رجل و زوجته في مقاطعة اتشيغو ‪,‬‬
‫التي هي جزء بعيد من اليابان حأتى في هذه الياما‪ .‬حأين تبدأ هذه القصة يكونان قد تزوجا منذ بضع‬

‫‪62‬‬
‫سنوات ورزقا بابنة صغيرة واحأدة كانت بهجة ومفخرة حأياتيهما ‪ ,‬و فيها ادخرا لشيخوختهما مصد ار‬
‫ل نهاية له من السعادة ‪.‬‬
‫يا لها من أياما كتبت بحأروف من ذهب تلك التي ميزت نموها من سن الطفولة ؛ً زيارة‬
‫المعبد حأين كانت في عمر الثلثين يوم ا فقط ‪ ,‬تحأملها أمها الفخورة‪ ,‬مكسوة بكيمينو طقسي ‪،‬‬
‫لتوضع تحأت رعاية إله السرة المنزلي ؛ً ثما عيد كدماها الول ‪ ,‬حأين أعطاها والداها طقم ا من الدمى‬
‫مع أمتعتها المنمنمة ‪ ،‬يضاف إليها عام ا تلو عاما ؛ً و لعل أكثر المناسبات أهمية‪ ،‬يوما ميلدها‬
‫الثالثا ‪ ،‬حأين كرتبط وشاحأها المطرز الواسع الول ) أوبي ( القرمزي و الذهبي حأول خصرها الصغير‬
‫‪ ,‬علمة على أنها عبرت عتبة البنوتة وخلفت وراءها الطفولة‪ .‬الن حأين بلغت السابعة من العمر ‪,‬‬
‫وتعلمت أن تتحأدثا و تقوما على خدمة والديها بتلك الطرق الصغيرة العديدة و العزيزة على قلبي‬
‫والدين حأنونين ‪ ,‬بدت كأس سعادتهما مترعة ‪.‬‬
‫لن تجد في كل الجزيرة المبراطورية أسرة صغيرة أكثر سعادة ‪.‬‬
‫في أحأد الياما كان البيت في هياج عظيما ‪ ,‬لن الب اسكتدعي فجأة إلى العاصمة في مهمة‬
‫‪ .‬من العسير أن نعرف ما تعنيه رحألة كتلك من ماتسو ياما إلى كيوتو في تلك الياما أياما السكك‬
‫الحأديدية و العربات التي يجرها رجال ووسائل السفر السريع الخرى ‪ .‬كانت الطرق وعرة و سيئة ‪,‬‬
‫وكان على الناس العاديين أن يمشوا كل خطوة من الطريق ‪ ,‬سواء كانت المسافة مائة ميل أو عدة‬
‫مئات من الميال ‪ .‬في تلك الياما حأق ا كانت أهمية أن يشرعا بالذهاب إلى العاصمة مثلها حأين يقوما‬
‫ياباني برحألة إلى أوروبا الن ‪.‬‬
‫لذا فقد كانت الزوجة قلقة حأيال ما تساعد زوجها به في الستعداد للرحألة الطويلة ‪ ,‬وهي‬
‫تعرف أن مهمة شاقة تجثما أمامه ‪ .‬وتمنت دون طائل لو تستطيع أن ترافقه ‪ ,‬لكن المسافة شاقة‬
‫أكثر مما ينبغي على الما و الطفلة ‪ ,‬و إضافة إلى ذلك ‪ ,‬فإن واجب الزوجة هو أن تعتني بالبيت ‪.‬‬
‫أخي ار كان كل شيء جاه از ‪ ,‬ووقف الزوج في الشرفة و أسرته الصغيرة من حأوله‪.‬‬
‫قال الرجل ‪":‬ل تقلقي ‪ ,‬سأعود قريبا ‪,‬حأين أكون بعيدا اعتني بكل شيء ‪ ,‬وخصوصا‬
‫بابنتنا‪".‬‬
‫قالت الزوجة ‪ ,‬بينما كانت الدموعا تنهمر من عينيها كالمطر ‪":‬أجل ‪ ,‬سنكون بخير‪-‬لكن‬
‫أنت‪-‬اعتن بنفسك و ل تؤجل عودتك إلينا يوم ا واحأداا‪".‬‬
‫كانت الفتاة الصغيرة وحأدها من يبتسما ‪ ,‬لنها كانت تجهل ما يعنيه ألما الفراق ‪ ,‬و لما تكن‬
‫تعلما أن الذهاب إلى العاصمة يختلف كليا عن المشي إلى القرية القريبة ‪ ,‬والذي كان والدها يقوما به‬
‫كثي ارا‪ .‬ركضت إلى جانبه ‪ ,‬و أمسكت بكمه الطويل لتوقفه لحأظة ‪.‬‬
‫"أبي ‪ ,‬سأكون جيدة جدا بينما أنتظر عودتك ‪ ,‬لذا أحأضر لي هدية من فضلك ‪".‬‬

‫‪63‬‬
‫حأين التفت الب ليلقي نظرته الخيرة على زوجته الباكية و طفلته الباسمة المتلهفة ‪ ,‬شعر‬
‫كما لو أن أحأدا كان يشده إلى الخلف من شعره ‪ ,‬كان صعبا عليه أن يتركهما ورائه ‪ ,‬لنهما لما يفترقوا‬
‫عن بعضهما من قبل أبداا‪ .‬لكنه علما أن عليه أن يذهب ‪ ,‬لن الدعوة كانت إلزامية ‪ .‬بجهد كبير‬
‫توقف عن التفكير ‪ ,‬و مضى بسرعة بإصرار ملتفت ا إلى البعيد إلى أسفل الحأديقة الصغيرة و خرج‬
‫عبر البوابة ‪ .‬ركضت زوجته ‪ ,‬ممسكة الطفلة بذراعيها ‪ ,‬حأتى البوابة‪ ,‬و راقبته و هو يمضي إلى‬
‫أسفل الطريق بين أشجار السرو إلى أن غاب في ضباب المسافة و كل ما استطاعت أن تراه كان‬
‫قبعته المرتفعة بشكل جذاب ‪ ,‬و أخي ار اختفت هي أيضاا‪.‬‬
‫قالت الما ‪ ,‬بينماكانت تسلك طريق العودة إلى البيت ‪ " :‬الن ذهب الب ‪,‬وعلينا أنا وأنت‬
‫أن نعتني بكل شيء حأتى يعود ‪".‬‬
‫قالت الطفلة مشيرة برأسها ‪ ":‬أجل ‪ ,‬سأكون جيدة جداا‪ ,‬وحأين يعود بابا إلى البيت أرجوك‬
‫أن تخبريه كما كنت جيدة ‪,‬وحأينها ربما يعطيني هدية ‪" .‬‬
‫" أنا أعلما أن من المؤكد أن بابا سيحأضر لتك شيئا ا تريدينه كثي ار‪.‬لنني طلبت منه أن‬
‫يحأضر لك دمية ‪ .‬عليك أن تفكري ببابا كل يوما ‪ ,‬وتصلي من أجل أن تكون رحألته آمنة حأتى يعود‬
‫‪".‬‬
‫قالت الفتاة مصفقة بيديها ‪,‬وقد شعل وجهها ببهجة بسبب الفكرة اللسارة ‪:‬‬
‫" ياه ‪ ,‬أجل ‪ ,‬كما سأكون سعيدة حأين يعود إلى البيت مجدداا‪ ".‬بدا للما بينما كانت تنظر‬
‫إلى وجه الطفلة أن حأبها لها أخذ يزداد عمقا ‪.‬‬
‫ثما شرعت في العمل لصنع ملبس الشتاء لثلثتهما ‪ .‬نصبت دولب غزلها الخشبي‬
‫البسيط وغزلت الخيط قبل أن تبدأ بنسج الحأاجيات ‪ .‬خلل الستراحأات من عملها كانت توجه‬
‫ألعاب الفتاة الصغيرة وتعلمها أن تق أر القصص القديمة لبلدها‪.‬هكذا وجدت الزوجة في العمل ع ازاء‬
‫لها خلل أياما وحأدتها أثناء غياب زوجها ‪.‬‬
‫هكذا بينما كان الوقت ينقضي بسرعة في البيت الهادئ ‪ ,‬أنهى الزوج عمله وعاد ‪.‬‬
‫كان من الصعب على من لما يعرف الرجل جيدا أن يتعلرف عليه ‪.‬فلقد سافر يوما بعد‬
‫يوما‪ ,‬تعرض لكل الظروف الجوية ‪,‬مدة شهر كامل ‪,‬و سفعته الشمس إلى أن صار برونزي اللون‪,‬‬
‫لكن زوجته المحأبة وطفلته عرفتاه من لمحأة ‪,‬وطارتا للقائه من جانبيه ‪ ,‬تمسك كل واحأدة منهما بأحأد‬
‫كميه في تحأيتهما المتلهفة ‪ .‬ابتهج الرجل وزوجته كلهما لنه وجد صاحأبه في حأالة حأسنة ‪ .‬لقد بدا‬
‫الزمنا طويلا عليهما جميعا إلى أن نزعا نعليه المصنوعين من القش ـ بمساعدة الما والطفلة ـ ونزعت‬
‫قبعته الكبيرة الواسعة ‪ ,‬وصار بينهما مجددا في غرفة الجلوس القديمة المألوفة التي كانت خالية‬
‫بصورة كبيرة أكثر مما ينبغي حأين كان بعيداا‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫حأالما جلسوا على البسط البيض ‪,‬فتح الب سللة الخيزران التي أدخلها معه ‪,‬وأخرج دمية‬
‫جميلة وصندوقا مطليا باليلك مليئا بالكعك ‪.‬‬
‫قال للبنت الصغيرة ‪":‬هاهنا هدية لك ‪.‬إنها مكافأة عنايتك بأمك وبالبيت بشكل جيد حأين‬
‫كنت بعيداا‪" .‬‬
‫قالت الطفلة ‪,‬حأانية رأسها نحأو الرض ‪ ":‬شك ار لك " ثما ملدت يدها تمام ا مثل ورقة قيقب‬
‫بأصابعها المتلهفة المنتشرة لتأخذ الدمية والصندوق ‪ ,‬اللذين كانا أجمل من أي شيء رأته على‬
‫الطلق لنهما جاءا من العاصمة‪.‬‬
‫ل تستطيع الكلمات أن تعبر كما كانت البنت الصغيرة مسرورة ‪,‬بدا وجهها كما لو أنه سيذوب من‬
‫البهجة ‪ ,‬وكأنها ل عينان لها ول تفكير بأي شيء آخر ‪.‬‬
‫مرة ثانية غاص الزوج داخل السلة ‪ ,‬و أخرج هذه المرة صندوق ا خشبي ا مربع ا ‪ ,‬ربط بعناية‬
‫ل‪:‬‬
‫بخيط أحأمر و أبيض ‪ ,‬و سلمه لزوجته ‪,‬قائ ا‬
‫" وهذا لك ‪" .‬‬
‫أخذت الزوجة الصندوق ‪ ,‬وأخرجت وهي تفتحأه بعناية قرصا معدنيا ذي قبضة متصلة‪.‬‬
‫كان أحأد الجانبين لمع ا وصقيلا مثل الكريستال ‪ ,‬وكان الخر مغطى بأشكال محأدثة من أشجار‬
‫الصنوبر و اللقالق ‪ ,‬كانت منقوشة على سطحأها الناعما في حأقيقة تشبه الحأياة ‪ .‬لما تر أبدا في‬
‫حأياتها شيئ ا كهذا ‪ ,‬لنها كانت قد ولدت و ربيت في مقاطعة إشيغو الريفية ‪ .‬حأملقت في القرص‬
‫الصقيل ‪ ,‬و قالت و هي تنظر و الدهشة و العجب باديان على وجهها ‪:‬‬
‫"أرى أحأدهما ينظر إلي في هذا الشيء المدور! ما هذا الشيء الذي أعطيتني إياه؟ "‬
‫ضحأك الزوج و قال ‪:‬‬
‫" لماذا ‪ ,‬إن ما ترين هو وجهك ‪ .‬ما أحأضرته لك يدعى المرآة ‪ ,‬و الذين ينظرون إلى‬
‫ي منها في هذا‬
‫سطحأها الصافي يستطيعون أن يروا شكلهما منعكس ا عليه ‪ .‬ورغما أنه ل يوجد أ س‬
‫المكان النائي ‪ ,‬فإنها مع ذلك كانت قيد الستعمال في العاصمة منذ أقدما الزمان ‪ .‬هناك كتعتبر‬
‫ي ينبغي للمرأة أن تحأوزه ‪ .‬ثمة قمثقسل قديما أنه مثلما أن السيف هو روح‬
‫المرآة مستلزما ضرور س‬
‫الساموراي ‪ ,‬كذا فإن المرآة هي روح المرأة ‪ ,‬و بحأسب التقليد الشعبي ‪ ,‬فإن مرآة المرأة مؤشر على‬
‫قلبها ـ إذا حأافظت عليها لمعة وصافية ‪ ,‬فإن قلبها نقي وطيب ‪ .‬إنها أيض ا واحأدة من الكنوز التي‬
‫تشكل شارات سلطة المبراطور ‪ .‬لذا فإن عليتك أن تحأافظي على مرآتك كثي ار و أن تستعمليها‬
‫بعناية ‪" .‬‬
‫أصغت الزوجة إلى كل ما أخبرها به الزوج ‪ ,‬وكانت مسرورة لتعلما ذلك الكثير الذي كان‬
‫جديدا بالنسبة لها ‪.‬‬
‫كانت ما تزال أكثر سرو ار بهديته الثمينة ـ علمة التذكر حأين كان بعيدا ‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫" إذا كانت المرآة تمثل روحأي ‪ ,‬فإنني سأخبئها بالتأكيد كملكية ثمينة ‪ ,‬ولن أستعملها‬
‫باستهتار أبدا ‪ " .‬رفعتها وهي تقول هذا حأتى جبينها ‪ ,‬بامتنالن شاكلر على الهدية ‪ ,‬ثما أغلقت عليها‬
‫في صندوقها ووضعتها بعيدا عن المتناول ‪.‬‬
‫رأت الزوجة أن زوجها كان متعب ا كثي ار ‪ ,‬و شرعت بإعداد وجبة المساء وفي جعل كل‬
‫شيء مريحأ ا له بقدر ما استطاعت ‪ .‬لقد بدا للسرة الصغيرة كما لو أنها لما تعرف أبدا ما هي‬
‫السعادة الحأقيقية من قبل ‪ ,‬فكانوا مسرورين أكثر من المعتاد لنهما مع ا ثانية ‪ ,‬و كان لدى الب هذا‬
‫المساء الكثير ليخبرهما به عن رحألته و عن كل ما رأى في العاصمة العظيمة ‪.‬‬
‫مر الوقت في البيت الهادئ ‪ ,‬و رأى الوالدان أعز أمنياتهما تتحأقق بينما تكبر ابنتهما من‬
‫الطفولة إلى فتاة جميلة في السادسة عشر من عمرها ‪ .‬كجوهرة ل تقدر بثمن حأملت بيد مالكها‬
‫الفخور ‪ ,‬هكذا ربياها بحأب وعناية ل يتوقفان ‪ :‬و الن كوفئت جهودهما أضعاف ا مضاعفة فقد كانت‬
‫سلوى أمها حأين كانت تتجول في البيت مؤدية نصيبها من تدبير المنزل ‪ ,‬وكما كان أبوها فخو ار بها ‪,‬‬
‫لنها كانت تذكره يوميا بأمها حأين تزوجها أول المر ‪.‬‬
‫لكن ‪ ,‬واحأسر تاه ! ل شيء يدوما إلى البد في هذا العالما ‪ .‬حأتى القمر ل يكون دائما تاما‬
‫في الشكل ‪ ,‬لكنه يفقد دائريته مع الوقت ‪ ,‬و الزهور تزهر ثما تذبل ‪ .‬هكذا تحأطمت سعادة هذه‬
‫السرة أخي ار بحأزن كبير ‪ .‬فقد أصيبت الزوجة و الما الطيبة و اللطيفة بالمرض‪.‬‬
‫في الياما الولى لمرضها ظن الب و البنة أنه كان زكام ا فقط ‪ ,‬و لما يكونا قلقين بصورة‬
‫واضحأة ‪ .‬لكن الياما كانت تمضي و الما ل مع ذلك ل تتحأسن ؛ً بل كانت تسوء فقط‪ ,‬و كان‬
‫الطبيب محأتا ار ‪ ,‬لن المرأة المسكينة على الرغما من كل ما فعله كانت تضعف يوما إثر يوما ‪.‬‬
‫صدما الب و البنة بالحأزن ‪ ,‬ولما تكن الفتاة لتترك جوار "أمها نها ار أو ليلا ‪ .‬لكن برغما كل جهودهما‬
‫ما كان للمرأة أن تكبنقققذ ‪.‬‬
‫ففي أحأد الياما بينما كانت الفتاة تجلس قرب فراش أمها ‪ ,‬محأاولة إخفاء القلق الذي ينخر‬
‫قلبها بابتسامة مشجعة ‪ ,‬نهضت الما بنفسها و آخذة بيد ابنتها ‪ ,‬حأدقت بلهفة و حأب في عينيها ‪.‬‬
‫كان تنفسها صعبا و تكلمت بمشقة ‪:‬‬
‫" يا ابنتي ‪ ,‬أنا على يقين من أنه لشيء يمكن أن ينقذني الن ‪ .‬عديني حأين أموت‪ ,‬أن‬
‫تعتني بأبيك العزيز و أن تحأاولي أن تكوني امرأة طيبة ومطيعة ‪" .‬‬
‫قالت الفتاة بينما اندفعت الدموعا إلى عينيها ‪ " :‬أماه ‪ ,‬ل ينبغي أن تقولي مثل هذه الشياء‬
‫كل ما عليك أن تفعليه هو أن تسرعي و تشفي ـ فذاك سيجلب أعظما السعادة لي ولبي ‪" .‬‬

‫‪66‬‬
‫" أجل ‪ ,‬أعرف ‪ ,‬و إنه لتسلية لي في أيامي الخيرة أن أعرف كما تتوقان بقوة لجل أن‬
‫‪1‬‬
‫أتحأسن ‪ ,‬لكن هذا لن يكون ‪ .‬فل تكوني حأزينة إلى هذا الحأد ‪ ,‬لنه مقدر علي في حأياتي السابقة‬
‫أن أموت في هذه الحأياة في هذا الوقت تماما ؛ً و لعلمي بهذا ‪ ,‬فأنا مستسلمة تماما لقدري ‪ .‬و لدي‬
‫الن ما أعطيك إياه كي تتذكريني به حأين أرحأل ‪".‬‬
‫تناولت‪ ,‬مادة يدها من جانب الوسادة صندوق ا خشبي ا مربع ا مربوط ا بخيط حأريري و‬
‫شرلابات ‪.‬‬
‫أخرجت من الصندوق‪ ,‬وهي تفك هذا الخيط بعناية كبيرة المرآة التي أعطاها إياها زوجها منذ‬
‫سنوات مضت ‪.‬‬
‫حأين كنت ل تزالين طفلة صغيرة ذهب أبوك "إلى العاصمة و جلب لي هذا الكنز هدية؛ً‬
‫إنها تدعى مرآة ‪ .‬أعطيك إياها قبل أن أموت ‪ .‬إذا ‪ ,‬كنت وحأيدة وتودين رؤيتي بين الفينة و الخرى‬
‫‪ ,‬بعد أن أتوقف عن الوجود في هذه الحأياة ‪ ,‬أخرجي حأينئذ هذه المرآة وسترينني دائم ا على سطحأها‬
‫الصافي و المشرق ـ بهذا ستكونين قادرة على مقابلتي كثي ار و إخباري بكل همك ؛ً و مع أني لن‬
‫أكون قادرة على الكلما ‪ ,‬فسأفهمك و أتعاطف معك ‪ ,‬مهما حأصل معك في المستقبل‪ ".‬بهذه‬
‫الكلمات سلمت المرأة المشرفة على الموت المرآة لبنتها ‪.‬‬
‫بدا الن أن عقل الما الطيبة مرتاح ‪ ,‬و مضت روحأها بهدوء بعيدا و قد مالت إلى الوراء‬
‫دون كلمة أخرى في ذلك اليوما ‪.‬‬
‫بالغ الب و البنة المحأرومان بالحأزن ‪ ,‬و أسلما نفسيهما إلى حأزنهما المرير ‪ .‬فقد شع ار أنه‬
‫من المستحأيل أن يوصدعا المرأة المحأبوبة التي ملت إلى الن كل حأياتيهما و أن يودعا جسدها‬
‫التراب ‪.‬‬
‫لكن نوبة الحأزن هذه مرت ‪ ,‬و استعادا قلبيهما ثانية ‪ ,‬مع أنهما كانا مسحأوقين بالذعان‪ .‬على الرغما‬
‫من هذا فقد بدت حأياة الفتاة بالنسبة لها بائسة ‪ .‬فحأبها لمها المتوفاة لما ينقص بمرور الوقت ‪ ,‬و‬
‫كان تذكرها شديدا ‪ ,‬بحأيثا أن كل شيء في الحأياة اليومية ‪ ,‬حأتى هطول المطر و هبوب الريح ‪,‬‬
‫كان يذكرها بموت أمها و بكل ما أحأباه و تقاسماه معا ‪ .‬في أحأد الياما حأين كان والدها في الخارج ‪,‬‬
‫وكانت هي تؤدي واجباتها المنزلية بمفردها ‪ ,‬بدت وحأدتها و حأزنها أكبر من طاقتها على الحأتمال‬
‫‪ .‬ألقت نفسها في غرفة أمها و بكت كما لو أن قلبها سينصدعا ‪ .‬كانت الطفلة المسكينة تتوق لمجرد‬
‫لمحأة لوجهها المحأبوب ‪ ,‬أو سماعا للصوت الذي يناديها باسمها التحأببي ‪ ,‬أو للحأظة نسيان للفراغ‬

‫‪ - 1‬هذه عقيدة دينية لدى بعض اليابانيين مفادها أن المرء يعيش كيرةا بعد كيرلة ‪ ,‬وهو إما أن يترقى أو يتدنى بحأسب‬
‫عمله في حأياته السابقة‪ .‬المترجما‬

‫‪67‬‬
‫المؤلما في قلبها ‪ .‬نهضت فجأة ‪ .‬دوت كلمات أمها الخيرة في ذاكرتها التي تبدلت حأتى الن بسبب‬
‫الحأزن ‪.‬‬
‫" أوه ! لقد أخبرتني أمي حأين أعطتني المرآة كهدية للفراق ‪ ,‬أنني حأين أنظر إليها فسأكون‬
‫قادرةا على مقابلتها ـ رؤيتها ‪ .‬لقد نسيت تقريب ا كلماتها الخيرة ـ كما أنا حأمقاء؛ً سأحأضر المرآة و أرى‬
‫إن كان هذا حأق ا ! "‬
‫جففت عينيها بسرعة ‪ ,‬وذهبت إلى الخزانة و أخرجت الصندوق الذي كان يحأتوي المرآة ‪,‬‬
‫كان قلبها ينبض بترقب بينما كانت ترفع المرآة و تحأدق في وجهها الصقيل ‪ .‬أنظروا‪ ,‬كانت كلمات‬
‫أمها صادقة ! رأت وجه أمها في المرآة المدورة التي أمامها ؛ً لكن ‪ ,‬أوه ‪ ,‬يا للمفاجأة المبهجة ! لما‬
‫تكن أمها النحأيلة التي أذبلها المرض ‪ ,‬ولكنها المرأة الشابة الجميلة كما كانت تتذكرها في أياما‬
‫كادت تسمع صوت‬
‫ا‬ ‫طفولتها المبكرة ‪ .‬بدا للفتاة أن الوجه الذي في المرآة يجب أن يتكلما قريب ا ‪,‬وأنها‬
‫أمها يأمرها ثانية أن تكبر لتكون امرأة صالحأة و ابنة مطيعة ‪ ,‬كانت العينان في المرآة تنظران في‬
‫عينها بتوق شديد ‪.‬‬
‫" إنها بالتأكيد روح أمي تلك التي أرى ‪ .‬إنها تعلما كما أنا بائسة بدونها و قد أتت لتواسيني ‪.‬‬
‫حأينما أتوق لرؤيتها فستقابلني هنا ؛ً كما ينبغي عللي أن أكون شاكرة ! "‬
‫ومنذ هذا الوقت أخذ ثقل الحأزن يزول عن قلبها الشاب بشكل كبير‪ .‬كل صباح كانت البنت‬
‫الشابة تخرج المرآة و تحأدق في النعكاس الذي كانت تعتقد ببساطة قلبها البريء أنه روح أمها ‪،‬‬
‫لكي تستجمع قوة لواجبات النهار التي أمامها ‪ ,‬وكل مساء ‪ ,‬للسلوى قبل أن تضطجع لترتاح ‪ .‬كانت‬
‫تزداد يوميا شبها بشخصية أمها ‪ ,‬وكانت دمثة و لطيفة مع الجميع ‪ ,‬وفتاة مطيعة لوالدها ‪.‬‬
‫مر عاما انقضى في حأداد في السرة الصغيرة ‪ ,‬حأين تزوج الرجل ثانية بناء على نصيحأة من أقاربه ‪,‬‬
‫ووجدت الفتاة نفسها الن تحأت سلطة زوجة أب ‪ .‬كان موقع ا شاق ا ؛ً لكن أيامها كانت تنقضي في‬
‫تذكر أمها الحأبيبة ‪ ,‬و جعلتها محأاولتها أن تكون ما تمنتها تلك الما أن تكون ‪ ,‬بنت ا صغيرة طليعة‬
‫وصابرة ‪ ,‬وهي الن قد قررت أن تكون بنتا مطيعة لزوجة الب ‪ ,‬في كل المجالت ‪ .‬مضى كل‬
‫شيء في السرة بنعومة ظاهريا لبعض الوقت تحأت النظاما الجديد ؛ً لما تكن هناك رياح أو أمواج‬
‫خلف تكدر سطح الحأياة اليومية ‪ ,‬وكان الب راضي ا ‪.‬‬
‫لكن من خطر المرأة أن تكون حأقيرة ووضيعة ‪ ,‬و زوجات الباء هن مضرب مثل في كل‬
‫أنحأاء العالما ‪ ,‬و قلب هذه الزوجة بالذات لما يكن مثله حأين كانت بابتسامتها الولى‪ .‬حأين غدت‬
‫الياما و السابيع شهو ار ‪ ,‬بدأت زوجة الب تعامل الفتاة التي ل أما لها بقسوة و راحأت تحأاول أن‬
‫تحأول بين الوالد و الطفلة ‪.‬‬
‫كانت تذهب أحأيان ا إلى زوجها و تشتكي من سلوك ابنة الزوج ‪ ,‬لكن الب ولعلمه أن هذا المر‬
‫متوقع ‪ ,‬لما يعر انتباه ا لشكاويها التي تدل على خبثا طوية ‪ .‬و بدلا من أن يقلل من محأبته لبنته ‪,‬‬

‫‪68‬‬
‫كما كانت ترغب المرأة ‪ ,‬فإن تذمرها المتكرر جعله فقط يفكر فيها أكثر ‪ .‬رأت المرأة بعد وقت‬
‫قصير أنه بدأ يظهر اهتماما أكبر بابنته الوحأيدة أكثر من ذي قبل ‪ .‬لما يسرها هذا إطلقا ‪ ,‬و أخذت‬
‫تبحأثا في عقلها كيف يمكنها أن تخرج ابنة زوجها من البيت ‪ ,‬بطريقة أو أخرى ‪.‬صار قلب المرأة‬
‫منحأرف ا أكثر من اللزما‪.‬‬
‫كانت تراقب الفتاة بانتباه ‪ ,‬و في أحأد الياما بينما كانت تسترق النظر إلى غرفتها في‬
‫الصباح الباكر ‪ ,‬حأسبت أنها اكتشفت خطيئة خطيرة كافية لتتهما الطفلة بها أماما أبيها ‪ .‬فقد فزعت‬
‫المرأة ذاتها قليلا لما رأته‪.‬‬
‫لذا ذهبت فو ار إلى زوجها ‪ ,‬ماسحأة بعض الدموعا الكاذبة ‪ ,‬قالت بصوت حأزين ‪:‬‬
‫" من فضلك امنحأني الذن كي أغادرك اليوما ‪".‬‬
‫كان الرجل مصعوق ا تمام ا بالمفاجأة من طلبها المفاجئ ‪ ،‬و تساءل ماالمر ‪.‬‬
‫سأل ‪ " :‬هل تجدين أن الحأياة غير سارة في بيتي بحأيثا أنك لما تعودي تستطيعين أن مدة‬
‫أطول؟"‬
‫" ل ! ل ! ل علقة لك بالمر ـ أنا لما أفكر حأتى في أحألمي بالرغبة في مغادرة جانبك ؛ً‬
‫لكنني إن واصلت الحأياة هنا فأنا في خطر من فقدان حأياتي ‪ ,‬لذا فأنا أظن أنه من الفضل للجميع‬
‫أن تسمح لي بالذهاب إلى بيتي ! "‬
‫و بدأت المرأة تبكي من جديد ‪ .‬قال زوجها الذي انزعج لرؤيتها تعيسة ‪ ,‬و ظان اق أنه لما يسمع‬
‫بشكل صحأيح ‪:‬‬
‫أخبريني ماذا تعنين‪ .‬كيف تكون حأياتك في خطر هنا ؟ "‬
‫" بما أنك تسألني فسأخبرك‪ .‬ابنتك ل تحأبني كزوجة أب ‪ .‬لنها كانت تغلق على نفسها في‬
‫غرفتها لبعض الوقت صباحأ ا و مساء ‪ ,‬ونظرت إلى الداخل بينما كنت أمر بالجوار‪ ,‬بت مقتنعة أنها‬
‫صنعت مثالا لي و هي تحأاول أن تقتلني بفن السحأر ‪ ,‬بأن تلعنني يومياا‪ .‬فليس من المأمون أن‬
‫أبقى هنا ‪ ,‬في مثل هذه الحأالة ؛ً حأقا ‪ ,‬حأقا ‪ ,‬علي أن أذهب بعيدا ‪ ,‬نحأن ل نستطيع أن نعيش تحأت‬
‫سقف واحأد أكثر ‪" .‬‬
‫أصغى الزوج إلى الحأكاية المفزعة ‪ ,‬لكنه لما يستطع أن يصدق أن ابنته اللطيفة مذنبة بهذا‬
‫العمل الشرير ‪ .‬كان يعلما من خلل الخرافة الشعبية أن الناس يعتقدون أن المرء يمكن أن يتسبب‬
‫بموت تدريجي لخر بصنع تمثال للشخص المكروه و لعنه يومي ا ؛ً لكن أين تعلمت ابنته الشابة مثل‬
‫هذه المعلومة؟ ـ كان المر مستحأيلا ‪ .‬مع ذلك تذكر أنه لحأظ أن ابنته باتت تمكثا أكثر في غرفتها‬
‫ب واضعا هذه‬ ‫ت‬
‫منذ عهد قريب و تنأى بنفسها عن كل أحأد ‪ ,‬حأتى حأين يأتي الزوار إلى البيت ‪ .‬قحأس ق‬
‫الحأقيقة جنب ا إلى جنب مع تحأذير زوجته ‪ ,‬أنه يمكن أن يكون هناك شيء ما يبرر القصة الغريبة ‪.‬‬
‫كان قلبه ممزق ا بين شكه في زوجته و ثقته بطفلته ‪ ,‬و لما يكن يعرف ماذا يفعل ‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫قرر أن يذهب حأالا إلى ابنته و أن يحأاول أن يتبين الحأقيقة ‪ .‬ليريح زوجته و ليؤكد لها أن مخاوفها‬
‫ل أساس لها ‪ ,‬تسلل بهدوء إلى غرفة ابنته ‪.‬‬
‫كانت البنت حأزينة جدا لوقت طويل مضى‪ .‬لقد حأاولت بود وطاعة أن تظهر شعورها‬
‫الودي و أن تهدئ الزوجة الجديدة ‪ ,‬و تكسر جدار التحأامل و سوء التفاهما الذي تعلما أنه يقف‬
‫بشكل عاما بين زوجات الباء و أولد الزواج ‪ .‬لكنها وجدت بعد وقت قصير أن جهودها كانت بل‬
‫طائل ‪ .‬فزوجة أبيها لما تثق بها مطلق ا ‪ ,‬و بدا أنها تسيء تفسير كل أعمالها‪ ,‬وعلمت الطفلة‬
‫المسكينة جيدا أنها كانت تنقل دائما حأكايات غير صحأيحأة و قاسية إلى أبيها‪ .‬لما تستطع أن تمنع‬
‫نفسها من مقارنة ظرفها الحأالي الحأزين بالوقت الذي كانت فيه أمها حأية ترزق منذ أكثر من عاما‬
‫بقليل ـ إنه لتغير كبير في هذا الوقت القصير ! كانت تبكي على الذكرى صباح مساء ‪.‬‬
‫ا‬ ‫مضى‬
‫كانت تذهب إلى غرفتها كلما استطاعت‪ ,‬ترخي الستائر ‪ ,‬تخرج المرآة وتحأدق ‪ ,‬كما كانت تظن ‪,‬‬
‫في وجه أمها ‪ .‬فقد كان هذا هو العزاء الوحأيد الذي لديها في هذه الياما البائسة ‪.‬‬
‫وجدها أبوها مشغولة بهذه الطريقة ‪ .‬دافعا الستارة جانبا ‪ ,‬رآها منحأنية فوق شيء ما أو آخر‬
‫باستغراق شديد ‪ .‬ناظرة من فوق كتفها ‪ ,‬لترى من كان يدخل غرفتها ‪ ,‬دهشت الفتاة لرؤية أبيها ‪,‬‬
‫لنه كان يرسل إليها عموم ا حأين كان يرغب بالحأديثا معها ‪ .‬كانت مرتبكة أيض ا لكونها وجدت‬
‫وهي تنظر إلى المرآة ‪ ,‬لنها لما تخبر أحأدا بوعتد أمها الخير ‪ ,‬لكنها احأتفظت به س ار مقدس ا لقلبها ‪.‬‬
‫لذا و قبل أن تلتفت إلى أبيها دست المرآة داخل كمها الطويل ‪ .‬قال أبوها ملحأظ ا ارتباكها ‪,‬‬
‫وصنيعها في إخفاء شيء ما ‪ ,‬بهيئة صارمة ‪:‬‬
‫" يا ابنتي ‪ ,‬ماذا تفعلين هنا ؟ و ما ذاك الشيء الذي أخفيته في كمك ؟ "‬
‫خافت الفتاة من صرامة والدها ‪ .‬فهو لما يتكلما إليها أبدا بهذه النبرة ‪ .‬تحأول ارتباكها إلى‬
‫خشية ‪ ,‬ولونها من القرمزي إلى البيض ‪ .‬جلست صامتة و خجلة ‪ ,‬غير قادرة على الرد‪.‬‬
‫كانت المظاهر ضدها بالتأكيد ؛ً بدت الفتاة مذنبة ‪ ,‬و تكلما الب بغضب ‪ ,‬ظان ا أنه ربما‬
‫كان ما قالته زوجته بعد كل ذلك صحأيحأا ‪:‬‬
‫" إذن ‪ ,‬صحأيح فعلا أنك تلعنين زوجة أبيك يوميا و تصلين لجل موتها ؟ هل نسيتت ما‬
‫قلكته لك ‪ ,‬من أنها على الرغما من كونها زوجة أبيك يجب أن تكوني مطيعة و مخلصة لها ؟ أي‬
‫شيطان قد حأاز قلبك لتكوني شريرة هكذا ؟ أنت تغيرت بالتأكيد ‪ ,‬يا ابنتي ! ما الذي جعلك عاصية‬
‫وخائنة هكذا ؟ "‬
‫و امتلت عينا الوالد بدموعا مفاجئة لظنه أنه يجب أن يوبخ ابنته بهذه الطريقة ‪.‬‬
‫لما تعرف هي من جانبها ما الذي قصده ‪ ,‬لنها لما تسمع أبدا بخرافتة أن بالصلة على‬
‫تمثال من الممكن أن تتسبب بالموت لشخص مكروه ‪ .‬لكنها رأت أن عليها أن تتكلما و توضح نفسها‬

‫‪70‬‬
‫بطريقة ما ‪ .‬كانت تحأب أباها كثي ار ‪ ,‬و لما تستطع أن تحأتمل فكرة غضبه‪ .‬وضعت يدها على ركبتيه‬
‫باستنكار ‪:‬‬
‫" أبي ! يا أبي ! ل تقل هذه الشياء الفظيعة عني ‪ .‬فأنا ما زلت طفلتك المطيعة‪ .‬حأقا ‪,‬‬
‫أنا كذلك ‪ .‬مهما كنت حأمقاء ‪ ,‬فلن أكون قادرة على لعن أي أحأد يمت إليك بصلة ‪ ,‬فضلا عن أن‬
‫أصلي لجل موت من تحأب ‪ .‬من المؤكد أن أحأدا ما كان يخبرك بالكاذيب ‪ ,‬و أنت مذهول ‪ ,‬ول‬
‫تعلما ما تقول ـ أو أن شيطان ا امتلك قلبك ‪ .‬بالنسبة لي أنا ل أعلما ـ ل و ل حأتى قدر قطرة ندى من‬
‫الشر يمكن أن تتهمني به ‪" .‬‬
‫لكن والدها تذكر أنها أخفت شيئا حأين دخل الغرفة أولا ‪ ,‬و لما يقنعه حأتى هذا الحأتجاج‬
‫الجاد‪ .‬رغب في أن يزيل شكوكه كلهاعلى الفور ‪.‬‬
‫" لماذا أنت دائم ا لوحأدك في غرفتك هذه الياما أذن ؟ و أخبريني ما ذاك الذي أخفيته في‬
‫كمك ـ أريني إياه فو ار ‪" .‬‬
‫حأينئذ وجدت البنة ‪ ,‬رغما أنها كانت خجلة من العتراف كيف كانت تكتجرل ذكرى أمها ‪,‬‬
‫أنها يجب أن تخبر أباها بكل شيء لجل أن توضح نفسها ‪ .‬لذا فقد استلت المرآة من كمها الطويل‬
‫ووضعتها أمامه ‪.‬‬
‫قالت ‪ " :‬هذا ما رأيتني أنظر إليه في هذه اللحأظة ‪.‬‬
‫قال بدهشة كبيرة ‪ " :‬لماذا ‪ ,‬هذه هي المرآة التي أحأضرتها كهدية لمك حأين ذهبت إلى‬
‫العاصمة منذ سنين عديدة مضت ! و أنت احأتفظت بها كل هذا الوقت ؟ الن ‪ ,‬لماذا تمضين هذا‬
‫القدر الكبير من وقتك أماما هذه المرآة ؟ "‬
‫عندئذ أخبرته بكلمات أمها الخيرة ‪ ,‬و كيف أنها وعدت أن تقابل ابنتها كلما نظرت إلى‬
‫المرآة ‪.‬‬
‫لكن الب كان ل يزال ل يستطيع أن يفهما بساطةق شخصية ابنته بعدما معرفتها أن ما تراه منعكس ا في‬
‫المرآة كان في الحأقيقة وجهها هي ‪ ,‬و ليس وجه أمها ‪.‬‬
‫سأل ‪ " :‬ماذا تعنين ؟ أنا ل أفهما كيف أنك تستطيعين مقابلة روح أمك الفقيدة من خلل‬
‫النظر في هذه المرآة ؟ "‬
‫قالت الفتاة ‪ " :‬إنه حأق ا صحأيح ‪ ,‬و إذا كنت ل تصدق ما أقول ‪ ,‬أنظر بنفسك ‪ " ,‬ووضعت‬
‫المرآة أمامها ‪ .‬هناك ‪ ,‬كان ينظر وجهها الحألو من القرص المعدني الصقيل ‪ .‬أشارت إلى‬
‫النعكاس جادة ‪:‬‬
‫" أما زلت تشك بي ؟ " سألت جادة ‪ ,‬و هي تنظر في وجهه ‪.‬‬
‫ضرب الوالد يديه بقوة بتعجب يدل على فهما مفاجئ ‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫" كما أنا أحأمق ! أخي ار أنا أفهما ‪ .‬إن وجهك يشبه وجه أمك كنصفي بطيخة واحأدة ـ هكذا‬
‫كنت تنظرين إلى انعكاس وجهك كل هذا الوقت ‪ ,‬ظانة أنك تحأضرين وجها لوجه مع أمك الفقيدة !‬
‫أنت فعلا طفلة مخلصة ‪ .‬إن ما فعلته يبدو للوهلة الولى شيئا أحأمق ‪ ,‬لكنه في الحأقيقة ليس كذلك‬
‫‪ .‬إنه يظهر كما هو عميق برك لبويك ‪ ,‬و كما هو بريء قلبك ‪ .‬إن العيش في تذكر مستمر لمك‬
‫الفقيدة ساعدك على أن تصبحأي مثلها في الشخصية ‪ .‬كما هو ذكاء منها أن تطلب منك أن تفعلي‬
‫هذا ‪ .‬أنا أكبرك و أحأترمك ‪ ,‬يا ابنتي ‪ ,‬و أنا أخجل من التفكير و لو للحأظة أنني صدقت قصة‬
‫زوجة أبيك المريبة و ظننتك خاطئة ‪ ,‬وجئت بقصد تعنيفك بقسوة ‪ ,‬في حأين أنتك كنت كل هذا الوقت‬
‫صادقة و طيبة بهذا القدر‪" .‬‬
‫وهكذا بكى الوالد ‪ .‬فكر في كما كانت الفتاة المسكينة وحأيدة ‪ ,‬و في كل ما ل بد أنها عانت‬
‫منه تحأت وطأة معاملة زوجة أبيها ‪ .‬جعلته ابنته التي احأتفظت بثبات بإيمانها و بساطتها ـ متحأملة‬
‫كل مشاكلها بهذا القدر الكبير من الصبر و الود ـ يشبهها بنبات اللوتس الذي يرفع زهرته ذات‬
‫الجمال الباهر من خلل وحأل و طين الخنادق و البرك‪ ,‬رمزا مناسبا للقلب الذي يظل نظيفا بينما‬
‫يمر في هذا العالما ‪.‬‬
‫كانت زوجة الب كل هذه المدة واقفة خارج الغرفة ‪ ,‬متلهفة ‪ ,‬إلى معرفة ما سيجري ‪.‬‬
‫صارت متشوقة ‪ ,‬و بالتدريج دفعت الستارة المنزلقة إلى الخلف لتستطيع أن ترى ما كان يجري ‪.‬‬
‫في هذه اللحأظة دخلت الغرفة فجأة ‪ ,‬ساقطة على البسط ‪ ,‬حأنت رأسها على يديها الممدودتين أماما‬
‫ابنة زوجها ‪.‬‬
‫صرخت بنبرات منكسرة ‪ " :‬أنا خجلة ! أنا خجلة ! لما أكن أعلما كما أنت طفلة بارة ‪ .‬لقد‬
‫كرهتك كل الوقت ل من خلل ذنب منك ‪ ,‬و إنما من خلل غيرة قلب زوجة الب ‪ .‬و كارهة لك‬
‫بهذا القدر ‪ ,‬كان طبيعي ا أن أعتقد أنك كنت تبادلينني الشعور ‪ ,‬ولهذا حأين كنت أراك تنسحأبين كثي ار‬
‫إلى غرفتك ‪ ,‬تبعتك ‪ ,‬وحأين رأيتك تحأدقين يومي ا في المرآة لفترات طويلة ‪ ,‬استنتجت أنك اكتشفت كما‬
‫أبغضك ‪ ,‬و أنك تحأاولين بدافع النتقاما أن تسلبيني حأياتي بفن السحأر ‪ .‬لن أنسى ما حأييت الخطأ‬
‫الذي فعلته تجاهك بإساءة الحأكما عليك ‪ ,‬و بالتسبب بشك والدك فيك ‪ .‬من هذا اليوما ألقي قلبي‬
‫الشرير السابق بعيدا ‪ ,‬و أضع مكانه آخر جديدا ‪ ,‬نظيف ا و مليئ ا بالندما ‪ .‬سأفكر فيك كطفلة ولدتها‬
‫بنفسي ‪ .‬سأحأبك و أدللك بكل قلبي ‪ ,‬و أحأاول بهذا أن أعوض عن كل التعاسة التي تسببت بها لك‬
‫‪.‬‬
‫لذا ‪ ,‬أرجوك أل ت‬
‫ق إلى الماء بكل ما جرى من قبل ‪ ,‬و امنحأيني ‪ ,‬أتوسل إليك ‪ ,‬بعضا من الحأب‬
‫البنوي الذي منحأتيه حأتى الن لمك الفقيدة ‪" .‬‬
‫هكذا تذللت زوجة الب القاسية و طلبت المغفرة من الفتاة التي أخطأت في حأقها كثي ار ‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫وكبيرة كانت حألوة مزاج الفتاة بحأيثا أنها سامحأت زوجة أبيها عن طيب خاطر ‪ ,‬و لما تحأمل‬
‫و لو للحأظة امتعاضا أو حأقدا تجاهها فيما بعد ‪ .‬رأى الب من خلل وجه زوجته أنها كانت متأسفة‬
‫بصدق على الماضي ‪ ,‬و استراح بشكل كبير لرؤية سوء التفاهما المريع يمحأى من ذاكرة الخاطئ و‬
‫من أخطئ بحأقه مع ا ‪.‬‬
‫من ذلك الوقت فصاعدا ‪ ,‬عاش الثلثة مع ا سعداء مثل السمك في الماء ‪ .‬لما تسد مشكلة‬
‫مثقل هذته البيت ثانية أبدا ‪ ,‬و نسيت الفتاة عاما التعاسة ذاك في الحأب الرقيق و العناية التي منحأتهما‬
‫زوجة أبيها لها ‪.‬‬
‫فقد كوفئ صبرها و طيبتها أخي ار ‪.‬‬

