‫ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ آﺘﺐ ﻟﻠﺪآﺘﻮر ﻣﺼﻄﻔﻰ ﻣﺤﻤﻮد ﻓﻰ‬

‫آﺘﺎب واﺣﺪ‬

‫اﻟﻔﻬﺮس ‪:‬‬

‫‪ -1‬ﺗﻌﺮﻳﻒ ﺑﺎﻟﻜﺎﺗﺐ اﻟﺪآﺘﻮر ﻣﺼﻄﻔﻰ ﻣﺤﻤﻮد‬

‫‪ -2‬آﺘﺎب )) اﻻﺛﻢ واﻟﺒﺮاءﻩ ((‬

‫‪-3‬آﺘﺎب )) اﻟﺮوح واﻟﺠﺴﺪ ((‬

‫‪ -4‬آﺘﺎب )) اﻟﻘﺮأن ﻣﺤﺎوﻟﻪ ﻟﻔﻬﻢ ﻋﺼﺮى ((‬

‫‪ -5‬آﺘﺎب )) ﺳﻮاح ﻓﻰ دﻧﻴﺎ اﷲ ((‬

‫‪ -6‬آﺘﺎب )) اﻟﺸﻴﻄﺎن ﻳﺤﻜﻢ ((‬

‫‪ -7‬ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻘﺎﻻت ﻟﻠﺪآﺘﻮر ﻣﺼﻄﻔﻰ ﻣﺤﻤﻮد‬

‫أﺗﻤﻨﻰ ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ اﻻﺳﺘﻔﺎدﻩ‬

‫)) ‪ ...‬راﻣﻰ ‪((( ...‬‬

‫‪rkamel@gmail.com‬‬

‫☺ ‪☺ DVD4ARAB‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪1‬‬
 ‫ﻣﺼﻄﻔﻰ ﻣﺤﻤﻮد‬

‫ﺗﻌﺮﻳﻒ ﺑﺎﻟﻜﺎﺗﺐ‪:‬‬
‫اﻟﻨﺸﺄة‬

‫ﻣﺼﻄﻔﻰ آﻤﺎل ﻣﺤﻤﻮد ﺣﺴﻴﻦ‬

‫اﻟﻤﻮﻟﺪ ﻓﻰ ﺷﺒﻴﻦ اﻟﻜﻮم ﻣﻨﻮﻓﻴﺔ ﻓﻰ ‪1921/12/25‬‬

‫اﻷﺳﺮة ﻣﺘﻮﺳﻄﺔ و اﻷب ﻣﻮﻇﻒ )ﺳﻜﺮﺗﻴﺮ ﻓﻰ ﻣﺪﻳﺮﻳﺔ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ( ﻣﺘﺪﻳﻦ‬

‫و ﻗﺪوة ﻓﻰ آﻤﺎﻻﺗﻪ اﻷﺧﻼﻗﻴﺔ و ﺻﺒﺮﻩ و إﺣﺘﻤﺎﻟﻪ و ﻣﺜﺎﺑﺮﺗﻪ و ﺣﺒﻪ‬
‫ﻟﻠﻌﻤﻞ و ﻣﻮاﻇﺒﺘﻪ ﻋﻞ اﻟﺼﻼة ﻓﻰ أوﻗﺎﺗﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻔﺘﻪ ﺻﻼة اﻟﻔﺠﺮ ﻓﻰ‬
‫وﻗﺘﻬﺎ ﺑﺎﻟﻤﺴﺠﺪ ‪ ..‬ﻣﺤﺐ ﻷوﻻدﻩ ﻓﺪاﺋﻰ ﻓﻰ ﺧﺪﻣﺘﻬﻢ )و آﺬﻟﻚ اﻷم( ‪.‬‬

‫اﻟﻤﻨﺎخ اﻟﺘﺮﺑﻮى‬

‫ﻻ ﻗﻬﺮ ﻓﻴﻪ و ﻻ ﻗﻤﻊ و ﻻ ﻋﻨﻒ و إﻧﻤﺎ ﺣﺮﻳﺔ و ﻣﺴﺌﻮﻟﻴﺔ و ﻣﺤﺎﺳﺒﺔ ﻓﻰ‬

‫ﻟﻄﻒ و ﻗﺪ رﺳﺒﺖ ﺛﻼث ﺳﻨﻮات ﻓﻰ اﻟﺴﻨﺔ اﻷوﻟﻰ اﻹﺑﺘﺪاﺋﻴﺔ ﻓﺘﺮآﻨﻰ‬
‫اﻷهﻞ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻟﻰ دون ﺗﻐﻠﻴﻆ أو ﺗﻌﻨﻴﻒ ‪.‬‬
‫آﻨﺖ آﺜﻴﺮاً ﻣﺎ أرﻗﺪ ﻣﺮﻳﻀﺎً و أﻧﺎ ﻃﻔﻞ ‪ ..‬و ﻟﺬﻟﻚ ﺣﺮﻣﺖ ﻣﻦ اﻟﻠﻌﺐ‬
‫اﻟﻌﻨﻴﻒ و اﻹﻧﻄﻼق اﻟﺬى ﻳﺘﻤﺘﻊ ﺑﻪ اﻷﻃﻔﺎل ‪ ..‬و آﺎﻧﺖ ﻃﻔﻮﻟﺘﻰ آﻠﻬﺎ‬
‫أﺣﻼم و ﺧﻴﺎل و إﻧﻄﻮاء ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪2‬‬
 ‫و آﻨﺖ داﺋﻤﺎً أﺣﻠﻢ و أﻧﺎ ﻃﻔﻞ ﺑﺄن أآﻮن ﻣﺨﺘﺮﻋﺎً ﻋﻈﻴﻤﺎً أو ﻣﻜﺘﺸﻔﺎً أو‬
‫رﺣﺎﻻً أو ﻋﺎﻟﻤﺎً ﻣﺸﻬﻮراً ‪ ..‬و آﺎﻧﺖ اﻟﻨﻤﺎذج اﻟﺘﻰ أﺣﻠﻢ ﺑﻬﺎ هﻰ‬
‫آﺮﻳﺴﺘﻮﻓﺮ آﻮﻟﻤﺒﺲ و أدﻳﺴﻮن و ﻣﺎرآﻮﻧﻰ و ﺑﺎﺳﺘﻴﺮ ‪.‬‬
‫اﻟﺤﻴﺎة ﻓﻰ ﻃﻨﻄﺎ ﻓﻰ ﺟﻮار اﻟﺴﻴﺪ اﻟﺒﺪوى و ﺣﻀﻮر ﺣﻠﻘﺎت اﻟﺬآﺮ و‬
‫اﻟﻤﻮﻟﺪ و اﻟﻨﺎى و ﻣﺬاق اﻟﻘﺮاﻗﻴﺶ و إﺑﺘﻬﺎﻻت اﻟﻤﺘﺼﻮﻓﺔ و اﻟﺪراوﻳﺶ ‪..‬‬
‫آﺎن ﻟﻬﺎ أﺛﺮ ﻓﻰ ﺗﻜﻮﻳﻨﻰ اﻟﻔﻨﻰ و اﻟﻨﻔﺴﻰ ‪.‬‬

‫اﻷﺣﺪاث اﻟﺠﻮهﺮﻳﺔ‬

‫آﺎن ﻣﺮض اﻟﻮاﻟﺪ ﺑﺎﻟﺸﻠﻞ ﻟﻤﺪة ﺳﺒﻊ ﺳﻨﻮات ووﻓﺎﺗﻪ ﺳﻨﺔ ‪1939‬و آﺎن‬
‫ذﻟﻚ ﺣﻴﻨﻤﺎ أآﻤﻠﺖ دراﺳﺘﻰ اﻟﺜﺎﻧﻮﻳﺔ و ﻗﺮرت دﺧﻮل آﻠﻴﺔ اﻟﻄﺐ ‪.‬‬
‫و إﻧﺘﻘﻠﻨﺎ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻣﻦ ﻃﻨﻄﺎ اﻟﻰ اﻟﻘﺎهﺮة ﻣﻊ اﻟﻮاﻟﺪة ‪.‬‬

‫ﺳﻨﻮات اﻟﻤﺮاهﻘﺔ‬

‫آﺎﻧﺖ اﺷﺒﻪ ﺑﻤﻐﺎﻟﺒﺔ ﺣﺼﺎن ﺟﺎﻣﺢ ‪ ..‬ﻳﻔﻠﺖ ﻟﺠﺎﻣﻪ ﻣﺮة و أآﺒﺢ ﺟﻤﺎﺣﻪ‬
‫و أﺣﻜﻤﻪ ﻣﺮات ‪ ..‬و ﻟﻢ ﻳﻜﻦ اﻟﺼﺮاع ﺳﻬﻼ ﺑﻞ آﺎن ﺷﺎﻗﺎ و ﻃﻮﻳﻼ‬
‫وﺧﻠﻒ وراﻩ ﺟﺴﻤﺎ ﻣﻐﻄﻰ ﺑﺎﻟﻜﺪﻣﺎت و اﻟﺠﺮاح ‪.‬‬

‫اﻟﺪراﺳﺔ‬

‫اﺧﺘﺮت دراﺳﺔ اﻟﻄﺐ و ﺷﻌﺮت ﺳﺎﻋﺘﻬﺎ أﻧﻬﺎ ﺗﺮﺿﻰ ﻓﻀﻮﻟﻰ و ﺗﻄﻠﻌﻰ‬

‫اﻟﻰ اﻟﻌﻠﻢ و ﻣﻌﺮﻓﺔ اﻷﺳﺮار ـ و آﺎﻧﺖ اﻟﺪراﺳﺔ ﺻﻌﺒﺔ وﺗﺤﺘﺎج اﻟﻰ ارادة‬
‫و ﺗﺮآﻴﺰ و ﻧﻮع ﻣﻦ اﻹﻧﻘﻄﺎع و اﻟﺮهﺒﺎﻧﻴﺔ ‪ ..‬واﺣﺘﺎج اﻷﻣﺮ ﻣﻨﻰ اﻟﻰ ﻋﺰم‬
‫و ﺗﺮوﻳﺾ و ﻣﻌﺎﻧﺎة ‪ ..‬و آﺎن ﺣﺒﻰ ﻟﻠﻌﻠﻢ و ﻃﻤﻮﺣﻰ ﻳﺴﺎﻋﺪﻧﻰ ‪ ،‬و‬
‫آﺎﻧﺖ ﺻﺤﺘﻰ اﻟﻀﻌﻴﻔﺔ ﺗﺨﺬﻟﻨﻰ ‪ ..‬و ﺑﺪﻧﻰ اﻟﻤﻌﺘﻞ ﻳﻀﻄﺮﻧﻰ اﻟﻰ‬
‫اﻹﻋﺘﻜﺎف ﻣﻦ وﻗﺖ ﻵﺧﺮ ﻓﻰ اﻟﻔﺮاش ‪.‬‬

‫و ﻓﻰ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻃﺐ إﺣﺘﺎج اﻷﻣﺮ اﻟﻰ ﻋﻼج ﺑﺎﻟﻤﺴﺘﺸﻔﻰ‬

‫ﺳﻨﺘﻴﻦ و أدى هﺬا اﻹﻧﻘﻄﺎع اﻟﻄﻮﻳﻞ اﻟﻰ ﺗﻄﻮر إﻳﺠﺎﺑﻰ ﻓﻰ ﺷﺨﺼﻴﺘﻰ‬
‫‪ ..‬إذ ﻋﻜﻔﺖ ﻃﻮل هﺬﻩ اﻟﻤﺪة ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺮاءة و اﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﻓﻰ ﻣﻮﺿﻮﻋﺎت‬
‫أدﺑﻴﺔ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪3‬‬
 ‫و ﻓﻰ هﺎﺗﻴﻦ اﻟﺴﻨﺘﻴﻦ ﺗﻜﻮﻧﺖ ﻓﻰ داﺧﻠﻰ ﺷﺨﺼﻴﺔ اﻟﻤﻔﻜﺮ اﻟﻤﺘﺄﻣﻞ و‬
‫وﻟﺪ اﻟﻜﺎﺗﺐ اﻷدﻳﺐ ‪.‬‬

‫و ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻋﺪت اﻟﻰ دراﺳﺔ اﻟﻄﺐ ﺑﻌﺪ ﺷﻔﺎﺋﻰ آﻨﺖ ﻗﺪ أﺻﺒﺤﺖ‬

‫ﺷﺨﺼﺎً ﺁﺧﺮ ‪ .‬أﺻﺒﺤﺖ اﻟﻔﻨﺎن اﻟﺬى ﻳﻔﻜﺮ و ﻳﺤﻠﻢ و ﻳﻘﺮأ و ﻳﻄﺎﻟﻊ‬
‫ﺑﺈﻧﺘﻈﺎم أﻣﻬﺎت آﺘﺐ اﻷدب و اﻟﻤﺴﺮح و اﻟﺮواﻳﺔ ‪.‬‬

‫و ﺑﺴﺒﺐ هﺬﻩ اﻟﻬﻮاﻳﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة اﻟﺘﻰ ﻣﺎ ﻟﺒﺜﺖ أن ﺗﺤﻮﻟﺖ اﻟﻰ إﺣﺘﺮاف و‬

‫آﺘﺎﺑﺔ ﻣﻨﺘﻈﻤﺔ ﻓﻰ اﻟﺼﺤﻒ ﻓﻰ اﻟﺴﻨﻮات اﻟﻨﻬﺎﺋﻴﺔ ﺑﻜﻠﻴﺔ اﻟﻄﺐ ‪..‬‬
‫إﺣﺘﺎج اﻷﻣﺮ وﻗﺖ ﻣﻀﺎﻋﻒ ﻟﻜﻰ أﻧﺠﺢ و أﺗﺨﺮج )ﺑﺪأت أآﺘﺐ ﻓﻰ‬
‫ﻣﺠﻠﺘﻲ اﻟﺘﺤﺮﻳﺮ و روز اﻟﻴﻮﺳﻒ(‪.‬‬

‫و ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﺨﺮﺟﺖ ﻓﻰ ﺳﻨﺔ ‪ 1953‬آﺎن زﻣﻼﺋﻰ ﻗﺪ ﺳﺒﻘﻮﻧﻰ ﻓﻰ‬

‫اﻟﺘﺨﺮج ﺑﺴﻨﺘﻴﻦ و ﺛﻼﺛﺔ ‪.‬‬

‫و أﺳﺘﻄﻴﻊ أن أﻗﻮل أن اﻟﻤﺮض و اﻟﻤﻌﺎﻧﺎة و اﻟﻌﺰﻟﺔ اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ ﻓﻰ ﻏﺮف‬

‫اﻟﻤﺴﺘﺸﻔﻴﺎت ﻗﺪ ﻓﺠﺮت ﻣﻮاهﺒﻰ ‪ ..‬و اﻷﻟﻢ آﺎن اﻷب اﻟﺤﻘﻴﻘﻰ‬
‫واﻟﺒﺎﻋﺚ ﻟﻜﻞ هﺬﻩ اﻹﻳﺠﺎﺑﻴﺎت و اﻟﻤﻜﺎﺳﺐ اﻟﺘﻰ آﺴﺒﺘﻬﺎ آﺈﻧﺴﺎن و‬
‫ﻓﻨﺎن وأدﻳﺐ و ﻣﻔﻜﺮ‪.‬‬

‫و اﻷﻟﻢ أﻳﻀﺎً هﻮ اﻟﺬى ﺻﻘﻞ أﺧﻼﻗﻰ و ﺟﻼ ﻣﻌﺪن ﻧﻔﺴﻰ و ﻓﺠﺮ‬

‫اﻟﺤﺲ اﻟﺪﻳﻨﻰ ﻓﻰ داﺧﻠﻰ و آﺎن أداة اﻟﺘﻨﻮﻳﺮ و اﻟﺼﺤﻮة و اﻟﺘﺬآﻴﺮ ﺑﺎﷲ‬
‫‪..‬‬

‫رﺣﻠﺘﻰ ﻣﻦ اﻟﺸﻚ إﻟﻰ اﻹﻳﻤﺎن‬

‫ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺑﺴﺒﺐ إﻧﻜﺎر أو ﻋﻨﺎد أو آﻔﺮ و إﻧﻤﺎ آﺎﻧﺖ إﻋﺎدة ﻧﻈﺮ ﻣﻨﻬﺠﻴﺔ‬
‫ﺣﺎوﻟﺖ أن أﺑﺪأ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ﺑﺪون ﻣﺴﻠﻤﺎت ﻣﻮروﺛﺔ ‪.‬‬

‫و ﻟﻢ أﻓﻘﺪ ﺻﻠﺘﻰ ﺑﺎﷲ ﻃﻮال هﺬﻩ اﻟﺮﺣﻠﺔ ‪ ..‬و إن آﻨﺖ ﻗﺪ ﺑﺪأت ﻗﻄﺎر‬
‫اﻟﻔﻜﺮ و ﻗﻄﺎر اﻟﺪﻳﻦ ﻣﻦ أوﻟﻪ ﻣﻦ ﻋﻨﺪ اﻟﺼﻔﺤﺔ اﻷوﻟﻰ ‪ ..‬ﻣﻦ ﻣﺒﺪأ‬
‫اﻟﻔﻄﺮة ‪ ..‬و ﻣﺎذا ﺗﻘﻮﻟﻪ اﻟﻔﻄﺮة ﺑﺪون ﻣﻮروﺛﺎت ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪4‬‬
 ‫و إﻧﺘﻬﻴﺖ ﻣﻦ اﻟﺮﺣﻠﺔ اﻟﻰ إﻳﻤﺎن أﺷﺪ و ﻋﻘﻴﺪة أرﺳﺦ و إﻧﻌﻜﺴﺖ‬
‫اﻟﺮﺣﻠﺔ ﻓﻰ ال ‪ 89‬آﺘﺎب اﻟﺘﻰ أﻟﻔﺘﻬﺎ ‪.‬‬

‫)) اﻹﺛﻢ و اﻟﺒﺮاءة ((‬

‫ﻣﺼﻄﻔﻰ ﻣﺤﻤﻮد‬

‫و اﻟﻤﺤﺼﻮل ﺻﻔﺮ‬

‫ﻻ ﻳﻮﺟﺪ وهﻢ ﻳﺒﺪو آﺄﻧﻪ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻣﺜﻞ اﻟﺤﺐ‪..‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪5‬‬
 ‫و ﻻ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻧﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻌﻬﺎ و آﺄﻧﻬﺎ اﻟﻮهﻢ ﻣﺜﻞ اﻟﻤﻮت!! ﻓﻠﻴﺲ هﻨﺎك أﻣﺮ ﻣﺆآﺪ أآﺜﺮ ﻣﻦ‬
‫اﻟﻤﻮت‪ ،‬و ﻣﻊ ذﻟﻚ ﻻ ﻧﻔﻜﺮ أﺑﺪا ﺑﺄﻧﻨﺎ ﺳﻨﻤﻮت‪ ،‬و اذا ﺣﺪث و ﻓﻜﺮﻧﺎ ﻻ ﻳﺘﺠﺎوز ﺗﻔﻜﻴﺮﻧﺎ وهﻤﺎ‬
‫ﻋﺎﺑﺮا ﻋﺒﻮر اﻟﻨﺴﻴﻢ‪.‬‬

‫و اﻟﻌﻜﺲ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺤﺐ‪ ،‬ﻓﺮﻏﻢ أن اﻟﺤﺐ داﺋﻤﺎ أﻣﺮ ﻳﺰﻳﻨﻪ اﻟﺨﻴﺎل و ﻳﻀﺨﻤﻪ اﻟﻮهﻢ و‬
‫ﻳﺠﺴﻤﻪ اﻟﺘﺼﻮر و ﺗﻨﻔﺦ ﻓﻴﻪ اﻟﺸﻬﻮات‪ ،‬و رﻏﻢ أن اﻟﺤﺐ ﻳﺸﺘﻌﻞ و ﻳﻨﻄﻔﺊ و ﻳﺴﺨﻦ و ﻳﺒﺮد‬
‫و رﻏﻢ أن أﺣﻮاﻟﻪ و ﺗﻘﻠﺒﺎﺗﻪ ﺗﺸﻬﺪ ﺑﺄﻧﻪ وهﻢ آﺒﻴﺮ‪ ،‬اﻻ أﻧﻨﺎ ﻧﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻌﻪ ﺑﺎﻟﺮهﺒﺔ و اﻟﺘﻘﺪﻳﺲ و‬
‫اﻻﺣﺘﺮام و اﻟﺨﻀﻮع‪ ..‬و ﻧﻈﻞ ﻋﻠﻰ هﺬا اﻟﺨﻠﻂ و اﻻﺧﺘﻼط ﺣﺘﻰ ﻧﻔﻴﻖ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﺪﻣﺔ‬
‫ﻓﻨﺼﺤﻮ و ﻧﺴﺘﻌﻴﺪ رﺷﺪﻧﺎ ﻷﻳﺎم أو ﺷﻬﻮر أو ﺳﻨﻮات و ﻟﻜﻦ ﻻ ﻧﻠﺒﺚ أن ﻧﺴﺘﺴﻠﻢ اﻟﻰ اﻏﻤﺎء‬
‫ﺟﺪﻳﺪ‪.‬‬

‫و ﺳﺒﺐ اﻟﺨﻠﻂ و اﻻﺧﺘﻼط هﻮ داﺋﻤﺎ ﺧﻄﺄ ﻓﻲ اﻟﻨﺴﺒﺔ‪ ..‬ﻓﻨﺤﻦ داﺋﻤﺎ ﻧﻨﺴﺐ اﻟﺠﻤﺎل اﻟﺬي‬
‫ﺷﺎهﺪﻧﺎﻩ و اﻟﺤﻨﺎن اﻟﺬي ﺗﺬوﻗﻨﺎﻩ اﻟﻰ ﺻﺎﺣﺒﺘﻪ ﻣﻊ أﻧﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﺻﺎﺣﺒﺘﻪ و ﻻ ﻣﺎﻟﻜﺘﻪ‪ ..‬و ﻟﻮ‬
‫اﻣﺘﻠﻜﺖ اﻣﺮأة ﺟﻤﺎﻟﻬﺎ ﻟﺪام ﻟﻬﺎ‪ ..‬و ﻟﻜﻦ اﻟﺠﻤﺎل ﻟﻢ ﻳﺪم ﻷﺣﺪ‪ ،‬ﻷﻧﻪ ﻣﻨﺤﺔ و اﻋﺎرة ﻣﻦ اﷲ‬
‫ﺑﺄﺟﻞ و ﻣﻴﻘﺎت و هﻮ ﻗﺮض ﻳﺴﺘﺮدﻩ ﻓﻲ ﺣﻴﻨﻪ‪ ..‬ﻓﺼﺎﺣﺒﻪ و ﻣﺎﻟﻜﻪ هﻮ اﷲ و ﻟﻴﺲ أي اﻣﺮأة‪.‬‬

‫و آﺬﻟﻚ آﻞ ﻣﺎ ﻧﻌﺸﻖ ﻣﻦ ﺣﻨﺎن و ﻣﻮدة و رأﻓﺔ و ﺣﻠﻢ و آﺮم آﻠﻬﺎ ﺧﻠﻊ و ﻣﻨﺢ و أوﺻﺎف‬
‫ﻣﺴﺘﻌﺎرة ﻣﻦ اﻟﻮدود اﻟﺮؤوف اﻟﺤﻠﻴﻢ اﻟﻜﺮﻳﻢ‪ ..‬و هﻮ ﻣﺎﻟﻜﻬﺎ ﺑﺎﻷﺻﺎﻟﺔ‪ ..‬و ﻧﺤﻦ ﻧﻤﻠﻜﻬﺎ ﻋﻨﻪ‬
‫ﺑﺎﻟﻘﺮض و اﻻﻋﺎرة‪.‬‬

‫و ﻟﻜﻦ اﻟﻌﻴﻦ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺸﻖ اﻟﺠﻤﺎل ﺗﺨﻄﺊ ﻧﺴﺒﺘﻪ و ﻣﻠﻜﻴﺘﻪ ﻓﺘﻈﻨﻪ ﻟﺼﺎﺣﺒﺘﻪ ﻓﺘﻌﺸﻖ ﺻﺎﺣﺒﺘﻪ و‬
‫ﺗﻌﺒﺪ ﺻﺎﺣﺒﺘﻪ‪.‬‬

‫و هﻲ ﺗﻈﻞ ﻓﻲ هﺬا اﻟﻮهﻢ ﺣﺘﻰ ﺗﻔﻴﻖ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺒﺢ ﻳﻄﻞ ﻣﻦ ﺗﺤﺖ اﻟﻤﺴﺎﺣﻴﻖ و اﻟﻘﺴﻮة ﺗﻈﻬﺮ‬
‫ﻣﻦ وراء اﻷهﺪاب ﻓﺘﺼﺤﻮ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﺪﻣﺔ و ﺗﻌﺎﻧﻲ و ﺗﺘﻌﺬب و ﺗﻨﺪم و ﺗﻌﺘﺒﺮ و ﺗﺘﻮب ﺛﻢ‬
‫ﺗﻌﻮد ﻓﺘﻨﺴﻰ و ﺗﻨﺰﻟﻖ إﻟﻰ وهﻢ ﺟﺪﻳﺪ‪..‬‬

‫و ﺗﻠﻚ هﻲ اﻟﻐﻔﻠﺔ اﻟﻤﺴﺘﻤﺮة اﻟﺘﻲ ﻧﻌﻴﺶ ﻓﻴﻬﺎ ﺟﻤﻴﻌﺎ‪ ..‬ﻧﻔﻴﻖ ﻣﻨﻬﺎ ﻟﺤﻈﺎت ﻟﻨﻌﻮد ﻓﻨﻐﺮق ﻓﻲ‬
‫ﺳﺒﺎﺗﻬﺎ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ و ﻻ ﻳﺴﻠﻢ ﻣﻦ هﺬا اﻟﺒﻼء اﻻ ﻧﺒﻲ ﻣﻌﺼﻮم أو وﻟﻲ ﻋﺎرف ﻳﺤﻔﻈﻪ رﺑﻪ و‬
‫ﻳﺴﺪل ﻋﻠﻴﻪ آﻨﻔﻪ‪ ..‬ﻓﻼ ﻳﺮى ﺣﻴﺜﻤﺎ ﺗﻮﻟﻰ اﻻ وﺟﻪ اﷲ‪.‬‬

‫)ﻓﺄﻳﻨﻤﺎ ﺗﻮﻟﻮا ﻓﺜﻢ وﺟﻪ اﷲ(‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪6‬‬
 ‫ﻓﻬﻮ اﻟﺠﻤﺎل ﻓﻲ آﻞ ﺟﻤﻴﻞ و هﻮ اﻟﺮأﻓﺔ و اﻟﺤﻨﺎن و اﻟﻜﺮم و اﻟﺤﻠﻢ و اﻟﻤﻮدة‪ ..‬ﻓﺘﻠﻚ أﺳﻤﺎؤﻩ‬
‫ﺗﺘﺠﻠﻰ ﻓﻲ أواﻧﻲ اﻟﻄﻴﻦ و اﻟﺨﺰف اﻟﺸﻔﺎﻓﺔ اﻟﺘﻲ ﺷﻔﻬﺎ اﻻﺣﺴﺎس ﺣﺘﻰ أﺻﺒﺤﺖ ﻣﺜﻞ‬
‫اﻟﻜﺮﻳﺴﺘﺎل اﻟﻤﻀﻲء ﺗﻤﺎﻣﺎ آﻤﺎ ﻳﺮى اﻟﻔﻠﻜﻲ ﻧﻮر اﻟﻘﻤﺮ ﻓﻴﻌﺮف أﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻧﻮرﻩ ﺑﻞ ﻧﻮر‬
‫اﻟﺸﻤﺲ ﺗﺠﻠﻰ ﻋﻦ وﺟﻬﻪ‪.‬‬

‫و هﻜﺬا ﻻ ﻳﺮى هﺬا اﻟﻌﺎرف أﻳﻨﻤﺎ ﺗﻮﻟﻰ اﻻ وﺟﻪ اﷲ‪ ..‬و هﻮ داﺋﻢ اﻟﻬﻤﺲ اﷲ‪ ..‬اﷲ‪ ..‬اﷲ‪..‬‬
‫اﷲ‪ ..‬اﷲ‪ ..‬و هﻮ ﻧﺎﻇﺮ داﺋﻤﺎ اﻟﻰ اﻟﻈﺎهﺮ و ﻟﻴﺲ اﻟﻰ اﻟﻤﻈﺎهﺮ‪ ..‬ﻧﺎﻇﺮ اﻟﻰ اﷲ اﻟﻈﺎهﺮ داﺋﻤﺎ‬
‫ﻓﻲ آﻞ ﺷﻲء‪ ..‬ﻻ ﻳﻄﺮف‪ ..‬ﻣﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﻤﻌﺎﻧﻲ و ﻟﻴﺲ ﺑﺎﻷواﻧﻲ‪.‬‬

‫و هﻮ ﻟﻬﺬا ﻻ ﻳﻨﻘﺴﻢ و ﻻ ﻳﺘﺸﺘﺖ و ﻻ ﻳﻀﻴﻊ ﻓﻲ اﻟﺘﻠﻔﺖ‪ ،‬و اﻧﻤﺎ هﻮ ﻣﺠﺬوب اﻟﻔﺆاد اﻟﻰ اﷲ‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟﺪوام‪.‬‬

‫و ﻟﻜﻦ أﻣﺜﺎل هﺬا اﻟﺮﺟﻞ ﻗﻠﻴﻞ ﻧﺎدر ﻣﺜﻞ اﻷﻟﻤﺎس و اﻟﻴﻮراﻧﻴﻮم و أﻣﺜﺎﻟﻪ ﻻ ﻳﺘﺠﺎوزون‬

‫أﻓﺮادا و ﺁﺣﺎدا ﺑﻴﻦ أﻟﻮف اﻟﻤﻼﻳﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﺤﺸﺪ اﻟﻤﻐﻤﻰ ﻋﻠﻴﻪ‬

‫و هﻲ ﻏﻔﻠﺔ ﻋﺎﻣﺔ ﻏﺎﻟﺒﺔ ﻻ ﻳﻨﺠﻲ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻠﻢ و ﻻ ﺛﻘﺎﻓﺔ و ﻻ دآﺘﻮراﻩ و ﻻ ﻣﺎﺟﺴﺘﻴﺮ‪ ،‬ﻓﺘﻠﻚ‬
‫أﺑﻮاب ﻏﺮور ﺗﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻐﻔﻠﺔ‪ ..‬ﻓﻨﺮى اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻳﻀﻊ ﻋﻠﻤﻪ ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ هﻮاﻩ‪ ،‬و ﻋﻘﻠﻪ ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ‬
‫ﻋﺎﻃﻔﺘﻪ‪ ،‬و ﻣﻮاهﺒﻪ ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ ﺷﻬﻮاﺗﻪ‪ .‬ﻓﺘﺼﺒﺢ ﺑﻠﻮاﻩ ﻣﻀﺎﻋﻔﺔ و ﺻﺪﻣﺘﻪ ﻗﺎﺻﻤﺔ ﻟﻠﻈﻬﺮ‪.‬‬

‫و ﻳﻤﻀﻲ اﻟﻌﻤﺮ ﻓﻲ ﺳﻠﺴﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻐﻔﻼت و اﻻﻏﻤﺎءات ﻣﺠﻤﻮﻋﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺨﺘﺎم ﺻﻔﺮ‪ ،‬أو هﻲ‬
‫ﻓﻲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺣﺎﺻﻞ ﻃﺮح و ﻟﻴﺴﺖ ﺣﺎﺻﻞ ﺟﻤﻊ‪ .‬ﻓﻤﺠﻤﻮﻋﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﺑﺎﻟﺴﺎﻟﺐ و ﻟﻴﺲ‬
‫ﺑﺎﻟﻤﻮﺟﺐ ﻓﺤﻴﺎة ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ اﻟﻰ ﻧﻘﺼﺎن ﻳﻮﻣﺎ ﺑﻌﺪ ﻳﻮم و ﺳﻨﺔ ﺑﻌﺪ ﺳﻨﺔ‪ ..‬ﻳﺨﺮج ﻣﻦ وهﻢ اﻟﻰ‬
‫وهﻢ و ﻣﻦ ﺧﺪﻋﺔ اﻟﻰ ﺧﺪﻋﺔ‪ ..‬ﺣﺎﻟﻪ ﻣﺜﻞ ﺣﺎل اﻟﺸﺎرب ﻣﻦ ﻣﺎء ﻣﺎﻟﺢ‪ ،‬آﻠﻤﺎ ازداد ﺷﺮﺑﺎ‬
‫ازداد ﻋﻄﺸﺎ‪ ..‬ﻻ ﻳﺤﺼﻞ ﻋﻠﻰ ﺳﻜﻴﻨﺔ و ﻻ ﻳﺒﻠﻎ اﻃﻤﺌﻨﺎﻧﺎ‪ ،‬و اﻧﻤﺎ هﻮ هﺎﺑﻂ دوﻣﺎ ﻣﻦ ﻗﻠﻖ‬
‫اﻟﻰ ﻗﻠﻖ‪ ،‬و ﻣﻦ ﺗﻤﺰق اﻟﻰ ﺗﻤﺰق‪ ،‬و ﻣﻦ ﺗﺸﺘﺖ اﻟﻰ ﺗﺸﺘﺖ‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﺗﻨﺘﻬﻲ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺑﻼ ﺛﻤﺮة‪ ،‬و‬
‫ﻳﻨﺘﻬﻲ ﺗﺤﺼﻴﻠﻪ ﺑﻼ ﺟﺪوى‪.‬‬

‫و ﺗﻠﻚ هﻲ اﻟﻌﻘﻠﻴﺔ اﻻﺳﺘﻤﺘﺎﻋﻴﺔ اﻟﺴﺎﺋﺪة اﻟﻴﻮم ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ وﺛﻨﻲ‪ ،‬أﺻﻨﺎﻣﻪ اﻟﻠﺬة و اﻟﻐﻠﺒﺔ و‬
‫اﻟﻬﻮى‪ ..‬ﻣﻌﺒﻮد آﻞ واﺣﺪ ﻧﻔﺴﻪ و آﺘﺎﺑﻪ رأﻳﻪ و دﺳﺘﻮرﻩ ﻣﺼﻠﺤﺘﻪ‪.‬‬

‫و اﻟﺤﺎل ﻓﻲ اﻷﻣﻢ اﻟﻤﺘﺨﻠﻔﺔ و اﻟﻨﺎﻣﻴﺔ أﺳﻮأ ﻣﻤﺎ هﻮ ﻓﻲ اﻷﻣﻢ اﻟﻤﺘﻘﺪﻣﺔ‪ ..‬و هﻲ أﻣﻢ‬
‫ﻣﺠﻤﻮﻋﻬﺎ أﺣﻴﺎﻧﺎ ))ﺣﺎﺻﻞ ﻃﺮح أﻓﺮادهﺎ(( و ﻟﻴﺲ ﺣﺎﺻﻞ ﺟﻤﻌﻬﻢ‪ ،‬ﻷﻧﻬﻢ ﻣﻨﻔﺮﻃﻮن‬
‫ﻣﻨﻘﺴﻤﻮن ﻣﺘﺒﺎﻋﺪون آﺎﻟﺠﺰر اﻟﺘﺎﺋﻬﺔ ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺮ‪ ..‬ﻳﻀﺮب ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﻌﻀﺎ‪ ..‬و ﻋﺰﻣﻬﻢ‬
‫ﻣﺴﺘﻬﻠﻚ‪ ..‬و ﻗﻮﺗﻬﻢ ﻻ ﺷﻲء‪..‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪7‬‬
 ‫ﻳﺘﺤﺪﺛﻮن ﻋﻦ اﻟﻮﺣﺪة‪.‬‬

‫و ﻻ وﺣﺪة اﻻ ﺑﺎﻟﻮاﺣﺪ‪.‬‬

‫هﻮ وﺣﺪﻩ اﻟﻮاﺣﺪ ﻻ اﻟﻪ اﻻ هﻮ‪ .‬اﻟﺬي ﻳﺨﺮج ﺑﻪ آﻞ واﺣﺪ ﻣﻦ ﺷﺘﺎت ﻧﻔﺴﻪ و ﺗﺨﺮج ﺑﻪ اﻷﻣﻢ‬
‫ﻣﻦ ﺗﻔﺮﻗﻬﺎ و ﻳﺨﺮج ﺑﻪ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﻦ اﻧﻘﺴﺎﻣﻪ‪.‬‬

‫و اﻟﻘﻀﻴﺔ ﺑﺎﻟﺪرﺟﺔ اﻷوﻟﻰ ﻗﻀﻴﺔ اﻳﻤﺎن‪.‬‬

‫هﻲ ﻗﻀﻴﺔ رؤﻳﺔ‪..‬‬

‫آﻴﻒ ﻧﺮى اﻟﻌﺎﻟﻢ‪..‬؟‬

‫و آﻴﻒ ﻧﻨﻈﺮ ﻓﻴﻤﺎ ﺣﻮﻟﻨﺎ‪..‬؟‬

‫و آﻴﻒ ﻧﺤﺐ‪..‬؟‬

‫هﻞ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻧﻜﻮن ذﻟﻚ اﻟﻌﺎرف اﻟﺬي ﻻ ﻳﺮى ﻓﻲ آﻞ ﺷﻲء اﻻ اﻟﻮاﺣﺪ‪ ..‬و ﻻ ﻳﺒﺼﺮ اﻻ‬
‫وﺟﻪ رﺑﻪ ﻓﻲ آﻞ ﻣﺤﺒﻮب‪.‬‬

‫هﻞ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻧﻜﻮن ﻣﺼﺪاق اﻵﻳﺔ‪:‬‬

‫)أﻳﻨﻤﺎ ﺗﻮﻟﻮا ﻓﺜﻢ وﺟﻪ اﷲ(‪.‬‬

‫و ﻓﻲ هﺬا اﻻﻃﺎر ﻧﺤﺐ و ﻓﻲ هﺬا اﻻﻃﺎر ﻧﻜﺮﻩ‪ ..‬ﻓﻨﺒﺬل اﻟﻤﺮوءة و اﻟﻤﻌﺮوف و اﻟﻤﻮدة‬
‫ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ و ﻻ ﻳﻜﻮن ﻟﻨﺎ ﺗﻌﻠﻖ و ﻻ ﻳﻜﻮن ﻟﻨﺎ ﺣﺐ اﻻ اﷲ و ﺑﺎﷲ و ﻓﻲ اﷲ‪.‬‬

‫ذﻟﻚ هﻮ اﻟﺠﻬﺎد اﻟﺼﻌﺐ‪.‬‬

‫و ﻻ اﺧﺘﻴﺎر‪..‬‬

‫و ﻻ ﻃﺮﻳﻖ ﺁﺧﺮ‪.‬‬

‫و آﻞ واﺣﺪ و ﻋﺰﻣﻪ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪8‬‬
 ‫و آﻞ واﺣﺪ و هﻤﺘﻪ‪..‬‬

‫و ﻋﺒﺮة آﻞ ﺣﻴﺎة ﺑﺨﺘﺎﻣﻬﺎ‪ ..‬ﻓﻠﻨﺴﺎرع اﻟﻰ اﻟﻤﺠﺎهﺪة و ﻟﻨﺸﻤﺮ اﻟﺴﻮاﻋﺪ ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﻜﻮن‬
‫ﻣﺤﺼﻮل ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ ﺻﻔﺮا و ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﻤﻀﻲ ﺑﻨﺎ آﻞ ﻳﻮم اﻟﻰ ﻧﻘﺼﺎن و ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﺼﺒﺢ آﻞ ﻳﻮم‬
‫ﻣﻦ أﻳﺎﻣﻨﺎ ﻣﻄﺮوﺣﺎ ﻣﻦ اﻟﺬي ﻗﺒﻠﻪ‪.‬‬

‫اﻧﻤﺎ ﺧﻠﻖ اﷲ اﻟﻐﻮاﻳﺔ ﻻﻣﺘﺤﺎن اﻟﻘﻠﻮب و ﻟﻴﻌﺮف اﻟﻜﺒﺎر أﻧﻔﺴﻬﻢ و ﻟﻴﻌﺮف اﻟﺼﻐﺎر أﻧﻔﺴﻬﻢ‬
‫ﻣﻦ اﻟﺒﺪاﻳﺔ‪..‬‬

‫اﻟﺸﺠﺮة‬

‫اﻟﻤﺮأة آﺎﻟﺪﻧﻴﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﺗﻘﻠﺒﺎت اﻟﻔﺼﻮل اﻷرﺑﻌﺔ‪.‬‬

‫ﺗﻔﻲء إﻟﻴﻬﺎ ذات ﻳﻮم ﻓﺘﺠﺪ اﻟﻈﻞ و اﻟﺨﻀﺮة و اﻟﻌﺒﻴﺮ و اﻟﺜﻤﺮ و ﺗﻠﺠﺄ إﻟﻴﻬﺎ ﻓﻲ ﻳﻮم ﺁﺧﺮ‬
‫ﻓﺘﺮاهﺎ ﺗﻌﺮت ﻋﻦ أوراﻗﻬﺎ و ﺟﻔﺖ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺤﻴﺎة و ﺗﻮﻗﻒ اﻟﻌﻄﺎء ﻻ ﻇﻞ و ﻻ زهﺮ و ﻻ ﺛﻤﺮ‪.‬‬

‫ﺗﺘﺪاول ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻷﺣﻮال ﺗﺪاول اﻟﻠﻴﻞ و اﻟﻨﻬﺎر و اﻟﺮﺑﻴﻊ و اﻟﺨﺮﻳﻒ و اﻟﻤﻄﺮ و اﻟﺠﻔﺎف و‬
‫اﻟﺠﺪب و اﻟﻨﻤﺎء‪.‬‬

‫ﻓﺈن آﻨﺖ ﻋﺸﻘﺖ اﻟﻈﻞ و اﻟﺨﻀﺮة و اﻟﻌﺒﻴﺮ و اﻟﺜﻤﺮ ﻓﺬﻟﻚ ﻟﻴﺲ وﺟﻪ اﻟﻤﺮأة ﻓﺈن ﻟﻠﻤﺮأة آﻞ‬
‫وﺟﻮﻩ اﻟﺪﻧﻴﺎ و هﻲ ﺗﺸﺮق و ﺗﻐﺮب ﻣﺜﻞ اﻟﻘﻤﺮ و ﺗﻄﻠﻊ و ﺗﺄﻓﻞ ﻣﺜﻞ اﻟﺸﻤﺲ و ﺗﻮرق و ﺗﺬﺑﻞ‬
‫ﻣﺜﻞ اﻟﻮرد‪ ..‬ﻓﺈن آﺎن ﻣﺎ ﺗﻨﻮرت ﺑﻪ ﻋﻴﻨﺎهﺎ ذات ﻣﺴﺎء هﻮ ﻣﺎ ﻋﺸﻘﺖ ﻓﻤﺎ ﻋﺸﻘﺖ وﺟﻬﻬﺎ ﺑﻞ‬
‫وﺟﻪ اﷲ اﻟﺬي أﺷﺮق ﻋﻠﻴﻬﺎ و ﻋﻠﻴﻚ ذات ﻣﺴﺎء‪.‬‬

‫و ﺣﻴﺜﻤﺎ ﻳﺸﺮق وﺟﻪ اﷲ ﺗﺘﻨﻮر اﻟﻤﻈﺎهﺮ و ﻳﻮرق اﻟﺸﺠﺮ و ﻳﺘﻔﺘﺢ اﻟﺰهﺮ و ﻳﺠﻮد اﻟﺜﻤﺮ و‬
‫ﻳﺒﺘﺴﻢ اﻟﻮﻟﺪان و ﺗﻬﻔﻮ ﻗﻠﻮب اﻟﻌﺸﺎق إﻟﻰ ﻣﻦ ﺗﻌﻠﻘﺖ ﺑﻪ اﻟﻨﻌﻤﺔ و ﺗﺠﻠﻰ ﻓﻴﻪ اﻟﺠﻮد‪.‬‬

‫و ﺳﺎﻋﺘﻬﺎ ﺗﺨﻄﺊ أﻗﺪاﻣﻨﺎ اﻟﻌﻨﻮان و ﺗﺨﻄﺊ أﻟﺴﻨﺘﻨﺎ اﻻﺳﻢ اﻟﺬي ﺗﺴﺒﺢ ﻟﻪ‪ ..‬و ﻧﻨﺴﻰ ﺑﺎرئ‬
‫اﻟﻨﻌﻤﺔ و ﻧﻨﺴﻰ أﻧﻪ ﻻ أﻧﺎ و ﻻ أﻧﺖ و ﻻ هﻲ ﻟﻨﺎ ﻣﻦ اﻷﻣﺮ ﺷﻲء‪..‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪9‬‬
 ‫و إﻧﻤﺎ آﻞ ﻣﺎ ﺣﺪث أن اﷲ ﻗﺎل ﺑﻠﺴﺎن اﻟﻤﻈﺎهﺮ‪ ..‬ذات ﻣﺴﺎء ﻓﻲ ﻟﺤﻈﺔ ﺗﺠﻞ‪ ..‬أﻧﺎ ﻣﻮﺟﻮد‪..‬‬
‫أﻧﺎ ﺑﺪﻳﻊ اﻟﺴﻤﺎوات و اﻷرض‪..‬‬

‫ﺗﺘﻮﻗﻒ هﺬﻩ اﻟﻌﻴﻦ ﻋﻨﺪ اﻟﻠﺤﻈﺔ و ﺗﺘﺠﻤﺪ ﻋﻨﺪ اﻟﻘﺪ و اﻟﺨﺪ و اﻟﺨﺼﺮ و اﻟﻨﻬﺪ‪ ..‬و ﺗﻨﺴﻰ‬
‫ﻣﺼﺪر اﻟﺠﻮد ﻓﻴﻨﺴﺎهﺎ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻔﻀﻞ و ﻳﺸﻴﺢ ﻋﻨﻬﺎ ﺑﻮﺟﻬﻪ اﻟﻜﺮﻳﻢ‪ ..‬ﻓﻴﺬﻳﻘﻬﺎ اﷲ اﻟﻬﺠﺮ و‬
‫هﻲ ﻓﻲ اﻟﻘﺮب و ﻳﺮﻳﻬﺎ ﺧﻴﺒﺔ اﻷﻣﻞ و هﻲ ﻓﻲ ذروة اﻟﻌﻤﻞ و ﻳﺨﺘﻢ ﻟﻬﺎ ﺑﺎﻟﺨﺬﻻن و هﻲ ﻓﻲ‬
‫ﻏﻔﻠﺔ اﻟﻬﻴﻤﺎن‪.‬‬

‫و ﺗﻠﻚ هﻲ ﺻﺪﻣﺔ اﻟﻌﺸﺎق اﻟﺘﻲ أﻓﺎض ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺸﻌﺮاء و أﻃﺎﻟﻮا و هﻲ ﻓﻲ ﺻﻤﻴﻤﻬﺎ ﻟﻔﺘﺔ‬
‫رﺣﻤﺔ ﻣﻦ اﷲ ﻳﻮﻗﻆ ﺑﻬﺎ اﻟﺬﻳﻦ أﺧﻠﺪوا اﻟﻰ اﻷرض و اﺗﺒﻌﻮا اﻷهﻮاء و ﻧﺴﻮا اﻟﻤﻌﺸﻮق و‬
‫اﻟﻤﺤﺒﻮب و ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻔﻀﻞ‪ ..‬و اﻷﺻﻞ آﻞ اﻷﺻﻞ‪ ..‬اﻻﺳﻢ اﻟﺠﺎﻣﻊ ﻟﻜﻞ اﻟﻜﻤﺎﻻت‪.‬‬

‫و ذﻟﻚ هﻮ اﻷآﻞ ﻣﻦ اﻟﺸﺠﺮة‪.‬‬

‫ﺛﻢ اﻻهﺒﺎط ﺑﻌﺪ اﻷآﻞ ﻣﻦ اﻟﺸﺠﺮة‪ ..‬و اﻟﻨﺰول ﻣﻦ ﺳﻤﺎوات اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ اﻟﺮﺣﻴﺒﺔ اﻟﻰ ﺳﺠﻮن‬
‫اﻟﻠﺬات و زﻧﺰاﻧﺔ اﻟﻠﺤﻈﺎت‪.‬‬

‫ﺗﻠﻚ هﻲ اﻟﻘﺼﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻜﺮر آﻞ ﻳﻮم ﻣﻨﺬ ﺁدم و ﺣﻮاء و آﻠﻤﺎ اﺟﺘﻤﻊ اﺑﻦ ﻵدم و ﺑﻨﺖ ﻟﺤﻮاء‪.‬‬

‫ﺗﺘﻜﺮر اﻟﺨﻴﺒﺔ و ﻳﺘﻜﺮر اﻟﺨﺬﻻن‪.‬‬

‫و ﻻ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﻋﺎﻗﻞ و ﻻ ﺟﺎهﻞ‪.‬‬

‫و اﻟﺬﻳﻦ أﺣﺒﻮا أو ﺻﺪﻣﻮا ﻳﻌﻮدون اﻟﻰ ﺣﺐ ﺟﺪﻳﺪ و اﻟﻰ ﺧﻴﺒﺔ أﻣﻞ ﺟﺪﻳﺪة و ﻻ ﻳﺸﺒﻊ أهﻞ‬
‫اﻷﻣﻞ ﻣﻦ ﺧﻴﺒﺔ اﻷﻣﻞ‪.‬‬

‫و آﻞ ﻣﺮة ﺗﺰداد اﻟﻐﻮاﺷﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺲ و ﻳﻀﻴﻖ ﻣﺠﺎل اﻟﺮؤﻳﺔ و ﺗﻀﻴﻖ اﻟﺰﻧﺰاﻧﺔ ﻋﻠﻰ‬
‫ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ و ﻳﻐﺮق أهﻞ اﻟﺼﺒﺎﺑﺔ ﻓﻲ ﺑﺤﺮ اﻟﺼﺒﺎﺑﺔ‪.‬‬

‫و ﻻ ﻳﻨﺠﻮ ﻣﻦ اﻟﺒﺤﺮ اﻻ ﻣﻦ ﻋﺼﻢ رﺑﻚ‪.‬‬

‫اﻧﻤﺎ هﻮ ﺑﺤﺮ اﻟﻈﻤﺄ اﻟﺬي ﻳﺠﺮي ﺑﻴﻦ ذراﻋﻲ اﻟﻤﺮأة آﻠﻤﺎ ﺷﺮب ﻣﻨﻪ اﻟﺸﺎرب ازداد ﻇﻤﺄ و‬
‫آﻠﻤﺎ ﻋﺐ ﻣﻨﻪ ﻋﺒﺎ اﺣﺘﺮق اﺣﺘﺮاﻗﺎ‪ ..‬ﻳﻈﻦ أﻧﻪ ﻳﺮﺗﻮي و ﻳﺒﺘﺮد‪ ..‬ﻓﻼ ﻳﺒﺘﺮد أﺑﺪا و ﻻ ﻳﺮﺗﻮي‬
‫أﺑﺪا‪ ..‬و ﻻ ﻳﺸﺒﻊ أﺑﺪا‪ ..‬و ﻻ ﻳﺴﻜﻦ أﺑﺪا‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪10‬‬
 ‫اﻧﻤﺎ ﻋﻨﺪﻩ هﻮ اﻟﺴﻜﻦ‪.‬‬

‫و ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻳﻪ اﻟﻘﺮار و اﻻﺳﺘﻘﺮار‪.‬‬

‫ﺻﺪق أﺑﻮ اﻟﻌﺘﺎهﻴﺔ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ‪:‬‬

‫ﻃﻠﺒﺖ اﻟﻤﺴﺘﻘﺮ ﺑﻜﻞ أرض ﻓﻠﻢ أر ﻟﻲ ﺑﺄرض ﻣﺴﺘﻘﺮا‬

‫ﻓﻼ ﻣﻘﺮ ﻟﻨﺎ ﻓﻲ هﺬﻩ اﻷرض و ﻻ وﻃﻦ ﻟﻨﺎ ﻓﻴﻬﺎ و اﻧﻤﺎ وﻃﻨﻨﺎ ﻓﻲ ﺑﻴﺖ اﻟﻤﻌﺎد اﻟﺬي ﺟﺌﻨﺎ ﻣﻨﻪ‬
‫ﻋﻨﺪ ﺷﺠﺮة اﻟﺨﻠﺪ ﺣﻘﺎ و ﻟﻴﺲ ﻋﻨﺪ ﺷﺠﺮة اﻟﺠﻮع و اﻟﻈﻤﺄ اﻟﺘﻲ أآﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﺁدم و ﻣﺎزﻟﻨﺎ ﻧﺤﻦ‬
‫أوﻻدﻩ ﻧﺄآﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻨﺰداد ﺟﻮﻋﺎ ﻋﻠﻰ ﺟﻮع و ﻻ ﻧﻌﺮف ﺷﺒﻌﺎ و ﻻ راﺣﺔ‪.‬‬

‫اﻧﻤﺎ اﻟﺤﻴﺎة ﺑﺠﻮﻋﻬﺎ‪.‬‬

‫و ﺷﺠﺮة اﻷﻧﻮﺛﺔ ﺑﺮﺑﻴﻌﻬﺎ و ﺧﺮﻳﻔﻬﺎ‪.‬‬

‫و اﻟﺰهﻮر ﺑﺘﻔﺘﺤﻬﺎ و ذﺑﻮﻟﻬﺎ‪.‬‬

‫و اﻟﺸﻤﺲ ﺑﻄﻠﻮﻋﻬﺎ و أﻓﻮﻟﻬﺎ‪.‬‬

‫آﻠﻬﺎ رﻣﻮز ﺗﺘﻜﻠﻢ ﺑﻠﺴﺎن اﻟﺤﺎل‪..‬‬

‫ﺑﺄﻧﻬﺎ آﻠﻬﺎ ﻗﺼﺎﺻﺎت و ﻋﻴﻨﺎت و ﻋﺒﻮات ﺻﻐﻴﺮة ﺗﺸﻴﺮ اﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺁﺧﺮ ﻓﻴﻪ اﻟﻨﻤﺎذج اﻟﻤﺜﻠﻰ‬
‫و اﻟﻜﻤﺎﻻت و اﻷﺻﻮل ﻟﻜﻞ هﺬا اﻟﺬي ﻧﺮى أﻣﺎﻣﻨﺎ ﻓﻲ ﺻﻨﺪوق اﻟﺪﻧﻴﺎ‪ ..‬و آﺄﻧﻤﺎ ﻳﻀﻊ ﻟﻨﺎ‬
‫اﻟﻄﺎهﻲ ﻗﻄﺮة ﻓﻲ ﻣﻠﻌﻘﺔ و ﻳﻘﻮل ﻟﻨﺎ ذوﻗﻮا‪.‬‬

‫و اﻟﺤﻜﻴﻢ هﻮ اﻟﺬي ﻳﺬوق و ﻳﻘﻮل‪ ..‬اﷲ‪ ..‬ﻣﺎ أﺣﻠﻰ اﻟﻄﻬﻮ‪ ..‬ﻳﺬوق ﻓﻘﻂ و ﻻ ﻳﻔﻜﺮ ﻓﻲ أن‬
‫ﻳﺠﻠﺲ ﻟﻴﺄآﻞ‪ ..‬ﻷﻧﻪ ﻳﻌﻠﻢ أن اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ ﻟﻠﺘﻌﺮف‪ ..‬و ﻋﻴﻨﺎت ﻟﻠﺘﺬوق‪ ..‬و ﻋﺒﻮر ﺳﺮﻳﻊ ﻓﻲ‬
‫ﻧﻔﻖ أرﺿﻲ ﻣﻦ أﻧﻔﺎق اﻟﻤﺘﺮو ﻓﻴﻪ ﺻﻮر و ﻣﻌﺮوﺿﺎت‪ ..‬و آﻞ ﺣﻆ اﻟﺮاآﺐ ﻟﻔﺘﺔ هﻨﺎ و‬
‫ﻟﻔﺘﺔ هﻨﺎك‪.‬‬

‫أﻣﺎ اﻟﺠﻠﻮس ﻟﻸآﻞ و اﻟﺸﺮوع ﻓﻲ ﻣﺒﺎﺷﺮة اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺤﻘﺔ ﻓﺬﻟﻚ ﻟﻦ ﻳﻜﻮن اﻻ ﺑﻌﺪ اﻧﺘﻬﺎء‬
‫اﻟﺮﺣﻠﺔ و اﻟﺨﺮوج ﻣﻦ اﻟﻨﻔﻖ اﻷرﺿﻲ اﻟﻰ اﻟﺴﻄﺢ ﺣﻴﺚ ﻧﺠﺪ ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎرﻧﺎ ﻧﻌﻴﻢ اﻟﺨﻠﺪ و‬
‫اﻟﺠﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﻋﺮﺿﻬﺎ اﻟﺴﻤﺎوات و اﻷرض و اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺠﺪﻳﺮة ﺑﺄن ﻧﺤﻴﺎهﺎ ﺣﻘﺎ‪ ..‬ﺣﻴﺚ أرض‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪11‬‬
 ‫اﻟﻜﻤﺎﻻت و ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻤﺜﻞ‪ ..‬و ذﻟﻚ ﺣﻆ ﻣﻦ اﺗﻘﻰ و ﻓﻬﻢ و ﻋﺮف‪ ،‬و آﺎن ﺑﻴﻨﻪ و ﺑﻴﻦ اﷲ ﻋﻤﺎر‬
‫و ﺻﻠﺔ و ﻋﻬﺪ‪.‬‬

‫أﻣﺎ ﻣﻦ ﻗﻄﻊ ﺣﺒﻞ اﻻﺗﺼﺎل و ﻋﺎش ﺣﻴﺎة اﻻﻧﻔﺼﺎل و ﻟﻢ ﻳﻌﺮف ﻟﺬة اﻟﻮﺻﺎل و اﻧﺸﻐﻞ ﻋﻦ‬
‫اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺑﻌﺎﻟﻢ اﻷوهﺎم و ﺗﻌﻠﻘﺖ هﻤﺘﻪ ﺑﺎﻟﺼﻐﺎر‪ ،‬ﻓﺬﻟﻚ ﺣﻈﻪ اﻟﺒﻘﺎء ﻓﻲ اﻟﻨﻔﻖ اﻟﻤﻈﻠﻢ و‬
‫ﻧﺼﻴﺒﻪ اﻻﺑﻌﺎد واﻻهﺒﺎط ﻣﻦ ﻧﻔﻖ ﻣﻈﻠﻢ اﻟﻰ ﻧﻔﻖ ﺁﺧﺮ أﺷﺪ اﻇﻼﻣﺎ و ﻻ ﻧﻬﺎﻳﺔ‪ ..‬ﻓﻠﻴﺲ ﻟﻠﺒﻌﺪ‬
‫ﻧﻬﺎﻳﺔ آﻤﺎ أﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻟﻠﻘﺮب ﻧﻬﺎﻳﺔ‪ ..‬و ﻟﻴﺲ ﻟﻨﻌﻴﻢ اﷲ ﺣﺪود آﻤﺎ أﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻟﻌﺬاﺑﻪ ﺣﺪود‪.‬‬

‫وﻣﻦ ﻳﺘﻠﻔﺖ ﺣﻮﻟﻪ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ و ﻳﺘﺄﻣﻞ ﻋﺠﺎﺋﺐ ﺻﻨﻌﺔ اﷲ و ﻏﺮاﺋﺐ ﺁﻳﺎﺗﻪ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﺘﺼﻮر‬
‫آﻢ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻜﻮن ﻣﺬهﻼ و ﻣﺪهﺸﺎ ذﻟﻚ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻜﺎﻣﻞ‪ ..‬ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻤﻠﻜﻮت اﻟﺬي ﺻﻨﻌﻪ ﻧﻔﺲ‬
‫اﻟﺼﺎﻧﻊ و وﻋﺪ ﺑﻪ أﺣﺒﺎءﻩ‪.‬‬

‫ان ﻋﻈﻤﺔ اﻟﺼﻨﻌﺔ ﻣﻦ ﻋﻈﻤﺔ اﻟﺼﺎﻧﻊ‪.‬‬

‫و ﻟﻴﺲ أﻋﻈﻢ ﻣﻦ اﷲ‪.‬‬

‫ﻓﻜﺬﻟﻚ ﻧﻌﻴﻤﻪ و آﺬﻟﻚ ﻋﺬاﺑﻪ‪.‬‬

‫و أهﻞ اﻟﻘﻠﻮب ﻻ ﺗﺠﻒ ﻟﻬﻢ دﻣﻮع ﻣﻦ ﺗﺼﻮر ﻳﻮم اﻟﺠﻤﻊ‪ ..‬و ﺳﺎﻋﺔ اﻟﻤﺼﻴﺮ‪.‬‬

‫و هﻢ اﻟﺒﺎآﻮن اﻟﺮاﺟﻔﻮن اﻟﻀﺎرﻋﻮن اﻟﺪاﻋﻮن اﻟﺮاآﻌﻮن اﻟﺴﺎﺟﺪون ﻓﻲ هﺬا اﻟﺴﺎﻣﺮ ﻣﻦ‬

‫اﻟﻮﻻﺋﻢ اﻟﻜﺎذﺑﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺎﺋﺪة اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺣﻴﺚ ﻳﻌﻠﻢ آﻞ ﻣﻦ ﻳﺄآﻞ أﻧﻪ ﺳﻮف ﻳﻤﻮت‪ ..‬و ﻣﻊ ذﻟﻚ ﻳﻘﺘﻞ‬
‫اﻟﻐﺎﻓﻠﻮن ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﻌﻀﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻠﻘﻤﺔ و ﻳﺘﻨﺎزﻋﻮن ﻋﻠﻰ ﺷﺮﺑﺔ اﻟﻤﺎء‪.‬‬

‫أوﻟﺌﻚ هﻢ اﻟﺼﺎرﺧﻮن ﻓﻲ اﻟﺨﻠﻮات‪.‬‬

‫إﻟﻬﻲ‪ ..‬ارزﻗﻨﺎ‪ ..‬ﺧﻮﻓﻚ‪..‬‬

‫ﺿﻊ اﻟﻤﻮت ﺑﻴﻦ أﻋﻴﻨﻨﺎ‪.‬‬

‫ﻓﻼ ﺷﻲء ﻳﺴﺘﺤﻖ اﻟﺒﻜﺎء ﺳﻮى اﻟﺤﺮﻣﺎن ﻣﻨﻚ و ﻻ ﺣﺰن ﺑﺤﻖ اﻻ اﻟﺤﺰن ﻋﻠﻴﻚ‪.‬‬

‫أﻧﺖ اﻟﺤﻖ‪.‬‬

‫و أﻧﺖ ﻣﺎ ﻧﺮى ﻣﻦ ﺟﻤﺎل ﺣﻴﺜﻤﺎ ﺗﻄﻠﻌﺖ ﻋﻴﻦ أو اﺳﺘﻤﻌﺖ أذن أو ﺣﻠﻖ اﻟﺨﻴﺎل‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪12‬‬
 ‫ﻻإﻟﻪ إﻻ أﻧﺖ‪.‬‬

‫ﺳﺒﺤﺎﻧﻚ‪.‬‬

‫إﻧﻲ آﻨﺖ ﻣﻦ اﻟﻈﺎﻟﻤﻴﻦ‪.‬‬

‫اﻟﻌﺬاب ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﻃﺒﻘﺔ‬

‫اﻟﺬي ﻳﺴﻜﻦ ﻓﻲ أﻋﻤﺎق اﻟﺼﺤﺮاء ﻳﺸﻜﻮ ﻣﺮ اﻟﺸﻜﻮى ﻷﻧﻪ ﻻ ﻳﺠﺪ اﻟﻤﺎء اﻟﺼﺎﻟﺢ ﻟﻠﺸﺮب‪.‬‬

‫و ﺳﺎآﻦ اﻟﺰﻣﺎﻟﻚ اﻟﺬي ﻳﺠﺪ اﻟﻤﺎء و اﻟﻨﻮر و اﻟﺴﺨﺎن و اﻟﺘﻜﻴﻴﻒ و اﻟﺘﻠﻴﻔﻮن و اﻟﺘﻠﻴﻔﻴﺰﻳﻮن ﻟﻮ‬
‫اﺳﺘﻤﻌﺖ إﻟﻴﻪ ﻟﻮﺟﺪﺗﻪ ﻳﺸﻜﻮ ﻣﺮ اﻟﺸﻜﻮى هﻮ اﻵﺧﺮ ﻣﻦ ﺳﻮء اﻟﻬﻀﻢ و اﻟﺴﻜﺮ و اﻟﻀﻐﻂ‪.‬‬

‫و اﻟﻤﻠﻴﻮﻧﻴﺮ ﺳﺎآﻦ ﺑﺎرﻳﺲ اﻟﺬي ﻳﺠﺪ آﻞ ﻣﺎ ﻳﺤﻠﻢ ﺑﻪ‪ ،‬ﻳﺸﻜﻮ اﻟﻜﺂﺑﺔ و اﻟﺨﻮف ﻣﻦ اﻷﻣﺎآﻦ‬
‫اﻟﻤﻐﻠﻘﺔ و اﻟﻮﺳﻮاس و اﻷرق و اﻟﻘﻠﻖ‪.‬‬

‫و اﻟﺬي أﻋﻄﺎﻩ اﷲ اﻟﺼﺤﺔ و اﻟﻤﺎل و اﻟﺰوﺟﺔ اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﻳﺸﻚ ﻓﻲ زوﺟﺘﻪ اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ و ﻻ ﻳﻌﺮف‬
‫ﻃﻌﻢ اﻟﺮاﺣﺔ‪.‬‬

‫و اﻟﺮﺟﻞ اﻟﻨﺎﺟﺢ اﻟﻤﺸﻬﻮر اﻟﻨﺠﻢ اﻟﺬي ﺣﺎﻟﻔﻪ اﻟﺤﻆ ﻓﻲ آﻞ ﺷﻲء و اﻧﺘﺼﺮ ﻓﻲ آﻞ ﻣﻌﺮآﺔ‬
‫ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ أن ﻳﻨﺘﺼﺮ ﻋﻠﻰ ﺿﻌﻔﻪ و ﺧﻀﻮﻋﻪ ﻟﻠﻤﺨﺪر ﻓﺄدﻣﻦ اﻟﻜﻮآﺎﻳﻴﻦ و اﻧﺘﻬﻰ إﻟﻰ‬
‫اﻟﺪﻣﺎر‪.‬‬

‫و اﻟﻤﻠﻚ اﻟﺬي ﻳﻤﻠﻚ اﻷﻗﺪار و اﻟﻤﺼﺎﺋﺮ و اﻟﺮﻗﺎب ﺗﺮاﻩ ﻋﺒﺪا ﻟﺸﻬﻮﺗﻪ ﺧﺎدﻣﺎ ﻷﻃﻤﺎﻋﻪ ذﻟﻴﻼ‬
‫ﻟﻨﺰواﺗﻪ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪13‬‬
 ‫و ﺑﻄﻞ اﻟﻤﺼﺎرﻋﺔ أﺻﺎﺑﻪ ﺗﻀﺨﻢ ﻓﻲ اﻟﻘﻠﺐ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺗﻀﺨﻢ ﻓﻲ اﻟﻌﻀﻼت‪.‬‬

‫آﻠﻨﺎ ﻧﺨﺮج ﻣﻦ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﺤﻈﻮظ ﻣﺘﻘﺎرﺑﺔ ﺑﺮﻏﻢ ﻣﺎ ﻳﺒﺪو ﻓﻲ اﻟﻈﺎهﺮ ﻣﻦ ﺑﻌﺪ اﻟﻔﻮارق‪.‬‬

‫و ﺑﺮﻏﻢ ﻏﻨﻰ اﻷﻏﻨﻴﺎء و ﻓﻘﺮ اﻟﻔﻘﺮاء ﻓﻤﺤﺼﻮﻟﻬﻢ اﻟﻨﻬﺎﺋﻲ ﻣﻦ اﻟﺴﻌﺎدة و اﻟﺸﻘﺎء اﻟﺪﻧﻴﻮي‬
‫ﻣﺘﻘﺎرب‪.‬‬

‫ﻓﺎﷲ ﻳﺄﺧﺬ ﺑﻘﺪر ﻣﺎ ﻳﻌﻄﻲ و ﻳﻌﻮض ﺑﻘﺪر ﻣﺎ ﻳﺤﺮم و ﻳﻴﺴﺮ ﺑﻘﺪر ﻣﺎ ﻳﻌﺴﺮ‪ ..‬و ﻟﻮ دﺧﻞ آﻠﻤﻨﺎ‬
‫ﻗﻠﺐ اﻵﺧﺮ ﻷﺷﻔﻖ ﻋﻠﻴﻪ و ﻟﺮأى ﻋﺪل اﻟﻤﻮازﻳﻦ اﻟﺒﺎﻃﻨﻴﺔ ﺑﺮﻏﻢ اﺧﺘﻼل اﻟﻤﻮازﻳﻦ‬
‫اﻟﻈﺎهﺮﻳﺔ‪ ..‬و ﻟﻤﺎ ﺷﻌﺮ ﺑﺤﺴﺪ و ﻻ ﺑﺤﻘﺪ و ﻻ ﺑﺰهﻮ و ﻻ ﺑﻐﺮور‪.‬‬

‫إﻧﻤﺎ هﺬﻩ اﻟﻘﺼﻮر و اﻟﺠﻮاهﺮ و اﻟﺤﻠﻲ و اﻟﻶﻟﺊ ﻣﺠﺮد دﻳﻜﻮر ﺧﺎرﺟﻲ ﻣﻦ ورق اﻟﻠﻌﺐ‪ ..‬و‬
‫ﻓﻲ داﺧﻞ اﻟﻘﻠﻮب اﻟﺘﻲ ﺗﺮﻗﺪ ﻓﻴﻬﺎ ﺗﺴﻜﻦ اﻟﺤﺴﺮات و اﻵهﺎت اﻟﻤﻠﺘﺎﻋﺔ‪.‬‬

‫و اﻟﺤﺎﺳﺪون و اﻟﺤﺎﻗﺪون و اﻟﻤﻐﺘﺮون و اﻟﻔﺮﺣﻮن ﻣﺨﺪوﻋﻮن ﻓﻲ اﻟﻈﻮاهﺮ ﻏﺎﻓﻠﻮن ﻋﻦ‬

‫اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ‪.‬‬

‫و ﻟﻮ أدرك اﻟﺴﺎرق هﺬا اﻹدراك ﻟﻤﺎ ﺳﺮق و ﻟﻮ أدرآﻪ اﻟﻘﺎﺗﻞ ﻟﻤﺎ ﻗﺘﻞ و ﻟﻮ ﻋﺮﻓﻪ اﻟﻜﺬاب‬
‫ﻟﻤﺎ آﺬب‪.‬‬

‫و ﻟﻮ ﻋﻠﻤﻨﺎﻩ ﺣﻖ اﻟﻌﻠﻢ ﻟﻄﻠﺒﻨﺎ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﻌﺰة اﻷﻧﻔﺲ و ﻟﺴﻌﻴﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﻴﺶ ﺑﺎﻟﻀﻤﻴﺮ و ﻟﺘﻌﺎﺷﺮﻧﺎ‬
‫ﺑﺎﻟﻔﻀﻴﻠﺔ ﻓﻼ ﻏﺎﻟﺐ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ و ﻻ ﻣﻐﻠﻮب ﻓﻲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ و اﻟﺤﻈﻮظ آﻤﺎ ﻗﻠﻨﺎ ﻣﺘﻘﺎرﺑﺔ ﻓﻲ‬
‫ﺑﺎﻃﻦ اﻷﻣﺮ و ﻣﺤﺼﻮﻟﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﺸﻘﺎء و اﻟﺴﻌﺎدة ﻣﺘﻘﺎرب ﺑﺮﻏﻢ اﻟﻔﻮارق اﻟﻈﺎهﺮة ﺑﻴﻦ‬
‫اﻟﻄﺒﻘﺎت‪ ..‬ﻓﺎﻟﻌﺬاب ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﻃﺒﻘﺔ و إﻧﻤﺎ هﻮ ﻗﺎﺳﻢ ﻣﺸﺘﺮك ﺑﻴﻦ اﻟﻜﻞ‪ ..‬ﻳﺘﺠﺮع ﻣﻨﻪ آﻞ واﺣﺪ‬
‫آﺄﺳﺎ واﻓﻴﺔ ﺛﻢ ﻓﻲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﺗﺘﺴﺎوى اﻟﻜﺆوس ﺑﺮﻏﻢ اﺧﺘﻼف اﻟﻤﻨﺎﻇﺮ و ﺗﺒﺎﻳﻦ اﻟﺪرﺟﺎت و‬
‫اﻟﻬﻴﺌﺎت‪.‬‬

‫و ﻟﻴﺲ اﺧﺘﻼف ﻧﻔﻮﺳﻨﺎ هﻮ اﺧﺘﻼف ﺳﻌﺎدة و ﺷﻘﺎء و إﻧﻤﺎ اﺧﺘﻼف ﻣﻮاﻗﻒ‪ ..‬ﻓﻬﻨﺎك ﻧﻔﺲ‬
‫ﺗﻌﻠﻮ ﻋﻠﻰ ﺷﻘﺎﺋﻬﺎ و ﺗﺘﺠﺎوزﻩ و ﺗﺮى ﻓﻴﻪ اﻟﺤﻜﻤﺔ و اﻟﻌﺒﺮة و ﺗﻠﻚ ﻧﻔﻮس ﻣﺴﺘﻨﻴﺮة ﺗﺮى‬
‫اﻟﻌﺪل و اﻟﺠﻤﺎل ﻓﻲ آﻞ ﺷﻲء و ﺗﺤﺐ اﻟﺨﺎﻟﻖ ﻓﻲ آﻞ أﻓﻌﺎﻟﻪ‪ ..‬و هﻨﺎك ﻧﻔﻮس ﺗﻤﻀﻎ‬
‫ﺷﻘﺎءهﺎ و ﺗﺠﺘﺮﻩ و ﺗﺤﻮﻟﻪ إﻟﻰ ﺣﻘﺪ أﺳﻮد و ﺣﺴﺪ أآﺎل‪ ..‬و ﺗﻠﻚ هﻲ اﻟﻨﻔﻮس اﻟﻤﻈﻠﻤﺔ‬
‫اﻟﻜﺎﻓﺮة ﺑﺨﺎﻟﻘﻬﺎ اﻟﻤﺘﻤﺮدة ﻋﻠﻰ أﻓﻌﺎﻟﻪ‪.‬‬

‫و آﻞ ﻧﻔﺲ ﺗﻤﻬﺪ ﺑﻤﻮﻗﻔﻬﺎ ﻟﻤﺼﻴﺮهﺎ اﻟﻨﻬﺎﺋﻲ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻵﺧﺮ‪ ..‬ﺣﻴﺚ ﻳﻜﻮن اﻟﺸﻘﺎء اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ‪..‬‬
‫أو اﻟﺴﻌﺎدة اﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ‪ ..‬ﻓﺄهﻞ اﻟﺮﺿﺎ إﻟﻰ اﻟﻨﻌﻴﻢ و أهﻞ اﻟﺤﻘﺪ إﻟﻰ اﻟﺠﺤﻴﻢ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪14‬‬
 ‫أﻣﺎ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻓﻠﻴﺲ ﻓﻴﻬﺎ ﻧﻌﻴﻢ و ﻻ ﺟﺤﻴﻢ إﻻ ﺑﺤﻜﻢ اﻟﻈﺎهﺮ ﻓﻘﻂ ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺗﺘﺴﺎوى‬
‫اﻟﻜﺆوس اﻟﺘﻲ ﻳﺘﺠﺮﻋﻬﺎ اﻟﻜﻞ‪ ..‬و اﻟﻜﻞ ﻓﻲ ﺗﻌﺐ‪.‬‬

‫إﻧﻤﺎ اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻣﺘﺤﺎن ﻹﺑﺮاز اﻟﻤﻮاﻗﻒ‪ ..‬ﻓﻤﺎ اﺧﺘﻠﻔﺖ اﻟﻨﻔﻮس إﻻ ﺑﻤﻮاﻗﻔﻬﺎ و ﻣﺎ ﺗﻔﺎﺿﻠﺖ إﻻ‬
‫ﺑﻤﻮاﻗﻔﻬﺎ‪.‬‬

‫و ﻟﻴﺲ ﺑﺎﻟﺸﻘﺎء و اﻟﻨﻌﻴﻢ اﺧﺘﻠﻔﺖ و ﻻ ﺑﺎﻟﺤﻈﻮظ اﻟﻤﺘﻔﺎوﺗﺔ ﺗﻔﺎﺿﻠﺖ و ﻻ ﺑﻤﺎ ﻳﺒﺪو ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟﻮﺟﻮﻩ ﻣﻦ ﺿﺤﻚ و ﺑﻜﺎء ﺗﻨﻮﻋﺖ‪.‬‬

‫ﻓﺬﻟﻚ هﻮ اﻟﻤﺴﺮح اﻟﻈﺎهﺮ اﻟﺨﺎدع‪.‬‬

‫و ﺗﻠﻚ هﻲ ﻟﺒﺴﺔ اﻟﺪﻳﻜﻮر و اﻟﺜﻴﺎب اﻟﺘﻨﻜﺮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺮﺗﺪﻳﻬﺎ اﻷﺑﻄﺎل ﺣﻴﺚ ﻳﺒﺪو أﺣﺪﻧﺎ ﻣﻠﻜﺎو‬
‫اﻵﺧﺮ ﺻﻌﻠﻮآﺎ و ﺣﻴﺚ ﻳﺘﻔﺎوت أﻣﺎﻣﻨﺎ اﻟﻤﺘﺨﻢ و اﻟﻤﺤﺮوم‪.‬‬

‫أﻣﺎ وراء اﻟﻜﻮاﻟﻴﺲ‪.‬‬

‫أﻣﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺮح اﻟﻘﻠﻮب‪.‬‬
‫أﻣﺎ ﻓﻲ آﻮاﻣﻦ اﻷﺳﺮار و ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺮح اﻟﺤﻖ و اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ‪ ..‬ﻓﻼ ﻳﻮﺟﺪ ﻇﺎﻟﻢ و ﻻ ﻣﻈﻠﻮم و ﻻ‬
‫ﻣﺘﺨﻢ و ﻻ ﻣﺤﺮوم‪ ..‬و إﻧﻤﺎ ﻋﺪل ﻣﻄﻠﻘﻮ اﺳﺘﺤﻘﺎق ﻧﺰﻳﻪ ﻳﺠﺮي ﻋﻠﻰ ﺳﻨﻦ ﺛﺎﺑﺘﺔ ﻻ ﺗﺘﺨﻠﻒ‬
‫ﺣﻴﺚ ﻳﻤﺪ اﷲ ﻳﺪ اﻟﺴﻠﻮى اﻟﺨﻔﻴﺔ ﻳﺤﻨﻮ ﺑﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺤﺮوم و ﻳﻨﻴﺮ ﺑﻬﺎ ﺿﻤﺎﺋﺮ اﻟﻌﻤﻴﺎن و‬
‫ﻳﻼﻃﻒ أهﻞ اﻟﻤﺴﻜﻨﺔ و ﻳﺆﻧﺲ اﻷﻳﺘﺎم و اﻟﻤﺘﻮﺣﺪﻳﻦ ﻓﻲ اﻟﺨﻠﻮات و ﻳﻌﻮض اﻟﺼﺎﺑﺮﻳﻦ‬
‫ﺣﻼوة ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ‪ ..‬ﺛﻢ ﻳﻤﻴﻞ ﺑﻴﺪ اﻟﻘﺒﺾ و اﻟﺨﻔﺾ ﻓﻴﻄﻤﺲ ﻋﻠﻰ ﺑﺼﺎﺋﺮ اﻟﻤﺘﺮﻓﻴﻦ و ﻳﻮهﻦ‬
‫ﻗﻠﻮب اﻟﻤﺘﺨﻤﻴﻦ و ﻳﺆرق ﻋﻴﻮن اﻟﻈﺎﻟﻤﻴﻦ و ﻳﺮهﻞ أﺑﺪان اﻟﻤﺴﺮﻓﻴﻦ‪ ..‬و ﺗﻠﻚ هﻲ اﻟﺮﻳﺎح‬
‫اﻟﺨﻔﻴﺔ اﻟﻤﻨﺬرة اﻟﺘﻲ ﺗﻬﺐ ﻣﻦ اﻟﺠﺤﻴﻢ و اﻟﻨﺴﻤﺎت اﻟﻤﺒﺸﺮة اﻟﺘﻲ ﺗﺄﺗﻲ ﻣﻦ اﻟﺠﻨﺔ‪ ..‬و‬
‫اﻟﻤﻘﺪﻣﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺒﻖ اﻟﻴﻮم اﻟﻤﻮﻋﻮد‪ ..‬ﻳﻮم ﺗﻨﻜﺸﻒ اﻷﺳﺘﺎر و ﺗﻬﺘﻚ اﻟﺤﺠﺐ و ﺗﻔﺘﺮق‬
‫اﻟﻤﺼﺎﺋﺮ إﻟﻰ ﺷﻘﺎء ﺣﻖ و إﻟﻰ ﻧﻌﻴﻢ ﺣﻖ‪ ..‬ﻳﻮم ﻻ ﺗﻨﻔﻊ ﻣﻌﺬرة‪ ..‬و ﻻ ﺗﺠﺪي ﺗﺬآﺮة‪.‬‬

‫و أهﻞ اﻟﺤﻜﻤﺔ ﻓﻲ راﺣﺔ ﻷﻧﻬﻢ أدرآﻮا هﺬا ﺑﻌﻘﻮﻟﻬﻢ و أهﻞ اﷲ ﻓﻲ راﺣﺔ ﻷﻧﻬﻢ أﺳﻠﻤﻮا إﻟﻰ‬
‫اﷲ ﻓﻲ ﺛﻘﺔ و ﻗﺒﻠﻮا ﻣﺎ ﻳﺠﺮﻳﻪ ﻋﻠﻴﻬﻢ و رأوا ﻓﻲ أﻓﻌﺎﻟﻪ ﻋﺪﻻ ﻣﻄﻠﻘﺎ دون أن ﻳﺘﻌﺒﻮا ﻋﻘﻮﻟﻬﻢ‬
‫ﻓﺄراﺣﻮ ﻋﻘﻮﻟﻬﻢ أﻳﻀﺎ‪ ،‬ﻓﺠﻤﻌﻮا ﻷﻧﻔﺴﻬﻢ ﺑﻴﻦ اﻟﺮاﺣﺘﻴﻦ راﺣﺔ اﻟﻘﻠﺐ و راﺣﺔ اﻟﻌﻘﻞ ﻓﺄﺛﻤﺮت‬
‫اﻟﺮاﺣﺘﺎن راﺣﺔ ﺛﺎﻟﺜﺔ هﻲ راﺣﺔ اﻟﺒﺪن‪ ..‬ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺷﻘﻰ أﺻﺤﺎب اﻟﻌﻘﻮل ﺑﻤﺠﺎدﻻﺗﻬﻢ‪.‬‬

