Professional Documents
Culture Documents
أساطير وحكايات من اليابان
أساطير وحكايات من اليابان
حكايات
الجن اليابانية
جمعها
يي ثيودو ار أوزاكي
نبيل المجللي
مقدمة الناشر
قصص الجان ل يذهب رونقها أبداا؛ً فهي مادة الحألما وحأياة الخيال ،وهي خالدة في الروح
البشرية.
1
ككتتبت أساطير وحأكايات اليابان القديما الجميلة هذه ،من أجل أطفال الغرب ،وترجمها من
النسخة الحأديثة سادانامي سانجين .إنها ليست ترجمات حأرفية ،مع أنه تما الحأتفاظ بالقصة اليابانية
والتعبيرات اليابانية الطريفة بأمانة .استخدما الجامع في بضعة مواضع ،أحأداثا من نسخ أخرى ،كي
يعزز المتعة والفائدة.
وتمت مواكبة التعبيرات الطريفة بالرسوما التوضيحأية الطريفة والمثيرة إنساني ا كذلك والتي
رسمها كاكوزو فوجي ياما ،وهو فنان عاش في طوكيو .ثمة ست وستون صورة لثنتين وعشرين
حأكاية ،بمعدل ثلثا صور لكل حأكاية.
الحأكايات عن العامة والملوك؛ً وعن القلعا وقعببققر1؛ً وعن الشيوخ الطيبين والشيوخ
الشريرين؛ً وعن الميرات والمحأاربين؛ً عن الحأيوانات ،والطيور ،والسماء والبحأر ،وعن عوالما الخيال
التي ل كتضاهى.
القصص هي تلك القصص المفضلة القديمة مثل " موموتارو ،أو قصة ابن الخوخة "،و "
قصة يوراشيما تارو ،الفتى الصياد " – والكثير من القصص القل شهرة ،مثل " الحأجارة الملونة،
والمبراطورة جوكوا ".
كلها ستلقى استحأسان الطفال الذين تسمو عقولهما ومخيلتهما فوق الحأواجز العرقية.
وسيلتقي كلهما من خلل هذه الكبكستط السحأرية المبهجة .طكتبع هذا الكتاب أصلا سنة ثلثا
وتسعمائة وألف للميلد من قبل شركة :
Archibold Constsble & co., Westminster.
مقدمة
إن مجموعة حأكايات الجن اليابانية الراهنة هي ثمرة اقتراح كقدما إليي عبر صديق من قبل
السيد آندرو لنغ .وتمت ترجمتها من النسخة الجديدة التي كتبها سادانامي سانجين .إنها ليست
ترجمات حأرفية ،فبالرغما من أن القصة والتعبيرات اليابانية الطريفة قد أبقي عليها بأمانة ،فإنها رويت
آخذين في العتبار أن كتمتتع قراء الغرب الصغار وليس طالب الفولكلور الفني.
2
أقدما شكري وامتناني للسيد ي .ياسووكا ،والنسة فوسا أوكاموتو ،ولخي نوكبومورو
أوساكي ،ود .يوشيهيرو تاكاكي ،والنسة كاميكو ياماو ،التي ساعدتني في الترجمات.
إن القصة التي أطلقت عليها اسما " قصة الرجل الذي لما يشأ أن يموت " مأخوذة من كتاب
صغير كتب قبل مائة عاما من قبل شخص يدعى شينسوي تاميناغا .وهي تدعى تشوسي كفورو ،أو "
طول البقاء " .وقاطع الخيزران وطفلة القمر " مأخوذة من الكتاب الكلسيكي " تاكيتاري مونو
غاتاري "،وهي ل تصنف من تققبل اليابانيين بين حأكايات الجن ،مع أنها في الواقع تنتمي إلى هذا
النوعا من الدب.
كرسمت الصور من قبل السيد كاكوزو فوجي مايا ،وهو فنان من طوكيو.
تبعت في رواية هذه القصص بالنكليزية خيالي في إضافة مثل تلك اللمسات ذات اللون أو
الوصف المحأليين قدر ما بدا لي أنها تحأتاج أو قدر ما يسررني ،وفي موضع أو موضعين أقحأمت
حأدث ا من نسخة أخرى .وكنت أجد دائماا ،في جميع الوقات ،بين أصدقائي ،صغا ار وكبا ار على
السواء ،من النكليز أو من المريكان ،مستمعين متشوقين لساطير وحأكايات الجن اليابانية
الجميلة ،وكنت أجد في روايتها أيضا أنها ل تزال مجهولة بالنسبة للكثرية العظمى ،وهذا ما
شجعني على كتابتها لطفال الغرب.
في الماضي البعيد كان يعيش في اليابان محأارب شجاعا معروف للجميع بـ :تاوا ار تودا ,أو" سيدي
كيس الرز".
اسمه الحأقيقي فوجي وا ار هيديساتو ,وثمة قصة ممتعة حأول تغيير اسمه .
ففي أحأد الياما خرج في رحألة بحأث ا عن المغامرات ,لن له طبيعة المقاتل ولما كيتطبق أن
يكون عاطلا عن العمل .لذا فقد " امتشق سيفيه " ,و أخذ قوسه الكبيرة ,التي تفوقه طولا ,بيده
,و" مضى في رحألته" مدليا جعبته على ظهره .لما يكن قد مضى بعيدا حأين وصل إلى جسر سيتا
– نو – كراشي الممتد فوق إحأدى نهايات بحأيرة بيوا الجميلة .لما يكد يضع قدمه على الجسر حأتى
3
رأى أفعى تنينلية ضخمة ترقد معترضة طريقه مباشرة .كان جسمها كبي ار جدا بحأيثا بدت كجذعا
شجرة صنوبر كبيرة وقد غطت عرض الجسر كله .استقر أحأد مخالبها العظيمة على حأاجز أحأد
جانبي الجسر ,بينما امتد ذيلها في مواجهة الخر تماما .بدا التنين نائما ,وفيما كان يتنفس ,
كانت النار و الدخان يتصاعدان من منخريه .
لما يقدر هيديساتو في أول المر أل يشعر بالرعب لدى رؤية هذا الزاحأف المرعب الممتد في
طريقه ,لنه كان عليه إما أن ينكفئ إلى الوراء أو أن يمشي فوق جسمها مباشرة .غير أنه ,كان
رجل شجاعا ,تقدما إلى الماما بجرأة ,كمنحأيا كل خوف جانبا .كرنتش ,كرنتش ! خطا الن على
جسما التنين ,الن بين ثناياها ,و تابع طريقه حأتى دون التفاتة إلى الوراء.
كان قد خطا بضع خطوات حأين سمع شخص ا يناديه من الوراء .ولدى التفاته إلى الخلف
دهش لنه رأى أن ذلك التنين الضخما قد اختفى كلية و أن في مكانه رجلا غريب المظهر ,ينحأني
بتهذيب كبير نحأو الرض .يتدفق شعره الحأمر على كتفيه وقد توج بتاج على شكل رأس تنين ,و
صع ثوبه الخضر البحأري اللون بالصداف .عرف هيديساتو في الحأال أنه لما يكن إنسانا عاديا
كر ص
و دهش أكثر للحأدثا الغريب .أين مضى التنين في مثل هذه الفترة الوجيزة من الزمن ؟ أما تراه
تحألول إلى هذا الر جل ,وماذا يعني كل هذا المر ؟ وبينما كانت هذه الفكار تمر في عقله وصل
إلى الرجل الذي فوق الجسر وخاطبه على الفور :
"أأنت من ناداني الن ؟ "
أجاب الرجل ":أجل ,أنا .لي مطلب هاما إليك كي تنجزه .فهل تعتقد أنك تستطيع أن
تمنحأني إلياه؟ "
أجاب هيديساتو " :إن كان في مقدوري فسأفعل ,لكن أخبرني أول من أنت ؟ "
" أنا ملك تنانين البحأيرة ,وبيتي في هذه المياه تحأت هذا الجسر بالضبط ".
قال هيديساتو ":و ما الذي تريد أن تطلبه مني ؟ "
" أريدك أن تقتل عدوي اللدود ذا المائة رجلل ,الذي يعيش هناك فوق الجبل ",و أشار ملك
التنانين إلى قملة مرتفعلة على شاطئ البحأيرة المقابل .
" لقد عشت حأتى الن لسنوات كثيرة في هذه البحأيرة وعندي أسرة كبيرة من البناء والحأفاد.
عشنا لبعض الوقت فيما مضى في رعلب ,لن تنين ا اكتشف موطننا ,وليلة بعد ليلة يأتي
ويخطف واحأدا من أفراد أسرتي .أنا ل قدرة لي على إنقاذهما .إذا استمر المر طويل على هذا
الحأال ,فلن أفقد كل أولدي فقط بل سأقع أنا نفسي ضحأية للتنين .لذا فأنا حأزين جدا ,وقد قررت
أن أطلب في محأنتي مساعدة إنسان .انتظرت لهذه الغاية أياما عديدة على هيئة الفعى التنينية
المخيفة التي رأيتها ,على أمل أن يظهر رجل شجاعا ما .لكن كل الذين جاؤوا من هذه الطريق ,
كانوا حأالما يرونني يذعرون و يمضون بعيدا بأسرعا ما يستطيعون .أنت أول رجل وجدته قاد ار على
4
أن ينظر إلي بل خوف ,وهكذا عرفت على الفور أنك رجل ذو قوة كبيرة .أرجوك أن تشفق علي.
أفل تساعدني و تقتل عدوي ذا المائة تربجلل؟"
شعر هيديساتو بالحأزن على ملك التنانين لدى سماعا قصته ,و وعد بسرور أن يفعل ما يستطيعه
لمساعدته .سأل المحأارب أين يعيش ذو المائة رجل ,كيما يهاجما المخلوق مباشرة .أجاب ملك
التنانين أن موطنه فوق جبل ميكامي ,لكن بما أنه يأتي كل ليلة في ساعة محأددة إلى قصر البحأيرة ,
لذا فهو يفضل النتظار حأتى ذلك الوقت .و هكذا تما إرشاد هيديساتو إلى قصر ملك التنانين ,
تحأت الجسر .مذهل أن يقال ,أنه بينما كان يتبع مضيفه نحأو السفل انفلق الماء ليمكنهما من
المرور ,وأن ملبسه لما تمسها الرطوبة حأين كان يعبر الرلجة .لما ير هيديساتو أبدا شيئا فائق
الجمال كهذا القصر المبني من الرخاما البيض تحأت البحأيرة لطالما سمع بقصر ملك البحأر في قاعا
البحأر ,حأيثا جميع الخدما والتابعين هما من أسماك البحأر ,لكن ها هنا بناء فخما في قلب بحأيرة بيوا
.السماك الذهبية النيقة ,و الكارب الحأمر ,و السلمون الفضي كانت تقوما على خدمة ملك
التنانين و ضيفه .
دهش هيديساتو من الوليمة التي مدت له .فقد كانت الطباق من أوراق و ورود اللوتس
المتبلورة ,و عصي الطعاما من أندر أخشاب البنوس .و حأالما جلسوا ,فتحأت البواب المنزلقة
وخرجت عشر سمكات ذهبية راقصة ,و تبعها من خلفها عشرة موسيقيين من أسماك الكارب
الحأمراء مع الكوتو و الساميس .على هذه الشاكلة انقضت الساعات حأتى منتصف الليل ,و
أبعدت الموسيقى الجميلة والرقص كل الفكار المتعلقة بذي المائة رجل .كان ملك التنانين على
وشك أن يشرب نخب المحأارب في فنجان جديد من الشراب حأين اهتز القصر فجأة بوقع أقداما ,وقع
أقداما ! كما لو أن جيش ا عظيم ا قد بدأ مسي ار في الجوار.
هي
ب هيديساتو ومضيفه مع ا واقفين و اندفعا إلى الشرفة ,و رأى المحأارب على الجبل المقابل
كرتين عظيمتين من نار متقدة تقتربان أكثر فأكثر .و قف ملك التنانين إلى جانب المحأارب يرتعد
خوفا .
"ذو المائة رجل ! ذو المائة رجل ! هاتان الكرتان من نار هما عيناه .إنه قادما من أجل
فريسته ! هذا أوان قتله " .
نظر هيديساتو إلى حأيثا أشار مضيفه ,و في الضوء الخافت للمساء المضاء بالنجوما ,وراء كرتي
النار رأى جسم ا طويل لذي مائة رجل ضخما يلف حأول الجبل ,و توهج الضوء في أرجله المائة
مثل عدد كبير جدا من المصابيح البعيدة التي تتحأرك ببطئ نحأو الشاطئ .
لما كيبتد هيديساتو أدنى علمة على الخوف .حأاول أن يهدئ من روعا ملك التنانين .
" ل تخف .سأقتل بالتأكيد ذا المائة رجل .أحأضر لي فقط قوسي و سهمي ".
5
طلب منه ،و لحأظ المحأارب أنه يملك ثلثة أسهما باقية في جعبته .
قاما ملك التنانين بما ك
تناول القوس ,و مهيأ سهما في الثلما ,سدد بانتباه و أطلقه .
ضرب السهما الحأريش في وسط رأسه مباشرة ,لكنه بدل أن يخترقه ,طاش بعيدا و سقط
على الرض دون أذى .
ل شيء يثلبط العزيمة ,تناول هيديساتو سهم ا آخر ,وهيأه في ثلما القوس وأطلقه .و مرة
ثانية ضرب السهما الهدف ,فقد ضرب الحأريش في وسط رأسه مباشرة ,ليطيش فقط بعيدا و يسقط
على الرض .كان الحأريش عصيا على السلحأة ! عندما رأى ملك التنانين أن سهاما هذا المحأارب
الشجاعا ل طاقة لها على قتل الحأريش ,قنط و أخذ يرتعد خوفا .
رأى المحأارب أنه بقي معه في جعبته الن سهما واحأد فقط ,و إن فشل هذا فلن يستطيع أن
يقتل الحأريش .
نظر عبر المياه .لف الحأيوان الزاحأف الضخما جسمه المرعب سبع مرات حأول الجبل و عما قريب
سينزل إلى البحأيرة .أقرب فأقرب أو مضت كرتا نار العينين ,و بدأ ضوء أرجله المائة يلقي
انعكاساته في مياه البحأيرة الساكنة .
عندئذ تذكر المحأارب فجأة أنه قد سمع أن لعاب النسان قاتل للحأريشات .لكن هذا لما يكن
حأريشا عادي ا .كان هائلا جدا بحأيثا أن مجرد التفكير بمثل هذا المخلوق يجعل المرء يزحأف رعب ا .
و قرر هيديساتو أن يجرب فرصته الخيرة .لذا آخذا سهمه الخير واضع ا نهايته أولا في فمه ,
هيأه في ثلما قوسه ,سدد بانتباه مرة أخرى وأطلق.
هذه المرة ضرب السهما أيضا الحأريش في وسط رأسه مباشرة ,لكنه بدلا من أن يطيش بعيدا دون
أن يؤذيه كما في السابق ,استقر في دماغ الحأيوان .ثما توقف الجسما الفعواني عن الحأركة برعدة
تشنجية ,وأظلما ضوء عينيه العظيمتين و أرجله المائة إلى وهج كليل مثل غروب يوما عاصف ,ثما
تلشى في الظلما .خيمت ظلمة عظيمة على السماوات ,قصف الرعد و أومض البرق ,و
زمجرت الريح بغضب ,و بدا كما لو أن العالما سينتهي .جثما ملك التنانين و أولده و تابعوه جميعا
في القساما المختلفة للقصر ,مذعورين حأتى الموت ,لن البناء اهتز حأتى أساساته .أخي ار انتهت
الليلة الفظيعة .بزغ نهار جميل صاف .رحأل ذو المائة رجل"الحأريش" عن الجبل .
عندئذ نادى هيديساتو على ملك التنانين ليخرج معه إلى الشرفة ,لن الحأريش ميت و ليس
من شيء آخر يخشاه .
ثما خرج كل سكان القصر ببهجة و أشار هيديساتو إلى البحأيرة .حأيثا كان يرقد جسد
الحأريش الميت طافيا على الماء ,الذي اصطبغ باللون الحأمر من دمه.
6
لما يعرف امتنان ملك التنانين حأدودا .و السرة جاءت و انحأنت أماما المحأارب ,و هما
يدعونه مخلصهما وأشجع محأارب في كل اليابان .
أعدت وليمة أخرى ,أكثر ترفا من الولى .كل أنواعا السمك ,المعدة بكل طريقة يمكن
تخيلها ,نيئاا ,و مطهوا ,و مسلوق ا ,و مشوي ا ,قدمت في صوان مرجانية و أطباق كريستالية ,
موضوعة أمامه ,و كان الشراب أفضل شيء تذوقه هيديساتو في حأياته .و لمعت الشمس بسطوعا
لتضيف إلى جمال كل شيء جمالا ,تألقت البحأيرة مثل سائل ماسي ,و كان القصر أجمل نها ار
ل.
بألف مرة منه لي ا
حأاول المضيف أن يقنع المحأارب بالبقاء بضعة أياما ,لكن هيديساتو أصر على الذهاب إلى
الوطن ,قائلا إنه أنهى الن ما جاء من أجله ,وأن عليه أن يعود .كان ملك التنانين و أسرته
جميع ا حأزانى لن عليه أن يغادر بصورة مبكرة جدا ,لكنهما بما أنه سيرحأل فقد رجوه أن يقبل عددا
من الهدايا الصغيرة "هكذا قالوا" تذكا ار لمتنانهما له لجل إنقاذهما إلى البد من عدوهما الرهيب
"الحأريش" ذي المائة رجل.
بينما وقف المحأارب في الرواق ليستأذن ,تحأول موكب من السماك فجأة إلى حأاشية من
الرجال ,كلهما يرتدي أثواب ا رسمية و على رؤوسهما تيجان التنين ليظهروا أنهما خداما ملك التنانين
العظيما .كانت الهدايا التي حأملوها كمايلي :
أولا ,جرس برونزي كبير .
ثانيا ,حأقيبة أرز .
ثالثا ,قدبرج حأرير.
رابع ا ,قدر للطبخ .
خامس ا ,جرسس .
لما يشأ هيديساتو أن يقبل كل هذه الهدايا ,لكن بما أن ملك التنانين ألح عليه ,فإنه لما يستطع أن
يرفض بسهولة .
و رافق ملك التنانين شخصيا المحأارب حأتى الجسر ,ثما استأذنه بانحأناءات و تمنيات طيبة
,تارك ا موكب الخدما ليرافق هيديساتو إلى بيته مع الهدايا .
كان أهل بيت المحأارب و خدمه قلقين جدا حأين وجدوا أنه لما يعد في الليلة الماضية ,لكنهما
استنتجوا أخي ار أنه حأبس بالعاصفة العنيفة و لجأ إلى مكان ما .حأين لمحأه الخدما الذين يرقبون
عودته صاحأوا للجميع أنه يقترب ,و خرج كل أهل بيته ليقابلوه ,متسائلين كثي ار ماذا تعني حأاشية
الرجال الذين يحأملون الهدايا و البيارق ,التي تتبعه .
حأالما أنزل تابعوا ملك التنانين الهدايا اختفوا ,و روى هيديساتو كل ما جرى له .
7
تبين أن للهدايا التي استلمها من ملك التنانين قدرة سحأرية .كان الجرس فقط عاديا ,و لن
هيديساتو ل يحأتاجه فقد قدمه إلى المعبد القريب المجاور ,حأيثا علق ,ليرن معلنا ساعات النهار
على المنطقة المحأيطة .
كيس الرز الفريد ,مهما أخذ منه يوم ا بعد يوما من أجل وجبات الفارس و كل أسرته ,فإن
المخزون الذي في الكيس ل ينفد.
درج الحأرير أيضاا ,ل يقصر ,مع أنه قد أخذت منه مرة بعد مرة قطع ا طويلة لصنع حألة
جديدة من الملبس للمحأارب كي يذهب إلى البلط في العاما الجديد .
كانت قدر الطبخ عجيبة ,أيضا .ومهما وضع فيها ,فإنها تطبخه كما يراد شهيا دون إيقاد
نار إنها حأق ا قدر اقتصادية.
انتشرت شهرة ثروة هيديساتو في كل اتجاه ,و بما أنه ل يحأتاج لن ينفق مالا على الرز
أو النار ,فقد أصبح غني ا جدا و ميسو ار ,ومن هنا عرف بسيدي كيس الرز.
8
بينما كانت تتساءل من يمكن أن يكون قد استعمل أو سرق النشاء ,حأطت العصفورة
المدللة ,حأانية رأسها المكسو بالريش ـ وهي مهارة كانت تعلمتها من سيدها زقزق الطائر الجميل و
قال:
" إنه أنا من تناول النشاء .فلقد ظننته شيئ ا من الطعاما وضع من أجلي في تلك القصعة ,و أكلته
جميعه .إن أخطأت فأرجوك أن تسامحأيني ! تويت ,تويت ,تويت !"
أنت ترى من هذا أن تلك العصفورة كانت طائ ار صادق ا ,و كان على المرأة العجوز أن
تكون مستعدة لن تغفر لها فو ار حأين سألتها المعذرة بهذا الشكل الجميل .لكن المر ليس كذلك .
فالمرأة العجوز لما تحأب العصفورة أبدا ,و غالبا ما تشاجرت مع زوجها لحأتفاظه بما دعته
طائ ار قذ ار في البيت ,قائلة إن هذا يسبب لها عملا إضافي ا ل غير .الن فقط هي مبتهجة اكثر مما
ينبغي لحأصولها على سبب ما للتذمر بشأن الطائر المدلل .تذمرت و حأتى شتمت الطائر الصغير
المسكين بسبب سلوكه السيئ ,ولما تكتف باستعمال هذه الكلمات القاسية ,بل في نوبة غضب
أمسكت العصفورة ـ التي كانت كل هذا الوقت تفرد جناحأيها و تحأني رأسها أماما المرأة العجوز ,
لتعبر عن مدى أسفها ـ و أحأضرت المقص و قصت لسان الطائر الصغير المسكين .
" أعتقد أنك أخذتت نشائي بذلك اللسان !الن يمكن أن تري كيف يشبه أن تذهبي بدونه!"
وبهذه الكلمات الفظيعة طردت الطائر ,غير عابئة على القل بما يمكن أن يصيبه و دون أدنى
شفقة على معاناته ,ولكما كانت فظة إلى حأد كبير !
صنعت المرأة العجوز بعد أن طردت العصفورة ,مزيدا من عجينة الرز ,متذمرة طيلة
الوقت من المشكلة ,و بعد أن نلشت كل ملبسها ,بسطت الشياء على اللواح لتجف في الشمس ,
بدلا من أن تكويها كما يفعلون في بلدنا.
في المساء عاد الرجل العجوز إلى البيت كالمعتاد ,تطللع في طريق العودة إلى الوقت
الذي سيصل فيه إلى بوابته و يشاهد طيره المدلل يطير مزقزق ا ليقابله ,نافش ا ريشه ليظهر ابتهاجه ,
و يأتي في النهاية ليرتاح على كتفه .لكن في هذه الليلة خاب أمل الرجل العجوز كثي ارا ,لنه لما
يكن يشاهد حأتى ظل عصفورته العزيزة.
أسرعا خطاه ,نزعا صندله المصنوعا من القش بسرعة و خطا إلى الشرفة .ما تزال العصفورة
مختفية .شعر الن باليقين أن زوجته ,في واحأد من انفعالتها النزقة ,قد حأبست العصفورة في
قفصها .لذا فقد ناداها و قال بقلق :
" أين سيزومي سان "النسة عصفورة " اليوما ؟ "
في البداية ادعت المرأة العجوز أنها ل تعرف ,و أجابت :
" عصفورتك ؟ أنا متأكدة أنني ل أعرف .أنا أفكر فيها الن ,فأنا لما أرها طوال
9
وقت ما بعد الظهر .لن أفاجأ إذا كان الطائر الناكر للجميل قد طار بعيدا و تركك بعد كل تدليلك
له !"
لكنها في النهاية اعترفت بكل شيء ,حأين لما يكف الرجل العجوز عن الكلما ,و إنما
سألها أخرى و أخرى ,مص ار على أنها يجب أن تعرف ماذا حأل بعصفورته المدللة ,أخبرته بنزق
كيف أكلت العصفورة عجينة الرز التي أعدتها خصيص ا لتنشية ملبسها ,و كيف أنها حأين اعترفت
العصفورة بما فعلت ,أخرجت بغضب كبير مقصها و قصت لسانها ,و كيف أنها طردت الطائر
أخي ار و منعته من العودة ثانية .
ثما أرت المرأة العجوز زوجها لسان العصفورة قائلة :
" هاهو ذا اللسان الذي قطعته ! لماذا أكل الطائر البغيض الصغير ,نشائي ؟ "
كان كل ما استطاعا الرجل العجوز أن يجيب به " :كيف أمكنك أن تكوني قاسية إلى هذا
الحأد؟ آه ! كيف أمكنك أن تكوني قاسية إلى هذا الحأد ؟ " .كان أطيب من أن يعاقب زوجته
السليطة ,لكنه كان منزعجا بشكل فظيع لما جرى لعصفورته الصغيرة المسكينة .
قال لنفسه " :يا لها من نكبة فظيعة على مسكينتي سيزومي سان أن تفقد لسانها ! لن
ضها ! أما
تكون قادرة على الزقزقة بعد الن ,و من المؤكد أن ألما قطعه بتلك الطريقة الفظة قد أقبمقر ق
من شيء يمكن أن يفعل ؟ "
ذرف الرجل العجوز دموع ا كثيرة بعد أن نامت زوجته المشاكسة .و بينما كان يجفف
الدموعا بكما ثوبه القطني ,طمأنته فكرة مشرقة :سيذهب ويبحأثا عن العصفورة في الصباح .
حأين قرر هذا صار قاد ار على النوما أخي ارا.
في الصباح التالي استيقظ باك ار ,حأالما بزغ النهار ,و تناول فطو ار عاجلا ,انطلق فوق
التلل و عبر الغابات , ,متوقف ا عند كل أجمة خيزران ليصيح :
" أين ,أوه أين هي عصفورتي مقطوعة اللسان ؟ "
لما يقف أبدا ليرتاح لوجبة الظهيرة ,و كان قد مر وقت طويل بعد الظهر حأين وجد نفسه
قرب غابة خيزران كبيرة .فغياض الخيزران هي المكنة المفضلة للعصافير ,و هناك عند حأافة
الغابة من المؤكد بصورة كافية أنه رأى عصفورته العزيزة تنتظره لترحأب به .لما يستطع أن يصدق
عينيه من السرور ,و ركض إلى الماما بسرعة لتحأيتها .حأنت رأسها الصغير و قامت بعدد من
المهارات التي لقنها إياها سيدها ,لتظهر متعتها برؤية صديقها القديما ثانية ,و مدهش أن نروي
أنها كانت تتكلما كما في الماضي .أخبرها الرجل العجوز كما كان حأزينا لكل ما حأصل ,وسأل عن
لسانها ,متعجبا كيف تستطيع أن تتحأدثا بهذه الطلقة الزائدة بدونه حأينئذ فتحأت العصفورة منقارها
و أرته أن لسان ا جديدا قد نمى في مكان اللسان الول ,و رجته أل يعود للتفكير في الماضي ,لنها
الن على ما يراما تمام ا .ثما عرف الرجل العجوز أن عصفورته جنية ,و ليست طائ ار عادي اق .
10
تصعب المبالغة في وصف فرح الرجل العجوز الن فلقد نسي كل مشاكله ,نسي حأتى كما كان
متعبا ,لنه وجد عصفورته المفقودة ,و بدلا من أن تكون مريضة و بل لسان كما كان يتوقع و
خشي أن يجدها ,كانت على ما يراما و سعيدة بلسان جديد ,و بل أثر من سوء المعاملة التي تلقتها
من زوجته .وفوق كل هذا هي جنية .
طلبت إليه العصفور أن يتبعها ,و قادته طائرة أمامه إلى بيت جميل في قلب أجمة
الخيزران.
دهش الرجل العجوز تماما حأين دخل إلى البيت ليجد كما كان مكانا جميلا .فقد كان مبنيا من أشد
أنواعا الخشب بياضا ,و كانت الكبكسط الناعمة التي حألت مكان السجاجيد بلون الكريما من أفضل ما
رأى على الطلق ,و الوسائد التي أخرجتها العصفورة من أجله لكي يجلس عليها مصنوعة من
ب الل ص
ك مشكاةق 2كل غرفة من الغرف. ت جميلة و عل ك
أنعما الحأرير و" الكريب" وزينت مزهريا س
1
قادت العصفورة الرجل العجوز إلى مكان الشرف ,ثما شكرته جالسة على مسافة متواضعة ,
بكثير من النحأناءات المهذبة على كل اللطف الذي أبداه نحأوها سنين طويلة .
بعدئذ قدمت السيدة عصفورة ,كما سندعوها ,الن ,كل أسرتها للرجل العجوز .بعد أن تما
ف ,وليمةا على صوان جميلة من الطرازهذا ,أدخلت بناكتها ,المكسوات بعباءات الكريب المره ت
ق
القديما وليمة من كل أنواعا الطعمة اللذيذة ,حأتى بدأ الرجل العجوز يظن أنه يحألما .في وسط الغداء
أدت بعض بنات العصفورة رقصة مدهشة ,تدعى " سوزومي ـ أدوري " أو " رقصة العصفورة "
لمتاعا الضيف .
لما يمتع الرجل العجوز نفسه أبدا بهذا القدر .مضت الساعات بسرعة كبيرة زائدة عن الحأد
في هذه البقعة الحأبيبة ,مع كل هؤلء العصفورات الجنيات اللواتي يقمن على خدمته ويولمن له و
يرقصن أمامه.
لكن الليل جاء وذكرته الظلمة أن لديه طريق ا طويلا يقطعه و أن عليه أن يفكر بالستئذان و
العودة إلى البيت .شكر مضيفته اللطيفة على تسليتها الرائعة ,و رجاها أن تنسى من أجل خاطره
كل ما عانته على يدي زوجته العجوز المشاكسة .أخبر السيدة عصفورة أنه من دواعي عزائه و
سعادته أن يجدها في مثل هذا البيت الجميل و أن يعرف أنها ليست بحأاجة إلى شيء .لقد كان
ق لمعرفة كيف رحألت و ماذا حأصل لها حأقيقة هما ما دفعاه ليبحأثا عنها .الن وقد عرف أن
القل ك
كل شيء على ما يراما فبإمكانه أن يعود إلى البيت جذلا .
ومهما أرادته لي شيء فما عليها إل أن ترسل إليه وسيحأضر حأالا .
- 1نوع من القماش الرقيق الجعد والمصنوع من خيط حريري أو قطني بألوان مختلفة -المترجم.
- 2فجوة في جدار الغرفة تعرض فيها الشأياء الثمينة.
11
رجته السيدة عصفورة أن يبقى و يرتاح لعدة من الياما و يستمتع بالتغيير ,لكن الرجل العجوز
قال إنه يجب أن يعود إلى زوجته العجوز ـ التي من المحأتمل أن تكون مغتاظة لعدما عودته إلى
البيت في الوقت المعتاد ـ و إلى عمله ,و بالتالي ,لما يقدر أن يقبل دعوتها الكريمة التي تمنى
تلبيتها كثي ار .لكن الن وقد عرف أين تعيش السيدة عصفورة فسيأتي لرؤيتها كلما كان لديه وقت.
حأين رأت السيدة عصفورة أنها لما تستطع أن تقنع الرجل العجوز بالبقاء أكثر ,أصدرت أم ار
لبعض خدمها ,وعلى الفور قأدخلوا صندوقين ,واحأدا كبي ار و الخر صغير .و ت
ضعا أماما الرجل س ك ك
العجوز و طلبت إليه السيدة عصفورة أن يختار أييهما يحأب هديةا ,منها .
ل:
لما يستطع الرجل العجوز أن يرفض هذا الطلب اللطيف ,واختار الصندوق الصغر ,قائ ا
" أنا الن عجوز أكثر من اللزما و ضعيف على حأمل الصندوق الكبير و الثقيل .وبما أنك
قلت إنني يمكنني أن آخذ أيهما أريد ,فسأختار الصغير ,الذي سيكون من السهل علي حأمله".
ثما ساعدته العصافير كلها في وضعه على ظهره و ذهبت إلى البوابة لتراه يغادر ,موصدعة له
بكثير من النحأناءات و متوسلة إليه أن يأتي ثانية حأالما يكون لديه الوقت .هكذا افترق الرجل
العجوز و عصفورته المدللة بمنتهى السرور ,دون أن تبدي العصفورة أدنى شعور سيء جراء كل
الفظاظة التي عانتها على يدي الزوجة العجوز .لكنها شعرت فقط بالسى لجل الرجل العجوز
الذي عليه أن يأوي إليها كل حأياته .
حأين وصل الرجل العجوز إلى البيت وجد زوجته أكثر غيظ ا من المعتاد ,لن الوقت متأخر
ليلا و لنها ظلت تنتظره زمنا طويلا .
" أين كنت كل هذا الوقت ؟ " سألت بصوت ضخما " لماذا عدت متأخ ار على هذا النحأو ؟"
حأاول الرجل العجوز تهدئتها بأن يريها صندوق الهدايا الذي أحأضره معه ,ثما حأدثها بكل ما جرى له
,و كيف تمتع بشكل مدهش في بيت العصفورة .
قال الرجل العجوز " :الن دعينا نشاهد ما في الصندوق " ,دون أن يتيح لها زمن ا لتتذمر ثانية .
عليتك أن تساعديني في فتحأه " .و جلسا معا أماما الصندوق و فتحأاه .
ولدهشتهما البالغة وجدا الصندوق مليئا إلى الحأافة بقطع نقود الذهب و الفضة وأشياء
ثمينة أخرى كثيرة .تألقت كبكسطك كوخهما الصغير بشكل تاما بينما كانوا يخرجون الشياء واحأدا واحأدا
ويضعونها على الرض ويلمسونها مرة بعد مرة .ابتهج الرجل العجوز كثي ار لمشهد الثروة التي
باتت الن له .كانت هدية العصفورة فوق أكثر آماله تألق ا ,لنها ستمكنه من التوقف عن العمل و
العيش في طمأنينة و راحأة بقية أيامه .
قال مرات عديدة " :شك ار لعصفورتي الصغيرة الطيبة ! شك ار لعصفورتي الصغيرة الطيبة
!"
12
لكن المرأة العجوز ,بعد أن انتهت لحأظات الدهشة الولى و الرضى لمشهد الذهب و الفضة ,لما
تسطع أن تكبح جشع طبيعتها الشريرة .بدأت الن توبخ الرجل العجوز على عدما إحأضاره صندوق
الهدايا الكبير إلى البيت ,لنه أخبرها ببراءة كيف أنه رفض صندوق الهدايا الكبير الذي قدمته له
العصافير ,مفضلا الصندوق الصغير لنه كان خفيف ا سهل الحأمل إلى البيت.
قالت " :أيها الرجل العجوز السخيف ,لقما لبما تحأضر الصندوق الكبير ؟ فصكبر فقط كما خسرنا
.كان من الممكن أن نحأصل على ضعفي كمية الفضة و الذهب هذه .لبد أنك عجوز مجنون !
" صرخت ,ثما مضت إلى الفراش أشد ما تكون غضبا .
تمنى الرجل العجوز الن لو لما يقل شيئا عن الصندوق الكبير ,لكن فات الوان؛ً فلقد
قررت المرأة العجوز الجشعة ,غير راضية بالحأظ الجيد الذي حأل عليهما بصورة غير متوقعة و
الذي بالكاد تستحأقه ,قررت أن تحأصل على المزيد إن أمكن .
باك ار في الصباح التالي استيقظت وجعلت الرجل العجوز يصف لها الطريق إلى بيت
العصفورة .
حأين عرف ما في نيتها حأاول أن يثنيها عن الذهاب ,لكن عبثا .فما كانت لتصغي لكلمة
قالها .إنه لمر غريب أل تشعر تلك المرأة العجوز بالخجل من الذهاب لرؤية العصفورة بعد
الطريقة القاسية التي عاملتها بها بقطعها للسانها في قسبورلة من الغضب .لكن جشعها للحأصول
على الصندوق الكبير جعلها تنسى كيل شيء آخر .وحأتى لما يدر في خلدها أن العصافير يمكن
أن تكون غاضبة منها كما ككين فعلا و أنهن يمككن أن يعاتقببقنها على ما اقترفت .منذ عادت السيدة
ل ,باكية و نازفة الفما ,فإن أسرتها و
عصفورة إلى البيت في الحأالة الحأزينة التي وجدوها فيها أو ا
أقاربها ما فتئوا يتحأدثون عن قسوة المرأة العجوز .سأل بعضهما بعض ا " :كيف أمكنها أن تكبنتزقل
مثل هذه العقوبة الثقيلة لذنب تافه مثل أكل بعض عجينة الرز بطريق الخطأ ؟ " أحأبوا جميع ا
الرجل الذي كان لطيف ا للغاية و طيب ا و صبو ار على كل مشاكله ,لكنهما كرهوا المرأة العجوز ,و
ل.
عزموا ,إن حأالفهما الحأظ ,على معاقبتها كما تستحأق .و ما كان عليهما أن ينتظروا طوي ا
بعد المشي بضع ساعات و جدت المرأة العجوز أخي ار أيكة الخيزران التي جعلت زوجها
يصفها بعناية ,و هي تقف الن أمامها صائحأة :
"أين بيت العصفورة ذات اللسان المقطوعا ؟ أين بيت العصفورة ذات اللسان المقطوعا ؟"
أخي ار شاهدت إفريز البيت يلوح من بين أوراق الخيزران .هرعت إلى الباب وقرعت بصوت مرتفع .
حأين أخقبقر الخدما السيدة عصفورة أن معلمتها العجوز بالباب تطلب رؤيتها ,كانت مندهشة نوعا ما
للزيارة غير المتوقعة ,بعد كل ما جرى ,و تعجبت كثي ار لجرأة المرأة العجوز على المغامرة بالقدوما
إلى البيت .كانت السيدة العصفورة على أي حأال ,طائ ار مهذب ا ,و لهذا خرجت لتحأية المرأة
العجوز ,متذكرة أنها كانت ذات مرة سيدتها .
13
على أي حأال ,تعمدت المرأة العجوز ,أل تضيع الوقت في الكلمات ,فمضت مباشرة إلى
الموضوعا ,دون أدنى خجل ,و قالت :
" ل حأاجة بك لن تتكلفي عناء إمتاعي كما فعلت برجلي العجوز .لقد حأضرت بنفسي
لحأصل على الصندوق الذي تركه وراءه بحأماقة متناهية .سأستأذن بالنصراف عاجلا إذا كنت
ستعطيني الصندوق فذاك كل ما أريد !"
وافقت السيدة العصفورة فو ار ,و أمرت خدمها بأن يحأضروا الصندوق الكبير .أمسكت
المرأة العجوز به بلهفة و رفعته على ظهرها ,ودون أن تتوقف حأتى لتشكر السيدة عصفورة أخذت
تسرعا نحأو البيت.
كان الصندوق ثقيلا للغاية بحأيثا لما تستطع أن تمشي بسرعة ,فضلا عن أن تجري ,كما
كانت تود أن تفعل ,كانت متلهفة للوصول إلى البيت و رؤية ما بداخل الصندوق ,لكن كثي ار ما
توجب عليها أن تجلس وتريح نفسها في الطريق .
وبينما كانت تترنح تحأت الحأمولة الثقيلة ,تعاظمت رغبتها في فتح الصندوق كثي ار بصورة
ل تقاوما .لما تستطع أن تنتظر أكثر ,لنها افترضت أن هذا الصندوق مملوء بالذهب والفضة
والجواهر الثمينة مثل الصندوق الصغير الذي تسليقمه زوجها.
أخي ار وضعت هذه المرأة العجوز الجشعة والنانية الصندوق بجانب الطريق وفتحأته
بعناية ,متوقعة أن تمتع ناظريها بمنجما من الثروة .ما رأته ,على أي حأال ,أرعبها كثي ار بحأيثا أنها
فقدت عقلها تقريباا .فحأالما رفعت الغطاء ,قفز عدد من العفاريت المروعة من الصندوق كما لو
أنهما ينوون قتلها .إنها لما تر أبدا حأتى في الكوابيس مثل هذه المخلوقات المروعة التي تضمنها
صندوقها المشتهى كثي ارا .جاء عفريت بعين واحأدة في وسط جبهته وحأملق فيها ,و كمكسوسخ بأفواه
ق
مفتوحأة بدت كما لو أنها ستلتهمها ,و حأية عظيمة تكورت وفلحأت قربها ,وضفدعا كبير وثب ون ل
باتجاهها.
لما تروعا المرأة العجوز هكذا أبدا في حأياتها ,وركضت من المكان بأسرعا ما استطاعت أن
تحأمله رجلها المرتجفتان ,راضية بأن تنجو بجلدها .حأين وصلت إلى البيت سقطت أرضا
وأخبرت زوجها دامعة العينين بكل ما حأصل لها ,وكيف أنها كادت تقتل من تققبتل العفاريت الذين
في الصندوق.
ل:
ل ,قائ ا
ثما بدأت تلوما العصفورة ,لكن الرجل العجوز أوقفها حأا ا
" ل تلومي العصفورة ,إنه خبثك الذي لقي جزاءه .آمل فقط أن يكون هذا درسا لك
للمستقبل.
14
لما يقل الرجل العجوز أي شيء آخر ,ومنذ ذلك اليوما ندمت على مشاكساتها ,وأساليبها
الفظة ,وبالتدريج أصبحأت عجو از طيبة ,بحأيثا أن زوجها ل يصدق أنها الشخص ذاته ,وأمضيا
أيامهما الخيرة معا بسرور متحأررين من الحأاجة أو الهما ,منفقين بعناية الثروة التي استلمها الرجل
العجوز من عصفورته المدللة ,ذات اللسان المقطوعا.
- 1البونيتو و التاي نوعان من أنواعا السمك الذي يعيش في بحأار اليابان المترجما
15
ولكنه كان معروف ا في قرية الصيد الصغيرة ,بقلبه الطيب أكثر من كونه صياد بحأر ذكي .لما
يؤذ في كل حأياته شيئا ,سواء كان عظيما أما صغي ار .و حأين كان صبليا ,كان زملؤه يضحأكون
منه دائما ,لنه لما يكن يشاركهما في تعذيب الحأيوانات ,بل كان يحأاول دائما أن يصونها من هذه
الرياضة القاسية .
ذات غسق صيفي ناعما كان ذاهب ا إلى البيت في نهاية صيد نهاري حأين التقى مجموعة من
الطفال .كانوا جميع ا يصرخون بأعلى أصواتهما ,و بدا أنهما كانوا في حأالة من النفعال الشديد
تجاه شيء ما ,و في سيره نحأوهما ليرى ما المر و جد أنهما كانوا يعذبون سلحأفاة .
جرها أولا صبي إلى هذه الناحأية ,ثما جرها صبي آخر إلى تلك الناحأية ,بينما ضربها طفل ثالثا
بعصاا ,و ضرب الرابع قشرتها بحأجر .
في هذه اللحأظة شعر يوراشيما بالسف على السلحأفاة المسكينة و قرر أن ينقذها .
تكلما إلى الولد " :انظروا إلي أيها الولد ,أنتما تسيئون معاملة تلك السلحأفاة المسكينة بشكل يفوق
الحأد بحأيثا أنها ستموت سريعا !"
لما كيتعبر الولد ,الذين كانوا جميعا في السن التي يبدو فيها أن الطفال يسرهما أن يكونوا
جلفين تجاه الحأيوانات ,انتباه ا لتوبيخ يوراشيما اللطيف ,بل تابعوا إزعاجها كما في السابق .
أجاب أكبر الولد سن ا :
" من يأبه إذا ما عاشت أو ماتت ؟ نحأن ل نفعل .هيا يا أولد ,تابعوا ,تابعوا !"
و بدؤوا يعاملون السلحأفاة المسكينة بوحأشية أكثر من السابق انتظر يوراشيما لحأظة ,مفك ار
في نفسه ما عسى أن تكون الوسيلة الفضل للتعامل مع الولد .ربما يحأاول أن يقنعهما أن يعطوه
السلحأفاة ,لذا فقد ابتسما لهما و قال:
" أنا واثق أنكما جميع ا طيبون ,أيها الطفال اللطفاء ! الن ألن تعطوني السلحأفاة ؟ فأنا
أرغب كثي ار في امتلكها !"
" ل ,لن نعطيك السلحأفاة ",قال أحأد الولد " .ولماذا علينا أن نفعل ؟ فقد اصطدناها
بأنفسنا ".
قال يوراشيما ":ما تقوله صحأيح ,لكنني ل أطلب منكما أن تعطوني إياها بل مقابل.
فسأعطيكما بعض النقود ثمن ا لها ـ بكلمات أخرى ,أوجيسان ) العما ( سيشتريها منكما ,أل يكفيكما
ذلك ,يا أولدي ؟" عرض النقود عليهما ,مربوطة بقطعة خيط عبر ثقب في مركز كل قطعة نقدية
".انظروا ,يا أولد ,تستطيعون شراء أي شيء تحأبون بهذه النقود .تستطيعون أن تفعلوا بهذه
النقود ما هو أكبر بكثير مما تفعلون بتلك السلحأفاة المسكينة .انظروا كما أنتما أولد طيبون
وتصغون إلي ".
16
لما يكن الولد سيئين أبدا ,كانوا فقط مولعين بالذى ,و بينما كان يوراشيما يتكلما اكتسبهما
بابتسامته اللطيفة و كلماته المحأببة و بدؤوا " يكونون من عقليته " كما يقولون في اليابان .بالتدريج
جاؤوا جميعا إليه ,يقدما زعيما الجماعة الصغيرة السلحأفاة إليه .
" حأسن جدا ,أوجيسان ,سنعطيك السلحأفاة إذا كنت ستعطينا النقود !" و أخذ يوراشيما
السلحأفاة و أعطى النقود للولد الذين ركضوا بعيدا ينادي بعضهما بعض ا ,و غابوا عن النظر بعد
وقت قصير .
ل:
بعدئذ ربت يوراشيما على ظهر السلحأفاة ,قائ ا
" أيها الشيء المسكين ! ـ ل بأس ,ل بأس ! أنت آمنة الن ! يقولون إن اللقلق يعيش ألف
عاما ,لكن السلحأفاة تعيش عشرة آلف عاما .أنت تحأظين بحأياة أطول من أي مخلوق في هذا العالما
صقر تلك الحأياة الثمينة من قبل أولئك الولد القساة .لحأسن ت
,و كنت في خطر عظيما من أن تكبختق ق
الحأظ أنني كنت أمر بالجوار و أنقذتك ,و هكذا فإن الحأياة ما تزال لك .أنا سأعيدك الن إلى
وطنك ,البحأر حأالا ,ل تققدعي أحأدا كيبمتسك بك ثانية ,لنه ربما ل يكون هناك من ينقذك في المرة
التالية !"
كان الصياد اللطيف خلل الوقت الذي يتكلما فيه ,يمشي بسرعة إلى الشاطئ و على
الصخور ؛ً بعدئذ وضقع السلحأفاة في الماء و راقب الحأيوان و هو يختفي ,ثما انعطف بنفسه نحأو
البيت ,لنه كان متعب ا و الشمس قد غربت .
في الصباح التالي خرج يوراشيما كالمعتاد في قاربه .الطقس لطيف و البحأر و السماء
كلهما كان أزرق اللون و ناعما في الضباب الرقيق للصباح الصيفي .صعد يوراشيما إلى مركبه و
اندفع بشكل حأالما إلى البحأر ,ملقي ا حأبله حأين فعل ذلك .سرعان ما اجتاز مراكب الصيد الخرى و
خلفها وراءه إلى أن غابت عن الرؤية في البعيد ,و اندفع مركبه أبعد فأبعد فوق المياه الزرقاء .
على نحأو ما ,لما يعرف لماذا ,شعر بسعادة غير عادية في ذاك الصباح ,و تمنى لو أن له ,مثل
السلحأفاة التي أطلق سراحأها اليوما الفائت ,آلفا من السنين ليحأياها بدلا من المدة القصيرة لحأياته
البشرية .
أجفقل من حألمه على سماعا اسمه ينادى :
" يوراشيما ,يوراشيما !"
طفا السما فوق البحأر واضحأ ا كجرس و ناعم ا كريح الصيف .
نهض و نظر في كل اتجاه ,ظانا أن أحأد المراكب الخرى قد لحأق به ,و لكنه حأدق
قدر طاقته فوق المتداد الرحأيب للماء ,قريبا أو بعيدا لما يكن ثمة علمة على مركب ,لذا فإن
الصوت ل يمكن أن يكون قد صدر عن أي إنسان .
17
أجفل ,متعجب ا ممن أو مما ناداه بهذا الوضوح ,نظر في كل الجهات حأوله و رأى أن
سلحأفاة قد جاءت دون علمه إلى جانب المركب .رأى يوراشيما بدهشة أنها كانت ذات السلحأفاة
التي أنقذها اليوما الفائت .
قال يوراشيما " :حأسن ا ,سيدة سلحأفاة ,أكنت أنت من صاح باسمي الن ؟"
أشارت السلحأفاة برأسها عدة مرات ,و قالت :
" أجل ,أنا :بالمس في ظلك المحأترما تما إنقاذ حأياتي ,و قد حأضرت لعصبقر لك عن
شكري و لخبرك كما أنا ممتنة لكرمك نحأوي ".
قال يوراشيما " :حأقا ,ذاك من أدبك الكبير .اصعدي إلى المركب .كنت أود أن أقدما
لك سيجارة ,لكنك سلحأفاة فأنت بل شك ل تدخنين " ,و ضحأك الصياد من النكتة .
ضحأكت السلحأفاة " هي ـ هي ـ هي ـ هي ! ؛ً ساكه ) شراب الرز ( هي شرابي المنعش
المفضل ,لكنني ل أهتما بالتبغ ".
قال يوراشيما " :حأقا ,أنا آسف كثي ار جدا لنني ليس لدي )ساكه ( في مركبي لقدما لك
,لكن اصعدي و جففي ظهرك في الشمس ـ فالسلحأف دائما تحأب أن تفعل ذلك ".
وهكذا تسلقت السلحأفاة إلى المركب ,بمساعدة الصياد ,و بعد تبادل كلمات المجاملة
قالت السلحأفاة:
" هل رأيت قط رن جن ,قصر التنين ملك البحأر ,يا يوراشيما؟"
هز الصياد رأسه و أجاب " :ل ؛ً كان البحأر وطني عاما بعد عاما ,و مع أنني سمعت
كثي ار عن عالما الملك التنين تحأت البحأر فإنني لما أقر بعد ذاك المكان العجيب .ل بد أنه بعيد جدا ,
إن كان موجودا أصلا ! "
" هل المر حأق ا كذلك ؟ أنت لما تر قط قصر ملك البحأر ؟ إذن فقد فاتتك رؤية أعجب
المشاهد في كل الدنيا .إنه بعيد جدا في قعر البحأر ,لكنني لو أخذتك إلى هناك فسنصل إلى
المكان في وقت قصير .إذا أحأببت أن ترى أرض ملك البحأر فسأكون دليلتك " .
" أنا ارغب ,بالتأكيد ,أن أذهب إلى هناك ,و لطف منك أن تفكري بأخذي ,لكن عليك
أن تتذكري أنني لست سوى إنسان ضعيف ,و ليس لدي المقدرة على السباحأة كمخلوق بحأري مثلك
"
قبل أن يتمكن الصياد من أن يقول المزيد أوقفته السلحأفاة ,قائلة :
" ماذا؟ ل حأاجة لن تسبح بنفسك .إن ركبت على ظهري فسآخذك دون أية مشكلة لك".
قال يوراشيما " :لكن كيف لي أن أركب على ظهرك الصغير ؟ "
" ربما بدا لك المر مضحأك ا ,لكنني أؤكد لك أنك تستطيع أن تفعل ذلك .حأاول مرة ! فقط
تعال و اركب على ظهري ,و انظر ما إذا كان هذا مستحأيلا كما تظن ! "
18
حأين أنهت السلحأفاة الكلما ,نظر يوراشيما إلى قوقعتها ,و غريب أن نقول أنه رأى أن هذه
المخلوقة كبرت فجأة بالقدر الذي يستطيع معه النسان أن يجلس بسهولة على ظهرها.
قال يوراشيما " :هذا غريب حأقا ! إذن أيتها السيدة سلحأفاة ,بإذنك الكريما سأركب على
ظهرك -.و صاح حأين قفز عليها -دوكويشو ! ".1
قالت السلحأفاة ,بوجه جامد ,كما لو أن هذا التصرف الغريب كان حأدث ا عادي ا تماماا:
" الن سنبدأ على مهلنا " ,و مع هذه الكلمات قفزت إلى داخل الماء ,و يوراشيما على
ظهرها .
غاصت السلحأفاة عبر الماء إلى السفل .مضى هذان الرفيقان الغريبان لوقت طويل خلل الماء.
لما يتعب يوراشيما أبدا ,و ل تبللت ثيابه بالماء .أخي ار ,و من مسافة بعيدة بدت بوابة ضخمة ,
ووراء البوابة ,السقف الطويلة المائلة لقصر عند الفق .
" ياه ",تعجب يوراشيما " يبدو أن البوابة لقصر كبير يظهر الن ! يا سيدة سلحأفاة ,هل لك
أن تخبريني ما ذاك القصر الذي نستطيع أن نراه الن ؟"
" تلك هي البوابة العظيمة لقصر رن جن .السقف الكبير الذي تراه وراء البوابة هو قصر
ملك البحأر ذاته " .
قال يوراشيما ":إذن فقد وصلنا أخي ار إلى عالما ملك البحأر و قصره ",.
أجابت السلحأفاة ":أجل ,حأق ا ,ثما أل تعتقد أننا وصلنا بسرعة كبيرة ؟" و بينما كان يتكلما
وصلت السلحأفاة إلى جانب البوابة .ها نحأن هنا ,و عليك أن تمشي من فضلك من هنا".
مضت السلحأفاة الن في المقدمة ,و قالت مخاطبة حأارسة الباب :
" ها هو يوراشيما تارو من بلد اليابان .قد حأظيت بشرف إحأضاره كزائر للمملكة .أرجو
أن تدلوه إلى الطريق ".
ثما قامت حأارسة الباب التي كانت سمكة فو ار بقيادتهما عبر البوابة .
خرجت سمكة البراميس الحأمراء ,و سمكة الفلوندر ,و سمكة موسى ,و الحألبار ,و كل
الخدما الرئيسيين للتنين ملك البحأر بانحأناءات لبقة للترحأيب بالغريب .
" يوراشيما ساما ,يوراشيما ساما ! أهلا بك في قصر البحأر ,موطن التنين ملك البحأر .
مرحأب ا بك ثلث ا ,كونك جئت من بلد بعيد كهذا .و أنت يا سيدة سلحأفاة ,نحأن مدينون لك كثي ار
لعنائك في إحأضار يوراشيما إلى هنا ".ثما قالوا ,ملتفتين ثانية إلى يوراشيما :اتبعنا من فضلك في
هذا التجاه ",
و من هنا أضحأت عصبة السماك كلها أدلء له .
" - 1حسناا " )وهي كلمة تستخدم فقط بين الطبقات الدنيا من المجتمع(.
19
لما يعرف يوراشيما ,لنه مجرد صياد شاب فقير ,كيف يتصرف في القصر ؛ً لكن ,و مع
أن ذلك غريب بالنسبة له ,لما يشعر بالخجل أو الرتباك ,و إنما تبع دليلته اللطيفات بهدوء إلى
حأيثا قدنه إلى القصر الداخلي .حأين وصل البوابات خرجت أميرة جميلة مع مرافقاتها العذ اروات
للترحأيب به .كانت أجمل من أي كائن إنساني ,و كانت مكسوة بأكسية متهدلة حأمراء و خضراء
ناعمة مثل الجانب السفلي لموجة ,و أومضت الخيوط الذهبية خلل طيات عباءتها .و جرى
ي ابنة ملك منذ مئات سنوات عديدة مضت ,و حأين كانت
شعرها السود الجميل على كتفيها في ز ل
تتكلما كان صوتها يتردد مثل موسيقى فوق الماء .استغرق يوراشيما في عجب بينما كان ينظر إليها
,و لما يستطع أن يتكلما .ثما تذكر أن عليه أن ينحأني ,و لكن قبل أن يتمكن من أن يقوما بانحأناءة
ضئيلة تناولته الميرة من يده و قادته إلى قاعة جميلة ,و إلى مقعد الشرف عند الطرف العلوي ,و
دعته إلى الجلوس .
قالت الميرة " يا يوراشيما تارو ,إنه لمما يمنحأني أقصى السرور أن أرحأب بك في مملكة أبي
.
البارحأة حأررت سلحأفاة ,و أنا أرسلت إليك لشكرك على إنقاذ حأياتي ,لنني كنت أنا السلحأفاة .
ك أن هنا إلى البد في أرض الشباب البدي ,حأيثا الصيف ل يموت أبدا و حأيثا
ت فل ق
الن لو شئ ق
ل أحأزان أبدا ,و سأكون عروسك لو أردت ,و سنحأيى مع ا بسعادة إلى البد بعدئذ !"
وبينما كان يوراشيما يصغي إلى كلماتها الحألوة و يحأدق في وجهها الجميل امتل قلبه بدهشة
عظيمة و بهجة ,و أجابها ,متسائلا ما إذا كان كل ذلك حألما :
" شك ار ألف مرة على كلمك اللطيف .ليس هناك ما أرغب به أكثر من أن يؤذن لي في أبقى
هنا معكما في هذه الرض الجميلة ,التي سمعت عنها كثي ار ,و لكنني لما أرها إلى هذا اليوما.
بعيدا عن كل ما يمكن أن يقال ,هذا هو أكثر المكنة التي رأيتها إدهاش ا على الطلق ".
و فيما كان يتكلما ظهر سرب من السماك ,ترتدي كلها ملبس رسمية تلمس الرض واحأدة
واحأدة ,دخلن القاعة ,بصمت و بخطوات فخمة ,يحأملن على صحأاف مرجانية أطعمة شهية و
طحألبا بحأريا ,ل يمكن لحأد أن يحألما بمثلها ,و مدت هذه الوليمة الرائعة أماما العروس و العريس .
تما الحأتفال بالزفاف بروعة مبهرة و كان في عالما ملك البحأر ابتهاج عظيما .حأالما شرب الزوجان
الشابان نخبيهما بكأس شراب العرس ثلث ا في ثلثا ,عزفت الموسيقى ,و غنيت الغاني ,و
دخلت أسماك بحأراشف فضية و أذيال ذهبية من المواج و رقصت .تمتع يوراشيما من كل قلبه .
فهو لما يجلس قط كل حأياته إلى مثل هذه الوليمة المدهشة .
حأين انتهت الوليمة سألت الميرة العريس ما إذا كان يرغب في التجول خلل القصر و رؤية
كل ما تنبغي رؤيته .ثما أطلع الصياد السعيد ,متابع ا عروسه ,ابنة ملك البحأر ,على كل عجائب
تلك الرض المسحأورة حأيثا الشباب و البهجة يمضيان يدا بيد فل الزمن و ل العمر يمكن أن تؤثر
20
فيهما .كان القصر مبني ا من الرجوان و مزين ا بالللئ ,و كانت جماليات و عجائب القصر من
العظمة بحأيثا يعجز اللسان عن وصفها .