‫غول أداتشيغها ار‬


‫في الماضي البعيد البعيد كان ثمة سهل كبير يدعى أداتشيغهار في مقاطعة موتسو في‬
‫اليابان ‪.‬‬
‫قيل إن هذا المكان مسكون من قبل غول آكل للحأوما البشر كان يتخذ شكل امرأة عجوز ‪ .‬من حأين‬
‫إلى آخر كان يختفي العديد من المسافرين و ل يعود كيسمع عنهما شيء ‪ ,‬وكانت العجائز حأول‬
‫مجامر الفحأما في المسيات ‪ ,‬و الفتيات اللواتي يغسلن أرز البيت عند الينابيع في الصباحأات ‪,‬‬
‫يتهامسن بقصص مفزعة كيف تما إغواء المفقودين إلى كوخ الغول و أكلوا ‪ ,‬لن الغول كان يحأيا‬
‫على لحأما البشر ‪ .‬لما يجرؤ أحأد على المجازفة بالقتراب من البقعة المسكونة بعد الغروب ‪ ,‬و كل‬
‫أولئك الذين يستطيعون ‪ ,‬كانوا يتحأاشونها في وقت النهار ‪ ,‬وكان المسافرون كيقحأيذرون من المكان‬
‫المخيف ‪.‬‬
‫في أحأد الياما وبينما كانت الشمس تغرب ‪ ,‬وصل إلى السهل كاهن‪ .‬كان مساف ار متأخ ار ‪,‬‬
‫يدل ثوبه على أنه حأاج بوذي يمشي من مزار إلى مزار للصلة من أجل شيء من البركة أو ملتمس ا‬
‫مغفرة الذنوب ‪ .‬بدا واضحأ ا أنه ضل الطريق ‪ ,‬و بما أن الوقت متأخر فإنه لما يقابل أحأدا يمكن أن‬
‫يرشده طريقه أو يحأذره من البقعة المسكونة ‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫كان قد مشى طيلة النهار و هو الن متعب و جائع ‪ ,‬و المسيات باردة ‪ ,‬لن الوقت أواخر‬
‫الخريف ‪ ,‬و صار تواقا جدا لن يجد بيتا حأيثا يستطيع أن يحأصل فيه على مبيت ليلة‪ .‬وجد نفسه‬
‫ضائعا في وسط سهل كبير ‪ ,‬و نظر حأوله بل طائل بحأثا عن أثر لمسكن بشري ‪.‬‬
‫أخي ار ‪ ,‬بعد التجوال لبضعة ساعات في الجوار ‪ ,‬رأى أجمة من الشجار في المدى‪ ,‬و لمح‬
‫من خلل الشجار وميض شعاعا وحأيد من الضوء ‪ .‬صاح ببهجة ‪:‬‬
‫" ياه ‪ ,‬بالتأكيد ذاك كوخ أستطيع الحأصول فيه على مبيت ليلة ! "‬
‫سحأب قدميه المرهقتين الموجعتين بأسرعا ما يستطيع نحأو البقعة ‪ ,‬واضعا الضوء نصب‬
‫عينيه و بعد وقت قصير وصل إلى كوخ صغير بائس المظهر‪ .‬ورأى بينما كان يقترب أنه كان في‬
‫حأالة متداعية ‪ ,‬سياج الخيزران كان مكسو ار و قد شق القصب و العشاب طريقها خلل الفجوات‬
‫كانت الستائر الورقية التي تقوما مقاما النوافذ و البواب في اليابان ‪ ,‬مليئة بالثقوب ‪ ,‬و كانت أعمدة‬
‫البيت منحأية بفعل الهرما و بدت بالكاد تقدر على دعما السقف القديما المزود بالقش ‪ .‬كان الكوخ‬
‫مفتوحأا ‪ ,‬و على ضوء مصباح قديما جلست امرأة عجوز تغزل بمهارة ‪.‬‬
‫نادى الحأاج عليها عبر سياج الخيزران و قال ‪:‬‬
‫" اوه ‪ ,‬بآسان ) أيتها المرأة العجوز ( مساء الخير ! أنا مسافر ! أرجو المعذرة ‪ ,‬لكنني‬
‫ضللت الطريق و ل أدري ماذا أصنع‪ ,‬لنه ليس لي مكان أستريح فيه هذه الليلة‪ .‬أرجو أن تتفضلي‬
‫بالسماح لي بقضاء هذه الليلة تحأت سقف بيتك‪".‬‬
‫حأالما سمعت المرأة العجوز من يتحأدثا إليها أوقفت الغزل‪ ,‬ونهضت من مقعدها و اقتربت‬
‫من الطفيلي ‪.‬‬
‫"أنا آسفة كثي ار لجلك‪ .‬لبد أنك منزعج لنك ضللت طريقك في مثل هذه البقعة المهجورة و‬
‫هذا الوقت المتأخر من الليل ‪ .‬لسوء الحأظ ل أستطيع أن أمنحأك المسكن و الطعاما‪,‬إذ ل فراش لدي‬
‫أقدمه لك ‪ ,‬و ل وسيلة راحأة أي ا كانت لضيف في هذا المكان الفقير !"‬
‫قال الكاهن ‪ " :‬أوه ‪ ,‬هذا غير مهما ‪ ,‬كل ما أريده ملجأ تحأت سق ل‬
‫ف لهذه الليلة ‪ ,‬و لو تفضلت‬
‫فقط بالسماح لي بالتمدد على أرض المطبخ فسأكون شاك ار ‪ .‬أنا متعب زيادة إلى درجة أنني غير‬
‫قادر على المشي أكثر هذه الليلة ‪ ,‬لذا آمل أل ترفضي ‪ ,‬و إل فسيكون علي أن أناما في السهل‬
‫البارد ‪ " .‬و بهذه الطريقة أليح على المرأة العجوز لتدعه يبقى ‪.‬‬
‫بدت كارهة كثي ار ‪ ,‬لكنها في النهاية قالت ‪:‬‬
‫" حأسناا‪ ,‬سأدعك تمكثا هنا ‪ .‬أستطيع أن أقدما لك استقبالا بسيطا فقط ‪ ,‬لكن أدخل الن و‬
‫سأعد نا ار ‪ ,‬لن الليلة باردة ‪" .‬‬
‫كان الحأاج مسرو ار جدا أن يفعل به فقط كما قيل له ‪ .‬خلع نعليه و دخل الكوخ ‪ .‬ثما أحأضرت‬
‫المرأة العجوز بعض قضبان الحأطب و أوقدت النار ‪ ,‬و رجت ضيفها أن يقترب و يتدفأ‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫قالت المرأة العجوز ‪ " :‬لبد أنك جائع بعد مسيرك الطويل ‪ ,‬سأذهب و أطبخ لك عشاء ‪ .‬ثما‬
‫ذهبت إلى المطبخ لتطبخ بعض الرز ‪.‬‬
‫ل‪ .‬فكر‬
‫بعد أن أنهى الكاهن عشاءه جلست المرأة العجوز قرب الموقد وتبادل الحأديثا طوي ا‬
‫الحأاج في نفسه أنه كان محأظوظ ا جدا أن صادف مثل هذه المرأة العجوز اللطيفة المضيافة ‪ .‬أخي ار‬
‫قنتفقد الخشب ‪ ,‬و بينما أخذت النار تضمحأل ببطء بدأ يرتجف من البرد تمام ا مثلما كان يفعل حأين‬
‫وصل ‪.‬‬
‫قالت المرأة العجوز ‪ " :‬أرى أنك مصاب بالبرد ‪ ,‬سأخرج و أجمع بعض الحأطب ‪ ,‬لننا‬
‫استعملناه كله ‪ .‬عليك أن تبقى و تهتما بالبيت ما دمت غائبة ‪" .‬‬
‫قال الحأاج ‪ " :‬ل ‪ ,‬ل ‪ ,‬دعيني أذهب عوض ا عنك ‪ ,‬لنك عجوز ‪ ,‬و أنا ل أستطيع أن أفكر‬
‫بتركك تخرجين لتحأضري لي الحأطب في هذه الليلة الباردة ! "‬
‫هزت المرأة العجوز رأسها وقالت ‪:‬‬
‫" عليك أن تمكثا هنا بهدوء ‪ ,‬فأنت ضيفي ‪ " .‬ثما تركته و خرجت ‪.‬‬
‫بعد دقيقة عادت وقالت و قالت ‪:‬‬
‫" عليك أن تجلس حأيثا أنت و ل تتحأرك ‪ ,‬ومهما حأدثا ل تقترب أو تنظر إلى الغرفة‬
‫الداخلية ‪ .‬نفذ الن ما أقوله لك ! "‬
‫قال الكاهن مرتبك ا نوع ا ما ‪ " :‬إذا قلت لي أل أقترب من الغرفة الخلفية ‪ ,‬أنا طبع ا لن أفعل‪",‬‬
‫حأينئذ خرجت المرأة العجوز ثانية ‪ ,‬و تكتر ق‬
‫ك الكاهن لوحأده ‪ .‬انطفأت النار ‪ ,‬و كان الضوء‬
‫الوحأيد في الكوخ هو ذاك الذي يصدر من مصباح خافت ‪ .‬بدأ لول مرة في تلك الليلة يشعر أنه في‬
‫مكان غريب ‪ ,‬و أثارت كلمات المرأة العجوز ‪ " ,‬مهما فعلت ل تتلصص إلى الغرفة الخلفية ‪" ,‬‬
‫فضوله و خوفه ‪.‬‬
‫ماذا يمكن أن يكون الشيء المخيبأ في تلك الغرفة و الذي ل ترغب أن يراه ؟ لبعض الوقت‬
‫جعله تذكر الوعد للمرأة العجوز ساكنا ‪ ,‬لكنه أخي ار لما يستطع أن يقاوما فضوله للتلصص إلى داخل‬
‫المكان المحأظور ‪.‬‬
‫نهض و بدأ يتحأرك ببطء نحأو الغرفة الخلفية ‪ .‬ثما جعلته فكرة أن المرأة العجوز ستغضب منه‬
‫إذا هو عصاها يعود إلى مكانه قرب موقد النار ‪.‬‬
‫بينما كانت الدقائق تمضي ببطء و لما تعد المرأة العجوز ‪ ,‬بدا يشعر بالخوف أكثر فأكثر ‪ ,‬و‬
‫يتعجب ما هو السر المخيف الموجود في الغرفة وراءه ‪ .‬عليه أن يكتشف ‪.‬‬
‫قال الرجل في نفسه ‪ " :‬إنها لن تعرف أنني نظرت إل إذا أخبرتها ‪ .‬سألقي فقط نظرة صغيرة‬
‫قبل أن تعود ‪" ,‬‬

‫‪75‬‬
‫مع هذه الكلمات نهض على قدميه ) لنه كان جالس ا كل هذا الوقت على هيئة يابانية و قدماه‬
‫تحأته ( و زحأف خلسة نحأو البقعة المحأرمة ‪ .‬دفع الباب المنزلق بيدين مرتجفتين إلى الخلف و نظر‬
‫‪ .‬جيمد ما رآه الدقما في عروقه ‪ .‬كانت الغرفة مليئة بعظاما أناس و كانت الجدران ملطخة و الرض‬
‫مغطاةا بدما بشري ‪ .‬في إحأدى الزوايا جمجمة فوق جمجمة ترتفع إلى السقف ‪ ,‬في الخرى كانت‬
‫كومة من عظاما الذرعا ‪ ,‬في أخرى كومة من عظاما الرجل‪ .‬جعلته الرائحأة المقززة يغمى عليه ‪.‬‬
‫سقط إلى الخلف مذعو ار ‪ ,‬و تمدد لبعض الوقت متكو ار مذعو ار على الرض ‪ ,‬في منظر يكرثى له ‪.‬‬
‫كان يرتجف كله و تصطك أسنانه ‪ ,‬و بالكاد استطاعا أن يزحأف خارج البقعة المفزعة ‪.‬‬
‫صاح كما هذا فظيع ! ما هذا الوكر الرهيب الذي جئت إليه في أسفاري؟ ليساعدني بوذا و إل‬
‫فقد ضعت ‪ .‬أمن المعقول أن تلك المرأة العجوز اللطيفة هي في الحأقيقة الغول آكل اللحأوما البشرية ؟‬
‫حأين تعود ستبدي لي نفسها بشخصيتها الحأقيقية و تلتهمني بلقمة واحأدة ! "‬
‫مع هذه الكلمات عادت إليه قوته و اندفع إلى خارج البيت ‪ ,‬منتزع ا قبعته و عصاه ‪ ,‬بأسرعا‬
‫ما استطاعت رجله أن تحأمل ‪ .‬ركض خارجا إلى الليل ‪ ,‬و همه الوحأيد أن يبتعد أقصى ما يستطيع‬
‫عن مأوى الغول ‪ .‬لما يكن قد مضى بعيدا حأين سمع خلفه خطوالت و صوتا يصرخ ‪ " :‬قف ! قف !‬
‫"‬
‫تابع راكض ا ‪ ,‬مضاعف ا سرعته ‪ ,‬متظاه ار بأنه ل يسمع ‪ .‬بينما كان يركض كان يسمع‬
‫الخطوات خلفه تقترب أكثر فأكثر ‪ ,‬و أخي ار تعلرف على صوت المرأة العجوز الذي أصبح مرتفع ا‬
‫أكثر فأكثر بينما هي تقترب‬
‫" قف ! قف ‪ ,‬أيها الرجل الشرير ‪ ,‬لماذا نظرت إلى داخل الغرفة المحأرمة ؟ "‬
‫نسي الكاهن تمام ا كما كن متعب ا وطارت قدماه فوق الرض بأسرعا ما فعل في حأياته فلقد‬
‫منحأه الخوف قوة ‪ ,‬لنه كان يعرف أن الغول إذا أمسك به فسيكون بعد وقت قصير أحأد ضحأاياه ‪.‬‬
‫كرر الصلة لبوذا من كل قلبه‪:‬‬
‫" نامو أميدا بوتسو ‪ ,‬نامو أميدا بوتسو ‪".‬‬
‫واندفعت وراءه العجوز الساحأرة المخيفة ‪ ,‬يطير شعرها في الريح ‪ ,‬ويتحأول وجهها من‬
‫الغضب إلى الشيطان الذي كانت عليه ‪ .‬كانت تحأمل في يدها سكين ا كبي ار ملطخ ا بالدما ‪ ,‬وهي ل‬
‫تزال تصرخ خلفه " قف ! قف ! "‬
‫أخي ار شعر الكاهن أنه ل يستطيع أن يركض أكثر ‪ ,‬انبلج الفجر ‪ ,‬واختفى الغول مع ظلما‬
‫الليل و غدا آمنا ‪ .‬عرف الكاهن الن أنه قد التقى غول أداتشيغها ار ‪ ,‬الذي ‪ ,‬طالما سمع قصته و‬
‫لما يصدق أنها حأقيقية ‪ .‬شعر أنه يدين بنجاته العجيبة إلى حأماية بوذا الذي صلى له طلبا المساعدة‬
‫‪ ,‬لذا أخرج سبحأته و حأنى رأسه بينما كانت الشمس تشرق و تل صلواته و أدى شكره بورعا ‪ .‬ثما‬
‫انطلق إلى الماما نحأو جزء آخر من البلد ‪ ,‬سعيدا جدا بترك السهل المسكون وراءه ‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫القرد الذكي و الخنزير البري‬
‫في الماضي البعيد‪ ,‬البعيد‪ ,‬كان يعيش في مقاطعة شيناشن في اليابان‪ ,‬ق لارسد‪ 1‬جيواسل‪ ,‬يتكيسب‬
‫من خلل التجوال مع قرد و عرض مهارات ذلك الحأيوان ‪.‬‬
‫في إحأدى المسيات عاد الرجل إلى البيت بمزاج سيء كثي ار و طلب إلى زوجته أن ترسل‬
‫وراء القصاب‪ 2‬في اليوما التالي ‪.‬‬
‫كانت الزوجة مرتبكة كثي ار فسألت زوجها ‪:‬‬
‫" لماذا تريدني أن أرسل وراء القصاب ؟ "‬
‫" لما يعد هناك من فائدة ترجى من أخذ ذلك القرد في جولة ‪ ,‬إنه كبير السن أكثر مما ينبغي‬
‫و هو ينسى مهاراته ‪ .‬أنا أضربه بعصاي بكل طريقة أعرفها ‪ ,‬لكنه لن يرقص كما ينبغي ‪ .‬علي‬
‫الن أن أبيعه للقصاب و أكسب منه قدر ما أستطيع من المال‪ .‬ل شيء آخر يمكن فعله‪".‬‬
‫شعرت المرأة بالحأزن الكبير على الحأيوان الصغير المسكين ‪ ,‬وتوسطت لدى زوجها ليبقي‬
‫على القرد ‪ ,‬لكن وساطتها كلها كانت بل فائدة ‪ ,‬كان الرجل مصمم ا على بيعه للقصاب ‪.‬‬
‫في هذه الثناء كان القرد في الغرفة المجاورة و سمع كل كلمة من الحأديثا ‪ .‬فهما على‬
‫الفور أنه سيقتل ‪ ,‬وقال لنفسه ‪:‬‬
‫" إن سيدي ‪ ,‬قاس ‪ ,‬حأقاا! ها قد خدمته بإخلص لسنوات و وبدلا من أن يسمح لي بإنهاء‬
‫أيامي براحأة وسلما ‪ ,‬سيتركني أكقطيعك من قبل القصاب ‪ ,‬و يشوى جسمي المسكين و يطهى و يؤكل‬
‫؟ يا حأسرة عليي ! ماذا أفعل ‪ .‬ياه ! خطرت لي فكرة ذكية ! أعرف ‪ ,‬هناك خنزير يعيش في الغابة‬
‫المجاورة ‪ .‬لطالما سمعت عن حأكمته ‪ .‬ربما لو ذهبت إليه و أخبرته بالضيق الذي أنا فيه فإنه‬
‫سيمنحأني نصيحأته ‪ .‬سأذهب و أحأاول ‪" .‬‬
‫لما يكن هناك وقت ليضيع ‪ .‬انسل القرد إلى خارج البيت و ركض بأسرعا ما استطاعا إلى‬
‫الغابة ليبحأثا عن الخنزير ‪ .‬كان الخنزير في البيت ‪ ,‬و بدأ القرد رواية مشكلته فو ار ‪.‬‬

‫القرود‪ .‬المترجم‬ ‫‪ - 1‬سائس‬


‫اللحأاما‪ .‬المترجم‬ ‫‪ - 2‬الجزار و‬

‫‪77‬‬
‫" أيها السيد الخنزير الطيب ‪ ,‬لقد سمعت بحأكمتك الممتازة ‪ .‬أنا في ورطة كبيرة‪ ,‬أنت‬
‫وحأدك تستطيع أن تساعدني ‪ .‬لقد كبرت سني في خدمة سيدي ‪ ,‬و لنني ل أستطيع أن أرقص كما‬
‫ينبغي فهو يعتزما الن أن يبيعني إلى القصاب ‪ .‬فبماذا تنصحأني أن أفعل ؟ أنا أعلما كما أنت ذكي !‬
‫"‬
‫كسير الخنزير بالمديح و قرر أن يساعد القرد ‪ .‬فكر لبرهة صغيرة ثما قال ‪:‬‬
‫" أليس لسيدك طفل صغير ؟ "‬
‫قال القرد " أوه ‪ ,‬أجل ‪ ,‬لديه صبي صغير واحأد ‪" .‬‬
‫" أل يضطجع بجانب الباب في الصباح حأين تبدأ سيدتك عمل اليوما ؟ حأسن ‪ ,‬سآتي إلى‬
‫الجوار باك ار و حأين أرى فرصتي سأمسك الطفل و أركض به "‬
‫قال القرد ‪ " :‬ثما ماذا ؟ "‬
‫ستكون الما في فزعا هائل ‪ ,‬وقبل أن يعرف سيدك و سيدتك ماذا يعملن ‪ ,‬عليك أن‬
‫تركض خلفي و تنقذ الطفل و تعيده آمنا إلى البيت لوالديه ‪ ,‬وسترى أنهما حأين يأتي القصاب لن‬
‫يطاوعهما قلبهما على بيعك ‪" .‬‬
‫شكر القرد الخنزير عدة مرات ثما مضى إلى البيت ‪ .‬لما ينما كثي ار تلك الليلة ‪ ,‬كما لكما أن‬
‫تتخيلوا‪ ,‬بسبب التفكير في غد‪ .‬فحأياته تعتمد على ما إذا نجحأت خطة الخنزير أما ل ‪ .‬كان أول‬
‫المستيقظين ‪ ,‬ينتظر بقلق ما سيجري ‪ .‬بدا له الوقت طويلا قبل أن تبدأ زوجة سيده تتحأرك هنا‬
‫وهناك و تفتح مصاريع النوافذ لتترك ضوء النهار يدخل ‪ .‬ثما حأدثا كل شيء كما خطط الخنزير‪ .‬و‬
‫ضعت الما الطفل قرب الشرفة كالعادة بينما ترتب البيت و تعد فطورها‪.‬‬
‫كان الطفل يدندن بسعادة في ضوء الصباح ‪ ,‬مرتب ا على البسط في لعبة النور و الظل ‪.‬‬
‫فجأة كان هناك جلبة في الشقة و صرخة مرتفعة من الطفل ‪ .‬خرجت الما راكضة من المطبخ إلى‬
‫المكان تمام ا في وقت ترى فيه الخنزير يغيب خلل البوابة وطفلها بين مخالبه ‪ .‬ألقت يديها بصرخة‬
‫عالية يائسة و اندفعت إلى الغرفة الداخلية حأيثا كان زوجها ل يزال يناما بعمق ‪.‬‬
‫نهض ببطء و فرك عينيه ‪ ,‬و سأل بنزق لماذا كانت زوجته تصنع كل تلك الجلبة‪ .‬و إلى‬
‫ل‪ ,‬لكنهما شاهدا‬
‫أن أدرك الرجل ما حأدثا ‪ ,‬وخرج كلهما من البوابة ‪ ,‬كان الخنزير قد ابتعد قلي ا‬
‫القرد راكض ا خلف اللص بأقصى ما تستطيع رجله أن تحأمل‪.‬‬
‫أعجب الرجل و الزوجة مع ا من للسلوك الشجاعا للقرد الذكي ‪ ,‬و لما يعرف امتنانهما حأدودا‬
‫حأين أحأضر القرد المخلص الطفل آمنا إلى ذراعيهما ‪.‬‬
‫قالت الزوجة ‪ " :‬ها هو ! هذا هو الحأيوان الذي تريد أن تقتله لو لما يكن القرد هنا لخسرنا‬
‫طفلنا إلى البد ‪" .‬‬

‫‪78‬‬
‫قال الرجل بينما حأمل الطفل إلى داخل البيت ‪ " :‬أنت على حأق ‪ ,‬يا زوجتي ‪ ,‬هذه المرة ‪,‬‬
‫يمكنك أن تردي القصاب حأين يأتي ‪ ,‬والن قدمي لنا فطو ار جيدا و للقرد أيضا ‪" .‬‬
‫حأين وصل القصاب ‪ ,‬كأرسل بعيدا بطلب بعض لحأما خنزير لجل عشاء المساء ‪ ,‬و كدلصقل‬
‫القرد و عاش بقية أيامه بسلما ‪ ,‬و لما يعد يضربه سيده أبدا ‪.‬‬

‫صياد الجبال السعيد و صياد البحر الماهر‬


‫في الماضي البعيد ‪ ,‬البعيد ‪ ,‬حأكما اليابان هوهوديمي‪ ,‬الميكوتو الرابع ) أو صاحأب الجللة‬
‫( المنحأدر من إلهة الشمس ذائعة الصيت ‪ ,‬أما تيراسو ‪ .‬فلما يكن وسيما فقط كسلفه التي كانت‬
‫جميلة ‪ ,‬بل كان أيض ا قوي ا جدا و شجاع ا ‪ ,‬و اشتهر لكونه أعظما صياد في البر ‪ .‬و لمهارته التي‬
‫ل تضاهى كصياد ‪ .‬كان يدعى " ياما ـ ساتشي ـ هيكو " أو " صياد الجبال السعيد‪".‬‬

‫‪79‬‬
‫كان أخوه الكبر صياد سمك ماه ار جدا ‪ ,‬و بما أنه فاق كل المنافسين في صيد السمك‬
‫كدعقي " أومي ـ ساتشي ـ هيكو " أو " صياد البحأر الماهر‪ " .‬هكذا عاش الخوان حأياة سعيدة ‪,‬‬
‫مستمتعين تماما بحأرفتيهما ‪ ,‬و كانت الياما تمر بسرعة و بسعادة بينما يواصل كسل طريقه الخاص ‪,‬‬
‫واحأسد يصيد في البر و الخر يصيد في البحأر ‪.‬‬
‫في أحأد الياما جاء الصياد السعيد إلى أخيه ‪ ,‬صياد البحأر الماهر ‪ ,‬و قال ‪:‬‬
‫" حأسن ‪ ,‬يا أخي ‪ ,‬أنا أراك تذهب إلى البحأر كل يوما و بيدك عصا صيدك ‪ ,‬و حأين ترجع‬
‫تعود محأملا بالسمك ‪ .‬و بالنسبة لي ‪ ,‬فإن سعادتي أن آخذ قوسي و سهمي و أتصيد الحأيوانات‬
‫البرية في أعالي الجبال و قيعان الوديان ‪ .‬و لمدة طويلة مضى كل منا في حأرفته المفضلة ‪ ,‬بحأيثا‬
‫أننا الن متعبان ل شك أنت من صيد البحأر و أنا من صيد البر‪ .‬أليس من الحأكمة لكلينا أن نتبادل‬
‫؟‬
‫تجرب أنت الصيد في الجبال و أنا أذهب و أصيد السمك في البحأر ؟‬
‫أصغى صياد البحأر الماهر بصمت إلى أخيه ‪ ,‬و استغرق في التفكير للحأظة ‪ ,‬لكنه أخي ار‬
‫أجاب ‪:‬‬
‫" أوه أجل ‪ ,‬لتقما ل ؟ فكرتك ليست سيئة على الطلق ‪ .‬أعطني قوسك و سهمك و سأنطلق‬
‫حأالا إلى الجبال و أصطاد طلب ا ليلهو ‪" .‬‬
‫عا كل الخوين يجرب مهنة الخر‪ ,‬دون أن‬
‫هكذا حأسمت القضية بهذا الحأديثا ‪ ,‬و شر ق‬
‫يتخيل كل ما سيحأدثا ‪ .‬كان المر حأماقة كبيرة منهما ‪ ,‬لن الصياد السعيد لما يكن يعرف شيئا عن‬
‫صيد السمك ‪ ,‬و صياد البحأر الماهر الذي كان شرس الطبع يعرف صيد البر بنفس المقدار ‪.‬‬
‫أخذ الصياد السعيد صنارة أخيه الثمينة جدا و عصاه و انحأدر إلى شاطئ البحأر و جلس‬
‫على الصخور ‪ .‬زيود صنارته بالطعما ثما رماها إلى البحأر بطريقة غير متقنة ‪ .‬جلس و حأيدق‬
‫بالعوامة الصغير المتذبذبة إلى أعلى و إلى أسفل الماء ‪ ,‬و تاق إلى سمكة طيبة تأتي و فيتما‬
‫صيدها‪.‬‬
‫في كل مرة كانت تتحأرك العوامة قليل كان يسحأب قصبته ‪ ,‬لكن لما يكن هناك أبدا سمكة‬
‫عند طرفها ‪ ,‬فقط الصنارة و الطعما ‪ .‬لو كان يعرف كيف يصيد السمك بصورة لئقة ‪ ,‬لمكنه أن‬
‫يكون قاد اقر على المساك بالكثير من السمك ‪ ,‬لكن رغما أنه أعظما صياد في البر فإن هذا لما يمنع‬
‫من كونه أكثر صياد سمك فشلا ‪.‬‬
‫مر كل النهار بهذه الطريقة ‪ ,‬بينما هو يجلس على الصخور ممسكا بعصا الصيد و‬
‫منتظ ار بل جدوى كي يتغير حأظه ‪ .‬أخي ار بدأ النهار يظلما ‪ ,‬و حأيل المساء ؛ً لما يصطد سمكة واحأدة‬
‫‪ .‬و حأين سحأب خيطه للمرة الخيرة قبل العودة إلى البيت ‪ ,‬وجد أنه فقد صنارته دون حأتى أن يعلما‬
‫متى أسقطها ‪ .‬أخذ الن يشعر بقلق كبير ‪ ,‬لنه يعلما أن أخاه سيغضب لضياعا صنارته‪,‬فهي‬

‫‪80‬‬
‫صنارته الوحأيدة ‪ ,‬التي يعتبرها أثمن من كل ما عداها ‪ .‬شرعا الصياد السعيد الن بالعمل بالبحأثا‬
‫بين الصخور و على الرمل عن الصنارة المفقودة ‪,‬و فيما كان يبحأثا ذهابا و إيابا ‪ ,‬و صل إلى‬
‫المكان أخوه ‪ ,‬صياد البحأر الماهر‪ .‬كان قد فشل في أن يجد أية طريدة أثناء الصيد في ذلك اليوما ‪,‬و‬
‫لما يكن في حأالة مزاجية سيئة فقط‪ ,‬بل بدا مغتاظ ا بصورة مخيفة ‪ .‬حأين رأى الصياد السعيد يبحأثا‬
‫حأوله على الشاطئ أدرك أن خطأ ما ل بد قد حأدثا ‪ ,‬لذا قال على الفور ‪:‬‬
‫" ماذا تفعل ‪ ,‬يا أخي ؟ "‬
‫تقدما الصياد السعيد بخوف ‪ ,‬لنه كان يخشى غضب أخيه ‪ ,‬ثما قال ‪:‬‬
‫" أوه ‪ ,‬يا أخي ‪ ,‬لقد أسأت التصرف حأقا ‪" .‬‬
‫سأل الخ الكبر بنفاد صبر " ما المر ؟ ـ ماذا فعلت ؟ "‬
‫لقد أضعت صنارة صيدك الثمينة "‬
‫أوقفه أخوه بينما كان ما يزال يتكلما ‪ ,‬و صاح بعنف ‪:‬‬
‫ت خطتك‬
‫" أضعت صنارتي ! هذا بالضبط ما توقعته ‪ .‬لذا ‪ ,‬كنت في الحأقيقة حأين اقترحأ ق‬
‫ت و سمحأت لك أن تفعل كما‬
‫ت راغبا في ذلك بقوة بحأيثا تنازل ك‬
‫لنتبادل مهنتينا ضد ذلك ‪ ,‬لكنك بدو ق‬
‫رغبت ‪.‬‬
‫ت التصرف ‪ .‬لن أعيقد‬ ‫إن خطأ تجريبنا لمهمتين غير مألوفتين ظهر بعد وقت قصير ! و قد أسأ ق‬
‫إليك قوسك و سهمك حأتى تجد صنارتي ‪ . .‬ابحأثا عنها كي تجدها و تعيدها بسرعة ‪" .‬‬
‫شعر الصياد السعيد أنه ملوما على كل ما جرى ‪ ,‬فتحأمل توبيخ أخيه الهازئ بتواضع و‬
‫صبر ‪ .‬بحأثا باجتهاد كبير في كل مكان عن الصنارة ‪ ,‬لكنها لما توجد في أي مكان ‪ .‬اضطر أخي ار‬
‫للتخلي عن كل أمل في إيجادها ‪ .‬ثما ذهب إلى البيت ‪ ,‬و كيسر بيأ ل‬
‫س سيقفه الحأبيب إلى قطع و‬
‫صنع منه خمسمائة صنارة ‪.‬‬

‫أخذها إلى أخيه الغاضب و قدمها إليه ‪ ,‬سائلا إياه العفو ‪ ,‬و راجي ا له أن يقبلها عوض ا‬
‫عن الصنارة التي أضاعها له ‪ .‬لما يكن لذلك من فائدة ؛ً إذ لما يشأ أخوه أن يصغي إليه‪ ,‬فضلا أن‬
‫يعطيه سؤله ‪.‬‬
‫عندئذ صنع خمسمائة صنارة أخرى ‪ ,‬و مجددا أخذها إلى أخيه ‪ ,‬متوسلا إليه أن يعذره‪.‬‬
‫قال صياد البحأر الماهر ‪ ,‬ها از رأسه ‪ " ,‬حأتى لو صنعت مليون صنارة ‪ ,‬فل فائدة منها‬
‫بالنسبة لي فأنا ل أستطيع أن أغفر لك ما لما تعد إلى صنارتي ‪".‬‬
‫ل شيء كان يمكن أن يهدئ غضب صياد البحأر الماهر ‪ ,‬لنه كان ذا طبع سيء ‪ ,‬و‬
‫يكره أخاه دائما لمزاياه ‪ ,‬و الن و بوجود مبرر فقدان صنارة الصيد فقد خطط لقتله و اغتصاب‬
‫مقامه كحأاكما لليابان ‪ .‬كان الصياد السعيد يعرف كل هذا جيدا ‪ ,‬لكنه لما يستطع أن يقول أي شيء ‪,‬‬

‫‪81‬‬
‫لنه الصغر فهو يدين لخيه الكبر بالطاعة ؛ً لذا عاد إلى لشاطئ و بدأ مرة أخرى بالبحأثا عن‬
‫الصنارة المفقودة ‪ .‬كان يائسا كثي ار ‪ ,‬لنه فقد كل أمل في إيجاد صنارة أخيه الن ‪ .‬وفيما وقف على‬
‫الشاطئ ‪ ,‬غارقا في الحأيرة و متسائلا ماذا عليه أن يفعل بعد ذلك ‪ ,‬ظهر فجأة رجل عجوز حأاملا‬
‫بيده عصا ‪.‬‬
‫تذكر الصياد السعيد بعدئذ أنه لما ير من أين جاء الرجل العجوز ‪ ,‬و ل هو عرف كيف‬
‫وجد هناك ـ لقد تصادف أنه التفت و رأى الرجل العجوز قادم ا نحأوه ‪.‬‬
‫سأل الرجل العجوز ‪:‬‬
‫" أنت هوهوديمي ‪ ,‬صاحأب الجللة الذي يدعى أحأيانا الصياد السعيد ‪ ,‬أليس كذلك ؟‬
‫ما الذي تفعله وحأدك في مثل هذا المكان ؟ "‬
‫أجاب الشاب التعيس ‪:‬‬
‫" نعما ‪ ,‬أنا هو ‪ ,‬لسوء الحأظ ‪ ,‬أضعت صنارة أخي الثمينة بينما كنت أصيد السمك‪.‬‬
‫بحأثت في كل أرجاء هذا الشاطئ ‪ ,‬لكن واحأسر تاه ! لما أستطيع أن أجدها ‪ ,‬و أنا منزعج كثي ار ‪,‬‬
‫لن أخي لن يسامحأني حأتى أعيدها إليه ‪ .‬ولكن من أنت ؟ "‬
‫" اسمي شيوزوتشينو أوكينا ‪ ,‬و أنا أعيش في الجوار على هذا الشاطئ ‪ .‬أنا آسف‬
‫لسماعا هذه المصيبة التي حألت بك ‪ .‬ل بد أنك قلق حأق ا ‪ .‬لكن إذا أخبرتك بما أفكر ‪ ,‬الصنارة ليست‬
‫في أي مكان هنا ـ إنها إما في قاعا البحأر أو في جسما سمكة ما ابتلعتها ‪ ,‬و لهذا السبب ‪ ,‬لو أنفقت‬
‫عمرك في البحأثا عنها هنا ‪ ,‬فإنك لن تجدها أبدا ‪" .‬‬
‫سأل الرجل المحأزون ‪ " :‬فما الذي أستطيع أن أفعله ؟ "‬
‫" من الفضل لك أن تنزل إلى رين غو و تخبر رين جين ‪ ,‬التنين ملك البحأر‪ ,‬عن‬
‫مشكلتك و تسأله أن يجد لك الصنارة ‪ .‬أعتقد أنها ستكون أفضل طريقة ‪" .‬‬
‫قال الصياد السعيد ‪ " :‬فكرتك رائعة ‪ ,‬لكنني أخشى أنني ل أستطيع الوصول إلى عالما‬
‫ملك البحأر ‪ ,‬فأنا أسمع دائماق أنه يقبع في قاعا البحأر ‪".‬‬
‫قال الرجل العجوز ‪ " :‬أوه ‪ ,‬لن تكون هناك صعوبة بشأن وصولك إلى هناك ‪ ,‬فأنا‬
‫أستطيع حأالا أن أصنع لك شيئ ا تمتطيه خلل البحأر ‪" .‬‬
‫قال الصياد السعيد ‪ " :‬شك ار لك ‪ ,‬سأكون ممتن ا لك لو تفضلت وفعلت ! "‬
‫شرعا الرجل العجوز فو ار بالعمل ‪ ,‬و على الفور صنع سلة و قدمها للصياد السعيد ‪.‬‬
‫تسلمها ببهجة ‪ ,‬و ذهب بها إلى الماء ‪ ,‬و امتطاها ‪ ,‬و استعد للنطلق ‪ .‬حأليا الرجل‬
‫العجوز اللطيف الذي ساعده كثي ار مودعا ‪ ,‬و أخبره أنه سيكافئه بالتأكيد حأالما يجد صنارته و‬
‫يستطيع أن يعود إلى اليابان دون أن يخشى غضب أخيه ‪ .‬أشار الرجل العجوز إلى الجهة التي‬

‫‪82‬‬
‫عليه أن يسلكها ‪ ,‬و أخبره كيف يصل إلى عالما رين غو ‪ ,‬و راقبه وهو يخرج إلى البحأر ممتطي ا‬
‫السلة‪ ,‬التي تشبه زورقا صغي ار ‪.‬‬
‫أسرعا الصياد السعيد بأقصى ما يمكنه ‪ ,‬ممتطيا السلة التي أعطاه إياها صديقه ‪ .‬بدا‬
‫زورقه يمضي خلل الماء طواعية ‪ ,‬و كانت المسافة أقصر بكثير مما توقع ‪ ,‬لنه استطاعا خلل‬
‫ف قصتر الملك ‪ .‬و لكما كان مكان ا كبي ار ‪ ,‬بأسطحأته المنحأدرة التي‬
‫بضع ساعات أن يلمح بوابةق و سق ق‬
‫ل تحأصى و جملوناته ‪ ,‬و بواباته ‪ ,‬و جدرانه الحأجرية الرمادية ! ترجل في الحأال‪ ,‬و صعد البوابة‬
‫الكبيرة‪ ،‬تاركا سلته على الشاطئ‪ .‬كانت أعمدة البوابة مصنوعة من المرجان الحأمر الجميل ‪,‬‬
‫والبوابة نفسها محألة بحأجارة كريمة من كل نوعا ‪ .‬كانت تظلله أشجار كاتسو ار كبيرة ‪ .‬كثي ار ما سمع‬
‫بطلنا بعجائب قصر ملك البحأر تحأت البحأر‪ ,‬لكن كل الحأكايات التي سمعها قصرت عن الحأقيقة‬
‫التي رآها الن لول مرة ‪.‬‬
‫ود الصياد السعيد أن يدخل البوابة في ذلك الزمان و المكان ‪ ,‬لكنه رأى أنها كانت مغلقة‬
‫بإحأكاما ‪ ,‬و أنه ل يوجد أيضا أحأد في الجوار يمكن أن يسأله أن يفتحأها له ‪ ,‬لذا وقف كي يفكر بما‬
‫سيفعل ‪ .‬لحأظ في ظل الشجار أماما البوابة بئ ار مليئة بماء عين عذبة ‪ .‬فكر ‪ ,‬من المؤكد أن أحأدا‬
‫ما سيخرج لينزح ماء من البئر في وقت ما ‪ .‬ثما تسلق إلى الشجرة المتدلية فوق البئر ‪ ,‬و جلس‬
‫ليرتاح على أحأد الغصان ‪ ,‬و انتظر ما يمكن أن يحأدثا ‪ .‬قبل مضي وقت طويل رأى البوابة‬
‫العظيمة تفتح ‪ ,‬و تخرج امرأتان جميلتان ‪ .‬كان الميكوتو ) صاحأب الجللة ( يسمع دائم ا أن رين‬
‫غو هو عالما الملك التنين تحأت البحأر ‪ ,‬و يفترض بشكل طبيعي أن المكان مسكون بالتنانين و‬
‫الكائنات المخيفة الخرى ‪ ,‬لذا فإنه حأين رأى هاتين الميرتين الجميلتين ‪ ,‬اللتين يندر جمالهما حأتى‬
‫في العالما الذي قد أتى منه للتو ‪ ,‬دهش بشكل كبير ‪ ,‬و تساءل ماذا يمكن أن يعني هذا ‪.‬‬
‫على أي حأال‪ ،‬لما ينبس ببنت شفة ‪ ,‬لكنه حأملق فيهن من خلل أوراق الشجار‪ ,‬منتظ ار أن‬
‫يرى ما ستفعلن ‪ .‬رأى أنهما تحأملن بأيديهما تدلاء ذهبيةا ‪ .‬اقتربتا من البئر ببطء ورلقة بثيابهما‬
‫المتدلية على الرض ‪ ,‬ووقفتا في ظل أشجار الكاتسو ار ‪ ,‬و كانتا على وشك أن تنزحأا الماء ‪ ,‬غير‬
‫عالمتين إطلقا بالغريب الذي كان يراقبهما ‪ ,‬ذلك أن الصياد السعيد كان مختفيا تماما بين أغصان‬
‫الشجرة حأيثا وضع نفسه ‪.‬‬
‫وفيما انحأنت السيدتان فوق جانب البئر لتدليا دلويهما الذهبيين ‪ ,‬المر الذي كانتا‬
‫تفعلنه كل يوما من أياما السنة ‪ ,‬رأتا وجه شاب وسيما منعكس ا في الماء العميق الساكن يحأدق بهما‬
‫من بين أغصان الشجرة التي كانتا تقفان في ظلها ‪ .‬إنهما لما تريا من قبل وجه مخلوق بشري أبدا ؛ً‬
‫خافتا ‪ ,‬و ارتدتا إلى الوراء بسرعة و دلؤهما الذهبية في أيديهما ‪ .‬على أي حأال‪ ,‬بعد قليل أمدهما‬
‫فضولهما بالجرأة ‪ ,‬و نظرتا بسرعة و بخوف إلى العلى لتريا سبب النعكاس غير المألوف ‪ ,‬و‬

‫‪83‬‬
‫حأينئذ رأتا الصياد السعيد جالس ا على الشجرة ناظ ار إليهما بدهشة إواعجاب ‪ .‬حأدقتا فيه وجه ا لوجه ‪,‬‬
‫لكن لسانيهما كانا ساكنين من الدهشة و لما تستطيعا أن تجدا كلمة تقولنها له ‪.‬‬
‫حأين رأى الميكوتو أن أمره قد اكتشف ‪ ,‬قفز برشاقة من الشجرة و قال ‪:‬‬

‫" أنا مسافر ‪ ,‬و بما أنني عطشان حأضرت إلى البئر على أمل إرواء عطشي ‪ ,‬لكنني لما‬
‫أستطع أن أجد دلوا أستطيع أن أنزح الماء به‪ .‬لذا فقد تسلقت الشجرة ‪ ,‬وأنا منزعج جدا ‪ ,‬و انتظرت‬
‫أن يأتي أحأدهما ‪ .‬في تلك اللحأظة بالضبط ‪ ,‬وفيما كنت أنتظر بعطش و بنفاد صبر ‪ ,‬ظهرتما أيتها‬
‫السيدتان النبيلتان ‪ ,‬كما لو أنه تلبية لحأاجتي الشديدة ‪ .‬لذا أرجوكما أن تعطينني من فضلكما بعض‬
‫الماء لشرب ‪ ,‬فأنا مسافر عطشان في أرض غريبة ‪" .‬‬
‫تغلبت مهابته و لطفه على خوفها ‪ ,‬و اقتربت كلتاهما وقد انحأنتا بصمت مرة ثانية من‬
‫البئر ‪ ,‬و نزحأتا بعض الماء مدليتان دلويهما الذهبيين و صبتاه في كأس مرصع بالجواهر ثما قدمتاه‬
‫للغريب ‪.‬‬
‫تسلمه منهما بكلتا يديه ‪ ,‬رافعا إياه إلى مستوى جبهته علمة على الحأتراما الرفيع و‬
‫السعادة ‪ ,‬ثما شرب الماء بسرعة ‪ ,‬لن عطشه كان شديدا ‪ .‬حأين أنهى جرعته الطويلة و ضع الكأس‬
‫على حأافة البئر ‪ ,‬و مجردا سيفه القصير قطع واحأدة من الجواهر المنحأنية الغريبة )ماغاتاما( ‪,‬‬
‫للعقد المعلق حأول عنقه و المتدلي فوق صدره ‪ .‬وضع الجوهرة في الكأس و أعاده إليهما ‪ ,‬و قال ‪,‬‬
‫منحأني ا بعمق ‪:‬‬
‫" هذه تذكار لشكري !"‬
‫أخذت السيدتان الكأس ‪ ,‬و هما تنظران إلى داخله لتريا ما وضع فيه ـ لنهما لما تعرفا بعد‬
‫ماذا كانت ـ أجفلتا من الدهشة ‪ ,‬لن جوهرة جميلة رقدت هناك في قعر الكأس ‪.‬‬
‫ليس ثمة مخلوق عادي يمكن أن يتخلى عن جوهرة بهذه السهولة الزائدة ‪.‬‬
‫قالت الفتاة الكبرى ‪ " :‬ألن تشرفنا بإخبارنا من أنت ؟ "‬
‫قال الصياد السعيد ‪ " :‬بالتأكيد ‪ ,‬أنا هوهوديمي ‪ ,‬الميكوتو الرابع ‪ ,‬أدعى أيضا في‬
‫اليابان ‪ ,‬الصياد السعيد ‪" .‬‬
‫سألت الفتاة التي تكلمت أولا ‪ " :‬أأنت حأق ا هوهوديمي ‪ ,‬حأفيد أماتيراسو ‪ ,‬إلهة الشمس؟"‬
‫أنا البنة الكبرى لرين جين ‪ ,‬ملك البحأر ‪ ,‬و اسمي الميرة تايوتاما ‪" .‬‬
‫قالت العذراء الصغر ‪ ,‬التي وجدت لسانها أخي ار ‪ " :‬و أنا أختها ‪ ,‬الميرة تاما يوري‪".‬‬
‫قال الصياد السعيد ‪ " :‬هل أنتما حأقا بنتا رين ‪ ,‬ملك البحأر ؟ ل أستطيع أن أخبركما كما‬
‫أنا سعيد بمقابلتكما ‪ " ,‬و تابع دون أن ينتظر جوابا منهما ‪:‬‬