‫أﻣﺎ أهﻞ اﻟﻐﻔﻠﺔ و هﻢ اﻷﻏﻠﺒﻴﺔ اﻟﻐﺎﻟﺒﺔ ﻓﻤﺎزاﻟﻮا ﻳﻘﺘﻞ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﻌﻀﺎ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﻠﻘﻤﺔ و اﻟﻤﺮأة‬
‫و اﻟﺪرهﻢ و ﻓﺪان اﻷرض‪ ،‬ﺛﻢ ﻻ ﻳﺠﻤﻌﻮن ﺷﻴﺌﺎ إﻻ ﻣﺰﻳﺪا ﻣﻦ اﻟﻬﻤﻮم و أﺣﻤﺎﻻ ﻣﻦ اﻟﺨﻄﺎﻳﺎ‬
‫و ﻇﻤًﺄ ﻻ ﻳﺮﺗﻮي و ﺟﻮﻋﺎ ﻻ ﻳﺸﺒﻊ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪15‬‬
 ‫ﻓﺎﻧﻈﺮ ﻣﻦ أي ﻃﺎﺋﻔﺔ ﻣﻦ هﺆﻻء أﻧﺖ‪ ..‬و اﻏﻠﻖ ﻋﻠﻴﻚ ﺑﺎﺑﻚ و اﺑﻚ ﻋﻠﻰ ﺧﻄﻴﺌﺘﻚ‪.‬‬

‫ﻋﻦ اﻻﻧﺘﺤﺎر‬

‫ﻣﻦ اﻟﻌﺠﻴﺐ أن اﻟﺘﻘﺪم اﻟﺬي ﺟﺎء ﺑﻤﺰﻳﺪ ﻣﻦ وﺳﺎﺋﻞ اﻟﺘﺮف و اﻟﺮاﺣﺔ و ﺑﻤﺰﻳﺪ ﻣﻦ‬
‫اﻟﺘﺴﻬﻴﻼت ﻟﻺﻧﺴﺎن‪ ..‬ﻗﺪ ﻗﺎﺑﻠﻪ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﻤﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺮﻓﺾ و اﻟﺴﺨﻂ و اﻟﺘﺒﺮم‪ ،‬ﻓﺮأﻳﻨﺎ‬
‫إﺣﺼﺎﺋﻴﺎت اﻻﻧﺘﺤﺎر ﺗﺮﺗﻔﻊ ﻣﻊ ﻣﺆﺷﺮات اﻟﺘﻘﺪم ﻓﻲ آﻞ ﺑﻠﺪ‪ ..‬آﻠﻤﺎ ازداد اﻟﺒﻠﺪ ﻣﺪﻧﻴ ًﺔ ازداد‬
‫ﻋﺪد اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻄﻠﻘﻮن ﻋﻠﻰ أﻧﻔﺴﻬﻢ اﻟﺮﺻﺎص و ﻳﻠﻘﻮن ﺑﺄﻧﻔﺴﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﻨﻮاﻓﺬ و ﻳﺒﺘﻠﻌﻮن اﻟﺴﻢ و‬
‫ﻳﺸﺮﺑﻮن ﻣﺎء اﻟﻨﺎر‪ ..‬هﺬا ﻏﻴﺮ اﻻﻧﺘﺤﺎر اﻟﻤﺴﺘﺘﺮ ﺑﺎﻟﺨﻤﻮر و اﻟﻤﺨﺪرات و اﻟﺘﺪﺧﻴﻦ و‬
‫اﻟﻤﻨﻮﻣﺎت و اﻟﻤﺴﻜﻨﺎت و اﻟﻤﻨﺒﻬﺎت‪ ..‬و ﻓﻲ ﻣﻘﺪﻣﺔ هﺆﻻء اﻟﻤﻨﺘﺤﺮﻳﻦ ﻃﻼﺋﻊ ﻓﻦ و ﻓﻜﺮ‬
‫وﺛﻘﺎﻓﺔ ﺗﻌﻮد اﻟﻨﺎس أن ﻳﺄﺧﺬوا ﻋﻨﻬﻢ اﻟﺤﻜﻤﺔ و اﻟﻌﻠﻢ و اﻟﺘﻮﺟﻴﻪ‪.‬‬

‫و وﺻﻠﺖ اﻟﻤﻮﺟﺔ إﻟﻰ ﺑﻼدﻧﺎ ﻓﺎﻣﺘﻸت أﻋﻤﺪة اﻟﺼﺤﻒ ﺑﺄﺧﺒﺎر اﺑﺘﻼع اﻟﺴﻢ و إﻃﻼق‬
‫اﻟﺮﺻﺎص و اﻟﺸﻨﻖ و اﻟﺤﺮق‪ ..‬و ﻗﺎل اﻟﻤﺨﺘﺼﻮن إن ﻧﺴﺒﺔ اﻟﺰﻳﺎدة اﻹﺣﺼﺎﺋﻴﺔ ﺗﺠﺎوزت‬
‫اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﻓﻲ اﻟﻤﺎﺋﺔ‪ ..‬و هﻮ رﻗﻢ آﺒﻴﺮ‪.‬‬

‫و اﻻزدﻳﺎد ﻣﺘﻮاﺻﻞ ﺳﻨﺔ ﺑﻌﺪ ﺳﻨﺔ‪.‬‬

‫و اﻟﺴﺆال‪ ..‬ﻟﻤﺎذا‪ ..‬و ﻣﺎ اﻟﺴﺮ؟‬

‫و ﻣﺎ ﺳﺒﺐ اﻻﻧﺘﺤﺎر؟‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪16‬‬
 ‫و إذا ﺗﺮآﻨﺎ اﻟﺘﻔﺎﺻﻴﻞ ﺟﺎﻧﺒًﺎ و ﺣﺎوﻟﻨﺎ ﺗﺄﺻﻴﻞ اﻟﻤﺸﻜﻠﺔ وﺟﺪﻧﺎ ﺟﻤﻴﻊ أﺳﺒﺎب اﻻﻧﺘﺤﺎر ﺗﻨﺘﻬﻲ‬
‫إﻟﻰ ﺳﺒﺐ واﺣﺪ‪ ..‬أﻧﻨﺎ أﻣﺎم إﻧﺴﺎن ﺧﺎﺑﺖ ﺗﻮﻗﻌﺎﺗﻪ و ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻳﺠﺪ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ اﻟﻌﺰم أو اﻟﻬﻤﺔ أو‬
‫اﻻﺳﺘﻌﺪاد ﻟﻠﻤﺼﺎﻟﺤﺔ ﻣﻊ اﻟﻮاﻗﻊ اﻟﺠﺪﻳﺪ أو اﻟﺼﺒﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻮاﻗﻊ اﻟﻘﺪﻳﻢ‪.‬‬

‫إﻧﻬﺎ ﻟﺤﻈﺔ ﻧﻔﺎد ﻃﺎﻗﺔ و ﻧﻔﺎد ﺻﺒﺮ و ﻧﻔﺎد ﺣﻴﻠﺔ و ﻧﻔﺎد ﻋﺰم‪.‬‬

‫ﻟﺤﻈﺔ إﻟﻘﺎء ﺳﻼح‪ ..‬ﻳﺄس‪ ..‬ﻣﺎ ﻳﻠﺒﺚ أن ﻳﻨﻘﻠﺐ إﻟﻰ اﺗﻬﺎم و إداﻧﺔ ﻟﻶﺧﺮﻳﻦ و ﻟﻠﺪﻧﻴﺎ ﺛﻢ ﻋﺪاوة‬
‫ﻟﻠﻨﻔﺲ و ﻟﻶﺧﺮﻳﻦ و ﻟﻠﺪﻧﻴﺎ ﺗﻈﻞ ﺗﺘﺼﺎﻋﺪ و ﺗﺘﻔﺎﻗﻢ ﺣﺘﻰ ﺗﺘﺤﻮل إﻟﻰ ﺣﺮب ﻣﻦ ﻧﻮع ﻣﺨﺘﻠﻒ‬
‫ﻳﻌﻠﻨﻬﺎ اﻟﻮاﺣﺪ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ و ﻳﺸﻨﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺑﺎﻃﻨﻪ‪ ،‬و ﻓﻲ ﻟﺤﻈﺔ ذروة ﺗﻠﺘﻘﻂ ﻳﺪﻩ اﻟﺴﻼح ﻟﺘﻘﺘﻠﻊ‬
‫اﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﻣﻦ ﺟﺬورهﺎ‪ ..‬و ﻟﺘﻘﺘﻠﻊ ﻣﻌﻬﺎ اﻻﺣﺴﺎس اﻟﻤﺮﻳﺮ و ذﻟﻚ ﺑﻄﻤﺲ اﻟﻌﻴﻦ اﻟﺘﻲ ﺗﺒﺼﺮ و‬
‫ﻗﻄﻊ اﻟﻠﺴﺎن اﻟﺬي ﻳﺬوق و ﺗﺤﻄﻴﻢ اﻟﺪﻣﺎغ اﻟﺬي ﻳﻔﻜﺮ و ﺗﺪﻣﻴﺮ اﻟﻴﺪ اﻟﺘﻲ ﺗﻔﻌﻞ و اﻟﻘﺪم اﻟﺬي‬
‫ﻳﻤﺸﻲ‪.‬‬

‫و هﻮ ﻧﻮع ﻣﻦ اﻻﻧﻔﺮاد ﺑﺎﻟﺮأي و اﻻﻧﻔﺮاد ﺑﺎﻟﺤﻞ و ﻣﺼﺎدرة ﺟﻤﻴﻊ اﻵراء اﻷﺧﺮى ﺑﻞ‬
‫إﻧﻜﺎر أﺣﻘﻴﺔ آﻞ وﺟﻮد ﺁﺧﺮ ﻏﻴﺮ اﻟﺬات‪.‬‬

‫و ﻟﻬﺬا آﺎﻧﺖ ﻟﺤﻈﺔ اﻻﻧﺘﺤﺎر ﺗﺘﻀﻤﻦ ﺑﺎﻟﻀﺮورة اﻟﻜﻔﺮ ﺑﺎﷲ و إﻧﻜﺎرﻩ و إﻧﻜﺎر ﻓﻀﻠﻪ و‬
‫اﻟﻴﺄس ﻣﻦ رﺣﻤﺘﻪ و اﺗﻬﺎﻣﻪ ﻓﻲ ﺻﻨﻌﺘﻪ و ﻓﻲ ﻋﺪﻟﻪ و رﻓﺾ أﻳﺎدﻳﻪ و رﻓﺾ أﺣﻜﺎﻣﻪ و‬
‫رﻓﺾ ﺗﺪﺧﻠﻪ‪.‬‬

‫ﻓﻬﻲ ﻟﺤﻈﺔ آﺒﺮ و ﻋﻠﻮ و ﻏﻄﺮﺳﺔ و اﺳﺘﺒﺪاد‪.‬‬

‫و ﻟﻴﺴﺖ ﻟﺤﻈﺔ ﺿﻌﻒ و ﺑﺆس و اﻧﻜﺴﺎر‪.‬‬

‫و ﺑﺪون هﺬا اﻟﻌﻠﻮ و اﻟﻜﺒﺮ و اﻟﻐﻄﺮﺳﺔ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﺤﺪث اﻻﻧﺘﺤﺎر أﺑﺪا‪.‬‬

‫ﻓﺎﻹﻧﺴﺎن ﻻ ﻳﻨﺘﺤﺮ إﻻ ﻓﻲ ﻟﺤﻈﺔ دآﺘﺎﺗﻮرﻳﺔ ﻣﻄﻠﻘﺔ و ﺗﻌﺼﺐ أﻋﻤﻰ ﻻ ﻳﺮى ﻓﻴﻪ إﻻ ﻧﻔﺴﻪ‪.‬‬

‫و اﻻﻧﺘﺤﺎر ﻓﻲ ﺻﻤﻴﻤﻪ اﻋﺘﺰاز ﺑﺎﻟﻨﻔﺲ و ﺗﺄﻟﻪ و ﻣﻨﺎزﻋﺔ اﷲ ﻓﻲ رﺑﻮﺑﻴﺘﻪ‪.‬‬

‫و اﻟﻤﻨﺘﺤﺮ ﻳﺨﺘﺎر ﻧﻔﺴﻪ و ﻳﺼﺎدر آﻞ أﻧﻮاع اﻟﻮﺟﻮد اﻵﺧﺮ ﻓﻲ ﻟﺤﻈﺔ ﻏﻞ ﻣﻄﻠﻖ‪ ..‬ﻓﻲ‬
‫ﻟﺤﻈﺔ ﺟﺤﻴﻢ‪..‬‬

‫و ﻟﻬﺬا ﻳﻘﻮل اﷲ أن ﻣﻦ ﻗﺘﻞ ﻧﻔﺴﻪ ﻳﻬﻮي إﻟﻰ ﺟﺤﻴﻢ أﺑﺪي‪ ،‬ﻷﻧﻪ ﻗﺪ اﺧﺘﺎر اﻟﻐﻞ و اﻧﺘﺼﺮ‬
‫ﻟﻠﻐﻞ و أﺧﺬ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﻐﻞ ﻋﻨﺪ اﻻﺧﺘﻴﺎر اﻟﻨﻬﺎﺋﻲ ﻟﻠﻤﺼﻴﺮ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪17‬‬
 ‫و اﻻﻧﻔﺮاد اﻟﻤﻄﻠﻖ ﻓﻲ اﻟﺮأي ﻋﺼﺒﻴﺔ و ﻏﻞ و ﻧﺎرﻳﺔ إﺑﻠﻴﺴﻴﺔ‪ ..‬و اﻟﻨﻔﺲ اﻟﻤﺘﻜﺒﺮة اﻷﻣﺎرة‬
‫ﺑﺎﻟﺴﻮء هﻲ ﻧﺎر ﻣﺤﻀﺔ و ﻇﻠﻤﺔ‪..‬‬

‫و آﻞ ﻣﻨﺎ ﻓﻲ داﺧﻠﻪ ﻋﺪة اﺣﺘﻤﺎﻻت ﻟﻨﻔﻮس ﻣﺘﻌﺪدة‪ ..‬ﻓﻲ داﺧﻞ آﻞ ﻣﻨﺎ ﻧﻔﺲ أﻣﺎرة ﻇﻠﻤﺎﻧﻴﺔ‬
‫ﺗﻮﺳﻮس ﻟﻪ ﺑﺎﻟﺸﺮ و اﻟﺸﻬﻮات‪ ..‬و ﻧﻔﺲ ﻟﻮاﻣﺔ ﻧﻮراﻧﻴﺔ ﺗﺤﻀﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺨﻴﺮ ﺛﻢ آﻞ اﻟﻤﺮاﺗﺐ‬
‫ﻼ ﻓﻮق و ﺗﺤﺖ هﺎﺗﻴﻦ اﻟﻤﻨﺰﻟﺘﻴﻦ‪.‬‬
‫اﻟﻨﻔﺴﻴﺔ ﻋﻠﻮًا و ﺳﻔ ً‬

‫و آﻞ ﻧﻔﺲ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﺗﺬﺑﺬب ﻣﺴﺘﻤﺮ ﺑﻴﻦ هﺬﻩ اﻟﻤﺮاﺗﺐ ﺻﺎﻋﺪة هﺎﺑﻄﺔ ﻓﻬﻲ ﺣﻴﻨًﺎ ﺗﺮﺗﻔﻊ إﻟﻰ‬
‫ﺁﻓﺎق ﻣﻠﻬﻤﺔ و ﺣﻴﻨًﺎ ﺗﻬﺒﻂ إﻟﻰ ﻣﻬﺎو ﻣﻈﻠﻤﺔ ﺷﻬﻮاﻧﻴﺔ‪.‬‬

‫ﺛﻢ ﻓﻲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﺗﺴﺘﻘﺮ‪ ..‬ﻓﺈذا اﺳﺘﻘﺮت ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻓﺾ و اﻟﻜﺒﺮ و اﻟﻐﻄﺮﺳﺔ و اﻟﻐﻞ ﺛﻢ اﻗﺘﻠﻌﺖ‬
‫أﺳﻨﺎﻧﻬﺎ و ﻟﺴﺎﻧﻬﺎ و ﺳﻤﻌﻬﺎ و ﺑﺼﺮهﺎ و ﻗﻄﻌﺖ رﻗﺒﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﻏﻞ ﻧﻬﺎﺋﻲ ﻻ ﻣﺮاﺟﻌﺔ ﻓﻴﻪ‪ ..‬هﻲ‬
‫ﻗﺪ اﺧﺘﺎرت اﻟﺠﺤﻴﻢ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ‪ ..‬ﺑﻞ إﻧﻬﺎ ﻓﻲ ذاﺗﻬﺎ ﻗﺒﻀﺔ ﻧﺎر ﻻ ﻣﻜﺎن ﻟﻬﺎ إﻻ ﻓﻲ اﻟﺠﺤﻴﻢ‪.‬‬

‫)ﻧﺎرًا وﻗﻮدهﺎ اﻟﻨﺎس و اﻟﺤﺠﺎرة(‬

‫ﻳﻘﻮل رﺑﻨﺎ إن هﺬﻩ اﻟﻨﻔﻮس هﻲ وﻗﻮد اﻟﻨﺎر و ﺟﻤﺮاﺗﻬﺎ و ﻣﺼﺪر اﻟﻄﺎﻗﺔ اﻟﻨﺎرﻳﺔ ﻓﻴﻬﺎ‪ ،‬و‬
‫ﻣﻌﻨﻰ هﺬا أﻧﻬﺎ أﺷﺪ ﻧﺎرﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺎر‪.‬‬

‫و اﻟﻤﻨﺘﺤﺮ ﻳﺘﺼﻮر أﻧﻪ ﺳﻮف ﻳﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻪ‪ ،‬و ﻟﻜﻦ ﻻ ﺧﻼص و ﻻ ﻣﻬﺮب ﻹﻧﺴﺎن ﻣﻦ‬
‫ذاﺗﻪ‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﻟﻦ ﻳﺨﺮج ﺑﺎﻻﻧﺘﺤﺎر إﻟﻰ راﺣﺔ‪ ،‬ﺑﻞ هﻮ ﺧﺎرج ﻣﻦ اﻟﻨﺎر اﻟﺼﻐﺮى إﻟﻰ اﻟﻨﺎر‬
‫اﻟﻜﺒﺮى و ﻣﻦ اﻟﻨﺎر اﻟﺰﻣﻨﻴﺔ إﻟﻰ اﻟﻨﺎر اﻷﺑﺪﻳﺔ‪.‬‬

‫ﻼ‪.‬‬
‫و ﻟﻨﺘﺠﻨﺐ هﺬا اﻟﻤﺼﻴﺮ ﻓﺈﻧﻨﺎ ﻻﺑﺪ أن ﻧﺘﺠﻨﺐ اﻟﻤﺸﻜﻠﺔ أﺻ ً‬

‫ﻼ هﻲ اﻟﺘﻌﻠﻖ‪ ..‬و ﻣﻦ ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﺗﻌﻠﻖ ﺑﺸﻲء ﻻ ﻳﻨﺘﺤﺮ ﻟﺸﻲء‪.‬‬

‫و اﻟﻤﺸﻜﻠﺔ أﺻ ً‬

‫و ﻻ ﻳﺠﻮز ﻋﻨﺪ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﺗﻌﻠﻖ إﻻ ﺑﺎﷲ ﻓﻬﻮ وﺣﺪﻩ ﺟﺎﻣﻊ اﻟﻜﻤﺎﻻت‪ ،‬اﻟﺪاﺋﻢ اﻟﺒﺎﻗﻲ اﻟﺬي ﻻ‬
‫ﻳﺘﻐﻴﺮ و ﻻ ﺗﺨﻴﺐ ﻋﻨﺪﻩ اﻟﺘﻮﻗﻌﺎت و ﻻ ﺗﻀﻴﻊ اﻵﻣﺎل‪.‬‬

‫و اﷲ هﻮ اﻟﻤﺤﺒﻮب وﺣﺪﻩ ﻋﻠﻰ وﺟﻪ اﻷﺻﺎﻟﺔ و ﻣﺎ ﻧﺤﺐ ﻓﻲ اﻵﺧﺮﻳﻦ إﻻ ﺗﺠﻠﻴﺎﺗﻪ و أﻧﻮارﻩ‪،‬‬

‫ﻓﺠﻤﺎل اﻟﻮﺟﻮﻩ ﻣﻦ ﻧﻮرﻩ و ﺣﻨﺎن اﻟﻘﻠﻮب ﻣﻦ ﺣﻨﺎﻧﻪ ﻓﻨﺤﻦ ﻻ ﻧﻤﻠﻚ ﻣﻦ أﻧﻔﺴﻨﺎ ﺷﻴﺌًﺎ إﻻ ﺑﻘﺪر‬
‫ﻣﺎ ﻳﺨﻠﻊ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺳﻴﺪﻧﺎ و ﻣﻮﻻﻧﺎ ﻣﻦ أﻧﻮارﻩ و أﺳﻤﺎﺋﻪ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪18‬‬
 ‫ﻓﻨﺤﻦ ﻻ ﻧﺤﺐ ﻓﻲ ﺑﻌﻀﻨﺎ إﻻ هﻮ‪.‬‬

‫و هﻮ ﺣﺎﺿﺮ ﻻ ﻳﻐﻴﺐ و ﻻ ﻳﻬﺠﺮ و ﻻ ﻳﻐﺪر و ﻻ ﻳﻐﻠﻖ ﺑﺎﺑﻪ ﻓﻲ وﺟﻪ ﻻﺟﻰء و ﻻ ﻳﻄﺮد‬

‫ﻣﻦ رﺣﺎﺑﻪ ﻣﻠﻬﻮف‪.‬‬

‫ﻓﺎﻟﻮاﻗﻔﻮن ﻋﻨﺪﻩ ﻣﻄﻤﺌﻨﻮن راﺿﻮن ﻧﺎﻋﻤﻮن ﻻ ﻳﺨﻄﺮ ﻟﻬﻢ اﻻﻧﺘﺤﺎر ﻋﻠﻰ ﺑﺎل ﺳﻌﺪاء ﻓﻲ‬
‫ﺟﻤﻴﻊ اﻷﺣﻮال‪.‬‬

‫إﻧﻤﺎ ﻳﻨﺘﺤﺮ اﻟﺬي ﺗﻌﻠﻖ ﺑﻐﻴﺮﻩ‪.‬‬

‫اﻟﺬي ﺗﻌﻠﻖ ﺑﻠﻴﻼﻩ و ﻣﻌﺸﻮﻗﺘﻪ و ﻇﻦ أن ﺟﻤﺎﻟﻬﺎ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﺘﻌﻠﻖ ﺑﻬﺎ ﻟﺬاﺗﻬﺎ ﺗﻌﻠﻖ ﻋﺒﺎدة‪ ،‬و أﺻﺒﺢ‬
‫ﻳﺘﻮﻗﻊ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﺘﻮﻗﻊ ﻋﺒﺪ ﻣﻦ ﻣﻌﺒﻮد و رﺑﻂ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﻬﺎ رﺑﺎط ﻣﺼﻴﺮ‪ .‬و ﻧﺴﻰ أﻧﻬﺎ ﻧﺎﻗﺼﺔ‬
‫آﺴﺎﺋﺮ اﻟﺨﻠﻖ و ﻣﺤﻞ ﻟﻠﺘﻐﻴﺮ و اﻟﺘﺒﺪل ﺗﺘﺪاول ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻷﺣﻮال و اﻟﺘﻘﻠﺒﺎت ﻓﺘﻜﺮﻩ اﻟﻴﻮم ﻣﺎ‬
‫أﺣﺒﺘﻪ ﺑﺎﻷﻣﺲ و ﺗﺰهﺪ ﻏﺪًا ﻓﻴﻤﺎ ﻋﺸﻘﺘﻪ اﻟﻴﻮم‪.‬‬

‫و ﻧﺴﻰ أن ﺟﻤﺎﻟﻬﺎ ﻣﺴﺘﻌﺎر ﻣﻦ ﺧﺎﻟﻘﻬﺎ و أﻧﻬﺎ إﻋﺎرة ﻷﺟﻞ و ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﻨﺘﻬﻲ اﻷﺟﻞ ﺳﺘﻌﻮد‬
‫أﻗﺒﺢ ﻣﻦ اﻟﻘﺒﺢ‪.‬‬

‫ﻣﺜﻞ هﺬا اﻟﺮﺟﻞ اﻟﻤﺤﺠﻮب اﻟﻐﺎﻓﻞ إذا أﻓﺎق ﻋﻠﻰ اﻟﺼﺤﻮة اﻟﻤﺮﻳﺮة و ﻓﺎﺟﺄﻩ اﻟﻐﺪر و‬
‫اﻟﺘﺤﻮل‪ ،‬ﻳﺸﻌﺮ ﺷﻌﻮر ﻣﻦ ﻓﻘﺪ آﻞ رﺻﻴﺪﻩ و أﻓﻠﺲ إﻓﻼس اﻟﻤﻮت و ﻟﻢ ﻳﺒﻖ ﻟﻪ إﻻ اﻻﻧﺘﺤﺎر‪.‬‬

‫و ﻟﻮ أﻧﻪ رأى ﺟﻤﺎﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺧﺎﻟﻘﻬﺎ ﻷﺣﺐ ﻓﻴﻬﺎ إﺑﺪاع ﺻﻨﻌﺔ اﻟﺼﺎﻧﻊ و ﻟﻜﺎن ﻣﻦ أهﻞ اﻟﺘﺴﺒﻴﺢ‬
‫اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻘﻮﻟﻮن ﻋﻨﺪ رؤﻳﺔ آﻞ زهﺮة‪ ..‬اﷲ‪ ..‬ﻓﺈذا رأوهﺎ ﻓﻲ ﺁﺧﺮ اﻟﻨﻬﺎر ذاﺑﻠﺔ‪ ..‬ﻗﺎﻟﻮا ﺣﻘًﺎ ﻻ إﻟﻪ‬
‫إﻻ اﷲ‪ ..‬ﻓﺤﺒﻬﻢ ﷲ و ﻓﻲ اﷲ و رواﺑﻄﻬﻢ رواﺑﻂ ﻣﻮدة و ﻣﻌﺮوف ﻻ ﻣﻘﺼﺪ ﻟﻬﺎ و ﻻ ﻏﺮض‬
‫و ﻻ ﺗﻮﻗﻊ‪ ..‬ﻓﺎﻟﻐﺪر ﻻ ﻳﻔﺎﺟﺌﻬﻢ و اﻟﻬﺠﺮ ﻻ ﻳﺼﺪﻣﻬﻢ و ﺷﺄﻧﻬﻢ آﻤﺎ ﻳﻘﻮل اﻟﻤﺜﻞ اﻟﻌﺎﻣﻲ‪..‬‬
‫اﻋﻤﻞ اﻟﺨﻴﺮ و ارﻣﻪ اﻟﺒﺤﺮ‪ ..‬ﻳﺒﺴﻄﻮن أﻳﺪﻳﻬﻢ ﺑﺎﻟﻤﻌﻮﻧﺔ دون ﺣﺴﺎب ﻷي ﻋﺎﺋﺪ و دون ﺗﻮﻗﻊ‬
‫ﻟﺜﻤﺮة‪.‬‬

‫هﺆﻻء هﻢ أهﻞ اﻟﺴﻼﻣﺔ داﺋﻤًﺎ‪.‬‬

‫و هﻢ أهﻞ اﻟﻄﻤﺄﻧﻴﻨﺔ و اﻟﺴﻜﻴﻨﺔ ﻻ ﺗﺰﻟﺰﻟﻬﻢ اﻟﺰﻻزل و ﻻ ﺗﺤﺮآﻬﻢ اﻟﻨﻮازل‪.‬‬

‫هﻢ أهﻞ اﻟﻄﻤﺄﻧﻴﻨﺔ اﻟﻴﻮم‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪19‬‬
‫و هﻢ أهﻞ اﻟﻄﻤﺄﻧﻴﻨﺔ ﻳﻮم اﻟﻔﺰع اﻷآﺒﺮ‪ ..‬ﻳﻮم ﻻ ﺗﻤﻠﻚ ﻧﻔﺲ ﻟﻨﻔﺲ ﺷﻴﺌﺎ‪ ،‬و ﻳﻮم ﻻ ﻳﻨﻔﻊ ﻣﺎل و‬
‫ﻻ ﺑﻨﻮن‪.‬‬

‫و هﺆﻻء ﻻ ﻳﺘﻌﻠﻘﻮن إﻻ ﺑﺎﷲ‪.‬‬

‫و ﻻ ﻳﺆﻣﻠﻮن إﻻ ﻓﻲ اﷲ‪.‬‬

‫و ﻻ ﻳﺘﻮﻗﻌﻮن إﻻ ﻣﻦ اﷲ‪.‬‬

‫إن اﻟﻤﺸﻜﻠﺔ هﻲ ﺑﺎﻟﺪرﺟﺔ اﻷوﻟﻰ ﻣﺸﻜﻠﺔ إﻳﻤﺎن‪ ..‬ﻓﻜﻠﻤﺎ وﺿﻌﺖ اﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﻓﻲ ﻳﺪ اﻹﻧﺴﺎن‬
‫ﻗﻮة و ﺛﺮوة و اﺳﺘﻐﻨﺎء ازداد ﺑﻌﺪًا و ﻏﺮورًا و آﺒﺮًا و ﺗﻤﺮداً‪ ،‬و ازداد ﺗﻌﻠﻘًﺎ و ارﺗﺒﺎﻃًﺎ‬
‫ﺑﺎﻷﺻﻨﺎم اﻟﻤﺎدﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺧﻠﻘﻬﺎ‪ ،‬و ازداد ﺧﻀﻮﻋًﺎ ﻟﻠﻤﻠﺬات اﻟﺘﻲ ﻳﺴﺮهﺎ ﻟﻨﻔﺴﻪ‪ ..‬و ﺗﺼﻮر أن‬
‫ﻗﻮﺗﻪ ﺳﻮف ﺗﻌﺼﻤﻪ و ﻋﻠﻤﻪ ﺳﻮف ﻳﺤﻤﻴﻪ ﻓﺄﻣﻌﻦ ﻓﻲ ﻏﺮورﻩ‪.‬‬

‫و هﻞ ﻋﺼﻢ اﻟﺠﺒﻞ اﺑﻦ ﻧﻮح ﻣﻦ اﻟﻄﻮﻓﺎن ؟!‬

‫ﺑﻞ آﺎن ﻣﻦ اﻟﻤﻐﺮﻗﻴﻦ‪.‬‬

‫) ﻓﻼ ﻋﺎﺻﻢ اﻟﻴﻮم ﻣﻦ أﻣﺮ اﷲ إﻻ ﻣﻦ رﺣﻢ (‪.‬‬

‫ﺿﻊ ﻳﺪك ﻓﻲ ﻳﺪ اﷲ و ﻻ ﺗﺒﺮح و ﺣﺴﺒﻚ ﻣﻦ ﻋﻼﻗﺘﻚ ﺑﺎﻟﻨﺎس أن ﺗﺒﺬل ﻟﻬﻢ ﻣﻮدﺗﻚ و رﺣﻤﺘﻚ‬
‫ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮ ﺗﻮﻗﻊ ﻟﺸﻲء‪ ..‬ﻓﺬﻟﻚ هﻮ ﻗﺎرب اﻟﻨﺠﺎة ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻴﻮم‪ ..‬ﻋﺎﻟﻢ اﻻﻧﺘﺤﺎر و‬
‫اﻟﻤﻨﺘﺤﺮﻳﻦ‪.‬‬

‫ﻣﺴﺮح اﻟﻌﺮاﺋﺲ‬

‫أﺷﻌﺮ ﺑﺎﻟﻨﺪم ﻳﺎ إﻟﻬﻲ ﺣﺘﻰ ﻧﺨﺎع اﻟﻌﻈﻢ ﻣﻦ أﻧﻲ ذآﺮت ﺳﻮاك ﺑﺎﻷﻣﺲ و هﺘﻔﺖ ﺑﻐﻴﺮ اﺳﻤﻚ‬
‫و ﻃﺎﻓﺖ ﺑﺨﺎﻃﺮي آﻠﻤﺎت ﻏﻴﺮ آﻠﻤﺎﺗﻚ‪.‬‬

‫ﺳﻤﺤﺖ ﻟﻨﻔﺴﻲ أن أآﻮن ﻣﺮﺁة ﻟﻠﺴﺮاب و ﻣﺴﺘﻌﻤﺮة ﻟﻸﺷﺒﺎح‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪20‬‬
 ‫ﺟﻬﻠﺖ ﻣﻘﺎﻣﻲ و ﻧﺰﻟﺖ ﻋﻦ رﺗﺒﺘﻲ و ﺗﺮﺟﻠﺖ ﻋﻦ ﻓﺮﺳﻲ اﻷﺻﻴﻠﺔ ﻷرآﺐ ﺗﻮاﻓﻪ اﻷﻣﻮر و‬
‫ﻷﻣﺸﻲ ﻣﻊ اﻟﺴﻮﻗﺔ و أزﺣﻒ ﻋﻠﻰ ﺑﻄﻨﻲ ﻣﻊ دود اﻷرض‪.‬‬

‫ﺧﺪﻋﻨﻲ ﺷﻴﻄﺎﻧﻲ و اﺳﺘﺪرﺟﻨﻲ إﻟﻰ ﻣﺴﺮح اﻟﻌﺮاﺋﺲ اﻟﺬي ﻳﺪﻳﺮﻩ و إﻟﻰ ﺗﻤﺎﺛﻴﻞ اﻟﻄﻴﻦ و‬
‫اﻟﺰﺟﺎج و اﻟﺤﻠﻲ اﻟﻤﺰﻳﻔﺔ‪.‬‬

‫اﺳﺘﺪرﺟﻨﻲ إﻟﻰ ﺑﻴﻮت اﻟﻘﻤﺎش و ﻗﺼﻮر اﻟﻮرق و ﻗﺪﻣﻨﻲ إﻟﻰ ﻧﺎس ﻳﺒﺘﺴﻤﻮن ﻟﻠﻤﺼﻠﺤﺔ و‬
‫ﻳﺤﺒﻮن ﻟﻠﺸﻬﻮة و ﻳﻘﺘﻠﻮن ﻟﻠﻄﻤﻊ و ﻳﺘﺰاوﺟﻮن ﻟﻠﺘﺂﻣﺮ‪..‬‬

‫رﺟﺎل وﺟﻮهﻬﻢ ﻣﻠﺴﺎء ﻣﺪهﻮﻧﺔ و ﻧﻈﺮاﺗﻬﻢ ﺧﺎﺋﻨﺔ و ﻟﻤﺴﺎﺗﻬﻢ ﺛﻌﺒﺎﻧﻴﺔ و ﻧﺴﺎء ﺗﻐﻄﻴﻬﻦ‬
‫اﻟﻤﺴﺎﺣﻴﻖ ﻓﻼ ﺗﺒﺪو أﻟﻮاﻧﻬﻦ اﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﺑﺸﺮﺗﻬﻦ ﻣﺸﺪوة و وﺟﻮهﻬﻦ ﻣﻜﻮﻳﺔ و ﺧﻄﻮاﺗﻬﻦ‬
‫ﺣﺮﺑﺎﺋﻴﺔ و أﻳﺪﻳﻬﻦ ﺗﺘﺴﻠﻞ إﻟﻰ اﻟﻘﻠﻮب ﻳﺴﺮﻗﻦ آﻞ ﺷﻲء ﺣﺘﻰ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ‪.‬‬

‫ﻋﺎﻟﻢ ﺟﺬاب آﺬاب ﻳﻀﻮع ﺑﺎﻟﻌﻄﻮر و ﻳﺒﺮق ﺑﺎﻟﻜﻠﻤﺎت‪ ..‬ﻋﺎﻟﻢ ﻟﺰج ﻣﻌﺴﻮل ﺗﻐﻮص ﻓﻴﻪ‬
‫اﻷرﺟﻞ آﻤﺎ ﻳﻐﻮص اﻟﻨﻤﻞ ﻓﻲ اﻟﻌﺴﻞ ﺣﺘﻰ ﻳﺨﺘﻨﻖ ﺑﺤﻼوﺗﻪ و ﻳﻤﻮت ﺑﻠﺰوﺟﺘﻪ‪.‬‬

‫و اﻷﺻﻮات ﻓﻲ هﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ آﻠﻬﺎ هﺎﻣﺴﺔ ﻣﺒﻠﻠﺔ ﺑﺎﻟﺸﻬﻮة ﺗﺘﺴﻠﻞ إﻟﻰ ﻣﺎ ﺗﺤﺖ اﻟﺠﻠﺪ و ﺗﺨﺘﺮق‬
‫اﻟﻀﻤﺎﺋﺮ و ﺗﺄآﻞ اﻹﻳﻤﺎن ﻣﻦ اﻟﺠﺬور‪.‬‬

‫ﺗﺬآﺮﺗﻚ ﻳﺎرب و أﻧﺎ أﻣﺸﻲ ﻓﻲ هﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻓﺸﻌﺮت ﺑﺎﻟﻐﺮﺑﺔ و اﻻﻧﻔﺼﺎل و ﻟﻢ أﺟﺪ أﺣﺪا‬
‫أآﻠﻤﻪ و ﻳﻜﻠﻤﻨﻲ و أﻓﻬﻤﻪ و ﻳﻔﻬﻤﻨﻲ‪ ..‬ﻧﺒﺬوﻧﻲ آﻠﻬﻢ و رﻓﻀﻮﻧﻲ آﻤﺎ ﻧﺒﺬﺗﻬﻢ و رﻓﻀﺘﻬﻢ‪ ..‬و‬
‫أﺣﺴﺴﺖ ﺑﻨﻔﺴﻲ وﺣﻴﺪا ﻏﺮﻳﺒﺎ ﻣﻄﺮودا‪ ..‬ﻣﻠﻘﻰ ﻋﻠﻰ رﺻﻴﻒ أﺑﻜﻲ آﻄﻔﻞ ﻳﺘﻴﻢ ﺑﻼ أم‪.‬‬

‫و ﺳﻤﻌﺖ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻲ ﺻﺮاﺧﺎ ﻳﻨﺎدﻳﻚ‪.‬‬

‫آﺎﻧﺖ آﻞ ﺧﻠﻴﺔ ﻓﻲ ﺑﺪﻧﻲ ﺗﺘﻮب و ﺗﺌﻮب و ﺗﺮﺟﻊ و ﺳﻤﻌﺘﻚ ﺗﻘﻮل ﻓﻲ ﺣﻨﺎن‪ ..‬ﻟﺒﻴﻚ ﻋﺒﺪي‪..‬‬

‫و رأﻳﺖ ﻳﺪك اﻟﺘﻲ ﻟﻴﺲ آﻤﺜﻠﻬﺎ ﺷﻲء ﺗﻠﺘﻘﻄﻨﻲ و ﺗﺨﺮﺟﻨﻲ ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻲ إﻟﻰ ﻧﻔﺴﻚ‪.‬‬

‫و اﺧﺘﻔﻰ دﻳﻜﻮر اﻟﻘﻤﺎش و اﻟﻮرق و ذاب ﻣﺴﺮح اﻟﺨﺪع اﻟﻀﻮﺋﻴﺔ‪.‬‬

‫و ﻋﺎد اﻟﻼ ﺷﻲء إﻟﻰ اﻟﻼ ﺷﻲء‪.‬‬

‫و ﻋﺪت أﻧﺎ إﻟﻴﻚ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪21‬‬
 ‫ﻻ إﻟﻪ إﻻ أﻧﺖ‪.‬‬

‫ﺳﺒﺤﺎﻧﻚ‬

‫و ﻻ ﻣﻮﺟﻮد ﺳﻮاك‬

‫اﻟﻘﺮب ﻣﻨﻚ ﻳﻀﻴﻒ‪.‬‬

‫و اﻟﺒﻌﺪ ﻋﻨﻚ ﻳﺴﻠﺐ‪.‬‬

‫ﻷﻧﻚ وﺣﺪك اﻹﻳﺠﺎب اﻟﻤﻄﻠﻖ‪.‬‬

‫و آﻞ ﻣﺎ ﺳﻮاك ﺳﻠﺐ ﻣﻄﻠﻖ‪.‬‬

‫ﻋﻠﻤﺖ ذﻟﻚ ﺑﺎﻟﻤﻜﺎﺑﺪة و أدرآﺘﻪ ﺑﺎﻟﻤﻌﺎﻧﺎة و ﻋﺮﻓﺘﻪ ﺑﺎﻟﺪم و اﻟﻌﺮق و اﻟﺪﻣﻮع و ﻣﺸﻮار‬
‫اﻟﺨﻄﺎﻳﺎ و اﻟﺬﻧﻮب و أﻧﺎ أﻗﻊ ﻓﻲ اﻟﺤﻔﺮ و أﺗﻌﺜﺮ ﻓﻲ اﻟﻔﺨﺎخ‪ ..‬و آﻠﻤﺎ وﻗﻌﺖ ﻓﻲ ﺣﻔﺮة‬
‫ﻲ ﻓﺦ رأﻳﺘﻚ ﺗﻔﺘﺢ ﻟﻲ ﺳﺒﻴﻼ ﻟﻠﻨﺠﺎة‪ ..‬و آﻠﻤﺎ‬
‫ﺷﻌﺮت ﺑﻴﺪك ﺗﺨﺮﺟﻨﻲ ﺑﻠﻄﻒ و آﻠﻤﺎ أﻃﺒﻖ ﻋﻠ ّ‬
‫ﻲ اﻟﻮﺛﺎق ﺷﻌﺮت ﺑﻚ ﻓﻲ اﻟﻮﺣﺪة و اﻟﻈﻠﻤﺔ ﺗﻔﻚ ﻋﻨﻲ‬ ‫وﺿﻌﻮﻧﻲ ﻓﻲ اﻷﻏﻼل و أﺣﻜﻤﻮا ﻋﻠ ّ‬
‫أﻏﻼﻟﻲ و ﺗﺮﺑﺖ ﻋﻠﻰ آﺘﻔﻲ ﻓﻲ ﺣﻨﺎن و إﻟﻬﺎﻣﻚ ﻳﻬﻤﺲ ﻓﻲ ﺧﺎﻃﺮي‪ ..‬أﻣﺎ آﻔﺎك ﻣﺎ ﻋﺎﻧﻴﺖ ﻳﺎ‬
‫ﻋﺒﺪي‪.‬‬

‫أﻣﺎ اﺗﻌﻈﺖ‪ ..‬أﻣﺎ اﻋﺘﺒﺮت‪ ..‬أﻣﺎ ﺟﺎء اﻟﻴﻮم اﻟﺬي ﺗﺜﺒﺖ ﻓﻴﻪ ﻗﺪﻣﻚ و ﺗﺘﻘﺮ ﺧﻄﺎك ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟﻄﺮﻳﻖ‪.‬‬

‫ﻓﺄﻗﻮل ﺑﺎآﻴﺎ‪.‬‬

‫ﺳﺒﺤﺎﻧﻚ ﻳﺎرب و هﻞ هﻨﺎك ﺗﺜﺒﻴﺖ إﻻ ﺑﻚ و هﻞ هﻨﺎك ﺗﻤﻜﻴﻦ إﻻ ﺑﺈذﻧﻚ‪.‬‬

‫أﻧﺖ وﺣﺪك اﻟﺬي أﺻﻠﺤﺖ اﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ و ﺛﺒﺖ اﻟﺜﺎﺑﺘﻴﻦ و ﻣﻜﻨﺖ أهﻞ اﻟﺘﻤﻜﻴﻦ‪.‬‬

‫ﺗﻌﻄﻲ ﻟﺤﻜﻤﺔ و ﺗﻤﻨﻊ ﻟﺤﻜﻤﺔ و ﻻ ﺗﺴﺄل ﻋﻤﺎ ﺗﻔﻌﻞ‪.‬‬

‫ﺷﻔﻴﻌﻲ إﻟﻴﻚ ﺻﺪﻗﻲ‪.‬‬

‫و ﻋﺬري إﻟﻴﻚ ﺣﺒﻲ ﻟﻠﺤﻖ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪22‬‬
 ‫و ذرﻳﻌﺘﻲ إﻟﻰ ﻋﻔﻮك رﻏﺒﺘﻲ ﻓﻲ اﻟﺨﻴﺮ‪.‬‬

‫ﻓﻤﻦ ﺧﻄﻴﺌﺎﺗﻲ ﻧﺒﺘﺖ اﻟﺤﻜﻤﺔ آﻤﺎ ﺗﻨﻤﻮ أزهﺎر اﻟﻴﺎﺳﻤﻴﻦ ﻣﻦ اﻷرض اﻟﺴﺒﺨﺔ‪.‬‬

‫و ﻣﻦ دﻣﻮع ﻧﺪﻣﻲ ﻋﻠﻤﺖ اﻟﻨﺎس ﻓﺼﺪﻗﻮﻧﻲ ﺣﻴﻨﻤﺎ آﻠﻤﺘﻬﻢ ﻷﻧﻬﻢ رأوا آﻠﻤﺎﺗﻲ ﻣﻐﻤﻮﺳﺔ‬
‫ﺑﺪﻣﻲ و ﻣﻦ ﻋﺜﺮاﺗﻲ و ﺳﻘﻄﺎﺗﻲ أﺿﺄت ﻣﺼﺒﺎﺣﺎ هﺎدﻳﺎ ﻳﺠﻨﺐ اﻟﻨﺎس اﻟﻌﺜﺮات‪.‬‬

‫و آﻞ ﻣﻦ ﻋﺒﺮ ﻃﺮﻳﻘﻲ ﻗﻠﺖ ﻟﻪ آﻠﻤﺔ ﺻﺪق و دﻟﻠﺘﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻼﻣﺔ‪.‬‬

‫رﺑﻨﺎ ﻣﺎ أﺗﻴﺖ اﻟﺬﻧﻮب ﺟﺮأة ﻣﻨﻲ ﻋﻠﻴﻚ و ﻻ ﺗﻄﺎوﻻ ﻋﻠﻰ أﻣﺮك و إﻧﻤﺎ ﺿﻌﻔﺎ و ﻗﺼﻮرا‬
‫ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻏﻠﺒﻨﻲ ﺗﺮاﺑﻲ و ﻏﻠﺒﺘﻨﻲ ﻃﻴﻨﺘﻲ و ﻏﺸﻴﺘﻨﻲ ﻇﻠﻤﺘﻲ‪.‬‬

‫إﻧﻤﺎ أﺗﻴﺖ ﻣﺎ ﺳﺒﻖ ﻓﻲ ﻋﻠﻤﻚ و ﻣﺎ ﺳﻄﺮﺗﻪ ﻓﻲ آﺘﺎﺑﻚ و ﻣﺎ ﻗﻀﻰ ﺑﻪ ﻋﺪﻟﻚ‪.‬‬

‫رب ﻻ أﺷﻜﻮ و ﻟﻜﻦ أرﺟﻮ‪.‬‬

‫أرﺟﻮ رﺣﻤﺘﻚ اﻟﺘﻲ وﺳﻌﺖ آﻞ ﺷﻲء أن ﺗﺴﻌﻨﻲ‪.‬‬

‫أﻧﺖ اﻟﺬي وﺳﻊ آﺮﺳﻴﻚ اﻟﺴﻤﺎوات و اﻷرض‪.‬‬

‫ﻻ ﺷﻲء ﻳﺴﺎوي اﻟﺤﺮﻳﺔ‬

‫ﻼ‪:‬‬
‫ﺣﻴﻨﻤﺎ رﻓﻊ اﻟﻨﺒﻲ ﻳﻮﺳﻒ أآﻒ اﻟﺪﻋﺎء ﻟﺮﺑﻪ ﻣﺴﺘﻨﺠﺪًا ﻣﻦ ﻏﻮاﻳﺔ اﻟﻨﺴﻮة ﻗﺎﺋ ً‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪23‬‬
 ‫ﻲ ﻣﻤﺎ ﻳﺪﻋﻮﻧﻨﻲ إﻟﻴﻪ (‪.‬‬
‫) رب اﻟﺴﺠﻦ أﺣﺐ إﻟ ّ‬

‫آﺎن ﻳﻄﻠﺐ ﺣﺮﻳ ًﺔ و ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﻄﻠﺐ ﺳﺠﻨًﺎ‪.‬‬

‫و اﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﻧﺴﺒﻴﺔ‪ ..‬ﻓﻤﺎ ﻳﺤﺼﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﺣﺮﻳﺔ ﻓﻲ زﻧﺰاﻧﺔ و هﻮ ﻣﻘﻴﺪ اﻟﻴﺪﻳﻦ و اﻟﻘﺪﻣﻴﻦ أآﺜﺮ‬
‫ﺑﻜﺜﻴﺮ ﻣﻤﺎ ﻳﺘﺒﻘﻰ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺣﺮﻳﺔ ﺳﺎﻋﺔ ﺷﻬﻮة‪ .‬ﻓﺤﻴﻨﻤﺎ ﺗﺠﻤﺢ اﻟﺸﻬﻮة ﻻ ﺗﺒﻘﻲ ﻟﺼﺎﺣﺒﻬﺎ ﺣﺮﻳﺔ‬
‫ﻓﻬﻮ ﻻ ﻳﺮى إﻻ ﻋﻠﻰ ﻣﺮﻣﻰ ﺳﺎﻗﻴﻦ و ﻻ ﻳﺴﻤﻊ إﻻ ﻋﻠﻰ ﻣﺮﻣﻰ ﺷﻔﺘﻴﻦ و ﻻ ﻳﻌﻲ ﺣﻜﻤﺔ و ﻻ‬
‫ﻳﺒﺼﺮ ﻋﺎﻗﺒﺔ و ﻻ ﻳﺤﻔﻆ ﻋﻬﺪًا و ﻻ ﻳﺮﻋﻰ واﺟﺒًﺎ‪ ..‬و هﻮ أﻋﻤﻰ أﺻﻢ ﻣﻘﻴﺪ اﻟﺬراﻋﻴﻦ و‬
‫اﻟﺴﺎﻗﻴﻦ إﻟﻰ ﺣﺮآﺔ ﺁﻟﻴﺔ و ﻓﻌﻞ ﻻ ﻣﻌﻘﻮل آﻞ هﺮﻣﻮﻧﺎﺗﻪ و دﻣﻪ و ﻓﻜﺮﻩ و ﺣﺴﻪ و ﻣﻮاهﺒﻪ‬
‫ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ هﺬﻩ اﻟﻠﺤﻈﺔ اﻟﻼﻣﻌﻘﻮﻟﺔ ﻣﻦ اﻹﺷﺒﺎع و اﻟﻔﻨﺎء اﻟﺬي ﻳﺸﺒﻪ اﻟﺴﻘﻮط ﻓﻲ هﻮّة‬
‫اﻟﻼﺷﻲء‪ ..‬و ذﻟﻚ هﻮ ﻣﻨﺘﻬﻰ اﻟﺴﺠﻦ و ﻣﻨﺘﻬﻰ اﺳﺘﻨﻔﺎد اﻟﻄﺎﻗﺔ و اﺳﺘﻔﺮاغ اﻟﻘﻮة و إﻧﻬﺎك‬
‫اﻟﻌﺰم و ﺗﺒﺪﻳﺪ اﻟﻬﻤﺔ‪ ..‬ﺛﻢ ﻻ ﻳﻜﻮن ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ إﻻ اﻟﺨﻤﻮل و اﻟﺒﻼدة و اﻻﺳﺘﺮﺧﺎء و اﻟﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ‬
‫اﻟﻨﻮم و اﻟﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ ﻋﺪم اﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﻓﻲ ﺷﻲء‪.‬‬

‫ﺗﻠﻚ اﻟﺰوﺑﻌﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺼﻒ ﺑﺎﻟﺪم و ﺗﻄﻴﺶ ﺑﺎﻟﻌﻘﻞ و ﺗﺬﻳﺐ اﻟﻤﻔﺎﺻﻞ و ﺗﺄﺳﺮ اﻟﺠﺴﺪ و هﻲ‬
‫ذروة اﻟﻌﺒﻮدﻳﺔ‪.‬‬

‫و ﻟﻬﺬا ﻗﺎل اﻟﻨﺒﻲ ﻳﻮﺳﻒ ﺻﺎرﺧًﺎ‪.‬‬

‫ب اﻟﺴﺠﻦ أﺣﺐ إﻟﻲ ﻣﻦ هﺬا اﻟﺨﻀﻮع ﻟﻬﺆﻻء اﻟﻨﺴﻮة‪ ..‬ﻓﺎﻟﺰﻧﺰاﻧﺔ و ﻻ ﺷﻚ أرﺣﺐ و‬ ‫ر ّ‬

‫أوﺳﻊ ﻣﻦ ﻗﺒﻀﺔ ﺷﻬﻮة اﻣﺮأة ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﺘﺴﻠﻞ إﻟﻰ اﻟﻨﺨﺎع و ﺗﻌﺘﺼﺮ اﻟﻤﺦ و ﺗﺤﺠﺐ اﻟﻌﻴﻨﻴﻦ و‬
‫ﺗﺴ ّﺪ اﻷذﻧﻴﻦ و ﺗﻐﻠﻖ ﻣﻨﺎﻓﺬ اﻟﻘﻠﺐ ﻓﻼ ﻳﻌﻮد ﺷﻲء ﻓﻲ اﻟﻜﻮن ﻳﺴﻤﻊ إﻻ ﻟﻬﺎث أﻧﻔﺎﺳﻬﺎ‪ ..‬ﻓﻜﺄﻧﻤﺎ‬
‫أﺻﺒﺤﺖ هﻲ اﻟﻤﺤﺮاب و اﻟﺼﻨﻢ و اﻟﻘﺒﻠﺔ‪ ..‬و ﻣﺎﺋﺪة اﻟﻘﺮاﺑﻴﻦ‪.‬‬

‫و اﻟﺴﺠﻦ هﻨﺎ ﻣﻨﺘﻬﻰ اﻟﺤﺮﻳﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻬﺬا اﻟﻘﻴﺪ اﻟﺸﺎﻣﻞ اﻟﻤﻄﻠﻖ‪ ..‬و هﻮ أﺣﺐ أﻟﻒ ﻣﺮة ﻷي‬
‫رﺟﻞ ﻓﻲ آﻤﺎل و ﻋﻘﻞ اﻟﻨﺒﻲ ﻳﻮﺳﻒ ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﺼﻌﺪ و ﻳﺤﻠﻖ إﻟﻰ اﻟﺴﻤﺎوات ﻓﻼ ﺷﻲء‬
‫ﻳﺴﺎوي اﻟﺤﺮﻳﺔ أﺑﺪًا‪.‬‬

‫ﻻ ﻣﺤﻠﻘًﺎ و ﻓﺆادًا‬
‫ﻼ ﻃﻠﻴﻘًﺎ و ﺧﻴﺎ ً‬
‫و أي ﻟﺬة و أي ﻣﻘﺎﺑﻞ ﻓﻮري ﻣﺎدي أو ﺣﺴﻲ ﻻ ﻳﺴﺎوي ﻋﻘ ً‬
‫ﻣﺮﻓﺮﻓًﺎ و وﺟﺪاﻧًﺎ ﻃﺎﺋﺮًا و ﻓﻜﺮًا ﻣﻬﺎﺟﺮًا و ﻗﻠﺒًﺎ ﻣﺴﺎﻓﺮًا و أﻗﺪاﻣًﺎ ﺳﺎﻋﻴﺔ ﻻ ﺗﺤﺪ ﺣﺮآﺘﻬﺎ‬
‫ﺣﺪود‪.‬‬

‫ﻧﻌﻢ ﻻ ﺷﻲء ﻳﺴﺎوي اﻟﺤﺮﻳﺔ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪24‬‬
 ‫و أﺣﺴﻦ اﺳﺘﺜﻤﺎر ﻟﻠﺤﺮﻳﺔ أن ﺗﺒﺬﻟﻬﺎ ﻟﻮﺟﻪ اﷲ ﻓﺘﺠﻌﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ اﻟﺤﻖ و اﻟﻌﺪل و اﻟﺨﻴﺮ‪..‬‬
‫ﻓﺎﻟﻌﺒﻮدﻳﺔ ﻟﻠﺨﺎﻟﻖ ﺗﺤﺮرك ﻣﻦ اﻟﻌﺒﻮدﻳﺔ ﻟﻠﺨﻠﻖ و ﺗﺨﻠﻊ اﻟﺤﺎآﻤﻴﺔ ﻋﻦ آﻞ اﻟﺬﻳﻦ ﺣﻜﻤﻮك ﻓﻼ‬
‫ﻳﻌﻮد ﻳﺤﻜﻤﻚ أﺣﺪ و ﻻ ﻳﻌﻮد ﻳﺤﻜﻤﻚ ﺷﻲء‪ ..‬ﺑﻞ ﺗﺼﺒﺢ أﻧﺖ ﺑﺤﻜﻢ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﻋﻦ اﷲ ﺣﺎآﻤًﺎ‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟﻜﻞ‪ ..‬و ﺗﺼﺒﺢ ﻟﻜﻠﻤﺎﺗﻚ رﺑﺎﻧﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﻤﻴﻊ‪ ..‬و ﻳﻄﻴﻌﻚ اﻟﺒﺮ و اﻟﺒﺤﺮ و اﻟﺮﻳﺢ و ﺗﻨﻘﺎد‬
‫ﻟﻚ اﻟﺸﻌﻮب و ﻳﺴﺘﻤﻊ إﻟﻴﻚ اﻟﺘﺎرﻳﺦ‪.‬‬

‫آﻴﻒ ﺗﺒﻠﻎ هﺬﻩ اﻟﺪرﺟﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﺮﻳﺔ؟‬

‫ﻳﻘﻮل ﺳﺎدﺗﻨﺎ اﻷآﺎﺑﺮ‪:‬‬

‫ﻣﻨﺬ أن ﺗﻔﺘﺢ ﻋﻴﻨﻴﻚ ﻟﺘﺼﺤﻮ ﺣﺘﻰ ﺗﻐﻠﻘﻬﻤﺎ ﻟﺘﻨﺎم ﻻ ﺗﻌﻠﻖ هﻤﺘﻚ ﺑﺄﻣﺮ ﻣﻦ اﻷﻣﻮر اﻟﺪون‪.‬‬

‫ﺢ ﻋﻠﻰ ﺷﻬﻮة و ﻻ ﺗﺴﻊ إﻟﻰ ﻃﻤﻊ و ﻻ ﺗﺴﺎﺑﻖ إﻟﻰ ﺳﻠﻄﺔ و إﻧﻤﺎ‬ ‫ﻞ و ﻻ ﺗﺼ َ‬ ‫ﻻ ﺗﻨﻢ ﻋﻠﻰ ﻏ ّ‬
‫اﺟﻌﻞ هﻤﻚ و اهﺘﻤﺎﻣﻚ ﻓﻲ اﻟﺨﻴﺮ و اﻟﺒﺮ و اﻟﺤﻖ و اﻟﺼﺪق‪ ،‬و اﻟﻤﺮوءة و اﻟﻤﻌﻮﻧﺔ ﻗﺎﺻﺪا‬
‫وﺟﻪ رﺑﻚ ﻋﻠﻰ اﻟﺪوام‪.‬‬

‫ﺣﺎول أن ﻳﻜﻮن ﻓﻌﻠﻚ ﻣﻄﺎﺑﻘًﺎ ﻟﻘﻮﻟﻚ‪ ،‬و ﺳﻠﻮآﻚ ﻣﻄﺎﺑﻘًﺎ ﻟﺪﻋﻮﺗﻚ‪ ..‬ﻓﺈذا ﻏﻠﺒﺘﻚ ﺑﺸﺮﻳﺘﻚ و‬
‫هﺰﻣﻚ هﻮاك ﻓﻲ ﻟﺤﻈﺔ‪ ..‬ﻻ ﺗﻴﺄس و إﻧﻤﺎ اﺳﺘﻨﺠﺪ و اﺳﺘﺼﺮخ رﺑﻚ‪ ..‬و ﻗﻞ ‪ :‬اﻟﻐﻮث‬
‫ﻳﺎرب‪ ..‬ﻳﻘﻞ ﻟﻚ ﻟﺒﻴﻚ ﻋﺒﺪي و ﻳﺨﺮﺟﻚ ﺑﻴﺪﻩ ﻣﻦ ﻇﻠﻤﺔ ﻧﻔﺴﻚ إﻟﻰ ﻧﻮر ﺣﻀﺮﺗﻪ‪.‬‬

‫ﻓﺈﻧﻚ إن آﻨﺖ أﺣﺪ ﻋﻤّﺎل اﷲ ﻓﻲ اﻷرض و أﺣﺪ ﺳﻔﺮاﺋﻪ إﻟﻰ ﻗﻠﻮب اﻟﻨﺎس‪ ..‬ﻓﺈﻧﻪ ﺳﻮف‬
‫ﻳﺮﺣﻤﻚ إذا أﺧﻄﺄت و ﻳﻐﻔﺮ ﻟﻚ إذا أﺳﺄت و ﻳﻌﻴﺪك إﻟﻰ اﻟﻄﺮﻳﻖ إذا اﻧﺤﺮﻓﺖ‪ ..‬و ﺳﻮف‬
‫ﻳﺮﻋﺎك و ﻳﺘﻮﻻك ﻷﻧﻚ ﻣﻦ ﺟﻨﺪﻩ و ﺣﺎﺷﻴﺘﻪ و ﺧﺎﺻﺘﻪ‪.‬‬

‫و ﻻ ﺗﻴﺄس ﻣﻬﻤﺎ ﺑﻠﻐﺖ أوزارك و ﻻ ﺗﻘﻨﻂ ﻣﻬﻤﺎ ﺑﻠﻐﺖ ﺧﻄﺎﻳﺎك‪ ..‬ﻓﻤﺎ ﺟﻌﻞ اﷲ اﻟﺘﻮﺑﺔ إﻻ‬
‫ﻟﻠﺨﻄﺎة و ﻣﺎ أرﺳﻞ اﻷﻧﺒﻴﺎء إﻻ ﻟﻠﻀﺎﻟﻴﻦ و ﻣﺎ ﺟﻌﻞ اﻟﻤﻐﻔﺮة إﻻ ﻟﻠﻤﺬﻧﺒﻴﻦ و ﻣﺎ ﺳﻤﻰ ﻧﻔﺴﻪ‬
‫اﻟﻐﻔﺎر اﻟﺘﻮاب اﻟﻌﻔﻮ اﻟﻜﺮﻳﻢ إﻻ ﻣﻦ أﺟﻞ أﻧﻚ ﺗﺨﻄﺊ ﻓﻴﻐﻔﺮ‪.‬‬

‫ﺟﺪد اﺳﺘﻐﻔﺎرك آﻞ ﻟﺤﻈﺔ ﺗﺠﺪد ﻣﻌﺮﻓﺘﻚ و ﺗﺠﺪد اﻟﻌﻬﺪ ﺑﻴﻨﻚ و ﺑﻴﻦ رﺑﻚ و ﺗﺼﻞ ﻣﺎ اﻧﻘﻄﻊ‬
‫ﺑﻐﻔﻠﺘﻚ‪.‬‬

‫و اﻋﻠﻢ أن اﷲ ﻻ ﻳﻤﻞ دﻋﺎء اﻟﺪاﻋﻴﻦ‪ ..‬و أﻧﻪ ﻳﺤﺐ اﻟﺴﺎﺋﻠﻴﻦ اﻟﻄﺎﻟﺒﻴﻦ اﻟﻀﺎرﻋﻴﻦ اﻟﺮاﻓﻌﻲ‬
‫اﻷآﻒ ﻋﻠﻰ ﺑﺎﺑﻪ‪ ..‬و إﻧﻤﺎ ﻳﻤﻘﺖ اﷲ اﻟﻤﺘﻜﺒﺮ اﻟﻤﺴﺘﻐﻨﻲ اﻟﻤﺨﺘﺎل اﻟﻤﻌﺠﺐ ﺑﻨﻔﺴﻪ اﻟﺬي ﻳﻈﻦ‬
‫أﻧﻪ اﺳﺘﻮﻓﻰ اﻟﻄﺎﻋﺔ و ﺑﻠﻎ ﻏﺎﻳﺔ اﻟﺘﻘﻮى و ﻗﺎرب اﻟﻜﻤﺎل‪ ..‬ذﻟﻚ اﻟﺬي ﻳﻜﻠﻢ اﻟﻨﺎس ﻣﻦ ﻋﻞ و‬
‫ﻳﺼﺎﻓﺤﻬﻢ ﺑﺄﻃﺮاف اﻷﻧﺎﻣﻞ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪25‬‬
 ‫ﺛﻢ ﺑﻌﺪ اﻟﺘﻮﺑﺔ و اﻻﺳﺘﻐﻔﺎر و اﻟﺘﺨﻠﻲ ﻋﻦ اﻟﺬﻧﻮب و اﻟﺘﺒﺮؤ ﻣﻦ اﻟﺤﻮل و اﻟﻄﻮل‪ ..‬ﻳﺄﺗﻲ‬
‫اﻟﺘﺤﺒﺐ و اﻟﺘﻘﺮب و اﻟﺘﺨﻠﻖ و اﻟﺘﺤﻘﻖ‪.‬‬

‫ﺣﺎول أن ﺗﺘﺤﻠﻰ ﺑﺄﺧﻼق ﺳﻴﺪك‪ ..‬ﻓﺈذا آﺎن هﻮ اﻟﻜﺮﻳﻢ اﻟﺤﻠﻴﻢ اﻟﺼﺒﻮر اﻟﺸﻜﻮر اﻟﻌﻔﻮ‬
‫اﻟﻐﻔﻮر‪ ..‬ﻓﺤﺎول أن ﻳﻜﻮن ﻟﻚ ﻣﻦ هﺬﻩ اﻟﺼﻔﺎت ﻧﺼﻴﺐ‪.‬‬

‫ﻓﺈذا ﻏﺎﻟﺒﺘﻚ ﻧﻔﺴﻚ اﻷﻣﺎرة‪ ..‬اﺳﺠﺪ و اﺑﻚ و ﺗﻀﺮع و ﺗﻮﺳﻞ‪ ..‬و ﻗﻞ ﺑﻴﻦ دﻣﻮﻋﻚ‪:‬‬

‫ﻳﺎ ﻣﻦ ﻋﻄﻔﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﻄﻴﻦ ﻓﻨﻔﺨﺖ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺟﻤﺎﻟﻚ و آﻤﺎﻟﻚ‪.‬‬

‫ﻳﺎ ﻣﻦ أﺧﺮﺟﺖ اﻟﻨﻮر ﻣﻦ اﻟﻈﻠﻤﺔ‪.‬‬

‫ﻳﺎ ﻣﻦ ﺗﻜﺮﻣﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺪم‬

‫أﺧﺮﺟﻨﻲ ﻣﻦ آﺜﺎﻓﺘﻲ و ﺣﺮرﻧﻲ ﻣﻦ ﻃﻴﻨﺘﻲ و ﺧﻠﺼﻨﻲ ﻣﻦ ﻇﻠﻤﺘﻲ و ﻗﻮﻧﻲ ﻋﻠﻰ ﺿﻌﻔﻲ و‬

‫أﻋﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻲ‪ ..‬ﻓﻼ أﺣﺪ ﺳﻮاك ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﻔﻌﻞ هﺬا‪ ..‬أﻧﺖ ﻳﺎ ﺻﺎﻧﻌﻲ ﺑﻴﺪﻳﻚ‪.‬‬

‫ﺛﻢ ﻳﻘﻮل ﺳﺎدﺗﻨﺎ اﻷآﺎﺑﺮ ‪:‬‬

‫إن اﻟﺠﻬﺎد ﻳﻄﻮل ﻓﻼ ﺗﺘﻌﺠﻞ اﻟﺜﻤﺮ‪ ..‬ﻓﻜﻠﻤﺎ ﻋﻈﻤﺖ اﻷهﺪاف ﻃﺎل اﻟﻄﺮﻳﻖ‪ ..‬ﻓﻼ ﺗﺒﺮح‬
‫اﻟﺒﺎب‪ ..‬و أﻃﻞ اﻟﺴﺠﻮد‪ ..‬و أدم اﻟﺒﻜﺎء‪ ..‬ﻓﺈﻧﻚ ﻻ ﺗﻄﻠﺐ ﻧﻴﺸﺎﻧًﺎ أو ﺟﺎﺋﺰة و إﻧﻤﺎ ﺗﻄﻠﺐ وﺟﻪ‬
‫ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻌﺮش اﻟﻌﻈﻴﻢ‪.‬‬

‫ﺗﻄﻠﺐ رب اﻟﺴﻤﺎوات‪.‬‬

‫ﺗﻄﻠﺐ اﻟﻌﺰﻳﺰ اﻟﺬي ﻻ ﻳﺮام‪.‬‬

‫و ذﻟﻚ ﻣﻄﻠﺐ ﻻ ﻳﺒﻠﻐﻪ ﻃﺎﻟﺐ إﻻ ﺑﻌﺪ أن ﻳﺒﺘﻠﻰ و ﻳﻤﺘﺤﻦ و ﻳﺘﺤﻘﻖ إﺧﻼﺻﻪ‪ ..‬و ﻳﺸﻬﺪ‬
‫اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ﻣﻨﺰﻟﺘﻪ و ﻳﺮى اﻟﻤﻸ اﻷﻋﻠﻰ ﺑﻴﻨﺘﻪ‪.‬‬

‫ﻓﻜﻴﻒ ﻳﺼﺤﺐ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ اﻟﻤﻘﺮﺑﻴﻦ إﻻ اﻟﻨﻔﺮ اﻟﻜﺮام اﻟﺬﻳﻦ ﺗﺨﻠﻘﻮا ﺑﺄﺧﻼﻗﻬﻢ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪26‬‬
 ‫و آﻴﻒ ﺗﺼﻌﺪ إﻟﻰ اﻟﺴﻤﺎوات إﻻ ﺑﻌﺪ أن ﺗﻠﻘﻲ ﺑﻤﺘﺎﻋﻚ اﻷرﺿﻲ و أﺛﻘﺎﻟﻚ‪ ..‬ﺛﻢ ﺗﻠﻘﻲ ﺑﻨﻔﺴﻚ‬
‫اﻟﺤﻴﻮاﻧﻴﺔ ﻣﻦ ﺣﺎﻟﻖ‪ ..‬ﺛﻢ ﺗﻠﻘﻲ ﺑﻐﺮورك و أﻧﺎﻧﻴﺘﻚ و ﺷﻬﻮاﺗﻚ و أﻃﻤﺎﻋﻚ‪ ..‬و ﺗﺘﺠﺮد ﻣﻦ‬
‫دواﻋﻲ ﺑﺸﺮﻳﺘﻚ‪ ..‬و ﺗﻌﻮد آﻤﺎ ﺧﻠﻘﻚ اﷲ ﻧﻮرًا ﻣﻦ ﻧﻮرﻩ‪.‬‬

‫ﺣﻴﻨﺌﺬ ﺗﺒﻠﻎ اﻟﺤﺮﻳﺔ ﺣﻘًﺎ‪ ..‬و ﺗﺸﺎآﻞ اﻷﺑﺮار و اﻟﺸﻬﺪاء و اﻟﻘﺪﻳﺴﻴﻦ و اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ‪.‬‬

‫و ذﻟﻚ ﻣﻌﺮاج ﻳﺤﺘﺎج إﻟﻰ ﻋﻤﺮ ﺑﻄﻮﻟﻪ و إﻟﻰ زاد ﻣﻦ اﻟﺘﻘﻮى و اﻟﻤﺤﺒﺔ و اﻟﻄﺎﻋﺔ و ﺻﺒﺮ‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻼء و ﻻ ﻳﻘﺪر ﻋﻠﻰ هﺬا إﻻ ﺁﺣﺎد‪.‬‬

‫و ﻟﻬﺬا ﺧﻠﻘﺖ اﻟﺠﻨﺔ‪.‬‬

‫و ﻟﻬﺬا آﺎﻧﺖ اﻷآﺜﺮﻳﺔ ﺗﺮﺗﻊ ﻓﻲ اﻟﻨﺎر ﻣﻦ اﻵن‪.‬‬

‫دﻋﺎء اﻟﻌﺒﺪ اﻟﺨﻄﺎء‬

‫إﻟﻬﻲ ‪..‬‬

‫إﻧﻚ ﺗﺮى ﻧﻔﺴﻲ و ﻻ ﻳﺮاهﺎ ﺳﻮاك ‪.‬‬

‫ﺗﺮاهﺎ آﺎﻟﺒﻴﺖ اﻟﻜﺒﻴﺮ اﻟﺬي ﺗﺼﺪﻋﺖ ﻣﻨﻪ اﻟﺠﺪران و ﺗﻬﺎوت اﻟﺴﻘﻮف و اﻧﻜﻔﺄت اﻟﻤﻮاﺋﺪ ‪.‬‬

‫ﺑﻴﺘًﺎ ﻣﻬﺠﻮرًا ﻳﺘﻌﺎوى ﻓﻴﻪ اﻟﺬﺋﺎب و ﻳﻠﻬﻮ ﻓﻴﻪ اﻟﻘﺮدة و ﺗﻐﺮد اﻟﻌﺼﺎﻓﻴﺮ ‪.‬‬

‫ﺳﺎﻋ ًﺔ ﺗﺘﻸﻷ ﻓﻴﻪ اﻷﻧﻮار و ﺗﻤﻮج ﻓﻴﻪ أﺷﻌﺔ اﻟﻘﻤﺮ ‪.‬‬

‫و ﺳﺎﻋ ًﺔ أﺧﺮى ﻣﻈﻠﻤًﺎ ﻣﻄﻤﻮﺳًﺎ ﻣﺤﻄﻢ اﻟﻤﺼﺎﺑﻴﺢ ﺗﺴﺮح ﻓﻴﻪ اﻟﻌﻨﺎآﺐ ‪.‬‬

‫ﻣﺮ ًة ﺗﺤﻨﻮ ﻋﻠﻴﻪ ﻳﺪ اﻟﺮﺑﻴﻊ ﻓﺘﺘﻔﺘﺢ اﻟﺰهﻮر ﻋﻠﻰ ﻧﻮاﻓﺬﻩ و ﺗﺼﺪح اﻟﺒﻼﺑﻞ و ﺗﻐﺰل اﻟﺪﻳﺪان‬
‫اﻟﺤﺮﻳﺮ و ﺗﻔﺮز اﻟﻨﺤﻼت اﻟﻄﻨﺎﻧﺔ اﻟﻌﺴﻞ‪.‬‬

‫و ﻣﺮ ًة أﺧﺮى ﻳﺄﺗﻲ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺰﻟﺰال ﻓﻼ ﻳﻜﺎد ﻳﺨﻠﻒ ﺟﺪارًا ﻗﺎﺋﻤًﺎ ﻟﻮﻻ ذﻟﻚ اﻟﺤﺒﻞ اﻟﻤﻤﺪود اﻟﺬي‬
‫ﻳﻨﺰل ﺑﺎﻟﻨﺠﺪة ﻣﻦ ﺳﻤﺎوات رﺣﻤﺘﻚ ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪27‬‬
 ‫ﺣﺒﻞ ﻻ إﻟﻪ إﻻ أﻧﺖ ﺳﺒﺤﺎﻧﻚ ‪.‬‬

‫أﻧﺖ اﻟﻔﺎﻋﻞ ﺳﺒﺤﺎﻧﻚ و أﻧﺖ ﻣﺠﺮي اﻷﻗﺪار و اﻷﺣﻜﺎم ‪ ..‬و أﻧﺖ اﻟﺬي اﻣﺘﺤﻨﺖ و ﻗﻮﻳﺖ و‬
‫أﺿﻌﻔﺖ و ﺳﺘﺮت و آﺸﻔﺖ ‪ ..‬و ﻣﺎ أﻧﺎ إﻻ اﻟﺴﻠﺐ و اﻟﻌﺪم ‪ ..‬و آﻞ ﺗﻮﻓﻴﻖ ﻟﻲ آﺎن ﻣﻨﻚ و‬
‫آﻞ هﺪاﻳﺔ ﻟﻲ آﺎﻧﺖ ﺑﻔﻀﻠﻚ و آﻞ ﻧﻮر آﺎن ﻣﻦ ﻧﻮرك ‪ ..‬ﻣﺎ أﻧﺎ إﻻ اﻟﻌﻴﻦ و اﻟﻤﺤﻞ و آﻞ ﻣﺎ‬
‫ﻲ آﺎن ﺑﻌﺪﻟﻚ و رﺣﻤﺘﻚ ‪ ..‬ﻣﺎ آﺎن ﻟﻲ ﻣﻦ‬ ‫ﺟﺮى ﻋﻠﻲ ﻣﻦ اﺳﺘﺤﻘﺎﻗﻲ و آﻞ ﻣﺎ أﻇﻬﺮت ﻓ ّ‬
‫اﻷﻣﺮ ﺷﻲء ‪.‬‬

‫و هﻞ ﻟﻨﺎ ﻣﻦ اﻷﻣﺮ ﺷﻲء !؟‬

‫ﻣﻮﻻي ‪ ..‬ﻳﻘﻮﻟﻮن إن أآﺒﺮ اﻟﺨﻄﺎﻳﺎ هﻲ ﺧﻄﺎﻳﺎ اﻟﻌﺎرﻓﻴﻦ ‪ ..‬و ﻟﻜﻨﻲ أﺳﺄﻟﻚ ﻳﺎرب أﻳﻦ‬
‫اﻟﻌﺎرف أو اﻟﺠﺎهﻞ اﻟﺬي اﺳﺘﻄﺎع أن ﻳﺴﻠﻢ ﻣﻦ اﻟﻔﺘﻨﺔ دون رﺣﻤﺔ ﻣﻨﻚ ‪ ..‬و أﻧﺖ اﻟﺬي‬
‫ﺳﻮﻳﺖ ﻧﻔﻮﺳﻨﺎ و ﺧﻠﻘﺘﻬﺎ و وﺻﻔﺘﻬﺎ ﺑﺄﻧﻬﺎ‬

‫) ﻷﻣﺎرة ﺑﺎﻟﺴﻮء إﻻ ﻣﺎ رﺣﻢ رﺑﻲ ( ‪.‬‬

‫و أﻳﻦ ﻣﻦ ﻟﻪ اﻟﺤﻮل و اﻟﻘﻮة ﺑﺪوﻧﻚ ‪ ..‬و هﺬا ﺟﺒﺮﻳﻞ ﻳﻘﻮل ﻟﻨﺒﻴﻚ ﻻ ﺣﻮل ﻣﻦ ﻣﻌﺼﻴﺔ إﻻ‬
‫ﺑﻌﺼﻤﺔ اﷲ و ﻻ ﻗﻮة ﻋﻠﻰ ﻃﺎﻋﺔ اﷲ إﻻ ﺑﺘﻤﻜﻴﻦ اﷲ ‪.‬‬

‫و هﻞ اﺳﺘﻌﺼﻢ اﻟﺬﻳﻦ اﺳﺘﻌﺼﻤﻮا إﻻ ﺑﻌﺼﻤﺘﻚ و هﻞ ﺗﺎب اﻟﺬﻳﻦ ﺗﺎﺑﻮا إﻻ ﺑﺘﻮﺑﺘﻚ ‪ ..‬و هﻞ‬
‫اﺳﺘﻐﻔﺮوا إﻻ ﺑﻤﻐﻔﺮﺗﻚ ‪.‬‬

‫إﻟﻬﻲ ‪ ..‬ﻟﻘﺪ ﺗﻨﻔﺴﺖ أول ﻣﺎ ﺗﻨﻔﺴﺖ ﺑﻚ و ﻧﻄﻘﺖ ﺑﻚ و ﺳﻤﻌﺖ ﺑﻚ و أﺑﺼﺮت ﺑﻚ و ﻣﺸﻴﺖ‬

‫ﺑﻚ و اهﺘﺪﻳﺖ ﺑﻚ ‪ ..‬و ﺿﻠﻠﺖ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺧﺮﺟﺖ ﻋﻦ أﻣﺮك ‪.‬‬

‫ﺳﺄﻟﺘﻚ ﻳﺎرب ﺑﻌﺒﻮدﻳﺘﻲ أن ﺗﺮﻓﻊ ﻋﻨﻲ ﻏﻀﺒﻚ ‪ ..‬ﻓﻬﺎ أﻧﺎ ذا و ﻗﺪ ﺧﻠﻌﺖ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻲ آﻞ‬
‫اﻟﺪﻋﺎوي و ﺗﺒﺮأت ﻣﻦ آﻞ ﺣﻮْل و ﻃﻮْل و ﻟﺒﺴﺖ اﻟﺬل ﻓﻲ رﺣﺎب ﻗﺪرﺗﻚ ‪.‬‬

‫إﻧﻚ ﻟﻦ ﺗﻀﻴﻌﻨﻲ و أﻧﺎ ﻋﺒﺪك ‪.‬‬

‫ﻟﻦ ﺗﻀﻴﻊ ﻋﺒﺪًا ذل ﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺘﻚ و ﺧﺸﻊ ﻟﺠﻼﻟﻚ ‪.‬‬

‫ﻰ رﺣﻴﻢ ﻓﻜﻴﻒ إذا آﺎن هﺬا اﻟﻤﻮﻟﻰ هﻮ أرﺣﻢ اﻟﺮاﺣﻤﻴﻦ ‪.‬‬

‫و آﻴﻒ ﻳﻀﻴﻊ ﻋﺒﺪ ﻋﻨﺪ ﻣﻮﻟ ً‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪28‬‬
 ‫ب اﺟﺬﺑﻨﻲ إﻟﻴﻚ ﺑﺤﺒﻠﻚ اﻟﻤﻤﺪود ﻷﺧﺮج ﻣﻦ ﻇﻠﻤﺘﻲ إﻟﻰ ﻧﻮرك و ﻣﻦ ﻋﺪﻣﻴﺘﻲ إﻟﻰ‬ ‫ر ّ‬
‫وﺟﻮدك و ﻣﻦ هﻮاﻧﻲ إﻟﻰ ﻋﺰﺗﻚ ‪ ..‬ﻓﺄﻧﺖ اﻟﻌﺰﻳﺰ ﺣﻘًﺎ اﻟﺬي ﻟﻦ ﺗﻀﺮك ذﻧﻮﺑﻲ و ﻟﻦ ﺗﻨﻔﻌﻚ‬
‫ﺣﺴﻨﺎﺗﻲ ‪.‬‬