لكن ,بالنسبة ليوراشيما ,ما كان أكثر إدهاشا من القصر هو الحأديقة المحأيطة به .فهنا يشاهد
في آن واحأد منظر الفصول الربعة ؛ً كانت جماليات الصيف و الشتاء ,و الربيع و الخريف ,
معروضة للزائر المتعجب في وقت واحأد .
في البداية ,حأين نظر إلى الشرق ,كانت أشجار الكرز و الخوخ تشاهد بكامل إزهارها ,وكانت
طيور العندليب تغني في الممرات القرمزية المشجرة ,و الفراشات تطير من زهرة إلى زهرة .
ونظر إلى الجنوب فكانت كل الشجار خضراء في أوان اكتمال الصيف ,و زيكز النهار و
كجبدكجكد الليل كانا يصوتان على نحأو مرتفع .
ونظر إلى الغرب فكانت أشجار القيقب الخريفية مشتعلة مثل سماء الغروب ’,و كانت
القحأوانات في أوان اكتمالها .
إواذ نظر إلى الشمال جعقل التبدكل يوراشيما كيبجتفكل ,لن الرض كانت بيضاء من أثر الثلج ,و
كانت الشجار و البامبو مغطاة أيضا بالثلج و كانت البركة سميكة من أثر الجليد .
و كل يوما كانت هناك مسرات جديدة و عجائب جديدة بالنسبة ليوراشيما ,و كانت سعادته
عظيمة جدا بحأيثا أنه نسي كل شيء ,حأتى البيت الذي خلفه وراءه ووالديه ووطنه ,و مرت ثلثة
أياما دون أن يفكر بكل ما تركه وراءه .ثما ثاب إليه عقله و تذكر من يكون ,و أنه ل ينتمي إلى هذه
الرض العجيبة أو إلى قصر ملك البحأر ,و قال لنفسه :
" يا إلهي ! يجب أل أستمر في القامة هنا ,لن لي أبا شيخا و أما في البيت .ماذا يمكن أن
يكون قد حأصل لهما خلل كل هذا الوقت ؟ ل بد أنهما كانا قلقين كثي ار كل هذه الياما حأين لما أعد
كالمعتاد .علي أن أعود حأالا دون أن أدعا يوم ا آخر يمر " .و بدا يعد للرحألة بعجلة كبيرة .
ثما ذهب إلى زوجته الجميلة ,الميرة ,و قال منحأني ا أمامها :
" في الواقع ,أنني كنت سعيدا جدا معك لفترة طويلة ,يا أوتوهيمه ساما )لن ذاك كان اسمها( ,
و لقد كنت لي أكثر لطفا من أن تستطيع الكلمات أن تعبر .لكنني علي الن أن أقول وداعا .علي
أن أعود إلى والدي ".
عندها بدأت أوتوهيمه ساما تبكي ,و قالت برقة و حأزن :
" ألست مسرو ار هنا ,يا يوراشيما ,حأتى رغبت في أن تغادرني بصورة عاجلة أكثر من اللزما ؟
لما العجلة ؟ ابق معي يوما آخر فقط ".
لكن يوراشيما كان قد تذكر والديه ,و الواجب في اليابان نحأو البوين أقوى من أي شيء آخر ,
أقوى حأتى من السرور أو الحأب ,و هو ل يمكن أن يقتنع ,لكنه أجاب :
21
" حأق ا ,إن علي أن أذهب .ل تحأسبي أنني راغب في تركك .المر ليس كذلك .يجب أن
أذهب و أرى والدي العجوزين .دعيني أذهب ليوما واحأد و سأعود إليك " .
قالت الميرة بأسى " :إذن ,ليس هناك ما يمكن فعله .سأعيدك اليوما إلى أبيك و أمك ,و بدلا
من أن أحأاول أن أحأتفظ بك معي يوم ا آخر ,سأمنحأك هذا كعلمة على حأبنا ـ أرجوك أعده معك
" ؛ً و أحأضرت له صندوق ا مطلي ا بالورنيش يلتف حأوله رباط حأريري و شرابات من حأرير أحأمر .
كان يوراشيما قد استلما الكثير الكثير من الميرة حأتى الن بحأيثا أنه شعر بوخز الضمير في أخذ
الهدية ,و قل " :ل يبدو أنه من الصواب أن آخذ مع ذلك هدية أخرى منك بعد كل المنن الكثيرة
التي تلقيتها على يديك ,لكن بما أنها رغبتك فسأفعل ",ثما أضاف :
" أخبريني ما هذا الصندوق ؟"
أجابت الميرة ":ذاك تاماتيه ـ باكو ) صندوق اليد الجوهرة ( ,و هو يحأتوي شيئ ا ثمين ا جدا .
يجب أل تفتح هذا الصندوق ,مهما ط أر ! إن فتحأته فسيصيبك شيء فظيع ! عدني الن أنك لن
تفتح هذا الصندوق أبدا !"
ووعد يوراشيما أن ل يفتح الصندوق أبدا أبدا مهما حأدثا .
ثما نزل مؤدي ا تحأية الوداعا لوتوهيمه ساما إلى شاطئ البحأر ,تتبعه الميرة و مرافقوها ,و هناك
وجد سلحأفاة كبيرة تنتظره .
صعد بسرعة ظهر تلك المخلوقة و حأمل بعيدا فوق البحأر المتألق نحأو الشرق .
التفت إلى الخلف ليلوح بيده لتوهيمه ساما إلى أن لما يعد يستطيع أخي ار أن يراها مطلقاا ,وغابت
أرض ملك البحأر و أسطحأة القصر المدهش ضاعت في لمسافة البعيدة ,البعيدة .ثما ,نظر ,
ووجهه متلفت بشوق صوب أرضه ,إلى بروز التلل الزرق عند الفق أمامه.
أخي ار حأملته السلحأفاة إلى خليج يعرفه جيدا ,و إلى الشاطئ الذي قد أبحأر منه .خطا على
الشاطئ و نظر حأواليه بينما مضت السلحأفاة بعيدا إلى عالما ملك البحأر .
لكن ما هذا الخوف الغريب الذي يتملك يوراشيما حأالما يقف و ينظر حأوله ؟ لماذا تراه يحأدق
بثبات أكثر من اللزما إلى الناس الذين يمرون به ,و لماذا يقفون هما بدورهما و ينظرون إليه ؟
الشاطئ نفسه و التلل نفسها ,لكن الناس الذي يراهما يمشون مرو ار به لهما وجوه تختلف عن تلك
التي كان يعرفها بصورة جيدة من قبل .
مشى بسرعة نحأو بيته القديما ,متعجب ا مما عسى أن يعنيه هذا المر .حأتى هو بدا مختلفاا ,لكن
بيتا نهض في البقعة ,وها هو ينادي صائحأا :
ت للتو !" و كان على وشك الدخول ,حأين رأى رجلا غريبا يخرج .
" يا أبي ,لقد عد ك
فكر الصياد ":لعل والدي انتقل حأين كنت بعيدا ,و ذهبا إلى مكان آخر ".
أخذ يشعر على نحأو ما بقلق غريب ,لما يستطع أن يقول لماذا .
22
قال ":عفوا " للرجل الذي كان يحأدق به " لكن حأتى خلل بضعة الياما الخيرة كنت أعيش في هذا
البيت .اسمي يوراشيما تارو .أين ذهب والدي اللذان تركتهما هنا ؟"
حأل تعبير مرتبك على وجه الرجل ,و قال و هو ما يزال يحأدق بتركيز إلى وجه يوراشيما :
" ماذا؟ هل أنت يوراشيما تارو ؟"
قال الصياد ":أجل أنا يوراشيما ضحأك الرجل هاها ! يجب أل تلقي مثل هذه النكات .صحأيح أنه
عاش في يوما من الياما رجل يدعى يوراشيما تارو في هذه القرية ,لكن تلك قصة عمرها ثلثمائة
عاما .ل يمكنه أن يكون حأيا الن !"
حأين سمع يوراشيما هذه الكلمات الغريبة خاف ,و قال :
" من فضلك ,من فضلك ل تمازحأني فأنا محأتار بصورة كبيرة .أنا حأق ا يوراشيما تارو ,وأنا
ق هذه البقعة .أخبرني
بالتأكيد لما أعش ثلثمائة عاما .حأتى قبل أربعة أو خمسة أياما كنت أعيش فو ق
بما أريد أن أعرف دون مزيد من المزاح ,من فضلك ".
لكن وجه الرجل صار رزينا شيئا فشيئا و أجاب :
" يمكن أن تكون يوراشيما تارو أو ل تكون ,أنا ل أعرف .لكن يوراشيما تارو الذي سمعت
به هو رجل عاش منذ ثلثمائة عاما .لعلك روحأه جئت لتزور بيتك القديما ؟"
قال يوراشيما ":لماذا ته أز بي ؟ أنا لست روحأ ا ! أنا رجل حأي ـ أل ترى قدمي " ؛ً و " دن دن
",داس على الرض ,أول بقدما واحأدة ثما بالثانية ليري الرجل ) .الشباح في اليابان ل أرجل لها (.
أصر الرجل الذي لما يستطع أن يصدق ما قاله الصياد " لكن يوراشيما تارو عاش منذ
ثلثمائة عاما ,ذاك كل ما أعرفه ؛ً إنه مكتوب في سجلت القرية ".
ضاعا يوراشيما في حأيرة و مأزق .وقف ناظ ار حأواليه ,مرتبك ا بصورة مرعبة ,و ,حأقاا ,فإن
بعض ا من مظهر كل شيء كان مختلف ا عما تذكره قبل أن يذهب بعيدا ,و الشعور المرعب الذي أليما
به من أن ما قاله الرجل ربما كان صادق ا .بدا كأنه في حألما غريب .الياما القليلة التي قضاها في
قصر ملك البحأر فيما وراء البحأر لما تكن أياما أبدا ؛ً بل كانت مئات من السنين ,و في ذلك الزمن
مات والداه و كل الناس الذين عرفهما ,و سجلت القرية قصته .ل فائدة من البقاء هنا أكثر .عليه
أن يعود إلى زوجته الجميلة وراء البحأر .
شق طريقه عائدا إلى الشاطئ ,حأاملا في يده الصندوق الذي أعطته إياه الميرة .لكن أي
طريق هو ؟ لما يقدر أن يكتشفه بمفرده ! فجأة تذكر الصندوق ,التاماتيه ـ باكو .
" أخبرتني الميرة حأين أعطتني الصندوق أل أفتحأه ـ وأنه يتضمن شيئا ثمينا جدا .لكن بما
ق قلبي من الحأزن ,في ت كل ما كان عزي از عليي هنا ,ور ي
أنني ل أملك بيتا الن ,و بما أنني فقققبد ك
مثل هذا الوقت ,لو فتحأت الصندوق ,فمن المؤكد أنني سأجد شيئ ا يعينني ,شيئ ا يهديني سبيل
23
العودة إلى أميرتي الجميلة فوق البحأر .ليس ثما شيء آخر أفعله .بل ,بل ,سأفتح الصندوق و
أنظر !"
و هكذا وافق قلبه على فعل هذه المعصية ,و حأاول أن يقنع نفسه بأنه كان يفعل الشيء
الصحأيح بحأنثه بوعده .
ببطء شديد ,فك الرباط الحأريري الحأمر ,ببطء و بانشداه رفع غطاء الصندوق الثمين .فماذا
وجد ؟ غريب أن نقول إن سحأابة صغيرة قرمزية اللون بثلثة فروعا برزت من الصندوق فقط .غطت
وجهه للحأظة ورفرفت فوقه كأنها تكره أن تذهب ,ثما طفت بعيدا مثل بخار فوق البحأر .
يوراشيما ,الذي ظل حأتى تلك اللحأظة مثل شاب وسيما في سن الرابعة و العشرين ,غدا فجأة
كبي ار جدا جدا .انحأنى ظهره من الكبر ,و غدا شعره أبيض كالثلج ,تجعد وجهه و سقط ميت ا على
الشاطئ .
مسكين يوراشيما ! لما يستطع أبدا بسبب ذنبه أن يعود إلى عالما ملك البحأر أو إلى الميرة الحأبيبة
وراء البحأر .
أيها الطفال الصغار ,ل تعصوا أبدا من هما أحأكما منكما ,لن العصيان هو البداية لكل شقاوات
و أحأزان الحأياة .
24
المزارع و الغرير
في الماضي البعيد ,البعيد ,كان يعيش م ازرعا عجوز و زوجته أقاما بيتهما في الجبال,
بعيدا عن أية بلدة .جارهما الوحأيد كان كغري ار سيئا و ماك ار .اعتاد هذا الغرير أن يخرج كل ليلة و
ينطلق نحأو حأقل الكم ازترعا و يفسد الخض اروات و الرز الذي أنفق الم ازرعا وقته في رعايتها باهتماما .
في النهاية أصبح الغرير ل يرحأما في عمله المؤذي بصورة ل تطاق ,و تسبب في كثير من الضرر
في كل مكان من المزرعة ,بحأيثا أن الم ازرعا الودود لما يعد يطيق أن يحأتمله أكثر ,و قرر أن يضع
حأدا له .لذا فقد كمن يوما بعد يوما و ليلة في إثر ليلة ,بهراوة كبيرة ,على أمل أن يمسك بالغرير ,
لكن ذلك كله كان دون جدوى .ثما نصب مصائد للحأيوان الشرير.
لقي عناء الم ازرعا و صبره جزاءه ,ففي أحأد الياما الجميلة وجد ,أثناء ذهابه في جولته ,
الغرير أسي ار في حأفرة حأفرها هو لذلك الغرض .سر الم ازرعا للقاء القبض على عدوه ,وحأمله إلى
بيته بأمان مقيدا بحأبل .حأين وصل الم ازرعا إلى البيت قال لزوجته :
" أخي ار أمسكت الغرير السيئ .عليك أن كتبقي عينيك مفتوحأتين عليه حأين أكون خارج ا في
العمل و أل تدعيه يفلت ,لنني أريد أن أضعه في الحأساء هذه الليلة " .
بعد أن قال هذا ,علق الغرير إلى عوارض مخزنه و خرج إلى عمله في الحأقول .كان
الغرير في كرب عظيما ,لن فكرة أن يصنع منه حأساء تلك الليلة ,لما ترق له على الطلق ،و فكر
و فكر طويلا ,محأاولا أن يكتشف خطة يمكنه من خللها أن ينجو .كان صعب ا أن يفكر بوضوح
في وضعيته غير المريحأة ,فقد كان معلق ا رأس ا على عقب .وقفت العجوز زوجة الم ازرعا ,بالقرب
منه ,عند مدخل المخزن ,ناظرة إلى الخارج نحأو الحأقول الخضراء و الشجار و أشعة الشمس
اللطيفة ,و هي تطحأن الشعير .بدت متعبة وهرمة .تغ ي
ضن وجهها بتجاعيد كثيرة ,و كان أسمر
اللون كالجلد الجاف ,وبين حأين و آخر كانت تتوقف لتجفف العرق الذي يتصبب من وجهها .
قال الغرير الماكر " :سيدتي العزيزة ,ل بد أنك مرهقة من أداء مثل هذا العمل الثقيل في
مثل سنك .هلل تركتني أفعل ذلك نيابة عنك ؟ فذراعاي قويتان ,و أستطيع أن أريحأك لفترة
قصيرة! "
قالت المرأة العجوز " :شك ار لك على لطفك ,لكنني ل أستطيع أن أدعك تفعل هذا العمل
نيابة عني لنني ل يجب أن أفك قيدك ,فأنت ربما تهرب إن أنا فعلت ,و سيغضب زوجي جدا لو
أنه عاد إلى البيت ووجد أنك مضيت في سبيلك".
الغرير واحأد من أمكر الحأيوانات ,لذا فقد قال ثانية بصوت حأزين و لطيف جدا :
25
" أنت قاسية جدا .وبإمكانك أن تفكي رباطي ,لنني أقتعكد بأل أحأاول الهرب .إوان كنت
خائفة من زوجك ,فسأقدكعتك تقيديني ثانية قبل عودته بعد أن أكون قد أنهيت طحأن الشعير .
أنا متعب أكثر من اللزما ومتألما من التقييد في العلى هكذا .لو أنك تدعينني فقط أنزل لبضعة
دقائق فسأكون شاك ار حأق ا ! "
كانت المرأة العجوز ذات طبيعة طيبة و بسيطة ,و ل يمكنها أن تسيء الظن بأحأد.
ت بالسف ,أيض ا ,
ولما يدر في خلدها على الطلق أن الغرير كان يخدعها فقط كي يفر .قشقعقر ب
لجل الحأيوان حأين التفتت لتنظر إليه .فقد بدا في وضع محأزن معلقا من السقف إلى أسفل من
أرجله ,التي كانت كلها مقيدة معا بشدة زيادة عن الحأد بحأيثا أن الحأبل و الكعقققد كانت تغيب في
الجلد .لذا حألت الرباط و أنزلته لطيبة قلبها ,مصدقة وعد المخلوق بأنه لن يهرب بعيداا.
ثما ناولته المرأة العجوز التمديقة و طلبت إليه أن يقوما بالعمل لمدة قصيرة بينما تستريح .
ب منه ,قفز الغرير فو ار على المرأة العجوز و ت
تناول المدقة ,و بدلا من أن يؤدي العمل كما طكل ق
طعها وصنع منها حأسااء ,وانتظر عودة الم ازرعا العجوز أسقطها بقطعة الخشب الثقيلة .ثما قتلها وق ي
.
عمل الرجل العجوز بجد في حأقوله طوال النهار ,و فكر بينما كان يعمل ,بسرور أنه لن يتما إفساد
عمله بعد الن من قبل الغرير المخرب .
عند المغيب ترك عمله و استدار ليذهب إلى البيت .كان متعب ا كثي ار ,لكن فكرة العشاء
الجميل من حأساء الكغرير الساخن الذي ينتظر عودته أبهجته .و لما تخطر على باله فكرة أن الغرير
يمكن أن يفلت و ينتقما من المرأة العجوز المسكينة .
في هذه الثناء تنكر الغرير على هيئة المرأة العجوز ,و حأالما رأى الم ازرعا العجوز يقترب خرج
ليحأييه من شرفة البيت الصغير ,قائلا :
ت حأساء الغرير و أنا بانتظارك منذ وقت طويل " .
ت أخي ار .لقد صنع ك
" كعبد ق
خلع الم ازرعا العجوز كخيفيه المصنوعين من القش بسرعة و جلس أماما صينية عشائه
الصغيرة .لما يتخيل الرجل المسكين حأتى في المناما أنها ليست زوجته إوانما هو أن الغرير هو من
كان يقوما على خدمته ,و سأل حأالا عن الحأساء .عندئذ غيير الغرير شكله فجأة ليعود إلى هيئته
الطبيعية و صاح قائلا :
" أيها الرجل العجوز آكل الزوجة ! ابحأثا عن العظاما في المطبخ ! "
وهرب من البيت ضاحأكا بصوت مرتفع و بسخرية و ركض بعيدا إلى وكره في التلل .
وتكترك الرجل العجوز وحأيدا .لما يستطع أن يصدق ما رأى وما سمع .ثما حأين أدرك الحأقيقة كاملة
فزعا وخاف كثيرا بحأيثا أنه أغمي عليه فو ار .بعد برهة أفاق وانفجر بالدموعا .بكى بصوت مرتفع و
26
بم اررة .ترنح جيئة وذهاب ا في حأزنه اليائس .بدا المر مخيف ا جدا أن كتقتقل زوجته العجوز المخلصة
فعلا و طبخت من قبل الغرير بينما هو يعمل بهدوء في الحأقول ,غير عالما بشيء مما كان يجري
في البيت ,مهنئا نفسه على التخلص إوالى البد من الحأيوان الشرير الذي لطالما أفسد حأقوله .
ويلي! يا للفكرة المرعبة ؛ً كاد يرتشف الحأساء الذي صنعه الحأيوان من امرأته العجوز المسكينة
.انتحأب بصوت مرتفع " يا إلهي ,يا إلهي ,يا إلهي ! ".
في هذه الظروف ,وغير بعيلد كان يعيش في نفس الجبل أرنب عجوز لطيف وودود .
سمع الرجقل العجوقز وهو يبكي و يتنهد فبدأ في الحأال ينظر ما هي القضية ,و ما إذا كان هناك ما
يستطيع فعله لمساعدة جاره .أخبره الرجل العجوز بكل ما جرى .حأين سمع الرنب القصة غضب
كثي ار من الغرير الشرير و المخادعا ,و طلب من الرجل العجوز أن يدعا له كل شيء وهو سيثأر
لموت زوجته .أخي ار تمت مواساة الم ازرعا ,و شكر الرنب ,مجفف ا دموعه ,على طيبته في القدوما
إليه في كربه .
عاد الرنب ,حأين رأى أن الم ازرعا أخذ يهدأ ,إلى بيته ليضع خططه لمعاقبة الغرير .
في اليوما التالي كان الطقس جميلا ,و خرج الرنب ليبحأثا عن الغرير .لما يكن يشاهد في
أي مكان في الغابة أو على سفح الجبل أو في الحأقول ,لذا ذهب الرنب إلى وكره ووجد الغرير
مختبئ ا هناك ,فقد كان الحأيوان خائف ا أن كيظتهقر نفسه منذ هرب من بيت الم ازرعا ,خشية غضب
الرجل العجوز .
صاح الرنب :
" لماذا أنت لست في الخارج في مثل هذا اليوما الجميل ؟ أخرج معي ,و سنذهب ونقطع العشب
فوق التلل مع ا " .
وافق الغرير عن طيب خاطر ,وهو ل يشك أبدا في أن الرنب كان صديقه ,أن يخرج معه مسرو ار
جدا ليهرب فقط من جوار الم ازرعا و وخوف ا من لقائه .سلك الرنب الطريق الذي يبعد أميالا عن
بيتيهما ,نحأو التلل حأيثا كان العشب ينمو طويلا و كثيفا وحألوا .بدأ كلهما بالعمل لقطع ما
يمكنهما حأمله إلى البيت ,لتخزينه من أجل طعامهما الشتوي .حأين قطع كسل كقيل ما أراد ربطاه في
حأزمتين و انطلقا باتجاه البيت يحأمل كسل حأزمته من العشب على ظهره .في هذه المرة ترك الرنب
الغرير يمضي أولا .
حأين قطعا جزءا من الطريق أخرج الرنب قطعة من الصوان وأخرى من الفولذ ,و ,أضرما النار
في حأزمة قشه ،صادما لهما فوق ظهر الغرير بينما كان يمشي في المقدمة .سمع الغرير صوت
اصطكاك الصوان,و سأل :
" ما تلك الضجة ,كراك ,كراك ,؟ "
27
أجاب الرنب " أوه ,لشيء ,أنا فقط قلت " كراك ,كراك " لن هذا الجبل يدعى الجبل
المطقطق " .
انتشرت النار سريعا في حأزمة العشب الجاف على ظهر الغرير .سأل الغرير ,وهو يسمع
طقطقة العشب المحأترق " ,ما ذاك ؟"
أجاب الرنب " و صلنا الن إلى الجبل المشتعل "
في هذه الثناء كانت الحأزمة قد احأترقت و احأترق كل الشعر الذي على ظهر الغرير.
الن عرف ماذا حأدثا من خلل رائحأة دخان العشب المحأترق .ركض الغرير ,وهو يصرخ بألما
بأسرعا ما أمكنه إلى حأفرته .تبعه الرنب ووجد ه ممدا على فراشه يئن من اللما .
قال الرنب " يا لك من رفيق سيء الحأظ ! ل أستطيع أن أتخيل كيف حأدثا هذا !
سأحأضر لك دوااء يشفي ظهرك بسرعة ! "
ب الغرير قد بدأ للتو .وتمنى أن يموت
مضى الرنب بعيدا مسرو ار ومبتسم ا معتقدا أن عقا ق
الغرير من أثر حأروقه ,لنه أحأقيس أن ل عقوبة يمكن أن تكون كافية للحأيوان ,الذي كان مذنبا بقتل
امرأة عجوز مسكينة ل حأيلة لها وثقت به .ذهب إلى البيت وصنع مرهما بمزج بعض مرق التوابل
و الفلفل الحأمر مع ا .
حأمل هذا إلى الغرير ,لكنه قبل وضعه أخبره أنه ربما يسبب له ألم ا شديدا ,لكنه ينبغي أن
ب للحأروق وكذا جروح .شكره الغرير و رجاه أن يطبقه حأالا .لكن
يحأتمله بصبر ,لنه دواسء عجي س
ليس هناك لغة يمكن أن تصف ألقما الغرير حأالما تما إلصاق الفلفل الحأمر فوق ظهره المتقرح .
تدحأرج مرات و مرات و عوى بصوت عالل .شعر الرنب وهو ينظر إليه ,أنه قد شرعا بالنتقاما
لزوجة الم ازرعا .
كان قد مضى على الغرير في الفراش حأوالي شهر ؛ً لكن حأروقه أخي ار ,ورغما تطبيق الفلفل
الحأمر ,شفيت و اندملت .حأين رأى الرنب أن الغرير آخذ بالتحأسن ,فكر بخطة أخرى يستطيع
من خللها تحأقيق موت المخلوق .لذا فقد مضى في أحأد الياما ليعود الغرير ويهنئه على شفائه.
خلل الحأديثا ذكر الرنب أنه سيذهب لصيد السمك ,وشرح كما هو ممتع صيد السمك
حأين يكون الطقس جميلا و البحأر هادئ ا .
أصغى الغرير بسرور إلى وصف الرنب للطريقة التي يمضي فيها وقته الن ,و نسي كل
آلمه و مرضه طيلة شهر ,و فكر كما سيكون مسلي ا لو أنه يستطيع أن يذهب هو أيض ا لصيد
السمك ؛ً لهذا طلب من الرنب أن يصطحأبه حأين يذهب إلى صيد السمك في المرة القادمة .هذا
بالضبط ما كان يريده الرنب ,لذا وافق .
28
ثما مضى إلى البيت و بنى زورقين ,واحأدا من الخشب و الخر من صلصال .أخي ار
كأنج از كلهما ,و حأالما و قف الرنب و نظر إلى عمله شعر بأن كل تعبه سيكافأ إن نجحأت خطته,
و استطاعا أن يدبر لقتل الغرير الشرير الن .
جاء اليوما الذي رتب الرنب أن يأخذ فيه الغرير لصيد السمك .احأتفظ بالزورق الخشبي
لنفسه و أعطى الغرير الزورق الصلصالي .ابتهج الغرير ,الذي ل يعرف شيئ ا عن الزوارق بزورقه
الجديد و فكر كما هو لطف من الرنب أن يعطيه إياه .ركب كلهما في زورقيهما و انطلقا بعد
المضي مسافة قليلة من الشاطئ اقترح الرنب أن يجربا زورقيهما و يريا أيهما يستطيع أن يبحأر
أسرعا .تورط الغرير بالقتراح ,وبدأ كل منها يعمل على أن يجذف بأسرعا ما يستطيع لبعض الوقت .
في منتصف السباق وجد الغرير زورقه يتبعثر إلى كسلر ,لن الماء في هذه الحأالة بدأ يلصين
الصلصال صرخ بخوف كبير للرنب كي يساعده .لكن الرنب أجاب أنه كان يثأر لمقتل المرأة
العجوز وأن هذا كان قصده طوال الوقت ,و أنه سعيد لنه يظن أن الغرير لقى أخي ار ما يستحأقه
على كل جرائمه الشريرة ,و أنه سيغرق دون أن يساعده أحأد .ثما رفع مجذافه وضرب الغرير بكل
قوته حأتى سقط مع الزورق الطيني الغارق ولما يعد كيشاقهكد أبداا.
هكذا وفى أخي ار بوعده للم ازرعا العجوز .استدار الرنب في هذه الثناء و جلذف نحأو
الشاطئ ,بعد أن نزل إلى اليابسة و جلر زورقه نحأو الشاطئ ,أسرعا عائدا ليخبر الم ازرعا العجوز
بكل شيء ,وكيف أن عدوه الغرير قد قتل .
شكره الم ازرعا العجوز بالدموعا في عينيه .قال إنه حأتى الن ل يستطيع أن يناما ليلا أو يكون
بسلما نها ار ,وهو يفكر في أنه لما يثأر لموت زوجته ,لكنه من الن سيكون قاد ار على النوما و
الكل كما في السابق .توسل إلى الرنب أن يبقى معه و يشاركه بيته ,وهكذا من هذا اليوما مضى
الرنب ليمكثا مع الم ازرعا العجوز و عاش كلهما مع ا صديقين جيدين حأتى نهاية أيامهما.
29
في إحأدى المسيات الصيفية خرجت كي تتمشى في المروج بحأث ا عن النسائما الباردة التي
تهب في نهاية النهار و لتحأدق بسرور في السماء المضاءة بالنجوما فوقها .وفيما كانت تنظر إلى
نجما الشمال أطلق ,ويا للغرابة ,ومضات حأية من البرق قي كل اتجاه .بعد وقت قصير من هذا
جاء ابنها كوتيه إلى العالما .
ف والده المبراطور يوهي .نغصت فترة
بمرور الوقت نما كوتيه إلى مرحألة الرجولة و قخلق ق
حأكمه المبكرة بقوة من قبل المتمرد شييو .أراد هذا المتمرد أن يجعل نفسه ملك ا ,و كثيرة هي
المعارك التي خاضها لجل هذا الهدف .
كان شييو ساحأ ار شري ار ,رأسه مصنوعا من الحأديد ,وليس من رجل يستطيع أن يقهره.
أخي ار أعلن كوتيه الحأرب على المتمرد و قاد جيشه إلى المعركة ,و تقابل الجيشان في سهل
يدعى تاككوروكو .هاجما المبراطور العدو بشجاعة ,لكن الساحأر أنزل ضباب ا كثيف ا على ميدان
المعركة و بينما كان الجيش الملكي يهيما في فوضى ,محأاولا أن يكتشف طريقه ,انسحأب شييو مع
جنوده ,ضاحأكا من خداعه للجيش الملكي.
مهما كان جنود المبراطور أقوياء وشجعان ,فإن المتمرد كان يستطيع بسحأره دائما أن يفر
في النهاية .
عاد كوتيه إلى قصره ,و فكر و تأمل بعمق في كيفية قهر الساحأر ,لنه لما يقرر أن يستسلما
بعد .بعد وقت طويل اخترعا الشينانشا المزودة بتمثال رجل يشير دائم ا إلى الجنوب ,لنه لما تكن
هناك بوصلت في تلك الياما .بهذه الوسيلة التي تهديه السبيل لما يكن مضط ار لن يخشى
الضباب الكثيف المتراكما من الساحأر لرباك رجاله .
أعلن كوتيه الحأرب ثانية على شييو .وضع الشينانشا في مقدمة جيشه و شق طريقه إلى
ميدان المعركة .
بدأت المعركة بصورة جادة .كان المتمرد كيبدفقعك إلى الوراء من قبل الجنود الملكيين حأين لجأ
إلى السحأر ثانية ,و على إثر تلوته لبعض الكلمات الغريبة بصوت مرتفع ,حأل على الفوار ضباب
كثيف فوق ميدان المعركة.
لكن في هذه المرة لما يكترثا أي جندي للضباب ,و لما يرتبك أحأد .استطاعا كوتيه بالشارة
إلى الشينانشا أن يجد طريقه ووجه جيشه دون أدنى خطأ .وطارد الجيش المتمرد حأثيث ا و صدهما
إلى الخلف حأتى جاؤوا إلى نهر كبير .كان هذا النهر الذي وجده كوتيه و رجاله طافحأ ا بالفيضانات
ويستحأيل عبوره .
عبر شييو بسرعة ,مستعملا فنه في السحأر ,مع جيشه و أغلق على نفسه قلعة على
الضفة المقابلة.
30
حأين وجد كوتيه أن مسيرة فشل انفعل من خيبة المل ,لنه كان قد أوشك على هزيمة المتمرد حأين
أوقفه النهر.
لما يستطع أن يفعل شيئا ,لنه لما تكن هناك زوارق في تلك الياما ,لذا أمر المبراطور أن
تنصب خيمته في أجمل بقعة يتيحأها المكان.
في أحأد الياما خرج من خيمته و بعد التجول لمدة قصيرة وصل إلى بركة .هنا جلس على
الضفة وغرق في تفكير .
كان الوقت خريفا .كانت الشجار النامية على طول حأافة الماء تطرح أوراقها ,التي
كانت تطفو هنا وهناك على سطح البركة .و الشيء بالشيء يذكر ,التفت انتباه كوتيه إلى
عنكبوت على حأافة الماء .كانت الحأشرة الصغيرة تحأاول أن تصعد إلى واحأدة من الوراق الطافية
القريبة .فعلت ذلك أخي ار وصارت بعد قليل طافية فوق الماء إلى الجانب الخر للبركة.
هذا الحأادثا البسيط جعل المبراطور الذي يفكر أنه يمكن أن يحأاول أن يصنع شيئ ا ما
يستطيع أن يحأمله و رجاله فوق النهر بنفس الطريقة التي حأملت فيه الورقة العنكبوت .بدأ يعمل
وواظب حأتى ابتكر أول زورق .
حأين وجد أنه كان عملا ناجحأ ا رتب رجاله لصنع المزيد ,و بمرور الوقت صار هناك ما يكفي من
الزوارق لكل الجيش .
في هذه الثناء أخذ كوتيه جيشه عبر النهر ,و هاجما مراكز قيادة شييو .أحأرز نص ار
ل.
تاماا ,وهكذا و ضع نهاية للحأرب التي أقلقت بلده زمنا طوي ا
لما يهدأ هذا المبراطور الحأكيما والطيب حأتى ضمن السلما والزدهار في كل بلده .كان محأبوبا من
رعيته ,الذين استمتعوا بسعادتهما بالسلما لسنوات طويلة تحأت حأكمه .وأمضى قسط ا واف ار من وقته
في صنع الختراعات التي تنفع شعبه ,و قد نجح في الكثير منها إضافة إلى الزورق و الشينانشا
المشيرة إلى الجنوب .
كان قد حأكما حأوالي مائة عاما حأين شاهد كوتيه في أحأد الياما بينما كان ينظر نحأو العلى ,
أن السماء صارت حأمراء فجأة ,و جاء شيء ما يبرق مثل الذهب نحأو الرض .حأين اقترب أكثر
رأى كوتيه أنه كان تنين ا عظيم ا .اقترب التنين و حأنى رأسه أماما المبراطور .فزعت المبراطورة و
رجال الحأاشية بحأيثا ركضوا بعيدا وهما يصرخون .
لكن المبراطور ابتسما فقط و صاح بهما أن يتوقفوا ,وقال :
" ل تخافوا .هذا رسول من السماء .وقتي هنا قد انتهى ! " ثما صعد التنين ,الذي بدأ
يرتفع نحأو السماء .
حأين رأت المبراطورة و رجال الحأاشية هذا بكوا مع ا :
31
" انتظر لحأظة ! نحأن نود أن نأتي أيض ا " .و ركضوا جميع ا و أمسكوا بلحأية التنين و
حأاولوا أن يعتلوه .
لكنه كان من المستحأيل على هذا القدر الزائد من الناس أن يركبوا فوق التنين .تعلق العديد
عا الشعقر فسقطوا على الرض.
منهما بلحأية المخلوق بحأيثا أنه حأين حأاول أن يصعد انتز ق
في هذه الثناء كأجلست المبراطورة و العديد من رجال الحأاشية بأمان على ظهر التنين .
طار التنين عالي ا في السماوات إلى درجة زائدة بحأيثا أن نزلء القصر الذين كتركوا خائبين لما يعودوا
يرونهما بعد وقت قصير .
بعد مدة من الزمن سقط قوس وسهما إلى الرض في باحأة القصر .تما التعرف على أنهما
يخصان المبراطور كوتيه .أخذهما رجال الحأاشية و احأتفظوا بهما في القصر كبقايا مقدسة.
32
وخلف ا لغيره من الولد ،نما كنتارو سريع ا في أدغال الجبل وحأيدا ,و بما أنه ل رفاق له فقد
صادق كل الحأيوانات و تعلما أن يفهمها و يتكلما كلمها الغريب .بالتدريج صارت كلها أليفة تماما و
صارت تنظر إلى كنتارو كسيد لها ,فكان يستعملها كخدما ورسل له .لكن أتباعه المخصوصين
كانوا الردبة ,و اليل ,و السعدان ,والرنب .
كانت الدبة غالب ا ما تكحأضر جراءها لكنتارو ليمرح معها و حأين تأتي لتأخذها إلى البيت
يجلس كنتارو على ظهرها و يقوما برحألة إلى كهفها .وأغرما أيض ا باليل ,وغالب ا ما كان يضع
ذراعيه حأول عنق الحأيوان ليدلل على أن قرونه الطويلة كثي ار ل تخيفه .كان اللهو الذين كانوا
يحأصلون عليه معا عظيما.
في أحأد الياما صعد كنتارو إلى الجبال ،كما جرت العادة ،تتبعه الدبة ,واليل ,و السعدان
ق جبلل و أسفتل والد وعلى طرق قاسية ,وصلوا فجأة إلى ,و الرنب .بعد المشي مدة من الزمن فو ق
سهل عريض و معشب مغطى بالزهور البرية الجميلة .
هنا ,حأقا ,كان المكان جميلا حأيثا يمكنهما جميعا أن يلهوا معا جيدا .حأك اليل قرنيه
على شجرة للمتعة ,و حأك السعدان ظهره ,وملس الرنب أذنيه الطويلتين ,وأصدرت الدبة صوتا
يدل على الرضى .
قال كنتارو " :هاهنا مكان من أجل لعبة جيدة .ما تقولون جميع ا في مباراة في المصارعة
؟"
أجابت الدبة ,كونها الكبر حأجما و الكبر سنا ,من الجميع فقالت :
" سيكون ذاك لهوا عظيما ,أنا الحأيوان القوى ,لذا فسأصنع منصة للمتصارعين"؛ً وبدأت
تعمل برغبة لحأفر الرض وتربيتها لتأخذ شكلا .
قال كنتارو " :حأسن سأنظر إليكما و أنتما تتصارعون مع بعضكما بعض ا .وسأمنح جائزة
لمن يكسب في كل جولة " .
قالت الدبة " :ياله من لهو ! سنحأاول جميعا أن نحأصل على الجائزة " ,
شرعا اليل ,و السعدان و الرنب بالعمل لمساعدة الدبة في إقامة المنصة التي كان عليهما
جميع ا أن يتصارعوا فوقها .حأين انتهى هذا ,صاح كنتارو :
ابدؤوا الن ! سيفتتح السعدان والرنب الرياضة و سيكون اليل حأكم ا .الن ,يا سيد أيل ستكون
ت الحأكما ! "
أن ق
أجاب اليل " :تهي ,تهي ! سأكون الحأكما .الن يا سيد سعدان و يا سيد أرنب ,إذا كنتما
جاهزين كليكما ,فامشيا وقفا على المنصة " .
ثما وثب السعدان و الرنب كلهما ,بسرعة وبرشاقة ,إلى منصة المصارعة .كحأكما ,وقف
اليل بين الثنين و نادى :
33
" يا ذا الخلفية الحأمراء ! يا ذا الخلفية الحأمراء ! " )هذا هو السعدان ,الذي له خلفية حأمراء في
اليابان(.
" هل أنت جاهز ؟ "
ثما التفت إلى الرنب :
" يا ذا الذنين الطويلتين ! يا ذا الذنين الطويلتين ! هل أنت جاهز ؟ "
واجه كل المصارعين الصغيرين أحأدهما الخر .بينما رفع اليل عالي ا ورقةا كإشارة .حأين
أنزل الورقة اندفع السعدان و الرنب أحأدهما إلى الخر ,صائحأين " يويشو ,يويشو ! "
بينما كان السعدان و الرنب يتصارعان ,كان اليل يصيح مشجعا أو يصرخ بالتحأذيرات
لكليهما كلما دفع الرنب أو السعدان أحأدهما الخر قرب حأافة المنصة و كانا على خطر من
السقوط .
نادى اليل " :يا ذا الخلفية الحأمراء ! اصمد في أرضك ! "
زمجرت الدبة " :يا ذا الذنين الطويلتين ! يا ذا الذنين الطويلتين ! كن قويا ,كن قويا ـ ل
تدعا السعدان يهزمك ! "
هكذا حأاول السعدان والرنب ,يشجعهما صديقاهما ,أن يهزما أحأدهما الخر باذلين أقصى
ما عندهما .أخي ار كسب الرنب السعدان .بدا السعدان وكأنه يتعثر ,و أرسله الرنب دافع ا له
دفعة جيدة ,طائ ار من على المنصة بوثبة .
جلس السعدان المسكين يهرش خلفيته ,وكان وجهه طويلا كثي ار بينما كان يصرخ بغضب "
أوه ,أوه ! كما تؤلمني خلفيتي ـ خلفيتي تؤلمني ! "
قال اليل ,وهو يرى السعدان في هذه الحأالة على الرض ,رافع ا ورقته عالي ا :
" انتهت هذه الجولة ـ فاز الرنب " .
ثما فتح كنتارو صندوق غذائه و أخرج زلبية أرز ,قدمها للرنب قائلا :
" هاهي ذي جائزتك ,ولقد ربحأتها بجدارة ! "
نهض الن السعدان وقد بدا منزعجا كثي ار ,وكما يقولون في اليابان " وقفت معدته ",لنه
شعر أنه لما يهزما بنزاهة .لذا فقد قال لكنتارو و الخرين الذين كانوا واقفين على مقربة:
" أنا لما أهزما بل زلت قدمي وتعثرت .أرجوكما أعطوني فرصة ثانية و دعوا الرنب
يصارعني جولة أخرى " .
بعد موافقة كنتارو ,بدأ الرنب و السعدان يتصارعان ثانية .الن ,وكما يعرف الجميع ,
السعدان حأيوان ماكر بطبيعتة ,لذا قرر أن ينال أقصى ما يمكنه من الرنب هذه المرة إن استطاعا .
وظن أن أفضل وأضمن طريقة لكي ينجز هذا ,ستكون بأن يمسك بإحأدى أذني الرنب الطويلتين .
سريع ا ما تدبر أمره ليفعل هذا .جرد الرنب تمام ا من دفاعه من ألما جذب أذنه بصورة قاسية زيادة
34
عن الحأد ,و أمسك السعدان ,متشبث ا بفرصة أخي ار ,أمسك واحأدة من أرجل الرنب و أرسله ممدا
إلى وسط المنصة .السعدان هو الن المنتصر فاستلما من كنتارو زلبية الرز ,التي أسعدته كثي ار
بحأيثا نسي تماما خلفيته المتقرحأة .
صعد اليل الن وسأل الرنب ما إذا كان يشعر بالستعداد لجولة أخرى ,و إن كان كذلك
فهل سيجرب جولة معه ,ووقفا وقد وافق الرنب ليتصارعا .تقدمت الدبة كحأكما.
اليل بقرنين طويلين و الرنب بأذنين طويلتين ,ل بد أنه كان منظ ار ممتع ا لولئك الذين
كانوا يراقبون هذه المباراة الغريبة ,فجأة نزل اليل على واحأدة من ركبتيه ,و أعلنته الدبة ـ رافعة
الورقة عاليا مهزوما .بهذه الطريقة ,أحأيانا يغلب الول ,وأحأيانا الثاني ,تمتعت المجموعة
الصغيرة إلى أن تعبت .
أخي ار نهض كنتارو و قال :
" هذا يكفي لهذا اليوما .يا له من مكان جميل وجدناه للمصارعة ؛ً دعونا نأتي غدا ثانية .
الن ,سنذهب جميعا إلى البيت .هيا بنا ! " سلك كنتارو الطريق قائلا هذا ,بينما تبعته الحأيوانات
.
بعد المسير مسافة قصيرة وصلوا إلى ضفاف نهر يتدفق خلل والد .وقف كنتارو و
أصدقاؤه الربعة المكسوون بالفراء و بحأثوا حأولهما عن وسيلة للعبور .لما يكن هناك ثمة جسر .
كان النهر يندفع في طريقه " دن ,دن " .بدت كل الحأيوانات متجهمة ,تتساءل كيف يمكنها عبور
الجدول و الوصول إلى البيت في ذلك المساء .
قال كنتارو على أي حأال:
" انتظروا لحأظة .سأصنع لكما جميع ا جس ار .جيدا في بضع دقائق " .
نظرت الدبة ,و اليل ,و السعدان و الرنب إليه لترى ماذا سيفعل الن .
مضى كنتارو من شجرة من الشجار التي كانت تنمو على طول الضفة إلى أخرى .أخي ار و قف
أماما شجرة كبيرة جدا كانت تنمو على حأافة الماء .تناول الجذعا و سحأبه بكل قوته ,مرة ,اثنتين,
ثلثة ! في المرة الثالثة ,كانت قوة كنتارو عظيمة زيادة بحأيثا أن الجذور انهارت ,و " مري ,مري
" ) طاخ ,طاخ ( ,سقطت الشجرة ,مشكلة جس ار ممتا از عبر الجدول .
قال " :هو ذا ,ماذا تظنون في جسري ؟ إنه آمن تمام ا ,لذا اتبعوني " ,و مشى عبره أول
.
تبعته الحأيوانات الربعة .فهي لما تقر من قبل أحأدا بمثل قوته أبداا ,وصاحأت جميعا متعجبةا :
" كما هو قوي ! كما هو قوي ! "
بينما كان كل هذا يجري ,رأى حأطاب قرب النهر تصادف أنه كان واقف ا على صخرة
مشرفة على الجدول ,رأى كل ذاك الذي مر أسفل منه .راقب بدهشة كبيرة كنتارو و رفاقه
35
الحأيوانات .حأين رأى هذا الولد يسحأب شجرة من جذورها و يلقيها عبر الجدول ليشكل جس ار فرك
عينيه ليتأكد من أنه لما يكن يحألما.
دهش الحأطاب ,هكذا بدا كما أوحأت ثيابه ,دهش بكل ما رأى ,وقال لنفسه :
" ليس هذا طفلا عادي ا .ابن قمبن تكراه يكون ؟ سأكتشف قبل أن يمضي هذا اليوما " .
أسرعا في إثر الفريق الغريب و عبر الجسر وراءهما .لما يعرف كنتارو شيئ ا عن كل هذا ,و
لما يدر في خلده أن أقثققرهك كيقتفى .عند الوصول إلى الجانب الخر من النهر تفرق هو و الحأيوانات ,
هي إلى ملجئها في الغابة و هو إلى أمه ,التي كانت تنتظره .
وما إن دخل الكوخ ,الذي انتصب مثل علبة ثقاب في قلب غابة ,حأتى ذهب ليحأيي أمه ,
قائلا :
" أوكاسان )ماما( ,ها أنا ذا ! "
قالت أمه بابتسامة مشرقة ,مسرورة برؤية ولدها في البيت سالم ا بعد اليوما الطويل " :أو,
كيمبو!
" كما تأخرت هذا اليوما ! لقد خشيت أن يكون قد أصابك مكروه .أين كنت كل هذا الوقت ؟ "
" أخذت أصدقائي الربعة ,الدبة ,واليل ,و السعدان ,و الرنب إلى التلل ,وهناك
جعلتهما يجربون مباراة مصارعة ,لرى من كان القوى .استمتعنا جميع ا بالرياضة ,و سنذهب
إلى نفس المكان غدا لنجري مباراة أخرى " .
سألت أمه ,متظاهرة بأنها ل تعرف " من هو أقوى الجميع ؟ "
قال كنتارو " :أوه ,يا أمي ,أل تعرفين أنني القوى ؟ ل حأاجة لي لن أتصارعا مع أي منهما
".
" لكن من هو القوى ,بعدك ؟ "
أجاب كنتارو " :الدبة تأتي بعدي في القوة " ,
و سألت أمه ثانية " :وبعد الدبة ؟ "
قال كنتارو " :ليس من السهل أن نقول من القوى بعد الدبة ,لن اليل ,و السعدان ,و
الرنب يبدون جميع ا مثل بعضهما في القوة " ,
فجأة أجفل كنتارو و أمه بسبب صوت من الخارج
" أصغ إلي ,أيها الولد الصغير ! حأين تذهب في المرة القادمة ,خذ هذا العجوز معك إلى
مباراة المصارعة .إنه يحأب أن ينضما للرياضة أيضا ! "
كان هذا الحأطاب العجوز الذي اقتفى أثر كنتارو من النهر .خلع كقبقاقبيه و دخل الكوخ .
أخذت المفاجأة ياما ـ أوبا وولدها مع ا .نظ ار إلى الطفيلي بدهشة ,و رأيا أنه كان شخص ا لما يرياه
من قبل أبدا .
36
فسأل متعجبين " :من أنت ؟ "
عندئذ ضحأك الحأطاب وقال :
" ل يهما من أكون الن ,لكن دعونا نرى من يملك الذراعا القوى ـ هذا الولد أما أنا ؟"
ثما أجاب كنتارو ,الذي عاش كل حأياته في الغابة ,الرجل العجوز دون أية لباقة ,قائلا :
" سنجري محأاولة إذا كنت ترغب فيها ,لكن عليك أل تغضب أي ا كان المهزوما " .
ثما مد كنتارو و الحأطاب مع ا ذراعيهما اليمنين و أمسك كل منهما بيد الخر .
تصارعا كنتارو و الرجل العجوز بهذه الطريقة لمدة طويلة ,كل يحأاول أن يثني ذراعا الخر ,
لكن الرجل العجوز كان قويا كثي ار ,وكان الزوجان الغريبان متكافئان على نحأو متعادل .أخي ار
استنكف الرجل العجوز ,معلن ا " لعبة مسحأوبة "
قال الحأطاب " :أنت ,حأق ا ,طفل قوي كثي ار .هناك قلة من الرجال الذين يستطيعون أن
يباهوا بقوة ذراعي اليمن! رأيتك أولا على ضفاف النهر منذ بضع ساعات ,حأين اقتلعت تلك
الشجرة الكبيرة لتصنع جس ار عبر السيل .ولنني لما أستطع أن أصدق ما رأيت تبعتك إلى البيت .
إن قوة ذراعك ,التي اختبرتها توا ,تدلل على ما رأيته هذا العصر .حأين يكتمل نموك ستكون
بالتأكيد أقوى رجل في كل اليابان .من المؤسف أنك تختفي بعيدا في هذه الجبال الموحأشة".
ثما التفت إلى أما كنتارو :
" وأنت ,أيها الما ,ألما تفكري بأخذ طفلك إلى العاصمة ,و تعليمه أن يحأمل سيف ا كما يليق
بساموراي ) فارس ياباني ( ؟ "
أجابت الما :أنت لطيف جدا لنك اهتممت بولدي اهتماما كبي ار هكذا ؛ً لكنه كما ترى
وحأشلي و غير مثقف ,و أخشى أنه سيكون صعب ا كثي ار أن أفعل كما تقول .لقوته العظيمة كطفل
أخفيته بعيدا في هذا الجزء المجهول من الريف ,لنه كان يؤذي كل من يقترب منه .ولققكبما رغبت
لو أقدر ,في يوما من الياما ,أن أرى ولدي فارس ا يحأمل سيفين ,لكن وبما أننا ليس لنا أصدقاء ذوو
نفوذ يقدموننا في العاصمة ,لذا أشعر بأن أملي لن يتحأقق أبدا " .
" ل حأاجة لن تزعجي نفسك بذلك .أصدقك القول أنا لست حأطابا ! أنا أحأد جنرالت
اليابان الكبار .اسمي ساداميتسو ,و أنا تابع السيد القوي ميناموتو ـ نو ـ رايكو .أمرني أن أتجول
في الريف و أبحأثا عن أولد يبشرون بقوة لفتة ,بحأيثا يمكن تدريبهما كجنود لجيشه .اعتقدت أنني
أفعل هذا على نحأو أفضل بتنكري على هيئة حأطاب .هكذا لحأسن الحأظ ,صادفت ولدك .الن ,
إذا كنت حأقا ترغبين في أن يكون سامورايا ) فارسا ( ,فسآخذه و أقدمه إلى السيد رايكو كمرشح
لخدمته .فما تقولين في هذا ؟
حأين كشف الجنرال بالتدريج عن خطته امتل قلب الما بابتهاج عظيما .لقد رأت أن هناك
فرصة مدهشة لن تتحأقق أمنية من أمنيات حأياتها ـ في أن ترى كنتارو ساموراي ا
37
قبل أن تموت .
أجابت ,وقد حأنت رأسها إلى الرض :
" إذن سأأتمنك على ولدي إذا كنت تعني ما تقول " .
كان كنتارو طوال هذا الوقت جالس ا بجانب أمه مصغي ا إلى ما قيل .حأين أنهت أمه الكلما
,هتف :
" أوه ,يا للسرور ,يا للسرور! علي أن أذهب مع الجنرال و سأصبح يوم ا ما ساموراي ! "
هكذا حأسما مصير كنتارو ,وقرر الجنرال أن ينطلق إلى العاصمة فو ار ,آخذا كنتارو معه
.
ليس من دالعا لن يقال إن ياما ـ أوبا كانت حأزينة على فراق ولدها ,لنه كان كل ما تبقى لها .
لكنها أخفت حأزنها بوجه قوي ,كما يقولون في اليابان .علمت أن من مصلحأة ولدها أن يتركها
الن ,و أنه ليس عليها تثبط همته إبان انطلقه .
وعد كنتارو بأل ينساها أبدا ,وقال إنه سيبني لها بيتا ,حأالما يصبح فارساق يحأمل سيفين ,و يعتني
بها في شيخوختها .
حأضرت كل الحأيوانات ,التي روضها لتخدمه ,الدبة ,و اليل ,والسعدان ,و الرنب ,
حأالما وجدت أنه ذاهب إلى البعيد ,لتسأل إذا كان بإمكانها أن تخدمه كالمعتاد .حأين عرفت أنه
ذاهب بعيدا من أجل الخيرتبعته إلى سفح الجبل لتنظر إليه وهو يرحأل .
قالت أمه " :يا كيمبو ,انتبه وكن ولدا جيدا " .
قالت الحأيوانات المخلصة " :يا سيد كنتارو نتمنى لك صحأة جيدة في أسفارك " .
ثما تسلقت جميع ا شجرة لتودعه ,ومن ذاك الرتفاعا راقبته و صار خياله يصغر و يصغر ,
حأتى غاب عن البصر .
تابع الجنرال ساداميتسو طريقه مبتهج ا لكتشافه أعجوبة مثل كنتارو على نحأو غير متوقع
تماماا.
وعند وصولهما إلى مقصدهما أخذ الجنرال كنتارو فو اقر إلى سيده ,ميناتو ـ نو ـ رايكو ,و
أخبره بكل شيء عن كنتارو وكيف أنه اكتشف الطفل .سر السيد رايكو بالقصة ,وأمر أن يحأضر
إليه كنتارو ,وجعله واحأدا من أتباعه فو ار .
كان جيش السيد رايكو مشهو ار بزمرته التي تدعى " الشجعان الربعة " .اختير هؤلء
المحأاربين من قبله من بين الشجع و القوى من جنوده ,وتميزت الزمرة الصغيرة المنتقاة بعناية
عبر كل اليابان بشجاعة رجالها التي ل تعرف الخوف .
حأين كبر كنتارو ليصبح رجلا جعله سيده رئيس ا للشجعان الربعة .لقد كان أقوى الجميع بما
ل يقاس .بعد وقت قصير من هذا الحأدثا ,حأملت الخبار إلى المدينة بأن وحأش ا آكلا للحأوما البشر
38
اتخذ مسكنه غير بعيلد و أن الناس صعقوا من الخوف .أمر السيد رايكو كنتارو للنجدة .انطلق
على الفور ,مبتهجا لتوقع تجريب سيفه .
قاما ،مفاجئا الوحأش في عرينه ،بعمل مختصر باجتثاثا رأسه الكبير ,الذي حأمله عائدا
منتص ار إلى سيده.
ارتفع كنتارو ليصبح أعظما بطل في بلده ,وعظيمة القوة و الشرف و الثروة التي أتته .
وفى الن بوعده وبنى بيت ا مريحأ ا لمه العجوز ,التي عاشت سعيدة معه في العاصمة حأتى آخر
أيامها .
أليست هذه قصة بطل عظيما ؟
39
لسنوات عديدة مضت عاش في نا ار , 1العاصمة القديمة لليابان ,وزير دولة حأكيما ,باسما
تويوناري فوجيوا ار .كانت زوجته امرأة نبيلة ,و طيبة ,وجميلة تدعى الميرة موراساكي ) البنفسجة
( .تزوجا عن طريق أسرتيهما بحأسب التقليد الياباني حأين كانا صغيرين جدا ,وعاشا معا بسعادة
منذ ذلك الحأين .كان لديهما على أية حأال ,سبب لحأزن عظيما ,لنه فيما كانت السنون تمضي فإنه
لما يولد لهما طفل .جعلهما هذا المر حأزينين كثي ارا ,لن كلا منهما كان يتمنى أن يرى طفلا لهما
يكبر كي يسعد شيخوختهما ,يحأمل اسما السرة ,و يحأفظ طقوس الجداد حأين يموتا .قرر المير
وزوجته المحأبوبة ,بعد طول تشاولر و تفكيلر مللي ,أن يحأيجا إلى معبد هاسه ـ نو ـ كوانون ) إلهة
الرحأمة في هاسه ( ,لنهما كانا يؤمنان ,بحأسب التقليد الجميل لدينهما ,أن أما الرحأمة ,كوانون ,
تأتي لتلبية دعوات الناس بأفضل صورة يحأتاجونها .بالتأكيد بعد كل هذه السنوات من الصلة فإنها
ستأتي إليهما على هيئة طفل محأبوب جواب ا على حأجهما ,لن ذاك أعظما لحأياتهما .لقد حأا از كل ما
استطاعت هذه الحأياة أن تمنحأهما ,لكن كل ذلك كان كل شيء لن نداقء قلبيهما لما كيستجب .
لذا فإن المير تويوناري و زوجته ذهبا إلى معبد كوالنون في هاسه و مكثا هناك مدةا طويلة
,يقدمان البخور يوميا و يصليان لكوالنون ,الما السماوية ,لتمنحأهما أمنية كل حأياتيهما .و أجيبت
صلتهما .
أخيرا ولدت للميرة موراساكي ابنة ,و كان ابتهاج قلبها عظيماا .لدى تقديما الطفلة لزوجها
قر ار مع ا أن يدعواها هاسه ـ هيمه ,أو أميرة هاسه ,لنها كانت هدية من كوالنون في ذلك المكان .
ربياها معا بعناية وحأنان كبيرين ,و كبرت الطفلة قوية وجميلة.
حأين بلغت البنت الصغيرة في الخامسة من عمرها مرضت أمها بصورة خطيرة و لما
يستطع كل الطباء و الدوية أن تنقذها .وقبل أن تلفظ نفسها الخير نادت ابنتها إليها ,و قالت ,
وهي تمسح رأسها بلطف :
" هاسه ـ هيمه ,أتعلمين أن أمك لن تستطيع العيش أكثر ؟ مع أني أموت ,فإن عليك أن
تنشئي فتاة طيبة .ابذلي جهدك لئل تسببي إزعاجا لمربيتك أو لحأد من أسرتك .