‫‪84‬‬
‫" ذات يوما ذهبت للصيد بصنارة أخي و أسقطتها ‪ ,‬كيف ‪ ,‬أنا متأكد أنني لن أستطيع أن‬
‫أقول ‪.‬‬
‫وبما أن أخي يجل صنارة صيده أكثر من كل ممتلكاته الخرى ‪ ,‬فإن هذه أعظما نكبة يمكن أن تحأل‬
‫بي ‪.‬‬
‫وما لما أعثر عليها مجددا فلن أفوز بعفو أخي ‪ , ,‬لنه غاضب مما فعلت ‪.‬‬
‫بحأثت عنها مرات ‪ ,‬و مرات عديدة ‪ ,‬لكنني ل أستطيع أن أجدها ‪ ,‬لذا فأنا منزعج كثي ار ‪.‬‬
‫وبينما كنت أبحأثا عن الصنارة ‪ ,‬في غلما كبير ‪ ,‬قابلت رجلا عجو از حأكيما ا ‪ ,‬و أعلمني بأن أفضل‬
‫شيء أستطيع فعله هو أن آتي إلى رين غو ‪ ,‬و إلى رين جين ‪ ,‬التنين ملك البحأر ؟‪ ,‬و أطلب منه‬
‫أن يساعدني ‪ .‬و دلني هذا الرجل العجوز اللطيف كيف آتي ‪ .‬الن أنتما تعرفان كيف ولماذا أنا هنا‬
‫‪.‬‬
‫أريد أن أسأل رين جين ما إذا كان يعرف أين هي الصنارة المفقودة ‪ .‬سأل الصياد السعيد بلهفة ‪:‬‬
‫" هل تتفضل بأخذي إلى أبيكما ؟ و هل تعتقدان أنه سيراني ؟‬
‫أصغت الميرة تايوتاما إلى كل هذه القصة الطويلة ‪ ,‬ثما قالت ‪:‬‬
‫" أن ترى والدي ليس أم ار سهلا فقط ‪ ,‬بل سيكون مسرو ار جدا لمقابلتك ‪ .‬أنا واثقة من أنه‬
‫سيقول إن الحأظ السعيد قد حأالفه ‪ ,‬بأن رجلا عظيم ا ‪ ,‬نبيلا مثلك ‪ ,‬هو حأفيد أماتيراسو‪ ,‬ينزل إلى‬
‫قاعا البحأر ‪".‬‬
‫ثما قالت‪ ,‬ملتفتة نحأو أختها الصغرى ‪:‬‬
‫" أل تعتقدين ذلك ‪ ,‬يا تاما يوري ؟ "‬
‫أجابت الميرة تاما يوري ‪ ,‬بصوتها الحألو ‪ " :‬أجل ‪ ,‬حأق ا ‪ ,‬كما تقولين ‪ ,‬نحأن ل يمكن أن‬
‫ننال شرف ا أعظما من الترحأيب بالميكوتو في بيتنا ‪" .‬‬
‫قال الصياد السعيد ‪ " :‬إذن أسألكما أن تتفضل بأن تقوداني إلى الطريق ‪" ,‬‬
‫قالت الختان معا ‪ " :‬تفضل بالدخول ‪ ,‬أيها الميكوتو ) ذو الجللة ( ‪ " ,‬و قادتاه‪ ،‬وهما‬
‫تنحأنيان‪ ،‬خلل البوابة ‪.‬‬
‫تركت الميرة الصغر أختها لتتولى رعاية الصياد السعيد ‪ ,‬منطلقة أسرعا منهما ‪ ,‬فوصلت‬
‫قصر ملك البحأر أولا ‪ ,‬راكضة بسرعة نحأو غرفة والدها ‪ ,‬و أخبرته بكل ما جرى لهما عند البوابة ‪,‬‬
‫و أن أختها كتحأضر ذا الجللة إليه ‪ .‬كان ملك البحأر التنين مندهش ا جدا للنباء لنها كانت استثناء‬
‫نادر ‪ ,‬ربما مرة خلل عدة مئات من السنين ‪ ,‬أن تتما زيارة قصر ملك البحأر من قبل البشر ‪.‬‬
‫صيفق رين جين على الفور و استدعى كل رجال حأاشيته و خدما القصر ‪ ,‬و رئيس سمك‬
‫البحأر مع ا ‪ ,‬و أخبرهما بوقار أن حأفيد إلهة الشمس ‪ , ,‬أماتيراسو ‪ ,‬قادما إلى القصر ‪ ,‬و أنهما يجب‬

‫‪85‬‬
‫أن يكونوا رسميين و مهذبين للغاية في معاملة الزائر الجليل ‪ ,‬ثما أمرهما جميع ا بالتوجه إلى مدخل‬
‫القصر ليرحأبوا بالصياد السعيد ‪.‬‬
‫ثما لبس رين جين ثياب التشريفات ‪ ,‬و خرج للترحأيب به ‪.‬خلل بضع لحأظات وصلت الميرة‬
‫تايوتاما و الصياد السعيد إلى المدخل ‪ ,‬و انحأنى ملك البحأر و زوجته و شكراه على الشرف الذي‬
‫أوله لهما بالمجيء لرؤيتهما ثما قاد ملك البحأر الصياد إلى غرفة الضيوف‪ ,‬انحأنى باحأتراما أمامه ‪,‬‬
‫واضع ا إياه في أعلى المقعد‪ ،‬و قال ‪:‬‬
‫" أنا رين جين ‪ ,‬التنين ملك البحأر ‪ ,‬و هذه زوجتي ‪ .‬تفضل بتذكرنا إلى البد ! "‬
‫أجاب الصياد السعيد ‪ ,‬محأييا مضيفه بصورة رسمية ‪ " :‬أأنت حأقا رين جين ‪ ,‬ملك البحأر ‪,‬‬
‫الذي سمعت عنه كثي ار ؟ علي أن أعتذر عن كل الرباك الذي سببته لكما بزيارتي غير المتوقعة‪".‬‬
‫و انحأنى ثانية ‪ ,‬و شكر ملك البحأر ‪.‬‬
‫قال رين جين ‪ " :‬ل حأاجة لن تشكرني ‪ ,‬فأنا من يجب أن يشكرك على القدوما ‪ .‬بالرغما من أن‬
‫قصر البحأر قصر متواضع ‪ ,‬كما ترى ‪ ,‬فسأحأظى بالشرف الرفيع إذا كنت ستزورني زيارة طويلة ‪" .‬‬
‫جرى سرور كبير بين ملك البحأر و الصياد السعيد ‪ ,‬و جلسا و تحأدثا لوقت طويل ‪.‬‬
‫أخي ار صفق ملك البحأر بيديه ‪ ,‬و عندئذ ظهرت حأاشية كبيرة من السماك ‪ ,‬كلها مكسوة بثياب‬
‫التشريفات ‪ ,‬وتحأمل بزعانفها صحأاف ا مختلفة قدمت فيها كل أصناف أطعمة البحأر الشهية ‪ .‬مدت‬
‫الن وليمة عظيمة أماما الملك و ضيفه الملكي ‪ .‬اختيرت كل السماك التي في الخدمة من أجمل‬
‫السماك ‪ ,‬لذا يمكنك أن تتخيل كما كان مدهشا ترتيب مخلوقات البحأر التي قامت على خدمة‬
‫الصياد السعيد ذلك اليوما ‪.‬‬
‫حأاول كل من في القصر أن يقدما أفضل ما عنده كي يدخل السرور إلى نفسه و يريه أنه ضيف‬
‫محأترما جدا ‪ .‬خلل الوجبة الطويلة ‪ ,‬التي استمرت لساعات ‪ ,‬أمر رين جين بناته أن يعزفن شيئ ا‬
‫من الموسيقى ‪,‬و دخلت الميرتان و عزفتا على الكوتو ) القيثارة اليابانية ( ‪ ,‬و غنتا و رقصتا‬
‫بالدور ‪ .‬مضى الوقت بسرور كبير بحأيثا بدا كأن الصياد السعيد قد نسي مشكلته و لماذا أتى‬
‫أصلا إلى عالما ملك البحأر‪ ,‬و أطلق العنان لنفسه للتمتع بهذا المكان العجيب ‪ ,‬أرض السماك‬
‫الجنية ! من سمع قط بمثل هذا المكان الرائع ؟ لكن الميكوتو تذكر بعد وقت قصير ما الذي أتى به‬
‫إلى رين غو ‪ ,‬فقال لمضيفه ‪:‬‬
‫لعل ابنتاك قد أخبرتاك ‪ ,‬أيها الملك رين جين ‪ ,‬أنني أتيت إلى هنا في محأاولة لسترداد استرداد‬
‫صنارة أخي ‪ ,‬التي فقدتها بينما كنت أصطاد السمك ذات يوما ‪ .‬فهل لي أن أسألك أن تتفضل بسؤال‬
‫كل رعاياك إن كان أحأدهما قد رأى صنارة صيد ضائعة في البحأر ؟ "‬
‫قال ملك البحأر الكريما ‪ " :‬بالتأكيد سأستدعيهما جميع ا إلى هنا و أسألهما ‪".‬‬

‫‪86‬‬
‫حأالما أصدر أمره ‪ ,‬دخل الخطبوط ‪ ,‬و الحأبار ‪ ,‬و سمكة التن ‪ ,‬و سمكة ذيل الثور ‪,‬و سمكة‬
‫النقليس ‪ ,‬و سمكة رئة البحأر ‪ ,‬و القريدس ‪,‬و سمكة البليس ‪ ,‬و أسماك عديدة أخرى من كل‬
‫النواعا وجلست أماما ملكها رين جين ‪ ,‬و رتبت نفسها وزعانفها بنظاما ‪ .‬ثما قال ملك البحأر بوقار ‪:‬‬
‫" إن ضيفنا الجالس أمامكما جميع ا هو ذو الجللة حأفيد أماتيراسو ‪ .‬اسمه هوهوديمي ‪ ,‬ذو‬
‫الجللة الرابع ‪ ,‬و هو يدعى أيض ا صياد الجبال السعيد ‪ .‬بينما كان يصيد السمك ذات يوما على‬
‫شاطئ اليابان ‪ ,‬سرق منه أحأدهما صنارة أخيه ‪ .‬لقد سلك كل هذا الطريق نحأو قاعا البحأر إلى‬
‫مملكتنا لنه يعتقد أن واحأدة منكن أيتها السمكات ربما أخذت منه الصنارة في لعبة مؤذية ‪ .‬إذا فعل‬
‫أي منكما مثل هذا المر فإن عليكما أن تعيدوها فو ار ‪ ,‬أو إذا كان أي منكما يعرف اللص فإن عليكما‬
‫أن تبوحأوا باسمه حأالا و أين هو الن ‪" .‬‬
‫أخذت كل السمكات بالمفاجأة حأين سمعن هذه الكلمات ‪ ,‬و لما يستطعن أن يقلن شيئ ا لبعض الوقت‪.‬‬
‫وجلسن تنظر إحأداهن إلى الخرى و إلى الملك التنين ‪ .‬أخي ار تقدما الحأبار و قال ‪:‬‬
‫" أعتقد أن التاي ) البراميس الحأمراء ( لبد أن تكون هي اللص الذي سرق الصنارة !"‬
‫سأل الملك ‪ " :‬وما هو دليلك "‬
‫منذ مساء المس لما تقدر سمكة البراميس أكل أي شيء ‪,‬و يبدو أنها تعاني من حأنجرة مريضة‬
‫! لهذا السبب أظن أن الصنارة ل بد أن تكون في حأنجرتها ‪ .‬من الفضل أن ترسلوا إليها فو ار !"‬
‫وافقت كل السمكات على هذا ‪ ,‬و قلن ‪:‬‬
‫" إنه غريب بالتأكيد أن سمكة البراميس هي الوحأيدة التي لما تلب دعوتكما ‪ .‬لو ترسلوا إليها و‬
‫تحأققوا في القضية ‪ .‬عندئذ ستظهر براءتنا ‪".‬‬
‫قال ملك البحأر ‪ " :‬أجل ‪ ,‬غريب أن سمكة البراميس لما تأت ‪ ,‬لنها كان يجب أن تكون الولى‬
‫هنا ‪ .‬أرسلوا إليها فو ارا!"‬
‫دون انتظاتر أمتر الملك كان الحأبار قد انطلق نحأو منزل البراميس ‪ ,‬و عاد الن ‪ ,‬محأض ار‬
‫سمكة البراميس معه ‪ .‬تقدمها نحأو الملك ‪.‬‬
‫جلست سمكة البراميس هناك وقد بدت خائفة و مريضة ‪ .‬لبد أنها تتألما ‪ ,‬لن وجهها الحأمر‬
‫عادة كان شاحأب ا ‪ ,‬و كانت عيناها مغلقتين تقريب ا و تبدوان في نصف حأجمهما المعتاد‪.‬‬
‫صرخ ملك البحأر ‪ " :‬أجيبي ‪ ,‬أيتها البراميس ! لتقما لقبما تلبي دعواتي اليوما ؟"‬
‫أجابت سمكة البراميس ‪ " :‬أنا مريضة منذ البارحأة لذا لما أستطع أن آتي ‪".‬‬
‫صاح رين جين بغضب ‪ ":‬ل تقولي كلمة أخرى ! إن مرضك هو عقوبة اللهة على سرقة‬
‫صنارة الميكوتو ‪".‬‬

‫‪87‬‬
‫قالت سمكة البراميس ‪ " :‬إنه لحأق اليقين ‪ ,‬إن الصنارة ما تزال في حأنجرتي ‪ ,‬و كل جهودي‬
‫لستخراجها كانت بل طائل ‪ .‬أنا ل أستطيع أن آكل ‪ ,‬و بالكاد أستطيع أن أتنفس ‪ ,‬و كل لحأظة‬
‫أشعر أنها ستخنقني ‪ ,‬و أحأيانا تسبب لي ألما عظيما ‪ .‬لما أكن أنوي سرقة صنارة الميكوتو ‪.‬‬
‫لقد عضضت بطيش على الطعما الذي رأيته في الماء ‪ ,‬و سقطت الصنارة وانغرست في حأنجرتي‪.‬‬
‫لذا فأنا آمل أ‪ ،‬تعفو عني ‪".‬‬
‫تقدما الحأبار الن ‪ ,‬و قال للملك ‪:‬‬
‫" إن كل ما قالته صحأيسح ‪ .‬فأنتما ترون أن الصنارة ما تزال منغرسة في حأنجرة البراميس‪.‬‬
‫أرجو أن أستطيع استخراجها بحأضور الميكوتو ‪ ,‬و حأينئذ نعيدها إليه بأمان !"‬
‫صاحأت سمكة البراميس بشكل يدعو للشفقة ‪ ,‬لنها شعرت اللما في حأنجرتها تعود ثانية ‪:‬‬
‫" أرجوك أسرعا و انتزعها ! أريد أن أعيد الصنارة للميكوتو ‪".‬‬
‫قال صديقها الحأبار ‪ " :‬حأسن ‪ ,‬يا أبراميس ‪ " ,‬وقد فتح فما البراميس قدر ما تستطيع ووضع‬
‫واحأدا من مجساته في حأنجرة البراميس ‪ ,‬سحأب الصنارة بسرعة و سهولة إلى خارج فما الضحأية‬
‫الكبير ‪ .‬ثما غسلها و أتى بها إلى الملك ‪.‬‬
‫تناول رين جين الصنارة من تابعه ‪ ,‬ثما أعادها باحأتراما إلى الصياد السعيد ) الميكوتو أو ذو‬
‫الجللة‪ ,‬كما تدعوه السماك( ‪ ,‬الذي كسير كثي ار باستعادة صنارته ‪ .‬شكر رين جين عدة مرات ‪,‬‬
‫ووجهه يشع بالمتنان ‪ ,‬و قال إنه يدين بهذه النهاية السعيدة لبحأثه للسلطة الحأكيمة لملك البحأر و‬
‫لطفه ‪.‬‬
‫رغب الن رين جين في أن يعاقب سمكة البراميس ‪ ,‬لكن الصياد السعيد التمس منه أل يفعل‬
‫؛ً بما أن صنارته المفقودة قد استعيدت بهذه الصورة المفرحأة فهو ل يرغب أن يسبب إزعاج ا أكثر‬
‫لسمكة البراميس المسكينة ‪ .‬إنها حأق ا سمكة البراميس من أخذت الصنارة ‪ ,‬لكنها عانت لتوها‬
‫بصورة كافية على غلطتها ‪ ,‬إذا جازت تسميتها بالغلطة ‪ .‬ما جرى قد جرى بطيش و ليس عن قصد‬
‫‪ .‬قال الصياد السعيد إنه يلوما نفسه ؛ً لو أنه فهما كيف يصيد السمك بصورة مناسبة لما فقد صنارته‬
‫أبدا ‪ ,‬و بالتالي فإن كل هذا الزعاج كان سببه في المقاما الول محأاولته أن يفعل شيئا ل يعرف‬
‫كيف يفعله ‪ .‬لذا التمس من ملك البحأر أن يعفو عن رعيته ‪.‬‬
‫من يستطيع أن يقاوما شفاعة قاض حأكيما و شفيق بهذا القدر ؟ عفا رين جين عن رعيته حأالا‬
‫بناء على التماس ضيفه الجليل ‪ .‬كانت سمكة البراميس سعيدة جدا بحأيثا هزت زعانفها من البهجة‬
‫‪ ,‬و خرجت هي و السمكات الخريات من حأضرة ملكهن ‪ ,‬مثنيات على مناقب الصياد السعيد ‪.‬‬
‫الن و قد وجدت الصنارة لما يعد للصياد السعيد من شيء يبقيه في رين غو ‪ ,‬و كان متشوقا‬
‫للعودة إلى مملكته و ليصنع السلما مع أخيه الغاضب صياد السمك الماهر ؛ً لكن ملك البحأر ‪,‬‬
‫الذي اعتاد أن يحأبه و هو يرغب بسرور لو يحأتفظ به كابن ‪ ,‬التمس منه أل يذهب بهذه السرعة‬

‫‪88‬‬
‫الكبيرة ‪ ,‬بل أن يتخذ قصر البحأر بيت ا له ما شاء ‪ .‬بينما كان الصياد السعيد ل يزال يتردد ‪ ,‬جاءت‬
‫الميرتان الجميلتان ‪ ,‬تايو تاما و تاما يوري ‪ ,‬و بأحألى النحأناءات و الصوات انضممن إلى‬
‫والدهن في الضغط عليه للبقاء ‪ ,‬لذا لما يستطع أن يقول لهما " ل" دون أن يبدو فظا ‪ ,‬و اضطر‬
‫للبقاء لبعض الوقت‪.‬‬
‫لما يكن بين عالما البحأر و الرض فرق في مرور الوقت ‪ ,‬ووجد الصياد السعيد أن السنوات‬
‫الثلثا مضت منطلقة بسرعة مبهجة في هذه الرض‪ .‬السنون تمر برشاقة حأين يكون المرء سعيدا‬
‫فعلا ‪.‬‬
‫لكن و رغما أن عجائب تلك الرض المسحأورة كانت تبدو جديدة كل يوما ‪ ,‬و رغما أن لطف ملك‬
‫البحأر بدا أنه يزداد كثي ار بدل أن يقل مع مرور الوقت فإن الصياد السعيد صار مشتاق ا أكثر فأكثر‬
‫لوطنه بينما تمر الياما ‪ ,‬و لما يستطع أن يكبح قلقه لمعرفة ما حأيل ببيته و وطنه و أخيه بينما كان‬
‫هو بعيداا‪.‬‬
‫لذا مضى أخي ار إلى ملك البحأر و قال ‪:‬‬
‫" إن بقائي معكما هنا كان سعيدا إلى أبعد حأد و أنا ممتن لكما على كل لطفكما معي ‪ ,‬لكنني‬
‫أحأكما اليابان‪ ,‬وهي فاتنة كهذا المكان ‪ ,‬ل أستطيع أن أتغيب عن بلدي إلى البد ‪ .‬كما أن علي أن‬
‫أعيد صنارة الصيد لخي و أسأله مغفرته على حأرمانه منها كل هذا الوقت ‪ .‬إنني حأزين كثي ار حأق ا‬
‫لمفارقتكما ‪ ,‬لكن هذه المرة ل بد من ذلك ‪ .‬بإذنكما الكريما ‪ ,‬سأستأذن بالنصراف اليوما ‪.‬‬
‫آمل أن أزوركما مرة أخرى يوما ما ‪ .‬أرجوك تخقل عن فكرة بقائي هنا فترة أطول الن ‪".‬‬
‫ضعف رين جين بسبب الحأزن لفكرة أنه يجب أن يفقد صديقه الذي أحأدثا تحأولا عظيما في‬
‫قصر البحأر ‪ ,‬و انهمرت دموعه سريع ا بينما كان يجيب ‪:‬‬
‫" إننا حأق ا حأزانى كثي ار على فراقك ‪ ,‬أيها الميكوتو ‪ ,‬لننا استمتعنا ببقائك معنا كثي ار جدا ‪ .‬لقد‬
‫كنت ضيف ا نبيلا و نحأن رحأبنا بك بحأب ‪ .‬أفهما تمام ا بما أنك تحأكما اليابان فإن عليك أن تكون هناك‬
‫و ليس هنا ‪ ,‬و أنه من العبثا أن نحأاول أن نبقيك معنا أكثر ‪ ,‬بالقدر الذي نحأبك أن تمكثا ‪ .‬آمل‬
‫أل تنسانا ‪ .‬إن الظروف الغريبة جمعتنا و أرجو أن تبقى الصداقة التي بدأت هكذا بين الرض و‬
‫البحأر و تتوطد أكثر من ذي قبل ‪.‬‬
‫حأين أنهى الملك الكلما التفت إلى ابنتيه و رجاهما أن يحأض ار له جوهرتي مد البحأر و جزره‬
‫‪.‬‬
‫انحأنت الميرتان ‪ ,‬نهضتا و انسلتا ‘إلى خارج القاعة ‪ .‬عادتا خلل بضع دقائق ‪ ,‬تحأمل كل واحأدة‬
‫منهما بيديها جوهرة لمعة تمل الغرفة نو ار ‪ .‬حأين نظر الصياد السعيد إليهما تساءل ماذا عساهما‬
‫أن تكونا ‪.‬‬
‫تناولهما ملك البحأر من ابنتيه و قال لضيفه ‪:‬‬

‫‪89‬‬
‫" هذان الطلسمان القيمان ورثناهما عن أسلفنا منذ زمن موغل في القدما ‪ .‬نحأن الن نمنحأك‬
‫إياهما هدية وداعا كذكرى لحأبنا العظيما لك ‪ .‬هاتان الجوهرتان تدعيان النانجيو و الكانجيو ‪".‬‬
‫انحأنى الصياد السعيد نحأو الرض و قال ‪:‬‬
‫" لن أستطيع أن أشكركما بما يكافئ لطفكما معي ‪ .‬و الن هل لكما أن تضيفوا معروف ا آخر إلى‬
‫كل ما سبق و تخبروني ما هاتان الجوهرتان و ماذا علي أن أفعل بهما ؟"‬
‫أجاب ملك البحأر ‪ ":‬النانجيو ‪ ,‬تدعى أيض ا جوهرة تيار الطوفان ‪ ,‬و كل من يحأوز عليها‬
‫يستطيع أن يأمر البحأر أن يتدفق و يغمر الرض في أي وقت يشاء ‪ .‬الكانجيو تدعى أيضا جوهرة‬
‫تيار النحأسار ‪ ,‬و هذه الجوهرة تتحأكما بالبحأر و أمواجه ‪ ,‬وتتسبب حأتى بتراجع الموجة المدية ‪".‬‬
‫ثما عيلما رين جين صديقه كيفية استعمال الطلسمين واحأدا واحأدا و سلمهما إليه ‪.‬‬
‫كسير الصياد السعيد كثي ار بامتلك هاتين الجوهرتين العجيبتين ‪ ,‬جوهرة تيار الطوفان و جوهرة تيار‬
‫النحأسار ‪ ,‬ليعود بهما ‪ ,‬لنه شعر أنهما سوف تحأفظانه عند الخطر من العداء في أي حأين‪.‬‬
‫بعد شكر مضيفه اللطيف م ار ار و تك ار ار ‪ ,‬استعد للمغادرة ‪ .‬خرج ملك البحأر و الميرتان ‪ ,‬تايوتاما و‬
‫ت آختر وداعا مر الصياد‬‫تامايوري ‪ ,‬و كل نزلء القصر ‪ ,‬ليقولوا " وداعاا‪ ",‬و قبل أن يتلشى صو ك‬
‫السعيد تحأت البوابة العظيمة ‪ ,‬إلى ما وراء بئر الذكرى السعيدة القابع في ظل أشجار الكاتسو ار‬
‫العظيمة في طريقه نحأو الشاطئ ‪.‬‬
‫وجد عوض ا عن السلة الغريبة التي جاء فيها إلى عالما رين غو‪ ,‬تمساحأ ا كبي ار ينتظره ‪.‬‬
‫لما يشاهد أبدا مثل هذا المخلوق الضخما‪ .‬فطوله ثمانية قامات من رأس ذيله حأتى نهاية فمه الطويل‪.‬‬
‫أمر ملك البحأر هذا المخلوق أن يحأمل الصياد السعيد عائدا إلى اليابان ‪ .‬مثل السلة العجيبة التي‬
‫صنعها شيزوتشينو أوكينا ‪ ,‬كان يستطيع أن يسافر أسرعا من أي مركب بخاري ‪,‬و بهذه الطريقة‬
‫الغريبة ‪ ,‬ممتطي ا ظهر تمساح ‪ ,‬عاد الصياد السعيد إلى أرضه ‪.‬‬
‫حأالما أنزله التمساح ‪ ,‬أسرعا الصياد ليخبر صياد السمك الماهر بعودته سالم ا ‪.‬‬
‫ثما أعاد إليه صنارة الصيد التي عثر عليها في فما البراميس و التي كانت سببا لقدر كبير من‬
‫الزعاج بينهما ‪ .‬رجا أخاه بصدق ليغفر له ‪ ,‬مخب ار له بكل ما جرى له في قصر ملك البحأر و‬
‫بالمغامرات العجيبة التي قادت إلى اكتشاف الصنارة ‪.‬‬
‫كان صياد السمك الماهر قد استعمل الصنارة المفقودة كمبرر لدفع أخيه إلى خارج البلد‪.‬‬
‫حأين غادره أخوه ذلك اليوما منذ ثلثا سنوات مضت ‪,‬و لما يعد ‪ ,‬كان سعيدا كثي ار في قلبه الخبيثا و‬
‫اغتصب منصب أخيه كحأاكما للرض ‪ ,‬و غدا قويا و غنيا ‪ .‬الن وهو في خضما الستمتاعا بما‬
‫ليس له ‪ ,‬آملا أل يعود أخوه ليطالب بحأقوقه ‪ ,‬وقف أمامه الصياد السعيد بصورة مفاجئة‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫تظاهر صياد السمك الماهر بالعفو ‪ ,‬لنه ل يستطيع أن يصنع مزيدا من المبررات لبعاد أخيه‬
‫ثانية ‪ ,‬لكنه كان في قلبه غاضبا جدا و كره أخاه أكثر فأكثر ‪ ,‬حأتى لما يعد يستطيع أخي ار أن يتحأمل‬
‫منظره يوما بعد يوما ‪ ,‬وخطط ليقتله و راح يتحأين الفرصة لذلك ‪.‬‬
‫في أحأد الياما بينما كان الصياد السعيد يمشي في حأقول الرز تبعه أخوه بخنجر ‪.‬‬
‫عرف الصياد السعيد أن أخاه كان يتبعه ليقتله ‪ ,‬و شعر أن عليه الن في ساعة الخطر العظيما هذه‬
‫‪ ,‬أن يستعمل جوهرتي طوفان التيار و انحأساره و ليثبت ما إذا كان ما أخبره به ملك البحأر حأق ا أما ل‬
‫‪.‬‬
‫لذا أخرج جوهرة تيار الطوفان من صدر ثوبه و رفعها إلى جبينه ‪ .‬حأالا جاء البحأر متدفقا فوق‬
‫الحأقول و فوق الم ازرعا موجة فوق إلى أن وصل إلى البقعة التي كان أخوه يقف فيها ‪.‬‬
‫وقف صياد السمك الماهر مذهولا و خائف ا لرؤية ما يجري في دقيقة أخرى كان يناضل في الماء‬
‫و ينادي على أخيه لينقذه من الغرق ‪.‬‬
‫كان قلب الصياد السعيد طيباق و لما يستطع أن يحأتمل منظر بؤس أخيه ‪ .‬أعاد فو ار جوهرة تيار‬
‫الطوفان و أخرج جوهرة تيار النحأسار‪ .‬حأالما رفعها إلى مستوى جبهته تراجع البحأر إلى الوراء ثما‬
‫الوراء ‪ ,‬و قبل أن يمضي وقت طويل اختفت الفيضانات المتدفقة المندفعة ‪ ,‬و ظهرت الم ازرعا و‬
‫الحأقول و الرض الجافة كما كانت من قبل ‪.‬‬
‫كان صياد البحأر الماهر خائف ا من خطر الموت الذي وقف فيه ‪ ,‬و كان متأث ار بقوة الشياء‬
‫العجيبة التي رأى أخاه يفعلها ‪ .‬أدرك الن أنه يرتكب خط ار قاتلا بوقوفه ضد أخيه ‪ ,‬رغما أنه كان‬
‫أصغر منه ‪ ,‬لنه أصبح الن قويا جدا بحأيثا أن البحأر يمكن أن يتدفق و ينحأسر بأمر‪.‬‬
‫لذا تواضع أماما الصياد السعيد و طلب منه أن يسامحأه على كل الغلط الذي ارتكبه بحأقه ووعد‬
‫صياد السمك الماهر أن يعيد لخيه كل حأقوقه و أقسما أيض ا رغما أن الصياد السعيد كان الخ‬
‫الصغر ويدين له بالولء بحأق الولدة ‪ ,‬أنه ‪ ,‬أي صياد السمك الماهر ‪ ,‬سيعلي شأنه كأنه أرفع‬
‫مقاما منه و ينحأني أمامه كسيد لجميع اليابان ‪.‬‬
‫حأينئذ حأكما الصياد السعيد مملكته دون أن كيعكر بنزاعا أسري ‪ ,‬و حأل السلما في اليابان لوقت‬
‫طويل و طويل ‪ .‬كان يجل الجوهرتين العجيبتين لتيار الطوفان و تيار النحأسار اللتين أعطيتا له‬
‫من قبل رين جين ‪ ,‬التنين ملك البحأر ‪ ,‬أكثر من كل الكنوز التي في بيته ‪.‬‬
‫هذه هي النهاية الهانئة للصياد السعيد و لصياد السمك الماهر ‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫قصة الرجل العجوز الذي يجعل الشجار الذابلة تزهر‬
‫في الماضي البعيد ‪ ,‬البعيد عاش رجل عجوز وزوجته كانا يعيلن نفسيهما من العناية‬
‫بقطعة أرض صغيرة ‪ .‬ظلت حأياتهما سعيدة وهادئة فيما خل حأزن كبير ‪ ,‬وسبب هذا الحأزن أنه‬
‫ليس لديهما طفل ‪ .‬كان حأيوانهما المدلل الوحأيد كلب ا يدعى شيرو ‪ ,‬أغدقا عليه كل عاطفة‬
‫شيخوختهما ‪ .‬لقد أحأباه كثي ار جدا حأقا‪ ,‬إلى درجة أنهما كلما وجدا أي شيء طيب للكل فهما‬
‫ضينان به على نفسيهما ليعطياه لشيرو‪ .‬إن معنى كلمة شيرو هو "البيض " ‪,‬و قد سمي كذلك‬ ‫ي ت‬
‫بسبب لونه ‪ .‬فقد كان كلبا يابانيا حأقيقيا ‪ ,‬و يشبه كثي ار ذئبا صغي ار في مظهره ‪.‬‬
‫كانت أسعد ساعة في اليوما بالنسبة للرجل العجوز و كلبه معا حأين يعود الرجل من عمله‬
‫في الحأقل ‪ ,‬و بعد أن ينهي عشاءه الزهيد من الرز و الخضار ‪ ,‬بأن يخرج ما ادخره من الوجبة إلى‬
‫الشرفة الصغيرة التي كانت تحأيط البيت الصغير ‪ .‬كان شيرو طبع ا ‪ ,‬ينتظر سيده و أطعمةق المساء‬
‫الشهية ‪ .‬ثما يقول الرجل العجوز " تشن ‪ ,‬تشن ! " و ينتصب شيرو و يستعطي ‪ ,‬فيعطيه سيده‬
‫الطعاما ‪ .‬في البيت المجاور لهذين الزوجين الطيبين عاش رجل عجوز آخر و زوجته كان كلهما‬
‫شري ار و قاسيا ‪ ,‬و يكرهان جاقربيتهما الطيبين و الكلب شيرو بكل طاقتهما ‪ .‬حأين يحأدثا أن ينظر‬
‫شيرو إلى داخل مطبخهما فإنهما كانا يركلنه حأال و يلقيا عليه شيئ ا ‪ ,‬بل إنهما يجرحأانه أحأياناا‪.‬‬
‫كسمع شيرو في أحأد الياما و هو ينبح لوقت طويل في الحأقل خلف بيت سيده‪ .‬أسرعا الرجل‬
‫العجوز‪ ,‬ليرى ما المر‪ ،‬يحأسب أن بعض الطيور ربما كانت تهاجما الذرة‪ .‬وحأالما رأى شيرو سيده‬
‫جرى لملقاته ‪ ,‬ها از ذيله ‪ ,‬وجره‪ ،‬ممسكا طرف ثوبه‪ ،‬إلى تحأت شجرة ينوكي كبيرة‪ .‬هنا شرعا يحأفر‬
‫بمخالبه بمثابرة ‪ ,‬و هو ينبح بابتهاج طيلة الوقت ‪ .‬ووقف الرجل العجوز ‪ ,‬ينظر بحأيرة‪ ،‬غير قادر‬
‫على فهما ما يعنيه كل هذا‪ .‬لكن شيرو تابع النباح و الحأفر بكل ما أوتي من قوة ‪.‬‬
‫أخي ارا‪ ،‬خطرت في بال الرجل العجوز فكرة أن شيئ ا ما يمكن أن يكون مخبأ تحأت الشجرة ‪,‬‬
‫وأن الكلب شمه‪ .‬ركض عائداق إلى البيت ‪ ,‬أحأضر مجرفته و راح يحأفر الرض في تلك البقعة ‪.‬‬
‫ولكما كانت دهشة كبيرة حأين وصل ‪ ,‬بعد الحأفر لبعض الوقت ‪ ,‬إلى كومة من القطع النقدية القديمة‬
‫الثمينة ‪ ,‬و صار كلما حأفر أعمق كلما وجد مزيدا من القطع النقدية الذهبية ‪ .‬كان الرجل العجوز‬
‫منهمك ا في عمله كثي ار بحأيثا لما ير الوجه الساخط لجاره يحأدق فيه من خلل سياج الخيزران ‪ .‬أخي ار‬
‫وضعت كل القطع النقدية الذهبية على الرض و هي تلمع ‪ .‬جلس شيرو منتصب ا بفخر و ناظ ار‬
‫بولع إلى سيده و كأنه يقول ‪:‬‬
‫" أترى ‪ ,‬فعلى الرغما من أني مجرد كلب ‪ ,‬فإنني أستطيع أن أريد لك شيئا من معروفك الذي تبذله‬
‫نحأوي ‪" .‬‬

‫‪92‬‬
‫دخل الرجل العجوز راكض ا كي ينادي زوجته ‪ ,‬و حأمل الكنز مع ا إلى البيت ‪ .‬هكذا في‬
‫يوما واحأد صار الرجل الفقير غنيا ‪ .‬ولما يعرف امتنانه للكلب المخلص حأدودا ‪ ,‬و أحأبه و دللله أكثر‬
‫من ذي قبل ‪ ,‬لو كان هذا ممكنا ‪.‬‬
‫كان الجار السيئ الطبع ‪ ,‬وقد لفته نباح شيرو ‪ ,‬شاهدا غيو ار غير منظور على اكتشاف‬
‫الكنز ‪ .‬أخذ يفكر أنه يورد ‪ ,‬هو أيض ا ‪ ,‬أن يكتشف ثروة ‪ .‬لذا عرج بعد بضعة أياما على بيت الرجل‬
‫العجوز و استأذن بشكل رسمي في أن يستعير شيرو مدة قصيرة من الزمن‪.‬‬
‫فكر سيد شيرو في أن هذا طلب غريب ‪ ,‬لنه يعرف تماما المعرفة أن جاره ل يكره كلبه‬
‫المدلل فقط‪ ,‬بل إنه لما يكن ليدخر فرصة لضربه و تعذيبه كلما صادفه في طريقه ‪.‬‬
‫لكن الرجل العجوز كان أطيب قلب ا من أن يرفض طلب جاره ‪ ,‬لذا وافق على أن يعيره‬
‫ط أن يعتني به كثي ار ‪.‬‬
‫الكلب شر ق‬
‫عاد الرجل الشرير إلى بيته وعلى وجهه ابتسامة بغيضة ‪ ,‬و أخبر زوجته كيف نجح في‬
‫مساعيه الماكرة ‪ .‬ثما أخذ مجرفته و أسرعا إلى حأقله ‪ ,‬مجب ار شيرو الكاره على أن يتبعه ‪ .‬حأالما‬
‫وصل إلى شجرة ينوكي ‪ ,‬قال للكلب ‪ ,‬مهددا ‪:‬‬
‫" إذا كانت هناك قطع نقدية ذهبية تحأت شجرة سيدك ‪ ,‬فإنه يجب أن تكون هنا قطع‬
‫نقدية ذهبية تحأت شجرتي أيض ا ‪ .‬عليك أن تجدها لي ! أين هي ؟ أين ؟ أين ؟‬
‫و ممسك ا بعنق شيرو وضع رأس الكلب على الرض ‪ ,‬بحأيثا بدأ شيرو ينبش و يحأفر‬
‫ليخلص نفسه من قبضة الرجل البغيض ‪.‬‬
‫كسير الرجل العجوز كثي ار حأين رأى الكلب يبدأ بالنبش و الحأفر ‪ ,‬لنه خيمقن فو ار أن بعض‬
‫القطع النقدية الذهبية ترقد مدفونة تحأت شجرته مثلما تحأت شجرة جاره ‪ ,‬و أن الكلب شمها كذي قبل‬
‫؛ً لذا بدأ يحأفر بنفسه ـ دافع ا شيرو جانب ا ‪ ,‬لكن لما يكن هناك ما كيكتشف‪ .‬فبينما استمر في الحأفر‬
‫لوحأظت رائحأة كريهة ‪ ,‬و أخي ار عثر على كومة من الفضلت ‪.‬‬
‫يمكنك أن تتخيل مقدار اشمئزاز الرجل العجوز الذي سرعان ما حأل محأله الغضب‪ .‬فقد‬
‫رأى ثروة جاره الجيدة ‪ ,‬و استعار الكلب شيرو‪ ،‬مؤملا بنفس الحأظ لنفسه ؛ً و الن ‪ ,‬تماما كما بدا‬
‫في لحأظة اكتشافه لما بحأثا عنه ‪ ,‬كانت مكافأته للحأفر الصباحأي كومة نفاية كريهة الرائحأة فقط‪ .‬و‬
‫بدلا من أن يلوما جشعه على خيبة أمله ‪ ,‬فقد لما الكلب المسكين ‪ .‬أمسك بمجرفته ‪ ,‬و ضرب شيرو‬
‫بكل قوته و قتله في نفس البقعة ‪ .‬ثما رمى جثة الكلب في الحأفرة التي حأفرها على أمل أن يجد كن از‬
‫من القطع الذهبية ‪ ,‬و غطاها بالتراب ‪ .‬ثما عاد إلى بيته ‪ ,‬دون أن كيعلقما أحأداا‪ ,‬و ل حأتى زوجته‪ ,‬بما‬
‫فعل ‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫بعد انتظار بضعة أياما ‪ ,‬و بما أن الكلب شيرو لما يعد ‪ ,‬أخذ صاحأبه يزداد قلق ا ‪ .‬مر يوما‬
‫بعد يوما‪ ،‬وانتظر العجوز الطيب بل طائل‪ .‬ثما ذهب إلى جاره وطلب منه أن يعيد إليه كلبه ‪ .‬ودون‬
‫خجل أو تردد ‪ ,‬أجاب الجار الشرير أنه قد قتل شيرو بسبب سلوكه السيئ ‪ .‬عند هذا النبأ الفظيع‬
‫ذرف صاحأب شيرو دموع ا حأزينة سخية و كملرة ‪ .‬كانت مفاجأته المحأزنة‪ ,‬كبيرة‪ ,‬حأق ا ‪,‬لكنه كان‬
‫أطيب وألطف من أن يوبخ جاره السيئ ‪ .‬طلب من الرجل العجوز أن يعطيه الشجرة ‪ ,‬من أجل‬
‫ذكرى كلبه المسكين‪ ،‬عالم ا أن شيرو قد كدفن تحأت شجرة الينوكي في الحأقل‪.‬‬
‫حأتى الجار العجوز السيئ الطبع لما يستطع أن يرفض مثل هذا الطلب البسيط ‪ ,‬لذا فقد‬
‫طع صاحأب شيرو الشجرة‬ ‫رضي أن يعطي الرجل العجوز الشجرة التي دفن تحأتها شيرو ‪ .‬ثما ق ي‬
‫وحأملها إلى البيت‪ .‬صنع من الجذعا هاون ا ‪ .‬وضعت فيه زوجته بعض الرز ‪ ,‬و شرعا يطحأنه بغية‬
‫إعداد مهرجان لذكرى كلبه شيرو‬
‫حأدثا أمر غريب ! وضعت زوجته الرز في الهاون ‪ ,‬و حأالما بدأ يطحأنه ليصنع الكعك ‪,‬‬
‫أخذ ـ الرز يزداد بالتدريج حأتى صار خمسة أضعاف الكمية الصلية تقريبا ‪ ,‬و أخرجت الكعكات‬
‫من الهاون و كأن يدا خفية كانت تعمل ‪.‬‬
‫حأين رأى الرجل العجوز و زوجته هذا ‪ ,‬أدركا أنها كانت مكافأة من شيرو على حأبهما المخلص له ‪.‬‬
‫تذوقا الكعك فوجداه ألذ من أي طعاما آخر ‪ .‬لذا فإنهما منذ هذا الوقت لما يعودا يقلقان أبدا بشأن‬
‫الطعاما ‪ ,‬لنهما عاشا على الكعك الذي لما يتوقف الهاون عن إمدادهما به ‪.‬‬
‫امتل الجار الجشع بالحأسد و الغيرة كذي قبل ‪ ,‬حأين سمع بهذا الجزء من الحأظ الطيب‪ ,‬و‬
‫زار العجوز و سأله الذن في استعارة الهاون العجيب لمدة قصيرة ‪ ,‬مدعيا أنه ‪ ,‬أيضا ‪ ,‬حأزن لموت‬
‫شيرو‪ ،‬وأنه يريد أن يصنع الكعك لمهرجالن في ذكرى الكلب‪ .‬لما يرغب الرجل العجوز البتة في‬
‫إعارته لجاره القاسي‪ ،‬لكنه كان من اللطف بحأيثا ل يستطيع أن يرفض‪ .‬و هكذا حأمل الرجل‬
‫الحأسود الهاون إلى البيت ‪ ,‬لكنه لما يعده أبدا ‪.‬‬
‫مرت عدة أياما ‪ ,‬و انتظر سيد شيرو عبثا من أجل الهاون ‪ ,‬لذا مضى ليزور المستعير ‪,‬‬
‫و طلب إليه أن يتفضل بإعادة الهاون إذا انتهى منه ‪ .‬و جده جالسا قرب نار عظيمة موقدة من‬
‫قطع الخشب ‪ .‬وضع على الرض ما بدا أنه يشبه كثي ار تق ق‬
‫طقع هاولن محأطلما ‪ .‬في الجابة على‬
‫استفسار الرجل العجوز ‪ ,‬رد الجار الشرير بعجرفة ‪:‬‬
‫" أجئت تسألني عن هاونك ؟ لقد حأطمته إلى قطع ‪ ,‬و أنا الن أوقد نا ار من الخشب ‪,‬‬
‫لنه حأين حأاولت أن أسحأق الرز لصنع الكعك لما كينتتج سوى مادة مقززة فقط ‪" .‬‬
‫قال الرجل العجوز الطيب ‪:‬‬

‫‪94‬‬
‫" أنا آسف لذلك ‪ .‬إنه لشيء يدعو للسف الكبير أنك لما تطلب مني الكعك إن كنت‬
‫تريده‪ .‬كنت سأعطيك منه قدر ما تريد ‪ .‬الن أعطني من فضلك رماد الهاون ‪ ,‬لنني أرغب أن‬
‫أحأتفظ به كذكرى لكلبي ‪" .‬‬
‫وافق الجار فو ار ‪ ,‬وحأمل الرجل العجوز إلى البيت سلة مليئة بالرماد ‪.‬‬
‫بعد وقت قصير من ذلك نثر الرجل العجوز من غير قصد بعض ا من رماد الهاون‬
‫المحأروق على أشجار حأديقته‪ ،‬فحأدثا شيء مدهش !‬
‫كان الوقت متأخ ار في الخريف و كل الشجار طرحأت أوراقها ‪ ,‬لكنها حأالما لمس الرماد‬
‫أغصانها تفتحأت أشجار الكرز ‪ ,‬و أشجار الخوخ و كل الشجيرات المزدهرة بالزهر ‪ ,‬بحأيثا تحأولت‬
‫حأديقة الرجل العجوز فجأة إلى صورة جميلة للربيع ‪ .‬لما يعرف سرور الرجل العجوز حأدا ‪ ,‬و احأتفظ‬
‫بالرماد المتبقي بعناية ‪.‬‬
‫انتشرت قصة حأديقة الرجل العجوز في طول البلد و عرضها ‪ ,‬و جاء الناس من البعيد‬
‫و القريب ليشاهدوا المنظر المدهش ‪.‬‬
‫في أحأد الياما ‪ ,‬بعد وقت قصير من هذا ‪ ,‬سمع الرجل العجوز أحأدهما يقرعا بابه ‪ ,‬وحأين‬
‫ذهب إلى الشرفة ليرى من كان فوجئ برؤية فارس واقف هناك ‪ .‬أخبره هذا الفارس أنه واحأد من‬
‫أتباعا الكونت دايميو العظيما ؛ً و أن واحأدة من شجرات الكرز المفضلة في حأديقة هذا الرجل النبيل‬
‫ذبلت ‪ ,‬و أنه رغما أن كل من في خدمته جربوا بكل الوسائل أن يعيدوا إليها الحأياة ‪ ,‬فلما يفلح أحأد ‪.‬‬
‫كان الفارس مرتبكا كثي ار حأين رأى مقدار الستياء الكبير الذي سببه فقدان شجرة الكرز المفضلة‬
‫للدايميو ‪ .‬عند هذه النقطة ‪ ,‬لحأسن الحأظ ‪ ,‬سمعوا أن هناك رجلا عجو از يستطيع أن يجعل الشجار‬
‫الذابلة تزهر ‪ ,‬و أرسله سيده ليطلب من الرجل العجوز أن يحأضر إليه ‪.‬‬