‫إن آﻞ ذﻧﻮﺑﻨﺎ ﻳﺎرب ﻟﻦ ﺗﻨﻘﺺ ﻣﻦ ﻣﻠﻜﻚ ‪.‬‬

‫و آﻞ ﺣﺴﻨﺎﺗﻨﺎ ﻟﻦ ﺗﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﺳﻠﻄﺎﻧﻚ ‪.‬‬

‫ﻓﺄﻧﺖ أﻧﺖ اﻟﻤﺘﻌﺎل ﻋﻠﻰ آﻞ ﻣﺎ ﺧﻠﻘﺖ اﻟﻤﺴﺘﻐﻨﻲ ﻋﻦ آﻞ ﻣﺎ ﺻﻨﻌﺖ ‪.‬‬

‫و أﻧﺖ اﻟﻘﺎﺋﻞ ‪:‬‬

‫هﺆﻻء ﻓﻲ اﻟﺠﻨﺔ و ﻻ أﺑﺎﻟﻲ و هﺆﻻء ﻓﻲ اﻟﻨﺎر و ﻻ أﺑﺎﻟﻲ ‪.‬‬

‫و أﻧﺖ اﻟﻘﺎﺋﻞ ﻋﻠﻰ ﻟﺴﺎن ﻧﺒﻴﻚ ‪:‬‬

‫) ﻣﺎ ﻳﻌﺒﺄ ﺑﻜﻢ رﺑﻲ ﻟﻮﻻ دﻋﺎؤآﻢ (‬

‫ﻓﻬﺎ أﻧﺎ أدﻋﻮك ﻓﻼ أآﻒ ﻋﻦ اﻟﺪﻋﺎء ‪ ..‬ﻓﺄﻧﺎ اﻟﻤﺤﺘﺎج‪ ..‬أﻧﺎ اﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ‪ ..‬و أﻧﺎ اﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ‪.‬‬

‫أﻧﺎ اﻟﻌﺪم و أﻧﺖ اﻟﻮﺟﻮد ﻓﻼ ﺗﻀﻴﻌﻨﻲ ‪.‬‬

‫ﻋﺎوﻧﻲ ﻳﺎرب ﻋﻠﻰ أن اﺗﺨﻄﻰ ﻧﻔﺴﻲ إﻟﻰ ﻧﻔﺴﻲ ‪ ..‬أﺗﺨﻄﻰ ﻧﻔﺴﻲ اﻷﻣﺎرة اﻟﻄﺎﻣﻌﺔ ﻓﻲ‬
‫ﺣﻴﺎزة اﻟﺪﻧﻴﺎ إﻟﻰ ﻧﻔﺴﻲ اﻟﻄﺎﻣﻌﺔ ﻓﻴﻚ ﻓﻲ ﺟﻮارك و رﺣﻤﺘﻚ و ﻧﻮرك و وﺟﻬﻚ ‪.‬‬

‫ﻟﻘﺪ ﺟﺮﺑﺖ ﺣﻴﺎزة آﻞ ﺷﻲء ﻓﻤﺎ ازددت إﻻ ﻓﻘﺮًا و آﻠﻤﺎ ﻃﺎوﻋﺖ رﻏﺎﺋﺒﻲ ازدادت ﺟﻮﻋًﺎ و‬
‫إﻟﺤﺎﺣًﺎ و ﺗﻨﻮﻋًﺎ ‪.‬‬

‫ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻃﺎوﻋﺖ ﺷﻬﻮﺗﻲ إﻟﻰ اﻟﻤﺎل ازددت ﺑﺎﻟﻐﻨﻰ ﻃﻤﻌًﺎ و ﺣﺮﺻًﺎ و ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻃﺎوﻋﺖ ﺷﻬﻮﺗﻲ‬
‫إﻟﻰ اﻟﻨﺴﺎء ازددت ﺑﺎﻹﺷﺒﺎع ﻋﻄﺸًﺎ و ﺗﻄﻠﻌًﺎ إﻟﻰ اﻟﺘﻠﻮﻳﻦ و اﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ‪ ..‬و آﺄﻧﻤﺎ أﺷﺮب ﻣﻦ‬
‫ﻣﺎء ﻣﺎﻟﺢ ﻓﺄزداد ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺮب ﻇﻤًﺄ ﻋﻠﻰ ﻇﻤﺄ ‪.‬‬

‫و ﻣﺎ ﺣﺴﺒﺘﻪ ﺣﺮﻳﺔ آﺎن ﻋﺒﻮدﻳﺔ و ﺧﻀﻮﻋًﺎ ﻟﻠﺤﻴﻮان اﻟﻤﺨﺘﻔﻲ ﺗﺤﺖ ﺟﻠﺪي ﺛﻢ هﺒﻮﻃًﺎ إﻟﻰ‬
‫درك اﻵﻟﻴﺔ اﻟﻤﺎدﻳﺔ و إﻟﻰ ﺳﺠﻦ اﻟﻀﺮورات و ﻇﻠﻤﺔ اﻟﺤﺸﻮة اﻟﻄﻴﻨﻴﺔ و ﻏﻠﻈﺘﻬﺎ ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪29‬‬
 ‫آﻨﺖ أﺳﻘﻂ و أﻧﺎ أﺣﺴﺐ أﻧﻲ أﺣﻠﻖ و أرﻓﺮف ‪.‬‬

‫و ﺧﺪﻋﻨﻲ ﺷﻴﻄﺎﻧﻲ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻏﻠﻒ هﺬﻩ اﻟﺮﻏﺒﺎت ﺑﺎﻟﺸﻌﺮ و زوﻗﻬﺎ ﺑﺎﻟﺨﻴﺎل اﻟﻜﺎذب و زﻳﻨﻬﺎ‬
‫ﺑﺎﻟﻌﻄﻮر و زﻓﻬﺎ ﻓﻲ أﺑﻬﺔ اﻟﻜﻠﻤﺎت و ﺑﺨﻮر اﻟﻌﻮاﻃﻒ ‪ ،‬و ﻟﻜﻦ ﺻﺤﻮة اﻟﻨﺪم آﺎﻧﺖ ﺗﻮﻗﻈﻨﻲ‬
‫اﻟﻤﺮة ﺑﻌﺪ اﻟﻤﺮة ﻋﻠﻰ اﻟﻼﺷﻲء و اﻟﺨﻮاء ‪.‬‬

‫إﻟﻬﻲ ‪ ..‬ﻟﻢ ﺗﻌﺪ اﻟﺪﻧﻴﺎ و ﻻ ﻧﻔﺴﻲ اﻟﻄﺎﻣﻌﺔ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ و ﻻ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺨﺮ ﻟﻲ هﺬﻩ اﻟﺪﻧﻴﺎ و‬
‫ﻻ اﻟﻜﻠﻤﺎت اﻟﺘﻲ اﺣﺘﺎل ﺑﻬﺎ ﻋﻠﻰ هﺬﻩ اﻟﺪﻧﻴﺎ ‪ ..‬ﻣﺮادي و ﻻ ﺑﻀﺎﻋﺘﻲ ‪.‬‬

‫و إﻧﻤﺎ أﻧﺖ وﺣﺪك ﻣﺮادي و ﻣﻘﺼﻮدي و ﻣﻄﻠﻮﺑﻲ ﻓﻌﺎوﻧﻲ ﺑﻚ ﻋﻠﻴﻚ و ﺧﻠﺼﻨﻲ ﺑﻚ ﻣﻦ‬
‫ﺳﻮاك و أﺧﺮﺟﻨﻲ ﺑﻨﻮرك ﻣﻦ ﻋﺒﻮدﻳﺘﻲ ﻟﻐﻴﺮك ﻓﻜﻞ ﻃﻠﺐ ﻟﻐﻴﺮك ﺧﺴﺎر ‪.‬‬

‫أﻧﺖ أﻧﺖ وﺣﺪك ‪ ..‬و ﻣﺎ أرﺗﻀﻲ ﻣﺸﻮار هﺬﻩ اﻟﺪﻧﻴﺎ إﻻ ﻟﺪﻻﻟﺔ هﺬا اﻟﻤﺸﻮار ﻋﻠﻴﻚ و ﻣﺎ‬
‫ﻳﺒﻬﺮﻧﻲ اﻟﺠﻤﺎل إﻻ ﻟﺼﺪورﻩ ﻋﻨﻚ و ﻣﺎ أﻗﺼﺪ اﻟﺨﻴﺮ و ﻻ اﻟﻌﺪل و اﻟﺤﺮﻳﺔ و ﻻ اﻟﺤﻖ إﻻ‬
‫ﻷﻧﻬﺎ ﺗﺠﻠﻴﺎت و أﺣﻜﺎم أﺳﻤﺎﺋﻚ اﻟﺤﺴﻨﻰ ﻳﺎﻣﻦ ﺗﺴﻤﻴﺖ ﺑﺄﻧﻚ اﻟﺤﻖ ‪.‬‬

‫و ﻟﻜﻦ ﺗﻠﻚ هﺠﺮة ﻻ أﻗﺪر ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺪوﻧﻚ و ﻧﻈﺮة ﻻ أﻗﻮى ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﻐﻴﺮ ﻣﻌﻮﻧﺘﻚ ‪ ..‬ﻓﻌﺎوﻧﻲ و‬
‫اﺷﺪد أزري ‪ ..‬ﻓﺤﺴﺒﻲ اﻟﻨﻴﺔ و اﻟﻤﺒﺎدرة ﻓﺬﻟﻚ ﺟﻬﺪ اﻟﻔﻘﻴﺮ ‪ ..‬ﻓﻠﻴﺲ أﻓﻘﺮ ﻣﻨﻲ ‪ ..‬و هﻞ ﺑﻌﺪ‬
‫اﻟﻌﺪم ﻓﻘﺮ ‪ ..‬و ﻗﺪ ﺟﺌﺖ إﻟﻰ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻣﻌﺪﻣًﺎ و أﺧﺮج ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻌﺪﻣًﺎ و أﺟﻮزهﺎ ﻣﻌﺪﻣًﺎ ‪ ..‬زادي‬
‫ﻣﻨﻚ و ﻗﻮﺗﻲ ﻣﻨﻚ و رؤﻳﺘﻲ ﻣﻨﻚ و ﻧﻮري ﻣﻨﻚ ‪.‬‬

‫و اﻟﻴﻮم ﺟﺎءت اﻟﻬﺠﺮة اﻟﻜﺒﺮى اﻟﺘﻲ أﻋﺒﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺤﺎر اﻟﺪﻧﻴﺎ دون أن أﺑﺘﻞ و أﺧﻮض ﻧﺎرهﺎ‬
‫دون أن أﺣﺘﺮق ‪ ..‬ﻓﻜﻴﻒ اﻟﺴﺒﻴﻞ إﻟﻰ ذﻟﻚ دون ﻳﺪك ﻣﻀﻤﻮﻣﺔ إﻟﻰ ﻳﺪي ‪.‬‬

‫و هﻞ ﻳﺪي إﻻ ﻣﻦ ﺻﻨﻊ ﻳﺪك ؟ ‪ ..‬و هﻞ ﻳﺪي إﻻ ﻣﻦ ﻳﺪك ؟!‬

‫و هﻞ هﻨﺎك إﻻ ﻳﺪ واﺣﺪة ؟‬

‫ﻻ إﻟﻪ إﻻ أﻧﺖ ﺳﺒﺤﺎﻧﻚ إﻧﻲ آﻨﺖ ﻣﻦ اﻟﻈﺎﻟﻤﻴﻦ ‪.‬‬

‫ﺳﺒﺤﺎﻧﻚ ﻻ أرى ﻟﻲ ﻳﺪًا ‪.‬‬

‫ﺳﺒﺤﺎﻧﻚ ﻻ أرى ﺳﻮاك ‪.‬‬

‫ﻻ إﻟﻪ إﻻ اﷲ ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪30‬‬
 ‫ﻻ إﻟﻪ إﻻ اﷲ ﺣﻘًﺎ و ﺻﺪﻗًﺎ ‪.‬‬

‫و ذاﺗﻚ هﻲ واﺣﺪة اﻟﺤﺴﻦ ‪.‬‬

‫اﻟﺤﺴﻦ آﻠﻪ ﻣﻨﻬﺎ ‪.‬‬

‫و اﻟﺤﺐ آﻠﻪ ﻟﻬﺎ ‪.‬‬

‫و ﻳﺪك هﻲ واﺣﺪة اﻟﻤﺸﻴﺌﺔ ‪.‬‬

‫اﻟﻔﻌﻞ آﻠﻪ ﻣﻨﻬﺎ و اﻟﻘﻮة آﻠﻬﺎ ﺑﻬﺎ و إن ﺗﻌﺪدت اﻷﻳﺪي ﻓﻲ اﻟﻈﺎهﺮ و ﻇﻦ اﻟﻈﺎﻧﻮن ﺗﻌﺪد‬
‫اﻟﻤﺸﻴﺌﺎت ‪ ..‬و إن ﺗﻌﺪد اﻟﻤﺤﺒﻮن و ﺗﻌﺪدت اﻟﻤﺤﺒﻮﺑﺎت ‪ ..‬ﻣﺎ ﻳﺮآﻊ اﻟﻜﻞ إﻻ ﻋﻠﻰ ﺑﺎﺑﻚ و ﻣﺎ‬
‫ﻳﻠﺜﻢ اﻟﻜﻞ إﻻ أﻋﺘﺎﺑﻚ ‪ ..‬ﻣﺆﻣﻨﻮن و آﻔﺮة ‪ ..‬و إن ﻇﻦ اﻟﻜﺎﻓﺮ أﻧﻪ ﻳﻠﺜﻢ دﻳﻨﺎرًا أو ﻳﻘﺒﻞ ﺧﺪًا‬
‫ﻓﺈﻧﻤﺎ هﻲ أﻳﺎدي رﺣﻤﺘﻚ أو أﻳﺎدي ﻟﻌﻨﺘﻚ هﻲ ﻣﺎ ﻳﻠﺜﻢ و ﻳﻘﺒﻞ دون أن ﻳﺪري ‪.‬‬

‫و إﻧﻤﺎ هﻲ أﺳﻤﺎء و أﻓﻌﺎل و أوﺻﺎف ‪.‬‬

‫و اﻟﻤﺴﻤﻰ واﺣﺪ ‪.‬‬

‫و اﻟﻔﺎﻋﻞ واﺣﺪ ‪.‬‬

‫و اﻟﻤﻮﺻﻮف واﺣﺪ ‪.‬‬

‫ﻻ إﻟﻪ إﻻ هﻮ ‪.‬‬

‫ﻻ إﻟﻪ إﻻ اﷲ ‪.‬‬

‫اﻟﺤﻤﺪ ﻟﻪ ﻓﻲ اﻷول و اﻵﺧﺮ ‪.‬‬

‫رﻓﻌﺖ اﻷﻗﻼم و ﻃﻮﻳﺖ اﻟﺼﺤﻒ و اﻧﺘﻬﺖ اﻟﻜﻠﻤﺎت ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪31‬‬
 ‫اﻟﺤﺐ ﻣﺎ هﻮ؟‬

‫ﻟﻮ ﺳﺄﻟﻨﻲ أﺣﺪآﻢ‪ ..‬ﻣﺎ هﻲ ﻋﻼﻣﺎت اﻟﺤﺐ و ﻣﺎ ﺷﻮاهﺪﻩ ﻟﻘﻠﺖ ﺑﻼ ﺗﺮدد أن ﻳﻜﻮن اﻟﻘﺮب ﻣﻦ‬
‫اﻟﻤﺤﺒﻮﺑﺔ أﺷﺒﻪ ﺑﺎﻟﺠﻠﻮس ﻓﻲ اﻟﺘﻜﻴﻴﻒ ﻓﻲ ﻳﻮم ﺷﺪﻳﺪ اﻟﺤﺮارة و أﺷﺒﻪ ﺑﺎﺳﺘﺸﻌﺎر اﻟﺪفء ﻓﻲ‬
‫ﻳﻮم ﺑﺎرد‪ ..‬ﻟﻘﻠﺖ هﻲ اﻷﻟﻔﺔ و رﻓﻊ اﻟﻜﻠﻔﺔ و أن ﺗﺠﺪ ﻧﻔﺴﻚ ﻓﻲ ﻏﻴﺮ ﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ اﻟﻜﺬب‪ ..‬و أن‬
‫ﻳﺮﻓﻊ اﻟﺤﺮج ﺑﻴﻨﻜﻤﺎ‪ ،‬ﻓﺘﺮى ﻧﻔﺴﻚ ﺗﺘﺼﺮف ﻋﻠﻰ ﻃﺒﻴﻌﺘﻚ دون أن ﺗﺤﺎول أن ﺗﻜﻮن ﺷﻴﺌﺎ‬
‫ﺁﺧﺮ ﻟﺘﻌﺠﺒﻬﺎ‪ ..‬و أن ﺗﺼﻤﺘﺎ أﻧﺘﻤﺎ اﻹﺛﻨﺎن ﻓﻴﺤﻠﻮ اﻟﺼﻤﺖ‪ ،‬و أن ﻳﺘﻜﻠﻢ أﺣﺪآﻤﺎ ﻓﻴﺤﻠﻮ‬
‫اﻹﺻﻐﺎء‪ ..‬و أن ﺗﻜﻮن اﻟﺤﻴﺎة ﻣﻌﺎ هﻲ ﻣﻄﻠﺐ آﻞ ﻣﻨﻜﻤﺎ ﻗﺒﻞ اﻟﻨﻮم ﻣﻌﺎ‪ ..‬و أﻻ ﻳﻄﻔﺊ‬
‫اﻟﻔﺮاش هﺬﻩ اﻷﺷﻮاق و ﻻ ﻳﻮرث اﻟﻤﻠﻞ و ﻻ اﻟﻀﺠﺮ و إﻧﻤﺎ ﻳﻮرث اﻟﺮاﺣﺔ و اﻟﻤﻮدة و‬
‫اﻟﺼﺪاﻗﺔ‪ ..‬و أن ﺗﺨﻠﻮ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﺸﻨﺞ و اﻟﻌﺼﺒﻴﺔ و اﻟﻌﻨﺎد و اﻟﻜﺒﺮﻳﺎء اﻟﻔﺎرغ و اﻟﻐﻴﺮة‬
‫اﻟﺴﺨﻴﻔﺔ و اﻟﺸﻚ اﻷﺣﻤﻖ و اﻟﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﺴﻠﻂ‪ ،‬ﻓﻜﻞ هﺬﻩ اﻷﺷﻴﺎء ﻣﻦ ﻋﻼﻣﺎت اﻷﻧﺎﻧﻴﺔ و‬
‫ﺣﺐ اﻟﻨﻔﺲ و ﻟﻴﺴﺖ ﻣﻦ ﻋﻼﻣﺎت ﺣﺐ اﻵﺧﺮ‪ ..‬و أن ﺗﻜﻮن اﻟﺴﻜﻴﻨﺔ و اﻷﻣﺎن و اﻟﻄﻤﺄﻧﻴﻨﺔ‬
‫هﻲ اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﻨﻔﺴﻴﺔ آﻠﻤﺎ اﻟﺘﻘﻴﺘﻤﺎ‪.‬‬

‫و أﻻ ﻳﻄﻮل ﺑﻴﻨﻜﻤﺎ اﻟﻌﺘﺎب و ﻻ ﻳﺠﺪ أﺣﺪآﻤﺎ ﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ اﻋﺘﺬار اﻵﺧﺮ ﻋﻨﺪ اﻟﺨﻄﺄ‪ ،‬و إﻧﻤﺎ‬
‫ﺗﻜﻮن اﻟﺴﻤﺎﺣﺔ و اﻟﻌﻔﻮ و ﺣﺴﻦ اﻟﻔﻬﻢ هﻲ اﻟﻘﺎﻋﺪة‪ ..‬و أﻻ ﺗﺸﺒﻊ أﻳﻜﻤﺎ ﻗﺒﻠﺔ أو ﻋﻨﺎق أو أي‬
‫ﻣﺰاوﻟﺔ ﺟﻨﺴﻴﺔ و ﻻ ﺗﻌﻮد ﻟﻜﻤﺎ راﺣﺔ إﻻ ﻓﻲ اﻟﺤﻴﺎة ﻣﻌﺎ و اﻟﻤﺴﻴﺮة ﻣﻌﺎ و آﻔﺎح اﻟﻌﻤﺮ ﻣﻌﺎ‪.‬‬

‫ذﻟﻚ هﻮ اﻟﺤﺐ ﺣﻘﺎ‪.‬‬

‫و ﻟﻮ ﺳﺄﻟﺘﻢ‪ ..‬أهﻮ ﻣﻮﺟﻮد ذﻟﻚ اﻟﺤﺐ‪ ..‬و آﻴﻒ ﻧﻌﺜﺮ ﻋﻠﻴﻪ؟ ﻟﻘﻠﺖ ﻧﻌﻢ ﻣﻮﺟﻮد و ﻟﻜﻦ ﻧﺎدر‪..‬‬
‫و هﻮ ﺛﻤﺮة ﺗﻮﻓﻴﻖ إﻟﻬﻲ و ﻟﻴﺲ ﺛﻤﺮة اﺟﺘﻬﺎد ﺷﺨﺼﻲ‪.‬‬

‫و هﻮ ﻧﺘﻴﺠﺔ اﻧﺴﺠﺎم ﻃﺒﺎﺋﻊ ﻳﻜﻤﻞ ﺑﻌﻀﻬﺎ اﻟﺒﻌﺾ اﻵﺧﺮ و ﻧﻔﻮس ﻣﺘﺂﻟﻔﺔ ﻣﺘﺮاﺣﻤﺔ ﺑﺎﻟﻔﻄﺮة‪.‬‬

‫و ﺷﺮط ﺣﺪوﺛﻪ أن ﺗﻜﻮن اﻟﻨﻔﻮس ﺧﻴﺮة أﺻﻼ ﺟﻤﻴﻠﺔ أﺻﻼ‪.‬‬

‫و اﻟﺠﻤﺎل اﻟﻨﻔﺴﻲ و اﻟﺨﻴﺮ هﻮ اﻟﻤﺸﻜﺎة اﻟﺘﻲ ﻳﺨﺮج ﻣﻨﻬﺎ هﺬا اﻟﺤﺐ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪32‬‬
‫و إذا ﻟﻢ ﺗﻜﻦ اﻟﻨﻔﻮس ﺧﻴﺮة ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﺗﻌﻄﻲ ﻓﻬﻲ أﺻﻼ ﻓﻘﻴﺮة ﻣﻈﻠﻤﺔ ﻟﻴﺲ ﻋﻨﺪهﺎ‬
‫ﻣﺎ ﺗﻌﻄﻴﻪ‪.‬‬

‫و ﻻ ﻳﺠﺘﻤﻊ اﻟﺤﺐ واﻟﺠﺮﻳﻤﺔ إﻻ ﻓﻲ اﻷﻓﻼم اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺴﺨﻴﻔﺔ اﻟﻤﻔﺘﻌﻠﺔ‪ ..‬و ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻮﻧﻪ اﻟﺤﺐ‬
‫ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻷﻓﻼم هﻮ ﻓﻲ ﺣﻘﻴﻘﺘﻪ ﺷﻬﻮات و رﻏﺒﺎت ﺣﻴﻮاﻧﻴﺔ و ﻧﻔﻮس ﻣﺠﺮﻣﺔ ﺗﺘﺴﺘﺮ ﺑﺎﻟﺤﺐ‬
‫ﻟﺘﺼﻞ إﻟﻰ أﻏﺮاﺿﻬﺎ‪.‬‬

‫أﻣﺎ اﻟﺤﺐ ﻓﻬﻮ ﻗﺮﻳﻦ اﻟﺴﻼم و اﻷﻣﺎن و اﻟﺴﻜﻴﻨﺔ و هﻮ رﻳﺢ ﻣﻦ اﻟﺠﻨﺔ‪ ،‬أﻣﺎ اﻟﺬي ﻧﺮاﻩ ﻓﻲ‬
‫اﻷﻓﻼم ﻓﻬﻮ ﻧﻔﺚ اﻟﺠﺤﻴﻢ‪.‬‬

‫و إذا ﻟﻢ ﻳﻜﻦ هﺬا اﻟﺤﺐ ﻗﺪ ﺻﺎدﻓﻜﻢ و إذا ﻟﻢ ﻳﺼﺎدﻓﻜﻢ ﻣﻨﻪ ﺷﻲء ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻜﻢ ﻓﺎﻟﺴﺒﺐ أﻧﻜﻢ‬
‫ﻟﺴﺘﻢ ﺧﻴﺮﻳﻦ أﺻﻼ ﻓﺎﻟﻄﻴﻮر ﻋﻠﻰ أﺷﻜﺎﻟﻬﺎ ﺗﻘﻊ و اﻟﻤﺠﺮم ﻳﺘﺪاﻋﻰ ﺣﻮﻟﻪ اﻟﻤﺠﺮﻣﻮن و اﻟﺨﻴﺮ‬
‫اﻟﻔﺎﺿﻞ ﻳﻘﻊ ﻋﻠﻰ ﺷﺎآﻠﺘﻪ‪..‬‬

‫و ﻋﺪل اﷲ ﻻ ﻳﺘﺨﻠﻒ ﻓﻼ ﺗﻠﻮﻣﻮا اﻟﻨﺼﻴﺐ و اﻟﻘﺪر و اﻟﺤﻆ و إﻧﻤﺎ ﻟﻮﻣﻮا أﻧﻔﺴﻜﻢ‪.‬‬

‫و ﻗﺪ ﻳﻤﺘﺤﻦ اﷲ اﻟﺮﺟﺎل اﻷﺑﺮار ﺑﺎﻟﻨﺴﺎء اﻟﺸﺮﻳﺮات أو اﻟﻌﻜﺲ و ذﻟﻚ ﺑﺎب ﺁﺧﺮ ﻟﻪ ﺣﻜﻤﺘﻪ و‬
‫أﺳﺮارﻩ‪.‬‬

‫و ﻗﺪ ﺳﻠﻂ اﷲ اﻟﻤﺠﺮﻣﻴﻦ و اﻟﻘﺘﻠﺔ ﻋﻠﻰ أﻧﺒﻴﺎﺋﻪ و اﻣﺘﺤﻦ ﺑﺎﻟﻤﺮض أﻳﻮب و ﺑﺎﻟﻔﺘﻨﺔ ﻳﻮﺳﻒ و‬
‫ﺑﺎﻟﻔﺮاﻋﻴﻦ اﻟﻐﻼظ ﻣﻮﺳﻰ و ﺑﺎﻟﺰوﺟﺎت اﻟﺨﺎﺋﻨﺎت ﻧﻮﺣﺎ و ﻟﻮﻃﺎ‪.‬‬

‫و أﺳﺮار اﻟﻔﺸﻞ و اﻟﺘﻮﻓﻴﻖ ﻋﻨﺪ اﷲ‪ ..‬و ﻟﻴﺲ آﻞ ﻓﺸﻞ ﻧﻘﻤﺔ ﻣﻦ اﷲ‪.‬‬

‫و ﻗﺪ ﻗﻄﻊ اﻟﻤﻠﻚ هﻴﺮودوس رأس اﻟﻨﺒﻲ ﻳﻮﺣﻨﺎ اﻟﻤﻌﻤﺪان و ﻗﺪﻣﻬﺎ ﻣﻬﺮا ﻟﺒﻐﻲ ﻋﺎهﺮة‪.‬‬

‫و ﻟﻢ ﻳﻜﻦ هﺬا اﻧﺘﻘﺎﺻﺎ ﻣﻦ ﻗﺪر ﻳﻮﺣﻨﺎ ﻋﻨﺪ اﷲ‪ ..‬و إﻧﻤﺎ هﻮ اﻟﺒﻼء‪.‬‬

‫ﻓﻨﺮﺟﻮ أن ﻳﻜﻮن ﻓﺸﻠﻨﺎ و ﻓﺸﻠﻜﻢ هﻮ ﻓﺸﻞ آﺮﻳﻢ ﻣﻦ هﺬا اﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﺒﻼء اﻟﺬي ﻳﻤﺘﺤﻦ‬
‫اﻟﻨﻔﻮس و ﻳﻔﺠﺮ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺨﻴﺮ و اﻟﺤﻜﻤﺔ و اﻟﻨﻮر و ﻟﻴﺲ ﻓﺸﻞ اﻟﻨﻔﻮس اﻟﻤﻈﻠﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺣﻆ‬
‫ﻟﻬﺎ و ﻻ ﻗﺪرة ﻋﻠﻰ ﺣﺐ أو ﻋﻄﺎء‪.‬‬

‫و ﻧﻔﻮﺳﻨﺎ ﻗﺪ ﺗﺨﻔﻲ أﺷﻴﺎء ﺗﻐﻴﺐ ﻋﻨﺎ ﻧﺤﻦ أﺻﺤﺎﺑﻬﺎ‪ .‬و ﻗﺪ ﻻ ﺗﻨﺴﺠﻢ اﻣﺮأة و رﺟﻞ ﻷن‬
‫ﻧﻔﺴﻴﻬﻤﺎ ﻣﺜﻞ اﻟﻤﺎء و اﻟﺰﻳﺖ ﻣﺘﻨﺎﻓﺮﺗﺎن ﺑﺎﻟﻄﺒﻴﻌﺔ‪ ،‬و ﻟﻮ آﺎﻧﺎ ﻣﺜﻞ اﻟﻤﺎء و اﻟﺴﻜﺮ ﻟﺬاﺑﺎ و‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪33‬‬
 ‫اﻣﺘﺰﺟﺎ و ﻟﻮ آﺎﻧﺎ ﻣﺜﻞ اﻟﻌﻄﺮ و اﻟﺰﻳﺖ ﻟﺬاﺑﺎ و اﻣﺘﺰﺟﺎ‪ ..‬و اﻟﻤﺸﻜﻠﺔ أن ﻳﺼﺎدف اﻟﺮﺟﻞ‬
‫اﻟﻤﻨﺎﺳﺐ اﻟﻤﺮأة اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ‪.‬‬

‫و ذﻟﻚ هﻮ اﻟﺤﺐ ﻓﻲ آﻠﻤﺔ واﺣﺪة‪ :‬اﻟﺘﻨﺎﺳﺐ‪ .‬ﺗﻨﺎﺳﺐ اﻟﻨﻔﻮس و اﻟﻄﺒﺎﺋﻊ ﻗﺒﻞ ﺗﻨﺎﺳﺐ اﻷﺟﺴﺎم‬
‫و اﻷﻋﻤﺎر و اﻟﺜﻘﺎﻓﺎت‪.‬‬

‫و ﻗﺪ ﻳﻄﻐﻰ ﻋﺎﻣﻞ اﻟﺨﻴﺮ ﺣﺘﻰ ﻋﻠﻰ ﻋﺎﻣﻞ اﻟﺘﻨﺎﺳﺐ ﻓﻨﺮى اﻟﺮﺳﻮل ﻣﺤﻤﺪا ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺼﻼة و‬
‫اﻟﺴﻼم ﻳﺘﺰوج ﺑﻤﻦ ﺗﻜﺒﺮﻩ ﺑﺨﻤﺴﺔ و ﻋﺸﺮﻳﻦ ﻋﺎﻣﺎ و ﻳﺘﺰوج ﺑﻤﻦ ﺗﺼﻐﺮﻩ ﺑﺄرﺑﻌﻴﻦ ﻋﺎﻣﺎ‬
‫ﻓﺘﺤﺒﻪ اﻹﺛﻨﺘﺎن ﺧﺪﻳﺠﺔ و ﻋﺎﺋﺸﺔ آﻞ اﻟﺤﺐ و ﻻ ﺗﻨﺎﺳﺐ ﻓﻲ اﻟﻌﻤﺮ و ﻻ ﻓﻲ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ‬
‫ﻓﻬﻮ اﻟﻨﺒﻲ اﻟﺬي ﻳﻮﺣﻰ إﻟﻴﻪ و هﻤﺎ ﻣﻦ ﻋﺎﻣﺔ اﻟﻨﺎس‪.‬‬

‫و ﻧﺮاﻩ ﻳﺘﺰوج ﺑﺎﻟﻴﻬﻮدﻳﺔ ﺻﻔﻴﺔ ﺻﺒﻴﺤﺔ اﻟﻴﻮم اﻟﺬي ﻗﺘﻞ ﻓﻴﻪ ﺟﻴﺸﻪ زوﺟﻬﺎ و أﺑﺎهﺎ و أﺧﺎهﺎ‬
‫و ﺷﺒﺎب ﻗﻮﻣﻬﺎ و زهﺮة رﺟﺎﻟﻬﻢ واﺣﺪا واﺣﺪا ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻄﻊ ﻓﻲ ﺧﻴﺒﺮ‪ ..‬ﻳﺘﺰوﺟﻬﺎ ﺑﻌﺪ هﺬﻩ‬
‫اﻟﻤﺬﺑﺤﺔ ﻓﻨﺮاهﺎ ﺗﺄوي إﻟﻰ ﺑﻴﺘﻪ و ﺗﺴﻠﻢ ﻟﻪ ﻗﻠﺒﻬﺎ ﻣﺸﻐﻮﻓﺔ ﻣﺆﻣﻨﺔ و ﻟﻢ ﺗﻜﺪ دﻣﺎء ﻗﻮﻣﻬﺎ ﺗﺠﻒ‪..‬‬
‫ﻓﻜﻴﻒ ﺣﺪث هﺬا و ﻻ ﺗﻨﺎﺳﺐ و إﻧﻤﺎ أﺣﻘﺎد و أﺿﻐﺎن و ﺛﺎرات‪..‬‬

‫إﻧﻪ اﻟﺨﻴﺮ و اﻟﺨﻠﻖ اﻷﺳﻤﻰ ﻓﻲ ﻧﻔﺲ اﻟﺮﺳﻮل اﻟﻜﺮﻳﻢ – ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ و ﺳﻠﻢ‪ -‬هﻮ اﻟﺬي‬
‫ﻗﻬﺮ اﻟﻈﻠﻤﺔ و هﻮ اﻟﺬي ﺣﻘﻖ اﻟﻤﻌﺠﺰة دون ﺷﺮوط‪..‬‬

‫إﻧﻪ اﻟﻨﻮر اﻟﺬي ﺧﺮج ﻣﻦ ﻣﺸﻜﺎة هﺬا اﻟﻘﻠﺐ اﻟﻤﻌﺠﺰ ﻓﺼﻨﻊ اﻟﺴﺤﺮ و أﺳﺮ اﻟﻘﻠﻮب و ﻃﻮع‬
‫اﻟﻨﻔﻮس ﺣﺘﻰ ﻣﻊ اﻟﻔﻮارق اﻟﻈﺎهﺮة و ﻋﺪم اﻟﺘﻨﺎﺳﺐ و ﻣﻊ اﻷﺿﻐﺎن و اﻷﺣﻘﺎد و اﻟﺜﺎرات‪..‬‬

‫إﻧﻤﺎ ﻧﺘﻜﻠﻢ ﻧﺤﻦ اﻟﻌﺎدﻳﻮن ﻋﻦ اﻟﺘﻨﺎﺳﺐ‪..‬‬

‫أﻣﺎ ﻓﻲ ﻣﺴﺘﻮى اﻷﻧﺒﻴﺎء ﻓﺬﻟﻚ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﺨﻮارق و اﻟﻤﻌﺠﺰات‪..‬‬

‫و ﻣﺎ زاﻟﺖ اﻟﻘﻠﻮب اﻟﺨﻴﺮة و اﻟﻨﻔﻮس اﻟﻜﺎﻣﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻬﺎ ﺣﻆ ﻣﻦ هﺬا اﻟﻤﺴﺘﻮى ﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ‬
‫ﺑﻠﻮغ اﻟﺤﺐ و ﺗﺤﻘﻴﻖ اﻻﻧﺴﺠﺎم ﻓﻲ ﺑﻴﻮﺗﻬﺎ ﺑﺮﻏﻢ اﻟﻔﺮوق اﻟﻈﺎهﺮة ﻓﻲ اﻟﺴﻦ و اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ‪..‬‬

‫ذﻟﻚ أن اﻟﺤﺐ اﻟﺬي هﻮ ﺗﻨﺎﺳﺐ و اﻧﺴﺠﺎم ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻨﺎ ﻧﺤﻦ اﻟﻌﺎدﻳﻴﻦ‪ ..‬هﻮ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺘﻮى‬
‫اﻷﻋﻠﻰ ﻣﻦ اﻟﺒﺸﺮ ﻧﻔﺤﺔ إﻟﻬﻴﺔ‪..‬‬

‫و ﻣﻦ ذا اﻟﺬي ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﻘﻴﺪ ﻋﻠﻰ اﷲ ﻧﻔﺤﺎﺗﻪ أو ﻳﺸﺘﺮط ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ هﺒﺎﺗﻪ‪..‬‬

‫و إذا ﺷﺎء اﷲ أن ﻳﺮﺣﻢ أﺣﺪا ﻓﻤﻦ ذا اﻟﺬي ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﻤﻨﻊ رﺣﻤﺘﻪ‪..‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪34‬‬
 ‫و اﻟﺤﺐ ﺳﺮ ﻣﻦ أﻋﻤﻖ أﺳﺮار رﺣﻤﺘﻪ‪..‬‬

‫و ﻻ ﻳﻨﺘﻬﻲ ﻓﻲ اﻟﺤﺐ آﻼم‪..‬‬

‫اﻻﺑﺘﻬﺎل‬

‫إﻟﻬﻲ‪ ..‬ﻳﺎ ﻣﻨﺒﻊ ﺟﻤﻴﻊ اﻷﻧﻮار‬

‫ﺗﺮى ﻣﻦ ﻧﺤﺐ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻧﻨﻈﺮ إﻟﻰ ﺑﻌﻀﻨﺎ اﻟﺒﻌﺾ‪..‬؟!‬

‫و هﻞ ﻧﺤﺐ إﻻ ﻧﻮرك أﻧﺖ و أﺛﺮ ﻳﺪﻳﻚ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻠﺼﺎل‬

‫و هﻞ ﻳﺴﻜﺮﻧﺎ إﻻ ﻧﻔﺨﺔ روﺣﻚ اﻟﺘﻲ ﻧﻔﺨﺘﻬﺎ ﻓﻴﻨﺎ‬

‫و هﻞ ﻧﻄﺎﻟﻊ ﻓﻲ آﻞ ﺟﻤﻴﻞ إﻻ وﺟﻬﻚ‬

‫و هﻞ آﻞ ﻳﺪ ﺷﺎﻓﻴﺔ و آﻞ ﻗﺒﻠﺔ رﺣﻴﻤﺔ إﻻ ﺗﺮﺟﻤﺎن رﺣﻤﺘﻚ‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪35‬‬
 ‫ﻓﻜﻴﻒ ﻳﺎ إﻟﻬﻲ ﺗﻀﻞ ﺑﻨﺎ اﻷودﻳﺔ و ﺗﺘﻔﺮق ﺑﻨﺎ اﻟﺴﻜﻚ و ﻧﺨﺮج ﻣﻦ اﺳﻤﻚ إﻟﻰ أﺳﻤﺎﺋﻨﺎ‬
‫ﻓﻨﺴﺠﻦ أﻧﻔﺴﻨﺎ ﻓﻲ هﺬا اﻟﺼﺪر أو ﻧﺘﻮﻩ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻌﻨﻖ أو ﻧﻬﺎﺟﺮ ﻓﻲ ﺗﻠﻜﻤﺎ اﻟﻌﻴﻨﻴﻦ و ﺗﺘﺴﻜﻊ‬
‫أﻳﺪﻳﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﺤﺎس اﻷﺿﺮﺣﺔ ﻓﻨﻠﺜﻢ اﻟﺸﻔﺎﻩ و ﻳﺨﻴﻞ إﻟﻴﻨﺎ أﻧﻨﺎ ﻧﺬوق ﺧﻤﺮك و ﻣﺎ ﻧﺬوق إﻻ‬
‫زﺟﺎج اﻟﻜﺆوس اﻟﺘﻲ أودﻋﺖ ﻓﻴﻬﺎ ذﻟﻚ اﻟﺮﺣﻴﻖ اﻟﺨﻔﻲ اﻟﺬي هﻮ ﺳﺮ أﺳﺮارك‪.‬‬

‫و ﻳﺨﻴﻞ إﻟﻴﻨﺎ أﻧﻨﺎ ﺑﻠﻐﻨﺎ اﻟﻤﻨﺘﻬﻰ و ﻣﺎ ﺑﻠﻐﻨﺎ إﻻ ﻟﻤﺲ اﻟﻐﻼف و ﺗﺤﺴﺲ اﻟﻤﺤﺎرة أﻣﺎ اﻟﻠﺆﻟﺆ‬
‫داﺧﻞ اﻟﻤﺤﺎرة‪ ..‬و اﻟﻨﻮر اﻟﻤﻐﻴﺐ ﻓﻲ ﺷﻐﺎف اﻟﻘﻠﻮب و اﻟﺴﺮ اﻟﻤﻮدع ﻓﻲ اﻟﻌﻴﻮن ﻓﻠﻴﺲ ﻟﻨﺎ‬
‫ﻣﻨﻪ إﻻ ﺣﻆ اﻟﻘﺮب و اﻟﻤﻄﺎﻟﻌﺔ و اﻻﺳﺘﺸﺮاف ﻣﻦ ﺑﻌﺪ ﺣﻴﺚ ﻻ وﺻﺎل و ﻻ اﺗﺼﺎل و ﻻ‬
‫اﻧﻔﺼﺎل و ﻻ ﻧﻮال‪ ..‬و إﻧﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﺬروة ﻣﻦ اﻻﺣﺴﺎس‪ ..‬ﻳﺄﺗﻲ ذﻟﻚ اﻹﻏﻤﺎء‪ ..‬و ﺗﻠﻚ اﻟﻐﻴﺒﻮﺑﺔ‬
‫اﻟﺼﺎﺣﻴﺔ‪ ..‬و ﺗﻠﻚ اﻟﻨﺸﻮة اﻟﻐﺎﻣﺮة‪ ..‬ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻧﻮﺷﻚ أن ﻧﻜﻮن ﻗﺎب ﻗﻮﺳﻴﻦ أو أدﻧﻰ ﻣﻦ ﻟﻘﺎء‬
‫اﻟﺴﺮ ﺑﺎﻟﺴﺮ‪.‬‬

‫و ﻻ ﺳﺮ إﻻ ﺳﺮك و إن ﺗﻌﺪدت اﻷﺳﻤﺎء و ﺗﻨﻮﻋﺖ اﻟﻤﻔﺎﺗﻦ و اﺧﺘﻠﻔﺖ اﻟﻮﺟﻮﻩ‪.‬‬

‫إﻧﻤﺎ هﻮ أﻧﺖ وﺣﺪك اﻟﻤﺤﺒﻮب أﻳﻨﻤﺎ ﺗﻮﺟﻪ ﻗﻠﺐ ﻣﺤﺐ‪ ..‬و أﻧﺖ وﺣﺪك اﻟﻤﻌﺒﻮد أﻳﻨﻤﺎ ﺗﻮﺟﻬﺖ‬
‫ﻧﻈﺮات ﻋﺎﺑﺪ‪.‬‬

‫و أﻧﺖ وﺣﺪك اﻟﺮزاق و إن ﺗﻌﺪدت اﻷﻳﺪي اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻄﻲ‪.‬‬

‫إﻧﻤﺎ ﺗﺴﺘﻤﺪ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻤﺼﺎﺑﻴﺢ ﻧﻮرهﺎ ﻣﻦ ﻧﻮرك‪.‬‬

‫آﻞ ﻣﺼﺒﺎح ﻳﺄﺧﺬ ﻣﻨﻚ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺐ اﺳﺘﻌﺪادﻩ‪ .‬و ﻳﻌﻄﻲ ﻣﻦ ﻧﻮرك ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺐ ﺷﻔﺎﻓﻴﺘﻪ‪.‬‬

‫و ﻟﻜﻦ اﻟﻌﻄﺎء ﻓﻲ اﻷﺻﻞ ﻣﻨﻚ و اﻟﺠﻤﺎل ﻣﻨﻚ و اﻟﻨﻮر ﻣﻨﻚ‪.‬‬

‫ﺳﺒﺤﺎﻧﻚ ﻻ ﺷﺮﻳﻚ ﻟﻚ‪.‬‬

‫ﺳﺒﺤﺎﻧﻚ و اﻟﺤﻤﺪ ﻟﻚ‪.‬‬

‫ﺳﺒﺤﺎﻧﻚ واﻟﺤﺐ ﻟﻚ‪.‬‬

‫ﻳﺎرب‪ ..‬ﺳﺄﻟﺘﻚ ﺑﺎﺳﻤﻚ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﺮﺣﻴﻢ أن ﺗﻨﻘﺬﻧﻲ ﻣﻦ ﻋﻴﻨﻲ ﻓﻼ ﺗﺮﻳﻨﻲ اﻷﺷﻴﺎء إﻻ ﺑﻌﻴﻨﻚ‬
‫أﻧﺖ و ﺗﻨﻘﺬﻧﻲ ﻣﻦ ﻳﺪي ﻓﻼ ﺗﺄﺧﺬﻧﻲ ﺑﻴﺪي ﺑﻞ ﺑﻴﺪك أﻧﺖ ﺗﺠﻤﻌﻨﻲ ﺑﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ أﺣﺐ ﻋﻨﺪ‬
‫ﻣﻮﻗﻊ رﺿﺎك‪ ..‬ﻓﻬﻨﺎك اﻟﺤﺐ اﻟﺤﻖ‪ ..‬و هﻨﺎك أﺳﺘﻄﻴﻊ أن أﻗﻮل‪ ..‬ﻟﻘﺪ اﺧﺘﺮت‪ ..‬ﻷﻧﻚ أﻧﺖ‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪36‬‬
 ‫اﻟﺬي اﺧﺘﺮت‪ ..‬و أﻧﺖ اﻟﻮﺣﻴﺪ اﻟﺬي ﺗﻮﺛﻖ ﺟﻤﻴﻊ اﻻﺧﺘﻴﺎرات و ﺗﺒﺎرك آﻞ اﻟﺤﺮﻳﺎت‪ ..‬أﻧﺖ‬
‫اﻟﺤﺮﻳﺔ و ﻣﻨﻚ اﻟﺤﺮﻳﺔ و ﺑﻚ اﻟﺤﺮﻳﺔ و أﻧﺖ اﻟﺤﺐ و ﻣﻨﻚ اﻟﺤﺐ و ﺑﻚ اﻟﺤﺐ‪.‬‬

‫أﻧﺖ اﻟﺤﻖ و اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ‪.‬‬

‫و ﻣﺎ ﻋﺪا ذﻟﻚ أﺿﺮﺣﺔ و ﻧﺤﺎس و ﺧﺸﺐ و ﺻﻠﺼﺎل و ﺣﺠﺎرة و أهﺪاب و ﻋﻴﻮن و‬

‫ﻣﺤﺎﺟﺮ و أوﺛﺎن ﺗﺴﺠﺪ ﻷوﺛﺎن‪.‬‬

‫ﻻ ﺗﺪﻋﻨﻲ ﻳﺎ إﻟﻬﻲ ﻓﻲ اﻟﻈﻠﻤﺔ أﻟﺜﻢ اﻟﺤﺠﺎرة و أﻋﺎﻧﻖ اﻟﺼﻠﺼﺎل و أﻋﺒﺪ اﻟﻮﺛﻦ‪.‬‬

‫ﺑﺸﻔﺔ اﻟﺸﻴﻄﺎن ﻟﺜﻤﺖ هﺬﻩ اﻷﺷﻴﺎء و ﻇﻨﻨﺖ أﻧﻬﺎ ﺷﻔﺘﻲ و ﺑﺬراﻋﻲ اﻟﺸﻴﻄﺎن ﻋﺎﻧﻘﺖ و ﻇﻨﻨﺖ‬
‫أﻧﻬﻤﺎ ذراﻋﺎي‪.‬‬
‫اﺳﺘﺤﻠﻔﺘﻚ ﺑﻀﻌﻔﻲ و ﻗﻮﺗﻚ‬
‫و أﻗﺴﻤﺖ ﻋﻠﻴﻚ ﺑﻌﺠﺰي و اﻗﺘﺪارك‬
‫إﻻ ﺟﻌﻠﺖ ﻟﻲ ﻣﺨﺮﺟﺎ ﻣﻦ ﻇﻠﻤﺘﻲ إﻟﻰ ﻧﻮري و ﻣﻦ ﻧﻮري إﻟﻰ ﻧﻮرك‬
‫ﺳﺒﺤﺎﻧﻚ‪...‬‬

‫ﻻ إﻟﻪ إﻻ أﻧﺖ‬
‫ﻻ إﻟﻪ إﻻ اﷲ‪.‬‬

‫أراد أن ﻳﺮﺣﻤﻬﺎ‬

‫هﻲ ﺻﺎﺣﺒﺔ ﻣﺎل و ﺟﻤﺎل و دﻻل‪.‬‬

‫ﻓﻲ أﻧﺎﻣﻠﻬﺎ اﻟﺮﻗﻴﻘﺔ اﻟﻤﺮﺻﻌﺔ ﻣﻦ ﺧﻮاﺗﻢ اﻟﻤﺎس و اﻟﺰﻣﺮد ﻣﺎ ﻳﻜﻔﻲ ﻟﺒﻨﺎء ﺟﺎﻣﻌﺔ‪.‬‬

‫و ﻋﻠﻰ آﺘﻔﻴﻬﺎ ﻣﻌﻄﻒ أﻧﻴﻖ ﻣﻦ ﻓﺮاء اﻟﻔﻴﺰون اﻟﻨﺎدر ﻳﻜﻔﻲ ﻟﻺﻧﻔﺎق ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﺸﻔﻰ‪.‬‬

‫و ﻓﻲ ﺟﺮاج ﺑﺎﺑﺎ ﺛﻼث ﻋﺮﺑﺎت ﻣﺮﺳﻴﺪس أﻣﺪ اﷲ ﻓﻲ ﻋﻤﺮﻩ و هﻮ ﻻ ﻳﺮد ﻟﻬﺎ ﻃﻠﺒﺎ‪ ..‬و آﻠﻤﺎ‬
‫رﻓﺾ ﻟﻬﺎ ﻋﺮﻳﺴﺎ زادهﺎ ﻓﻲ أﺻﺎﺑﻌﻬﺎ ﺧﺎﺗﻤﺎ‪.‬‬

‫و هﻲ ﺑﻌﺪ أن اﻣﺘﻠﻜﺖ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻻ ﺗﻌﺮف ﻣﺎذا ﺗﺮﻳﺪ ﺑﺎﻟﻀﺒﻂ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪37‬‬
 ‫و هﻲ و إن آﺎﻧﺖ ﻻ ﺗﻌﺮف ﻣﺎذا ﺗﺮﻳﺪ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﻌﺮف ﺗﻤﺎﻣﺎ ﻣﺎذا ﺗﺮﻓﺾ‪.‬‬

‫و هﻲ ﺗﺮﻓﺾ آﻞ ﻣﺎ ﻳﻄﺮق ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺒﺎب‪.‬‬

‫ﺣﺘﻰ اﻟﻄﻘﺲ ﺗﺮﻓﻀﻪ‪ ..‬ﻓﻬﻮ داﺋﻤﺎ ﺣﺎر أآﺜﺮ ﻣﻦ اﻟﻼزم أو ﺑﺎرد أآﺜﺮ ﻣﻦ اﻟﻼزم‪ ..‬أو ﻏﺎﺋﻢ‬
‫أآﺜﺮ ﻣﻦ اﻟﻼزم أو ﺻﺤﻮ أآﺜﺮ ﻣﻦ اﻟﻼزم أو رﻃﺐ أآﺜﺮ ﻣﻦ اﻟﻼزم‪.‬‬

‫آﻤﺎ أن اﻟﻄﻌﺎم دﺳﻢ أآﺜﺮ ﻣﻦ اﻟﻼزم أو ﻣﻤﻠﺢ أآﺜﺮ ﻣﻦ اﻟﻼزم أو ﻣﺴﻜﺮ أآﺜﺮ ﻣﻦ اﻟﻼزم أو‬
‫ﺳﺎﺧﻦ أآﺜﺮ ﻣﻦ اﻟﻼزم أو ﺑﺎرد أآﺜﺮ ﻣﻦ اﻟﻼزم‪.‬‬

‫و ﻻﺑﺪ أن ﺗﺮى ﻓﻲ آﻞ ﺷﻲء ﻋﻴﺒﺎ‪.‬‬

‫ﻧﻮع ﻣﻦ اﻟﺪﻟﻊ و ﺳﻮء اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ‪.‬‬

‫ﻋﻘﺪة اﻟﺘﺮف و اﻟﻮﻓﺮة‪.‬‬

‫و أف ﻣﻦ هﺬا‪.‬‬

‫و أف ﻣﻦ ذاك‪.‬‬

‫ﺑﺮداﻧﺔ‪ ..‬ﺣﺮاﻧﺔ‪ ..‬ﻣﺘﻀﺎﻳﻘﺔ‪ ..‬ﻗﻠﻘﺎﻧﺔ‪ ..‬زهﻘﺎﻧﺔ‪ ..‬ﻳﺮن ﺗﻠﻴﻔﻮﻧﻬﺎ آﻞ ﺛﻼث دﻗﺎﺋﻖ‪.‬‬

‫ﺗﺒﻜﻲ ﺑﻼ ﺳﺒﺐ‪.‬‬

‫ﻣﻦ اﻟﻀﺠﺮ أﺣﻴﺎﻧﺎ‪..‬‬

‫أو ﻣﻦ ﻋﺐء ﺣﺮﻳﺔ ﻻ ﺗﻌﺮف ﻓﻴﻤﺎ ﺗﻨﻔﻘﻬﺎ و ﻻ آﻴﻒ ﺗﻨﻔﻘﻬﺎ‪.‬‬

‫أو ﻣﻦ أﺛﻘﺎل ﺛﺮوة ﻻ ﺗﻌﺮف آﻴﻒ ﺗﺒﺪدهﺎ‪.‬‬

‫أو ﻣﻦ وﻃﺄة زﻣﻦ ﻻ ﻣﻌﻘﻮل ﻳﺠﺮﺟﺮ وراءﻩ اﻟﻌﻘﻢ و اﻟﻼﺟﺪوى‪ ..‬و اﻟﻌﺒﺚ اﻟﻔﺎرغ‪.‬‬

‫رأﻳﺘﻬﺎ ﺗﺪور آﺎﻟﻔﺮاﺷﺔ ﺣﻮل ﻏﺮﻓﺔ ﻧﻮم ﻓﻲ ﻣﻌﺮض ﻣﻮﺑﻴﻠﻴﺎ‪ ..‬و ﺗﺤﻤﻠﻖ ﻓﻲ اﻷﺛﺎث اﻟﻤﺘﺮف‬
‫ﺑﻌﻴﻮن ﻧﺎﺋﻤﺔ‪ ..‬ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺮﻳﺮ ﺑﻄﺎﻗﺔ ﺑﺎﻟﺜﻤﻦ ‪ 26‬أﻟﻒ ﺟﻨﻴﻪ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪38‬‬
 ‫و ﻣﻦ ﺧﻼل أهﺪاﺑﻬﺎ اﻟﻤﻄﻠﻴﺔ ﺑﺎﻟﻤﺎﺳﻜﺎرا ﺗﺘﺄﻣﻞ وﺳﺎﺋﺪ رﻳﺶ اﻟﻨﻌﺎم و اﻟﺪوﻻب اﻟﻤﻜﺴﻮ‬
‫ﺑﺎﻟﺸﺎﻣﻮا و اﻻزرار اﻹﻟﻜﺘﺮوﻧﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺘﻨﺎول اﻟﻴﺪ اﻟﺘﻲ ﺗﻄﻔﺊ و ﺗﺪﻳﺮ و ﺗﻐﻴﺮ ﻗﻨﻮات‬
‫اﻟﺘﻠﻴﻔﺰﻳﻮن اﻟﻤﺜﺒﺖ ﻓﻲ أﻗﺼﻰ اﻟﺴﺮﻳﺮ و ﺗﺸﻐﻞ اﻟﺴﺘﺮﻳﻮ و اﻟﺒﻴﻚ ﺁب و اﻟﻜﺎﺳﻴﺖ‪.‬‬

‫و ﺳﻤﻌﺘﻬﺎ ﺗﻤﻂ ﺷﻔﺘﻴﻬﺎ و ﺗﻬﻤﺲ ﻓﻲ ﻧﺒﺮة ﻻ ﻣﺒﺎﻟﻴﺔ‪ ..‬ﻣﻮش ﺑﻄﺎل‪.‬‬

‫ﻻ ﺷﻚ أﻧﻬﺎ ﺳﻮف ﺗﺤﺪث ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺘﻠﻴﻔﻮن ﺑﻌﺪ دﻗﺎﺋﻖ ﻓﻲ ﺷﺄن هﺬﻩ اﻟﻐﺮﻓﺔ‪.‬‬

‫و ﻻ ﺷﻚ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ أﻧﻬﺎ ﺳﻮف ﺗﻨﺴﻰ اﻟﻤﻮﺿﻮع‪.‬‬

‫ﺛﻢ إﻧﻬﺎ ﻟﻦ ﺗﻔﺎﺟﺄ آﺜﻴﺮا ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﻄﺮق ﺑﺎﺑﻬﺎ ﻋﺮﺑﺔ اﻷﺛﺎث ﺗﺤﻤﻞ إﻟﻴﻬﺎ ﻏﺮﻓﺔ اﻟﻨﻮم اﻷﻧﻴﻘﺔ‪.‬‬

‫و ﻻ ﺷﻚ أﻧﻬﺎ ﺳﻮف ﺗﺘﻤﺪد ﻋﻠﻴﻬﺎ آﻘﻄﺔ‪ .‬و ﻻ ﺷﻚ أﻧﻬﺎ ﺳﻮف ﺗﺘﺜﺎءب ﻓﻲ ﻣﻠﻞ ﺑﻌﺪ دﻗﺎﺋﻖ‪..‬‬
‫ﺛﻢ ﻣﺎ ﺗﻠﺒﺚ أن ﺗﻔﻘﺪ اﻟﺸﻌﻮر ﺑﺠﻤﺎﻟﻬﺎ و ﻃﺮاﻓﺘﻬﺎ‪.‬‬

‫ﻓﺈﻧﻬﺎ آﺎﻟﻌﺎدة‪ ..‬آﻞ ﺷﻲء ﺗﻤﻠﻜﻪ ﻣﺎ ﺗﻠﺒﺚ أن ﺗﺰهﺪﻩ‪.‬‬

‫ﺛﻢ ﻳﻌﻮد آﺎﺑﻮس اﻟﻤﻠﻞ و اﻟﻀﺠﺮ‪ ..‬و اﻟﺰﻣﻦ اﻟﺜﻘﻴﻞ اﻟﺬي ﻳﺠﺮﺟﺮ ﻗﻄﺎر اﻟﻼﺟﺪوى ﻳﻀﻐﻂ‬
‫ﻋﻠﻰ أﻋﺼﺎﺑﻬﺎ‪.‬‬

‫ﻻ ﺗﺤﺘﻘﺮوهﺎ ﻳﺎ ﺳﺎدة‪.‬‬

‫و ﻟﻜﻦ أﺷﻔﻘﻮا ﻋﻠﻴﻬﺎ‪.‬‬

‫ﻓﺈن اﷲ ﻟﻢ ﻳﺤﺘﻘﺮ ﺷﻴﺌﺎ ﺣﻴﻦ ﺧﻠﻘﻪ‪.‬‬

‫و ﻟﻮ أﻧﻪ اﺣﺘﻘﺮ ﺷﺄﻧﻬﺎ ﻟﻤﺎ ﺧﻠﻘﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺒﺪاﻳﺔ‪ .‬و ﻟﻜﻦ آﻞ ﻣﺎ ﻓﻲ اﻷﻣﺮ‪ ..‬أﻧﻬﺎ اﻣﺮأة ﻣﺪﻟﻠﺔ ﻟﻢ‬
‫ﺗﺠﺪ اﻷب اﻟﺬي ﻳﺆدﺑﻬﺎ و ﻻ اﻷم اﻟﺘﻲ ﺗﻨﻬﺮهﺎ و ﻻ اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻬﺮهﺎ‪.‬‬

‫و ﻟﻜﻦ اﷲ ﻻ ﻳﻬﻤﻞ أﺣﺪا‪..‬‬

‫و ﻗﺪ آﺘﺐ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻲ أزﻟﻪ اﻟﺮﺣﻤﺔ ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪39‬‬
 ‫و ﻗﺎل ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻪ أﻧﻪ اﻟﺮب ﻻ رب ﺳﻮاﻩ‪ ..‬و ﻗﺪ اﻗﺘﻀﺖ رﺣﻤﺘﻪ أن ﻳﻘﺴﻮ أﺣﻴﺎﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ‬
‫ﺧﻠﻘﻪ ﻟﻴﺼﻠﺤﻬﻢ‪..‬‬

‫ﻓﺈﻧﻪ ﻻ ﻳﺮﺿﻰ أن ﺗﻜﻮن ﻟﻨﺎ ﻋﻴﻮن و ﻻ ﻧﺒﺼﺮ و ﺗﻜﻮن ﻟﻨﺎ ﺁذان و ﻻ ﻧﺴﻤﻊ‪.‬‬

‫و ﻗﺪ ﺷﻖ اﻟﻠﺤﻢ ﻟﻴﻔﺘﺢ ﻋﻴﻮن اﻷﺟﻨﺔ ﻓﻲ اﻷرﺣﺎم آﻤﺎ ﺷﻖ اﻟﺮءوس ﻟﻴﻔﺘﺢ ﻣﺠﺎري اﻵذان‪.‬‬

‫و ﻗﺪ ﺷﺎء رﺑﻨﺎ ﻋﻨﺎﻳﺔ ﻣﻨﻪ ﺑﻬﺬﻩ اﻟﻤﺮأة أن ﻳﺮﺣﻤﻬﺎ‪.‬‬

‫ﻓﺼﺤﺖ اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ذات ﺻﺒﺎح ﻟﺘﻜﺘﺸﻒ أﻧﻬﺎ ﻣﺴﻠﻮﺑﺔ ﻧﻌﻤﺔ اﻟﺒﺼﺮ‪.‬‬

‫اﻧﻄﺒﻘﺖ اﻟﻈﻠﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﻋﻴﻨﻴﻬﺎ ﺗﻤﺎﻣﺎ ﻓﻠﻢ ﺗﻌﺪ ﺗﺒﺼﺮ ﺷﻴﺌﺎ‪.‬‬

‫و ﺻﺮﺧﺖ و ﺑﻜﺖ و ارﺗﻌﺪت رﻋﺒﺎ‪.‬‬

‫و اﺟﺘﻤﻊ ﻋﻠﻰ رأس ﻓﺮاﺷﻬﺎ ﻃﺐ اﻷﻣﺮﻳﻜﺎن و اﻹﻧﺠﻠﻴﺰ و اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﻴﻦ و اﻷﺳﺒﺎن‪.‬‬

‫و ﺗﺪاول ﻋﻠﻤﺎء اﻟﺸﺮق و اﻟﻐﺮب و اﻧﻔﻀﻮا و هﻢ ﻳﻘﻠﺒﻮن اﻷآﻒ ﻳﺄﺳﺎ و ﻋﺠﺰا‪.‬‬

‫و ﻻ ﺷﻔﺎء‪..‬‬

‫و ﻻ ﺣﻞ‪..‬‬

‫و ﻻ أﻣﻞ ﻓﻲ ﺣﻞ‪..‬‬

‫و ﻓﻲ اﻟﻈﻠﻤﺔ اﻟﻤﻄﺒﻘﺔ اﻟﻤﻄﻠﻘﺔ‪ ..‬آﺎﻧﺖ ﺗﺘﺤﺴﺲ وﺟﻪ ﺣﺒﻴﺒﻬﺎ و ﺗﺒﻜﻲ ﻓﻲ ﺣﺮﻗﺔ و ﺗﻬﻤﺲ‪.‬‬

‫هﻞ ﺗﺼﺪق أﻧﻲ ﻟﻢ أرى وﺟﻬﻚ‪ ..‬ﺣﻴﻨﻤﺎ آﺎﻧﺖ ﻟﻲ ﻋﻴﻨﺎن و ﺣﻴﻨﻤﺎ آﺎن ﻟﻲ ﺑﺼﺮ ﻟﻢ أآﻦ‬
‫أراك‪.‬‬

‫ﻟﻢ أآﻦ أرى ﺳﻮى رﻏﺒﺎﺗﻲ‪.‬‬

‫ﻟﻢ أآﻦ أﺷﻌﺮ إﻻ ﺑﻨﻔﺴﻲ‪.‬‬

‫ﻟﻢ أآﻦ أرى أﺣﺪا‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪40‬‬
 ‫آﺎن اﻟﻌﺎﻟﻢ آﻠﻪ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﺮاﻳﺎ ﻻ أرى ﻓﻴﻬﺎ إﻻ وﺟﻬﻲ أﻧﺎ‪ ..‬و ﺟﻤﺎﻟﻲ أﻧﺎ‪ ..‬و رﻏﺒﺎﺗﻲ‬
‫أﻧﺎ‪..‬‬

‫اﻟﻴﻮم ﻓﻘﻂ أﺣﺎول أن أﺳﺘﺸﻒ ﻣﻼﻣﺤﻚ ﺑﺄﻧﺎﻣﻠﻲ و أﺣﺎول أن أﺗﻌﺮف ﻋﻠﻴﻚ‪ ..‬و أﺣﺎول أن‬
‫أﻗﺘﺮب ﻣﻨﻚ‪.‬‬

‫ﻳﺎ ﺣﺒﻴﺒﻲ آﻢ أﺗﻤﻨﻰ أن أراك‪ ..‬و أن أﻋﺎﺷﺮ وﺟﻬﻚ ﺑﻌﻴﻨﻲ‪.‬‬

‫و ﺑﻜﺖ و ﻏﺴﻠﺖ ﻳﺪﻳﻪ ﺑﺪﻣﻮﻋﻬﺎ‪.‬‬

‫ﺻﺪﻗﻮهﺎ ﻳﺎ ﺳﺎدة‪.‬‬

‫ﻓﻬﺬﻩ أول ﻣﺮة ﺗﻄﻠﺐ ﺷﻴﺌﺎ ﺑﺤﻖ و ﺗﺘﻤﻨﻰ ﺷﻴﺌﺎ ﺑﺤﻖ‪ ..‬و ﺗﺸﻌﺮ ﻋﻠﻰ وﺟﻪ اﻟﻴﻘﻴﻦ أن هﻨﺎك‬
‫ﺷﻴﺌﺎ ﻳﺴﻌﺪهﺎ‪.‬‬

‫ﺻﺪﻗﻮهﺎ‪ ...‬و اﺳﺄﻟﻮا ﻟﻬﺎ اﻟﺸﻔﺎء‪.‬‬

‫ﻓﺎﻟﻴﻮم وﻟﺪت إﻧﺴﺎﻧﻴﺘﻬﺎ‪ ..‬ﺑﻔﻌﻞ ﻣﻦ أﻓﻌﺎل اﻟﺮﺣﻤﺔ اﻹﻟﻬﻴﺔ‪ ..‬و ﺑﺴﺮ ﻣﻦ أﺳﺮار اﷲ اﻟﺬي ﻳﺨﻔﻲ‬
‫رﺣﻤﺘﻪ ﻓﻲ ﻋﺬاﺑﻪ‪.‬‬

‫)) اﻟﺮوح و اﻟﺠﺴﺪ ((‬

‫ﻟﻠﺪآﺘﻮر ﻣﺼﻄﻔﻰ ﻣﺤﻤﻮد‬

‫ﻋﻦ اﻟﺮوح و اﻟﺠﺴﺪ‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪41‬‬
 ‫ﺳﺮ ﻣﻦ أﺳﺮار اﻟﺴﻌﺎدة هﻮ اﻧﺴﺠﺎم اﻟﻈﺎهﺮ و اﻟﺒﺎﻃﻦ ﻓﻲ وﺣﺪة ﻣﺘﻨﺎﺳﻘﺔ ﻣﺘﻨﺎﻏﻤﺔ‪.‬‬

‫إن ﻏﺮوب اﻟﺸﻤﺲ و اﻧﺴﺪال اﻟﻌﺘﻤﺔ ﻓﻲ ﺣﻨﺎن و اﻟﻨﻈﺎم اﻟﻤﺤﻜﻢ اﻟﺬي ﻳﻤﺴﻚ ﺑﺎﻟﻨﺠﻮم ﻓﻲ‬
‫أﻓﻼآﻬﺎ و إﻃﻼﻟﺔ اﻟﻘﻤﺮ ﻣﻦ ﺧﻠﻒ اﻟﺴﺤﺎب و اﻧﺴﻴﺎب اﻟﺸﺮاع ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻬﺮ و ﺻﻮت اﻟﺴﻮاﻗﻲ‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻌﺪ و ﺣﺪاء ﻓﻼح ﻟﺒﻘﺮاﺗﻪ و ﻧﺴﻤﺎت اﻟﺤﺪﻳﻘﺔ ﺗﻠﻒ اﻟﺸﺠﺮات اﻟﺘﻲ ﻓﻀﻀﻬﺎ اﻟﻘﻤﺮ‬
‫آﻮﺷﺎح ﻣﻦ ﺣﺮﻳﺮ‪ ..‬إذا اﻗﺘﺮﻧﺖ هﺬﻩ اﻟﺼﻮرة اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﻈﺎم و اﻟﺘﻨﺎﺳﻖ ﺑﻨﻔﺲ ﺗﻌﺰف‬
‫داﺧﻠﻬﺎ اﻟﺴﻜﻴﻨﺔ و اﻟﻤﺤﺒﺔ و اﻟﻨﻴﺔ اﻟﺨﻴﺮة‪ ..‬ﻓﻬﻲ اﻟﺴﻌﺎدة ﺑﻌﻴﻨﻬﺎ‪.‬‬

‫أﻣﺎ إذا اﻗﺘﺮﻧﺖ هﺬﻩ اﻟﺼﻮرة ﻣﻦ اﻟﺠﻤﺎل اﻟﺨﺎرﺟﻲ ﺑﻨﻔﺲ ﻳﻌﺘﺼﺮهﺎ اﻟﻐﻞ و اﻟﺘﻮﺗﺮ و‬
‫ﺗﻌﺸﺶ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻜﺮاهﻴﺔ و ﺗﻨﻔﺠﺮ داﺧﻠﻬﺎ ﻗﻨﺎﺑﻞ اﻟﺜﺄر و اﻟﺤﺴﺪ و اﻟﺤﻘﺪ و ﻧﻮاﻳﺎ اﻻﻧﺘﻘﺎم‪ ..‬ﻓﻨﺤﻦ‬
‫أﻣﺎم ﺧﺼﻮﻣﺔ و ﺗﻤﺰق و اﻧﻔﺼﺎم‪ .‬ﻧﺤﻦ أﻣﺎم هﺘﻠﺮ ﻻ ﺣﻞ ﻟﻪ إﻻ أن ﻳﺨﻠﻖ ﺣﺮﺑﺎ ﺧﺎرﺟﻴﺔ‬
‫ﺗﻨﺎﺳﺐ اﻟﺤﺮب اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻌﻴﺶ ﻓﻴﻬﺎ‪ ..‬ﻧﺤﻦ أﻣﺎم ﺷﻘﺎء ﻟﻦ ﻳﻬﺪأ إﻻ ﺑﺄن ﻳﺨﻠﻖ ﺷﻘﺎء‬
‫ﺣﻮﻟﻪ‪.‬‬

‫إن اﻟﺴﻌﺎدة ﻓﻲ ﻣﻌﻨﺎهﺎ اﻟﻮﺣﻴﺪ اﻟﻤﻤﻜﻦ هﻲ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺼﻠﺢ ﺑﻴﻦ اﻟﻈﺎهﺮ و اﻟﺒﺎﻃﻦ ﺑﻴﻦ اﻹﻧﺴﺎن‬
‫و ﻧﻔﺴﻪ و اﻵﺧﺮﻳﻦ و ﺑﻴﻦ اﻹﻧﺴﺎن و ﺑﻴﻦ اﷲ‪ .‬ﻓﻴﻨﺴﻜﺐ آﻞ ﻣﻦ ﻇﺎهﺮﻩ و ﺑﺎﻃﻨﻪ ﻓﻲ اﻵﺧﺮ‬
‫آﺄﻧﻬﻤﺎ وﺣﺪة‪ ،‬و ﻳﺼﺒﺢ اﻟﻔﺮد ﻣﻨﺎ و آﺄﻧﻪ اﻟﻜﻞ‪ ..‬و آﺄﻧﻤﺎ آﻞ اﻟﻄﻴﻮر ﺗﻐﻨﻲ ﻟﻪ و ﺗﺘﻜﻠﻢ ﻟﻐﺘﻪ‪.‬‬

‫أﻣﺎ اﻟﺼﻮرة اﻟﺪارﺟﺔ ﻟﻠﺴﻌﺎدة اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺪاوﻟﻬﺎ اﻷﻟﺴﻦ ﻋﻦ ﺷﻠﺔ اﻷﻧﺲ اﻟﺘﻲ ﺗﻜﺮع اﻟﺨﻤﺮ ﻓﻲ‬
‫ﻋﻮاﻣﺔ و ﺣﻮﻟﻬﺎ ﺑﺎﻗﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء اﻟﺒﺎهﺮات اﻟﻌﺎرﻳﺎت و أﺟﺴﺎد ﺗﺘﺨﺎﺻﺮ و ﺷﻔﺎﻩ ﺗﺘﻼﺛﻢ ﻓﻲ‬
‫ﺷﻬﻮة ﻣﺸﺘﻌﻠﺔ و أﻓﻮاﻩ ﺗﺘﻨﻔﺲ اﻟﺤﺸﻴﺶ ﻓﻲ ﺧﺪر و ﺗﻠﺬذ‪.‬‬

‫هﺬﻩ اﻟﺼﻮرة هﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﺷﻘﺎء و ﻟﻴﺴﺖ ﺣﺎﻟﺔ ﺳﻌﺎدة ﻓﻨﺤﻦ ﻣﻊ ﻧﻔﻮس ﺗﺮآﺖ ﻗﻴﺎدهﺎ ﻟﻠﺤﻴﻮان‬
‫اﻟﺬي ﻳﺴﻜﻨﻬﺎ و آﺮﺳﺖ ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ﻹرﺿﺎء ﺧﻨﺰﻳﺮ آﻞ هﻤﻪ أن ﻳﺄآﻞ و ﻳﻀﺎﺟﻊ‪.‬‬

‫هﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﻋﺒﻮدﻳﺔ‪ ..‬ﺣﺎﻟﺔ ﻏﺮق ﻟﻺﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺨﺎط اﻟﺤﻴﻮاﻧﻴﺔ اﻟﻠﺰج‪.‬‬

‫و ﻣﺜﻠﻬﺎ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺴﻌﺪاء اﻵﺧﺮﻳﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﺴﻠﻘﻮن ﻋﻠﻰ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﻌﻀﺎ ﺟﺮﻳﺎ وراء اﻟﻤﻨﺎﺻﺐ و‬
‫اﻵﺧﺮﻳﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻜﺪﺳﻮن اﻟﻤﺎل و اﻟﻄﻴﻦ و اﻟﻌﻘﺎر و ﻳﻠﺘﻤﺴﻮن اﻟﺴﻠﻄﺔ و اﻟﻘﻮة ﺑﻜﻞ اﻟﺴﺒﻞ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪42‬‬
 ‫ﻓﺎﻟﺴﻌﺎدة ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻜﻮن ﻓﻲ اﻟﻤﺎل أو اﻟﻘﻮة أو اﻟﺴﻠﻄﺔ ﺑﻞ هﻲ ﻓﻲ )) ﻣﺎذا ﻧﻔﻌﻞ ﺑﺎﻟﻤﺎل و‬
‫اﻟﻘﻮة و اﻟﺴﻠﻄﺔ((‪.‬‬

‫ﻓﻲ اﻟﻨﻔﺲ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﺨﺪم اﻟﻤﺎل و اﻟﻘﻮة و اﻟﺴﻠﻄﺔ‪.‬‬

‫اﻟﺴﻌﺎدة ﻟﻴﺴﺖ ﻓﻲ اﻟﺒﻴﺖ اﻟﻤﻔﺮوش ﺑﺎﻟﺴﺠﺎﺟﻴﺪ اﻟﻌﺠﻤﻲ و اﻟﺸﻴﻨﻮا و اﻟﻜﺮﻳﺴﺘﺎل و ﻟﻜﻦ ﻓﻲ‬
‫اﻟﻨﻔﺲ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﻜﻨﻪ‪.‬‬

‫و )) اﻟﺨﺎرج(( ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﻘﺪم ﻟﻨﺎ ﺷﻴﺌﺎ إذا آﻨﺎ ﻧﺤﻦ ﻣﻦ )) اﻟﺪاﺧﻞ((‪ ..‬ﻣﻦ ﻧﻔﻮﺳﻨﺎ‪..‬‬
‫ﻏﻴﺮ ﻣﻌﺪﻳﻦ ﻟﻼﻧﺘﻔﺎع ﺑﻬﺬﻩ اﻟﻤﻨﺤﺔ اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ اﻟﺴﺨﻴﺔ‪ ..‬و إذا ﻟﻢ ﻧﻜﻦ ﻓﻲ ﺻﻠﺢ ﻣﻊ هﺬا‬
‫اﻟﺨﺎرج و ﻓﻲ ﺗﻜﻴﻴﻒ ﻣﻌﻪ‪.‬‬

‫و ﻓﻲ ﻗﺼﺔ ﻟﺘﻮﻟﺴﺘﻮي ﻳﻘﻮل اﻹﻗﻄﺎﻋﻲ ﻟﻠﻔﻼح اﻟﻄﺎﻣﻊ ﻓﻲ أرﺿﻪ ﺳﻮف أﻋﻄﻴﻚ ﻣﺎ ﺗﺸﺎء‬
‫ﻣﻦ أرﺿﻲ‪ .‬ﺗﺮﻳﺪ ﻋﺸﺮة ﻓﺪادﻳﻦ‪ ..‬ﻣﺎﺋﺔ ﻓﺪان‪ ..‬أﻟﻔﺎ‪ ..‬ﻟﻚ أن ﺗﻨﻄﻠﻖ ﻣﻦ اﻵن ﺟﺮﻳﺎ ﻓﻲ داﺋﺮة‬
‫ﺗﻌﻮد ﺑﻌﺪهﺎ إﻟﻰ ﻣﻜﺎﻧﻚ ﻗﺒﻞ أن ﺗﻐﺮب اﻟﺸﻤﺲ ﻓﺘﻜﻮن ﻟﻚ اﻟﺪاﺋﺮة اﻟﺘﻲ رﺳﻤﺘﻬﺎ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ‬
‫اﺷﺘﻤﻠﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ أرض‪ ..‬ﺷﺮﻳﻄﺔ أن ﺗﻌﻮد إﻟﻰ ﻧﻘﻄﺔ اﻟﺒﺪء ﻗﺒﻞ ﻏﺮوب اﻟﺸﻤﺲ‪ ،‬أﻣﺎ إذا‬
‫ﻏﺮﺑﺖ اﻟﺸﻤﺲ و ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﻓﻘﺪ ﺿﺎﻋﺖ ﻋﻠﻴﻚ اﻟﺼﻔﻘﺔ‪ ..‬و ﻳﻔﻜﺮ اﻟﻔﻼح اﻟﻄﻤﺎع ﻓﻲ داﺋﺮة‬
‫آﺒﻴﺮة ﺗﺸﻤﻞ آﻞ أرض اﻹﻗﻄﺎﻋﻲ‪ ..‬و هﻮ ﻣﻄﻤﻊ ﻳﺤﺘﺎج ﻣﻨﻪ إﻟﻰ هﻤﺔ و ﺳﺮﻋﺔ ﻗﺼﻮى ﻓﻲ‬
‫اﻟﺠﺮي ﺣﺘﻰ ﻳﺤﻴﻂ ﺑﻬﺎ آﻠﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺴﺎﻋﺎت اﻟﻘﻠﻴﻠﺔ اﻟﺒﺎﻗﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻐﺮوب‪.‬‬

‫و ﻳﺒﺪأ ﻓﻲ اﻟﺠﺮي و آﻠﻤﺎ ﺗﻘﺪم اﻟﻮﻗﺖ آﻠﻤﺎ وﺳﻊ ﻣﻦ داﺋﺮﺗﻪ اﻏﺘﺮارا ﺑﻘﻮﺗﻪ و ﻃﻤﻌﺎ ﻓﻲ‬
‫اﻟﻤﺰﻳﺪ و ﺗﻜﻮن اﻟﻨﺘﻴﺠﺔ أن ﺗﺘﻘﻄﻊ أﻧﻔﺎﺳﻪ و ﻳﺴﻘﻂ ﻣﻴﺘﺎ ﻗﺒﻞ ﺛﻮان ﻣﻦ ﺑﻠﻮغ هﺪﻓﻪ‪ ..‬ﺛﻢ ﻻ‬
‫ﻳﺤﺼﻞ ﻣﻦ اﻷرض إﻻ ﻋﻠﻰ ﻣﺘﺮ ﻓﻲ ﻣﺘﺮ ﻳﺪﻓﻦ ﻓﻴﻪ‪ ..‬و هﺬﻩ هﻲ ﺣﺎﺟﺔ اﻹﻧﺴﺎن اﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ‬
‫ﻣﻦ اﻷرض ﺑﻀﻌﺔ أﺷﺒﺎر ﻳﺮﻗﺪ ﻓﻴﻬﺎ‪ ..‬و هﻮ ﻳﻨﺴﻰ هﺬﻩ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻓﻴﻌﻴﺶ ﻋﺒﺪا ﻷهﻮاء و‬
‫أﻃﻤﺎع و أوهﺎم ﺗﻀﻴﻊ ﻋﻠﻴﻪ ﺣﻴﺎﺗﻪ‪.‬‬