لعل أباك أن يتزوج ثانية و تحأل أخرى مكاني كأما لك .فإذا كان هذا فل تحأزني علي ،إوانما اعتبري
زوجة أبيك الثانية أم ا حأقيقية لك ،و كوني مطيعة و بارة بها و بأبيك مع ا .
تذكري حأين تكبرين أن تكوني مطيعة لمن هما أرفعك منك ,و أن تكوني لطيفة مع كل أولئك الذين هما
دونك .ل تنسي هذا .أموت على أمل أنك ستكونين امرأة نموذجية " .
أصغت هاسه ـ هيمه في موقف احأتراما بينما كانت أمها تتكلما ,ووعدت أن تقوقما بكل ما قيل
لها .ثمة مثل يقول " كما تكون الروح في سن الثالثة تكون في سن المائة " وهكذا كبرت هاسه ـ
40
هيمه كما أرادت لها أمها ,أميرة طيبة مطيعة صغيرة ,مع أنها كانت في ذلك الحأين أصغر من أن
تفهما كما كان فقبقكد أصمها عظيماا.
تزوج المير تويوناري ثانية ,بعد وقت قصير من موت زوجته الولى ,سيدة ذات أصل
نبيل تسمى الميرة تيروته .كانت مختلفة كثي ار في الشخصية ,مع السف! عن الميرة و الحأكيمة
ب قا ل
س ,سيئ فلما تحأب ابنة زوجها إطلق ا ,تقول في نفسها : موراساكي ,فقد كان لهذه المرأة قل س
" إنها ليست طفلتي ! إنها ليست طفلتي ! "
لكن هاسه تحأملت كل فظاظة بصبر ,بل إنها خدمت خالتها بلطف و أطاعتها بكل طريقة و لما
تتسبب بأي إزعاج ,كما ربتها أمها الطيبة ,بحأيثا أن السيدة تيروته لما يكن لديها سبب لتشتكي
منها .
كانت الميرة الصغيرة مجتهدة كثي ار ,وكان موضوعاها المفضلن الموسيقى و الشعر .
كانت تمضي ساعات عديدة وهي تتمرن كل يوما ,و أحأضر أبوها أبرعا الساتذة الذين استطاعا أن
يجدهما ليعلموها الكوتو ) القيثارة اليابانية ( ,و فن كتابة الرسائل و الشعر .حأين كانت في السنة
الثانية عشرة من العمر كانت تستطيع أن تعزف بجمال فائق بحأيثا أنها و أمها كانتا تستدعيان إلى
القصر لتعتزفا أماما المبراطور.
إنه مهرجان أزهار الكرز ,و كانت هناك أعياد عظيمة في البلط .ألقى المبراطور بنفسه
في متعة الفصل ,و أمر أن على الميرة هاسه أن تعزف أمامه على الكوتو ,و أن على أمها
تيروته أن ترافقها على الفلوت .
جلس المبراطور على منصة مرتفعة ,علقت أمامها ستارة من الخيزران المشرح بنعومة و
الرشيرابات الرجوانية ,بحأيثا يمكن لجللته أن يرى الجميع و دون أن يرى ,لنه ل كيسمح لنسان
عادي من الرعية أن ينظر إلى وجهه المقدس .
كانت هاسه عازفةا ماهرة مع أنها صغيرة جدا ,و كثي ار ما كدتهش أساتذتها بذاكرتها وموهبتها
.
في هذه المناسبة الهامة عزفت بصورة طيبة .لكن الميرة تيروته ,زوجة أبيها ,التي كانت امرأة
كسولة ل تزعج نفسها بالتدريب يومي ا ,فشلت في مرافقتها و كان عليها أن تطلب من واحأدة من
سيدات البلط أن تحأل محألها .كان هذا خزي ا عظيم ا ,وكان تفكيرها بأنها فشلت في حأين نجحأت
ابنة زوجها يجعلها تغار بصورة عنيفة؛ً وكي يزيد المبراطور الطين بتلةا أرسل الكثير من الهدايا
الجميلة إلى الميرة الصغيرة مكافأة لها على عزفها الجيد في القصر .
كان هناك الن سبب آخر كي تكره الميرة تيروته ابنة زوجها ,فقد نالت الحأظ الطيب بأن
يولد لها صبي ,وهي تواصل القول في صميما قلبها :
" لو لما تكن هاسه ـ هيمه موجودة ,لحأاز ولدي كل حأب أبيه " .
41
ولنها لما تتعلما أبدا كيف تضبط نفسها ,فقد سمحأت لهذه الفكرة الشريرة أن تنمو لتتحأول
إلى رغبة بغيضة بإزهاق حأياة ابنة زوجها .
لذا فقد أمرت في يوما من الياما ببعض السما و سممت شيئا من الشراب الحألو .وضعت
هذا الشراب المسموما في زجاجة .وصبت شراب ا جيدا في زجاجة أخرى مشابهة .كانت مناسبة
مهرجان الصبيان في الخامس من شهر أيار ,و كانت هاسه ـ هيمه تلعب مع أخيها الصغير .
كانت كل كدماهك من المحأاربين مبعثرة و هي تحأكي له قصص ا مدهشة عن كل واحأد منها .كانا
يتمتعان معا و يضحأكان بمرح مع خدمهما حأين دخلت أمه بزجاجتي الشراب وبعض الكعكات
اللذيذة .
قالت الميرة الشريرة تيروته بابتسامة :
" كلكما جيد و سعيد ,لذا فقد أحأضرت لكما بعض الشراب الحألو كمكافأة ـ وها هي بعض
الكعكات الجميلت لولدي ".
و ملت كوبين من زجاجتين مختلفتين .
تناولت هاسه ـ هيمه التي لما تحألما أبدا بالجزء الفظيع الذي كانت تنفذه زوجة أبيها ,تناولت
صي
ب من أجله . واحأدا من كوبي الخمر و أعطت لخيها الصغير الكوب الخر الذي ك
علمت المرأة الشريرة بعناية الزجاجة المسمومة ,و بدخولها إلى الغرفة توترت ,و لنها كانت تصب
الخمر بسرعة أعطت دون وعي منها الكوب المسموما إلى طفلها .كانت كل هذا الوقت تراقب بقلق
الميرة الصغيرة ,لكن ما أذهلها أن ل تغير أيا كان قد ط أر على وجه الفتاة الصغيرة .فجأة صرخ
الولد الصغير و ألقى بنفسه على الرض ,وهو يتلوى من اللما .طارت أمه إليه ,آخذة حأذرها كي
تريق زجاجتي الشراب الصغيرتين اللتين أتت بهما إلى الغرفة ,و انتشلته .اندفع الخدما إلى الطبيب
,لما يقدر شيسء أن ينقذ الطفل ـ فمات خلل ساعة بين ذراعي أمه.
لما يكن الطباء يعرفون الكثير في تلك الزمنة القديمة ,واعتبر أن الشراب لما يوافق الصبي ,
مسببا له تشنجات مات على أثرها.
هكذا عوقبت المرأة الشريرة بفقد طفلها حأين حأاولت أن تتخلص من ابنة زوجها ؛ً و لكنها
بدل من أن تلوما نفسها راحأت تكره هاسه ـ هيمه أكثر من ذي قبل بم اررة و سوء قلبها ,و تتحأين
الفرصة بشوق ,التي تأخرت لتؤذيها إلى أن سنحأت على أية حأال .
حأين كانت هاسه ـ هيمه في الثالثة عشرة من العمر ,صارت تعرف كشاعرة لها بعض
المزايا .كان هذا إنجازا كيشجع من النساء في اليابان القديمة ,و يحأوز احأتراما عاليا .
حأيل الفصل الماطر في نا ار ,وكل يوما كيبنققكل أن الفيضانات تسبب الدمار في الجوار .وأن
نهر تاتسوتا ,الذي كان يتدفق عبر أراضي القصر الملكي ,ارتفع إلى ذروة ضفتيه ,و أقلقت زمجرةك
ل ,بحأيثا كانت سيول الماء المندفعة على طول سريلر ضي ل
ق المبراطوقر أكثر من اللزما نها ار و لي ا
42
ي إلى كل المعابد البوذية يطلب من ت
الضطرابات العصبية الحأادة هي النتيجة .كأرسقل مرسوسما ملك س
الكهنة أن يقدموا صلوات دائمة للسماء لتسكت ضجة الفيضان .لكن هذا لما كيبجتد.
ثما كهمس في دوائر البلط أن الميرة هاسه ,ابنة المير تويوناري فوجيو ار ,الوزير الثاني
في البلط ,الشاعرة الكثر موهبة للعصر ,رغما أنها ما تزال صغيرة ,و أكد أساتذتها النبأ .في
الماضي البعيد ,أثارت شاعرة جميلة وموهوبة عذراء مشاعر السماء بالصلة شع ار ,أنزلت مط ار
ب سيرة الشاعرة أونو ـ نو ـ كوماتشي القدماء .
على أرض جاعت بسبب القحأط ـ هكذا قال ككلتا ك
فلو كتبت الميرة هاسه قصيدة و قدمتها في صلة .أل يمكنها أن توقف ضجيج النهر المتدفق و
تزيل سبب المرض الملكي ؟ ما قاله البلط وصل أخي اقر إلى آذان المبراطور نفسه ,و أرسل أم ار
إلى المير تويوناري لهذه الغاية .
ا كان خوف هاسه ـ هيمه و دهشتها عظيمين حأق ا حأين أرسل إليها والدها و أخبرها بما هو
مطلوب منها .
ثقيل ,حأقا ,كان الواجب الملقى على عاتقها الغض ـ أن تنقذ حأياة المبراطور بفضل شعرها .
أخي ار جاء اليوما و انتهت قصيدتها .كانت مكتوبة على كراسة من الورق منقطة بشكل
كثيف بغبار الذهب .
تقدمت مع أبيها و أتباعها و بعض موظفي البلط ,إلى ضفة السيل المزمجر و رافعة قلبها إلى
السماء ,قرأت القصيدة التي ألفتها ,بصوت جهوري ,رافعة إياها نحأو السماء بيديها كلتاهما.
بدا المر غريبا فعلا لكل أولئك الواقفين حأولها .فقد أوقفت المياه زمجرتها ,وهدأ النهر في
استجابة مباشرة لصلتها .بعد هذا بوقت قصير استعاد المبراطور عافيته .
كان جللته مسرو ار بدرجة بالغة ,و أرسل إليها إلى القصر و أنعما عليها برتبة تشينجو ـ و
تعني الفريق ـ ليميزها .منذ ذلك الوقت دعيت تشينجو ـ هيمه ,أو الميرة الفريق ,وكانت محأترمة و
محأبوبة من قبل الجميع .
ثمة شخص واحأد فقط لما يكن مسرو ار لنجاح هاسه ـ هيمه .كانت تلك هي زوجة أبيها .
تحألما أبدا بموت طفلها الذي قتلته لدى محأاولتها دس السما لبنة زوجها ,كان الخزي قد أحأاط بها
من رؤيتها ترتفع إلى القوة و الشرف ,مشمولة بالرعاية الملكية و إعجاب كل البلط .اشتعل
حأسدها وغيرتها في قلبها مثل نار .وعديدة كانت الكاذيب التي نقلتها إلى زوجها عن هاسه ـ هيمه
,لكن كل ذلك كان من غير طائل .فلما يكن ليصغي إلى أي من حأكاياتها ,قائلا لها بحأدة إنها
مخطئة تماما.
أخي ار أمرت زوجة الب ,منتهزة فرصة غياب زوجها ,واحأدا من خدمها القدماء أن يأخذ
الفتاة البريئة إلى جبال هيباري ,أكثر أجزاء البلد وحأشة ,و أن يقتلها هناك .لفقت قصة فظيعة عن
الميرة الصغيرة ,قائلة إنها الطريقة الوحأيدة لمنع الخزي من أن يحأل بالسرة ـ وذلك بقتلها .
43
كان ,خادمها ,كاتودا ملزم ا بأن يطيع سيدته .على أي حأال ,فقد وجد أن الخطة الكثر
حأكمة ربما تكون بأن يتظاهر بالطاعة في غياب والد الفتاة ,لذا فقد وضع هاسة -هيمة في محأفة
ورافقها إلى المكان الكثر عزلة والذي أمكنه أن يجده في المقاطعة البرية .علمت الطفلة المسكينة
أن ل فائدة من الحأتجاج لدى زوجة أبيها القاسية على إرسالها بعيدا بهذه الهيئة الغريبة ,لذا فقد
مضت كما قيل لها.
لكن الخادما العجوز كان يعلما أن الميرة الشابة كانت بريئة تمام ا من كل الشياء التي لفقتها
له زوجة الب كأسباب لوامرها الشنيعة ,وقرر أن ينقذ حأياتها .إنه على أي حأال لن يستطيع العودة
إلى سيدته القاسية ما لما يقتلها ,لذا فقد قرر أن يبقى في البرية .بنى بمساعدة بعض الفلحأين بعد
وقت قصير كوخ ا صغي ارا ,وأرسل لزوجته س ار كي تأتي ,قاما هذان العجوزان بكل ما في وسعهما
ليعتنيا بالميرة التعيسة .الن كانت كل الوقت تثق بأبيها ,عالمة أنه حأالما يعود إلى البيت ويجدها
غائبة ,فإنه سيبحأثا عنها.
عاد المير تيوناري ,بعد بضعة أسابيع إلى البيت ,وأحأيط علما من قبل زوجته أن ابنته
هاسة-هيمة قد فعلت إثما وهربت خوف العقاب .فكاد يمرض من النزعاج .روى كل واحأد في
القصر القصة ذاتها – أن هاسة – هيمة اختفت فجأة ,ولما يعرف أحأد لماذا أو إلى أين.وخوف
الفضيحأة أبقى المر ساكن ا وبحأثا في كل مكان أمكنه أن يفكر فيه ,لكن ذلك كان دون جدوى.
في أحأد الياما دعا جميع رجاله مع ا وطلب إليهما أن يستعدوا للصيد عدة أياما في الجبال,
محأاولا أن ينسى هذا البلء الفظيع .بعد قليل كانوا مستعدين يركبون خيولهما,ينتظرون سيدهما لدى
البوابة .انطلق بقوة وسرعة إلى مقاطعة جبال هيباري ,وتبعته رفقة عظيمة .بعد وقت قصير صار
بعيدا يتقدما الجميع ,وأخي ار وجد نفسه في واد ضيق رائع.
نظر حأوله معجب ا بالمنظر الجميل ,فلحأظ بيت ا صغي ار على أحأد التلل القريبة ,ثما سمع
بوضوح صوت ا جميلا يق أر بصوت مرتفع ,ترلجل .وقد أسره الفضول لمعرفة من يمكن أن يدرس
باجتهاد كهذا في بقعة منعزلة كهذه ,تاركا فرسه لسائس خيله ,صعد إلى أعلى جانب التل واقترب
من الكوخ .كانت دهشته تزداد كلما اقترب أكثر ,لنه استطاعا أن يرى أن القارئ إنما كان فتاة
جميلة .كان الكوخ مفتوحأ ا وكانت تجلس في مواجهة المنظر .مصغي ا بانتباه ,سمعها تق أر الكتب
البوذية المقدسة بخشوعا كبير أسرعا باحأث ا بفضول زائد أكثر فأكثر ,نحأو البوابة الصغيرة ودخل
الحأديقة الصغيرة ,و رأى ابنته المفقودة هاسة – هيمة .كانت خاشعة جدا فيما تقول بحأيثا أنها لما
تسمع ولما تر أباها إلى أن تكلما.
صاح " :هاسة – هيمة ! أهذه أنت يا هاستي !"
لما تستطع ،وقد أخذتها المفاجأة,أن تدرك أن أباها العزيز هو من كان يناديها ,وللحأظة
سلبت منها القدرة على الكلما أو الحأركة.
44
كان كل ما استطاعت أن تقوله ":أبي ,أبي ! أأنت حأق ا – آه ,يا أبي !" ,وأمسكت بكمه
السميك راكضة نحأوه ,و انفجرت غامرة وجهها بانفعال من الدموعا.
أبعد أبوها شعرها السود ,سائلا إياها بلطف أن تخبره بكل ما جرى ,لكنها تابعت البكاء
فقط ,وتساءل فيما إذا لما يكن يحألما بالفعل.
ثما ظهر الخادما العجوز المخلص كاتودا ,وحأاني ا نفسه نحأو الرض أماما سيده ,أباح بحأكاية
الظلما الطويلة ,مخب ار له عن كل ما حأدثا ,وكيف أنه وجد ابنته في مثل هذه البقعة المنعزلة
والمهجورة مع خادمين عجوزين فقط يقومان على العناية بها.
لما تعرف دهشة المير وسخطه حأدوداا .ترك الصيد حأالا وأسرعا إلى البيت مع ابنته.
عدا أحأد الرفقة قدم ا ليخبر أهل البيت بالخبار السارة ,وسامعة ما حأدثا ,وخشية لقاء
زوجها الن حأيثا اكتشف خبثها ,هربت الخالة ،وقد سمعت بما حأدثا ،خشية لقاء زوجها وقد
اكتشف خبثها ،من البيت وعادت مكللة بالعار إلى بيت والدها ,ولما يعد كيسمعك عنها شيء أكثر من
ذلك.
كوفئ الخادما العجوز كاتودا بأعلى ترقية في خدمة سيده ,وعاش بسعادة حأتى نهاية أيامه,
مخلص ا للميرة الصغيرة ,التي لما تنس أبدا أنها مدينة بحأياتها لهذا الخادما المين .لما تعد تزعجها
زوجة أبيها القاسية ,ومرت أيامها بسرور وهدوء مع أبيها.
وبما أن المير تويوناري ليس له ابن ,فقد تبنى ولدا أصغر لحأد نبلء البلط ليكون وريثه,
وليتزوج ابنته هاسة – هيمة ,وخلل بضع سنوات تما الزواج.
عاشت هاسة – هيمة إلى سن متقدمة طيبة ,وقال الجميع إنها كانت السيدة الكثر حأكمة ,وورعاا,
والجمل التي حأكمت في بيت المير تويوناري القديما على الطلق .حأازت بهجة تقديما ولدها ,سيد
السرة في المستقبل ,لبيها تمام ا قبيل أن يتقاعد من الحأياة العملية.
إوالى اليوما كيحأتفظ بقطعة من عمل البرة في واحأد من معابد كيوتو البوذية.إنها قطعة جميلة
من النسيج ,مزود بصورة بوذا مطرزة بخيوط حأريرية مسحأوبة من ساق زهرة اللوتس .ويقال إن هذه
القطعة من صنع يدي الميرة الطيبة هاسة.
45
قصة الرجل الذي لم يشأ أن يموت
في الماضي البعيد ,البعيد عاش رجل يدعى سنتارو .لقبه كان يعني " المليونير" ,لكن مع
أنه لما يكن غنيا كثي ار إلى ذاك الحأد ,فهو ما يزال بعيدا كثي ار عن كونه فقي ار .فقد ورثا ثروة صغيرة
عن أبيه و عاش عليها ,مزجيا وقته بل مبالة ,دون أية أفكار جادة عن العمل ,إلى أن صار في
الثانية و الثلثين من عمره .
في أحأد الياما ,و دون أيما سبب ,جاءته فكرة السقوط في المرض أو الموت بائس ا كثي ارا.
قال في نفسه " :أريد أن أعيش حأتى أصبح في سن الخمسمائة أو الست مائة عاما على
القل ,معافى من كل مرض .إن المدة العادية لحأياة النسان قصيرة جدا " .
تساءل ما إذا كان من الممكن ,العيش ببساطة و اقتصاد من الن فصاعدا ,كي يطيل
حأياته كما كان يرغب .
عرف أنه توجد قصص كثيرة في التاريخ القديما لباطرة عاشوا ألف سنة ,و هناك أميرة
ياماتو ,التي قيل ,إنها عاشت حأتى سن الخمسمائة .كانت هـذه آخر قصـة مدونة لحأياة طويلة
جدا .
ولطالما سمع سنتارو حأكاية الملك الصيني المسمى شن ـ نو ـ شيكو .فقد كان واحأدا من
أكثر حأكاما الصين مقدرة و قوة في التاريخ .بنى كل القصور الكبيرة ,وجدار الصين العظيما
المشهور أيض ا .
كان لديه كل شيء يمكن أن يرغبه في العالما ,لكن على الرغما من كل سعادته ,و ترف و عظمة
بلطه ,و حأكمة مستشاريه و مجد حأكمه ,ظيل بائسا لنه كان يعلما أن عليه في يوما من الياما أن
يموت و يتركها جميعا .
كانت فكرة الموت ترافق شن ـ نو ـ شيكو حأين يذهب إلى النوما ليلا ,و حأين كان يستيقظ في
الصباح ,وبينما كان يذهب خلل نهاره .لما يكن يستطيع أن يفير منها .آه ـ لو يستطيع فقط أن يجد
" إكسير الحأياة " ,فسيكون سعيدا .
46
دعا المبراطور أخي ار لجتماعا رجال حأاشيته و سألهما جميع ا ما إذا كان باستطاعتهما أن يجدوا
له " إكسير الحأياة " الذي كثي ار ما ق أر عنه و سمع به.
قال أحأد رجال الحأاشية المسنين ,و بالذات جوفوكو ,إنه بعيدا جدا عبر البحأار كان يوجد بلد
يدعى هورايزان ,و أن نساك ا محأددين كانوا يعيشون هناك يملكون سر " إكسير الحأياة " قمبن قشتر ق
ب
من هذا الشراب عاش إلى البد .
أمر المبراطور جوفوكو بأن ينطلق إلى أرض هورايزان ,ويجد النساك ,ويحأضر قارورة من
الكسير السحأري .أعطى لجوفوكو واحأدة من أفضل سفنه الشراعية ,جهزها لجله ,و شحأنها
بكميات عظيمة من الكنوز و الحأجار الثمينة لجوفوكو ليأخذها هدايا للنساك .
أبحأر جوفوكو إلى أرض هورايزان ,لكنه لما يعد أبدا للمبراطور المنتظر ؛ً و لكن منذ ذاك
الوقت قيل عن جبل فوجي أنه الجبل السطوري و موطن النساك الذين امتلكوا سر الكسير ,و أن
جوفوكو كان يعبد كإله راعا لهما .
في هذا الوقت قرر سنتارو أن ينطلق ليجد النساك ,ويصبح أن واحأدا منهما ,إن استطاعا,
ثا حأين كان طفل أن هؤلء بحأيثا يتمكن من الحأصول على ماء الحأياة البدية .تذكر أنه كحأصد ق
النساك ل يسكنون فقط على جبل فوجي ,بل هما يسكنون كل القمما العالية كما قيل .
لذا ترك بيته القديما في رعاية أقاربه ,و انطلق في بحأثه .سافر عبر كل المناطق الجبلية
للرض ,متسلق ا رؤوس أعلى القمما ,لكنه لما يجد ناسك ا واحأدا أبدا .
أخي ار ,بعد أن تجول في منطقة مجهولة لعدة أياما ,قابل صيادا .
سأل سنتارو " :أتستطيع أن تخبرني أين يعيش النساك الذين يملكون إكسير الحأياة ؟"
قال الصياد " :ل ,ل أستطيع أن أخبرك أين يعيش مثل هؤلء النساك ,لكن يوجد لص سيء
السمعة يعيش في هذه النحأاء .يقال إنه رئيس عصابة من مائتين من التباعا " .
أغضب هذا الجواب الغريب سنتارو كثي ار جدا ,و فكر كما هو جنوني أن يضيع مزيدا من
الوقت في البحأثا عن النساك بهذه الطريقة ,لذا قرر أن يذهب فو اقر إلى ضريح جوفوكو ,الذي
تجري عبادته على أنه الله الراعي للنساك في جنوب اليابان .
وصل سنتارو إلى الضريح و صلى سبعة أياما ,متضرعا لجوفوكو أن يريه السبيل إلى ناسك
يمكن أن يمنحأه ما تمنى كثي ار أن يجده .
في منتصف ليل اليوما السابع ,بينما ركع سنتارو في المعبد ,انفتح باب الضريح العمق ,
وظهر جوفوكو في سحأابة منيرة ,و تكلما مناديا سنتارو أن يأتي هكذا :
ب بسهولة .تظن أنك تريد أن تصبح ناسكا لكي تجد
" رغبتك أنانية كثي ار و ل يمكن أن كتوقه ق
إكسير الحأياة .هل تعرف كما هي قاسية حأياة الناسك ؟ يسمح للناسك أن يأكل فقط الفاكهة وثمار
العليق و لحأاء شجر الناناس ؛ً على الناسك أن يقطع نفسه عن العالما بحأيثا يمكن لقلبه أن يصير
47
نقي ا كالذهب و طليق ا من كل رغبة أرضية .بالتدريج بعد اتباعا هذه القواعد الصارمة ,يتوقف
الناسك عن الشعور بالجوعا أو البرد أو الحأ اررة ,و يصبح جسمه حأفيفا بحأيثا يستطيع أن يمتطي
كركيا أو شبوطا , 1و أن يمشي على الماء دون أن يبلل قدميه.
" أنت ,يا سنتارو مولع بالعيش الرغيد و بكل رفاهية .أنت لست حأتى مثل النسان العادي ,لنك
كسول بصورة استثنائية ,و أكثر حأساسية للحأ اررة و البرودة من كجصل الناس .لن يمكنك أبدا أن
تمضي حأافي القدما أو أن تلبس ثوب ا رقيق ا واحأدا في زمن الشتاء !
هل تحأسب أنك ستملك الصبر و القجلققد لتحأيى حأياة الناسك يوما ما ؟
" وجوابا على صلتك ,سأساعدك ,على أي حأال ,بطريقة أخرى .سأرسلك إلى بلد الحأياة
البدية ,إلى حأيثا ل يأتي الموت أبدا ـ وحأيثا يعيش الناس إلى البد ! "
وضع جوفوكو في يد سنتارو وهو يقول هذا ,كركي ا صغي ار مصنوع ا من الورق ,آم ار له أن
يركب على ظهره و سيحأمله هو إلى هناك.
أطاعا سنتارو بذهول .قككبقر الكركي بصورة تكفي ليمتطيه بيسر .ثما بسط جناحأيه ,ارتفع عاليا
في الجو و طار بعيدا فوق الجبال على يمين البحأر.
كان سنتارو خائف ا في البداية ,لكنه بالتدريج اعتاد الطيران السريع خلل الهواء قدما و قدم ا
مضيا للف الميال .لما يتوقف الطير أبدا لراحأة أو لطعاما ,وبما أنه كان طائ ار ورقي ا فهو بل
شك لما يتطلب أية تغذية ,ولكن الغريب أن نقول ,و ل سنتارو أيض ا.
بعد أياما عديدة وصل جزيرة .طار الكركي مسافة في داخل البلد ثما حأط.
وحأالما تريجقل سنتارو عن ظهر الطائر ,انطوى طواعية و طار إلى جيبه.
الن بدأ سنتارو ينظر حأوله بدهشة ,بفضول ليرى ماذا تشبه بلد الحأياة البدية.مشى أولا حأول
البلد ثما عبر المدينة .كل شيء كان غريب ا تمام ا طبعاا ,و مختلف ا عن أرضه .لكن الرض والناس
مع ا بدوا مزدهرين ,لذا قرر أنه سيكون جيدا له أن يمكثا هنا و أخذ غرفة في أحأد الفنادق .
كان المالك رجلا لطيفا ,وحأين أخبره سنتارو أنه غريب و أنه حأضر ليعيش هناك ,وعد بأن
يرتب كل شيء ضروري مع حأاكما المدينة فيما يتعلق بإقامة سنتارو هناك .وحأتى أنه وجد بيتا
لضيفه ,و بهذه الطريقة حأصل سنتارو على رغبته العظيمة و أصبح مقيم ا في بلد الحأياة البدية .
في ذاكرة كل سكان الجزيرة أنه لما يمت إنسان أبدا هناك ,و المرض كان شيئ ا غير معروف .
جاء الكهنة من الهند و الصين و أخبروهما عن بلد جميل يدعى الفردوس ,حأيثا السعادة و البركة و
الرضا تعمر قلوب الناس ,لكنه ل يمكن الوصول إلى بواباتها إل بالموت .هذا العرف تحأيدقر
جيل إلى جيل ـ لكن أحأدا ل يعرف بالضبط ما هو الموت سوى أنه يؤدي إلى الفردوس.لعصورل من ل
48
وخلف ا لسنتارو و الناس العاديين الخرين ,وبدل من الفزعا الكبير من الموت ,كانوا جميع ا ,
أغنياء و فقراء يرغبون به معا كشيء جيد و مرغوب .كانوا جميعا متعبين من حأياتهما الطويلة ,و
يتوقون للذهاب إلى أرض الرضا التي تدعى الفردوس و التي أخبرهما عنها الكهنة منذ قرون مضت
.
كل هذا اكتشفه سنتارو بالحأديثا مع سكان الجزيرة .ووجد أنه ،بحأسب أفكاره ،في أرض
النقلب .كل شيء كان معكوس ا .فقد رغب في الفرار من الموت .وجاء إلى أرض الحأياة البدية
بكثير من الراحأة و البهجة ,ليجد فقط أن السكان ,المحأكومون بأل يموتوا ذاتهما ,يعتبرون أن من
البركة أن يجدوا الموت .
وأن ما كان يعتبره هنا سم ا كان هؤلء الناس يأكلونه كطعاما جيد ,و كل الشياء التي كان
معتاداق عليها كطعاما كانوا ينبذونها .عندما يصل أي تجار من البلد الخرى ,يندفع الغنياء إليهما
متلهفين لشراء السموما .كان يبتلعون هذه بلهفة آملين الموت أن يأتي ليمكنهما الذهاب إلى الفردوس
.
لكن ما كان سموما مميتة في الراضي الخرى كان ل تأثير له في هذا المكان الغريب ,و
الناس الذين كانوا يبتلعونها على أمل الموت ,يجدون فقط أنهما خلل وقت قصير يشعرون بتحأسن
في الصحأة بدل من السوء .
عبث ا كانوا يحأاولون أن يتخيلوا ما يشبه الموت .الغنياء يودون لو يدفعون كل أموالهما و كل
صروا فقط حأياتهما حأتى إلى مائتين أو ثلثمائة عاما .فأن تحأيى بل أي
بضائعهما إن استطاعوا أن يق ص
تغيير إلى البد كان يبدو لهؤلء الناس شيئا مملا ومحأزناق .
في الصيدليات كان ثمة عقار يطلب باستمرار ,لن بعد استعماله لمائة سنة ,يفترض أن
يحأول الشعر قليل إلى الرمادي و أن يسبب اضطرابات في المعدة .
دهش سنتارو حأين وجد أن سمك الكرة الساما 1يقدما في المطاعما كطبق لذيذ ,و أن الباعة
المتجولين في الشوارعا يتجولون بائعين صلصات مصنوعة من الذباب السباني .لما ير أبدا أحأدا
مريضا بعد أكل هذه الشياء المرعبة ,و ل وجد أحأدا مصابا حأتى بالرشح .
ابتهج سنتارو .قال في نفسه إنه لن يتعب من العيش ,و يعتبر أن من الكفر أن يرغب
بالموت.
كان الرجل السعيد الوحأيد في الجزيرة .لنه من ناحأيته كان يرغب في أن يعيش آلف السنين و
يتمتع بالحأياة .
49
استقير في العمل ,وهو في الوقت الحأاضر ل يحألما حأتى بالعودة إلى أرض الوطن .
وبمرور السنين ,على أية حأال ,لما تكن المور تمضي بسهولة كما في السابق .حألت به
خسائر ثقيلة في العمل ,ومرات عديدة فشلت بعض القضايا مع جيرانه .وسبب له هذا انزعاجا
كبي ار .
مر الوقت بالنسبة له كرمية سهما ,لنه كان مشغولا بالعمل منذ الصباح و حأتى الليل .
مرت ثلثمائة عاما بهذه الطريقة الرتيبة ,ثما بدأ أخي ار يتعب من الحأياة في هذا البلد ,وصار يتوق
إلى رؤية أرضه وبيته القديما .مهما عاش هنا فإن الحأياة ستكون هي نفسها ,لذا أليس من الجنون
والعنت المكثا هنا إلى البد ؟
تذكر سنتارو في رغبته بالنجاة من أرض الحأياة البدية ,جوفوكو ,الذي ساعده من قبل حأين
رغب بالفرار من الموت ـ و صلى للقديس لكي يعيده إلى أرضه ثانية .ما إن صلى حأتى خرج
الكركي الورقي فجأة من جيبه.ذهل سنتارو لدى رؤية أنه ظل سليم ا بعد كل هذه السنين .مرة أخرى
كبر الطائر و كبر حأتى صار كبي ار كفاية لجل أن يصعد عليه .وحأالما فعل هذا ,بسط الطائر
جناحأيه و طار بسرعة عبر البحأر باتجاه اليابان.
كان عناد طبيعة النسان عظيم ا بحأيثا أنه نظر إلى الخلف و أقتس ق
ف على كصل ما خلفه وراءه.
حأاول بل جدوى أن يوقف الطائر .استمر الكركي الورقي المدهش ,تفكك ,وسقط إلى البحأر .
سقط سنتارو معه .صاح بصوت مرتفع ,لجوفوكو كي ينقذه ,خائف ا كثي ار جدا من فكرة الغرق.
نظر حأواليه ,لكن لما يكن هناك سفينة في مدى النظر .ابتلع كمية من ماء البحأر ,المر الذي زاد
حأاله تعاسة .بينما كان يناضل هكذا ليظل عائما ,رأى قرشا ضخما يسبح نحأوه .حأين اقترب أكثر
فتح فمه الواسع مستعدا للتهامه .كان سنتارو مشلولا تمام ا بالخوف حأين شعر أن نهايته باتت
وشيكة ,و صرخ بأعلى ما استطاعا في حأياته لجوفوكو كي يأتي و يخلصه .
أنظر ,وشاهد ,استيقظ سنتارو بفعل صرخاته ,ليجد أنه إنما سقط نائم ا خلل صلته
الطويلة أماما الضريح ,و أن كل مغامراته غير العادية و المرعبة إنما كانت مجرد حألما مطلق العنان
.كان غارقا في عرق بارد و خوف ,وهو مرتبك تماما .
فجأة بلغه ضوء لمع ,ووقف في الضوء رسول .كان الرسول يحأمل بيده كتابا ,فقال لسنتارو
:
" لقد أرسلت إليك من قبل جوفوكو ,الذي أذن لك ,استجابة لصلتك ,أن ترى أرض الحأياة
البدية في المناما .لكنك تعبت من الحأياة هناك ,ورجوت لكيسمح لك بالعودة إلى أرض الوطن كي
تموت .و لكي يمتحأنك ,جوفوكو ,تركك تسقط في البحأر ,ثما أرسل القرش ليبتلعك .
لما تكن رغبتك بالموت حأقيقية ,لنك صرخت حأتى في تلك اللحأظة بصوت مرتفع و ناديت طلب ا
للمساعدة .
50
" إنه من العبثا أيض ا بالنسبة لك أن ترغب في أن تصبح ناسك ا ,و أن تجد إكسير الحأياة .
هذه الشياء ليست لمثلك ـ ل تهمل أبدا أن تحأفظ الذكريات السنوية لجدادك ,و اجعل واجبك أن
تقدما لجل مستقبل أطفالك .هكذا أريد أن تعيش إلى شيخوخة طيبة و كن سعيدا ,لكن أقتلبع عن
الرغبة التي ل طائل من ورائها بالهرب من الموت ,لنه ل أحأد يستطيع أن يفعل ذلك ,و أنت الن
قد وجدت بالتأكيد أن الرغبات النانية حأين تمنح فهي ل تجلب السعادة .
" في هذا الكتاب الذي أعطيك إياه وصفات عديدة جيدة لك لتعرفها ـ إذا درستها ,ستهتدي في
الطريق الذي أشرت عليك به " .
اختفى الملك حأالما أنهى الكلما ,وحأفظ سنتارو الدرس عن ظهر قلب .عاد إلى بيته القديما
و الكتاب بيده ,و حأاول أن يعيش حأياة جيدة و مفيدة و أن يراعي الدروس التي أعطيت له في
الكتاب ،نابذا كل رغباته القديمة التي ل جدوى منها ،و ازدهر هو وبيته منذ ذاك .
51
خرج في أحأد الصباحأات كالمعتاد إلى عمله ,وبعد أن وجد أجمة خيزران جميلة ,بدأ يعمل ليقطع
بعضها.فجأة غمرت أيكة الخيزران الخضراء بضوء ساطع ناعما,كما لو أن بد ار أشرق على البقعة.
نظر حأوله في دهشة ,ورأى أ ن البريق كان يتدفق من إحأدى أشجار الخيزران .أنزل الرجل العجوز,
وكله عجب,فأسه ومضى نحأو الضوء .حأين اقترب أكثر رأى أن هذا التللقؤ كان قادم ا من فتحأة في
ساق شجرة خيزران خضراء ,وما هو أشد عجب ا أن يشاهد ,في وسط البريق إنسان ا صغي ارا ,ارتفاعه
ثلثا إنشات فقط ،جميل المظهر على نحأو رائع.
قال الرجل العجوز " :ل بد أنتك أرسلتت لتكوني طفلتي ,لنني وجدتك هنا بين أشجار
الخيزران حأيثا يكون عملي اليومي " متناولا المخلوق الصغير بيده و أخذه إلى البيت إلى زوجته
لتربيه.كانت البنت الصغيرة جميلة جدا وبإفراط وصغيرة كذلك ,بحأيثا أ ن الرجل العجوز وضعها
في سلة ليحأميها من أدنى إمكانية في أن تؤذى بأية طريقة.
كان الزوجان العجوزان سعيدين جدا الن ,لن حأسرتهما كانت كل حأياتهما على أنهما ل
أطفال لهما ,وبسرور قلدما كل حأب شيخوختهما إلى الطفلة الصغيرة التي جاءتهما بطريقة عجيبة
جداا.
من هذا الوقت فصاعدا ,صار الرجل العجوز كثي ار ما يجد ذهب ا في أثلما أشجار الخيزران حأين
كان يحأصدها و يقطعها ؛ً ليس ذهب ا فقط ,و إنما أحأجا ار ثمينة أيض ا ,بحأيثا أنه أصبح بالتدريج
غني ا .بنى لنفسه بيت ا جميلا ,ولما يعد يعرف كقاطع خيزران فقير ،بل كرجل ثري.
مضت ثلثة شهور بسرعة ,و في ذلك الوقت أصبحأت طفلة الخيزران ,و يا عجباا ,فتاة
مكتملة النمو ،بحأيثا رفع والداها ـ بالتربية شعرها و ألبساها الثواب الفضفاضة .كانت ذات جمال
رائع بحأيثا كانا يضعانها خلف الستائر مثل أميرة ,و ل يسمحأان لحأد أن يراها ,قائمين على
خدمتها بأنفسهما .لقد بدت و كأنها مصنوعة من الضياء ,لن البيت كان يمتلئ بالشعاعا الناعما ،
حأتى أنه في ظلمة الليل يكون مثله في وقت النهار .
كان لوجودها تأثير رقيق على من كان حأولها .كان على الرجل العجوز حأين يشعر بالحأزن .أن
ينظر فقط إلى ابنته ـ بالتربية فيزول حأزنه ,و صار سعيدا مثلما كان حأين كان شاب اقا.
أخي ار جاء يوما تسمية طفلتهما المكتشفة حأديث ا ,وهكذا استدعى الزوجان العجوزان مانح
أسماء شهير ,و أعطاها اسما الميرة ضوء القمر ,لن جسمها كان يصدر ضواء كثي ار ناعم ا بحأيثا
يمكن أن تكون ابنة إله القمر .
داقما الحأتفال ثلثة أياما مع الغناء و الرقص و الموسيقى .كان كل أصدقاء و أقارب
الزوجين العجوزين حأاضرين ,وكانت متعتهما بالمباهج المقامة للحأتفال بتسمية الميرة ضوء القمر
عظيمة .
52
أعلن كل من رآها أنه لما يشاهد أحأد في مثل جمالها ؛ً كل الجميلت في طول الرض و عرضها
يبدون باهتات في إزائها ,هكذا قالوا .انتشرت شهرة جمال الميرة في كل اتجاه ,وكثر كان
الملتمسون الذين يريدون أن يفوزوا بها ,أو حأتى أن يظفروا برؤيتها .أقاما الملتمسون من البعيد و
من القريب خارج البيت و صنعوا فتحأات صغيرة في السياج ،على أمل أن يظفروا بلمحأة من الميرة
أثناء ذهابها من غرفة إلى أخرى على طول الشرفة .مكثوا هناك ليلا نهارا ،مضحأين حأتى بنومهما
من أجل فرصة رؤيتها ،ولكن بل جدوى .ثما اقتربوا من البيت ،و حأاولوا أن يتكلموا مع الرجل
العجوز و زوجته أو مع بعض الخدما ،لكنهما لما يمنحأوا حأتى هذا.
ظلوا رغما كل هذه الخيبة ماكثين يوما بعد يوما ،وليلة بعد ليلة ،و عدوها كل شيء ،
وعظيمةس أكثر مما كيتصور كانت رغبتهما برؤية الميرة .
أخي ار ,على أي حأال ,فقد أكثر الرجال ,وقد أروا كما كان طلبهما ميئوس ا منه ,فقدوا القلب و
المل مع ا ,و عادوا إلى بيوتهما .بدا أن حأماسة الجميع و ثباتهما ما عدا خمسة فرسان ,ازدادت
بالعقبات أكثر بدلا من أن تضمحأل .مضى هؤلء الرجال الخمسة حأتى دون وجباتهما ,و أكلوا نتفا
من أي شيء أحأضر إليهما ,بحأيثا يمكنهما أن يظلوا دائما واقفين خارج المسكن .وقفوا هناك في كل
الحأوال الجوية ,في أشعة الشمس و في المطر .
كانوا يكتبون أحأيان ا الرسائل للميرة ,لكنها لما تتعطف عليهما بجواب .ثما حأين فشلت الرسائل
بأن تنتزعا أي جواب ,كتبوا القصائد إليها ليخبروها عن الحأب الذي ل أمل فيه و الذي حأرمهما من
النوما ,و من الطعاما ,ومن الراحأة ,و حأتى من بيوتهما .لما تعط الميرة ضوء القمر بعد أية إشارة
على أنها استلمت أشعارهما .
مر الشتاء بهذه الحأالة من القنوط .و أخلى الثلج و الجليد و الرياح الباردة مكانها بالتدريج
لدفئ الربيع .ثما جاء الصيف ,و اشتعلت الشمس متوقدة و لذعة في السماوات في العلى و في
الرض تحأت ,وظل هؤلء الفرسان المخلصين يراقبون و ينتظرون .في نهاية هذه الشهور الطويلة
صاحأوا لقاطع الخيزران العجوز و توسلوا إليه أن يظهر لهما بعض الشفقة و أن يريهما الميرة ,لكنه
أجابهما فقط بما أنه ليس والدها الحأقيقي لذا فإنه ل يستطيع أن يلح عليها أن تطيعه بما يخالف
رغباتها .
بعد تلقي هذا الجواب الصارما ,عاد الفرسان الخمسة إلى بيوتهما المختلفة ,وفكروا في
أفضل السبل ملمسة قلب الميرة الفخورة ,ولو قدر أن تلقي إليهما سمع ا .تناولوا كسببحأاتتهما وركعوا
أماما أضرحأتهما المنزلية ,و أحأرقوا البخور الثمين ,ضارعين إلى بوذا أن يمنحأهما أمنية قلوبهما .
هكذا مرت أياما عديدة ,لكنهما مع ذلك لما يستطيعوا أن يرتاحأوا في بيوتهما .
لذا فقد انطلقوا ثانية صوب منزل قاطع الخيزران في هذه المرة خرج الرجل العجوز ليراهما ,و
سألوه أن كيبعلتقمهكبما ما إذا كان قرار الميرة أل ترى أبدا أي رجل مهما يكن ,وتوسلوا إليه أن يتكلما
53
لمصلحأتهما و أن يخبرها عن عظيما حأبهما ,وكما انتظروا طويلا خلل برد الشتاء وحأر الصيف ,بل
نوما و بل سقف خلل كل الحأوال الجوية ,دون طعاما و بل راحأة ,على أملل متقلد بالظفر بها ,و
أنهما يرغبون بأن يعتبروا هذا السهر الطويل متعة لو أعطتهما فرصة واحأدة للدفاعا عن قضيتهما معها
.
أعار الرجل العجوز أذن ا صاغية لحأكايتهما عن الحأب ,لنه شعر بالحأزن من صميما قلبه
لجل هؤلء الملتمسين المخلصين و أحأب أن يرى ابنته الحأبيبة و قد تزوجت واحأدا منهما.
لذا فقد مضى إلى الميرة ضوء القمر و قال بوقار :
" رغما أنك كنت دائما تبدين لي كائنا سماويا ,فإنني تكبدت مشقة تربيتك كطفلتي و كنت
سعيدة بحأماية سقفي .فهل سترفضين أن تفعلي ما أرغب ؟ "
عندها أجابت الميرة ضوء القمر أنه ل يوجد شيء ل تفعله من أجله ,وأنها تبجله و تحأبه
كأبيها ,وأنها من جهتها ل تستطيع أن تتذكر الزمان الذي سبق قدومها إلى الرض .
أصغى الرجل العجوز بسعادة كبيرة بينما كانت تتكلما بهذه الكلمات الموقرة .ثما أخبرها كما
هو متلهف لن يراها متزوجة بأمان و سعادة قبل أن يموت .
" أنا رجل عجوز ,نيف على السبعين من العمر ,ونهايتي يمكن أن تأتي في أي وقت .إن
من الضروري و الصواب أن تري خمسة الملتمسين هؤلء و أن تختاري واحأدا منهما " .
قالت الميرة بأسى " :أوه ,لماذا علي أن أفعل هذا ؟ ليس لدي رغبة في الزواج الن" .
أجاب الرجل العجوز " :لقد وجدتك منذ سنين عديدة مضت ,حأين كنتت مخلوقا صغي ار
طوله ثلثة إنشات ,في وسط ضوء أبيض عظيما .تدفق الضوء من شجرة الخيزران التي كنت
مخفية فيها و قادتني إليك .لذا كنت دائما أفكر في أنك أعظما من امرأة بشرية .إن من حأقك علي
ما دمت حأي ا أن تبقي كما أنت إذا شئت ذلك ,لكنني سأتوقف عن الحأياة يوم ا ما فمن سيعتني بك
يومئذ ؟ لذا أرجوك أن تقابلي خمسة الرجال الشجعان هؤلء واحأدا في كل مرة و أن تحأزمي أمرك
على أن تتزوجي واحأدا منهما ! "
ثما أجابت الميرة بأنها تحأس بأنها ليست جميلة بالقدر الذي أظهرتها فيه الشاعة ,و أنها
لو رضيت بأن تتزوج من أي واحأد منهما ,ل يعرفها حأقيقة من قبل ,ربما يتغير قلبه فيما بعد .لذا و
بما أنها لما تتيقن منهما ,حأتى على الرغما من أن والدها أخبرها بأنهما فرسان جديرون بالثقة ,فإنها لما
تشعر أن من الحأكمة أن تراهما .
قال الرجل العجوز " :كل ما تقولينه معقول ,لكن أي نوعا من الرجال تقبلين أن تشاهدي
؟ أنا ل أعتبر خمسة الرجال هؤلء الذين خدموك شهو ار ,جذلين .لقد وقفوا خارج هذا البيت خلل
الشتاء و الصيف ,منكرين على أنفسهما الطعاما و النوما على أمل أن يكسبوا ودك .ماذا تطلبين
أكثر ؟ "
54
ثما قالت الميرة ضوء القمر إن عليها أن تجري اختبا ار آخر لحأبهما قبل أن تمنحأهما طلبهما
بأن يقابلوها .كان على خمسة المحأاربين أن يبرهنوا على حأبهما بأن يحأضر كل واحأد منهما من
البلد البعيدة شيئا ترغب في امتلكه .
في تلك المسية ذاتها وصل الملتمسون و بدؤوا يعزفون على مزاميرهما بالدور ,ويغنون
أغانيهما التي ألفوها بأنفسهما لتخبر عن حأبهما العظيما الذي ل يكل .خرج قاطع الخيزران إليهما وقدما
لهما تعاطفه مع كل ما تحأملوه و كل الصبر الذي أظهروه في رغبتهما بكسب ود ابنته بالتبني .ثما
أبلغهما رسالتها ,بأنها سترضى بأن تتزوج من سينجح في إحأضار ما تريده .كان هذا لتختبرهما .
قبل الخمسة جميعا التجربة ,و اعتبروها خطة ممتازة ,لنها ستمنع الغيرة بينهما.
ثما أرسلت الميرة ضوء القمر كلمة للفارس الول أنها تطلب منه أن يحأضر لها القصعة
الحأجرية التي كانت لبوذا في الهند .
طكلب من الفارس الثاني أن يذهب إلى جبل هوراي ,الذي يقال إنه يقع في البحأر الشرقي
,و أن يحأضر غصنا من الشجرة العجيبة التي تنمو على قمته .كانت جذور هذه الشجرة من
الفضة ,و الجذعا من الذهب ,والغصان تحأمل الجواهر ثما ار .
أمر الفارس الثالثا أن يذهب إلى الصين و يبحأثا عن جرذ النار و أن يحأضر لها جلده.
طلب إلى الفارس الرابع أن يبحأثا عن التنين الذي يحأمل فوق رأسه الحأجر المتألق ذي
خمسة اللوان و أن يحأضر الحأجر إليها .
كان على الفارس الخامس أن يجد السنونو الذي يحأمل في معدته صدفة و أن يحأضر
الصدفة إليها .
ظن الرجل العجوز أن هذه مهاسما صعبة جدا و تردد في حأمل الرسائل ؛ً لكن الميرة لن
تقدما شروط ا أخرى .نقلت طلباتها كلمة كلمة إلى خمسة الرجال الذين ثبطت تهقمقمكهما و أصيبوا
بالغثيان جميع ا حأين سمعوا ما طلب منهما ,لما بدا لهما من استحأالة المهاما المعطاة لهما و عادوا إلى
بيوتهما يائسين لكن بعد زمن ,حأين فكروا بالميرة ,كبعثا الحأب الذي في قلوبهما لها ,و قرروا أن
يقوموا بمحأاولة للفوز .كما طلب منهما .
أرسل الفارس الول كلمة إلى الميرة أنه سينطلق ذلك اليوما في طلب قصعة بوذا ,و
أنه يأمل أن يأتي بها إليها قريب ا .لكنه لما تكن لديه الشجاعة ليمضي إلى الهند ,لن السفر في تلك
الياما كان صعب ا جدا و محأفوف ا بالمخاطر ,لذا فقد ذهب إلى أحأد المعابد في كويوتو و أخذ قصعة
حأجرية من المذبح الذي هناك ,مقدما مبلغا كبي ار للقس مقابله ثما لفها بقطعة قماش من الذهب و ,
و بعد أن انتظر بهدوء ثلثا سنوات ,عاد وحأمله إلى الرجل العجوز .تعجبت الميرة ضوء القمر
لن الفارس ما كان ينبغي أن يعود بهذه السرعة الزائدة .تناولت القصعة من غلفها الذهبي وتوقعت
55
أن تمل الغرفة ضياء ,لكنها لما تشع أبداا ,لذا عرفت أنها شيء زائف و أنها ليست قصعة بوذا
الحأقيقية .
ردتها على الفور و رفضت أن تراه .رمى الفارس القصعة و عاد إلى بيته يائسا .فلقد تخلى الن
عن كل آماله في الفوز بالميرة إلى البد .
أخبر الفارس الثاني والديه أنه يحأتاج أن يغير الهواء من أجل صحأته ,لنه كان يستحأي
أن يخبرهما بأن حأب الميرة ضوء القمر كان السبب الحأقيقي لمغادرته لهما .
ثما غادر بيته ,مرسل في نفس الوقت كلمة للميرة أنه منطلق إلى جبل هوراي على أمل أن يحأضر
لها غصنا كانت تتمنى بشدة لو تمتلكه من الشجرة الذهبية و الفضية .سمح لخدمه أن يرافقوه نصف
الطريق فقط ,ثما أعادهما إلى البيت .وصل إلى شاطئ البحأر و صعد سفينة صغيرة ,وبعد البحأار
لثلثة أياما نزل إلى اليابسة و استخدما عدة نجارين ليبنوا له بيت ا بحأيثا ل يستطيع أحأد أن الدنو منه .
ثما أغلق على نفسه مع ستة من الصائغين المهرة ,وحأاول أن يصنع غصن ذهب و فضة على
الشكل الذي ظن أنه سيرضي الميرة على أنه قادما من الشجرة العجيبة التي تنمو على جبل هوراي
.صرح كل شخص سأله أن جبل هوراي يتبع لرض الخرافة ليس للواقع .
حأين أنجز الغصن ارتحأل إلى الوطن وحأاول أن يبدو كما لو كان مرهق ا ومنهك ا من أثر
السفر .وضع الغصن المزين بالجواهر في صندوق مطلي بالليقكر و حأمله إلى قاطع الخيزران ،
راجي ا له أن يقدمه إلى الميرة.
خدعا الرجل العجوز تماما بمظهر الفارس الملطخ من أثر السفر ,وظن أنه قد عاد
بالغصن لتوه من رحألته الطويلة .لذا حأاول أن يقنع الميرة بأن ترضى بأن ترى الرجل .لكنها ظلت
صامتة و بدت حأزينة جدا .
بدأ الرجل العجوز يخرج الغصن و أثنى عليه ككنز ل يوجد في أي مكان من كل الرض .ثما تكلما
عن الفارس ,كما هو وسيما و كما هو شجاعا حأتى يشرعا في رحألة إلى بلد بعيد جدا كجبل هوراي .
تناولت الميرة ضوء القمر الغصن بيدها و نظرت إليه باهتماما .ثما أخبرت أباها بالتبني
أنها تعلما أنه يستحأيل على الرجل أن يكون قد جلب غصنا من شجرة الذهب و الفضة التي تنمو
على جبل هوراي بهذه السرعة و بهذه السهولة ,و أنها آسفة لن تقول إنها تعتقد أنه زائف .
حأينئذ خرج الرجل العجوز إلى الفارس المنتظر ,الذي كان قد اقترب من البيت ,وسأله
أين وجد الغصن .عندها لما يتردد الرجل عن اختلق قصة طويلة .
" منذ سنتين مضتا ركبت سفينة و بدأت البحأثا عن جبل هوراي .بعد المضي أماما الريح
لبعض الوقت وصلت البحأر الشرقي البعيد .ثما هبت عاصفة عظيمة وقذفت بي هنا وهناك لعدة
أياما ,فاقدا كل حأساب لدرجات البوصلة ,و أخي ار دفعنا إلى الشاطئ على جزيرة غير معروفة .
هناك وجدت المكان المأهول بشياطين هددت في وقت من الوقات بأن تقتلني و تأكلني .على أي
56
حأال ,تدبرت أمري على مصادقة هذه المخلوقات الرهيبة ,وساعدتني و بحأارتي في إصلح
الزورق ,و أبحأرت ثانية .نفد طعامنا ,و عانينا كثي ار من المرض على متن الزورق .أخي ار ,في
اليوما الخمسمائة منذ انطلقنا ,رأيت على البعد في الفق ما يشبه قمة جبل .لدى القتراب أكثر
ظهر أنها جزيرة ,كان ينهض في وسطها جبل مرتفع .
نزلت ,وبعد التجوال ليومين أو ثلثة ,رأيت كائن ا مشع ا قادم ا نحأوي على الشاطئ ,ممسك ا بيديه
قطعة ذهبية .صعدت إليه و سألته ما إذا كنت بالمصادفة السعيدة ,قد وجدت جزيرة جبل هوراي ,
فأجاب :
" أجل ,هذا جبل هوراي ! "
" تسلقت القمة بصعوبة بالغة ,حأيثا كانت تقف الشجرة الذهبية بجذور فضية في
الرض.
إن عجائب تلك الرض الغريبة كثيرة ,ولو شرعت بإخباركما عنها فلن أستطيع أن أقف أبدا وعلى
الرغما من رغبتي في البقاء هناك مدة أطول ,أسرعت عائدا لدى انتزاعي للغصن .اقتضت مني
العودة بأقصى سرعة أربعمائة يوما ,و كما ترون ,فإن ثيابي ل تزال رطبة من أثر التعرض لعوامل
الطبيعة في رحألتي البحأرية الطويلة .
لما أنتظر حأتى لبدل ثيابي ,كنت كثير التلهف لحأضار الغصن للميرة بسرعة .
في هذه اللحأظة تمام ا وصل ستة الصائغين ,الذين استخدموا في صنع الغصن ,لكنهما لما
يدفع لهما من قبل الفارس ,وصلوا إلى البيت و أرسلوا التماسا إلى الميرة كي يدفع لهما لقاء عملهما .
قالوا إنهما عملوا لكثر من ألف يوما لصنع غصن الذهب ,بأماليده الفضية الصغيرة و ثماره المزينة
بالجواهر ,و الذي قدما لها اليوما من قبل الفارس ,لكنهما لما يتلقوا بعد شيئ ا كمكافأة .
هكذا افتضح خداعا هذا الفارس ,و ,كانت الميرة مسرورة جدا بأن ترد الغصن سعيدة بالنجاة من
ملتمس لحأوح آخر .دعت العمال ودفعت لهما بتسامح ,وغادروا مسرورين .لكنهما بوغتوا في الطريق
إلى البيت من قبل الرجل الخائب ,الذي ضربهما حأتى كادوا يهلكون ,لفشائهما السر ,وبالكاد نجوا
بحأياتهما .ثما عاد الفارس إلى البيت ,ثائر القلب ؛ً وقانطا من كسب ود الميرة إلى البد ,هجر
المجتمع وانسحأب إلى حأياة العزلة بين الجبال.
في هذا الوقت كان للفارس الثالثا صديق في الصين ,لذا كتب إليه ليحأصل على الصنف
المرغوب فيه .حأالما وصلت الخبار بأن السفينة التي أبحأر عليها صديقه إلى الوطن قد وصلت
إلى الميناء ,ركب صهوة الحأصان سبعة أياما ليقابله .سلما صديقه مبلغا كبي ار من المال واستلما جلد
جرذ النار .حأين وصل إلى البيت وضعه بعناية في صندوق وأرسله إلى الميرة بينما انتظر جوابها
في الخارج.
57
أخذ قاطع الخيزران الصندوق من الفارس ,وكالعادة ,حأمله إليها وحأاول أن يلطفها لتشاهد
الفارس في الحأال ,لكن الميرة ضوء القمر رفضت ,قائلة إنها يجب أن تختبر الجلد أولا بوضعه في
النار .إذا كان الشيء الحأقيقي فلن يحأترق .لذا فقد نزعت غلف الكريب وفتحأت الصندوق ,ثما ألقت
ف بكلمته.بالجلد إلى النار .طقطق الجلد واحأترق فو ارا ,وعلمت الميرة أن هذا الرجل أيض ا لما ي ت
وهكذا فشل الفارس الثالثا أيضاا.