‫أضاف الفارس ‪ " :‬و سأكون ممتن ا كثي ار جدا إن أتيت في الحأال ‪" .‬‬
‫فوجئ الرجل العجوز الطيب بشدة بما سمع ‪ ,‬لكنه تبع الفارس باحأتراما إلى قصر الرجل‬
‫النبيل ‪.‬‬
‫سأله الدايميو ‪ ,‬الذي كان ينتظر بنفاد صبر قدوما الرجل العجوز ‪ ,‬حأالما رآه ‪:‬‬
‫" هل أنت الرجل العجوز الذي يستطيع أن يجعل الشجار الذابلة تزهر حأتى خارج‬
‫فصل الربيع ؟ "‬
‫انحأنى الرجل العجوز و أجاب ‪:‬‬
‫" أنا ذلك الرجل العجوز ! "‬
‫ثما قال دايميو ‪:‬‬

‫‪95‬‬
‫" عليك أن تجعل شجرة الكرز الميتة تلك في حأديقتي تزهر ثانية بواسطة رمادك الشهير‪.‬‬
‫و سأرى‪" .‬‬
‫ثما دخل الجميع إلى الحأديقة ـ الدايميو و أتباعه و السيدات اللواتي في الخدمة ‪ ,‬الذين‬
‫حأملوا سيف الدايميو ‪.‬‬
‫شمر الرجل العجوز الن ثوبه و استعد لتسلق الشجرة ‪ .‬أخذ وعاء الرماد الذي أحأضره‬
‫معه ‪ ,‬قائلا " عفوا " ‪ ,‬و بدأ يتسلق الشجرة ‪ ,‬يراقب كل واحأد منهما حأركاته باهتماما شديد ‪.‬‬
‫أخي ار تسلق إلى حأيثا المكان الذي تتفرعا فيه الشجرة إلى غصنين كبيرين ‪ ,‬و آخذا‬
‫موضعه هناك ‪ ,‬جلس الرجل العجوز و ذر الرماد يمنة و يسرة فوق كل الغصان و الماليد ‪.‬‬
‫كانت النتيجة مدهشة ‪ ,‬حأق ا ! أزهرت الشجرة الذابلة فو ار تماما الزهار ! استخفت البهجة‬
‫الدايميو كثي ار إلى درجة بدا معها و كأنه سكيقجرن ‪ .‬نهض على قدميه و نشر مروحأته ‪ ,‬منادي ا على‬
‫الرجل العجوز أن ينزل من على الشجرة ‪ .‬قلدما بنفسه للرجل العجوز كأس ا من الشراب مملوءا بأفضل‬
‫شراب ‪ ,‬و كافأه بكثير من الفضة و الذهب و أشياء ثمينة أخرى ‪ .‬أمر الدايميو أنه من الن‬
‫فصاعدا على الرجل العجوز أن يدعو نفسه باسما هانا ـ ساكا ـ جيجيي ‪ ,‬أو " الرجل العجوز الذي‬
‫يجعل الشجار تزهر ‪ " ,‬و أن على الجميع من الن فصاعدا أن يدعوه بهذا السما ‪ ,‬و أرسله إلى‬
‫البيت باحأتراما كبير ‪.‬‬
‫سمع الجار الشرير ‪ ,‬كما في السابق ‪ ,‬بثروة الرجل العجوز الطيب ‪ ,‬و بكل ما أصابه‬
‫من خير يبشر بالنجاح ‪ ,‬و لما يقدر أن يكبح الحأسد و الغيرة الليقذين مل آ قلبه ‪ .‬تذكر كيف فشل في‬
‫محأاولته لكتشاف القطع النقدية الذهبية ‪ ,‬ثما في صنع الكعك السحأري ؛ً ل بد في هذه المرة أنه‬
‫سينجح إن هو قيلد الرجل العجوز ‪ ,‬الذي جعل الشجار الذابلة تزهر ببساطة بذصر الرماد عليها ‪.‬‬
‫فهذه ستكون من أبسط المهاما على الطلق ‪.‬‬
‫لذا بدأ بالعمل و جمع كل الرماد الذي تبقى في الموقد من احأتراق الهاون العجيب ‪ .‬ثما‬
‫شرعا ينادي بصوت مرتفع بينما هو يتقدما ‪ ,‬على أمل أن يجد شخصا عظيما يستخدمه ‪:‬‬
‫" ها قد جاء الرجل المدهش الذي يستطيع أن يجعل الشجار الذابلة تزهر ! "‬
‫جاء الرجل العجوز الذي يستطيع أن يجعل الشجار الميتة تزهر ! "‬
‫سمع الدايميو هذا الصراخ في قصره ‪ ,‬و قال ‪:‬‬
‫" ل بد أن ذاك ال هانا ـ ساكا ـ جيجيي مارر بنا ‪ .‬ليس لدي اليوما ما أفعله دعوه يجرب‬
‫فنه ثانية ؛ً فسيمتعني أن أرى ‪" .‬‬
‫لذا خرج التباعا و أدخلوا الدجال إلى حأضرة سيدهما ‪ .‬كيمكنك الن أن تتخيل تكفيقر‬
‫الرجل العجوز المزيف عن ذنوبه ‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫لكن الدايميو وهو ينظر إليه ‪ ,‬فكر أنه من الغريب أن ل يشبه الرجل العجوز الذي رآه‬
‫من قبل ‪ ,‬لذا سأله ‪:‬‬
‫" أأنت الرجل الذي أسميكته هانا ـ ساكا ـ جيجيي ؟ "‬
‫وأجاب الرجل الحأسود بكذبة ‪:‬‬
‫" أجل ‪ ,‬يا سيدي ! "‬
‫قال الدايميو ‪ " :‬ذاك غريب ! ظننت أنه يوجد هانا ـ ساكا جيجيي واحأد في العالما ! ألديه‬
‫الن بعض التلمذة ؟ "‬
‫أجاب الرجل العجوز ثانية ‪ " :‬أنا هانا ـ ساكا ـ جيجيي الحأقيقي ‪ .‬الذي جاء إليكما من‬
‫قبل كان تلميذي فقط ! "‬
‫" إذن ل بد أنك أكثر مهارة من الخر‪ .‬جرب ما تستطيع فعله و دعني أرى ! "‬
‫عندئذ دخل الجار الحأسود ‪ ,‬مع الدايميو و تتبعه حأاشيته ‪ ,‬إلى الحأديقة ‪ ,‬و هو يقترب‬
‫من شجرة ميتة ‪ ,‬أخرج حأفنة من الرماد الذي يحأمله معه ‪ ,‬و ذرها على الشجرة ‪.‬‬
‫ليست المسألة أن الشجرة لما تزهر ل‪ ,‬و إنما لما يظهر برعما واحأد للعيان ‪ .‬أخذ الرجل‬
‫العجوز حأفنات من الرماد معتقدا أنه لما يستعمل ما يكفي ‪ ,‬و ذرها ثانية على الشجرة الميتة ‪ .‬لكن‬
‫كل ذلك دون فائدة ‪ .‬بعد المحأاولة لعدة مرات ‪ ,‬طار الرماد إلى عيون الدايميو ‪ .‬أغضبه هذا كثي ار ‪,‬‬
‫و أمر أتباعه بأن يقبضوا على الـ هانا ـ ساكا ـ جيجيي المزيف فو ار وأن يضعوه في السجن لنه‬
‫دجال ‪ .‬ولما يطلق سراح الرجل العجوز الشرير من هذا السجن أبدا ‪ ,‬وهكذا نال أخي ار العقاب على‬
‫كل أعماله السيئة ‪.‬‬
‫على أي حأال‪ ،‬أصبح الرجل العجوز الطيب رجلا غني ا و مزده ار في شيخوخته‪ ,‬بفضل‬
‫كنز القطع النقدية الذهبية الذي اكتشفه شيرو له ‪ ,‬و بكل الذهب و الفضة التي أمطرها عليه‬
‫الدايميو ‪ ,‬و عاش حأياة طويلة و سعيدة ‪ ,‬محأبوب ا و محأترم ا من قبل الجميع‪.‬‬

‫السمكة الهلمية و القرد‬


‫في الماضي البعيد ‪ ,‬البعيد ‪ ,‬وفي اليابان القديمة ‪ ,‬كانت ثمة مملكة البحأر يحأكمها ملك رائع‬
‫‪ ،‬يدعى رين جين ‪ ,‬أو التنين ملك البحأر ‪ .‬كانت قوته هائلة ‪ ,‬لنه كان حأاكم ا لكل مخلوقات البحأر‬
‫ي الطوفان و النحأسار‪ .‬حأين كتلقى جوهرة تيار‬
‫كبيرها وصغيرها ‪ ,‬و كانت بحأوزته جوهرتا تياقر ل‬

‫‪97‬‬
‫النحأسار إلى المحأيط تسبب تراجع البحأر عن اليابسة ‪ ,‬و تجعل جوهرة تيار الطوفان المواج ترتفع‬
‫بعلو الجبال و تطغى على الشاطئ مثل موجة المد ‪.‬‬
‫كان قصر رين جين في قاعا البحأر ‪ ,‬و كان جميلا للغاية بحأيثا أن أحأدا لما ير مثله على‬
‫الطلق حأتى في الحألما ‪ .‬والجدران من المرجان ‪ ,‬و السقف من اليشما‪ ,‬والرضيات من أصفى‬
‫الصدف ‪ .‬لكن الملك التنين ‪ ,‬رغما مملكته الواسعة ‪ ,‬و قصره الجميل و كل عجائبه‪ ,‬و قوته ‪ ,‬التي‬
‫ل ينازعه فيها أحأد في كل أرجاء البحأر ‪ ,‬لما يكن سعيدا على الطلق‪ ,‬لنه كان يحأكما بمفرده ‪.‬‬
‫أخي ار فكر في أنه لو تزوج فلن يكون أكثر سعادة فقط ‪ ,‬بل و أكثر قوة أيضا ‪ .‬لذا قرر أن يتخذ‬
‫زوجة ‪ .‬داعيا كل أتباعه من السماك معا ‪ ,‬اختار بضعة منها كسفراء ليذهبوا عبر البحأر و يبحأثوا‬
‫عن أميرة تنينة شابة تكون عروس ا له ‪.‬‬
‫أخي ار عادوا إلى القصر و قد أحأضروا معهما تنينة جميلة شابة ‪ .‬حأراشفها خضراء براقة مثل‬
‫أجنحأة خنافس الصيف ‪ ,‬و عيناها تطلقان نظرات من نار ‪ ,‬و ترتدي ثياب ا فائقة الجمال ‪ .‬كشغلت‬
‫كل جواهر البحأر بالتطريز لتزخرفها ‪ .‬في الحأال وقع الملك في غرامها‪ ,‬و احأتفل بمراسما الزواج‬
‫بأبهة كبيرة ‪ .‬كل حأي في البحأر ‪ ,‬اعتبا ار من الحأيتان العظيمة و نزولا إلى أسماك القريدس ‪, ,‬‬
‫جاءت أفواج ا لتقدما التهاني للعروس و العريس و لتتمنى لهما حأياة مديدة و مزدهرة ‪ .‬لما يحأدثا أبدا‬
‫مثل هذا الحأشد أو مثل هذه الحأتفالت الزاهية في عالما السماك من قبل ‪ .‬وبدا أن موكب القحأقملة ‪,‬‬
‫الذين حأملوا ممتلكات العروس إلى بيتها الجديد ‪ ,‬قد وصل عبر المواج من نهاية البحأر إلى نهايته‬
‫الخرى ‪ .‬كل سمكة كانت تحأمل مصباحأا يومض و ترتدي ثياب المراسما ‪ ,‬زرقاء لمعة و قرنفلية و‬
‫فضية ؛ً و بدت المواج حأين كانت ترتفع و تهبط و تتكسر في تلك الليلة ‪ ,‬و كأنها تتدحأرج كتلا من‬
‫نار بيضاء و خضراء ‪ ,‬ذلك أن الفوسفور أضاء بتألق مضاعف على شرف هذا الحأدثا ‪.‬‬
‫عاش الملك التنين و زوجته مدة من الزمن سعداء جدا ‪ .‬أحأبا أحأدهما الخر كثي ار ‪ ,‬و كان‬
‫العريس يستمتع يوم ا بعد يوما في إطلعا عروسه على كل عجائب و كنوز قصره المرجاني‪ ,‬و لما‬
‫تكن تتعب من التجوال معه عبر قاعاته و حأدائقه الفسيحأة ‪ .‬وبدت الحأياة بالنسبة لكليهما مثل نهار‬
‫صيفي طويل ‪.‬‬
‫مر شهران بهذه الطريقة السعيدة ‪ ,‬ثما سقطت الملكة التنينة مريضة و أجبرت على المكوثا‬
‫في السرير ‪ .‬كان الملك منزعج ا جدا حأين رأى عروسه الغالية مريضة جدا ‪ ,‬و أرسل على الفور في‬
‫ضقنها بعناية و‬
‫طلب طبيب السماك ليأتي و يعطيها دوااء ـ أعطى أوامر خاصة للخدما كي يمصر ب‬
‫ليقمن على خدمتها باجتهاد ‪ ,‬و لكن بالرغما من كل عناية الممرضات المواظبات و الدواء الذي‬
‫وصفه الطبيب ‪ ,‬لما تكببتد الملكة الشابة علمات على الشفاء ‪ ,‬بل كانت تزداد سوءا يوميا ‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫عندئذ قابل الملك التنين الطبيب و لمه على عدما شفائه للملكة ‪ .‬تنبه الطبيب إلى الستياء‬
‫الواضح لرين جين ‪ ,‬و برر نقص مهارته بقوله إنه على الرغما من معرفته لنوعا الدواء الصحأيح الذي‬
‫ينبغي أن يعطى للمريضة ‪ ,‬فإن من المستحأيل إيجاده في البحأر ‪.‬‬
‫سأل الملك التنين ‪ " :‬هل تقصد أن تقول لي أنك ل تستطيع أن تحأصل على هذا الدواء هنا؟ "‬
‫قال الطبيب ‪ " :‬المر كما تقولون تمام ا ! "‬
‫طلب رين جين ‪ " :‬قل لي ما الذي تريده لجل الملكة ؟ "‬
‫أجاب الطبيب ‪ " :‬أريد كبقد تقرلد حألي ! "‬
‫قال الملك ‪ " :‬كبد قرد حأي ! طبعا سيكون الحأصول على ذلك أكثر المور صعوبة‪" ,‬‬
‫قال الطبيب ‪ " :‬لو استطعنا فقط الحأصول على ذلك لجل الملكة ‪ ,‬فإن جللتها سكتشفى قريباا‪,‬‬
‫"‬
‫قال الملك ‪ " :‬حأسن جدا ‪ ,‬هذا يجعله أم ار لزم ا ؛ً علينا الحأصول عليه بطريقة أو بأخرى ‪.‬‬
‫لكن أين يمكن أن نجد قردا في الغلب ؟ "‬
‫عندئذ أخبر الطبيب الملك التنين أنه على مسافة إلى الجنوب توجد جزيرة قردة حأيثا تعيش‬
‫كمية كبيرة من القردة ‪.‬‬
‫قال الطبيب ‪ " :‬لو أنكما تستطيعون فقط أن تأسروا واحأدا من تلك القردة ! "‬
‫قال الملك التنين بحأيرة كبيرة ‪ " :‬كيف يستطيع واحأد من شعبي أن يأسر قردا ؟ القردة تعيش‬
‫على الرض الجافة ‪ ,‬بينما نعيش نحأن في الماء ؛ً وخارج عنصرنا نحأن ضعاف تماماا! ل أرى ماذا‬
‫نستطيع أن نفعل ! "‬
‫قال الطبيب ‪ " :‬تلك هي المشكلة بالنسبة لي أيض ا ‪ ,‬لكنكما تستطيعون بالتأكيد أن تجدوا‪ ,‬بين‬
‫خدمكما الذين ل يحأصون ‪ ,‬واحأدا يستطيع أن يذهب إلى الشاطئ من أجل هذا المر العاجل ! "‬
‫قال الملك ‪ " :‬يجب أن نفعل شيئ ا ‪ " ,‬و نادى على المسؤول الول واستشاره في المر‪.‬‬
‫فكر المسؤول الول لبعض الوقت ‪ ,‬ثما قال مبتهجا ‪ ,‬كما لو أن فكرة مفاجئة قد خطرت له ‪:‬‬
‫" أنا أعرف ما يجب أن نفعل ! هناك الكوراجه " السمكة الهلمية " ‪ .‬إنها بالتأكيد بشعة‬
‫المنظر ‪ ,‬لكنها فخورة بقدرتها على المشي فوق اليابسة بأرجلها الربعة مثل سلحأفاة ‪ .‬دعونا نرسلها‬
‫إلى جزيرة القردة لتأسر واحأدا منها‪" .‬‬
‫ثما استدعيت السمكة الهلمية إلى حأضرة الملك ‪ ,‬و أعلمت من قبل جللته بما هو مطلوب‬
‫منها ‪.‬‬
‫بدت السمكة الهلمية منزعجة كثي ار ‪ ,‬لدى إخبارها بالمهمة غير المتوقعة التي ستوكل إليها‪ ,‬و‬
‫قالت إنها لما تذهب أبدا إلى الجزيرة موضوعا البحأثا ‪ ,‬و بما أنها لما يكن لديها أبدا أية خبرة في‬
‫المساك بالقردة فإنها خائفة ألي تكون قادرة على الحأصول على واحأد منها ‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫قال المسؤول الول ‪ " :‬حأسن ‪ ,‬إذا اعتمدت على قوتك أو براعتك فإنك لن تمسكي قردا أبداا‪.‬‬
‫الطريقة الوحأيدة هي أن تخدعي واحأداق ! "‬
‫قالت السمكة الهلمية المرتبكة ‪ " :‬كيف لي أن أخدعا قردا أبدا ؟ أنا ل أعرف أن أقوما بهذا‪",‬‬
‫قال المسؤول الول الماكر ‪ " :‬إليك ما يجب أن تفعليه ‪ ,‬حأين تقتربين من جزيرة القردة و‬
‫تقابلين بعضها ‪ ,‬يجب أن تحأاولي أن تتوددي إلى أحأدها ‪ .‬أخبريه أنك خادمة الملك التنين ‪ ,‬و ادعه‬
‫صتفي له فخامة القصر و عجائب البحأر‬ ‫ليأتي و يزورك و يشاهد قصر الملك التنين ‪ .‬حأاولي و ت‬
‫بصورة مشرقة ما استطعتت بحأيثا تثيرين فضوله و تجعلينه يتوق لرؤيتها كلها!"‬
‫قالت السمكة الهلمية الكارهة ‪ " :‬و لكن كيف لي أن أحأضر القرد إلى هنا ؟ أنتما تعلمون أن‬
‫القردة ل تسبح ! "‬
‫قال المسؤول الول ‪ " :‬يجب عليك أن تحأمليه على ظهرك ‪ .‬ما فائدة محأارتك إن لما تستطيعي‬
‫أن تفعلي ذلك ! "‬
‫تساءلت الكوراجه ثانية ‪ " :‬ألن يكون ثقيلا كثي ار ؟ "‬
‫أجاب المسؤول الول ‪ " :‬ل يجب عليك أن تكترثي لذلك ‪ ,‬لنك تعملين من أجل الملك التنين‬
‫!"‬
‫قالت السمكة الهلمية ‪ " :‬إذا سأبذل قصارى جهدي ‪ " ,‬و سبحأت بعيدا عن القصر و انطلقت‬
‫نحأو جزيرة القردة ‪ .‬سابحأة برشاقة وصلت إلى هدفها في بضع ساعات ‪ ,‬و كحأتملت بموجة مواتيلة إلى‬
‫الشاطئ ‪ .‬حأين نظرت حأولها رأت غير بعيد شجرة صنوبر كبيرة ذات أغصان متدلية و على واحأد‬
‫من تلك الغصان كان يوجد ما تبحأثا عنه ـ قرد حأي ‪.‬‬
‫فكرت السمكة الهلمية ‪ " :‬كما أنا محأظوظة ! علي الن أن أتملق هذا المخلوق و أن أحأاول أن‬
‫أغريه كي يعود معي إلى القصر ‪ ,‬و سيكون دوري قد كأنتجز ! "‬
‫و هكذا مشت السمكة الهلمية ببطء نحأو شجرة الصنوبر ‪ .‬في تلك الياما البعيدة كان‬
‫للسمكة الهلمية أربعة أرجل و محأارة قاسية مثل سلحأفاة ‪ .‬حأين وصلت إلى شجرة الصنوبر رفعت‬
‫رأسها و قالت ‪:‬‬
‫" كيف حأالك ‪ ,‬يا سيد قرد ؟ أليس النهار جميلا ؟ "‬
‫أجاب القرد من الشجرة ‪ " :‬إنه يوما جميل كثي ار ‪ ,‬أنا لما أرك من قبل في هذا الجزء من العالما‬
‫‪ ,‬من أين أتيت و ما هو اسمك ؟ "‬
‫أجابت السمكة الهلمية ‪:‬‬
‫" اسمي كوراجه أو السمكة الهلمية ‪ .‬أنا واحأدة من خدما الملك التنين ‪ .‬لقد سمعت كثي ار‬
‫عن جزيرتكما الجميلة لدرجة أنني قصدت أن آتي لراها ‪" ,‬‬
‫قال القرد ‪ " :‬سررت كثي ار برؤيتك ‪" ,‬‬

‫‪100‬‬
‫قالت السمكة الهلمية ‪ " :‬بالمناسبة هل رأيت قط قصر ملك البحأر التنين حأيثا أعيش ؟ "‬
‫أجاب القرد ‪ " :‬كثي ار ما سمعت به ‪ ,‬لكنني لما أره مطلقا ! "‬
‫قالت السمكة الهلمية ‪ " :‬إذا عليك أن تأتي بالتأكيد‪ .‬إنه لشيء يدعو للسف كثي ار بالنسبة‬
‫لك أن تمضي خلل الحأياة دون رؤيته ‪ .‬إن جمال القصر فوق كل وصف ـ إنه برأيي أجمل‬
‫مكان في العالما بالتأكيد "‬
‫سأل القرد بدهشة ‪ " :‬أهو جميل إلى ذلك الحأد ؟ "‬
‫عندئذ وجدت السمكة الهلمية فرصتها ‪ ,‬و تابعت بأفضل ما عندها وصف جمال وفخامة‬
‫قصر ملك البحأر ‪ ,‬و عجائب الحأديقة بأشجارها الغريبة من المرجان البيض ‪ ,‬و القرنفلي ‪ ,‬و‬
‫الحأمر ‪ ,‬والثمار الكثر غرابة مثل جواهر عظيمة معلقة على الغصان ‪ .‬ازداد اهتماما القرد أكثر‬
‫فأكثر ‪ ,‬و بينما كان يصغي نزل من الشجرة خطوة خطوة بحأيثا ل يفوت كلمة من القصة العجيبة ‪.‬‬
‫فكرت السمكة الهلمية ‪ " :‬حأصلت عليه أخي ار ! " ‪ ,‬لكنها قالت بصوت مرتفع ‪:‬‬
‫" يا سيد قرد ‪ ,‬علي أن أعود الن ‪ .‬وبما أنك لما تر أبدا قصر الملك التنين ‪ ,‬أل تغتنما هذه‬
‫الفرصة الرائعة بالقدوما ؟ سأكون عندئذ قادرة على أن أعمل دليلة لك وأريك كل مشاهد البحأر ‪ ,‬التي‬
‫ستكون عجيبة أكثر بالنسبة لك يا مغفل اليابسة ‪" .‬‬
‫قال القرد ‪ " :‬أود كثي ار أن أذهب ‪ ,‬و لكن كيف لي أعبر الماء ؟ أنا ل أستطيع السباحأة ‪,‬‬
‫كما ل بد أنك تعرفين!"‬
‫" ليس هناك من مشكلة بهذا الشأن ‪ .‬أنا أستطيع أن أحأملك على ظهري ‪" .‬‬
‫قال القرد ‪ " :‬سيكون ذلك مزعجا لك كثي ار ‪" ,‬‬
‫قالت السمكة الهلمية ‪ " :‬أستطيع أن أقوما بذلك بكل سهولة ‪ .‬أنا أقوى مما أبدو عليه‪ ,‬لذا‬
‫فيجب أل تتردد ‪ , " ,‬و خطت إلى داخل البحأر حأاملة السعدان على ظهرها‪.‬‬
‫قالت السمكة الهلمية ‪ " :‬حأافظ على الهدوء ‪ ,‬يا سيد قرد ‪ ,‬يجب ألل تسقط إلى البحأر ‪,‬‬
‫فأنا مسؤولة عن وصولك المن إلى قصر الملك ‪" .‬‬
‫قال القرد ‪ " :‬أرجوتك ل تسرعي كثي ار ‪ ,‬و إل فأنا واثق من أنني سأسقط عن ظهرك ‪" ,‬‬
‫و هكذا مضيا إلى الماما ‪ ,‬تنزلق السمكة الهلمية خلل المواج و القرد جالس على‬
‫ظهرها ‪ .‬حأين صا ار في منتصف الطريق تقريب ا ‪ ,‬بدأت السمكة الهلمية ‪ ,‬التي كانت تعرف القليل‬
‫عن التشريح ‪ ,‬تتساءل ما إذا كان القرد أحأضر كبده معه أما ل !‬
‫" سيد قرد ‪ ,‬أخبرني ‪ ,‬هل لديك شيء مثل كبد معك ؟ "‬
‫فوجئ القرد كثي ار بهذا السؤال الغريب ‪ ,‬و سأل ماذا تريد السمكة الهلمية بالكبد‪.‬‬
‫قالت السمكة الهلمية الحأمقاء ‪ " :‬ذاك هو الشيء الهما ‪ ,‬لذا حأالما تذكرته سألتك ما إذا‬
‫كنت تحأمل كبدك معك ؟ "‬

‫‪101‬‬
‫سأل القرد ‪ " :‬لماذا يكون كبدي بهذه الهمية بالنسبة لك ؟ "‬
‫قالت السمكة الهلمية ‪ " :‬أوه ! ستعرف السبب فيما بعد ‪" ,‬‬
‫صار القرد يزداد فضولا و شلكا أكثر فأكثر ‪ ,‬و حأثا السمكة الهلمية لتخبره لماذا كبده‬
‫مطلوبة ‪ ,‬و انتهى بمناشدة مشاعر مستمعته بالقول إنه انزعج كثي ار بما أخبر به‪.‬‬
‫عندئذ حأزنت السمكة الهلمية من أجله‪ ,‬و هي ترى كما بدا قلق ا ‪ ,‬و أخبرته بكل شيء ‪.‬‬
‫كيف سقطت الملكة التنينة مريضة ‪ ,‬و كيف قال الطبيب أن كبد قرد حأي فقط يمكن أن يشفيها ‪ ,‬و‬
‫كيف أرسلها الملك التنين لتحأضر واحأدا ‪.‬‬
‫قالت السمكة الهلمية ‪ " :‬لقد فعلت الن ما طكتلب مني‪ ,‬و فور وصولنا إلى القصر‬
‫سيطلب الطبيب كبدك ‪ ,‬لذا فأنا أشعر بالحأزن لجلك ! "‬
‫ذعر القرد المسكين حأين عرف كل هذا ‪ ,‬و غضب من الخدعة التي انطلت عليه‪.‬‬
‫ارتجف خوف ا مما هو مبيت له ‪.‬‬
‫لكن القرد حأيوان ذكي ‪ ,‬و فيكر أن أحأكما خطة أل يظهر أية علمة على الخوف الذي كان‬
‫يشعر به ‪ ,‬لذا حأاول أن يهدئ نفسه و يفكر بطريقة يمكنه النجاة من خللها‪.‬‬
‫فكر القرد ‪ " :‬ينوي أن يشقني ثما يستخرج كبدي ! لماذا أموت ! "‬
‫أخي ار جاءته فكرة ذكية ‪ ,‬لذا قال بمرح للسمكة الهلمية ‪:‬‬
‫" إنه مما يدعو للسف ‪ ,‬يا سيدة سمكة هلمية ‪ ,‬أنك لما تتحأدثي عن هذا قبل أن نغادر‬
‫الجزيرة ! "‬
‫ت في أن ترافقني و لرفضت بالتأكيد‬
‫أجابت السمكة الهلمية ‪ " :‬لو أنني أخبرتك لما رغب ق‬
‫أن تأتي ‪" ,‬‬
‫قال القرد ‪ " :‬أنت مخطئة تمام ا ‪ ,‬فالقردة يمكن أن تستغني عن كبد أو اثنين ‪ ,‬خاصة‬
‫ت ماذا كنت تحأتاجين ‪ ,‬لقدمت لك واحأدا دون‬
‫حأين تكون مطلوبة لجل الملكة التنينة‪ .‬لو خيمن ك‬
‫انتظار السؤال ‪ .‬فأنا عندي أكباد عديدة ‪ .‬لكن أكثر ما يدعو للسف ‪ ,‬أنك لما تتكلمي في الوقت‬
‫المناسب ‪ ,‬فلقد تركت كل أكبادي معلقة على شجرة الصنوبر ‪" .‬‬
‫سألت السمكة الهلمية ‪ " :‬هل تركت كبدك و راءك ؟ "‬
‫قال القرد الماكر ‪ " :‬أجل ‪ ,‬فخلل النهار أترك عادة كبدي معلق ا فوق غصن شجرة ‪ ,‬بما‬
‫أنه يعرقلني كثي ار عندما أتسلق هنا و هناك من شجرة إلى شجرة ‪ .‬اليوما ‪ ,‬و أنا أصغي إلى حأديثك‬
‫الممتع ‪ ,‬نسيته تماما ‪ ,‬و تركته و رائي حأين جئت معك ‪ .‬لو أنك تكلمت فقط في الوقت المناسب‬
‫لتذكرته ‪ ,‬و أحأضرته معي ! "‬
‫أصيبت السمكة الهلمية بإحأباط كبير حأين سمعت هذا ‪ ,‬لنها صلدقت كل كلمة قالها‬
‫القرد‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫ل فائدة من القرد بدون كبد ‪ .‬في النهاية توقفت السمكة الهلمية و أخبرت القرد بهذا ‪.‬‬
‫قال القرد ‪ " :‬حأسن ‪ ,‬هذا أمر يمكن أن يستدرك ‪ .‬أنا فعلا آسف حأين أفكر بعنائك ‪,‬‬
‫لكنك إذا أعدتني فقط إلى المكان الذي وجدتني فيه ‪ ,‬فسأكون في وقت قصير قاد ار على إحأضار‬
‫كبدي ‪" .‬‬
‫لما تكرق فكرة العودة إلى الجزيرة ثانية للسمكة الهلمية إطلقاا‪ ,‬لكن القرد أكد لها أنه إذا‬
‫تفضلت بإعادته فسيحأضر أفضل كبد له ‪ ,‬و يأخذها معه في المرة التالية ‪ .‬مقتنعة هكذا‪ ,‬غيرت‬
‫السمكة الهلمية و جهتها إلى جزيرة القردة مرة أخرى ‪.‬‬
‫لما تكد السمكة الهلمية تصل إلى الشاطئ ‪ .‬حأتى نزل القرد الماكر ‪ ,‬و متسلقا إلى شجرة‬
‫الصنوبر حأيثا رأته السمكة الهلمية أولا ‪ ,‬قفز عدة قفزات بين الغصان بمرح لنه صار آمن ا في‬
‫بيته ثانية ‪ ,‬ثما قال ناظ ار إلى السفل إلى السمكة الهلمية ‪:‬‬
‫" شك ار جزيلا على العناء الذي تكبدته ! من فضلك بلغي تحأياتي للملك التنين في عودتك‬
‫!"‬
‫تعجبت السمكة الهلمية لهذا الكلما و اللهجة الساخرة التي قيل بها ‪ .‬ثما سألت القرد إن‬
‫كان في نيته ألل يأتي معها حأالا بعد أن حأصل على كبده ‪.‬‬
‫أجاب القرد ضاحأك ا أنه لن يحأتمل فقدان كبده ‪ ,‬إنه ثمين جدا ‪.‬‬
‫ناشدته السمكة الهلمية بإحأباط كبير‪ " :‬لكن تذكر وعدك ! "‬
‫أجاب القرد ‪ " :‬ذاك وعد باطل ‪ ,‬و على كل حأال فقد تما فسخه الن ! " ثما بدأ يسخر‬
‫من السمكة الهلمية و أخبرها أنه كان يخدعها طيلة الوقت ؛ً و أنه لما يكن لديه الرغبة في أن يفقد‬
‫حأياته ‪ ,‬و هو ما كان سيحأصل بالتأكيد لو أنه تابع إلى قصر ملك البحأر إلى الطبيب الذي ينتظره‪,‬‬
‫بدلا من إقناعا السمكة الهلمية بأن تعود تحأت مزاعما باطلة ‪.‬‬
‫أضاف القرد بسخرية من فوق الشجرة ‪ " :‬طبع ا ‪ ,‬لن أعطيك كبدي ‪ ,‬لكن تعالي وخذيها‬
‫إذا كنت تستطيعين ! "‬
‫لما يعد هناك الن ما تفعله السمكة الهلمية سوى أن تندما على حأماقتها ‪ ,‬و أن تعود إلى‬
‫ملك البحأر التنين وتعترف بفشلها ‪ ,‬لذا شرعت تسبح عائدة بحأزن و ببطلء ‪ .‬كان آخر شيء سمعته‬
‫بينما كانت تنزلق بعيدا ‪ ,‬مخلفة الجزيرة وراءها ‪ ,‬القرد وهو يضحأك منها ‪.‬‬
‫في غضون ذلك كان الملك التنين ‪,‬و الطبيب ‪ ,‬و المسؤول الول ‪ ,‬وكل الخدما ينتظرون‬
‫بنفاد صبر عودة السمكة الهلمية ‪ .‬حأين لمحأوها تقترب من القصر ‪ ,‬رحأبوا بها بسرور ‪ .‬أخذوا‬
‫يشكرونها بإسراف على كل العناء الذي تكبدته في الذهاب إلى جزيرة القردة‪ ,‬ثما سألوها أين القرد ‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫الن جاء يوما الحأساب بالنسبة للسمكة الهلمية ‪ .‬ارتجفت بأكملها بينما كانت تروي‬
‫القصة ‪ .‬كيف أحأضرت القرد نصف الطريق فوق البحأر ‪ ,‬ثما باحأت بحأماقة بسر مهمتها؛ً كيف‬
‫خدعها القرد بأن جعلها تصدق أنه ترك كبده وراءه ‪.‬‬
‫كان غضب الملك التنين عظيم ا ‪ ,‬و أعطى أوامره فو ار بأن تعاقب السمكة الهلمية‬
‫بقسوة ‪ .‬وكان العقاب رهيب ا ‪ .‬فكان ينبغي أن تسحأب جميع العظاما من الجسد الحأي ‪,‬و أن تضرب‬
‫بالعصي ‪.‬‬
‫أهينت السمكة الهلمية المسكينة و روعت فوق كل وصف ‪ ,‬و صرخت طالبة المغفرة ‪.‬‬
‫ضقر كل واحأد من خدما القصر فو ار عصا و أحأاطوا‬
‫لكن أوامر الملك التنين ينبغي أن تطاعا ‪ .‬أحأ ق‬
‫بالسمكة الهلمية ‪ ,‬و بعد سحأب عظامها ضربوها حأتى صارت مثل عجينة مسطحأة ‪ ,‬ثما أخرجوها‬
‫إلى ما وراء بوابات القصر و ألقوها إلى الماء ‪ .‬هنا تركت لتعاني و تندما على ثرثرتها الحأمقاء ‪ ,‬و‬
‫تعتاد على حأالتها اللعظمية الجديدة ‪.‬‬
‫واضح من هذه القصة أنه كان للسمكة الهلمية في سالف الزمان صدفة وعظاما شيئا‬
‫مثل سلحأفاة ‪ ,‬لكن ‪ ,‬منذ أن نفذت عقوبة الملك التنين على سلف السماك الهلمية ‪ ,‬صارت كل‬
‫سللتها طرية و بل عظاما تمام ا مثلما ترونها اليوما تقذفها المواج عالي ا على شواطئ اليابان ‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫خصومة القرد و السرطان‬
‫في الماضي البعيد ‪ ,‬وفي أحأد أياما الخريف المشرقة في اليابان ‪,‬حأدثا أن قردا قرنفلي الوجه و‬
‫سرطانا أصغر كانا يلهوان معا على طول ضفة نهر من النهار ‪ .‬وفيما كانا يتجولن‪ ,‬وجد‬
‫السرطان قطعة من حألوى الرز ووجد القرد بذرة برسيمون ‪.‬‬
‫التقط السرطان حألوى الرز و أراها للقرد ‪ ,‬و هو يقول ‪:‬‬
‫" انظر ما أجمل هذا الشيء الذي وجدته !"‬
‫ثما رفع القرد بذرة البرسيمون و قال ‪:‬‬
‫" أنا أيضا وجدت شيئا جيدا ! انظر !"‬
‫و مع أن القرد كان دائما كثير التعلق بثمار البرسيمون ‪ ,‬فإنه ل منفعة له بهذه البذرة التي‬
‫وجدها ‪ .‬فبذرة البرسيمون قاسية مثل الحأجر ل تؤكل‪ .‬لذا فقد شعر ‪ ,‬بسبب طبعه الجشع بالغيرة من‬
‫حألوى السرطان ‪ ,‬و عرض المبادلة ‪ .‬لما ير السرطان طبع ا لماذا كان عليه أن يعطي جائزته مقابل‬
‫بذرة كالحأجر‪ ,‬فلما يوافق على عرض القرد ‪.‬‬
‫ل‪:‬‬
‫عندئذ شرعا القرد الماكر يقنع السرطان ‪ ,‬قائ ا‬
‫" كما أنت مغفل ل تفكر بالمستقبل ! فحألوى الرز يمكن أن تؤكل الن ‪ ,‬و هي بالتأكيد أكبر‬
‫بكثير من بذرتي ؛ً لكن لو زرعت هذه البذرة في الرض فإنها ستنمو بعد وقت قصير و تصبح شجرة‬
‫عظيمة في بضع سنين‪ ,‬و تحأمل كثي ار من البرسيمون الطازج الرائع عام ا بعد عاما ‪ .‬ليتني أريك‬
‫إياها عندها و الثمار الصفر متدلية من أغصانها ! طبع ا ‪ ,‬إذا لما تصدقني فسأزرعها بنفسي ؛ً مع‬
‫أنني متأكد أنك ‪ ,‬فيما بعد ‪ ,‬ستحأزن لنك لما تعمل بنصيحأتي‪".‬‬
‫لما يستطع السرطان الساذج أن يقاوما إقناعا القرد الذكي ‪ .‬أخي ار استسلما و رضي بعرض القرد‬
‫‪,‬و تما التبادل ‪ .‬التهما القرد النهما بعد وقت قصير الحألوى ‪ ,‬و تخلى بنفور كبير عن بذرة البرسيمون‬
‫للسرطان ‪ .‬كان يود الحأتفاظ بتلك أيض ا ‪ ,‬لكنه كان خائفاق من أن يغضب السرطان و أن يقرصه‬
‫بمخالبه الحأادة التي تشبه المقص ‪ .‬ثما افترقا ‪ ,‬القرد إلى البيت في غابة الشجار و السرطان إلى‬
‫أحأجاره على ضفة جانب النهر ‪ .‬حأالما وصل السرطان بيته وضع بذرة البرسيمون في الرض كما‬
‫أخبره القرد ‪.‬‬
‫في الربيع التالي كسير السرطان برؤية برعما شجرة فتية يشق طريقه إلى أعلى خلل التراب‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫كانت تنمو أكثر كل عاما ‪ ,‬إلى أن أزهرت أخي ار في أحأد فصول الربيع ‪ ,‬و حأملت في الشتاء التالي‬
‫بعض ثمار البرسيمون الكبيرة ‪ .‬تدلت الثمار بين الوراق العريضة الناعمة مثل كرات ذهبية ‪ ,‬و‬
‫حأين نضجت تحأولت إلى اللون البرتقالي الغامق ‪ .‬كانت متعة السرطان الصغير بالخروج يوما بعد‬
‫يوما و الجلوس في الشمس إواخراج عينيه الطويلتين مثلما يفعل الحألزون بقرنيه الطويلين ‪ ,‬و مراقبلة‬
‫ثمار البرسيمون و هي تنضج نحأو الكمال ‪.‬‬
‫كان يقول لنفسه ‪ " :‬كما ستكون لذيذة حأين كتؤكل!"‬
‫أخي ار في أحأد الياما ‪ ,‬عرف أن ثمار البرسيمون ل بد أن تكون قد نضجت تماما و أراد بشدة‬
‫أن يذوق واحأدة منها ‪ .‬قاما بعدة محأاولت لتسلق الشجرة ‪ ,‬مؤصملا ـ عبثا ـ الوصول إلى واحأدة من ثمار‬
‫البرسيمون الجميلة المتدلية فوقه ؛ً لكنه فشل في كل مرة ‪ ,‬لن أرجل السرطان لما تكن مخلوقة لتسلق‬
‫الشجار و إنما فقط للجري على طول الرض و فوق الحأجارة ‪ ,‬المران اللذان يستطيع أن يفعلهما‬
‫بذكاء فائق ‪ .‬في مأزقه فكر في رفيق لعبه القرد‪ ,‬الذي ‪ ,‬كان يعلما ‪ ,‬أنه يستطيع أن يتسلق الشجار‬
‫أكثر من أي شخص آخر في العالما ‪ .‬قرر أن يطلب من القرد أن يساعده‪ ,‬و ذهب ليجده ‪.‬‬
‫ركض بطريقة سرطانية على ضفة النهر الحأجرية ‪ ,‬فوق المجازات نحأو داخل الغابة الظليلة ‪,‬‬
‫أخي ار وجد السرطان القرد يأخذ قيلولة في شجرة الصنوبر المفضلة لديه ‪ ,‬و قد التف ذيله بإحأكاما‬
‫حأول أحأد الغصان ليمنعه من السقوط أثناء أحألمه ‪ .‬و لكنه ‪ ,‬استيقظ بعد وقت قصير ‪ ,‬حأين‬
‫سمع أنه ينادى عليه ‪ ,‬وأصغى بشوق إلى ما كان السرطان يرويه ‪ .‬سر حأين سمع أن تلك البذرة‬
‫التي استبدلها منذ وقت طويل بحألوى الرز أصبحأت شجرة و هي تحأمل الن ثم ار جيدا ‪ ,‬لنه ابتكر‬
‫فو ار الخطة الماكرة التي ستجعل ثمار البرسيمون كلها له وحأده ‪.‬‬
‫وافق على أن يذهب مع السرطان ليقطف له الثمار ‪ .‬حأين وصل مع ا إلى البقعة ‪ ,‬دهش‬
‫القرد بالشجرة الرائعة التي انبثقت من البذرة ‪ ,‬و بعدد ثمار البرسيمون الناضجة التي كانت الغصان‬
‫مثقلة منها ‪.‬‬
‫تسلق الشجرة بسرعة وراح يقطف و يأكل ‪ ,‬بأسرعا ما يستطيع ‪ ,‬ثمرة برسيمون في إثر أخرى‬
‫‪.‬‬
‫كان يختار في كل مرة أفضل و أنضج ما استطاعا أن يجد ‪ ,‬وواصل الكل حأتى لما يعد يستطيع أن‬
‫يأكل المزيد‪ .‬لما يشأ أن يعطي و لو واحأدة للسرطان المسكين الذي ينتظر في السفل ‪ ,‬و حأين‬
‫انتهى لما يبق هناك إل قليل من الثمر القاسي ‪ ,‬غير الناضج متروك ا ‪.‬‬
‫تستطيعون أن تتخيلوا مشاعر السرطان المسكين بعد النتظار بصبر ‪ ,‬طيلة هذا الوقت كما‬
‫فعل ‪ ,‬لجل الشجرة كي تنمو وللثمار كي تنضج ‪ ,‬حأين رأى القرد يلتهما كل ثمار البرسيمون الجيدة‬
‫‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫كان خائب الرجاء بحأيثا كان يركض و يركض حأول الشجرة منادي ا على القرد ليتذكر وعده ‪ .‬في‬
‫البداية لما يلحأظ القرد شكاوي السرطان ‪ ,‬لكنه أخي ار قطف أقسى و أشد ثمار البرسيمون خضرة‬
‫أمكنه أن يجدها و سددها نحأو رأس السرطان ‪ .‬ومعلوما أن ثمرة البرسيمون قاسية كالحأجر حأين‬
‫تكون غير ناضجة ‪ .‬أصابت قذيفة القرد الهدف و تأذى السرطان جدا من الضربة ‪ .‬مجددا و‬
‫مجددا ‪ ,‬كان القرد يقطف ‪ ,‬بأسرعا ما يستطيع ‪ ,‬ثمار البرسيمون القاسية و يرميها على السرطان‬
‫الذي ل حأماية له إلى أن سقط ميت ا ‪ ,‬و قد غطت كامل جسده ‪ .‬هناك تمدد في مشهد يرثى له عند‬
‫ساق الشجرة التي زرعها بنفسه ‪.‬‬
‫حأين رأى القرد الشرير أنه قتل السرطان ركض بعيدا عن البقعة بأسرعا ما يمكنه ‪ ,‬خائفا و‬
‫مرتجف ا ‪ ,‬كأي جبان مثله ‪.‬‬
‫كان للسرطان ابسن كان يلعب مع صديقه غير بعيد عن المنطقة التي جرت فيها هذه الفقبعلة‬
‫المحأزنة‪ .‬في طريق العودة إلى البيت مر بوالده ميت ا ‪ ,‬في حأالة فظيعة ـ فقد كان رأسه مهشم ا و‬
‫صدفته مكسرة في عدة مواضع ‪ ,‬و حأول جثته رقدت ثمار البرسيمون غير الناضجة التي فعلت‬
‫فعلها المميت ‪ .‬عند هذا المنظر الفظيع جلس السرطان الصغير المسكين و بكى ‪.‬‬
‫لكنه حأين بكى مدة من الزمن قال في نفسه إن هذا البكاء لن كيجدي ؛ً وواجبه أن ينتقما‬
‫لمقتل أبيه ‪ .‬و هذا ما قرر أن يفعله ‪ .‬تفحأص ما حأوله من أجل مفتاح يقوده لكشف القاتل‪ .‬نظر‬
‫إلى ما فوق الشجرة فلحأظ أن أفضل الثمرات قد ذهبت ‪ ,‬و أن نتف القشر رقدت حأوله و العديد من‬
‫بذور البرسيمون قد نثرت على الرض جنبا إلى جنب مع ثمار البرسيمون غير الناضجة التي كان‬
‫واضحأا أنها كانت كترمى على والده ‪ .‬ثما أدرك أن القرد كان هو القاتل‪ ,‬لنه تذكر الن أن أباه أخبره‬
‫ذات مرة بحأكاية قطعة حألوى الرز و بذرة البرسيمون ‪ .‬كان السرطان الصغير يعرف أن القرود‬
‫تحأب ثمار البريسمون أكثر من أية فاكهة ‪ ,‬و شعر بل شك أن طمعه في الفاكهة المشتهاة كان‬
‫السبب في موت السرطان العجوز ‪ .‬واحأسر تاه !‬
‫فكر أولا بالذهاب لمهاجمة القرد فو ار ‪ ,‬لنه كان يتحأرق غيظا ‪ .‬لكن الفكار التالية ‪,‬‬
‫أوحأت له بأن هذا ل فائدة منه ‪ ,‬فالقرد حأيوان كبير و ماكر و سيكون من الصعب التغلب عليه ‪ .‬إن‬
‫عليه أن يقابل المكر بالمكر و أن يطلب من بعض أصدقائه أن يساعدوه ‪ ,‬لنه يعلما أنه ليس في‬
‫مقدوره أن يقتله بمفرده ‪.‬‬
‫شرعا السرطان الصغير على الفور بزيارة الهاون ‪ ,‬صديق والده القديما ‪ ,‬و أخبره بكل ما‬
‫حأدثا ‪ .‬توسل إلى الهاون بالدموعا أن يساعده في الثأر لمقتل أبيه ‪ .‬أسف الهاون كثي ار حأين سمع‬
‫الحأكاية المحأزنة ووعد على الفور أن يساعد السرطان الصغير في معاقبة القرد بالموت ‪.‬‬
‫نبهه ليكون حأذ ار فيما يفعل ‪ ,‬لن القرد عدو قوي و ماكر ‪ .‬أرسل الهاون لحأضار النحألة و حأبة‬
‫الكستناء ) و أصدقاء السرطان القدامى أيض ا ( ليستشيرهما في الموضوعا ‪ .‬بعد وقت قصير‬