‫و ﻗﺪ ﻓﻄﻦ ﺗﻮﻟﺴﺘﻮي إﻟﻰ هﺬﻩ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻓﻮزع أرﺿﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻼﺣﻴﻦ و هﺮب ﻣﻦ ﺑﻴﺘﻪ اﻷﻧﻴﻖ‬
‫اﻟﺪاﻓﺊ و ﺳﻜﻦ ﻓﻲ آﻮخ ﺣﻘﻴﺮ ﻣﻊ اﻟﻔﻘﺮاء اﻟﻤﻌﺪﻣﻴﻦ‪.‬‬

‫و آﺬﻟﻚ ﻓﻌﻞ ﻏﺎﻧﺪي اﻟﺬي ﻋﺎش ﻋﻠﻰ ﻋﻨﺰة ﻳﺤﻠﺐ ﻟﺒﻨﻬﺎ و ﻳﻐﺰل ﺻﻮﻓﻬﺎ‪.‬‬

‫و آﺬﻟﻚ ﻓﻌﻞ اﻟﻤﺴﻴﺢ اﻟﺬي ﻋﺎش ﺑﻼ ﺑﻴﺖ و ﺑﻼ زوﺟﺔ و ﺑﻼ وﻟﺪ‪ ..‬ﻻ ﻳﻤﻠﻚ إﻻ ﺛﻮﺑﻪ‪.‬‬

‫و هﺆﻻء هﻢ اﻟﺴﻌﺪاء اﻟﻌﻈﺎم اﻟﺬﻳﻦ ﺟﺎءوا ﻟﻴﻌﻠﻤﻮا اﻟﻨﺎس آﻴﻒ ﺗﻜﻮن اﻟﺴﻌﺎدة‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪43‬‬
 ‫ﻗﺎل ﻟﻨﺎ ﺑﻮذا إن اﻟﺴﻌﺎدة ﻓﻲ ﻗﻤﻊ اﻟﺮﻏﺒﺔ و ردع اﻟﻨﻔﺲ و آﺒﺢ اﻟﺸﻬﻮة ﺑﺬﻟﻚ وﺣﺪﻩ ﻳﻜﻮن‬
‫اﻟﻌﺘﻖ اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻟﻠﺮوح و ﺗﺤﺮرهﺎ ﻣﻦ ﺳﺠﻦ اﻟﺠﺴﺪ‪.‬‬

‫و ﻗﺎل ﻟﻨﺎ اﻟﻤﺴﻴﺢ‪ )) :‬ﻣﻦ أهﻠﻚ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻠﻲ وﺟﺪهﺎ ((‪.‬‬

‫و ﻗﺎل ﻃﺎﻟﻮت ﻟﺠﻨﻮدﻩ ﻓﻲ اﻟﻘﺮﺁن‪ )) :‬إن اﷲ ﻣﺒﺘﻠﻴﻜﻢ ﺑﻨﻬﺮ ﻓﻤﻦ ﺷﺮب ﻣﻨﻪ ﻓﻠﻴﺲ ﻣﻨﻲ و ﻣﻦ‬
‫ﻟﻢ ﻳﻄﻌﻤﻪ ﻓﺈﻧﻪ ﻣﻨﻲ ((‪.‬‬

‫و آﻠﻬﺎ إﺷﺎرات و رﻣﻮز إﻟﻰ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ‪.‬‬

‫ﻓﻨﺤﻦ ﻟﻢ ﻧﻮهﺐ اﻟﺸﻬﻮة ﻟﻨﺸﺒﻌﻬﺎ أآﻼ و ﺷﺮﺑﺎ و ﻣﻀﺎﺟﻌﺔ و ﺗﻜﺪﻳﺴﺎ ﻟﻠﻤﻄﺎﻣﻊ و اﻟﺜﺮوات‪..‬‬
‫و إﻧﻤﺎ وهﺒﻨﺎ اﻟﺸﻬﻮة ﻟﻨﻘﻤﻌﻬﺎ و ﻧﻜﺒﺤﻬﺎ و ﻧﺼﻌﺪ ﻋﻠﻴﻬﺎ آﻤﺎ ﻧﺼﻌﺪ ﻋﻠﻰ درج اﻟﺴﻠﻢ‪.‬‬

‫ﻓﺎﻟﺠﺴﺪ هﻮ اﻟﻀﺪ اﻟﺬي ﺗﺆآﺪ اﻟﺮوح وﺟﻮدهﺎ ﺑﻘﻤﻌﻪ و آﺒﺤﻪ و ردﻋﻪ و اﻟﺘﺴﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ‪.‬‬

‫و ﺑﻘﻤﻊ اﻟﺠﺴﺪ و ردﻋﻪ و آﺒﺤﻪ ﺗﺴﺘﺮد اﻟﺮوح هﻮﻳﺘﻬﺎ آﺄﻣﻴﺮة ﺣﺎآﻤﺔ و ﺗﻌﺒﺮ ﻋﻦ وﺟﻮدهﺎ‬
‫و ﺗﺜﺒﺖ ﻧﻔﺴﻬﺎ و ﺗﺴﺘﺨﻠﺺ ذاﺗﻬﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻀﺔ اﻟﻄﻴﻦ و ﺗﺼﺒﺢ ﺟﺪﻳﺮة ﺑﺠﻨﺘﻬﺎ و ﻣﻴﺮاﺛﻬﺎ‪ ..‬و‬
‫ﻣﻴﺮاﺛﻬﺎ اﻟﺴﻤﺎء آﻠﻬﺎ‪ ،‬و ﻣﻘﻌﺪ اﻟﺼﺪق إﻟﻰ ﺟﻮار اﷲ‪ ..‬و هﺬﻩ هﻲ اﻟﺴﻌﺎدة اﻟﺤﻘﺔ‪.‬‬

‫أﻣﺎ إذا ﻏﻠﺐ ﺣﻜﻢ اﻟﻄﻴﻦ و اﻧﺘﺼﺮت اﻟﺠﺒﻠﺔ اﻟﺤﻴﻮاﻧﻴﺔ و ﻗﺮن اﻹﻧﺴﺎن ذاﺗﻪ اﻟﺸﺮﻳﻔﺔ ﺑﺎﻟﻤﺎدة‬
‫اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﻓﻘﺪ هﺒﻂ ﺑﻨﻔﺴﻪ إﻟﻰ ﺳﺠﻦ اﻟﻀﺮورات و إﻟﻰ ﻏﻠﻈﺔ اﻵﻟﻴﺔ و إﻟﻰ ﻧﺎر اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﺘﻲ‬
‫ﺗﺄآﻞ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﻌﻀﺎ و أﺻﺒﺢ ﻣﻨﻬﺎ و ﻓﻴﻬﺎ و ﻟﻬﺎ‪ ..‬و ﺗﻠﻚ هﺎوﻳﺔ اﻟﺘﻌﺎﺳﺔ و اﻟﺘﻤﺰق و‬
‫اﻟﺸﺘﺎت‪.‬‬

‫و ﻃﺮﻳﻖ اﻹﻧﺴﺎن هﻮ هﺬا اﻟﻜﺪح ﺧﺎرﺟﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻀﺔ ﻣﺎدﺗﻪ إﻟﻰ ﻧﻮراﻧﻴﺔ روﺣﻪ‪.‬‬

‫)) ﻳﺎ أﻳﻬﺎ اﻹﻧﺴﺎن إﻧﻚ آﺎدح إﻟﻰ رﺑﻚ آﺪﺣﺎ ﻓﻤﻼﻗﻴﻪ ((‪.‬‬

‫و هﻮ ﻓﻲ ﻣﻜﺎﺑﺪة داﺋﻤﺔ ﻣﻦ ﻟﺤﻈﺔ ﻣﻴﻼدﻩ ﻳﺘﺄرﺟﺢ ﺑﻴﻦ ﻗﻄﺒﻲ ﺟﺴﺪﻩ و روﺣﻪ ﻓﻲ ﻗﻠﻖ ﻻ ﻳﻬﺪأ‬
‫و ﺻﺮاع ﻻ ﻳﺘﻮﻗﻒ‪ ..‬ﻳﺼﻌﺪ ﺛﻢ ﻳﺴﻘﻂ ﺛﻢ ﻳﻌﺎود اﻟﺼﻌﻮد ﺛﻢ ﻳﻌﺎود اﻟﺴﻘﻮط‪.‬‬

‫و آﻞ ﻣﻨﺎ ﻟﻪ ﻣﻌﺮاج إﻟﻰ اﻟﻜﻤﺎل‪.‬‬

‫و آﻞ ﻣﻨﺎ ﻳﺼﻌﺪ ﻋﻠﻰ ﻗﺪر ﻋﺰﻣﻪ و إﻳﻤﺎﻧﻪ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪44‬‬
 ‫و ﻻ ﺻﻌﻮد دون رﺑﻂ اﻷﺣﺰﻣﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻄﻮن و آﺒﺢ اﻟﺸﻬﻮات‪.‬‬

‫و اﻟﻜﺎﻣﻞ ﺣﻘﺎ ﻻ ﻳﺮى ﻓﻲ اﻟﺤﺮﻣﺎن ﺣﺮﻣﺎﻧﺎ ﻓﻤﻮﺿﻮﻋﺎت اﻟﻠﺬة اﻟﻤﺎدﻳﺔ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﺑﺬات ﻗﻴﻤﺔ ﻓﻲ‬
‫ﻧﻈﺮﻩ ﻓﻬﻮ ﻗﺪ وﺻﻞ ﺑﺈدراآﻪ اﻟﻌﺎﻟﻲ إﻟﻰ ﺗﺬوق اﻟﻤﺘﻊ اﻟﺮوﺣﻴﺔ و اﻟﻠﺬات اﻟﻤﺠﺮدة‪..‬‬
‫ﻓﺄﺻﺒﺤﺖ اﻟﻤﺎدﻳﺎت ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺷﻴﺌﺎ ﻏﻠﻴﻈﺎ ﻻ ﻳﺴﻴﻐﻪ‪ ..‬و هﻮ ارﺗﻘﺎء أذواق و ﻟﻴﺲ ﻓﻘﻂ ارﺗﻘﺎء‬
‫هﻤﻢ و ﻋﺰاﺋﻢ‪.‬‬

‫و اﻟﺼﻮﻓﻴﺔ ﻳﺴﻤﻮن هﺬا اﻟﻤﻌﺮاج اﻟﻨﻔﺴﻲ ﺑﺎﻟﺨﺮوج‪ ..‬اﻟﺨﺮوج ﻣﻦ اﻟﺼﻔﺎت اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ إﻟﻰ‬
‫اﻟﺼﻔﺎت اﻹﻟﻬﻴﺔ‪.‬‬

‫و اﷲ ﻳﻄﻮي اﻟﺼﻔﺎت اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻋﻦ أﺣﺒﺎﺑﻪ آﻤﺎ ﻳﻄﻮي ﻟﻬﻢ اﻷرض و ﻳﺠﺬﺑﻬﻢ إﻟﻴﻪ‪ ..‬و هﻲ‬
‫اﻟﺠﺬﺑﺔ اﻟﺼﻮﻓﻴﺔ‪ ..‬و هﻲ إذا ﺟﺎءت ﻟﺼﺎﺣﺒﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮ اﺳﺘﻌﺪاد ﺟﻌﻠﺖ ﻣﻨﻪ ﻣﺠﺬوﺑﺎ ﺧﺎرﺟﺎ‬
‫ﻋﻦ ﺻﻮاﺑﻪ‪ ،‬و هﻲ رﺗﺒﺔ دون اﻟﻜﻤﺎل‪ ..‬ﻷن اﻟﻜﻤﺎل هﻮ اﻟﺼﻼح ﺑﻮﻋﻲ‪ ..‬و ﻟﻴﺲ اﻟﺼﻼح‬
‫ﺑﻔﻘﺪ اﻟﻮﻋﻲ‪.‬‬

‫و اﻷﻧﺒﻴﺎء ﻓﻲ هﺬا اﻟﻤﻮﺿﻮع هﻢ اﻟﻘﺪوة‪.‬‬

‫و ﻟﻢ ﻧﻌﺮف ﻧﺒﻴﺎ واﺣﺪا آﺎن ﻣﺠﺬوﺑﺎ أو هﺎﺋﻤﺎ ﻋﻠﻰ وﺟﻬﻪ ﺑﻼ ﻋﻘﻞ‪.‬‬

‫و هﺬﻩ إﺣﺪى ﻣﺰاﻟﻖ اﻟﻄﺮﻳﻖ اﻟﺼﻮﻓﻲ‪ ..‬أن ﻳﺘﻌﺠﻞ اﻟﺴﺎﻟﻚ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﺑﺮﻳﺎﺿﺎت اﻟﺨﻠﻮة‬
‫اﻟﺤﺎدة و ﻣﺠﺎهﺪاﺗﻬﺎ اﻟﻤﻀﻨﻴﺔ ﻓﻴﻔﻘﺪ ﺣﻴﻮاﻧﻴﺘﻪ و ﻋﻘﻠﻪ ﻣﻌﺎ‪.‬‬

‫و اﻟﻘﺮﺁن آﺎن هﻮ اﻟﻤﻨﻬﺞ اﻷﻣﺜﻞ ﻟﻬﺬﻩ اﻟﺘﺰآﻴﺔ اﻟﻨﻔﺴﻴﺔ ﻓﺎﺧﺘﺎر ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻮﺳﻂ‪ ..‬ﻃﺮﻳﻖ‬
‫اﻻﻋﺘﺪال‪ ،‬ﺑﻴﻦ اﻹﻓﺮاط و اﻟﺘﻔﺮﻳﻂ‪.‬‬

‫)) آﻠﻮا و اﺷﺮﺑﻮا و ﻻ ﺗﺴﺮﻓﻮا ((‪ ..‬ﻓﻨﺼﺢ ﺑﻀﺒﻂ اﻟﻨﻔﺲ ﻋﻠﻰ ﺟﺎدة اﻻﻋﺘﺪال‪ ..‬ﻻ رهﺒﺎﻧﻴﺔ‬
‫و ﺻﻴﺎم اﻟﺪهﺮ‪ ..‬و ﻻ إﻃﻼق ﻟﻌﻨﺎن اﻟﺸﻬﻮات‪ ..‬و إﻧﻤﺎ ﺿﺒﻂ اﻟﺴﻠﻮك ﻋﻠﻰ دﺳﺘﻮر اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ‬
‫و اﻟﻮﺻﺎﻳﺎ‪ ..‬و هﻮ ﻣﻨﻬﺞ ﻳﺆدي إﻟﻰ اﻟﻌﺮوج اﻟﺮوﺣﻲ دون ﺗﻌﺴﻒ و دون ﺟﺬب‪.‬‬

‫و ﻻ ﻳﻬﺘﻢ اﻟﻤﺴﻠﻢ اﻟﺴﺎﻟﻚ ﺑﺄن ﺗﺠﺮي ﻋﻠﻰ ﻳﺪﻳﻪ اﻟﻜﺮاﻣﺎت و ﺧﻮارق اﻟﻌﺎدات و إﻧﻤﺎ هﻮ‬
‫ﻳﻘﻮل‪ ..‬أﻋﻈﻢ آﺮاﻣﺔ هﻲ اﻻﺳﺘﻘﺎﻣﺔ‪.‬‬

‫و اﻻﺳﺘﻘﺎﻣﺔ هﻲ ﺳﻤﺔ اﻹﻧﺴﺎن ﺣﻘﺎ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪45‬‬
 ‫و هﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﺘﻲ وﺻﻔﻨﺎهﺎ ﻓﻲ ﺑﺪاﻳﺔ اﻟﻤﻘﺎل ﺑﺄﻧﻬﺎ اﻧﺴﺠﺎم اﻟﻈﺎهﺮ و اﻟﺒﺎﻃﻦ ﻓﻲ وﺣﺪة‬
‫ﻣﺘﻨﺎﺳﻘﺔ ﻣﺘﻨﺎﻏﻤﺔ‪ ..‬و أﻧﻬﺎ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺼﻠﺢ ﺑﻴﻦ اﻹﻧﺴﺎن و ﻧﻔﺴﻪ و ﺑﻴﻨﻪ و ﺑﻴﻦ اﻟﻨﺎس و ﺑﻴﻨﻪ و‬
‫ﺑﻴﻦ اﷲ‪.‬‬

‫اﻷﺻﻨﺎم‬

‫ﻧﺤﻦ ﻧﻘﻮل إﻧﻨﺎ ﻓﻲ ﻋﺼﺮ اﻟﻌﻠﻢ و إﻧﻨﺎ ﺧﻠﻔﻨﺎ اﻟﺠﺎهﻠﻴﺔ وراءﻧﺎ ﺑﺄﺻﻨﺎﻣﻬﺎ و أوﺛﺎﻧﻬﺎ‪ ..‬و ﻟﻢ ﻳﻌﺪ‬
‫هﻨﺎك ﻣﻦ ﻳﻌﺒﺪ اﻟﻼت و اﻟﻌﺰى و هﺒﻞ و ﻻ ﻣﻦ ﻳﺴﺠﺪ ﻟﺒﻌﻞ‪ ..‬اﻧﺘﻬﻰ اﻟﺸﺮك إﻟﻰ ﻏﻴﺮ‬
‫رﺟﻌﺔ‪.‬‬

‫و ﻟﻜﻨﻲ أﻗﻮل ﺑﻞ ﻧﺤﻦ ﻋﺒﺪة أوﺛﺎن ﻧﺴﺠﺪ و ﻧﺮآﻊ و ﻧﺤﺮق اﻟﺒﺨﻮر و ﻧﺮﺗﻞ اﻟﺘﺴﺎﺑﻴﺢ و‬
‫اﻻﺑﺘﻬﺎﻻت ﻓﻲ آﻞ ﻟﺤﻈﺔ ﻷﺻﻨﺎم ﻻ ﺣﺼﺮ ﻟﻬﺎ‪.‬‬

‫ﻧﺤﻦ ﻓﻲ اﻟﺠﺎهﻠﻴﺔ ﺑﻌﻴﻨﻬﺎ و ﻟﻮ ﺗﻜﻠﻤﻨﺎ ﺑﻠﻐﺔ اﻹﻟﻜﺘﺮوﻧﺎت‪ ..‬و ﻟﻮ ﻣﺸﻴﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺗﺮاب اﻟﻘﻤﺮ‪.‬‬

‫إﻧﻤﺎ اﺧﺘﻠﻔﺖ أﺳﻤﺎء اﻷﺻﻨﺎم‪ ..‬و اﺧﺘﻠﻔﺖ ﺻﻮرهﺎ و ﻧﻮﻋﻴﺎﺗﻬﺎ‪ ..‬و ﺗﺴﺘﺮت ﺗﺤﺖ ﺛﻴﺎب‬
‫اﻷﻟﻔﺔ‪ ..‬و ﻟﻜﻨﻬﺎ هﻲ اﻷﺻﻨﺎم ﺑﻌﻴﻨﻬﺎ‪.‬‬

‫ﻣﺎذا ﻳﻜﻮن ﺟﺴﺪ اﻟﻤﺮأة اﻟﻌﺎري اﻟﻴﻮم‪ ..‬و هﻞ هﻮ إﻻ ﺻﻨﻢ رﻓﻌﻨﺎﻩ إﻟﻰ ﻣﺮﺗﺒﺔ اﻹﻟﻪ اﻟﻤﻌﺒﻮد‬
‫اﻟﻤﻌﺸﻮق اﻟﻤﺮﺗﺠﻰ‪.‬‬

‫ﻟﻘﺪ أﺻﺒﺤﺖ ﺻﻮرة اﻟﺠﺴﻢ اﻟﻌﺎري ﻣﺎرآﺔ ﻣﺴﺠﻠﺔ ﻧﺮوج ﺑﻬﺎ أي ﺑﻀﺎﻋﺔ‪.‬‬

‫ﺻﻮرة اﻟﻤﺮأة اﻟﻌﺎرﻳﺔ هﻲ ﺗﻌﻮﻳﺬة اﻟﺘﺎﺟﺮ اﻟﺘﻲ ﻳﺮﺳﻤﻬﺎ ﻋﻠﻰ إﻋﻼﻧﺎت اﻟﺴﺠﺎﺋﺮ و إﻋﻼﻧﺎت‬
‫اﻟﺨﻤﻮر و اﻟﺼﺎﺑﻮن و اﻟﺒﻴﺮة و اﻟﻜﺎﻣﻴﺮات و اﻟﺴﺎﻋﺎت و اﻟﺤﺮاﻳﺮ و اﻷﻗﻤﺸﺔ ﺣﺘﻰ أدوﻳﺔ‬
‫اﻟﺰآﺎم و ﺷﻔﺮات اﻟﺤﻼﻗﺔ و ﻣﻌﺎﺟﻴﻦ اﻷﺳﻨﺎن‪.‬‬

‫و هﻲ ﻋﺎﻣﻞ ﻣﺸﺘﺮك ﻓﻲ آﻞ أﻓﻴﺸﺎت اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ و اﻟﻤﺴﺮح‪.‬‬

‫و هﻲ ﻋﻠﻰ أﻏﻠﻔﺔ اﻟﻤﺠﻼت و ﻋﻠﻰ آﺮوت اﻟﻤﻌﺎﻳﺪة و ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻔﺎﺗﺮﻳﻨﺎت ﺑﻤﻨﺎﺳﺒﺔ و‬

‫ﺑﺪون ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪46‬‬
 ‫و هﻲ ﻋﻠﻰ ﻋﻠﺐ اﻟﺸﻴﻜﻮﻻﺗﻪ و ﻋﻠﺐ اﻟﺒﻮﻧﺒﻮن و زﺟﺎﺟﺎت اﻟﻌﻄﺮ و ﻧﺠﺪهﺎ ﺑﺪون ﺳﺒﺐ ﻓﻲ‬
‫إﻋﻼن ﻟﺘﺮوس اﻟﻤﺎآﻴﻨﺎت‪.‬‬

‫و ﻧﻔﺎﺟﺄ ﺑﻬﺎ ﻓﻲ إﻋﻼن ﺳﻴﺎرات ﺗﻔﺘﺢ ﻟﻨﺎ اﻟﺒﺎب و ﻓﻲ ﻃﺎﺋﺮات س م ع ﺗﻘﺪم ﻟﻨﺎ ﻃﺒﻘﺎ ﻣﻦ‬
‫اﻟﺠﺎﺗﻮﻩ ﻣﻊ اﺑﺘﺴﺎﻣﺔ‪ ..‬و إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﻣﻄﺤﻨﺔ ﺑﻦ ﺗﻘﺪم ﻟﻨﺎ ﻓﻨﺠﺎﻧﺎ ﻣﻦ اﻟﻘﻬﻮة‪ ..‬ﺑﻞ و ﻓﻲ إﻋﻼن‬
‫ﻋﻦ أﺳﻴﺎخ اﻟﺤﺪﻳﺪ اﻟﺼﻠﺐ ﺗﺪﻋﻮﻧﺎ ﻟﻨﺒﻨﻲ ﺑﻴﺘﺎ ﺟﺪﻳﺪا‪ ..‬و هﻲ داﺋﻤﺎ ﻋﺎرﻳﺔ أو ﻧﺼﻒ ﻋﺎرﻳﺔ‬
‫أو ﺑﺎﻟﻤﺎﻳﻮﻩ‪.‬‬

‫و آﺄﻧﻤﺎ ﻻ وﺳﻴﻠﺔ ﻟﺠﺬب اﻻﻧﺘﺒﺎﻩ إﻻ ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام هﺬا اﻟﻤﻌﺒﻮد اﻟﺠﺪﻳﺪ‪ ..‬و ﻻ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻟﺸﺪ اﻟﻌﻴﻦ‬
‫إﻻ ﺑﺎﻟﺘﻠﻮﻳﺢ ﺑﻬﺬا اﻟﻮﺛﻦ‪.‬‬

‫إﻧﻪ اﻟﺬآﺮ و اﻻﺑﺘﻬﺎل و اﻟﺘﺴﺒﻴﺢ اﻟﻌﺼﺮي ﺗﺴﻔﺢ ﻓﻴﻪ اﻟﺪﻣﻮع و ﺗﻨﺸﺪ اﻷﺷﻌﺎر و ﺗﺮﺗﻞ‬
‫اﻟﻤﺰاﻣﻴﺮ و اﻷﻏﺎﻧﻲ و اﻟﺮﺑﺎﻋﻴﺎت و اﻟﺴﺒﻌﺎﻳﺎت و ﺗﺆﻟﻒ اﻟﻤﺴﻠﺴﻼت و اﻟﺤﻠﻘﺎت آﻞ ﺣﻠﻘﺔ‬
‫ﺗﺸﺤﺬ اﻟﺬهﻦ و ﺗﺜﻴﺮ ﺷﻬﻴﺔ اﻟﻤﺴﺘﻤﻊ و اﻟﻤﺘﻔﺮج‪.‬‬

‫أﻣﺎ اﻟﺼﻨﻢ اﻟﺜﺎﻧﻲ أو ﻟﻌﻠﻪ اﻟﻤﻌﺒﺪ أو اﻟﻜﺎﺗﺪراﺋﻴﺔ اﻟﻌﻈﻤﻰ أو ﺟﺒﻞ اﻷوﻟﻤﺐ اﻟﺬي ﻳﺘﺠﻤﻊ ﻓﻴﻪ‬
‫ﺣﺸﺪ اﻵﻟﻬﺔ اﻟﻌﺼﺮﻳﺔ ﻓﻬﻮ ﻓﺎﺗﺮﻳﻨﺔ اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ اﻹﺳﺘﻬﻼآﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺤﻠﻖ ﺣﻮﻟﻬﺎ اﻟﻌﻴﻮن‬
‫ﻣﺸﺪوهﺔ ﻣﺒﻬﻮرة ﻣﺴﺒﺤﺔ ﺗﻜﺎد ﺗﺮآﻊ ﻟﻠﺜﻼﺟﺔ و اﻟﺮﻳﻜﻮردر و اﻟﺘﻠﻴﻔﻴﺰﻳﻮن و اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﺬهﺒﻴﺔ‬
‫و اﻟﺴﻮار اﻟﻤﺎﺳﻲ‪ .‬و اﻻﺑﻦ ﻳﻘﺘﻞ أﺑﺎﻩ و اﻷخ ﻳﺴﺮق أﺧﺎﻩ و اﻟﻤﻮﻇﻒ ﻳﺨﺘﻠﺲ و اﻟﺼﺎﻧﻊ‬
‫ﻳﻐﺶ و اﻟﺼﺮاف ﻳﺰور و اﻟﻤﺰﻳﻒ ﻳﺰﻳﻒ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ هﺬﻩ اﻟﻔﺎﺗﺮﻳﻨﺔ اﻟﻮهﺎﺟﺔ‪ ..‬ﻓﺎﺗﺮﻳﻨﺔ‬
‫اﻷﺣﻼم‪ ..‬اﻟﻜﻞ ﻳﺘﻬﺠﺪون و ﻳﺴﻬﺮون اﻟﻠﻴﻞ ﻳﺼﻠﻮن ﻟﻬﺎ‪ ..‬و آﻞ ﺷﻲء ﻳﻔﻨﻰ ﻣﺎ ﻋﺪا وﺟﻬﻬﺎ‬
‫ذي اﻟﺠﻼل و اﻹآﺮام اﻟﻤﻀﺎء داﺋﻤﺎ ﺑﺎﻟﻨﻴﻮن و اﻟﻔﻠﻮرﺳﻨﺖ ﻓﻲ ﺣﻲ اﻟﻤﺎل و اﻟﺘﺠﺎرة ﻣﻦ آﻞ‬
‫ﻣﺪﻳﻨﺔ‪.‬‬

‫أﻣﺎ اﻟﺼﻨﻢ اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻓﻬﻮ اﻟﻬﻴﻜﻞ‪ ..‬هﻴﻜﻞ اﻟﻔﻜﺮة اﻟﻤﺠﺮدة و اﻟﻨﻈﺮﻳﺔ و اﻟﻤﺬهﺐ اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ اﻟﺬي‬
‫ﻳﺮآﻊ ﻓﻴﻪ اﻟﻤﺮﻳﺪ اﻟﻤﺘﻌﺼﺐ‪ .‬ﻻ ﻳﺮى ﺣﻘﺎ إﻻ ﻣﺎ ﺗﻘﻮﻟﻪ ﺑﻨﻮد ﻧﻈﺮﻳﺘﻪ و ﻻ ﻳﺮى ﺻﺪﻗﺎ إﻻ ﻣﺎ‬
‫ﻳﺄﻣﺮ ﺑﻪ ﻣﺬهﺒﻪ ﻓﺈذا ﺳﻤﻊ ﻣﻦ ﻳﺘﻜﻠﻢ ﻋﻦ ﻣﺬهﺐ ﺁﺧﺮ ﻓﻬﻮ ﺧﺎﺋﻦ ﻣﺎرق ﻓﺎﺳﻖ ﻳﺴﺘﺤﻖ أن‬
‫ﻳﺤﺮق ﺣﻴﺎ‪ ..‬و هﻮ ﻳﻌﻴﺶ ﺑﻔﻜﺮ ﻣﻘﻠﻮب و ﻣﻨﻄﻖ ﻣﻌﻜﻮس ﻓﺎﻹﻧﺴﺎن ﻋﻨﺪﻩ ﻳﺠﺐ أن ﻳﻮﺿﻊ‬
‫ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ اﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﻻ اﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ اﻹﻧﺴﺎن‪.‬‬

‫و هﺬا هﻮ ﻋﺎﺑﺪ اﻟﺼﻨﻢ اﻷﺟﻮف اﻟﻤﺠﺮد و ﻋﺎﺑﺪ ﻗﺼﺎﺻﺎت اﻟﻮرق و اﻟﺸﻌﺎرات اﻟﻄﻨﺎﻧﺔ‬
‫اﻟﻜﺎذﺑﺔ‪ ..‬و هﻮ أﺣﺪ ﻣﺠﺎﻧﻴﻦ هﺬا اﻟﺰﻣﺎن‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪47‬‬
 ‫و ﺻﻨﻢ ﺁﺧﺮ ﺷﺎﺋﻊ هﻮ اﻟﺪآﺘﺎﺗﻮر و اﻟﺤﺎآﻢ اﻟﻤﻄﻠﻖ و اﻟﻄﺎﻏﻴﺔ اﻟﻤﺴﺘﺒﺪ اﻟﺠﺎﻟﺲ ﻋﻠﻰ ﻋﺮش‬
‫اﻟﺴﻠﻄﺔ و ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻪ ﺑﻼط اﻟﻬﺘﺎﻓﻴﻦ و اﻟﻤﺼﻔﻘﻴﻦ و ﺣﻤﻠﺔ اﻟﻤﺒﺎﺧﺮ و اﻟﻤﺠﺎﻣﺮ و اﻟﻤﺴﺒﺤﻴﻦ‬
‫ﺑﺎﻟﺤﻤﺪ و اﻟﻤﻨﺎﻓﻘﻴﻦ و اﻟﻜﺬاﺑﻴﻦ و ﻗﺎرﻋﻲ اﻟﻄﺒﻮل و ﻧﺎﻓﺨﻲ اﻷﺑﻮاق‪ .‬ﺗﺰﻓﻪ اﻷﻧﺎﺷﻴﺪ و‬
‫اﻷهﺎزﻳﺞ ﻓﻲ آﻞ ﻣﻜﺎن‪ ..‬و ﻳﻠﻘﻦ اﻻﻃﻔﺎل ﻓﻲ ﻣﺪارﺳﻬﻢ‪ ..‬إﻧﻪ اﻟﺮزاق و اﻟﻤﻨﻘﺬ و اﻟﻤﻌﻴﻦ‬
‫اﻟﺬي ﻳﻄﻌﻤﻬﻢ ﻣﻦ ﺟﻮع و ﻳﺆﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﺧﻮف و ﻳﻜﺴﻮهﻢ ﻣﻦ ﻋﺮي و أن ﻋﻠﻴﻬﻢ أن ﻳﺘﻮﺟﻬﻮا‬
‫إﻟﻴﻪ ﺑﺎﻟﺘﺴﺒﻴﺢ و اﻟﺘﺤﻤﻴﺪ آﻞ ﺻﺒﺎح‪ ..‬و أن ﻋﻠﻴﻬﻢ أن ﻳﺤﻔﻈﻮا آﻠﻤﺎﺗﻪ و ﻳﻌﻮا وﺻﺎﻳﺎﻩ و‬
‫ﻳﻠﺘﻤﺴﻮا رﺿﺎﻩ‪.‬‬

‫و رﺑﻤﺎ آﺎﻧﺖ أﺷﻴﻊ أﺻﻨﺎم هﺬا اﻟﻌﺼﺮ و أآﺜﺮهﺎ اﻧﺘﺸﺎرا هﻮ ﺻﻨﻢ )) اﻟﺬات((‪ ..‬ﻋﺒﺎدة‬
‫اﻟﻨﻔﺲ‪ ..‬و اﺗﺒﺎع اﻟﻬﻮى‪.‬‬

‫اﻟﻤﺮأة اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺒﺪ ﺟﻤﺎﻟﻬﺎ‪ ..‬و اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺬي ﻳﻌﺒﺪ أﻧﺎﻗﺘﻪ‪ ..‬و اﻟﻤﻤﺜﻞ اﻟﺬي ﻳﻔﺘﺘﻦ ﺑﺸﻬﺮﺗﻪ‪ ..‬و‬
‫اﻟﻔﻨﺎن اﻟﻌﺎﺑﺪ ﻟﻔﻨﻪ‪ ..‬و اﻟﺒﻄﻞ اﻟﻤﺒﻬﻮر ﺑﺒﻄﻮﻟﺘﻪ‪ ..‬و اﻟﻤﺘﺤﺪث اﻟﻠﺒﻖ اﻟﺬآﻲ اﻟﻤﻌﺠﺐ ﺑﻨﻔﺴﻪ و‬
‫ﺑﺬآﺎﺋﻪ‪ ..‬و ﻧﺠﻢ اﻟﺴﻬﺮة اﻟﻤﺰهﻮ ﺑﺸﺨﺼﻴﺘﻪ‪ ..‬و ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻤﻼﻳﻴﻦ اﻟﻔﺮﺣﺎن ﺑﻤﻼﻳﻴﻨﻪ‪.‬‬

‫و اﻟﻤﺎل ﻓﻲ أآﺜﺮ اﻷﺣﻮال و ﻓﻲ هﺬا اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻤﺎدي ﺻﻨﻢ ﻓﻲ ذاﺗﻪ ﺗﻘﺪم ﻟﻪ اﻟﻘﺮاﺑﻴﻦ ﻣﻦ دم‬
‫اﻟﺠﻤﻴﻊ‪.‬‬

‫و ﻗﺪ ﻳﺨﺘﻔﻲ ﺻﻨﻢ )) اﻟﺬات (( وراء ﺻﻨﻢ أآﺒﺮ هﻮ )) اﻟﻌﺼﺒﻴﺔ (( ﻟﻠﻌﺎﺋﻠﺔ أو اﻟﻘﺒﻴﻠﺔ أو‬
‫اﻟﻄﺎﺋﻔﺔ أو اﻟﻌﺮق أو اﻟﻌﻨﺼﺮ أو اﻟﻤﻠﺔ و آﻠﻬﺎ أﺻﻨﺎم‪ ..‬و آﻠﻬﺎ ﻋﺒﻮدﻳﺎت‪ ..‬و آﻠﻬﺎ ﺷﺮك‪.‬‬

‫و ﻋﺎﺑﺪ اﷲ ﻻ ﻳﻜﻮن ﻋﺒﺪا ﷲ إﻻ إذا ﺗﺤﺮر ﻣﻨﻬﺎ ﺟﻤﻴﻌﺎ و أﺳﻠﻢ ﻗﻠﺒﻪ و وﺟﻬﻪ ﺧﺎﻟﺼﺎ ﻣﻦ‬
‫ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺸﻮاﻏﻞ و اﻟﻌﻼﺋﻖ و اﻟﺘﺒﻌﻴﺎت و اﻟﻤﻨﺎزﻋﺎت‪.‬‬

‫اﻟﻘﻠﺐ ﷲ )) ﺑﻼ ﻣﻨﺎزع ((‪ ..‬هﺬا هﻮ اﻟﺪﻳﻦ‪.‬‬

‫أﻣﺎ ﻣﺎ ﻧﺤﻦ ﻓﻴﻪ ﻓﻬﻮ ﺟﺎهﻠﻴﺔ‪ ..‬ﺟﺎهﻠﻴﺔ اﻟﻌﻠﻢ اﻟﺘﻲ ﺟﺎءت ﺑﺄﺻﻨﺎﻣﻬﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة و ﻧﺼﺒﺖ أوﺛﺎﻧﻬﺎ‬
‫اﻟﻌﺼﺮﻳﺔ و أﻗﺎﻣﺘﻬﺎ ﻣﻜﺎن اﻟﻼت و اﻟﻌﺰى و هﺒﻞ و ﺑﻌﻞ و أﻗﺎﻣﺖ ﻟﻬﺎ اﻟﻬﻴﺎآﻞ و وﻇﻔﺖ ﻟﻬﺎ‬
‫اﻟﺴﺪﻧﺔ و اﻟﻜﻬﺎن و ﻗﺪرت ﻟﻬﺎ اﻟﻨﺬور و اﻟﻘﺮاﺑﻴﻦ‪.‬‬

‫و ﻟﻮ أﻧﻨﺎ ﺟﻠﺴﻨﺎ إﻟﻰ أﻧﻔﺴﻨﺎ و ﺻﺎرﺣﻨﺎ أﻧﻔﺴﻨﺎ ﻓﻲ ﻟﺤﻈﺔ ﺻﺪق ﻟﻮﺟﺪ أآﺜﺮﻧﺎ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻲ إﺣﺪى‬
‫ﺧﺎﻧﺎت ﻋﺒﺎد اﻷﺻﻨﺎم ﻳﺴﺒﺢ دون أن ﻳﺪري ﻟﻮﺛﻦ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻷﺛﺎن اﻟﺨﻔﻴﺔ اﻟﺘﻲ أﻗﺎﻣﻬﺎ ﻋﺼﺮ‬
‫اﻟﻤﺎدة ﻓﻲ ﻗﻠﻮب اﻟﻨﺎس‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪48‬‬
 ‫ﺳﺎﺧﻄﻮن ﺑﻼ ﻣﻨﺎﻗﺸﺔ‬

‫اﻟﺴﺨﻂ و اﻟﺮﻓﺾ و اﻟﺘﺬﻣﺮ و اﻻﺣﺘﺠﺎج ﻋﻠﻰ آﻞ ﺷﻲء أﺻﺒﺢ ﻣﻮﺿﺔ اﻟﻴﻮم ﺑﻴﻦ اﻟﺸﺒﺎب‪.‬‬

‫أﺣﻴﺎﻧﺎ ﻳﻜﻮن اﻻﺣﺘﺠﺎج ﻋﻠﻰ اﻵﺑﺎء‪.‬‬

‫و أﺣﻴﺎﻧﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻜﺎم‪.‬‬

‫و أﺣﻴﺎﻧﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻈﺎم اﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻲ‪.‬‬

‫و أﺣﻴﺎﻧﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﻮن آﻠﻪ‪.‬‬

‫و أﺣﻴﺎﻧﺎ ﻋﻠﻰ اﷲ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ‪.‬‬

‫آﻠﻤﺔ ﻻ‪ ..‬ﺑﺪون ﺗﻤﻴﻴﺰ‪ ..‬ﺑﻘﻀﻴﺔ و ﺑﻼ ﻗﻀﻴﺔ ﺑﻬﺪف و ﺑﻼ هﺪف‪..‬‬

‫و أﺣﻴﺎﻧﺎ ﻻ‪ ..‬ﻟﻠﻨﻈﺎﻓﺔ‪ ..‬و ﻻ ﻟﻠﻘﻴﻢ و اﻷﺧﻼق‪ ..‬و ﻻ‪ ..‬ﻟﻠﻌﻤﻞ‪ ..‬و ﻻ‪ ..‬ﻟﻠﻮاﺟﺐ و اﻟﻤﺴﺌﻮﻟﻴﺔ و‬
‫اﻟﻨﻈﺎم‪.‬‬

‫و اﻟﻨﻤﻮذج اﻟﺠﺪﻳﺪ ﻟﻬﺬﻩ اﻟﻼﺋﻴﺔ اﻟﻤﺘﻄﺮﻓﺔ هﻮ ﻣﺠﺘﻤﻊ اﻟﻬﻴﺒﻴﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﻨﺎآﺤﻮن ﻋﻠﻰ‬
‫اﻷرﺻﻔﺔ و ﻳﻤﺎرﺳﻮن اﻟﺸﺬوذ اﻟﺠﻨﺴﻲ و ﻳﺘﺴﻮﻟﻮن ﺛﻤﻦ زﺟﺎﺟﺔ ﺑﻴﺮة و ﻳﺸﺘﺮآﻮن ﻓﻲ آﻞ‬
‫إﺿﺮاب و ﻳﻬﺘﻔﻮن ﻓﻲ آﻞ ﻣﻈﺎهﺮة و ﻳﺒﺼﻘﻮن ﻋﻠﻰ آﻞ ﺷﻲء‪ ..‬و ﻳﺘﺼﻮرون أﻧﻬﻢ ﻃﻼﺋﻊ‬
‫اﻟﺤﺮﻳﺔ و أﻧﻬﻢ أول ﻣﻦ ﺧﺮج ﻣﻦ أﻗﻔﺎص اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ‪ ..‬و اﻟﺤﻖ أﻧﻬﻢ ﺧﺮﺟﻮا ﻓﻌﻼ ﻣﻦ أﻗﻔﺎص‬
‫اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ و ﻟﻜﻦ ﻟﻴﺪﺧﻠﻮا ﻓﻲ أﻗﻔﺎص اﻟﻘﺮود‪.‬‬

‫و آﻠﻤﺔ ﻻ‪ ..‬آﺎﻧﺖ ﻣﻦ أﺷﺮف اﻟﻜﻠﻤﺎت ﺣﻴﻦ ﻗﺎﻟﻬﺎ ﻣﺤﻤﺪ – ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ و ﺳﻠﻢ‪ -‬ﻟﺠﺎهﻠﻴﺔ‬
‫زﻣﺎﻧﻪ ﻷﻧﻬﺎ آﺎﻧﺖ آﻠﻤﺔ ﺗﺤﻤﻞ ﻣﻌﻬﺎ اﻟﻨﻮر و اﻟﺤﻖ و اﻟﻌﺪل و اﻟﺨﻴﺮ‪.‬‬

‫آﺎﻧﺖ ﻻ‪ ..‬أﺷﺎدت أﻣﺔ ﻣﻦ ﻋﺪم‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪49‬‬
 ‫آﺎﻧﺖ ﻻ‪ ..‬ﻣﻌﻬﺎ رؤﻳﺔ ﺟﺪﻳﺪة و آﺘﺎب و ﻃﺮﻳﻖ‪.‬‬

‫ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﻌﻮﻻ ﻳﻬﺪم و إﻧﻤﺎ آﺎﻧﺖ ﻳﺪا ﺗﺒﻨﻲ و ﺷﻌﺎﻋﺎ ﻳﻬﺪي‪.‬‬

‫و ﻧﺤﻦ ﺟﻤﻴﻌﺎ ﻣﻨﺪوﺑﻮن ﻟﻨﻘﻮل ﻻ‪ ..‬ﻟﻠﻈﻠﻢ‪ ..‬و ﻻ ﻟﻠﺒﺎﻃﻞ‪ ..‬أﻣﺎ ﻻ ﻋﻠﻰ وﺟﻪ اﻹﻃﻼق‪ ..‬اﻟﺜﻮرة‬
‫ﻟﻠﺜﻮرة و اﻟﺴﺨﻂ ﻟﻠﺴﺨﻂ‪ ..‬اﻟﺨﺮوج ﻣﻦ ﻇﻠﻢ إﻟﻰ ﻣﺎ هﻮ أﻇﻠﻢ‪ ..‬اﻟﺨﺮوج ﻣﻦ ﺧﻄﺄ ﺑﻨﺸﺪان‬
‫اﻟﻔﻮﺿﻰ‪ ..‬ﺗﻬﺪﻳﻢ آﻞ ﺷﻲء ﺑﺪون رؤﻳﺔ‪ ..‬هﺬﻩ اﻟﺼﺮﺧﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة اﻟﺘﻲ ﺗﺮدد اﻵن ﻓﻲ ﺟﻨﺒﺎت‬
‫اﻟﻌﺎﻟﻢ هﻲ دﺳﻴﺴﺔ دﺳﺖ ﻋﻠﻰ ﺷﺒﺎﺑﻪ‪ ..‬و ﻣﻦ وراﺋﻬﺎ ﻋﻘﻮل ﻣﺎآﺮة ﺗﻌﻤﻞ ﻓﻲ ﺧﻔﺎء و ذآﺎء‬
‫ﻹﻓﺴﺎد آﻞ ﺷﻲء‪.‬‬

‫ﻓﻲ اﻟﻔﻦ ﻓﻲ اﻟﻔﻜﺮ ﻓﻲ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻓﻲ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻓﻲ اﻟﺮواﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻮﺿﺔ ﻓﻲ اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ ﻳﻤﻜﻦ أن‬
‫ﺗﻠﻤﺲ هﺬﻩ اﻷﻳﺪي اﻟﺨﻔﻴﺔ‪ ..‬و هﺬﻩ اﻟﺘﻴﺎرات اﻟﺨﺒﻴﺜﺔ ﻟﻠﺘﻬﺪﻳﻢ‪.‬‬

‫ﻏﻴﺎب اﻟﺼﻮرة اﻹﻟﻬﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﺮواﻳﺔ و اﻟﻘﺼﺔ‪.‬‬

‫ﺗﻠﻚ اﻟﺮواﻳﺎت اﻟﺘﻲ ﻧﺮاهﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺎﺷﺔ أو ﻧﻘﺮأهﺎ و آﺄﻧﻬﺎ اﻟﻜﻮاﺑﻴﺲ‪ ..‬و ﻧﻌﻴﺶ ﻓﻴﻬﺎ ﺳﺎﻋﺎت‬
‫ﺛﻘﻴﻠﺔ ﻣﻈﻠﻤﺔ و آﺄﻧﻨﺎ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺑﻼ إﻟﻪ‪ ..‬و ﻧﺨﺮج ﺑﺤﺎﻟﺔ ﻣﻦ اﻟﺸﻚ و اﻟﻀﻴﺎع و اﻟﺘﻮهﺎن و‬
‫ﻧﺤﻦ ﻧﻠﻌﻦ آﻞ ﺷﻲء‪.‬‬

‫دوران اﻷﻓﻜﺎر اﻟﺮواﺋﻴﺔ ﻓﻲ ﻓﻠﻚ واﺣﺪ ﺣﻮل اﻟﺠﻨﺲ و اﻟﺨﻴﺎﻧﺔ و اﻟﻼﻣﺒﺎﻻة و اﻻﻧﺤﻼل و‬
‫ﻃﻠﺐ اﻟﻠﺬة ﺑﺄي ﺛﻤﻦ ﺑﻬﺪف ﺗﺤﻄﻴﻢ رواﺑﻂ اﻷﺳﺮة‪.‬‬

‫إﺷﺎﻋﺔ اﻹﺑﺎﺣﻴﺔ ﺑﺎﺳﻢ ﺗﺤﺮﻳﺮ اﻟﻌﻮاﻃﻒ‪.‬‬

‫إﻓﺴﺎد اﻟﻔﻄﺮة ﺑﺎﻟﺘﺮآﻴﺰ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺮﻳﻤﺔ و اﻟﺸﺬوذ‪.‬‬

‫ﺗﻤﻠﻖ اﻟﻐﻮﻏﺎء و ﺗﺤﺮﻳﺾ اﻟﻄﺒﻘﺎت ﺑﺎﺳﻢ اﻟﺜﻮرة و اﻟﺘﻘﺪﻣﻴﺔ‪.‬‬

‫اﺳﺘﺨﺪام اﻷﺳﻠﻮب اﻟﺠﻤﻴﻞ و اﻟﻄﺮاﻓﺔ و اﻹﻣﺘﺎع آﻐﻼف ﻣﻦ اﻟﺴﻠﻴﻮﻓﺎن اﻟﺠﺬاب ﻟﺘﺮوﻳﺞ‬

‫أﺳﻮأ اﻟﻤﻀﺎﻣﻴﻦ و أردأ اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪50‬‬
 ‫ﻓﻜﺮ ﺳﺎرﺗﺮ اﻟﺬي ﻳﺤﻤﻞ ﻣﻌﻪ آﻞ ﻣﻦ ﻳﻌﺘﻨﻘﻪ إﻟﻰ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﻦ اﻟﻐﺜﻴﺎن و اﻟﻘﻲء و اﻟﻌﺒﺜﻴﺔ و‬
‫اﻹﺣﺴﺎس ﺑﻌﺪم اﻟﺠﺪوى و ﺑﺄن اﻹﻧﺴﺎن ﻗﺬف ﺑﻪ ﻓﻲ اﻟﻜﻮن و ﺗﺮك وﺣﺪﻩ ﺑﻼ ﻋﻨﺎﻳﺔ و ﺑﻼ‬
‫رﻋﺎﻳﺔ‪.‬‬

‫ﻓﻜﺮ ﻓﺮوﻳﺪ اﻟﺬي ﻳﺤﻤﻞ ﻗﺎرﺋﻪ ﻋﻠﻰ اﻹﻋﺘﻘﺎد ﺑﺄن اﻹﻧﺴﺎن ﻣﺠﺮد ﻏﺮاﺋﺰ ﺟﻨﺴﻴﺔ هﺎﺋﺠﺔ ﺗﺒﺤﺚ‬
‫ﻋﻦ اﻹﺷﺒﺎع ﻓﻲ اﻟﻨﻮم و اﻟﻴﻘﻈﺔ و ﻓﻲ اﻟﻄﻔﻮﻟﺔ و اﻟﺸﺒﺎب و اﻟﺸﻴﺨﻮﺧﺔ‪ ..‬و ﺑﺄن أﺷﺮف ﻣﺎ‬
‫أﺑﺪع اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻦ ﻓﻨﻮن و ﺁداب ﻗﺪ ﺧﺮج ﻣﻦ أﻋﻀﺎﺋﻪ اﻟﺘﻨﺎﺳﻠﻴﺔ و ﺑﺄﻧﻪ ﺣﻴﻮان ﻳﻐﻠﻒ ﺷﻬﻮاﺗﻪ‬
‫ﺑﺎﻟﻤﺒﺮرات اﻟﻜﺎذﺑﺔ‪ .‬و ﻟﻜﻨﻪ ﺣﻴﻮان ﻣﻦ ﻣﻮﻟﺪﻩ إﻟﻰ ﻣﻮﺗﻪ‪ ..‬اﻟﺘﺨﺮﻳﺐ ﻓﻴﻪ ﻏﺮﻳﺰة و اﻟﺘﻬﺪﻳﻢ‬
‫ﻏﺮﻳﺰة و اﻟﻤﻮت ﻏﺮﻳﺰة‪.‬‬

‫و ﻋﻠﻰ ﻧﻬﺞ ﻓﺮوﻳﺪ ﻓﻲ ﺗﻔﺴﻴﺮ ﺳﻠﻮك اﻹﻧﺴﺎن ﺑﺎﻟﺤﻮاﻓﺰ اﻟﺠﻨﺴﻴﺔ ﺳﺎر اﻟﻔﻜﺮ اﻟﻤﺎرآﺴﻲ ﻓﻲ‬
‫ﺗﻔﺴﻴﺮ ﺳﻠﻮك اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﺑﺎﻟﺤﻮاﻓﺰ اﻟﻤﺎدﻳﺔ‪.‬‬

‫ﺛﻢ ﺟﺎء هﺮﺑﺖ ﻣﺎرآﻮز ﻟﻴﺴﺘﻔﺰ اﻟﺸﺒﺎب إﻟﻰ ﺣﺎﻟﺔ رﻓﺾ ﻣﻄﻠﻖ و ﺛﻮرة ﻣﺴﺘﻤﺮة ﻟﺘﻔﺠﻴﺮ‬
‫اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺑﻌﺪ أن ﺗﻜﺎﺳﻠﺖ اﻟﺒﺮوﻟﻴﺘﺎرﻳﺎ ﻋﻦ ﺗﻠﺒﻴﺔ ﻧﺪاء اﻟﻔﻜﺮ اﻟﻤﺎرآﺴﻲ ﻟﺘﻬﺪﻳﻢ اﻟﺒﻨﻴﺎن‬
‫اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ و أﺧﻠﺪت إﻟﻰ اﻟﺘﺮف و إﻟﻰ رﺷﻮة اﻟﺮاﺣﺔ و اﻟﺒﻘﺸﻴﺶ اﻟﺴﺨﻲ اﻟﺬي ﻗﺪﻣﺘﻪ إﻟﻴﻬﺎ‬
‫اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﻴﺔ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ‪.‬‬

‫و ﻟﻴﺴﺖ ﻣﺼﺎدﻓﺔ أن رواد ﺗﻠﻚ اﻷﻓﻜﺎر اﻟﻤﺎدﻳﺔ آﺎﻧﻮا ﺟﻤﻴﻌﺎ ﻣﻦ اﻟﻴﻬﻮد‪..‬‬

‫ﺛﻢ ﺳﺆال ﻋﻠﻰ اﻟﻬﺎﻣﺶ‪.‬‬

‫هﻞ ﺻﺤﻴﺢ أن اﻟﻨﻈﺮ اﻟﻤﻨﺼﻒ إﻟﻰ اﻟﻮﺟﻮد و ﺗﺄﻣﻞ اﻟﺤﻴﺎة ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻮﻋﻴﺔ ﻳﺆدي ﺑﺎﻹﻧﺴﺎن‬
‫إﻟﻰ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﻦ اﻟﻐﺜﻴﺎن و اﻟﻘﻲء و اﻟﻌﺒﺜﻴﺔ و اﻹﺣﺴﺎس ﺑﻌﺪم اﻟﺠﺪوى و ﻳﺨﻠﻒ إﺣﺴﺎﺳﺎ ﺑﺄن‬
‫اﻹﻧﺴﺎن ﻗﺬف ﺑﻪ ﻓﻲ اﻟﻜﻮن و ﺗﺮك وﺣﺪﻩ ﺑﻼ ﻋﻨﺎﻳﺔ؟‪..‬‬

‫و هﻞ ﺻﺤﻴﺢ أن اﻹﻧﺴﺎن ﻳﺪور ﻓﻲ ﻓﻠﻚ أﻋﻀﺎﺋﻪ اﻟﺘﻨﺎﺳﻠﻴﺔ؟‬

‫و هﻞ ﻣﻦ اﻟﻤﻤﻜﻦ ﺗﻔﺴﻴﺮ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺮاﺣﻞ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﺑﺎﻟﺼﺮاع اﻟﻄﺒﻘﻲ‪ ..‬و ﻣﺎذا ﻧﻘﻮل ﻓﻲ‬
‫اﻟﺼﺮاع ﺑﻴﻦ روﺳﻴﺎ و اﻟﺼﻴﻦ و آﻼهﻤﺎ ﺑﺮوﻟﻴﺘﺎرﻳﺎ‪ ..‬و ﺻﺮاﻋﻬﻤﺎ ﻣﻊ ذﻟﻚ ﻳﺸﻜﻞ اﻟﺘﺎرﻳﺦ‪.‬‬

‫و ﻣﺎذا ﻧﻘﻮل ﻓﻲ ﻓﺪاﺋﻲ ﻳﻤﻮت ﻓﻲ ﻓﻴﺘﻨﺎم أو اﻟﻘﺪس هﻞ هﻮ ﻳﺪور ﻓﻲ ﻓﻠﻚ أﻋﻀﺎﺋﻪ اﻟﺘﻨﺎﺳﻠﻴﺔ‪..‬‬
‫و هﻮ اﻟﺬي ﻳﻀﺤﻲ ﺑﺠﺴﺪﻩ آﻠﻪ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺣﻖ ﻣﺠﺮد و ﻣﺜﺎﻟﻴﺎت ﺻﺮﻓﺔ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪51‬‬
 ‫أﻣﺎ ﺧﺮاﻓﺔ اﻟﻐﺜﻴﺎن و اﻟﻘﻲء و اﻟﻌﺒﺜﻴﺔ‪ ..‬ﻓﻬﻲ ﻋﺒﺜﻴﺔ ﻋﻨﺪ ﺳﺎرﺗﺮ وﺣﺪﻩ و ﻗﻲء ﺧﺎرج ﻣﻦ‬
‫ﻣﻨﺎخ ﻧﻔﺴﻲ و ﺣﺎﻟﺔ ﺑﺎﻃﻨﻴﺔ ﻳﻌﺎﻧﻴﻬﺎ هﻮ‪ ..‬أﻣﺎ اﻟﻜﻮن ﻓﻬﻮ ﺑﺮيء ﻣﻦ اﻟﻌﺒﺜﻴﺔ ﻣﻨﻀﺒﻂ أآﺜﺮ ﻣﻦ‬
‫ﺳﺎﻋﺔ إﻟﻜﺘﺮوﻧﻴﺔ ﺳﻮاء ﻧﻈﺮﻧﺎ إﻟﻰ اﻟﺬرة و هﻲ أﺻﻐﺮ ﻣﺎ ﻓﻴﻪ أو إﻟﻰ اﻟﻤﺠﺮة و هﻲ أآﺒﺮ‬
‫ﻋﻮاﻟﻤﻪ‪.‬‬

‫ﻓﻲ اﻟﺬرة ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ إﻟﻜﺘﺮون أن ﻳﻨﺘﻘﻞ ﻣﻦ ﻣﺪار إﻟﻰ ﻣﺪار إﻻ إذا أﺧﺬ أو أﻋﻄﻰ ﺷﺤﻨﺔ‬
‫ﺗﺴﺎوي ﺣﺮآﺘﻪ ﻣﻦ اﻟﻨﻮاة أو إﻟﻴﻬﺎ‪.‬‬

‫و هﺬا هﻮ ﺣﺎل اﻹﻟﻜﺘﺮون اﻟﺬي ﻻ ﻳﻌﺮف ﻟﻪ ﺟﺮم ﻣﻦ ﻓﺮط ﺻﻐﺮﻩ‪.‬‬

‫و ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺮة اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﺗﻮﻟﺪ اﻟﺸﻤﻮس و ﺗﺸﺐ و ﺗﺸﻴﺦ و ﺗﻤﻮت و ﺗﺘﺤﺮك ﻓﻲ أﻓﻼك و ﺗﺪور‬
‫ﺣﻮﻟﻬﺎ اﻟﻜﻮآﺒﺎت آﻞ هﺬا ﻳﺠﺮي ﻓﻲ دﻗﺔ و ﻧﻈﺎم وﻓﻘﺎ ﻟﻬﻨﺪﺳﺔ ﻣﻘﺪرة و ﻗﻮاﻧﻴﻦ ﺛﺎﺑﺘﺔ ﻻ‬
‫ﺗﺨﺮق‪.‬‬

‫أﻣﺎ اﻹﻧﺴﺎن ﻓﻠﻢ ﻳﻘﺬف ﺑﻪ إﻟﻰ اﻟﻜﻮن ﺑﻼ ﻋﻨﺎﻳﺔ‪ .‬ﺑﻞ اﻟﻌﻜﺲ هﻮ اﻟﺼﺤﻴﺢ‪ ..‬ﻓﺎﻟﻌﻨﺎﻳﺔ اﻹﻟﻬﻴﺔ‬
‫ﺣﻔﺖ ﺑﻪ ﻣﻦ ﻟﺤﻈﺔ ﻣﻴﻼدﻩ‪ ..‬ﺑﻞ ﻣﻦ ﻟﺤﻈﺔ ﺗﻜﻮﻳﻨﻪ ﻓﻲ رﺣﻢ أﻣﻪ‪ ..‬ﻓﺎﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﺳﻠﺤﺘﻪ ﺑﺠﻤﻴﻊ‬
‫وﺳﺎﺋﻞ اﻟﺪﻓﺎع اﻟﺘﻲ ﻳﺤﺘﺎﺟﻬﺎ‪ ..‬ﺳﻠﺤﺘﻪ ﺑﺎﻟﺴﻤﻊ و اﻟﺒﺼﺮ و اﻟﻴﺪ و اﻟﻌﻀﻞ و اﻟﺤﻴﻠﺔ و اﻟﺬآﺎء‬
‫و اﻟﻌﻘﻞ‪.‬‬

‫و ﻓﻲ اﻟﻤﺦ وﺣﺪﻩ ﻋﺸﺮة ﺁﻻف ﻣﻠﻴﻮن ﺧﻂ ﻋﺼﺒﻲ ﺗﻨﻘﻞ اﻹﺷﻌﺎرات و ردود اﻷﻓﻌﺎل ﻃﻮل‬
‫اﻟﻮﻗﺖ ﺑﻼ ﺧﻄﺄ و ﺑﻼ ﻋﻄﻞ‪.‬‬

‫و ﻓﻲ اﻟﻜﻠﻴﺘﻴﻦ و اﻟﺮﺋﺘﻴﻦ و اﻟﻜﺒﺪ زﻳﺎدة واﻓﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﺴﻴﺞ اﻟﻌﺎﻣﻞ ﺗﺒﻠﻎ ﺳﺒﻌﺔ أﺿﻌﺎف‬
‫اﻟﺤﺎﺟﺔ‪ ..‬و هﺬﻩ اﻟﺰﻳﺎدة هﻲ اﻻﺣﺘﻴﺎﻃﻲ )) اﻻﺳﺘﺒﻦ (( اﻟﺬي وهﺒﺘﻪ اﻟﻌﻨﺎﻳﺔ اﻹﻟﻬﻴﺔ ﻟﻤﻮاﺟﻬﺔ‬
‫اﻷﻋﻄﺎل و اﻟﻄﻮارئ اﻟﻤﺤﺘﻤﻠﺔ‪.‬‬

‫و ﻳﻤﻮت ﻓﻲ اﻟﺴﺎﻋﺔ ﻣﻦ ﺟﺴﻢ اﻹﻧﺴﺎن ﺳﺘﻮن ﻣﻠﻴﻮن ﺧﻠﻴﺔ ﺗﺘﺠﺪد ﻓﻲ ﻧﻔﺲ اﻟﻮﻗﺖ ﻓﻲ ﺗﻠﻘﺎﺋﻴﺔ‬
‫و دﻗﺔ و ﻧﻈﺎم ﺑﺪﻳﻊ‪..‬‬

‫و ﻓﻲ اﻟﺨﻠﻴﺔ اﻟﻮاﺣﺪة اﻟﺘﻲ ﺗﺒﻠﻎ ﻓﻲ ﺻﻐﺮ ﺣﺠﻤﻬﺎ واﺣﺪا ﻣﻦ أﻟﻒ ﻣﻦ اﻟﻤﻠﻠﻴﻤﺘﺮ‪ ..‬ﻓﻲ داﺧﻞ‬
‫هﺬﻩ اﻟﺨﻠﻴﺔ اﻟﺪﻗﻴﻘﺔ ﻧﺮى ﺑﺎﻟﻤﺠﻬﺮ اﻹﻟﻜﺘﺮوﻧﻲ ﻣﺼﺎﻧﻊ و ﻣﺨﺎزن و ﺟﻬﺎزا ﻟﺘﻮﻟﻴﺪ اﻟﻄﺎﻗﺔ ) و‬
‫أرﺷﻴﻒ ( و ﻣﺨﺎ ﺁﻟﻴﺎ ﻟﺘﻨﻈﻴﻢ هﺬﻩ اﻷﻧﺸﻄﺔ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ‪ ..‬آﻞ هﺬا داﺧﻞ ﺻﻨﺪوق هﻮ ﺟﺰء ﻣﻦ‬
‫أﻟﻒ ﻣﻦ اﻟﻤﻠﻠﻴﻤﺘﺮ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪52‬‬
 ‫إن ﻟﻢ ﻳﻜﻦ هﺬا هﻮ ﻣﻨﺘﻬﻰ اﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﺨﺎﻟﻖ ﻓﻤﺎذا ﻳﻜﻮن‪ ..‬و ﻣﺎذا ﻳﻜﻮن آﻼم ﺳﺎرﺗﺮ ﻋﻦ‬
‫اﻟﻌﺒﺜﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻮﺟﻮد و ﻋﻦ اﻹﻧﺴﺎن اﻟﺬي ﻗﺬف ﺑﻪ ﻓﻲ اﻟﻮﺟﻮد ﺑﻼ ﻋﻨﺎﻳﺔ‪ ..‬إﻻ اﻟﺠﺮأة ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟﺤﻖ ﺑﻌﻴﻨﻬﺎ و إذا آﺎن ﻣﺮاد ﺳﺎرﺗﺮ ﺑﺎﻟﻌﺒﺜﻴﺔ هﻮ ﻣﺎ ﻳﺠﺮي ﻋﻠﻰ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻦ ﻣﺮض و‬
‫ﺷﻴﺨﻮﺧﺔ ﺛﻢ ﻣﻮت و ﻣﺎ ﻳﺠﺮي ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻴﺎة ﻣﻦ آﻮارث و أوﺑﺌﺔ و زﻻزل و ﺑﺮاآﻴﻦ و‬
‫ﻃﻮﻓﺎﻧﺎت و ﺣﺮوب ﻣﻬﻠﻜﺔ ﻓﻬﺬﻩ آﻠﻬﺎ أﻣﻮر ﻋﺎرﺿﺔ و ﻧﺤﻦ ﻧﻤﺮض و ﻧﺼﺢ و ﺑﺪون‬
‫اﻟﻤﺮض ﻻ ﻧﻌﺮف اﻟﺼﺤﺔ‪ ..‬و اﻟﻤﺮض هﻮ اﻻﺳﺘﺜﻨﺎء و اﻟﺼﺤﺔ هﻲ اﻟﻘﺎﻋﺪة و اﻟﺰﻻزل و‬
‫اﻟﺒﺮاآﻴﻦ و اﻟﻄﻮﻓﺎﻧﺎت ﺣﻮادث اﺳﺘﺜﻨﺎﺋﻴﺔ و آﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﻟﻪ وﺟﻪ ﺧﻴﺮ و ﻣﻨﺎﻓﻊ و ﻓﻮاﺋﺪ‪ .‬و‬
‫ﺑﺎﻟﺰﻻزل و اﻟﺒﺮاآﻴﻦ ﺗﺴﺘﻌﻴﺪ اﻟﻜﺮة اﻷرﺿﻴﺔ ﺗﻮازﻧﻬﺎ آﻞ ﻋﺪد ﻣﻦ اﻟﺴﻨﻴﻦ و ﻟﻮﻻ هﺬا‬
‫اﻟﺘﻔﺮﻳﺞ و اﻟﺘﻨﻔﻴﺲ اﻟﻤﺆﻗﺖ ﻻﻧﻔﺠﺮت اﻷرض ﺑﺎﻟﻀﻐﻮط اﻟﻬﺎﺋﻠﺔ ﻓﻲ داﺧﻠﻬﺎ‪.‬‬

‫و اﻵﻻم و اﻟﻤﺸﻘﺎت ﺗﺮﺑﻲ اﻟﺠﻠﺪ و اﻟﺘﺤﻤﻞ‪ ،‬و اﻟﻤﺤﻦ ﺗﺸﺤﺬ اﻟﻌﺰاﺋﻢ آﻤﺎ ﺗﺮﺑﻲ اﻷﻣﺮاض‬
‫اﻟﻮﻗﺎﻳﺔ و اﻟﺤﺼﺎﻧﺔ‪.‬‬

‫و اﻟﺸﺮ ﻓﻲ اﻟﻜﻮن آﺎﻟﻈﻞ ﻓﻲ اﻟﺼﻮرة ﻳﺒﺪو ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺐ ﻋﻴﺒﺎ ﻓﺈذا اﺑﺘﻌﺪت ﺑﻌﻴﻨﻴﻚ و ﻧﻈﺮت‬
‫إﻟﻰ اﻟﺼﻮرة ﻧﻈﺮة آﻠﻴﺔ اآﺘﺸﻔﺖ أن هﺬا اﻟﻌﻴﺐ هﻮ ﻇﻞ‪ ،‬و أﻧﻪ ﺟﺰء ﻣﻜﻤﻞ ﻟﻠﺼﻮرة‪.‬‬

‫و ﻓﻲ هﺬا ﻳﻘﻮل اﺑﻦ ﻋﺮﺑﻲ أن ﻧﻘﺺ اﻟﻌﺎﻟﻢ هﻮ ﻋﻴﻦ آﻤﺎﻟﻪ آﻤﺎ أن اﻋﻮﺟﺎج اﻟﻘﻮس هﻮ ﻋﻴﻦ‬
‫ﺻﻼﺣﻴﺘﻬﺎ و ﻟﻮ أﻧﻬﺎ اﺳﺘﻘﺎﻣﺖ ﻻﻧﻜﺴﺮت و ﻟﻤﺎ رﻣﺖ‪ ..‬ﺛﻢ إن ﻋﺎﻟﻢ اﻟﺪﻧﻴﺎ آﻠﻪ ﻋﺎرض زاﺋﻞ‬
‫و ﻟﺬﻟﻚ آﺎن ﺷﺮﻩ ﻋﺎرﺿﺎ و زاﺋﻼ و ﻗﺪ ﺟﻌﻠﻪ اﷲ ﻣﻘﺪﻣﺔ ﻟﺨﻴﺮ ﺑﺎق ﻓﻲ اﻵﺧﺮة‪.‬‬

‫و اﻟﻤﻮت ﻟﻴﺲ ﻧﻬﺎﻳﺔ و إﻧﻤﺎ ﺑﺪاﻳﺔ ﻟﻔﺼﻞ ﺁﺧﺮ‪ ،‬و ﺣﻴﺎة أﺧﺮى‪ ..‬و اﻟﺤﻜﻢ ﻋﻠﻰ رواﻳﺔ ﺑﻘﺮاءة‬
‫ﺳﻄﺮ واﺣﺪ ﻣﻨﻬﺎ ﻻ ﻳﻜﻮن ﺣﻜﻤﺎ ﺻﺤﻴﺤﺎ‪ ..‬و إﻧﻤﺎ ﻳﺠﺐ اﻻﻧﺘﻈﺎر إﻟﻰ أن ﺗﺘﻢ اﻟﺮواﻳﺔ‬
‫ﻓﺼﻮﻻ ﻗﺒﻞ أن ﻧﺤﻜﻢ ﻋﻠﻴﻬﺎ‪.‬‬

‫ﺛﻢ هﻞ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻰ اﷲ أن ﻳﺤﻘﻖ اﻟﺴﻌﺎدة ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ و ﻟﻤﺎذا‪ ..‬و آﻴﻒ ﻧﻮﺟﺐ ﻋﻠﻰ اﷲ ﻣﺎ‬
‫ﻧﺠﻬﻞ‪ ..‬و آﻴﻒ ﻧﻠﺰﻣﻪ ﺑﻄﺮق ﺗﻔﻜﻴﺮﻧﺎ و وﺟﻬﺎت ﻧﻈﺮﻧﺎ‪.‬‬

‫و هﺆﻻء اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺮﻳﺪوﻧﻬﺎ ﺟﻨﺔ هﻞ ﻳﺴﺘﺤﻘﻮﻧﻬﺎ ﺟﻨﺔ‪ ..‬و هﻢ ﻳﻨﻔﺜﻮن ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺸﺮ و اﻟﺤﻘﺪ و اﻟﺴﻢ‬
‫ﻓﻲ آﻞ ﻟﺤﻈﺔ‪.‬‬

‫و ﻳﻘﻮل اﻟﻐﺰاﻟﻲ ﻓﻲ ذﻟﻚ و ﻳﺆﻳﺪﻩ ﻓﻲ رأﻳﻪ اﺑﻦ ﻋﺮﺑﻲ أن اﻹﻧﺴﺎن ﻻ ﻳﺠﺮي ﻋﻠﻴﻪ ﻗﻀﺎء إﻻ‬
‫ﻣﻦ ﺟﻨﺲ اﺳﺘﺤﻘﺎﻗﻪ‪.‬‬

‫)) ﻻ ﻳﻈﻬﺮ ﻓﻴﻚ و ﻻ ﻣﻨﻚ إﻻ ﻋﻴﻨﻚ ((‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪53‬‬
 ‫ﺑﻤﻌﻨﻰ أﻧﻪ ﻻ ﻳﺠﺮي ﻋﻠﻴﻚ ﻣﻦ اﻟﺤﻮادث إﻻ ﻣﻦ ﺟﻨﺲ ﻗﻠﺒﻚ و ﻧﻴﺘﻚ و ﺿﻤﻴﺮك‪.‬‬

‫و ﻳﻘﻮل ﻣﻴﺘﺮ ﻟﻨﻚ ﻓﻲ هﺬا اﻟﻤﻌﻨﻰ‪ )) :‬ﺟﺮﻋﺘﻚ ﻣﻦ اﻟﻤﺎء داﺋﻤﺎ ﺗﺴﺎوي ﺳﻌﺔ ﻓﻤﻚ‪ ..‬أﻧﺖ ﻻ‬
‫ﺗﻘﺎﺑﻞ إﻻ ﻧﻔﺴﻚ ﻓﻲ اﻟﻄﺮﻳﻖ‪ ..‬إذا آﻨﺖ ﻟﺼﺎ أﺳﺮﻋﺖ إﻟﻴﻚ ﺣﻮادث اﻟﺴﺮﻗﺔ و إذا آﻨﺖ ﻗﺎﺗﻼ‬
‫ﻗﺪﻣﺖ إﻟﻴﻚ اﻟﻈﺮوف اﻟﻔﺮﺻﺔ ﺗﻠﻮ اﻟﻔﺮﺻﺔ ﻟﺘﻘﺘﻞ ((‪.‬‬

‫إن اﷲ ﺻﺎغ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺘﻀﻰ اﻟﻌﺪل و اﺧﺘﺎر ﺑﺤﻜﻤﺘﻪ داﺋﻤﺎ أﻓﻀﻞ اﻟﻤﻤﻜﻨﺎت‪.‬‬

‫و ﺗﺄﻣﻞ اﻟﻜﻮن و اﻟﺤﻴﺎة ﻻ ﻳﻜﺸﻒ ﻟﻠﺒﺎﺣﺚ إﻻ اﻟﺠﻤﺎل و اﻹﺑﺪاع و اﻟﻨﻈﺎم و اﻟﻌﺪل و اﻟﻘﺎﻧﻮن‬
‫و ﻻ ﺗﻮﺟﺪ اﻟﻔﻮﺿﻰ إﻻ ﻓﻲ ﻧﻈﻤﻨﺎ ﻧﺤﻦ‪.‬‬

‫و ﻟﻜﻦ اﻟﻌﻴﻮن اﻟﺘﻲ ﻓﻴﻬﺎ ﻗﺬى و اﻟﻘﻠﻮب اﻟﺘﻲ ﻣﺎﻟﺖ ﻋﻦ اﻟﺤﻖ ﻻ ﺗﺮى إﻻ اﻟﻌﺒﺚ و اﻟﻐﺜﻴﺎن‪..‬‬
‫و ﻻ ﺗﻌﻤﻞ إﻻ ﻟﻺﻓﺴﺎد و اﻟﺘﻬﺪﻳﻢ‪.‬‬

‫هﺆﻻء هﻢ ﻓﺮﺳﺎن اﻟﺸﺮ و ﻃﻼﺋﻌﻪ‪.‬‬

‫ﻓﻠﻨﻘﺮأ آﻞ ﻣﺎ ﻳﺼﻞ إﻟﻰ أﻳﺪﻳﻨﺎ ﺑﺤﺬر و ﺑﻌﻘﻞ ﻧﺎﻗﺪ ﻓﻤﺎ أآﺜﺮ ﻣﺎ ﻳﺪس ﻟﻨﺎ ﻣﻦ ﺳﻤﻮم ﻳﺮاد ﺑﻬﺎ‬
‫هﻼآﻨﺎ‪.‬‬

‫و ﻟﻨﺜﻖ داﺋﻤﺎ ﺑﺄن اﷲ آﻠﻪ ﺧﻴﺮ و ﺑﺄن ﻣﺸﻴﺌﺘﻪ آﻠﻬﺎ رﺣﻤﺔ و ﻣﻦ ﻳﺸﻚ ﻓﻲ آﻼﻣﻲ ﻓﻠﻴﻘﺮأ‬
‫اﻟﻤﻘﺎل ﻣﺮة أﺧﺮى ﻣﻦ اﻷول‪.‬‬

‫ﺷﻖ ﻓﻲ اﻟﺤﺎﺋﻂ‬

‫اﻟﻨﻤﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﻜﻦ ﺷﻖ اﻟﺤﺎﺋﻂ و ﺗﺘﺠﻮل ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺻﻐﻴﺮ ﻻ ﻳﺰﻳﺪ ﻋﻦ داﺋﺮة ﻗﻄﺮهﺎ ﻧﺼﻒ‬
‫ﻣﺘﺮ و ﺗﻌﻤﻞ ﻃﻮل اﻟﺤﻴﺎة ﻋﻤﻼ واﺣﺪا ﻻ ﻳﺘﻐﻴﺮ هﻮ ﻧﻘﻞ ﻓﺘﺎﻓﻴﺖ اﻟﺨﺒﺰ ﻣﻦ اﻷرض إﻟﻰ ﺑﻴﺘﻬﺎ‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪54‬‬
 ‫ﺗﺘﺼﻮر أن اﻟﻜﻮن آﻠﻪ هﻮ هﺬا اﻟﺸﻖ اﻟﺼﻐﻴﺮ و أن اﻟﺤﻴﺎة ﻻ ﻏﺎﻳﺔ ﻟﻬﺎ إﻻ هﺬﻩ اﻟﻔﺘﻔﻮﺗﺔ ﻣﻦ‬
‫اﻟﺨﺒﺰ ﺛﻢ ﻻ ﺷﻲء وراء ذﻟﻚ‪ ..‬و هﻲ ﻣﻌﺬورة ﻓﻲ هﺬا اﻟﺘﺼﻮر ﻓﻬﺬا أﻗﺼﻰ ﻣﺪى ﺗﺬهﺐ إﻟﻴﻪ‬
‫ﺣﻮاﺳﻬﺎ‪.‬‬

‫أﻣﺎ اﻹﻧﺴﺎن ﻓﻴﻌﻠﻢ أن اﻟﺸﻖ هﻮ ﻣﺠﺮد ﺷﺮخ ﻓﻲ ﺣﺎﺋﻂ و اﻟﺤﺎﺋﻂ ﻹﺣﺪى اﻟﻐﺮف و اﻟﻐﺮﻓﺔ‬
‫ﻓﻲ إﺣﺪى اﻟﺸﻘﻖ و اﻟﺸﻘﺔ هﻲ واﺣﺪة ﻣﻦ ﻋﺸﺮات ﻣﺜﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﻋﻤﺎرة و اﻟﻌﻤﺎرة واﺣﺪة ﻣﻦ‬
‫ﻋﻤﺎرات ﻓﻲ ﺣﻲ و اﻟﺤﻲ واﺣﺪ ﻣﻦ ﻋﺪة أﺣﻴﺎء ﺑﺎﻟﻘﺎهﺮة و اﻟﻘﺎهﺮة ﻋﺎﺻﻤﺔ ﺟﻤﻬﻮرﻳﺔ و‬
‫هﺬﻩ ﺑﺪورهﺎ ﻣﺠﺮد ﻗﻄﺮ ﻣﻦ ﻋﺪة أﻗﻄﺎر ﻓﻲ ﻗﺎرة آﺒﻴﺮة اﺳﻤﻬﺎ أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ و ﻣﺜﻠﻬﺎ أرﺑﻊ ﻗﺎرات‬
‫أﺧﺮى ﻋﻠﻰ آﺮة ﺳﺎﺑﺤﺔ ﻓﻲ اﻟﻔﻀﺎء اﺳﻤﻬﺎ اﻟﻜﺮة اﻷرﺿﻴﺔ‪ ..‬و اﻟﻜﺮة اﻷرﺿﻴﺔ ﺑﺪورهﺎ‬
‫واﺣﺪة ﻣﻦ ﺗﺴﻌﺔ آﻮاآﺐ ﺗﺪور ﺣﻮل اﻟﺸﻤﺲ ﻓﻲ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ آﻮآﺒﻴﺔ‪ ..‬و اﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ آﻠﻬﺎ‬
‫ﺑﺸﻤﺴﻬﺎ ﺗﺪور هﻲ اﻷﺧﺮى ﻓﻲ اﻟﻔﻀﺎء ﺣﻮل ﻣﺠﺮة ﻣﻦ ﻣﺎﺋﺔ أﻟﻒ ﻣﻠﻴﻮن ﺷﻤﺲ‪.‬‬

‫و ﻏﻴﺮهﺎ ﻣﺎﺋﺔ أﻟﻒ ﻣﻠﻴﻮن ﻣﺠﺮة أﺧﺮى ﺗﺴﺒﺢ ﺑﺸﻤﻮﺳﻬﺎ ﻓﻲ ﻓﻀﺎء ﻻ أﺣﺪ ﻳﻌﺮف ﻟﻪ ﺷﻜﻼ‪..‬‬
‫و آﻞ هﺬا ﻳﺆﻟﻒ ﻣﺎ ﻳﻌﺮف ﺑﺎﻟﺴﻤﺎء اﻷوﻟﻰ أو اﻟﺴﻤﺎء اﻟﺪﻧﻴﺎ و هﻲ ﻣﺠﺮد واﺣﺪة ﻣﻦ ﺳﺒﻊ‬
‫ﺳﻤﺎوات ﻟﻢ ﺗﻄﻠﻊ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻋﻴﻦ و ﻟﻢ ﺗﻄﺄهﺎ ﻗﺪم و ﻣﻦ ﻓﻮﻗﻬﺎ ﻳﺴﺘﻮي اﻹﻟﻪ اﻟﺨﺎﻟﻖ ﻋﻠﻰ ﻋﺮﺷﻪ‬
‫ﻳﺪﺑﺮ آﻞ هﺬﻩ اﻷآﻮان و ﻳﻬﻴﻤﻦ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ أآﺒﺮ ﻣﺠﺮة إﻟﻰ أﺻﻐﺮ ذرة‪.‬‬