لما يكن الفارس الرابع أكثر إقدام ا من البقية .وعوض ا عن النطلق في طلب التنين الذي
يحأمل فوق رأسه الجوهرة المشعة ذات خمسة اللوان ,دعا كل خدمه معا وأعطاهما المر بالبحأثا
عنها طولا وعرضا في اليابان وفي الصين ,وحأظر بصرامة على أي منهما أن يعود حأتى يجدوه.
انطلق خدمه وتاتبعوه الكثيرون في اتجاهات مختلفة ,غير ناوين ,على أي حأال ,أن يطيعوا
ل .فهما ببساطة أخذوا عطلة ,ذهبوا إلى أماكن ريفية جميلة معاا ,وتذمروا من
ما اعتبروه أم ار مستحأي ا
جور سيدهما.
في غضوتن ذلك ,ذهب الفارس ظانا أن أتباعه لن يفشلوا في إيجاد الجوهرة ,ذهب إلى بيته,
وهيأه بشكل جميل من أجل استقبال الميرة ,كان يشعر بأنه على يقين من الفوز بها.
مضى عاما في انتظار مضجر ,ولما يعد رجاله بعد بجوهرة التنين .صار الفارس يائساا .لما
يستطع أن ينتظر أكثر ,لذا استأجر سفينة آخذا معه رجلين فقط ,وأمر القبطان أن يمضي في
البحأثا عن التنين ؛ً رفض القبطان والبحأارة أن يشرعوا فيما كان كما قالوا بحأث ا مضحأكاا ,لكن الفارس
أجبرهما أخي ار أن يمضوا إلى البحأر.
واجهوا حأين لما يكن قد مضى على خروجهما سوى بضعة أياما عاصفة عظيمة استمرت
طويلا بحأيثا ,أن الفارس وقد ضعف غضبه بمرور الوقت ,قرر أن يقلع عن اصطياد التنين .قذف
بهما أخي ار على الشاطئ ,لن الملحأة كانت بدائية في تلك الياما .أخلد الملتمس الرابع ,مرهق ا
بأسفاره وانزعاجه ,إلى الراحأة .أصيب بزكاما شديد ,وكان عليه أن يأوي إلى الفراش بوجه منتفخ.
أرسل حأاكما المكان ,وقد سمع بحأالته ,أرسل رسولا برسالة يدعوه فيها إلى بيته .بينما كان
هناك يتأمل في كل مشاكله ,تحأول حأبه للميرة إلى غضب ,ووضع اللوما عليها في كل الصعوبات
التي مر بها .ظن أن من المحأتمل تمام ا أنها ربما كانت ترغب في قتله لتتمكن من التخلص
منه,ولكي تحأقق رغبتها أرسلته في بحأثه المستحأيل.
عند هذه النقطة جاء كل الخدما الذين أرسلهما ليجاد الجوهرة ليروه ,ودهشوا حأين وجدوا أن
المديح وليس الستياء كان بانتظارهما .أخبرهما سيدهما أنه مريض تماما من المغامرة ,وقال إنه ينوي
أل يقترب أبدا من منزل الميرة مرة ثانية في المستقبل.
مثل كل البقية ,فشل الفارس الخامس في بحأثه – لما يستطع أن يجد محأارة السنونو.
58
في هذا الوقت وصلت شهرة جمال الميرة ضوء القمر إلى مسامع المبراطور ,وأرسل
واحأدة من سيدات البلط لترى ما إذا كانت جميلة فعلا كما تقول الشائعة؛ً إذا كانت كذلك
فسيستدعيها إلى القصر ويجعلها واحأدة من السيدات اللواتي يقمن على خدمة الملكة.
حأين وصلت سيدة البلط,رفضت الميرة ضوء القمر ,برغما توسلت أبيها ,أن تراها.
أصرت المبعوثة الملكية ,قائلة إن هذا أمر المبراطور .عندئذ أخبرت الميرة ضوء القمر الرجل
العجوز أنها إذا أجبرت بالقوة على أن تذهب إلى القصر لمر المبراطور ,فإنها ستختفي من
الرض .
حأين كأخبر المبراطور بإصرارها على رفض استدعائه ,و أنها إذا ضغط عليها لتطيع فإنها
ستختفي تمام ا عن النظار ,قرر أن يذهب و يراها .لذا خطط للذهاب في رحألة صيد في جوار
منزل قاطع الخيزران ,و مشاهدة الميرة بنفسه .أرسل رسالة إلى الرجل العجوز حأول نيته ,و
تلقى الموافقة على الخطة .
في اليوما التالي انطلق المبراطور مع حأاشيته ,التي تدبر بعد وقت قصير أمر استباقها .وجد بيت
قاطع الخيزران وترجل .ثما دخل البيت و مضى مباشرة إلى حأيثا كانت الميرة تجلس مع خادماتها
الملزمات .
لما ير أبدا أحأدا جميلا بهذا الشكل المدهش ,ولما يستطع إل أن ينظر إليها ,لنها كانت
أجمل من أي إنسان حأيثا كانت تتألق بإشعاعها الناعما .حأين أدركت الميرة ضوء القمر أن غريب ا
كان ينظر إليها حأاولت أن تهرب من الغرفة ,لكن المبراطور أمسك بها و رجاها أن تصغي لما
كان ينبغي أن يقوله .
كان ردها الوحأيد أن تخفي وجهها بأكمامها .
وقع المبراطور بغرامها بعمق ,وتوسل إليها أن تأتي إلى البلط ,حأيثا سيعطيها منزلة
شرف و كل شيء يمكن أن ترغب فيه .كان على وشك أن يرسل في طلب المحأفات الملكية ليعود
بها معه فو ار ,قائلا إن حأسنها وجمالها يجب أن يزين بلطا ل أن تخبأ في كوخ قاطع خيزران .
لكن الميرة أوقفته .قالت إنها إذا أجبرت على الذهاب إلى القصر فإنها ستتحأول فو ار إلى
ظل ,وبدأت حأتى و هي تتكلما تفقد شكلها .صورتها بهتت أماما بصره بينما كان ينظر .
حأينئذ وعد المبراطور بأن يتركها حأرة فقط إذا عادت إلى هيأتها السابقة ,المر الذي نفذته
.
حأان الن بالنسبة له وقت العودة ,لن حأاشيته مندهشون لما يمكن أن يكون قد حأدثا
لمليكهما حأين افتقدوه لهذه الفترة الطويلة جدا .لذا حأياها مودعا ,وغادر البيت بقلب حأزين .كانت
الميرة ضوء القمر بالنسبة له المرأة الكثر جمالا في العالما ؛ً كل الخريات كن مظلمات بالمقارنة
معها ,كان يفكر فيها ليلا ونها ار .يقضي جللته الن كثي ار من وقته في كتابة القصائد ,يحأدثها
59
عن حأبه و إخلصه ,و يرسلها إليها ,ومع أنها رفضت أن تراه مرة ثانية فإنها ردت بكثير من
البيات من تأليفها ,تخبره بلطف وود أنها لن تستطيع أبدا أن تتزوج أحأدا على هذه الرض .
في هذا الوقت لحأظ أبوها بالتبني أن الميرة تجلس ليلة بعد ليلة في شرفتها و تحأدق
لساعات بالقمر ,في مزاج من أعمق الكتئاب ,تنتهي عادة بانفجار دموعا .في إحأدى الليالي
وجدها الرجل العجوز تبكي هكذا كما لو كان قلبها مكسو ار ,و رجاها أن تخبره عن سبب حأزنها.
أخبرته بكثير من الدموعا أنه أصاب في ظنه حأين افترض أنها ل تمت إلى هذا العالما ـ أنها
في الحأقيقة قد أتت من القمر ,و أن مدتها على الرض ستنتهي قريبا .في اليوما الخامس عشر من
شهر آب ذاته سيأتي أصدقاؤها من القمر ليحأضروها ,وسيكون عليها أن تعود .كان والداها كليهما
هناك ,لكنها نسيتهما لنها قضت عم ار على الرض ,و كذلك نسيت عالما القمر الذي تنتمي إليه .
جعلها التفكير في أنها ستغادر أباها الحأنون ,و البيت الذي ظلت فيه سعيدة مدة طويلة ,
تبكي.
حأين سمعت مرافقاتها هذا قحأتزني كثي ار ,ولما يستطعن الكل أو الشرب من الحأزن لمجرد
التفكير بأن الميرة ستغادرهن بعد وقت قصير جدا .
أرسل المبراطور ,حأالما نقلت إليها النباء ,رسلا إلى البيت ليعرفوا ما إذا كانت الشاعة
صحأيحأة أما ل .
خرج قاطع الخيزران العجوز لمقابلة الرسل الملكيين .
أثرت أياما الحأزن القليلة على الرجل العجوز ؛ً فقد شاخ بصورة كبيرة ,و بدا أكبر بكثير من سبعين
سنة التي هي عمره .أخبرهما ,باكيا بم اررة ,أن الشاعة صحأيحأة ,لكنه ينوي ,على أي حأال ,أن
يسجن مبعوثي القمر ,و أن يفعل كل ما يستطيع ليمنع أن تحأمل الميرة لتعاد .
عاد الرجال و أخبروا جللته بكل ما مر .في اليوما الخامس عشر من ذلك الشهر أرسل
المبراطور تحأ ارقسةا من ألفي محأارب ليراقبوا البيت .أقاما ألف منهما على السطح ,ألف آخر ظلوا
يراقبون نطاق كل مداخل البيت كانوا جميعا رماة مدربين ,بأقواسهما و سهامهما .خبأ قاطع
الخيزران وزوجته الميرة ضوء القمر في غرفة داخلية .
أعطى الرجل العجوز أوامره بأل يناما تلك الليلة أحأسد ,وأن على جميع من في البيت أن يظلوا
يرقبون بدقة ,و أن يكونوا جاهزين لحأماية الميرة .أتمقل بهذه الحأتياطات ,و بمساعدة رجال
المبراطور المسلحأين ,أن يقاوما رسل القمر ,لكن الميرة أعلمته أن كل هذه الجراءات للحأتفاظ
بها ستكون بل فائدة ,و أن قومها حأين يأتون لجلها فل شيء أيا كان يقدر أن يمنعهما من حأمل
بغيتهما ؛ً و حأتى رجال المبراطور سيكونون عاجزين .
60
ثما أضافت بدموعا حأزينة جدا جدا على مغادرته و زوجته ,هما من تعلمت أن تحأبهما كوالديها؛ً لو
تستطيع أن تفعل كما تحأب فإنها ستبقى معهما في شيخوختهما ,و ستحأاول أن ترد كل الحأب و
الحأنان اللذين غمراها بهما طوال كل حأياتها الرضية .
انقضت الليلة ! بزغ قمر الحأصاد الصفر عالي ا في السماوات ,غام ار العالما النائما بضيائه
الذهبي .حأل الصمت فوق غابات الصنوبر و الخيزران ,وفوق السطح حأيثا كان ألف من الرجال
المسلحأين ينتظرون .
ثما أخذ الليل يصبح رماديا قبيل الفجر و أمل الجميع بأن الخطر قد انتهى ـ وأن ليس على
الميرة ضوء القمر أن تغادرهما بعد كل شيء .ثما رأى المراقبون فجأة سحأابة من نطاق القمر ـ و
بينما كانوا ينظرون بدأت هذه السحأابة تتدحأرج نحأو الرض .اقتربت أكثر فأكثر ,و رأى الجميع
بهلع أن مسارها يتجه نحأو البيت .
خلل وقت قصير كحأتجقبت السماء تمام ا ,إلى أن حألت السحأابة أخي ار فوق المسكن على
بعد عشرة أقداما من الرض .وقفت في وسط السحأابة عربة طائرة ,وفي العربة عصبة من الكائنات
المنيرة .بدا واحأسد من بينهما مثل ملك و ظهر أنه الزعيما خطا خارج العربة و ,توازن في الهواء ,
نادى على الرجل العجوز ليخرج .
قال " :لقد حأل وقت مغادرة الميرة ضوء القمر لتعود إلى القمر الذي أتت منه .لقد
ارتكبت خطأا جسيم ا ,وأكبرتسقلت لتعيش هنا في السفل مدة من الزمان كعقوبة .نحأن نعلما مقدار
العناية الجيدة بذلتها للميرة ,وكافأناك على هذا و أرسلنا إليك الثروة و الرخاء .كنا نضع الذهب
في أشجار الخيزران لتجده " .
قال الرجل العجوز " :لقد ربيت هذه الميرة عشرين سنة و لما ترتكب و ل مرة واحأدة
خطأ ,لذا فإنه ل يمكن أن تكون هي السيدة التي تبحأثون عنها ,أرجو أن تبحأثوا في مكان آخر " .
حأينئذ نادى الرسول بصوت مرتفع قائلا :
" أيتها الميرة ضوء القمر,اخرجي من هذا المسكن السفلي ,ل تبقي هنا لحأظة أخرى " .
عند هذه الكلمات فكتتقحأت ستائر غرفة الميرة ,مبدية الميرة مشرقة بإشعاعها ,لمعة و
مدهشة و ممتلئة جمالا .
قادها الرسول قككدم ا ووضعها في العربة .نظرت إلى الخلف ,و رأت بشفقة الحأزن
العميق للرجل العجوز .كلمته بكثير من الكلمات المواسية ,وأخبرته أنها ليست رغبتها أن في
تغادره و أنه يجب عليه دائما أن يفكر فيها حأين ينظر إلى القمر .
توسل قاطع الخيزران أن يسمح له بمرافقتها ,لكن هذا لما يسمح به .خلعت الميرة ثوبها
الخارجي المزخرف و قدمته إليه تذكا ار .
61
ف أجنحألة ,حأمل آخر زجاجة مليئة بإكسيرحأمل واحأد من كائنات القمر في العربة معط ق
الحأياة أعطيت للميرة لتشربها .ابتلعت قليلا و كانت على وشك أن تعطي البقية للرجل العجوز ,
ت من تفبعتل ذلك .
لكنها كمنتقع ب
كان ثوب الجنحأة على وشك أن يوضع على كتفيها ,لكنها قالت :
" انتظروا قليلا .على أل أنسى صديقي الطيب المبراطور .يجب أن أكتب له مرة
أخرى لقول وداع ا ما دمت ل أزال بهذا الشكل البشري " .
وعلى الرغما من نفاد صبر الرسل و عمال العربة جعلتهما ينتظرون بينما كانت تكتب .
وضعت زجاجة إكسير الحأياة مع الرسالة ,وطلبت من الرجل العجوز ,مناولة له إياها ,أن
يسلمهما إلى المبراطور .
ثما بدأت العربة تجري باتجاه السماء نحأو القمر ,بينما الجميع يحأدقون بعيون دامعة
بالميرة المنسحأبة ,انبلج الفجر ,وفي النور الوردي للنهار غابت عربة القمر و كل من فيها بين
السحأب التي تشبه صوف الخراف التي كانت منطلقة الن عبر السماء على أجنحأة ريح الصباح .
ت رسالة الميرة ضوء القمر إلى القصر .كان المبراطور خائفا من لمس إكسير كحأتملق ب
الحأياة ,لذا بعثه مع الرسالة إلى قمة أقدس جبل في البلد ,جبل فوجي ,وهناك أحأرقها المبعوثون
الملكيون عند الشروق لهذا يقول الناس حأتى اليوما إنه كيشاقهكد كدخاسن يتصاعد من قمة جبل فوجي إلى
السماء .
مرآة ماتسوياما
قصة من اليابان القديمة
منذ سنوات بعيدة مضت كان يعيش في اليابان القديمة ,رجل و زوجته في مقاطعة اتشيغو ,
التي هي جزء بعيد من اليابان حأتى في هذه الياما .حأين تبدأ هذه القصة يكونان قد تزوجا منذ بضع
62
سنوات ورزقا بابنة صغيرة واحأدة كانت بهجة ومفخرة حأياتيهما ,و فيها ادخرا لشيخوختهما مصد ار
ل نهاية له من السعادة .
يا لها من أياما كتبت بحأروف من ذهب تلك التي ميزت نموها من سن الطفولة ؛ً زيارة
المعبد حأين كانت في عمر الثلثين يوم ا فقط ,تحأملها أمها الفخورة ,مكسوة بكيمينو طقسي ،
لتوضع تحأت رعاية إله السرة المنزلي ؛ً ثما عيد كدماها الول ,حأين أعطاها والداها طقم ا من الدمى
مع أمتعتها المنمنمة ،يضاف إليها عام ا تلو عاما ؛ً و لعل أكثر المناسبات أهمية ،يوما ميلدها
الثالثا ،حأين كرتبط وشاحأها المطرز الواسع الول ) أوبي ( القرمزي و الذهبي حأول خصرها الصغير
,علمة على أنها عبرت عتبة البنوتة وخلفت وراءها الطفولة .الن حأين بلغت السابعة من العمر ,
وتعلمت أن تتحأدثا و تقوما على خدمة والديها بتلك الطرق الصغيرة العديدة و العزيزة على قلبي
والدين حأنونين ,بدت كأس سعادتهما مترعة .
لن تجد في كل الجزيرة المبراطورية أسرة صغيرة أكثر سعادة .
في أحأد الياما كان البيت في هياج عظيما ,لن الب اسكتدعي فجأة إلى العاصمة في مهمة
.من العسير أن نعرف ما تعنيه رحألة كتلك من ماتسو ياما إلى كيوتو في تلك الياما أياما السكك
الحأديدية و العربات التي يجرها رجال ووسائل السفر السريع الخرى .كانت الطرق وعرة و سيئة ,
وكان على الناس العاديين أن يمشوا كل خطوة من الطريق ,سواء كانت المسافة مائة ميل أو عدة
مئات من الميال .في تلك الياما حأق ا كانت أهمية أن يشرعا بالذهاب إلى العاصمة مثلها حأين يقوما
ياباني برحألة إلى أوروبا الن .
لذا فقد كانت الزوجة قلقة حأيال ما تساعد زوجها به في الستعداد للرحألة الطويلة ,وهي
تعرف أن مهمة شاقة تجثما أمامه .وتمنت دون طائل لو تستطيع أن ترافقه ,لكن المسافة شاقة
أكثر مما ينبغي على الما و الطفلة ,و إضافة إلى ذلك ,فإن واجب الزوجة هو أن تعتني بالبيت .
أخي ار كان كل شيء جاه از ,ووقف الزوج في الشرفة و أسرته الصغيرة من حأوله.
قال الرجل ":ل تقلقي ,سأعود قريبا ,حأين أكون بعيدا اعتني بكل شيء ,وخصوصا
بابنتنا".
قالت الزوجة ,بينما كانت الدموعا تنهمر من عينيها كالمطر ":أجل ,سنكون بخير-لكن
أنت-اعتن بنفسك و ل تؤجل عودتك إلينا يوم ا واحأداا".
كانت الفتاة الصغيرة وحأدها من يبتسما ,لنها كانت تجهل ما يعنيه ألما الفراق ,و لما تكن
تعلما أن الذهاب إلى العاصمة يختلف كليا عن المشي إلى القرية القريبة ,والذي كان والدها يقوما به
كثي ارا .ركضت إلى جانبه ,و أمسكت بكمه الطويل لتوقفه لحأظة .
"أبي ,سأكون جيدة جدا بينما أنتظر عودتك ,لذا أحأضر لي هدية من فضلك ".
63
حأين التفت الب ليلقي نظرته الخيرة على زوجته الباكية و طفلته الباسمة المتلهفة ,شعر
كما لو أن أحأدا كان يشده إلى الخلف من شعره ,كان صعبا عليه أن يتركهما ورائه ,لنهما لما يفترقوا
عن بعضهما من قبل أبداا .لكنه علما أن عليه أن يذهب ,لن الدعوة كانت إلزامية .بجهد كبير
توقف عن التفكير ,و مضى بسرعة بإصرار ملتفت ا إلى البعيد إلى أسفل الحأديقة الصغيرة و خرج
عبر البوابة .ركضت زوجته ,ممسكة الطفلة بذراعيها ,حأتى البوابة ,و راقبته و هو يمضي إلى
أسفل الطريق بين أشجار السرو إلى أن غاب في ضباب المسافة و كل ما استطاعت أن تراه كان
قبعته المرتفعة بشكل جذاب ,و أخي ار اختفت هي أيضاا.
قالت الما ,بينماكانت تسلك طريق العودة إلى البيت " :الن ذهب الب ,وعلينا أنا وأنت
أن نعتني بكل شيء حأتى يعود ".
قالت الطفلة مشيرة برأسها ":أجل ,سأكون جيدة جداا ,وحأين يعود بابا إلى البيت أرجوك
أن تخبريه كما كنت جيدة ,وحأينها ربما يعطيني هدية " .
" أنا أعلما أن من المؤكد أن بابا سيحأضر لتك شيئا ا تريدينه كثي ار.لنني طلبت منه أن
يحأضر لك دمية .عليك أن تفكري ببابا كل يوما ,وتصلي من أجل أن تكون رحألته آمنة حأتى يعود
".
قالت الفتاة مصفقة بيديها ,وقد شعل وجهها ببهجة بسبب الفكرة اللسارة :
" ياه ,أجل ,كما سأكون سعيدة حأين يعود إلى البيت مجدداا ".بدا للما بينما كانت تنظر
إلى وجه الطفلة أن حأبها لها أخذ يزداد عمقا .
ثما شرعت في العمل لصنع ملبس الشتاء لثلثتهما .نصبت دولب غزلها الخشبي
البسيط وغزلت الخيط قبل أن تبدأ بنسج الحأاجيات .خلل الستراحأات من عملها كانت توجه
ألعاب الفتاة الصغيرة وتعلمها أن تق أر القصص القديمة لبلدها.هكذا وجدت الزوجة في العمل ع ازاء
لها خلل أياما وحأدتها أثناء غياب زوجها .
هكذا بينما كان الوقت ينقضي بسرعة في البيت الهادئ ,أنهى الزوج عمله وعاد .
كان من الصعب على من لما يعرف الرجل جيدا أن يتعلرف عليه .فلقد سافر يوما بعد
يوما ,تعرض لكل الظروف الجوية ,مدة شهر كامل ,و سفعته الشمس إلى أن صار برونزي اللون,
لكن زوجته المحأبة وطفلته عرفتاه من لمحأة ,وطارتا للقائه من جانبيه ,تمسك كل واحأدة منهما بأحأد
كميه في تحأيتهما المتلهفة .ابتهج الرجل وزوجته كلهما لنه وجد صاحأبه في حأالة حأسنة .لقد بدا
الزمنا طويلا عليهما جميعا إلى أن نزعا نعليه المصنوعين من القش ـ بمساعدة الما والطفلة ـ ونزعت
قبعته الكبيرة الواسعة ,وصار بينهما مجددا في غرفة الجلوس القديمة المألوفة التي كانت خالية
بصورة كبيرة أكثر مما ينبغي حأين كان بعيداا.
64
حأالما جلسوا على البسط البيض ,فتح الب سللة الخيزران التي أدخلها معه ,وأخرج دمية
جميلة وصندوقا مطليا باليلك مليئا بالكعك .
قال للبنت الصغيرة ":هاهنا هدية لك .إنها مكافأة عنايتك بأمك وبالبيت بشكل جيد حأين
كنت بعيداا" .
قالت الطفلة ,حأانية رأسها نحأو الرض ":شك ار لك " ثما ملدت يدها تمام ا مثل ورقة قيقب
بأصابعها المتلهفة المنتشرة لتأخذ الدمية والصندوق ,اللذين كانا أجمل من أي شيء رأته على
الطلق لنهما جاءا من العاصمة.
ل تستطيع الكلمات أن تعبر كما كانت البنت الصغيرة مسرورة ,بدا وجهها كما لو أنه سيذوب من
البهجة ,وكأنها ل عينان لها ول تفكير بأي شيء آخر .
مرة ثانية غاص الزوج داخل السلة ,و أخرج هذه المرة صندوق ا خشبي ا مربع ا ,ربط بعناية
ل:
بخيط أحأمر و أبيض ,و سلمه لزوجته ,قائ ا
" وهذا لك " .
أخذت الزوجة الصندوق ,وأخرجت وهي تفتحأه بعناية قرصا معدنيا ذي قبضة متصلة.
كان أحأد الجانبين لمع ا وصقيلا مثل الكريستال ,وكان الخر مغطى بأشكال محأدثة من أشجار
الصنوبر و اللقالق ,كانت منقوشة على سطحأها الناعما في حأقيقة تشبه الحأياة .لما تر أبدا في
حأياتها شيئ ا كهذا ,لنها كانت قد ولدت و ربيت في مقاطعة إشيغو الريفية .حأملقت في القرص
الصقيل ,و قالت و هي تنظر و الدهشة و العجب باديان على وجهها :
"أرى أحأدهما ينظر إلي في هذا الشيء المدور! ما هذا الشيء الذي أعطيتني إياه؟ "
ضحأك الزوج و قال :
" لماذا ,إن ما ترين هو وجهك .ما أحأضرته لك يدعى المرآة ,و الذين ينظرون إلى
ي منها في هذا
سطحأها الصافي يستطيعون أن يروا شكلهما منعكس ا عليه .ورغما أنه ل يوجد أ س
المكان النائي ,فإنها مع ذلك كانت قيد الستعمال في العاصمة منذ أقدما الزمان .هناك كتعتبر
ي ينبغي للمرأة أن تحأوزه .ثمة قمثقسل قديما أنه مثلما أن السيف هو روح
المرآة مستلزما ضرور س
الساموراي ,كذا فإن المرآة هي روح المرأة ,و بحأسب التقليد الشعبي ,فإن مرآة المرأة مؤشر على
قلبها ـ إذا حأافظت عليها لمعة وصافية ,فإن قلبها نقي وطيب .إنها أيض ا واحأدة من الكنوز التي
تشكل شارات سلطة المبراطور .لذا فإن عليتك أن تحأافظي على مرآتك كثي ار و أن تستعمليها
بعناية " .
أصغت الزوجة إلى كل ما أخبرها به الزوج ,وكانت مسرورة لتعلما ذلك الكثير الذي كان
جديدا بالنسبة لها .
كانت ما تزال أكثر سرو ار بهديته الثمينة ـ علمة التذكر حأين كان بعيدا .
65
" إذا كانت المرآة تمثل روحأي ,فإنني سأخبئها بالتأكيد كملكية ثمينة ,ولن أستعملها
باستهتار أبدا " .رفعتها وهي تقول هذا حأتى جبينها ,بامتنالن شاكلر على الهدية ,ثما أغلقت عليها
في صندوقها ووضعتها بعيدا عن المتناول .
رأت الزوجة أن زوجها كان متعب ا كثي ار ,و شرعت بإعداد وجبة المساء وفي جعل كل
شيء مريحأ ا له بقدر ما استطاعت .لقد بدا للسرة الصغيرة كما لو أنها لما تعرف أبدا ما هي
السعادة الحأقيقية من قبل ,فكانوا مسرورين أكثر من المعتاد لنهما مع ا ثانية ,و كان لدى الب هذا
المساء الكثير ليخبرهما به عن رحألته و عن كل ما رأى في العاصمة العظيمة .
مر الوقت في البيت الهادئ ,و رأى الوالدان أعز أمنياتهما تتحأقق بينما تكبر ابنتهما من
الطفولة إلى فتاة جميلة في السادسة عشر من عمرها .كجوهرة ل تقدر بثمن حأملت بيد مالكها
الفخور ,هكذا ربياها بحأب وعناية ل يتوقفان :و الن كوفئت جهودهما أضعاف ا مضاعفة فقد كانت
سلوى أمها حأين كانت تتجول في البيت مؤدية نصيبها من تدبير المنزل ,وكما كان أبوها فخو ار بها ,
لنها كانت تذكره يوميا بأمها حأين تزوجها أول المر .
لكن ,واحأسر تاه ! ل شيء يدوما إلى البد في هذا العالما .حأتى القمر ل يكون دائما تاما
في الشكل ,لكنه يفقد دائريته مع الوقت ,و الزهور تزهر ثما تذبل .هكذا تحأطمت سعادة هذه
السرة أخي ار بحأزن كبير .فقد أصيبت الزوجة و الما الطيبة و اللطيفة بالمرض.
في الياما الولى لمرضها ظن الب و البنة أنه كان زكام ا فقط ,و لما يكونا قلقين بصورة
واضحأة .لكن الياما كانت تمضي و الما ل مع ذلك ل تتحأسن ؛ً بل كانت تسوء فقط ,و كان
الطبيب محأتا ار ,لن المرأة المسكينة على الرغما من كل ما فعله كانت تضعف يوما إثر يوما .
صدما الب و البنة بالحأزن ,ولما تكن الفتاة لتترك جوار "أمها نها ار أو ليلا .لكن برغما كل جهودهما
ما كان للمرأة أن تكبنقققذ .
ففي أحأد الياما بينما كانت الفتاة تجلس قرب فراش أمها ,محأاولة إخفاء القلق الذي ينخر
قلبها بابتسامة مشجعة ,نهضت الما بنفسها و آخذة بيد ابنتها ,حأدقت بلهفة و حأب في عينيها .
كان تنفسها صعبا و تكلمت بمشقة :
" يا ابنتي ,أنا على يقين من أنه لشيء يمكن أن ينقذني الن .عديني حأين أموت ,أن
تعتني بأبيك العزيز و أن تحأاولي أن تكوني امرأة طيبة ومطيعة " .
قالت الفتاة بينما اندفعت الدموعا إلى عينيها " :أماه ,ل ينبغي أن تقولي مثل هذه الشياء
كل ما عليك أن تفعليه هو أن تسرعي و تشفي ـ فذاك سيجلب أعظما السعادة لي ولبي " .
66
" أجل ,أعرف ,و إنه لتسلية لي في أيامي الخيرة أن أعرف كما تتوقان بقوة لجل أن
1
أتحأسن ,لكن هذا لن يكون .فل تكوني حأزينة إلى هذا الحأد ,لنه مقدر علي في حأياتي السابقة
أن أموت في هذه الحأياة في هذا الوقت تماما ؛ً و لعلمي بهذا ,فأنا مستسلمة تماما لقدري .و لدي
الن ما أعطيك إياه كي تتذكريني به حأين أرحأل ".
تناولت ,مادة يدها من جانب الوسادة صندوق ا خشبي ا مربع ا مربوط ا بخيط حأريري و
شرلابات .
أخرجت من الصندوق ,وهي تفك هذا الخيط بعناية كبيرة المرآة التي أعطاها إياها زوجها منذ
سنوات مضت .
حأين كنت ل تزالين طفلة صغيرة ذهب أبوك "إلى العاصمة و جلب لي هذا الكنز هدية؛ً
إنها تدعى مرآة .أعطيك إياها قبل أن أموت .إذا ,كنت وحأيدة وتودين رؤيتي بين الفينة و الخرى
,بعد أن أتوقف عن الوجود في هذه الحأياة ,أخرجي حأينئذ هذه المرآة وسترينني دائم ا على سطحأها
الصافي و المشرق ـ بهذا ستكونين قادرة على مقابلتي كثي ار و إخباري بكل همك ؛ً و مع أني لن
أكون قادرة على الكلما ,فسأفهمك و أتعاطف معك ,مهما حأصل معك في المستقبل ".بهذه
الكلمات سلمت المرأة المشرفة على الموت المرآة لبنتها .
بدا الن أن عقل الما الطيبة مرتاح ,و مضت روحأها بهدوء بعيدا و قد مالت إلى الوراء
دون كلمة أخرى في ذلك اليوما .
بالغ الب و البنة المحأرومان بالحأزن ,و أسلما نفسيهما إلى حأزنهما المرير .فقد شع ار أنه
من المستحأيل أن يوصدعا المرأة المحأبوبة التي ملت إلى الن كل حأياتيهما و أن يودعا جسدها
التراب .
لكن نوبة الحأزن هذه مرت ,و استعادا قلبيهما ثانية ,مع أنهما كانا مسحأوقين بالذعان .على الرغما
من هذا فقد بدت حأياة الفتاة بالنسبة لها بائسة .فحأبها لمها المتوفاة لما ينقص بمرور الوقت ,و
كان تذكرها شديدا ,بحأيثا أن كل شيء في الحأياة اليومية ,حأتى هطول المطر و هبوب الريح ,
كان يذكرها بموت أمها و بكل ما أحأباه و تقاسماه معا .في أحأد الياما حأين كان والدها في الخارج ,
وكانت هي تؤدي واجباتها المنزلية بمفردها ,بدت وحأدتها و حأزنها أكبر من طاقتها على الحأتمال
.ألقت نفسها في غرفة أمها و بكت كما لو أن قلبها سينصدعا .كانت الطفلة المسكينة تتوق لمجرد
لمحأة لوجهها المحأبوب ,أو سماعا للصوت الذي يناديها باسمها التحأببي ,أو للحأظة نسيان للفراغ
- 1هذه عقيدة دينية لدى بعض اليابانيين مفادها أن المرء يعيش كيرةا بعد كيرلة ,وهو إما أن يترقى أو يتدنى بحأسب
عمله في حأياته السابقة .المترجما
67
المؤلما في قلبها .نهضت فجأة .دوت كلمات أمها الخيرة في ذاكرتها التي تبدلت حأتى الن بسبب
الحأزن .
" أوه ! لقد أخبرتني أمي حأين أعطتني المرآة كهدية للفراق ,أنني حأين أنظر إليها فسأكون
قادرةا على مقابلتها ـ رؤيتها .لقد نسيت تقريب ا كلماتها الخيرة ـ كما أنا حأمقاء؛ً سأحأضر المرآة و أرى
إن كان هذا حأق ا ! "
جففت عينيها بسرعة ,وذهبت إلى الخزانة و أخرجت الصندوق الذي كان يحأتوي المرآة ,
كان قلبها ينبض بترقب بينما كانت ترفع المرآة و تحأدق في وجهها الصقيل .أنظروا ,كانت كلمات
أمها صادقة ! رأت وجه أمها في المرآة المدورة التي أمامها ؛ً لكن ,أوه ,يا للمفاجأة المبهجة ! لما
تكن أمها النحأيلة التي أذبلها المرض ,ولكنها المرأة الشابة الجميلة كما كانت تتذكرها في أياما
كادت تسمع صوت
ا طفولتها المبكرة .بدا للفتاة أن الوجه الذي في المرآة يجب أن يتكلما قريب ا ,وأنها
أمها يأمرها ثانية أن تكبر لتكون امرأة صالحأة و ابنة مطيعة ,كانت العينان في المرآة تنظران في
عينها بتوق شديد .
" إنها بالتأكيد روح أمي تلك التي أرى .إنها تعلما كما أنا بائسة بدونها و قد أتت لتواسيني .
حأينما أتوق لرؤيتها فستقابلني هنا ؛ً كما ينبغي عللي أن أكون شاكرة ! "
ومنذ هذا الوقت أخذ ثقل الحأزن يزول عن قلبها الشاب بشكل كبير .كل صباح كانت البنت
الشابة تخرج المرآة و تحأدق في النعكاس الذي كانت تعتقد ببساطة قلبها البريء أنه روح أمها ،
لكي تستجمع قوة لواجبات النهار التي أمامها ,وكل مساء ,للسلوى قبل أن تضطجع لترتاح .كانت
تزداد يوميا شبها بشخصية أمها ,وكانت دمثة و لطيفة مع الجميع ,وفتاة مطيعة لوالدها .
مر عاما انقضى في حأداد في السرة الصغيرة ,حأين تزوج الرجل ثانية بناء على نصيحأة من أقاربه ,
ووجدت الفتاة نفسها الن تحأت سلطة زوجة أب .كان موقع ا شاق ا ؛ً لكن أيامها كانت تنقضي في
تذكر أمها الحأبيبة ,و جعلتها محأاولتها أن تكون ما تمنتها تلك الما أن تكون ,بنت ا صغيرة طليعة
وصابرة ,وهي الن قد قررت أن تكون بنتا مطيعة لزوجة الب ,في كل المجالت .مضى كل
شيء في السرة بنعومة ظاهريا لبعض الوقت تحأت النظاما الجديد ؛ً لما تكن هناك رياح أو أمواج
خلف تكدر سطح الحأياة اليومية ,وكان الب راضي ا .
لكن من خطر المرأة أن تكون حأقيرة ووضيعة ,و زوجات الباء هن مضرب مثل في كل
أنحأاء العالما ,و قلب هذه الزوجة بالذات لما يكن مثله حأين كانت بابتسامتها الولى .حأين غدت
الياما و السابيع شهو ار ,بدأت زوجة الب تعامل الفتاة التي ل أما لها بقسوة و راحأت تحأاول أن
تحأول بين الوالد و الطفلة .
كانت تذهب أحأيان ا إلى زوجها و تشتكي من سلوك ابنة الزوج ,لكن الب ولعلمه أن هذا المر
متوقع ,لما يعر انتباه ا لشكاويها التي تدل على خبثا طوية .و بدلا من أن يقلل من محأبته لبنته ,
68
كما كانت ترغب المرأة ,فإن تذمرها المتكرر جعله فقط يفكر فيها أكثر .رأت المرأة بعد وقت
قصير أنه بدأ يظهر اهتماما أكبر بابنته الوحأيدة أكثر من ذي قبل .لما يسرها هذا إطلقا ,و أخذت
تبحأثا في عقلها كيف يمكنها أن تخرج ابنة زوجها من البيت ,بطريقة أو أخرى .صار قلب المرأة
منحأرف ا أكثر من اللزما.
كانت تراقب الفتاة بانتباه ,و في أحأد الياما بينما كانت تسترق النظر إلى غرفتها في
الصباح الباكر ,حأسبت أنها اكتشفت خطيئة خطيرة كافية لتتهما الطفلة بها أماما أبيها .فقد فزعت
المرأة ذاتها قليلا لما رأته.
لذا ذهبت فو ار إلى زوجها ,ماسحأة بعض الدموعا الكاذبة ,قالت بصوت حأزين :
" من فضلك امنحأني الذن كي أغادرك اليوما ".
كان الرجل مصعوق ا تمام ا بالمفاجأة من طلبها المفاجئ ،و تساءل ماالمر .
سأل " :هل تجدين أن الحأياة غير سارة في بيتي بحأيثا أنك لما تعودي تستطيعين أن مدة
أطول؟"
" ل ! ل ! ل علقة لك بالمر ـ أنا لما أفكر حأتى في أحألمي بالرغبة في مغادرة جانبك ؛ً
لكنني إن واصلت الحأياة هنا فأنا في خطر من فقدان حأياتي ,لذا فأنا أظن أنه من الفضل للجميع
أن تسمح لي بالذهاب إلى بيتي ! "
و بدأت المرأة تبكي من جديد .قال زوجها الذي انزعج لرؤيتها تعيسة ,و ظان اق أنه لما يسمع
بشكل صحأيح :
أخبريني ماذا تعنين .كيف تكون حأياتك في خطر هنا ؟ "
" بما أنك تسألني فسأخبرك .ابنتك ل تحأبني كزوجة أب .لنها كانت تغلق على نفسها في
غرفتها لبعض الوقت صباحأ ا و مساء ,ونظرت إلى الداخل بينما كنت أمر بالجوار ,بت مقتنعة أنها
صنعت مثالا لي و هي تحأاول أن تقتلني بفن السحأر ,بأن تلعنني يومياا .فليس من المأمون أن
أبقى هنا ,في مثل هذه الحأالة ؛ً حأقا ,حأقا ,علي أن أذهب بعيدا ,نحأن ل نستطيع أن نعيش تحأت
سقف واحأد أكثر " .
أصغى الزوج إلى الحأكاية المفزعة ,لكنه لما يستطع أن يصدق أن ابنته اللطيفة مذنبة بهذا
العمل الشرير .كان يعلما من خلل الخرافة الشعبية أن الناس يعتقدون أن المرء يمكن أن يتسبب
بموت تدريجي لخر بصنع تمثال للشخص المكروه و لعنه يومي ا ؛ً لكن أين تعلمت ابنته الشابة مثل
هذه المعلومة؟ ـ كان المر مستحأيلا .مع ذلك تذكر أنه لحأظ أن ابنته باتت تمكثا أكثر في غرفتها
ب واضعا هذه ت
منذ عهد قريب و تنأى بنفسها عن كل أحأد ,حأتى حأين يأتي الزوار إلى البيت .قحأس ق
الحأقيقة جنب ا إلى جنب مع تحأذير زوجته ,أنه يمكن أن يكون هناك شيء ما يبرر القصة الغريبة .
كان قلبه ممزق ا بين شكه في زوجته و ثقته بطفلته ,و لما يكن يعرف ماذا يفعل .
69
قرر أن يذهب حأالا إلى ابنته و أن يحأاول أن يتبين الحأقيقة .ليريح زوجته و ليؤكد لها أن مخاوفها
ل أساس لها ,تسلل بهدوء إلى غرفة ابنته .
كانت البنت حأزينة جدا لوقت طويل مضى .لقد حأاولت بود وطاعة أن تظهر شعورها
الودي و أن تهدئ الزوجة الجديدة ,و تكسر جدار التحأامل و سوء التفاهما الذي تعلما أنه يقف
بشكل عاما بين زوجات الباء و أولد الزواج .لكنها وجدت بعد وقت قصير أن جهودها كانت بل
طائل .فزوجة أبيها لما تثق بها مطلق ا ,و بدا أنها تسيء تفسير كل أعمالها ,وعلمت الطفلة
المسكينة جيدا أنها كانت تنقل دائما حأكايات غير صحأيحأة و قاسية إلى أبيها .لما تستطع أن تمنع
نفسها من مقارنة ظرفها الحأالي الحأزين بالوقت الذي كانت فيه أمها حأية ترزق منذ أكثر من عاما
بقليل ـ إنه لتغير كبير في هذا الوقت القصير ! كانت تبكي على الذكرى صباح مساء .
ا مضى
كانت تذهب إلى غرفتها كلما استطاعت ,ترخي الستائر ,تخرج المرآة وتحأدق ,كما كانت تظن ,
في وجه أمها .فقد كان هذا هو العزاء الوحأيد الذي لديها في هذه الياما البائسة .
وجدها أبوها مشغولة بهذه الطريقة .دافعا الستارة جانبا ,رآها منحأنية فوق شيء ما أو آخر
باستغراق شديد .ناظرة من فوق كتفها ,لترى من كان يدخل غرفتها ,دهشت الفتاة لرؤية أبيها ,
لنه كان يرسل إليها عموم ا حأين كان يرغب بالحأديثا معها .كانت مرتبكة أيض ا لكونها وجدت
وهي تنظر إلى المرآة ,لنها لما تخبر أحأدا بوعتد أمها الخير ,لكنها احأتفظت به س ار مقدس ا لقلبها .
لذا و قبل أن تلتفت إلى أبيها دست المرآة داخل كمها الطويل .قال أبوها ملحأظ ا ارتباكها ,
وصنيعها في إخفاء شيء ما ,بهيئة صارمة :
" يا ابنتي ,ماذا تفعلين هنا ؟ و ما ذاك الشيء الذي أخفيته في كمك ؟ "
خافت الفتاة من صرامة والدها .فهو لما يتكلما إليها أبدا بهذه النبرة .تحأول ارتباكها إلى
خشية ,ولونها من القرمزي إلى البيض .جلست صامتة و خجلة ,غير قادرة على الرد.
كانت المظاهر ضدها بالتأكيد ؛ً بدت الفتاة مذنبة ,و تكلما الب بغضب ,ظان ا أنه ربما
كان ما قالته زوجته بعد كل ذلك صحأيحأا :
" إذن ,صحأيح فعلا أنك تلعنين زوجة أبيك يوميا و تصلين لجل موتها ؟ هل نسيتت ما
قلكته لك ,من أنها على الرغما من كونها زوجة أبيك يجب أن تكوني مطيعة و مخلصة لها ؟ أي
شيطان قد حأاز قلبك لتكوني شريرة هكذا ؟ أنت تغيرت بالتأكيد ,يا ابنتي ! ما الذي جعلك عاصية
وخائنة هكذا ؟ "
و امتلت عينا الوالد بدموعا مفاجئة لظنه أنه يجب أن يوبخ ابنته بهذه الطريقة .
لما تعرف هي من جانبها ما الذي قصده ,لنها لما تسمع أبدا بخرافتة أن بالصلة على
تمثال من الممكن أن تتسبب بالموت لشخص مكروه .لكنها رأت أن عليها أن تتكلما و توضح نفسها
70
بطريقة ما .كانت تحأب أباها كثي ار ,و لما تستطع أن تحأتمل فكرة غضبه .وضعت يدها على ركبتيه
باستنكار :
" أبي ! يا أبي ! ل تقل هذه الشياء الفظيعة عني .فأنا ما زلت طفلتك المطيعة .حأقا ,
أنا كذلك .مهما كنت حأمقاء ,فلن أكون قادرة على لعن أي أحأد يمت إليك بصلة ,فضلا عن أن
أصلي لجل موت من تحأب .من المؤكد أن أحأدا ما كان يخبرك بالكاذيب ,و أنت مذهول ,ول
تعلما ما تقول ـ أو أن شيطان ا امتلك قلبك .بالنسبة لي أنا ل أعلما ـ ل و ل حأتى قدر قطرة ندى من
الشر يمكن أن تتهمني به " .
لكن والدها تذكر أنها أخفت شيئا حأين دخل الغرفة أولا ,و لما يقنعه حأتى هذا الحأتجاج
الجاد .رغب في أن يزيل شكوكه كلهاعلى الفور .
" لماذا أنت دائم ا لوحأدك في غرفتك هذه الياما أذن ؟ و أخبريني ما ذاك الذي أخفيته في
كمك ـ أريني إياه فو ار " .
حأينئذ وجدت البنة ,رغما أنها كانت خجلة من العتراف كيف كانت تكتجرل ذكرى أمها ,
أنها يجب أن تخبر أباها بكل شيء لجل أن توضح نفسها .لذا فقد استلت المرآة من كمها الطويل
ووضعتها أمامه .
قالت " :هذا ما رأيتني أنظر إليه في هذه اللحأظة .
قال بدهشة كبيرة " :لماذا ,هذه هي المرآة التي أحأضرتها كهدية لمك حأين ذهبت إلى
العاصمة منذ سنين عديدة مضت ! و أنت احأتفظت بها كل هذا الوقت ؟ الن ,لماذا تمضين هذا
القدر الكبير من وقتك أماما هذه المرآة ؟ "
عندئذ أخبرته بكلمات أمها الخيرة ,و كيف أنها وعدت أن تقابل ابنتها كلما نظرت إلى
المرآة .
لكن الب كان ل يزال ل يستطيع أن يفهما بساطةق شخصية ابنته بعدما معرفتها أن ما تراه منعكس ا في
المرآة كان في الحأقيقة وجهها هي ,و ليس وجه أمها .
سأل " :ماذا تعنين ؟ أنا ل أفهما كيف أنك تستطيعين مقابلة روح أمك الفقيدة من خلل
النظر في هذه المرآة ؟ "
قالت الفتاة " :إنه حأق ا صحأيح ,و إذا كنت ل تصدق ما أقول ,أنظر بنفسك " ,ووضعت
المرآة أمامها .هناك ,كان ينظر وجهها الحألو من القرص المعدني الصقيل .أشارت إلى
النعكاس جادة :
" أما زلت تشك بي ؟ " سألت جادة ,و هي تنظر في وجهه .
ضرب الوالد يديه بقوة بتعجب يدل على فهما مفاجئ .
71
" كما أنا أحأمق ! أخي ار أنا أفهما .إن وجهك يشبه وجه أمك كنصفي بطيخة واحأدة ـ هكذا
كنت تنظرين إلى انعكاس وجهك كل هذا الوقت ,ظانة أنك تحأضرين وجها لوجه مع أمك الفقيدة !
أنت فعلا طفلة مخلصة .إن ما فعلته يبدو للوهلة الولى شيئا أحأمق ,لكنه في الحأقيقة ليس كذلك
.إنه يظهر كما هو عميق برك لبويك ,و كما هو بريء قلبك .إن العيش في تذكر مستمر لمك
الفقيدة ساعدك على أن تصبحأي مثلها في الشخصية .كما هو ذكاء منها أن تطلب منك أن تفعلي
هذا .أنا أكبرك و أحأترمك ,يا ابنتي ,و أنا أخجل من التفكير و لو للحأظة أنني صدقت قصة
زوجة أبيك المريبة و ظننتك خاطئة ,وجئت بقصد تعنيفك بقسوة ,في حأين أنتك كنت كل هذا الوقت
صادقة و طيبة بهذا القدر" .
وهكذا بكى الوالد .فكر في كما كانت الفتاة المسكينة وحأيدة ,و في كل ما ل بد أنها عانت
منه تحأت وطأة معاملة زوجة أبيها .جعلته ابنته التي احأتفظت بثبات بإيمانها و بساطتها ـ متحأملة
كل مشاكلها بهذا القدر الكبير من الصبر و الود ـ يشبهها بنبات اللوتس الذي يرفع زهرته ذات
الجمال الباهر من خلل وحأل و طين الخنادق و البرك ,رمزا مناسبا للقلب الذي يظل نظيفا بينما
يمر في هذا العالما .
كانت زوجة الب كل هذه المدة واقفة خارج الغرفة ,متلهفة ,إلى معرفة ما سيجري .
صارت متشوقة ,و بالتدريج دفعت الستارة المنزلقة إلى الخلف لتستطيع أن ترى ما كان يجري .
في هذه اللحأظة دخلت الغرفة فجأة ,ساقطة على البسط ,حأنت رأسها على يديها الممدودتين أماما
ابنة زوجها .
صرخت بنبرات منكسرة " :أنا خجلة ! أنا خجلة ! لما أكن أعلما كما أنت طفلة بارة .لقد
كرهتك كل الوقت ل من خلل ذنب منك ,و إنما من خلل غيرة قلب زوجة الب .و كارهة لك
بهذا القدر ,كان طبيعي ا أن أعتقد أنك كنت تبادلينني الشعور ,ولهذا حأين كنت أراك تنسحأبين كثي ار
إلى غرفتك ,تبعتك ,وحأين رأيتك تحأدقين يومي ا في المرآة لفترات طويلة ,استنتجت أنك اكتشفت كما
أبغضك ,و أنك تحأاولين بدافع النتقاما أن تسلبيني حأياتي بفن السحأر .لن أنسى ما حأييت الخطأ
الذي فعلته تجاهك بإساءة الحأكما عليك ,و بالتسبب بشك والدك فيك .من هذا اليوما ألقي قلبي
الشرير السابق بعيدا ,و أضع مكانه آخر جديدا ,نظيف ا و مليئ ا بالندما .سأفكر فيك كطفلة ولدتها
بنفسي .سأحأبك و أدللك بكل قلبي ,و أحأاول بهذا أن أعوض عن كل التعاسة التي تسببت بها لك
.
لذا ,أرجوك أل ت
ق إلى الماء بكل ما جرى من قبل ,و امنحأيني ,أتوسل إليك ,بعضا من الحأب
البنوي الذي منحأتيه حأتى الن لمك الفقيدة " .
هكذا تذللت زوجة الب القاسية و طلبت المغفرة من الفتاة التي أخطأت في حأقها كثي ار .
72
وكبيرة كانت حألوة مزاج الفتاة بحأيثا أنها سامحأت زوجة أبيها عن طيب خاطر ,و لما تحأمل
و لو للحأظة امتعاضا أو حأقدا تجاهها فيما بعد .رأى الب من خلل وجه زوجته أنها كانت متأسفة
بصدق على الماضي ,و استراح بشكل كبير لرؤية سوء التفاهما المريع يمحأى من ذاكرة الخاطئ و
من أخطئ بحأقه مع ا .
من ذلك الوقت فصاعدا ,عاش الثلثة مع ا سعداء مثل السمك في الماء .لما تسد مشكلة
مثقل هذته البيت ثانية أبدا ,و نسيت الفتاة عاما التعاسة ذاك في الحأب الرقيق و العناية التي منحأتهما
زوجة أبيها لها .
فقد كوفئ صبرها و طيبتها أخي ار .
73
كان قد مشى طيلة النهار و هو الن متعب و جائع ,و المسيات باردة ,لن الوقت أواخر
الخريف ,و صار تواقا جدا لن يجد بيتا حأيثا يستطيع أن يحأصل فيه على مبيت ليلة .وجد نفسه
ضائعا في وسط سهل كبير ,و نظر حأوله بل طائل بحأثا عن أثر لمسكن بشري .
أخي ار ,بعد التجوال لبضعة ساعات في الجوار ,رأى أجمة من الشجار في المدى ,و لمح
من خلل الشجار وميض شعاعا وحأيد من الضوء .صاح ببهجة :
" ياه ,بالتأكيد ذاك كوخ أستطيع الحأصول فيه على مبيت ليلة ! "
سحأب قدميه المرهقتين الموجعتين بأسرعا ما يستطيع نحأو البقعة ,واضعا الضوء نصب
عينيه و بعد وقت قصير وصل إلى كوخ صغير بائس المظهر .ورأى بينما كان يقترب أنه كان في
حأالة متداعية ,سياج الخيزران كان مكسو ار و قد شق القصب و العشاب طريقها خلل الفجوات
كانت الستائر الورقية التي تقوما مقاما النوافذ و البواب في اليابان ,مليئة بالثقوب ,و كانت أعمدة
البيت منحأية بفعل الهرما و بدت بالكاد تقدر على دعما السقف القديما المزود بالقش .كان الكوخ
مفتوحأا ,و على ضوء مصباح قديما جلست امرأة عجوز تغزل بمهارة .
نادى الحأاج عليها عبر سياج الخيزران و قال :
" اوه ,بآسان ) أيتها المرأة العجوز ( مساء الخير ! أنا مسافر ! أرجو المعذرة ,لكنني
ضللت الطريق و ل أدري ماذا أصنع ,لنه ليس لي مكان أستريح فيه هذه الليلة .أرجو أن تتفضلي
بالسماح لي بقضاء هذه الليلة تحأت سقف بيتك".
حأالما سمعت المرأة العجوز من يتحأدثا إليها أوقفت الغزل ,ونهضت من مقعدها و اقتربت
من الطفيلي .
"أنا آسفة كثي ار لجلك .لبد أنك منزعج لنك ضللت طريقك في مثل هذه البقعة المهجورة و
هذا الوقت المتأخر من الليل .لسوء الحأظ ل أستطيع أن أمنحأك المسكن و الطعاما,إذ ل فراش لدي
أقدمه لك ,و ل وسيلة راحأة أي ا كانت لضيف في هذا المكان الفقير !"
قال الكاهن " :أوه ,هذا غير مهما ,كل ما أريده ملجأ تحأت سق ل
ف لهذه الليلة ,و لو تفضلت
فقط بالسماح لي بالتمدد على أرض المطبخ فسأكون شاك ار .أنا متعب زيادة إلى درجة أنني غير
قادر على المشي أكثر هذه الليلة ,لذا آمل أل ترفضي ,و إل فسيكون علي أن أناما في السهل
البارد " .و بهذه الطريقة أليح على المرأة العجوز لتدعه يبقى .
بدت كارهة كثي ار ,لكنها في النهاية قالت :
" حأسناا ,سأدعك تمكثا هنا .أستطيع أن أقدما لك استقبالا بسيطا فقط ,لكن أدخل الن و
سأعد نا ار ,لن الليلة باردة " .
كان الحأاج مسرو ار جدا أن يفعل به فقط كما قيل له .خلع نعليه و دخل الكوخ .ثما أحأضرت
المرأة العجوز بعض قضبان الحأطب و أوقدت النار ,و رجت ضيفها أن يقترب و يتدفأ.
74
قالت المرأة العجوز " :لبد أنك جائع بعد مسيرك الطويل ,سأذهب و أطبخ لك عشاء .ثما
ذهبت إلى المطبخ لتطبخ بعض الرز .
ل .فكر
بعد أن أنهى الكاهن عشاءه جلست المرأة العجوز قرب الموقد وتبادل الحأديثا طوي ا
الحأاج في نفسه أنه كان محأظوظ ا جدا أن صادف مثل هذه المرأة العجوز اللطيفة المضيافة .أخي ار
قنتفقد الخشب ,و بينما أخذت النار تضمحأل ببطء بدأ يرتجف من البرد تمام ا مثلما كان يفعل حأين
وصل .
قالت المرأة العجوز " :أرى أنك مصاب بالبرد ,سأخرج و أجمع بعض الحأطب ,لننا
استعملناه كله .عليك أن تبقى و تهتما بالبيت ما دمت غائبة " .
قال الحأاج " :ل ,ل ,دعيني أذهب عوض ا عنك ,لنك عجوز ,و أنا ل أستطيع أن أفكر
بتركك تخرجين لتحأضري لي الحأطب في هذه الليلة الباردة ! "
هزت المرأة العجوز رأسها وقالت :
" عليك أن تمكثا هنا بهدوء ,فأنت ضيفي " .ثما تركته و خرجت .
بعد دقيقة عادت وقالت و قالت :
" عليك أن تجلس حأيثا أنت و ل تتحأرك ,ومهما حأدثا ل تقترب أو تنظر إلى الغرفة
الداخلية .نفذ الن ما أقوله لك ! "
قال الكاهن مرتبك ا نوع ا ما " :إذا قلت لي أل أقترب من الغرفة الخلفية ,أنا طبع ا لن أفعل",
حأينئذ خرجت المرأة العجوز ثانية ,و تكتر ق
ك الكاهن لوحأده .انطفأت النار ,و كان الضوء
الوحأيد في الكوخ هو ذاك الذي يصدر من مصباح خافت .بدأ لول مرة في تلك الليلة يشعر أنه في
مكان غريب ,و أثارت كلمات المرأة العجوز " ,مهما فعلت ل تتلصص إلى الغرفة الخلفية " ,
فضوله و خوفه .
ماذا يمكن أن يكون الشيء المخيبأ في تلك الغرفة و الذي ل ترغب أن يراه ؟ لبعض الوقت
جعله تذكر الوعد للمرأة العجوز ساكنا ,لكنه أخي ار لما يستطع أن يقاوما فضوله للتلصص إلى داخل
المكان المحأظور .
نهض و بدأ يتحأرك ببطء نحأو الغرفة الخلفية .ثما جعلته فكرة أن المرأة العجوز ستغضب منه
إذا هو عصاها يعود إلى مكانه قرب موقد النار .
بينما كانت الدقائق تمضي ببطء و لما تعد المرأة العجوز ,بدا يشعر بالخوف أكثر فأكثر ,و
يتعجب ما هو السر المخيف الموجود في الغرفة وراءه .عليه أن يكتشف .
قال الرجل في نفسه " :إنها لن تعرف أنني نظرت إل إذا أخبرتها .سألقي فقط نظرة صغيرة
قبل أن تعود " ,
75
مع هذه الكلمات نهض على قدميه ) لنه كان جالس ا كل هذا الوقت على هيئة يابانية و قدماه
تحأته ( و زحأف خلسة نحأو البقعة المحأرمة .دفع الباب المنزلق بيدين مرتجفتين إلى الخلف و نظر
.جيمد ما رآه الدقما في عروقه .كانت الغرفة مليئة بعظاما أناس و كانت الجدران ملطخة و الرض
مغطاةا بدما بشري .في إحأدى الزوايا جمجمة فوق جمجمة ترتفع إلى السقف ,في الخرى كانت
كومة من عظاما الذرعا ,في أخرى كومة من عظاما الرجل .جعلته الرائحأة المقززة يغمى عليه .