‫‪107‬‬
‫وصلت النحألة و حأبة الكستناء ‪ .‬وحأين كأعلموا بكل تفاصيل موت السرطان العجوز و خبثا القرد و‬
‫طمعه ‪ ,‬وافق كلهما على مساعدة السرطان الصغير في انتقامه ‪.‬‬
‫بعد الحأديثا لوقت طويل فيما يتعلق بطرق ووسائل تنفيذ خططهما افترقوا ‪ ,‬و ذهب السيد‬
‫هاون مع السرطان الصغير لمساعدته في دفن والده المسكين ‪.‬‬
‫بينما كان كل هذا يحأدثا كان القرد يهنئ نفسه ) كما يفعل الشريرون غالبا قبل أن يحأل‬
‫بهما عقابهما ( على كل ما فعله بترتيب كبير ‪ .‬اعتقد أن سرقته لكل ثمار البرسيمون الناضجة العائدة‬
‫لصديقه ثما قتله ‪ ,‬أمر جيد تماما ‪ .‬ومع أنه ‪,‬كان يبتسما بأكثر ما يستطيع ‪ ,‬لما يستطع أن يبعد تماما‬
‫خوف العواقب فيما لو انكشفت أعماله الشريرة ‪ .‬إذا اكتشف ) و طمأن نفسه بأن ذلك لن يكون لنه‬
‫فر دون أن يراه أحأد ( فإن من المؤكد أن أسرة السرطان ستضمر الكره له و ستسعى للثأر منه ‪ .‬لذا‬
‫لما يشأ أن يخرج‪ ,‬وبقي في البيت لبضعة أياما ‪ .‬وجد أن هذا النوعا من الحأياة ‪ ,‬من ناحأية أخرى ‪,‬‬
‫مضجر بدرجة كبيرة ‪ ,‬سيما و أنه اعتاد الحأياة الحأرة للغابات ‪ ,‬و أخي ار قال ‪:‬‬
‫" ل أحأد يعلما أنني من قتل السرطان ! أنا متأكد من أن ذلك الشيء العجوز لفظ أنفاسه‬
‫قبل أن أغادره ‪ .‬السرطانات الميتة ل أفواه لها ! من هناك ليخبر بأنني القاتل ؟‬
‫بما أنه ل أحأد يعرف ‪ ,‬فما فائدة حأبسي لنفسي وتفكيري في الموضوعا ؟ فما كان ل يمكن ألي يكون!"‬
‫بهذا خرج يتجول إلى مستوطنة السرطان و زحأف حأولها بما أمكنه من مكر قرب بيت السرطان‬
‫و حأاول أن يسمع ثرثرة الجيران بطريقة غير مباشرة ‪ .‬أراد أن يعرف ماذا كانت السرطانات تقول‬
‫حأول موت زعيمها ‪ ,‬ذلك أن السرطان العجوز كان زعيما العشيرة ‪ .‬لكنه لما يسمع شيئا و قال لنفسه ‪:‬‬
‫" إنهما جميعا حأمقى بحأيثا أنهما ل يعرفون و ل يهتمون بمن قتل زعيمهما !"‬
‫لما يدرك " بحأكمته القردية " المزعومة أنه هذه اللمبالة الظاهرية إنما كانت جزاء من خطة‬
‫السرطان الشاب ‪ .‬فقد تظاهر عن عمد أنه ل يعرف من قتل والده ‪ ,‬و أنه يعتقد لقي مصرعه بسبب‬
‫من خطئه ‪ .‬بهذه الوسيلة كان يستطيع أن يحأتفظ بسر النتقاما من القرد ‪ ,‬الذي كان يخطط له ‪.‬‬
‫هكذا عاد القرد إلى البيت من جولته راضيا تماما ‪ .‬قال لنفسه إنه لما يعد هناك ما يخشاه‪.‬‬
‫في أحأد الياما الجميلة ‪ ,‬كان القرد جالسا في البيت ‪ ,‬حأين فوجئ بظهور رسول من قبل‬
‫السرطان الصغير ‪ .‬وفيما هو متعجب يتساءل ماذا يمكن أن يعني هذا ‪ ,‬انحأنى الرسول أمامه و‬
‫قال‪:‬‬
‫قد أرسلت من قبل سيدي لعلمكما أن والده مات منذ بضعة أياما جلراء السقوط من شجرة‬
‫برسيمون أثناء محأاولة تسلق الشجرة بحأثا عن الثمر ‪ .‬و بما أن هذا اليوما هو اليوما السابع ‪ ,‬الذكرى‬
‫الولى بعد موته ‪ ,‬فقد أعد سيدي احأتفالا صغي ار على شرف أبيه ‪ ,‬و هو يدعوك لتأتي و تشارك‬
‫فيه بما أنك كنت واحأدا من أفضل أصدقائه ‪ .‬إن سيدي يأمل أن تشرفوا بيته بزيارتكما اللطيفة ‪" .‬‬

‫‪108‬‬
‫حأين سمع القرد هذه الكلمات ابتهج من كل قلبه ‪ ,‬لن جميع مخاوفه من أن يشتبه به كانت قد‬
‫ت ‪ .‬لما يستطع أن يخمن أن خطة ضده قد وضعت موضع التنفيذ ‪ .‬تظاهر بالدهشة الكبيرة من‬
‫قسقكقن ب‬
‫خبر موت السرطان ‪ ,‬و قال ‪:‬‬
‫" أنا ‪ ,‬حأق ا ‪ ,‬آسف لسماعي بموت زعيمكما ‪ .‬فنحأن صديقان رائعان كما تعملون ‪.‬‬
‫أتذكر أننا تبادلنا مرة حألوى الرز ببذرة البرسيمون ‪ .‬إنه ليحأزنني كثي ار أن أظن أن تلك البذرة كانت‬
‫في النهاية سبب موته ‪ .‬أنا أقبل دعوتكما الكريمة مع الشكر ‪ .‬سأكون مسرو ار بتشريف صديقي‬
‫صقر شيئا من الدموعا الكاذبة من عينيه ‪.‬‬
‫العجوز المسكين !" و ابعتق ق‬
‫ضحأك الرسول في نفسه و فكر ‪ " ,‬إن القرد الشرير يذرف الن دموعا كاذبة ‪ ,‬لكنه بعد حأيلن‬
‫سيسفح دمع ا حأقيقي ا ‪ ".‬لكنه شكر القرد جه ار و مضى إلى البيت ‪.‬‬
‫حأين ذهب ‪ ,‬ضحأك القرد الشرير بصوت مرتفع مما اعتقده سذاجة السرطان الصغير‪ ,‬و دون‬
‫أدنى إحأساس بدأ يتطلع للوليمة التي ستقاما في ذلك اليوما على شرف السرطان الميت‪ ,‬و التي دعي‬
‫إليها ‪ .‬بيدل ملبسه و انطلق بوقار ليزور السرطان الصغير ‪.‬‬
‫وجد كل أعضاء أسرة السرطان و أقاربه ينتظرون استقباله و الترحأيب به ‪ ,‬حأالما انتهت‬
‫انحأناءات المقابلة قادوه إلى صالة ‪ .‬هنا جاء المحأزون الصغير الول لستقباله ‪ .‬و تما تبادل‬
‫عبارات المواساة و الشكر بينهما ‪ ,‬ثما جلسوا جميع ا إلى الوليمة المترفة و رحأبوا بالقرد كضيف شرف‬
‫‪.‬‬
‫انتهت الوليمة ‪ ,‬ودعي بعد ذلك إلى غرفة مراسما الشاي ليتناول فنجانا من الشاي‪ .‬حأين قاد‬
‫السرطان الصغير القرد إلى غرفة الشاي تركه و انسحأب ‪ .‬مر الوقت و مع ذلك لما يعد‪ .‬أخي ار نفد‬
‫صبر القرد ‪ .‬قال في نفسه ‪:‬‬
‫" إن مراسما الشاي هذه تكون عادة مسألة بطيئة ‪ .‬أنا متعب من النتظار طويلا ‪ .‬أنا‬
‫عطشان كثي ار بعد شرب الكثير من شراب الساكه في المأدبة !"‬
‫ثما اقترب من موقد الحأطب و بدأ يصب بعض الماء الحأار من إبريق يغلي هناك ‪ ,‬حأين‬
‫انفجر شيء ما من بين الرماد مصد ار قرقعة عظيمة و ضرب القرد على رقبته مباشرة‪ .‬كانت تلك‬
‫هي حأبة الكستناء ‪ ,‬و هي واحأدة من أصدقاء السرطان ‪ ,‬أخفت نفسها في الموقد ‪ .‬قفز القرد ‪,‬‬
‫مأخوذا بالمفاجأة ‪ ,‬إلى الخلف ‪ ,‬ثما شرعا يركض إلى خارج الغرفة ‪.‬‬
‫في هذا الوقت طارت النحألة‪ ,‬التي كانت مختبئة خارج الستائر‪ ,‬و لسعته من خده ‪ .‬تألما القرد‬
‫كثي ار ‪ ,‬احأترقت رقبته بالكستناء ولكتسقع على خده على نحأو خطير من قبل النحألة ‪ ,‬لكنه تابع الركض‬
‫صارخا و مثرث ار من الغيظ ‪.‬‬
‫كان حأجر الرحأى قد أخفى نفسه مع عدة أحأجار أخرى في أعلى بوابة السرطان ‪ ,‬و بينما كان‬
‫القرد يركض تحأتها ‪ ,‬سقط حأجر الرحأى و سقطت جميع الحأجارة فوق رأس القرد ‪ .‬هل كان ممكن ا‬

‫‪109‬‬
‫أن يحأتمل القرد وزن حأجر الرحأى الساقط عليه من أعلى البوابة ؟ تمدد محأطم ا ومتألم ا جدا ‪ ,‬غير‬
‫قادر تماما على النهوض ‪ .‬وفيما هو ممدد ل حأيلة له هناك خرج السرطان الصغير وقد أنشب‬
‫مخالبه العظيمة التي تشبه المقص فوق القرد ‪ ,‬قال ‪:‬‬
‫" هل تتذكر الن أنك قتلت أبي ؟ "‬
‫" إذن أنت عدوي ؟" لهثا القرد بانكسار ‪.‬‬
‫" طبع ا ‪ " ,‬قال السرطان الصغير ‪.‬‬
‫" كان الخطأ خطأ أبيك و ليس خطئي ؟" قال القرد غير التائب وهو يلهثا‪.‬‬
‫" أتستطيع أن توتغقل في الكذب ؟ عما قليل سأضع نهاية لقنفقتسك ! "‬
‫و بذلك قطع رأس القرد بمخالبه التي تشبه الكماشة‪ .‬و هكذا نال القرد عقابه الذي يستحأقه ‪ ,‬وثأر‬
‫السرطان الصغير لموت أبيه ‪.‬‬
‫هذه هي نهاية قصة القرد ‪ ,‬و السرطان ‪ ,‬و بذرة البرسيمون ‪.‬‬

‫الرنب البيض و التماسيح‬


‫في الماضي البعيد جدا ‪ ,‬حأين كانت جميع الحأيوانات تتكلما ‪ ,‬كان يعيش ‪ ,‬في مقاطعة إنابا‬
‫في اليابان ‪ ,‬أرنب صغير أبيض ‪ ،‬يقع بيته فوق جزيرة أوكي ‪ ,‬و عبر البحأر تماما كان يوجد بر‬
‫إنابا الرئيسي ‪.‬‬
‫كثي ار ما تمنى أن يعبر إلى إنابا ‪ .‬فكان يخرج يوم ا بعد يوما ليجلس على الشاطئ و ينظر‬
‫بشوق فوق الماء نحأو إنابا ‪ ,‬وأقتمقل يوم ا بعد يوما أن يجد طريقة ما للعبور ‪.‬‬
‫في أحأد الياما كما العادة ‪ ,‬كان الرنب يقف على الشاطئ ‪ ,‬ناظ ار نحأو البر الرئيسي عبر‬
‫الماء ‪ ,‬حأين رأى تمساحأا عظيما يسبح قرب الجزيرة ‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫فكر الرنب " هذا مناسب كثي ار ! الن سأكون قاد اقر على تحأقيق رغبتي ‪ .‬سأطلب من‬
‫التمساح أن يحأملني عبر البحأر !"‬
‫لكنه ش ي‬
‫ك فيما إذا كان التمساح سيوافق على تنفيذ ما يطلبه ‪ ,‬لذا فكر بدلا من طلب خدمة أن‬
‫يحأاول الحأصول على ما يريد بخدعة ‪.‬‬
‫لذا نادى التمساح بصوت مرتفع ‪ ,‬و قال ‪:‬‬
‫" أوه ‪ ,‬يا سيد تمساح ‪ ,‬أليس اليوما يوم ا رائع ا ؟"‬
‫كان التمساح الذي خرج وحأده في ذلك اليوما ليستمتع بضوء الشمس الساطع ‪ ,‬قد بدأ لتوه‬
‫يشعر بالوحأدة قليلا عندما كسرت تحأية الرنب المبهجة الصمت ‪ .‬سبح التمساح قريبا من الشاطئ ‪,‬‬
‫و قد كسير لسماعا أحأدهما يتكلما ‪.‬‬
‫" أتساءل من الذي تكلما إلي هذه اللحأظة! أكنت أنت يا سيد أرنب ؟ ل بد أنك مستوحأش تمام ا‬
‫وأنت وحأدك !"‬
‫قال الرنب ‪ :‬أوه ‪ ,‬ل ‪ ,‬أنا لست مستوحأشا على الطلق ‪ ,‬و لكن بما أنه يوما جميل فقد‬
‫ل؟"‬
‫خرجت إلى هنا لمتع نفسي ‪ .‬ألن تتوقف و تلعب معي قلي ا‬
‫خرج التمساح من البحأر و جلس على الشاطئ ‪ ,‬و لعب الثنان مع ا لبعض الوقت ‪ .‬ثما قال‬
‫الرنب ‪:‬‬
‫" يا سيد تمساح ‪ ,‬أنت تعيش في البحأر و أنا أعيش على هذه الجزيرة ‪ ,‬و نحأن لنتقابل كثي ار‬
‫‪ ,‬لذا فأنا أعرف القليل عنك ‪ .‬أخبرني ‪ ,‬هل تعتقد بأن عدد جماعتك أكبر من عدد جماعتي؟"‬
‫أجاب التمساح ‪ " :‬طبعاا‪ ,‬يوجد من التمساح أكثر مما يوجد من الرانب ‪ ,‬أل تستطيع أن‬
‫تشاهد ذلك بنفسك ؟ أنت تعيش على هذه الجزيرة الصغيرة ‪ ,‬بينما أنا أعيش في البحأر ‪ ,‬الذي يمتد‬
‫خلل كل أرجاء العالما ‪ ,‬لذا فلو دعوت كل التماسيح التي تسكن في البحأر فستكونون أيها الرانب‬
‫كل شيء بالمقارنة معنا !" كان التمساح معجب ا بنفسه كثي ار ‪.‬‬
‫قال الرنب ‪ ,‬الذي قصد أن يحأتال على التمساح ‪:‬‬
‫" هل تعتقد بأنه يمكنك أن تدعو ما يكفي من التماسيح لتشكل خطا من هذه الجزيرة عبر‬
‫البحأر حأتى إنابا ؟ "‬
‫فكر التمساح لحأظة ‪ ,‬ثما أجاب ‪:‬‬
‫" طبع ا ‪ ,‬هذا ممكن ‪" .‬‬
‫قال الرنب الماكر ‪ " :‬إذن جرب ‪ ,‬و سأعد من هنا !"‬
‫وافق التمساح ‪ ,‬الذي كان ساذجا كثي اقر ‪ ,‬و الذي لما يكن لديه أدنى فكرة عن أن الرنب يقصد‬
‫أن يحأتال عليه ‪ ,‬وافق أن يفعل ما طلبه الرنب ‪ ,‬و قال ‪:‬‬
‫" انتظر قليلا ريثما أعود إلى البحأر و أدعو جماعتي للجتماعا !"‬

‫‪111‬‬
‫غطس التمساح في البحأر و غاب لبعض الوقت ‪ .‬في غضون ذلك ‪ ,‬انتظر الرنب على‬
‫الشاطئ أخي ار ظهر التمساح ‪ ,‬و قد أحأضر معه عددا كبي ار من التماسيح الخرى ‪.‬‬
‫قال التمساح ‪ " :‬انظر يا سيد أرنب ! إنه لمر بسيط بالنسبة لصدقائي أن يشكلوا خطا من‬
‫هنا إلى إنابا ‪ .‬لنه يوجد ما يكفي من التماسيح ليمتدوا من هنا و حأتى الصين أو الهند ‪ .‬هل رأيت‬
‫من قبل مثل هذا العدد من التماسيح ؟ "‬
‫ثما رتيقب ب‬
‫ت كل التماسيح نفسها في الماء لتشكل جس ار بين جزيرة أوكي و بر إبانا الرئيسي ‪.‬‬
‫حأين رأى الرنب جسر التماسيح ‪ ,‬قال ‪:‬‬
‫" يا للروعة ! لما أكن أصدق أن هذا ممكن ‪ .‬دعوني لن أعدكما جميعا ! ولكي أفعل هذا ‪,‬‬
‫على أي حأال و بالذن منكما ‪ ,‬فإن علي أن أمشي فوق ظهوركما إلى الجانب الخر ‪ ,‬لذا من فضلكما‬
‫ل تتحأركوا و إل فسأسقط في البحأر و أغرق ! "‬
‫هكذا قفز الرنب من الجزيرة على جسر التماسيح الغريب ‪ ,‬وهو يعرد بينما يقفز من ظهر‬
‫تمساح إلى الخر ‪:‬‬
‫" من فضلكما ابقوا ساكنين ‪ ,‬و إل فلن أكون قاد ار على العد ‪ .‬واحأد ‪ ,‬إثنان ‪ ,‬ثلثة ‪ ,‬أربعة ‪,‬‬
‫خمسة ‪ ,‬ستة ‪ ,‬سبعة ‪ ,‬ثمانية ‪ ,‬تسعة ‪" ........‬‬
‫بهذا الشكل مشى الرنب الماكر إلى بر إنابا الرئيسي مباشرة ‪ .‬غير قانلع بتحأقيق رغبته‪ ,‬حأتى‬
‫راح يسخر من التماسيح بدلا من أن يشكرها ‪ ,‬و قال ‪ ,‬بينما كان يقفز عن ظهر آخر واحأد منها ‪:‬‬
‫" أوه ‪ ,‬أيتها التماسيح الحأمقى ‪ ,‬لقد سخرت الن منكما ! "‬
‫و كان على وشك أن يركض بعيدا بأسرعا ما يستطيع ‪ ,‬لكنه لما ينج بسهولة ‪ ,‬لنه حأالما أدركت‬
‫التماسيح أنها كانت حأيلة انطلت عليها من قبل الرنب لتمكنه من عبور البحأر ‪ ,‬و أن الرنب‬
‫يضحأك الن منها لحأمقها ‪ ,‬غضبت بهياج و قررت أن تثأر ‪ .‬ركض بعضها في إثر الرنب و‬
‫أمسكت به ‪ .‬ثما أحأاطت جميعها بالحأيوان الصغير المسكين ونتفت فبرقوه كله‪ .‬صرخ بصوت مرتفع‬
‫و توسل إليها أن تصفح عنه ‪ ,‬لكنها مع كل مزعة من الفرو تنتزعها ‪ ,‬كانت تقول ‪:‬‬
‫" نحأن نقوما بواجبك ! "‬
‫حأين انتزعت التماسيح آخر قطعة من الفرو ‪ ,‬ألقت الرنب المسكين على الشاطئ ‪ ,‬و سبحأت‬
‫جميع ا بعيدا و هي تضحأك مما فعلت ‪.‬‬
‫كان الرنب عندئذ في حأالة مثيرة للشفقة ‪ ,‬قد انتكتزعا كل فروه البيض الجميل‪ ,‬و جسده الصغير‬
‫العاري يرتجف ألما و ينزف ‪ .‬لما يستطع أن يتحأرك ‪ ,‬و كل ما استطاعا أن يفعله هو أن يتمدد على‬
‫الشاطئ دون معين أبدا و يبكي المصيبة التي حألت به ‪ .‬و مع أن غلطة أرنب إنابا البيض هي‬
‫التي جلبت عليه كل هذا البؤس و المعاناة فإن أي شخص يرى هذا المخلوق الصغير المسكين ل بيد‬
‫إل أن يشعر بالسى له على حأالته الحأزينة ‪,‬لن التماسيح كانت قاسية في انتقامها ‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫في هذا الوقت بالضبط صادف مرور عدد من الرجال ‪ ,‬بدا أنهما أبناء الملك ‪ ,‬ولدى مشاهدة الرنب‬
‫ممددا على الشاطئ وهو يصيح ‪ ,‬توقفوا و سألوا ما المر ‪.‬‬
‫رفع الرنب رأسه من بين يديه ‪ ,‬و أجابهما قائلا ‪:‬‬
‫" جرى قتال بيني و بين بعض التماسيح ‪ ,‬لكنني كهتزبم ك‬
‫ت ‪ ,‬و نزعوا كل فرائي و تركوني كي‬
‫أعاني هنا ـ لذا فأنا أبكي ‪" .‬‬
‫حأينها كان مزاج أحأد هؤلء الشباب سيئ ا و حأاقدا ‪ .‬لكنه تظاهر باللطف و قال للرنب‪:‬‬
‫" أنا أشعر بالسف الشديد عليك ‪ .‬لو تجرب فقط ‪ ,‬أنا أعرف علجا سشفي جسدك المتوجع‪.‬‬
‫اذهب واستحأما بالبحأر ‪ ,‬ثما تعال و اجلس في الريح ‪ .‬هذا سيجعل فراءك ينمو ثانية ‪ ,‬و ستعود كما‬
‫كنت من قبل تماما ‪" .‬‬
‫ثما تابع الشباب جميع ا سيرهما ‪ .‬كان الرنب مسرو ار كثي ار ‪ ,‬ظن ا منه أنه قد وجد علج ا ‪ .‬ذهب‬
‫و استحأما في البحأر ثما خرج و جلس حأيثا تستطيع الريح أن تهب عليه ‪.‬‬
‫لكن حأين هبت الريح و جففته ‪ ,‬أصبح جلده منكمشا و قاسيا ‪ ,‬و زاد الملح اللما كثي ار بحأيثا‬
‫تدحأرج على الرمل من كربه و صاح عاليا ‪..‬‬
‫عند ذلك تمام ا مر ولد آخر من أولد الملك ‪ ,‬حأاملا على ظهره حأقيبة كبيرة ‪ .‬رأى الرنب‪,‬‬
‫ووقف و سأل لماذا يصرخ هكذا بصوت مرتفع‪.‬‬
‫لكن الرنب المسكين ‪,‬و قد تذكر أنه خدعا من قبل رجل يشبه الرجل الذي كان يكلمه ‪ ,‬لما‬
‫يجب ‪ ,‬و إنما تابع الصراخ ‪.‬‬
‫لكن هذا الرجل كان ذا قلب ودود ‪ ,‬و نظر إلى الرنب بإشفاق شديد ‪ ,‬و قال ‪:‬‬
‫" أيها الشيء المسكين ! أرى أن فراءك قد سلخ كله و أن جلدك عار تمام ا ‪ .‬من ذا الذي‬
‫استطاعا أن يعاملك بهذه القسوة ؟ "‬
‫حأين سمع الرنب هذه الكلمات اللطيفة شعر بالمتنان للرجل ‪ ,‬و أخبره متشجع ا بمسلكه‬
‫المحأبب‪ ،‬بكل ما حأل به ‪ .‬لما يخف الحأيوان الصغير شيئا عن صديقه ‪ ,‬و إنما أخبره بصراحأة كيف‬
‫احأتال على التماسيح و كيف أنه جاء عبر الجسر الذي صنعته ‪ ,‬ظانة أن رغب في أن يعدها ؛ً‬
‫كيف سخر من حأماقتها ‪ ,‬ثما كيف انتقمت التماسيح لنفسها منه ‪ .‬ثما تابع ليقول كيف تما خداعه من‬
‫قبل زمرة من الرجال اللذين كانوا يشبهون صديقه اللطيف ؛ً و أنهى الرنب حأكاية تعاسته الطويلة‬
‫برجاء الرجل أن يعطيه شيئ ا من الدواء الذي يشفيه و يجعل فراءه ينمو ثانية ‪.‬‬
‫حأين أنهى الرنب حأكايته ‪ ,‬كان الرجل يفيض شفقةا عليه‪ ,‬وقال ‪:‬‬
‫" أنا آسف كثي ار لكل ما عانيته ‪ ,‬لكن تذكر ‪ ,‬أن المر كان فقط نتيجة الحأيلة التي مارستها‬
‫على التماسيح ‪" .‬‬

‫‪113‬‬
‫أجاب الرنب الحأزين ‪ " :‬أعرف ‪ ,‬لكنني ندمت و قررت أل أستعمل الحأيلة ثانية أبداا‪ ,‬لذا‬
‫أرجوك أن ترشدني كيف يمكنني أن أعالج جسدي المتوجع و أجعل فرائي ينمو ثانية ‪" .‬‬
‫قال الرجل ‪ " :‬إذن سأخبرك بعلج جيد ‪ ,‬اذهب أولا و اغتسل جيدا في تلك البركة التي هناك‬
‫و حأاول أن تغسل كل الملح عن جسدك ‪ .‬ثما اقطف شيئ ا من أزهار الكابا تلك التي تنمو قرب حأافة‬
‫الماء ‪ ,‬افرشها على الرض و تدحأرج عليها ‪ .‬إذا فعلت هذا فإن غبار الطلع سيجعل فراءك ينمو‬
‫ثانية ‪ ,‬و ستغدو معافى خلل مدة وجيزة ‪" .‬‬
‫كان الرنب مسرو ار كثي ار بإخباره ماذا يفعل ‪ ,‬بهذا اللطف ‪ .‬زحأف نحأو البركة التي أشير‬
‫عليه بها ‪ ,‬اغتسل جيدا فيها ‪ ,‬ثما قطف أزهار الكابا النامية قرب الماء ‪ ,‬و تدحأرج عليه‪.‬‬
‫و ما أدهشه ‪ ,‬حأتى حأين كان يفعل هذا ‪ ,‬أنه رأى فراءه البيض الجميل ينمو ثانية ‪ ,‬توقف‬
‫اللما ‪ ,‬و شعر تمام ا كما كان يشعر قبل كل مصائبه‪.‬‬
‫غمرت البهجة الرنب لشفائه السريع ‪ ,‬و مضى يقفز بابتهاج نحأو الشاب الذي ساعده كثي ارا‪,‬و‬
‫قال جاثيا على ركبتيه عند قدميه ‪:‬‬
‫" ل أستطيع أن أعبر عن شكري لكل ما فعلته من أجلي ! إنها رغبتي الصادقة أن أصنع لك‬
‫شيئ ا في المقابل ‪ .‬أرجوك أخبرني من تكون ؟‬
‫أجاب الرجل ‪ " :‬أنا لست ابن الملك كما تظنني ‪ .‬أنا جني ‪ ,‬و اسمي اوكوني ـ نوشي ـ نو ـ‬
‫ميكوتو ‪ ,‬و تلك الكائنات التي مرت من هنا قبلي هما أخوتي ‪ .‬لقد سمعوا بأميرة جميلة تدعى ياكامي‬
‫تعيش في مقاطعة إنابا هذه ‪ ,‬و هما في طريقهما ليجدوها و يطلبوا منها أن تتزوج واحأدا منهما ‪ .‬لكنني‬
‫لست في هذه الحأملة إل خادما ‪ ,‬لذا فأنا أمشي خلفهما و هذه الحأقيبة الكبيرة على ظهري ‪" .‬‬
‫تواضع الرنب أماما هذا الجني العظيما اوكوني ـ نوشي ـ نو ـ ميكوتو ‪ ،‬الذي كان كثير من‬
‫الناس في تلك البلد يعبدونه كإله‪ " .‬أوه‪ ،‬لما أكن أعلما أنك اوكوني – نوشي – نو – ميكوتو‪ .‬كما‬
‫كنت لطيف ا معي !من المستحأيل أن أصدق أن ذلك الفتى الفظ الذي أرسلني للستحأماما في البحأر‬
‫واحأد من أخوتك ‪ .‬أنا واثق تماما أن الميرة التي ذهب أخوتك في طلبها‪ ,‬سترفض أن تكون عروسا‬
‫لي منهما ‪ ,‬و ستفضلك من أجل طيبة قلبك ‪ .‬أنا متأكسد تماما أنك ستفوز بقلبها دون أن تقصد أنت‬
‫ب أن تكون عروسك ‪" .‬‬
‫ذلك ‪ ,‬و ستطل ك‬
‫لما يل ت‬
‫ق اوكوني ـ نوشي ـ نو ـ ميكوتو بالا لما قاله الرنب ‪ ,‬و إنما تابع طريقه بسرعة مودع ا‬
‫الحأيوان الصغير‪,‬و بعد وقت قصير أدرك أخوته ‪ .‬فوجدهما يدخلون بوابة الميرة ‪.‬‬
‫تماما كما قال الرنب ‪ ,‬لما تقتنع الميرة بأن تصبح عروسا لي من الخوة ‪ ,‬و لكنها حأين‬
‫نظرت إلى وجه الخ اللطيف ذهبت إليه مباشرة إليه وقالت ‪:‬‬
‫" لك أمنح نفسي " و هكذا تزوجا ‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫هذه هي نهاية القصة ‪ .‬يعبد اوكوني ـ نوشي ـ نو ـ ميكوتو من قبل الناس في بعض أجزاء‬
‫اليابان ‪ ,‬كإله ‪ ,‬و أصبح الرنب مشهو ار باسما" أرنب إنابا البيض ‪ ".‬لكن ماذا حأل بالتماسيح فل‬
‫أحأد يعرف ‪.‬‬

‫قصة المير ياما تو تاكي‬


‫تتكون علمات السلطة المبراطورية اليابانية العظيمة من ثلثة كنوز تعتبر مقدسة ‪,‬‬
‫محأروسة بعناية فائقة منذ زمن سحأيق ‪ .‬تلك هي ياتا نونو ـ كاغامي أو مرآة ياتا ‪ ,‬و ياساكامي ـ نو ـ‬
‫ماغاتما أو جوهرة ياساكامي ‪ ,‬و موراكومو ـ نو ـ تسوروغي أو سيف موراكومو ‪.‬‬
‫و من بين كنوز المبراطورية الثلثة‪ ,‬يعتبر سيف موراكومو ‪ ,‬الذي عرف فيما بعد‬
‫بكوساناغي ـ نوـ تسوروغي ‪ ,‬أو السيف فالق العشب ‪,‬الغلى و يجب أن يجل عاليا أكثر من غيره ‪,‬‬
‫لنه رمز قوة هذه المة من المحأاربين و طلسما عدما هزيمة المبراطور ‪ ,‬ماداما يحأتفظ به مقدسا في‬
‫ضريح أسلفه ‪.‬‬
‫منذ حأوالي ألفي عاما مضت تما حأفظ هذا السيف في أضرحأة آيتي ‪ ,‬المعابد التي كرست‬
‫لعبادة أماتي راسو ‪ ,‬إلهة الشمس الجميلة و العظيمة التي يقال إن منها انحأدر أباطرة اليابان‪.‬‬
‫ثمة قصة لمغامرة فروسية و شجاعة تشرح لماذا كبصدقل اسما السيف من موراكومو إلى‬
‫كوساناغي ‪ ,‬الذي يعني فالق العشب ‪.‬‬
‫ذات مرة ‪ ,‬منذ سنوات عديدة مضت ‪ ,‬ولد ولسد للمبراطور كيكو ‪ ,‬الثاني عشر في النسب من‬
‫جيمو العظيما ‪ ,‬مؤسس السللة اليابانية الحأاكمة ‪ .‬كان هذا المير الولد الثاني للمبراطور كيكو ‪ ,‬و‬
‫كان يدعى ياماتو ‪ .‬أثبت منذ طفولته أنه ذو قوة متميزة ‪ ,‬و حأكمة و شجاعة ‪ ,‬و لحأظ أبوه بفخر‬
‫أنه قيتعكد بأشياء عظيمة ‪ ,‬و أحأبه حأتى أكثر من أخيه الكبر ‪.‬‬
‫حأين نما المير ياماتو نحأو الرجولة " في الياما القديمة للتاريخ الياباني ‪,‬كان يعتبر الولد قد‬
‫بلغ مبلغ الرجال في أوائل سن السادسة عشر " أزعجت المملكة كثي ار من قبل عصابة من الخارجين‬
‫على القانون الذين كان زعيميهما الخوان ‪ ,‬كوماسو و تاكيرو ‪ .‬بدا أن هؤلء المتمردين كانوا‬
‫يبتهجون في التمرد ضد الملك ‪ ,‬و في انتهاك القوانين وتحأدي كل سلطة ‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫طاعا الطرق ‪ ,‬إواذا أمكن‪ ,‬أن‬
‫أخي ار أمر الملك ريكو ولده الصغر المير ياماتو أن يخضع ق ل‬
‫يخلص البلد من حأياتهما الشريرة ‪ .‬كان المير ياماتو في السادسة عشر من عمره فقط ‪,‬قد بلغ مبلغ‬
‫الرجولة بحأسب القانون ‪ ,‬ومع أنه كان في السن ذلك الشاب فإنه حأاز روح محأارب ل يهاب مكتمل‬
‫الرجولة ول يعرف ما هو الخوف ‪ .‬حأتى وقتها لما يكن هناك رجل يستطيع أن ينافسه في الشجاعة‬
‫والفعال الجسورة ‪ ,‬وتلقى أمر والده بابتهاج عظيما ‪.‬‬
‫استعد فو ار للبدء ‪ ,‬وعظيمة كانت الجلبة في حأدود القصر بينما كان هو وأتباعه الثقاة يتجمعون‬
‫معا ويستعدون لجل الحأملة ‪ ,‬و يلصمعون دروعهما ويلبسونها ‪ .‬ذهب قبل أن يغادر بلط والده ليصلي‬
‫عند أضرحأة إيسي و ليأخذ إذن عمته الميرة ياماتو ‪ ,‬لن قلبه كان ثقيلا نوعا ما من فكرة الخطار‬
‫التي كان عليه مواجهتها ‪ ,‬وشعر أنه كان يحأتاج إلى حأماية سلفه‪,‬أماتيراسو ‪ ,‬إله الشمس ‪ .‬خرجت‬
‫عمته الميرة لتقدما له ترحأيب ا سا لار ‪ ,‬وهنأته على إيكال هذه المهمة الكبيرة إليه من قبل والده الملك ‪.‬‬
‫ثما أعطته واحأدا من أثوابها الرائعة تذكا ار يذهب معه ليجلب له الحأظ الطيب ‪ ,‬قائلة إنه من المؤكد‬
‫أنه سيستخدمه في هذه المغامرة ‪ .‬ثما تمنت له كل نجاح في مشروعه و رجت له سرعة طيبة ‪.‬‬
‫انحأنى المير الشاب أماما عمته ‪ ,‬و ا ستلما هديتها اللطيفة بسرور بالغ وكثير من انحأناءات‬
‫الحأتراما ‪.‬‬
‫قال المير ‪" :‬سأنطلق الن " و وضع نفسه على رأس جيشه عائدا إلى القصر ‪.‬‬
‫ومبتهج ا هكذا ببركة عمته ‪ ,‬شعر بالستعداد لكل ما سيحأل ‪ ,‬وسائ ار عبر البلد نزل إلى جزيرة‬
‫كيوشيو الجنوبية ‪ ,‬موطن قطاعا الطرق ‪.‬‬
‫قبل مضي أياما عديدة وصل إلى الجزيرة الجنوبية ‪ ,‬ثما شق طريقه ببطء لكن بثقة نحأو مركزي‬
‫قيادة الزعيمين كوماسو و تاكيرو ‪ .‬جوبه في ذلك الوقت بصعوبات كبيرة ‪ ,‬لنه وجد البلد مقف ار‬
‫ووع ار جداا‪ .‬كانت الجبال مرتفعة وشديدة النحأدار ‪ ,‬والوديان مظلمة وعميقة ‪ ,‬وسدت الشجار‬
‫الضخمة وجلميد الصخر الطريق وأوقفت تقدما جيشه ‪ .‬كان من المستحأيل تقريب ا الستمرار ‪.‬‬
‫مع أن المير لما يكن سوى مجرد شالب فقد كانت لديه حأكمة السنين ‪ ,‬قال في نفسه مدركا‬
‫أنه من غير المجدي أن يحأاول قيادة رجاله قككدماا‪:‬‬
‫" إن محأاولة القتال في معركة في هذا البلد الذي يتعذر اجتيازه والمجهول بالنسبة لرجالي‬
‫يجعل مهمتي أصعب ‪ .‬إننا ل نستطيع أن ننظف الطرق ونحأارب في الوقت ذاته ‪ .‬إن من الحأكمة‬
‫بالنسبة لي اللجوء إلى الحأيلة و أن أباغت أعدائي على حأين غرة ‪ .‬بتلك الطريقة ربما أستطيع أن‬
‫أقتلهما دون عناء كبير ‪" .‬‬
‫لذا أمر جيشه بالوقوف على جانب الطريق ‪ .‬كانت زوجته ‪ ,‬الميرة أوتوتاتشيبانا ‪ ,‬قد رافقته ‪,‬‬
‫فأمرها أن تحأضر له الثوب الذي أعطته إياه عمته كاهنة إيسي ‪ ,‬وأن تساعده في أن يلبس كامرأة ‪.‬‬
‫ارتدى الثوب بمساعدتها ‪ ,‬وأرخى شعره إلى السفل إلى أن انساب على كتفيه‪ .‬ثما أحأضرت له‬

‫‪116‬‬
‫أوتوتاتشيبانا مشط ا ‪ ,‬وضعه في ضفائره السود ‪ ,‬ثما تزين بحأبال من الجواهر الغريبة كما تشاهد في‬
‫الصورة ‪ .‬عندما أنهى تبرجه غير المعتاد ‪ ,‬أحأضرت له أوتوتاتشيبانا مرآتها ‪ .‬ابتسما حأين حأدق‬
‫بنفسه – كان التنكر كاملا إلى درجة كبيرة ‪.‬‬
‫بالكاد عرف نفسه ‪ ,‬فقد تغير كثي ارا‪ .‬اختفت كل معالما المحأارب ‪ ,‬و على الصفحأة المشرقة‬
‫أطلت عليه سيدة جميلة فقط ‪.‬‬
‫انطلق متنك ار هكذا بشكل تاما ‪ ,‬نحأو مخيما العدو بمفرده‪ .‬وفي ثنايا عباءته الحأريرية ‪ ,‬قريب ا من‬
‫قلبه القوي ‪ ,‬كان يخفي خنج ار حأادا ‪.‬‬
‫كان الزعيمان كوماسو و تاكيرو جالسين في خيمتهما ‪ ,‬يستريحأان في برودة المساء ‪ ,‬حأين‬
‫اقترب المير ‪ .‬كانا يتحأدثان عن الخبار التي كحأتمقلت إليهما مجددا ‪ ,‬بأن ولد الملك دخل بلدهما‬
‫بجيش كبير عاقدا العزما على أن يفني عصابتهما ‪ ,‬سمع كلهما بشهرة المحأارب الشاب ‪ ,‬ولول مرة‬
‫في حأياتهما الشريرة شع ار بالخوف ‪ .‬أثناء توقف قصير في حأديثهما صادف أن نظ ار إلى أعلى ‪,‬‬
‫ورأيا خلل باب الخيمة امرأة جميلة مكسوة بثياب فخمة قادمة نحأوهما ‪.‬‬
‫ظهرت مثل شبح الجمال في الشفق الناعما ‪ .‬لما يكدر في خلدهما أن عدوهما الذي يهابان مجيئه‪ ,‬هو‬
‫ذاك الذي وقف أمامهما في هذا التنكر ‪.‬‬
‫قال كوماسو المندهش ناسي ا الحأرب والمجلس وكل شيء بينما كان ينظر إلى المتطفل‬
‫اللطيف‪ ":‬يا لها من امرأة جميلة ! من أين أتت ؟"‬
‫أشار إلى المير المتنكر ودعاه للجلوس وتقديما الشراب لهما ‪ .‬شعر ياماتوتاكي بقلبه ينتفخ‬
‫بمرح عنيف لنه عرف الن أن خطته ستنجح ‪ .‬ومع ذلك ‪ ,‬تظاهر بذكاء ‪ ,‬مظه ار مسحأة من‬
‫الحأياء تقدما نحأو الزعيما المتمرد بخطوات وئيدة وعينين تطرفان مثل غزال مذعور ‪ .‬شرب كوماسو‬
‫مفتون ا بجمال الفتاة إلى درجة الذهول ‪ ,‬فنجان ا وراء فنجان من الشراب لجل متعة مشاهدتها تصبه‬
‫ب تمام ا أخي ار بالكمية التي شربها ‪.‬‬ ‫ت‬
‫له ‪ ,‬إلى أن كغل ق‬
‫كانت هذه هي اللحأظة التي كان المير الشجاعا ينتظرها ‪ ,‬أمسك كوماسو المترنح والمندهش‬
‫ملقيا زجاجة الشراب أرضاا‪ ,‬وطعنه حأتى الموت بالخنجر الذي حأمله س ار مخبأا في صدره ‪.‬‬
‫صدما تاكيرو ‪ ,‬شقيق قاطع الطريق بالرعب ‪ ,‬حأالما رأى ما حأدثا وحأاول الهرب ‪ ,‬لكن المير‬
‫ياماتو كان أسرعا منه ‪ ,‬فقبل أن يصل باب الخيمة كان المير على إثره ‪ ,‬أمسك ملبسه بيد من‬
‫حأديد ‪ ,‬ولمع خنجر أماما عينيه وتمدد مطعون ا على الرض ‪ ,‬في النزعا لكنه لما يمت بعد ‪.‬‬
‫قال قاطع الطريق لهثا بألما ‪ " :‬انتظر لحأظة ! " ‪ ,‬وأمسك يد المير ‪.‬‬
‫أرخى ياماتو قبضته قليلا وقال ‪:‬‬
‫" لماذا علي أن أتوقف ‪ ,‬أيها الوغد ؟ "‬
‫رفع قاطع الطريق نفسه بخوف وقال ‪:‬‬