‫آﻞ هﺬا ﻳﻌﻠﻤﻪ اﻹﻧﺴﺎن ﻋﻠﻰ وﺟﻪ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ‪ ..‬و ﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﻤﺎ أآﺜﺮ اﻟﻨﺎس أﺷﺒﺎﻩ اﻟﻨﻤﻞ اﻟﺬﻳﻦ‬
‫ﻳﻌﻴﺸﻮن ﺳﺠﻨﺎء ﻣﺤﺼﻮرﻳﻦ آﻞ واﺣﺪ ﻣﻨﻐﻠﻖ داﺧﻞ ﺷﻖ ﻧﻔﺴﻪ ﻳﺘﺤﺮك داﺧﻞ داﺋﺮة ﻣﺤﺪودة‬
‫ﻣﻦ ﻋﺪة أﻣﺘﺎر و ﻳﺪور داﺧﻞ ﺣﻠﻘﺔ ﻣﻔﺮﻏﺔ ﻣﻦ اﻟﻬﻤﻮم اﻟﺬاﺗﻴﺔ ﺗﺒﺪأ و ﺗﻨﺘﻬﻲ ﻋﻨﺪ اﻟﺤﺼﻮل‬
‫ﻋﻠﻰ آﺴﺮة ﺧﺒﺰ و ﻣﻀﺎﺟﻌﺔ اﻣﺮأة ﺛﻢ ﻻ ﺷﻲء وراء ذﻟﻚ‪ ..‬رﻏﻢ ﻣﺎ وهﺐ اﷲ ذﻟﻚ اﻹﻧﺴﺎن‬
‫ﻣﻦ ﻋﻠﻢ و ﺧﻴﺎل و اﺧﺘﺮاع و أدوات و ﺣﻴﻠﺔ و ذآﺎء و رﻏﻢ ﻣﺎ آﺸﻒ ﻟﻪ ﻣﻦ ﻏﻮاﻣﺾ ذﻟﻚ‬
‫اﻟﻜﻮن اﻟﻔﺴﻴﺢ اﻟﻤﺬهﻞ‪.‬‬

‫أآﺜﺮ اﻟﻨﺎس ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻗﻮاﻗﻊ و ﺳﻼﺣﻒ و ﻧﻤﻞ آﻞ واﺣﺪ ﻳﻐﻠﻖ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﻗﻮﻗﻌﺘﻪ أو‬
‫درﻗﺘﻪ أو ﻳﺨﺘﺒﺊ داﺧﻞ ﺟﺤﺮ ﻣﻈﻠﻢ ﺿﻴﻖ ﻣﻦ اﻷﺣﻘﺎد و اﻷﺿﻐﺎن و اﻷﻃﻤﺎع و اﻟﻤﺂرب‪.‬‬

‫ﻧﺮى اﻟﺬي ﻳﻤﻮت ﻣﻦ اﻟﻐﻴﺮة و ﻗﺪ ﻧﺴﻲ أن اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﻠﻲء ﺑﺎﻟﻨﺴﺎء و ﻧﺴﻲ أن هﻨﺎك ﻏﻴﺮ‬
‫اﻟﻨﺴﺎء ﻋﺸﺮات اﻟﻠﺬات و اﻷهﺪاف اﻷﺧﺮى اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ‪ ..‬و ﻟﻜﻨﻪ ﺳﺠﻦ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺠﻬﻠﻪ و ﻏﺒﺎﺋﻪ‬
‫داﺧﻞ اﻣﺮأة واﺣﺪة و داﺧﻞ ﺟﺤﺮ ﻧﻤﻠﺔ واﺣﺪة اﻟﺘﺼﻖ ﺑﻬﺎ آﻤﺎ ﻳﻠﺘﺼﻖ ﺑﻘﻄﺮة ﻋﺴﻞ ﻻ‬
‫ﻳﻌﺮف ﻟﻨﻔﺴﻪ ﻓﻜﺎآﺎ‪.‬‬

‫و ﻧﺮى ﺁﺧﺮ ﻣﻐﻠﻮﻻ داﺧﻞ رﻏﺒﺔ أآﺎﻟﺔ ﻓﻲ اﻻﻧﺘﻘﺎم و اﻟﺜﺄر ﻳﺼﺤﻮ و ﻳﻨﺎم و ﻳﻘﻮم ﻓﻲ ﻗﻤﻘﻢ‬
‫ﻣﻦ اﻟﻜﻮاﺑﻴﺲ ﻻ ﻳﻌﺮف ﻟﻨﻔﺴﻪ ﺧﻼﺻﺎ و ﻻ ﻳﻔﻜﺮ إﻻ ﻓﻲ اﻟﻜﻴﻔﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻨﻘﺾ ﺑﻬﺎ ﻋﻠﻰ‬
‫ﻏﺮﻳﻤﻪ ﻟﻴﻨﻬﺶ ﻟﺤﻤﻪ و ﻳﺸﺮب دﻣﻪ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪55‬‬
 ‫و ﻧﺮى ﺁﺧﺮ ﻗﺪ ﺗﻜﻮم ﺗﺤﺖ اﻷﻏﻄﻴﺔ و ﻏﺎب ﻓﻲ ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﺣﻴﻮاﻧﻴﺔ ﻻﺳﺘﺪرار اﻟﻠﺬة ﻣﺜﻞ ﻗﺮد‬
‫اﻟﺠﺒﻼﻳﺔ اﻟﺬي ﻳﻤﺎرس اﻟﻌﺎدة اﻟﺴﺮﻳﺔ أﻣﺎم أﻧﺜﺎﻩ‪.‬‬

‫و ﻧﺮى ﺁﺧﺮ ﻗﺪ ﻏﺮق ﻓﻲ دواﻣﺔ ﻣﻦ اﻷﻓﻜﺎر اﻟﺴﻮداوﻳﺔ و أﻏﻠﻖ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ زﻧﺰاﻧﺔ ﻣﻦ‬
‫اﻟﻜﺂﺑﺔ و اﻟﻴﺄس و اﻟﺨﻤﻮل‪.‬‬

‫و ﻧﺮى ﺁﺧﺮ ﻗﺪ أﺳﺮ ﻧﻔﺴﻪ داﺧﻞ ﻣﻮﻗﻒ اﻟﺮﻓﺾ و اﻟﺴﺨﻂ و اﻟﺘﺒﺮم و اﻟﻀﻴﻖ ﺑﻜﻞ ﺷﻲء‪.‬‬

‫و ﻟﻜﻦ اﻟﻌﺎﻟﻢ واﺳﻊ ﻓﺴﻴﺢ‪.‬‬

‫و إﻣﻜﺎﻧﻴﺎت اﻟﻌﻤﻞ و اﻟﺴﻌﺎدة ﻻ ﺣﺪ ﻟﻬﺎ و ﻓﺮص اﻻآﺘﺸﺎف ﻟﻜﻞ ﻣﺎ هﻮ ﺟﺪﻳﺪ و ﻣﺬهﻞ و‬

‫ﻣﺪهﺶ ﺗﺘﺠﺪد آﻞ ﻟﺤﻈﺔ ﺑﻼ ﻧﻬﺎﻳﺔ‪.‬‬

‫و ﻗﺪ ﻣﺸﻰ اﻹﻧﺴﺎن ﻋﻠﻰ ﺗﺮاب اﻟﻘﻤﺮ‪.‬‬

‫و ﻧﺰﻟﺖ اﻟﺴﻔﻦ ﻋﻠﻰ آﻮآﺐ اﻟﺰهﺮة‪.‬‬

‫و ارﺗﺤﻠﺖ اﻟﻜﺎﻣﻴﺮات اﻟﺘﻠﻴﻔﺰﻳﻮﻧﻴﺔ إﻟﻰ اﻟﻤﺮﻳﺦ‪.‬‬

‫ﻓﻠﻤﺎذا ﻳﺴﺠﻦ اﻹﻧﺴﺎن ﻧﻔﺴﻪ داﺧﻞ ﺷﻖ ﻓﻲ اﻟﺤﺎﺋﻂ ﻣﺜﻞ اﻟﻨﻤﻠﺔ و ﻳﻌﺾ ﻋﻠﻰ أﺳﻨﺎﻧﻪ ﻣﻦ‬
‫اﻟﻐﻴﻆ أو ﻳﺤﻚ ﺟﻠﺪﻩ ﺑﺤﺜﺎ ﻋﻦ ﻟﺬة أو ﻳﻄﻮي ﺿﻠﻮﻋﻪ ﻋﻠﻰ ﺛﺄر‪.‬‬

‫و ﻟﻤﺎذا ﻳﺴﺮق اﻟﻨﺎس ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﻌﻀﺎ و ﻟﻤﺎذا ﺗﻐﺘﺼﺐ اﻷﻣﻢ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﻌﻀﺎ و اﻟﺨﻴﺮات‬
‫ﺣﻮﻟﻬﺎ ﺑﻼ ﺣﺪود و اﻷرزاق ﻣﻄﻤﻮرة ﻓﻲ اﻷرض ﺗﺤﺖ أﻗﺪام ﻣﻦ ﻳﺒﺤﺚ ﻋﻨﻬﺎ‪.‬‬

‫و ﻟﻤﺎذا اﻟﻴﺄس و ﺻﻮرة اﻟﻜﻮن اﻟﺒﺪﻳﻊ ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺟﻤﺎل و ﻧﻈﺎم و ﺣﻜﻤﺔ و ﺗﺨﻄﻴﻂ‬
‫ﻣﻮزون ﺗﻮﺣﻲ ﺑﺈﻟﻪ ﻋﺎدل ﻻ ﻳﺨﻄﺊ ﻣﻴﺰاﻧﻪ‪ ..‬آﺮﻳﻢ ﻻ ﻳﻜﻒ ﻋﻦ اﻟﻌﻄﺎء‪.‬‬

‫ﻟﻤﺎذا ﻻ ﻧﺨﺮج ﻣﻦ ﺟﺤﻮرﻧﺎ‪ ..‬و ﻧﻜﺴﺮ ﻗﻮﻗﻌﺎﺗﻨﺎ و ﻧﻄﻞ ﺑﺮؤوﺳﻨﺎ ﻟﻨﺘﻔﺮج ﻋﻠﻰ اﻟﺪﻧﻴﺎ و‬
‫ﻧﺘﺄﻣﻞ‪.‬‬

‫ﻟﻤﺎذا ﻻ ﻧﺨﺮج ﻣﻦ هﻤﻮﻣﻨﺎ اﻟﺬاﺗﻴﺔ ﻟﻨﺤﻤﻞ هﻤﻮم اﻟﻮﻃﻦ اﻷآﺒﺮ ﺛﻢ ﻧﺘﺨﻄﻰ اﻟﻮﻃﻦ إﻟﻰ‬
‫اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ اﻟﻜﺒﺮى‪ ..‬ﺛﻢ ﻧﺘﺨﻄﻰ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ إﻟﻰ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ و ﻣﺎ وراءهﺎ ﺛﻢ إﻟﻰ اﷲ اﻟﺬي ﺟﺌﻨﺎ ﻣﻦ‬
‫ﻏﻴﺒﻪ اﻟﻤﻐﻴﺐ و ﻣﺼﻴﺮﻧﺎ إﻟﻰ ﻏﻴﺒﻪ اﻟﻤﻐﻴﺐ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪56‬‬
 ‫ﻟﻤﺎذا ﻧﻨﺴﻰ أن ﻟﻨﺎ أﺟﻨﺤﺔ ﻓﻨﺠﺮب أن ﻧﻄﻴﺮ و ﻧﻜﺘﻔﻲ ﺑﺄن ﻧﻠﺘﺼﻖ ﺑﺎﻟﺠﺤﻮر ﻓﻲ ﺟﺒﻦ و‬
‫ﻧﻐﻮص ﻓﻲ اﻟﻮﺣﻞ و ﻧﻐﺮق ﻓﻲ اﻟﻄﻴﻦ و ﻧﺴﻠﻢ ﻗﻴﺎدﺗﻨﺎ ﻟﻠﺨﻨﺰﻳﺮ ﻓﻲ داﺧﻠﻨﺎ‪.‬‬

‫ﻟﻤﺎذا ﻧﺴﻠﻢ أﻧﻔﺴﻨﺎ ﻟﻠﻌﺎدة و اﻵﻟﻴﺔ و اﻟﺮوﺗﻴﻦ اﻟﻤﻜﺮر و ﻧﻨﺴﻰ أﻧﻨﺎ أﺣﺮار ﻓﻌﻼ‪.‬‬

‫ﻟﻤﺎذا أآﺜﺮﻧﺎ ﻧﻤﻞ و ﺻﺮاﺻﻴﺮ‪..‬‬

‫))اﻟﻘﺮﺁن ‪ -‬ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻟﻔﻬﻢ ﻋﺼﺮي((‬

‫ﻟﻠﺪآﺘﻮر ﻣﺼﻄﻔﻰ ﻣﺤﻤﻮد‬

‫ﻣﻘﺪﻣﺔ‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪57‬‬
 ‫ﻣﺎزال اﻟﻘﺮﺁن آﺘﺎب اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ اﻟﻤﻌﺠﺰة ﻳﺘﺤﺪى اﻟﻌﻘﻮل ﺑﻌﺪ أﻟﻒ و أرﺑﻌﻤﺎﺋﺔ ﻋﺎم ﻣﻦ ﻧﺰوﻟﻪ و آﺄﻧﻪ ﻧﺰل‬
‫اﻟﻴﻮم ﻟﻴﺘﺤﺪث ﻋﻦ ﻋﻠﻮم اﻟﻴﻮم و ﺷﻮاﻏﻞ اﻟﻴﻮم و أﺳﺮار اﻟﻴﻮم و ﺣﺮوب اﻟﻴﻮم‪ ..‬و ﺑﻴﻦ دﻓﺘﻴﻪ ﺳﻮف ﻳﻔﺎﺟﺄ‬
‫آﻞ ﺷﻐﻮف ﺑﻌﻠﻮم اﻟﻔﻠﻚ و اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ و اﻟﺠﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ و اﻟﻄﺐ و اﻟﺘﺸﺮﻳﺢ و اﻟﺤﻴﺎة ﺑﻠﻤﺤﺎت ﻣﻦ هﺬﻩ اﻟﻌﻠﻮم و‬
‫ﺑﺎﻟﺠﺪﻳﺪ ﻓﻲ ﻋﻠﻮم اﻟﺒﺎﻃﻦ و اﻟﻨﻔﺲ و اﻟﺮوح و ﻣﺎ وراء اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ و ﺑﺎﻟﺠﺪﻳﺪ ﻓﻲ ﻋﻮاﻟﻢ اﻟﻐﻴﺐ و ﺧﻔﺎﻳﺎ‬
‫اﻟﺰﻣﻦ و اﻟﻤﻜﺎن و اﻟﻤﺎدة‪ ..‬و ﺑﺎﻟﺠﺪﻳﺪ و اﻟﻤﺒﻬﺮ ﻓﻲ اﻷﺧﻼق و اﻟﺪﺳﺘﻮر و اﻟﺸﺮاﺋﻊ و اﻷدﻳﺎن‪.‬‬

‫و ﻗﺪ ﻇﻞ ﻋﻠﻤﺎء اﻟﻔﻠﻚ ﻳﺘﺤﺪﺛﻮن ﻋﻦ ﺳﺒﻌﺔ آﻮاآﺐ ﺗﺪور ﺣﻮل اﻟﺸﻤﺲ ﺣﺘﻰ ﻧﺰﻟﺖ ﺁﻳﺎت اﻟﻘﺮﺁن ﺗﺘﺤﺪث‬
‫ﻋﻦ أﺣﺪ ﻋﺸﺮ آﻮآﺒﺎ و اﻟﺸﻤﺲ و اﻟﻘﻤﺮ ﻓﻲ ﺳﻮرة ﻳﻮﺳﻒ‪:‬‬

‫ﻦ )‪] (( (4‬‬
‫ﺟﺪِﻳ َ‬
‫ﺲ وَا ْﻟ َﻘ َﻤ َﺮ َرَأ ْﻳ ُﺘ ُﻬ ْﻢ ﻟِﻲ ﺳَﺎ ِ‬
‫ﺸ ْﻤ َ‬
‫ﺸ َﺮ َآ ْﻮ َآﺒًﺎ وَاﻟ ﱠ‬
‫ﻋَ‬‫ﺣ َﺪ َ‬
‫ﺖ َأ َ‬
‫ﺖ ِإﻧﱢﻲ َرَأ ْﻳ ُ‬
‫ﻒ ِﻟَﺄﺑِﻴ ِﻪ ﻳَﺎ أَﺑ ِ‬
‫ﺳ ُ‬
‫ل ﻳُﻮ ُ‬
‫)) ِإ ْذ ﻗَﺎ َ‬
‫ﻳﻮﺳﻒ [‬

‫و ﻧﻌﻠﻢ اﻟﻴﻮم أن اﻟﺘﻠﺴﻜﻮﺑﺎت اﻟﻔﻠﻜﻴﺔ رﺻﺪت ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ أﺣﺪ ﻋﺸﺮ آﻮآﺒﺎ ﺗﺪور ﻣﻊ اﻷرض و اﻟﻘﻤﺮ ﻋﻠﻰ‬
‫أﺑﻌﺎد ﺷﺎﺳﻌﺔ ﻣﺘﻔﺎوﺗﺔ ﺣﻮل اﻟﺸﻤﺲ‪ ..‬و هﻮ أﻣﺮ ﺟﺪﻳﺪ ﺗﻤﺎﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻌﺮف إﻻ ﻗﺮﻳﺒﺎ‪.‬‬

‫و ﻟﻢ ﻳﻜﻦ أﺣﺪ ﻣﻦ اﻟﻌﺮب اﻟﻘﺪاﻣﻰ أﻳﺎم اﻟﺠﺎهﻠﻴﺔ ﻳﻌﻠﻢ ﺷﻴﺌﺎ ﻋﻦ اﻟﺒﺼﻤﺔ اﻟﻤﺮﺳﻮﻣﺔ ﻋﻠﻰ ﻃﺮف اﻟﺒﻨﺎن و‬
‫اﻟﺘﻲ ﻳﻨﻔﺮد ﺑﻬﺎ آﻞ ﻣﻮﻟﻮد ﻟﺘﺪل ﻋﻠﻰ ﺷﺨﺼﻴﺘﻪ اﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﺸﺎرآﻪ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺨﻠﻮق ﺣﺘﻰ أﺧﻴﻪ اﻟﺘﻮأم‪ ..‬ﻓﺈذا ﺑﻜﻞ‬
‫إﻧﺴﺎن ﻟﻪ ﺑﺼﻤﺘﻪ اﻟﺘﻲ ﻳﻨﻔﺮد ﺑﻬﺎ‪ ..‬ﻓﻴﻘﻮل رﺑﻨﺎ ﻓﻲ ﻗﺮﺁﻧﻪ اﻟﻤﺠﻴﺪ ﻋﻦ ﻳﻮم اﻟﺒﻌﺚ اﻟﺬي آﺎن ﻳﺸﻚ ﻓﻴﻪ‬
‫اﻟﺠﺎهﻠﻴﻮن إن ﻳﻮم اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﺳﻮف ﺗﻘﻮم اﻷﺟﺴﺎد ﻣﻦ ﻗﺒﻮرهﺎ و ﺳﻮف ﻳﻌﻮد اﻟﻤﻮﺗﻰ إﻟﻰ ﺳﺎﻟﻒ هﻴﺌﺘﻬﻢ‪ ..‬و‬
‫ﻳﻘﻮل ﻟﻬﺬا اﻟﺠﺎهﻠﻲ اﻟﺬي ﻳﺸﻚ ﻓﻲ اﻟﺒﻌﺚ‪:‬‬

‫ي َﺑﻨَﺎ َﻧ ُﻪ )‪ ] (( (4‬اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ [‬
‫ﺴ ﱢﻮ َ‬
‫ﻋﻠَﻰ أَن ﱡﻧ َ‬
‫ﻦ َ‬
‫ﻋﻈَﺎ َﻣ ُﻪ )‪َ (3‬ﺑﻠَﻰ ﻗَﺎ ِدرِﻳ َ‬
‫ﺠ َﻤ َﻊ ِ‬
‫ن َأﻟﱠﻦ َﻧ ْ‬
‫ﺐ ا ْﻟﺈِﻧﺴَﺎ ُ‬
‫ﺴ ُ‬
‫ﺤَ‬‫)) َأ َﻳ ْ‬

‫و ﻳﺨﺺ اﻟﺒﻨﺎن ﺑﺎﻟﺘﺴﻮﻳﺔ ﻷﻧﻪ اﻟﺤﺎﻣﻞ ﻟﻠﺒﺼﻤﺔ اﻟﻤﻌﺠﺰة اﻟﺪاﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺷﺨﺼﻴﺘﻪ اﻟﻤﺘﻔﺮدة اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺘﻜﺮر و‬
‫اﻟﺘﻲ ﺳﻮف ﺗﻌﻮد إﻟﻴﻪ ﻳﻮم اﻟﺒﻌﺚ‪.‬‬

‫هﻞ آﺎن اﻟﻌﺮب اﻷواﺋﻞ ﻳﻌﻠﻤﻮن ﺷﻴﺌﺎ ﻋﻦ هﺬا ؟‪ ..‬ﻟﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮا ﻳﻌﻠﻤﻮن‪ ..‬و ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﻌﻠﻢ اﻟﻌﺮب و ﻻ‬
‫اﻟﻔﺮﻧﺠﺔ ﻓﻲ أوروﺑﺎ و ﻻ ﻓﻲ أﻣﺮﻳﻜﺎ ﺷﻴﺌﺎ ﻋﻦ هﺬﻩ اﻟﺒﺼﻤﺔ‪ ..‬ﻓﻨﺰﻟﺖ آﻠﻤﺎت اﻟﻘﺮﺁن ﻗﺒﻞ أﻟﻒ و أرﺑﻌﻤﺎﺋﺔ‬
‫ﺳﻨﺔ ﻟﺘﻌﻠﻦ ﻋﻨﻬﺎ‪.‬‬

‫آﺎﻧﺖ اﻟﺒﺼﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻨﺎن إﻋﻼﻣﺎ ﻗﺮﺁﻧﻴﺎ ﺑﺤﺘﺎ‪.‬‬

‫هﻞ آﺎن ﻋﻠﻤﺎء اﻷرض ﺣﻴﻨﺬاك ﻳﻌﻠﻤﻮن أن آﻞ ﺟﺒﻞ ﻟﻪ ﺟﺬر ﻣﻤﺘﺪ ﺗﺤﺖ اﻷرض أآﺜﺮ ﻣﻨﻪ ﻏﻠﻈﺔ آﺎﻟﻮﺗﺪ‬
‫ل َأ ْوﺗَﺎدًا )‪ ] (( (7‬اﻟﻨﺒﺄ [ ‪ ..‬و أن هﺬﻩ اﻟﺠﺒﺎل ﻣﻮزﻋﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺤﻴﻂ اﻷرض ﺑﺸﻜﻞ‬
‫ﺠﺒَﺎ َ‬
‫ﻟﻴﺰﻳﺪﻩ ﺛﺒﺎﺗﺎ )) وَا ْﻟ ِ‬
‫ﻣﺤﺴﻮب‪ ،‬و ﻣﻘﺪر آﺜﻘﺎﻻت ﻟﻴﻜﻮن دوران اﻷرض ﻣﻨﺘﻈﻤﺎ‪ ..‬و هﺬﻩ ﻗﻀﻴﺔ ﻣﻌﻠﻮﻣﺔ اﻵن ﻓﻲ اﻟﻤﻴﻜﺎﻧﻴﻜﺎ و‬
‫اﻟﺤﺮآﺔ‪ ..‬إن هﺬﻩ اﻟﺜﻘﺎﻻت اﻟﺪاﺋﺮة ﻋﻠﻰ اﻷﻃﺮاف هﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﻈﻢ اﻟﺤﺮآﺔ و ﺗﺠﻌﻞ اﻟﺤﺮآﺔ ﻣﻨﺴﺎﺑﺔ ﻏﻴﺮ‬
‫ﻗﻠﻘﺔ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪58‬‬
 ‫س‪ ] (( (25) ..‬اﻟﺤﺪﻳﺪ [‬
‫ﺷﺪِﻳ ٌﺪ َو َﻣﻨَﺎ ِﻓ ُﻊ ﻟِﻠﻨﱠﺎ ِ‬
‫س َ‬
‫ﺤﺪِﻳ َﺪ ﻓِﻴ ِﻪ َﺑ ْﺄ ٌ‬
‫)) َوأَﻧ َﺰ ْﻟﻨَﺎ ا ْﻟ َ‬

‫و ﺗﻠﻚ ﻣﻔﺎﺟﺄة ﻗﺮﺁﻧﻴﺔ أﺧﺮى‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﺟﺎءﻧﺎ اﻟﺤﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎء‪ ..‬و آﺎن ذﻟﻚ ﺑﻌﻤﻠﻴﺔ ﺗﻌﺪﻳﻦ ﺳﻤﺎوي ﺧﺎص‬
‫ﻟﻌﻨﺼﺮ اﻟﺤﺪﻳﺪ‪ ..‬هﻜﺬا ﻳﻘﻮل اﻟﻘﺮﺁن‪ ..‬و ﻧﻌﻠﻢ اﻵن أن ذﻟﻚ ﻳﺤﺪث ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻧﻔﺠﺎر اﻟﻨﺠﻮم‬
‫اﻟﻤﺴﺘﻌﺮة ﺷﺪﻳﺪة اﻟﺤﺮارة ) اﻟﺴﻮﺑﺮ ﻧﻮﻓﺎ ( و ﺑﺴﺒﺐ ﺷﺪة ﺣﺮارﺗﻬﺎ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﻘﺬف إﻟﻰ اﻷرض ﺑﺪﻗﺎﺋﻖ ذرﻳﺔ‬
‫ﻣﻜﻬﺮﺑﺔ آﺎﻟﺴﻬﺎم ﺗﺨﺘﺮق اﻷرض و ﺗﺼﻞ إﻟﻰ ﻣﻌﺎدﻧﻬﺎ اﻟﺒﺎﻃﻨﺔ و ﺑﻔﻌﻞ ﻃﺎﻗﺘﻬﺎ اﻻﻧﻔﺠﺎرﻳﺔ اﻟﺰاﺋﺪة ﺗﺆدي‬
‫إﻟﻰ ﺧﻠﻖ اﻟﺤﺪﻳﺪ ﺑﺬراﺗﻪ اﻟﻤﺘﺪاﻣﺠﺔ اﻟﻤﺘﻤﺎﺳﻜﺔ ﺷﺪﻳﺪة اﻟﺼﻼﺑﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﻌﺮﻓﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻴﻌﺎد إﻧﺸﺎء ﺟﺰﻳﺌﺎت اﻟﺤﺪﻳﺪ‬
‫ﻋﻠﻰ هﺬﻩ اﻟﺼﻮرة اﻟﺼﻠﺒﺔ اﻟﻤﺘﺪاﻣﺠﺔ‪.‬‬

‫ﺟﺎء اﻟﺤﺪﻳﺪ اﻟﺬي ﻧﻌﺮﻓﻪ ﺑﺼﻼﺑﺘﻪ إذن ﺑﺤﻘﻦ ﺳﻤﺎوي ﻟﻠﺨﺎم اﻷﺻﻠﻲ ﻓﻲ ﺑﺎﻃﻦ اﻷرض و ﺑﻔﻌﻞ ﺳﻤﺎوي‬
‫ﻓﻮﻗﻲ ﻟﻠﻨﺠﻮم اﻟﻤﺴﺘﻌﺮة و ﺑﺘﻌﺪﻳﻦ رﺑﺎﻧﻲ‪ ..‬ﻓﻬﻮ ﻣﺼﻨﻮع ﺑﺈرادة رﺑﺎﻧﻴﺔ و ﻋﻨﺎﻳﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻟﻴﻜﺘﺴﺐ هﺬﻩ‬
‫اﻟﺼﻼﺑﺔ اﻟﻔﺎﺋﻘﺔ ﻟﺘﻜﻮن ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ‪ ..‬دﺑﺎﺑﺎت و ﻣﺠﻨﺰرات و ﺳﻴﻮﻓﺎ و دروﻋﺎ و أﺳﻠﺤﺔ ﻗﺘﺎﻟﻴﺔ ﻓﺘﺎآﺔ‪ ..‬و ﻟﻤﺎذا‬
‫ﺣﺪث هﺬا اﻟﺘﺮﺗﻴﺐ و اﻟﺘﺪﺑﻴﺮ؟ ﻟﻴﻌﻠﻢ اﷲ ﻣﻦ ﻳﻨﺼﺮﻩ و رﺳﻠﻪ ﺑﺎﻟﻐﻴﺐ‪ ..‬إﻧﻪ اﻻﻣﺘﺤﺎن ﻹﻳﻤﺎن اﻟﻤﺆﻣﻦ و‬
‫ﺻﻼﺑﺘﻪ و ﺛﺒﺎﺗﻪ ﻓﻲ اﻟﺤﺮوب و ﻟﺪﺣﺮ اﻟﻜﻔﺎر و هﺰﻳﻤﺘﻬﻢ‪.‬‬

‫و ﻗﺪ ﻋﺸﻨﺎ و ﺳﻤﻌﻨﺎ اﻟﺮﺋﻴﺲ اﻷﻣﺮﻳﻜﻲ ) آﻠﻴﻨﺘﻮن ( ﻳﻌﻠﻦ ﻋﻦ اآﺘﺸﺎف ) اﻟﺠﻴﻨﻴﻮم اﻟﺒﺸﺮي ( ﻋﺒﺮ‬
‫اﻹذاﻋﺎت ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ آﻠﻪ و ﻳﻌﻠﻦ ﻋﻦ ﻓﺾ رﻣﻮز هﺬا ) اﻟﺠﻴﻨﻴﻮم ( اﻟﺬي ﻳﺘﺄﻟﻒ ﻣﻦ ﺛﻼﺛﺔ ﻣﻠﻴﺎرات ﺣﺮف‬
‫آﻴﻤﻴﺎﺋﻲ و هﻮ ﻣﺎ ﻳﻤﻸ ﺧﻤﺴﺔ ﻣﻼﻳﻴﻦ ﺻﻔﺤﺔ ﻣﺪوﻧﺔ و آﻞ هﺬا ﻓﻲ ﺣﻴﺰ ﺻﻐﻴﺮ ﻣﺘﻨﺎهﻲ اﻟﺼﻐﺮ ﻓﻲ ﻧﻮاة‬
‫اﻟﺨﻠﻴﺔ ) ﺑﻀﻌﺔ أﺟﺰاء ﻣﻦ اﻟﻤﻠﻠﻲ ( ﺗﺤﺘﻮي ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺪرات هﺬا اﻟﻤﺨﻠﻮق اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ و ﺻﻔﺎﺗﻪ اﻟﺒﺪﻧﻴﺔ و‬
‫ﺣﻈﻪ ﻣﻦ اﻟﺼﺤﺔ و اﻟﻤﺮض و اﻟﻘﻮة و اﻟﻀﻌﻒ و ﻣﻮاهﺒﻪ و ﻣﻠﻜﺎﺗﻪ و ﻣﺎ ﺳﻴﺠﺮي ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ أﺣﻮال‪ ..‬و‬
‫آﻞ هﺬا ﻣﺪون ﺑﺎﻟﺘﻔﺼﻴﻞ ﻓﻲ ﻣﺨﻄﻮﻃﺔ ﺷﺎﻣﻠﺔ ﻻ ﺗﻜﺎد ﺗﺮى إﻻ ﺑﻤﻴﻜﺮﺳﻜﻮب إﻟﻜﺘﺮوﻧﻲ‪ ..‬ﻣﻌﻠﻮﻣﺎت ﺗﻤﻸ‬
‫ﺧﻤﺴﺔ ﻣﻼﻳﻴﻦ ﺻﻔﺤﺔ ﻓﻲ ﺣﻴﺰ ﻣﺘﻨﺎﻩ ﻓﻲ اﻟﺪﻗﺔ ﻻ ﻳُﺮى‪..‬‬

‫و ﻣﻦ اﻟﺬي اﺳﺘﻄﺎع أن ﻳﺪون هﺬﻩ اﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺔ و ﺑﺄي ﻗﻠﻢ و ﻓﻲ ﻣﺜﻞ هﺬا اﻟﺤﻴﺰ اﻟﺨﺮاﻓﻲ‪ ..‬إﻻ اﻟﺨﺎﻟﻖ ﺟﻞ‬
‫ﺟﻼﻟﻪ‪ ..‬و ﺻﺪق اﻟﻘﺮﺁن اﻟﻌﻈﻴﻢ‪:‬‬

‫ﺷ ِﻬ ْﺪﻧَﺎ‬
‫ﺖ ِﺑ َﺮﱢﺑ ُﻜ ْﻢ ﻗَﺎﻟُﻮ ْا َﺑﻠَﻰ َ‬
‫ﺴ ُ‬
‫ﺴ ِﻬ ْﻢ َأَﻟ ْ‬
‫ﻋﻠَﻰ أَﻧ ُﻔ ِ‬‫ﺷ َﻬ َﺪ ُه ْﻢ َ‬‫ﻇﻬُﻮ ِر ِه ْﻢ ُذرﱢﻳﱠ َﺘ ُﻬ ْﻢ َوَأ ْ‬
‫ﻚ ﻣِﻦ َﺑﻨِﻲ ﺁ َد َم ﻣِﻦ ُ‬ ‫ﺧ َﺬ َرﱡﺑ َ‬ ‫)) َوِإ ْذ َأ َ‬
‫ﻞ َو ُآﻨﱠﺎ ُذرﱢﻳﱠ ًﺔ ﻣﱢﻦ‬‫ك ﺁﺑَﺎ ُؤﻧَﺎ ﻣِﻦ َﻗ ْﺒ ُ‬ ‫ﺷ َﺮ َ‬ ‫ﻦ )‪َ (172‬أ ْو َﺗﻘُﻮﻟُﻮ ْا ِإﱠﻧﻤَﺎ َأ ْ‬ ‫ﻦ َهﺬَا ﻏَﺎ ِﻓﻠِﻴ َ‬‫ﻋْ‬‫أَن َﺗﻘُﻮﻟُﻮ ْا َﻳ ْﻮ َم ا ْﻟ ِﻘﻴَﺎ َﻣ ِﺔ ِإﻧﱠﺎ ُآﻨﱠﺎ َ‬
‫ن )‪ ] (( (174‬اﻷﻋﺮاف‬ ‫ﺟﻌُﻮ َ‬
‫ت َوَﻟ َﻌﱠﻠ ُﻬ ْﻢ َﻳ ْﺮ ِ‬
‫ﻞ اﻵﻳَﺎ ِ‬ ‫ﻚ ُﻧ َﻔﺼﱢ ُ‬ ‫ن )‪َ (173‬و َآ َﺬِﻟ َ‬ ‫ﻄﻠُﻮ َ‬
‫ﻞ ا ْﻟ ُﻤ ْﺒ ِ‬
‫َﺑ ْﻌ ِﺪ ِه ْﻢ َأ َﻓ ُﺘ ْﻬِﻠ ُﻜﻨَﺎ ِﺑﻤَﺎ َﻓ َﻌ َ‬
‫[‬

‫)) و أﺷﻬﺪهﻢ ﻋﻠﻰ أﻧﻔﺴﻬﻢ ((‪ ..‬هﺬا إﺷﻬﺎد ﺻﺮﻳﺢ و ﻣﻔﺼﻞ‪.‬‬

‫و اﷲ ﻳﺮوي ﻓﻲ ﻗﺮﺁﻧﻪ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻹﺷﻬﺎد‪ ..‬آﻤﺎ ﻳﺤﻜﻲ ﻋﻦ هﺬا ) اﻟﻤﺎﻧﻔﺴﺘﻮ ( اﻹﻟﻬﻲ اﻟﺬي اﺳﻤﻪ ) اﻟﺠﻴﻨﻴﻮم‬
‫اﻟﺒﺸﺮي (‪ ..‬و آﻴﻒ أن آﻞ ﻣﻮﻟﻮد ﺟﺎء و ﻣﻌﻪ ﻗﺼﺘﻪ و ﺣﻜﺎﻳﺘﻪ ﻣﻦ اﻷزل ﻣﻜﺘﻮﺑﺔ ﻓﻲ ﺧﻼﻳﺎﻩ و ﻣﺴﻄﻮرة‬
‫ﻓﻲ ﺟﻴﻨﺎﺗﻪ‪..‬‬

‫ﺛﻢ ﻣﺎ ﺣﺪث ﻓﻲ هﺬا اﻟﻘﺮن ﻣﻦ اﻟﺰﻣﺎن ﻣﻦ إﺷﻬﺎد اﻟﻌﺎﻟﻢ آﻠﻪ ﻋﻠﻰ أﺻﻞ اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ و ﺑﻠﺴﺎن أآﺒﺮ زﻋﻴﻢ‬
‫ﻷآﺒﺮ دوﻟﺔ‪ ..‬هﻮ اﻟﺮﺋﻴﺲ اﻷﻣﺮﻳﻜﻲ ) آﻠﻴﻨﺘﻮن (‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪59‬‬
 ‫ﺗﻠﻚ اﻟﺠﻴﻨﺎت‪ ..‬ﻣﻦ آﺘﺒﻬﺎ‪..‬؟! و ﻣﻦ أودﻋﻬﺎ ﻓﻲ هﺬﻩ اﻟﺤﺮوف اﻟﻜﻴﻤﺎﺋﻴﺔ‪..‬؟!‬

‫و اﻹﺷﻬﺎد ﺑﻬﺬا اﻟﻤﻔﻬﻮم اﻟﺠﺪﻳﺪ أوﺳﻊ و أﺷﻤﻞ ﻣﻤﺎ ﺟﺎء ﻓﻲ آﺘﺐ اﻟﺘﻔﺴﻴﺮ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ‪ ..‬ﻓﻘﺪ اﺷﺘﺮآﺖ اﻟﺪﻧﻴﺎ‬
‫آﻠﻬﺎ ﻓﻲ هﺬﻩ اﻟﻤﻈﺎهﺮة اﻟﺸﻬﻮدﻳﺔ و آﺎﻧﺖ ﺣﺪﻳﺚ اﻟﺴﺎﻋﺔ و ﻣﻮﺿﻮع اﻟﺘﻔﺎﺧﺮ و اﻻﺳﺘﻌﻼء ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ‬
‫ﻟﻌﻠﻤﺎء اﻟﻐﺮب‪ ..‬و ﻗﺪ اﺗﺨﺬوا ﻣﻨﻪ ﺣﺠﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﻮﻗﻔﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺪﻳﻦ‪ ..‬ﻣﻊ أﻧﻪ ﺣﺠﺔ ﻋﻠﻴﻬﻢ و ﻟﻴﺲ ﺣﺠﺔ ﻟﻬﻢ‪..‬‬
‫ﻓﻬﺬا آﺘﺎب ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻜﺘﺒﻪ ﻣﺨﻠﻮق‪ ..‬و ﻻ ﻣﻔﺮ و ﻻ ﻣﻌﺪى و ﻻ ﻣﻬﺮب ﻣﻦ اﻟﻘﻮل إن اﻟﺬي آﺘﺐ هﻮ‬
‫اﻟﺬي ﺧﻠﻖ ﻷن اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﺟﺎءت ﻓﻲ ﺻﻤﻴﻢ اﻟﺨﻠﻘﺔ و ﻓﻲ اﻟﺤﺸﻮة اﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺔ ذاﺗﻬﺎ و ﺑﺎﻟﺤﺮوف اﻟﻜﻴﻤﺎﺋﻴﺔ‬
‫ﻟﻨﻔﺲ اﻟﻤﺨﻠﻮق و هﻮ ﻋﻤﻞ ﻣﻌﺠﺰ ﻻ ﻳﻘﺪر ﻋﻠﻴﻪ إﻻ اﻟﺨﺎﻟﻖ اﻟﺬي ﺧﻠﻖ‪.‬‬

‫آﺎن هﺬا اﻟﻴﻮم ﻳﻮم إﺷﻬﺎد ﻋﺎﻟﻤﻲ ﻋﻠﻰ ﻋﻈﻤﺔ اﻟﻘﺮﺁن و ﺷﻤﻮﻟﻪ و إﺣﺎﻃﺘﻪ و إﻋﺠﺎزﻩ و ﺧﻠﻮد ﺁﻳﺎﺗﻪ و‬
‫ﻗﺪرﺗﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻀﻮر ﻓﻲ آﻞ ﻋﺼﺮ‪ )) ..‬و أﺷﻬﺪهﻢ ﻋﻠﻰ أﻧﻔﺴﻬﻢ ((‪ ..‬و هﺬﻩ ﻣﺎ ﺣﺪث ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﺷﻬﺪ‬
‫اﻟﻌﺎﻟﻢ آﻠﻪ ﻣﻦ أدﻧﺎﻩ إﻟﻰ أﻗﺼﺎﻩ ﺣﻜﺎﻳﺔ هﺬا ) اﻟﺠﻴﻨﻴﻮم اﻟﺒﺸﺮي ( و ﻣﺎزاﻟﺖ اﻷﻳﺎم ﺗﺄﺗﻲ ﺑﻤﺎ ﻳﺆآﺪ روﻋﺔ‬
‫هﺬا اﻟﻜﺘﺎب و إﻋﺠﺎزﻩ و اﺳﺘﺒﺎﻗﻪ ﻟﻤﺎ ﺣﺪث و ﻳﺤﺪث ﺑﻄﻮل أرﺑﻌﺔ ﻋﺸﺮ ﻗﺮﻧﺎ ﻣﻦ اﻟﺰﻣﺎن‪.‬‬

‫و رﺣﻠﺘﻨﺎ ﻣﻊ اﻟﻘﺮﺁن ﺗﺒﺪأ و ﻻ ﺗﻨﺘﻬﻲ‪ ..‬و أﻓﻀﻞ أن ﻧﺄﺧﺬهﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻬﻞ‪ ..‬و ﻧﺨﻄﻮهﺎ ﺧﻄﻮة ﺧﻄﻮة ﻣﻦ‬
‫اﻟﺒﺪاﻳﺔ‪ ..‬ﻣﻦ أول ﻟﻘﺎء ﻣﻊ اﻟﺤﺮوف و اﻟﻜﻠﻤﺎت اﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ و هﻲ ﺗﻘﺮع اﻟﺴﻤﻊ و ﺗﺘﺴﻠﻞ إﻟﻰ اﻟﻮﺟﺪان و‬
‫ﺗﻨﺪاح ﻓﻲ اﻟﻘﻠﺐ و ﺗﺴﺘﻘﺮ ﻓﻲ اﻷرواح ﻟﺘﺆﻟﻒ ﻓﻲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ هﺬا اﻹﺣﺴﺎس اﻟﻐﺎﻣﺮ ﺑﺎﻟﺠﻤﺎل و اﻟﺠﻼل و‬
‫اﻟﺮهﺒﺔ و ﺑﺄن هﺬا اﻟﻜﻼم ﻳﺄﺗﻴﻨﺎ ﻣﻦ ﻓﻮق ﺳﺒﻊ ﺳﻤﺎوات‪ ..‬و ﻣﻦ وراء اﻟﻐﻴﺐ‪.‬‬

‫و ﻣﻮﻋﺪﻧﺎ ﻣﻊ اﻟﻄﺒﻌﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة ﻣﻦ آﺘﺎب‪ ) ..‬اﻟﻘﺮﺁن ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻟﻔﻬﻢ ﻋﺼﺮي (‪ ..‬و اﻟﺬي ﻳﺼﺪر ﻓﻲ ﻃﺒﻌﺔ‬
‫ﺧﺎﺻﺔ ﻣﻦ آﺘﺎب ﻣﺎﻳﻮ‪ ..‬و ﻻ ﻳﻨﺘﻬﻲ ﻓﻲ اﻟﺤﺐ آﻼم‪.‬‬

‫اﻟﻤﻌﻤﺎر اﻟﻘﺮﺁﻧﻲ‬

‫و آﺎن أول ﻟﻘﺎء ﻟﻲ ﻣﻊ اﻟﻘﺮﺁن و أﻧﺎ ﻓﻲ اﻟﺮاﺑﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺮ ﻃﻔﻼ أﺟﻠﺲ ﻓﻲ ﺻﻒ ﺑﻴﻦ ﻋﺪة ﺻﻔﻮف ﻓﻲ‬
‫آﺘﺎب اﻟﺸﻴﺦ ) ﻣﺤﻤﻮد ( أﺣﻤﻠﻖ ﻓﻲ ﺑﻼهﺔ إﻟﻰ ﺳﺒﻮرة و إﻟﻰ ﻣﺆﺷﺮ ﻳﺘﺤﺮك ﻓﻲ ﻳﺪ اﻟﺸﻴﺦ ﻋﻠﻰ آﻠﻤﺎت‬
‫ﻣﻨﻘﻮﺷﺔ ﺑﺎﻟﻄﺒﺎﺷﻴﺮ و هﻮ ﻳﺘﻠﻮ‪ )) ..‬و اﻟﻀﺤﻰ و اﻟﻠﻴﻞ إذا ﺳﺠﻰ ((‪ ..‬ﻓﻨﺮدد ﺧﻠﻔﻪ ﻓﻲ ﺁﻟﻴﺔ‪ )) ..‬و اﻟﻀﺤﻰ‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪60‬‬
 ‫و اﻟﻠﻴﻞ إذا ﺳﺠﻰ ((‪ ..‬ﻻ ﻧﻔﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﻜﻼم ﺣﺮﻓﺎ‪ ..‬و ﻻ ﻧﻌﻠﻢ ﻣﺎ اﻟﻀﺤﻰ و ﻻ آﻴﻒ ﺳﺠﻰ‪ ..‬و ﻟﻜﻨﻨﺎ ﻧﺮدد‬
‫ﻣﺠﺮد ﻣﻘﺎﻃﻊ و ﻣﺨﺎرج ﺣﺮوف‪.‬‬

‫و آﺎن ﻋﻘﻠﻲ ﺁﻧﺬاك ﺻﻔﺤﺔ ﺑﻴﻀﺎء ﻧﻘﻴﺔ ﻟﻢ ﻳﻜﺘﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺷﻲء‪ ،‬و ﻟﻢ ﺗﺘﻠﻖ ﺗﺄﺛﻴﺮا ﺗﺮﺑﻮﺑﺎ ﺧﺎﺻﺎ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻧﺸﺄت‬
‫ﻓﻲ أﺳﺮة آﻞ ﻓﺮد ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺘﺮوك ﻟﺤﺎﻟﻪ‪ ..‬ﻳﺤﺐ ﻣﺎ ﻳﺤﺐ‪ ،‬و ﻳﻜﺮﻩ ﻣﺎ ﻳﻜﺮﻩ‪ ،‬و ﻳﻠﻌﺐ ﺣﺘﻰ ﻳﺸﺒﻊ ﻟﻌﺒﺎ‪ ،‬و‬
‫أذآﺮ أﻧﻲ رﺳﺒﺖ ﻓﻲ اﻟﺴﻨﺔ اﻷوﻟﻰ ﺛﻼث ﺳﻨﻮات دون أن أﺗﻠﻘﻰ ﺗﻌﻨﻴﻔﺎ‪ ..‬و آﺎن اﻟﺼﻔﺮ ﺑﺎﻟﻘﻠﻢ اﻷﺣﻤﺮ‬
‫ﻳﺰﻳﻦ آﻞ ﺻﻔﺤﺔ ﻣﻦ آﺮاﺳﺎﺗﻲ ﻣﺮة ﺑﻌﺪ ﻣﺮة ﻓﻼ ﻳﺜﻴﺮ إﻻ اﻟﻀﺤﻚ‪ .‬و آﺎﻧﻮا إذا ﺳﺄﻟﻮﻧﻲ ﻣﺎذا أﺧﺬت‬
‫اﻟﻴﻮم‪ ،‬آﻨﺖ أﻗﻮل اﺧﺘﺼﺎرا ﻟﻠﻤﻬﺰﻟﺔ و ﺣﺘﻰ ﻻ أﻋﻮد إﻟﻰ ﺷﺮح ﺣﻜﺎﻳﺔ اﻟﺼﻔﺮ اﻟﻴﻮﻣﻲ اﻟﺘﻲ أﺻﺒﺤﺖ‬
‫ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻲ ﻣﻤﻠﺔ‪ ..‬آﻨﺖ أﻗﻮل‪ ..‬زي اﻟﻌﺎدة‪ ..‬و آﺎﻧﻮا ﻳﻀﺤﻜﻮن‪.‬‬

‫هﻜﺬا آﺎﻧﺖ ﺗﺠﺮي اﻷﻣﻮر ﻓﻲ ﺑﻴﺘﻨﺎ‪ ،‬ﻻ إرﻏﺎم ﻋﻠﻰ ﻣﺬاآﺮة و ﻻ ﻗﻬﺮ ﻋﻠﻰ ﺗﺪﻳﻦ‪ ..‬و إﻧﻤﺎ ﻟﻜﻞ ﺣﻴﺎﺗﻪ‪ ..‬و‬
‫ﻋﻠﻰ آﻞ ﺗﺒﻌﺘﻪ‪.‬‬

‫ﻟﻢ ﻧﻌﺮف ﻏﺴﻴﻞ اﻟﻤﺦ اﻟﺬي ﻋﺮﻓﻪ آﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻷﻃﻔﺎل ﻓﻲ أﺳﺮ ﻣﺘﺰﻣﺘﺔ ﺗﺤﺸﺮ اﻟﻌﻠﻢ و اﻟﺪﻳﻦ ﺣﺸﺮا ﻓﻲ‬
‫ﻋﻘﻮل أﻃﻔﺎﻟﻬﺎ ﺑﺎﻟﻜﺮﺑﺎج و اﻟﻌﺼﺎ‪.‬‬

‫آﻨﺖ إذن أﺗﻠﻘﻰ أول ﻋﺒﺎرة ﻣﻦ اﻟﻘﺮﺁن ﺑﺬهﻦ أﺑﻴﺾ ﺗﻤﺎﻣﺎ و دون ﺗﺄﺛﻴﺮ ﻣﺴﺒﻖ ﻣﺜﻠﻤﺎ أﺗﻠﻘﻰ دروس‬
‫اﻟﺤﺴﺎب و اﻟﺠﻐﺮاﻓﻴﺎ و اﻹﻧﺸﺎء‪.‬‬

‫و آﻤﺎ ﺑﻬﺮﺗﻨﻲ ﺣﻜﺎﻳﺔ اﻟﻜﺮة اﻷرﺿﻴﺔ اﻟﻤﺪورة و اﻟﻘﺎرات آﺎﻟﺠﺰر ﺳﺎﺑﺤﺔ ﻓﻴﻬﺎ‪ ،‬و آﻤﺎ ﺑﻬﺮﺗﻨﻲ ﺣﻜﺎﻳﺔ‬
‫اﻟﻘﻤﺮ ﻳﺪور ﺣﻮل اﻷرض‪ ،‬و اﻷرض ﺣﻮل اﻟﺸﻤﺲ‪ ..‬و اﻟﻜﻞ ﻣﻌﻠﻖ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء‪ ،‬آﺬﻟﻚ ﻓﻌﻞ ﺑﻲ اﻟﻘﺮﺁن‬
‫ﺷﻴﺌﺎ‪.‬‬

‫و أﺣﺎر ﻓﻲ وﺻﻒ اﻟﺸﻌﻮر اﻟﺬي ﺗﻠﻘﻴﺖ ﺑﻪ أول ﻋﺒﺎرة ﻣﻦ اﻟﻘﺮﺁن‪.‬‬

‫و ﻻ أﺟﺪ اﻟﻜﻠﻤﺎت ﻟﺘﺸﺮح هﺬا اﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻻﺳﺘﻘﺒﺎل اﻟﻨﻔﺴﻲ اﻟﻐﺎﻣﺾ‪ ..‬و آﻴﻒ آﺎﻧﺖ اﻟﻜﻠﻤﺎت ﺗﻌﻮد ﻣﻦ‬
‫ﺗﻠﻘﺎء ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻓﺘﺮاود ﺳﻤﻌﻲ و ذاآﺮﺗﻲ و أﻧﺎ وﺣﺪي ﻓﺄراﻧﻲ أردد ﺑﻼ ﺻﻮت‪ )) ..‬و اﻟﻀﺤﻰ و اﻟﻠﻴﻞ إذا‬
‫ﺳﺠﻰ ((‪.‬‬

‫و ﺗﻘﺘﺤﻢ ﻋﻠﻲ اﻟﻌﺒﺎرة اﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﺳﻜﻮن ﻃﻔﻮﻟﺘﻲ ﻓﺄﺗﺬآﺮ ﻓﻲ ﻇﻼم اﻟﻠﻴﻞ إﻟﻘﺎء اﻟﺸﻴﺦ و هﻮ ﻳﺮدد‪ )) :‬و ﺟﺎء‬
‫ﻞ ﻳﺴﻌﻰ ((‪.‬‬
‫ﻣﻦ أﻗﺼﻰ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ رﺟ ٌ‬

‫ﺗﺴﻌﻰ اﻟﻌﺒﺎرة إﻟﻰ ﺧﻴﺎﻟﻲ و آﺄﻧﻬﺎ ﻣﺨﻠﻮق ﺣﻲ ﻣﺴﺘﻘﻞ ﻟﻪ ﺣﻴﺎﺗﻪ اﻟﺨﺎﺻﺔ‪.‬‬

‫و ﻗﻄﻌﺎ أﻧﺎ ﻟﻢ أآﻦ أﻋﻠﻢ ﻣﺎ اﻟﻀﺤﻰ و ﻻ آﻴﻒ ﺳﺠﻰ اﻟﻠﻴﻞ‪ ..‬و ﻻ ﻣﻦ هﻮ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺬي ﺟﺎء ﻣﻦ أﻗﺼﻰ‬
‫اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻳﺴﻌﻰ‪.‬‬

‫و ﻟﻌﻞ اﻟﻤﻘﺎﻃﻊ آﺎﻧﺖ ﺗﺘﺮدد ﻓﻲ ﺳﻤﻌﻲ أﺷﺒﻪ ﺑﻤﻘﺎﻃﻊ ﺳﻠﻢ ﻣﻮﺳﻴﻘﻲ‪ ) ..‬ﺻﻮل ﻻ ﺳﻲ دو ري ﻣﻲ ﻓﺎ (‪..‬‬
‫ﻣﺠﺮد ﺣﺮوف ﻻ ﻣﻌﻨﻰ ﻟﻬﺎ و ﻻ وﻗﻊ ﺳﻮى ﻣﺪﻟﻮﻟﻬﺎ اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻲ‪ ..‬ﻣﺠﺮد ﻧﻐﻢ و ﻣﺎزورات ﻣﻮﺳﻴﻘﻴﺔ و‬
‫إﻳﻘﺎع ﻳﻄﺮب اﻟﻮﺟﺪان‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪61‬‬
 ‫ﻧﻌﻢ‪ ..‬ﻟﻘﺪ اآﺘﺸﻔﺖ ﻣﻨﺬ ﺗﻠﻚ اﻟﻄﻔﻮﻟﺔ اﻟﺒﻌﻴﺪة دون أن أدري ﺣﻜﺎﻳﺔ اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ اﻟﺒﺎﻃﻨﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺒﺎرة‬
‫اﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ‪.‬‬

‫و هﺬا ﺳﺮ ﻣﻦ أﻋﻤﻖ اﻷﺳﺮار ﻓﻲ اﻟﺘﺮآﻴﺐ اﻟﻘﺮﺁﻧﻲ‪ ..‬إﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﺑﺎﻟﺸﻌﺮ و ﻻ ﺑﺎﻟﻨﺜﺮ و ﻻ ﺑﺎﻟﻜﻼم‬
‫اﻟﻤﺴﺠﻮع‪ ..‬و إﻧﻤﺎ هﻮ ﻣﻌﻤﺎر ﺧﺎص ﻣﻦ اﻷﻟﻔﺎظ ﺻﻔﺖ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺗﻜﺸﻒ ﻋﻦ اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﺒﺎﻃﻨﺔ ﻓﻴﻬﺎ‪.‬‬

‫و ﻓﺮق آﺒﻴﺮ ﺑﻴﻦ اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﺒﺎﻃﻨﺔ و اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﻈﺎهﺮة‪.‬‬

‫و آﻤﺜﻞ ﻧﺄﺧﺬ ﺑﻴﺘﺎ ﻟﺸﺎﻋﺮ ﻣﺜﻞ ) ﻋﻤﺮ ﺑﻦ أﺑﻲ رﺑﻴﻌﺔ ( اﺷﺘﻬﺮ ﺑﺎﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ ﻓﻲ ﺷﻌﺮﻩ‪ ..‬اﻟﺒﻴﺖ اﻟﺬي ﻳﻨﺸﺪ‬
‫ﻓﻴﻪ‪:‬‬

‫ﻗﺎل ﻟﻲ ﺻﺎﺣﺒﻲ ﻟﻴﻌﻠﻢ ﻣﺎ ﺑﻲ أﺗﺤﺐ اﻟﻘﺘﻮل أﺧﺖ اﻟﺮﺑﺎب‬

‫أﻧﺖ ﺗﺴﻤﻊ و ﺗﻄﺮب و ﺗﻬﺘﺰ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ‪ ..‬و ﻟﻜﻦ اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ هﻨﺎ ﺧﺎرﺟﻴﺔ ﺻﻨﻌﻬﺎ اﻟﺸﺎﻋﺮ ﺑﺘﺸﻄﻴﺮ‬
‫اﻟﻜﻼم ﻓﻲ أﺷﻄﺎر ﻣﺘﺴﺎوﻳﺔ ﺛﻢ ﺗﻘﻔﻴﻞ آﻞ ﻋﺒﺎرة ﺗﻘﻔﻴﻼ واﺣﺪا ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺎء اﻟﻤﻤﺪودة‪.‬‬

‫اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ ﺗﺼﻞ إﻟﻰ أذﻧﻚ ﻣﻦ ﺧﺎرج اﻟﻌﺒﺎرة و ﻟﻴﺲ ﻣﻦ داﺧﻠﻬﺎ‪ .‬ﻣﻦ اﻟﺘﻘﻔﻴﻼت ) اﻟﻘﺎﻓﻴﺔ (‪ ..‬و ﻣﻦ اﻟﺒﺤﺮ‬
‫و اﻟﻮزن‪ ..‬أﻣﺎ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﺘﻠﻮ‪:‬‬

‫ﺳﺠَﻰ )‪ ] (( (2‬اﻟﻀﺤﻰ [‬
‫ﻞ ِإذَا َ‬
‫ﻀﺤَﻰ )‪ (1‬وَاﻟﱠﻠ ْﻴ ِ‬
‫)) وَاﻟ ﱡ‬

‫ﻓﺄﻧﺖ أﻣﺎم ﺷﻄﺮة واﺣﺪة‪ ..‬و هﻲ ﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﺗﺨﻠﻮ ﻣﻦ اﻟﺘﻘﻔﻴﺔ و اﻟﻮزن و اﻟﺘﺸﻄﻴﺮ‪ ،‬و ﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﺎﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ‬
‫ﺗﻘﻄﺮ ﻣﻦ آﻞ ﺣﺮف ﻓﻴﻬﺎ‪ ..‬ﻣﻦ أﻳﻦ ؟ و آﻴﻒ ؟‬

‫هﺬﻩ هﻲ اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ‪.‬‬

‫اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﺒﺎﻃﻨﺔ‪.‬‬

‫ﺳﺮ ﻣﻦ أﺳﺮار اﻟﻤﻌﻤﺎر اﻟﻘﺮﺁﻧﻲ ﻻ ﻳﺸﺎرآﻪ ﻓﻴﻪ أي ﺗﺮآﻴﺐ أدﺑﻲ‪.‬‬

‫و آﺬﻟﻚ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﻘﻮل‪:‬‬

‫ﺳ َﺘﻮَى )‪ ] (( (5‬ﻃﻪ [‬
‫شا ْ‬
‫ﻋﻠَﻰ ا ْﻟ َﻌ ْﺮ ِ‬
‫ﻦ َ‬
‫ﺣ َﻤ ُ‬
‫)) اﻟﺮﱠ ْ‬

‫و ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﺘﻠﻮ آﻠﻤﺎت زآﺮﻳﺎ ﻟﺮﺑﻪ‪:‬‬

‫ﺷﻘِﻴًّﺎ )‪ ] (( (4‬ﻣﺮﻳﻢ [‬
‫ب َ‬
‫ﻚ َر ﱢ‬
‫ﺷ ْﻴﺒًﺎ َوَﻟ ْﻢ َأآُﻦ ِﺑ ُﺪﻋَﺎ ِﺋ َ‬
‫س َ‬
‫ﻞ اﻟﺮﱠ ْأ ُ‬
‫ﺷ َﺘ َﻌ َ‬
‫ﻈ ُﻢ ِﻣﻨﱢﻲ وَا ْ‬
‫ﻦ ا ْﻟ َﻌ ْ‬
‫ب ِإﻧﱢﻲ َو َه َ‬
‫ل َر ﱢ‬
‫)) ﻗَﺎ َ‬

‫أو آﻠﻤﺔ اﷲ ﻟﻤﻮﺳﻰ‪:‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪62‬‬
 ‫ﺴﻌَﻰ )‪ ] (( (15‬ﻃﻪ [‬
‫ﺲ ِﺑﻤَﺎ َﺗ ْ‬
‫ﺠﺰَى ُآﻞﱡ َﻧ ْﻔ ٍ‬
‫ﺧﻔِﻴﻬَﺎ ِﻟ ُﺘ ْ‬
‫ﻋ َﺔ ءَا ِﺗ َﻴ ٌﺔ َأآَﺎ ُد ُأ ْ‬
‫ن اﻟﺴﱠﺎ َ‬
‫)) ِإ ﱠ‬

‫أو آﻠﻤﺘﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ و هﻮ ﻳﺘﻮﻋﺪ اﻟﻤﺠﺮﻣﻴﻦ‪:‬‬

‫ت ﻓِﻴﻬَﺎ َوﻟَﺎ َﻳﺤْﻴﻰ )‪ ] (( (74‬ﻃﻪ [‬

‫ﺟ َﻬﱠﻨ َﻢ ﻟَﺎ َﻳﻤُﻮ ُ‬
‫ن َﻟ ُﻪ َ‬
‫ﺠ ِﺮﻣًﺎ َﻓِﺈ ﱠ‬
‫ت َرﺑﱠ ُﻪ ُﻣ ْ‬
‫))ِإﻧﱠ ُﻪ ﻣَﻦ َﻳ ْﺄ ِ‬

‫آﻞ ﻋﺒﺎرة ﺑﻨﻴﺎن ﻣﻮﺳﻴﻘﻲ ﻗﺎﺋﻢ ﺑﺬاﺗﻪ ﺗﻨﺒﻊ ﻓﻴﻪ اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ ﻣﻦ داﺧﻞ اﻟﻜﻠﻤﺎت و ﻣﻦ وراﺋﻬﺎ و ﻣﻦ ﺑﻴﻨﻬﺎ‬
‫ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻣﺤﻴﺮة ﻻ ﺗﺪري آﻴﻒ ﺗﺘﻢ‪.‬‬

‫و ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﺮوي اﻟﻘﺮﺁن ﺣﻜﺎﻳﺔ ﻣﻮﺳﻰ ﺑﺬﻟﻚ اﻷﺳﻠﻮب ) اﻟﺴﻴﻤﻔﻮﻧﻲ ( اﻟﻤﺬهﻞ‪:‬‬

‫ﺨﺸَﻰ‬
‫ف َد َرآًﺎ َوﻟَﺎ َﺗ ْ‬
‫ﺤ ِﺮ َﻳ َﺒﺴًﺎ ﻟﱠﺎ َﺗﺨَﺎ ُ‬
‫ﻃﺮِﻳﻘًﺎ ﻓِﻲ ا ْﻟ َﺒ ْ‬
‫ب َﻟ ُﻬ ْﻢ َ‬‫ﺿ ِﺮ ْ‬
‫ﺳ ِﺮ ِﺑ ِﻌﺒَﺎدِي ﻓَﺎ ْ‬ ‫ن َأ ْ‬‫ﺣ ْﻴﻨَﺎ ِإﻟَﻰ ﻣُﻮﺳَﻰ َأ ْ‬ ‫)) َوَﻟ َﻘ ْﺪ َأ ْو َ‬
‫ن َﻗ ْﻮ َﻣ ُﻪ َوﻣَﺎ َهﺪَى )‪(79‬‬ ‫ﻋ ْﻮ ُ‬
‫ﻞ ِﻓ ْﺮ َ‬ ‫ﺿﱠ‬ ‫ﺸ َﻴ ُﻬ ْﻢ )‪َ (78‬وَأ َ‬ ‫ﻏِ‬ ‫ﻦ ا ْﻟ َﻴ ﱢﻢ ﻣَﺎ َ‬
‫ﺸ َﻴﻬُﻢ ﱢﻣ َ‬
‫ﺠﻨُﻮ ِد ِﻩ َﻓ َﻐ ِ‬
‫ن ِﺑ ُ‬
‫ﻋ ْﻮ ُ‬
‫)‪َ (77‬ﻓَﺄ ْﺗ َﺒ َﻌ ُﻬ ْﻢ ِﻓ ْﺮ َ‬
‫(( ] ﻃﻪ [‬

‫آﻠﻤﺎت ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ اﻟﺮﻗﺔ ﻣﺜﻞ )) ﻳﺒﺴًﺎ (( أو ﻻ ﺗﺨﺎف )) درآًﺎ (( ﺑﻤﻌﻨﻰ ﻻ ﺗﺨﺎف إدراآًﺎ‪.‬‬

‫إن اﻟﻜﻠﻤﺎت ﺗﺬوب ﻓﻲ ﻳﺪ ﺧﺎﻟﻘﻬﺎ و ﺗﺼﻄﻒ و ﺗﺘﺮاص ﻓﻲ ﻣﻌﻤﺎر و رﺻﻒ ﻣﻮﺳﻴﻘﻲ ﻓﺮﻳﺪ هﻮ ﻧﺴﻴﺞ‬
‫وﺣﺪﻩ ﺑﻴﻦ آﻞ ﻣﺎ آﺘﺐ ﺑﺎﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺳﺎﺑﻘﺎ و ﻻﺣﻘﺎ‪.‬‬

‫ﻻ ﺷﺒﻪ ﺑﻴﻨﻪ و ﺑﻴﻦ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﺠﺎهﻠﻲ‪ ،‬و ﻻ ﺑﻴﻨﻪ و ﺑﻴﻦ اﻟﺸﻌﺮ و اﻟﻨﺜﺮ اﻟﻤﺘﺄﺧﺮ‪ ،‬و ﻻ ﻣﺤﺎوﻟﺔ واﺣﺪة ﻟﻠﺘﻘﻠﻴﺪ‬
‫ﺣﻔﻈﻬﺎ ﻟﻨﺎ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﺑﺮﻏﻢ آﺜﺮة اﻷﻋﺪاء اﻟﺬﻳﻦ أرادوا اﻟﻜﻴﺪ ﻟﻠﻘﺮﺁن‪.‬‬

‫ﻓﻲ آﻞ هﺬا اﻟﺰﺣﺎم ﺗﺒﺮز اﻟﻌﺒﺎرة اﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﻣﻨﻔﺮدة ﺑﺨﺼﺎﺋﺼﻬﺎ ﺗﻤﺎﻣﺎ‪ ..‬و آﺄﻧﻬﺎ ﻇﺎهﺮة ﺑﻼ ﺗﺒﺮﻳﺮ و ﻻ‬
‫ﺗﻔﺴﻴﺮ ﺳﻮى أن ﻟﻬﺎ ﻣﺼﺪرا ﺁﺧﺮ ﻏﻴﺮ ﻣﺎ ﻧﻌﺮف‪.‬‬

‫اﺳﻤﻊ هﺬا اﻹﻳﻘﺎع اﻟﻤﻨﻐﻢ اﻟﺠﻤﻴﻞ‪:‬‬

‫ق )‪(( (15‬‬
‫ﻋﺒَﺎ ِد ِﻩ ِﻟﻴُﻨ ِﺬ َر َﻳ ْﻮ َم اﻟﱠﺘﻠَﺎ ِ‬
‫ﻦ ِ‬
‫ﻋﻠَﻰ ﻣَﻦ َﻳﺸَﺎء ِﻣ ْ‬
‫ﻦ َأ ْﻣ ِﺮ ِﻩ َ‬
‫ح ِﻣ ْ‬
‫ش ُﻳ ْﻠﻘِﻲ اﻟﺮﱡو َ‬
‫ت ذُو ا ْﻟ َﻌ ْﺮ ِ‬
‫)) َرﻓِﻴ ُﻊ اﻟ ﱠﺪ َرﺟَﺎ ِ‬
‫] ﻏﺎﻓﺮ [‬

‫ﻲ )‪ ] (( (95‬اﻷﻧﻌﺎم [‬
‫ﺤﱢ‬
‫ﻦ ا ْﻟ َ‬
‫ﺖ ِﻣ َ‬
‫ج ا ْﻟ َﻤ ﱢﻴ ِ‬
‫ﺨ ِﺮ ُ‬
‫ﺖ َو ُﻣ ْ‬
‫ﻦ ا ْﻟ َﻤﱢﻴ ِ‬
‫ﻲ ِﻣ َ‬
‫ﺤﱠ‬
‫ج ا ْﻟ َ‬
‫ﺨ ِﺮ ُ‬
‫ﺐ وَاﻟ ﱠﻨﻮَى ُﻳ ْ‬
‫ﺤ ﱢ‬
‫ﻖ ا ْﻟ َ‬
‫)) ﻓَﺎِﻟ ُ‬

‫ﺴﺒَﺎﻧًﺎ‪ ] (( (96) ..‬اﻷﻧﻌﺎم [‬

‫ﺣْ‬‫ﺲ وَا ْﻟ َﻘ َﻤ َﺮ ُ‬
‫ﺸ ْﻤ َ‬
‫ﺳ َﻜﻨًﺎ وَاﻟ ﱠ‬
‫ﻞ َ‬
‫ﻞ اﻟﱠﻠ ْﻴ َ‬
‫ﺟ َﻌ َ‬
‫ح َو َ‬
‫ﺻﺒَﺎ ِ‬
‫ﻹ ْ‬
‫ﻖا ِ‬
‫)) ﻓَﺎِﻟ ُ‬

‫ﺼﺪُو ُر )‪ ] (( (19‬ﻏﺎﻓﺮ [‬
‫ﺨﻔِﻲ اﻟ ﱡ‬
‫ﻦ َوﻣَﺎ ُﺗ ْ‬
‫ﻋ ُﻴ ِ‬
‫)) َﻳ ْﻌَﻠ ُﻢ ﺧَﺎ ِﺋ َﻨ َﺔ ا ْﻟَﺄ ْ‬

‫ﻷ ْﺑﺼَﺎ َر‪ ] (( (103) ..‬اﻷﻧﻌﺎم [‬

‫كا َ‬
‫ﻷ ْﺑﺼَﺎ ُر َو ُه َﻮ ُﻳ ْﺪ ِر ُ‬
‫ﻻ ُﺗ ْﺪ ِر ُآ ُﻪ ا َ‬
‫)) ﱠ‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪63‬‬
 ‫ﻋ ْﻠﻤًﺎ‪ ] (( (89) ..‬اﻷﻋﺮاف [‬
‫ﻲ ٍء ِ‬
‫ﺷ ْ‬
‫ﺳ َﻊ َرﱡﺑﻨَﺎ ُآﻞﱠ َ‬
‫)) َو ِ‬

‫ﺛﻢ هﺬﻩ اﻟﻌﺒﺎرة اﻟﺠﺪﻳﺪة ﻓﻲ ﺗﻜﻮﻳﻨﻬﺎ و ﺻﻴﺎﻏﺘﻬﺎ‪ ..‬اﻟﻌﻤﻴﻘﺔ ﻓﻲ ﻣﻌﻨﺎهﺎ و دﻻﻟﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺠﺰ ﻋﻦ إدراك‬
‫آﻨﻪ اﻟﺨﺎﻟﻖ‪:‬‬

‫ل )‪ ] (( (9‬اﻟﺮﻋﺪ [‬
‫ﺸﻬَﺎ َد ِة ا ْﻟ َﻜﺒِﻴ ُﺮ ا ْﻟ ُﻤ َﺘﻌَﺎ ِ‬
‫ﺐ وَاﻟ ﱠ‬
‫))ﻋَﺎِﻟ ُﻢ ا ْﻟ َﻐ ْﻴ ِ‬

‫ل )‪ ] (( (13‬اﻟﺮﻋﺪ [‬
‫ﺷﺪِﻳ ُﺪ ا ْﻟ ِﻤﺤَﺎ ِ‬
‫ن ﻓِﻲ اﻟّﻠ ِﻪ َو ُه َﻮ َ‬
‫)) ُﻳﺠَﺎ ِدﻟُﻮ َ‬

‫ﺛﻢ هﺬا اﻻﺳﺘﻄﺮاد ﻓﻲ وﺻﻒ اﻟﻘﺪرة اﻹﻟﻬﻴﺔ‪:‬‬

‫ﻻ‬
‫ﻻ َﻳ ْﻌَﻠ ُﻤﻬَﺎ َو َ‬
‫ﻂ ﻣِﻦ َو َر َﻗ ٍﺔ ِإ ﱠ‬ ‫ﺴ ُﻘ ُ‬
‫ﺤ ِﺮ َوﻣَﺎ َﺗ ْ‬
‫ﻻ ُه َﻮ َو َﻳ ْﻌَﻠ ُﻢ ﻣَﺎ ﻓِﻲ ا ْﻟ َﺒ ﱢﺮ وَا ْﻟ َﺒ ْ‬‫ﻻ َﻳ ْﻌَﻠ ُﻤﻬَﺎ ِإ ﱠ‬
‫ﺐ َ‬ ‫ﺢ ا ْﻟ َﻐ ْﻴ ِ‬
‫)) َوﻋِﻨ َﺪ ُﻩ َﻣﻔَﺎ ِﺗ ُ‬
‫ﻻ َﻳ ْﻌَﻠ ُﻤﻬَﺎ‬
‫ﺐ َ‬‫ﺢ ا ْﻟ َﻐ ْﻴ ِ‬
‫ﻦ )‪َ (59‬وﻋِﻨ َﺪ ُﻩ َﻣﻔَﺎ ِﺗ ُ‬ ‫ب ﱡﻣﺒِﻴ ٍ‬ ‫ﻻ ﻓِﻲ ِآﺘَﺎ ٍ‬ ‫ﺲ ِإ ﱠ‬
‫ﻻ ﻳَﺎ ِﺑ ٍ‬ ‫ﺐ َو َ‬ ‫ﻃ ٍ‬ ‫ﻻ َر ْ‬ ‫ض َو َ‬ ‫ﻷ ْر ِ‬ ‫تا َ‬ ‫ﻇُﻠﻤَﺎ ِ‬ ‫ﺣﱠﺒ ٍﺔ ﻓِﻲ ُ‬ ‫َ‬
‫ﺐ‬
‫ﻃ ٍ‬
‫ﻻ َر ْ‬ ‫ض َو َ‬
‫ﻷ ْر ِ‬ ‫تا َ‬ ‫ﻇُﻠﻤَﺎ ِ‬ ‫ﺣﱠﺒ ٍﺔ ﻓِﻲ ُ‬ ‫ﻻ َ‬‫ﻻ َﻳ ْﻌَﻠ ُﻤﻬَﺎ َو َ‬‫ﻂ ﻣِﻦ َو َر َﻗ ٍﺔ ِإ ﱠ‬ ‫ﺴ ُﻘ ُ‬‫ﺤ ِﺮ َوﻣَﺎ َﺗ ْ‬‫ﻻ ُه َﻮ َو َﻳ ْﻌَﻠ ُﻢ ﻣَﺎ ﻓِﻲ ا ْﻟ َﺒ ﱢﺮ وَا ْﻟ َﺒ ْ‬ ‫ِإ ﱠ‬
‫ﻦ )‪ ] (( (59‬اﻷﻧﻌﺎم [‬ ‫ب ﱡﻣﺒِﻴ ٍ‬ ‫ﻻ ﻓِﻲ ِآﺘَﺎ ٍ‬ ‫ﺲ ِإ ﱠ‬ ‫ﻻ ﻳَﺎ ِﺑ ٍ‬ ‫َو َ‬

‫و ﻟﻜﻦ اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﺒﺎﻃﻨﻴﺔ ﻟﻴﺴﺖ هﻲ آﻞ ﻣﺎ اﻧﻔﺮدت ﺑﻪ اﻟﻌﺒﺎرة اﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ‪ ،‬و إﻧﻤﺎ ﻣﻊ اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ ﺻﻔﺔ‬
‫أﺧﺮى هﻲ اﻟﺠﻼل‪.‬‬

‫و ﻓﻲ اﻟﻌﺒﺎرة اﻟﺒﺴﻴﻄﺔ اﻟﻤﻘﺘﻀﺒﺔ اﻟﺘﻲ روى ﺑﻬﺎ اﷲ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻗﺼﺔ اﻟﻄﻮﻓﺎن ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﺗﻠﻤﺲ ذﻟﻚ اﻟﺸﻲء‬
‫ﺾ ا ْﻟﻤَﺎء‬
‫ﺳﻤَﺎء َأ ْﻗِﻠﻌِﻲ َوﻏِﻴ َ‬
‫ك َوﻳَﺎ َ‬
‫ض ا ْﺑَﻠﻌِﻲ ﻣَﺎء ِ‬
‫ﻞ ﻳَﺎ َأ ْر ُ‬
‫)) اﻟﻬﺎﺋﻞ (( )) اﻟﺠﻠﻴﻞ (( ﻓﻲ اﻷﻟﻔﺎظ‪َ )) :‬وﻗِﻴ َ‬
‫ﻷ ْﻣ ُﺮ‪ ] (( (44) ..‬هﻮد [‬
‫ﻲا َ‬
‫ﻀَ‬
‫َو ُﻗ ِ‬

‫ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻤﺴﺎت اﻟﻬﺎﺋﻠﺔ‪ ..‬آﻞ ﻟﻔﻆ ﻟﻪ ﺛﻘﻞ اﻟﺠﺒﺎل و وﻗﻊ اﻟﺮﻋﻮد‪ ..‬ﺗﻨﺰل ﻓﺈذا آﻞ ﺷﻲء‪ ،‬ﺻﻤﺖ‪ ..‬ﺳﻜﻮن‪،‬‬
‫هﺪوء‪ ،‬و ﻗﺪ آﻔﺖ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻋﻦ اﻟﻐﻀﺐ و وﺻﻠﺖ اﻟﻘﺼﺔ إﻟﻰ ﺧﺘﺎﻣﻬﺎ‪:‬‬

‫ﻞ‬
‫ي َوﻗِﻴ َ‬
‫ﻋﻠَﻰ ا ْﻟﺠُﻮ ِد ﱢ‬
‫ت َ‬
‫ﺳ َﺘ َﻮ ْ‬
‫ﻷ ْﻣ ُﺮ وَا ْ‬
‫ﻲا َ‬
‫ﻀَ‬
‫ﺾ ا ْﻟﻤَﺎء َو ُﻗ ِ‬
‫ﺳﻤَﺎء َأ ْﻗِﻠﻌِﻲ َوﻏِﻴ َ‬
‫ك َوﻳَﺎ َ‬
‫ض ا ْﺑَﻠﻌِﻲ ﻣَﺎء ِ‬
‫ﻞ ﻳَﺎ َأ ْر ُ‬ ‫)) َوﻗِﻴ َ‬
‫ﻦ )‪ ] (( (44‬هﻮد [‬ ‫ُﺑﻌْﺪًا ﱢﻟ ْﻠ َﻘ ْﻮ ِم اﻟﻈﱠﺎِﻟﻤِﻴ َ‬

‫إﻧﻚ ﻟﺘﺸﻌﺮ ﺑﺸﻲء ﻏﻴﺮ ﺑﺸﺮي ﺗﻤﺎﻣﺎ ﻓﻲ هﺬﻩ اﻷﻟﻔﺎظ اﻟﻬﺎﺋﻠﺔ اﻟﺠﻠﻴﻠﺔ اﻟﻤﻨﺤﻮﺗﺔ ﻣﻦ ﺻﺨﺮ ﺻﻮان و آﺄن‬
‫آﻞ ﺣﺮف ﻓﻴﻬﺎ ﺟﺒﻞ اﻷﻟﺐ‪.‬‬

‫ﻻ ﻳﻤﻜﻨﻚ أن ﺗﻐﻴﺮ ﺣﺮﻓﺎ‪ ،‬أو ﺗﺴﺘﺒﺪل آﻠﻤﺔ ﺑﺄﺧﺮى‪ ،‬أو ﺗﺆﻟﻒ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﻜﺎن ﺟﻤﻠﺔ‪ ،‬ﺗﻌﻄﻲ ﻧﻔﺲ اﻹﻳﻘﺎع و‬
‫اﻟﻨﻐﻢ و اﻟﺤﺮآﺔ و اﻟﺜﻘﻞ و اﻟﺪﻻﻟﺔ‪ ..‬و ﺣﺎول و ﺟﺮب ﻟﻨﻔﺴﻚ ﻓﻲ هﺬﻩ اﻟﻌﺒﺎرة اﻟﺒﺴﻴﻄﺔ ذات اﻟﻜﻠﻤﺎت‬
‫اﻟﻌﺸﺮ أن ﺗﻐﻴﺮ ﺣﺮﻓﺎ أو ﺗﺴﺘﺒﺪل آﻠﻤﺔ ﺑﻜﻠﻤﺔ‪.‬‬

‫و ﻟﻬﺬا وﻗﻌﺖ اﻟﻌﺒﺎرة اﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺁذان ﻋﺮب اﻟﺠﺎهﻠﻴﺔ اﻟﺬﻳﻦ ﻋﺸﻘﻮا اﻟﻔﺼﺎﺣﺔ و اﻟﺒﻼﻏﺔ وﻗﻊ‬
‫اﻟﺼﺎﻋﻘﺔ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪64‬‬
 ‫و ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﺴﺘﻐﺮﺑﺎ ﻣﻦ ﺟﺎهﻠﻲ ﻣﺜﻞ اﻟﻮﻟﻴﺪ ﺑﻦ اﻟﻤﻐﻴﺮة ﻋﺎش و ﻣﺎت ﻋﻠﻰ آﻔﺮﻩ أن ﻳﺬهﻞ‪ ،‬و أﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ‬
‫أن ﻳﻜﺘﻢ إﻋﺠﺎﺑﻪ ﺑﺎﻟﻘﺮﺁن‪ ،‬ﺑﺮﻏﻢ آﻔﺮﻩ ﻓﻴﻘﻮل‪ :‬و ﻗﺪ اﻋﺘﺒﺮﻩ ﻣﻦ آﻼم ﻣﺤﻤﺪ‪:‬‬