سقط إلى الخلف مذعو ار ,و تمدد لبعض الوقت متكو ار مذعو ار على الرض ,في منظر يكرثى له .
كان يرتجف كله و تصطك أسنانه ,و بالكاد استطاعا أن يزحأف خارج البقعة المفزعة .
صاح كما هذا فظيع ! ما هذا الوكر الرهيب الذي جئت إليه في أسفاري؟ ليساعدني بوذا و إل
فقد ضعت .أمن المعقول أن تلك المرأة العجوز اللطيفة هي في الحأقيقة الغول آكل اللحأوما البشرية ؟
حأين تعود ستبدي لي نفسها بشخصيتها الحأقيقية و تلتهمني بلقمة واحأدة ! "
مع هذه الكلمات عادت إليه قوته و اندفع إلى خارج البيت ,منتزع ا قبعته و عصاه ,بأسرعا
ما استطاعت رجله أن تحأمل .ركض خارجا إلى الليل ,و همه الوحأيد أن يبتعد أقصى ما يستطيع
عن مأوى الغول .لما يكن قد مضى بعيدا حأين سمع خلفه خطوالت و صوتا يصرخ " :قف ! قف !
"
تابع راكض ا ,مضاعف ا سرعته ,متظاه ار بأنه ل يسمع .بينما كان يركض كان يسمع
الخطوات خلفه تقترب أكثر فأكثر ,و أخي ار تعلرف على صوت المرأة العجوز الذي أصبح مرتفع ا
أكثر فأكثر بينما هي تقترب
" قف ! قف ,أيها الرجل الشرير ,لماذا نظرت إلى داخل الغرفة المحأرمة ؟ "
نسي الكاهن تمام ا كما كن متعب ا وطارت قدماه فوق الرض بأسرعا ما فعل في حأياته فلقد
منحأه الخوف قوة ,لنه كان يعرف أن الغول إذا أمسك به فسيكون بعد وقت قصير أحأد ضحأاياه .
كرر الصلة لبوذا من كل قلبه:
" نامو أميدا بوتسو ,نامو أميدا بوتسو ".
واندفعت وراءه العجوز الساحأرة المخيفة ,يطير شعرها في الريح ,ويتحأول وجهها من
الغضب إلى الشيطان الذي كانت عليه .كانت تحأمل في يدها سكين ا كبي ار ملطخ ا بالدما ,وهي ل
تزال تصرخ خلفه " قف ! قف ! "
أخي ار شعر الكاهن أنه ل يستطيع أن يركض أكثر ,انبلج الفجر ,واختفى الغول مع ظلما
الليل و غدا آمنا .عرف الكاهن الن أنه قد التقى غول أداتشيغها ار ,الذي ,طالما سمع قصته و
لما يصدق أنها حأقيقية .شعر أنه يدين بنجاته العجيبة إلى حأماية بوذا الذي صلى له طلبا المساعدة
,لذا أخرج سبحأته و حأنى رأسه بينما كانت الشمس تشرق و تل صلواته و أدى شكره بورعا .ثما
انطلق إلى الماما نحأو جزء آخر من البلد ,سعيدا جدا بترك السهل المسكون وراءه .
76
القرد الذكي و الخنزير البري
في الماضي البعيد ,البعيد ,كان يعيش في مقاطعة شيناشن في اليابان ,ق لارسد 1جيواسل ,يتكيسب
من خلل التجوال مع قرد و عرض مهارات ذلك الحأيوان .
في إحأدى المسيات عاد الرجل إلى البيت بمزاج سيء كثي ار و طلب إلى زوجته أن ترسل
وراء القصاب 2في اليوما التالي .
كانت الزوجة مرتبكة كثي ار فسألت زوجها :
" لماذا تريدني أن أرسل وراء القصاب ؟ "
" لما يعد هناك من فائدة ترجى من أخذ ذلك القرد في جولة ,إنه كبير السن أكثر مما ينبغي
و هو ينسى مهاراته .أنا أضربه بعصاي بكل طريقة أعرفها ,لكنه لن يرقص كما ينبغي .علي
الن أن أبيعه للقصاب و أكسب منه قدر ما أستطيع من المال .ل شيء آخر يمكن فعله".
شعرت المرأة بالحأزن الكبير على الحأيوان الصغير المسكين ,وتوسطت لدى زوجها ليبقي
على القرد ,لكن وساطتها كلها كانت بل فائدة ,كان الرجل مصمم ا على بيعه للقصاب .
في هذه الثناء كان القرد في الغرفة المجاورة و سمع كل كلمة من الحأديثا .فهما على
الفور أنه سيقتل ,وقال لنفسه :
" إن سيدي ,قاس ,حأقاا! ها قد خدمته بإخلص لسنوات و وبدلا من أن يسمح لي بإنهاء
أيامي براحأة وسلما ,سيتركني أكقطيعك من قبل القصاب ,و يشوى جسمي المسكين و يطهى و يؤكل
؟ يا حأسرة عليي ! ماذا أفعل .ياه ! خطرت لي فكرة ذكية ! أعرف ,هناك خنزير يعيش في الغابة
المجاورة .لطالما سمعت عن حأكمته .ربما لو ذهبت إليه و أخبرته بالضيق الذي أنا فيه فإنه
سيمنحأني نصيحأته .سأذهب و أحأاول " .
لما يكن هناك وقت ليضيع .انسل القرد إلى خارج البيت و ركض بأسرعا ما استطاعا إلى
الغابة ليبحأثا عن الخنزير .كان الخنزير في البيت ,و بدأ القرد رواية مشكلته فو ار .
77
" أيها السيد الخنزير الطيب ,لقد سمعت بحأكمتك الممتازة .أنا في ورطة كبيرة ,أنت
وحأدك تستطيع أن تساعدني .لقد كبرت سني في خدمة سيدي ,و لنني ل أستطيع أن أرقص كما
ينبغي فهو يعتزما الن أن يبيعني إلى القصاب .فبماذا تنصحأني أن أفعل ؟ أنا أعلما كما أنت ذكي !
"
كسير الخنزير بالمديح و قرر أن يساعد القرد .فكر لبرهة صغيرة ثما قال :
" أليس لسيدك طفل صغير ؟ "
قال القرد " أوه ,أجل ,لديه صبي صغير واحأد " .
" أل يضطجع بجانب الباب في الصباح حأين تبدأ سيدتك عمل اليوما ؟ حأسن ,سآتي إلى
الجوار باك ار و حأين أرى فرصتي سأمسك الطفل و أركض به "
قال القرد " :ثما ماذا ؟ "
ستكون الما في فزعا هائل ,وقبل أن يعرف سيدك و سيدتك ماذا يعملن ,عليك أن
تركض خلفي و تنقذ الطفل و تعيده آمنا إلى البيت لوالديه ,وسترى أنهما حأين يأتي القصاب لن
يطاوعهما قلبهما على بيعك " .
شكر القرد الخنزير عدة مرات ثما مضى إلى البيت .لما ينما كثي ار تلك الليلة ,كما لكما أن
تتخيلوا ,بسبب التفكير في غد .فحأياته تعتمد على ما إذا نجحأت خطة الخنزير أما ل .كان أول
المستيقظين ,ينتظر بقلق ما سيجري .بدا له الوقت طويلا قبل أن تبدأ زوجة سيده تتحأرك هنا
وهناك و تفتح مصاريع النوافذ لتترك ضوء النهار يدخل .ثما حأدثا كل شيء كما خطط الخنزير .و
ضعت الما الطفل قرب الشرفة كالعادة بينما ترتب البيت و تعد فطورها.
كان الطفل يدندن بسعادة في ضوء الصباح ,مرتب ا على البسط في لعبة النور و الظل .
فجأة كان هناك جلبة في الشقة و صرخة مرتفعة من الطفل .خرجت الما راكضة من المطبخ إلى
المكان تمام ا في وقت ترى فيه الخنزير يغيب خلل البوابة وطفلها بين مخالبه .ألقت يديها بصرخة
عالية يائسة و اندفعت إلى الغرفة الداخلية حأيثا كان زوجها ل يزال يناما بعمق .
نهض ببطء و فرك عينيه ,و سأل بنزق لماذا كانت زوجته تصنع كل تلك الجلبة .و إلى
ل ,لكنهما شاهدا
أن أدرك الرجل ما حأدثا ,وخرج كلهما من البوابة ,كان الخنزير قد ابتعد قلي ا
القرد راكض ا خلف اللص بأقصى ما تستطيع رجله أن تحأمل.
أعجب الرجل و الزوجة مع ا من للسلوك الشجاعا للقرد الذكي ,و لما يعرف امتنانهما حأدودا
حأين أحأضر القرد المخلص الطفل آمنا إلى ذراعيهما .
قالت الزوجة " :ها هو ! هذا هو الحأيوان الذي تريد أن تقتله لو لما يكن القرد هنا لخسرنا
طفلنا إلى البد " .
78
قال الرجل بينما حأمل الطفل إلى داخل البيت " :أنت على حأق ,يا زوجتي ,هذه المرة ,
يمكنك أن تردي القصاب حأين يأتي ,والن قدمي لنا فطو ار جيدا و للقرد أيضا " .
حأين وصل القصاب ,كأرسل بعيدا بطلب بعض لحأما خنزير لجل عشاء المساء ,و كدلصقل
القرد و عاش بقية أيامه بسلما ,و لما يعد يضربه سيده أبدا .
79
كان أخوه الكبر صياد سمك ماه ار جدا ,و بما أنه فاق كل المنافسين في صيد السمك
كدعقي " أومي ـ ساتشي ـ هيكو " أو " صياد البحأر الماهر " .هكذا عاش الخوان حأياة سعيدة ,
مستمتعين تماما بحأرفتيهما ,و كانت الياما تمر بسرعة و بسعادة بينما يواصل كسل طريقه الخاص ,
واحأسد يصيد في البر و الخر يصيد في البحأر .
في أحأد الياما جاء الصياد السعيد إلى أخيه ,صياد البحأر الماهر ,و قال :
" حأسن ,يا أخي ,أنا أراك تذهب إلى البحأر كل يوما و بيدك عصا صيدك ,و حأين ترجع
تعود محأملا بالسمك .و بالنسبة لي ,فإن سعادتي أن آخذ قوسي و سهمي و أتصيد الحأيوانات
البرية في أعالي الجبال و قيعان الوديان .و لمدة طويلة مضى كل منا في حأرفته المفضلة ,بحأيثا
أننا الن متعبان ل شك أنت من صيد البحأر و أنا من صيد البر .أليس من الحأكمة لكلينا أن نتبادل
؟
تجرب أنت الصيد في الجبال و أنا أذهب و أصيد السمك في البحأر ؟
أصغى صياد البحأر الماهر بصمت إلى أخيه ,و استغرق في التفكير للحأظة ,لكنه أخي ار
أجاب :
" أوه أجل ,لتقما ل ؟ فكرتك ليست سيئة على الطلق .أعطني قوسك و سهمك و سأنطلق
حأالا إلى الجبال و أصطاد طلب ا ليلهو " .
عا كل الخوين يجرب مهنة الخر ,دون أن
هكذا حأسمت القضية بهذا الحأديثا ,و شر ق
يتخيل كل ما سيحأدثا .كان المر حأماقة كبيرة منهما ,لن الصياد السعيد لما يكن يعرف شيئا عن
صيد السمك ,و صياد البحأر الماهر الذي كان شرس الطبع يعرف صيد البر بنفس المقدار .
أخذ الصياد السعيد صنارة أخيه الثمينة جدا و عصاه و انحأدر إلى شاطئ البحأر و جلس
على الصخور .زيود صنارته بالطعما ثما رماها إلى البحأر بطريقة غير متقنة .جلس و حأيدق
بالعوامة الصغير المتذبذبة إلى أعلى و إلى أسفل الماء ,و تاق إلى سمكة طيبة تأتي و فيتما
صيدها.
في كل مرة كانت تتحأرك العوامة قليل كان يسحأب قصبته ,لكن لما يكن هناك أبدا سمكة
عند طرفها ,فقط الصنارة و الطعما .لو كان يعرف كيف يصيد السمك بصورة لئقة ,لمكنه أن
يكون قاد اقر على المساك بالكثير من السمك ,لكن رغما أنه أعظما صياد في البر فإن هذا لما يمنع
من كونه أكثر صياد سمك فشلا .
مر كل النهار بهذه الطريقة ,بينما هو يجلس على الصخور ممسكا بعصا الصيد و
منتظ ار بل جدوى كي يتغير حأظه .أخي ار بدأ النهار يظلما ,و حأيل المساء ؛ً لما يصطد سمكة واحأدة
.و حأين سحأب خيطه للمرة الخيرة قبل العودة إلى البيت ,وجد أنه فقد صنارته دون حأتى أن يعلما
متى أسقطها .أخذ الن يشعر بقلق كبير ,لنه يعلما أن أخاه سيغضب لضياعا صنارته,فهي
80
صنارته الوحأيدة ,التي يعتبرها أثمن من كل ما عداها .شرعا الصياد السعيد الن بالعمل بالبحأثا
بين الصخور و على الرمل عن الصنارة المفقودة ,و فيما كان يبحأثا ذهابا و إيابا ,و صل إلى
المكان أخوه ,صياد البحأر الماهر .كان قد فشل في أن يجد أية طريدة أثناء الصيد في ذلك اليوما ,و
لما يكن في حأالة مزاجية سيئة فقط ,بل بدا مغتاظ ا بصورة مخيفة .حأين رأى الصياد السعيد يبحأثا
حأوله على الشاطئ أدرك أن خطأ ما ل بد قد حأدثا ,لذا قال على الفور :
" ماذا تفعل ,يا أخي ؟ "
تقدما الصياد السعيد بخوف ,لنه كان يخشى غضب أخيه ,ثما قال :
" أوه ,يا أخي ,لقد أسأت التصرف حأقا " .
سأل الخ الكبر بنفاد صبر " ما المر ؟ ـ ماذا فعلت ؟ "
لقد أضعت صنارة صيدك الثمينة "
أوقفه أخوه بينما كان ما يزال يتكلما ,و صاح بعنف :
ت خطتك
" أضعت صنارتي ! هذا بالضبط ما توقعته .لذا ,كنت في الحأقيقة حأين اقترحأ ق
ت و سمحأت لك أن تفعل كما
ت راغبا في ذلك بقوة بحأيثا تنازل ك
لنتبادل مهنتينا ضد ذلك ,لكنك بدو ق
رغبت .
ت التصرف .لن أعيقد إن خطأ تجريبنا لمهمتين غير مألوفتين ظهر بعد وقت قصير ! و قد أسأ ق
إليك قوسك و سهمك حأتى تجد صنارتي . .ابحأثا عنها كي تجدها و تعيدها بسرعة " .
شعر الصياد السعيد أنه ملوما على كل ما جرى ,فتحأمل توبيخ أخيه الهازئ بتواضع و
صبر .بحأثا باجتهاد كبير في كل مكان عن الصنارة ,لكنها لما توجد في أي مكان .اضطر أخي ار
للتخلي عن كل أمل في إيجادها .ثما ذهب إلى البيت ,و كيسر بيأ ل
س سيقفه الحأبيب إلى قطع و
صنع منه خمسمائة صنارة .
أخذها إلى أخيه الغاضب و قدمها إليه ,سائلا إياه العفو ,و راجي ا له أن يقبلها عوض ا
عن الصنارة التي أضاعها له .لما يكن لذلك من فائدة ؛ً إذ لما يشأ أخوه أن يصغي إليه ,فضلا أن
يعطيه سؤله .
عندئذ صنع خمسمائة صنارة أخرى ,و مجددا أخذها إلى أخيه ,متوسلا إليه أن يعذره.
قال صياد البحأر الماهر ,ها از رأسه " ,حأتى لو صنعت مليون صنارة ,فل فائدة منها
بالنسبة لي فأنا ل أستطيع أن أغفر لك ما لما تعد إلى صنارتي ".
ل شيء كان يمكن أن يهدئ غضب صياد البحأر الماهر ,لنه كان ذا طبع سيء ,و
يكره أخاه دائما لمزاياه ,و الن و بوجود مبرر فقدان صنارة الصيد فقد خطط لقتله و اغتصاب
مقامه كحأاكما لليابان .كان الصياد السعيد يعرف كل هذا جيدا ,لكنه لما يستطع أن يقول أي شيء ,
81
لنه الصغر فهو يدين لخيه الكبر بالطاعة ؛ً لذا عاد إلى لشاطئ و بدأ مرة أخرى بالبحأثا عن
الصنارة المفقودة .كان يائسا كثي ار ,لنه فقد كل أمل في إيجاد صنارة أخيه الن .وفيما وقف على
الشاطئ ,غارقا في الحأيرة و متسائلا ماذا عليه أن يفعل بعد ذلك ,ظهر فجأة رجل عجوز حأاملا
بيده عصا .
تذكر الصياد السعيد بعدئذ أنه لما ير من أين جاء الرجل العجوز ,و ل هو عرف كيف
وجد هناك ـ لقد تصادف أنه التفت و رأى الرجل العجوز قادم ا نحأوه .
سأل الرجل العجوز :
" أنت هوهوديمي ,صاحأب الجللة الذي يدعى أحأيانا الصياد السعيد ,أليس كذلك ؟
ما الذي تفعله وحأدك في مثل هذا المكان ؟ "
أجاب الشاب التعيس :
" نعما ,أنا هو ,لسوء الحأظ ,أضعت صنارة أخي الثمينة بينما كنت أصيد السمك.
بحأثت في كل أرجاء هذا الشاطئ ,لكن واحأسر تاه ! لما أستطيع أن أجدها ,و أنا منزعج كثي ار ,
لن أخي لن يسامحأني حأتى أعيدها إليه .ولكن من أنت ؟ "
" اسمي شيوزوتشينو أوكينا ,و أنا أعيش في الجوار على هذا الشاطئ .أنا آسف
لسماعا هذه المصيبة التي حألت بك .ل بد أنك قلق حأق ا .لكن إذا أخبرتك بما أفكر ,الصنارة ليست
في أي مكان هنا ـ إنها إما في قاعا البحأر أو في جسما سمكة ما ابتلعتها ,و لهذا السبب ,لو أنفقت
عمرك في البحأثا عنها هنا ,فإنك لن تجدها أبدا " .
سأل الرجل المحأزون " :فما الذي أستطيع أن أفعله ؟ "
" من الفضل لك أن تنزل إلى رين غو و تخبر رين جين ,التنين ملك البحأر ,عن
مشكلتك و تسأله أن يجد لك الصنارة .أعتقد أنها ستكون أفضل طريقة " .
قال الصياد السعيد " :فكرتك رائعة ,لكنني أخشى أنني ل أستطيع الوصول إلى عالما
ملك البحأر ,فأنا أسمع دائماق أنه يقبع في قاعا البحأر ".
قال الرجل العجوز " :أوه ,لن تكون هناك صعوبة بشأن وصولك إلى هناك ,فأنا
أستطيع حأالا أن أصنع لك شيئ ا تمتطيه خلل البحأر " .
قال الصياد السعيد " :شك ار لك ,سأكون ممتن ا لك لو تفضلت وفعلت ! "
شرعا الرجل العجوز فو ار بالعمل ,و على الفور صنع سلة و قدمها للصياد السعيد .
تسلمها ببهجة ,و ذهب بها إلى الماء ,و امتطاها ,و استعد للنطلق .حأليا الرجل
العجوز اللطيف الذي ساعده كثي ار مودعا ,و أخبره أنه سيكافئه بالتأكيد حأالما يجد صنارته و
يستطيع أن يعود إلى اليابان دون أن يخشى غضب أخيه .أشار الرجل العجوز إلى الجهة التي
82
عليه أن يسلكها ,و أخبره كيف يصل إلى عالما رين غو ,و راقبه وهو يخرج إلى البحأر ممتطي ا
السلة ,التي تشبه زورقا صغي ار .
أسرعا الصياد السعيد بأقصى ما يمكنه ,ممتطيا السلة التي أعطاه إياها صديقه .بدا
زورقه يمضي خلل الماء طواعية ,و كانت المسافة أقصر بكثير مما توقع ,لنه استطاعا خلل
ف قصتر الملك .و لكما كان مكان ا كبي ار ,بأسطحأته المنحأدرة التي
بضع ساعات أن يلمح بوابةق و سق ق
ل تحأصى و جملوناته ,و بواباته ,و جدرانه الحأجرية الرمادية ! ترجل في الحأال ,و صعد البوابة
الكبيرة ،تاركا سلته على الشاطئ .كانت أعمدة البوابة مصنوعة من المرجان الحأمر الجميل ,
والبوابة نفسها محألة بحأجارة كريمة من كل نوعا .كانت تظلله أشجار كاتسو ار كبيرة .كثي ار ما سمع
بطلنا بعجائب قصر ملك البحأر تحأت البحأر ,لكن كل الحأكايات التي سمعها قصرت عن الحأقيقة
التي رآها الن لول مرة .
ود الصياد السعيد أن يدخل البوابة في ذلك الزمان و المكان ,لكنه رأى أنها كانت مغلقة
بإحأكاما ,و أنه ل يوجد أيضا أحأد في الجوار يمكن أن يسأله أن يفتحأها له ,لذا وقف كي يفكر بما
سيفعل .لحأظ في ظل الشجار أماما البوابة بئ ار مليئة بماء عين عذبة .فكر ,من المؤكد أن أحأدا
ما سيخرج لينزح ماء من البئر في وقت ما .ثما تسلق إلى الشجرة المتدلية فوق البئر ,و جلس
ليرتاح على أحأد الغصان ,و انتظر ما يمكن أن يحأدثا .قبل مضي وقت طويل رأى البوابة
العظيمة تفتح ,و تخرج امرأتان جميلتان .كان الميكوتو ) صاحأب الجللة ( يسمع دائم ا أن رين
غو هو عالما الملك التنين تحأت البحأر ,و يفترض بشكل طبيعي أن المكان مسكون بالتنانين و
الكائنات المخيفة الخرى ,لذا فإنه حأين رأى هاتين الميرتين الجميلتين ,اللتين يندر جمالهما حأتى
في العالما الذي قد أتى منه للتو ,دهش بشكل كبير ,و تساءل ماذا يمكن أن يعني هذا .
على أي حأال ،لما ينبس ببنت شفة ,لكنه حأملق فيهن من خلل أوراق الشجار ,منتظ ار أن
يرى ما ستفعلن .رأى أنهما تحأملن بأيديهما تدلاء ذهبيةا .اقتربتا من البئر ببطء ورلقة بثيابهما
المتدلية على الرض ,ووقفتا في ظل أشجار الكاتسو ار ,و كانتا على وشك أن تنزحأا الماء ,غير
عالمتين إطلقا بالغريب الذي كان يراقبهما ,ذلك أن الصياد السعيد كان مختفيا تماما بين أغصان
الشجرة حأيثا وضع نفسه .
وفيما انحأنت السيدتان فوق جانب البئر لتدليا دلويهما الذهبيين ,المر الذي كانتا
تفعلنه كل يوما من أياما السنة ,رأتا وجه شاب وسيما منعكس ا في الماء العميق الساكن يحأدق بهما
من بين أغصان الشجرة التي كانتا تقفان في ظلها .إنهما لما تريا من قبل وجه مخلوق بشري أبدا ؛ً
خافتا ,و ارتدتا إلى الوراء بسرعة و دلؤهما الذهبية في أيديهما .على أي حأال ,بعد قليل أمدهما
فضولهما بالجرأة ,و نظرتا بسرعة و بخوف إلى العلى لتريا سبب النعكاس غير المألوف ,و
83
حأينئذ رأتا الصياد السعيد جالس ا على الشجرة ناظ ار إليهما بدهشة إواعجاب .حأدقتا فيه وجه ا لوجه ,
لكن لسانيهما كانا ساكنين من الدهشة و لما تستطيعا أن تجدا كلمة تقولنها له .
حأين رأى الميكوتو أن أمره قد اكتشف ,قفز برشاقة من الشجرة و قال :
" أنا مسافر ,و بما أنني عطشان حأضرت إلى البئر على أمل إرواء عطشي ,لكنني لما
أستطع أن أجد دلوا أستطيع أن أنزح الماء به .لذا فقد تسلقت الشجرة ,وأنا منزعج جدا ,و انتظرت
أن يأتي أحأدهما .في تلك اللحأظة بالضبط ,وفيما كنت أنتظر بعطش و بنفاد صبر ,ظهرتما أيتها
السيدتان النبيلتان ,كما لو أنه تلبية لحأاجتي الشديدة .لذا أرجوكما أن تعطينني من فضلكما بعض
الماء لشرب ,فأنا مسافر عطشان في أرض غريبة " .
تغلبت مهابته و لطفه على خوفها ,و اقتربت كلتاهما وقد انحأنتا بصمت مرة ثانية من
البئر ,و نزحأتا بعض الماء مدليتان دلويهما الذهبيين و صبتاه في كأس مرصع بالجواهر ثما قدمتاه
للغريب .
تسلمه منهما بكلتا يديه ,رافعا إياه إلى مستوى جبهته علمة على الحأتراما الرفيع و
السعادة ,ثما شرب الماء بسرعة ,لن عطشه كان شديدا .حأين أنهى جرعته الطويلة و ضع الكأس
على حأافة البئر ,و مجردا سيفه القصير قطع واحأدة من الجواهر المنحأنية الغريبة )ماغاتاما( ,
للعقد المعلق حأول عنقه و المتدلي فوق صدره .وضع الجوهرة في الكأس و أعاده إليهما ,و قال ,
منحأني ا بعمق :
" هذه تذكار لشكري !"
أخذت السيدتان الكأس ,و هما تنظران إلى داخله لتريا ما وضع فيه ـ لنهما لما تعرفا بعد
ماذا كانت ـ أجفلتا من الدهشة ,لن جوهرة جميلة رقدت هناك في قعر الكأس .
ليس ثمة مخلوق عادي يمكن أن يتخلى عن جوهرة بهذه السهولة الزائدة .
قالت الفتاة الكبرى " :ألن تشرفنا بإخبارنا من أنت ؟ "
قال الصياد السعيد " :بالتأكيد ,أنا هوهوديمي ,الميكوتو الرابع ,أدعى أيضا في
اليابان ,الصياد السعيد " .
سألت الفتاة التي تكلمت أولا " :أأنت حأق ا هوهوديمي ,حأفيد أماتيراسو ,إلهة الشمس؟"
أنا البنة الكبرى لرين جين ,ملك البحأر ,و اسمي الميرة تايوتاما " .
قالت العذراء الصغر ,التي وجدت لسانها أخي ار " :و أنا أختها ,الميرة تاما يوري".
قال الصياد السعيد " :هل أنتما حأقا بنتا رين ,ملك البحأر ؟ ل أستطيع أن أخبركما كما
أنا سعيد بمقابلتكما " ,و تابع دون أن ينتظر جوابا منهما :
84
" ذات يوما ذهبت للصيد بصنارة أخي و أسقطتها ,كيف ,أنا متأكد أنني لن أستطيع أن
أقول .
وبما أن أخي يجل صنارة صيده أكثر من كل ممتلكاته الخرى ,فإن هذه أعظما نكبة يمكن أن تحأل
بي .
وما لما أعثر عليها مجددا فلن أفوز بعفو أخي , ,لنه غاضب مما فعلت .
بحأثت عنها مرات ,و مرات عديدة ,لكنني ل أستطيع أن أجدها ,لذا فأنا منزعج كثي ار .
وبينما كنت أبحأثا عن الصنارة ,في غلما كبير ,قابلت رجلا عجو از حأكيما ا ,و أعلمني بأن أفضل
شيء أستطيع فعله هو أن آتي إلى رين غو ,و إلى رين جين ,التنين ملك البحأر ؟ ,و أطلب منه
أن يساعدني .و دلني هذا الرجل العجوز اللطيف كيف آتي .الن أنتما تعرفان كيف ولماذا أنا هنا
.
أريد أن أسأل رين جين ما إذا كان يعرف أين هي الصنارة المفقودة .سأل الصياد السعيد بلهفة :
" هل تتفضل بأخذي إلى أبيكما ؟ و هل تعتقدان أنه سيراني ؟
أصغت الميرة تايوتاما إلى كل هذه القصة الطويلة ,ثما قالت :
" أن ترى والدي ليس أم ار سهلا فقط ,بل سيكون مسرو ار جدا لمقابلتك .أنا واثقة من أنه
سيقول إن الحأظ السعيد قد حأالفه ,بأن رجلا عظيم ا ,نبيلا مثلك ,هو حأفيد أماتيراسو ,ينزل إلى
قاعا البحأر ".
ثما قالت ,ملتفتة نحأو أختها الصغرى :
" أل تعتقدين ذلك ,يا تاما يوري ؟ "
أجابت الميرة تاما يوري ,بصوتها الحألو " :أجل ,حأق ا ,كما تقولين ,نحأن ل يمكن أن
ننال شرف ا أعظما من الترحأيب بالميكوتو في بيتنا " .
قال الصياد السعيد " :إذن أسألكما أن تتفضل بأن تقوداني إلى الطريق " ,
قالت الختان معا " :تفضل بالدخول ,أيها الميكوتو ) ذو الجللة ( " ,و قادتاه ،وهما
تنحأنيان ،خلل البوابة .
تركت الميرة الصغر أختها لتتولى رعاية الصياد السعيد ,منطلقة أسرعا منهما ,فوصلت
قصر ملك البحأر أولا ,راكضة بسرعة نحأو غرفة والدها ,و أخبرته بكل ما جرى لهما عند البوابة ,
و أن أختها كتحأضر ذا الجللة إليه .كان ملك البحأر التنين مندهش ا جدا للنباء لنها كانت استثناء
نادر ,ربما مرة خلل عدة مئات من السنين ,أن تتما زيارة قصر ملك البحأر من قبل البشر .
صيفق رين جين على الفور و استدعى كل رجال حأاشيته و خدما القصر ,و رئيس سمك
البحأر مع ا ,و أخبرهما بوقار أن حأفيد إلهة الشمس , ,أماتيراسو ,قادما إلى القصر ,و أنهما يجب
85
أن يكونوا رسميين و مهذبين للغاية في معاملة الزائر الجليل ,ثما أمرهما جميع ا بالتوجه إلى مدخل
القصر ليرحأبوا بالصياد السعيد .
ثما لبس رين جين ثياب التشريفات ,و خرج للترحأيب به .خلل بضع لحأظات وصلت الميرة
تايوتاما و الصياد السعيد إلى المدخل ,و انحأنى ملك البحأر و زوجته و شكراه على الشرف الذي
أوله لهما بالمجيء لرؤيتهما ثما قاد ملك البحأر الصياد إلى غرفة الضيوف ,انحأنى باحأتراما أمامه ,
واضع ا إياه في أعلى المقعد ،و قال :
" أنا رين جين ,التنين ملك البحأر ,و هذه زوجتي .تفضل بتذكرنا إلى البد ! "
أجاب الصياد السعيد ,محأييا مضيفه بصورة رسمية " :أأنت حأقا رين جين ,ملك البحأر ,
الذي سمعت عنه كثي ار ؟ علي أن أعتذر عن كل الرباك الذي سببته لكما بزيارتي غير المتوقعة".
و انحأنى ثانية ,و شكر ملك البحأر .
قال رين جين " :ل حأاجة لن تشكرني ,فأنا من يجب أن يشكرك على القدوما .بالرغما من أن
قصر البحأر قصر متواضع ,كما ترى ,فسأحأظى بالشرف الرفيع إذا كنت ستزورني زيارة طويلة " .
جرى سرور كبير بين ملك البحأر و الصياد السعيد ,و جلسا و تحأدثا لوقت طويل .
أخي ار صفق ملك البحأر بيديه ,و عندئذ ظهرت حأاشية كبيرة من السماك ,كلها مكسوة بثياب
التشريفات ,وتحأمل بزعانفها صحأاف ا مختلفة قدمت فيها كل أصناف أطعمة البحأر الشهية .مدت
الن وليمة عظيمة أماما الملك و ضيفه الملكي .اختيرت كل السماك التي في الخدمة من أجمل
السماك ,لذا يمكنك أن تتخيل كما كان مدهشا ترتيب مخلوقات البحأر التي قامت على خدمة
الصياد السعيد ذلك اليوما .
حأاول كل من في القصر أن يقدما أفضل ما عنده كي يدخل السرور إلى نفسه و يريه أنه ضيف
محأترما جدا .خلل الوجبة الطويلة ,التي استمرت لساعات ,أمر رين جين بناته أن يعزفن شيئ ا
من الموسيقى ,و دخلت الميرتان و عزفتا على الكوتو ) القيثارة اليابانية ( ,و غنتا و رقصتا
بالدور .مضى الوقت بسرور كبير بحأيثا بدا كأن الصياد السعيد قد نسي مشكلته و لماذا أتى
أصلا إلى عالما ملك البحأر ,و أطلق العنان لنفسه للتمتع بهذا المكان العجيب ,أرض السماك
الجنية ! من سمع قط بمثل هذا المكان الرائع ؟ لكن الميكوتو تذكر بعد وقت قصير ما الذي أتى به
إلى رين غو ,فقال لمضيفه :
لعل ابنتاك قد أخبرتاك ,أيها الملك رين جين ,أنني أتيت إلى هنا في محأاولة لسترداد استرداد
صنارة أخي ,التي فقدتها بينما كنت أصطاد السمك ذات يوما .فهل لي أن أسألك أن تتفضل بسؤال
كل رعاياك إن كان أحأدهما قد رأى صنارة صيد ضائعة في البحأر ؟ "
قال ملك البحأر الكريما " :بالتأكيد سأستدعيهما جميع ا إلى هنا و أسألهما ".
86
حأالما أصدر أمره ,دخل الخطبوط ,و الحأبار ,و سمكة التن ,و سمكة ذيل الثور ,و سمكة
النقليس ,و سمكة رئة البحأر ,و القريدس ,و سمكة البليس ,و أسماك عديدة أخرى من كل
النواعا وجلست أماما ملكها رين جين ,و رتبت نفسها وزعانفها بنظاما .ثما قال ملك البحأر بوقار :
" إن ضيفنا الجالس أمامكما جميع ا هو ذو الجللة حأفيد أماتيراسو .اسمه هوهوديمي ,ذو
الجللة الرابع ,و هو يدعى أيض ا صياد الجبال السعيد .بينما كان يصيد السمك ذات يوما على
شاطئ اليابان ,سرق منه أحأدهما صنارة أخيه .لقد سلك كل هذا الطريق نحأو قاعا البحأر إلى
مملكتنا لنه يعتقد أن واحأدة منكن أيتها السمكات ربما أخذت منه الصنارة في لعبة مؤذية .إذا فعل
أي منكما مثل هذا المر فإن عليكما أن تعيدوها فو ار ,أو إذا كان أي منكما يعرف اللص فإن عليكما
أن تبوحأوا باسمه حأالا و أين هو الن " .
أخذت كل السمكات بالمفاجأة حأين سمعن هذه الكلمات ,و لما يستطعن أن يقلن شيئ ا لبعض الوقت.
وجلسن تنظر إحأداهن إلى الخرى و إلى الملك التنين .أخي ار تقدما الحأبار و قال :
" أعتقد أن التاي ) البراميس الحأمراء ( لبد أن تكون هي اللص الذي سرق الصنارة !"
سأل الملك " :وما هو دليلك "
منذ مساء المس لما تقدر سمكة البراميس أكل أي شيء ,و يبدو أنها تعاني من حأنجرة مريضة
! لهذا السبب أظن أن الصنارة ل بد أن تكون في حأنجرتها .من الفضل أن ترسلوا إليها فو ار !"
وافقت كل السمكات على هذا ,و قلن :
" إنه غريب بالتأكيد أن سمكة البراميس هي الوحأيدة التي لما تلب دعوتكما .لو ترسلوا إليها و
تحأققوا في القضية .عندئذ ستظهر براءتنا ".
قال ملك البحأر " :أجل ,غريب أن سمكة البراميس لما تأت ,لنها كان يجب أن تكون الولى
هنا .أرسلوا إليها فو ارا!"
دون انتظاتر أمتر الملك كان الحأبار قد انطلق نحأو منزل البراميس ,و عاد الن ,محأض ار
سمكة البراميس معه .تقدمها نحأو الملك .
جلست سمكة البراميس هناك وقد بدت خائفة و مريضة .لبد أنها تتألما ,لن وجهها الحأمر
عادة كان شاحأب ا ,و كانت عيناها مغلقتين تقريب ا و تبدوان في نصف حأجمهما المعتاد.
صرخ ملك البحأر " :أجيبي ,أيتها البراميس ! لتقما لقبما تلبي دعواتي اليوما ؟"
أجابت سمكة البراميس " :أنا مريضة منذ البارحأة لذا لما أستطع أن آتي ".
صاح رين جين بغضب ":ل تقولي كلمة أخرى ! إن مرضك هو عقوبة اللهة على سرقة
صنارة الميكوتو ".
87
قالت سمكة البراميس " :إنه لحأق اليقين ,إن الصنارة ما تزال في حأنجرتي ,و كل جهودي
لستخراجها كانت بل طائل .أنا ل أستطيع أن آكل ,و بالكاد أستطيع أن أتنفس ,و كل لحأظة
أشعر أنها ستخنقني ,و أحأيانا تسبب لي ألما عظيما .لما أكن أنوي سرقة صنارة الميكوتو .
لقد عضضت بطيش على الطعما الذي رأيته في الماء ,و سقطت الصنارة وانغرست في حأنجرتي.
لذا فأنا آمل أ ،تعفو عني ".
تقدما الحأبار الن ,و قال للملك :
" إن كل ما قالته صحأيسح .فأنتما ترون أن الصنارة ما تزال منغرسة في حأنجرة البراميس.
أرجو أن أستطيع استخراجها بحأضور الميكوتو ,و حأينئذ نعيدها إليه بأمان !"
صاحأت سمكة البراميس بشكل يدعو للشفقة ,لنها شعرت اللما في حأنجرتها تعود ثانية :
" أرجوك أسرعا و انتزعها ! أريد أن أعيد الصنارة للميكوتو ".
قال صديقها الحأبار " :حأسن ,يا أبراميس " ,وقد فتح فما البراميس قدر ما تستطيع ووضع
واحأدا من مجساته في حأنجرة البراميس ,سحأب الصنارة بسرعة و سهولة إلى خارج فما الضحأية
الكبير .ثما غسلها و أتى بها إلى الملك .
تناول رين جين الصنارة من تابعه ,ثما أعادها باحأتراما إلى الصياد السعيد ) الميكوتو أو ذو
الجللة ,كما تدعوه السماك( ,الذي كسير كثي ار باستعادة صنارته .شكر رين جين عدة مرات ,
ووجهه يشع بالمتنان ,و قال إنه يدين بهذه النهاية السعيدة لبحأثه للسلطة الحأكيمة لملك البحأر و
لطفه .
رغب الن رين جين في أن يعاقب سمكة البراميس ,لكن الصياد السعيد التمس منه أل يفعل
؛ً بما أن صنارته المفقودة قد استعيدت بهذه الصورة المفرحأة فهو ل يرغب أن يسبب إزعاج ا أكثر
لسمكة البراميس المسكينة .إنها حأق ا سمكة البراميس من أخذت الصنارة ,لكنها عانت لتوها
بصورة كافية على غلطتها ,إذا جازت تسميتها بالغلطة .ما جرى قد جرى بطيش و ليس عن قصد
.قال الصياد السعيد إنه يلوما نفسه ؛ً لو أنه فهما كيف يصيد السمك بصورة مناسبة لما فقد صنارته
أبدا ,و بالتالي فإن كل هذا الزعاج كان سببه في المقاما الول محأاولته أن يفعل شيئا ل يعرف
كيف يفعله .لذا التمس من ملك البحأر أن يعفو عن رعيته .
من يستطيع أن يقاوما شفاعة قاض حأكيما و شفيق بهذا القدر ؟ عفا رين جين عن رعيته حأالا
بناء على التماس ضيفه الجليل .كانت سمكة البراميس سعيدة جدا بحأيثا هزت زعانفها من البهجة
,و خرجت هي و السمكات الخريات من حأضرة ملكهن ,مثنيات على مناقب الصياد السعيد .
الن و قد وجدت الصنارة لما يعد للصياد السعيد من شيء يبقيه في رين غو ,و كان متشوقا
للعودة إلى مملكته و ليصنع السلما مع أخيه الغاضب صياد السمك الماهر ؛ً لكن ملك البحأر ,
الذي اعتاد أن يحأبه و هو يرغب بسرور لو يحأتفظ به كابن ,التمس منه أل يذهب بهذه السرعة
88
الكبيرة ,بل أن يتخذ قصر البحأر بيت ا له ما شاء .بينما كان الصياد السعيد ل يزال يتردد ,جاءت
الميرتان الجميلتان ,تايو تاما و تاما يوري ,و بأحألى النحأناءات و الصوات انضممن إلى
والدهن في الضغط عليه للبقاء ,لذا لما يستطع أن يقول لهما " ل" دون أن يبدو فظا ,و اضطر
للبقاء لبعض الوقت.
لما يكن بين عالما البحأر و الرض فرق في مرور الوقت ,ووجد الصياد السعيد أن السنوات
الثلثا مضت منطلقة بسرعة مبهجة في هذه الرض .السنون تمر برشاقة حأين يكون المرء سعيدا
فعلا .
لكن و رغما أن عجائب تلك الرض المسحأورة كانت تبدو جديدة كل يوما ,و رغما أن لطف ملك
البحأر بدا أنه يزداد كثي ار بدل أن يقل مع مرور الوقت فإن الصياد السعيد صار مشتاق ا أكثر فأكثر
لوطنه بينما تمر الياما ,و لما يستطع أن يكبح قلقه لمعرفة ما حأيل ببيته و وطنه و أخيه بينما كان
هو بعيداا.
لذا مضى أخي ار إلى ملك البحأر و قال :
" إن بقائي معكما هنا كان سعيدا إلى أبعد حأد و أنا ممتن لكما على كل لطفكما معي ,لكنني
أحأكما اليابان ,وهي فاتنة كهذا المكان ,ل أستطيع أن أتغيب عن بلدي إلى البد .كما أن علي أن
أعيد صنارة الصيد لخي و أسأله مغفرته على حأرمانه منها كل هذا الوقت .إنني حأزين كثي ار حأق ا
لمفارقتكما ,لكن هذه المرة ل بد من ذلك .بإذنكما الكريما ,سأستأذن بالنصراف اليوما .
آمل أن أزوركما مرة أخرى يوما ما .أرجوك تخقل عن فكرة بقائي هنا فترة أطول الن ".
ضعف رين جين بسبب الحأزن لفكرة أنه يجب أن يفقد صديقه الذي أحأدثا تحأولا عظيما في
قصر البحأر ,و انهمرت دموعه سريع ا بينما كان يجيب :
" إننا حأق ا حأزانى كثي ار على فراقك ,أيها الميكوتو ,لننا استمتعنا ببقائك معنا كثي ار جدا .لقد
كنت ضيف ا نبيلا و نحأن رحأبنا بك بحأب .أفهما تمام ا بما أنك تحأكما اليابان فإن عليك أن تكون هناك
و ليس هنا ,و أنه من العبثا أن نحأاول أن نبقيك معنا أكثر ,بالقدر الذي نحأبك أن تمكثا .آمل
أل تنسانا .إن الظروف الغريبة جمعتنا و أرجو أن تبقى الصداقة التي بدأت هكذا بين الرض و
البحأر و تتوطد أكثر من ذي قبل .
حأين أنهى الملك الكلما التفت إلى ابنتيه و رجاهما أن يحأض ار له جوهرتي مد البحأر و جزره
.
انحأنت الميرتان ,نهضتا و انسلتا ‘إلى خارج القاعة .عادتا خلل بضع دقائق ,تحأمل كل واحأدة
منهما بيديها جوهرة لمعة تمل الغرفة نو ار .حأين نظر الصياد السعيد إليهما تساءل ماذا عساهما
أن تكونا .
تناولهما ملك البحأر من ابنتيه و قال لضيفه :
89
" هذان الطلسمان القيمان ورثناهما عن أسلفنا منذ زمن موغل في القدما .نحأن الن نمنحأك
إياهما هدية وداعا كذكرى لحأبنا العظيما لك .هاتان الجوهرتان تدعيان النانجيو و الكانجيو ".
انحأنى الصياد السعيد نحأو الرض و قال :
" لن أستطيع أن أشكركما بما يكافئ لطفكما معي .و الن هل لكما أن تضيفوا معروف ا آخر إلى
كل ما سبق و تخبروني ما هاتان الجوهرتان و ماذا علي أن أفعل بهما ؟"
أجاب ملك البحأر ":النانجيو ,تدعى أيض ا جوهرة تيار الطوفان ,و كل من يحأوز عليها
يستطيع أن يأمر البحأر أن يتدفق و يغمر الرض في أي وقت يشاء .الكانجيو تدعى أيضا جوهرة
تيار النحأسار ,و هذه الجوهرة تتحأكما بالبحأر و أمواجه ,وتتسبب حأتى بتراجع الموجة المدية ".
ثما عيلما رين جين صديقه كيفية استعمال الطلسمين واحأدا واحأدا و سلمهما إليه .
كسير الصياد السعيد كثي ار بامتلك هاتين الجوهرتين العجيبتين ,جوهرة تيار الطوفان و جوهرة تيار
النحأسار ,ليعود بهما ,لنه شعر أنهما سوف تحأفظانه عند الخطر من العداء في أي حأين.
بعد شكر مضيفه اللطيف م ار ار و تك ار ار ,استعد للمغادرة .خرج ملك البحأر و الميرتان ,تايوتاما و
ت آختر وداعا مر الصيادتامايوري ,و كل نزلء القصر ,ليقولوا " وداعاا ",و قبل أن يتلشى صو ك
السعيد تحأت البوابة العظيمة ,إلى ما وراء بئر الذكرى السعيدة القابع في ظل أشجار الكاتسو ار
العظيمة في طريقه نحأو الشاطئ .
وجد عوض ا عن السلة الغريبة التي جاء فيها إلى عالما رين غو ,تمساحأ ا كبي ار ينتظره .
لما يشاهد أبدا مثل هذا المخلوق الضخما .فطوله ثمانية قامات من رأس ذيله حأتى نهاية فمه الطويل.
أمر ملك البحأر هذا المخلوق أن يحأمل الصياد السعيد عائدا إلى اليابان .مثل السلة العجيبة التي
صنعها شيزوتشينو أوكينا ,كان يستطيع أن يسافر أسرعا من أي مركب بخاري ,و بهذه الطريقة
الغريبة ,ممتطي ا ظهر تمساح ,عاد الصياد السعيد إلى أرضه .
حأالما أنزله التمساح ,أسرعا الصياد ليخبر صياد السمك الماهر بعودته سالم ا .
ثما أعاد إليه صنارة الصيد التي عثر عليها في فما البراميس و التي كانت سببا لقدر كبير من
الزعاج بينهما .رجا أخاه بصدق ليغفر له ,مخب ار له بكل ما جرى له في قصر ملك البحأر و
بالمغامرات العجيبة التي قادت إلى اكتشاف الصنارة .
كان صياد السمك الماهر قد استعمل الصنارة المفقودة كمبرر لدفع أخيه إلى خارج البلد.
حأين غادره أخوه ذلك اليوما منذ ثلثا سنوات مضت ,و لما يعد ,كان سعيدا كثي ار في قلبه الخبيثا و
اغتصب منصب أخيه كحأاكما للرض ,و غدا قويا و غنيا .الن وهو في خضما الستمتاعا بما
ليس له ,آملا أل يعود أخوه ليطالب بحأقوقه ,وقف أمامه الصياد السعيد بصورة مفاجئة.
90
تظاهر صياد السمك الماهر بالعفو ,لنه ل يستطيع أن يصنع مزيدا من المبررات لبعاد أخيه
ثانية ,لكنه كان في قلبه غاضبا جدا و كره أخاه أكثر فأكثر ,حأتى لما يعد يستطيع أخي ار أن يتحأمل
منظره يوما بعد يوما ,وخطط ليقتله و راح يتحأين الفرصة لذلك .
في أحأد الياما بينما كان الصياد السعيد يمشي في حأقول الرز تبعه أخوه بخنجر .
عرف الصياد السعيد أن أخاه كان يتبعه ليقتله ,و شعر أن عليه الن في ساعة الخطر العظيما هذه
,أن يستعمل جوهرتي طوفان التيار و انحأساره و ليثبت ما إذا كان ما أخبره به ملك البحأر حأق ا أما ل
.
لذا أخرج جوهرة تيار الطوفان من صدر ثوبه و رفعها إلى جبينه .حأالا جاء البحأر متدفقا فوق
الحأقول و فوق الم ازرعا موجة فوق إلى أن وصل إلى البقعة التي كان أخوه يقف فيها .
وقف صياد السمك الماهر مذهولا و خائف ا لرؤية ما يجري في دقيقة أخرى كان يناضل في الماء
و ينادي على أخيه لينقذه من الغرق .
كان قلب الصياد السعيد طيباق و لما يستطع أن يحأتمل منظر بؤس أخيه .أعاد فو ار جوهرة تيار
الطوفان و أخرج جوهرة تيار النحأسار .حأالما رفعها إلى مستوى جبهته تراجع البحأر إلى الوراء ثما
الوراء ,و قبل أن يمضي وقت طويل اختفت الفيضانات المتدفقة المندفعة ,و ظهرت الم ازرعا و
الحأقول و الرض الجافة كما كانت من قبل .
كان صياد البحأر الماهر خائف ا من خطر الموت الذي وقف فيه ,و كان متأث ار بقوة الشياء
العجيبة التي رأى أخاه يفعلها .أدرك الن أنه يرتكب خط ار قاتلا بوقوفه ضد أخيه ,رغما أنه كان
أصغر منه ,لنه أصبح الن قويا جدا بحأيثا أن البحأر يمكن أن يتدفق و ينحأسر بأمر.
لذا تواضع أماما الصياد السعيد و طلب منه أن يسامحأه على كل الغلط الذي ارتكبه بحأقه ووعد
صياد السمك الماهر أن يعيد لخيه كل حأقوقه و أقسما أيض ا رغما أن الصياد السعيد كان الخ
الصغر ويدين له بالولء بحأق الولدة ,أنه ,أي صياد السمك الماهر ,سيعلي شأنه كأنه أرفع
مقاما منه و ينحأني أمامه كسيد لجميع اليابان .
حأينئذ حأكما الصياد السعيد مملكته دون أن كيعكر بنزاعا أسري ,و حأل السلما في اليابان لوقت
طويل و طويل .كان يجل الجوهرتين العجيبتين لتيار الطوفان و تيار النحأسار اللتين أعطيتا له
من قبل رين جين ,التنين ملك البحأر ,أكثر من كل الكنوز التي في بيته .
هذه هي النهاية الهانئة للصياد السعيد و لصياد السمك الماهر .
91
قصة الرجل العجوز الذي يجعل الشجار الذابلة تزهر
في الماضي البعيد ,البعيد عاش رجل عجوز وزوجته كانا يعيلن نفسيهما من العناية
بقطعة أرض صغيرة .ظلت حأياتهما سعيدة وهادئة فيما خل حأزن كبير ,وسبب هذا الحأزن أنه
ليس لديهما طفل .كان حأيوانهما المدلل الوحأيد كلب ا يدعى شيرو ,أغدقا عليه كل عاطفة
شيخوختهما .لقد أحأباه كثي ار جدا حأقا ,إلى درجة أنهما كلما وجدا أي شيء طيب للكل فهما
ضينان به على نفسيهما ليعطياه لشيرو .إن معنى كلمة شيرو هو "البيض " ,و قد سمي كذلك ي ت
بسبب لونه .فقد كان كلبا يابانيا حأقيقيا ,و يشبه كثي ار ذئبا صغي ار في مظهره .
كانت أسعد ساعة في اليوما بالنسبة للرجل العجوز و كلبه معا حأين يعود الرجل من عمله
في الحأقل ,و بعد أن ينهي عشاءه الزهيد من الرز و الخضار ,بأن يخرج ما ادخره من الوجبة إلى
الشرفة الصغيرة التي كانت تحأيط البيت الصغير .كان شيرو طبع ا ,ينتظر سيده و أطعمةق المساء
الشهية .ثما يقول الرجل العجوز " تشن ,تشن ! " و ينتصب شيرو و يستعطي ,فيعطيه سيده
الطعاما .في البيت المجاور لهذين الزوجين الطيبين عاش رجل عجوز آخر و زوجته كان كلهما
شري ار و قاسيا ,و يكرهان جاقربيتهما الطيبين و الكلب شيرو بكل طاقتهما .حأين يحأدثا أن ينظر
شيرو إلى داخل مطبخهما فإنهما كانا يركلنه حأال و يلقيا عليه شيئ ا ,بل إنهما يجرحأانه أحأياناا.
كسمع شيرو في أحأد الياما و هو ينبح لوقت طويل في الحأقل خلف بيت سيده .أسرعا الرجل
العجوز ,ليرى ما المر ،يحأسب أن بعض الطيور ربما كانت تهاجما الذرة .وحأالما رأى شيرو سيده
جرى لملقاته ,ها از ذيله ,وجره ،ممسكا طرف ثوبه ،إلى تحأت شجرة ينوكي كبيرة .هنا شرعا يحأفر
بمخالبه بمثابرة ,و هو ينبح بابتهاج طيلة الوقت .ووقف الرجل العجوز ,ينظر بحأيرة ،غير قادر
على فهما ما يعنيه كل هذا .لكن شيرو تابع النباح و الحأفر بكل ما أوتي من قوة .
أخي ارا ،خطرت في بال الرجل العجوز فكرة أن شيئ ا ما يمكن أن يكون مخبأ تحأت الشجرة ,
وأن الكلب شمه .ركض عائداق إلى البيت ,أحأضر مجرفته و راح يحأفر الرض في تلك البقعة .
ولكما كانت دهشة كبيرة حأين وصل ,بعد الحأفر لبعض الوقت ,إلى كومة من القطع النقدية القديمة
الثمينة ,و صار كلما حأفر أعمق كلما وجد مزيدا من القطع النقدية الذهبية .كان الرجل العجوز
منهمك ا في عمله كثي ار بحأيثا لما ير الوجه الساخط لجاره يحأدق فيه من خلل سياج الخيزران .أخي ار
وضعت كل القطع النقدية الذهبية على الرض و هي تلمع .جلس شيرو منتصب ا بفخر و ناظ ار
بولع إلى سيده و كأنه يقول :
" أترى ,فعلى الرغما من أني مجرد كلب ,فإنني أستطيع أن أريد لك شيئا من معروفك الذي تبذله
نحأوي " .
92
دخل الرجل العجوز راكض ا كي ينادي زوجته ,و حأمل الكنز مع ا إلى البيت .هكذا في
يوما واحأد صار الرجل الفقير غنيا .ولما يعرف امتنانه للكلب المخلص حأدودا ,و أحأبه و دللله أكثر
من ذي قبل ,لو كان هذا ممكنا .
كان الجار السيئ الطبع ,وقد لفته نباح شيرو ,شاهدا غيو ار غير منظور على اكتشاف
الكنز .أخذ يفكر أنه يورد ,هو أيض ا ,أن يكتشف ثروة .لذا عرج بعد بضعة أياما على بيت الرجل
العجوز و استأذن بشكل رسمي في أن يستعير شيرو مدة قصيرة من الزمن.
فكر سيد شيرو في أن هذا طلب غريب ,لنه يعرف تماما المعرفة أن جاره ل يكره كلبه
المدلل فقط ,بل إنه لما يكن ليدخر فرصة لضربه و تعذيبه كلما صادفه في طريقه .
لكن الرجل العجوز كان أطيب قلب ا من أن يرفض طلب جاره ,لذا وافق على أن يعيره
ط أن يعتني به كثي ار .
الكلب شر ق
عاد الرجل الشرير إلى بيته وعلى وجهه ابتسامة بغيضة ,و أخبر زوجته كيف نجح في
مساعيه الماكرة .ثما أخذ مجرفته و أسرعا إلى حأقله ,مجب ار شيرو الكاره على أن يتبعه .حأالما
وصل إلى شجرة ينوكي ,قال للكلب ,مهددا :
" إذا كانت هناك قطع نقدية ذهبية تحأت شجرة سيدك ,فإنه يجب أن تكون هنا قطع
نقدية ذهبية تحأت شجرتي أيض ا .عليك أن تجدها لي ! أين هي ؟ أين ؟ أين ؟
و ممسك ا بعنق شيرو وضع رأس الكلب على الرض ,بحأيثا بدأ شيرو ينبش و يحأفر
ليخلص نفسه من قبضة الرجل البغيض .
كسير الرجل العجوز كثي ار حأين رأى الكلب يبدأ بالنبش و الحأفر ,لنه خيمقن فو ار أن بعض
القطع النقدية الذهبية ترقد مدفونة تحأت شجرته مثلما تحأت شجرة جاره ,و أن الكلب شمها كذي قبل
؛ً لذا بدأ يحأفر بنفسه ـ دافع ا شيرو جانب ا ,لكن لما يكن هناك ما كيكتشف .فبينما استمر في الحأفر
لوحأظت رائحأة كريهة ,و أخي ار عثر على كومة من الفضلت .
يمكنك أن تتخيل مقدار اشمئزاز الرجل العجوز الذي سرعان ما حأل محأله الغضب .فقد
رأى ثروة جاره الجيدة ,و استعار الكلب شيرو ،مؤملا بنفس الحأظ لنفسه ؛ً و الن ,تماما كما بدا
في لحأظة اكتشافه لما بحأثا عنه ,كانت مكافأته للحأفر الصباحأي كومة نفاية كريهة الرائحأة فقط .و
بدلا من أن يلوما جشعه على خيبة أمله ,فقد لما الكلب المسكين .أمسك بمجرفته ,و ضرب شيرو
بكل قوته و قتله في نفس البقعة .ثما رمى جثة الكلب في الحأفرة التي حأفرها على أمل أن يجد كن از
من القطع الذهبية ,و غطاها بالتراب .ثما عاد إلى بيته ,دون أن كيعلقما أحأداا ,و ل حأتى زوجته ,بما
فعل .
93
بعد انتظار بضعة أياما ,و بما أن الكلب شيرو لما يعد ,أخذ صاحأبه يزداد قلق ا .مر يوما
بعد يوما ،وانتظر العجوز الطيب بل طائل .ثما ذهب إلى جاره وطلب منه أن يعيد إليه كلبه .ودون
خجل أو تردد ,أجاب الجار الشرير أنه قد قتل شيرو بسبب سلوكه السيئ .عند هذا النبأ الفظيع
ذرف صاحأب شيرو دموع ا حأزينة سخية و كملرة .كانت مفاجأته المحأزنة ,كبيرة ,حأق ا ,لكنه كان
أطيب وألطف من أن يوبخ جاره السيئ .طلب من الرجل العجوز أن يعطيه الشجرة ,من أجل
ذكرى كلبه المسكين ،عالم ا أن شيرو قد كدفن تحأت شجرة الينوكي في الحأقل.