‫‪117‬‬
‫" أخبرني من أين أتيت ‪ ,‬ومع من أتشرف بالحأديثا ؟ كنت أعتقد حأتى اليوما أنني وأخي‬
‫الميت أقوى رجلين في البلد ‪ ,‬وأنه ليس هناك من يستطيع أن يهزمنا ‪ .‬أنت وحأدك غامرت بالدخول‬
‫إلى معقلنا ‪ ,‬ووحأدك هاجمتنا وقتلتنا ! ل ريب أنك أكثر من إنسان ؟ "‬
‫هنا أجاب المير الشاب بابتسامة فخورة ‪ " :‬أنا ابن الملك واسمي ياماتو ‪ ,‬ولقد أرسلت من‬
‫قبل أبي كمنتقما من الشر لجلب الموت لكل المتمردين ! ليس بعد الن سرقة ول قتل تبقي شعبي‬
‫في رعب ! " ورفع الخنجر يقطر حأمرة فوق رأس المتمرد ‪.‬‬
‫لهثا الرجل الذي كان في الينزعا قائلا بجهد كبير ‪ " :‬لطالما سمعت بك ‪ .‬أنت حأقا رجل قوي‬
‫لنك تغلبت علينا بسهولة ‪ .‬اسمح لي أن أمنحأك اسما جديدا ‪ .‬من الن فصاعدا ستعرف بـ‬
‫ياماتوتاكي ‪ .‬أوصي لك بلقبنا كأشجع رجل في اليابان ‪" .‬‬
‫ومع هذه الكلمات النبيلة ‪ ,‬سقط تاكيرو إلى الوراء ومات ‪.‬‬
‫استعد المير الن للعودة إلى العاصمة‪ ،‬بعد أن وضع بنجاح نهاية لعداء أبيه في الغرب‪.‬‬
‫في طريق عودته مر عبر مقاطعة إيدزومو ‪ .‬هنا جوبه من خارج آخر على القانون يدعى‬
‫إيدزوموتاكيرو ‪ ,‬علما أنه قد أسرف في فعل الذى في البلد ‪ .‬لجأ ثانية إلى الحأيلة ‪ ,‬وتظاهر‬
‫بالصداقة مع المتمرد تحأت اسما منتحأل ‪ .‬بعد هذا صنع سيف ا من الخشب و ثبته بقوة على غمد سيفه‬
‫الفولذي ‪ .‬كان يربطه إلى جنبه ويحأمله عمدا في كل مناسبة حأين توقع أن يقابل اللص الثالثا‬
‫تاكيرو ‪.‬‬
‫الن دعا تاكيرو إلى ضفة نهر هينوكاوا ‪ ,‬وأقنعه أن يجرب أن يسبح معه في مياه النهر‬
‫الباردة المنعشة ‪.‬‬
‫بما أنه كان يوم ا صيفي ا حأا ار ‪ ,‬لما يكن لدى المتمرد ما ينفره من أن يغطس غطسة في النهر‬
‫‪ .‬وبينما كان عدوه ل يزال يسبح في الجدول ‪ ,‬استدار المير وخرج إلى اليابسة بكل سرعة ممكنة ‪.‬‬
‫دون أن يشعر به أحأد ‪ ,‬تدبر أمر تبديل السيفين ‪ ,‬واضع ا سيفه الخشبي في مكان سيف تاكيرو‬
‫الفولذي الباتر ‪.‬‬
‫غير عالما بهذا ‪ ,‬خرج قاطع الطريق إلى الضفة قريبا ‪ ,‬حأالما وطئ اليابسة وارتدى ملبسه ‪,‬‬
‫تقدما المير وطلب منه أن يبارزه بالسيف ليثبت مهارته ‪ ,‬قائلا ‪:‬‬
‫" دعنا نبرهن من هو المبارز الفضل من بيننا ! "‬
‫وافق اللص بسرور ‪ ,‬شاع ار بثقة بالنصر ‪ ,‬لنه كان مبار از مشهو ار في مقاطعته ولما يكن‬
‫يعلما من هو خصمه ‪ ,‬أمسك بسرعة ما ظنه سيفه ووقف باستعداد ليدافع عن نفسه ‪.‬‬
‫واحأسر تاه ! على المتمرد ‪ ,‬فقد كان السيف سيف المير الشاب الخشبي ‪ ,‬وحأاول دون جدوى أن‬
‫يسله من غمده ‪ ,‬فقد كان مثبت ا بإحأكاما ‪ ,‬لما تقدر كل قوته المبذولة أن تحأركه ‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫حأتى لو كانت جهوده ناجحأة فلن يكون السيف ذا فائدة له لنه كان من الخشب ‪ .‬رأى ياماتوتاكي‬
‫أن عدوه في قبضته ‪ ,‬و ملوحأ ا بالسيف الذي أخذه من تاكيرو عاليا هوى به بقوة عظيمة وبراعة و‬
‫قطع رأس اللص ‪.‬‬
‫بهذه الصورة ‪ ,‬وباستعمال حأكمته حأين ا و باستعمال قوته الجسدية حأين ا ‪ ,‬وفي أحأيان أخرى‬
‫باللجوء إلى الخدعة ‪ ,‬التي كانت محأترمة في تلك الياما بالقدر التي هي محأتقرة في هذه الياما ‪,‬‬
‫هيمن على كل خصوما الملك واحأدا واحأدا ‪ ,‬وهيأ السلما والسكينة للرض و الشعب ‪.‬‬
‫حأين عاد إلى العاصمة أطرى الملك أعماقله الشجاعة ‪ ,‬و أقاما مأدبة في القصر على شرف‬
‫قدومه المن إلى الوطن وقدما له العديد من الهدايا النادرة ‪ .‬منذ هذا الوقت و صاعدا أحأبه الملك‬
‫أكثر من ذي قبل و لما يدعا ياماتوتاكي يبتعد عن جانبه‪ ,‬لنه قال بأن ولده الن غال عليه مثل‬
‫إحأدى ذراعيه ‪.‬‬
‫لكنه لما يسمح للمير أن يعيش حأياة كسل طويلا ‪ .‬فحأين كان في حأوالي الثلثين من عمره‪,‬‬
‫كنتققل خبكر أن شعب آينو وهما السكان الصليون لجزر اليابان ‪ ,‬الذين هزموا و دفعوا نحأو الشمال من‬
‫قبل اليابانيين ‪ ,‬قد تمردوا في المقاطعات الشرقية ‪ ,‬وهما يتسببون بمغادرتهما للمنطقة التي خصصت‬
‫لهما باضطراب كبير في البلد ‪ .‬قرر الملك أنه من الضروري أن يرسل جيش ا يقاتلهما و يردهما إلى‬
‫الصواب‪ .‬لكن من يجب أن يقود الرجال ؟‬

‫عرض المير ياماتوتاكي فو ار أن يذهب و يخضع المتمردين الذين ظهروا مؤخ ارا‪ .‬الن و‬
‫بما أن الملك كان يحأب المير كثي ار ‪ ,‬و ل يستطيع أن يحأتمل ابتعاده عن نظره يوما واحأدا ‪ ,‬فقد‬
‫كان كارها لرساله في هذه الحأملة الخطيرة ‪ .‬لكنه لما يكن في كل الجيش محأارب بقوة أو شجاعة‬
‫ولده المير ‪ ,‬وبما أن جللته ‪ ,‬غير قادر على أن يفعل شيئ ا آخر ‪ ,‬خضع على مضض لرغبة‬
‫ياماتو ‪.‬‬
‫حأين حأل الوقت لينطلق المير ‪ ,‬أعطاه الملك رمح الشجرة المقدسة الذي طوله ثمانية‬
‫أذرعا ) لعل القبضة كانت مصنوعة من خشب الشجرة المقدسة ( ‪ ,‬و أمره أن ينطلق لخضاعا‬
‫البرابرة الشرقيين كما كان شعب الينو يدعى آنذاك ‪.‬‬
‫كان رمح الشجرة المقدسة الذي طوله ثمانية أذرعا في تلك الياما الغابرة ‪ ,‬يبيجل من قبل‬
‫المحأاربين تمام ا بقدر ما يبيجل العلما أو الراية من قبل فوج في هذه الياما الحأديثة ‪ ,‬حأين كأعطي من‬
‫قبل الملك لجنوده بمناسبة النطلق إلى الحأرب ‪.‬‬
‫استلما المير رمح الملك باحأتراما و تبجيل عظيما ‪ ,‬و سار مغاد ار العاصمة ‪ ,‬مع جيشه نحأو‬
‫الشرق ‪ .‬زار في طريقه أولا معابد إيسي للتعبد ‪ ,‬و خرجت عمته أميرة ياماتو و الكاهنة العليا لتحأيته‬

‫‪119‬‬
‫‪ .‬كانت هي من منحأته ثوبها الذي أثبت كونه عطية عظيمة له من قبكل في مساعدته في التغلب‬
‫وفي ذبح لصوص الغرب ‪.‬‬
‫أخبرها بكل ما جرى معه ‪ ,‬و بالدور الكبير الذي لعبه تذكارها في النجاح في مشروعه‬
‫السابق ‪ ,‬و شكرها كثي ار من قلبه ‪ .‬حأين سمعت أنه كان منطلق ا مرة ثانية ليقاتل أعداء والده ‪ ,‬ذهبت‬
‫إلى المعبد ‪ ,‬و ظهرت ثانية و هي تحأمل سيف ا و حأقيبة جميلة صنعتها بنفسها ‪ ,‬و كانت مملوءة‬
‫بأحأجار الصوان ‪ ,‬التي كان الناس في تلك الياما يستعملونها بدلا من الثقاب في إشعال النار ‪.‬‬
‫قدمت هذه الشياء له كهدية وداعا ‪.‬‬
‫كان السيف سيف موراكومو ‪ ,‬أحأد الكنوز الثلثة المقدسة التي تشكل علمات سلطة‬
‫السرة المبراطورية لليابان ‪ .‬لما يعد هناك طلسما آخر للحأظ و النجاح يمكن أن تعطيه لبن أخيها‪،‬‬
‫و أمرته أن يستعمله أحأوج ما يكون إليه ‪.‬‬
‫حأيا ياماتوتاكي عمته مودع ا ‪ ,‬و مرة أخرى سار واضع ا نفسه عل رأس رجاله إلى الشرق‬
‫القصى عبر مقاطعة أوراي ‪ ,‬ثما وصل إلى مقاطعة سوروغا ‪ .‬هنا رحأب الحأاكما بالمير من قلبه‬
‫تماما ‪ ,‬و أكرمه بصورة فخمة بالعديد من الولئما ‪ .‬حأين انتهت هذه الولئما ‪ ,‬أخبر الحأاكما ضيفه أن‬
‫بلده مشهور بأصيله الجميل ‪ ,‬اقترح صيد اليل من أجل تسلية المير‪ .‬خدعا المير تمام ا بمودة‬
‫مضيفه ‪ ,‬التي كانت كلها زائفة ‪ ,‬و رضي بسرور أن ينضما إلى الصيد ‪.‬‬
‫ثما قاد الحأاكما المير إلى سهل موحأش وواسع حأيثا كان العشب ينمو طويلا و بغ ازرة‬
‫كبيرة ‪.‬‬
‫أخذ المير‪ ,‬يجري بعنف و يصيد اليائل ‪ ,‬جاهلا تماما أن الحأاكما قد نصب له شركا رغبة في‬
‫تدبير مكيدة لقتله حأين رأى فجأة بذهول ألسنة اللهب و دخان ا يندلع من أجمة أمامه‪ .‬حأاول أن‬
‫يتراجع مدرك ا للخطر‪ ,‬لكنه ما كاد يدير حأصانه في التجاه المعاكس حأتى رأى أن المرج يشتعل‪.‬‬
‫في الوقت ذاته اندلعت ألسنة اللهب في العشب عن يمينه و عن يساره ‪ ,‬و بدأت ألسنة اللهب تمتد‬
‫بسرعة نحأوه من كل الجوانب ‪ .‬نظر حأوله عن فرصة للنجاة ‪ .‬لما يكن هناك شيء منها ‪ .‬كان‬
‫محأاطا بالنار ‪ .‬قال المير ‪ ,‬ناظ ار حأوله إلى ألسنة اللهب و الدخان التي كانت تطقطق و تتدحأرج‬
‫نحأوه على كل الجوانب ‪ " :‬كان صيد اليل هذا فقط شرك ا ماك ار من العدو ! " كما كنت أحأمق ا حأتى‬
‫أغري بي إلى هذا اليشرك مثل حأيوان بري ! و صلر بأسنانه غيظ ا بينما هو يفكر بغدر الحأاكما‬
‫المبتسما ‪.‬‬
‫كان الوضع خط ار ‪ ,‬و إن لما يكن المير مرتبكا أدنى ارتباك ‪ .‬في محأنته الرهيبة تذكر‬
‫الهدايا التي أعطته إياها عمته حأين افترقا ‪ ,‬و بدا له‪ ,‬كما لو أنها‪ ,‬تنبأت ببصيرة نبوية بساعة‬
‫الضيق هذه ‪ .‬فتح ببرود حأقيبة أحأجار الصوان التي أعطته إياها عمته و أشعل نا ار بالعشب القريب‬
‫منه ‪ .‬ثما شرعا يعمل على قطع العشب على جوانبه بأقصى سرعة‪ ،‬مجردا سيف موراكومو من‬

‫‪120‬‬
‫غمده‪ .‬قرر أن يموت ‪ ,‬إذا كان هذا ضرورياا‪ ,‬مناضلا من أجل حأياته و ليس بالوقوف ساكن ا منتظ ار‬
‫أن يأتيه الموت ‪.‬‬
‫غريب أن نقول إن الريح بدأت تتغير لتهب من التجاه المعاكس ‪ ,‬و الجزء العنف من‬
‫الجمة المشتعلة التي كانت حأتى ذلك الحأين تهدد بالنقضاض عليه تعصف الن بعيدا عنه تماماا‪،‬‬
‫وعاش المير ‪ ,‬دون خدش على جسمه أو دون احأتراق شعرة منه‪ ,‬ليروي قصة نجاته العجيبة ‪,‬‬
‫بينما أدركت الريكح التي تزداد قوة الحأاكقما ‪ ,‬فاحأترق حأتى الموت في ألسنة اللهب التي أشعلها لقتل‬
‫ياماتوتاكي ‪.‬‬
‫كان المير يعزو نجاته بصورة كاملة إلى تأثير سيف موراكومو‪ ,‬إوالى حأماية أماتيراسو ‪,‬‬
‫إلهة الشمس في إيسي ‪ ,‬التي تتحأكما بالريح و كل العناصر و تضمن سلمة كل من يصلي لها في‬
‫ساعة الخطر ‪ .‬معلي ا السيف الثمين رفعه فوق رأسه مرات عديدة في إشارة إلى احأترامه الكبير ‪ ,‬و‬
‫بينما كان يفعل هذا أعاد تسميته كوساناغي ـ نو ـ تسوروغي أو السيف فالق العشب ‪ ,‬و أطلق على‬
‫المكان الذي فيه أوقدت النار في العشب من حأوله و نجا من الموت في المرج المحأترق ‪ ,‬اسما‬
‫يايدزو ‪ .‬حأتى هذا اليوما توجد بقعة على طول سكة حأديد توكايد و تسمى يايدزو ‪ ,‬التي يقال إنها‬
‫نفس البقعة الذي جرت فيها هذه الحأادثة المثيرة ‪.‬‬
‫هكذا نجا المير الشجاعا ياما توتاكي من الشرك الذي نصبه له عدوه ‪ .‬كان ممتلئ ا‬
‫دهااء و شجاعة و أخي ار فاق خصومه دهااء و أخضعهما جميع ا ‪ .‬سار مغاد ار يايدزو نحأو الشرق ‪,‬‬
‫ووصل الشاطئ عند إيدزو حأيثا رغب في أن يعبر إلى كادزوسا ‪.‬‬
‫كانت تتبعه خلل هذه الخطار و المغامرات زوجته المحأبة الميرة أوتوتاتشيبانا‪ .‬وهي‬
‫تعتبر تعب الرحألت الطويلة و أخطار الحأرب في سبيله كل شيء‪ ,‬وكان حأبها لزوجها المحأارب‬
‫كبي ار جدا بحأيثا أنها تشعر أنها كوفئت بشكل جيد على كل جولتها إن هي استطاعت فقط أن‬
‫تناوله سيفه حأين ينطلق ليقاتل ‪ ,‬أو أن تخدمه في حأاجاته عندما يعود مرهق ا إلى المعسكر ‪.‬‬
‫لكن قلب المير كان مشغولا بالحأرب و الفتح و قلما كان يهتما بأوتوتاتشيبانا المخلصة ‪.‬‬
‫قذكبقل جمالها ‪ ,‬بسبب الظهور الطويل في السفر ‪ ,‬و من الهتماما و الحأزن من برود سيدها نحأوها ‪,‬‬
‫وأكبحأتر ق‬
‫ق جلدها العاجي بفعل الشمس حأتى أضحأى أسم ار ‪ ,‬و أخبرها المير ذات يوما أن مكانها في‬
‫القصر وراء الستار في البيت و ليس معه في طريق الحأرب ‪ .‬لكن أوتوتاتشيبانا على الرغما من‬
‫الصدود و اللمبالة من طرف زوجها ‪ ,‬لما يطاوعها قلبها قي أن تتركه ‪ .‬لكن لربما كان من الخير‬
‫لها لو أنها فعلت ‪ ,‬لنهما في الطريق إلى إيدزو ‪ ,‬عندما وصلوا إلى أوراي ‪ ,‬كاد قلبها أن يتصدعا ‪.‬‬
‫هنا كانت تقيما الميرة ميادزو‪ ,‬في قصر مظلل بأشجار النخيل و ل يوصل إليه إل من‬
‫خلل بوابات مهابه‪ ,‬جميلة كزهر الكرز في فجر صباح ربيعي محأمر ‪ .‬كانت ثيابها أنيقة و زاهية ‪,‬‬
‫ك تعرف أبدا ماذا يعني أن تكون مرهق ا على طول طريق الواجب‬
‫و جلدها أبيض كالثلج ‪ ,‬لنها لما ت ك‬

‫‪121‬‬
‫أو أن تمشي في حأر شمس الصيف ‪ .‬و كان المير خجلا بزوجته التي لوحأتها الشمس في ملبسها‬
‫التي اتسخت بفعل السفر ‪ ,‬فأمرها أن تمكثا وراءه بينما مضى هو ليزور الميرة ميادزو ‪ .‬يوما بعد‬
‫يوما كان يمضي ساعات في حأدائق و قصر صديقته الجديدة ‪ ,‬مفك ار بسروره فقط ‪ ,‬قليل الهتماما‬
‫بزوجته المسكينة التي تظل خلفه لتبكي في الخيمة على التعاسة التي دخلت حأياتها ‪ .‬مع ذلك فقد‬
‫كانت مخلصة كثي ار ‪ ,‬و كانت شخصية صبورة جداا‪ ,‬بحأيثا أنها لما تسمح للوما أن يخرج من شفتيها ‪,‬‬
‫أو لعبوس أن يشوه الحأزن الجميل لوجهها ‪ ,‬وهي مستعدة أبدا لترحأب بزوجها العائد بابتسامة أو‬
‫لتواكبه إلى الخارج أينما ذهب ‪.‬‬
‫أخي ار جاء اليوما الذي توجب على المير ياماتوتاكي أن يغادر فيه إلى إيدزو و يعبر‬
‫فوق البحأر إلى كادزوسا ‪ ,‬و دعا زوجته أن تتبعه في حأاشيته كخادمة بينما ذهب هو ليتقبل وداعا‬
‫الميرة ميادزو ‪ .‬خرجت لتحأييه مكسوة بأثواب رائعة ‪ ,‬و بدت أجمل بكثير مما كانت عليه ‪ ,‬و حأين‬
‫رآها ياماتوتاكي نسي زوجته ‪ ,‬وواجبه ‪ ,‬و كل شيء ما خل بهجة الحأاضر الكسول ‪ ,‬وأقسما أنه‬
‫سيعود إلى أوراي و يتزوجها حأين تنتهي الحأرب ‪ .‬و فيما هو ينظر إلى أعلى حأين قال هذه الكلمات‬
‫قابل عيني أوتوتاتشيبانا الكبيرتين اللوزيتين مثبتتين عليه بحأزن ل يوصف و دهشة ‪ ,‬و عرف أنه‬
‫ارتكب خطأا ‪ ,‬لكنه تجيلد و تابع راكب ا ‪ ,‬غير عابئ باللما الذي سببه لها ‪.‬‬
‫حأين وصلوا شاطئ البحأر عند إيدزو بحأثا رجاله عن المراكب التي سيعبرون‬
‫المضيق إلى كادزوسا بواسطتها ‪ ,‬لكنه كان من الصعب إيجاد ما يكفي من الزوارق ليسمح بصعود‬
‫كل الجنود ‪ .‬عندئذ و قف المير على الشاطئ ‪ ,‬و قال مفاخ ار بقوته و ساخ ارا‪:‬‬
‫" ليس هذا بحأ ارا! هذا جدول فقط ! لماذا تريدون أيها الرجال هذا العدد الكبير من‬
‫المراكب ؟ أنا أستطيع أن أقفز عنه لو أردت‪".‬‬
‫عندما صعدوا جميع ا أخي ار و كانوا تمام ا في طريقهما عبر المضيق ‪ ,‬تلبدت السماء‬
‫بالغيوما فجأة وهبت عاصفة عظيمة ‪ .‬ارتفعت المواج بعلو الجبال ‪ ,‬و عوت الريح ‪ ,‬و أومض‬
‫البرق و قصف الرعد ‪ ,‬و قذف المركب الذي كان يحأمل أوتوتاتشيبانا و المير و رجاله من ذروة من‬
‫الموجات المتدحأرجة إلى ذروة ‪ ,‬إلى أن بدا أن كل لحأظة ل بد أنها الخيرة بالنسبة لهما و أنهما لبد‬
‫سيبتلعون جميع ا في البحأر الغاضب ‪ .‬لن رين جين ‪ ,‬التنين ملك البحأر ‪ ,‬سمع ياماتوتاكي يسخر ‪,‬‬
‫ي المير الساخر كما يمكن أن يكون البحأر مرعب ا مع أنه لما يكن‬
‫و رفع عاصفته الرهيبة بغضب ‪ ,‬لير ق‬
‫يبدو إل كجدول ‪.‬‬
‫أنزل الملحأون المذعورون الشرعة و سهروا على الدفة ‪ ,‬و عملوا من أجل حأياتهما‬
‫الغالية ‪ ,‬لكن كل ذلك دون جدوى ـ بدا أن العاصفة تزداد عنفا فقط‪ ,‬و أسلما الجميع أنفسهما للهلك ‪.‬‬
‫عندئذ نهضت أوتوتاتشيبانا المخلصة ‪ ,‬متناسية كل الحأزن الذي تسبب لها به زوجها ‪ ,‬ومتناسية‬

‫‪122‬‬
‫حأتى أنه ضجر منها ‪ ,‬في رغبة حأبها الكبيرة الوحأيدة لنقاذه ‪ ,‬قررت أن تضحأي بحأياتها لتنقذه من‬
‫الموت إن كان هذا ممكنا ‪.‬‬
‫بينما كانت المواج تندفع بقوة فوق السفينة و الريح تدور حأولهما بغضب و قفت و‬
‫قالت ‪:‬‬
‫" كل هذا قد حأدثا بالتأكيد لن المير أغضب رين جين ‪ ,‬إله البحأر ‪ ,‬بسخريته ‪.‬‬
‫إذا كان ذلك كذلك ‪ ,‬فإنني أنا ‪ ,‬أوتوتاتشيبانا ‪ ,‬سأهدئ غضب إله البحأر الذي ل يريد شيئ ا أقل من‬
‫حأياة زوجي !"‬
‫ثما قالت مخاطبة البحأر ‪:‬‬
‫ضبة ‪ ,‬باذلة‬
‫" سأحأل محأل جللة ‪ ,‬ياماتوتاكي ‪ .‬سألقي الن بنفسي إلى أعماقك الكمغ ق‬
‫حأياتي بدلا من حأياته ‪ .‬اسمعني إذن و أوصله بأمان إلى شاطئ كادزوسا ‪".‬‬
‫مع هذه الكلمات قفزت بسرعة إلى البحأر الصاخب ‪ ,‬و لفتها المواج بعد وقت قصير‬
‫بعيدا و غابت عن النظر ‪ .‬من الغريب أن العاصفة توقفت في الحأال ‪ ,‬و أصبح البحأر هادئا و لينا‬
‫كالبساط الذي كان المشاهدون المندهشون يجلسون عليه ‪ .‬هدأت آلهة البحأر الن ‪ ,‬و صحأا‬
‫الطقس و أشرقت الشمس كما في يوما صاف‪.‬‬
‫بعد وقت قصير وصل ياماتوتاكي الشاطئ المقابل و هبط بسلمة ‪ ,‬تمام ا كما دعت‬
‫زوجته ‪ .‬كانت شجاعته في الحأرب عجيبة ‪ ,‬و نجح بعد بعض الوقت في هزيمة البرابرة الشرقيين ‪,‬‬
‫شعب آينو‪.‬‬
‫ع از هبوطه المن كلية لخلص زوجته ‪ ,‬التي ضحأت بنفسها بحأب و بطيب خاطر‬
‫في أشد ساعاته خط ار ‪ .‬كان يرق قلبه لدى تذكرها ‪ ,‬و لما يتركها تذهب من أفكاره و لو حأتى للحأظة‪.‬‬
‫تعلما متأخ ار أكثر من اللزما كيف يحأترما طيبة قلبها و عظمة حأبها له ‪.‬‬
‫وبينما كان عائدا في طريق وطنه وصل إلى ممر أو سوي توغي المرتفع ‪ ,‬و هنا وقف‬
‫وحأدق بالمنظر المدهش أسفل منه ‪ .‬يمتد الريف كله مكشوفا لبصره‪,,‬من هذا الرتفاعا الكبير‪ ,‬منظ ار‬
‫شاملا واسعا للجبل و السهل و الغابة‪ ,‬و النهار تلتف مثل أوشحأة فضية خلل الرض ; ثما رأى‬
‫في البعد البحأر النائي‪,‬الذي يومض مثل غشاوة مضيئة في البعد الكبير‪,‬حأيثا بذلت أوتوتاتشيبانا‬
‫حأياتها لجله ‪,‬وبينما استدار نحأوه ملد ذراعيه ‪ ,‬و مفك ار بحأبها الذي كان قد ازدراه و عدما إخلصه‬
‫لها‪ ,‬أجهش قلبه في بكاء حأزين و مرير ‪:‬‬

‫"أزوما‪,‬أزوما‪ ,‬يا ! " )أوه ‪ ,‬زوجتي ‪ ,‬زوجتي !(و إلى اليوما توجد منطقة في طوكيو تدعى أزوما‪,‬‬
‫تحأتفي بكلمات المير ياماتوتاكي ‪ ,‬و المكاكن الذي قفزت منه زوجته المخلصة إلى البحأر لتنقذه ما‬

‫‪123‬‬
‫يزال يشار إليه ‪ .‬لذا‪ ,‬ومع أن الميرة أوتوتاتشيبانا كانت حأزينة في الحأياة‪,‬فإن التاريخ يحأتفظ بذكراها‬
‫نضرة ‪ ,‬و لن تنقضي قصة إيثارها وموتها البطولي‪.‬‬
‫نفذ ياماتوتاكي حأتى الن كل أوامر والده ‪ ,‬فقد أخضع كل المتمردين ‪ ,‬و خلص الرض‬
‫من كل اللصوص و أعداء السلما ‪ ,‬و كانت شهرته عظيمة ‪ ,‬لنه لما يبق في كل الرض أحأد‬
‫يستطيع أن يقف في مواجهته ‪ ,‬فقد كان قوي ا جدا في القتال و حأكيم ا في المشورة‪.‬‬
‫كان على وشك العودة مباشرة إلى الوطن بالطريق الذي أتى منه ‪ ,‬حأين خطرت له فكرة‬
‫أنه سيكون ممتعا أن يسلك طريقا آخر ‪ ,‬و هكذا مر عبر مقاطعة اوراي ووصل إلى مقاطعة أومي ‪.‬‬
‫حأين وصل المير أومي وجد الناس في حأالة هياج و خوف عظيمين ‪ .‬رأى في العديد‬
‫من المنازل التي كان يمر بها علمات الحأداد و سمع أصوات عويل مرتفعة ‪ .‬لدى سؤاله عن سبب‬
‫هذا أعلما بأن حأيوان ا رهيب ا قد ظهر في الجبال ‪ ,‬يأتي كل يوما من هناك و يقوما بغارات على القرى ‪,‬‬
‫ملتهم ا كل من استطاعا المساك به ‪ .‬هجرت العديد من البيوت و كان الناس خائفين من الخروج‬
‫إلى عملهما اليومي في الحأقول ‪ ,‬و النساء خائفات من الذهاب إلى النهار لغسل أرزهن‪.‬‬
‫عندما سمع ياماتوتاكي هذا تأجج غضبه ‪ ,‬و قال بعنف ‪:‬‬
‫لقد أخضعت كل أعداء الملك ابتدااء من النهاية الغربية لكيوشيو إلى الزاوية الشرقية ليزور‬
‫ـ فل يوجد من يجرؤ على انتهاك القوانين أو التمرد على الملك ‪ .‬إنه لمر عجيب حأق ا أن يجرؤ‬
‫حأيوان شرير على أن يعيش هنا في هذا المكان ‪ ,‬القريب جدا من العاصمة ‪ ,‬و يكون مصدر رعب‬
‫لرعايا الملك ‪.‬‬
‫لن يطول سروره بالتهاما الناس البرياء ‪ .‬سأنطلق و أقتله فو ار ‪".‬‬
‫مع هذه الكلمات انطلق إلى جبال إيبوكي ‪ ,‬حأيثا قيل إن الحأيوان يعيش ‪ .‬تسلق مسافة ل‬
‫بأس بها ‪ ,‬حأين ظهرت أمامه فجأة ‪ ,‬في منعطف الطريق ‪ ,‬أفعى تنينية و سدت الطريق ‪.‬‬
‫قال المير ‪ " :‬ل بد أن هذا هو الحأيوان ‪ ,‬أنا ل أحأتاج سيفي من أجل أفعى ‪ .‬أستطيع‬
‫قتلها بيدي ‪".‬‬
‫وهكذا قفز على الفعى و حأاول أن يميتها خنقا بذراعيه العاريتين ‪ .‬لما يطل الوقت حأتى‬
‫تمكنت قوته الهائلة من السيطرة و تمددت الفعى ميتة عند قدميه ‪ .‬ثما حأل ظلما مفاجئ على الجبل‬
‫و بدأ المطر يهطل ‪ ,‬بحأيثا وجد المير صعوبة في أن يرى أي طريق يسلك بسبب الظلما و المطر‬
‫‪ .‬بعد وقت قصير ‪ ,‬وفيما كان يلتمس طريقه إلى أسفل الطريق ‪ ,‬صحأا الطقس ‪ ,‬و غدا بطلنا‬
‫الشجاعا قاد ار على أن يشق طريقه بسرعة إلى أسفل الجبل ‪.‬‬
‫حأين عاد بدأ يتوعك و يشعر بآلما محأرقة في قدميه ‪ ,‬لذا أدرك أن الفعى قد سممته‪.‬‬

‫‪124‬‬
‫تألما كثي ار جدا بحأيثا أنه لما يكن يستطيع أن يتحأرك ‪ ,‬فضلا عن أن يمشي ‪ ,‬لذا كحأتمقل إلى مكان في‬
‫الجبال مشهور بينابيعه المعدنية الحأارة ‪ ,‬التي كانت تنبع مبقبقةا من الرض ‪ ,‬و تكاد تغلي بسبب‬
‫النيران البركانية التي تحأتها ‪.‬‬
‫كان ياماتوتاكي يستحأما يومي ا في هذه المياه ‪ ,‬و كان يشعر بالتدريج بقوته تعود إليه ثانية‬
‫‪ ,‬و اللما تبارحأه ‪ ,‬حأتى وجد أخي ار في أحأد الياما بابتهاج عظيما أنه شفي تمام ا ‪ .‬أسرعا الن إلى‬
‫معابد إيسي ‪ ,‬حأيثا تذكرون أنه صلى قبل تولي هذه الحأملة الطويلة ‪ .‬خرجت عمته كاهنة الضريح‬
‫‪ ,‬والتي كانت قد باركته عند انطلقه ‪ ,‬لترحأب الن بعودته ‪ .‬أخبرها بالمخاطر العديدة التي واجهها‬
‫و كيف كحأتفظت حأياته بشكل مدهش خللها كلهاـ و أطرت شجاعته و شجاعة محأاربيه ‪ ,‬ثما قحأيوقلت‬
‫الشكر‪ ،‬وقد ارتدت أكثر أثوابها فخامة ‪ ,‬إلى سلفهما إلهة الشمس أماتيراسو ‪ ,‬التي إليها ع از كل‬
‫منهما الحأماية المذهلة للمير ‪.‬‬
‫هنا تنتهي قصة أمير اليابان ياماتوتاكي ‪.‬‬

‫موموتارو ‪ ,‬أو قصة ابن الخوخة‬


‫في الماضي البعيد ‪ ,‬البعيد عاش رجل و امرأة عجوزان ؛ً كانا فلقحأين‪ ,‬عليهما أن يعمل بجد‬
‫ليكسبا أرزهما اليومي ‪ .‬اعتاد الرجل العجوز أن يذهب و يقطع العشب للمزارعين هنا وهناك‪ ،‬وفيما‬
‫هو غائب تقوما زوجته‪ ،‬المرأة العجوز‪ ,‬بعمل البيت و تعمل في حأقل الرز الصغير خاصتهما ‪.‬‬
‫في أحأد الياما مضى الرجل العجوز كالمعتاد إلى التلل ليقطع العشب و أخذت المرأة‬
‫العجوز بعض الثياب إلى النهر لتغسلها ‪.‬‬
‫كان الوقت صيف ا تقريب ا ‪ ,‬و جميلةس جدا مشاهدة الريف في خضرته النضرة بينما يمضي‬
‫العجوزان في طريقهما إلى العمل ‪ .‬كان العشب على ضفتي النهر يبدو مثل مخمل زمردي اللون‪،‬‬
‫و أشجار الحأور على طول حأافة الماء كانت تهز كشيراباتها الناعمة ‪.‬‬
‫تهب النسمات و تغ ص‬
‫ضن السطح الملس للماء على شكل موجات صغيرة ‪ ,‬و تلمس خدود‬
‫الزوجين العجوزين اللذين ‪ ,‬كانا لسبب ل يستطيعان وصفه ‪ ,‬يشعران بكثير من السعادة في ذلك‬
‫الصباح ‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫أخي ار وجدت المرأة العجوز بقعة جميلة قرب ضفة النهر و وضعت سلتها عن كاهلها ‪ .‬ثما‬
‫شرعت تغسل الثياب ؛ً أخرجتها من السلة قطعة قطعة و غسلتها في النهر و فركتها على الحأجار ‪.‬‬
‫كان الماء صافيا مثل الكريستال ‪ ,‬و كانت تستطيع أن ترى السمك الصغير يسبح جيئة و ذهابا ‪ ,‬و‬
‫الحأصى في القاعا ‪.‬‬
‫وبينما هي مشغولة بغسل ملبسها أتت خوخة كبيرة تترجرج نزولا مع الجدول ‪ .‬رفعت‬
‫المرأة العجوز نظرها عن عملها و رأت هذه الخوخة الكبيرة ‪ .‬إنها في الستين من عمرها ‪ ,‬لكنها مع‬
‫ذلك لما تر في حأياتها خوخة كبيرة كهذه ‪.‬‬
‫قالت في نفسها ‪ " :‬كما ستكون تلك الخوخة لذيذة ! يجب أن أتناولها بالتأكيد و آخذها إلى‬
‫البيت لزوجي العجوز ‪".‬‬
‫مدت ذراعها محأاولة المساك بها ‪ ,‬لكنها كانت بعيدة تمام ا عن متناولها ‪ .‬نظرت حأولها‬
‫بحأث ا عن عصا‪ ,‬لكنها لما تر واحأدة‪ ,‬و هي إن ذهبت للبحأثا عن واحأدة فإنها ستخسر الخوخة‪.‬‬
‫توقفت لحأظة لتفكر فيما ستفعل ‪ ,‬فتذكرت كربقيةا تشعريةا قديمة ‪ .‬بدأت عندئذ تصفق بيديها‬
‫لتضبط وقت تدحأرج الخوخة نزولا مع الجدول ‪ ,‬و بينما كانت تصفق كانت تغني هذه الغنية ‪:‬‬
‫" الماء البعيد مرير‬
‫و الماء القريب لذيذ؛ً‬
‫دبعتك من المرير‬
‫وتعاقلي إلى اللذيذ ‪".‬‬
‫و الغريب ‪ ,‬أنها حأالما بدأت تكرر هذه الغنية الصغيرة راحأت الخوخة تقترب رويدا رويدا‬
‫من الضفة التي وقفت عليها المرأة العجوز ‪ ,‬حأتى وقفت أخي ار أمامها تمام ا بحأيثا صارت قادرة على‬
‫أن تتناولها بيديها ‪.‬‬
‫كسيرت المرأة العجوز ‪ .‬ولما تستطع أن تتابع عملها ‪ ,‬فهي سعيدة و متأثرة للغاية ‪ ,‬لذا‬
‫أعادت كل الملبس إلى سلتها المصنوعة من الخيزران ‪ ,‬و أسرعت و هي تحأمل السلة على ظهرها‬
‫و الخوخة في يدها نحأو البيت ‪.‬‬
‫بدا لها أنها انتظرت وقت ا طويلا جدا إلى أن عاد زوجها ‪ .‬أخي ار عاد الرجل العجوز‬
‫فيما كانت الشمس تغرب ‪ ,‬و حأزمة كبيرة من العشب على ظهره ـ كبيرة جدا بحأيثا أنه كان مختفي ا‬
‫تقريب ا و بصعوبة استطاعت أن تراه ‪ .‬بدا متعب ا جدا لذا استعمل المنجل كعكاز‪ ,‬منحأني ا عليه بينما‬
‫كان يمشي ‪.‬‬
‫صاحأت المرأة العجوز حأالما رأته ‪:‬‬
‫" أو جي سان ! ) أيها الرجل العجوز ( لقد انتظرت قدومك طويلا هذا اليوما ! "‬

‫‪126‬‬
‫سأل الرجل العجوز ‪ ,‬متعجب ا من لهفتها غير المعتادة ‪ ":‬ما المر ؟ لما أنت نافدة الصبر ؟‬
‫هل حأصل شيء في غيبتي ؟"‬
‫أجابت المرأة العجوز ‪ ":‬أوه ‪ ,‬ل ! لما يحأصل شيء ‪ ,‬أنا فقط أحأضرت لك هدية جميلة !"‬
‫قال الرجل العجوز ‪ " :‬هذا شيء طيب ‪ ",‬ثما غسل قدميه في طست ماء و خطا نحأو الشرفة‪.‬‬
‫ركضت المرأة العجوز عندها إلى الغرفة الصغير و أحأضرت الخوخة الكبيرة من الخزانة‪.‬‬
‫بدت عند الحأمل أثقل من ذي قبل ‪ .‬حأملتها إليه ‪ ,‬قائلة ‪:‬‬
‫" انظر فقط إلى هذه ! هل رأيت قط مثل هذه الخوخة الكبيرة في كل حأياتك؟"‬
‫دهش الرجل العجوز حأين نظر إلى الخوخة بشدة و قال ‪:‬‬
‫" هذه فعلا أكبر خوخة رأيتها على الطلق ! من أين ابتعتها ؟"‬
‫أجابت المرأة العجوز ‪ " :‬أنا لما أبتعها ‪ ,‬أنا وجدتها في النهر حأيثا كنت أغسل ‪ ".‬و أخبرته‬
‫بكل الحأكاية ‪.‬‬
‫قال أوجي سان ‪ ":‬أنا مسرور لنك وجدتها ‪ .‬دعينا نأكلها الن ‪ ,‬لنني جائع كثي ارا"‬
‫أحأضر سكين المطبخ ‪ ,‬واضعا الخوخة على لوح ‪ ,‬و أوشك أن يقطعها عندما‪ ,‬انفلقت‬
‫الخوخة بنفسها ‪ ,‬ويا للدهشة‪ ،‬إلى فلقتين و قال صوت واضح ‪:‬‬
‫" انتظر قليلا ‪ ,‬أيها الرجل العجوز ! " و خرج منها طفل صغير جميل ‪.‬‬
‫دهش الرجل العجوز و زوجه مع ا مما رأيا بحأيثا سقطا أرض ا ‪ .‬تكلما الطفل مرة ثانية‪:‬‬
‫" ل تخافا ‪ .‬فأنا لست شيطانا أو جنيا ‪ .‬سأخبركما بالحأقيقة ‪ .‬لقد أشفقت السماء عليكما ‪.‬‬
‫فقد كنتما تندبان كل يوما و كل ليلة لنكما ل طفل لديكما ‪ .‬اسكتجيب لصراخكما و أنا مبعوثا لكون‬
‫ابن ا لشيخوختكما !"‬
‫سير الرجل العجوز و زوجه كثي ار لدى سماعا هذا ‪ .‬فقد كانا يجأران ليل نهار حأزن ا على أن‬
‫ل طفل لهما يساعدهما في شيخوختهما الموحأشة ‪ ,‬و الن و قد أجيبت دعوتهما فقد غمرهما‬
‫البتهاج بحأيثا لما يدريا أين يضعان أيديهما و أرجلهما ‪ .‬أخذ الرجل العجوز أولا بذراعيه ‪ ,‬ثما فعلت‬
‫المرأة العجوز الشيء ذاته ؛ً و أسمياه موموتارو ‪ ,‬أو ابن الخوخة ‪ ,‬لنه من خوخة خرج‪.‬‬
‫مرت السنون بسرعة ونما الطفل ليصبح في الخامسة عشرة من عمره ‪ .‬كان أطول و أقوى‬
‫بكثير من أقرانه من الصبيان ‪ ,‬ذا وجه وسيما و قلب مليء بالشجاعة ‪ ,‬و كان حأكيم ا جدا بالقياس‬
‫إلى عمره ‪.‬‬
‫كانت سعادة الزوجين العجوزين كبيرة جدا حأين ينظران إليه ‪ ,‬لنه كان كما يجب أن يكون البطل‬
‫بالضبط في اعتقادهما ‪.‬‬
‫ذات يوما حأضر موموتارو إلى أبيه بالتبني و قال بوقار ‪:‬‬

‫‪127‬‬
‫" يا أبت ‪ ,‬نحأن صرنا أب ا و ابنا بمصادفة غريبة ‪ .‬إن إحأسانك إلي أعظما من أعشاب‬
‫الجبال التي كان عملك اليومي أن تقطعها ‪ ,‬و أعمق من النهر الذي تغسل فيه أمي الثياب ‪ .‬ل‬
‫أعرف كيف أكافئكما ‪".‬‬
‫أجاب الرجل العجوز ‪ " :‬لماذا ‪ ,‬إنه لشيء طبيعي أن يربي الب ابنه ‪ .‬سيأتي دورك‬
‫عندما تكبر لتعتني بنا ‪ ,‬و هكذا بعد كل هذا لن يكون بيننا ربح أو خسارة ‪-‬الجميع سيكونون‬
‫متساوين ‪ .‬أنا حأق ا ‪ ,‬مندهش قليلا من أن عليك أن تشكرني بهذه الطريقة ! " و بدا الرجل العجوز‬
‫منزعجا ‪.‬‬

‫قال موموتارو ‪ " :‬آمل أن تصبر علي ‪ ,‬لكن قبل أن أبدأ برد إحأسانك إلي فإن عندي‬
‫مطلب أقدمه آمل أن تمنحأني إياه قبل أي شيء آخر ‪" .‬‬
‫" سأدعك تفعل ما تشاء ‪ ,‬فأنت مختلف تمام ا عن كل الصبيان الخرين !"‬
‫" إذن دعني أمضي بعيدا في الحأال !"‬
‫" ماذا تقول ؟ هل ترغب في أن تترك أباك و أمك العجوزان و تذهب بعيدا عن بيتك القديما‬
‫؟"‬
‫" بالتأكيد سأعود ثانية ‪,‬إذا تركتماني أذهب الن!"‬
‫" إلى أين تذهب؟"‬
‫قال موموتارو‪ " :‬ل بد أن تظن طلبي أن أذهب بعيدا أم ار غريب ا ‪ ,‬لنني لما أخبرك بعد‬
‫بعذري ‪ .‬توجد على بعد من هنا في شمال شرق اليابان جزيرة في البحأر ‪ .‬هذه الجزيرة هي معقل‬
‫عصابة من الشياطين ‪ .‬لطالما سمعت كيف أنهما يغزون هذه الرض ‪ ,‬و يقتلون و يسلبون الناس ‪,‬‬
‫و يحأملون معهما ما يجدونه‪ .‬إنهما ليسوا شريرين وحأسب بل إنهما غير مخلصين لمبراطورنا و‬
‫يعصون قوانينه ‪ .‬ثما إنهما من أكلة لحأوما البشر ‪ ,‬لنهما يقتلون و يأكلون بعض الناس المساكين‬
‫عاثري الحأظ الذين يقعون في أيديهما ‪ .‬هذه الشياطين كائنات كريهة ‪ .‬يجب أن أذهب و أهزمها و‬
‫أستعيد كل السلب التي من أجلها سرقوا هذه الرض ‪ .‬لهذا السبب أريد أن أمضي بعيدا لبعض‬
‫الوقت !"‬
‫دهش الرجل العجوز جدا لسماعا كل هذا من مجرد ولد في الخامسة عشرة من عمره ‪ .‬ظن‬
‫أنه من الخير أن يدعا الصبي يذهب ‪ .‬فقد كان قوي ا و غير هياب ‪ ,‬و بالضافة إلى كل هذا ‪ ,‬كان‬
‫يعرف الرجل العجوز أنه ليس طفلا عادي ا ‪ ,‬لنه أرسل إليهما هدية من السماء و هو يشعر بيقين تاما‬
‫أن الشياطين سيكونون ل حأول لهما و ل قوة على إيذائه ‪.‬‬