‫) و اﷲ إن ﻟﻘﻮﻟﻪ ﻟﺤﻼوة‪ ،‬و إن ﻋﻠﻴﻪ ﻟﻄﻼوة‪ ،‬و إن أﻋﻼﻩ ﻟﻤﺜﻤﺮ‪ ،‬و إن أﺳﻔﻠﻪ ﻟﻤﻐﺪق و إﻧﻪ ﻟﻴﻌﻠﻮ و ﻻ‬
‫ﻳﻌﻠﻰ ﻋﻠﻴﻪ (‪.‬‬

‫و ﻟﻤﺎ ﻃﻠﺒﻮا ﻣﻨﻪ أن ﻳﺴﺒﻪ ﻗﺎل‪:‬‬

‫) ﻗﻮﻟﻮا ﺳﺎﺣﺮ ﺟﺎء ﺑﻘﻮل ﻳﻔﺮق ﺑﻪ ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺮء و أﺑﻴﻪ‪ ،‬و ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺮء و أﺧﻴﻪ‪ ،‬و ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺮء و زوﺟﺘﻪ‪ ،‬و‬
‫ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺮء و ﻋﺸﻴﺮﺗﻪ (‪.‬‬

‫إﻧﻪ اﻟﺴﺤﺮ ﺣﺘﻰ ﻋﻠﻰ ﻟﺴﺎن اﻟﻌﺪو اﻟﺬي ﻳﺒﺤﺚ ﻋﻦ آﻠﻤﺔ ﻳﺴﺒﻪ ﺑﻬﺎ‪.‬‬

‫و إذا آﺎﻧﺖ اﻟﻌﺒﺎرة اﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﻻ ﺗﻘﻊ ﻋﻠﻰ ﺁذاﻧﻨﺎ اﻟﻴﻮم ﻣﻮﻗﻊ اﻟﺴﺤﺮ و اﻟﻌﺠﺐ و اﻟﺬهﻮل‪ ،‬ﻓﺎﻟﺴﺒﺐ هﻮ‬
‫اﻟﺘﻌﻮد و اﻷﻟﻔﺔ و اﻟﻤﻌﺎﻳﺸﺔ ﻣﻨﺬ اﻟﻄﻔﻮﻟﺔ و اﻟﺒﻼدة و اﻹﻏﺮاق ﻓﻲ ﻋﺎﻣﻴﺔ ﻣﺒﺘﺬﻟﺔ أﺑﻌﺪﺗﻨﺎ ﻋﻦ أﺻﻮل ﻟﻐﺘﻨﺎ‪..‬‬
‫ﺛﻢ أﺳﻠﻮب اﻷداء اﻟﺮﺗﻴﺐ اﻟﻤﻤﻞ اﻟﺬي ﻧﺴﻤﻌﻪ ﻣﻦ ﻣﺮﺗﻠﻴﻦ ﻣﺤﺘﺮﻓﻴﻦ ﻳﻜﺮون اﻟﺴﻮرة ﻣﻦ أوﻟﻬﺎ إﻟﻰ ﺁﺧﺮهﺎ‬
‫ﺑﻨﺒﺮة واﺣﺪة ﻻ ﻳﺨﺘﻠﻒ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻮﻗﻒ اﻟﺤﺰن ﻣﻦ ﻣﻮﻗﻒ اﻟﻔﺮح ﻣﻦ ﻣﻮﻗﻒ اﻟﻮﻋﻴﺪ ﻣﻦ ﻣﻮﻗﻒ اﻟﺒﺸﺮى ﻣﻦ‬
‫ﻣﻮﻗﻒ اﻟﻌﺒﺮة‪ .‬ﻧﺒﺮة واﺣﺪة رﺗﻴﺒﺔ ﺗﻤﻮت ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻤﻌﺎﻧﻲ و ﺗﺘﺴﻄﺢ اﻟﻌﺒﺎرات‪ ..‬و ﺑﺎﻟﻤﺜﻞ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺸﺎﻳﺦ‬
‫ﻣﻤﻦ ﻳﻘﺮأ اﻟﻘﺮﺁن ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ ) اﻟﻠﻌﻠﻌﺔ ( دون أن ﻳﻨﺒﺾ ﺷﻲء ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ‪ ..‬ﺛﻢ اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺎت اﻟﻜﺜﻴﺮة اﻟﺘﻲ ﻳُﻘﺮأ‬
‫اﻟﻘﺮﺁن ﻓﻴﻬﺎ روﺗﻴﻨﻴﺎ‪ ..‬ﺛﻢ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻌﺼﺮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺪدت ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻤﺸﺎﻏﻞ و ﺗﻮزع اﻻﻧﺘﺒﺎﻩ و ﺗﺤﺠﺮ اﻟﻘﻠﺐ و‬
‫ﺗﻌﻘﺪت اﻟﻨﻔﻮس و ﺻﺪأت اﻷرواح‪.‬‬

‫و ﺑﺮﻏﻢ هﺬا آﻠﻪ ﻓﺈن ﻟﺤﻈﺔ ﺻﻔﺎء ﻳﻨﺰع اﻟﻮاﺣﺪ ﻓﻴﻬﺎ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻦ هﺬﻩ اﻟﺒﻴﺌﺔ اﻟﻠﺰﺟﺔ و ﻳﺮﺗﺪ ﻓﻴﻬﺎ ﻃﻔﻼ ﺑﻜﺮا‬
‫و ﺗﺮﺗﺪ ﻟﻪ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﻠﻰ ﺷﻔﺎﻓﻴﺘﻬﺎ‪ ،‬آﻔﻴﻠﺔ ﺑﺄن ﺗﻌﻴﺪ إﻟﻴﻪ ذﻟﻚ اﻟﻄﻌﻢ اﻟﻔﺮﻳﺪ و اﻟﻨﻜﻬﺔ اﻟﻤﺬهﻠﺔ و اﻹﻳﻘﺎع‬
‫اﻟﻤﻄﺮب اﻟﺠﻤﻴﻞ ﻓﻲ اﻟﻘﺮﺁن‪ ..‬و آﻔﻴﻠﺔ ﺑﺄن ﺗﻮﻗﻔﻪ ﻣﺬهﻮﻻ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ﺑﻌﺪ ﻗﺮاﺑﺔ أﻟﻒ و أرﺑﻌﻤﺎﺋﺔ ﺳﻨﺔ ﻣﻦ‬
‫ﻧﺰول هﺬﻩ اﻵﻳﺎت و آﺄﻧﻬﺎ ﺗﻨﺰل ﻋﻠﻴﻪ ﻟﺴﺎﻋﺘﻬﺎ و ﺗﻮهﺎ‪.‬‬

‫اﺳﻤﻊ اﻟﻘﺮﺁن ﻳﺼﻒ اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﺠﻨﺴﻴﺔ ﺑﻴﻦ رﺟﻞ و اﻣﺮأة ﺑﺄﺳﻠﻮب رﻓﻴﻊ و ﺑﻜﻠﻤﺔ رﻗﻴﻘﺔ ﻣﻬﺬﺑﺔ ﻓﺮﻳﺪة ﻻ‬
‫ﺗﺠﺪ ﻟﻬﺎ ﻣﺜﻴﻼ و ﻻ ﺑﺪﻳﻼ ﻓﻲ أي ﻟﻐﺔ‪:‬‬

‫ﺧﻔِﻴﻔًﺎ‪ ] (( (189) ..‬اﻷﻋﺮاف [‬

‫ﻼ َ‬
‫ﺣ ْﻤ ً‬
‫ﺖ َ‬
‫ﺣ َﻤَﻠ ْ‬
‫)) َﻓَﻠﻤﱠﺎ َﺗ َﻐﺸﱠﺎهَﺎ َ‬

‫هﺬﻩ اﻟﻜﻠﻤﺔ )) ﺗﻐﺸﺎهﺎ ((‪ ..‬ﺗﻐﺸﺎهﺎ رﺟﻠﻬﺎ‪.‬‬

‫أن ﻳﻤﺘﺰج اﻟﺬآﺮ و اﻷﻧﺜﻰ آﻤﺎ ﻳﻤﺘﺰج ﻇﻼن و آﻤﺎ ﻳﻐﺸﻰ اﻟﻠﻴﻞ اﻟﻨﻬﺎر و آﻤﺎ ﺗﺬوب اﻷﻟﻮان ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻓﻲ‬
‫ﺑﻌﺾ‪ ،‬هﺬا اﻟﻠﻔﻆ اﻟﻌﺠﻴﺐ اﻟﺬي ﻳﻌﺒﺮ ﺑﻪ اﻟﻘﺮﺁن ﻋﻦ اﻟﺘﺪاﺧﻞ اﻟﻜﺎﻣﻞ ﺑﻴﻦ اﺛﻨﻴﻦ هﻮ ذروة ﻓﻲ اﻟﺘﻌﺒﻴﺮ‪.‬‬

‫و أﻟﻔﺎظ أﺧﺮى ﺗﻘﺮؤهﺎ ﻓﻲ اﻟﻘﺮﺁن ﻓﺘﺘﺮك ﻓﻲ اﻟﺴﻤﻊ رﻧﻴﻨًﺎ و أﺻﺪا ًء و ﺻﻮرًا ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﻘﺴﻢ اﷲ ﺑﺎﻟﻠﻴﻞ و‬
‫اﻟﻨﻬﺎر ﻓﻴﻘﻮل‪:‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪65‬‬
 ‫ﺲ )‪ ] (( (18‬اﻟﺘﻜﻮﻳﺮ [‬
‫ﺢ ِإذَا َﺗ َﻨ ﱠﻔ َ‬
‫ﺼ ْﺒ ِ‬
‫ﺲ )‪ (17‬وَاﻟ ﱡ‬
‫ﺴ َﻌ َ‬
‫ﻋْ‬‫ﻞ ِإذَا َ‬
‫)) وَاﻟﱠﻠ ْﻴ ِ‬

‫)) ﻋﺴﻌﺲ ((‪ ..‬هﺬﻩ اﻟﺤﺮوف اﻷرﺑﻌﺔ هﻲ اﻟﻠﻴﻞ ﻣﺼﻮرا ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﻓﻴﻪ‪.‬‬

‫)) و اﻟﺼﺒﺢ إذا ﺗﻨﻔﺲ (( إن ﺿﻮء اﻟﻔﺠﺮ هﻨﺎ ﻣﺮﺋﻲ و ﻣﺴﻤﻮع‪ ..‬إﻧﻚ ﺗﻜﺎد ﺗﺴﻤﻊ زﻗﺰﻗﺔ اﻟﻌﺼﻔﻮر و‬
‫ﺻﻴﺤﺔ اﻟﺪﻳﻚ‪.‬‬

‫ﻓﺈذا آﺎﻧﺖ اﻵﻳﺎت ﻧﺬﻳﺮ اﻟﻐﻀﺐ و إﻋﻼن اﻟﻌﻘﺎب‪ ،‬ﻓﺈﻧﻚ ﺗﺴﻤﻊ اﻷﻟﻔﺎظ ﺗﺘﻔﺠﺮ‪ ..‬و ﺗﺮى اﻟﻤﻌﻤﺎر اﻟﻘﺮﺁﻧﻲ‬
‫ﺨ َﺮهَﺎ‬
‫ﺳﱠ‬‫ﺻ ٍﺮ ﻋَﺎ ِﺗ َﻴ ٍﺔ )‪َ (6‬‬
‫ﺻ ْﺮ َ‬
‫ﺢ َ‬ ‫آﻠﻪ ﻟﻪ ﺟﻠﺠﻠﺔ‪ .‬اﺳﻤﻊ ﻣﺎ ﻳﻘﻮل اﷲ ﻋﻦ ﻗﻮم ﻋﺎد‪َ )) :‬وَأﻣﱠﺎ ﻋَﺎ ٌد َﻓُﺄ ْهِﻠﻜُﻮا ِﺑﺮِﻳ ٍ‬
‫ﻞ ﺧَﺎ ِو َﻳ ٍﺔ )‪] (( (7‬‬ ‫ﺨٍ‬
‫ﺠﺎ ُز َﻧ ْ‬
‫ﻋَ‬‫ﺻ ْﺮﻋَﻰ َآَﺄﱠﻧ ُﻬ ْﻢ َأ ْ‬ ‫ﺣﺴُﻮﻣًﺎ َﻓ َﺘﺮَى ا ْﻟ َﻘ ْﻮ َم ﻓِﻴﻬَﺎ َ‬
‫ل َو َﺛﻤَﺎ ِﻧ َﻴ َﺔ َأﻳﱠﺎ ٍم ُ‬
‫ﺳ ْﺒ َﻊ َﻟﻴَﺎ ٍ‬
‫ﻋَﻠ ْﻴ ِﻬ ْﻢ َ‬
‫َ‬
‫اﻟﺤﺎﻗﺔ [‬

‫إن اﻵﻳﺎت آﻠﻬﺎ ﺗﺼﺮ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺮﻳﺎح و ﺗﺴﻤﻊ ﻓﻴﻬﺎ اﺻﻄﻔﺎق اﻟﺨﻴﺎم و أﻋﺠﺎز اﻟﻨﺨﻞ اﻟﺨﺎوي و ﺻﻮرة‬
‫اﻷرض اﻟﺨﺮاب‪.‬‬

‫و اﻟﺼﻮر اﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ آﻠﻬﺎ ﺗﺠﺪهﺎ ﻣﺮﺳﻮﻣﺔ ﺑﻬﺬﻩ اﻟﻠﻤﺴﺎت اﻟﺴﺮﻳﻌﺔ و اﻟﻈﻼل اﻟﻤﺤﻜﻤﺔ و اﻷﻟﻔﺎظ اﻟﺘﻲ ﻟﻬﺎ‬
‫ﺟﺮس و ﺻﻮت و ﺻﻮرة‪.‬‬

‫و ﻟﻬﺬﻩ اﻷﺳﺒﺎب ﻣﺠﺘﻤﻌﺔ آﺎن اﻟﻘﺮﺁن آﺘﺎﺑﺎ ﻻ ﻳﺘﺮﺟﻢ‪.‬‬

‫ﻋ َﺮﺑِﻴًّﺎ‪(2) ..‬‬
‫إﻧﻪ ﻗﺮﺁن ﻓﻲ ﻟﻐﺘﻪ‪ .‬أﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﻠﻐﺎت اﻷﺧﺮى ﻓﻬﻮ ﺷﻲء ﺁﺧﺮ ﻏﻴﺮ اﻟﻘﺮﺁن‪ِ )) :‬إﻧﱠﺎ أَﻧ َﺰ ْﻟﻨَﺎ ُﻩ ُﻗﺮْﺁﻧًﺎ َ‬
‫(( ] ﻳﻮﺳﻒ [ و ﻓﻲ هﺬا ﺗﺤﺪﻳﺪ ﻓﺎﺻﻞ‪.‬‬

‫و آﻴﻒ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﺘﺮﺟﻢ ﺁﻳﺔ ﻣﺜﻞ‪:‬‬

‫ﺳ َﺘﻮَى )‪ ] (( (5‬ﻃﻪ [‬
‫شا ْ‬
‫ﻋﻠَﻰ ا ْﻟ َﻌ ْﺮ ِ‬
‫ﻦ َ‬
‫ﺣ َﻤ ُ‬
‫)) اﻟﺮﱠ ْ‬

‫إﻧﻨﺎ ﻟﺴﻨﺎ أﻣﺎم ﻣﻌﻨﻰ ﻓﻘﻂ‪ .‬و إﻧﻤﺎ ﻧﺤﻦ ﺑﺎﻟﺪرﺟﺔ اﻷوﻟﻰ أﻣﺎم ﻣﻌﻤﺎر‪ ..‬أﻣﺎم ﺗﻜﻮﻳﻦ و ﺑﻨﺎء ﺗﻨﺒﻊ ﻓﻴﻪ‬
‫اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ ﻣﻦ داﺧﻞ اﻟﻜﻠﻤﺎت‪ ،‬ﻣﻦ ﻗﻠﺒﻬﺎ ﻻ ﻣﻦ ﺣﻮاﺷﻴﻬﺎ‪ ،‬ﻣﻦ ﺧﺼﺎﺋﺺ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ و أﺳﺮارهﺎ و‬
‫ﻇﻼﻟﻬﺎ و ﺧﻮاﻓﻴﻬﺎ‪.‬‬

‫و ﻟﻬﺬا اﻧﻔﺮدت اﻵﻳﺔ اﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﺑﺨﺎﺻﻴﺔ ﻋﺠﻴﺒﺔ‪ ..‬إﻧﻬﺎ ﺗﺤﺪث اﻟﺨﺸﻮع ﻓﻲ اﻟﻨﻔﺲ ﺑﻤﺠﺮد أن ﺗﻼﻣﺲ اﻷذن‬
‫و ﻗﺒﻞ أن ﻳﺘﺄﻣﻞ اﻟﻌﻘﻞ ﻣﻌﺎﻧﻴﻬﺎ‪ ..‬ﻷﻧﻬﺎ ﺗﺮآﻴﺐ ﻣﻮﺳﻴﻘﻲ ﻳﺆﺛﺮ ﻓﻲ اﻟﻮﺟﺪان و اﻟﻘﻠﺐ ﻟﺘﻮﻩ و ﻣﻦ ﻗﺒﻞ أن ﻳﺒﺪأ‬
‫اﻟﻌﻘﻞ ﻓﻲ اﻟﻌﻤﻞ‪.‬‬

‫ﻓﺈذا ﺑﺪأ اﻟﻌﻘﻞ ﻳﺤﻠﻞ و ﻳﺘﺄﻣﻞ ﻓﺈﻧﻪ ﺳﻮف ﻳﻜﺘﺸﻒ أﺷﻴﺎء ﺟﺪﻳﺪة‪ ،‬و ﺳﻮف ﻳﺰداد ﺧﺸﻮﻋﺎ‪ ..‬و ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻣﺮﺣﻠﺔ‬
‫ﺛﺎﻧﻴﺔ‪ ..‬ﻗﺪ ﺗﺤﺪث و ﻗﺪ ﻻ ﺗﺤﺪث‪ ..‬و ﻗﺪ ﺗﻜﺸﻒ ﻟﻚ اﻵﻳﺔ ﻋﻦ ﺳﺮهﺎ و ﻗﺪ ﻻ ﺗﻜﺸﻔﻪ‪ ..‬و ﻗﺪ ﺗﺆﺗﻰ اﻟﺒﺼﻴﺮة‬
‫اﻟﺘﻲ ﺗﻔﺴﺮ ﺑﻬﺎ ﻣﻌﺎﻧﻲ اﻟﻘﺮﺁن و ﻗﺪ ﻻ ﺗﺆﺗﻰ هﺬﻩ اﻟﺒﺼﻴﺮة‪ ..‬و ﻟﻜﻨﻚ داﺋﻤﺎ ﺧﺎﺷﻊ ﻷن اﻟﻘﺮﺁن ﻳﺨﺎﻃﺒﻚ أوﻻ‬
‫آﻤﻌﻤﺎر ﻓﺮﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻜﻼم ﺑﻨﻴﺎن‪ ) ..‬ﻓﻮرم (‪ ..‬ﻃﺮاز ﻣﻦ اﻟﺮﺻﻒ ﻳﺒﻬﺮ اﻟﻘﻠﺐ‪ ..‬أﻟﻘﺎﻩ ﻋﻠﻴﻚ اﻟﺬي ﺧﻠﻖ اﻟﻠﻐﺔ‬
‫و ﻳﻌﺮف ﺳﺮهﺎ‪ ،‬و ﻟﻴﺲ أﺑﺪا ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻨﺒﻲ اﻷﻣﻲ اﻟﺬي آﺎن ﻳﺮﺗﺠﻒ آﻤﺎ ﺗﺮﺗﺠﻒ أﻧﺖ و اﻟﻮﺣﻲ ﻳﻠﻘﻲ ﻋﻠﻴﻪ‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪66‬‬
 ‫ﻖ )‪ ] (( (1‬اﻟﻌﻠﻖ [ ﻓﻴﺮﺗﺠﻒ و ﻳﺘﺼﺒﺐ ﻋﺮﻗﺎ و ﻻ ﻳﻌﺮف ﻣﻦ أي‬ ‫ﺧَﻠ َ‬
‫ﻚ اﱠﻟﺬِي َ‬
‫ﺳ ِﻢ َرﱢﺑ َ‬
‫ﺑﺎﻵﻳﺔ‪ )) :‬ا ْﻗ َﺮ ْأ ﺑِﺎ ْ‬
‫ﺳﻤﺎوات ﻳﻠﻢ ﺑﻪ هﺬا اﻟﺼﻮت اﻵﻣﺮ‪ ..‬و هﻮ ﻳﻠﻮذ ﺑﺰوﺟﺘﻪ ﺧﺪﻳﺠﺔ و هﻮ ﻻ ﻳﺰال ﻳﺮﺗﺠﻒ ﻓﺮﻗﺎ ﻟﻤﺎ ﺳﻤﻊ و‬
‫ﻗﺪ ﺑﺎت ﻳﺨﺸﻰ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ اﻟﺠﻨﻮن ﻓﺘﻄﻤﺌﻨﻪ ﺧﺪﻳﺠﺔ ﺑﺼﻮﺗﻬﺎ اﻟﺤﺎﻧﻲ هﺎﻣﺴﺔ‪:‬‬

‫)) و اﷲ ﻣﺎ ﻳﺨﺰﻳﻚ اﷲ أﺑﺪا‪ ،‬إﻧﻚ ﻟﺘﺼﻞ اﻟﺮﺣﻢ‪ ،‬و ﺗﺤﻤﻞ اﻟﻜَﻞ‪ .‬و ﺗﻜﺴﺐ اﻟﻤﻌﺪوم‪ ..‬و ﺗﻘﺮي اﻟﻀﻴﻒ‪ ،‬و‬
‫ﺗﻌﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﻧﻮاﺋﺐ اﻟﺤﻖ ((‪.‬‬

‫و ﻳﻨﻘﻄﻊ ﻋﻨﻪ اﻟﻮﺣﻲ ﺳﻨﺘﻴﻦ ﺑﻌﺪ هﺬﻩ اﻟﻜﻠﻤﺎت اﻟﻘﻠﻴﻠﺔ اﻷوﻟﻰ‪ ،‬و ﻳﺘﺮآﻪ ﻓﻲ ﺣﻴﺮة‪ ..‬ﻳﺬرع دروب‬
‫اﻟﺼﺤﺮاء اﻟﻤﻠﺘﻬﺒﺔ ﻳﻜﺎد ﻳﺠﻦ ﻣﻦ أﻣﺮ هﺬا اﻟﺼﻮت اﻟﺬي ﻧﺰل ﻋﻠﻴﻪ ﺛﻢ اﻧﻘﻄﻊ ﻋﻨﻪ‪.‬‬

‫و ﻟﻮ آﺎن ﻣﺤﻤﺪ ﻣﺆﻟﻔﺎ ﻷﻟﻒ ﻓﻲ هﺎﺗﻴﻦ اﻟﺴﻨﺘﻴﻦ آﺘﺎﺑﺎ آﺎﻣﻼ‪.‬‬

‫و ﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ أآﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺴﺘﻤﻊ أﻣﻴﻦ ﺳﻤﻊ آﻤﺎ ﺗﺴﻤﻊ أﻧﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﻜﻠﻤﺎت ذات اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﻌﻠﻮﻳﺔ ﻓﻲ ﻟﺤﻈﺔ‬
‫ﺻﻔﺎء و ﺟﻼء ﻓﺬهﻞ آﻤﺎ ﺗﺬهﻞ و ﺻُﻌﻘﺖ ﺣﻮاﺳﻪ أﻣﺎم هﺬا اﻟﺘﺮآﻴﺐ اﻟﻔﺮﻳﺪ اﻟﻤﻀﻲء‪.‬‬

‫و ﺑﻌﺪ ﺳﻨﺘﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﺼﻤﺖ ﻋﺎد اﻟﺼﻮت ﻟﻴﻬﺘﻒ ﻓﻲ أذﻧﻪ‪:‬‬

‫)) ﻳَﺎ َأﱡﻳﻬَﺎ ا ْﻟ ُﻤﺪﱠﺛﱢ ُﺮ )‪ُ (1‬ﻗ ْﻢ َﻓﺄَﻧ ِﺬ ْر )‪ ] (( (2‬اﻟﻤﺪﺛﺮ [‬

‫ﺛﻢ ﺑﺪأت ﺁﻳﺎت اﻟﻘﺮﺁن ﺗﻨﺰل ﻣﺘﻮاﻟﻴﺔ‪ .‬و ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﻣﻦ أدﻋﻴﺎء اﻟﻤﻌﺠﺰات‪.‬‬

‫و ﻳﻮم دﻓﻦ وﻟﺪﻩ اﻟﻮﺣﻴﺪ إﺑﺮاهﻴﻢ ﺣﺪث آﺴﻮف آﻠﻲ ﻟﻠﺸﻤﺲ ﻓﺴﺮﻩ اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻰ أﻧﻪ ﻣﻌﺠﺰة و ﻣﺸﺎرآﺔ ﻣﻦ‬
‫اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻟﺤﺰن ﻣﺤﻤﺪ ﻓﻘﺎل ﻣﺤﻤﺪ آﻠﻤﺘﻪ اﻟﻤﺸﻬﻮرة‪:‬‬

‫)) إن اﻟﺸﻤﺲ و اﻟﻘﻤﺮ ﺁﻳﺎﺗﺎن ﻣﻦ ﺁﻳﺎت اﷲ ﻻ ﻳﻨﻜﺴﻔﺎن ﻟﻤﻮت أﺣﺪ و ﻻ ﻟﺤﻴﺎﺗﻪ ((‪.‬‬

‫و ﻟﻮ آﺎن ﻓﻲ ﻃﺒﻌﻪ اﻹدﻋﺎء ﻻﻟﺘﻤﺲ ﻓﻴﻤﺎ ﺣﺪث ﺳﺒﺒﺎ ﻟﻠﺪﻋﺎﻳﺔ ﻟﻨﻔﺴﻪ‪ ،‬و ﻟﻜﻨﻪ آﺎن اﻟﺼﺎدق اﻷﻣﻴﻦ ﻣﻦ‬
‫أول ﻳﻮم ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻪ إﻟﻰ ﺁﺧﺮ ﻳﻮم‪.‬‬

‫و اﻟﻮﺣﻲ ﻳﻠﻘﻲ إﻟﻰ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻤﺎ ﻻ ﻳﻌﻠﻢ ﻣﺤﻤﺪ‪.‬‬

‫ﺖ َﻟ َﺪ ْﻳ ِﻬ ْﻢ ِإ ْذ‬
‫ﻞ َﻣ ْﺮ َﻳ َﻢ َوﻣَﺎ آُﻨ َ‬
‫ﻼ َﻣ ُﻬ ْﻢ َأﱡﻳ ُﻬ ْﻢ َﻳ ْﻜ ُﻔ ُ‬
‫ﺖ َﻟ َﺪ ْﻳ ِﻬ ْﻢ ِإ ْذ ُﻳ ْﻠﻘُﻮن َأ ْﻗ َ‬
‫ﻚ َوﻣَﺎ آُﻨ َ‬
‫ﺐ ﻧُﻮﺣِﻴ ِﻪ ِإﻟَﻴ َ‬
‫ﻦ أَﻧﺒَﺎء ا ْﻟ َﻐ ْﻴ ِ‬
‫ﻚ ِﻣ ْ‬
‫)) َذِﻟ َ‬
‫ن )‪ ] (( (44‬ﺁل ﻋﻤﺮان [‬ ‫ﺼﻤُﻮ َ‬‫ﺨ َﺘ ِ‬‫َﻳ ْ‬

‫ن ا ْﻟﻌَﺎ ِﻗ َﺒ َﺔ‬
‫ﺻ ِﺒ ْﺮ ِإ ﱠ‬
‫ﻞ َهﺬَا ﻓَﺎ ْ‬
‫ﻚ ﻣِﻦ َﻗ ْﺒ ِ‬
‫ﻻ َﻗ ْﻮ ُﻣ َ‬
‫ﺖ َو َ‬
‫ﺖ َﺗ ْﻌَﻠ ُﻤﻬَﺎ أَﻧ َ‬
‫ﻚ ﻣَﺎ آُﻨ َ‬
‫ﺐ ﻧُﻮﺣِﻴﻬَﺎ ِإَﻟ ْﻴ َ‬
‫ﻦ أَﻧﺒَﺎء ا ْﻟ َﻐ ْﻴ ِ‬
‫ﻚ ِﻣ ْ‬‫)) ِﺗ ْﻠ َ‬
‫ﻦ )‪ ] (( (49‬هﻮد [‬ ‫ِﻟ ْﻠ ُﻤﱠﺘﻘِﻴ َ‬

‫و هﻮ ﻳﻠﻘﻲ إﻟﻴﻪ ﺑﺄﺳﺮار ﻓﻲ اﻟﺘﻮراة و اﻹﻧﺠﻴﻞ‪ ..‬و ﻟﻢ ﺗﻜﻦ هﺬﻩ اﻟﻜﺘﺐ ﻗﺪ ﺗﺮﺟﻤﺖ إﻟﻰ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﻲ ذﻟﻚ‬
‫اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺒﻌﻴﺪ – و أول ﻧﺺ ﻣﺴﻴﺤﻲ ﺗﺮﺟﻢ إﻟﻰ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ هﻮ ﻣﺨﻄﻮط ﺑﻤﻜﺘﺒﺔ ) اﻟﻘﺪﻳﺲ ﺑﻄﺮﺳﺒﺮج (‬
‫آﺘﺐ ﺣﻮاﻟﻲ ﻋﺎم ‪ 1060‬ﻣﻴﻼدﻳﺔ – آﺎﻧﺖ هﺬﻩ اﻟﻜﺘﺐ أﺳﺮارا ﻋﺒﺮﻳﺔ ﻻ ﻳﻌﺮﻓﻬﺎ إﻻ أﺻﺤﺎﺑﻬﺎ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪67‬‬
 ‫و هﻮ ﻳﺘﺤﺪى اﻟﻴﻬﻮد ﺑﺄن ﻳﺨﺮﺟﻮا ﻣﺨﻄﻮﻃﺎﺗﻬﻢ و ﻳﻘﺮأوهﺎ‪:‬‬

‫ﻦ )‪ ] (( (93‬ﺁل ﻋﻤﺮان [‬
‫ﻞ َﻓ ْﺄﺗُﻮ ْا ﺑِﺎﻟﱠﺘ ْﻮرَا ِة ﻓَﺎ ْﺗﻠُﻮهَﺎ إِن آُﻨ ُﺘ ْﻢ ﺻَﺎ ِدﻗِﻴ َ‬
‫)) ُﻗ ْ‬

‫ﺛﻢ هﻮ ﻳﺼﺤﺢ ﺑﻌﺾ ﺗﻔﺎﺻﻴﻞ اﻟﺘﻮراة‪.‬‬

‫ﻓﻔﻲ رواﻳﺔ اﻟﺘﻮراة ﻟﻘﺼﺔ ﻳﻮﺳﻒ ﻳﻘﻮل اﻟﻨﺺ إن إﺧﻮة ﻳﻮﺳﻒ اﺳﺘﺨﺪﻣﻮا ﻓﻲ ﺳﻔﺮهﻢ )) اﻟﺤﻤﻴﺮ (( و‬
‫اﻟﻘﺮﺁن ﻳﺮوي أﻧﻬﻢ اﺳﺘﺨﺪﻣﻮا )) اﻟﻌﻴﺮ (( و هﻲ اﻹﺑﻞ‪.‬‬

‫و اﻟﺤﻤﺎر ﺣﻴﻮان ﺣﻀﺮي ﻋﺎﺟﺰ ﻋﻦ أن ﻳﺠﺘﺎز ﻣﺴﺎﻓﺎت ﺻﺤﺮاوﻳﺔ ﺷﺎﺳﻌﺔ ﻟﻜﻲ ﻳﺠﻲء ﻣﻦ ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ إﻟﻰ‬
‫ﻣﺼﺮ‪ ..‬و ﺣﻜﺎﻳﺔ اﻟﻌﻴﺮ هﻲ ﺣﻜﺎﻳﺔ أدق و أﺻﺪق‪:‬‬

‫أﻟﻢ ﻳﻠﻌﻦ أرﻣﻴﺎ‪ )) :‬أﻗﻼم اﻟﻨﺴﺎخ اﻟﻜﺎذﺑﺔ ((‪.‬‬

‫إن اﻟﻮﺣﻲ ﻳﻠﻘﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﺤﻤﺪ ﻣﺎ ﻻ ﻳﻌﻠﻤﻪ ﻣﺤﻤﺪ ﻻ هﻮ و ﻻ أﺻﺤﺎﺑﻪ و ﻻ ﻗﻮﻣﻪ و ﻻ ﻧﺴﺎخ اﻟﺘﻮراة و‬
‫ﺣﻔﺎﻇﻬﺎ‪ ..‬ﺛﻢ هﻮ ﻳﻠﻘﻲ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﻓﻮاﺗﺢ اﻟﺴﻮر ﻣﺎ هﻮ أﺷﺒﻪ ﺑﺎﻟﺸﻔﺮة و اﻷﻟﻐﺎز ﻣﺜﻞ‪ ) :‬آﻬﻴﻌﺺ (‪ ) ..‬ﻃﺴﻢ‬
‫(‪ ) ..‬ﺣﻢ (‪ ) ..‬ﻋﺴﻖ ( ﻣﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﻘﻞ ﻟﻨﺎ اﻟﻨﺒﻲ إﻧﻪ ﻳﻌﻠﻢ ﻟﻪ ﺗﻔﺴﻴﺮًا‪.‬‬

‫و ﻟﻮ أن ﻣﺤﻤﺪا هﻮ اﻟﺬي وﺿﻊ اﻟﻘﺮﺁن ﻟﺒﺚ ﻓﻴﻪ أﺷﺠﺎﻧﻪ و ﺣﺎﻻﺗﻪ اﻟﻨﻔﺴﻴﺔ و أزﻣﺎﺗﻪ و أﺣﺰاﻧﻪ‪ ..‬و اﻟﻘﺮﺁن‬
‫ﻏﻴﺮ هﺬا ﺗﻤﺎﻣﺎ ﻓﻬﻮ ﻳﺒﺪو ﻣﻦ اﻟﺒﺪء إﻟﻰ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﻣﻌﺰوﻻ ﻋﻦ اﻟﻨﻔﺲ اﻟﻤﺤﻤﺪﻳﺔ ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﺸﺎﻏﻞ و‬
‫هﻤﻮم‪ ..‬ﺑﻞ إن اﻵﻳﺔ ﻟﺘﻨﺰل ﻣﻨﺎﻗﻀﺔ ﻟﻺرادة اﻟﻤﺤﻤﺪﻳﺔ‪:‬‬

‫ﺣ ُﻴ ُﻪ‪ ] (( (114) ..‬ﻃﻪ [‬

‫ﻚ َو ْ‬
‫ﻞ أَن ُﻳ ْﻘﻀَﻰ ِإَﻟ ْﻴ َ‬
‫ن ﻣِﻦ َﻗ ْﺒ ِ‬
‫ﻞ ﺑِﺎ ْﻟ ُﻘﺮْﺁ ِ‬
‫ﺠْ‬
‫)) َوﻟَﺎ َﺗ ْﻌ َ‬

‫آﻞ هﺬا ﻳﻀﻊ أﻣﺎﻣﻨﺎ اﻟﻘﺮﺁن آﻈﺎهﺮة ﻣﺘﻌﺎﻟﻴﺔ ﻣﻌﺰوﻟﺔ ﻋﻦ اﻟﻨﻔﺲ اﻟﺘﻲ أﺧﺒﺮﺗﻨﺎ ﺑﻬﺎ‪ ..‬ﻓﻬﻲ ﻻ أآﺜﺮ ﻣﻦ‬
‫واﺳﻄﺔ ﺳﻤﻌﺖ ﻓﺄﺧﺒﺮت‪.‬‬

‫أﻣﺎ اﻟﻘﺮﺁن ذاﺗﻪ ﻓﻬﻮ – ﻟﻔﻈﺎ و ﻣﻌﻨﻰ – ﻣﻦ اﷲ اﻟﺬي أﺣﺎط ﺑﻜﻞ ﺷﻲء ﻋﻠﻤﺎ‪.‬‬

‫ﻣﺨﻴﺮ أم ﻣﺴﻴﺮ‬

‫اﻟﻘﺮﺁن ﻣﻌﻤﺎر ﻓﺮﻳﺪ‪ ..‬ﻧﺴﻴﺞ وﺣﺪﻩ‪ ..‬ﻓﻲ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺼﻒ ﺑﻬﺎ اﻷﻟﻔﺎظ ﻓﻲ رﺻﻒ ﺧﺎص ﻳﻔﺠﺮ ﻣﺎ‬
‫ﺑﺪاﺧﻠﻬﺎ ﻣﻦ ﻧﻐﻢ‪ ،‬و هﻮ ﻧﻐﻢ ﻻ ﻳﻨﺒﻊ ﻣﻦ ﺣﻮاﺷﻲ اﻟﻜﻠﻤﺎت و أوزاﻧﻬﺎ و ﻗﻮاﻓﻴﻬﺎ و إﻧﻤﺎ ﻣﻦ ﺑﺎﻃﻨﻬﺎ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪68‬‬
 ‫ﻣﺤﻴﺮة ﻣﺠﻬﻮﻟﺔ ﺗﻤﺎﻣﺎ‪ ..‬و ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺗﺆدي إﻟﻰ ﺧﺸﻮع اﻟﻤﺴﺘﻤﻊ و إدراآﻪ اﻟﻐﺎﻣﺾ ﻟﻠﻤﺼﺪر اﻟﺠﻠﻴﻞ اﻟﺬي‬
‫ﺟﺎءت ﻣﻨﻪ‪.‬‬

‫ﻓﻨﺤﻦ ﻧﺼﺒﺢ أﺳﺮى ﻟﻠﻘﺮﺁن ﺑﻤﺠﺮد اﻻﺳﺘﻤﺎع إﻟﻴﻪ‪ ..‬و ﻗﺒﻞ أن ﻧﺘﻌﻘﻞ آﻠﻤﺎﺗﻪ‪ ،‬ﻓﺈذا ﺑﺪأﻧﺎ ﻧﺘﺄﻣﻞ و ﻧﺘﻌﻘﻞ و‬
‫ﻧﺤﻠﻞ و ﻧﻌﻜﻒ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﻠﻤﺎت ﻓﺴﻮف ﺗﻨﻔﺘﺢ ﻟﻨﺎ آﻨﻮز ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺎﻧﻲ و اﻟﻤﻌﺎرف و اﻷﻓﻜﺎر ﺗﺤﺘﺎج إﻟﻰ‬
‫ﻣﺠﻠﺪات ﻟﺸﺮﺣﻬﺎ‪ ،‬و ﻟﺬﻟﻚ ﺳﻮف أآﺘﻔﻲ ﺑﻮﻗﻔﺎت ﻗﻠﻴﻠﺔ أﻣﺎم ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺸﻜﻼت اﻷزﻟﻴﺔ‪ ..‬آﻴﻒ ﺗﻨﺎوﻟﻬﺎ‬
‫اﻟﻘﺮﺁن؟ و ﻣﺎذا ﻗﺎل ﻓﻴﻬﺎ؟‬

‫و أوﻻهﺎ ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻟﺤﺮﻳﺔ‪.‬‬

‫و اﻟﺤﺮﻳﺔ ﺛﻐﺮة آﺒﻴﺮة ﻳﺪﺧﻞ ﻣﻨﻬﺎ اﻟﺸﻚ و ﻳﺘﺴﻠﻞ ﻣﻨﻬﺎ هﻮاة اﻟﺠﺪل ﻣﻦ اﻟﻤﻠﺤﺪﻳﻦ‪ ..‬ﻓﺄول ﻣﺎ ﻳﻘﻮﻟﻪ اﻟﻮاﺣﺪ‬
‫ﻣﻨﻬﻢ ﻟﻴﻘﻴﻢ اﻟﺤﺠﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺪﻳﻦ آﻠﻪ أن ﻳﻬﺘﻒ ﻣﺤﺘﺠﺎ‪:‬‬

‫)) إذا آﺎن اﷲ ﻗﺪر ﻋﻠﻲ أﻓﻌﺎﻟﻲ‪ .‬ﻓﻠﻤﺎذا ﻳﺤﺎﺳﺒﻨﻲ؟ ((‬

‫)) و إذا آﺎن آﻞ ﺷﻲء ﻳﺠﺮي ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﻤﺸﻴﺌﺔ اﷲ ﻓﻤﺎ ذﻧﺒﻲ؟ ((‬

‫و اﻟﺴﺆال ﻳﻄﺮح ﻣﻌﻀﻠﺔ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ‪.‬‬

‫و ﻗﺪ أوﺻﻰ اﻟﻨﺒﻲ – ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ و ﺳﻠﻢ – أﺻﺤﺎﺑﻪ ﺑﻌﺪم اﻟﺪﺧﻮل ﻓﻲ ﺟﺪل‪.‬‬

‫و ﻗﺎل ﻟﻬﻢ إذا ﺟﺎء ذآﺮ اﻟﻘﺪر ﻓﺄﻣﺴﻜﻮا‪..‬‬

‫ﻷﻧﻪ ﻋﻠﻢ أن اﻟﻤﻌﻀﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﻀﻼت اﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﺘﻴﺴﺮ اﻟﺮد ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﻌﻠﻮم ﻋﺼﺮﻩ‪ ..‬و أن‬
‫اﻟﺠﺪل ﺳﻮف ﻳﻨﺰﻟﻖ ﺑﻬﻢ إﻟﻰ ﻣﺘﺎهﺔ ﻳﻀﻴﻌﻮن ﻓﻴﻬﺎ‪ ..‬و ﻟﺬا ﻓﻀﻞ اﻹﻳﻤﺎن ﺑﺎﻟﻘﻠﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﺜﺮﺛﺮة اﻟﻌﻘﻠﻴﺔ‬
‫اﻟﻌﻘﻴﻤﺔ‪..‬‬

‫و هﻲ وﺻﻴﺔ ﻻ ﺗﻨﺴﺤﺐ ﺗﻤﺎﻣﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﺼﺮﻧﺎ‪ ،‬اﻟﺬي دﺧﻠﺖ ﻓﻴﻪ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ اﻟﺠﺎﻣﻌﺎت درﺳﺎ ﻣﻴﺴﺮا ﻳﺘﻠﻘﺎﻩ اﺑﻦ‬
‫اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ آﻞ ﻳﻮم‪.‬‬

‫و ﺑﺬﻟﻚ أﺻﺒﺢ اﻟﺴﺆال ﻣﻄﺮوﺣﺎ ﺑﺸﺪة‪ ..‬و ﻓﻲ ﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ ﺟﻮاب و رد ﺷﺎف ﻣﻦ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ و ﻣﻦ اﻟﺪﻳﻦ و‬
‫ﻣﻦ ﺻﻤﻴﻢ اﻟﻘﺮﺁن ذاﺗﻪ‪.‬‬

‫و ﻣﻦ اﻟﻨﻈﺮة اﻟﻤﺒﺪﺋﻴﺔ ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ أرض و ﺳﻤﺎوات و ﻧﺠﻮم و آﻮاآﺐ ﻧﺮى أﻧﻪ ﻳﻘﻮم ﻋﻠﻰ ﺳﻠﺴﻠﺔ‬
‫ﻣﺤﻜﻤﺔ ﻣﻦ اﻷﺳﺒﺎب و اﻟﻤﺴﺒﺒﺎت‪ ،‬و أن آﻞ ﺷﻲء ﻓﻴﻪ ﻳﺠﺮي ﺑﻨﻈﺎم ﻣﺤﻜﻢ‪ ..‬و إن آﺎن ﻟﺪﻳﻚ ورﻗﺔ و ﻗﻠﻢ‬
‫ﻓﺈﻧﻚ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﺗﺤﺴﺐ ﺑﺎﻟﻀﺒﻂ ﻣﺘﻰ ﺗﺸﺮق اﻟﺸﻤﺲ و ﻣﺘﻰ ﺗﻐﺮب‪ ،‬ﻷﻧﻬﺎ ﺗﺘﺤﺮك ﺣﺴﺐ ﻗﺎﻧﻮن‪ ..‬و آﻞ‬
‫ﺷﻲء ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻳﺘﺤﺮك ﺣﺴﺐ ﻗﺎﻧﻮن‪.‬‬

‫إﻻ اﻹﻧﺴﺎن‪ ..‬ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﺄﻧﻪ ﻳﻤﺸﻲ ) ﻋﻠﻰ آﻴﻔﻪ (‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪69‬‬
 ‫اﻹﻧﺴﺎن وﺣﺪﻩ هﻮ اﻟﺤﺮ اﻟﻤﺘﻤﺮد اﻟﺜﺎﺋﺮ ﻋﻠﻰ ﻃﺒﻴﻌﺘﻪ و ﻇﺮوﻓﻪ‪ ،‬و ﻟﻬﺬا ﻳﺼﻄﺪم ﺑﺎﻟﻌﺎﻟﻢ و ﻳﺼﺎرﻋﻪ‪ ..‬و‬
‫ﻳﺴﺘﺤﻴﻞ ﻓﻲ أي ﻟﺤﻈﺔ أن ﻳﺘﻨﺒﺄ أﺣﺪ ﺑﻤﺼﻴﺮﻩ‪.‬‬

‫و ﺣﻜﺎﻳﺔ اﻟﺤﺘﻤﻴﺔ اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺼﻮرهﺎ ) ﻓﺮوﻳﺪ ( ﻓﺎﻋﺘﺒﺮ اﻹرادة ﺑﺴﺒﺒﻬﺎ ﺣﺮة ﻓﻲ اﻟﻈﺎهﺮ ﻟﻜﻦ ﻣﻘﻴﺪة‬
‫ﻓﻲ اﻟﺒﺎﻃﻦ و أﺳﻴﺮة ﻟﺠﺒﺮﻳﺔ اﻟﻐﺮاﺋﺰ و ﺁﻟﻴﺔ اﻟﺤﻮاﻓﺰ اﻟﺒﺎﻃﻨﺔ‪ ..‬ﻋﺎد هﻮ ذاﺗﻪ ﻓﻨﻘﻀﻬﺎ و ﻗﺎل‪ :‬إن اﻟﻐﺮﻳﺰة‬
‫هﻲ ﺧﺎم ﻏﻔﻞ ﺗﺘﺼﺮف ﻓﻴﻪ اﻹرادة ﺑﺎﻟﻜﺒﺖ أو ﺑﺎﻹﻃﻼق أو ﺑﺎﻟﺘﺴﺎﻣﻲ‪.‬‬

‫و هﻜﺬا ﻋﺎدت اﻟﻐﺮﻳﺰة ﻟﺘﺼﺒﺢ ﻣﺠﺮد ﻇﺮف ﺗﺘﺤﻜﻢ ﻓﻴﻪ اﻹرادة آﻤﺎ ﺗﺘﺼﺮف اﻹرادة ﻓﻲ اﻟﻈﺮوف‬
‫اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ و ﺗﺘﺤﻜﻢ ﻓﻴﻬﺎ‪ ..‬و أﺻﺒﺤﺖ اﻹرادة ﺑﻬﺬا اﻟﻤﻌﻨﻰ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻣﺘﻌﺎﻟﻴﺔ ﻣﺘﺠﺎوزة ﻟﻠﻐﺮاﺋﺰ‪.‬‬

‫و ﺑﺎﻟﻤﺜﻞ ﺣﻜﺎﻳﺔ اﻟﺤﺘﻤﻴﺔ اﻟﻄﺒﻘﻴﺔ اﻟﺘﻲ أﺛﺎرهﺎ ) اﻟﻤﺎرآﺴﻴﻮن ( ‪ ..‬ﻓﺎﻋﺘﺒﺮوا آﻞ إﻧﺴﺎن اﺑﻦ ﻃﺒﻘﺘﻪ‪ ..‬ﺗﺤﺪد‬
‫ﻟﻪ ﻃﺒﻘﺘﻪ ﺣﻮاﻓﺰﻩ اﻟﻨﻔﺴﻴﺔ و ﻋﻮاﻃﻔﻪ و رﻏﺒﺎﺗﻪ و ﺷﺨﺼﻴﺘﻪ اﻟﺴﻠﻮآﻴﺔ‪ ..‬ﻓﻬﻮ ﻳﺘﺼﺮف آﻨﺒﻴﻞ أو إﻗﻄﺎﻋﻲ‬
‫أو ) آﺒﺮوﻟﻴﺘﺎري ( ﻻ آﻔﻼن اﻟﻔﻼﻧﻲ‪ .‬ﺑﻞ هﻮ ﻻ ﻳﻜﺎد ﻳﻤﻠﻚ ﻧﻔﺴﺎ ﻓﻤﺎ ﻳﺘﺨﻴﻞ أﻧﻪ ﻧﻔﺲ ﻣﺴﺘﻘﻠﺔ ﺑﺪاﺧﻠﻪ‪ ،‬ﻣﺎ‬
‫هﻲ ﻓﻲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ إﻻ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻷﻧﻤﺎط اﻟﺴﻠﻮآﻴﺔ اﻟﺘﻲ اﺳﺘﻌﺎرهﺎ ﻣﻦ ﻃﺒﻘﺘﻪ‪ ..‬إﻧﻬﺎ اﻟﺤﺘﻤﻴﺔ اﻟﻄﺒﻘﻴﺔ‬
‫ﺗﻌﻤﻞ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻪ‪ ..‬و ﻣﺎ هﻮ إﻻ وﺳﻴﻂ ﺗﻈﻬﺮ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻪ اﻟﻘﻮى اﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ اﻟﻼﻣﻌﻘﻮﻟﺔ ﻓﻲ ﺗﺼﺎرﻋﻬﺎ‪.‬‬

‫و هﻲ ﻧﻈﺮة أوﻗﻌﺖ اﻟﻔﻜﺮ اﻟﻤﺎرآﺴﻲ و ﻋﻠﻢ اﻟﻨﻔﺲ اﻟﻄﺒﻘﻲ ﻓﻲ أﺷﺪ اﻟﺘﻨﺎﻗﺾ‪ ..‬ﻓﻜﻴﻒ ﻧﻔﺴﺮ ﺳﻠﻮك رﺟﻞ‬
‫ﻣﺜﻞ ) ﺗﻮﻟﺴﺘﻮي ( و هﻮ ﻣﻦ اﻟﻨﺒﻼء اﻹﻗﻄﺎﻋﻴﻴﻦ ﺑﺤﻜﻢ اﻟﻮراﺛﺔ و هﻮ ﻣﻊ ذﻟﻚ ﻟﻢ ﻳﺘﺼﺮف أﺑﺪا آﻨﺒﻴﻞ و ﻻ‬
‫آﺈﻗﻄﺎﻋﻲ‪ ،‬ﺑﻞ ﺗﺼﺮف آﻄﻠﻴﻌﺔ اﻟﻔﻘﺮاء و اﻟﻔﻼﺣﻴﻦ ﻣﺤﻄﻤﺎ ﺑﺬﻟﻚ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺘﻤﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﻤﺎهﺎ )) ﻋﻠﻢ اﻟﻨﻔﺲ‬
‫اﻟﻄﺒﻘﻲ ((‪ .‬و ﺑﺎﻟﻤﺜﻞ ) ﺑﺎآﻮﻧﻴﻦ( و ) آﺮوﺑﺘﻜﻴﻦ ( ﻃﻠﻴﻌﺔ اﻟﻔﻮﺿﻮﻳﺔ و آﺎﻧﺎ ﻣﻦ آﺒﺎر اﻷﻋﻴﺎن‪ .‬و )‬
‫ﻣﺎرآﺲ ( ذاﺗﻪ اﺑﻦ اﻟﻄﺒﻘﺔ اﻟﺒﻮرﺟﻮازﻳﺔ اﻟﺬي اﻧﻘﻠﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺒﻘﺔ اﻟﺒﻮرﺟﻮازﻳﺔ‪.‬‬

‫و ﻣﺎذا ﻧﻘﻮل ﻋﻦ اﻟﻔﻼح اﻟﺬي ﻳﻬﻤﻞ ﺗﻨﻘﻴﺔ اﻟﺪودة ﻓﻲ ﻣﺰرﻋﺔ ﺗﻌﺎوﻧﻴﺔ‪ ..‬و اﻟﻌﺎﻣﻞ اﻟﺬي ﻳﻬﻤﻞ ﺻﻴﺎﻧﺔ‬
‫اﻷوﺗﻮﺑﻴﺴﺎت ﻓﻲ ﻗﻄﺎع ﻋﺎم‪.‬‬

‫إن هﺬ اﻟﺤﺘﻤﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺼﻮرهﺎ ﻋﻠﻢ اﻟﻨﻔﺲ اﻟﻄﺒﻘﻲ هﻲ آﻼم ﻏﻴﺮ دﻗﻴﻖ و ﻏﻴﺮ ﻋﻠﻤﻲ‪.‬‬

‫و اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ أن اﻟﻨﻔﺲ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ اﻧﻔﺮدت دون ﺻﻨﻮف اﻟﻮﺟﻮد اﻟﻤﺎدي‪ ،‬ﺑﺄﻧﻬﺎ ﺗﻤﻠﻚ ﻗﺪرة داﺧﻠﻴﺔ ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟﺘﻤﻠﺺ ﻣﻦ اﻟﻼﺑﺪ و اﻟﻼزم‪ ..‬و اﻟﻀﺮوري‪ ..‬و اﻟﻤﺤﺘﻮم‪ ..‬و أن اﻹرادة اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻟﻬﺎ ﺣﺮﻳﺘﻬﺎ ﻓﻲ أن‬
‫ﺗﺨﻞ ﺑﺄي ﺗﻌﺎﻗﺪ‪ ..‬و ﻳﺴﺘﺤﻴﻞ اﻟﺘﻨﺒﺆ ﺑﻤﺎ ﻳﺠﺮي ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﻀﻤﻴﺮ‪ ..‬ﻷﻧﻬﺎ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺣﺮة ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ‪.‬‬

‫ﻻ ﺷﻲء ﻳﺤﻮل ﺑﻴﻦ اﻹﻧﺴﺎن و ﺑﻴﻦ أن ﻳﻀﻤﺮ ﺷﻴﺌﺎ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ‪ .‬إﻧﻪ اﻟﻤﺨﻠﻮق اﻟﻮﺣﻴﺪ اﻟﺬي ﻳﻤﻠﻚ ﻧﺎﺻﻴﺔ‬
‫أﺣﻼﻣﻪ‪.‬‬

‫و ﻟﻜﻦ هﺬﻩ اﻟﺤﺮﻳﺔ اﻟﺒﻜﺮ اﻟﻄﻠﻴﻘﺔ ﻓﻲ اﻟﺪاﺧﻞ ﻣﺎ ﺗﻠﺒﺚ أن ﺗﺼﻄﺪم ﺑﺎﻟﻌﺎﻟﻢ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﺤﺘﻚ ﺑﻪ ﻷول ﻣﺮة ﻓﻲ‬
‫ﻟﺤﻈﺔ اﻟﻔﻌﻞ‪.‬‬

‫إن رﻏﺒﺘﻨﺎ ﺗﻈﻞ ﺣﺮة ﻣﺎداﻣﺖ آﺎﻣﻨﺔ ﻓﻲ اﻟﻀﻤﻴﺮ و اﻟﻨﻴﺔ‪ ..‬ﻓﺈذا ﺑﺪأﻧﺎ اﻟﺘﻨﻔﻴﺬ اﺻﻄﺪﻣﻨﺎ ﺑﺎﻟﻘﻴﻮد‪ ..‬و أول ﻗﻴﺪ‬
‫ﻧﺼﻄﺪم ﺑﻪ هﻮ ﺟﺴﺪﻧﺎ ﻧﻔﺴﻪ اﻟﺬي ﻳﺤﻴﻂ ﺑﻨﺎ ﻣﺜﻞ ) اﻟﺠﺎآﺘﺔ اﻟﺠﺒﺲ( و ﻳﺤﺼﺮﻧﺎ ﺑﺎﻟﻀﺮورات و اﻟﺤﺎﺟﺎت‬
‫و ﻳﻄﺎﻟﺒﻨﺎ ﺑﺎﻟﻄﻌﺎم و اﻟﺸﺮاب ﻟﻴﻌﻴﺶ و ﻳﺴﺘﻤﺮ و ﻻ ﻧﺠﺪ ﻣﻬﺮﺑﺎ ﻣﻦ ﺗﻠﺒﻴﺔ هﺬﻩ اﻟﻤﻄﺎﻟﺐ‪ .‬ﻓﻨﺠﺮي ﺧﻠﻒ‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪70‬‬
‫اﻟﻠﻘﻤﺔ و ﻧﻠﻬﺚ ﺧﻠﻒ اﻟﻮﻇﻴﻔﺔ و ﻧﻀﻴﻊ ﻓﻲ ﺻﺮاع اﻟﺘﻜﺴﺐ و ﻧﻔﻘﺪ ﺑﻌﺾ ﺣﺮﻳﺘﻨﺎ‪ ..‬ﺑﻌﻀﻬﺎ و ﻟﻴﺲ آﻠﻬﺎ‪..‬‬
‫و هﻮ ﺛﻤﻦ ﺿﺮوري‪ ،‬ﻓﺮﻏﺒﺎﺗﻨﺎ ﻻ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﺗﻌﻠﻦ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺑﺪون ﺟﺴﺪ‪ ،‬و ﺟﺴﺪﻧﺎ هﻮ أداة ﺣﺮﻳﺘﻨﺎ آﻤﺎ‬
‫أﻧﻪ اﻟﻘﻴﺪ ﻋﻠﻴﻬﺎ‪ .‬و ﻟﻴﺲ ﺟﺴﺪﻧﺎ وﺣﺪﻩ ﺑﻞ أﺟﺴﺎد اﻵﺧﺮﻳﻦ أﻳﻀﺎ أدواﺗﻨﺎ‪ ،‬ﻓﻨﺤﻦ ﻧﻨﺘﻔﻊ ﺑﻤﺎ ﻳﺼﻨﻌﻪ اﻟﻌﺎﻣﻞ و‬
‫ﻣﺎ ﻳﺰرﻋﻪ اﻟﻔﻼح و ﻣﺎ ﻳﺨﺘﺮﻋﻪ اﻟﻤﺨﺘﺮع و ﻣﺎ ﻳﻜﺘﺒﻪ اﻟﻜﺎﺗﺐ و آﻞ هﺬﻩ ﺛﻤﺎر أﺟﺴﺎد اﻵﺧﺮﻳﻦ و‬
‫ﺣﺮﻳﺎﺗﻬﻢ‪.‬‬

‫إن اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ أداة هﺎﺋﻠﺔ ﻣﻮﺿﻮﻋﺔ ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺘﻨﺎ ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺑﺮﻳﺪ و ﻣﻮاﺻﻼت و ﻧﻮر و ﻣﻴﺎﻩ و ﺻﻨﺎﻋﺎت و‬
‫ﻋﻠﻮم و ﻣﻌﺎرف‪.‬‬

‫و ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﺮآﺐ أﺣﺪﻧﺎ ﻗﻄﺎرا ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺮآﺐ ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﻠﻰ ﺣﺮﻳﺔ ﻣﺠﻬﺰة أﻋﺪهﺎ ﻟﻪ ﺁﻻف اﻟﻌﻤﺎل و‬
‫اﻟﻤﻬﻨﺪﺳﻴﻦ و اﻟﻤﺨﺘﺮﻋﻴﻦ و هﻮ ﻳﺪﻓﻊ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﺑﻞ هﺬا اﻟﻜﺴﺐ ﺿﺮﻳﺒﺔ ﻣﻦ ﺣﺮﻳﺘﻪ‪.‬‬

‫و ﻟﻴﺲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ وﺣﺪﻩ هﻮ اﻟﺬي ﻳﺘﻘﻀﺎﻩ ﺿﺮاﺋﺐ و ﻟﻜﻦ اﻟﻜﻮن آﻠﻪ‪ ..‬ﺟﺎذﺑﻴﺔ اﻷرض و ﺿﻐﻂ اﻟﻬﻮاء و‬
‫ﻣﻴﺎﻩ اﻟﻤﺤﻴﻄﺎت و اﻟﺴﻤﺎء ﺑﻜﻮاآﺒﻬﺎ‪ ..‬آﻠﻬﺎ ﺗﺤﺎﺻﺮﻩ و ﺗﺤﺎﺻﺮ ﺣﺮﻳﺘﻪ و ﺗﻄﺎﻟﺒﻪ ﺑﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﻮﻓﺎق ﻣﻌﻬﺎ‪.‬‬

‫و هﻮ ﺑﺎﻟﻮﻓﺎق ﻳﺮﺑﺢ ﺣﺮﻳﺘﻪ داﺋﻤﺎ‪.‬‬

‫ﺑﺎﻟﻮﻓﺎق ﻣﻊ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻳﻤﺘﻄﻴﻪ آﻤﺎ ﻳﻤﺘﻄﻲ اﻟﺠﻮاد‪.‬‬

‫ﻓﻬﻮ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﻔﻄﻦ إﻟﻰ اﺗﺠﺎﻩ اﻟﺮﻳﺢ و ﻳﻀﻊ ﺷﺮاﻋﻪ ﻓﻲ ﻣﻮاﺟﻬﺘﻬﺎ ﻳﻤﺘﻄﻲ اﻟﺮﻳﺢ و ﻳﺴﺨﺮهﺎ ﻟﺨﺪﻣﺘﻪ‪ ..‬و‬
‫ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﻔﻄﻦ إﻟﻰ أن اﻟﺨﺸﺐ ﻳﻤﺘﻄﻲ اﻟﻤﺎء‪ ..‬و ﺑﺎﻟﻤﺜﻞ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﻔﻄﻦ إﻟﻰ ﻧﻔﻊ اﻟﻨﺎس‪ ،‬و ﻳﺴﻴﺮ ﻓﻲ اﺗﺠﺎهﻬﻢ‬
‫ﻳﻜﺴﺐ اﻟﻨﺎس و ﻳﻜﺴﺐ ﻣﻌﻮﻧﺘﻬﻢ‪.‬‬

‫إن اﻹﻧﺴﺎن ﻳﻌﻴﺶ ﻣﻀﻄﺮﺑﺎ ﺑﻴﻦ ﻋﺎﻟﻤﻴﻦ‪ :‬ﻋﺎﻟﻢ إرادﺗﻪ اﻟﺤﺮة ﺑﺪاﺧﻠﻪ‪ ..‬و ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻤﺎدة ﺣﻮﻟﻪ اﻟﺮاﺳﻒ‬
‫اﻟﻤﻐﻠﻮل ﻓﻲ اﻟﻘﻮاﻧﻴﻦ‪.‬‬

‫و ﺳﺒﻴﻠﻪ اﻟﻮﺣﻴﺪ إﻟﻰ ﻓﻌﻞ ﺣﺮ هﻮ ﻣﻌﺮﻓﺔ هﺬﻩ اﻟﻘﻮاﻧﻴﻦ و اﻟﻔﻄﻨﺔ إﻟﻰ اﺳﺘﻐﻼﻟﻬﺎ ﺑﺎﻟﻮﻓﺎق ﻣﻌﻬﺎ‪ ..‬و هﻮ داﺋﻤﺎ‬
‫أﻣﺮ ﻣﻤﻜﻦ‪.‬‬

‫و ﻟﻬﺬا ﻓﺎﻟﺤﺮﻳﺔ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻻ ﺗﻨﻔﻴﻬﺎ اﻟﻤﻘﺎوﻣﺎت و اﻟﻈﺮوف اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ‪ ،‬ﺑﻞ إن هﺬﻩ اﻟﻤﻘﺎوﻣﺎت ﺗﺆآﺪ اﻟﺤﺮﻳﺔ‬
‫ﻓﻼ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻜﺸﻒ ﺣﺮﻳﺘﻨﺎ ﻋﻦ ﻣﺪﻟﻮﻟﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺨﺎرج إﻻ ﺑﻮﺟﻮد ﻋﻘﺒﺎت ﺗﺰﺣﺰﺣﻬﺎ و ﺗﺘﻐﻠﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ‪ ..‬إﻧﻬﺎ‬
‫ﺗﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﻣﺪﻟﻮﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺧﻼل ﺻﺮاع و ﺑﺪون هﺬا اﻟﺼﺮاع ﻻ ﻳﻘﻮم ﻟﻬﺎ ﻣﻌﻨﻰ‪.‬‬

‫و اﻟﻀﻮاﺑﻂ اﻟﺨﻠﻘﻴﺔ و اﻟﻘﻮاﻧﻴﻦ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻻ ﺗﻨﻔﻲ اﻟﺤﺮﻳﺔ و إﻧﻤﺎ هﻲ أﺷﺒﻪ ﺑﻌﻼﻣﺎت اﻟﻤﺮور‪ ..‬وﺿﻌﺖ‬
‫ﻟﺘﻨﻨﻈﻢ اﻟﻤﺮور و ﺗﻔﺴﺢ أآﺒﺮ ﺣﺮﻳﺔ ﻟﻠﻜﻞ‪.‬‬

‫و أﻧﺖ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﻘﻴﻢ اﻟﻀﻮاﺑﻂ ﻋﻠﻰ ﺷﻬﻮﺗﻚ ﺗﻜﺴﺐ ﺣﺮﻳﺘﻚ ﻷﻧﻚ ﺗﺼﺒﺢ ﺳﻴﺪ ﻧﻔﺴﻚ ﻻ ﻋﺒﺪا ﻟﻐﺮﻳﺰﺗﻚ‪.‬‬

‫أﻣﺎ ﺣﺮﻳﺔ اﻟﻘﻤﺎر و اﻟﺴﻜﺮ و اﻟﻌﺮﺑﺪة و اﻟﻤﺨﺪرات و اﻟﺘﺒﺬل اﻟﺠﻨﺴﻲ ﻓﻬﻲ ﻟﻴﺴﺖ ﺣﺮﻳﺎت و إﻧﻤﺎ درﺟﺎت‬
‫ﻣﻦ اﻻﻧﺘﺤﺎر و إهﺪار اﻟﺤﻴﺎة و ﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ إهﺪار اﻟﺤﺮﻳﺔ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪71‬‬
 ‫و آﻞ اﺧﺘﻴﺎر ﺿﺪ اﻟﺤﻴﺎة ﻻ ﻳﻜﻮن اﺧﺘﻴﺎرا‪.‬‬

‫و آﻞ اﺧﺘﻴﺎر ﺿﺪ اﻟﻘﺎﻧﻮن اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﻟﻴﺲ اﺧﺘﻴﺎرا و إﻧﻤﺎ إهﺪار ﻟﻼﺧﺘﻴﺎر‪ ،‬و آﻠﻨﺎ ﻧﻌﻠﻢ أﻧﻨﺎ إذا أردﻧﺎ أن‬
‫ﻧﺰداد ﺣﺮﻳﺔ و ﻧﺤﻦ ﻧﺴﺒﺢ اﺧﺘﺮﻧﺎ اﻟﺴﺒﺎﺣﺔ ﻣﻊ اﻟﺘﻴﺎر و ﻟﻴﺲ ﺿﺪﻩ‪.‬‬

‫ﻧﺨﻠﺺ ﻣﻦ هﺬا إﻟﻰ أن ﺣﺮﻳﺔ اﻹﻧﺴﺎن ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺑﺮﻏﻢ ﻣﺎ ﻳﻘﻮم ﺣﻮﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺣﺪود و ﻣﻘﺎوﻣﺎت‪ ..‬و أن اﻹﻧﺴﺎن‬
‫ﺣﺮ ﺣﺮﻳﺔ ﻣﻄﻠﻘﺔ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺿﻤﻴﺮﻩ‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﻀﻤﺮ ﻣﺎ ﻳﺸﺎء‪ ..‬و ﺣﺮ ﺣﺮﻳﺔ ﻧﺴﺒﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﻨﻔﻴﺬ‪،‬‬
‫ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﻔﻌﻞ و اﻟﻌﻤﻞ‪ ..‬ﺑﺤﺴﺐ ﻣﺎ ﻳﻘﻮم ﺣﻮﻟﻪ ﻣﻦ ﺣﺪود و ﻣﻘﺎوﻣﺎت‪.‬‬

‫و ﻳﺒﻘﻰ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ اﻟﻠﻐﺰ اﻷزﻟﻲ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺔ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﺎﷲ‪ ..‬و ﻋﻼﻗﺔ ﺣﺮﻳﺔ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﺎﻹرادة اﻹﻟﻬﻴﺔ اﻟﻤﻄﻠﻘﺔ‪.‬‬

‫و ﻷن اﻟﻘﺮﺁن آﺘﺎب دﻳﻦ و ﻟﻴﺲ آﺘﺎب ﻓﻠﺴﻔﺔ ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻜﺘﻔﻲ ﺑﺎﻟﻮﻣﺾ و اﻟﺮﻣﺰ و اﻹﺷﺎرة و اﻟﻠﻤﺤﺔ‪.‬‬

‫ﻓﻴﻘﺮر أوﻻ أن ﺣﺮﻳﺔ اﻹﻧﺴﺎن آﺎﻧﺖ ﺑﻤﺸﻴﺌﺔ اﷲ و رﻏﺒﺘﻪ و ﻣﺮادﻩ‪ ..‬و أن ﻣﺎ ﻳﺠﺮي ﻣﻦ ﺣﺮﻳﺔ اﻹﻧﺴﺎن ﻻ‬
‫ﻳﺠﺮي إآﺮاهﺎ ﻟﻠﺨﺎﻟﻖ و ﻻ إآﺮاهﺎ ﻟﻠﻤﺨﻠﻮق‪ ،‬و إﻧﻤﺎ ﺑﻬﺬا ﻗﻀﺖ اﻟﻤﺸﻴﺌﺔ‪.‬‬

‫و ﻳﻘﻮل اﻟﻘﺮﺁن ﻓﻲ وﺿﻮح‪:‬‬

‫)) و ﻟﻮ ﺷﺎء رﺑﻚ ﻵﻣﻦ ﻣﻦ ﻓﻲ اﻷرض آﻠﻬﻢ ﺟﻤﻴﻌﺎ أﻓﺄﻧﺖ ﺗﻜﺮﻩ اﻟﻨﺎس ﺣﺘﻰ ﻳﻜﻮﻧﻮا ﻣﺆﻣﻨﻴﻦ (( ) ‪– 99‬‬
‫ﻳﻮﻧﺲ (‬

‫ﻟﻘﺪ رﻓﺾ اﷲ أن ﻳﻜﺮﻩ اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻰ اﻹﻳﻤﺎن و آﺎن هﺬا ﻓﻲ إﻣﻜﺎﻧﻪ‪ ،‬و ﻟﻜﻨﻪ أراد ﻟﻺﻧﺴﺎن أن ﻳﻜﻮن ﺣﺮا‬
‫ﻣﺨﺘﺎرا‪ ،‬ﻳﺨﺘﺎر اﻹﻳﻤﺎن أو اﻟﻜﻔﺮ آﻤﺎ ﻳﺸﺎء‪:‬‬

‫)) و ﻗﻞ اﻟﺤﻖ ﻣﻦ رﺑﻜﻢ ﻓﻤﻦ ﺷﺎء ﻓﻠﻴﺆﻣﻦ و ﻣﻦ ﺷﺎء ﻓﻠﻴﻜﻔﺮ‪ – 29) (( ..‬اﻟﻜﻬﻒ (‬

‫)) ﻻ إآﺮاﻩ ﻓﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﻗﺪ ﺗﺒﻴﻦ اﻟﺮﺷﺪ ﻣﻦ اﻟﻐﻲ‪ – 256 ) (( ..‬اﻟﺒﻘﺮة (‬

‫)) و ﻟﻮ ﺷﺌﻨﺎ ﻵﺗﻴﻨﺎ آﻞ ﻧﻔﺲ هﺪاهﺎ‪ – 13) (( ..‬اﻟﺴﺠﺪة(‬

‫)) و أﻣﺎ ﺛﻤﻮد ﻓﻬﺪﻳﻨﺎهﻢ ﻓﺎﺳﺘﺤﺒﻮا اﻟﻌﻤﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﻬﺪى‪ – 17 ) (( ..‬ﻓﺼﻠﺖ (‬

‫إن اﷲ ﻳﺘﺮآﻨﺎ و ﻟﻮ اﺧﺘﺮﻧﺎ اﻟﻌﻤﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﻬﺪى‪ ..‬و ﻗﺪ ﺳﺒﻘﺖ ﺑﻬﺬا ﻣﺸﻴﺌﺘﻪ‪ .‬ﺑﻞ ﻓﻌﻞ ﺑﻨﺎ أآﺜﺮ ﻣﻦ هﺬا‪،‬‬
‫ﻓﺨﻴﺮﻧﺎ ﺣﺘﻰ ﻓﻲ أن ﻧﺨﺘﺎر‪ ..‬ﻋﺮض ﻋﻠﻴﻨﺎ هﺬﻩ اﻷﻣﺎﻧﺔ ) و هﻲ اﻟﺤﺮﻳﺔ و اﻟﻤﺴﺌﻮﻟﻴﺔ ( ﻋﺮﺿﻬﺎ ﻟﻨﻘﺒﻠﻬﺎ أو‬
‫ﻧﺮﻓﻀﻬﺎ آﻤﺎ ﻧﺸﺎء و هﻲ اﻷﻣﺎﻧﺔ اﻟﺘﻲ رﻓﻀﺘﻬﺎ اﻟﺠﺒﺎل ﻓﺤﻤﻞ اﻹﻧﺴﺎن اﻷﻣﺎﻧﺔ اﻟﺘﻲ رﻓﻀﺘﻬﺎ اﻟﺠﺒﺎل‪ .‬و‬
‫آﺎن ﺑﻨﻔﺴﻪ ﺟﻬﻮﻻ ﻇﻠﻮﻣﺎ‪:‬‬
‫)) إﻧﺎ ﻋﺮﺿﻨﺎ اﻷﻣﺎﻧﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻤﺎوات و اﻷرض و اﻟﺠﺒﺎل ﻓﺄﺑﻴﻦ أن ﻳﺤﻤﻠﻨﻬﺎ و أﺷﻔﻘﻦ ﻣﻨﻬﺎ و ﺣﻤﻠﻬﺎ‬
‫اﻹﻧﺴﺎن إﻧﻪ آﺎن ﻇﻠﻮﻣﺎ ﺟﻬﻮﻻ (( ) ‪ – 72‬اﻷﺣﺰاب (‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪72‬‬
‫ﻟﻘﺪ ﺟﻬﻞ اﻹﻧﺴﺎن ﺗﺒﻌﺔ هﺬﻩ اﻷﻣﺎﻧﺔ و أهﻮاﻟﻬﺎ و ﻣﻬﺎﻟﻚ اﻟﻐﺮور اﻟﺘﻲ ﺳﻮف ﻳﺘﻌﺮض ﻟﻬﺎ ﺑﺤﻤﻠﻬﺎ‪ ..‬و آﻴﻒ‬
‫أﻧﻪ ﺳﻴﻈﻠﻢ ﺑﻬﺎ ﻧﻔﺴﻪ و ﻏﻴﺮﻩ‪ ..‬و ﻟﻜﻦ اﷲ آﺎن ﻳﻌﻠﻢ ﺑﻬﺬﻩ اﻟﻤﺤﻨﺔ اﻟﻬﺎﺋﻠﺔ‪ ..‬و آﺎن ﻳﻌﻠﻢ أن هﺬﻩ اﻟﻤﺤﻨﺔ‬
‫ﺳﻮف ﺗﺰآﻲ اﻹﻧﺴﺎن و ﺗﻄﻬﺮﻩ و ﺗﺮﺑﻴﻪ‪:‬‬

‫)) و إذ ﻗﺎل رﺑﻚ ﻟﻠﻤﻼﺋﻜﺔ إﻧﻲ ﺟﺎﻋﻞ ﻓﻲ اﻷرض ﺧﻠﻴﻔﺔ ﻗﺎﻟﻮا أﺗﺠﻌﻞ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻳﻔﺴﺪ ﻓﻴﻬﺎ و ﻳﺴﻔﻚ اﻟﺪﻣﺎء‬
‫و ﻧﺤﻦ ﻧﺴﺒﺢ ﺑﺤﻤﺪك و ﻧﻘﺪس ﻟﻚ ﻗﺎل إﻧﻲ أﻋﻠﻢ ﻣﺎ ﻻ ﺗﻌﻠﻤﻮن (( ) ‪ – 30‬اﻟﺒﻘﺮة (‬

‫و ﻻ ﻧﻌﺮف آﻴﻒ ﺗﻢ هﺬا اﻟﻌﺮض ﻋﻠﻰ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﺄن ﻳﻜﻮن ﺣﺮا أو ﻻ ﻳﻜﻮن‪ ،‬و ﻻ ﻣﺘﻰ ﺗﻢ هﺬا اﻟﻌﺮض‪..‬‬
‫هﻞ ﺣﺪث ﻓﻲ ﻣﺒﺪأ اﻟﺨﻠﻖ ﻣﻊ ﺁدم‪ ..‬أم ﻣﻊ اﻷرواح ﻗﺒﻞ ﻧﺰوﻟﻬﺎ إﻟﻰ اﻷرﺣﺎم‪ ..‬ﻓﻬﺬا ﻏﻴﺐ ﻣﻄﻠﻖ‪.‬‬

‫و اﻟﻘﺮﺁن ﻳﻜﺘﻔﻲ ﺑﺄن ﻳﻌﻄﻲ وﻣﻀﺔ‪ ،‬و ﻟﻤﺤﺔ‪..‬‬

‫و ﺑﻬﺬﻩ اﻟﺤﺮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﺒﻠﻬﺎ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﺨﺘﺎرا ﺣﻘﺖ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻤﺴﺌﻮﻟﻴﺔ و اﻟﻤﺤﺎﺳﺒﺔ‪ ،‬و أﺷﺎر اﻟﻘﺮﺁن ﻟﻬﺬا ﻓﻲ‬
‫ﺁﻳﺎت ﺣﺎﺳﻤﺔ ﻗﺎﻃﻌﺔ‪:‬‬

‫)) آﻞ ﻧﻔﺲ ﺑﻤﺎ آﺴﺒﺖ رهﻴﻨﺔ (( ) ‪ – 38‬اﻟﻤﺪﺛﺮ (‬

‫)) آﻞ اﻣﺮئ ﺑﻤﺎ آﺴﺐ رهﻴﻦ (( ) ‪ – 21‬اﻟﻄﻮر (‬

‫)) و آﻞ إﻧﺴﺎن أﻟﺰﻣﻨﺎﻩ ﻃﺎﺋﺮﻩ ﻓﻲ ﻋﻨﻘﻪ‪ – 13 ) (( ..‬اﻹﺳﺮاء (‬

‫)) ﻗﻞ ﻻ ﺗﺴﺄﻟﻮن ﻋﻤﺎ أﺟﺮﻣﻨﺎ و ﻻ ﻧﺴﺄل ﻋﻤﺎ ﺗﻌﻤﻠﻮن (( ) ‪ – 25‬ﺳﺒﺄ (‬

‫)) و ﻻ ﺗﺰر وازرة وزر أﺧﺮى‪ – 15 ) (( ..‬اﻹﺳﺮاء (‬

‫و ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أﺣﺪ أن ﻳﻔﺘﺪي ﺁﺧﺮ أو ﻳﺤﻤﻞ ﻋﻨﻪ ذﻧﺒﻪ و إﻧﻤﺎ ﻟﻜﻞ ﻋﻤﻠﻪ و ﻋﻠﻰ آﻞ وزرﻩ‪.‬‬

‫و ﺑﻤﻘﺘﻀﻰ هﺬﻩ اﻟﺤﺮﻳﺔ ﺟﻌﻞ اﷲ ﻣﻦ )) ﺿﻤﻴﺮ اﻹﻧﺴﺎن و ﻧﻴﺘﻪ و ﺳﺮﻳﺮﺗﻪ (( ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻣﺤﺮﻣﺔ و ﻗﺪس‬
‫أﻗﺪاس‪ ..‬ﻻ ﻳﺪﺧﻠﻬﺎ ﻗﻬﺮ أو ﺟﺒﺮ‪ ..‬و ﻗﻄﻊ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﻬﺪا ﺑﺄن ﺗﻜﻮن هﺬﻩ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﺣﺮاﻣﺎ ﻻ ﻳﺪﺧﻠﻬﺎ ﺟﻨﺪﻩ‪.‬‬

‫ﻓﺎﻟﻤﺒﺎدرة ﺑﺎﻟﻨﻴﺔ ﺣﺮة ﺗﻤﺎﻣﺎ‪.‬‬

‫و آﻞ ﻣﻨﺎ ﻟﻪ أن ﻳﻀﻤﺮ و ﻳﻨﻮي و ﻳﺴﺮ ﻓﻲ ﺳﺮﻳﺮﺗﻪ ﻣﺎ ﻳﺸﺎء‪ ،‬و إﻧﻤﺎ ﻳﺒﺪأ اﻟﺘﺪﺧﻞ اﻹﻟﻬﻲ ﻟﺤﻈﺔ ﺧﺮوج‬
‫اﻟﻨﻴﺔ إﻟﻰ ﺣﻴﺰ اﻟﻔﻌﻞ‪ .‬ﻓﻴﻌﻄﻲ اﷲ ﻟﻜﻞ إﻧﺴﺎن ﺗﻴﺴﻴﺮات ﻣﻦ ﺟﻨﺲ ﻧﻴﺘﻪ و ﻣﻦ ﺟﻨﺲ ﺿﻤﻴﺮﻩ و ﻗﻠﺒﻪ‪ ..‬و هﻮ‬
‫ﻋﻴﻦ اﻟﻌﺪل‪ ..‬ﻟﻴﻜﻮن اﻟﻔﻌﻞ ﺑﻌﺪ هﺬا ﻣﻌﺒﺮا ﻋﻦ دﺧﻴﻠﺔ ﻓﺎﻋﻠﻪ‪:‬‬