حأتى الجار العجوز السيئ الطبع لما يستطع أن يرفض مثل هذا الطلب البسيط ,لذا فقد
طع صاحأب شيرو الشجرة رضي أن يعطي الرجل العجوز الشجرة التي دفن تحأتها شيرو .ثما ق ي
وحأملها إلى البيت .صنع من الجذعا هاون ا .وضعت فيه زوجته بعض الرز ,و شرعا يطحأنه بغية
إعداد مهرجان لذكرى كلبه شيرو
حأدثا أمر غريب ! وضعت زوجته الرز في الهاون ,و حأالما بدأ يطحأنه ليصنع الكعك ,
أخذ ـ الرز يزداد بالتدريج حأتى صار خمسة أضعاف الكمية الصلية تقريبا ,و أخرجت الكعكات
من الهاون و كأن يدا خفية كانت تعمل .
حأين رأى الرجل العجوز و زوجته هذا ,أدركا أنها كانت مكافأة من شيرو على حأبهما المخلص له .
تذوقا الكعك فوجداه ألذ من أي طعاما آخر .لذا فإنهما منذ هذا الوقت لما يعودا يقلقان أبدا بشأن
الطعاما ,لنهما عاشا على الكعك الذي لما يتوقف الهاون عن إمدادهما به .
امتل الجار الجشع بالحأسد و الغيرة كذي قبل ,حأين سمع بهذا الجزء من الحأظ الطيب ,و
زار العجوز و سأله الذن في استعارة الهاون العجيب لمدة قصيرة ,مدعيا أنه ,أيضا ,حأزن لموت
شيرو ،وأنه يريد أن يصنع الكعك لمهرجالن في ذكرى الكلب .لما يرغب الرجل العجوز البتة في
إعارته لجاره القاسي ،لكنه كان من اللطف بحأيثا ل يستطيع أن يرفض .و هكذا حأمل الرجل
الحأسود الهاون إلى البيت ,لكنه لما يعده أبدا .
مرت عدة أياما ,و انتظر سيد شيرو عبثا من أجل الهاون ,لذا مضى ليزور المستعير ,
و طلب إليه أن يتفضل بإعادة الهاون إذا انتهى منه .و جده جالسا قرب نار عظيمة موقدة من
قطع الخشب .وضع على الرض ما بدا أنه يشبه كثي ار تق ق
طقع هاولن محأطلما .في الجابة على
استفسار الرجل العجوز ,رد الجار الشرير بعجرفة :
" أجئت تسألني عن هاونك ؟ لقد حأطمته إلى قطع ,و أنا الن أوقد نا ار من الخشب ,
لنه حأين حأاولت أن أسحأق الرز لصنع الكعك لما كينتتج سوى مادة مقززة فقط " .
قال الرجل العجوز الطيب :
94
" أنا آسف لذلك .إنه لشيء يدعو للسف الكبير أنك لما تطلب مني الكعك إن كنت
تريده .كنت سأعطيك منه قدر ما تريد .الن أعطني من فضلك رماد الهاون ,لنني أرغب أن
أحأتفظ به كذكرى لكلبي " .
وافق الجار فو ار ,وحأمل الرجل العجوز إلى البيت سلة مليئة بالرماد .
بعد وقت قصير من ذلك نثر الرجل العجوز من غير قصد بعض ا من رماد الهاون
المحأروق على أشجار حأديقته ،فحأدثا شيء مدهش !
كان الوقت متأخ ار في الخريف و كل الشجار طرحأت أوراقها ,لكنها حأالما لمس الرماد
أغصانها تفتحأت أشجار الكرز ,و أشجار الخوخ و كل الشجيرات المزدهرة بالزهر ,بحأيثا تحأولت
حأديقة الرجل العجوز فجأة إلى صورة جميلة للربيع .لما يعرف سرور الرجل العجوز حأدا ,و احأتفظ
بالرماد المتبقي بعناية .
انتشرت قصة حأديقة الرجل العجوز في طول البلد و عرضها ,و جاء الناس من البعيد
و القريب ليشاهدوا المنظر المدهش .
في أحأد الياما ,بعد وقت قصير من هذا ,سمع الرجل العجوز أحأدهما يقرعا بابه ,وحأين
ذهب إلى الشرفة ليرى من كان فوجئ برؤية فارس واقف هناك .أخبره هذا الفارس أنه واحأد من
أتباعا الكونت دايميو العظيما ؛ً و أن واحأدة من شجرات الكرز المفضلة في حأديقة هذا الرجل النبيل
ذبلت ,و أنه رغما أن كل من في خدمته جربوا بكل الوسائل أن يعيدوا إليها الحأياة ,فلما يفلح أحأد .
كان الفارس مرتبكا كثي ار حأين رأى مقدار الستياء الكبير الذي سببه فقدان شجرة الكرز المفضلة
للدايميو .عند هذه النقطة ,لحأسن الحأظ ,سمعوا أن هناك رجلا عجو از يستطيع أن يجعل الشجار
الذابلة تزهر ,و أرسله سيده ليطلب من الرجل العجوز أن يحأضر إليه .
أضاف الفارس " :و سأكون ممتن ا كثي ار جدا إن أتيت في الحأال " .
فوجئ الرجل العجوز الطيب بشدة بما سمع ,لكنه تبع الفارس باحأتراما إلى قصر الرجل
النبيل .
سأله الدايميو ,الذي كان ينتظر بنفاد صبر قدوما الرجل العجوز ,حأالما رآه :
" هل أنت الرجل العجوز الذي يستطيع أن يجعل الشجار الذابلة تزهر حأتى خارج
فصل الربيع ؟ "
انحأنى الرجل العجوز و أجاب :
" أنا ذلك الرجل العجوز ! "
ثما قال دايميو :
95
" عليك أن تجعل شجرة الكرز الميتة تلك في حأديقتي تزهر ثانية بواسطة رمادك الشهير.
و سأرى" .
ثما دخل الجميع إلى الحأديقة ـ الدايميو و أتباعه و السيدات اللواتي في الخدمة ,الذين
حأملوا سيف الدايميو .
شمر الرجل العجوز الن ثوبه و استعد لتسلق الشجرة .أخذ وعاء الرماد الذي أحأضره
معه ,قائلا " عفوا " ,و بدأ يتسلق الشجرة ,يراقب كل واحأد منهما حأركاته باهتماما شديد .
أخي ار تسلق إلى حأيثا المكان الذي تتفرعا فيه الشجرة إلى غصنين كبيرين ,و آخذا
موضعه هناك ,جلس الرجل العجوز و ذر الرماد يمنة و يسرة فوق كل الغصان و الماليد .
كانت النتيجة مدهشة ,حأق ا ! أزهرت الشجرة الذابلة فو ار تماما الزهار ! استخفت البهجة
الدايميو كثي ار إلى درجة بدا معها و كأنه سكيقجرن .نهض على قدميه و نشر مروحأته ,منادي ا على
الرجل العجوز أن ينزل من على الشجرة .قلدما بنفسه للرجل العجوز كأس ا من الشراب مملوءا بأفضل
شراب ,و كافأه بكثير من الفضة و الذهب و أشياء ثمينة أخرى .أمر الدايميو أنه من الن
فصاعدا على الرجل العجوز أن يدعو نفسه باسما هانا ـ ساكا ـ جيجيي ,أو " الرجل العجوز الذي
يجعل الشجار تزهر " ,و أن على الجميع من الن فصاعدا أن يدعوه بهذا السما ,و أرسله إلى
البيت باحأتراما كبير .
سمع الجار الشرير ,كما في السابق ,بثروة الرجل العجوز الطيب ,و بكل ما أصابه
من خير يبشر بالنجاح ,و لما يقدر أن يكبح الحأسد و الغيرة الليقذين مل آ قلبه .تذكر كيف فشل في
محأاولته لكتشاف القطع النقدية الذهبية ,ثما في صنع الكعك السحأري ؛ً ل بد في هذه المرة أنه
سينجح إن هو قيلد الرجل العجوز ,الذي جعل الشجار الذابلة تزهر ببساطة بذصر الرماد عليها .
فهذه ستكون من أبسط المهاما على الطلق .
لذا بدأ بالعمل و جمع كل الرماد الذي تبقى في الموقد من احأتراق الهاون العجيب .ثما
شرعا ينادي بصوت مرتفع بينما هو يتقدما ,على أمل أن يجد شخصا عظيما يستخدمه :
" ها قد جاء الرجل المدهش الذي يستطيع أن يجعل الشجار الذابلة تزهر ! "
جاء الرجل العجوز الذي يستطيع أن يجعل الشجار الميتة تزهر ! "
سمع الدايميو هذا الصراخ في قصره ,و قال :
" ل بد أن ذاك ال هانا ـ ساكا ـ جيجيي مارر بنا .ليس لدي اليوما ما أفعله دعوه يجرب
فنه ثانية ؛ً فسيمتعني أن أرى " .
لذا خرج التباعا و أدخلوا الدجال إلى حأضرة سيدهما .كيمكنك الن أن تتخيل تكفيقر
الرجل العجوز المزيف عن ذنوبه .
96
لكن الدايميو وهو ينظر إليه ,فكر أنه من الغريب أن ل يشبه الرجل العجوز الذي رآه
من قبل ,لذا سأله :
" أأنت الرجل الذي أسميكته هانا ـ ساكا ـ جيجيي ؟ "
وأجاب الرجل الحأسود بكذبة :
" أجل ,يا سيدي ! "
قال الدايميو " :ذاك غريب ! ظننت أنه يوجد هانا ـ ساكا جيجيي واحأد في العالما ! ألديه
الن بعض التلمذة ؟ "
أجاب الرجل العجوز ثانية " :أنا هانا ـ ساكا ـ جيجيي الحأقيقي .الذي جاء إليكما من
قبل كان تلميذي فقط ! "
" إذن ل بد أنك أكثر مهارة من الخر .جرب ما تستطيع فعله و دعني أرى ! "
عندئذ دخل الجار الحأسود ,مع الدايميو و تتبعه حأاشيته ,إلى الحأديقة ,و هو يقترب
من شجرة ميتة ,أخرج حأفنة من الرماد الذي يحأمله معه ,و ذرها على الشجرة .
ليست المسألة أن الشجرة لما تزهر ل ,و إنما لما يظهر برعما واحأد للعيان .أخذ الرجل
العجوز حأفنات من الرماد معتقدا أنه لما يستعمل ما يكفي ,و ذرها ثانية على الشجرة الميتة .لكن
كل ذلك دون فائدة .بعد المحأاولة لعدة مرات ,طار الرماد إلى عيون الدايميو .أغضبه هذا كثي ار ,
و أمر أتباعه بأن يقبضوا على الـ هانا ـ ساكا ـ جيجيي المزيف فو ار وأن يضعوه في السجن لنه
دجال .ولما يطلق سراح الرجل العجوز الشرير من هذا السجن أبدا ,وهكذا نال أخي ار العقاب على
كل أعماله السيئة .
على أي حأال ،أصبح الرجل العجوز الطيب رجلا غني ا و مزده ار في شيخوخته ,بفضل
كنز القطع النقدية الذهبية الذي اكتشفه شيرو له ,و بكل الذهب و الفضة التي أمطرها عليه
الدايميو ,و عاش حأياة طويلة و سعيدة ,محأبوب ا و محأترم ا من قبل الجميع.
97
النحأسار إلى المحأيط تسبب تراجع البحأر عن اليابسة ,و تجعل جوهرة تيار الطوفان المواج ترتفع
بعلو الجبال و تطغى على الشاطئ مثل موجة المد .
كان قصر رين جين في قاعا البحأر ,و كان جميلا للغاية بحأيثا أن أحأدا لما ير مثله على
الطلق حأتى في الحألما .والجدران من المرجان ,و السقف من اليشما ,والرضيات من أصفى
الصدف .لكن الملك التنين ,رغما مملكته الواسعة ,و قصره الجميل و كل عجائبه ,و قوته ,التي
ل ينازعه فيها أحأد في كل أرجاء البحأر ,لما يكن سعيدا على الطلق ,لنه كان يحأكما بمفرده .
أخي ار فكر في أنه لو تزوج فلن يكون أكثر سعادة فقط ,بل و أكثر قوة أيضا .لذا قرر أن يتخذ
زوجة .داعيا كل أتباعه من السماك معا ,اختار بضعة منها كسفراء ليذهبوا عبر البحأر و يبحأثوا
عن أميرة تنينة شابة تكون عروس ا له .
أخي ار عادوا إلى القصر و قد أحأضروا معهما تنينة جميلة شابة .حأراشفها خضراء براقة مثل
أجنحأة خنافس الصيف ,و عيناها تطلقان نظرات من نار ,و ترتدي ثياب ا فائقة الجمال .كشغلت
كل جواهر البحأر بالتطريز لتزخرفها .في الحأال وقع الملك في غرامها ,و احأتفل بمراسما الزواج
بأبهة كبيرة .كل حأي في البحأر ,اعتبا ار من الحأيتان العظيمة و نزولا إلى أسماك القريدس , ,
جاءت أفواج ا لتقدما التهاني للعروس و العريس و لتتمنى لهما حأياة مديدة و مزدهرة .لما يحأدثا أبدا
مثل هذا الحأشد أو مثل هذه الحأتفالت الزاهية في عالما السماك من قبل .وبدا أن موكب القحأقملة ,
الذين حأملوا ممتلكات العروس إلى بيتها الجديد ,قد وصل عبر المواج من نهاية البحأر إلى نهايته
الخرى .كل سمكة كانت تحأمل مصباحأا يومض و ترتدي ثياب المراسما ,زرقاء لمعة و قرنفلية و
فضية ؛ً و بدت المواج حأين كانت ترتفع و تهبط و تتكسر في تلك الليلة ,و كأنها تتدحأرج كتلا من
نار بيضاء و خضراء ,ذلك أن الفوسفور أضاء بتألق مضاعف على شرف هذا الحأدثا .
عاش الملك التنين و زوجته مدة من الزمن سعداء جدا .أحأبا أحأدهما الخر كثي ار ,و كان
العريس يستمتع يوم ا بعد يوما في إطلعا عروسه على كل عجائب و كنوز قصره المرجاني ,و لما
تكن تتعب من التجوال معه عبر قاعاته و حأدائقه الفسيحأة .وبدت الحأياة بالنسبة لكليهما مثل نهار
صيفي طويل .
مر شهران بهذه الطريقة السعيدة ,ثما سقطت الملكة التنينة مريضة و أجبرت على المكوثا
في السرير .كان الملك منزعج ا جدا حأين رأى عروسه الغالية مريضة جدا ,و أرسل على الفور في
ضقنها بعناية و
طلب طبيب السماك ليأتي و يعطيها دوااء ـ أعطى أوامر خاصة للخدما كي يمصر ب
ليقمن على خدمتها باجتهاد ,و لكن بالرغما من كل عناية الممرضات المواظبات و الدواء الذي
وصفه الطبيب ,لما تكببتد الملكة الشابة علمات على الشفاء ,بل كانت تزداد سوءا يوميا .
98
عندئذ قابل الملك التنين الطبيب و لمه على عدما شفائه للملكة .تنبه الطبيب إلى الستياء
الواضح لرين جين ,و برر نقص مهارته بقوله إنه على الرغما من معرفته لنوعا الدواء الصحأيح الذي
ينبغي أن يعطى للمريضة ,فإن من المستحأيل إيجاده في البحأر .
سأل الملك التنين " :هل تقصد أن تقول لي أنك ل تستطيع أن تحأصل على هذا الدواء هنا؟ "
قال الطبيب " :المر كما تقولون تمام ا ! "
طلب رين جين " :قل لي ما الذي تريده لجل الملكة ؟ "
أجاب الطبيب " :أريد كبقد تقرلد حألي ! "
قال الملك " :كبد قرد حأي ! طبعا سيكون الحأصول على ذلك أكثر المور صعوبة" ,
قال الطبيب " :لو استطعنا فقط الحأصول على ذلك لجل الملكة ,فإن جللتها سكتشفى قريباا,
"
قال الملك " :حأسن جدا ,هذا يجعله أم ار لزم ا ؛ً علينا الحأصول عليه بطريقة أو بأخرى .
لكن أين يمكن أن نجد قردا في الغلب ؟ "
عندئذ أخبر الطبيب الملك التنين أنه على مسافة إلى الجنوب توجد جزيرة قردة حأيثا تعيش
كمية كبيرة من القردة .
قال الطبيب " :لو أنكما تستطيعون فقط أن تأسروا واحأدا من تلك القردة ! "
قال الملك التنين بحأيرة كبيرة " :كيف يستطيع واحأد من شعبي أن يأسر قردا ؟ القردة تعيش
على الرض الجافة ,بينما نعيش نحأن في الماء ؛ً وخارج عنصرنا نحأن ضعاف تماماا! ل أرى ماذا
نستطيع أن نفعل ! "
قال الطبيب " :تلك هي المشكلة بالنسبة لي أيض ا ,لكنكما تستطيعون بالتأكيد أن تجدوا ,بين
خدمكما الذين ل يحأصون ,واحأدا يستطيع أن يذهب إلى الشاطئ من أجل هذا المر العاجل ! "
قال الملك " :يجب أن نفعل شيئ ا " ,و نادى على المسؤول الول واستشاره في المر.
فكر المسؤول الول لبعض الوقت ,ثما قال مبتهجا ,كما لو أن فكرة مفاجئة قد خطرت له :
" أنا أعرف ما يجب أن نفعل ! هناك الكوراجه " السمكة الهلمية " .إنها بالتأكيد بشعة
المنظر ,لكنها فخورة بقدرتها على المشي فوق اليابسة بأرجلها الربعة مثل سلحأفاة .دعونا نرسلها
إلى جزيرة القردة لتأسر واحأدا منها" .
ثما استدعيت السمكة الهلمية إلى حأضرة الملك ,و أعلمت من قبل جللته بما هو مطلوب
منها .
بدت السمكة الهلمية منزعجة كثي ار ,لدى إخبارها بالمهمة غير المتوقعة التي ستوكل إليها ,و
قالت إنها لما تذهب أبدا إلى الجزيرة موضوعا البحأثا ,و بما أنها لما يكن لديها أبدا أية خبرة في
المساك بالقردة فإنها خائفة ألي تكون قادرة على الحأصول على واحأد منها .
99
قال المسؤول الول " :حأسن ,إذا اعتمدت على قوتك أو براعتك فإنك لن تمسكي قردا أبداا.
الطريقة الوحأيدة هي أن تخدعي واحأداق ! "
قالت السمكة الهلمية المرتبكة " :كيف لي أن أخدعا قردا أبدا ؟ أنا ل أعرف أن أقوما بهذا",
قال المسؤول الول الماكر " :إليك ما يجب أن تفعليه ,حأين تقتربين من جزيرة القردة و
تقابلين بعضها ,يجب أن تحأاولي أن تتوددي إلى أحأدها .أخبريه أنك خادمة الملك التنين ,و ادعه
صتفي له فخامة القصر و عجائب البحأر ليأتي و يزورك و يشاهد قصر الملك التنين .حأاولي و ت
بصورة مشرقة ما استطعتت بحأيثا تثيرين فضوله و تجعلينه يتوق لرؤيتها كلها!"
قالت السمكة الهلمية الكارهة " :و لكن كيف لي أن أحأضر القرد إلى هنا ؟ أنتما تعلمون أن
القردة ل تسبح ! "
قال المسؤول الول " :يجب عليك أن تحأمليه على ظهرك .ما فائدة محأارتك إن لما تستطيعي
أن تفعلي ذلك ! "
تساءلت الكوراجه ثانية " :ألن يكون ثقيلا كثي ار ؟ "
أجاب المسؤول الول " :ل يجب عليك أن تكترثي لذلك ,لنك تعملين من أجل الملك التنين
!"
قالت السمكة الهلمية " :إذا سأبذل قصارى جهدي " ,و سبحأت بعيدا عن القصر و انطلقت
نحأو جزيرة القردة .سابحأة برشاقة وصلت إلى هدفها في بضع ساعات ,و كحأتملت بموجة مواتيلة إلى
الشاطئ .حأين نظرت حأولها رأت غير بعيد شجرة صنوبر كبيرة ذات أغصان متدلية و على واحأد
من تلك الغصان كان يوجد ما تبحأثا عنه ـ قرد حأي .
فكرت السمكة الهلمية " :كما أنا محأظوظة ! علي الن أن أتملق هذا المخلوق و أن أحأاول أن
أغريه كي يعود معي إلى القصر ,و سيكون دوري قد كأنتجز ! "
و هكذا مشت السمكة الهلمية ببطء نحأو شجرة الصنوبر .في تلك الياما البعيدة كان
للسمكة الهلمية أربعة أرجل و محأارة قاسية مثل سلحأفاة .حأين وصلت إلى شجرة الصنوبر رفعت
رأسها و قالت :
" كيف حأالك ,يا سيد قرد ؟ أليس النهار جميلا ؟ "
أجاب القرد من الشجرة " :إنه يوما جميل كثي ار ,أنا لما أرك من قبل في هذا الجزء من العالما
,من أين أتيت و ما هو اسمك ؟ "
أجابت السمكة الهلمية :
" اسمي كوراجه أو السمكة الهلمية .أنا واحأدة من خدما الملك التنين .لقد سمعت كثي ار
عن جزيرتكما الجميلة لدرجة أنني قصدت أن آتي لراها " ,
قال القرد " :سررت كثي ار برؤيتك " ,
100
قالت السمكة الهلمية " :بالمناسبة هل رأيت قط قصر ملك البحأر التنين حأيثا أعيش ؟ "
أجاب القرد " :كثي ار ما سمعت به ,لكنني لما أره مطلقا ! "
قالت السمكة الهلمية " :إذا عليك أن تأتي بالتأكيد .إنه لشيء يدعو للسف كثي ار بالنسبة
لك أن تمضي خلل الحأياة دون رؤيته .إن جمال القصر فوق كل وصف ـ إنه برأيي أجمل
مكان في العالما بالتأكيد "
سأل القرد بدهشة " :أهو جميل إلى ذلك الحأد ؟ "
عندئذ وجدت السمكة الهلمية فرصتها ,و تابعت بأفضل ما عندها وصف جمال وفخامة
قصر ملك البحأر ,و عجائب الحأديقة بأشجارها الغريبة من المرجان البيض ,و القرنفلي ,و
الحأمر ,والثمار الكثر غرابة مثل جواهر عظيمة معلقة على الغصان .ازداد اهتماما القرد أكثر
فأكثر ,و بينما كان يصغي نزل من الشجرة خطوة خطوة بحأيثا ل يفوت كلمة من القصة العجيبة .
فكرت السمكة الهلمية " :حأصلت عليه أخي ار ! " ,لكنها قالت بصوت مرتفع :
" يا سيد قرد ,علي أن أعود الن .وبما أنك لما تر أبدا قصر الملك التنين ,أل تغتنما هذه
الفرصة الرائعة بالقدوما ؟ سأكون عندئذ قادرة على أن أعمل دليلة لك وأريك كل مشاهد البحأر ,التي
ستكون عجيبة أكثر بالنسبة لك يا مغفل اليابسة " .
قال القرد " :أود كثي ار أن أذهب ,و لكن كيف لي أعبر الماء ؟ أنا ل أستطيع السباحأة ,
كما ل بد أنك تعرفين!"
" ليس هناك من مشكلة بهذا الشأن .أنا أستطيع أن أحأملك على ظهري " .
قال القرد " :سيكون ذلك مزعجا لك كثي ار " ,
قالت السمكة الهلمية " :أستطيع أن أقوما بذلك بكل سهولة .أنا أقوى مما أبدو عليه ,لذا
فيجب أل تتردد , " ,و خطت إلى داخل البحأر حأاملة السعدان على ظهرها.
قالت السمكة الهلمية " :حأافظ على الهدوء ,يا سيد قرد ,يجب ألل تسقط إلى البحأر ,
فأنا مسؤولة عن وصولك المن إلى قصر الملك " .
قال القرد " :أرجوتك ل تسرعي كثي ار ,و إل فأنا واثق من أنني سأسقط عن ظهرك " ,
و هكذا مضيا إلى الماما ,تنزلق السمكة الهلمية خلل المواج و القرد جالس على
ظهرها .حأين صا ار في منتصف الطريق تقريب ا ,بدأت السمكة الهلمية ,التي كانت تعرف القليل
عن التشريح ,تتساءل ما إذا كان القرد أحأضر كبده معه أما ل !
" سيد قرد ,أخبرني ,هل لديك شيء مثل كبد معك ؟ "
فوجئ القرد كثي ار بهذا السؤال الغريب ,و سأل ماذا تريد السمكة الهلمية بالكبد.
قالت السمكة الهلمية الحأمقاء " :ذاك هو الشيء الهما ,لذا حأالما تذكرته سألتك ما إذا
كنت تحأمل كبدك معك ؟ "
101
سأل القرد " :لماذا يكون كبدي بهذه الهمية بالنسبة لك ؟ "
قالت السمكة الهلمية " :أوه ! ستعرف السبب فيما بعد " ,
صار القرد يزداد فضولا و شلكا أكثر فأكثر ,و حأثا السمكة الهلمية لتخبره لماذا كبده
مطلوبة ,و انتهى بمناشدة مشاعر مستمعته بالقول إنه انزعج كثي ار بما أخبر به.
عندئذ حأزنت السمكة الهلمية من أجله ,و هي ترى كما بدا قلق ا ,و أخبرته بكل شيء .
كيف سقطت الملكة التنينة مريضة ,و كيف قال الطبيب أن كبد قرد حأي فقط يمكن أن يشفيها ,و
كيف أرسلها الملك التنين لتحأضر واحأدا .
قالت السمكة الهلمية " :لقد فعلت الن ما طكتلب مني ,و فور وصولنا إلى القصر
سيطلب الطبيب كبدك ,لذا فأنا أشعر بالحأزن لجلك ! "
ذعر القرد المسكين حأين عرف كل هذا ,و غضب من الخدعة التي انطلت عليه.
ارتجف خوف ا مما هو مبيت له .
لكن القرد حأيوان ذكي ,و فيكر أن أحأكما خطة أل يظهر أية علمة على الخوف الذي كان
يشعر به ,لذا حأاول أن يهدئ نفسه و يفكر بطريقة يمكنه النجاة من خللها.
فكر القرد " :ينوي أن يشقني ثما يستخرج كبدي ! لماذا أموت ! "
أخي ار جاءته فكرة ذكية ,لذا قال بمرح للسمكة الهلمية :
" إنه مما يدعو للسف ,يا سيدة سمكة هلمية ,أنك لما تتحأدثي عن هذا قبل أن نغادر
الجزيرة ! "
ت في أن ترافقني و لرفضت بالتأكيد
أجابت السمكة الهلمية " :لو أنني أخبرتك لما رغب ق
أن تأتي " ,
قال القرد " :أنت مخطئة تمام ا ,فالقردة يمكن أن تستغني عن كبد أو اثنين ,خاصة
ت ماذا كنت تحأتاجين ,لقدمت لك واحأدا دون
حأين تكون مطلوبة لجل الملكة التنينة .لو خيمن ك
انتظار السؤال .فأنا عندي أكباد عديدة .لكن أكثر ما يدعو للسف ,أنك لما تتكلمي في الوقت
المناسب ,فلقد تركت كل أكبادي معلقة على شجرة الصنوبر " .
سألت السمكة الهلمية " :هل تركت كبدك و راءك ؟ "
قال القرد الماكر " :أجل ,فخلل النهار أترك عادة كبدي معلق ا فوق غصن شجرة ,بما
أنه يعرقلني كثي ار عندما أتسلق هنا و هناك من شجرة إلى شجرة .اليوما ,و أنا أصغي إلى حأديثك
الممتع ,نسيته تماما ,و تركته و رائي حأين جئت معك .لو أنك تكلمت فقط في الوقت المناسب
لتذكرته ,و أحأضرته معي ! "
أصيبت السمكة الهلمية بإحأباط كبير حأين سمعت هذا ,لنها صلدقت كل كلمة قالها
القرد.
102
ل فائدة من القرد بدون كبد .في النهاية توقفت السمكة الهلمية و أخبرت القرد بهذا .
قال القرد " :حأسن ,هذا أمر يمكن أن يستدرك .أنا فعلا آسف حأين أفكر بعنائك ,
لكنك إذا أعدتني فقط إلى المكان الذي وجدتني فيه ,فسأكون في وقت قصير قاد ار على إحأضار
كبدي " .
لما تكرق فكرة العودة إلى الجزيرة ثانية للسمكة الهلمية إطلقاا ,لكن القرد أكد لها أنه إذا
تفضلت بإعادته فسيحأضر أفضل كبد له ,و يأخذها معه في المرة التالية .مقتنعة هكذا ,غيرت
السمكة الهلمية و جهتها إلى جزيرة القردة مرة أخرى .
لما تكد السمكة الهلمية تصل إلى الشاطئ .حأتى نزل القرد الماكر ,و متسلقا إلى شجرة
الصنوبر حأيثا رأته السمكة الهلمية أولا ,قفز عدة قفزات بين الغصان بمرح لنه صار آمن ا في
بيته ثانية ,ثما قال ناظ ار إلى السفل إلى السمكة الهلمية :
" شك ار جزيلا على العناء الذي تكبدته ! من فضلك بلغي تحأياتي للملك التنين في عودتك
!"
تعجبت السمكة الهلمية لهذا الكلما و اللهجة الساخرة التي قيل بها .ثما سألت القرد إن
كان في نيته ألل يأتي معها حأالا بعد أن حأصل على كبده .
أجاب القرد ضاحأك ا أنه لن يحأتمل فقدان كبده ,إنه ثمين جدا .
ناشدته السمكة الهلمية بإحأباط كبير " :لكن تذكر وعدك ! "
أجاب القرد " :ذاك وعد باطل ,و على كل حأال فقد تما فسخه الن ! " ثما بدأ يسخر
من السمكة الهلمية و أخبرها أنه كان يخدعها طيلة الوقت ؛ً و أنه لما يكن لديه الرغبة في أن يفقد
حأياته ,و هو ما كان سيحأصل بالتأكيد لو أنه تابع إلى قصر ملك البحأر إلى الطبيب الذي ينتظره,
بدلا من إقناعا السمكة الهلمية بأن تعود تحأت مزاعما باطلة .
أضاف القرد بسخرية من فوق الشجرة " :طبع ا ,لن أعطيك كبدي ,لكن تعالي وخذيها
إذا كنت تستطيعين ! "
لما يعد هناك الن ما تفعله السمكة الهلمية سوى أن تندما على حأماقتها ,و أن تعود إلى
ملك البحأر التنين وتعترف بفشلها ,لذا شرعت تسبح عائدة بحأزن و ببطلء .كان آخر شيء سمعته
بينما كانت تنزلق بعيدا ,مخلفة الجزيرة وراءها ,القرد وهو يضحأك منها .
في غضون ذلك كان الملك التنين ,و الطبيب ,و المسؤول الول ,وكل الخدما ينتظرون
بنفاد صبر عودة السمكة الهلمية .حأين لمحأوها تقترب من القصر ,رحأبوا بها بسرور .أخذوا
يشكرونها بإسراف على كل العناء الذي تكبدته في الذهاب إلى جزيرة القردة ,ثما سألوها أين القرد .
103
الن جاء يوما الحأساب بالنسبة للسمكة الهلمية .ارتجفت بأكملها بينما كانت تروي
القصة .كيف أحأضرت القرد نصف الطريق فوق البحأر ,ثما باحأت بحأماقة بسر مهمتها؛ً كيف
خدعها القرد بأن جعلها تصدق أنه ترك كبده وراءه .
كان غضب الملك التنين عظيم ا ,و أعطى أوامره فو ار بأن تعاقب السمكة الهلمية
بقسوة .وكان العقاب رهيب ا .فكان ينبغي أن تسحأب جميع العظاما من الجسد الحأي ,و أن تضرب
بالعصي .
أهينت السمكة الهلمية المسكينة و روعت فوق كل وصف ,و صرخت طالبة المغفرة .
ضقر كل واحأد من خدما القصر فو ار عصا و أحأاطوا
لكن أوامر الملك التنين ينبغي أن تطاعا .أحأ ق
بالسمكة الهلمية ,و بعد سحأب عظامها ضربوها حأتى صارت مثل عجينة مسطحأة ,ثما أخرجوها
إلى ما وراء بوابات القصر و ألقوها إلى الماء .هنا تركت لتعاني و تندما على ثرثرتها الحأمقاء ,و
تعتاد على حأالتها اللعظمية الجديدة .
واضح من هذه القصة أنه كان للسمكة الهلمية في سالف الزمان صدفة وعظاما شيئا
مثل سلحأفاة ,لكن ,منذ أن نفذت عقوبة الملك التنين على سلف السماك الهلمية ,صارت كل
سللتها طرية و بل عظاما تمام ا مثلما ترونها اليوما تقذفها المواج عالي ا على شواطئ اليابان .
104
خصومة القرد و السرطان
في الماضي البعيد ,وفي أحأد أياما الخريف المشرقة في اليابان ,حأدثا أن قردا قرنفلي الوجه و
سرطانا أصغر كانا يلهوان معا على طول ضفة نهر من النهار .وفيما كانا يتجولن ,وجد
السرطان قطعة من حألوى الرز ووجد القرد بذرة برسيمون .
التقط السرطان حألوى الرز و أراها للقرد ,و هو يقول :
" انظر ما أجمل هذا الشيء الذي وجدته !"
ثما رفع القرد بذرة البرسيمون و قال :
" أنا أيضا وجدت شيئا جيدا ! انظر !"
و مع أن القرد كان دائما كثير التعلق بثمار البرسيمون ,فإنه ل منفعة له بهذه البذرة التي
وجدها .فبذرة البرسيمون قاسية مثل الحأجر ل تؤكل .لذا فقد شعر ,بسبب طبعه الجشع بالغيرة من
حألوى السرطان ,و عرض المبادلة .لما ير السرطان طبع ا لماذا كان عليه أن يعطي جائزته مقابل
بذرة كالحأجر ,فلما يوافق على عرض القرد .
ل:
عندئذ شرعا القرد الماكر يقنع السرطان ,قائ ا
" كما أنت مغفل ل تفكر بالمستقبل ! فحألوى الرز يمكن أن تؤكل الن ,و هي بالتأكيد أكبر
بكثير من بذرتي ؛ً لكن لو زرعت هذه البذرة في الرض فإنها ستنمو بعد وقت قصير و تصبح شجرة
عظيمة في بضع سنين ,و تحأمل كثي ار من البرسيمون الطازج الرائع عام ا بعد عاما .ليتني أريك
إياها عندها و الثمار الصفر متدلية من أغصانها ! طبع ا ,إذا لما تصدقني فسأزرعها بنفسي ؛ً مع
أنني متأكد أنك ,فيما بعد ,ستحأزن لنك لما تعمل بنصيحأتي".
لما يستطع السرطان الساذج أن يقاوما إقناعا القرد الذكي .أخي ار استسلما و رضي بعرض القرد
,و تما التبادل .التهما القرد النهما بعد وقت قصير الحألوى ,و تخلى بنفور كبير عن بذرة البرسيمون
للسرطان .كان يود الحأتفاظ بتلك أيض ا ,لكنه كان خائفاق من أن يغضب السرطان و أن يقرصه
بمخالبه الحأادة التي تشبه المقص .ثما افترقا ,القرد إلى البيت في غابة الشجار و السرطان إلى
أحأجاره على ضفة جانب النهر .حأالما وصل السرطان بيته وضع بذرة البرسيمون في الرض كما
أخبره القرد .
في الربيع التالي كسير السرطان برؤية برعما شجرة فتية يشق طريقه إلى أعلى خلل التراب.
105
كانت تنمو أكثر كل عاما ,إلى أن أزهرت أخي ار في أحأد فصول الربيع ,و حأملت في الشتاء التالي
بعض ثمار البرسيمون الكبيرة .تدلت الثمار بين الوراق العريضة الناعمة مثل كرات ذهبية ,و
حأين نضجت تحأولت إلى اللون البرتقالي الغامق .كانت متعة السرطان الصغير بالخروج يوما بعد
يوما و الجلوس في الشمس إواخراج عينيه الطويلتين مثلما يفعل الحألزون بقرنيه الطويلين ,و مراقبلة
ثمار البرسيمون و هي تنضج نحأو الكمال .
كان يقول لنفسه " :كما ستكون لذيذة حأين كتؤكل!"
أخي ار في أحأد الياما ,عرف أن ثمار البرسيمون ل بد أن تكون قد نضجت تماما و أراد بشدة
أن يذوق واحأدة منها .قاما بعدة محأاولت لتسلق الشجرة ,مؤصملا ـ عبثا ـ الوصول إلى واحأدة من ثمار
البرسيمون الجميلة المتدلية فوقه ؛ً لكنه فشل في كل مرة ,لن أرجل السرطان لما تكن مخلوقة لتسلق
الشجار و إنما فقط للجري على طول الرض و فوق الحأجارة ,المران اللذان يستطيع أن يفعلهما
بذكاء فائق .في مأزقه فكر في رفيق لعبه القرد ,الذي ,كان يعلما ,أنه يستطيع أن يتسلق الشجار
أكثر من أي شخص آخر في العالما .قرر أن يطلب من القرد أن يساعده ,و ذهب ليجده .
ركض بطريقة سرطانية على ضفة النهر الحأجرية ,فوق المجازات نحأو داخل الغابة الظليلة ,
أخي ار وجد السرطان القرد يأخذ قيلولة في شجرة الصنوبر المفضلة لديه ,و قد التف ذيله بإحأكاما
حأول أحأد الغصان ليمنعه من السقوط أثناء أحألمه .و لكنه ,استيقظ بعد وقت قصير ,حأين
سمع أنه ينادى عليه ,وأصغى بشوق إلى ما كان السرطان يرويه .سر حأين سمع أن تلك البذرة
التي استبدلها منذ وقت طويل بحألوى الرز أصبحأت شجرة و هي تحأمل الن ثم ار جيدا ,لنه ابتكر
فو ار الخطة الماكرة التي ستجعل ثمار البرسيمون كلها له وحأده .
وافق على أن يذهب مع السرطان ليقطف له الثمار .حأين وصل مع ا إلى البقعة ,دهش
القرد بالشجرة الرائعة التي انبثقت من البذرة ,و بعدد ثمار البرسيمون الناضجة التي كانت الغصان
مثقلة منها .
تسلق الشجرة بسرعة وراح يقطف و يأكل ,بأسرعا ما يستطيع ,ثمرة برسيمون في إثر أخرى
.
كان يختار في كل مرة أفضل و أنضج ما استطاعا أن يجد ,وواصل الكل حأتى لما يعد يستطيع أن
يأكل المزيد .لما يشأ أن يعطي و لو واحأدة للسرطان المسكين الذي ينتظر في السفل ,و حأين
انتهى لما يبق هناك إل قليل من الثمر القاسي ,غير الناضج متروك ا .
تستطيعون أن تتخيلوا مشاعر السرطان المسكين بعد النتظار بصبر ,طيلة هذا الوقت كما
فعل ,لجل الشجرة كي تنمو وللثمار كي تنضج ,حأين رأى القرد يلتهما كل ثمار البرسيمون الجيدة
.
106
كان خائب الرجاء بحأيثا كان يركض و يركض حأول الشجرة منادي ا على القرد ليتذكر وعده .في
البداية لما يلحأظ القرد شكاوي السرطان ,لكنه أخي ار قطف أقسى و أشد ثمار البرسيمون خضرة
أمكنه أن يجدها و سددها نحأو رأس السرطان .ومعلوما أن ثمرة البرسيمون قاسية كالحأجر حأين
تكون غير ناضجة .أصابت قذيفة القرد الهدف و تأذى السرطان جدا من الضربة .مجددا و
مجددا ,كان القرد يقطف ,بأسرعا ما يستطيع ,ثمار البرسيمون القاسية و يرميها على السرطان
الذي ل حأماية له إلى أن سقط ميت ا ,و قد غطت كامل جسده .هناك تمدد في مشهد يرثى له عند
ساق الشجرة التي زرعها بنفسه .
حأين رأى القرد الشرير أنه قتل السرطان ركض بعيدا عن البقعة بأسرعا ما يمكنه ,خائفا و
مرتجف ا ,كأي جبان مثله .
كان للسرطان ابسن كان يلعب مع صديقه غير بعيد عن المنطقة التي جرت فيها هذه الفقبعلة
المحأزنة .في طريق العودة إلى البيت مر بوالده ميت ا ,في حأالة فظيعة ـ فقد كان رأسه مهشم ا و
صدفته مكسرة في عدة مواضع ,و حأول جثته رقدت ثمار البرسيمون غير الناضجة التي فعلت
فعلها المميت .عند هذا المنظر الفظيع جلس السرطان الصغير المسكين و بكى .
لكنه حأين بكى مدة من الزمن قال في نفسه إن هذا البكاء لن كيجدي ؛ً وواجبه أن ينتقما
لمقتل أبيه .و هذا ما قرر أن يفعله .تفحأص ما حأوله من أجل مفتاح يقوده لكشف القاتل .نظر
إلى ما فوق الشجرة فلحأظ أن أفضل الثمرات قد ذهبت ,و أن نتف القشر رقدت حأوله و العديد من
بذور البرسيمون قد نثرت على الرض جنبا إلى جنب مع ثمار البرسيمون غير الناضجة التي كان
واضحأا أنها كانت كترمى على والده .ثما أدرك أن القرد كان هو القاتل ,لنه تذكر الن أن أباه أخبره
ذات مرة بحأكاية قطعة حألوى الرز و بذرة البرسيمون .كان السرطان الصغير يعرف أن القرود
تحأب ثمار البريسمون أكثر من أية فاكهة ,و شعر بل شك أن طمعه في الفاكهة المشتهاة كان
السبب في موت السرطان العجوز .واحأسر تاه !
فكر أولا بالذهاب لمهاجمة القرد فو ار ,لنه كان يتحأرق غيظا .لكن الفكار التالية ,
أوحأت له بأن هذا ل فائدة منه ,فالقرد حأيوان كبير و ماكر و سيكون من الصعب التغلب عليه .إن
عليه أن يقابل المكر بالمكر و أن يطلب من بعض أصدقائه أن يساعدوه ,لنه يعلما أنه ليس في
مقدوره أن يقتله بمفرده .
شرعا السرطان الصغير على الفور بزيارة الهاون ,صديق والده القديما ,و أخبره بكل ما
حأدثا .توسل إلى الهاون بالدموعا أن يساعده في الثأر لمقتل أبيه .أسف الهاون كثي ار حأين سمع
الحأكاية المحأزنة ووعد على الفور أن يساعد السرطان الصغير في معاقبة القرد بالموت .
نبهه ليكون حأذ ار فيما يفعل ,لن القرد عدو قوي و ماكر .أرسل الهاون لحأضار النحألة و حأبة
الكستناء ) و أصدقاء السرطان القدامى أيض ا ( ليستشيرهما في الموضوعا .بعد وقت قصير
107
وصلت النحألة و حأبة الكستناء .وحأين كأعلموا بكل تفاصيل موت السرطان العجوز و خبثا القرد و
طمعه ,وافق كلهما على مساعدة السرطان الصغير في انتقامه .
بعد الحأديثا لوقت طويل فيما يتعلق بطرق ووسائل تنفيذ خططهما افترقوا ,و ذهب السيد
هاون مع السرطان الصغير لمساعدته في دفن والده المسكين .
بينما كان كل هذا يحأدثا كان القرد يهنئ نفسه ) كما يفعل الشريرون غالبا قبل أن يحأل
بهما عقابهما ( على كل ما فعله بترتيب كبير .اعتقد أن سرقته لكل ثمار البرسيمون الناضجة العائدة
لصديقه ثما قتله ,أمر جيد تماما .ومع أنه ,كان يبتسما بأكثر ما يستطيع ,لما يستطع أن يبعد تماما
خوف العواقب فيما لو انكشفت أعماله الشريرة .إذا اكتشف ) و طمأن نفسه بأن ذلك لن يكون لنه
فر دون أن يراه أحأد ( فإن من المؤكد أن أسرة السرطان ستضمر الكره له و ستسعى للثأر منه .لذا
لما يشأ أن يخرج ,وبقي في البيت لبضعة أياما .وجد أن هذا النوعا من الحأياة ,من ناحأية أخرى ,
مضجر بدرجة كبيرة ,سيما و أنه اعتاد الحأياة الحأرة للغابات ,و أخي ار قال :
" ل أحأد يعلما أنني من قتل السرطان ! أنا متأكد من أن ذلك الشيء العجوز لفظ أنفاسه
قبل أن أغادره .السرطانات الميتة ل أفواه لها ! من هناك ليخبر بأنني القاتل ؟
بما أنه ل أحأد يعرف ,فما فائدة حأبسي لنفسي وتفكيري في الموضوعا ؟ فما كان ل يمكن ألي يكون!"
بهذا خرج يتجول إلى مستوطنة السرطان و زحأف حأولها بما أمكنه من مكر قرب بيت السرطان
و حأاول أن يسمع ثرثرة الجيران بطريقة غير مباشرة .أراد أن يعرف ماذا كانت السرطانات تقول
حأول موت زعيمها ,ذلك أن السرطان العجوز كان زعيما العشيرة .لكنه لما يسمع شيئا و قال لنفسه :
" إنهما جميعا حأمقى بحأيثا أنهما ل يعرفون و ل يهتمون بمن قتل زعيمهما !"
لما يدرك " بحأكمته القردية " المزعومة أنه هذه اللمبالة الظاهرية إنما كانت جزاء من خطة
السرطان الشاب .فقد تظاهر عن عمد أنه ل يعرف من قتل والده ,و أنه يعتقد لقي مصرعه بسبب
من خطئه .بهذه الوسيلة كان يستطيع أن يحأتفظ بسر النتقاما من القرد ,الذي كان يخطط له .
هكذا عاد القرد إلى البيت من جولته راضيا تماما .قال لنفسه إنه لما يعد هناك ما يخشاه.
في أحأد الياما الجميلة ,كان القرد جالسا في البيت ,حأين فوجئ بظهور رسول من قبل
السرطان الصغير .وفيما هو متعجب يتساءل ماذا يمكن أن يعني هذا ,انحأنى الرسول أمامه و
قال:
قد أرسلت من قبل سيدي لعلمكما أن والده مات منذ بضعة أياما جلراء السقوط من شجرة
برسيمون أثناء محأاولة تسلق الشجرة بحأثا عن الثمر .و بما أن هذا اليوما هو اليوما السابع ,الذكرى
الولى بعد موته ,فقد أعد سيدي احأتفالا صغي ار على شرف أبيه ,و هو يدعوك لتأتي و تشارك
فيه بما أنك كنت واحأدا من أفضل أصدقائه .إن سيدي يأمل أن تشرفوا بيته بزيارتكما اللطيفة " .
108
حأين سمع القرد هذه الكلمات ابتهج من كل قلبه ,لن جميع مخاوفه من أن يشتبه به كانت قد
ت .لما يستطع أن يخمن أن خطة ضده قد وضعت موضع التنفيذ .تظاهر بالدهشة الكبيرة من
قسقكقن ب
خبر موت السرطان ,و قال :
" أنا ,حأق ا ,آسف لسماعي بموت زعيمكما .فنحأن صديقان رائعان كما تعملون .
أتذكر أننا تبادلنا مرة حألوى الرز ببذرة البرسيمون .إنه ليحأزنني كثي ار أن أظن أن تلك البذرة كانت
في النهاية سبب موته .أنا أقبل دعوتكما الكريمة مع الشكر .سأكون مسرو ار بتشريف صديقي
صقر شيئا من الدموعا الكاذبة من عينيه .
العجوز المسكين !" و ابعتق ق
ضحأك الرسول في نفسه و فكر " ,إن القرد الشرير يذرف الن دموعا كاذبة ,لكنه بعد حأيلن
سيسفح دمع ا حأقيقي ا ".لكنه شكر القرد جه ار و مضى إلى البيت .
حأين ذهب ,ضحأك القرد الشرير بصوت مرتفع مما اعتقده سذاجة السرطان الصغير ,و دون
أدنى إحأساس بدأ يتطلع للوليمة التي ستقاما في ذلك اليوما على شرف السرطان الميت ,و التي دعي
إليها .بيدل ملبسه و انطلق بوقار ليزور السرطان الصغير .
وجد كل أعضاء أسرة السرطان و أقاربه ينتظرون استقباله و الترحأيب به ,حأالما انتهت
انحأناءات المقابلة قادوه إلى صالة .هنا جاء المحأزون الصغير الول لستقباله .و تما تبادل
عبارات المواساة و الشكر بينهما ,ثما جلسوا جميع ا إلى الوليمة المترفة و رحأبوا بالقرد كضيف شرف
.
انتهت الوليمة ,ودعي بعد ذلك إلى غرفة مراسما الشاي ليتناول فنجانا من الشاي .حأين قاد
السرطان الصغير القرد إلى غرفة الشاي تركه و انسحأب .مر الوقت و مع ذلك لما يعد .أخي ار نفد
صبر القرد .قال في نفسه :
" إن مراسما الشاي هذه تكون عادة مسألة بطيئة .أنا متعب من النتظار طويلا .أنا
عطشان كثي ار بعد شرب الكثير من شراب الساكه في المأدبة !"
ثما اقترب من موقد الحأطب و بدأ يصب بعض الماء الحأار من إبريق يغلي هناك ,حأين
انفجر شيء ما من بين الرماد مصد ار قرقعة عظيمة و ضرب القرد على رقبته مباشرة .كانت تلك
هي حأبة الكستناء ,و هي واحأدة من أصدقاء السرطان ,أخفت نفسها في الموقد .قفز القرد ,
مأخوذا بالمفاجأة ,إلى الخلف ,ثما شرعا يركض إلى خارج الغرفة .
في هذا الوقت طارت النحألة ,التي كانت مختبئة خارج الستائر ,و لسعته من خده .تألما القرد
كثي ار ,احأترقت رقبته بالكستناء ولكتسقع على خده على نحأو خطير من قبل النحألة ,لكنه تابع الركض
صارخا و مثرث ار من الغيظ .
كان حأجر الرحأى قد أخفى نفسه مع عدة أحأجار أخرى في أعلى بوابة السرطان ,و بينما كان
القرد يركض تحأتها ,سقط حأجر الرحأى و سقطت جميع الحأجارة فوق رأس القرد .هل كان ممكن ا
109
أن يحأتمل القرد وزن حأجر الرحأى الساقط عليه من أعلى البوابة ؟ تمدد محأطم ا ومتألم ا جدا ,غير
قادر تماما على النهوض .وفيما هو ممدد ل حأيلة له هناك خرج السرطان الصغير وقد أنشب
مخالبه العظيمة التي تشبه المقص فوق القرد ,قال :
" هل تتذكر الن أنك قتلت أبي ؟ "
" إذن أنت عدوي ؟" لهثا القرد بانكسار .
" طبع ا " ,قال السرطان الصغير .
" كان الخطأ خطأ أبيك و ليس خطئي ؟" قال القرد غير التائب وهو يلهثا.
" أتستطيع أن توتغقل في الكذب ؟ عما قليل سأضع نهاية لقنفقتسك ! "
و بذلك قطع رأس القرد بمخالبه التي تشبه الكماشة .و هكذا نال القرد عقابه الذي يستحأقه ,وثأر
السرطان الصغير لموت أبيه .
هذه هي نهاية قصة القرد ,و السرطان ,و بذرة البرسيمون .
110
فكر الرنب " هذا مناسب كثي ار ! الن سأكون قاد اقر على تحأقيق رغبتي .سأطلب من
التمساح أن يحأملني عبر البحأر !"
لكنه ش ي
ك فيما إذا كان التمساح سيوافق على تنفيذ ما يطلبه ,لذا فكر بدلا من طلب خدمة أن
يحأاول الحأصول على ما يريد بخدعة .
لذا نادى التمساح بصوت مرتفع ,و قال :
" أوه ,يا سيد تمساح ,أليس اليوما يوم ا رائع ا ؟"
كان التمساح الذي خرج وحأده في ذلك اليوما ليستمتع بضوء الشمس الساطع ,قد بدأ لتوه
يشعر بالوحأدة قليلا عندما كسرت تحأية الرنب المبهجة الصمت .سبح التمساح قريبا من الشاطئ ,
و قد كسير لسماعا أحأدهما يتكلما .
" أتساءل من الذي تكلما إلي هذه اللحأظة! أكنت أنت يا سيد أرنب ؟ ل بد أنك مستوحأش تمام ا
وأنت وحأدك !"
قال الرنب :أوه ,ل ,أنا لست مستوحأشا على الطلق ,و لكن بما أنه يوما جميل فقد
ل؟"
خرجت إلى هنا لمتع نفسي .ألن تتوقف و تلعب معي قلي ا
خرج التمساح من البحأر و جلس على الشاطئ ,و لعب الثنان مع ا لبعض الوقت .ثما قال
الرنب :
" يا سيد تمساح ,أنت تعيش في البحأر و أنا أعيش على هذه الجزيرة ,و نحأن لنتقابل كثي ار
,لذا فأنا أعرف القليل عنك .أخبرني ,هل تعتقد بأن عدد جماعتك أكبر من عدد جماعتي؟"
أجاب التمساح " :طبعاا ,يوجد من التمساح أكثر مما يوجد من الرانب ,أل تستطيع أن
تشاهد ذلك بنفسك ؟ أنت تعيش على هذه الجزيرة الصغيرة ,بينما أنا أعيش في البحأر ,الذي يمتد
خلل كل أرجاء العالما ,لذا فلو دعوت كل التماسيح التي تسكن في البحأر فستكونون أيها الرانب
كل شيء بالمقارنة معنا !" كان التمساح معجب ا بنفسه كثي ار .
قال الرنب ,الذي قصد أن يحأتال على التمساح :
" هل تعتقد بأنه يمكنك أن تدعو ما يكفي من التماسيح لتشكل خطا من هذه الجزيرة عبر
البحأر حأتى إنابا ؟ "
فكر التمساح لحأظة ,ثما أجاب :
" طبع ا ,هذا ممكن " .
قال الرنب الماكر " :إذن جرب ,و سأعد من هنا !"
وافق التمساح ,الذي كان ساذجا كثي اقر ,و الذي لما يكن لديه أدنى فكرة عن أن الرنب يقصد
أن يحأتال عليه ,وافق أن يفعل ما طلبه الرنب ,و قال :
" انتظر قليلا ريثما أعود إلى البحأر و أدعو جماعتي للجتماعا !"
111
غطس التمساح في البحأر و غاب لبعض الوقت .في غضون ذلك ,انتظر الرنب على
الشاطئ أخي ار ظهر التمساح ,و قد أحأضر معه عددا كبي ار من التماسيح الخرى .
قال التمساح " :انظر يا سيد أرنب ! إنه لمر بسيط بالنسبة لصدقائي أن يشكلوا خطا من
هنا إلى إنابا .لنه يوجد ما يكفي من التماسيح ليمتدوا من هنا و حأتى الصين أو الهند .هل رأيت
من قبل مثل هذا العدد من التماسيح ؟ "
ثما رتيقب ب
ت كل التماسيح نفسها في الماء لتشكل جس ار بين جزيرة أوكي و بر إبانا الرئيسي .
حأين رأى الرنب جسر التماسيح ,قال :
" يا للروعة ! لما أكن أصدق أن هذا ممكن .دعوني لن أعدكما جميعا ! ولكي أفعل هذا ,
على أي حأال و بالذن منكما ,فإن علي أن أمشي فوق ظهوركما إلى الجانب الخر ,لذا من فضلكما
ل تتحأركوا و إل فسأسقط في البحأر و أغرق ! "
هكذا قفز الرنب من الجزيرة على جسر التماسيح الغريب ,وهو يعرد بينما يقفز من ظهر
تمساح إلى الخر :
" من فضلكما ابقوا ساكنين ,و إل فلن أكون قاد ار على العد .واحأد ,إثنان ,ثلثة ,أربعة ,
خمسة ,ستة ,سبعة ,ثمانية ,تسعة " ........
بهذا الشكل مشى الرنب الماكر إلى بر إنابا الرئيسي مباشرة .غير قانلع بتحأقيق رغبته ,حأتى
راح يسخر من التماسيح بدلا من أن يشكرها ,و قال ,بينما كان يقفز عن ظهر آخر واحأد منها :
" أوه ,أيتها التماسيح الحأمقى ,لقد سخرت الن منكما ! "
و كان على وشك أن يركض بعيدا بأسرعا ما يستطيع ,لكنه لما ينج بسهولة ,لنه حأالما أدركت
التماسيح أنها كانت حأيلة انطلت عليها من قبل الرنب لتمكنه من عبور البحأر ,و أن الرنب
يضحأك الن منها لحأمقها ,غضبت بهياج و قررت أن تثأر .ركض بعضها في إثر الرنب و
أمسكت به .ثما أحأاطت جميعها بالحأيوان الصغير المسكين ونتفت فبرقوه كله .صرخ بصوت مرتفع
و توسل إليها أن تصفح عنه ,لكنها مع كل مزعة من الفرو تنتزعها ,كانت تقول :
" نحأن نقوما بواجبك ! "
حأين انتزعت التماسيح آخر قطعة من الفرو ,ألقت الرنب المسكين على الشاطئ ,و سبحأت
جميع ا بعيدا و هي تضحأك مما فعلت .
كان الرنب عندئذ في حأالة مثيرة للشفقة ,قد انتكتزعا كل فروه البيض الجميل ,و جسده الصغير
العاري يرتجف ألما و ينزف .لما يستطع أن يتحأرك ,و كل ما استطاعا أن يفعله هو أن يتمدد على
الشاطئ دون معين أبدا و يبكي المصيبة التي حألت به .و مع أن غلطة أرنب إنابا البيض هي
التي جلبت عليه كل هذا البؤس و المعاناة فإن أي شخص يرى هذا المخلوق الصغير المسكين ل بيد
إل أن يشعر بالسى له على حأالته الحأزينة ,لن التماسيح كانت قاسية في انتقامها .
112
في هذا الوقت بالضبط صادف مرور عدد من الرجال ,بدا أنهما أبناء الملك ,ولدى مشاهدة الرنب
ممددا على الشاطئ وهو يصيح ,توقفوا و سألوا ما المر .
رفع الرنب رأسه من بين يديه ,و أجابهما قائلا :
" جرى قتال بيني و بين بعض التماسيح ,لكنني كهتزبم ك
ت ,و نزعوا كل فرائي و تركوني كي
أعاني هنا ـ لذا فأنا أبكي " .
حأينها كان مزاج أحأد هؤلء الشباب سيئ ا و حأاقدا .لكنه تظاهر باللطف و قال للرنب:
" أنا أشعر بالسف الشديد عليك .لو تجرب فقط ,أنا أعرف علجا سشفي جسدك المتوجع.
اذهب واستحأما بالبحأر ,ثما تعال و اجلس في الريح .هذا سيجعل فراءك ينمو ثانية ,و ستعود كما
كنت من قبل تماما " .
ثما تابع الشباب جميع ا سيرهما .كان الرنب مسرو ار كثي ار ,ظن ا منه أنه قد وجد علج ا .ذهب
و استحأما في البحأر ثما خرج و جلس حأيثا تستطيع الريح أن تهب عليه .
لكن حأين هبت الريح و جففته ,أصبح جلده منكمشا و قاسيا ,و زاد الملح اللما كثي ار بحأيثا
تدحأرج على الرمل من كربه و صاح عاليا ..