‫‪128‬‬
‫قال الرجل العجوز ‪ " :‬كل ما تقوله ممتع ‪ ,‬يا موموتارو ‪ ,‬لن أثنيك عن عزمك ‪ .‬بإمكانك‬
‫أن تذهب إن شئت ‪ .‬اذهب إلى الجزيرة بأسرعا ما تحأب و دمر الشياطين و احأمل السلما إلى‬
‫الرض ‪".‬‬
‫قال موموتارو الذي بدأ يستعد للذهاب في نفس ذلك اليوما ‪ ":‬شك ار لك ‪ ,‬على كل معروفك‬
‫‪ ".‬كان ممتلئ ا شجاعة ولما يكن يعرف ما يعني الخوف‪.‬‬
‫شرعا الرجل والمرأة العجوزان يطحأنان على الفور الرز في هاون المطبخ لصنع الكعك‬
‫لموموتارو ليأخذه معه في رحألته‪.‬‬
‫الفراق حأزين دائماا‪ .‬وهكذا كان بالنسبة لهما ‪ .‬امتلت عيون العجوزين بالدموعا وارتجفت‬
‫أصواتهما حأين كانا يقولن ‪:‬‬
‫" امض بكل حأرص و سرعة ‪ .‬نرجو أن تعود منتص ار ! "‬
‫كان موموتارو حأزين ا كثي ار لفراق والديه العجوزين‪ ) ,‬مع أنه يعلما أنه عائد بأسرعا ما يستطيع‬
‫( لنه كان يفكر في كما سيكونان وحأيدين عندما يكون بعيداا‪ .‬لكنه قال بشجاعة تامة ‪ ":‬وداعا !"‬
‫" أنا ذاهب الن ‪ .‬اعتنيا بنفسيكما بينما أكون بعيدا ‪ .‬وداعا !" وخطا بسرعة خارج البيت ‪.‬‬
‫تقابلت عيون موموتارو ووالديه بصمت في الوداعا ‪.‬‬
‫أسرعا موموتارو في طريقه حأتى حأل منتصف النهار ‪ .‬بدأ يشعر بالجوعا‪ ,‬لذا فتح حأقيبته‬
‫وأخرج واحأدة من كعكات الرز وجلس تحأت شجرة إلى جانب الطريق ليأكل‪ .‬وفيما هو يتناول غداءه‬
‫هكذا جاء كلب كبير كمهر راكضا من بين العشب المرتفع ‪ .‬اتجه مباشرة إلى موموتارو‪ ,‬ومكش ار‬
‫عن أسنانه‪ ,‬قال بطريقة عنيفة ‪:‬‬
‫" أنت إنسان فظ لنك تمر في حأقلي دون أن تستأذن أولا ‪ .‬إذا تركت لي كل الكعكات التي‬
‫معك في حأقيبتك فبإمكانك أن تذهب ؛ً إوال فسأعضك حأتى أقتلك !"‬
‫ضحأك موموتارو ساخ ار فقط ‪:‬‬
‫" ما ذاك الذي تقول ؟ هل تعلما من أنا ؟ أنا موموتارو‪ ,‬وأنا في طريقي لخضاعا الشياطين‬
‫في معقل جزيرتهما في شمال شرق اليابان ‪ .‬إذا حأاولت أن تقف في طريقي فسأقطعك نصفين من‬
‫رأسك إلى أسفل ! "‬
‫تبدل سلوك الكلب على الفور ‪ .‬وضع ذيله بين رجليه‪ ,‬وانحأنى مقترب ا بحأيثا لمست جبهته‬
‫الرض ‪.‬‬
‫" ماذا أسمع؟ اسما موموتارو ؟ هل أنت موموتارو حأقا ؟ لقد سمعت كثي ار بقوتك الهائلة ‪.‬‬
‫لقد تصرفت بحأماقة كبيرة غير عارف من تكون‪ .‬هل تتفضل بأن تغفر لي فظاظتي ؟ هل أنت في‬
‫طريقك لتغزو جزيرة الشياطين ؟ إذا كنت ستأخذ مثل هذا الرفيق الفظ كواحأد من أتباعك‪ ,‬فسأكون‬
‫ممتن ا لك ‪".‬‬

‫‪129‬‬
‫قال موموتارو ‪ " :‬أعتقد أنني أستطيع أن آخذك معي إذا كنت ترغب في الذهاب "‬
‫قال الكلب ‪ ":‬شك ار لك ! بالمناسبة‪ ,‬أنا جائع كثي ار كثي ار ‪ .‬هل أعطيتني واحأدة من‬
‫الكعكات التي تحأمل ؟ "‬
‫قال موموتارو ‪ ":‬هذا أفضل نوعا من الكعك الموجود في اليابان‪ ,‬أنا ل أستطيع أن أستغني‬
‫لك عن واحأدة كاملة؛ً سأعطيك نصف واحأدة ‪".‬‬
‫قال الكلب‪ ,‬آخذا القطعة التي ألقيت إليه ‪ ":‬شك ار جزيلا لك ‪".‬‬
‫ثما نهض موموتارو وتبعه الكلب ‪ .‬ومشيا لوقت طويل فوق التلل وعبر الوديان ‪ .‬بينما‬
‫كانا يمضيان في سبيلهما نزل حأيوان من شجرة على مسافة قصيرة أمامهما ‪ .‬جاء الحأيوان بعد وقت‬
‫قصير إلى موموتارو وقال ‪:‬‬
‫" صباح الخير‪ ,‬يا موموتارو! أهلا بك في هذا الجزء من الريف‪ .‬هل تسمح لي أن‬
‫أمضي معك ؟"‬
‫أجاب الكلب بغيرة ‪:‬‬
‫" إن لدى موموتارو الن كلبا يرافقه ‪ .‬ما فائدة قرد مثلك في القتال ؟ إننا في طريقنا لقتال‬
‫الشياطين ! هيا ابتعد !"‬
‫بدأ الكلب والقرد يختصمان ويعض أحأدهما الخر‪ ,‬لن هذان الحأيوانان يكره أحأدهما الخر‬
‫عادة ‪.‬‬
‫قال موموتارو‪ ,‬واضعا نفسه بينهما ‪ ":‬ل تختصما‪ ,‬الن‪ ,‬انتظر لحأظة‪ ,‬أيها الكلب !"‬
‫قال الكلب ‪ ":‬إنه ل يشرفك أبدا أن يكون لديك مخلوق مثل ذاك يتبعك !"‬
‫سأل موموتارو ‪ ":‬ماذا تعرف عنه ؟ " وتكلما إلى القرد‪ ،‬دافع ا الكلب جانباا‪:‬‬
‫" من أنت ؟"‬
‫أجاب القرد ‪ ":‬أنا قرد يعيش في هذه التلل‪ ,‬سمعت بحأملتك إلى جزيرة الشياطين‪ ,‬وجئت‬
‫لذهب معك ‪ .‬ل شيء سيسرني أكثر من متابعتك !"‬
‫" هل ترغب حأقا في أن تذهب إلى جزيرة الشياطين وتقاتل معي ؟"‬
‫أجاب القرد ‪ ":‬أجل‪ ,‬سيدي "‬
‫ك قطعة من واحأدة من كعكات الرز اللذيذة‬
‫قال موموتارو ‪ ":‬أنا معجب بشجاعتك‪ ,‬ها ق‬
‫خاصتي‪ .‬هيا !"‬
‫هكذا انضما القرد إلى موموتارو ‪ .‬لما يصبح الكلب والقرد أفضل حأالا معاا‪ .‬فقد كان أحأدهما‬
‫ينقض دائما على الخر في محأاولة لعضه بينما كانا يسيران‪ ,‬و يريدان أن يتعاركا دائماا‪ .‬وهذا ما‬
‫يجعل موموتارو نزقاا‪ ,‬وأخي ار أرسل الكلب إلى الماما مع علما ووضع القرد في الخلف مزودا بسيف‪,‬‬
‫ووضع نفسه بينهما بمذراة حأرب مصنوعة من الحأديد‪.‬‬

‫‪130‬‬
‫بعد وقت قصير وصلوا إلى حأقل واسع ‪ .‬هنا طار طائر وحأط على الرض أماما المجموعة‬
‫الصغيرة تماما ‪ .‬كان أجمل طائر رآه موموتارو على الطلق ‪ .‬على بدنه ثمة خمسة أثواب مختلفة‬
‫من الريش و كان رأسه مغطى بقبعة قرمزية ‪.‬‬
‫ركض الكلب على الفور إلى الطير وحأاول أن يمسك به و يقتله ‪ .‬لكن الطائر أنشب‬
‫مخالبه و انقض على ذيل الكلب ‪ ,‬و جرت معركة شرسة بينهما ‪.‬‬
‫لما يستطع موموتارو ‪ ,‬بينما كان يتابع النظر ‪ ,‬إل أن يعجب بالطائر ؛ً فقد أظهر قد ار كبي ار‬
‫جدا من البأس في القتال ‪ .‬سيكون منه بالتأكيد مقاتل جيد ‪.‬‬
‫مضى موموتارو إلى المقاتلين ‪ ,‬و قال للطائر ‪ ,‬معيقا الكلب ‪:‬‬
‫" أنت أيها الوغد ! إنك تعرقل رحألتي ‪ .‬استسلبما في الحأال ‪ ,‬و سآخذك معي ‪ .‬إوان لما تفعل‬
‫فسأدعا هذا الكلب ينتزعا رأسك !"‬
‫حأينئذ استسلما الطائر فو ار ‪ ,‬و طلب أن ينضما إلى جماعة موموتارو ‪.‬‬
‫" أنا ل أعرف عذ اقر أقدمه على نزاعي مع خادمك الكلب‪ ,‬لكنني لما أرك‪ .‬أنا طائر بائس‬
‫يدعى التيبدكرج ‪ .‬إوانه لكرسما كبير منك أن تتجاوز عن فظاظتي و تأخذني معك ‪ .‬أرجوك اسمح لي أن‬
‫أتبعك و راء الكلب و القرد !"‬
‫قال موموتارو ‪ ,‬مبتسم ا ‪ " :‬أهنئك على استسلمك بهذه السرعة ‪ ,‬تعال و انضما إلينا في‬
‫إغارتنا على الشياطين ‪".‬‬
‫سأل الكلب ‪ ,‬مقاطعا ‪ ":‬هل ستأخذ هذا الطائر معك أيضا ؟"‬
‫" لماذا تسأل مثل هذا السؤال غير الضروري ؟ ألما تسمع ما قلت ؟ أنا آخذ الطائر معي‬
‫لنني أريد ذلك ! "‬
‫قال الكلب ‪ " :‬هما !"‬
‫ثما وقف موموتارو و أعطى أمره ‪:‬‬
‫" الن عليكما جميعا أن تصغوا إلي ‪ .‬إن أول أمر ضروري في الجيش هو النسجاما ‪ .‬إنه لقول‬
‫حأكيما ذلك القول الذي يقول ‪ " :‬التفوق على الرض خير من التفوق في الجو !" إن التحأاد فيما‬
‫بيننا خير من أي مكسب ممكن ‪ .‬حأين ل ننعما بالسلما فيما بيننا فإنه ليس من السهل أن نخضع أي‬
‫عدو ‪ .‬منذ الن ‪ ,‬أنتما الثلثة ‪ ,‬الكلب ‪ ,‬و القرد و التدرج ‪ ,‬ينبغي أن تكونوا أصدقاء برأي واحأد ‪ .‬و‬
‫من يبدأ الخصومة أولا سيصرف من الخدمة في الحأال !"‬
‫وعد الثلثة أجمعون بأل يختصموا ‪ .‬وقكبتقل طائر التدرج عضوا في مجموعة موموتارو ‪ ,‬و‬
‫تلقى نصف كعكة ‪.‬‬
‫كان تأثير موموتارو عظيم ا بحأيثا أن الثلثة أصبحأوا أصدقاء جيدين ‪ ,‬و كانوا يسرعون‬
‫معه كقائد إلى الماما‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫ماضون في سرعتهما يوم ا بعد يوما و صلوا أخي ار إلى شاطئ البحأر الشمالي الشرقي ‪ .‬لما‬
‫يكن كيرى شيسء حأتى الفق ـ و ل حأتى علمة لية جزيرة ‪ .‬كل ما كان يبدد السكون هو تدحأرج‬
‫المواج على الشاطئ ‪ .‬قطع الكلب و القرد و طائر التدرج بشجاعة كبيرة كل الطريق عبر الوديان‬
‫الطويلة و فوق التلل ‪ ,‬لكنهما لما يكونوا قد أروا البحأر من قبل ‪ ,‬و لول مرة منذ أن انطلقوا كانوا‬
‫مرتبكين و يحأدقون بصمت إلى بعضهما بعض ا ‪ .‬كيف لهما أن يعبروا الماء و يصلوا إلى جزيرة‬
‫الشياطين ‪.‬‬
‫رأى موموتارو و بعد وقت قصير أنهما كانوا مذعورين من منظر البحأر ‪ ,‬و ليختبرهما تكلما‬
‫بصوت مرتفع و بخشونة ‪:‬‬
‫" لماذا تترددون ؟ هل أنتما خائفون من البحأر ؟ أوه يا لكما من جبناء ! إنه لمن المستحأيل أن‬
‫آخذ مخلوقات ضعيفة مثلكما معي لقتال الشياطين ‪ .‬سيكون من الفضل بكثير أن أمضي وحأدي ‪.‬‬
‫أنا أصرفكما جميع ا من الخدمة على الفور !"‬
‫فوجئت الحأيوانات الثلثة بهذا التأنيب الحأاد و تمسكت بكما موموتارو ‪ ,‬راجية منه أل‬
‫يطردها ‪.‬‬
‫قال الكلب ‪ " :‬أرجوك ‪ ,‬يا موموتارو ! "‬
‫قال القرد ‪ " :‬لقد قطعنا كل هذه المسافة ! "‬
‫قال طائر التدرج ‪ " :‬من القسوة أن تتركنا هنا ! "‬
‫قال القرد ثانية ‪ " :‬نحأن لسنا خائفين من البحأر "‬
‫قال طائر التدرج ‪ " :‬أرجوك خذنا معك ‪",‬‬
‫قال الكلب ‪ ":‬افعل من فضلك "‬
‫لقد حأازوا الن شيئ ا من الشجاعة ‪ ,‬لذا فقد قال موموتارو ‪:‬‬
‫" حأسن ‪ ,‬إذن ‪ ,‬سآخذكما معي ‪ ,‬لكن كونوا يقظين ! "‬
‫حأصل الن موموتارو على سفينة صغيرة ‪ ,‬و صعدوا جميعا على متنها ‪ ,‬كانت الريح و‬
‫الطقس مواتيين ‪ ,‬و مضت السفينة فوق البحأر مثل سهما ‪ .‬إنها المرة الولى التي يركبون فيها الماء‬
‫و لذا كان الكلب‪ ,‬و القرد و طائر التدرج في البداية خائفين من المواج و من تدحأرج المركب ‪,‬‬
‫لكنهما شيئ ا فشيئ ا اعتادوا الماء و غقدوا سعداء أيض ا ‪ .‬كل يوما يذرعون ظهر سفينتهما الصغيرة جيئة‬
‫و ذهاب ا ‪ ,‬يرصدون بشوق جزيرة الشياطين ‪.‬‬
‫عندما يتعبون من هذا ‪ ,‬يحأكي بعضهما لبع ل‬
‫ض قصصا عن مآثرهما التي كانوا فخورين بها ‪,‬‬
‫ثما يلعبون ألعابا معا ؛ً و وجد موموتارو الكثير ليمتع نفسه في الصغاء إلى الحأيوانات الثلثة و‬
‫مراقبة أفعالهما الغريبة ‪ ,‬و بهذه الطريقة ينسى طول الطريق وأنه متعب من الرحألة و من عدما فعل‬
‫شيء ‪ .‬كان يتوق إلى العمل في قتل المخلوقات التي تسببت بكثير من الذى في بلده ‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫وبما أن الريح كانت تجري في صالحأهما و أنهما لما يواجهوا عواصف فإن السفينة قامت‬
‫برحألة سريعة‪ ,‬وفي أحأد الياما عندما كانت الشمس تضيء بسطوعا كوفئ المراقبون الربعة بمنظر‬
‫أرض قاب قوس ‪.‬‬
‫عرف موموتارو على الفور أن ما رأوه هو معقل الشياطين ‪ .‬فوق قمة الشاطئ الشديد‬
‫النحأدار‪ ,‬ثمة قلعة كبيرة تطل على البحأر‪ .‬الن وقد بات مشروعه في متناول يده‪ ,‬غرق في تفكير‬
‫عميق ورأسه مائل على يديه‪ ,‬يتساءل كيف ينبغي أن يبدأ الهجوما‪ .‬يراقبه أتباعه الثلثة‪ ,‬منتظرين‬
‫الوامر ‪ .‬أخي ار نادى على طائر التدرج ‪:‬‬
‫قال موموتارو للطائر ‪ ":‬إنها لمزية كبيرة أن تكون بيننا‪ ,‬لن لديك أجنحأة جيدة‪ .‬تطر فو ار‬
‫إلى القلعة واجتذب الشياطين نحأو القتال ‪ .‬نحأن سنتبعك ‪".‬‬
‫أطاعا التدرج على الفور‪ .‬طار من السفينة وهو يضرب الهواء بجناحأيه بسعادة‪ .‬بعد وقت‬
‫قصير وصل الطائر الجزيرة واتخذ موضع ا له على السطح في منتصف القلعة‪ ,‬منادي ا بصوت‬
‫مرتفع ‪:‬‬
‫" أصغوا إلي جميعا أيها الشياطين ! إن الجنرال الياباني الكبير موموتارو جاء لمحأاربتكما‬
‫ولينتزعا منكما معقلكما ‪ .‬فإن كنتما ترغبون في إنقاذ حأياتكما استسلموا على الفور‪ ,‬وعليكما كعلمة على‬
‫الخضوعا أن تنزعوا القرون التي تنمو على جباهكما ‪ .‬إواذا لما تستسلموا على الفور‪ ,‬بل قررتما القتال‪,‬‬
‫فسنقتلكما جميع ا أنا والكلب والقرد بتقع ص‬
‫ضكما وتمزيقكما حأتى الموت!"‬
‫ضحأك الشياطين ذوو القرون ناظرين إلى أعلى ومشاهدين طائر التدرج فقط‪ ,‬وقالوا ‪:‬‬
‫" إنه طائر تدرج متوحأش‪ ,‬حأقا ! إن من المضحأك أن نسمع مثل هذه الكلمات من شيء‬
‫حأقير مثلك ‪ .‬انتظر حأتى تتلقى ضربة من أحأد من قروننا !"‬
‫حأقاك كان الشياطين غاضبين جداا‪ .‬هزوا قرونهما وكثات شعرهما الحأمر بعنف‪ ,‬واندفعوا‬
‫ليلبسوا سراويل جلد النمر كي يجعلوا أنفسهما يبدون أكثر رهبة‪ .‬ثما أخرجوا قضبان ا كبيرة من الحأديد‬
‫وركضوا إلى حأيثا جثما طائر التدرج فوق رؤوسهما‪ ,‬وحأاولوا أن يسقطوه‪ .‬طار التدرج إلى أحأد‬
‫الجوانب ليتلفى الضربة‪ ,‬ثما هاجما رأس أول واحأد ثما شيطانا آخر‪ .‬كان يطير حأولهما مرة بعد مرة‪,‬‬
‫ضارب ا الهواء بعنف كبير بجناحأيه وبل توقف‪ ,‬بحأيثا بدأ الشياطين يتساءلون ما إذا كانوا سيقاتلون‬
‫طائ ار واحأدا أما الكثير من الطيور الخرى ‪.‬‬
‫في غضون ذلك‪ ,‬كان موموتارو قد أتى بسفينته إلى اليابسة‪ .‬بينما كانوا يقتربون‪ ,‬رأى أن‬
‫الشاطئ مثل جرف‪ ,‬وأن القلعة الكبيرة محأاطة بجدران مرتفعة وبوابات حأديدية ضخمة و محأصنة‬
‫بقوة ‪.‬‬
‫نزل موموتارو إلى اليابسة‪ ,‬ومشى يتبعه القرد والكلب‪ ،‬في الطريق نحأو القمة‪,‬على أمل أن‬
‫يجد طريقة للدخول‪ .‬بعد وقت قصير مروا بفتاتين جميلتين تغسلن الثياب في جدول ‪ .‬رأى‬

‫‪133‬‬
‫موموتارو أن الملبس كانت ملطخة بالدما‪ ,‬وأنه بينما كانت العذ اروان تقومان بالغسل‪ ,‬كانت الدموعا‬
‫تنهمر بسرعة على خديهما‪ .‬وقف وتكلما إليهما ‪:‬‬
‫" من أنتما ؟ ولماذا تبكيان ؟"‬
‫" نحأن أسيرتا ملك الشياطين ‪ .‬كحأتمبلنا بعيدا عن بيوتنا إلى هذه الجزيرة‪ ,‬ومع أننا بنات‬
‫أسياد‪ ,‬فقد كأجبرنا على أن نكون خادمتين له ‪ ,‬و سيقتلنا ذات يولما و يأكلنا ‪ ,‬و ليس هناك من‬
‫يساعدنا!"‬
‫و انفجرت دموعهما مجددا لدى هذه الفكرة المرعبة ‪.‬‬
‫قال موموتارو ‪ " :‬سأنقذكما ‪ ,‬ل تبكيا بعد ‪ ,‬أرياني فقط كيف يمكنني أن أدخل القلعة‪".‬‬
‫ثما أرشدت السيدتان موموتارو إلى الطريق و أرتاه باب ا خلفي ا صغي ار في أدنى جزء من جدار‬
‫القلعة ـ باب صغير جدا بحأيثا أن موموتارو استطاعا بصعوبة أن يزحأف منه‪.‬‬
‫رأى طائر التدرج ‪ ,‬الذي كان يقاتل بجد كل هذا الوقت ‪ ,‬موموتارو و جماعته الصغيرة‬
‫يندفعون من الخلف ‪.‬‬
‫كان انقضاض موموتارو عنيفا جدا بحأيثا لما يستطع الشياطين الوقوف في وجهه ‪ .‬في‬
‫البداية كان خصمهما طائر واحأد ‪ ,‬هو التدرج ‪ ,‬لكن الن بعد أن وصل موموتارو و الكلب و القرد‬
‫فقد أصابهما الرتباك‪ ,‬لن العداء الربعة كانوا يقاتلون كمائة ‪ ,‬فقد كانوا أقوياء جداا‪ .‬سقط بعض‬
‫الشياطين عند حأاجز القلعة و كدتفعوا ليتحأطموا على الصخور في السفل ؛ً آخرون سقطوا في البحأر‬
‫ضتربوا حأتى الموت من قبل الحأيوانات الثلثة ‪.‬‬
‫و غرقوا ؛ً و الكثير منهما ك‬
‫في النهاية كان زعيما الشياطين الوحأيد الذي ترك ‪ .‬فقد قرر أن يستسلما ‪,‬لنه عرف أن عدوه‬
‫أقوى من أي رجل بشري ‪.‬‬
‫جاء بتواضع إلى موموتارو و ألقى قضيبه الحأديدي ‪ ,‬و نزعا جاثي ا عند قدمي المنتصر‬
‫قرنيه اللذين فوق رأسه علمة على الخضوعا ‪ ,‬لنهما كانا علمة على قوته و جلده‪.‬‬
‫قال بخنوعا ‪ " :‬أنا خائف منك ‪ ,‬ل أستطيع الصمود في وجهك‪ .‬سأعطيك كل الكنز المخبأ‬
‫ت أبقيت على حأياتي ! "‬
‫في هذه القلعة إبن أن ق‬
‫ضحأك موموتارو ‪.‬‬
‫" ل يليق بك ‪ ,‬أيها الشيطان الكبير ‪ ,‬أن تطلب الرحأمة ‪ ,‬أليس كذلك ؟ أنا ل أستطيع أن‬
‫كأبقي على حأياتك الشريرة ‪ ,‬مهما رجوت ‪ ,‬لنك قتلت و عذبت أناس ا كثيرين و سرقت بلدنا لسنوات‬
‫عديدة ‪".‬‬
‫ثما قيد موموتارو زعيما الشياطين و جعله في عهدة القرد ‪ .‬بعد أن فعل هذا ‪ ,‬ذهب إلى كل‬
‫غرف القلعة و أطلق سراح السجناء و جمع الكنز الذي وجده ‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫حأمل الكلب و التدرج الغنيمة إلى الوطن ‪ ,‬و هكذا عاد موموتارو منتص ار إلى وطنه‪ ,‬آخذا‬
‫معه زعيما الشياطين أسي ار ‪.‬‬
‫أعيدت الفتاتان المسكينتان ‪ ,‬بنتا السياد ‪ ,‬و الخرون الذين حأملهما الشيطان الخبيثا‬
‫ليكونوا عبيده ‪ ,‬بأمان إلى بيوتهما وكأرسلوا إلى والديهما ‪.‬‬
‫واعتبر البلد كله موموتارو بطلا لدى عودته منتص ار ‪ ,‬و ابتهجوا لنه تما تخليص البلد الن‬
‫ل‪.‬‬
‫من الشياطين اللصوص الذين كانوا مصدر رعب للرض زمن ا طوي ا‬
‫كان سرور الزوجين العجوزين أكبر من ذي قبل ‪ ,‬فلقد أتاح لهما الكنز الذي أحأضره‬
‫موموتارو معه إلى البيت أن يعيشا بسلما ورخالء حأتى آخر أيامهما ‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫غول راشومون‬
‫في الماضي البعيد ‪ ,‬البعيد في كيوتو ‪ ,‬قريوقعت الناس أنباكء غولل فظيع‪ ,‬يلزما‪ ,‬كما قيل‪ ,‬بوابة‬
‫راشومون قبيل الفجر و يمسك بمن يمر به ‪ .‬لما تكن الضحأايا المفقودة كتشاقهد ثانية‪ ,‬لذا فقد تهامس‬
‫الناس أن الغول كان آكل لحأما بشري رهيب ‪ ,‬ل يقتل فقط الضحأايا التعيسة إوانما يأكلهما أيض ا ‪ .‬كان‬
‫الجميع في المدينة و الجوار في خوف عظيما ‪ ,‬و ل أحأد يجرؤ على المجازفة بالخروج بعد غروب‬
‫الشمس قريب ا من بوابة راشومون‪.‬‬
‫في هذا الوقت كان يعيش في كيوتو جنرال اسمه رايكو ‪ ,‬اشتكتهقر من خلل أعماله الشجاعة ‪.‬‬
‫قبل قليل من هذا جعل البلد تدوي باسمه ‪ ,‬لنه هاجما أويياما ‪ ,‬حأيثا كانت تعيش عصابة من‬
‫الغيلن مع زعيمها ‪ ,‬كانوا يشربون دماء البشر بدلا من الخمر ‪ .‬هزمهما جميع ا هزيمة منكرة و قطع‬
‫رأس الغول الزعيما ‪.‬‬
‫كانت تتبع هذا المحأارب الشجاعا دائم ا مجموعة من الفرسان المخلصين ‪ .‬في هذه المجموعة‬
‫كان يوجد خمسة فرسان ذوو شجاعة عظيمة ‪ .‬في إحأدى المسيات بينما كان الفرسان الخمسة‬
‫يجلسون في وليمة يعبون شراب الساكه في زبادي الرز خاصتهما و يأكلون كل أنواعا السمك ‪ ,‬نيئا ‪,‬‬
‫و مطهوا ‪ ,‬و مسلوق ا ‪ ,‬و يشربون في صحأة و مآثر بعضهما بعضاا‪ ,‬قال الفارس الول ‪ ,‬هوجو ‪,‬‬
‫للخرين ‪:‬‬
‫" هل سمعتما جميع ا بالشاعة التي تقول إن غولا يأتي كل مساء بعد الغروب إلى بوابة راشومون‬
‫‪ ,‬و أنه يمسك كل من يمر به ؟ "‬
‫أجابه الفارس الثاني ‪ ,‬واتانابي ‪ ,‬قائلا ‪:‬‬
‫" ل تتحأدثا بهذا الهراء ! فقد تما قتل جميع الغيلن من قبل زعيمنا رايكو في أويياما ! فل يمكن‬
‫ي من الغيلن من تلك المقتلة العظيمة ‪ ,‬فإنهما لن يجرؤوا‬
‫أن يكون هذا صحأيحأاا‪ ,‬لنه حأتى لو نجا أ س‬
‫على الظهور في هذه المدينة ‪ ,‬لنهما يعلمون أن معلمنا الشجاعا سيهاجمهما على الفور لو علما أن أي ا‬
‫منهما ل يزال حأيا ! "‬
‫" إذن هل تنكر ما أقول ‪ ,‬وتعتقد أنني أخبركما بالكذب ؟ "‬
‫قال واتانابي ‪ " :‬ل ‪ ,‬ل أظن أنك تكذب ‪ ,‬لكنك سمعت قصة امرأة عجوز ل تستحأق التصديق‪".‬‬
‫قال هوجو ‪ " :‬إذن فإن أفضل خطة لثبات ما أقول ‪ ,‬بأن تذهب بنفسك و تكتشف بنفسك ما إذا‬
‫كانت صدق ا أما ل ‪" .‬‬
‫لما يحأتمل واتانابي ‪ ,‬الفارس الثاني ‪ ,‬فكرة أن رفيقه يمكن أن يصدق أنه كان خائفا ‪ ,‬لذا أجاب‬
‫بسرعة ‪:‬‬
‫" طبع ا ‪ ,‬سأذهب فو ار وأكتشف بنفسي ! "‬

‫‪136‬‬
‫لذا استعد واتانابي حأالا للذهاب – امتشق سيفه الطويل وارتدى معطف الدروعا ‪ ,‬وثبت خوذته‬
‫الضخمة ‪ .‬حأين صار مستعدا للنطلق قال للخرين ‪:‬‬
‫" أعطوني شيئا ما أستطيع أن أبرهن به أنني كنت هناك ! "‬
‫ثما أحأضر واحأد من الرجال لفافة من ورق الكتابة و علبته من الحأبر الهندي و فق ار ل‬
‫ش ‪ ,‬و كتب‬
‫الرفاق الربعة أسماءهما على قطعة من الورق ‪.‬‬
‫قال واتانابي ‪ " :‬سآخذ هذه و أضعها على بوابة راشومون ‪ ,‬لذا هل تذهبون غدا صباحأ ا جميع ا و‬
‫تنظروا إليها ؟ ربما أكون قد أمسكت بغول أو اثنين حأتى ذلك الوقت ! " و امتطى حأصانه و انطلق‬
‫بشجاعة ‪.‬‬
‫كانت ليلة شديدة الظلمة ‪ ,‬و لما يكن ثمة قمر و ل نجوما تنير لوتانابي طريقه ‪.‬‬
‫ولكي تكون الظلمة أسوأ فقد هبت عاصفة‪ ,‬و هطلت المطار بشدة و عوت الريح مثل الذئاب في‬
‫الجبال‪.‬‬
‫إن أي إنسان عادي كان سيرتجف من فكرة الخروج من البيت ‪ ,‬لكن واتانابي محأارب شجاعا و ل‬
‫يهاب ‪ ,‬و كان شرفه و كلمته على المحأك ‪ ,‬لذا مضى سريع اك في الليل ‪ ,‬بينما أصغى رفاقه إلى‬
‫حأوافر حأصانه تغيب بعيدا في البعيد ‪ ,‬ثما أغلقوا المصاريع المنزلقة بإحأكاما و تجمعوا حأول موقد‬
‫الحأطب و تساءلوا ماذا يمكن أن يحأدثا – و ما إذا كان رفيقهما سيواجه واحأدا من تلك الغيلن‬
‫المرعبة‪.‬‬
‫وصل أخي ار واتانابي إلى بوابة راشومون ‪ ,‬لكنه حألدق بقدر ما يستطيع خلل الظلما فلما يستطع‬
‫أن يرى أية علمة على غول ‪.‬‬
‫قال واتانابي لنفسه ‪ " :‬إن المر تمام ا كما ظننت ‪ ,‬ل يوجد بالتأكيد غيلن هنا ؛ً إنها حأكاية‬
‫امرأة عجوز فقط ‪ .‬سأثبت هذه الورقة على البوابة بحأيثا يستطيع الخرون أن يروا أنني كنت هنا‬
‫عندما يأتون غدا ‪ ,‬ثما سآخذ طريقي إلى البيت و أضحأك منهما جميع ا ‪" .‬‬
‫ثبت قطعة الورق ‪ ,‬الموقعة من قبل كل رفاقه الربعة ‪ ,‬على البوابة ‪ ,‬ثما ولجه رأس حأصانه‬
‫باتجاه البيت ‪.‬‬
‫و بينما فعل ذلك أدرك أن شخص ا ما كان خلفه ‪ ,‬و نادى عليه صوت في نفس الوقت أن ينتظر‬
‫‪ ,‬ثما أمسكت خوذته من الخلف ‪.‬‬
‫قال واتانابي بل خوف ‪ " :‬من أنت ؟ " ‪ .‬ثما مد يده و تللمس حأوله ليكتشف من أو ما كان ذلك‬
‫الذي أمسك به من الخوذة ‪ .‬حأين فعل ذلك لمس شيئا ما بدا كأنه ذراعا‪ -‬كان مغطى بالشعر ‪,‬‬
‫كبي ار و مفتولا مثل جذعا شجرة !‬
‫عرف واتانابي على الفور أن هذه كانت ذراعا غول ‪ ,‬لذا شهر سيفه و قطعه بعنف ‪.‬‬
‫كان هناك صرخة ألما ‪ ,‬ثما اندفع الغول أماما المحأارب ‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫اتسعت عينا واتانابي من الدهشة ‪ ,‬لنه رأى أن الغول كان أطول من البوابة العظيمة ‪ ,‬كانت‬
‫عيناه تبرقان مثل المرايا في ضوء الشمس ‪ ,‬و كان فمه الكبير مفتوحأا ‪ ,‬و حأينما كان الغول يتنفس‪,‬‬
‫كانت تتصاعد ألسنة من النار من فمه ‪.‬‬
‫فكر الغول في إخافة خصمه ‪ ,‬لكن واتانابي لما يحأجما أبدا ‪ .‬هاجما الغول بكل قوته ‪ ,‬و هكذا‬
‫تصارعا وجه ا لوجه و لمدة طويلة ‪.‬أخي ار حأين وجد الغول ‪ ,‬أنه لما يستطع أن يخيف و ل أن يهزما‬
‫واتانابي و أنه يمكن أن كيهزقما شخصي ا ‪ ,‬اسلما نفسه للهرب ‪ .‬لكن واتانابي ‪ ,‬قرر أل يدعا الغول يفر ‪,‬‬
‫نخز حأصانه و انطلق في مطاردة ‪.‬‬
‫لكن مع أن الفارس جرى بسرعة أكبر ‪ ,‬ووجد لخيبة أمله أنه غير قادر على التغلب على الغول‬
‫‪ ,‬الذي غاب عن الرؤية بالتدريج ‪.‬‬
‫عاد واتانابي إلى البوابة حأيثا جرى القتال العنيف ‪ ,‬و ترجل عن حأصانه ‪.‬‬
‫حأين فعل هذا تعثر بشيء ملقى على الرض ‪.‬‬
‫انحأنى ليلتقطه فوجد أنه أحأد ذراعي الغول الضخمين الذي لبد أنه بتره في القتال ‪.‬‬
‫كان سروره عظيما لنيل مثل هذه الجائزة ‪ ,‬لنه من أفضل البراهين على مغامرته مع الغول ‪.‬‬
‫لذا التقطه باهتماما و حأمله إلى البيت كتذكار على انتصاره ‪.‬‬
‫حأين عاد‪ ,‬عرض الذراعا على رفاقه اللذين دعوه جميع ا بطل مجموعتهما و قدموا له وليمة كبيرة‬
‫‪ .‬أحأدثا عمله المدهش خلل وقت قصير ضجة في كيوتو ‪ ,‬و جاء الناس من بعيد و من قريب‬
‫ليروا ذراعا الغول ‪.‬‬
‫بدأ واتانابي يزداد قلقا كيف يستطيع أن يحأتفظ بالذراعا في أمان ‪ ,‬لنه يعرف أن الغول الذي‬
‫يعود له كان ما يزال حأي ا ‪ .‬كان يشعر بيقين أنه في يوما أو آخر ‪ ,‬حأالما يتغلب الغول على خوفه ‪,‬‬
‫سيأتي ليحأاول استعادة ذراعه الثاني‪ .‬لذا أحأضر واتانابي صندوق ا مصنوع ا من أقوى الخشب و‬
‫مطوق ا بالحأديد ‪ .‬وضع فيه الذراعا ‪ ,‬ثما سد الغطاء الثقيل بإحأكاما ‪ ,‬رافض ا أن يفتحأه لي شخص‬
‫كان‪ ،‬واحأتفظ بالصندوق في غرفته و تولى الهتماما به بنفسه ‪ ,‬غير مبعد له عن نظره ‪.‬‬
‫في إحأدى الليالي سمع شخصا ما يقرعا الشرفة ‪ ,‬طالبا الدخول ‪.‬‬
‫حأين ذهب الخادما إلى الباب ليرى من يكون ‪ ,‬كان هناك فقط امرأة عجوز ‪ ,‬محأترمة في مظهرها‬
‫‪ .‬لدى سؤالها من تكون و ما عملها ‪ ,‬أجابت المرأة العجوز بابتسامة أنها كانت مربيةا لسيد البيت‬
‫حأين كان طفلا صغي ار ‪ .‬طلبت أن يسمح لها برؤية سيد البيت إن كان في البيت‪.‬‬
‫ترك الخادما المرأة العجوز لدى الباب وذهب إلى سيده ليعلمه بأن مربيته قد جاءت لرؤيته‪ .‬فكر أنه‬
‫من الغريب أن تأتي في ذلك الوقت من الليل ‪ ,‬لكن فكرة أن مربيته العجوز ‪ ,‬التي هي بالنسبة له‬
‫مثل أمه بالرضاعا و التي لما يرها منذ وقت بعيد ‪ ,‬قفز في قلبه شعور لطيف جدا لجلها ‪ .‬أمر‬
‫الخادما بأن يرشدها إلى الداخل ‪.‬‬

‫‪138‬‬
‫كأرشدت المرأة العجوز إلى داخل الغرفة ‪ ,‬و بعد أن انتهت النحأناءات المألوفة ‪ ,‬قالت‪:‬‬
‫" أيها السيد ‪ ,‬إن شهرة قتالك الشجاعا مع الغول عند بوابة راشومون انتشرت بشكل واسع‬
‫بحأيثا أن مربيتك العجوز المسكينة قد سمعت بها ‪ .‬أصحأيح حأقاا‪ ,‬ما يقوله الجميع ‪ ,‬بأنك بترت‬
‫واحأدا من ذراعي الغول ؟ إذا فعلت ‪ ,‬فيجب أن يمجد عملك كثي ار ! "‬
‫قال واتانابي ‪ " :‬كنت خائب الرجاء كثي ار ‪ ,‬حأيثا لما أكن قاد ار على أسر الغول ‪ ,‬وهو ما كنت‬
‫أتمناه ‪ ,‬بدلا من أن أقطع ذراعه فقط !"‬
‫أجابت المرأة العجوز ‪ " :‬أنا فخورة بالتفكير بأن سيدي كان شجاعا كثي ار إلى حأد أن يجرؤ‬
‫على قطع ذراعا الغول ‪ .‬ليس هناك من يمكن أن يقارن بشجاعتك ‪ .‬إن أكبر أمنية في حأياتي قبل أن‬
‫أموت أن أرى هذه الذراعا ‪ " .‬أضافت راجية ‪.‬‬
‫قال واتانابي ‪ " :‬ل ‪ ,‬أنا آسف ‪ ,‬لكنني ل أستطيع تلبية طلبك ‪".‬‬
‫سألت المرأة العجوز ‪ " :‬ولكن لماذا ؟ "‬
‫أجاب واتانابي ‪ " :‬لن الغيلن مخلوقات تحأب النتقاما ‪ ,‬و إذا فتحأت الصندوق فإن الغول‬
‫يمكن أن يظهر فجأة ويستولي على ذراعه ‪ .‬لقد أحأضرت صندوقا صنع خصيصا بغطاء قوي جدا ‪,‬‬
‫و أنا أحأتفظ في هذا الصندوق بذراعا الغول مصون ا ؛ً و ل أريه لي كان ‪ ,‬مهما حأدثا ‪".‬‬
‫قالت المرأة العجوز ‪ " :‬إن حأذرك معقول ‪ ,‬لكنني مربيتك العجوز ‪ ,‬لذا فمن المؤكد أنك لن‬
‫ترفض أن تريني الذراعا ‪ .‬أنا سمعت فقط بعملك الشجاعا ‪ ,‬و لكوني غير قادرة على النتظار حأتى‬
‫الصباح أتيت حأالا لسألك أن تريني إياه ‪".‬‬
‫كان واتانابي منزعجا من التماس المرأة العجوز ‪ ,‬لكنه ظل مص ار على الرفض ‪ .‬ثما قالت‬
‫المرأة العجوز ‪:‬‬
‫" هل تظنني جاسوسة مرسلة من قبل الغول ؟ "‬
‫أجاب واتانابي ‪ " :‬ل ‪ ,‬طبع ا أنا ل أظنك جاسوسة للغول ‪ ,‬لنك مربيتي العجوز "‬
‫توسلت المرأة العجوز ‪ " :‬إذن لن تستطيع أن ترفض بالتأكيد أن تريني الذراعا أكثر من هذا ‪,‬‬
‫لن أمنية قلبي أن أرى مرة في حأياتي ذراعا غول !"‬
‫لما يستطع واتانابي أن يستمر في رفضه أكثر ‪ ,‬لذا استسلما أخي ار قائلا ‪:‬‬
‫" سأريك ذراعا الغول ‪ ,‬بما أنك ترغبين جادة في أن تريه ‪ .‬تعالي ‪ ,‬اتبعيني !"‬
‫و مضى في الطريق الذي يؤدي إلى غرفته ‪ ,‬تتبعه المرأة العجوز ‪.‬‬
‫حأين أصبحأا في الغرفة معا أغلق واتانابي الباب بحأذر ‪ ,‬ثما ذهب نحأو صندوق كبير ينتصب‬
‫في زاوية من زوايا الغرفة ‪ ,‬رفع الغطاء الثقيل ‪ .‬ثما نادى على المرأة العجوز لتقترب و تنظر ‪ ,‬لنه‬
‫لما يكن يخرج الذراعا من الصندوق إطلق ا ‪.‬‬
‫قالت المربية العجوز ‪ ,‬بوجه مبتهج ‪ " :‬كيف هو ؟ دعني أنظر إليه جيدا ‪".‬‬

‫‪139‬‬
‫اقتربت أكثر فأكثر ‪ ,‬كما لو كانت خائفة ‪ ,‬حأتى وقفت مقابل الصندوق تمام ا ‪ .‬فجأة‬
‫أدخلت يدها إلى الصندوق و أمسكت الذراعا ‪ ,‬صائحأة بصوت مخيف جعل الغرفة تهتز ‪:‬‬
‫" أوه يا للسعادة ! لقد استعدت ذراعي ثانية !"‬
‫و تحأولت فجأة من امرأة عجوز إلى شكل الغول الضخما المروعا !‬
‫قفز واتانابي إلى الخلف غير قادر للحأظة على الحأركة ‪ ,‬فقد كانت دهشته عظيمة ؛ً لكنه‬
‫حأين تعرف الغول الذي هاجمه عند بوابة راشومون ‪ ,‬قرر بشجاعته المعهودة أن يضع حأدا له هذه‬
‫المرة ‪ .‬أمسك سيفه ‪ ,‬استيله من غمده في لمحأة ‪ ,‬و حأاول أن يصرعا الغول ‪.‬‬

‫كان واتانابي سريعا جدا بحأيثا كان احأتمال فرار الغول ضئيلا ‪ .‬لكن الغول قفز إلى السقف‬
‫‪ ,‬و مندفع ا بقوة خلل السقف ‪ ,‬اختفى في الضباب و الغيوما ‪.‬‬
‫بهذه الطريقة فر الغول بذراعه ‪ .‬عض الفارس على أسنانه بخيبة أمل ‪ ,‬لكن ذلك كان كل‬
‫ما استطاعا فعله ‪.‬‬
‫انتظر بصبر من أجل فرصة أخرى ليقتل الغول ‪ .‬لكن الخر كان خائفا من قوة واتانابي الكبيرة و‬
‫جرأته ‪ ,‬فلما يعد يزعج كيوتو ثانية ‪ .‬و هكذا عاد الناس في المدينة قادرين مرة أخرى على الخروج‬
‫دون خوف حأتى في الليل ‪ ,‬و لما كتنس العمال الشجاعة لواتانابي أبداا!‬

‫كيف تخلص الرجل العجوز من ورمه‬


‫منذ سنين عديدة كثيرة مضت كان يعيش رجل عجوز طيب له ورما يشبه كرة المضرب ينمو على‬
‫خده اليمن ‪ .‬كان هذا الورما تشويه ا كبي ار للرجل العجوز ‪ ,‬و كان يزعجه كثي ار بحأيثا أنه أنفق و‬
‫لسنوات عديدة كل وقته و نقوده محأاولا التخلص منه ‪ .‬جرب كل شيء أمكنه أن يفكر فيه‪ .‬استشار‬
‫الكثير من الطباء البعيدين و القريبين ‪ ,‬و تناول كل أنواعا الدوية الداخلية و الخارجية معاا‪ .‬لكنها‬
‫جميعا كانت بل فائدة ‪ .‬كانت الكتلة تنمو فقط أكبر و أكبر حأتى صارت تقريبا بحأجما وجهه ‪ ,‬و‬