‫))ﻓﺄﻣﺎ ﻣﻦ أﻋﻄﻰ و أﺗﻘﻰ )‪ (5‬و ﺻﺪق ﺑﺎﻟﺤﺴﻨﻰ )‪ (6‬ﻓﺴﻨﻴﺴﺮﻩ ﻟﻠﻴﺴﺮى )‪ (7‬و أﻣﺎ ﻣﻦ ﺑﺨﻞ و اﺳﺘﻐﻨﻰ )‬
‫‪ (8‬وآﺬب ﺑﺎﻟﺤﺴﻨﻰ )‪ (9‬ﻓﺴﻨﻴﺴﺮﻩ ﻟﻠﻌﺴﺮى )‪) (( (10‬اﻟﻠﻴﻞ(‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪73‬‬
 ‫هﺎ هﻨﺎ وﻋﺪ ﺁﺧﺮ ﻣﻦ اﷲ ﺑﺄن ﻳﺠﻌﻞ ﺗﻴﺴﻴﺮات اﻷﻓﻌﺎل ﻣﻄﺎﺑﻘﺔ ﻟﺪﺧﺎﺋﻞ اﻟﻘﻠﻮب ﻓﻴﺠﺪ اﻟﺸﺮﻳﺮ ﺗﻴﺴﻴﺮات‬
‫اﻟﺸﺮ‪ ،‬و ﻳﺠﺪ اﻟﺨﻴﺮ ﺗﻴﺴﻴﺮات اﻟﺨﻴﺮ‪ ..‬و ﻣﻦ ﻳﻌﻠﻢ اﷲ ﻓﻴﻪ اﻟﻬﺪى ﻳﻬﺪﻳﻪ‪ ،‬و ﻣﻦ ﻳﻌﻠﻢ ﻓﻴﻪ اﻟﻀﻼل ﻳﺘﺮآﻪ‬
‫ﻟﻠﺸﻴﺎﻃﻴﻦ ﺗﻀﻠﻪ‪:‬‬

‫)) ﻓﻌﻠﻢ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ﻓﺄﻧﺰل اﻟﺴﻜﻴﻨﺔ ﻋﻠﻴﻬﻢ و أﺛﺎﺑﻬﻢ ﻓﺘﺤﺎ ﻗﺮﻳﺒﺎ (( ) ‪ – 18‬اﻟﻔﺘﺢ (‬

‫و ﻓﻲ ﺁﻳﺎت أﺧﺮى ﻧﺮاﻩ ﻳﻘﻮل‪:‬‬

‫)) و ﻟﻮ ﻋﻠﻢ اﷲ ﻓﻴﻬﻢ ﺧﻴﺮا ﻷﺳﻤﻌﻬﻢ‪ – 23 ) (( ..‬اﻷﻧﻔﺎل (‬

‫)) ﻓﻠﻤﺎ زاﻏﻮا أزاغ اﷲ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ‪ – 5 ) (( ..‬اﻟﺼﻒ (‬

‫و ﻷن اﷲ ﻋﻠﻢ ﺑﻜﻞ ﺷﻲء ﻣﺴﺒﻘﺎ‪ ..‬و أﺣﺎط ﺑﻜﻞ ﺷﻲء ﻋﻠﻤﺎ‪ ..‬ﻧﺮاﻩ ﻳﺘﻜﻠﻢ ﻓﻲ اﻟﻘﺮﺁن ﻋﻤﻦ‪:‬‬

‫)) ﺣﻖ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﻘﻮل‪ – 25 ) (( ..‬ﻓﺼﻠﺖ (‬

‫)) إن اﻟﺬﻳﻦ ﺳﺒﻘﺖ ﻟﻬﻢ ﻣﻨﺎ اﻟﺤﺴﻨﻰ‪ – 101 ) (( ..‬اﻷﻧﺒﻴﺎء (‬

‫)) و ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﺣﻘﺖ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻀﻼﻟﺔ‪ – 36 ) (( ..‬اﻟﻨﺤﻞ (‬

‫)) ﺣﻖ اﻟﻘﻮل ﻣﻨﻲ ﻷﻣﻸن ﺟﻬﻨﻢ ﻣﻦ اﻟﺠﻨﺔ و اﻟﻨﺎس أﺟﻤﻌﻴﻦ (( ) ‪ – 13‬اﻟﺴﺠﺪة (‬

‫ﻓﻘﺪ ﻋﻠﻢ ﻣﺴﺒﻘﺎ و ﺳﻠﻔﺎ أن اﻹﻧﺴﺎن ﺳﻴﻔﺴﺪ ﻓﻲ اﻷرض و ﺳﻴﺴﻔﻚ اﻟﺪم و ﻳﻈﻠﻢ ﻧﻔﺴﻪ و ﻳﻈﻠﻢ اﻵﺧﺮﻳﻦ‪ ..‬و‬
‫ﻳﺴﺘﺤﻖ ﺑﺬﻟﻚ درﺟﺎت ﻣﺘﻔﺎوﺗﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﻘﻮﺑﺔ‪.‬‬

‫آﻞ هﺬا آﺎن ﻓﻲ ﺳﺎﺑﻖ ﻋﻠﻤﻪ‪.‬‬

‫و ﻟﻴﺲ هﺬا ﺑﺎﻟﺠﺒﺮ و ﻻ ﺑﺎﻟﺤﺘﻢ‪ ..‬و ﻟﻜﻦ‪ ..‬آﻤﺎ ﻳﺤﺪث أن ﺗﺘﻮﺳﻢ ﻓﻲ أﺣﺪ أﺑﻨﺎﺋﻚ ﺣﺐ اﻟﻌﻠﻢ و اﻟﺘﺤﺼﻴﻞ‬
‫ﻓﺘﻤﺪﻩ ﺑﺎﻟﺘﺴﻬﻴﻼت و اﻟﺘﻴﺴﻴﺮات و ﺗﺒﻌﺜﻪ إﻟﻰ اﻟﺨﺎرج ﻓﻲ ﺑﻌﺜﺔ‪ ..‬و ﺗﺮى ﻓﻲ اﻵﺧﺮ اﻟﻌﻜﻮف ﻋﻠﻰ اﻟﻔﺴﺎد و‬
‫ﺻﺤﺒﺔ اﻟﺴﻮء ﻓﺘﻜﺘﻔﻲ ﺑﻤﺎ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺣﻆ ﻣﺤﺪود ﻣﻦ اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﻓﻲ ﺑﻠﺪﻩ‪ ..‬و ﻟﻮ ﻓﻌﻠﺖ ﻋﻜﺲ ذﻟﻚ ﻟﻜﻨﺖ ﻇﺎﻟﻤﺎ‪ ،‬و‬
‫ﻷآﺮهﺖ أﺑﻨﺎءك ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮ ﻃﺒﺎﺋﻌﻬﻢ‪.‬‬

‫آﻤﺎ أن هﺬا اﻟﺘﻮﺳﻢ اﻟﻤﺴﺒﻖ ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻪ ﻋﻨﺼﺮ إآﺮاﻩ و ﻻ ﺟﺒﺮ‪ ..‬و إﻧﻤﺎ هﻮ ﻣﺠﺮد ﺳﺒﻖ ﻋﻠﻢ‪ ..‬ﻓﺄﻧﺖ ﺗﻌﻠﻢ‬
‫ﻣﺴﺒﻘﺎ ﻣﻦ أﺧﻼق وﻟﺪك ﺑﺄﻧﻪ ﺳﻮف ﻳﻨﺼﺮف إﻟﻰ اﻟﻠﻌﺐ و ﻳﻬﻤﻞ آﺘﺒﻪ‪ ..‬ﻓﺈذا اﻧﺼﺮف إﻟﻰ اﻟﻠﻌﺐ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ‬
‫و أهﻤﻞ آﺘﺒﻪ ﻓﺈن ذﻟﻚ ﻻ ﻳﻜﻮن إآﺮاهﺎ ﻣﻨﻚ و ﻻ ﺟﺒﺮا و ﻻ ﻋﻨﻮة و إﻧﻤﺎ ﻷن هﺬﻩ ﻃﺒﻴﻌﺘﻪ اﻟﺘﻲ ﺳﺒﻖ‬
‫ﻋﻠﻤﻚ إﻟﻴﻬﺎ‪ ..‬و إﻧﻤﺎ ﺗﺄﺗﻲ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﻓﺘﻜﺸﻒ ﻟﻪ ﻧﻔﺴﻪ‪ ..‬و ﺑﺬﻟﻚ ﻳﺤﻖ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻌﻘﺎب ﺻﺪﻗﺎ و ﻋﺪﻻ‪ ..‬ﻓﻘﺪ ﻋﻠﻢ‬
‫ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﻌﻠﻤﻪ‪:‬‬

‫)) ﻋﻠﻤﺖ ﻧﻔﺲ ﻣﺎ ﻗﺪﻣﺖ و أﺧﺮت (( ) ‪ – 5‬اﻻﻧﻔﻄﺎر (‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪74‬‬
 ‫و ﻟﻬﺬا ﺟﺎءت اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻟﺘﻜﻮن ﺣﻘﻞ ﺗﺠﺮﺑﺔ و اﺧﺘﺒﺎرا ﻟﻤﻌﺎدن اﻟﻨﻔﻮس‪:‬‬

‫)) ﺧﻠﻖ اﻟﻤﻮت و اﻟﺤﻴﺎة ﻟﻴﺒﻠﻮآﻢ أﻳﻜﻢ أﺣﺴﻦ ﻋﻤﻼ‪ – 2 ) (( ..‬اﻟﻤﻠﻚ (‬

‫و ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﻜﻮن ﻷﺣﺪ أﻋﺬار ﻓﻲ أﻓﻌﺎﻟﻪ ﻓﻴﻘﻮل ﻟﺤﻈﺔ اﻟﺤﺴﺎب ﻓﻌﻠﺖ آﺬا و آﺬا ﺗﺤﺖ ﺗﺄﺛﻴﺮ اﻟﻌﺮف و‬
‫اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ و اﻟﺒﻴﺌﺔ و اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ و اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ‪ ..‬إﻟﺦ‪ ..‬إﻟﺦ‪ ..‬ﺣﺴﻢ اﷲ اﻟﻤﻮﺿﻮع ﻓﻘﺎل ﻓﻲ اﻟﻘﺮﺁن‪:‬‬

‫)) ﻻ ﻳﺆاﺧﺬآﻢ اﷲ ﺑﺎﻟﻠﻐﻮ ﻓﻲ أﻳﻤﺎﻧﻜﻢ و ﻟﻜﻦ ﻳﺆاﺧﺬآﻢ ﺑﻤﺎ آﺴﺒﺖ ﻗﻠﻮﺑﻜﻢ‪ – 225) (( ..‬اﻟﺒﻘﺮة (‬

‫و ﻓﻲ ﺁﻳﺔ ﺛﺎﻧﻴﺔ‪:‬‬

‫)) و ﻟﻴﺲ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﺟﻨﺎح ﻓﻴﻤﺎ أﺧﻄﺄﺗﻢ ﺑﻪ و ﻟﻜﻦ ﻣﺎ ﺗﻌﻤﺪت ﻗﻠﻮﺑﻜﻢ‪ – 5 ) (( ..‬اﻷﺣﺰاب (‬

‫و ﻓﻲ ﺁﻳﺔ ﺛﺎﻟﺜﺔ ﻳﺤﺪﺛﻨﺎ ﻋﻦ اﻟﺬﻳﻦ ارﺗﺪوا إﻟﻰ اﻟﻜﻔﺮ ﺑﻌﺪ إﻳﻤﺎﻧﻬﻢ و ﻳﻬﺪدهﻢ ﺑﺄﺷﺪ اﻟﻌﺬاب ﺛﻢ ﻳﺴﺘﺜﻨﻲ ﻗﺎﺋﻼ‪:‬‬

‫)) إﻻ ﻣﻦ أآﺮﻩ و ﻗﻠﺒﻪ ﻣﻄﻤﺌﻦ ﺑﺎﻹﻳﻤﺎن‪ – 106 ) (( ..‬اﻟﻨﺤﻞ (‬

‫أي ﻣﻦ آﻔﺮ ﺑﻠﺴﺎﻧﻪ ﺗﺤﺖ ﺗﺄﺛﻴﺮ اﻟﺘﻌﺬﻳﺐ و ﻇﻞ ﻗﻠﺒﻪ ﻣﺆﻣﻨﺎ‪.‬‬

‫إن ﻣﺎ ﻳﺪور ﻓﻲ اﻟﻘﻠﺐ هﻮ ﻣﻮﺿﻮع اﻟﻤﺤﺎﺳﺒﺔ ﺑﺎﻟﺪرﺟﺔ اﻷوﻟﻰ و ﻟﻴﺲ ﻣﺎ ﻳﺠﺮي ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺮح اﻟﻔﻌﻞ‪.‬‬

‫)) ﻳﻮم ﺗُﺒﻠﻰ اﻟﺴﺮاﺋﺮ (( ) ‪ – 9‬اﻟﻄﺎرق (‬

‫إن اﻟﺴﺮﻳﺮة هﻲ ﻣﺤﻞ اﻻﺑﺘﻼء و ﻣﺤﻞ اﻟﻤﺤﺎﺳﺒﺔ‪.‬‬

‫و اﻟﺴﺮﻳﺮة هﻲ اﻟﺴﺮ اﻟﻤﺘﺠﺎوز ﻟﻠﻈﺮوف و اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ و اﻟﺒﻴﺌﺔ و اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ آﻤﺎ أﺳﻠﻔﻨﺎ ﻓﻲ ﺷﺮﺣﻨﺎ اﻟﻤﺴﻬﺐ‪..‬‬
‫ﻓﻬﻲ اﻟﻤﺒﺎدرة اﻟﻤﻄﻠﻘﺔ‪ ..‬و اﻻﺑﺘﺪاء اﻟﻤﻄﻠﻖ اﻟﺬي أﻋﺘﻘﻪ اﷲ ﻣﻦ آﻞ اﻟﻘﻴﻮد‪.‬‬

‫إﻧﻬﺎ روﺣﻚ ذاﺗﻬﺎ و هﻲ اﻟﻜﺎﺷﻔﺔ ﻋﻦ ﺣﻘﻴﻘﺘﻚ ﺑﻤﺜﻞ ﻣﺎ ﺗﻜﺸﻒ ﺑﺼﻤﺔ إﺻﺒﻌﻚ ﻋﻦ ﻓﺮدﻳﺘﻚ‪.‬‬

‫و روﺣﻚ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺣﺮﻳﺔ اﷲ ﻷﻧﻬﺎ ﻧﻔﺨﺔ ﻣﻨﻪ‪:‬‬

‫)) ﻓﺈذا ﺳﻮﻳﺘﻪ و ﻧﻔﺨﺖ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ روﺣﻲ ﻓﻘﻌﻮا ﻟﻪ ﺳﺎﺟﺪﻳﻦ (( ) ‪ – 29‬اﻟﺤﺠﺮ (‬

‫و ﻷن ﻓﻴﻚ ذﻟﻚ اﻟﻘﺒﺲ ﻣﻦ اﷲ و ﻷﻧﻪ آﺮﻣﻚ ﺑﺤﺮﻳﺔ اﻹرادة‪ ،‬ﻓﺄﻧﺖ ﻣﺤﺎﺳﺐ ﻋﻠﻰ هﺬﻩ اﻟﺤﺮﻳﺔ‪ ،‬و هﺬا‬
‫ﻣﻨﺘﻬﻰ اﻟﻌﻄﺎء اﻹﻟﻬﻲ و ﻣﻨﺘﻬﻰ اﻟﻌﺪل أﻳﻀﺎ‪.‬‬

‫و ﻣﻦ هﻨﺎ ﻳﺄﺗﻲ اﻟﻤﺰج ﺑﻴﻦ اﻟﺮوح و ﺑﻴﻦ اﷲ ﻓﻲ ﺁﻳﺎت ﻋﻤﻴﻘﺔ اﻟﺪﻻﻟﺔ‪:‬‬

‫)) و ﻣﺎ رﻣﻴﺖ إذ رﻣﻴﺖ و ﻟﻜﻦ اﷲ رﻣﻰ‪ – 17 ) (( ..‬اﻷﻧﻔﺎل (‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪75‬‬
 ‫ﻳﺄﺗﻴﻚ اﻟﻨﺼﺮ ﺑﻴﺪك و ﺑﻴﺪ اﷲ ﻓﻲ ذات اﻟﻮﻗﺖ ﻓﺘﻜﻮن ﻳﺪك ﻟﺤﻈﺔ اﻻﻧﺘﺼﺎر هﻲ ﻳﺪ اﷲ و رﻣﻴﺘﻚ رﻣﻴﺘﻪ و‬
‫ﻣﺸﻴﺌﺘﻚ ﻣﺸﻴﺌﺘﻪ‪.‬‬

‫و ﻣﻦ هﻨﺎ ﻗﺪ ﻳﻌﺘﺮض ﻣﻌﺘﺮض ﻓﻴﻘﻮل‪:‬‬

‫ﻓﻠﻤﺎذا ﻻ ﺗﻜﻮن اﻟﻨﻴﺔ هﻲ اﻷﺧﺮى ﻣﻘﺪرة؟‬

‫و اﻟﺠﻮاب ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﻳﺄﺗﻲ ﻣﻦ ﺻﻤﻴﻢ اﻟﻘﺮﺁن‪:‬‬

‫)) ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ﻣﺮض ﻓﺰادهﻢ اﷲ ﻣﺮﺿﺎ‪ – 10 ) (( ..‬اﻟﺒﻘﺮة (‬

‫)) آﺬﻟﻚ ﻳﻀﻞ اﷲ ﻣﻦ هﻮ ﻣﺴﺮف ﻣﺮﺗﺎب (( ) ‪ – 34‬ﻏﺎﻓﺮ (‬

‫)) و اﻟﺬﻳﻦ اهﺘﺪوا زادهﻢ هﺪى‪ – 17 ) (( ..‬ﻣﺤﻤﺪ (‬

‫)) ﻓﻠﻤﺎ زاﻏﻮا أزاغ اﷲ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ‪ – 5 ) (( ..‬اﻟﺼﻒ (‬

‫)) ﺳﺄﺻﺮف ﻋﻦ ﺁﻳﺎﺗﻲ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﻜﺒﺮون ﻓﻲ اﻷرض ﺑﻐﻴﺮ اﻟﺤﻖ‪ – 146 ) (( ..‬اﻷﻋﺮاف (‬

‫و ﻣﻦ هﺬا ﻳﺘﺒﻴﻦ أن اﷲ ﺗﺮك اﻟﻤﺒﺎدرة ﺑﺎﻟﻨﻴﺔ داﺋﻤﺎ ﻟﻚ ﺛﻢ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻳﺄﺗﻲ ﻗﻀﺎؤﻩ ﻓﻴﺰﻳﺪك ﻣﺮﺿﺎ إذا‬
‫أﺿﻤﺮت اﻟﻤﺮض ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻚ و ﻳﻬﺪﻳﻚ إذا ﺑﺎدرت ﻓﻲ ﺳﺮﻳﺮﺗﻚ ﺑﻤﻴﻞ إﻟﻰ هﺪى‪ ..‬و ﻳﺼﺮﻓﻚ ﻋﻦ اﻟﻬﺪى إذا‬
‫أﺿﻤﺮت اﻟﻜﺒﺮ‪.‬‬

‫إن ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﻀﻤﻴﺮ ﻣﺘﺮوآﺔ داﺋﻤﺎ ﻟﻚ ﻟﺘﺒﺎدر ﺑﻤﺎ ﺗﺸﺎء‪ ..‬و ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻳﻨﺰل ﻋﻠﻴﻚ اﻟﻘﻀﺎء و ﻳﺤﻖ ﻋﻠﻴﻚ‬
‫اﻟﻘﻮل‪.‬‬

‫و اﷲ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻔﺮض ﻋﻠﻴﻚ ﻧﻴﺔ ﺑﺎﻟﺴﻮء أو ﺑﺎﻟﻈﻠﻢ‪:‬‬

‫)) إن اﷲ ﻻ ﻳﺄﻣﺮ ﺑﺎﻟﻔﺤﺸﺎء أﺗﻘﻮﻟﻮن ﻋﻠﻰ اﷲ ﻣﺎ ﻻ ﺗﻌﻠﻤﻮن (( ) ‪ – 28‬اﻷﻋﺮاف (‬

‫و هﺬا ﻳﺪل ﻋﻠﻰ أن ﻗﺎﻧﻮن اﻟﺨﻠﻖ اﻷول هﻮ أن ﺗﻜﻮن اﻟﺮوح ﻣﺤﺮاﺑﺎ و ﻗﺪس أﻗﺪاس ﻻ ﻳﺪﺧﻠﻬﺎ ﻗﻬﺮ‪ ..‬و ﻻ‬
‫ﻳﻜﺮهﻬﺎ اﷲ ﻋﻠﻰ ﺷﻲء ﻻ هﻮ و ﻻ ﺟﻨﺪﻩ و ﻻ أﻧﺒﻴﺎؤﻩ و ﻻ أوﻟﻴﺎؤﻩ إن اﻟﻨﻔﺲ ﺣﺮة ﻣﻨﺰهﺔ‪.‬‬

‫إﻧﻬﺎ)) اﻟﺴﺮ اﻷﻋﻈﻢ (( اﻟﺬي ﻻ ﻳﻌﻠﻢ ﺑﻪ إﻻ اﷲ ﻳﻮم ﺗﺒﻠﻰ اﻟﺴﺮاﺋﺮ‪.‬‬

‫و ﻓﻲ هﺬا ﻳﻘﻮل ﺣﺪﻳﺚ ﻧﺒﻮي ﺷﺮﻳﻒ ﻋﻦ أﺑﻲ ﺑﻜﺮ‪:‬‬

‫)) ﻻ ﻳﻔﻀﻠﻜﻢ أﺑﻮﺑﻜﺮ ﺑﺼﻼة و ﻻ ﺑﺼﻴﺎم و ﻟﻜﻦ ﺑﺴﺮ وﻗﺮ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ ((‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪76‬‬
 ‫و ﻳﻘﻮل اﷲ ﻓﻲ ﻗﺮﺁﻧﻪ‪:‬‬

‫)) ود آﺜﻴﺮ ﻣﻦ أهﻞ اﻟﻜﺘﺎب ﻟﻮ ﻳﺮدوﻧﻜﻢ ﻣﻦ ﺑﻌﺪ إﻳﻤﺎﻧﻜﻢ آﻔﺎرا ﺣﺴﺪا ﻣﻦ ﻋﻨﺪ أﻧﻔﺴﻬﻢ‪– 109 ) (( ..‬‬
‫اﻟﺒﻘﺮة (‬

‫ﻟﻢ ﻳﺨﻠﻖ اﷲ اﻟﺤﺴﺪ ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ و ﻟﻢ ﻳﻮدﻋﻪ ﺿﻤﺎﺋﺮهﻢ‪ ،‬و ﻟﻜﻨﻬﻢ ﻳﺤﺴﺪوﻧﻜﻢ اﺧﺘﻴﺎرا ﻣﻦ ﻋﻨﺪ أﻧﻔﺴﻬﻢ‪ ..‬و‬
‫اﻟﻌﺒﺎرة هﻨﺎ ﺻﺮﻳﺤﺔ )) ﻣﻦ ﻋﻨﺪ أﻧﻔﺴﻬﻢ ((‪ ..‬و هﻲ ﺗﻨﻔﻲ اﻟﺘﺪﺧﻞ اﻹﻟﻬﻲ و ﺗﻘﻄﻊ ﺑﻮﺟﻮد هﺬﻩ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ‬
‫اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺮآﻬﺎ اﷲ ﺣﺮة‪.‬‬

‫و ﻳﻘﻮل اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻣﺨﺎﻃﺒﺎ اﻟﺸﻴﻄﺎن‪:‬‬

‫)) إن ﻋﺒﺎدي ﻟﻴﺲ ﻟﻚ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺳﻠﻄﺎن إﻻ ﻣﻦ اﺗﺒﻌﻚ ﻣﻦ اﻟﻐﺎوﻳﻦ (( ) ‪ – 42‬اﻟﺤﺠﺮ (‬

‫إن اﻟﺸﻴﻄﺎن ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﺪﺧﻞ ﻗﻠﺒﻚ إﻻ إذا ﻓﺘﺤﺖ ﻟﻪ اﻟﺒﺎب اﺧﺘﻴﺎرا و آﻨﺖ ﻣﻦ اﻟﻐﺎوﻳﻦ‪ ،‬و ﻟﻜﻨﻪ ﻻ‬
‫ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﻘﺘﺤﻢ ﻋﻠﻴﻚ ﻗﻠﺒﻚ ﺟﺒﺮا و ﻗﺴﺮا‪.‬‬

‫إن اﷲ ﻗﺪ آﻔﻞ ﻟﻬﺬا ﻟﻘﻠﺐ اﻟﺤﻤﺎﻳﺔ و ﻟﻢ ﻳﺠﻌﻞ ﻷﺣﺪ ﻣﻦ ﺟﻨﺪ اﻟﺸﺮ أو اﻟﺨﻴﺮ ﺳﻠﻄﺎﻧﺎ ﻗﺎهﺮا ﻋﻠﻴﻪ إﻻ إذا‬
‫أراد ﺻﺎﺣﺐ هﺬا اﻟﻘﻠﺐ اﺧﺘﻴﺎرا أن ﻳﺴﺘﻀﻴﻒ و ﻳﺪﻋﻮ و ﻳﺤﺘﻀﻦ دواﻋﻲ اﻟﺸﺮ أو دواﻋﻲ اﻟﺨﻴﺮ ﻓﺤﻴﻨﺌﺬ‬
‫ﻳﻜﻮن ﻟﻪ ﻣﺎ أراد‪.‬‬

‫ﻧﺤﻦ أﻣﺎم ﻗﺪس أﻗﺪاس ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ‪ ..‬و ﺣﺮم ﻣﺤﺮم ﺗﻘﻮم ﻋﻠﻴﻪ اﻷﺳﻮار و ﻻ ﻳﺪﺧﻠﻪ ﺣﺘﻢ و ﻻ ﺟﺒﺮ و ﻻ إآﺮاﻩ‪.‬‬

‫و ﻣﺎ ﻳﺤﺪث ﻟﻨﺎ ﻣﻦ إآﺮاﻩ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻮاﻗﻊ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﺼﻞ إﻟﻰ داﺧﻞ ﺿﻤﺎﺋﺮﻧﺎ‪.‬‬

‫ﻳﻤﻜﻨﻚ أن ﺗﺠﺒﺮﻧﻲ ﺑﺎﻟﻘﻮة ﻋﻠﻰ أن أرﻓﻊ ﻳﺪي أو أﻗﻒ ﻣﺮﻏﻤﺎ أو اهﺘﻒ ﺑﺎﺳﻤﻚ‪ ،‬و ﻻ ﻳﻤﻜﻨﻚ أﺑﺪا أن‬
‫ﺗﺠﺒﺮﻧﻲ ﻋﻠﻰ أن أﺣﺒﻚ‪.‬‬

‫و ﻟﻬﺬا ﻻ ﺗﻌﻄﻴﻨﺎ اﻷدﻳﺎن رﺧﺼﺔ ﻟﻨﻘﻮل ﻳﻮم اﻟﺤﺴﺎب إن ﻓﻼﻧﺎ أﻏﺮاﻧﻲ أو ﻓﻼﻧﺎ أﺟﺒﺮﻧﻲ‪ ،‬أو ﻓﻼﻧﺎ‬
‫أآﺮهﻨﻲ أﻣﻼ ﻓﻲ أن ﻳﻠﻘﻲ اﻟﻮاﺣﺪ ذﻧﺒﻪ ﻋﻠﻰ اﻵﺧﺮ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﺟﻌﻞ اﷲ ﻣﻦ أﻋﻤﺎق اﻟﻀﻤﻴﺮ و اﻟﺴﺮﻳﺮة ﻣﻨﻄﻘﺔ‬
‫ﺣﺮاﻣﺎ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﺪﺧﻠﻬﺎ ﺟﺒﺎر ﺑﺠﺒﺮوﺗﻪ‪.‬‬

‫ﻳﻤﻜﻨﻚ أن ﺗﻜﺮﻩ ﺧﺎدﻣﻚ ﻋﻠﻰ ﻓﻌﻞ‪ .‬و ﻟﻜﻨﻚ ﻻ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﺗﻜﺮهﻪ ﻋﻠﻰ أن ﻳﻀﻤﺮ ﺷﻴﺌﺎ ﻓﻲ ﺳﺮﻳﺮة ﻗﻠﺒﻪ‪.‬‬

‫و اﻟﻘﺮﺁن ﻳﻌﺘﺒﺮك ﺣﺮا ﻣﺴﺌﻮﻻ ﻣﻬﻤﺎ أﺣﺎﻃﺖ ﺑﻚ ﻇﺮوف اﻻﺳﺘﺒﺪاد ﻓﻴﻘﻮل إﺷﺎرة إﻟﻰ أﻣﺜﺎل هﺬﻩ‬
‫اﻟﻈﺮوف‪:‬‬

‫)) أﻟﻢ ﺗﻜﻦ أرض اﷲ واﺳﻌﺔ ﻓﺘﻬﺎﺟﺮوا ﻓﻴﻬﺎ‪ – 97 ) ( ..‬اﻟﻨﺴﺎء (‬

‫ﻻ أﻋﺬار‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪77‬‬
 ‫ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﻘﻀﻲ اﻟﻠﺤﻈﺔ أن ﺗﺨﺘﺎر ﻓﺄﻧﺖ ﺗﺨﺘﺎر ﻧﻔﺴﻚ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ‪.‬‬

‫)) إﻧﺎ هﺪﻳﻨﺎﻩ اﻟﺴﺒﻴﻞ إﻣﺎ ﺷﺎآﺮا و إﻣﺎ آﻔﻮرا (( ) ‪ – 3‬اﻹﻧﺴﺎن (‬

‫و ﻓﻲ ﻟﻔﻆ )) إﻣﺎ (( ﻳﺒﺪو ﻋﻨﺼﺮ اﻻﺧﺘﻴﺎر واﺿﺤﺎ ﻣﺤﺪدا‪.‬‬

‫)) و ﻧﻔﺲ و ﻣﺎ ﺳﻮاهﺎ ) ‪ ( 7‬ﻓﺄﻟﻬﻤﻬﺎ ﻓﺠﻮرهﺎ و ﺗﻘﻮاهﺎ ) ‪ ) (( ( 8‬اﻟﺸﻤﺲ (‬

‫أي ﻓﺘﺢ أﻣﺎﻣﻬﺎ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﺨﻴﺮ و اﻟﺸﺮ و ﺗﺮآﻬﺎ أﻣﺎم اﻟﻄﺮﻳﻘﻴﻦ ﻟﺘﺨﺘﺎر‪ ..‬و ﻟﻬﺬا ﻗﺎل ) ﻓﺠﻮرهﺎ و ﺗﻘﻮاهﺎ (‪،‬‬
‫و ﻟﻢ ﻳﻘﻞ ) أو ﺗﻘﻮاهﺎ ( ﻷﻧﻪ ﻓﺘﺢ اﻟﻄﺮﻳﻘﻴﻦ ﻣﻌﺎ ﻟﻴﺠﻌﻞ ﻟﻠﻨﻔﺲ اﻻﺧﺘﻴﺎر و ﻟﻢ ﻳﺠﺒﺮهﺎ ﻋﻠﻰ أﺣﺪ اﻟﻄﺮﻳﻘﻴﻦ‪..‬‬
‫و ﻟﺬﻟﻚ أردف ﻣﻮﺿﺤﺎ‪:‬‬

‫)) ﻗﺪ أﻓﻠﺢ ﻣﻦ زآﺎهﺎ ) ‪ ( 9‬و ﻗﺪ ﺧﺎب ﻣﻦ دﺳﺎهﺎ ) ‪ ) (( ( 10‬اﻟﺸﻤﺲ (‬

‫ﻓﺮد اﻟﻔﻼح و اﻟﺨﻴﺒﺔ ﻟﻠﻨﻔﺲ اﻟﻤﺨﻴﺮة‪ ،‬و ﻓﻲ ﺁﻳﺔ أﺧﺮى ﻳﻮﺿﺢ اﻷﻣﺮ أآﺜﺮ ﻓﻴﻘﻮل‪:‬‬

‫)) و هﺪﻳﻨﺎﻩ اﻟﻨﺠﺪﻳﻦ (( ) ‪ – 10‬اﻟﺒﻠﺪ (‬

‫أي هﺪﻳﻨﺎﻩ ﻣﻔﺘﺮق ﻃﺮﻳﻘﻴﻦ ﻳﺨﺘﺎر أﻳﻬﻤﺎ‪.‬‬

‫إن اﻟﻨﻴﺔ ﺣﺮة‪.‬‬

‫و اﻟﺴﺮﻳﺮة ﺣﺮة ﻓﻲ إﺿﻤﺎرهﺎ ﻟﻤﺎ ﺗﺸﺎء‪.‬‬

‫أﻣﺎ اﻟﻔﻌﻞ ﻓﻬﻮ ﺣﺮ و ﻣﻘﺪور ﻓﻲ ذات اﻟﻮﻗﺖ‪.‬‬

‫و آﻞ واﺣﺪ ﻣﻨﺎ ﻟﻪ ﻧﺼﻴﺒﻪ ﻣﻦ ﺣﺮﻳﺔ اﻟﻔﻌﻞ‪ ..‬و اﻟﺬي ﻳﻘﻮل ﺑﺎﻟﺠﺒﺮﻳﺔ ﺳﻮف ﻳﻘﻊ ﻓﻲ ﻣﺄزق ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻧﺴﺄﻟﻪ‬
‫آﻴﻒ ﻳﻤﻴﺰ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻩ ﻳﺤﺮآﻬﺎ ﻓﻲ ﺣﺮﻳﺔ و ﻳﻜﺘﺐ ﺑﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﺸﺎء‪ ..‬و ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻩ و هﻲ أﺳﻴﺮة ﺗﺮﺗﻌﺶ ﻗﻬﺮا ﻓﻲ‬
‫رﺟﻔﺔ اﻟﺤﻤﻰ‪ ..‬هﻨﺎ أﻣﺎﻣﻨﺎ ﺣﺎﻟﺘﺎن واﺿﺤﺘﺎن‪ ،‬ﺣﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺼﺤﺔ‪ ،‬و ﺟﺒﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻤﺮض‪ ،‬و ﻟﻮ‬
‫آﺎﻧﺖ اﻟﺠﺒﺮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻘﻮل ﺑﻬﺎ ﺻﺤﻴﺤﺔ ﻟﻤﺎ أﻣﻜﻦ أن ﻳﻤﻴﺰ ﺑﺪاهﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﺤﺎﻟﻴﻦ‪ ..‬و ﻟﻤﺎ أﻣﻜﻦ أن ﺗﻘﻮم‬
‫اﻟﺤﺎﻟﺘﺎن أﺻﻼ‪.‬‬

‫إن ﺣﺮﻳﺔ اﻟﻔﻌﻞ إذن ﺣﻘﻴﻘﺔ‪ ..‬و اﻟﻘﺪر أﻳﻀﺎ ﺣﻘﻴﻘﺔ‪.‬‬

‫و اﻟﻤﺸﻜﻠﺔ هﻲ أن ﻧﺤﺎول أن ﻧﻔﻬﻢ هﺬا اﻻزدواج و آﻴﻒ ﻻ ﻳﻠﻐﻲ اﻟﻘﺪر اﻟﺤﺮﻳﺔ‪ ..‬و آﻴﻒ ﻻ ﺗﻠﻐﻲ اﻟﺤﺮﻳﺔ‬
‫اﻟﻘﺪر‪.‬‬

‫و هﺬا أﻣﺮ ﻧﺴﺘﺸﻔﻪ ﻣﻦ اﻵﻳﺎت اﺳﺘﺸﻔﺎﻓﺎ‪ ..‬ﻓﻬﻲ ﺗﻠﻤﺢ و ﻻ ﺗﺼﺮح ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗُﻠﻘﻲ ﺑﺎﻟﻨﺎس ﻓﻲ ﺑﻠﺒﻠﺔ‪.‬‬

‫ﻳﻘﻮل اﷲ ﻓﻲ آﺘﺎﺑﻪ‪:‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪78‬‬
 ‫)) إن ﻧﺸﺄ ﻧﻨﺰل ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎء ﺁﻳﺔ ﻓﻈﻠﺖ أﻋﻨﺎﻗﻬﻢ ﻟﻬﺎ ﺧﺎﺿﻌﻴﻦ (( ) ‪ – 4‬اﻟﺸﻌﺮاء (‬

‫ﻟﻮ ﺷﺎء ﻟﻔﻌﻞ و ﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﻔﻌﻞ‪ ..‬ﻷﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺸﺄ أن ﻳﻘﻬﺮﻧﺎ ﻋﻠﻰ إﻳﻤﺎن ﻓﺘﻨﺘﻔﻲ ﺑﺬﻟﻚ ﺣﺮﻳﺔ اﻻﺧﺘﻴﺎر اﻟﺘﻲ ﺟﻌﻞ‬
‫ﻣﻨﻬﺎ ﺟﻮهﺮ وﺟﻮدﻧﺎ‪ ..‬ﻓﻘﺪ أراد ﻟﻨﺎ أن ﻧﻜﻮن أﺣﺮارا ﻧﺆﻣﻦ أو ﻧﻜﻔﺮ‪.‬‬

‫و ﻟﻢ ﻳﺠﻌﻞ اﷲ إﺑﻠﻴﺲ إﺑﻠﻴﺴﺎ‪.‬‬

‫و إﻧﻤﺎ إﺑﻠﻴﺲ اﺧﺘﺎر ﻟﻨﻔﺴﻪ اﻟﻜﺒﺮﻳﺎء و اﻟﺠﺒﺮوت و اﻟﺘﻌﺎﻇﻢ ﺣﻴﻨﻤﺎ رﻓﺾ أن ﻳﻜﻮن ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ ﺁدم ﻣﺜﻞ ﺑﻘﻴﺔ‬
‫اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ و ﻗﺎل‪:‬‬

‫)) أﻧﺎ ﺧﻴﺮ ﻣﻨﻪ ﺧﻠﻘﺘﻨﻲ ﻣﻦ ﻧﺎر و ﺧﻠﻘﺘﻪ ﻣﻦ ﻃﻴﻦ (( ) ‪ – 76‬ص (‬

‫اﺧﺘﺎر إﺑﻠﻴﺲ ﻟﻨﻔﺴﻪ اﻟﻐﺮور ﺑﻐﻴﺮ ﻋﻠﻢ و ﻻ ﺣﻖ‪ .‬ﻓﺎﺧﺘﺎرﻩ اﷲ ﻟﻴﻐﺮر ﺑﺎﻟﻨﺎس و ﻗﻀﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﻗﻀﺎء ﻣﻦ‬
‫ﺟﻨﺲ ﺿﻤﻴﺮﻩ‪.‬‬

‫و ﺑﺎﻟﻤﺜﻞ أﺑﺼﺮ اﻟﻨﻘﺎء و اﻟﻄﻬﺮ ﻓﻲ ﻗﻠﺐ ﻣﺤﻤﺪ ﻓﺎﺧﺘﺎرﻩ ﻧﺒﻴﺎ ﻟﻠﻬﺪاﻳﺔ‪:‬‬

‫)) و اﻟﺬﻳﻦ ﺟﺎهﺪوا ﻓﻴﻨﺎ ﻟﻨﻬﺪﻳﻨﻬﻢ ﺳﺒﻠﻨﺎ‪ – 69 ) (( ..‬اﻟﻌﻨﻜﺒﻮت (‬

‫و ﻟﻬﺬا اﻟﺴﺒﺐ أﻳﻀﺎ – ﻟﻌﺪم اﻟﻘﻬﺮ و اﻟﺠﺒﺮ – أﺧﻔﻰ اﷲ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻲ اﻹﻧﺠﻴﻞ‪ ،‬و أﺧﻔﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻲ اﻟﻘﺮﺁن ﻷﻧﻪ‬
‫ﻟﻢ ﻳﺮد أن ﻳﻠﺠﻤﻨﺎ ﺑﺎﻟﺘﺠﻠﻲ اﻟﻘﺎﻃﻊ اﻟﻔﺎﺻﻞ ﻓﻴﻘﻬﺮﻧﺎ ﻋﻠﻰ اﻹﻳﻤﺎن ﻗﻬﺮا‪ .‬ﻓﺠﻌﻞ ﻣﻦ اﻟﺘﻮراة و اﻹﻧﺠﻴﻞ و‬
‫اﻟﻘﺮﺁن آﺘﺒﺎ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻧﺆﻣﻦ ﺑﻬﺎ و ﻳﻤﻜﻦ أن ﻧﺸﻚ ﻓﻴﻬﺎ‪.‬‬

‫و ﻗﺎل ﻋﻦ ﻗﺮﺁﻧﻪ‪:‬‬

‫)) ﻳﻀﻞ ﺑﻪ آﺜﻴﺮا و ﻳﻬﺪي ﺑﻪ آﺜﻴﺮا‪ – 26 ) (( ..‬اﻟﺒﻘﺮة (‬

‫و ﺿﻤﻦ ﺁﻳﺎﺗﻪ اﻟﺒﺮاهﻴﻦ و ﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﺠﻌﻠﻬﺎ أﺑﺪا ﺑﺮاهﻴﻦ ﻣﻠﺰﻣﺔ ﺗﺄﺧﺬ ﺑﺎﻟﺨﻨﺎق و ﺗﻘﻬﺮ اﻟﻌﻘﻞ‪ ..‬و إﻧﻤﺎ ﺗﺮآﻚ‬
‫داﺋﻤﺎ ﻟﺘﺮﺟﺢ ﺷﻴﺌﺎ ﻋﻠﻰ ﺷﻲء ﺣﺮﺻﺎ ﻣﻨﻪ ﻋﻠﻰ ﺣﺮﻳﺘﻚ‪ ..‬و ﻟﺘﻘﻮل ﻣﺎ ﺗﺮﻳﺪ دون ﻣﺆﺛﺮات آﺎﺑﺤﺔ‪ ..‬ﻓﺘﻔﺼﺢ‬
‫ﻋﻦ دﺧﻴﻠﺘﻚ و ﺳﺮﻳﺮﺗﻚ و ﻳﺤﻖ ﻋﻠﻴﻚ اﻟﻘﻮل‪.‬‬

‫ﻟﻘﺪ أرادك أن ﺗﻜﻮن ﻣﻦ أﺣﺪ اﻷوﺟﻪ ﺧﻠﻴﻔﺔ ﺻﻐﻴﺮا ﻟﻪ ﻋﻠﻰ اﻷرض ﺗﺤﻜﻢ و ﺗﻘﻀﻲ ﻓﻲ ﺷﺌﻮﻧﻚ و ﺷﺌﻮن‬
‫اﻵﺧﺮﻳﻦ‪ ..‬ﻟﻴﻤﺘﺤﻨﻚ و ﻳﺨﺘﺒﺮك‪.‬‬

‫و ﻓﻲ ﺁﻳﺔ ﻧﻤﻮذﺟﻴﺔ ﻳﺸﺮح اﻟﻘﺮﺁن ﻣﺎ ﺑﻴﻦ اﻟﻘﺪر اﻹﻟﻬﻲ و اﻟﺤﺮﻳﺔ اﻟﻔﺮدﻳﺔ ﻣﻦ ﺗﻼق‪ ،‬و ﻳﺮﻓﻊ ﻣﺎ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻣﻦ‬
‫ﺗﻨﺎﻗﺾ‪ ..‬ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﺮوي ﻣﺎ ﺣﺪث ﻣﻦ ﺗﻜﺎﺳﻞ اﻟﻤﻨﺎﻓﻘﻴﻦ ﻋﻦ ﻧﺼﺮة اﻟﺮﺳﻮل – ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ و ﺳﻠﻢ – و‬
‫ﻋﺪم اﻟﺨﺮوج ﻣﻌﻪ ﻓﻲ ﻏﺰواﺗﻪ‪:‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪79‬‬
‫)) و ﻟﻮ أرادوا اﻟﺨﺮوج ﻷﻋﺪوا ﻟﻪ ﻋﺪة و ﻟﻜﻦ آﺮﻩ اﷲ اﻧﺒﻌﺎﺛﻬﻢ ﻓﺜﺒﻄﻬﻢ و ﻗﻴﻞ اﻗﻌﺪوا ﻣﻊ اﻟﻘﺎﻋﺪﻳﻦ ) ‪46‬‬
‫( ﻟﻮ ﺧﺮﺟﻮا ﻓﻴﻜﻢ ﻣﺎ زادوآﻢ إﻻ ﺧﺒﺎﻻ و ﻷوﺿﻌﻮا ﺧﻼﻟﻜﻢ ﻳﺒﻐﻮﻧﻜﻢ اﻟﻔﺘﻨﺔ و ﻓﻴﻜﻢ ﺳﻤﺎﻋﻮن ﻟﻬﻢ و اﷲ‬
‫ﻋﻠﻴﻢ ﺑﺎﻟﻈﺎﻟﻤﻴﻦ ) ‪ ) (( ( 47‬اﻟﺘﻮﺑﺔ (‬

‫هﺎ هﻨﺎ ﻣﻨﺎﻓﻘﻮن ﺑﺎﻟﻘﻠﺐ ﻻ ﻳﺮﻳﺪون ﺑﺎﻟﻨﻴﺔ أن ﻳﻨﺼﺮوا ﻧﺒﻴﻬﻢ ﻓﻴﻘﻀﻲ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﷲ ﺑﻤﺜﻞ ﻧﻴﺘﻬﻢ ﻓﻼ ﻳﺮﻳﺪ ﻟﻬﻢ‬
‫آﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﺮﻳﺪوا ﻷﻧﻔﺴﻬﻢ و ﻳﺜﺒﻄﻬﻢ و ﻳﻜﺮﻩ ﻟﻬﻢ اﻟﺨﺮوج آﻤﺎ آﺮهﻮﻩ ﻷﻧﻔﺴﻬﻢ‪.‬‬

‫و ﻳﺒﺪو هﺬا اﻟﺘﻤﺎﺛﻞ ﺑﻴﻦ ﻗﺪر اﷲ و ﺳﺮﻳﺮة اﻹﻧﺴﺎن ﻓﻲ ﺁﻳﺔ أﺧﺮى أآﺜﺮ ﺻﺮاﺣﺔ و اﻟﺘﻲ ﺗﺨﺎﻃﺐ اﻟﻨﺒﻲ ))‬
‫ﻳﺎ أﻳﻬﺎ اﻟﻨﺒﻲ ﻗﻞ ﻟﻤﻦ ﻓﻲ أﻳﺪﻳﻜﻢ ﻣﻦ اﻷﺳﺮى إن ﻳﻌﻠﻢ اﷲ ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺑﻜﻢ ﺧﻴﺮا ﻳﺆﺗﻜﻢ ﺧﻴﺮا ﻣﻤﺎ أﺧﺬ ﻣﻨﻜﻢ‪(( ..‬‬
‫) ‪ – 70‬اﻷﻧﻔﺎل (‬

‫هﻨﺎ ﻳﺒﺪو اﻟﻔﻌﻞ اﻹﻟﻬﻲ ) اﻟﻘﺪر ( داﺋﻤﺎ ﻣﻦ ﺟﻨﺲ اﻟﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ هﻲ ﻋﻴﻦ اﻻﺧﺘﻴﺎر‪.‬‬

‫و ﻳﺒﺪو آﻴﻒ ﺗﻤﺎﺛﻞ أﻣﺮ اﷲ و اﺧﺘﻴﺎر اﻹﻧﺴﺎن و اﻧﺘﻔﻰ اﻟﺘﻨﺎﻗﺾ‪ ..‬ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ اﻟﺘﻨﺎﻗﺾ إﻻ ﻓﻲ وهﻤﻨﺎ ﻧﺘﻴﺠﺔ‬
‫ﻋﺪم اﻟﻔﻬﻢ‪.‬‬

‫و أﺻﺒﺢ ﻣﻦ اﻟﺴﻬﻞ ﻋﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﻔﻬﻢ ﺁﻳﺘﻴﻦ ﻣﺘﻨﺎﻗﻀﺘﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﻈﺎهﺮ ﻣﺜﻞ‪:‬‬

‫)) ﻓﻤﻦ ﺷﺎء ﻓﻠﻴﺆﻣﻦ و ﻣﻦ ﺷﺎء ﻓﻠﻴﻜﻔﺮ‪ – 29 ) (( ..‬اﻟﻜﻬﻒ (‬

‫)) و ﻣﺎ ﺗﺸﺎءون إﻻ أن ﻳﺸﺎء اﷲ‪ – 30 ) (( ..‬اﻹﻧﺴﺎن (‬

‫ﻓﻔﻲ اﻵﻳﺔ اﻷوﻟﻰ ﻳﺼﻒ اﷲ إرادة اﻹﻧﺴﺎن اﻟﺤﺮة‪.‬‬

‫و ﻓﻲ اﻵﻳﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻳﺘﻜﻠﻢ ﻋﻦ إرادﺗﻪ اﻹﻟﻬﻴﺔ و هﻲ اﻟﻘﺪر‪.‬‬

‫و ﻣﺎ ﺑﻴﻦ اﻹﺛﻨﻴﻦ ﻣﻦ ﺗﻨﺎﻗﺾ هﻮ ﺗﻨﺎﻗﺾ ﻓﻲ اﻟﻈﺎهﺮ ﻓﻘﻂ‪ ..‬ﻓﻘﺪ ﻓﻬﻤﻨﺎ أن اﷲ ﻻ ﻳﺮﻳﺪ ﻟﻺﻧﺴﺎن إﻻ ﻣﺎ ﻳﺮﻳﺪ‬
‫اﻹﻧﺴﺎن ﻟﻨﻔﺴﻪ‪:‬‬

‫)) و ﻣﻦ ﻳﺸﺎﻗﻖ اﻟﺮﺳﻮل ﻣﻦ ﺑﻌﺪ ﻣﺎ ﺗﺒﻴﻦ ﻟﻪ اﻟﻬﺪى و ﻳﺘﺒﻊ ﻏﻴﺮ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻧﻮﻟّﻪ ﻣﺎ ﺗﻮﻟﻰ و ﻧﺼﻠﻪ‬
‫ﺟﻬﻨﻢ و ﺳﺎءت ﻣﺼﻴﺮا (( ) ‪ – 115‬اﻟﻨﺴﺎء (‬

‫ﻣﻦ ﻳﺨﺘﺎر ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺴﻮء و ﻳﺮى اﷲ ﻓﻲ ﻧﻴﺘﻪ اﻹﺻﺮار ﻓﺈﻧﻪ ﻻ ﻳﻜﺮهﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺨﻴﺮ و إﻧﻤﺎ ﻳﺨﺘﺎر ﻟﻪ ﻣﺎ‬
‫اﺧﺘﺎر ﻟﻨﻔﺴﻪ و ﻳﻤﺪ ﻟﻪ ﻓﻲ ﻏﻴﻪ و ﻳﻤﻬﺪ ﻟﻪ أﺳﺒﺎب اﻟﺸﺮ ﺗﻤﻬﻴﺪا ﺣﺘﻰ ﻳﺨﺮج ﻣﺎ ﻳﻜﺘﻤﻪ و ﻳﺘﻠﺒﺲ ﺑﻔﻌﻠﻪ و‬
‫ﻳﺤﻖ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻌﺬاب‪:‬‬

‫)) ﻧﻮﻟّﻪ ﻣﺎ ﺗﻮﻟﻰ و ﻧﺼﻠﻪ ﺟﻬﻨﻢ و ﺳﺎءت ﻣﺼﻴﺮا (( ) ‪ – 115‬اﻟﻨﺴﺎء (‬

‫هﻨﺎ اﻟﺠﺒﺮ هﻮ ﻋﻴﻦ اﻻﺧﺘﻴﺎر و ﻻ ﺗﻨﺎﻗﺾ ﻷن إرادة اﷲ هﻲ إرادة اﻟﻌﺒﺪ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪80‬‬
 ‫اﻧﺘﻔﺖ اﻟﺜﻨﺎﺋﻴﺔ‪.‬‬

‫)) إن اﷲ ﻻ ﻳﻐﻴﺮ ﻣﺎ ﺑﻘﻮم ﺣﺘﻰ ﻳﻐﻴﺮوا ﻣﺎ ﺑﺄﻧﻔﺴﻬﻢ‪ – 11 ) (( ..‬اﻟﺮﻋﺪ (‬

‫اﷲ ﻻ ﻳﻐﻴﺮ ﻣﺎ ﻳﺮﻳﺪﻩ ﺑﺈﻧﺴﺎن ﺣﺘﻰ ﻳﻐﻴﺮ ذﻟﻚ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﺎ ﻳﺮﻳﺪﻩ ﺑﻨﻔﺴﻪ‪ ..‬اﻟﺘﻄﺎﺑﻖ هﻨﺎ واﺿﺢ‪.‬‬

‫اﻹﺛﻨﺎن‪ ..‬اﻟﺤﺮﻳﺔ و اﻟﻘﺪر‪ ..‬ﻳﻨﻔﺬ اﻟﻘﻀﺎء و ﻳﺘﻢ اﻟﻔﻌﻞ ﺑﺈرادة اﷲ و ﻣﺸﻴﺌﺘﻪ و ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺎﺧﺘﻴﺎر‬
‫ﻞ ﻣﻦ ﻋﻨﺪ اﷲ (( ) ‪ – 78‬اﻟﻨﺴﺎء (‬ ‫اﻹﻧﺴﺎن و ﺣﺮﻳﺘﻪ ﺑﻼ ﺗﻨﺎﻗﺾ )) ﻗﻞ آ ٌ‬

‫ﻓﺄﻧﺖ ﺗﺸﺎء و ﻟﻜﻦ ﻗﺪرﺗﻚ ﻋﻠﻰ أن ﺗﺸﺎء و ﺗﺨﺘﺎر هﻲ ﻣﻨﺤﺔ ﻣﻦ اﷲ و ﻣﺸﻴﺌﺔ ﻋﻠﻴﺎ‪ ..‬ﺣﺮﻳﺘﻚ ذاﺗﻬﺎ ﻣﻨﺤﺔ و‬
‫ﻋﻄﻴﺔ و ﻣﺸﻴﺌﺔ إﻟﻬﻴﺔ‪ ..‬و ﻣﻦ هﻨﺎ آﺎﻧﺖ اﻵﻳﺔ‪:‬‬

‫)) و ﻣﺎ ﺗﺸﺎءون إﻻ أن ﻳﺸﺎء اﷲ‪ – 30 ) (( ..‬اﻹﻧﺴﺎن (‬

‫هﻲ ﺗﻘﺮﻳﺮ ﻟﻠﺤﻘﻴﻘﺔ‪ ..‬و ﻟﻴﺴﺖ آﻼﻣﺎ ﻣﺘﻨﺎﻗﻀﺎ‪ ..‬ﻓﻬﻲ ﺗﻘﺮر أﻧﻚ ﺣﺮ و ﻟﻜﻦ ﺣﺮﻳﺘﻚ ﻣﻨﺤﺔ و ﻋﻄﻴﺔ و هﺒﺔ‬
‫و ﻣﺸﻴﺌﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﻄﻲ‪.‬‬

‫)) و اﷲ ﻣﺨﺮج ﻣﺎ آﻨﺘﻢ ﺗﻜﺘﻤﻮن (( ) ‪ – 72‬اﻟﺒﻘﺮة (‬

‫اﷲ ﻳﺨﺮج ﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﻨﻴﺔ و ﻳﻔﻀﺢ ﻣﻜﺘﻮم اﻟﺴﺮاﺋﺮ ﻟﻴﺴﺠﻞ ﻋﻠﻰ آﻞ واﺣﺪ ﻧﻴﺘﻪ آﻤﺎ هﻲ دون ﺟﺒﺮ أو إآﺮاﻩ‪..‬‬
‫إﻧﻪ ﻳﻔﻀﺤﻬﺎ ﻓﻘﻂ و ﻳﺨﺮﺟﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻟﻬﺎ ﻟﻴﻜﻮن آﻞ واﺣﺪ ) ﻃﺎﺋﺮﻩ ﻓﻲ ﻋﻨﻘﻪ (‪.‬‬

‫ﺛﻢ ﺗﺄﺗﻲ اﻵﻳﺔ اﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ اﻟﺤﺎﺳﻤﺔ ﻓﺘﺨﺘﻢ اﻟﻤﻮﺿﻮع‪:‬‬

‫)) و اﻋﻠﻤﻮا أن اﷲ ﻳﺤﻮل ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺮء و ﻗﻠﺒﻪ و أﻧﻪ إﻟﻴﻪ ﺗﺤﺸﺮون (( ) ‪ – 24‬اﻻﻧﻔﺎل (‬

‫و ﻣﻌﻨﻰ هﺬا أن اﷲ ﻳﺪع اﻟﻘﻠﺐ ﺣﺮا ﻓﺘﻜﻮن ﻟﻜﻞ إﻧﺴﺎن ﺳﺮﻳﺮة هﻮ ﺣﺮ ﻓﻴﻬﺎ‪ .‬و ﻟﻜﻨﻪ ﻳﻘﻴﻢ ﺳﻠﻄﺎﻧﻪ ﺑﻴﻦ‬
‫اﻟﻤﺮء و ﻗﻠﺒﻪ‪.‬‬

‫ﻓﻬﻮ ﻳﺤﻮل ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺮء و ﻗﻠﺒﻪ ﺑﺎﻟﺘﻤﻜﻴﻦ أو اﻹﺣﺒﺎط ﻟﻄﻔﺎ ﻣﻨﻪ و رﺣﻤﺔ ﻟﻴﻘﻲ أﺣﺒﺎﺋﻪ اﻟﺴﻴﺌﺎت‪ ..‬و ﻟﻴﻘﺪم‬
‫ﻞ ﺣﺴﺐ ﺿﻤﻴﺮﻩ و ﻧﻴﺘﻪ و ﻣﺒﺎدراﺗﻪ‪ ..‬إﻣﺎ ﻟﻠﻴﺴﺮى و إﻣﺎ ﻟﻠﻌﺴﺮى‪.‬‬ ‫اﻟﺘﻴﺴﻴﺮات ﻟﻜ ﱟ‬

‫)) إذ ﻳﺮﻳﻜﻬﻢ اﷲ ﻓﻲ ﻣﻨﺎﻣﻚ ﻗﻠﻴﻼ و ﻟﻮ أراآﻬﻢ آﺜﻴﺮا ﻟﻔﺸﻠﺘﻢ و ﻟﺘﻨﺎزﻋﺘﻢ ﻓﻲ اﻷﻣﺮ و ﻟﻜﻦ اﷲ ﺳﻠﻢ إﻧﻪ‬
‫ﻋﻠﻴﻢ ﺑﺬات اﻟﺼﺪور ) ‪ ( 43‬و إذ ﻳﺮﻳﻜﻤﻮهﻢ إذ اﻟﺘﻘﻴﺘﻢ ﻓﻲ أﻋﻴﻨﻜﻢ ﻗﻠﻴﻼ و ﻳﻘﻠﻠﻜﻢ ﻓﻲ أﻋﻴﻨﻬﻢ ﻟﻴﻘﻀﻲ اﷲ‬
‫أﻣﺮا آﺎن ﻣﻔﻌﻮﻻ و إﻟﻰ اﷲ ﺗﺮﺟﻊ اﻷﻣﻮر ) ‪ ) (( ( 44‬اﻷﻧﻔﺎل (‬

‫هﻨﺎ ﻣﺜﻞ ﺁﺧﺮ ﺑﻠﻴﻎ ﻟﻠﺘﺪﺧﻞ اﻹﻟﻬﻲ اﻟﻠﻄﻴﻒ اﻟﺨﻔﻲ ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺮء و ﺑﻴﻦ ﻗﻠﺒﻪ‪ ..‬ﻓﺎﷲ ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﺤﺚ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺘﺎل ﻓﻲ ﺑﺪر و هﻢ ﻗﻠﺔ ) ﺛﻠﺜﻤﺎﺋﺔ ﻳﻮاﺟﻬﻮن أﻟﻔﺎ ﻣﺪﺟﺠﻴﻦ ﺑﺎﻟﺴﻼح و اﻟﺪروع ( ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﺪﻓﻊ‬
‫اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ إﻟﻰ اﻟﻤﻌﺮآﺔ دون ﺟﺒﺮ و دون إآﺮاﻩ ﺣﺘﻰ ﻳﻜﻮن اﻻﺧﺘﻴﺎر اﺧﺘﻴﺎرهﻢ‪ ..‬ﻓﻴﺴﻮق إﻟﻰ اﻟﺮﺳﻮل ﻓﻲ‬
‫ﻣﻨﺎﻣﻪ رؤﻳﺎ ﻳﻈﻬﺮ ﻓﻴﻬﺎ اﻷﻋﺪاء ﻗﻠﺔ ﻗﻠﻴﻠﺔ ﻻ ﻳﺆﺑﻪ ﻟﻬﺎ‪ ..‬و ﺳﺎﻋﺔ اﻟﻤﻌﺮآﺔ ﻳﺠﻌﻞ آﺜﺮة اﻟﻤﺸﺮآﻴﻦ ﺗﺒﺪو‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪81‬‬
 ‫ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻗﻠﺔ ﻟﻴﻬﻮن ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻬﻢ‪ ..‬آﻤﺎ ﻳﻬﻮن ﻣﻦ ﺷﺄن اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻓﻲ أﻋﻴﻨﻬﻢ‪ ..‬و ﺑﺬﻟﻚ ﻳﺴﺘﺪرج اﻟﻜﻞ إﻟﻰ‬
‫ﻣﻌﺮآﺔ ﻟﻴﻘﻀﻲ أﻣﺮا آﺎن ﻓﻲ ﻋﻠﻤﻪ ﻣﻔﻌﻮﻻ‪.‬‬

‫و هﺬا هﻮ اﻟﺘﻴﺴﻴﺮ اﻟﺬي ﻳﺴﻮق ﺑﻪ اﻷﺳﺒﺎب دون أن ﻳﺨﻞ ﺑﻨﺎﻣﻮس اﻟﺤﺮﻳﺔ اﻟﺬي ﻗﻀﻰ ﺑﻪ ﻟﻜﻞ إﻧﺴﺎن ﻓﻲ‬
‫ﺳﺮﻳﺮﺗﻪ و هﻮ ﻋﻦ هﺬﻩ اﻟﺤﺮﻳﺔ ﻣﺴﺌﻮل‪.‬‬

‫ﺑﻬﺬﻩ اﻟﻜﻠﻤﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻀﻲء آﺎﻟﻮﻣﺾ اﻟﺨﻔﻲ ﻳﻌﻄﻲ اﻟﻘﺮﺁن اﻟﻤﻔﺘﺎح ﻷآﺒﺮ اﻟﻤﺸﻜﻼت اﺳﺘﻌﺼﺎء ﻓﻲ‬
‫اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ‪ ..‬ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻟﺠﺒﺮ و اﻻﺧﺘﻴﺎر‪.‬‬

‫ﻗﺼﺔ اﻟﺨﻠﻖ‬

‫)ﻣﺎ ﺟﺎء ﻓﻲ هﺬا اﻟﻔﺼﻞ هﻮ ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﺗﺨﻀﻊ ﻟﻘﺎﻋﺪة اﻻﺟﺘﻬﺎد ﻓﻲ اﺣﺘﻤﺎل اﻟﺨﻄﺄ و اﻟﺼﻮاب‪ ..‬و اﷲ‬
‫اﻟﻤﻮﻓﻖ( ﻣﺼﻄﻔﻰ ﻣﺤﻤﻮد‬

‫ﻣﺒﺪأ اﻟﺨﻠﻴﻘﺔ و آﻴﻒ آﺎن؟‪ ..‬و ﻣﻴﻼد اﻷرض و اﻟﻘﻤﺮ و اﻟﺸﻤﺲ و اﻟﻨﺠﻮم و آﻴﻒ ﺣﺪث؟‪ ..‬و آﻴﻒ ﺧﻄﺎ‬
‫ﻋﻠﻰ اﻷرض أول إﻧﺴﺎن؟‪ ..‬و ﻣﻦ أﻳﻦ ﺟﺎء؟‪..‬‬

‫آﻞ هﺬﻩ أﻣﻮر ﺧﺎﺿﺖ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻌﻠﻮم و آﺎن ﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﺷﺄﻧﻬﺎ ﻧﻈﺮﻳﺎت و ﺷﻮاهﺪ و ﺑﺮاهﻴﻦ‪.‬‬

‫ﻋﻠﻮم اﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ و اﻹﻧﺜﺮوﺑﻮﻟﻮﺟﻴﺎ و اﻟﻔﻠﻚ و اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء اﻟﻌﻀﻮﻳﺔ و اﻟﺠﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ و اﻟﺘﻄﻮر اﻟﺬي أﺻﺒﺢ‬
‫اﻵن ﻋﻠﻤﺎ ﻗﺎﺋﻤﺎ ﺑﺬاﺗﻪ‪ ..‬و ﻋﻠﻢ اﻷﺟﻨﺔ‪ ..‬و ﻋﻠﻢ اﻟﺘﺸﺮﻳﺢ‪ ..‬ﻣﺠﻠﺪات و ﻣﺠﻠﺪات‪..‬‬

‫و آﻼم آﺜﻴﺮ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻧﻜﻮن ﺑﻤﻌﺰل ﻋﻨﻪ و ﻧﺤﻦ ﻧﻘﺮأ ﻣﺎ ﻳﻘﻮﻟﻪ اﻟﻘﺮﺁن ﻋﻦ ﻗﺼﺔ اﻟﺨﻠﻖ‪ ..‬ﻓﻤﺎ ﻗﺎم اﻟﺪﻳﻦ‬
‫أﺑﺪا ﻣﻨﻌﺰﻻ ﻋﻦ اﻟﺤﻴﺎة و ﻻ ﻗﺎم ﻟﻴﻌﺎدي اﻟﻌﻠﻢ ﺑﻞ إﻧﻪ ﻗﺎم ﻟﻴﻘﺪم ﻟﻨﺎ ﻣﻨﺘﻬﻰ اﻟﻌﻠﻢ‪ ..‬و ﻟﻴﻘﻮدﻧﺎ إﻟﻰ اﻟﻴﻘﻴﻦ ﻓﻲ‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪82‬‬
 ‫ﻣﻘﺎﺑﻞ اﻟﺸﻚ و اﻻﺣﺘﻤﺎل و اﻟﺘﺮﺟﻴﺢ‪ ..‬ﺟﺎء ﻟﻴﻘﻮل آﻠﻤﺔ أﺧﻴﺮة‪ ..‬ﻓﻼ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻧﺨﻮض ﻓﻴﻪ دون أن‬
‫ﻧﺨﻮض ﻓﻲ آﻞ ﺷﻲء‪ ..‬و دون أن ﻧﺜﻴﺮ اﻟﻘﻀﻴﺔ آﺎﻣﻠﺔ ﺑﺮﻣﺘﻬﺎ ﻋﻠﻤﺎ و دﻳﻨﺎ و ﻓﻠﺴﻔﺔ و ﺳﻴﺎﺳﺔ‪.‬‬

‫و هﺬا ﻳﺮدﻧﻲ إﻟﻰ آﺘﺎﺑﻴﻦ آﺘﺒﺘﻬﻤﺎ و ﻗﺪﻣﺖ ﻓﻴﻬﻤﺎ اﻹﺷﻜﺎل ﺟﻤﻠﺔ و ﺗﻔﺼﻴﻼ هﻤﺎ‪ ) ..‬ﻟﻐﺰ اﻟﻤﻮت(‪ ..‬و )ﻟﻐﺰ‬
‫اﻟﺤﻴﺎة(‪ ،‬و ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن أﻋﻮد ﻓﺄآﺮر ﻣﺎ ﻗﻠﺘﻪ ﻓﻴﻬﻤﺎ‪ ..‬و ﻟﺬا ﺳﺄآﺘﻔﻲ ﺑﺴﻄﻮر أﻋﻮد ﻓﺄﺛﻴﺮهﺎ ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﻀﻴﻊ‬
‫ﻣﻨﺎ اﻟﺴﻴﺎق و ﺣﺘﻰ أرﺑﻂ ﻣﻌﻲ اﻟﻘﺎرئ ﻓﻲ اﻟﻔﻜﺮة اﻟﻜﻠﻴﺔ‪.‬‬

‫أﻋﻮد إﻟﻰ اﻟﺤﻴﺎة‪ ..‬و إﻟﻰ ﻣﺒﺪﺋﻬﺎ و أﻟﺘﻘﻂ ) داروﻳﻦ(‪ ..‬أﺑﺎ اﻟﺘﻄﻮر ﻟﻴﺮوي ﻟﻨﺎ رؤﻳﺘﻪ ﻋﻦ ﻣﺴﻴﺮة اﻟﺤﻴﺎة‪ ،‬و‬
‫ﻻ أﺗﻔﻖ ﻣﻊ اﻟﻘﺎﺋﻠﻴﻦ إن آﻞ ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ ) داروﻳﻦ( ﺧﻄﺄ‪ ،‬آﻤﺎ ﻻ أﻗﻮل أﻳﻀﺎ إن آﻞ ﻣﺎ رﺁﻩ ﺻﻮاب‪ ..‬و إﻧﻤﺎ‬
‫هﻲ ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ ﻹﻋﺎدة اﻟﻨﻈﺮ و اﻟﺘﻔﻜﻴﺮ‪.‬‬

‫•••‬

‫و ﻓﻲ رﺣﻠﺔ ﺣﻮل اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻓﻲ اﻟﺒﺎﺧﺮة)) ﺑﻴﺠﻞ (( ﻣﻀﻰ ) داروﻳﻦ( ﻳﺠﻤﻊ اﻟﻌﻴﻨﺎت ﻣﻦ اﻟﺒﺮ و اﻟﺒﺤﺮ و ﻣﻦ‬
‫ﺗﺤﺖ اﻟﻤﺎء و ﻣﻦ ﻓﻮق اﻟﻤﺎء و ﻳﺪرس و ﻳﺘﺄﻣﻞ و ﻳﺪون و ﻳﺠﻤﻊ ﻣﻼﺣﻈﺎﺗﻪ ﻋﻦ اﻷﺣﻴﺎء ﻓﻲ آﺎﻓﺔ أرﺟﺎء‬
‫اﻷرض‪.‬‬

‫و ﻻﺣﻆ ) داروﻳﻦ( ﻋﺪة ﻣﻼﺣﻈﺎت‪:‬‬

‫* إن اﻟﺤﻴﺎة ﺗﺘﻠﻮن و ﺗﺘﻜﻴﻒ و ﺗﻐﻴﺮ ﻣﻦ ﺗﻜﻮﻳﻨﻬﺎ ﻟﺘﺘﻼءم ﻣﻊ ﺑﻴﺌﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺪوام‪.‬‬

‫* اﻹﻧﺴﺎن ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﻘﻄﺒﻴﺔ‪ ،‬ﺳﻤﻴﻦ ﻣﻜﺘﻨﺰ ﺑﺎﻟﺪهﻦ ﺗﻤﺎﻣﺎ ﻣﺜﻞ اﻟﺤﻮت ﻟﻴﻘﻲ ﻧﻔﺴﻪ ﻏﺎﺋﻠﺔ اﻟﺒﺮد‪ ..‬و‬
‫اﻟﺪﺑﺒﺔ ﻣﻐﻄﺎة ﺑﺎﻟﻤﺜﻞ ﺑﻤﻌﺎﻃﻒ ﻣﻦ اﻟﻔﺮاء‪ .‬ﺑﻴﻨﻤﺎ هﻮ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻻﺳﺘﻮاﺋﻴﺔ اﻟﺤﺎرة ﻧﺤﻴﻞ هﺰﻳﻞ أﺳﻮد‪ ،‬و‬
‫آﺄﻧﻤﺎ اﺧﺘﺮع ﻟﺠﻠﺪﻩ ﻣﻈﻠﺔ ﻟﺘﻘﻴﻪ اﻟﺸﻤﺲ‪.‬‬

‫* ﺳﺤﺎﻟﻲ اﻟﻜﻬﻮف اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻴﺶ ﻓﻲ اﻟﻈﻼم ﻻ وﻇﻴﻔﺔ ﻋﻨﺪهﺎ ﻟﻠﺒﺼﺮ‪ ،‬و ﻻ ﻟﻸﻟﻮان‪ ..‬و ﻟﻬﺬا ﻓﻬﻲ ﻋﻤﻴﺎء و‬
‫ﺑﻼ ﻟﻮن‪ ..‬أﻣﺎ ﺳﺤﺎﻟﻲ اﻟﺒﺮاري ﻓﺤﺎدة اﻟﺒﺼﺮ و ﻣﻠﻮﻧﺔ‪.‬‬

‫* أﻓﻮاﻩ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت اﺧﺘﻠﻔﺖ و ﺗﺒﺎﻳﻨﺖ ﺣﺴﺐ وﻇﺎﺋﻔﻬﺎ‪ :‬ﻓﻢ ﻣﺰود ﺑﺄﺳﻨﺎن ﺧﻨﺠﺮﻳﺔ ﺗﻘﻄﻊ و ﺗﻤﺰق ﻣﺜﻞ‬
‫اﻟﻨﻤﺮ‪ ،‬و ﻓﻢ ﻣﺰود ﺑﻤﻨﻘﺎر ﻳﻠﺘﻘﻂ ﻣﺜﻞ اﻟﻄﻴﺮ‪ ،‬و ﻓﻢ ﻣﺰود ﺑﺨﻄﺎف ﻳﺘﺸﺒﺚ آﻤﺎ ﻓﻲ دودة ) اﻻﻧﻜﻠﺴﺘﻮﻣﺎ(‬
‫اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺴﻚ ﺑﺠﺪار اﻷﻣﻌﺎء‪ ..‬و ﻓﻢ ﻣﺰود ﺑﺨﺮﻃﻮم ﻳﻤﺺ آﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﺬﺑﺎﺑﺔ‪ ..‬و ﻓﻢ ﻣﺰود ﺑﺈﺑﺮة ﺗﺤﻘﻦ آﻤﺎ‬
‫ﻓﻲ اﻟﺒﻌﻮﺿﺔ‪ ..‬و ﻓﻢ ﻣﺰود ﺑﻤﻨﺎﺷﻴﺮ و ﻃﻮاﺣﻴﻦ ﺗﻄﺤﻦ و ﺗﻘﺮض آﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﺤﺸﺮات اﻟﻘﺎرﺿﺔ‪.‬‬

‫هﻞ اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ أن اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت أﺻﻠﻬﺎ واﺣﺪ‪ ،‬ﺛﻢ ﺗﻄﻮر هﺬا اﻷﺻﻞ و ﺗﺒﺎﻳﻦ و اﺧﺘﻠﻒ إﻟﻰ هﺬﻩ اﻟﻔﺼﺎﺋﻞ‬
‫اﻟﻤﺘﺒﺎﻳﻨﺔ ﺑﺴﺒﺐ ﺗﺒﺎﻳﻦ اﻟﻈﺮوف و اﻟﺒﻴﺌﺎت؟!‪ ..‬اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت اﻟﺘﻲ دﺑﺖ ﻋﻞ اﻷرض ﻃﻮرت ﻟﻨﻔﺴﻬﺎ أرﺟﻼ‪..‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪83‬‬
 ‫و اﻟﺘﻲ ﻧﺰﻟﺖ إﻟﻰ اﻟﺒﺤﺮ ﺗﺤﻮرت ﻓﻴﻬﺎ اﻷرﺟﻞ إﻟﻰ زﻋﺎﻧﻒ‪ ،‬و اﻟﺘﻲ ﻃﺎرت ﻓﻲ اﻟﺠﻮ ﺗﺤﻮرت ﻓﻴﻬﺎ‬
‫اﻷﻃﺮاف إﻟﻰ أﺟﻨﺤﺔ‪.‬‬

‫إذا آﺎن هﺬا اﻻﺳﺘﻨﺘﺎج ﺻﺤﻴﺤﺎ‪ ،‬ﻓﻼ ﺑﺪ أن ﻳﻜﺸﻒ ﻟﻨﺎ ﺗﺸﺎﺑﻬﺎ ﻓﻲ ﺑﻨﻴﺔ اﻟﺠﻤﻴﻊ‪.‬‬

‫و هﺬا هﻮ ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ اﻟﻤﺸﺮط ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ‪.‬‬

‫ﻓﻔﻲ اﻟﺜﻌﺒﺎن اﻟﺬي ﺑﻼ أرﺟﻞ ﻳﻜﺸﻒ اﻟﺘﺸﺮﻳﺢ ﻋﻦ أرﺟﻞ ﺿﺎﻣﺮة ﻣﺨﺘﻔﻴﺔ ﻓﻲ هﻴﻜﻠﻪ اﻟﻌﻈﻤﻲ‪.‬‬

‫و اﻟﻄﻴﻮر اﻟﺘﻲ ﺗﺒﺪو و آﺄﻧﻬﺎ ﻟﻬﺎ زوﺟﺎ واﺣﺪا ﻣﻦ اﻷﻃﺮاف ﻳﻜﺸﻒ اﻟﺘﺸﺮﻳﺢ أن أﺟﻨﺤﺘﻬﺎ هﻲ اﻟﺰوج‬
‫اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻦ اﻷﻃﺮاف ﺗﺤﻮر ﻟﻴﻼﺋﻢ وﻇﻴﻔﺘﻪ اﻟﺠﺪﻳﺪة‪.‬‬

‫اﻷﺳﻤﺎك اﻟﺘﻲ ﺗﺪب ﻋﻠﻰ اﻷرض و ﺗﺘﻨﻔﺲ ﺑﺮﺋﺎت ﻳﻜﺸﻒ اﻟﺘﺸﺮﻳﺢ ﻋﻦ أن رﺋﺎﺗﻬﺎ هﻲ ﻧﻔﺲ آﻴﺲ اﻟﻌﻮم‬
‫ﺗﺤﻮر ﻟﻴﻼﺋﻢ وﻇﻴﻔﺔ اﻟﺘﻨﻔﺲ اﻟﺠﺪﻳﺪة‪.‬‬

‫زﻋﺎﻧﻒ اﻟﺴﻤﻚ اﻷرﺑﻊ هﻲ ﻧﻔﺲ اﻷﻃﺮاف اﻷرﺑﻌﺔ ﻣﺘﺤﻮرة إﻟﻰ ﻣﺎ ﻳﺸﺒﻪ اﻟﻤﺠﺎدﻳﻒ‪.‬‬

‫ﻋﺪد أﺻﺎﺑﻊ اﻟﻴﺪ و اﻟﻘﺪم ﻓﻴﻨﺎ ﺧﻤﺲ و ﻓﻲ اﻟﻘﺮود ﺧﻤﺲ و ﻓﻲ اﻟﻔﺌﺮان ﺧﻤﺲ و ﻓﻲ اﻟﺴﺤﺎﻟﻲ ﺧﻤﺲ‪ ،‬ﺣﺘﻰ‬
‫اﻟﻮﻃﺎوﻳﻂ ﻟﻬﺎ ﺧﻤﺲ أﺻﺎﺑﻊ ﺿﺎﻣﺮة‪.‬‬

‫اﻟﻘﻠﺐ و اﻟﺪورة اﻟﺪﻣﻮﻳﺔ ﺗﺴﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﺧﻄﺔ واﺣﺪة ﻓﻲ اﻟﺤﻮت آﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﻔﺄر‪ ،‬آﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﻘﺮد‪ ،‬آﻤﺎ ﻓﻲ‬
‫اﻹﻧﺴﺎن‪ ،‬آﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﻮﻃﻮاط‪ .‬ﻧﻔﺲ اﻟﺸﺮاﻳﻴﻦ ﻟﻬﺎ ﻧﻈﺎﺋﺮهﺎ ﻓﻲ آﻞ ﻧﻮع‪ ،‬و اﻟﻘﻠﺐ هﻮ داﺋﻤﺎ ﻧﻔﺲ اﻟﻘﻠﺐ‬
‫ﺑﻐﺮﻓﻪ اﻷرﺑﻊ‪.‬‬

‫و اﻟﺠﻬﺎز اﻟﻌﺼﺒﻲ اﻟﺬي ﻳﺘﺄﻟﻒ ﻣﻦ ﻣﺦ و ﺣﺒﻞ ﺷﻮآﻲ و أﻋﺼﺎب ﺣﺲ‪ ،‬و أﻋﺼﺎب ﺣﺮآﺔ‪ ،‬هﻮ ﻧﻔﺲ‬
‫اﻟﺠﻬﺎز اﻟﻌﺼﺒﻲ ﻓﻲ اﻟﻜﻞ‪.‬‬

‫و اﻟﺠﻬﺎز اﻟﻌﻀﻠﻲ ﺑﻌﻀﻼﺗﻪ و اﻟﻬﻴﻜﻞ اﻟﻌﻈﻤﻲ ﺑﻌﻈﺎﻣﻪ ﻋﻈﻤﺔ ﻋﻈﻤﺔ‪ ..‬آﻞ ﻋﻈﻤﺔ ﻟﻬﺎ ﻧﻈﻴﺮهﺎ ﻣﻊ‬
‫اﺧﺘﻼﻓﺎت ﻃﻔﻴﻔﺔ ﻓﻲ اﻟﺸﻜﻞ ﻟﺘﻼﺋﻢ اﻟﻮﻇﻴﻔﺔ ﻓﻲ آﻞ ﺣﻴﻮان‪.‬‬

‫و اﻟﺠﻬﺎز اﻟﺘﻨﺎﺳﻠﻲ ﻧﻔﺲ اﻟﺨﺼﻴﺔ و اﻟﻤﺒﻴﺾ و ﻗﻨﻮات اﻟﺨﺼﻴﺔ و اﻟﻤﺒﻴﺾ و اﻟﺮﺣﻢ ﻓﻲ آﻞ ﺣﻴﻮان‪.‬‬

‫و ﻓﺘﺮة اﻟﺤﻤﻞ ﻋﻨﺪﻧﺎ ﺗﺴﻌﺔ أﺷﻬﺮ‪ ،‬و ﻓﻲ اﻟﻘﺮود اﻟﻌﻠﻴﺎ ﺗﺴﻌﺔ أﺷﻬﺮ و ﻓﻲ اﻟﺤﻴﺘﺎن ﺗﺴﻌﺔ أﺷﻬﺮ‪ ..‬ﺣﺘﻰ ﻓﺘﺮة‬
‫اﻟﺮﺿﺎﻋﺔ ﻓﻲ اﻟﺠﻤﻴﻊ ﺳﻨﺘﺎن‪.‬‬