عند ذلك تمام ا مر ولد آخر من أولد الملك ,حأاملا على ظهره حأقيبة كبيرة .رأى الرنب,
ووقف و سأل لماذا يصرخ هكذا بصوت مرتفع.
لكن الرنب المسكين ,و قد تذكر أنه خدعا من قبل رجل يشبه الرجل الذي كان يكلمه ,لما
يجب ,و إنما تابع الصراخ .
لكن هذا الرجل كان ذا قلب ودود ,و نظر إلى الرنب بإشفاق شديد ,و قال :
" أيها الشيء المسكين ! أرى أن فراءك قد سلخ كله و أن جلدك عار تمام ا .من ذا الذي
استطاعا أن يعاملك بهذه القسوة ؟ "
حأين سمع الرنب هذه الكلمات اللطيفة شعر بالمتنان للرجل ,و أخبره متشجع ا بمسلكه
المحأبب ،بكل ما حأل به .لما يخف الحأيوان الصغير شيئا عن صديقه ,و إنما أخبره بصراحأة كيف
احأتال على التماسيح و كيف أنه جاء عبر الجسر الذي صنعته ,ظانة أن رغب في أن يعدها ؛ً
كيف سخر من حأماقتها ,ثما كيف انتقمت التماسيح لنفسها منه .ثما تابع ليقول كيف تما خداعه من
قبل زمرة من الرجال اللذين كانوا يشبهون صديقه اللطيف ؛ً و أنهى الرنب حأكاية تعاسته الطويلة
برجاء الرجل أن يعطيه شيئ ا من الدواء الذي يشفيه و يجعل فراءه ينمو ثانية .
حأين أنهى الرنب حأكايته ,كان الرجل يفيض شفقةا عليه ,وقال :
" أنا آسف كثي ار لكل ما عانيته ,لكن تذكر ,أن المر كان فقط نتيجة الحأيلة التي مارستها
على التماسيح " .
113
أجاب الرنب الحأزين " :أعرف ,لكنني ندمت و قررت أل أستعمل الحأيلة ثانية أبداا ,لذا
أرجوك أن ترشدني كيف يمكنني أن أعالج جسدي المتوجع و أجعل فرائي ينمو ثانية " .
قال الرجل " :إذن سأخبرك بعلج جيد ,اذهب أولا و اغتسل جيدا في تلك البركة التي هناك
و حأاول أن تغسل كل الملح عن جسدك .ثما اقطف شيئ ا من أزهار الكابا تلك التي تنمو قرب حأافة
الماء ,افرشها على الرض و تدحأرج عليها .إذا فعلت هذا فإن غبار الطلع سيجعل فراءك ينمو
ثانية ,و ستغدو معافى خلل مدة وجيزة " .
كان الرنب مسرو ار كثي ار بإخباره ماذا يفعل ,بهذا اللطف .زحأف نحأو البركة التي أشير
عليه بها ,اغتسل جيدا فيها ,ثما قطف أزهار الكابا النامية قرب الماء ,و تدحأرج عليه.
و ما أدهشه ,حأتى حأين كان يفعل هذا ,أنه رأى فراءه البيض الجميل ينمو ثانية ,توقف
اللما ,و شعر تمام ا كما كان يشعر قبل كل مصائبه.
غمرت البهجة الرنب لشفائه السريع ,و مضى يقفز بابتهاج نحأو الشاب الذي ساعده كثي ارا,و
قال جاثيا على ركبتيه عند قدميه :
" ل أستطيع أن أعبر عن شكري لكل ما فعلته من أجلي ! إنها رغبتي الصادقة أن أصنع لك
شيئ ا في المقابل .أرجوك أخبرني من تكون ؟
أجاب الرجل " :أنا لست ابن الملك كما تظنني .أنا جني ,و اسمي اوكوني ـ نوشي ـ نو ـ
ميكوتو ,و تلك الكائنات التي مرت من هنا قبلي هما أخوتي .لقد سمعوا بأميرة جميلة تدعى ياكامي
تعيش في مقاطعة إنابا هذه ,و هما في طريقهما ليجدوها و يطلبوا منها أن تتزوج واحأدا منهما .لكنني
لست في هذه الحأملة إل خادما ,لذا فأنا أمشي خلفهما و هذه الحأقيبة الكبيرة على ظهري " .
تواضع الرنب أماما هذا الجني العظيما اوكوني ـ نوشي ـ نو ـ ميكوتو ،الذي كان كثير من
الناس في تلك البلد يعبدونه كإله " .أوه ،لما أكن أعلما أنك اوكوني – نوشي – نو – ميكوتو .كما
كنت لطيف ا معي !من المستحأيل أن أصدق أن ذلك الفتى الفظ الذي أرسلني للستحأماما في البحأر
واحأد من أخوتك .أنا واثق تماما أن الميرة التي ذهب أخوتك في طلبها ,سترفض أن تكون عروسا
لي منهما ,و ستفضلك من أجل طيبة قلبك .أنا متأكسد تماما أنك ستفوز بقلبها دون أن تقصد أنت
ب أن تكون عروسك " .
ذلك ,و ستطل ك
لما يل ت
ق اوكوني ـ نوشي ـ نو ـ ميكوتو بالا لما قاله الرنب ,و إنما تابع طريقه بسرعة مودع ا
الحأيوان الصغير,و بعد وقت قصير أدرك أخوته .فوجدهما يدخلون بوابة الميرة .
تماما كما قال الرنب ,لما تقتنع الميرة بأن تصبح عروسا لي من الخوة ,و لكنها حأين
نظرت إلى وجه الخ اللطيف ذهبت إليه مباشرة إليه وقالت :
" لك أمنح نفسي " و هكذا تزوجا .
114
هذه هي نهاية القصة .يعبد اوكوني ـ نوشي ـ نو ـ ميكوتو من قبل الناس في بعض أجزاء
اليابان ,كإله ,و أصبح الرنب مشهو ار باسما" أرنب إنابا البيض ".لكن ماذا حأل بالتماسيح فل
أحأد يعرف .
115
طاعا الطرق ,إواذا أمكن ,أن
أخي ار أمر الملك ريكو ولده الصغر المير ياماتو أن يخضع ق ل
يخلص البلد من حأياتهما الشريرة .كان المير ياماتو في السادسة عشر من عمره فقط ,قد بلغ مبلغ
الرجولة بحأسب القانون ,ومع أنه كان في السن ذلك الشاب فإنه حأاز روح محأارب ل يهاب مكتمل
الرجولة ول يعرف ما هو الخوف .حأتى وقتها لما يكن هناك رجل يستطيع أن ينافسه في الشجاعة
والفعال الجسورة ,وتلقى أمر والده بابتهاج عظيما .
استعد فو ار للبدء ,وعظيمة كانت الجلبة في حأدود القصر بينما كان هو وأتباعه الثقاة يتجمعون
معا ويستعدون لجل الحأملة ,و يلصمعون دروعهما ويلبسونها .ذهب قبل أن يغادر بلط والده ليصلي
عند أضرحأة إيسي و ليأخذ إذن عمته الميرة ياماتو ,لن قلبه كان ثقيلا نوعا ما من فكرة الخطار
التي كان عليه مواجهتها ,وشعر أنه كان يحأتاج إلى حأماية سلفه,أماتيراسو ,إله الشمس .خرجت
عمته الميرة لتقدما له ترحأيب ا سا لار ,وهنأته على إيكال هذه المهمة الكبيرة إليه من قبل والده الملك .
ثما أعطته واحأدا من أثوابها الرائعة تذكا ار يذهب معه ليجلب له الحأظ الطيب ,قائلة إنه من المؤكد
أنه سيستخدمه في هذه المغامرة .ثما تمنت له كل نجاح في مشروعه و رجت له سرعة طيبة .
انحأنى المير الشاب أماما عمته ,و ا ستلما هديتها اللطيفة بسرور بالغ وكثير من انحأناءات
الحأتراما .
قال المير " :سأنطلق الن " و وضع نفسه على رأس جيشه عائدا إلى القصر .
ومبتهج ا هكذا ببركة عمته ,شعر بالستعداد لكل ما سيحأل ,وسائ ار عبر البلد نزل إلى جزيرة
كيوشيو الجنوبية ,موطن قطاعا الطرق .
قبل مضي أياما عديدة وصل إلى الجزيرة الجنوبية ,ثما شق طريقه ببطء لكن بثقة نحأو مركزي
قيادة الزعيمين كوماسو و تاكيرو .جوبه في ذلك الوقت بصعوبات كبيرة ,لنه وجد البلد مقف ار
ووع ار جداا .كانت الجبال مرتفعة وشديدة النحأدار ,والوديان مظلمة وعميقة ,وسدت الشجار
الضخمة وجلميد الصخر الطريق وأوقفت تقدما جيشه .كان من المستحأيل تقريب ا الستمرار .
مع أن المير لما يكن سوى مجرد شالب فقد كانت لديه حأكمة السنين ,قال في نفسه مدركا
أنه من غير المجدي أن يحأاول قيادة رجاله قككدماا:
" إن محأاولة القتال في معركة في هذا البلد الذي يتعذر اجتيازه والمجهول بالنسبة لرجالي
يجعل مهمتي أصعب .إننا ل نستطيع أن ننظف الطرق ونحأارب في الوقت ذاته .إن من الحأكمة
بالنسبة لي اللجوء إلى الحأيلة و أن أباغت أعدائي على حأين غرة .بتلك الطريقة ربما أستطيع أن
أقتلهما دون عناء كبير " .
لذا أمر جيشه بالوقوف على جانب الطريق .كانت زوجته ,الميرة أوتوتاتشيبانا ,قد رافقته ,
فأمرها أن تحأضر له الثوب الذي أعطته إياه عمته كاهنة إيسي ,وأن تساعده في أن يلبس كامرأة .
ارتدى الثوب بمساعدتها ,وأرخى شعره إلى السفل إلى أن انساب على كتفيه .ثما أحأضرت له
116
أوتوتاتشيبانا مشط ا ,وضعه في ضفائره السود ,ثما تزين بحأبال من الجواهر الغريبة كما تشاهد في
الصورة .عندما أنهى تبرجه غير المعتاد ,أحأضرت له أوتوتاتشيبانا مرآتها .ابتسما حأين حأدق
بنفسه – كان التنكر كاملا إلى درجة كبيرة .
بالكاد عرف نفسه ,فقد تغير كثي ارا .اختفت كل معالما المحأارب ,و على الصفحأة المشرقة
أطلت عليه سيدة جميلة فقط .
انطلق متنك ار هكذا بشكل تاما ,نحأو مخيما العدو بمفرده .وفي ثنايا عباءته الحأريرية ,قريب ا من
قلبه القوي ,كان يخفي خنج ار حأادا .
كان الزعيمان كوماسو و تاكيرو جالسين في خيمتهما ,يستريحأان في برودة المساء ,حأين
اقترب المير .كانا يتحأدثان عن الخبار التي كحأتمقلت إليهما مجددا ,بأن ولد الملك دخل بلدهما
بجيش كبير عاقدا العزما على أن يفني عصابتهما ,سمع كلهما بشهرة المحأارب الشاب ,ولول مرة
في حأياتهما الشريرة شع ار بالخوف .أثناء توقف قصير في حأديثهما صادف أن نظ ار إلى أعلى ,
ورأيا خلل باب الخيمة امرأة جميلة مكسوة بثياب فخمة قادمة نحأوهما .
ظهرت مثل شبح الجمال في الشفق الناعما .لما يكدر في خلدهما أن عدوهما الذي يهابان مجيئه ,هو
ذاك الذي وقف أمامهما في هذا التنكر .
قال كوماسو المندهش ناسي ا الحأرب والمجلس وكل شيء بينما كان ينظر إلى المتطفل
اللطيف ":يا لها من امرأة جميلة ! من أين أتت ؟"
أشار إلى المير المتنكر ودعاه للجلوس وتقديما الشراب لهما .شعر ياماتوتاكي بقلبه ينتفخ
بمرح عنيف لنه عرف الن أن خطته ستنجح .ومع ذلك ,تظاهر بذكاء ,مظه ار مسحأة من
الحأياء تقدما نحأو الزعيما المتمرد بخطوات وئيدة وعينين تطرفان مثل غزال مذعور .شرب كوماسو
مفتون ا بجمال الفتاة إلى درجة الذهول ,فنجان ا وراء فنجان من الشراب لجل متعة مشاهدتها تصبه
ب تمام ا أخي ار بالكمية التي شربها . ت
له ,إلى أن كغل ق
كانت هذه هي اللحأظة التي كان المير الشجاعا ينتظرها ,أمسك كوماسو المترنح والمندهش
ملقيا زجاجة الشراب أرضاا ,وطعنه حأتى الموت بالخنجر الذي حأمله س ار مخبأا في صدره .
صدما تاكيرو ,شقيق قاطع الطريق بالرعب ,حأالما رأى ما حأدثا وحأاول الهرب ,لكن المير
ياماتو كان أسرعا منه ,فقبل أن يصل باب الخيمة كان المير على إثره ,أمسك ملبسه بيد من
حأديد ,ولمع خنجر أماما عينيه وتمدد مطعون ا على الرض ,في النزعا لكنه لما يمت بعد .
قال قاطع الطريق لهثا بألما " :انتظر لحأظة ! " ,وأمسك يد المير .
أرخى ياماتو قبضته قليلا وقال :
" لماذا علي أن أتوقف ,أيها الوغد ؟ "
رفع قاطع الطريق نفسه بخوف وقال :
117
" أخبرني من أين أتيت ,ومع من أتشرف بالحأديثا ؟ كنت أعتقد حأتى اليوما أنني وأخي
الميت أقوى رجلين في البلد ,وأنه ليس هناك من يستطيع أن يهزمنا .أنت وحأدك غامرت بالدخول
إلى معقلنا ,ووحأدك هاجمتنا وقتلتنا ! ل ريب أنك أكثر من إنسان ؟ "
هنا أجاب المير الشاب بابتسامة فخورة " :أنا ابن الملك واسمي ياماتو ,ولقد أرسلت من
قبل أبي كمنتقما من الشر لجلب الموت لكل المتمردين ! ليس بعد الن سرقة ول قتل تبقي شعبي
في رعب ! " ورفع الخنجر يقطر حأمرة فوق رأس المتمرد .
لهثا الرجل الذي كان في الينزعا قائلا بجهد كبير " :لطالما سمعت بك .أنت حأقا رجل قوي
لنك تغلبت علينا بسهولة .اسمح لي أن أمنحأك اسما جديدا .من الن فصاعدا ستعرف بـ
ياماتوتاكي .أوصي لك بلقبنا كأشجع رجل في اليابان " .
ومع هذه الكلمات النبيلة ,سقط تاكيرو إلى الوراء ومات .
استعد المير الن للعودة إلى العاصمة ،بعد أن وضع بنجاح نهاية لعداء أبيه في الغرب.
في طريق عودته مر عبر مقاطعة إيدزومو .هنا جوبه من خارج آخر على القانون يدعى
إيدزوموتاكيرو ,علما أنه قد أسرف في فعل الذى في البلد .لجأ ثانية إلى الحأيلة ,وتظاهر
بالصداقة مع المتمرد تحأت اسما منتحأل .بعد هذا صنع سيف ا من الخشب و ثبته بقوة على غمد سيفه
الفولذي .كان يربطه إلى جنبه ويحأمله عمدا في كل مناسبة حأين توقع أن يقابل اللص الثالثا
تاكيرو .
الن دعا تاكيرو إلى ضفة نهر هينوكاوا ,وأقنعه أن يجرب أن يسبح معه في مياه النهر
الباردة المنعشة .
بما أنه كان يوم ا صيفي ا حأا ار ,لما يكن لدى المتمرد ما ينفره من أن يغطس غطسة في النهر
.وبينما كان عدوه ل يزال يسبح في الجدول ,استدار المير وخرج إلى اليابسة بكل سرعة ممكنة .
دون أن يشعر به أحأد ,تدبر أمر تبديل السيفين ,واضع ا سيفه الخشبي في مكان سيف تاكيرو
الفولذي الباتر .
غير عالما بهذا ,خرج قاطع الطريق إلى الضفة قريبا ,حأالما وطئ اليابسة وارتدى ملبسه ,
تقدما المير وطلب منه أن يبارزه بالسيف ليثبت مهارته ,قائلا :
" دعنا نبرهن من هو المبارز الفضل من بيننا ! "
وافق اللص بسرور ,شاع ار بثقة بالنصر ,لنه كان مبار از مشهو ار في مقاطعته ولما يكن
يعلما من هو خصمه ,أمسك بسرعة ما ظنه سيفه ووقف باستعداد ليدافع عن نفسه .
واحأسر تاه ! على المتمرد ,فقد كان السيف سيف المير الشاب الخشبي ,وحأاول دون جدوى أن
يسله من غمده ,فقد كان مثبت ا بإحأكاما ,لما تقدر كل قوته المبذولة أن تحأركه .
118
حأتى لو كانت جهوده ناجحأة فلن يكون السيف ذا فائدة له لنه كان من الخشب .رأى ياماتوتاكي
أن عدوه في قبضته ,و ملوحأ ا بالسيف الذي أخذه من تاكيرو عاليا هوى به بقوة عظيمة وبراعة و
قطع رأس اللص .
بهذه الصورة ,وباستعمال حأكمته حأين ا و باستعمال قوته الجسدية حأين ا ,وفي أحأيان أخرى
باللجوء إلى الخدعة ,التي كانت محأترمة في تلك الياما بالقدر التي هي محأتقرة في هذه الياما ,
هيمن على كل خصوما الملك واحأدا واحأدا ,وهيأ السلما والسكينة للرض و الشعب .
حأين عاد إلى العاصمة أطرى الملك أعماقله الشجاعة ,و أقاما مأدبة في القصر على شرف
قدومه المن إلى الوطن وقدما له العديد من الهدايا النادرة .منذ هذا الوقت و صاعدا أحأبه الملك
أكثر من ذي قبل و لما يدعا ياماتوتاكي يبتعد عن جانبه ,لنه قال بأن ولده الن غال عليه مثل
إحأدى ذراعيه .
لكنه لما يسمح للمير أن يعيش حأياة كسل طويلا .فحأين كان في حأوالي الثلثين من عمره,
كنتققل خبكر أن شعب آينو وهما السكان الصليون لجزر اليابان ,الذين هزموا و دفعوا نحأو الشمال من
قبل اليابانيين ,قد تمردوا في المقاطعات الشرقية ,وهما يتسببون بمغادرتهما للمنطقة التي خصصت
لهما باضطراب كبير في البلد .قرر الملك أنه من الضروري أن يرسل جيش ا يقاتلهما و يردهما إلى
الصواب .لكن من يجب أن يقود الرجال ؟
عرض المير ياماتوتاكي فو ار أن يذهب و يخضع المتمردين الذين ظهروا مؤخ ارا .الن و
بما أن الملك كان يحأب المير كثي ار ,و ل يستطيع أن يحأتمل ابتعاده عن نظره يوما واحأدا ,فقد
كان كارها لرساله في هذه الحأملة الخطيرة .لكنه لما يكن في كل الجيش محأارب بقوة أو شجاعة
ولده المير ,وبما أن جللته ,غير قادر على أن يفعل شيئ ا آخر ,خضع على مضض لرغبة
ياماتو .
حأين حأل الوقت لينطلق المير ,أعطاه الملك رمح الشجرة المقدسة الذي طوله ثمانية
أذرعا ) لعل القبضة كانت مصنوعة من خشب الشجرة المقدسة ( ,و أمره أن ينطلق لخضاعا
البرابرة الشرقيين كما كان شعب الينو يدعى آنذاك .
كان رمح الشجرة المقدسة الذي طوله ثمانية أذرعا في تلك الياما الغابرة ,يبيجل من قبل
المحأاربين تمام ا بقدر ما يبيجل العلما أو الراية من قبل فوج في هذه الياما الحأديثة ,حأين كأعطي من
قبل الملك لجنوده بمناسبة النطلق إلى الحأرب .
استلما المير رمح الملك باحأتراما و تبجيل عظيما ,و سار مغاد ار العاصمة ,مع جيشه نحأو
الشرق .زار في طريقه أولا معابد إيسي للتعبد ,و خرجت عمته أميرة ياماتو و الكاهنة العليا لتحأيته
119
.كانت هي من منحأته ثوبها الذي أثبت كونه عطية عظيمة له من قبكل في مساعدته في التغلب
وفي ذبح لصوص الغرب .
أخبرها بكل ما جرى معه ,و بالدور الكبير الذي لعبه تذكارها في النجاح في مشروعه
السابق ,و شكرها كثي ار من قلبه .حأين سمعت أنه كان منطلق ا مرة ثانية ليقاتل أعداء والده ,ذهبت
إلى المعبد ,و ظهرت ثانية و هي تحأمل سيف ا و حأقيبة جميلة صنعتها بنفسها ,و كانت مملوءة
بأحأجار الصوان ,التي كان الناس في تلك الياما يستعملونها بدلا من الثقاب في إشعال النار .
قدمت هذه الشياء له كهدية وداعا .
كان السيف سيف موراكومو ,أحأد الكنوز الثلثة المقدسة التي تشكل علمات سلطة
السرة المبراطورية لليابان .لما يعد هناك طلسما آخر للحأظ و النجاح يمكن أن تعطيه لبن أخيها،
و أمرته أن يستعمله أحأوج ما يكون إليه .
حأيا ياماتوتاكي عمته مودع ا ,و مرة أخرى سار واضع ا نفسه عل رأس رجاله إلى الشرق
القصى عبر مقاطعة أوراي ,ثما وصل إلى مقاطعة سوروغا .هنا رحأب الحأاكما بالمير من قلبه
تماما ,و أكرمه بصورة فخمة بالعديد من الولئما .حأين انتهت هذه الولئما ,أخبر الحأاكما ضيفه أن
بلده مشهور بأصيله الجميل ,اقترح صيد اليل من أجل تسلية المير .خدعا المير تمام ا بمودة
مضيفه ,التي كانت كلها زائفة ,و رضي بسرور أن ينضما إلى الصيد .
ثما قاد الحأاكما المير إلى سهل موحأش وواسع حأيثا كان العشب ينمو طويلا و بغ ازرة
كبيرة .
أخذ المير ,يجري بعنف و يصيد اليائل ,جاهلا تماما أن الحأاكما قد نصب له شركا رغبة في
تدبير مكيدة لقتله حأين رأى فجأة بذهول ألسنة اللهب و دخان ا يندلع من أجمة أمامه .حأاول أن
يتراجع مدرك ا للخطر ,لكنه ما كاد يدير حأصانه في التجاه المعاكس حأتى رأى أن المرج يشتعل.
في الوقت ذاته اندلعت ألسنة اللهب في العشب عن يمينه و عن يساره ,و بدأت ألسنة اللهب تمتد
بسرعة نحأوه من كل الجوانب .نظر حأوله عن فرصة للنجاة .لما يكن هناك شيء منها .كان
محأاطا بالنار .قال المير ,ناظ ار حأوله إلى ألسنة اللهب و الدخان التي كانت تطقطق و تتدحأرج
نحأوه على كل الجوانب " :كان صيد اليل هذا فقط شرك ا ماك ار من العدو ! " كما كنت أحأمق ا حأتى
أغري بي إلى هذا اليشرك مثل حأيوان بري ! و صلر بأسنانه غيظ ا بينما هو يفكر بغدر الحأاكما
المبتسما .
كان الوضع خط ار ,و إن لما يكن المير مرتبكا أدنى ارتباك .في محأنته الرهيبة تذكر
الهدايا التي أعطته إياها عمته حأين افترقا ,و بدا له ,كما لو أنها ,تنبأت ببصيرة نبوية بساعة
الضيق هذه .فتح ببرود حأقيبة أحأجار الصوان التي أعطته إياها عمته و أشعل نا ار بالعشب القريب
منه .ثما شرعا يعمل على قطع العشب على جوانبه بأقصى سرعة ،مجردا سيف موراكومو من
120
غمده .قرر أن يموت ,إذا كان هذا ضرورياا ,مناضلا من أجل حأياته و ليس بالوقوف ساكن ا منتظ ار
أن يأتيه الموت .
غريب أن نقول إن الريح بدأت تتغير لتهب من التجاه المعاكس ,و الجزء العنف من
الجمة المشتعلة التي كانت حأتى ذلك الحأين تهدد بالنقضاض عليه تعصف الن بعيدا عنه تماماا،
وعاش المير ,دون خدش على جسمه أو دون احأتراق شعرة منه ,ليروي قصة نجاته العجيبة ,
بينما أدركت الريكح التي تزداد قوة الحأاكقما ,فاحأترق حأتى الموت في ألسنة اللهب التي أشعلها لقتل
ياماتوتاكي .
كان المير يعزو نجاته بصورة كاملة إلى تأثير سيف موراكومو ,إوالى حأماية أماتيراسو ,
إلهة الشمس في إيسي ,التي تتحأكما بالريح و كل العناصر و تضمن سلمة كل من يصلي لها في
ساعة الخطر .معلي ا السيف الثمين رفعه فوق رأسه مرات عديدة في إشارة إلى احأترامه الكبير ,و
بينما كان يفعل هذا أعاد تسميته كوساناغي ـ نو ـ تسوروغي أو السيف فالق العشب ,و أطلق على
المكان الذي فيه أوقدت النار في العشب من حأوله و نجا من الموت في المرج المحأترق ,اسما
يايدزو .حأتى هذا اليوما توجد بقعة على طول سكة حأديد توكايد و تسمى يايدزو ,التي يقال إنها
نفس البقعة الذي جرت فيها هذه الحأادثة المثيرة .
هكذا نجا المير الشجاعا ياما توتاكي من الشرك الذي نصبه له عدوه .كان ممتلئ ا
دهااء و شجاعة و أخي ار فاق خصومه دهااء و أخضعهما جميع ا .سار مغاد ار يايدزو نحأو الشرق ,
ووصل الشاطئ عند إيدزو حأيثا رغب في أن يعبر إلى كادزوسا .
كانت تتبعه خلل هذه الخطار و المغامرات زوجته المحأبة الميرة أوتوتاتشيبانا .وهي
تعتبر تعب الرحألت الطويلة و أخطار الحأرب في سبيله كل شيء ,وكان حأبها لزوجها المحأارب
كبي ار جدا بحأيثا أنها تشعر أنها كوفئت بشكل جيد على كل جولتها إن هي استطاعت فقط أن
تناوله سيفه حأين ينطلق ليقاتل ,أو أن تخدمه في حأاجاته عندما يعود مرهق ا إلى المعسكر .
لكن قلب المير كان مشغولا بالحأرب و الفتح و قلما كان يهتما بأوتوتاتشيبانا المخلصة .
قذكبقل جمالها ,بسبب الظهور الطويل في السفر ,و من الهتماما و الحأزن من برود سيدها نحأوها ,
وأكبحأتر ق
ق جلدها العاجي بفعل الشمس حأتى أضحأى أسم ار ,و أخبرها المير ذات يوما أن مكانها في
القصر وراء الستار في البيت و ليس معه في طريق الحأرب .لكن أوتوتاتشيبانا على الرغما من
الصدود و اللمبالة من طرف زوجها ,لما يطاوعها قلبها قي أن تتركه .لكن لربما كان من الخير
لها لو أنها فعلت ,لنهما في الطريق إلى إيدزو ,عندما وصلوا إلى أوراي ,كاد قلبها أن يتصدعا .
هنا كانت تقيما الميرة ميادزو ,في قصر مظلل بأشجار النخيل و ل يوصل إليه إل من
خلل بوابات مهابه ,جميلة كزهر الكرز في فجر صباح ربيعي محأمر .كانت ثيابها أنيقة و زاهية ,
ك تعرف أبدا ماذا يعني أن تكون مرهق ا على طول طريق الواجب
و جلدها أبيض كالثلج ,لنها لما ت ك
121
أو أن تمشي في حأر شمس الصيف .و كان المير خجلا بزوجته التي لوحأتها الشمس في ملبسها
التي اتسخت بفعل السفر ,فأمرها أن تمكثا وراءه بينما مضى هو ليزور الميرة ميادزو .يوما بعد
يوما كان يمضي ساعات في حأدائق و قصر صديقته الجديدة ,مفك ار بسروره فقط ,قليل الهتماما
بزوجته المسكينة التي تظل خلفه لتبكي في الخيمة على التعاسة التي دخلت حأياتها .مع ذلك فقد
كانت مخلصة كثي ار ,و كانت شخصية صبورة جداا ,بحأيثا أنها لما تسمح للوما أن يخرج من شفتيها ,
أو لعبوس أن يشوه الحأزن الجميل لوجهها ,وهي مستعدة أبدا لترحأب بزوجها العائد بابتسامة أو
لتواكبه إلى الخارج أينما ذهب .
أخي ار جاء اليوما الذي توجب على المير ياماتوتاكي أن يغادر فيه إلى إيدزو و يعبر
فوق البحأر إلى كادزوسا ,و دعا زوجته أن تتبعه في حأاشيته كخادمة بينما ذهب هو ليتقبل وداعا
الميرة ميادزو .خرجت لتحأييه مكسوة بأثواب رائعة ,و بدت أجمل بكثير مما كانت عليه ,و حأين
رآها ياماتوتاكي نسي زوجته ,وواجبه ,و كل شيء ما خل بهجة الحأاضر الكسول ,وأقسما أنه
سيعود إلى أوراي و يتزوجها حأين تنتهي الحأرب .و فيما هو ينظر إلى أعلى حأين قال هذه الكلمات
قابل عيني أوتوتاتشيبانا الكبيرتين اللوزيتين مثبتتين عليه بحأزن ل يوصف و دهشة ,و عرف أنه
ارتكب خطأا ,لكنه تجيلد و تابع راكب ا ,غير عابئ باللما الذي سببه لها .
حأين وصلوا شاطئ البحأر عند إيدزو بحأثا رجاله عن المراكب التي سيعبرون
المضيق إلى كادزوسا بواسطتها ,لكنه كان من الصعب إيجاد ما يكفي من الزوارق ليسمح بصعود
كل الجنود .عندئذ و قف المير على الشاطئ ,و قال مفاخ ار بقوته و ساخ ارا:
" ليس هذا بحأ ارا! هذا جدول فقط ! لماذا تريدون أيها الرجال هذا العدد الكبير من
المراكب ؟ أنا أستطيع أن أقفز عنه لو أردت".
عندما صعدوا جميع ا أخي ار و كانوا تمام ا في طريقهما عبر المضيق ,تلبدت السماء
بالغيوما فجأة وهبت عاصفة عظيمة .ارتفعت المواج بعلو الجبال ,و عوت الريح ,و أومض
البرق و قصف الرعد ,و قذف المركب الذي كان يحأمل أوتوتاتشيبانا و المير و رجاله من ذروة من
الموجات المتدحأرجة إلى ذروة ,إلى أن بدا أن كل لحأظة ل بد أنها الخيرة بالنسبة لهما و أنهما لبد
سيبتلعون جميع ا في البحأر الغاضب .لن رين جين ,التنين ملك البحأر ,سمع ياماتوتاكي يسخر ,
ي المير الساخر كما يمكن أن يكون البحأر مرعب ا مع أنه لما يكن
و رفع عاصفته الرهيبة بغضب ,لير ق
يبدو إل كجدول .
أنزل الملحأون المذعورون الشرعة و سهروا على الدفة ,و عملوا من أجل حأياتهما
الغالية ,لكن كل ذلك دون جدوى ـ بدا أن العاصفة تزداد عنفا فقط ,و أسلما الجميع أنفسهما للهلك .
عندئذ نهضت أوتوتاتشيبانا المخلصة ,متناسية كل الحأزن الذي تسبب لها به زوجها ,ومتناسية
122
حأتى أنه ضجر منها ,في رغبة حأبها الكبيرة الوحأيدة لنقاذه ,قررت أن تضحأي بحأياتها لتنقذه من
الموت إن كان هذا ممكنا .
بينما كانت المواج تندفع بقوة فوق السفينة و الريح تدور حأولهما بغضب و قفت و
قالت :
" كل هذا قد حأدثا بالتأكيد لن المير أغضب رين جين ,إله البحأر ,بسخريته .
إذا كان ذلك كذلك ,فإنني أنا ,أوتوتاتشيبانا ,سأهدئ غضب إله البحأر الذي ل يريد شيئ ا أقل من
حأياة زوجي !"
ثما قالت مخاطبة البحأر :
ضبة ,باذلة
" سأحأل محأل جللة ,ياماتوتاكي .سألقي الن بنفسي إلى أعماقك الكمغ ق
حأياتي بدلا من حأياته .اسمعني إذن و أوصله بأمان إلى شاطئ كادزوسا ".
مع هذه الكلمات قفزت بسرعة إلى البحأر الصاخب ,و لفتها المواج بعد وقت قصير
بعيدا و غابت عن النظر .من الغريب أن العاصفة توقفت في الحأال ,و أصبح البحأر هادئا و لينا
كالبساط الذي كان المشاهدون المندهشون يجلسون عليه .هدأت آلهة البحأر الن ,و صحأا
الطقس و أشرقت الشمس كما في يوما صاف.
بعد وقت قصير وصل ياماتوتاكي الشاطئ المقابل و هبط بسلمة ,تمام ا كما دعت
زوجته .كانت شجاعته في الحأرب عجيبة ,و نجح بعد بعض الوقت في هزيمة البرابرة الشرقيين ,
شعب آينو.
ع از هبوطه المن كلية لخلص زوجته ,التي ضحأت بنفسها بحأب و بطيب خاطر
في أشد ساعاته خط ار .كان يرق قلبه لدى تذكرها ,و لما يتركها تذهب من أفكاره و لو حأتى للحأظة.
تعلما متأخ ار أكثر من اللزما كيف يحأترما طيبة قلبها و عظمة حأبها له .
وبينما كان عائدا في طريق وطنه وصل إلى ممر أو سوي توغي المرتفع ,و هنا وقف
وحأدق بالمنظر المدهش أسفل منه .يمتد الريف كله مكشوفا لبصره,,من هذا الرتفاعا الكبير ,منظ ار
شاملا واسعا للجبل و السهل و الغابة ,و النهار تلتف مثل أوشحأة فضية خلل الرض ; ثما رأى
في البعد البحأر النائي,الذي يومض مثل غشاوة مضيئة في البعد الكبير,حأيثا بذلت أوتوتاتشيبانا
حأياتها لجله ,وبينما استدار نحأوه ملد ذراعيه ,و مفك ار بحأبها الذي كان قد ازدراه و عدما إخلصه
لها ,أجهش قلبه في بكاء حأزين و مرير :
"أزوما,أزوما ,يا ! " )أوه ,زوجتي ,زوجتي !(و إلى اليوما توجد منطقة في طوكيو تدعى أزوما,
تحأتفي بكلمات المير ياماتوتاكي ,و المكاكن الذي قفزت منه زوجته المخلصة إلى البحأر لتنقذه ما
123
يزال يشار إليه .لذا ,ومع أن الميرة أوتوتاتشيبانا كانت حأزينة في الحأياة,فإن التاريخ يحأتفظ بذكراها
نضرة ,و لن تنقضي قصة إيثارها وموتها البطولي.
نفذ ياماتوتاكي حأتى الن كل أوامر والده ,فقد أخضع كل المتمردين ,و خلص الرض
من كل اللصوص و أعداء السلما ,و كانت شهرته عظيمة ,لنه لما يبق في كل الرض أحأد
يستطيع أن يقف في مواجهته ,فقد كان قوي ا جدا في القتال و حأكيم ا في المشورة.
كان على وشك العودة مباشرة إلى الوطن بالطريق الذي أتى منه ,حأين خطرت له فكرة
أنه سيكون ممتعا أن يسلك طريقا آخر ,و هكذا مر عبر مقاطعة اوراي ووصل إلى مقاطعة أومي .
حأين وصل المير أومي وجد الناس في حأالة هياج و خوف عظيمين .رأى في العديد
من المنازل التي كان يمر بها علمات الحأداد و سمع أصوات عويل مرتفعة .لدى سؤاله عن سبب
هذا أعلما بأن حأيوان ا رهيب ا قد ظهر في الجبال ,يأتي كل يوما من هناك و يقوما بغارات على القرى ,
ملتهم ا كل من استطاعا المساك به .هجرت العديد من البيوت و كان الناس خائفين من الخروج
إلى عملهما اليومي في الحأقول ,و النساء خائفات من الذهاب إلى النهار لغسل أرزهن.
عندما سمع ياماتوتاكي هذا تأجج غضبه ,و قال بعنف :
لقد أخضعت كل أعداء الملك ابتدااء من النهاية الغربية لكيوشيو إلى الزاوية الشرقية ليزور
ـ فل يوجد من يجرؤ على انتهاك القوانين أو التمرد على الملك .إنه لمر عجيب حأق ا أن يجرؤ
حأيوان شرير على أن يعيش هنا في هذا المكان ,القريب جدا من العاصمة ,و يكون مصدر رعب
لرعايا الملك .
لن يطول سروره بالتهاما الناس البرياء .سأنطلق و أقتله فو ار ".
مع هذه الكلمات انطلق إلى جبال إيبوكي ,حأيثا قيل إن الحأيوان يعيش .تسلق مسافة ل
بأس بها ,حأين ظهرت أمامه فجأة ,في منعطف الطريق ,أفعى تنينية و سدت الطريق .
قال المير " :ل بد أن هذا هو الحأيوان ,أنا ل أحأتاج سيفي من أجل أفعى .أستطيع
قتلها بيدي ".
وهكذا قفز على الفعى و حأاول أن يميتها خنقا بذراعيه العاريتين .لما يطل الوقت حأتى
تمكنت قوته الهائلة من السيطرة و تمددت الفعى ميتة عند قدميه .ثما حأل ظلما مفاجئ على الجبل
و بدأ المطر يهطل ,بحأيثا وجد المير صعوبة في أن يرى أي طريق يسلك بسبب الظلما و المطر
.بعد وقت قصير ,وفيما كان يلتمس طريقه إلى أسفل الطريق ,صحأا الطقس ,و غدا بطلنا
الشجاعا قاد ار على أن يشق طريقه بسرعة إلى أسفل الجبل .
حأين عاد بدأ يتوعك و يشعر بآلما محأرقة في قدميه ,لذا أدرك أن الفعى قد سممته.
124
تألما كثي ار جدا بحأيثا أنه لما يكن يستطيع أن يتحأرك ,فضلا عن أن يمشي ,لذا كحأتمقل إلى مكان في
الجبال مشهور بينابيعه المعدنية الحأارة ,التي كانت تنبع مبقبقةا من الرض ,و تكاد تغلي بسبب
النيران البركانية التي تحأتها .
كان ياماتوتاكي يستحأما يومي ا في هذه المياه ,و كان يشعر بالتدريج بقوته تعود إليه ثانية
,و اللما تبارحأه ,حأتى وجد أخي ار في أحأد الياما بابتهاج عظيما أنه شفي تمام ا .أسرعا الن إلى
معابد إيسي ,حأيثا تذكرون أنه صلى قبل تولي هذه الحأملة الطويلة .خرجت عمته كاهنة الضريح
,والتي كانت قد باركته عند انطلقه ,لترحأب الن بعودته .أخبرها بالمخاطر العديدة التي واجهها
و كيف كحأتفظت حأياته بشكل مدهش خللها كلهاـ و أطرت شجاعته و شجاعة محأاربيه ,ثما قحأيوقلت
الشكر ،وقد ارتدت أكثر أثوابها فخامة ,إلى سلفهما إلهة الشمس أماتيراسو ,التي إليها ع از كل
منهما الحأماية المذهلة للمير .
هنا تنتهي قصة أمير اليابان ياماتوتاكي .
125
أخي ار وجدت المرأة العجوز بقعة جميلة قرب ضفة النهر و وضعت سلتها عن كاهلها .ثما
شرعت تغسل الثياب ؛ً أخرجتها من السلة قطعة قطعة و غسلتها في النهر و فركتها على الحأجار .
كان الماء صافيا مثل الكريستال ,و كانت تستطيع أن ترى السمك الصغير يسبح جيئة و ذهابا ,و
الحأصى في القاعا .
وبينما هي مشغولة بغسل ملبسها أتت خوخة كبيرة تترجرج نزولا مع الجدول .رفعت
المرأة العجوز نظرها عن عملها و رأت هذه الخوخة الكبيرة .إنها في الستين من عمرها ,لكنها مع
ذلك لما تر في حأياتها خوخة كبيرة كهذه .
قالت في نفسها " :كما ستكون تلك الخوخة لذيذة ! يجب أن أتناولها بالتأكيد و آخذها إلى
البيت لزوجي العجوز ".
مدت ذراعها محأاولة المساك بها ,لكنها كانت بعيدة تمام ا عن متناولها .نظرت حأولها
بحأث ا عن عصا ,لكنها لما تر واحأدة ,و هي إن ذهبت للبحأثا عن واحأدة فإنها ستخسر الخوخة.
توقفت لحأظة لتفكر فيما ستفعل ,فتذكرت كربقيةا تشعريةا قديمة .بدأت عندئذ تصفق بيديها
لتضبط وقت تدحأرج الخوخة نزولا مع الجدول ,و بينما كانت تصفق كانت تغني هذه الغنية :
" الماء البعيد مرير
و الماء القريب لذيذ؛ً
دبعتك من المرير
وتعاقلي إلى اللذيذ ".
و الغريب ,أنها حأالما بدأت تكرر هذه الغنية الصغيرة راحأت الخوخة تقترب رويدا رويدا
من الضفة التي وقفت عليها المرأة العجوز ,حأتى وقفت أخي ار أمامها تمام ا بحأيثا صارت قادرة على
أن تتناولها بيديها .
كسيرت المرأة العجوز .ولما تستطع أن تتابع عملها ,فهي سعيدة و متأثرة للغاية ,لذا
أعادت كل الملبس إلى سلتها المصنوعة من الخيزران ,و أسرعت و هي تحأمل السلة على ظهرها
و الخوخة في يدها نحأو البيت .
بدا لها أنها انتظرت وقت ا طويلا جدا إلى أن عاد زوجها .أخي ار عاد الرجل العجوز
فيما كانت الشمس تغرب ,و حأزمة كبيرة من العشب على ظهره ـ كبيرة جدا بحأيثا أنه كان مختفي ا
تقريب ا و بصعوبة استطاعت أن تراه .بدا متعب ا جدا لذا استعمل المنجل كعكاز ,منحأني ا عليه بينما
كان يمشي .
صاحأت المرأة العجوز حأالما رأته :
" أو جي سان ! ) أيها الرجل العجوز ( لقد انتظرت قدومك طويلا هذا اليوما ! "
126
سأل الرجل العجوز ,متعجب ا من لهفتها غير المعتادة ":ما المر ؟ لما أنت نافدة الصبر ؟
هل حأصل شيء في غيبتي ؟"
أجابت المرأة العجوز ":أوه ,ل ! لما يحأصل شيء ,أنا فقط أحأضرت لك هدية جميلة !"
قال الرجل العجوز " :هذا شيء طيب ",ثما غسل قدميه في طست ماء و خطا نحأو الشرفة.
ركضت المرأة العجوز عندها إلى الغرفة الصغير و أحأضرت الخوخة الكبيرة من الخزانة.
بدت عند الحأمل أثقل من ذي قبل .حأملتها إليه ,قائلة :
" انظر فقط إلى هذه ! هل رأيت قط مثل هذه الخوخة الكبيرة في كل حأياتك؟"
دهش الرجل العجوز حأين نظر إلى الخوخة بشدة و قال :
" هذه فعلا أكبر خوخة رأيتها على الطلق ! من أين ابتعتها ؟"
أجابت المرأة العجوز " :أنا لما أبتعها ,أنا وجدتها في النهر حأيثا كنت أغسل ".و أخبرته
بكل الحأكاية .
قال أوجي سان ":أنا مسرور لنك وجدتها .دعينا نأكلها الن ,لنني جائع كثي ارا"
أحأضر سكين المطبخ ,واضعا الخوخة على لوح ,و أوشك أن يقطعها عندما ,انفلقت
الخوخة بنفسها ,ويا للدهشة ،إلى فلقتين و قال صوت واضح :
" انتظر قليلا ,أيها الرجل العجوز ! " و خرج منها طفل صغير جميل .
دهش الرجل العجوز و زوجه مع ا مما رأيا بحأيثا سقطا أرض ا .تكلما الطفل مرة ثانية:
" ل تخافا .فأنا لست شيطانا أو جنيا .سأخبركما بالحأقيقة .لقد أشفقت السماء عليكما .
فقد كنتما تندبان كل يوما و كل ليلة لنكما ل طفل لديكما .اسكتجيب لصراخكما و أنا مبعوثا لكون
ابن ا لشيخوختكما !"
سير الرجل العجوز و زوجه كثي ار لدى سماعا هذا .فقد كانا يجأران ليل نهار حأزن ا على أن
ل طفل لهما يساعدهما في شيخوختهما الموحأشة ,و الن و قد أجيبت دعوتهما فقد غمرهما
البتهاج بحأيثا لما يدريا أين يضعان أيديهما و أرجلهما .أخذ الرجل العجوز أولا بذراعيه ,ثما فعلت
المرأة العجوز الشيء ذاته ؛ً و أسمياه موموتارو ,أو ابن الخوخة ,لنه من خوخة خرج.
مرت السنون بسرعة ونما الطفل ليصبح في الخامسة عشرة من عمره .كان أطول و أقوى
بكثير من أقرانه من الصبيان ,ذا وجه وسيما و قلب مليء بالشجاعة ,و كان حأكيم ا جدا بالقياس
إلى عمره .
كانت سعادة الزوجين العجوزين كبيرة جدا حأين ينظران إليه ,لنه كان كما يجب أن يكون البطل
بالضبط في اعتقادهما .
ذات يوما حأضر موموتارو إلى أبيه بالتبني و قال بوقار :
127
" يا أبت ,نحأن صرنا أب ا و ابنا بمصادفة غريبة .إن إحأسانك إلي أعظما من أعشاب
الجبال التي كان عملك اليومي أن تقطعها ,و أعمق من النهر الذي تغسل فيه أمي الثياب .ل
أعرف كيف أكافئكما ".
أجاب الرجل العجوز " :لماذا ,إنه لشيء طبيعي أن يربي الب ابنه .سيأتي دورك
عندما تكبر لتعتني بنا ,و هكذا بعد كل هذا لن يكون بيننا ربح أو خسارة -الجميع سيكونون
متساوين .أنا حأق ا ,مندهش قليلا من أن عليك أن تشكرني بهذه الطريقة ! " و بدا الرجل العجوز
منزعجا .
قال موموتارو " :آمل أن تصبر علي ,لكن قبل أن أبدأ برد إحأسانك إلي فإن عندي
مطلب أقدمه آمل أن تمنحأني إياه قبل أي شيء آخر " .
" سأدعك تفعل ما تشاء ,فأنت مختلف تمام ا عن كل الصبيان الخرين !"
" إذن دعني أمضي بعيدا في الحأال !"
" ماذا تقول ؟ هل ترغب في أن تترك أباك و أمك العجوزان و تذهب بعيدا عن بيتك القديما
؟"
" بالتأكيد سأعود ثانية ,إذا تركتماني أذهب الن!"
" إلى أين تذهب؟"
قال موموتارو " :ل بد أن تظن طلبي أن أذهب بعيدا أم ار غريب ا ,لنني لما أخبرك بعد
بعذري .توجد على بعد من هنا في شمال شرق اليابان جزيرة في البحأر .هذه الجزيرة هي معقل
عصابة من الشياطين .لطالما سمعت كيف أنهما يغزون هذه الرض ,و يقتلون و يسلبون الناس ,
و يحأملون معهما ما يجدونه .إنهما ليسوا شريرين وحأسب بل إنهما غير مخلصين لمبراطورنا و
يعصون قوانينه .ثما إنهما من أكلة لحأوما البشر ,لنهما يقتلون و يأكلون بعض الناس المساكين
عاثري الحأظ الذين يقعون في أيديهما .هذه الشياطين كائنات كريهة .يجب أن أذهب و أهزمها و
أستعيد كل السلب التي من أجلها سرقوا هذه الرض .لهذا السبب أريد أن أمضي بعيدا لبعض
الوقت !"
دهش الرجل العجوز جدا لسماعا كل هذا من مجرد ولد في الخامسة عشرة من عمره .ظن
أنه من الخير أن يدعا الصبي يذهب .فقد كان قوي ا و غير هياب ,و بالضافة إلى كل هذا ,كان
يعرف الرجل العجوز أنه ليس طفلا عادي ا ,لنه أرسل إليهما هدية من السماء و هو يشعر بيقين تاما
أن الشياطين سيكونون ل حأول لهما و ل قوة على إيذائه .
128
قال الرجل العجوز " :كل ما تقوله ممتع ,يا موموتارو ,لن أثنيك عن عزمك .بإمكانك
أن تذهب إن شئت .اذهب إلى الجزيرة بأسرعا ما تحأب و دمر الشياطين و احأمل السلما إلى
الرض ".
قال موموتارو الذي بدأ يستعد للذهاب في نفس ذلك اليوما ":شك ار لك ,على كل معروفك
".كان ممتلئ ا شجاعة ولما يكن يعرف ما يعني الخوف.
شرعا الرجل والمرأة العجوزان يطحأنان على الفور الرز في هاون المطبخ لصنع الكعك
لموموتارو ليأخذه معه في رحألته.
الفراق حأزين دائماا .وهكذا كان بالنسبة لهما .امتلت عيون العجوزين بالدموعا وارتجفت
أصواتهما حأين كانا يقولن :
" امض بكل حأرص و سرعة .نرجو أن تعود منتص ار ! "
كان موموتارو حأزين ا كثي ار لفراق والديه العجوزين ) ,مع أنه يعلما أنه عائد بأسرعا ما يستطيع
( لنه كان يفكر في كما سيكونان وحأيدين عندما يكون بعيداا .لكنه قال بشجاعة تامة ":وداعا !"
" أنا ذاهب الن .اعتنيا بنفسيكما بينما أكون بعيدا .وداعا !" وخطا بسرعة خارج البيت .
تقابلت عيون موموتارو ووالديه بصمت في الوداعا .
أسرعا موموتارو في طريقه حأتى حأل منتصف النهار .بدأ يشعر بالجوعا ,لذا فتح حأقيبته
وأخرج واحأدة من كعكات الرز وجلس تحأت شجرة إلى جانب الطريق ليأكل .وفيما هو يتناول غداءه
هكذا جاء كلب كبير كمهر راكضا من بين العشب المرتفع .اتجه مباشرة إلى موموتارو ,ومكش ار
عن أسنانه ,قال بطريقة عنيفة :
" أنت إنسان فظ لنك تمر في حأقلي دون أن تستأذن أولا .إذا تركت لي كل الكعكات التي
معك في حأقيبتك فبإمكانك أن تذهب ؛ً إوال فسأعضك حأتى أقتلك !"
ضحأك موموتارو ساخ ار فقط :
" ما ذاك الذي تقول ؟ هل تعلما من أنا ؟ أنا موموتارو ,وأنا في طريقي لخضاعا الشياطين
في معقل جزيرتهما في شمال شرق اليابان .إذا حأاولت أن تقف في طريقي فسأقطعك نصفين من
رأسك إلى أسفل ! "
تبدل سلوك الكلب على الفور .وضع ذيله بين رجليه ,وانحأنى مقترب ا بحأيثا لمست جبهته
الرض .
" ماذا أسمع؟ اسما موموتارو ؟ هل أنت موموتارو حأقا ؟ لقد سمعت كثي ار بقوتك الهائلة .
لقد تصرفت بحأماقة كبيرة غير عارف من تكون .هل تتفضل بأن تغفر لي فظاظتي ؟ هل أنت في
طريقك لتغزو جزيرة الشياطين ؟ إذا كنت ستأخذ مثل هذا الرفيق الفظ كواحأد من أتباعك ,فسأكون
ممتن ا لك ".
129
قال موموتارو " :أعتقد أنني أستطيع أن آخذك معي إذا كنت ترغب في الذهاب "
قال الكلب ":شك ار لك ! بالمناسبة ,أنا جائع كثي ار كثي ار .هل أعطيتني واحأدة من
الكعكات التي تحأمل ؟ "
قال موموتارو ":هذا أفضل نوعا من الكعك الموجود في اليابان ,أنا ل أستطيع أن أستغني
لك عن واحأدة كاملة؛ً سأعطيك نصف واحأدة ".
قال الكلب ,آخذا القطعة التي ألقيت إليه ":شك ار جزيلا لك ".
ثما نهض موموتارو وتبعه الكلب .ومشيا لوقت طويل فوق التلل وعبر الوديان .بينما
كانا يمضيان في سبيلهما نزل حأيوان من شجرة على مسافة قصيرة أمامهما .جاء الحأيوان بعد وقت
قصير إلى موموتارو وقال :
" صباح الخير ,يا موموتارو! أهلا بك في هذا الجزء من الريف .هل تسمح لي أن
أمضي معك ؟"
أجاب الكلب بغيرة :
" إن لدى موموتارو الن كلبا يرافقه .ما فائدة قرد مثلك في القتال ؟ إننا في طريقنا لقتال
الشياطين ! هيا ابتعد !"
بدأ الكلب والقرد يختصمان ويعض أحأدهما الخر ,لن هذان الحأيوانان يكره أحأدهما الخر
عادة .
قال موموتارو ,واضعا نفسه بينهما ":ل تختصما ,الن ,انتظر لحأظة ,أيها الكلب !"
قال الكلب ":إنه ل يشرفك أبدا أن يكون لديك مخلوق مثل ذاك يتبعك !"
سأل موموتارو ":ماذا تعرف عنه ؟ " وتكلما إلى القرد ،دافع ا الكلب جانباا:
" من أنت ؟"
أجاب القرد ":أنا قرد يعيش في هذه التلل ,سمعت بحأملتك إلى جزيرة الشياطين ,وجئت
لذهب معك .ل شيء سيسرني أكثر من متابعتك !"
" هل ترغب حأقا في أن تذهب إلى جزيرة الشياطين وتقاتل معي ؟"
أجاب القرد ":أجل ,سيدي "
ك قطعة من واحأدة من كعكات الرز اللذيذة
قال موموتارو ":أنا معجب بشجاعتك ,ها ق
خاصتي .هيا !"
هكذا انضما القرد إلى موموتارو .لما يصبح الكلب والقرد أفضل حأالا معاا .فقد كان أحأدهما
ينقض دائما على الخر في محأاولة لعضه بينما كانا يسيران ,و يريدان أن يتعاركا دائماا .وهذا ما
يجعل موموتارو نزقاا ,وأخي ار أرسل الكلب إلى الماما مع علما ووضع القرد في الخلف مزودا بسيف,
ووضع نفسه بينهما بمذراة حأرب مصنوعة من الحأديد.
130
بعد وقت قصير وصلوا إلى حأقل واسع .هنا طار طائر وحأط على الرض أماما المجموعة
الصغيرة تماما .كان أجمل طائر رآه موموتارو على الطلق .على بدنه ثمة خمسة أثواب مختلفة
من الريش و كان رأسه مغطى بقبعة قرمزية .
ركض الكلب على الفور إلى الطير وحأاول أن يمسك به و يقتله .لكن الطائر أنشب
مخالبه و انقض على ذيل الكلب ,و جرت معركة شرسة بينهما .
لما يستطع موموتارو ,بينما كان يتابع النظر ,إل أن يعجب بالطائر ؛ً فقد أظهر قد ار كبي ار
جدا من البأس في القتال .سيكون منه بالتأكيد مقاتل جيد .
مضى موموتارو إلى المقاتلين ,و قال للطائر ,معيقا الكلب :
" أنت أيها الوغد ! إنك تعرقل رحألتي .استسلبما في الحأال ,و سآخذك معي .إوان لما تفعل
فسأدعا هذا الكلب ينتزعا رأسك !"
حأينئذ استسلما الطائر فو ار ,و طلب أن ينضما إلى جماعة موموتارو .
" أنا ل أعرف عذ اقر أقدمه على نزاعي مع خادمك الكلب ,لكنني لما أرك .أنا طائر بائس
يدعى التيبدكرج .إوانه لكرسما كبير منك أن تتجاوز عن فظاظتي و تأخذني معك .أرجوك اسمح لي أن
أتبعك و راء الكلب و القرد !"
قال موموتارو ,مبتسم ا " :أهنئك على استسلمك بهذه السرعة ,تعال و انضما إلينا في
إغارتنا على الشياطين ".
سأل الكلب ,مقاطعا ":هل ستأخذ هذا الطائر معك أيضا ؟"
" لماذا تسأل مثل هذا السؤال غير الضروري ؟ ألما تسمع ما قلت ؟ أنا آخذ الطائر معي
لنني أريد ذلك ! "
قال الكلب " :هما !"
ثما وقف موموتارو و أعطى أمره :
" الن عليكما جميعا أن تصغوا إلي .إن أول أمر ضروري في الجيش هو النسجاما .إنه لقول
حأكيما ذلك القول الذي يقول " :التفوق على الرض خير من التفوق في الجو !" إن التحأاد فيما
بيننا خير من أي مكسب ممكن .حأين ل ننعما بالسلما فيما بيننا فإنه ليس من السهل أن نخضع أي
عدو .منذ الن ,أنتما الثلثة ,الكلب ,و القرد و التدرج ,ينبغي أن تكونوا أصدقاء برأي واحأد .و
من يبدأ الخصومة أولا سيصرف من الخدمة في الحأال !"
وعد الثلثة أجمعون بأل يختصموا .وقكبتقل طائر التدرج عضوا في مجموعة موموتارو ,و
تلقى نصف كعكة .
كان تأثير موموتارو عظيم ا بحأيثا أن الثلثة أصبحأوا أصدقاء جيدين ,و كانوا يسرعون
معه كقائد إلى الماما.
131
ماضون في سرعتهما يوم ا بعد يوما و صلوا أخي ار إلى شاطئ البحأر الشمالي الشرقي .لما
يكن كيرى شيسء حأتى الفق ـ و ل حأتى علمة لية جزيرة .كل ما كان يبدد السكون هو تدحأرج
المواج على الشاطئ .قطع الكلب و القرد و طائر التدرج بشجاعة كبيرة كل الطريق عبر الوديان
الطويلة و فوق التلل ,لكنهما لما يكونوا قد أروا البحأر من قبل ,و لول مرة منذ أن انطلقوا كانوا
مرتبكين و يحأدقون بصمت إلى بعضهما بعض ا .كيف لهما أن يعبروا الماء و يصلوا إلى جزيرة
الشياطين .
رأى موموتارو و بعد وقت قصير أنهما كانوا مذعورين من منظر البحأر ,و ليختبرهما تكلما
بصوت مرتفع و بخشونة :
" لماذا تترددون ؟ هل أنتما خائفون من البحأر ؟ أوه يا لكما من جبناء ! إنه لمن المستحأيل أن
آخذ مخلوقات ضعيفة مثلكما معي لقتال الشياطين .سيكون من الفضل بكثير أن أمضي وحأدي .
أنا أصرفكما جميع ا من الخدمة على الفور !"
فوجئت الحأيوانات الثلثة بهذا التأنيب الحأاد و تمسكت بكما موموتارو ,راجية منه أل
يطردها .