‫‪140‬‬
‫بيأس تخلى تمام ا عن كل المال بزواله ‪ ,‬و وطن نفسه على فكرة أن عليه أن يحأمله على وجهه كل‬
‫حأياته ‪.‬‬
‫في أحأد الياما نفد الحأطب في مطبخه ‪ ,‬لذا ‪ ,‬و بما أن زوجه تريد بعضا منه في الحأال ‪ ,‬فقد‬
‫أخذ الرجل العجوز فأسه و انطلق إلى الغابة في العلى بين التلل غير بعيد كثي ار عن بيته ‪.‬‬
‫كان يوم ا جميلا في أوائل الخريف ‪ ,‬و استمتع الرجل العجوز بالهواء الطلق و لما يكن على عجلة‬
‫من العودة إلى البيت ‪ .‬و هكذا مرت فترة بعد الظهر بطولها بسرعة بينما كان يقطع الخشب ‪ ,‬و‬
‫جمع كومة ضخمة يعود بها إلى زوجه ‪ .‬حأين بدأ النهار ينسحأب نحأو نهايته‪ ,‬ويلى وجهه شطقر‬
‫البيت ‪.‬‬
‫لما يكن الرجل العجوز قد مضى بعيدا في طريقه إلى أسفل ممر الجبل حأين تلبدت السماء‬
‫بالغيوما و بدأ المطر ينهمر بغ ازرة ‪ .‬بحأثا حأوله عن ملجأ ‪ ,‬لكنه لما يكن هناك في المتناول حأتى كوخ‬
‫من أكواخ أحأد مشعلي الفحأما النباتي ‪ .‬في النهاية رأى من بعيد فتحأة كبيرة في جذعا شجرة مجوفة ‪.‬‬
‫كانت الفتحأة قريبة من الرض ‪ ,‬لذا زحأف إليها بسهولة ‪ ,‬و جلس على أمل أنه قد بوغت فقط بوابل‬
‫من مطر الجبل ‪ ,‬و أن الطقس سيصحأو بعد وقت قصير ‪.‬‬
‫لكن أمل الرجل العجوز قد خاب‪ ,‬فبدلا من الصحأو سقط المطر بغ ازرة أكثر فأكثر ‪ ,‬و أخي ار‬
‫هبت عاصفة رعدية خطرة على الجبل ‪ .‬زمجر الرعد بشكل رهيب جدا وبدت السماء ملتهبة بالبرق ‪,‬‬
‫بحأيثا لما يصدق أنه ما يزال حأي ا ‪ .‬ظن أنه لبد أن يموت من الرعب ‪ .‬أخي ارا‪ ,‬صحأت السماء ‪ ,‬على‬
‫أية حأال‪ ,‬و صار كل الريف متوهجا في أشعة الشمس الغاربة ‪ .‬انتعشت روح الرجل العجوز‬
‫المعنوية عندما نظر إلى الخارج إلى الشفق الجميل ‪ ,‬و كان على وشك أن يخطو من مخبئه الغريب‬
‫في الشجرة المجوفة حأين استرعى سمعه صوت يشبه اقتراب خطوات بضعة أشخاص كما بدا له ‪.‬‬
‫ظن في الحأال أن أصدقاءه جاؤوا يبحأثون عنه ‪ ,‬و كسير لفكرة حأصوله على صحأبة مرحأة يمشي معها‬
‫إلى بيته لكنه لدى النظر إلى خارج الشجرة ‪ ,‬أذهله أن يرى ‪ ,‬ليس أصدقاءه ‪ ,‬و إنما مئات من‬
‫الشياطين قادمين نحأو البقعة ‪ .‬كلما أمعن النظر ‪ ,‬كلما كبرت دهشته ‪ .‬كان بعض هؤلء الشياطين‬
‫كبا ار كالعماليق ‪ ,‬و آخرون كانوا بعيون كبيرة بعيدلة عن كل تناسلب مع بقية أجسامها ‪ ,‬و آخرون‬
‫كان لهما أيض ا أنوف طويلة بشكل مضحأك ‪ ,‬و البعض كان لهما أفواه كبيرة بحأيثا بدا أنها مفتوحأة‬
‫من أذن إلى الذن الخرى ‪ .‬كان للجميع قرون نمت على جباههما ‪ .‬دهش الرجل العجوز كثي ار مما‬
‫رأى إلى درجة أنه فقد توازنه و سقط إلى خارج الشجرة المجوفة ‪ .‬لحأسن حأظه أن الشياطين لما يروه‪,‬‬
‫لن الشجرة كانت في الخلف ‪ .‬لذا انتشل نفسه و زحأف عائدا إلى داخل الشجرة ‪.‬‬
‫بينما كان يجلس هناك متسائلا بنفاد صبر متى يمكنه أن يذهب إلى البيت ‪ ,‬سمع أصوات‬
‫موسيقى مرحأة ‪ ,‬ثما بدأ بعض الشياطين يغنون ‪.‬‬
‫قال الرجل العجوز لنفسه ‪ " :‬ماذا تفعل هذه المخلوقات ؟ سأنظر ‪ ,‬يبدو شيئ ا مسلياا‪" .‬‬

‫‪141‬‬
‫لدى تلصصه إلى الخارج ‪ ,‬رأى الرجل العجوز أن زعيما الشياطين بذاته كان يجلس فعلي ا‬
‫وظهره إلى الشجرة التي لجأ إليها ‪ ,‬و كل الشياطين الخرين يجلسون هنا و هناك ‪ ,‬بعضهما يشرب‬
‫و بعضهما يرقص‪.‬‬
‫كان الطعاما و الشراب موضوعين أمامهما على الرض ‪ ,‬و بدا واضحأ ا أن عند الشياطين حأفسل كبير‬
‫وأنهما يتملتعون بشكل كبير ‪.‬‬
‫جعلت رؤية تصرفاتهما الغريبة الرجل العجوز يضحأك ‪ .‬ضحأك الرجل العجوز في نفسه قائلا ‪:‬‬
‫" كما هذا مسل !"‬
‫" أنا كبير تماما ‪ ,‬لكنني لما أر مطلقا في كل حأياتي شيئا بهذه الغرابة ‪".‬‬
‫استمتع كثي ار وتأثر بمراقبة كل ما كان يفعله الشياطين‪ ,‬بحأيثا أنه نسي نفسه خارج الشجرة‬
‫ووقف يديما النظر ‪.‬‬
‫كان زعيما الشياطين يتناول فنجان ا كبيرة من شراب الساكه و يراقب واحأدا من الشياطين يرقص‬
‫‪ .‬بعد وقت قليل قال بنغمة ضجرة ‪:‬‬
‫" إن رقصك ممل كثي ار ‪ .‬لقد مللت من مشاهدته‪ .‬أليس بينكما جميعا واحأد يستطيع الرقص‬
‫أفضل من هذا الرفيق ؟"‬
‫كان الرجل العجوز مغرم ا بالرقص طوال حأياته ‪ ,‬و كان خبي اقر إلى حأد بعيد في هذا الفن ‪ ,‬و‬
‫هو يعلما أنه يستطيع أن يرقص أفضل بكثير من الشيطان ‪.‬‬
‫قال الرفيق العجوز لنفسه ‪ " :‬هل أذهب و أرقص أماما الشياطين و أدعهما يروا ما يمكن أن‬
‫يفعله إنسان ؟ لعل هذا يكون خط ار ‪ ,‬لنني إذا لما أعجبهما فإنهما ربما يقتلونني!"‬
‫هزما حأبه للرقص ‪ ,‬على أي حأال ‪ ,‬مخاوفه ‪ .‬خلل بضع دقائق لما يعد يستطيع أن يكبح نفسه‬
‫أكثر ‪ ,‬و خرج أماما جميع فريق الشياطين و شرعا يرقص على الفور‪ .‬استعمل الرجل العجوز مهارته‬
‫و عقله إلى أقصاهما‪ ,‬مدرك ا أن حأياته ربما تتوقف على ما إذا استطاعا أن يسر هذه المخلوقات أما‬
‫ل‪.‬‬
‫كدهش الشياطين أولا كثي ار لرؤية إنسان يشارك بل خوف في حأفلهما ‪ ,‬ثما تركت دهشتهما مكانها‬
‫للعجاب ‪.‬‬
‫تعجب الزعيما القرن ‪ " :‬يا للغرابة ! أنا لما أر أبدا مثل هذا الراقص الماهر من قبل ! إنه‬
‫يرقص بشكل مثير للعجاب ! "‬
‫حأين أنهى الرجل العجوز رقصته ‪ ,‬قال الشيطان الكبير ‪:‬‬
‫" شك ار جزيلا لرقصك الممتع ‪ .‬امنحأنا الن سعادة شرب فنجان من الشراب معنا ‪ " .‬و بهذه‬
‫الكلمات سلمه أكبر كأس للشراب عنده ‪.‬‬
‫شكر الرجل العجوز بتواضع كبير ‪:‬‬

‫‪142‬‬
‫" لما أتوقع مثل هذا الكرما من سيادتكما ‪ .‬أخشى فقط أنني قد عكرت حأفلكما اللطيف برقصي‬
‫الخرق ‪" .‬‬
‫أجاب الشيطان الكبير ‪ " :‬ل ‪ ,‬ل ‪ ,‬عليك أن تأتي كثي ار و ترقص لجلنا ‪ .‬إن مهارتك قد‬
‫منحأتنا الكثير من السرور ‪" .‬‬
‫شكره الرجل العجوز ثانية ووعد بأن يفعل ذلك ‪.‬‬
‫سأل الشيطان ‪ " :‬إذن هل ستأتي ثانية غدا ‪ ,‬أيها الرجل العجوز ؟"‬
‫أجاب الرجل العجوز ‪ " :‬سأفعل بالتأكيد !"‬
‫قال الشيطان ‪ " :‬عليك إذن أن تترك رهنا عن كلمتك معنا ‪",‬‬
‫قال الرجل العجوز ‪ " :‬خذوا ما شئتما "‬
‫سأل الشيطان و متلفت ا حأوله ‪ " :‬ما هو أفضل شيء يستطيع أن يتركه معنا كرهن ؟"‬
‫عندئذ قال واحأد من مرافقي الشيطان الجاثين خلف الزعيما ‪:‬‬
‫" ينبغي أن تكون العلمة التي يتركها معنا أكثر شيء أهمية في حأوزته ‪ .‬أرى أن الرجل العجوز‬
‫يملك ورما على خده اليمن ‪ .‬و البشر يعتبرون مثل هذا الورما أم اقر سعيدا ‪ .‬ليأخذ سيدي الكتلة عن‬
‫الخد اليمن للرجل العجوز ‪ ,‬و سيأتي غداق بالتأكيد ‪ ,‬و لو من أجل استعادته فقط ‪".‬‬
‫قال الشيطان الزعيما ‪ ,‬مشي ار بقرنيه إشارة استحأسان ‪ ":‬أنت ذكي جدا "‬
‫ثما مد ذراع ا مكسوا بالشعر و يدا تشبه المخلب ‪ ,‬و أخذ الكتلة العظيمة عن الخد اليمن للرجل‬
‫العجوز ‪ .‬و من الغريب ‪ ,‬أنها انفصلت بسهولة انفصال برقوقة ناضجة عن الشجرة لدى لمسة‬
‫الشيطان ‪ ,‬ثما اختفت جماعة الشياطين المرحأين فجأة ‪.‬‬
‫غرق الرجل لعجوز في حأيرة من كل ما حأدثا ‪ .‬لما يدرك لبعض الوقت أين كان ‪ .‬عندما بدأ‬
‫يدرك ما حأدثا له ‪ ,‬كسير لنه وجد أن تلك الكتلة التي كانت على وجهه ‪ ,‬و التي شوهته لسنوات‬
‫عديدة ‪ ,‬قد أزيلت حأق ا دون أدنى ألما ‪ .‬رفع يده ليتحأسس ما إذا بقي أي ندب‪ ,‬لكنه وجد أن خده‬
‫اليمن أملكس مثل خده اليسر‪.‬‬
‫كانت الشمس قد غربت منذ زمن طويل ‪ ,‬و بزغ القمر مثل هلل فضي في السماء‪.‬‬
‫أدرك الرجل العجوز فجأة كما كان الوقت متأخ ار و بدأ يسرعا إلى البيت ‪ .‬كان كل الوقت يربت على‬
‫خده‪ ,‬كما لو أنه يتأكد من حأظه الطيب في زوال الورما ‪ .‬كان سعيدا جدا بحأيثا وجد أن من‬
‫المستحأيل أن يمشي بهدوء ـ ركض و رقص طوال الطريق إلى البيت ‪.‬‬
‫وجد زوجته قلقة جدا ‪ ,‬تتساءل ماذا حأدثا ليؤخره ‪ .‬بعد وقت قصير أخبرها بكل ما جرى‬
‫منذ غادر البيت ذلك المساء ‪ .‬كسيرت تماما مثل زوجها عندما أظهر لها أن الكتلة البشعة قد اختفت‬
‫عن وجهه ‪ ,‬لنها في شبابها كانت تفتخر بملمحأه الجميلة ‪,‬و كانت رؤية هذا النمو البشع حأزن ا‬
‫يومي ا بالنسبة لها ‪.‬‬

‫‪143‬‬
‫عاش في البيت المجاور لهذين الزوجين الطيبين رجل عجوز شرير و سيء الطبع‪.‬‬
‫يعاني هو الخر لسنوات عديدة من ظهور ورما على خده اليسر ‪ ,‬وجرب‪ ،‬هو أيضاا‪ ،‬كل أنواعا‬
‫الشياء ليتخلص منه ‪ ,‬و لكن دون جدوى ‪.‬‬
‫سمع على الفور ‪ ,‬من خلل الخادما ‪ ,‬بالحأظ الطيب لجاره في زوال الكتلة التي على وجهه‬
‫‪,‬لذا مر في ذلك المساء وطلب من صديقه أن يخبره بكل ما يتعلق بفقده لها ‪ .‬أخبر الرجل العجوز‬
‫الطيب جاره سيء الطبع بكل ما جرى له ‪ .‬و صف المكان حأيثا يمكن أن يجد الشجرة المجوفة التي‬
‫يختبئ فيها ‪ ,‬و نصحأه أن يكون في البقعة أواخر وقت العصر قبيل وقت الغروب ‪.‬‬
‫انطلق الجار العجوز بعد ظهر اليوما التالي ‪ ,‬و بعد الصيد في الجوار لبعض الوقت ‪ ,‬أتى‬
‫إلى الشجرة المجوفة كما وصفها صديقة تمام ا ‪ .‬هنا أخفى نفسه و انتظر وقت الغسق ‪.‬‬
‫جاءت عصبة الشياطين كما كحأصدثا تمام ا ‪ ,‬في تلك الساعة و أقاموا مأدبة مع الرقص و‬
‫الغناء ‪ .‬عندما جرى هذا لبعض الوقت نظر زعيما الشياطين حأوله و قال ‪:‬‬
‫" حأان الن وقت مجيء الرجل العجوز كما وعدنا ‪ .‬لماذا ل يأتي ؟"‬
‫حأين سمع الرجل العجوز الثاني هذه الكلمات ركض من مخبئه في الشجرة و ‪ ,‬قال راكعا‬
‫أماما الشياطين ‪:‬‬
‫" مضى وقت طويل و أنا أنتظر أن تتكلما!"‬
‫قال الشيطان الزعيما ‪ " :‬آه ‪ ,‬أنت رجل البارحأة العجوز ‪ ,‬شك ار لك على القدوما ‪ ,‬يجب أن‬
‫ترقص من أجلنا في الحأال ‪".‬‬
‫و قف الرجل لعجوز و فتح مروحأته و راح يرقص ‪ .‬لكنه لما يكن قد تعلما أبدا أن يرقص‪،‬‬
‫و كان ل يعلما شيئ ا عن اليماءات الضرورية و الوضاعا المختلفة ‪ .‬ظين أن أي شيء يمكن أن‬
‫يسر الشياطين ‪ ,‬لذا فقد قفز حأول نفسه على قدما واحأدة ‪ ,‬ملوحأ ا بذراعيه و ضارب ا قدميه ‪ ,‬محأاكي ا‬
‫قدر ما يستطيع أية رقصة كان قد رآها ‪.‬‬
‫استاء الشياطين جدا من هذا العرض ‪ ,‬و قالوا فيما بينهما ‪:‬‬
‫" كما يرقص بشكل سيء هذا اليوما !"‬
‫ثما قال الشيطان الزعيما للرجل العجوز ‪:‬‬
‫" إن أداءك اليوما مختلف تمام ا عن رقص البارحأة‪ .‬نحأن ل نرغب في أن نشاهد مزيدا من‬
‫مثل الرقص ‪ .‬سنعيد إليك الرهن الذي تركته معنا ‪ .‬وعليك أن ترحأل فو ار ‪".‬‬
‫بهذه الكلمات أخرج من طية في ثوبه الكتلة التي كان قد أخذها من وجه الرجل العجوز‬
‫الذي رقص بالمس بشكل جيد جداا‪ ,‬و ألقى بها على الخد اليمن للرجل العجوز الذي كان يقف‬
‫أمامه ‪.‬‬

‫‪144‬‬
‫ت الكتلة نفسها في الحأال إلى خده بقوة كما لو أنها كانت دائم ا هناك‪ ,‬وباءت كل محأاولت نزتعها‬
‫ثقيبتق ب‬
‫بالفشل‪ .‬و بدلا من أن يفقد الرجل العجوز الشرير الكتلة التي كانت على خده اليسر‪ ,‬كما كان يأمل‬
‫‪ ,‬وجد مذهولا ‪ -‬أنه إنما أضاف أخرى إلى خده اليمن في محأاولته التخلص من الولى ‪.‬‬
‫رفع أولا يدا ثما الثانية إلى كل جانب من وجهه ليتأكد أنه لما يكن يرى كابوس ا رهيب ا ‪ .‬ل‪,‬‬
‫مؤكد بما فيه الكفاية يوجد الن ورما جديد على اليمن من وجهه كما على اليسر ‪ .‬اختفى الشياطين‬
‫‪ .‬جميع ا ‪ ,‬و ليس لديه ما يصنعه سوى أن يعود إلى البيت ‪.‬‬
‫كان منظ ار مثيار للشفقة ‪ ,‬لن وجهه ‪ ,‬بهاتين الكتلتين الكبيرتين واحأدة على كل جانب ‪ ,‬كان يبدو‬
‫مثل يقطينة يابانية ‪.‬‬

‫الحجارة الملونة و المبراطورة جوكوا‬


‫قصة صينية قديمة‬
‫في الماضي البعيد البعيد ‪ ,‬عاشت إمبراطورة صينية عظيمة قخلققفت أخاها المبراطور فوكي ‪.‬‬
‫كان العصر عصر العماليق ‪ ,‬و كان طول المبراطورة جوكوا ‪ ,‬فهكذا كان اسمها ‪ ,‬خمسة و‬
‫عشرين قدما ‪ ,‬كطول أخيها تقريبا ‪ .‬كانت امرأة رائعة ‪ ,‬و حأاكمة قديرة ‪ .‬وثمة قصة ممتعة تتعلق‬
‫بكيفية إصلحأها لجزء من السماوات المحأطمة وواحأد من العمدة الدنيوية التي كانت ترفع السماء ‪,‬‬
‫واللذين تحأطما خلل تمرد قاما به أحأد رعايا الملك فوكي ‪.‬‬
‫اسما المتمرد كوكاي ‪ .‬طوله ستة وعشرون قدم ا ‪ .‬و جسمه مغطى كلي ا بالشعر ‪ ,‬و وجهه‬
‫أسود كالحأديد ‪ .‬كان ساحأ ار وشخص ا رهيب ا بالفعل ‪ .‬حأين توفي المبراطور فوكي‪ ,‬كان الطموح في‬
‫أن يصبح إمبراطور الصين ينهش كوكاي‪ ,‬لكن مخططه فشل ‪ ,‬و تسلمت جوكوا‪ ,‬أخت المبراطور‬
‫المتوفى العرش ‪ .‬انزعج كوكاي كثي ار لنه كختذقل في رغبته بحأيثا قاما بثورة ‪ .‬كان أول عمل له أن‬
‫استخدما شيطان الماء ‪ ,‬الذي تسبب بطوفان عظيما غمر المنطقة ‪ .‬جرف هذا الطوفان الناس‬
‫البسطاء خارج بيوتهما ‪ ,‬و حأين رأت المبراطورة جوكوا حأالة رعاياها‪ ,‬وعلمت أن الذنب هو ذنب‬
‫كوكاي ‪ ,‬أعلنت الحأرب عليه ‪.‬‬
‫وكان لدى المبراطورة جوكوا ‪ ,‬محأاربان شابان يدعيان هاكو إوايكو ‪ ,‬فجعلت الول جن ارلا‬
‫لقوات الجبهة ‪ .‬سلر هاكو بأن اختيار المبراطورة وقع عليه ‪ ,‬و أعد نفسه للمعركة ‪.‬‬

‫‪145‬‬
‫حأمل أطول رمح أمكنه أن يجده و امتطى حأصان ا أحأمر ‪ ,‬و كان على وشك النطلق حأين سمع‬
‫أحأدهما خلفه يعدو بقوة و يصيح ‪:‬‬
‫"قف ! يا هاكو ! أنا من يجب أن يكون جنرال قوات الجبهة !"‬
‫نظر إلى الوراء فرأى إيكو رفيقه ‪ ,‬ممتطي ا صهوة حأصان أبيض ‪ ,‬شاه ار في وجهه سيف ا كبي ارا‪.‬‬
‫تأجج غضب هاكو ‪ ,‬و بينما استدار ليواجه منافسه صاح ‪:‬‬
‫"أيها الحأقير المتغطرس! لقد تما تعييني من قبل المبراطورة كي أقود قوات الجبهة إلى المعركة‬
‫‪ .‬فهل تجرؤ على إيقافي ؟"‬
‫أجاب إيكو ‪" :‬نعما ‪ ,‬يجب أن أقود الجيش‪ .‬وأنت من يجب أن يتبعني‪".‬‬
‫عند هذا الجواب الجريء تحأول غضب هاكو من ش اررة إلى لهيب‬
‫" أتجرؤ على الرد علي هكذا ؟ خذها " واندفع إليه برمحأه بقوة‪.‬‬
‫لكن إيكو تحأرك بسرعة جانب ا ‪ ,‬و في نفس الوقت ‪ ,‬رافع ا سيفه ‪ ,‬جرح حأصان الجنرال‪ .‬مجب ار‬
‫على الترجل ‪ ,‬كان هاكو على وشك الندفاعا إلى خصمه ‪ ,‬حأين انتزعا إيكو‪ ,‬بسرعة البرق ‪ ,‬عن‬
‫ل‪ ,‬غير عارف ماذا‬
‫صدره شارة القيادة و جرى بعيدا ‪ .‬تما العمل بسرعة بحأيثا أن هاكو وقف مذهو ا‬
‫يصنع ‪.‬‬
‫كانت المبراطورة متفرجة على المشهد ‪ ,‬و لما تستطع إل أن تعجب بسرعة إيكو الطموح ‪ ,‬و‬
‫لكي تهدئ المتنافسين قررت أن تعينهما مع ا لقيادة جيش الجبهة ‪.‬‬
‫هكذا عين هاكو قائدا للجناح اليسر لجيش الجبهة ‪ ,‬إوايكو لليمن ‪ .‬تبعهما مائة ألف جندي‬
‫و سا ار ليسحأقا المتمرد كوكاي ‪.‬‬
‫خلل وقت قصير و صل الجنرالن إلى القلعة التي حأصن فيها كوكاي نفسه ‪.‬‬
‫عندما علما بقدومهما ‪ .‬قال الساحأر ‪:‬‬
‫" سأنسف هذين الطفلين المسكينين بعيدا بنفخة واحأدة ‪ ) ".‬لما يلق بال إلى الصعوبة التي سيجدها‬
‫في القتال‪( .‬‬
‫مع هذه الكلمات أمسك كوكاي بقضيب من الحأديد و امتطى حأصانا أسودا ‪ ,‬و اندفع إلى الماما‬
‫مثل نمر غاضب ليواجه خصميه ‪.‬‬
‫عندما رآه المحأاربان يعدو منحأد ار إليهما بقوة ‪ ,‬قال أحأدهما للخر ‪ " :‬يجب أل ندعه يفلت‬
‫حأياا‪ " .‬و هاجماه عن اليمين و عن اليسار بسيف و رمح ‪ .‬لكن كوكاي الكلي القدرة لما يكن ليهزما‬
‫بسهولة ‪ -‬أدار قضيبه الحأديدي مثل ناعورة عظيمة ‪ ,‬و تقاتلوا لمدة طويلة بهذا الشكل ‪ ,‬دون أن‬
‫يفوز أحأد الجانبين أو يخسر ‪ .‬أخي ار ‪ ,‬أدار هاكو حأصانه بسرعة زائدة ‪ ,‬ليتجنب قضيب الساحأر‬
‫الحأديدي ؛ً ارتطمت حأوافر الحأيوان بحأجر كبير ‪,‬و شب الحأصان على مؤخره بشكل قائما من الخوف‬
‫مثل حأاجز ‪ ,‬ملقي ا بسيده على الرض ‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫لذلك شهر كوكاي سيفه ذا الحأدود الثلثة و كان على وشك أن يقتل هاكو المنبطح لكن قبل أن‬
‫يستطيع الساحأر أن ينفذ عزمه الشرير عطف إيكو الشجاعا حأصانه أماما كوكاي و تحأداه بأن يجرب‬
‫قوته معه ‪ ,‬ل أن يقتل رجلا واقعا ‪ .‬لكن كوكاي كان متعبا ‪ ,‬و لما يشعر بالميل لمواجهة هذا الجندي‬
‫الشاب الشجاعا‪ ,‬لذا هرب فجأة عاطف ا حأصانه بصورة دائرية ‪ ,‬من النزاعا‪ .‬نهض هاكو ‪ ,‬الذي كان‬
‫مصاب ا بالدوار قليلا فقط ‪ ,‬على قدميه ‪ ,‬و اندفع هو ورفيقه خلف العدو المنسحأب‪,‬الول يمشي على‬
‫قدميه والخر على صهوة جواد ‪.‬‬
‫حأين رأى كوكاي أنه مطارد ‪ ,‬انعطف على أقرب مهاجما له ‪ ,‬الذي كان ‪ ,‬بالطبع ‪ ,‬إيكو‬
‫الراجل‪ ,‬و استل سهما من الجعبة التي على ظهره ‪ ,‬وضعه في قوسه و سدده إلى إيكو ‪.‬‬
‫بسرعة البرق تجنب إيكو الشجاعا السهما ‪ ,‬الذي لمس فقط خيوط خوذته ‪ ,‬و سقط طائش ا ‪ ,‬بل ضرر‬
‫على معطف هاكو المدرعا ‪.‬‬
‫رأى الساحأر أن خصميه بقيا سالمين ‪ .‬وأدرك أيض ا أنه ل وقت ليسحأب سهم ا آخر قبل أن‬
‫يدركاه ‪ ,‬لذا التجأ إلى السحأر لينقذ نفسه‪ .‬مد عصاه إلى الماما ‪ ,‬و على الفور حأدثا طوفان‪ ,‬و‬
‫كجتر ق‬
‫ف جيش جوكوا وجنرالها الشابان الشجاعان بعيدا مثل سقوط أوراق الخريف على جدول من‬
‫الجداول ‪.‬‬
‫وجد هاكو و إيكو نفسيهما يتخبطان في الماء إلى عنقيهما‪ ,‬و نظ ار حأولهما فوجدا كوكاي‬
‫الوحأشي يشق طريقه إليهما خلل الماء و قضيبه الحأديدي إلى أعلى ‪ .‬كانا يظنان في كل لحأظة‬
‫أنهما سكيصرعان ‪ ,‬لكنهما راحأا يسبحأان أبعد ما يستطيعان عن متناوله ‪ .‬فجأة وجدا أنهما أماما ما بدا‬
‫أنه جزيرة برزت مباشرة من الماء‪ .‬نظ ار إلى العلى ‪ ,‬فإذا برجل عجوز بشعر أبيض كالثلج يقف‬
‫هناك‪ ,‬يبش إليهما ‪ .‬صاحأا به أن يساعدهما ‪ .‬أومأ الرجل العجوز برأسه ونزل إلى حأافة الماء ‪.‬‬
‫حأالما لمست قدماه الطوفان انشق ‪ ,‬وظهر طريق جيد ‪ ,‬أدهش الرجلين الغارقين‪ ,‬الذين وجدا‬
‫نفسيهما آمنين عندها ‪.‬‬
‫كان كوكاي قد وصل عند هذا الوقت إلى الجزيرة التي برزت من الماء كما لو بمعجزة‪ ,‬ولدى‬
‫رؤيته عدويه ناجيين هكذا غضب‪ .‬اندفع خلل الماء نحأو الرجل العجوز ‪ ,‬وبدا أنه سكيقتل ل محأالة‬
‫‪ .‬لكن الرجل العجوز لما يظهر عليه أدنى خوف‪ ,‬و انتظر بهدوء هجوما الساحأر ‪.‬‬
‫بينما اقترب كوكاي ‪ ,‬ضحأك الرجل العجوز بصوت مرتفع و بمرح ‪ ,‬متحأولا إلى طائر كركي‬
‫أبيض كبير و جميل ‪ ,‬صفق بجناحأيه وطار إلى العلى نحأو السماء ‪.‬‬
‫حأين رأى هاكو و إيكو هذا ‪ ,‬علما أن منقذهما لما يكن مجرد إنسان و ألمل لحأقا أن يكتشفا من‬
‫هذا الرجل العجوز الجليل ‪.‬‬
‫في غضون ذلك انسحأبا ‪ ,‬و لن الوقت كان آخر النهار ‪ ,‬فإن كوكاي و المحأاربين الشابين‬
‫مع ا تخلوا عن فكرة مواصلة القتال في ذلك اليوما ‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫تلك الليلة قرر هاكو و إيكو أنه من غير المفيد أن يقاتل الساحأر كوكاي ‪ ,‬لن لديه قوى خارقة‬
‫للطبيعة ‪ ,‬بينما هما مجرد بشر ‪ .‬لذا فقد قمقثل أماما المبراطورة جوكوا‪ .‬وبعد تشاور طويل‪ ,‬قررت‬
‫المبراطورة أن تطلب من ملك النار ‪ ,‬شيكويو ‪ ,‬أن يساعدها ضيد الساحأر المتمرد و أن يقود جيشها‬
‫ضده‪ .‬كان شيكويو ‪ ,‬ملك النار‪ ,‬يعيش في القطب الجنوبي ‪ .‬المكان المن الوحأيد له ليحأيا فيه ‪,‬‬
‫لنه يحأرق كل شيء حأوله في أي مكان آخر ‪ ,‬لكنه يستحأيل أن يحأرق الجليد و الثلج ‪ .‬كان إذا‬
‫نظرت إليه عملق ا ‪ ,‬يقف بطول ثلثين قدم ا وجهه مثل الرخاما تمام ا وشعره و لحأيته طويلن و‬
‫أبيضان كالثلج ‪ .‬قوته هائلة ‪ ,‬و هو سيد جميع النيران مثلما أن كوكاي سيد المياه ‪.‬‬
‫فكرت المبراطورة ‪":‬من المؤكد أن شيكويو يستطيع أن يهزما كوكاي لذا فقد أرسلت إيكو إلى‬
‫القطب الجنوبي ليرجوا شيكويو أن يتولى الحأرب ضد كوكاي و يهزمه مرة و إلى البد ‪.‬‬
‫ابتسما ملك النار ‪ ,‬لدى سماعا رجاء المبراطورة ‪ ,‬وقال ‪:‬‬
‫" تأكد أن تلك مسألة سهلة ‪ ! ,‬ولما يكن أحأد سواي من أتى لنجدتكما عندما كنت أنت و رفيقك‬
‫تغرقان في الطوفان الذي افتعله كوكاي !"‬
‫دهش إيكو لسماعا هذا ‪ .‬شكر ملك النار على حأضوره لنقاذهما في شدتهما المليحأة ‪ ,‬ثما رجاه‬
‫أن يعود معه و يقود الحأرب و يهزما كوكاي الشرير ‪.‬‬
‫طلب منه ‪ ,‬و عاد مع إيكو إلى المبراطورة ‪ .‬فرحأبت بملك النار بحأ اررة و‬
‫قاقما شيكويو بما ك‬
‫أعلمته في الحأال لماذا أرسلت إليه تطلب منه أن يكون القائد العاما لجيشها‪ .‬كان جوابه مطمتئن ا‬
‫للغاية ‪:‬‬
‫" ل يكن لديك أي انزعاج ‪ .‬فسأقتل كوكاي بالتأكيد ‪" .‬‬
‫ثما تولى شيكويو نفسه قيادة ثلثين ألف جندي‪ ,‬و سار مع هاكو و إيكو ليدله على الطريق‪,‬‬
‫إلى قلعة العدو ‪ .‬عرف ملك النار سر قوة كوكاي ‪ ,‬وطلب من كل الجنود أن يجمعوا نوع ا محأددا‬
‫من الشجيرات‪ .‬وأحأرقوا كميات كبيرة منها‪ ,‬ثما أكتمقر كل جندي أن يمل كيس ا من الرماد الذي حأصلوا‬
‫عليه بهذه الطريقة ‪.‬‬
‫من جانب آخر ‪ ,‬ظن كوكاي ‪ ,‬لغروره ‪ ,‬أن شيكويو كان أدنى منه درجة في القوة ‪ ,‬فهمهما‬
‫بغضب ‪:‬‬
‫" حأتى على الرغما من كونك ملك النار ‪ ,‬فأنا أستطيع أن أطفئك بعد وقت قصير ‪" .‬‬
‫ثما كرر تعويذة ‪ ,‬فنشأ طوفان المياه و تدفقت عالية كالجبال ‪ .‬لما يفزعا شيكويو‪ ,‬أدنى فزعا‪ ,‬أمر‬
‫جنوده أن ينثروا الرماد الذي جعلهما يصنعونه ‪ .‬فعل كل رجل ما طلب منه ‪ ,‬و كانت قوة النبات‬
‫الذي كانوا قد أحأرقوه هائلة‪ ,‬بحأيثا أنه حأالما امتزج الرماد بالماء تشكل طين صلب ‪ ,‬فكانوا جميعا‬
‫آمنين من الغرق ‪.‬‬

‫‪148‬‬
‫فزعا كوكاي حأين رأى أن ملك النار كان أرفع منه منزلة في الحأكمة ‪ ,‬و غضب غضب ا شديدا‬
‫جدا بحأيثا اندفع متسرعا نحأو العدو ‪.‬‬
‫ركب إيكو لملقاته ‪ ,‬و تقاتل الثنان لبعض الوقت ‪ .‬كانا متكافئين بشكل جيد في القتال يدا‬
‫ليد‪ .‬رأى هاكو ‪ ,‬الذي كان يراقب بصبر الشجار ‪ ,‬أن إيكو بدأ يتعب ‪ ,‬و خشية أن يقتل رفيقه ‪ ,‬أخذ‬
‫مكانه ‪.‬‬
‫لكن كوكاي تعب أيض ا ‪ ,‬فقال بمكر ‪ ,‬حأين شعر أنه غير قادر على الصمود أماما هاكو؛ً‬
‫" أنت شهما أكثر من اللزما ‪ ,‬لكي تقاتل عن صديقك و تخاطر بأن كتقتل ‪ .‬أنا لن أؤذي مثل هذا‬
‫النسان الطيب ‪" .‬‬
‫و تظاهر بالنسحأاب ‪ ,‬مدي ار رأس حأصانه بعيدا ‪ .‬كان في نيته أن يطرح هاكو حأذره ثما ينعطف‬
‫نحأوه فيأخذه على حأين غرة ‪.‬‬
‫لكن شيكويو فهما الساحأر المخادعا ‪ ,‬و قال على الفور ‪:‬‬
‫" أنت جبان ! أنت ل تستطيع أن تخدعني ! "‬
‫بهذا القول ‪ ,‬أعطى ملك النار إشارة لهاكو غير المحأترس لن يهاجمه ‪ .‬انعطف الن كوكاي‬
‫إلى شيكويو بغضب ‪ ,‬لكنه كان متعب ا و غير قادر على أن يقاتل بشكل جيد ‪ ,‬و بعد وقت قصير‬
‫تلقى جرحأ ا في كتفه ‪ .‬تراجع عن الشجار و حأاول أن يفر بصورة جدية‪.‬‬
‫وفيما كان القتال يجري بين قادتهما و قف الجيشان ينتظران النتيجة ‪ .‬التفت شيكويو و طلب‬
‫من جنود جوكوا مهاجمة قوات العدو ‪ .‬فعلوا هذا ‪ ,‬و هزموهما في مذبحأة عظيمة ‪ ,‬و نجا الساحأر‬
‫بحأياته بصعوبة ‪.‬‬
‫وعبث ا نادى كوكاي إلى شيطان الماء ليساعده ‪ ,‬لن شيكويو كان يعرف التعويذة المضادة ‪ .‬وجد‬
‫الساحأر أن المعركة كانت في غير صالحأه ‪ .‬لذا هشما رأسه على صخور جبل شو ‪ ,‬و مات في‬
‫تلك البقعة‪ ،‬هائج ا من اللما‪ ,‬و مسعو ار من خيبة المل و الخوف لن جرحأه أخذ يزعجه‪ .‬كانت‬
‫نهايةا لكوكاي الشرير‪ ,‬و لكنها ليست كذلك بالنسبة للزعاج في مملكة المبراطورة جوكوا ‪ ,‬كما‬
‫سترون ‪.‬فلقد كانت القوة التي سقط بها الساحأر على الصخور كبيرة جدا بحأيثا أن الجبال انفجرت ‪,‬‬
‫و أن النار اندفعت من الرض ‪ ,‬و ككتقسر واحأد من العمدة التي تدعما السماء ‪ ,‬لذا سقط أحأد أركان‬
‫السماء إلى أن لمست الرض ‪.‬‬
‫أخذ شيكويو ‪ ,‬ملك النار ‪ ,‬جسد الساحأر و حأمله إلى المبراطورة جوكوا ‪ ,‬التي ابتهجت كثي ار‬
‫لن عدوها هزما ‪ ,‬و أن جنرالتها فازوا ‪ .‬أمطرت بكل أشكال العطايا و مظاهر التكريما على شيكويو‬
‫‪.‬‬
‫لكن النار ظلت طيلة هذا الوقت تتفجر من الجبل الذي انكسر بسقوط كوكاي‪ .‬فكدصمرت قرى‬
‫بأسرها ‪ ,‬و احأترقت حأقول الرلز ‪ ,‬و امتلت مجاري النهار بالحأمما الملتهبة ‪ ,‬وصار الناس الذين‬

‫‪149‬‬
‫بل مأوى في يأس عظيما ‪ .‬لذا تركت المبراطورة العاصمة حأالما كافأت المنتصر شيكويو ‪ ,‬و‬
‫رحألت بكل سرعة إلى مكان الكارثة ‪ .‬فوجدت أن السماء و الرض معا يؤكدان الضرر ‪ ,‬و أن‬
‫المكان كان مظلما بحأيثا توجب عليها أن تشعل مصباحأها كي تكتشف مدى الخراب الذي يحأدثا‪.‬‬
‫بعد أن تحأققت من هذا ‪ ,‬شرعت في العمل على الصلح ‪ .‬في سبيل هذه الغاية أمرت رعاياها‬
‫بأن يجمعوا حأجارة من خمسة ألوان زرقاء ‪ ,‬و صفراء ‪ ,‬وحأمراء ‪ ,‬وبيضاء‪ ,‬وسوداء‪ .‬حأين حأصلت‬
‫على هذه الحأجارة ‪ ,‬غلتها مع نوعا من الخزف في مرجل كبير ‪ ,‬و أصبح المزيج معجون ا جميلا ‪ ,‬و‬
‫علمت أنها تستطيع بواسطته أن ترتق السماء ‪ .‬كان كل شيء الن جاه از ‪.‬‬
‫استدعت الغيوما التي كانت تبحأر دائما عالية كثي ار فوق رأسها ‪ ,‬وامتطها ‪ ,‬وركبت نحأو السماء‬
‫‪ ,‬حأاملة بيديها إناء المعجون المصنوعا من الحأجار ذوات خمسة اللوان‪ .‬بعد وقت قصير وصلت‬
‫إلى الركن المحأطما من السماء ‪ ,‬و استعملت المعجون و أصلحأته ‪ .‬بعد أن فعلت هذا ‪ ,‬عمدت إلى‬
‫العمود المكسور ‪ ,‬وأصلحأته بأرجل سلحأفاة كبيرة جدا عندما تما إنهاء هذا ركبت الغيوما و نزلت إلى‬
‫الرض ‪ ,‬على أمل أن تجد كل شيء في وضع حأسن ‪ ,‬لكن ما أصابها بالرعب أنها وجدت الدنيا ما‬
‫تزال مظلمة تماما ‪ .‬فل الشمس أضاءت بالنهار و ل القمر في الليل ‪.‬‬
‫أخي ار دعت إلى اجتماعا لجميع حأكماء المملكة ‪ ,‬وهي متحأيرة جدا ‪ ,‬فسألتهما نصيحأتهما فيما‬
‫يجب أن تفعل بشأن هذه المعضلة‪.‬‬
‫قال اثنان من أحأكمهما ‪:‬‬
‫" إن طرقات السماء قد تضررت في الحأادثا الخير ‪ ,‬و أن‪ ،‬الشمس و القمر اضط ار للبقاء في‬
‫البيت ‪ .‬ل الشمس استطاعت أن تقوما برحألتها النهارية و ل القمر استطاعا أن يقوما برحألته الليلية‬
‫بسبب من الطرقات السيئة ‪ .‬لما تعلما الشمس و القمر بعد أن جللتك قد أصلحأت كل ما تضرر ‪ ,‬لذا‬
‫سنذهب و نعلمهما بأن الطرقات آمنة لنتك قد أصلحأتتها‪".‬‬
‫استحأسنت المبراطورة ما اقترحأه الرجلن الحأكيمان ‪ ,‬و أمرتهما أن ينطلقا في مهمتهما ‪ ,‬لكن‬
‫هذا لما يكن سهلا ‪ ,‬لن قصر الشمس و القمر كان على مسافة مئات آلف عديدة جدا من الميال‬
‫إلى الشرق ‪ .‬إذا ساف ار على القداما فإنهما ربما ل يصلن أبدا إلى القصر ‪ ,‬سيموتان من الشيخوخة‬
‫في الطريق ‪ .‬لكن جوكوا لجأت إلى السحأر‪ .‬أعطت سفيريها مركبتين عجيبتين تستطيعان أن‬
‫تندفعا في الجو بالطاقة السحأرية بسرعة ألف ميل في الدقيقة ‪ .‬انطلقا بمعنويات جيدة ‪ ,‬راكبين فوق‬
‫الغيوما ‪ ,‬و بعد أياما عديدة و صل إلى البلد الذي تعيش فيه الشمس و القمر مع ا بسعادة ‪.‬‬
‫منح السفيران مقابلة جللتيهما النيرتين و سألهما لماذا حأجبا نفسيهما أياما كثيرة جدا عن‬
‫الكون ؟ ألما يعلما أنهما بعملهما هذا قد أغرقا العالما و كل أناسه في أحألك ظلمة في الليل و النهار‬
‫مع ا ‪.‬‬
‫أجابت الشمس والقمر ‪:‬‬

‫‪150‬‬
‫" ل بد أنكما قد علمتما بأن جبل شو قد انفجر فجأة بالنار‪ ,‬و تضررت طرق السماء كثي ارا!‬
‫وجدت‪ ،‬أنا الشمس ‪ ,‬أنه من المستحأيل أن أقوما برحألتي النهارية على طول مثل هذه الطرقات الوعرة‬
‫و بالتأكيد أن القمر لما يستطع أن يبزغ ليلا ! لذا فقد انسحأبنا إلى حأياتنا الشخصية لفترة من الزمن‪".‬‬
‫ثما انحأنى الرجلن الحأكيمان قائلين ‪:‬‬
‫" إن إمبراطورتنا جوكوا قد أصلحأت للتو الطرقات بالحأجار العجيبة ذات خمسة اللوان‪ ,‬لذا‬
‫نلتمس أن نؤكد لجللتكما أن الطرقات الن كما كانت قبل أن يحأدثا النفجار ‪" .‬‬
‫لكن الشمس و القمر كانا ما يزالن مترددين ‪ ,‬قائلين إنهما سمعا أن أحأد أعمدة السماء قد كسر‬
‫أيضا ‪ ,‬و أنهما يخافان من ذلك ‪ ,‬حأتى لو أن الطرقات قد أصلحأت ‪ ,‬فسيظل من الخطر بالنسبة‬
‫إليهما أن يمضيا في رحألتيهما المعتادتين ‪.‬‬
‫قال السفيران ‪:‬‬
‫" ل عليكما أن تنزعجا بشأن العمود المكسور ‪ ,‬فقد رممته إمبراطورتنا بأرجل سلحأفاة كبيرة‪ ,‬و‬
‫هو الن ثابت كما كان دائماا‪".‬‬
‫عندئذ بدت الشمس و القمر مقتنعين ‪ ,‬و انطلقا كلهما ليجربا الطرقات ‪ .‬فو جدا أن ما‬
‫أخبرهما به مندوبا المبراطورة كان صحأيحأ ا ‪.‬‬
‫بعد امتحأان الطرقات السماوية ‪ ,‬منحأت الشمس والقمر الضوء للرض مرة أخرى‪.‬‬
‫ابتهج جميع الناس كثي ار ‪ ,‬وتوطد السلما والزدهار في الصين لوقت طويل تحأت حأكما المبراطورة‬
‫الحأكيمة جوكوا ‪.‬‬

‫‪151‬‬
‫فهرس الكتاب‬
‫‪ -‬مقدمة الناشر‬
‫‪ -‬مقدمة الجامع‬
‫‪ -‬مقدمة المترجما‬
‫‪ -1‬سيدي كيس الرز‪......................................................‬‬
‫‪ -2‬العصفورة ذات اللسان المقطوعا‪.........................................‬‬
‫‪ -3‬قصة يوراشيما تارو‪ ،‬الفتى الصياد‪......................................‬‬
‫‪ -4‬الكم ازترعا والكغ قرير‪........................................................‬‬
‫‪ -5‬شينانشا‪ ،‬أو العربة ال كمشيرة‪...............................................‬‬
‫‪ -6‬مغامرات كنتارو‪ ،‬الولد الذهبي‪...........................................‬‬
‫‪ -7‬قصة الميرة هاسة‪.......................................................‬‬
‫‪ -8‬قصة الرجل الذي لما يشأ أن يموت‪........................................‬‬
‫‪ -9‬قاطع الخيزران وطفلة القمر‪..............................................‬‬
‫‪ -10‬مرآة ماتسوياما‪.........................................................‬‬
‫‪ -11‬غول أداتشيغهارا‪.......................................................‬‬
‫‪ -12‬القرد الذكي والخنزير البري‪............................................‬‬
‫‪ -13‬صياد الجبال السعيد وصياد البحأر الماهر‪...............................‬‬
‫‪ -14‬قصة الرجل العجوز الذي يجعل الشجار الذابلة تزهر‪...................‬‬
‫‪ -15‬السمكة الهلمية والقرد‪..................................................‬‬
‫‪ -16‬خصومة القرد والسرطان‪................................................‬‬
‫‪ -17‬الرنب البيض والتماسيح‪...............................................‬‬
‫‪ -18‬قصة الميرة ياما تو تاكي‪...............................................‬‬
‫‪ -19‬موموتارو‪ ،‬أو قصة ابن الخوخة‪.........................................‬‬
‫‪ -20‬غول راشومون‪..........................................................‬‬
‫‪ -21‬كيف تخلص الرجل العجوز من ورمه‪....................................‬‬
‫‪ -22‬الحأجارة الملونة والمبراطورة جوكوا‪....................................‬‬

‫‪152‬‬

You might also like