قال الكلب " :أرجوك ,يا موموتارو ! "
قال القرد " :لقد قطعنا كل هذه المسافة ! "
قال طائر التدرج " :من القسوة أن تتركنا هنا ! "
قال القرد ثانية " :نحأن لسنا خائفين من البحأر "
قال طائر التدرج " :أرجوك خذنا معك ",
قال الكلب ":افعل من فضلك "
لقد حأازوا الن شيئ ا من الشجاعة ,لذا فقد قال موموتارو :
" حأسن ,إذن ,سآخذكما معي ,لكن كونوا يقظين ! "
حأصل الن موموتارو على سفينة صغيرة ,و صعدوا جميعا على متنها ,كانت الريح و
الطقس مواتيين ,و مضت السفينة فوق البحأر مثل سهما .إنها المرة الولى التي يركبون فيها الماء
و لذا كان الكلب ,و القرد و طائر التدرج في البداية خائفين من المواج و من تدحأرج المركب ,
لكنهما شيئ ا فشيئ ا اعتادوا الماء و غقدوا سعداء أيض ا .كل يوما يذرعون ظهر سفينتهما الصغيرة جيئة
و ذهاب ا ,يرصدون بشوق جزيرة الشياطين .
عندما يتعبون من هذا ,يحأكي بعضهما لبع ل
ض قصصا عن مآثرهما التي كانوا فخورين بها ,
ثما يلعبون ألعابا معا ؛ً و وجد موموتارو الكثير ليمتع نفسه في الصغاء إلى الحأيوانات الثلثة و
مراقبة أفعالهما الغريبة ,و بهذه الطريقة ينسى طول الطريق وأنه متعب من الرحألة و من عدما فعل
شيء .كان يتوق إلى العمل في قتل المخلوقات التي تسببت بكثير من الذى في بلده .
132
وبما أن الريح كانت تجري في صالحأهما و أنهما لما يواجهوا عواصف فإن السفينة قامت
برحألة سريعة ,وفي أحأد الياما عندما كانت الشمس تضيء بسطوعا كوفئ المراقبون الربعة بمنظر
أرض قاب قوس .
عرف موموتارو على الفور أن ما رأوه هو معقل الشياطين .فوق قمة الشاطئ الشديد
النحأدار ,ثمة قلعة كبيرة تطل على البحأر .الن وقد بات مشروعه في متناول يده ,غرق في تفكير
عميق ورأسه مائل على يديه ,يتساءل كيف ينبغي أن يبدأ الهجوما .يراقبه أتباعه الثلثة ,منتظرين
الوامر .أخي ار نادى على طائر التدرج :
قال موموتارو للطائر ":إنها لمزية كبيرة أن تكون بيننا ,لن لديك أجنحأة جيدة .تطر فو ار
إلى القلعة واجتذب الشياطين نحأو القتال .نحأن سنتبعك ".
أطاعا التدرج على الفور .طار من السفينة وهو يضرب الهواء بجناحأيه بسعادة .بعد وقت
قصير وصل الطائر الجزيرة واتخذ موضع ا له على السطح في منتصف القلعة ,منادي ا بصوت
مرتفع :
" أصغوا إلي جميعا أيها الشياطين ! إن الجنرال الياباني الكبير موموتارو جاء لمحأاربتكما
ولينتزعا منكما معقلكما .فإن كنتما ترغبون في إنقاذ حأياتكما استسلموا على الفور ,وعليكما كعلمة على
الخضوعا أن تنزعوا القرون التي تنمو على جباهكما .إواذا لما تستسلموا على الفور ,بل قررتما القتال,
فسنقتلكما جميع ا أنا والكلب والقرد بتقع ص
ضكما وتمزيقكما حأتى الموت!"
ضحأك الشياطين ذوو القرون ناظرين إلى أعلى ومشاهدين طائر التدرج فقط ,وقالوا :
" إنه طائر تدرج متوحأش ,حأقا ! إن من المضحأك أن نسمع مثل هذه الكلمات من شيء
حأقير مثلك .انتظر حأتى تتلقى ضربة من أحأد من قروننا !"
حأقاك كان الشياطين غاضبين جداا .هزوا قرونهما وكثات شعرهما الحأمر بعنف ,واندفعوا
ليلبسوا سراويل جلد النمر كي يجعلوا أنفسهما يبدون أكثر رهبة .ثما أخرجوا قضبان ا كبيرة من الحأديد
وركضوا إلى حأيثا جثما طائر التدرج فوق رؤوسهما ,وحأاولوا أن يسقطوه .طار التدرج إلى أحأد
الجوانب ليتلفى الضربة ,ثما هاجما رأس أول واحأد ثما شيطانا آخر .كان يطير حأولهما مرة بعد مرة,
ضارب ا الهواء بعنف كبير بجناحأيه وبل توقف ,بحأيثا بدأ الشياطين يتساءلون ما إذا كانوا سيقاتلون
طائ ار واحأدا أما الكثير من الطيور الخرى .
في غضون ذلك ,كان موموتارو قد أتى بسفينته إلى اليابسة .بينما كانوا يقتربون ,رأى أن
الشاطئ مثل جرف ,وأن القلعة الكبيرة محأاطة بجدران مرتفعة وبوابات حأديدية ضخمة و محأصنة
بقوة .
نزل موموتارو إلى اليابسة ,ومشى يتبعه القرد والكلب ،في الطريق نحأو القمة,على أمل أن
يجد طريقة للدخول .بعد وقت قصير مروا بفتاتين جميلتين تغسلن الثياب في جدول .رأى
133
موموتارو أن الملبس كانت ملطخة بالدما ,وأنه بينما كانت العذ اروان تقومان بالغسل ,كانت الدموعا
تنهمر بسرعة على خديهما .وقف وتكلما إليهما :
" من أنتما ؟ ولماذا تبكيان ؟"
" نحأن أسيرتا ملك الشياطين .كحأتمبلنا بعيدا عن بيوتنا إلى هذه الجزيرة ,ومع أننا بنات
أسياد ,فقد كأجبرنا على أن نكون خادمتين له ,و سيقتلنا ذات يولما و يأكلنا ,و ليس هناك من
يساعدنا!"
و انفجرت دموعهما مجددا لدى هذه الفكرة المرعبة .
قال موموتارو " :سأنقذكما ,ل تبكيا بعد ,أرياني فقط كيف يمكنني أن أدخل القلعة".
ثما أرشدت السيدتان موموتارو إلى الطريق و أرتاه باب ا خلفي ا صغي ار في أدنى جزء من جدار
القلعة ـ باب صغير جدا بحأيثا أن موموتارو استطاعا بصعوبة أن يزحأف منه.
رأى طائر التدرج ,الذي كان يقاتل بجد كل هذا الوقت ,موموتارو و جماعته الصغيرة
يندفعون من الخلف .
كان انقضاض موموتارو عنيفا جدا بحأيثا لما يستطع الشياطين الوقوف في وجهه .في
البداية كان خصمهما طائر واحأد ,هو التدرج ,لكن الن بعد أن وصل موموتارو و الكلب و القرد
فقد أصابهما الرتباك ,لن العداء الربعة كانوا يقاتلون كمائة ,فقد كانوا أقوياء جداا .سقط بعض
الشياطين عند حأاجز القلعة و كدتفعوا ليتحأطموا على الصخور في السفل ؛ً آخرون سقطوا في البحأر
ضتربوا حأتى الموت من قبل الحأيوانات الثلثة .
و غرقوا ؛ً و الكثير منهما ك
في النهاية كان زعيما الشياطين الوحأيد الذي ترك .فقد قرر أن يستسلما ,لنه عرف أن عدوه
أقوى من أي رجل بشري .
جاء بتواضع إلى موموتارو و ألقى قضيبه الحأديدي ,و نزعا جاثي ا عند قدمي المنتصر
قرنيه اللذين فوق رأسه علمة على الخضوعا ,لنهما كانا علمة على قوته و جلده.
قال بخنوعا " :أنا خائف منك ,ل أستطيع الصمود في وجهك .سأعطيك كل الكنز المخبأ
ت أبقيت على حأياتي ! "
في هذه القلعة إبن أن ق
ضحأك موموتارو .
" ل يليق بك ,أيها الشيطان الكبير ,أن تطلب الرحأمة ,أليس كذلك ؟ أنا ل أستطيع أن
كأبقي على حأياتك الشريرة ,مهما رجوت ,لنك قتلت و عذبت أناس ا كثيرين و سرقت بلدنا لسنوات
عديدة ".
ثما قيد موموتارو زعيما الشياطين و جعله في عهدة القرد .بعد أن فعل هذا ,ذهب إلى كل
غرف القلعة و أطلق سراح السجناء و جمع الكنز الذي وجده .
134
حأمل الكلب و التدرج الغنيمة إلى الوطن ,و هكذا عاد موموتارو منتص ار إلى وطنه ,آخذا
معه زعيما الشياطين أسي ار .
أعيدت الفتاتان المسكينتان ,بنتا السياد ,و الخرون الذين حأملهما الشيطان الخبيثا
ليكونوا عبيده ,بأمان إلى بيوتهما وكأرسلوا إلى والديهما .
واعتبر البلد كله موموتارو بطلا لدى عودته منتص ار ,و ابتهجوا لنه تما تخليص البلد الن
ل.
من الشياطين اللصوص الذين كانوا مصدر رعب للرض زمن ا طوي ا
كان سرور الزوجين العجوزين أكبر من ذي قبل ,فلقد أتاح لهما الكنز الذي أحأضره
موموتارو معه إلى البيت أن يعيشا بسلما ورخالء حأتى آخر أيامهما .
135
غول راشومون
في الماضي البعيد ,البعيد في كيوتو ,قريوقعت الناس أنباكء غولل فظيع ,يلزما ,كما قيل ,بوابة
راشومون قبيل الفجر و يمسك بمن يمر به .لما تكن الضحأايا المفقودة كتشاقهد ثانية ,لذا فقد تهامس
الناس أن الغول كان آكل لحأما بشري رهيب ,ل يقتل فقط الضحأايا التعيسة إوانما يأكلهما أيض ا .كان
الجميع في المدينة و الجوار في خوف عظيما ,و ل أحأد يجرؤ على المجازفة بالخروج بعد غروب
الشمس قريب ا من بوابة راشومون.
في هذا الوقت كان يعيش في كيوتو جنرال اسمه رايكو ,اشتكتهقر من خلل أعماله الشجاعة .
قبل قليل من هذا جعل البلد تدوي باسمه ,لنه هاجما أويياما ,حأيثا كانت تعيش عصابة من
الغيلن مع زعيمها ,كانوا يشربون دماء البشر بدلا من الخمر .هزمهما جميع ا هزيمة منكرة و قطع
رأس الغول الزعيما .
كانت تتبع هذا المحأارب الشجاعا دائم ا مجموعة من الفرسان المخلصين .في هذه المجموعة
كان يوجد خمسة فرسان ذوو شجاعة عظيمة .في إحأدى المسيات بينما كان الفرسان الخمسة
يجلسون في وليمة يعبون شراب الساكه في زبادي الرز خاصتهما و يأكلون كل أنواعا السمك ,نيئا ,
و مطهوا ,و مسلوق ا ,و يشربون في صحأة و مآثر بعضهما بعضاا ,قال الفارس الول ,هوجو ,
للخرين :
" هل سمعتما جميع ا بالشاعة التي تقول إن غولا يأتي كل مساء بعد الغروب إلى بوابة راشومون
,و أنه يمسك كل من يمر به ؟ "
أجابه الفارس الثاني ,واتانابي ,قائلا :
" ل تتحأدثا بهذا الهراء ! فقد تما قتل جميع الغيلن من قبل زعيمنا رايكو في أويياما ! فل يمكن
ي من الغيلن من تلك المقتلة العظيمة ,فإنهما لن يجرؤوا
أن يكون هذا صحأيحأاا ,لنه حأتى لو نجا أ س
على الظهور في هذه المدينة ,لنهما يعلمون أن معلمنا الشجاعا سيهاجمهما على الفور لو علما أن أي ا
منهما ل يزال حأيا ! "
" إذن هل تنكر ما أقول ,وتعتقد أنني أخبركما بالكذب ؟ "
قال واتانابي " :ل ,ل أظن أنك تكذب ,لكنك سمعت قصة امرأة عجوز ل تستحأق التصديق".
قال هوجو " :إذن فإن أفضل خطة لثبات ما أقول ,بأن تذهب بنفسك و تكتشف بنفسك ما إذا
كانت صدق ا أما ل " .
لما يحأتمل واتانابي ,الفارس الثاني ,فكرة أن رفيقه يمكن أن يصدق أنه كان خائفا ,لذا أجاب
بسرعة :
" طبع ا ,سأذهب فو ار وأكتشف بنفسي ! "
136
لذا استعد واتانابي حأالا للذهاب – امتشق سيفه الطويل وارتدى معطف الدروعا ,وثبت خوذته
الضخمة .حأين صار مستعدا للنطلق قال للخرين :
" أعطوني شيئا ما أستطيع أن أبرهن به أنني كنت هناك ! "
ثما أحأضر واحأد من الرجال لفافة من ورق الكتابة و علبته من الحأبر الهندي و فق ار ل
ش ,و كتب
الرفاق الربعة أسماءهما على قطعة من الورق .
قال واتانابي " :سآخذ هذه و أضعها على بوابة راشومون ,لذا هل تذهبون غدا صباحأ ا جميع ا و
تنظروا إليها ؟ ربما أكون قد أمسكت بغول أو اثنين حأتى ذلك الوقت ! " و امتطى حأصانه و انطلق
بشجاعة .
كانت ليلة شديدة الظلمة ,و لما يكن ثمة قمر و ل نجوما تنير لوتانابي طريقه .
ولكي تكون الظلمة أسوأ فقد هبت عاصفة ,و هطلت المطار بشدة و عوت الريح مثل الذئاب في
الجبال.
إن أي إنسان عادي كان سيرتجف من فكرة الخروج من البيت ,لكن واتانابي محأارب شجاعا و ل
يهاب ,و كان شرفه و كلمته على المحأك ,لذا مضى سريع اك في الليل ,بينما أصغى رفاقه إلى
حأوافر حأصانه تغيب بعيدا في البعيد ,ثما أغلقوا المصاريع المنزلقة بإحأكاما و تجمعوا حأول موقد
الحأطب و تساءلوا ماذا يمكن أن يحأدثا – و ما إذا كان رفيقهما سيواجه واحأدا من تلك الغيلن
المرعبة.
وصل أخي ار واتانابي إلى بوابة راشومون ,لكنه حألدق بقدر ما يستطيع خلل الظلما فلما يستطع
أن يرى أية علمة على غول .
قال واتانابي لنفسه " :إن المر تمام ا كما ظننت ,ل يوجد بالتأكيد غيلن هنا ؛ً إنها حأكاية
امرأة عجوز فقط .سأثبت هذه الورقة على البوابة بحأيثا يستطيع الخرون أن يروا أنني كنت هنا
عندما يأتون غدا ,ثما سآخذ طريقي إلى البيت و أضحأك منهما جميع ا " .
ثبت قطعة الورق ,الموقعة من قبل كل رفاقه الربعة ,على البوابة ,ثما ولجه رأس حأصانه
باتجاه البيت .
و بينما فعل ذلك أدرك أن شخص ا ما كان خلفه ,و نادى عليه صوت في نفس الوقت أن ينتظر
,ثما أمسكت خوذته من الخلف .
قال واتانابي بل خوف " :من أنت ؟ " .ثما مد يده و تللمس حأوله ليكتشف من أو ما كان ذلك
الذي أمسك به من الخوذة .حأين فعل ذلك لمس شيئا ما بدا كأنه ذراعا -كان مغطى بالشعر ,
كبي ار و مفتولا مثل جذعا شجرة !
عرف واتانابي على الفور أن هذه كانت ذراعا غول ,لذا شهر سيفه و قطعه بعنف .
كان هناك صرخة ألما ,ثما اندفع الغول أماما المحأارب .
137
اتسعت عينا واتانابي من الدهشة ,لنه رأى أن الغول كان أطول من البوابة العظيمة ,كانت
عيناه تبرقان مثل المرايا في ضوء الشمس ,و كان فمه الكبير مفتوحأا ,و حأينما كان الغول يتنفس,
كانت تتصاعد ألسنة من النار من فمه .
فكر الغول في إخافة خصمه ,لكن واتانابي لما يحأجما أبدا .هاجما الغول بكل قوته ,و هكذا
تصارعا وجه ا لوجه و لمدة طويلة .أخي ار حأين وجد الغول ,أنه لما يستطع أن يخيف و ل أن يهزما
واتانابي و أنه يمكن أن كيهزقما شخصي ا ,اسلما نفسه للهرب .لكن واتانابي ,قرر أل يدعا الغول يفر ,
نخز حأصانه و انطلق في مطاردة .
لكن مع أن الفارس جرى بسرعة أكبر ,ووجد لخيبة أمله أنه غير قادر على التغلب على الغول
,الذي غاب عن الرؤية بالتدريج .
عاد واتانابي إلى البوابة حأيثا جرى القتال العنيف ,و ترجل عن حأصانه .
حأين فعل هذا تعثر بشيء ملقى على الرض .
انحأنى ليلتقطه فوجد أنه أحأد ذراعي الغول الضخمين الذي لبد أنه بتره في القتال .
كان سروره عظيما لنيل مثل هذه الجائزة ,لنه من أفضل البراهين على مغامرته مع الغول .
لذا التقطه باهتماما و حأمله إلى البيت كتذكار على انتصاره .
حأين عاد ,عرض الذراعا على رفاقه اللذين دعوه جميع ا بطل مجموعتهما و قدموا له وليمة كبيرة
.أحأدثا عمله المدهش خلل وقت قصير ضجة في كيوتو ,و جاء الناس من بعيد و من قريب
ليروا ذراعا الغول .
بدأ واتانابي يزداد قلقا كيف يستطيع أن يحأتفظ بالذراعا في أمان ,لنه يعرف أن الغول الذي
يعود له كان ما يزال حأي ا .كان يشعر بيقين أنه في يوما أو آخر ,حأالما يتغلب الغول على خوفه ,
سيأتي ليحأاول استعادة ذراعه الثاني .لذا أحأضر واتانابي صندوق ا مصنوع ا من أقوى الخشب و
مطوق ا بالحأديد .وضع فيه الذراعا ,ثما سد الغطاء الثقيل بإحأكاما ,رافض ا أن يفتحأه لي شخص
كان ،واحأتفظ بالصندوق في غرفته و تولى الهتماما به بنفسه ,غير مبعد له عن نظره .
في إحأدى الليالي سمع شخصا ما يقرعا الشرفة ,طالبا الدخول .
حأين ذهب الخادما إلى الباب ليرى من يكون ,كان هناك فقط امرأة عجوز ,محأترمة في مظهرها
.لدى سؤالها من تكون و ما عملها ,أجابت المرأة العجوز بابتسامة أنها كانت مربيةا لسيد البيت
حأين كان طفلا صغي ار .طلبت أن يسمح لها برؤية سيد البيت إن كان في البيت.
ترك الخادما المرأة العجوز لدى الباب وذهب إلى سيده ليعلمه بأن مربيته قد جاءت لرؤيته .فكر أنه
من الغريب أن تأتي في ذلك الوقت من الليل ,لكن فكرة أن مربيته العجوز ,التي هي بالنسبة له
مثل أمه بالرضاعا و التي لما يرها منذ وقت بعيد ,قفز في قلبه شعور لطيف جدا لجلها .أمر
الخادما بأن يرشدها إلى الداخل .
138
كأرشدت المرأة العجوز إلى داخل الغرفة ,و بعد أن انتهت النحأناءات المألوفة ,قالت:
" أيها السيد ,إن شهرة قتالك الشجاعا مع الغول عند بوابة راشومون انتشرت بشكل واسع
بحأيثا أن مربيتك العجوز المسكينة قد سمعت بها .أصحأيح حأقاا ,ما يقوله الجميع ,بأنك بترت
واحأدا من ذراعي الغول ؟ إذا فعلت ,فيجب أن يمجد عملك كثي ار ! "
قال واتانابي " :كنت خائب الرجاء كثي ار ,حأيثا لما أكن قاد ار على أسر الغول ,وهو ما كنت
أتمناه ,بدلا من أن أقطع ذراعه فقط !"
أجابت المرأة العجوز " :أنا فخورة بالتفكير بأن سيدي كان شجاعا كثي ار إلى حأد أن يجرؤ
على قطع ذراعا الغول .ليس هناك من يمكن أن يقارن بشجاعتك .إن أكبر أمنية في حأياتي قبل أن
أموت أن أرى هذه الذراعا " .أضافت راجية .
قال واتانابي " :ل ,أنا آسف ,لكنني ل أستطيع تلبية طلبك ".
سألت المرأة العجوز " :ولكن لماذا ؟ "
أجاب واتانابي " :لن الغيلن مخلوقات تحأب النتقاما ,و إذا فتحأت الصندوق فإن الغول
يمكن أن يظهر فجأة ويستولي على ذراعه .لقد أحأضرت صندوقا صنع خصيصا بغطاء قوي جدا ,
و أنا أحأتفظ في هذا الصندوق بذراعا الغول مصون ا ؛ً و ل أريه لي كان ,مهما حأدثا ".
قالت المرأة العجوز " :إن حأذرك معقول ,لكنني مربيتك العجوز ,لذا فمن المؤكد أنك لن
ترفض أن تريني الذراعا .أنا سمعت فقط بعملك الشجاعا ,و لكوني غير قادرة على النتظار حأتى
الصباح أتيت حأالا لسألك أن تريني إياه ".
كان واتانابي منزعجا من التماس المرأة العجوز ,لكنه ظل مص ار على الرفض .ثما قالت
المرأة العجوز :
" هل تظنني جاسوسة مرسلة من قبل الغول ؟ "
أجاب واتانابي " :ل ,طبع ا أنا ل أظنك جاسوسة للغول ,لنك مربيتي العجوز "
توسلت المرأة العجوز " :إذن لن تستطيع أن ترفض بالتأكيد أن تريني الذراعا أكثر من هذا ,
لن أمنية قلبي أن أرى مرة في حأياتي ذراعا غول !"
لما يستطع واتانابي أن يستمر في رفضه أكثر ,لذا استسلما أخي ار قائلا :
" سأريك ذراعا الغول ,بما أنك ترغبين جادة في أن تريه .تعالي ,اتبعيني !"
و مضى في الطريق الذي يؤدي إلى غرفته ,تتبعه المرأة العجوز .
حأين أصبحأا في الغرفة معا أغلق واتانابي الباب بحأذر ,ثما ذهب نحأو صندوق كبير ينتصب
في زاوية من زوايا الغرفة ,رفع الغطاء الثقيل .ثما نادى على المرأة العجوز لتقترب و تنظر ,لنه
لما يكن يخرج الذراعا من الصندوق إطلق ا .
قالت المربية العجوز ,بوجه مبتهج " :كيف هو ؟ دعني أنظر إليه جيدا ".
139
اقتربت أكثر فأكثر ,كما لو كانت خائفة ,حأتى وقفت مقابل الصندوق تمام ا .فجأة
أدخلت يدها إلى الصندوق و أمسكت الذراعا ,صائحأة بصوت مخيف جعل الغرفة تهتز :
" أوه يا للسعادة ! لقد استعدت ذراعي ثانية !"
و تحأولت فجأة من امرأة عجوز إلى شكل الغول الضخما المروعا !
قفز واتانابي إلى الخلف غير قادر للحأظة على الحأركة ,فقد كانت دهشته عظيمة ؛ً لكنه
حأين تعرف الغول الذي هاجمه عند بوابة راشومون ,قرر بشجاعته المعهودة أن يضع حأدا له هذه
المرة .أمسك سيفه ,استيله من غمده في لمحأة ,و حأاول أن يصرعا الغول .
كان واتانابي سريعا جدا بحأيثا كان احأتمال فرار الغول ضئيلا .لكن الغول قفز إلى السقف
,و مندفع ا بقوة خلل السقف ,اختفى في الضباب و الغيوما .
بهذه الطريقة فر الغول بذراعه .عض الفارس على أسنانه بخيبة أمل ,لكن ذلك كان كل
ما استطاعا فعله .
انتظر بصبر من أجل فرصة أخرى ليقتل الغول .لكن الخر كان خائفا من قوة واتانابي الكبيرة و
جرأته ,فلما يعد يزعج كيوتو ثانية .و هكذا عاد الناس في المدينة قادرين مرة أخرى على الخروج
دون خوف حأتى في الليل ,و لما كتنس العمال الشجاعة لواتانابي أبداا!
140
بيأس تخلى تمام ا عن كل المال بزواله ,و وطن نفسه على فكرة أن عليه أن يحأمله على وجهه كل
حأياته .
في أحأد الياما نفد الحأطب في مطبخه ,لذا ,و بما أن زوجه تريد بعضا منه في الحأال ,فقد
أخذ الرجل العجوز فأسه و انطلق إلى الغابة في العلى بين التلل غير بعيد كثي ار عن بيته .
كان يوم ا جميلا في أوائل الخريف ,و استمتع الرجل العجوز بالهواء الطلق و لما يكن على عجلة
من العودة إلى البيت .و هكذا مرت فترة بعد الظهر بطولها بسرعة بينما كان يقطع الخشب ,و
جمع كومة ضخمة يعود بها إلى زوجه .حأين بدأ النهار ينسحأب نحأو نهايته ,ويلى وجهه شطقر
البيت .
لما يكن الرجل العجوز قد مضى بعيدا في طريقه إلى أسفل ممر الجبل حأين تلبدت السماء
بالغيوما و بدأ المطر ينهمر بغ ازرة .بحأثا حأوله عن ملجأ ,لكنه لما يكن هناك في المتناول حأتى كوخ
من أكواخ أحأد مشعلي الفحأما النباتي .في النهاية رأى من بعيد فتحأة كبيرة في جذعا شجرة مجوفة .
كانت الفتحأة قريبة من الرض ,لذا زحأف إليها بسهولة ,و جلس على أمل أنه قد بوغت فقط بوابل
من مطر الجبل ,و أن الطقس سيصحأو بعد وقت قصير .
لكن أمل الرجل العجوز قد خاب ,فبدلا من الصحأو سقط المطر بغ ازرة أكثر فأكثر ,و أخي ار
هبت عاصفة رعدية خطرة على الجبل .زمجر الرعد بشكل رهيب جدا وبدت السماء ملتهبة بالبرق ,
بحأيثا لما يصدق أنه ما يزال حأي ا .ظن أنه لبد أن يموت من الرعب .أخي ارا ,صحأت السماء ,على
أية حأال ,و صار كل الريف متوهجا في أشعة الشمس الغاربة .انتعشت روح الرجل العجوز
المعنوية عندما نظر إلى الخارج إلى الشفق الجميل ,و كان على وشك أن يخطو من مخبئه الغريب
في الشجرة المجوفة حأين استرعى سمعه صوت يشبه اقتراب خطوات بضعة أشخاص كما بدا له .
ظن في الحأال أن أصدقاءه جاؤوا يبحأثون عنه ,و كسير لفكرة حأصوله على صحأبة مرحأة يمشي معها
إلى بيته لكنه لدى النظر إلى خارج الشجرة ,أذهله أن يرى ,ليس أصدقاءه ,و إنما مئات من
الشياطين قادمين نحأو البقعة .كلما أمعن النظر ,كلما كبرت دهشته .كان بعض هؤلء الشياطين
كبا ار كالعماليق ,و آخرون كانوا بعيون كبيرة بعيدلة عن كل تناسلب مع بقية أجسامها ,و آخرون
كان لهما أيض ا أنوف طويلة بشكل مضحأك ,و البعض كان لهما أفواه كبيرة بحأيثا بدا أنها مفتوحأة
من أذن إلى الذن الخرى .كان للجميع قرون نمت على جباههما .دهش الرجل العجوز كثي ار مما
رأى إلى درجة أنه فقد توازنه و سقط إلى خارج الشجرة المجوفة .لحأسن حأظه أن الشياطين لما يروه,
لن الشجرة كانت في الخلف .لذا انتشل نفسه و زحأف عائدا إلى داخل الشجرة .
بينما كان يجلس هناك متسائلا بنفاد صبر متى يمكنه أن يذهب إلى البيت ,سمع أصوات
موسيقى مرحأة ,ثما بدأ بعض الشياطين يغنون .
قال الرجل العجوز لنفسه " :ماذا تفعل هذه المخلوقات ؟ سأنظر ,يبدو شيئ ا مسلياا" .
141
لدى تلصصه إلى الخارج ,رأى الرجل العجوز أن زعيما الشياطين بذاته كان يجلس فعلي ا
وظهره إلى الشجرة التي لجأ إليها ,و كل الشياطين الخرين يجلسون هنا و هناك ,بعضهما يشرب
و بعضهما يرقص.
كان الطعاما و الشراب موضوعين أمامهما على الرض ,و بدا واضحأ ا أن عند الشياطين حأفسل كبير
وأنهما يتملتعون بشكل كبير .
جعلت رؤية تصرفاتهما الغريبة الرجل العجوز يضحأك .ضحأك الرجل العجوز في نفسه قائلا :
" كما هذا مسل !"
" أنا كبير تماما ,لكنني لما أر مطلقا في كل حأياتي شيئا بهذه الغرابة ".
استمتع كثي ار وتأثر بمراقبة كل ما كان يفعله الشياطين ,بحأيثا أنه نسي نفسه خارج الشجرة
ووقف يديما النظر .
كان زعيما الشياطين يتناول فنجان ا كبيرة من شراب الساكه و يراقب واحأدا من الشياطين يرقص
.بعد وقت قليل قال بنغمة ضجرة :
" إن رقصك ممل كثي ار .لقد مللت من مشاهدته .أليس بينكما جميعا واحأد يستطيع الرقص
أفضل من هذا الرفيق ؟"
كان الرجل العجوز مغرم ا بالرقص طوال حأياته ,و كان خبي اقر إلى حأد بعيد في هذا الفن ,و
هو يعلما أنه يستطيع أن يرقص أفضل بكثير من الشيطان .
قال الرفيق العجوز لنفسه " :هل أذهب و أرقص أماما الشياطين و أدعهما يروا ما يمكن أن
يفعله إنسان ؟ لعل هذا يكون خط ار ,لنني إذا لما أعجبهما فإنهما ربما يقتلونني!"
هزما حأبه للرقص ,على أي حأال ,مخاوفه .خلل بضع دقائق لما يعد يستطيع أن يكبح نفسه
أكثر ,و خرج أماما جميع فريق الشياطين و شرعا يرقص على الفور .استعمل الرجل العجوز مهارته
و عقله إلى أقصاهما ,مدرك ا أن حأياته ربما تتوقف على ما إذا استطاعا أن يسر هذه المخلوقات أما
ل.
كدهش الشياطين أولا كثي ار لرؤية إنسان يشارك بل خوف في حأفلهما ,ثما تركت دهشتهما مكانها
للعجاب .
تعجب الزعيما القرن " :يا للغرابة ! أنا لما أر أبدا مثل هذا الراقص الماهر من قبل ! إنه
يرقص بشكل مثير للعجاب ! "
حأين أنهى الرجل العجوز رقصته ,قال الشيطان الكبير :
" شك ار جزيلا لرقصك الممتع .امنحأنا الن سعادة شرب فنجان من الشراب معنا " .و بهذه
الكلمات سلمه أكبر كأس للشراب عنده .
شكر الرجل العجوز بتواضع كبير :
142
" لما أتوقع مثل هذا الكرما من سيادتكما .أخشى فقط أنني قد عكرت حأفلكما اللطيف برقصي
الخرق " .
أجاب الشيطان الكبير " :ل ,ل ,عليك أن تأتي كثي ار و ترقص لجلنا .إن مهارتك قد
منحأتنا الكثير من السرور " .
شكره الرجل العجوز ثانية ووعد بأن يفعل ذلك .
سأل الشيطان " :إذن هل ستأتي ثانية غدا ,أيها الرجل العجوز ؟"
أجاب الرجل العجوز " :سأفعل بالتأكيد !"
قال الشيطان " :عليك إذن أن تترك رهنا عن كلمتك معنا ",
قال الرجل العجوز " :خذوا ما شئتما "
سأل الشيطان و متلفت ا حأوله " :ما هو أفضل شيء يستطيع أن يتركه معنا كرهن ؟"
عندئذ قال واحأد من مرافقي الشيطان الجاثين خلف الزعيما :
" ينبغي أن تكون العلمة التي يتركها معنا أكثر شيء أهمية في حأوزته .أرى أن الرجل العجوز
يملك ورما على خده اليمن .و البشر يعتبرون مثل هذا الورما أم اقر سعيدا .ليأخذ سيدي الكتلة عن
الخد اليمن للرجل العجوز ,و سيأتي غداق بالتأكيد ,و لو من أجل استعادته فقط ".
قال الشيطان الزعيما ,مشي ار بقرنيه إشارة استحأسان ":أنت ذكي جدا "
ثما مد ذراع ا مكسوا بالشعر و يدا تشبه المخلب ,و أخذ الكتلة العظيمة عن الخد اليمن للرجل
العجوز .و من الغريب ,أنها انفصلت بسهولة انفصال برقوقة ناضجة عن الشجرة لدى لمسة
الشيطان ,ثما اختفت جماعة الشياطين المرحأين فجأة .
غرق الرجل لعجوز في حأيرة من كل ما حأدثا .لما يدرك لبعض الوقت أين كان .عندما بدأ
يدرك ما حأدثا له ,كسير لنه وجد أن تلك الكتلة التي كانت على وجهه ,و التي شوهته لسنوات
عديدة ,قد أزيلت حأق ا دون أدنى ألما .رفع يده ليتحأسس ما إذا بقي أي ندب ,لكنه وجد أن خده
اليمن أملكس مثل خده اليسر.
كانت الشمس قد غربت منذ زمن طويل ,و بزغ القمر مثل هلل فضي في السماء.
أدرك الرجل العجوز فجأة كما كان الوقت متأخ ار و بدأ يسرعا إلى البيت .كان كل الوقت يربت على
خده ,كما لو أنه يتأكد من حأظه الطيب في زوال الورما .كان سعيدا جدا بحأيثا وجد أن من
المستحأيل أن يمشي بهدوء ـ ركض و رقص طوال الطريق إلى البيت .
وجد زوجته قلقة جدا ,تتساءل ماذا حأدثا ليؤخره .بعد وقت قصير أخبرها بكل ما جرى
منذ غادر البيت ذلك المساء .كسيرت تماما مثل زوجها عندما أظهر لها أن الكتلة البشعة قد اختفت
عن وجهه ,لنها في شبابها كانت تفتخر بملمحأه الجميلة ,و كانت رؤية هذا النمو البشع حأزن ا
يومي ا بالنسبة لها .
143
عاش في البيت المجاور لهذين الزوجين الطيبين رجل عجوز شرير و سيء الطبع.
يعاني هو الخر لسنوات عديدة من ظهور ورما على خده اليسر ,وجرب ،هو أيضاا ،كل أنواعا
الشياء ليتخلص منه ,و لكن دون جدوى .
سمع على الفور ,من خلل الخادما ,بالحأظ الطيب لجاره في زوال الكتلة التي على وجهه
,لذا مر في ذلك المساء وطلب من صديقه أن يخبره بكل ما يتعلق بفقده لها .أخبر الرجل العجوز
الطيب جاره سيء الطبع بكل ما جرى له .و صف المكان حأيثا يمكن أن يجد الشجرة المجوفة التي
يختبئ فيها ,و نصحأه أن يكون في البقعة أواخر وقت العصر قبيل وقت الغروب .
انطلق الجار العجوز بعد ظهر اليوما التالي ,و بعد الصيد في الجوار لبعض الوقت ,أتى
إلى الشجرة المجوفة كما وصفها صديقة تمام ا .هنا أخفى نفسه و انتظر وقت الغسق .
جاءت عصبة الشياطين كما كحأصدثا تمام ا ,في تلك الساعة و أقاموا مأدبة مع الرقص و
الغناء .عندما جرى هذا لبعض الوقت نظر زعيما الشياطين حأوله و قال :
" حأان الن وقت مجيء الرجل العجوز كما وعدنا .لماذا ل يأتي ؟"
حأين سمع الرجل العجوز الثاني هذه الكلمات ركض من مخبئه في الشجرة و ,قال راكعا
أماما الشياطين :
" مضى وقت طويل و أنا أنتظر أن تتكلما!"
قال الشيطان الزعيما " :آه ,أنت رجل البارحأة العجوز ,شك ار لك على القدوما ,يجب أن
ترقص من أجلنا في الحأال ".
و قف الرجل لعجوز و فتح مروحأته و راح يرقص .لكنه لما يكن قد تعلما أبدا أن يرقص،
و كان ل يعلما شيئ ا عن اليماءات الضرورية و الوضاعا المختلفة .ظين أن أي شيء يمكن أن
يسر الشياطين ,لذا فقد قفز حأول نفسه على قدما واحأدة ,ملوحأ ا بذراعيه و ضارب ا قدميه ,محأاكي ا
قدر ما يستطيع أية رقصة كان قد رآها .
استاء الشياطين جدا من هذا العرض ,و قالوا فيما بينهما :
" كما يرقص بشكل سيء هذا اليوما !"
ثما قال الشيطان الزعيما للرجل العجوز :
" إن أداءك اليوما مختلف تمام ا عن رقص البارحأة .نحأن ل نرغب في أن نشاهد مزيدا من
مثل الرقص .سنعيد إليك الرهن الذي تركته معنا .وعليك أن ترحأل فو ار ".
بهذه الكلمات أخرج من طية في ثوبه الكتلة التي كان قد أخذها من وجه الرجل العجوز
الذي رقص بالمس بشكل جيد جداا ,و ألقى بها على الخد اليمن للرجل العجوز الذي كان يقف
أمامه .
144
ت الكتلة نفسها في الحأال إلى خده بقوة كما لو أنها كانت دائم ا هناك ,وباءت كل محأاولت نزتعها
ثقيبتق ب
بالفشل .و بدلا من أن يفقد الرجل العجوز الشرير الكتلة التي كانت على خده اليسر ,كما كان يأمل
,وجد مذهولا -أنه إنما أضاف أخرى إلى خده اليمن في محأاولته التخلص من الولى .
رفع أولا يدا ثما الثانية إلى كل جانب من وجهه ليتأكد أنه لما يكن يرى كابوس ا رهيب ا .ل,
مؤكد بما فيه الكفاية يوجد الن ورما جديد على اليمن من وجهه كما على اليسر .اختفى الشياطين
.جميع ا ,و ليس لديه ما يصنعه سوى أن يعود إلى البيت .
كان منظ ار مثيار للشفقة ,لن وجهه ,بهاتين الكتلتين الكبيرتين واحأدة على كل جانب ,كان يبدو
مثل يقطينة يابانية .
145
حأمل أطول رمح أمكنه أن يجده و امتطى حأصان ا أحأمر ,و كان على وشك النطلق حأين سمع
أحأدهما خلفه يعدو بقوة و يصيح :
"قف ! يا هاكو ! أنا من يجب أن يكون جنرال قوات الجبهة !"
نظر إلى الوراء فرأى إيكو رفيقه ,ممتطي ا صهوة حأصان أبيض ,شاه ار في وجهه سيف ا كبي ارا.
تأجج غضب هاكو ,و بينما استدار ليواجه منافسه صاح :
"أيها الحأقير المتغطرس! لقد تما تعييني من قبل المبراطورة كي أقود قوات الجبهة إلى المعركة
.فهل تجرؤ على إيقافي ؟"
أجاب إيكو " :نعما ,يجب أن أقود الجيش .وأنت من يجب أن يتبعني".
عند هذا الجواب الجريء تحأول غضب هاكو من ش اررة إلى لهيب
" أتجرؤ على الرد علي هكذا ؟ خذها " واندفع إليه برمحأه بقوة.
لكن إيكو تحأرك بسرعة جانب ا ,و في نفس الوقت ,رافع ا سيفه ,جرح حأصان الجنرال .مجب ار
على الترجل ,كان هاكو على وشك الندفاعا إلى خصمه ,حأين انتزعا إيكو ,بسرعة البرق ,عن
ل ,غير عارف ماذا
صدره شارة القيادة و جرى بعيدا .تما العمل بسرعة بحأيثا أن هاكو وقف مذهو ا
يصنع .
كانت المبراطورة متفرجة على المشهد ,و لما تستطع إل أن تعجب بسرعة إيكو الطموح ,و
لكي تهدئ المتنافسين قررت أن تعينهما مع ا لقيادة جيش الجبهة .
هكذا عين هاكو قائدا للجناح اليسر لجيش الجبهة ,إوايكو لليمن .تبعهما مائة ألف جندي
و سا ار ليسحأقا المتمرد كوكاي .
خلل وقت قصير و صل الجنرالن إلى القلعة التي حأصن فيها كوكاي نفسه .
عندما علما بقدومهما .قال الساحأر :
" سأنسف هذين الطفلين المسكينين بعيدا بنفخة واحأدة ) ".لما يلق بال إلى الصعوبة التي سيجدها
في القتال( .
مع هذه الكلمات أمسك كوكاي بقضيب من الحأديد و امتطى حأصانا أسودا ,و اندفع إلى الماما
مثل نمر غاضب ليواجه خصميه .
عندما رآه المحأاربان يعدو منحأد ار إليهما بقوة ,قال أحأدهما للخر " :يجب أل ندعه يفلت
حأياا " .و هاجماه عن اليمين و عن اليسار بسيف و رمح .لكن كوكاي الكلي القدرة لما يكن ليهزما
بسهولة -أدار قضيبه الحأديدي مثل ناعورة عظيمة ,و تقاتلوا لمدة طويلة بهذا الشكل ,دون أن
يفوز أحأد الجانبين أو يخسر .أخي ار ,أدار هاكو حأصانه بسرعة زائدة ,ليتجنب قضيب الساحأر
الحأديدي ؛ً ارتطمت حأوافر الحأيوان بحأجر كبير ,و شب الحأصان على مؤخره بشكل قائما من الخوف
مثل حأاجز ,ملقي ا بسيده على الرض .
146
لذلك شهر كوكاي سيفه ذا الحأدود الثلثة و كان على وشك أن يقتل هاكو المنبطح لكن قبل أن
يستطيع الساحأر أن ينفذ عزمه الشرير عطف إيكو الشجاعا حأصانه أماما كوكاي و تحأداه بأن يجرب
قوته معه ,ل أن يقتل رجلا واقعا .لكن كوكاي كان متعبا ,و لما يشعر بالميل لمواجهة هذا الجندي
الشاب الشجاعا ,لذا هرب فجأة عاطف ا حأصانه بصورة دائرية ,من النزاعا .نهض هاكو ,الذي كان
مصاب ا بالدوار قليلا فقط ,على قدميه ,و اندفع هو ورفيقه خلف العدو المنسحأب,الول يمشي على
قدميه والخر على صهوة جواد .
حأين رأى كوكاي أنه مطارد ,انعطف على أقرب مهاجما له ,الذي كان ,بالطبع ,إيكو
الراجل ,و استل سهما من الجعبة التي على ظهره ,وضعه في قوسه و سدده إلى إيكو .
بسرعة البرق تجنب إيكو الشجاعا السهما ,الذي لمس فقط خيوط خوذته ,و سقط طائش ا ,بل ضرر
على معطف هاكو المدرعا .
رأى الساحأر أن خصميه بقيا سالمين .وأدرك أيض ا أنه ل وقت ليسحأب سهم ا آخر قبل أن
يدركاه ,لذا التجأ إلى السحأر لينقذ نفسه .مد عصاه إلى الماما ,و على الفور حأدثا طوفان ,و
كجتر ق
ف جيش جوكوا وجنرالها الشابان الشجاعان بعيدا مثل سقوط أوراق الخريف على جدول من
الجداول .
وجد هاكو و إيكو نفسيهما يتخبطان في الماء إلى عنقيهما ,و نظ ار حأولهما فوجدا كوكاي
الوحأشي يشق طريقه إليهما خلل الماء و قضيبه الحأديدي إلى أعلى .كانا يظنان في كل لحأظة
أنهما سكيصرعان ,لكنهما راحأا يسبحأان أبعد ما يستطيعان عن متناوله .فجأة وجدا أنهما أماما ما بدا
أنه جزيرة برزت مباشرة من الماء .نظ ار إلى العلى ,فإذا برجل عجوز بشعر أبيض كالثلج يقف
هناك ,يبش إليهما .صاحأا به أن يساعدهما .أومأ الرجل العجوز برأسه ونزل إلى حأافة الماء .
حأالما لمست قدماه الطوفان انشق ,وظهر طريق جيد ,أدهش الرجلين الغارقين ,الذين وجدا
نفسيهما آمنين عندها .
كان كوكاي قد وصل عند هذا الوقت إلى الجزيرة التي برزت من الماء كما لو بمعجزة ,ولدى
رؤيته عدويه ناجيين هكذا غضب .اندفع خلل الماء نحأو الرجل العجوز ,وبدا أنه سكيقتل ل محأالة
.لكن الرجل العجوز لما يظهر عليه أدنى خوف ,و انتظر بهدوء هجوما الساحأر .
بينما اقترب كوكاي ,ضحأك الرجل العجوز بصوت مرتفع و بمرح ,متحأولا إلى طائر كركي
أبيض كبير و جميل ,صفق بجناحأيه وطار إلى العلى نحأو السماء .
حأين رأى هاكو و إيكو هذا ,علما أن منقذهما لما يكن مجرد إنسان و ألمل لحأقا أن يكتشفا من
هذا الرجل العجوز الجليل .
في غضون ذلك انسحأبا ,و لن الوقت كان آخر النهار ,فإن كوكاي و المحأاربين الشابين
مع ا تخلوا عن فكرة مواصلة القتال في ذلك اليوما .
147
تلك الليلة قرر هاكو و إيكو أنه من غير المفيد أن يقاتل الساحأر كوكاي ,لن لديه قوى خارقة
للطبيعة ,بينما هما مجرد بشر .لذا فقد قمقثل أماما المبراطورة جوكوا .وبعد تشاور طويل ,قررت
المبراطورة أن تطلب من ملك النار ,شيكويو ,أن يساعدها ضيد الساحأر المتمرد و أن يقود جيشها
ضده .كان شيكويو ,ملك النار ,يعيش في القطب الجنوبي .المكان المن الوحأيد له ليحأيا فيه ,
لنه يحأرق كل شيء حأوله في أي مكان آخر ,لكنه يستحأيل أن يحأرق الجليد و الثلج .كان إذا
نظرت إليه عملق ا ,يقف بطول ثلثين قدم ا وجهه مثل الرخاما تمام ا وشعره و لحأيته طويلن و
أبيضان كالثلج .قوته هائلة ,و هو سيد جميع النيران مثلما أن كوكاي سيد المياه .
فكرت المبراطورة ":من المؤكد أن شيكويو يستطيع أن يهزما كوكاي لذا فقد أرسلت إيكو إلى
القطب الجنوبي ليرجوا شيكويو أن يتولى الحأرب ضد كوكاي و يهزمه مرة و إلى البد .
ابتسما ملك النار ,لدى سماعا رجاء المبراطورة ,وقال :
" تأكد أن تلك مسألة سهلة ! ,ولما يكن أحأد سواي من أتى لنجدتكما عندما كنت أنت و رفيقك
تغرقان في الطوفان الذي افتعله كوكاي !"
دهش إيكو لسماعا هذا .شكر ملك النار على حأضوره لنقاذهما في شدتهما المليحأة ,ثما رجاه
أن يعود معه و يقود الحأرب و يهزما كوكاي الشرير .
طلب منه ,و عاد مع إيكو إلى المبراطورة .فرحأبت بملك النار بحأ اررة و
قاقما شيكويو بما ك
أعلمته في الحأال لماذا أرسلت إليه تطلب منه أن يكون القائد العاما لجيشها .كان جوابه مطمتئن ا
للغاية :
" ل يكن لديك أي انزعاج .فسأقتل كوكاي بالتأكيد " .
ثما تولى شيكويو نفسه قيادة ثلثين ألف جندي ,و سار مع هاكو و إيكو ليدله على الطريق,
إلى قلعة العدو .عرف ملك النار سر قوة كوكاي ,وطلب من كل الجنود أن يجمعوا نوع ا محأددا
من الشجيرات .وأحأرقوا كميات كبيرة منها ,ثما أكتمقر كل جندي أن يمل كيس ا من الرماد الذي حأصلوا
عليه بهذه الطريقة .
من جانب آخر ,ظن كوكاي ,لغروره ,أن شيكويو كان أدنى منه درجة في القوة ,فهمهما
بغضب :
" حأتى على الرغما من كونك ملك النار ,فأنا أستطيع أن أطفئك بعد وقت قصير " .
ثما كرر تعويذة ,فنشأ طوفان المياه و تدفقت عالية كالجبال .لما يفزعا شيكويو ,أدنى فزعا ,أمر
جنوده أن ينثروا الرماد الذي جعلهما يصنعونه .فعل كل رجل ما طلب منه ,و كانت قوة النبات
الذي كانوا قد أحأرقوه هائلة ,بحأيثا أنه حأالما امتزج الرماد بالماء تشكل طين صلب ,فكانوا جميعا
آمنين من الغرق .
148
فزعا كوكاي حأين رأى أن ملك النار كان أرفع منه منزلة في الحأكمة ,و غضب غضب ا شديدا
جدا بحأيثا اندفع متسرعا نحأو العدو .
ركب إيكو لملقاته ,و تقاتل الثنان لبعض الوقت .كانا متكافئين بشكل جيد في القتال يدا
ليد .رأى هاكو ,الذي كان يراقب بصبر الشجار ,أن إيكو بدأ يتعب ,و خشية أن يقتل رفيقه ,أخذ
مكانه .
لكن كوكاي تعب أيض ا ,فقال بمكر ,حأين شعر أنه غير قادر على الصمود أماما هاكو؛ً
" أنت شهما أكثر من اللزما ,لكي تقاتل عن صديقك و تخاطر بأن كتقتل .أنا لن أؤذي مثل هذا
النسان الطيب " .
و تظاهر بالنسحأاب ,مدي ار رأس حأصانه بعيدا .كان في نيته أن يطرح هاكو حأذره ثما ينعطف
نحأوه فيأخذه على حأين غرة .
لكن شيكويو فهما الساحأر المخادعا ,و قال على الفور :
" أنت جبان ! أنت ل تستطيع أن تخدعني ! "
بهذا القول ,أعطى ملك النار إشارة لهاكو غير المحأترس لن يهاجمه .انعطف الن كوكاي
إلى شيكويو بغضب ,لكنه كان متعب ا و غير قادر على أن يقاتل بشكل جيد ,و بعد وقت قصير
تلقى جرحأ ا في كتفه .تراجع عن الشجار و حأاول أن يفر بصورة جدية.
وفيما كان القتال يجري بين قادتهما و قف الجيشان ينتظران النتيجة .التفت شيكويو و طلب
من جنود جوكوا مهاجمة قوات العدو .فعلوا هذا ,و هزموهما في مذبحأة عظيمة ,و نجا الساحأر
بحأياته بصعوبة .
وعبث ا نادى كوكاي إلى شيطان الماء ليساعده ,لن شيكويو كان يعرف التعويذة المضادة .وجد
الساحأر أن المعركة كانت في غير صالحأه .لذا هشما رأسه على صخور جبل شو ,و مات في
تلك البقعة ،هائج ا من اللما ,و مسعو ار من خيبة المل و الخوف لن جرحأه أخذ يزعجه .كانت
نهايةا لكوكاي الشرير ,و لكنها ليست كذلك بالنسبة للزعاج في مملكة المبراطورة جوكوا ,كما
سترون .فلقد كانت القوة التي سقط بها الساحأر على الصخور كبيرة جدا بحأيثا أن الجبال انفجرت ,
و أن النار اندفعت من الرض ,و ككتقسر واحأد من العمدة التي تدعما السماء ,لذا سقط أحأد أركان
السماء إلى أن لمست الرض .
أخذ شيكويو ,ملك النار ,جسد الساحأر و حأمله إلى المبراطورة جوكوا ,التي ابتهجت كثي ار
لن عدوها هزما ,و أن جنرالتها فازوا .أمطرت بكل أشكال العطايا و مظاهر التكريما على شيكويو
.
لكن النار ظلت طيلة هذا الوقت تتفجر من الجبل الذي انكسر بسقوط كوكاي .فكدصمرت قرى
بأسرها ,و احأترقت حأقول الرلز ,و امتلت مجاري النهار بالحأمما الملتهبة ,وصار الناس الذين
149
بل مأوى في يأس عظيما .لذا تركت المبراطورة العاصمة حأالما كافأت المنتصر شيكويو ,و
رحألت بكل سرعة إلى مكان الكارثة .فوجدت أن السماء و الرض معا يؤكدان الضرر ,و أن
المكان كان مظلما بحأيثا توجب عليها أن تشعل مصباحأها كي تكتشف مدى الخراب الذي يحأدثا.
بعد أن تحأققت من هذا ,شرعت في العمل على الصلح .في سبيل هذه الغاية أمرت رعاياها
بأن يجمعوا حأجارة من خمسة ألوان زرقاء ,و صفراء ,وحأمراء ,وبيضاء ,وسوداء .حأين حأصلت
على هذه الحأجارة ,غلتها مع نوعا من الخزف في مرجل كبير ,و أصبح المزيج معجون ا جميلا ,و
علمت أنها تستطيع بواسطته أن ترتق السماء .كان كل شيء الن جاه از .
استدعت الغيوما التي كانت تبحأر دائما عالية كثي ار فوق رأسها ,وامتطها ,وركبت نحأو السماء
,حأاملة بيديها إناء المعجون المصنوعا من الحأجار ذوات خمسة اللوان .بعد وقت قصير وصلت
إلى الركن المحأطما من السماء ,و استعملت المعجون و أصلحأته .بعد أن فعلت هذا ,عمدت إلى
العمود المكسور ,وأصلحأته بأرجل سلحأفاة كبيرة جدا عندما تما إنهاء هذا ركبت الغيوما و نزلت إلى
الرض ,على أمل أن تجد كل شيء في وضع حأسن ,لكن ما أصابها بالرعب أنها وجدت الدنيا ما
تزال مظلمة تماما .فل الشمس أضاءت بالنهار و ل القمر في الليل .
أخي ار دعت إلى اجتماعا لجميع حأكماء المملكة ,وهي متحأيرة جدا ,فسألتهما نصيحأتهما فيما
يجب أن تفعل بشأن هذه المعضلة.
قال اثنان من أحأكمهما :
" إن طرقات السماء قد تضررت في الحأادثا الخير ,و أن ،الشمس و القمر اضط ار للبقاء في
البيت .ل الشمس استطاعت أن تقوما برحألتها النهارية و ل القمر استطاعا أن يقوما برحألته الليلية
بسبب من الطرقات السيئة .لما تعلما الشمس و القمر بعد أن جللتك قد أصلحأت كل ما تضرر ,لذا
سنذهب و نعلمهما بأن الطرقات آمنة لنتك قد أصلحأتتها".
استحأسنت المبراطورة ما اقترحأه الرجلن الحأكيمان ,و أمرتهما أن ينطلقا في مهمتهما ,لكن
هذا لما يكن سهلا ,لن قصر الشمس و القمر كان على مسافة مئات آلف عديدة جدا من الميال
إلى الشرق .إذا ساف ار على القداما فإنهما ربما ل يصلن أبدا إلى القصر ,سيموتان من الشيخوخة
في الطريق .لكن جوكوا لجأت إلى السحأر .أعطت سفيريها مركبتين عجيبتين تستطيعان أن
تندفعا في الجو بالطاقة السحأرية بسرعة ألف ميل في الدقيقة .انطلقا بمعنويات جيدة ,راكبين فوق
الغيوما ,و بعد أياما عديدة و صل إلى البلد الذي تعيش فيه الشمس و القمر مع ا بسعادة .
منح السفيران مقابلة جللتيهما النيرتين و سألهما لماذا حأجبا نفسيهما أياما كثيرة جدا عن
الكون ؟ ألما يعلما أنهما بعملهما هذا قد أغرقا العالما و كل أناسه في أحألك ظلمة في الليل و النهار
مع ا .
أجابت الشمس والقمر :
150
" ل بد أنكما قد علمتما بأن جبل شو قد انفجر فجأة بالنار ,و تضررت طرق السماء كثي ارا!
وجدت ،أنا الشمس ,أنه من المستحأيل أن أقوما برحألتي النهارية على طول مثل هذه الطرقات الوعرة
و بالتأكيد أن القمر لما يستطع أن يبزغ ليلا ! لذا فقد انسحأبنا إلى حأياتنا الشخصية لفترة من الزمن".
ثما انحأنى الرجلن الحأكيمان قائلين :
" إن إمبراطورتنا جوكوا قد أصلحأت للتو الطرقات بالحأجار العجيبة ذات خمسة اللوان ,لذا
نلتمس أن نؤكد لجللتكما أن الطرقات الن كما كانت قبل أن يحأدثا النفجار " .
لكن الشمس و القمر كانا ما يزالن مترددين ,قائلين إنهما سمعا أن أحأد أعمدة السماء قد كسر
أيضا ,و أنهما يخافان من ذلك ,حأتى لو أن الطرقات قد أصلحأت ,فسيظل من الخطر بالنسبة
إليهما أن يمضيا في رحألتيهما المعتادتين .
قال السفيران :
" ل عليكما أن تنزعجا بشأن العمود المكسور ,فقد رممته إمبراطورتنا بأرجل سلحأفاة كبيرة ,و
هو الن ثابت كما كان دائماا".
عندئذ بدت الشمس و القمر مقتنعين ,و انطلقا كلهما ليجربا الطرقات .فو جدا أن ما
أخبرهما به مندوبا المبراطورة كان صحأيحأ ا .
بعد امتحأان الطرقات السماوية ,منحأت الشمس والقمر الضوء للرض مرة أخرى.
ابتهج جميع الناس كثي ار ,وتوطد السلما والزدهار في الصين لوقت طويل تحأت حأكما المبراطورة
الحأكيمة جوكوا .
151
فهرس الكتاب
-مقدمة الناشر
-مقدمة الجامع
-مقدمة المترجما
-1سيدي كيس الرز......................................................
-2العصفورة ذات اللسان المقطوعا.........................................
-3قصة يوراشيما تارو ،الفتى الصياد......................................
-4الكم ازترعا والكغ قرير........................................................
-5شينانشا ،أو العربة ال كمشيرة...............................................
-6مغامرات كنتارو ،الولد الذهبي...........................................
-7قصة الميرة هاسة.......................................................
-8قصة الرجل الذي لما يشأ أن يموت........................................
-9قاطع الخيزران وطفلة القمر..............................................
-10مرآة ماتسوياما.........................................................
-11غول أداتشيغهارا.......................................................
-12القرد الذكي والخنزير البري............................................
-13صياد الجبال السعيد وصياد البحأر الماهر...............................
-14قصة الرجل العجوز الذي يجعل الشجار الذابلة تزهر...................
-15السمكة الهلمية والقرد..................................................
-16خصومة القرد والسرطان................................................
-17الرنب البيض والتماسيح...............................................
-18قصة الميرة ياما تو تاكي...............................................
-19موموتارو ،أو قصة ابن الخوخة.........................................
-20غول راشومون..........................................................
-21كيف تخلص الرجل العجوز من ورمه....................................
-22الحأجارة الملونة والمبراطورة جوكوا....................................
152