‫ﺛﻢ ﺧﺒﻄﺔ أﺧﺮى‪ :‬ﻳﻜﺸﻒ اﻟﺘﺸﺮﻳﺢ ﻓﻲ اﻟﻬﻴﻜﻞ اﻟﻌﻈﻤﻲ ﻟﻺﻧﺴﺎن ﻧﻔﺲ ﻓﻘﺮات اﻟﺬﻳﻞ اﻟﺘﻲ ﻓﻲ اﻟﻘﺮود‪ ،‬و ﻗﺪ‬
‫ﺗﺪاﻣﺠﺖ و اﻟﺘﺤﻤﺖ ﻻﻧﻌﺪام وﻇﺎﺋﻔﻬﺎ‪ ..‬ﺣﺘﻰ ﻋﻀﻼت اﻟﺬﻳﻞ ﻗﺪ ﺗﺤﻮرت إﻟﻰ ﻗﺎع ﻣﺘﻴﻦ ﻟﻠﺤﻮض‪.‬‬

‫و ﻓﻘﺮات اﻟﺮﻗﺒﺔ ﻓﻲ اﻹﻧﺴﺎن ﻋﺪدهﺎ ﺳﺒﻊ و ﻓﻲ اﻟﺰراﻓﺔ ﺑﺮﻏﻢ ﻃﻮل رﻗﺒﺘﻬﺎ أﻳﻀﺎ ﺳﺒﻊ و ﻓﻲ اﻟﻘﻨﻔﺬ ﺳﺒﻊ‬
‫رﻏﻢ ﻗﺼﺮ رﻗﺒﺘﻪ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪84‬‬
 ‫و ﺧﺒﻄﺔ ﺛﺎﻟﺜﺔ‪ :‬ﻳﻤﺮ اﻟﺠﻨﻴﻦ ﻓﻲ رﺣﻢ أﻣﻪ و هﻮ ﻳﺘﺨﻠﻖ ﻋﻠﻰ ﻣﺮاﺣﻞ‪ ..‬ﻓﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﻳﻜﻮن أﺷﺒﻪ ﺑﺴﻤﻜﺔ و‬
‫ﺗﻜﻮن ﻟﻪ ﺧﻴﺎﺷﻴﻢ‪ ..‬و ﻓﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ أﺧﺮى ﻳﻨﻤﻮ ﻟﻪ ذﻳﻞ ﺛﻢ ﻳﻀﻤﺮ‪ ..‬و ﻓﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺛﺎﻟﺜﺔ ﻳﺘﻐﻄﻰ ﺑﺎﻟﺸﻌﺮ ﺗﻤﺎﻣﺎ‬
‫آﺎﻟﻘﺮود ﺛﻢ ﻳﺒﺪأ اﻟﺸﻌﺮ ﻳﻨﺤﺴﺮ ﻋﻦ ﺟﺴﻤﻪ ﺗﺎرآﺎ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﺻﻐﻴﺮة ﻋﻨﺪ اﻟﺮأس‪.‬‬

‫ﻟﻘﺪ ﻓﻀﺢ اﻟﺠﻨﻴﻦ اﻟﻘﺼﺔ‪ ..‬و آﺸﻒ ﻟﻨﺎ ﻣﺒﺪأ اﻟﺨﻠﻴﻘﺔ و ﻣﺮاﺣﻞ ﺗﻄﻮرهﺎ‪.‬‬

‫و اﻟﻤﺸﺮط و هﻮ ﻳﻌﺒﺚ ﺧﻠﻒ اﻷذن اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻳﻜﺘﺸﻒ ﺷﻴﺌﺎ ﺁﺧﺮ‪ .‬ﻓﻬﺎ هﻲ ذي ﻧﻔﺲ ﻋﻀﻼت اﻷذن اﻟﺘﻲ‬
‫آﺎﻧﺖ ﺗﺤﺮك ﺁذان اﻟﺤﻤﻴﺮ و ﻗﺪ ﺗﻠﻴﻔﺖ و ﺿﻤﺮت ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﻟﻬﺎ وﻇﻴﻔﺔ و ﺣﻴﻨﻤﺎ اﺗﺨﺬت ﺁذﻧﻨﺎ أﺷﻜﺎﻻ‬
‫ﺗﻐﻨﻴﻬﺎ ﻋﻦ اﻟﺤﺮآﺔ‪.‬‬

‫ﺛﻢ هﺎ هﻲ ذي اﻟﺤﻔﺮﻳﺎت ﺗﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﺟﻤﺎﺟﻢ ﺑﺸﺮﻳﺔ ذات ﺷﻜﻞ ﻗﺮدي ﻓﻲ ) اﻟﺘﺮﻧﺴﻔﺎل( و ) ﺑﻜﻴﻦ( و )‬
‫ﺟﺎوة( و ) ﻧﻴﺎﻧﺪرﺗﺎل(‪ ،‬و ﺑﻌﺾ هﺬﻩ اﻟﺠﻤﺎﺟﻢ وﺟﺪت ﻓﻲ آﻬﻮف ﻋﺜﺮ ﺑﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺑﻘﺎﻳﺎ ﺧﺸﺐ ﻣﺘﻔﺤﻢ ﻓﻲ‬
‫ﻣﻮاﻗﺪ ﺗﺪل ﻋﻠﻰ أن أﺻﺤﺎب هﺬﻩ اﻟﺠﻤﺎﺟﻢ ﻗﺪ اآﺘﺸﻔﻮا اﻟﻨﺎر و اﺳﺘﺨﺪﻣﻮهﺎ ﻣﻨﺬ ﻣﻼﻳﻴﻦ اﻟﺴﻨﻴﻴﻦ‪.‬‬

‫ﻟﻢ ﻳﺒﻖ إﻻ أن ﻳﻜﺘﺐ ) داروﻳﻦ( ﻧﻈﺮﻳﺘﻪ ﻓﻲ أﺻﻞ اﻷﻧﻮاع‪.‬‬

‫ﺑﻞ إن اﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﻟﺘﻜﺘﺐ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻓﺘﻘﻮل‪ :‬إن اﻷﻧﻮاع اﻧﺤﺪرت آﻠﻬﺎ ﻣﻦ أﺻﻞ واﺣﺪ ﺗﺒﺎﻳﻦ و اﺧﺘﻠﻒ إﻟﻰ‬
‫ﺷﺠﺮة ﻣﻦ اﻟﻔﺼﺎﺋﻞ و اﻷﻧﻮاع ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺗﺒﺎﻳﻦ اﻟﻈﺮوف و اﻟﺒﻴﺌﺎت‪.‬‬

‫و ﻟﻢ ﻳﻘﻞ ) داروﻳﻦ( إن اﻹﻧﺴﺎن اﻧﺤﺪر ﻣﻦ اﻟﻘﺮد و ﻟﻢ ﻳﻘﻞ إن اﻟﺠﻨﺲ اﻟﺒﺸﺮي ﻣﻦ ﺳﻼﻟﺔ ﺷﻤﺒﺎﻧﺰي أو‬
‫ﻧﺴﻨﺎس و إﻧﻤﺎ هﻲ ﻧﻜﺘﺔ روﺟﺘﻬﺎ اﻟﺼﺤﻒ و اﻧﺘﺸﺮت آﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﻜﺎرﻳﻜﺎﺗﻴﺮ اﻟﺨﻔﻴﻒ اﻟﺪم ) ﻟﻠﺪاروﻳﻨﻴﺔ(‪.‬‬

‫و ﻟﻜﻦ اﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﻓﻲ أﺻﻠﻬﺎ اﻟﻤﻜﺘﻮب ﻻ ﺗﻘﻮل إن أﻳﺎ ﻣﻦ اﻷﺟﻨﺎس اﻟﻤﻮﺟﻮدة ﺧﺮج ﻣﻦ اﻵﺧﺮ‪ ..‬و إﻧﻤﺎ آﻞ‬
‫ﺟﻨﺲ هﻮ ﺑﺬاﺗﻪ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻓﺮع ﻣﺴﺘﻘﻞ ﻣﻦ اﻟﺸﺠﺮة‪ ..‬ﻟﻢ ﻳﺨﺮج ﻓﺮع ﻣﻦ ﻓﺮع – ﻟﻢ ﻳﺨﺮج ﻓﺮع اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻦ‬
‫ﻓﺮع اﻟﻘﺮود – و إﻧﻤﺎ ﺧﺮج آﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻋﻠﻰ ﺣﺪة ﻣﻦ اﻟﺸﺠﺮة اﻷم و هﻤﺎ ﻳﺮﺗﺪان ﻓﻲ اﻷﺻﻮل إﻟﻰ ﻣﻨﺒﻊ‬
‫واﺣﺪ هﻮ اﻟﺨﻠﻴﺔ اﻷوﻟﻰ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﻮﻋﺖ ﺑﻬﺎ اﻟﺒﻴﺌﺎت ﻓﺘﻔﺮﻋﺖ ﺷﺠﺮﺗﻬﺎ إﻟﻰ ﻣﺎ ﻧﺮى ﺣﻮﻟﻨﺎ ﻣﻦ ﺗﺼﺎﻧﻴﻒ‪ ..‬و‬
‫ﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﻳﺨﺮج ﺻﻨﻒ ﻣﻦ ﺻﻨﻒ‪ ..‬ﻓﻜﻞ ﺻﻨﻒ هﻮ ذروة ﻧﻮﻋﻪ و هﻮ ﻣﺴﺘﻘﻞ ﺑﺘﻜﻮﻳﻨﻪ ﻻ ﻳﻠﺪ إﻻ ﻣﺜﻠﻪ‪.‬‬

‫و وﻗﻒ ) داروﻳﻦ( أﻣﺎم ﻇﺎهﺮة اﻟﺘﺮﻗﻲ ﻣﻔﻜﺮا ﻣﺘﺄﻣﻼ‪.‬‬

‫إن آﻼﻣﻪ ﻋﻦ اﻟﺘﻜﻴﻒ و اﻟﺘﻼؤم ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺨﻠﻮق و ﺑﻴﺌﺘﻪ ﻻ ﻳﻔﺴﺮ إﻻ اﻟﺘﺒﺎﻳﻦ اﻟﺨﻠﻘﻲ و اﻟﻮﻇﻴﻔﻲ ﺑﻴﻦ‬
‫اﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎت و ﻟﻜﻨﻪ ﻻ ﻳﻔﺴﺮ ارﺗﻘﺎءهﺎ ﻣﻦ اﻷدﻧﻰ إﻟﻰ اﻷﻋﻠﻰ‪.‬‬

‫و اﺑﺘﻜﺮ ) داروﻳﻦ( ﻟﻨﻔﺴﻪ ﺗﻔﺴﻴﺮا‪ ..‬ﻓﻘﺎل إن اﻟﺘﺮﻗﻲ ﺣﺪث ﺑﺤﻮاﻓﺰ داﺧﻠﻴﺔ ﻣﺎدﻳﺔ ﺑﺤﺘﺔ و ﺑﺪون ﻳﺪ هﺎدﻳﺔ‬
‫ﻣﻦ ﺧﺎرج‪.‬‬

‫ﻣﺠﺮد ﺻﺮاع اﻟﺒﻘﺎء آﺎن اﻟﻐﺮﺑﺎل‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪85‬‬
 ‫آﺎن اﻟﺘﺰاوج ﻳﻠﻘﻲ ﺑﺘﺼﺎﻧﻴﻒ و ﺗﻮاﻟﻴﻒ‪ ..‬اﻟﺘﻮاﻟﻴﻒ اﻟﺘﻲ ﺧﺮﺟﺖ إﻟﻰ اﻟﺤﻴﺎة ﺑﺄرﺟﻞ ﻣﺒﻄﻄﺔ آﺎﻧﺖ أﺻﻠﺢ‬
‫ﻟﻠﻌﻮم و اﺳﺘﻄﺎﻋﺖ أن ﺗﺴﺘﻤﺮ ﻓﻲ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻤﺎﺋﻴﺔ‪ ،‬و اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت اﻟﻤﺎﺋﻴﺔ اﻷﺧﺮى اﻟﺘﻲ ﺣﺎﻓﻈﺖ ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟﺘﺼﻨﻴﻒ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﻟﻸرﺟﻞ اﻟﺒﺮﻳﺔ ﻣﺎﺗﺖ‪.‬‬

‫و هﻜﺬا ﻋﺎش اﻷﺻﻠﺢ و ﻣﺎت اﻷﻗﻞ ﺻﻼﺣﻴﺔ‪ ..‬و ﺣﺪث اﻟﺘﺮﻗﻲ اﻟﺬي ﻧﺮاﻩ ﺗﻠﻘﺎﺋﻴﺎ ﺑﻤﺠﺮد اﻟﺤﻮاﻓﺰ‬
‫اﻟﺤﻴﺎﺗﻴﺔ اﻟﻤﺎدﻳﺔ‪.‬‬

‫و ﻗﺎﻣﺖ اﻟﺰوﺑﻌﺔ ﻋﻠﻰ ) داروﻳﻦ(‪.‬‬

‫و ﻣﻀﺖ ﺳﻨﻮن و ﺳﻨﻮن ﻣﻦ اﻟﺘﻤﺤﻴﺺ و إﻋﺎدة اﻟﻨﻈﺮ‪ ..‬و ﻋﺎش ﻣﻦ ﻧﻈﺮﻳﺔ ) داروﻳﻦ( ﺑﻌﻀﻬﺎ و ﻣﺎت‬
‫ﺑﻌﻀﻬﺎ‪.‬‬

‫ﺣﻜﺎﻳﺔ أن اﻷﻧﻮاع اﻧﺤﺪرت ﻣﻦ أﺻﻞ واﺣﺪ و أﻧﻬﺎ ﺗﺒﺎﻳﻨﺖ إﻟﻰ ﺷﺠﺮة ﻣﻦ اﻟﻔﺼﺎﺋﻞ و اﻷﻧﻮاع ﻧﺘﻴﺠﺔ‬
‫ﺗﺒﺎﻳﻦ اﻟﻈﺮوف و اﻟﺒﻴﺌﺎت آﺎﻧﺖ اﺣﺘﻤﺎﻻ ﻣﺮﺟﺤﺎ أﻗﺮب إﻟﻰ اﻟﺼﺤﺔ ﺗﻘﻮم ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺸﻮاهﺪ‪ .‬ﻓﺎﻟﻮﺷﻴﺠﺔ‬
‫اﻟﻌﺎﺋﻠﻴﺔ ﺗﺮﺑﻂ آﻞ اﻟﺨﻼﺋﻖ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ‪ ..‬و اﻟﺘﺸﺮﻳﺢ ﻳﻘﻮل إﻧﻬﺎ ﺗﺮﺗﺒﻂ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﺒﻌﺾ ﺑﺼﻠﺔ رﺣﻢ و ﻗﺮﺑﻰ‪.‬‬

‫أﻣﺎ ﺣﻜﺎﻳﺔ أن اﻟﺘﺮﻗﻲ ﺣﺪث ﺑﺎﻟﺤﻮاﻓﺰ اﻟﺤﻴﺎﺗﻴﺔ وﺣﺪهﺎ و ﺑﺪون ﻳﺪ هﺎدﻳﺔ ﻓﻠﻢ ﺗﻌﺪ ﻣﻘﻨﻌﺔ‪ ..‬و ﺳﻘﻄﺖ ﻣﻦ‬
‫ﻏﺮﺑﺎل اﻟﻔﻜﺮ اﻟﻤﺪﻗﻖ اﻟﻤﺤﻘﻖ‪.‬‬

‫ﻓﻠﻤﺎذا ﻳﺨﺮج ﻣﻦ ﺷﺠﺮة اﻟﺤﻤﺎر ﺷﻲء آﺎﻟﺤﺼﺎن ﻣﻊ أن اﻟﺤﻤﺎر أآﺜﺮ ﺟﻠﺪا و اﺣﺘﻤﺎﻻ‪ ..‬و ﺑﺄي ﺣﻮاﻓﺰ‬
‫ﻳﺘﻄﻮر ﻣﻦ ﻋﺎﺋﻠﺔ اﻟﻮﻋﻞ ﺷﻲء آﺎﻟﻐﺰال و هﻮ أرهﻒ و أﺿﻌﻒ و أﻗﻞ ﺟﻠﺪا ﻣﻦ اﻟﻮﻋﻞ‪ ..‬و ﺑﺎﻟﻤﺜﻞ‬
‫اﻟﻔﺮاش اﻟﻤﻠﻮن اﻟﺮﻗﻴﻖ أﺑﻄﺄ و أﺿﻌﻒ و أﻗﻞ ﻗﺪرة ﻣﻦ اﻟﺰﻧﺒﻮر اﻟﻄﻨﺎن اﻟﻐﻠﻴﻆ اﻟﺸﻜﻞ‪ ..‬و اﻟﺤﻤﺎم و‬
‫اﻟﻴﻤﺎم و اﻟﻄﻮاوﻳﺲ و اﻟﻌﺼﺎﻓﻴﺮ اﻟﻤﻠﻮﻧﺔ أآﺜﺮ رهﺎﻓﺔ و ﺗﻬﺎﻓﺘﺎ ﻣﻦ اﻟﺼﻘﻮر و اﻟﺤﺪادى و اﻟﻨﺴﻮر‪.‬‬

‫و ﻧﺸﻮء هﺬﻩ اﻷﻧﻮاع ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻔﺴﺮﻩ ﻗﺎﻧﻮن ﺑﻘﺎء اﻷﺻﻠﺢ‪ ،‬و إﻧﻤﺎ ﻗﺎﻧﻮن ﺁﺧﺮ هﻮ ﺑﻘﺎء اﻷﺟﻤﻞ‪.‬‬

‫أﺟﻤﻞ ﻓﻲ ﻋﻴﻦ ﻣﻦ؟‬

‫ﻳﻘﻮل اﻟﻤﻌﻠﻖ اﻟﺨﺒﻴﺚ‪ ..‬أﺟﻤﻞ ﻓﻲ ﻋﻴﻦ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﻌﻀﺎ‪ ..‬اﻟﺬآﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﻳﺨﺘﺎر اﻷﻧﺜﻰ اﻷﺟﻤﻞ‪ ..‬إﻧﻪ اﻧﺘﻘﺎء‬
‫ﺟﻨﺴﻲ‪ ..‬إﻧﻨﺎ ﻣﺎزﻟﻨﺎ أﻣﺎم اﻟﺤﻮاﻓﺰ اﻟﺤﻴﺎﺗﻴﺔ اﻟﻤﺎدﻳﺔ‪.‬‬

‫و هﻮ ﻗﻮل ﻣﺮدود ﻋﻠﻴﻪ‪.‬‬

‫ﻓﻠﻤﺎذا ﻳﺨﺘﺎر اﻟﺬآﺮ اﻷﻧﺜﻰ اﻷﺟﻤﻞ؟ إن اﻟﻘﻀﻴﺔ ﻣﺎزاﻟﺖ ﺗﻄﺮح ﻧﻔﺴﻬﺎ‪ ..‬إن اﻟﺠﻨﺎح اﻟﻤﻨﻘﻮش ﻟﻴﺲ أﺻﻠﺢ‬
‫ﻟﻠﻄﻴﺮان ﻣﻦ اﻟﺠﻨﺎح اﻟﺴﺎدة‪.‬‬

‫ﻻ ﺗﻮﺟﺪ ﻣﺼﻠﺤﺔ ﺣﻴﺎﺗﻴﺔ هﻨﺎ‪ ..‬و إﻧﻤﺎ هﻨﺎ ﻗﻴﻤﺔ ﺟﻤﺎﻟﻴﺔ ﻋﻠﻴﺎ ﺗﻔﺮض ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺤﻮاﻓﺰ‪ ..‬هﻨﺎ ﻋﻘﻞ‬
‫اﻟﻔﻨﺎن اﻟﻤﺒﺪع اﻟﺬي ﻳﺠﻤﻞ ﻣﺨﻠﻮﻗﺎﺗﻪ‪ ..‬ﻧﻠﻤﺲ ﺁﺛﺎرﻩ ﻓﻲ ورق اﻟﺸﺠﺮ و أﻟﻮان اﻟﺰهﺮ و أﺟﻨﺤﺔ اﻟﻔﺮاش و‬
‫رﻳﺶ اﻟﻄﻮاوﻳﺲ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪86‬‬
 ‫آﻤﺎ ﻧﻘﻒ ﻣﺬهﻮﻟﻴﻦ أﻣﺎم ﺑﻌﺾ اﻷﺷﺠﺎر اﻟﺼﺤﺮاوﻳﺔ إذ ﻧﺠﺪ أن اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺧﺼﺘﻬﺎ ﺑﺒﺬور ﻣﺠﻨﺤﺔ ﻟﺘﻄﻴﺮ‬
‫ﻣﺤﻠﻘﺔ ﺗﻘﻄﻊ أﻣﻴﺎل اﻟﺼﺤﺎري اﻟﺠﺮد ﻟﺘﺠﺪ ﻓﺮﺻﻬﺎ اﻟﻘﻠﻴﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺎء‪ ..‬أو ﻧﺘﺄﻣﻞ ﺑﻴﺾ اﻟﺒﻌﻮض ﻓﻨﻜﺘﺸﻒ‬
‫أﻧﻪ ﻳﻤﻠﻚ أآﻴﺎﺳﺎ هﻮاﺋﻴﺔ ﻟﻠﻄﻔﻮ‪ ،‬ﻟﻴﻌﻮم ﻓﻲ اﻟﻤﺎء و ﻻ ﻳﻐﺮق‪..‬‬

‫آﻞ هﺬا ﻻ ﻳﻔﺴﺮﻩ إﻻ ﻋﻘﻞ آﻠﻲ ﻳﻔﻜﺮ و ﻳﻬﻨﺪس ﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺗﻪ ﻓﻼ أﺷﺠﺎر اﻟﺼﺤﺎري ﺗﻌﻘﻞ ﻟﺘﺰود ﺑﺬورهﺎ‬
‫ﺑﺄﺟﻨﺤﺔ و ﻻ اﻟﺒﻌﻮض ﻳﻌﺮف ﻗﻮاﻧﻴﻦ ) أرﺷﻤﻴﺪس( ﻓﻲ اﻟﻄﻔﻮ ﻟﻴﺰود ﺑﻴﻀﻪ ﺑﻮﺳﻴﻠﺔ ﻟﻠﻌﻮم‪.‬‬

‫هﺬﻩ أﻣﻮر ﺗﻌﺠﺰ أﻣﺎﻣﻬﺎ ﻧﻈﺮﻳﺔ ) داروﻳﻦ( ﺗﻤﺎﻣﺎ و ﻻ ﻳﻔﺴﺮهﺎ إﻻ وﺟﻮد ﺧﺎﻟﻖ ﻋﻠﻴﻢ ﻗﺪﻳﺮ ﻳﻬﻨﺪس اﻟﻮﺟﻮد‬
‫و ﻳﺼﻤﻤﻪ و ﻳﻨﺸﺌﻪ إﻧﺸﺎء‪ ،‬و ﻣﺎ ﻳﺠﺮي أﻣﺎﻣﻨﺎ ﻟﻴﺲ ﺗﻄﻮرا‪ ،‬ﺑﻞ ﺗﻄﻮﻳﺮا ﻣﺮادا ﻣﺪﺑﺮا و ﻣﺘﻌﻤﺪا ﻣﻦ ﻳﺪ‬
‫ﺧﺎﻟﻘﺔ ﻣﺒﺪﻋﺔ هﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻮم ﺑﺎﻟﺘﻌﺪﻳﻞ و اﻟﺘﺤﺴﻴﻦ‪.‬‬

‫و ﻟﻨﺸﺮح هﺬا اﻟﻜﻼم أآﺜﺮ ﺳﻮف ﻧﺘﺼﻮر ﺣﻜﺎﻳﺔ ﺧﻴﺎﻟﻴﺔ اﻓﺘﺮاﺿﻴﺔ‪ ..‬ﺳﻮف ﻧﺘﺼﻮر أﻧﻨﺎ ﻧﻌﺎﻧﻲ ﻧﻘﺼﺎ‬
‫ﺧﺎﺻﺎ ﻓﻲ ﺣﺎﺳﺔ اﻟﺒﺼﺮ‪ ..‬و هﻮ ﻧﻘﺺ ﻳﺠﻌﻠﻨﺎ ﻧﺮى اﻵﻻت اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ دون أن ﻧﺮى ﺻﺎﻧﻌﻬﺎ‪ ..‬و هﻜﺬا‬
‫ﺳﻮف ﻧﺮى ﻋﺮﺑﺔ اﻟﻴﺪ و ﻋﺮﺑﺔ ) اﻟﻜﺎرو( و اﻟﻌﺮﺑﺔ ) اﻟﺤﻨﻄﻮر( و اﻟﺴﻴﺎرة و اﻟﻘﻄﺎر و ) اﻟﺪﻳﺰل( دون‬
‫أن ﻧﺮى اﻹﻧﺴﺎن‪ ..‬و ﺳﻮف ﻧﻘﻮل إن هﺬﻩ أﺷﻴﺎء ﺗﻄﻮرت ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻣﻦ ﺑﻌﺾ ﻋﻠﻰ ﺳﻠﺴﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﺮاﺣﻞ‪ .‬و‬
‫ﺳﻮف ﻧﺪﻟﻞ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﺑﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﻣﻦ ﺗﺸﺎﺑﻪ ﺗﺸﺮﻳﺤﻲ‪ .‬ﻓﻜﻞ هﺬﻩ اﻟﻜﺎﺋﻨﺎت ﺗﺘﺸﺎﺑﻪ ﻓﻲ أﻧﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﺎدة اﻟﺤﺪﻳﺪ و‬
‫اﻟﺨﺸﺐ و اﻟﺠﻠﺪ و ﺗﺘﺮآﺐ ﻣﻦ ﺟﺴﻢ و ﻋﺠﻼت‪ ..‬و ﺑﻴﻦ اﻟﺴﻴﺎرة و ) اﻟﺪﻳﺰل( و اﻟﻘﻄﺎر ﺳﻮف ﻧﺮى أن‬
‫هﻨﺎك ) ﻣﻮﺗﻮرا( ﻳﺘﺄﻟﻒ ﻣﻦ )ﺳﻠﻨﺪر وﺑﺴﺘﻢ(‪ ،‬ﻣﺮة ﻳﺸﺘﻐﻞ ﺑﺎﻟﺒﻨﺰﻳﻦ و ﻣﺮة ﺑﺎﻟﺒﺨﺎر و ﻣﺮة ﺑﺰﻳﺖ اﻟﺒﺘﺮول‪.‬‬

‫و ﻷﻧﻨﺎ ﻻ ﻧﺮى اﻟﺼﺎﻧﻊ اﻟﺬي ﺻﻨﻌﻬﺎ ﺟﻤﻴﻌﺎ ﻓﺴﻨﻘﻮل إﻧﻬﺎ ﺗﻄﻮرت ﺑﻌﻮاﻣﻞ داﺧﻠﻴﺔ ﻓﻴﻬﺎ‪ ..‬ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺻﺮاﻋﻬﺎ‬
‫ﻣﻊ اﻟﺒﻴﺌﺔ و ﺑﻘﺎء اﻷﺻﻠﺢ ﺑﻌﺪ ﻣﻌﺎرك اﻟﺒﻘﺎء اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ‪.‬‬

‫و ﺳﻮف ﻧﻨﻜﺮ اﻟﻌﺎﻣﻞ اﻟﺨﺎرﺟﻲ ﻷﻧﻨﺎ ﻻ ﻧﺮاﻩ‪.‬‬

‫ﻓﻨﺤﻦ ﻧﺮى أﻧﻬﺎ ﺗﺘﺤﺮك ﺑﻤﺤﺮك داﺧﻠﻲ ﻓﻴﻬﺎ‪.‬‬

‫و هﺬا هﻮ اﻟﺨﻄﺄ اﻟﺬي وﻗﻊ ﻓﻴﻪ ) داروﻳﻦ( ﻓﻲ ﻧﻈﺮﻳﺘﻪ ﻋﻦ اﻟﻨﺸﻮء و اﻻرﺗﻘﺎء ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻗﺎل إن ﻋﻮاﻣﻞ‬
‫اﻟﺘﻄﻮر هﻲ ﻋﻮاﻣﻞ داﺧﻠﻴﺔ و إن اﻟﺤﻴﺎة ﺗﺘﻘﺪم ﺑﺤﻮاﻓﺰ ﺑﺎﻃﻨﻴﺔ دون ﻳﺪ هﺎدﻳﺔ ﺗﺮﺷﺪهﺎ‪ ..‬ﺗﺘﻘﺪم ﺑﻔﻌﻞ اﻵﻟﻴﺎت‬
‫اﻟﻤﺎدﻳﺔ داﺧﻠﻬﺎ‪ ..‬ﻟﻤﺠﺮد أﻧﻪ ﻻ ﻳﺮى ﻳﺪ اﻟﺼﺎﻧﻊ اﻟﺨﺎﻟﻖ اﻟﻤﺒﺪع و هﻲ ﺗﺒﺪع و ﺗﺨﻠﻖ‪.‬‬

‫ﻧﺤﻦ إذن أﻣﺎم ﻧﻈﺮﻳﺔ اآﺘﺸﻔﺖ اﻟﻮﺷﺎﺋﺞ اﻟﻌﺎﺋﻠﻴﺔ ﺑﻴﻦ أﺳﺮة اﻷﺣﻴﺎء ﻣﻦ ﻧﺒﺎت و ﺣﻴﻮان و إﻧﺴﺎن‪ ،‬و ﻟﻜﻨﻬﺎ‬
‫ﻟﻢ ﺗﺴﺘﻄﻊ أن ﺗﻔﺴﺮ ﻟﻨﺎ آﻴﻒ ﺣﺪث اﻟﺘﺮﻗﻲ ﺑﻴﻨﻬﺎ‪.‬‬

‫ﻓﺈذا اﻧﺘﻘﻠﻨﺎ إﻟﻰ آﻼم اﻟﻌﻠﻢ ﻋﻦ ﻣﺒﺪأ اﻟﺤﻴﺎة‪ ..‬ﻓﻨﺤﻦ أﻣﺎم إﺟﻤﺎع ﺑﺄن اﻟﺤﻴﺎة ﺑﺪأت ﻣﻦ اﻟﻤﺎء‪ ..‬ﻣﻦ ﻣﺎء‬
‫اﻟﻤﺴﺘﻨﻘﻌﺎت اﻟﺬي ﺗﺨﺘﻤﺮ ﻓﻴﻪ اﻟﻤﺎدة و ﺗﺘﺤﻠﻞ و ﺗﺘﺮآﺐ ﺑﻘﻮة ﻏﻴﺮ ﻣﻌﺮوﻓﺔ إﻟﻰ اﻟﺸﻜﻞ اﻷول ﻟﻠﺤﻴﺎة‪) ..‬‬
‫اﻟﺒﺮوﺗﻮﺑﻼزم(‪ ..‬ﻻ أﺣﺪ ﻳﻌﺮف آﻴﻒ ﻧﺸﺄ ﻣﻦ اﻟﻤﺎء و اﻟﺘﺮاب‪.‬‬

‫ﻓﺈذا ﺟﺌﻨﺎ إﻟﻰ ﻣﺒﺪأ اﻟﻜﻮن آﻠﻪ‪ ..‬ﺑﻨﺠﻮﻣﻪ و ﺷﻤﻮﺳﻪ و آﻮاآﺒﻪ ﻓﻨﺤﻦ أﻣﺎم إﺟﻤﺎع ﻣﻦ ﻋﻠﻤﺎء اﻟﻔﻠﻚ ﺑﺄن آﻞ‬
‫ﺷﻲء ﻧﺸﺄ ﻣﻦ اﻟﻬﻮاء ﻣﻦ ﺳﺤﺐ اﻟﻐﺎز و اﻟﺘﺮاب اﻷوﻟﻴﺔ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪87‬‬
‫ﺗﻜﺎﺛﻔﺖ هﺬﻩ اﻟﺴﺤﺐ ﻣﻦ اﻟﻐﺎز و اﻟﺘﺮاب ﺑﻔﻌﻞ اﻟﺠﺎذﺑﻴﺔ ﺑﻴﻦ ذراﺗﻬﺎ إﻟﻰ أﻧﻮﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﻮﺳﻂ هﻲ اﻟﺸﻤﻮس و‬
‫إﻟﻰ ﺗﻜﺜﻔﺎت أﺻﻐﺮ ﺣﻮﻟﻬﺎ هﻲ اﻟﻜﻮاآﺐ‪.‬‬

‫هﺬا ﻣﺒﻠﻐﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻢ ﻓﻲ ﻗﻀﻴﺔ اﻟﺨﻠﻖ ﻓﻲ ﻋﺮض ﺳﺮﻳﻊ ﻣﻮﺟﺰ‪.‬‬

‫ﻓﻤﺎذا ﻗﺎل اﻟﻘﺮﺁن ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﻌﺮض ﻟﻬﺬﻩ اﻟﻘﻀﻴﺔ ﻣﻨﺬ أرﺑﻌﺔ ﻋﺸﺮ ﻗﺮﻧﺎ ﻣﻦ اﻟﺰﻣﺎن؟ و ﻣﺎذا ﺟﺎء ﻋﻠﻰ ﻟﺴﺎن‬
‫ذﻟﻚ اﻟﻨﺒﻲ اﻷﻣﻲ اﻟﺬي ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﻌﺮف ﻻ هﻮ و ﻻ ﻗﻮﻣﻪ و ﻻ ﻋﺼﺮﻩ ﻣﻌﻨﻰ آﻠﻤﺔ ) ﺑﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ( و )‬
‫ﺟﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ( و آﻴﻤﻴﺎء ﻋﻀﻮﻳﺔ و ﻋﻠﻢ أﺟﻨﺔ و ﺗﺸﺮﻳﺢ و ) أﻧﺜﺮوﺑﻮﻟﻮﺟﻴﺎ( ؟‬

‫•••‬

‫اﻟﻘﺮﺁن ﻟﻪ أﺳﻠﻮﺑﻪ اﻟﻤﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ آﻞ اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ‪ ..‬و هﻮ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﺸﻴﺮ إﻟﻰ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﻋﻠﻤﻴﺔ ﻻ ﻳﻌﺮﺿﻬﺎ آﻤﺎ‬
‫ﻳﻌﺮﺿﻬﺎ ) أﻳﻨﺸﺘﻴﻦ( ﺑﺎﻟﻤﻌﺎدﻻت‪ ..‬و ﻻ آﻤﺎ ﻳﻌﺮﺿﻬﺎ ﻋﺎﻟﻢ ) ﺑﻴﻮﻟﻮﺟﻲ( ﺑﺮواﻳﺔ اﻟﺘﻔﺎﺻﻴﻞ اﻟﺘﺸﺮﻳﺤﻴﺔ‪ ..‬و‬
‫إﻧﻤﺎ ﻳﻘﺪﻣﻬﺎ ﺑﺎﻹﺷﺎرة و اﻟﺮﻣﺰ و اﻟﻤﺠﺎز و اﻻﺳﺘﻌﺎرة و اﻟﻠﻤﺤﺔ اﻟﺨﺎﻃﻔﺔ و اﻟﻌﺒﺎرة اﻟﺘﻲ ﺗﻮﻣﺾ ﻓﻲ‬
‫اﻟﻌﻘﻞ آﺒﺮق ﺧﺎﻃﻒ‪ ،‬إﻧﻪ ﻳﻠﻘﻲ ﺑﻜﻠﻤﺔ ﻗﺪ ﻳﻔﻮت ﻓﻬﻤﻬﺎ و ﺗﻔﺴﻴﺮهﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺎﺻﺮﻳﻬﺎ‪ ..‬و ﻟﻜﻨﻪ ﻳﻌﻠﻢ أن‬
‫اﻟﺘﺎرﻳﺦ و اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﺳﻮف ﻳﺸﺮح هﺬﻩ اﻟﻜﻠﻤﺔ و ﻳﺜﺒﺘﻬﺎ ﺗﻔﺼﻴﻼ‪.‬‬

‫)) ﺳﻨﺮﻳﻬﻢ ﺁﻳﺎﺗﻨﺎ ﻓﻲ اﻵﻓﺎق و ﻓﻲ أﻧﻔﺴﻬﻢ ﺣﺘﻰ ﻳﺘﺒﻴﻦ ﻟﻬﻢ أﻧﻪ اﻟﺤﻖ(( )‪ – 53‬ﻓﺼﻠﺖ(‬

‫و اﷲ ﻳﻘﻮل ﻋﻦ آﻼﻣﻪ‪:‬‬

‫)) و ﻣﺎ ﻳﻌﻠﻢ ﺗﺄوﻳﻠﻪ إﻻ اﷲ‪ – 7) ((..‬ﺁل ﻋﻤﺮان(‬

‫و ﻳﻘﻮل ﻋﻦ اﻟﻘﺮﺁن‪:‬‬

‫)) ﺛﻢ إن ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺑﻴﺎﻧﻪ(( )‪ – 19‬اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ(‬

‫أي أﻧﻪ ﺳﻮف ﻳﺸﺮﺣﻪ و ﻳﺒﻴﻨﻪ ﻓﻲ ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ اﻷﻋﺼﺮ و اﻟﺪهﻮر‪.‬‬

‫ﻓﻤﺎذا ﻗﺎل اﻟﻘﺮﺁن ﻋﻦ ﻗﺼﺔ اﻟﺨﻠﻖ؟‬

‫إﻧﻪ ﻳﻘﻮل ﻋﻦ اﷲ ﻓﻲ اﻟﺒﺪء اﻷول‪:‬‬

‫)) ﺛﻢ اﺳﺘﻮى إﻟﻰ اﻟﺴﻤﺎء و هﻲ دﺧﺎن‪ – 11) ((..‬ﻓﺼﻠﺖ(‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪88‬‬
 ‫ﻓﻲ اﻟﺒﺪء آﺎن ﺷﻴﺌﺎ آﺎﻟﺪﺧﺎن ﺟﺎء ﻣﻨﻪ اﻟﻜﻮن ﺑﻨﺠﻮﻣﻪ و ﺷﻤﻮﺳﻪ‪:‬‬

‫)) ﻳﻜﻮر اﻟﻠﻴﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻬﺎر و ﻳﻜﻮر اﻟﻨﻬﺎر ﻋﻠﻰ اﻟﻠﻴﻞ‪ – 5) ((..‬اﻟﺰﻣﺮ(‬

‫و هﻲ ﺁﻳﺔ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﻔﺴﻴﺮهﺎ إﻻ أن ﻧﺘﺼﻮر أن اﻷرض آﺮوﻳﺔ و اﻟﻠﻴﻞ و اﻟﻨﻬﺎر آﻨﺼﻔﻲ اﻟﻜﺮة ﻳﻨﺰﻟﻖ‬
‫اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻋﻠﻰ اﻵﺧﺮ ﺑﻔﻌﻞ دوران هﺬﻩ اﻟﻜﺮة اﻟﻤﺴﺘﻤﺮ‪ ..‬ﺑﻞ إن اﺳﺘﻌﻤﺎل ﻟﻔﻆ )) ﻳﻜﻮر(( هﻮ‬
‫اﺳﺘﻌﻤﺎل ﻏﺮﻳﺐ ﺗﻤﺎﻣﺎ‪ ..‬و ﻳﻔﺮض ﻋﻠﻴﻨﺎ هﺬاﻟﺘﻔﺴﻴﺮ ﻓﺮﺿﺎ‪:‬‬
‫)) و اﻟﻘﻤﺮ ﻗﺪرﻧﺎﻩ ﻣﻨﺎزل ﺣﺘﻰ ﻋﺎد آﺎﻟﻌﺮﺟﻮن اﻟﻘﺪﻳﻢ(( )‪ – 39‬ﻳﺲ(‬

‫و اﻟﻌﺮﺟﻮن هﻮ ﻓﺮع اﻟﻨﺨﻞ اﻟﻘﺪﻳﻢ اﻟﻴﺎﺑﺲ ﻻ ﺧﻀﺮة ﻓﻴﻪ و ﻻ ﻣﺎء و ﻻ ﺣﻴﺎة‪.‬‬

‫)) ﻻ اﻟﺸﻤﺲ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻬﺎ أن ﺗﺪرك اﻟﻘﻤﺮ و ﻻ اﻟﻠﻴﻞ ﺳﺎﺑﻖ اﻟﻨﻬﺎر و آﻞ ﻓﻲ ﻓﻠﻚ ﻳﺴﺒﺤﻮن(( )‪ - 40‬ﻳﺲ(‬

‫ﺑﻞ إﻧﻪ ﻳﺼﻒ اﻟﻔﻀﺎء ﺑﺄن ﻓﻴﻪ ﻃﺮﻗﺎ و ﻣﺠﺎري و ﻣﺴﺎرات‪.‬‬

‫)) و اﻟﺴﻤﺎء ذات اﻟﺤﺒﻚ(( )‪ – 7‬اﻟﺬارﻳﺎت(‬

‫و اﻟﺤﺒﻚ هﻲ اﻟﻤﺴﺎرات‪.‬‬

‫و ﻳﺼﻒ اﻷرض ﺑﺄﻧﻬﺎ آﺎﻟﺒﻴﻀﺔ‪:‬‬

‫)) و اﻷرض ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ دﺣﺎهﺎ(( )‪ – 30‬اﻟﻨﺎزﻋﺎت(‬

‫و دﺣﺎهﺎ أي ﺟﻌﻠﻬﺎ آﺎﻟﺪﺣﻴﺔ ) اﻟﺒﻴﻀﺔ( و هﻮ ﻣﺎ ﻳﻮاﻓﻖ أﺣﺪث اﻵراء اﻟﻔﻠﻜﻴﺔ ﻋﻦ ﺷﻜﻞ اﻷرض‪.‬‬

‫و ﻳﻘﺪم ﻓﻜﺮة اﻟﺤﺮآﺔ اﻟﺨﻔﻴﺔ ﻣﻦ وراء اﻟﺴﻜﻮن اﻟﻈﺎهﺮ‪:‬‬

‫)) و ﺗﺮى اﻟﺠﺒﺎل ﺗﺤﺴﺒﻬﺎ ﺟﺎﻣﺪة و هﻲ ﺗﻤﺮ ﻣﺮ اﻟﺴﺤﺎب‪ – 88) ((..‬اﻟﻨﻤﻞ(‬

‫و ﺗﺸﺒﻴﻪ اﻟﺠﺒﻞ ﺑﺴﺤﺎﺑﺔ هﻮ ﺗﺸﺒﻴﻪ ﻳﻘﺘﺮح ﻋﻠﻰ اﻟﺬهﻦ ﺗﻜﻮﻳﻨﺎ ذرﻳﺎ ﻓﻀﻔﺎﺿﺎ ﻣﺨﻠﺨﻼ‪ ،‬و هﻮ ﻣﺎ ﻋﻠﻴﻪ‬
‫اﻟﺠﺒﻞ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ‪ ،‬ﻓﻤﺎ اﻷﺷﻜﺎل اﻟﺠﺎﻣﺪة إﻻ وهﻢ‪ ،‬و آﻞ ﺷﻲء ﻳﺘﺄﻟﻒ ﻣﻦ ذرات ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﺣﺮآﺔ‪ ..‬و اﻷرض‬
‫آﻠﻬﺎ ﺑﺠﺒﺎﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﺣﺮآﺔ‪.‬‬

‫و ﻣﺎ ﻳﻘﻮﻟﻪ اﻟﻤﻔﺴﺮون اﻟﻘﺪاﻣﻰ ﻣﻦ أن هﺬﻩ اﻵﻳﺔ ﺗﺼﻒ ﻣﺎ ﻳﺤﺪث ﻳﻮم اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ‪ ..‬هﻮ ﺗﻔﺴﻴﺮ ﻏﻴﺮ ﺻﺤﻴﺢ‬
‫ﻷن ﻳﻮم اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ هﻮ ﻳﻮم اﻟﻴﻘﻴﻦ و اﻟﻌﻴﺎن اﻟﻘﺎﻃﻊ و ﻻ ﻳﻘﺎل ﻓﻲ ﻣﺜﻞ هﺬا اﻟﻴﻮم )) و ﺗﺮى اﻟﺠﺒﺎل‬
‫ﺗﺤﺴﺒﻬﺎ((‪ ..‬ﻓﻼ ﻣﻮﺟﺐ ﻟﺸﻚ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻴﻮم‪.‬‬

‫)) و ﻳﺴﺄﻟﻮﻧﻚ ﻋﻦ اﻟﺠﺒﺎل ﻓﻘﻞ ﻳﻨﺴﻔﻬﺎ رﺑﻲ ﻧﺴﻔﺎ(( )‪ – 105‬ﻃﻪ(‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪89‬‬
 ‫هﺬﻩ هﻲ اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﺑﺤﻖ‪ ،‬ﻻ ﻣﺠﺎل هﻨﺎ ﻷن ﺗﻨﻈﺮ اﻟﻌﻴﻦ ﻓﺘﺤﺴﺐ اﻟﺸﻲء ﻗﺎﺋﻤﺎ و هﻮ ﻳﻨﺴﻒ‪ ..‬ﻓﺎﻵﻳﺔ إذن‬
‫وﺻﻒ ﻟﺤﺎل اﻟﺠﺒﺎل ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ و ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻜﻮن ﻏﻴﺮ ذﻟﻚ‪.‬‬

‫ﺛﻢ ﻳﺮوي ﻟﻨﺎ اﻟﻘﺮﺁن ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻣﺎ ﻳﺤﺪث ﻟﻤﻴﺎﻩ اﻷﻣﻄﺎر‪:‬‬

‫)) أﻟﻢ ﺗﺮ أن اﷲ أﻧﺰل ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎء ﻣﺎء ﻓﺴﻠﻜﻪ ﻳﻨﺎﺑﻴﻊ ﻓﻲ اﻷرض‪ – 21) ((..‬اﻟﺰﻣﺮ(‬

‫و هﻮ ﺑﺬﻟﻚ ﻳﺸﺮح دورة اﻟﻤﻴﺎﻩ اﻟﺠﻮﻓﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎء إﻟﻰ ﺳﻄﺢ اﻷرض إﻟﻰ ﺟﻮﻓﻬﺎ إﻟﻰ ﺧﺰاﻧﺎت ﺟﻮﻓﻴﺔ ﺛﻢ‬
‫إﻟﻰ ﻧﺎﻓﻮرات و ﻳﻨﺎﺑﻴﻊ ﺗﻌﻮد إﻟﻰ ﺳﻄﺢ اﻷرض ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ‪.‬‬

‫ﺛﻢ ﻳﺄﺗﻲ ذآﺮ اﻟﺤﻴﺎة‪.‬‬

‫)) و ﺟﻌﻠﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﺎء آﻞ ﺷﻲء ﺣﻲ‪ – 30) ((..‬اﻷﻧﺒﻴﺎء(‬

‫)) و اﷲ ﺧﻠﻖ آﻞ داﺑﺔ ﻣﻦ ﻣﺎء‪ – 45) ((..‬اﻟﻨﻮر(‬

‫)) أآﻔﺮت ﺑﺎﻟﺬي ﺧﻠﻘﻚ ﻣﻦ ﺗﺮاب‪ – 37) ((..‬اﻟﻜﻬﻒ(‬

‫)) و إذ ﻗﺎل رﺑﻚ ﻟﻠﻤﻼﺋﻜﺔ إﻧﻲ ﺧﺎﻟﻖ ﺑﺸﺮا ﻣﻦ ﺻﻠﺼﺎل ﻣﻦ ﺣﻤﺄ ﻣﺴﻨﻮن(( )‪ – 28‬اﻟﺤﺠﺮ(‬

‫و اﻟﺤﻤﺄ اﻟﻤﺴﻨﻮن هﻮ اﻟﻄﻴﻦ اﻟﻤﻨﺘﻦ اﻟﻤﺨﺘﻤﺮ‪.‬‬

‫ﻓﻬﻮ ﻣﺮة ﻳﺬآﺮ أن اﻟﺤﻴﺎة ﺧﻠﻘﺖ ﻣﻦ اﻟﻤﺎء و ﻣﺮة ﻳﺬآﺮ أﻧﻬﺎ ﺧﻠﻘﺖ ﻣﻦ ﺗﺮاب ﺛﻢ ﻳﻌﻮد ﻓﻴﺨﺼﺺ و ﻳﻘﻮل‬
‫ﻣﻦ اﻟﻄﻴﻦ أو ﻋﻠﻰ وﺟﻪ اﻟﺪﻗﺔ اﻟﻤﺎء اﻟﻤﻨﺘﻦ اﻟﻤﺨﺘﻤﺮ اﻟﻤﺨﺘﻠﻂ ﺑﺎﻟﺘﺮاب‪ ..‬و هﻮ اﺗﻔﺎق ﻏﺮﻳﺐ و دﻗﻴﻖ ﻣﻊ‬
‫اآﺘﺸﺎﻓﺎت اﻟﻌﻠﻢ ﺑﻌﺪ أﻟﻒ و أرﺑﻌﻤﺎﺋﺔ ﺳﻨﺔ‪.‬‬

‫و ﻓﻲ ﺳﻮرة اﻷﻋﺮاف ﻳﺮوي ﺑﺘﻔﺼﻴﻞ أآﺜﺮ‪:‬‬

‫)) و ﻟﻘﺪ ﺧﻠﻘﻨﺎآﻢ ﺛﻢ ﺻﻮرﻧﺎآﻢ ﺛﻢ ﻗﻠﻨﺎ ﻟﻠﻤﻼﺋﻜﺔ اﺳﺠﺪوا ﻵدم ﻓﺴﺠﺪوا إﻻ إﺑﻠﻴﺲ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﺴﺎﺟﺪﻳﻦ(( )‬
‫‪ – 11‬اﻷﻋﺮاف(‬

‫و ﻓﻲ هﺬﻩ اﻵﻳﺔ ﻳﺤﺪد أن ﺧﻠﻖ اﻹﻧﺴﺎن ﺗﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﺮاﺣﻞ زﻣﻨﻴﺔ‬

‫))ﺧﻠﻘﻨﺎآﻢ ﺛﻢ ﺻﻮرﻧﺎآﻢ ﺛﻢ ﻗﻠﻨﺎ ﻟﻠﻤﻼﺋﻜﺔ اﺳﺠﺪوا ﻵدم‪ – 11) ((..‬اﻷﻋﺮاف(‬

‫و اﻟﺰﻣﻦ ﺑﺎﻟﻤﻌﻨﻰ اﻹﻟﻬﻲ ﻃﻮﻳﻞ ﺟﺪا‪:‬‬

‫)) و إن ﻳﻮﻣﺎ ﻋﻨﺪ رﺑﻚ آﺄﻟﻒ ﺳﻨﺔ ﻣﻤﺎ ﺗﻌﺪون(( )‪ – 47‬اﻟﺤﺞ(‬

‫و ﻓﻲ ﻣﻜﺎن ﺁﺧﺮ‪:‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪90‬‬
 ‫)) ﺗﻌﺮج اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ و اﻟﺮوح إﻟﻴﻪ ﻓﻲ ﻳﻮم آﺎن ﻣﻘﺪارﻩ ﺧﻤﺴﻴﻦ أﻟﻒ ﺳﻨﺔ(( )‪ – 4‬اﻟﻤﻌﺎرج(‬

‫هﺬﻩ إذن أﻳﺎم اﷲ‪ ..‬و هﻲ ﺷﻲء آﺎﻵﺑﺎد و اﻷﺣﻘﺎب ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻨﺎ‪ ،‬ﻓﺈذا ﻗﺎل اﷲ ﺧﻠﻘﻨﺎآﻢ ﺛﻢ ﺻﻮرﻧﺎآﻢ‪ ..‬ﺛﻢ‬
‫اآﺘﻤﻠﺖ اﻟﺼﻮرة ﺑﺘﺨﻠﻴﻖ ﺁدم ﻓﻘﻠﻨﺎ ﻟﻠﻤﻼﺋﻜﺔ اﺳﺠﺪوا ﻵدم‪ ..‬ﻣﻌﻨﻰ هﺬا أن ﺁدم ﺟﺎء ﻋﺒﺮ ﻣﺮاﺣﻞ ﻣﻦ‬
‫اﻟﺘﺨﻠﻴﻖ و اﻟﺘﺼﻮﻳﺮ و اﻟﺘﺴﻮﻳﺔ اﺳﺘﻐﺮﻗﺖ ﻣﻼﻳﻴﻦ اﻟﺴﻨﻴﻦ ﺑﺰﻣﺎﻧﻨﺎ و أﻳﺎﻣﺎ ﺑﺰﻣﻦ اﷲ اﻷﺑﺪي‪..‬‬

‫)) و ﻗﺪ ﺧﻠﻘﻜﻢ أﻃﻮارا(( )‪ – 14‬ﻧﻮح(‬

‫و ﻣﻌﻨﺎهﺎ أﻧﻪ آﺎﻧﺖ هﻨﺎك ﻗﺒﻞ ﺁدم ﺻﻮر و ﺻﻨﻮف ﻣﻦ اﻟﺨﻼﺋﻖ ﺟﺎء هﻮ ذروة ﻟﻬﺎ‪.‬‬

‫)) هﻞ أﺗﻰ ﻋﻠﻰ اﻹﻧﺴﺎن ﺣﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﺪهﺮﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺷﻴﺌﺎ ﻣﺬآﻮرا(( )‪ – 1‬اﻹﻧﺴﺎن(‬

‫إﺷﺎرة إﻟﻰ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺑﺎﺋﺪة ﻣﻦ اﻟﺪهﺮ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ اﻹﻧﺴﺎن ﻳﺴﺎوي ﻓﻴﻬﺎ ﺷﻴﺌﺎ ﻳﺬآﺮ‪ .‬و ﻳﻘﻮل اﻟﻘﺮﺁن ﻋﻦ اﷲ إﻧﻪ‬
‫هﻮ‪:‬‬

‫)) اﻟﺬي أﻋﻄﻰ آﻞ ﺷﻲء ﺧﻠﻘﻪ ﺛﻢ هﺪى(( )‪ – 50‬ﻃﻪ(‬

‫أي إﻧﻪ هﺪى ﻣﺴﻴﺮة اﻟﺘﻄﻮر ﺣﺘﻰ ﺑﻠﻐﺖ ذروﺗﻬﺎ ﻓﻲ ﺁدم‪.‬‬

‫)) و ﻣﺎ ﻣﻦ داﺑﺔ ﻓﻲ اﻷرض و ﻻ ﻃﺎﺋﺮ ﻳﻄﻴﺮ ﺑﺠﻨﺎﺣﻴﻪ إﻻ أﻣﻢ أﻣﺜﺎﻟﻜﻢ‪ – 38) ((..‬اﻷﻧﻌﺎم(‬

‫)) و اﷲ أﻧﺒﺘﻜﻢ ﻣﻦ اﻷرض ﻧﺒﺎﺗﺎ(( )‪ – 17‬ﻧﻮح(‬

‫رﺑﻂ وﺛﻴﻖ ﺑﻴﻦ أﻣﺔ اﻹﻧﺴﺎن و ﺑﻴﻦ أﻣﻢ اﻟﺪواب و اﻟﻄﻴﺮ ﺛﻢ رﺑﻂ ﺑﻴﻦ اﻹﻧﺴﺎن و اﻟﺤﻴﻮان و اﻟﻨﺒﺎت‪.‬‬

‫)) و ﻟﻘﺪ ﺧﻠﻘﻨﺎ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻦ ﺳﻼﻟﺔ ﻣﻦ ﻃﻴﻦ(( )‪ – 12‬اﻟﻤﺆﻣﻨﻮن(‬

‫و هﻲ إﺷﺎرة ﺻﺮﻳﺤﺔ إﻟﻰ أن اﻹﻧﺴﺎن ﻟﻢ ﻳﺨﻠﻖ ﻣﻦ اﻟﻄﻴﻦ اﺑﺘﺪاء‪ ..‬و إﻧﻤﺎ ﺧﻠﻖ ﻣﻦ ﺳﻼﻻت ﺟﺎءت ﻣﻦ‬
‫اﻟﻄﻴﻦ‪ ..‬هﻨﺎك ﻣﺮﺣﻠﺔ ﻣﺘﻮﺳﻄﺔ ﺑﻴﻦ اﻹﻧﺴﺎن و اﻟﻄﻴﻦ‪ ..‬هﻲ ﺳﻼﻻت ﻋﺪﻳﺪة ﻣﺘﻼﺣﻘﺔ آﺎﻧﺖ ﺗﻤﻬﻴﺪا‬
‫ﻟﻈﻬﻮر ﻧﻮع اﻹﻧﺴﺎن اﻟﻤﺘﻔﻮق‪ ..‬ﺛﻢ ﻳﺤﺪﺛﻨﺎ اﻟﻘﺮﺁن ﻋﻦ ﺗﺨﻠﻖ اﻟﺠﻨﻴﻦ ﻓﻴﺤﻜﻲ ﻟﻨﺎ أن ﺧﻠﻖ اﻟﻌﻈﺎم ﺳﺎﺑﻖ‬
‫ﻋﻠﻰ ﺧﻠﻖ اﻟﻌﻀﻼت‪:‬‬

‫)) ﻓﺨﻠﻘﻨﺎ اﻟﻤﻀﻐﺔ ﻋﻈﺎﻣﺎ ﻓﻜﺴﻮﻧﺎ اﻟﻌﻈﺎم ﻟﺤﻤﺎ‪ – 14) ((..‬اﻟﻤﺆﻣﻨﻮن(‬

‫و ﻣﻌﻠﻮم ﻓﻲ ﻋﻠﻢ اﻷﺟﻨﺔ أن ﻧﺸﺄة اﻟﻌﻤﻮد اﻟﻔﻘﺮي ﺳﺎﺑﻘﺔ ﻋﻠﻰ ﻧﺸﺄة اﻟﻌﻀﻼت و ﻋﻦ هﺬﻩ اﻟﻨﺸﺄة ﻳﻘﻮل‪:‬‬

‫)) ﻳﺨﻠﻘﻜﻢ ﻓﻲ ﺑﻄﻮن أﻣﻬﺎﺗﻜﻢ ﺧﻠﻘﺎ ﻣﻦ ﺑﻌﺪ ﺧﻠﻖ ﻓﻲ ﻇﻠﻤﺎت ﺛﻼث‪ – 6) ((..‬اﻟﺰﻣﺮ(‬

‫ﻳﻜﺸﻒ ﻟﻨﺎ اﻟﺨﻠﻖ داﺧﻞ اﻟﺮﺣﻢ‪ ،‬ﻓﻴﺼﻔﻪ ﺑﺄﻧﻪ ﻳﺘﻢ ﻋﻠﻰ أﻃﻮار‪ ..‬ﺧﻠﻖ ﻣﻦ ﺑﻌﺪ ﺧﻠﻖ‪ ..‬و أﻧﻪ ﻳﺠﺮي داﺧﻞ‬
‫ﻇﻠﻤﺎت ﺛﻼث‪ ..‬و اﻟﻈﻠﻤﺎت اﻟﺜﻼث هﻲ‪ :‬ﻇﻠﻤﺔ اﻟﺒﻄﻦ و ﻇﻠﻤﺔ اﻟﺮﺣﻢ و ﻇﻠﻤﺔ )اﻟﻐﻼف اﻷﻣﻨﻴﻮﺳﻲ(‪ ..‬آﻞ‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪91‬‬
 ‫ﻏﺮﻓﺔ ﻣﻨﻬﺎ داﺧﻞ اﻷﺧﺮى‪ ..‬و اﻟﺠﻨﻴﻦ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻬﺎ‪ ،‬و هﻲ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺗﺸﺮﻳﺤﻴﺔ‪ ..‬أو هﻲ ﻇﻠﻤﺎت اﻷﻏﺸﻴﺔ‬
‫اﻟﺜﻼﺛﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﺄﻟﻒ ﻣﻨﻬﺎ اﻟﺠﻨﻴﻦ ذاﺗﻪ و هﻲ ﺣﻘﻴﻘﺔ أﺧﺮى‪.‬‬

‫)) و أﻧﻪ ﺧﻠﻖ اﻟﺰوﺟﻴﻦ اﻟﺬآﺮ و اﻷﻧﺜﻰ‪ ،‬ﻣﻦ ﻧﻄﻔﺔ إذا ﺗﻤﻨﻰ(( )‪ – 46 ،45‬اﻟﻨﺠﻢ(‬

‫و ﻧﻌﺮف اﻵن أن اﻟﺤﻴﻮان اﻟﻤﻨﻮي اﻟﺬي ﻳﻤﻨﻰ هﻮ اﻟﺬي ﻳﺤﺪد ﺟﻨﺲ اﻟﻤﻮﻟﻮد إن آﺎن ذآﺮا أو أﻧﺜﻰ و‬
‫ﻟﻴﺲ اﻟﺒﻮﻳﻀﺔ‪ ،‬ﻓﻬﻮ وﺣﺪﻩ اﻟﺬي ﻳﺤﺘﻮي ﻋﻠﻰ ﻋﻮاﻣﻞ ﺗﺤﺪﻳﺪ اﻟﺠﻨﺲ‬

‫‪sex determination factor‬‬

‫آﻴﻒ ﺟﺎء اﻟﻘﺮﺁن ﺑﻬﺬﻩ اﻟﻤﻮاﻓﻘﺎت اﻟﺘﻲ اﺗﻔﻘﺖ ﻣﻊ ﻧﺘﺎﺋﺞ اﻟﻌﻠﻮم و اﻟﺒﺤﻮث و اﻟﺠﻬﻮد اﻟﻤﻀﻨﻴﺔ ﻋﺒﺮ ﻣﺌﺎت‬
‫اﻟﺴﻨﻴﻦ!‪ ..‬ﻣﺼﺎدﻓﺔ؟!‬

‫و إذا ﺳﻠﻤﻨﺎ ﺑﻤﺼﺎدﻓﺔ واﺣﺪة ﻓﻜﻴﻒ ﻧﺴﻠﻢ ﺑﺎﻟﺒﺎﻗﻲ؟‬

‫و آﻴﻒ ﻳﺨﻄﺮ ﻋﻠﻰ ذهﻦ ﻧﺒﻲ أﻣﻲ ﻣﺸﻜﻼت و ﻗﻀﺎﻳﺎ و ﺣﻘﺎﺋﻖ ﻻ ﻳﻌﺮﻓﻬﺎ ﻋﺼﺮﻩ؟‪ ..‬و ﻻ ﺗﻈﻬﺮ إﻻ ﺑﻌﺪ‬
‫ﻣﻮﺗﻪ ﺑﺄآﺜﺮ ﻣﻦ أﻟﻒ و ﺛﻼﺛﻤﺎﺋﺔ ﺳﻨﺔ؟‬

‫و إذا أﺧﺬﻧﺎ ﺑﺎﻟﺘﻔﺴﻴﺮ اﻟﻐﺮﺑﻲ اﻟﻤﻠﺤﺪ اﻟﺬي ﻳﺮى ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻜﻼم اﻟﺬي ﻳﺠﻲء ﻋﻠﻰ ﻟﺴﺎن ﻣﺤﻤﺪ ﺻﻮرة ﻣﻦ‬
‫ﻧﺸﺎط ﻋﻘﻞ ﺑﺎﻃﻦ اﻧﻔﺘﺢ ﺗﻤﺎﻣﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ اﻟﻤﻄﻠﻘﺔ‪ ..‬إذا ﻗﻠﻨﺎ هﺬا ﻓﻘﺪ اﻋﺘﺮﻓﻨﺎ اﻋﺘﺮاﻓﺎ ﻣﻬﺬﺑﺎ ﺟﺪا و ﻋﻠﻤﻴﺎ‬
‫ﺑﺎﻟﻮﺣﻲ‪ ..‬ﻓﻤﺎ اﻟﺤﻖ اﻟﻤﻄﻠﻖ ﺳﻮى اﷲ و ﻣﺎ اﻻﻧﻔﺘﺎح ﻋﻠﻰ اﷲ و اﻻﺗﺼﺎل ﺑﻪ إﻻ اﻟﻮﺣﻲ ﺑﻌﻴﻨﻪ‪.‬‬

‫و ﻟﻜﻦ اﻟﻘﺼﺔ ﻟﻢ ﺗﻨﺘﻪ‪.‬‬

‫إن اﻟﻘﺮﺁن ﻳﺰودﻧﺎ ﺑﻤﺎ هﻮ أآﺜﺮ ﻣﻦ آﻞ ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ اﻟﻌﻠﻢ‪ ..‬ﻓﻴﻄﻠﻌﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ اﻟﻐﻴﺐ‪ ..‬ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺣﺪث ﻓﻲ‬
‫اﻟﻤﻠﻜﻮت ﻓﻲ اﻟﻤﻸ اﻷﻋﻠﻰ ﻋﻨﺪ ﺧﻠﻖ ﺁدم و آﻴﻒ أﺳﻜﻨﻪ ﺟﻨﺘﻪ ﻳﺄآﻞ ﻣﻨﻬﺎ رﻏﺪا آﻴﻒ ﻳﺸﺎء إﻻ ﻣﻦ ﺷﺠﺮة‬
‫واﺣﺪة ﻋﻴﻨﻬﺎ ﻟﻪ‪ ..‬و آﻴﻒ أﺳﺠﺪ ﻟﻪ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ‪.‬‬

‫و ﻳﺮوي ﻟﻨﺎ اﻟﻘﺮﺁن آﻴﻒ أن اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ﺳﺠﺪوا ﻵدم‪:‬‬

‫)) إﻻ إﺑﻠﻴﺲ آﺎن ﻣﻦ اﻟﺠﻦ ﻓﻔﺴﻖ ﻋﻦ أﻣﺮ رﺑﻪ‪ – 50) ((..‬اﻟﻜﻬﻒ(‬

‫و ﻳﻘﻮل إﺑﻠﻴﺲ ﻓﻲ آﺒﺮﻳﺎء و ﻏﺮور ﻣﺒﺮرا ﻋﺼﻴﺎﻧﻪ ﻟﻸﻣﺮ اﻹﻟﻬﻲ ﺑﺎﻟﺴﺠﻮد ﻵدم‪:‬‬

‫)) أﻧﺎ ﺧﻴﺮ ﻣﻨﻪ ﺧﻠﻘﺘﻨﻲ ﻣﻦ ﻧﺎر و ﺧﻠﻘﺘﻪ ﻣﻦ ﻃﻴﻦ(( )‪ – 76‬ص(‬

‫إﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺪرك ﺣﻜﻤﺔ اﷲ ﻓﻲ ﺗﺸﺮﻳﻒ اﺑﻦ اﻟﻄﻴﻦ‪ ..‬و ﻟﻜﻦ اﷲ وﺣﺪﻩ آﺎن ﻳﻌﻠﻢ أن ﺁدم ﺳﻮف ﻳﺘﻌﺬب ﻧﺘﻴﺠﺔ‬
‫ﺧﻠﻘﺘﻪ اﻟﻤﺘﺼﺎرﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﺮاب و ﻣﻦ اﻟﺮوح و أﻧﻪ ﺳﻮف ﻳﻌﺎﻧﻲ ﻋﻨﺎء هﺎﺋﻼ و ﻳﺘﻤﺰق ﺑﻴﻦ رﻏﺒﺎت ﺟﺴﺪﻩ‬
‫اﻟﻬﺎﺑﻄﺔ و ﺳﺒﺤﺎت روﺣﻪ و ﺿﻤﻴﺮﻩ اﻟﻤﺘﻌﺎﻟﻴﺔ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪92‬‬
 ‫)) ﻟﻘﺪ ﺧﻠﻘﻨﺎ اﻹﻧﺴﺎن ﻓﻲ آﺒﺪ(( )‪ – 4‬اﻟﺒﻠﺪ(‬

‫أي ﻓﻲ ﻣﻜﺎﺑﺪة ﻣﺴﺘﻤﺮة و ﺻﺮاع و ﻋﻨﺎء‪.‬‬

‫و إﻧﻪ ﺳﻴﺒﻠﻎ ﺑﻬﺬﻩ اﻟﻤﻜﺎﺑﺪة إﻟﻰ ﻣﺮﺗﺒﺔ أﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻣﺮﺗﺒﺔ اﻟﺠﻦ و اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ‪ ،‬و ﻳﻔﻮز ﺑﻤﻮاهﺐ و ﻟﻴﺎﻗﺎت أﻋﻠﻰ‬
‫ﻣﻦ اﻹﺛﻨﻴﻦ‪.‬‬

‫و ﻟﻬﺬا أﺳﺠﺪ اﷲ ﻟﻪ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ و ﺳﺨﺮهﻢ ﻟﺨﺪﻣﺘﻪ و ﻣﻌﻮﻧﺘﻪ‪.‬‬

‫و ﻟﻜﻦ إﺑﻠﻴﺲ ﻓﻲ آﺒﺮﻳﺎﺋﻪ و ﻏﺮورﻩ و ﺗﺠﺒﺮﻩ ﻓﺎﺗﺘﻪ هﺬﻩ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ و ﻟﻢ ﻳﺬآﺮ إﻻ أﻧﻪ ﺧﻠﻖ ﻣﻦ ﻧﺎر و أن ﺁدم‬
‫ﺧﻠﻖ ﻣﻦ ﻃﻴﻦ و أﻧﻪ ﺧﻠﻖ ﻗﺒﻞ ﺁدم‪.‬‬

‫)) و اﻟﺠﺎن ﺧﻠﻘﻨﺎﻩ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻣﻦ ﻧﺎر اﻟﺴﻤﻮم(( )‪ – 27‬اﻟﺤﺠﺮ(‬

‫و ﻧﺎر اﻟﺴﻤﻮم هﻲ اﻟﻨﺎر اﻟﺼﺎﻓﻴﺔ ﺑﻼ دﺧﺎن أو ﻣﻦ اﻟﻄﺎﻗﺔ اﻟﺨﺎﻟﺼﺔ ذاﺗﻬﺎ‪ ..‬و هﻜﺬا رﻓﺾ إﺑﻠﻴﺲ اﻟﺴﺠﻮد‬
‫ﻵدم و ﺧﺮج ﻣﻦ اﻟﺤﻀﺮة اﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ رﺟﻴﻤﺎ ﻣﻄﺮودا و ﺑﺪﻻ ﻣﻦ أن ﻳﺮﺟﻊ إﻟﻰ اﷲ ﺗﺎﺋﺒﺎ ﺁﻣﻼ ﻓﻲ رﺣﻤﺘﻪ و‬
‫ﻣﻐﻔﺮﺗﻪ‪ ..‬ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺌﺲ ﺗﻤﺎﻣﺎ ﻣﻦ هﺬﻩ اﻟﺮﺣﻤﺔ‪ ..‬و هﺬﻩ هﻲ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ‪ ..‬ﺛﻢ أﺿﻤﺮ اﻟﺤﻘﺪ و اﻟﻌﺪاء و‬
‫اﻻﻧﺘﻘﺎم ﻣﻦ ﺁدم اﻟﺬي ﺗﺼﻮر ﻓﻴﻪ ﺳﺒﺒﺎ ﻟﻄﺮدﻩ و هﺬﻩ هﻲ اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ‪ ..‬إﻧﻪ اﻟﺸﻴﻄﺎن ﺑﻌﻴﻨﻪ اﻟﺬي‬
‫ﻳﺤﺎول أن ﻳﺨﺮج ﻣﻦ ﺧﻄﻴﺌﺔ ﺑﺨﻄﻴﺌﺔ و ﻳﻨﺤﺪر ﻣﻦ هﺎوﻳﺔ إﻟﻰ هﺎوﻳﺔ‪.‬‬

‫و هﻜﺬا راح ﻳﻐﺮي ﺁدم ﺑﺎﻷآﻞ ﻣﻦ اﻟﺸﺠﺮة و ﻳﺰﻳﻨﻬﺎ ﻟﻪ و ﻳﺼﻮرهﺎ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﺷﺠﺮة اﻟﺨﻠﻮد و هﻮ ﻳﻌﻠﻢ أﻧﻬﺎ‬
‫ﺷﺠﺮة اﻟﻤﻮت‪.‬‬

‫)) و ﻋﺼﻰ ﺁدم رﺑﻪ ﻓﻐﻮى(( )‪ -121‬ﻃﻪ(‬

‫ﻟﻘﺪ ﻣﻨﺢ اﷲ ﺁدم اﻟﺤﺮﻳﺔ ) إذ ﻧﻔﺦ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ روﺣﻪ ( و ﺧﻴﺮﻩ ﻓﻲ أن ﻳﺨﺘﺎر اﻟﺪﺧﻮل ﻓﻲ ﻃﺎﻋﺘﻪ ﻓﻴﻜﻮن ﺷﺄﻧﻪ‬
‫ﺷﺄن اﻟﻨﺠﻮم ﻓﻲ أﻓﻼآﻬﺎ ﺗﺠﺮي ﻋﻠﻰ ﻧﻮاﻣﻴﺲ اﷲ اﻟﻤﻮﺿﻮﻋﺔ و ﺗﺴﻠﻢ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻟﺴﻨﻨﻪ أو ﻳﻜﻮن ﺣﺮا ﻣﺴﺌﻮﻻ‬
‫ﻓﻴﺤﻤﻞ اﻷﻣﺎﻧﺔ‪.‬‬
‫)) إﻧﺎ ﻋﺮﺿﻨﺎ اﻷﻣﺎﻧﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻤﺎوات و اﻷرض و اﻟﺠﺒﺎل ﻓﺄﺑﻴﻦ أن ﻳﺤﻤﻠﻨﻬﺎ و أﺷﻔﻘﻦ ﻣﻨﻬﺎ و ﺣﻤﻠﻬﺎ‬
‫اﻹﻧﺴﺎن إﻧﻪ آﺎن ﻇﻠﻮﻣﺎ ﺟﻬﻮﻻ(( ) ‪ – 72‬اﻷﺣﺰاب(‬

‫و اﻹﻧﺴﺎن ﻟﻢ ﻳﺪرك ﻣﺨﺎﻃﺮ هﺬﻩ اﻷﻣﺎﻧﺔ ﻟﺠﻬﻠﻪ ﻓﻈﻠﻢ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺤﻤﻠﻬﺎ‪ ،‬و ﻷن اﷲ آﺎن ﻳﻌﻠﻢ ﻣﺨﺎﻃﺮ ﺣﻤﻞ‬
‫هﺬﻩ اﻷﻣﺎﻧﺔ‪ ..‬و آﺎن ﻳﻌﻠﻢ أﻧﻬﺎ ﺳﻮف ﺗﻠﻘﻲ ﺑﺎﻹﻧﺴﺎن ﻓﻲ ﻣﻬﺎﻟﻚ اﻟﻐﺮور‪ ..‬ﻓﺈﻧﻪ ﻟﻄﻔﺎ ﻣﻨﻪ و رﺣﻤﺔ‪ ..‬أﻣﺮﻩ‬
‫ﺑﺎﻟﻄﺎﻋﺔ و ﺑﺎﻹﺳﻼم ﻟﻜﻠﻤﺔ اﷲ ﺑﺄﻻ ﻳﺄآﻞ ﻣﻦ اﻟﺸﺠﺮة ﻟﺘﺪوم ﻟﻪ اﻟﺠﻨﺔ ) ﺟﻨﺔ اﻟﻄﺎﻋﺔ و اﻹﺳﻼم ﻟﻠﻨﺎﻣﻮس‬
‫اﻹﻟﻬﻲ(‪.‬‬

‫و ﻟﻜﻦ اﻹﻧﺴﺎن اﺧﺘﺎر أن ﻳﻜﻮن ﺣﺮا ﻣﺴﺌﻮﻻ و أن ﻳﺨﺮج ﻋﻦ اﻷﻣﺮ اﻹﻟﻬﻲ )ﺑﺈﻏﺮاء إﺑﻠﻴﺲ( ﻓﻴﺄآﻞ ﻣﻦ‬
‫اﻟﺸﺠﺮة‪ ..‬و هﻜﺬا وﻗﻊ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺘﻜﻠﻴﻒ و أﺻﺒﺢ ﻣﺤﺎﺳﺒﺎ ﻣﻨﺬ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ‪ ..‬و ﺣﻖ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻌﻘﺎب‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪93‬‬
 ‫و آﺎن اﻟﻌﻘﺎب هﻮ اﻟﻄﺮد و اﻹهﺒﺎط ﻣﻦ اﻟﺠﻨﺔ إﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻜﺪح و اﻟﻌﺮق و اﻟﺘﻌﺐ و اﻟﻤﺮض و اﻟﻤﻮت‪.‬‬

‫و آﺎن اﻟﻔﺮق ﺑﻴﻦ ﺧﻄﻴﺌﺔ ﺁدم و ﺧﻄﻴﺌﺔ اﻟﺸﻴﻄﺎن‪ ..‬أن ﺁدم رﺟﻊ إﻟﻰ اﷲ ﺗﺎﺋﺒﺎ ﻃﺎﻣﻌﺎ ﻓﻲ رﺣﻤﺘﻪ و أﺻﺮ‬
‫اﻟﺸﻴﻄﺎن ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺼﻴﺎن ﻳﺎﺋﺴﺎ ﻣﻦ رﺣﻤﺔ اﷲ‪.‬‬

‫)) ﻓﺘﻠﻘﻰ ﺁدم ﻣﻦ رﺑﻪ آﻠﻤﺎت ﻓﺘﺎب ﻋﻠﻴﻪ‪ – 37) ((..‬اﻟﺒﻘﺮة(‬

‫و أﺳﺒﻎ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ رﺣﻤﺘﻪ و وﻋﺪﻩ ﺑﻬﺪاﻳﺔ ﻧﺴﻠﻪ‪ ..‬و أﻗﺎﻣﻪ ﺧﻠﻴﻔﺔ ﻋﻠﻰ اﻷرض ﻳﺤﻜﻢ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺈرادﺗﻪ و ﻋﻘﻠﻪ‪.‬‬

‫)) و إذ ﻗﺎل رﺑﻚ ﻟﻠﻤﻼﺋﻜﺔ إﻧﻲ ﺟﺎﻋﻞ ﻓﻲ اﻷرض ﺧﻠﻴﻔﺔ ﻗﺎﻟﻮا أﺗﺠﻌﻞ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻳﻔﺴﺪ ﻓﻴﻬﺎ و ﻳﺴﻔﻚ اﻟﺪﻣﺎء‬
‫و ﻧﺤﻦ ﻧﺴﺒﺢ ﺑﺤﻤﺪك و ﻧﻘﺪس ﻟﻚ‪ – 30) ((..‬اﻟﺒﻘﺮة(‬

‫ﻳﻘﻮل اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ذﻟﻚ اﻟﻜﻼم ﻷﻧﻬﻢ رأوا هﺬا اﻵدم و ﺷﺎهﺪوا ﻧﺸﺄﺗﻪ و ﻣﺮاﺣﻞ ﺗﺨﻠﻴﻘﻪ ﻣﻦ أﺳﻼف ﺗﺴﻔﻚ اﻟﺪم‬
‫و ﺗﺘﺼﺎرع ﺑﺎﻟﻤﺨﻠﺐ و اﻟﻨﺎب و ﻟﻜﻦ اﷲ ﻳﻘﻮل ﻟﻬﻢ‪:‬‬

‫)) إﻧﻲ أﻋﻠﻢ ﻣﺎ ﻻ ﺗﻌﻠﻤﻮن(( )‪ – 30‬اﻟﺒﻘﺮة(‬

‫و هﻮ ﻳﻌﻠﻢ أن ذﻟﻚ اﻹﻧﺴﺎن ﻗﺪ اﺳﺘﺤﻖ ﺑﻬﺬﻩ اﻟﻨﺸﺄة و هﺬﻩ اﻟﺠﺒﻠﺔ اﻟﻤﺘﺼﺎرﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻄﻴﻦ و اﻟﺮوح درﺟﺔ‬
‫أرﻓﻊ ﻣﻦ درﺟﺔ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ‪ .‬و أﻧﻪ ﻗﺪ اآﺘﺴﺐ ﻟﻴﺎﻗﺎت ﺗﺆهﻠﻪ ﻟﻠﺨﻼﻓﺔ‪ ..‬و هﻮ ﻳﻜﺸﻒ هﺬﻩ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻟﻠﻤﻼﺋﻜﺔ‪:‬‬

‫)) و ﻋﻠﻢ ﺁدم اﻷﺳﻤﺎء آﻠﻬﺎ ﺛﻢ ﻋﺮﺿﻬﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ﻓﻘﺎل أﻧﺒﺌﻮﻧﻲ ﺑﺄﺳﻤﺎء هﺆﻻء إن آﻨﺘﻢ ﺻﺎدﻗﻴﻦ )‪31‬‬
‫( ﻗﺎﻟﻮا ﺳﺒﺤﺎﻧﻚ ﻻ ﻋﻠﻢ ﻟﻨﺎ إﻻ ﻣﺎ ﻋﻠﻤﺘﻨﺎ إﻧﻚ أﻧﺖ اﻟﻌﻠﻴﻢ اﻟﺤﻜﻴﻢ )‪ (32‬ﻗﺎل ﻳﺎ ﺁدم أﻧﺒﺌﻬﻢ ﺑﺄﺳﻤﺎﺋﻬﻢ ﻓﻠﻤﺎ‬
‫أﻧﺒﺌﻬﻢ ﺑﺄﺳﻤﺎﺋﻬﻢ ﻗﺎل أﻟﻢ أﻗﻞ ﻟﻜﻢ إﻧﻲ أﻋﻠﻢ ﻏﻴﺐ اﻟﺴﻤﺎوات و اﻷرض‪) (( (33) ..‬اﻟﺒﻘﺮة(‬

‫هﺎ هﻮ ذا ﺁدم اﻷرﺿﻲ و ﻗﺪ اﻣﺘﻠﻚ ﻟﻴﺎﻗﺎت أآﺒﺮ ﻣﻦ ﻟﻴﺎﻗﺎت اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ‪ ،‬و ﻧﻔﻬﻢ ﻣﻦ هﺬا أن اﷲ ﻗﺪ ﺟﻌﻞ ﻣﻦ‬
‫هﺬا اﻵدم أول أﻧﺒﻴﺎﺋﻪ ﻋﻠﻰ اﻷرض‪ ..‬ﻓﻜﻠﻤﺔ )) و ﻋﻠﻢ ﺁدم اﻷﺳﻤﺎء آﻠﻬﺎ(( هﻲ ﺑﺪاﻳﺔ اﻟﻮﺣﻲ و اﻟﺘﻨﺰﻳﻞ و‬
‫اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ اﻹﻟﻬﻲ‪.‬‬

‫و ﻣﻦ ﺣﻜﺎﻳﺔ ﺗﻌﻠﻴﻢ اﷲ اﻷﺳﻤﺎء ﻵدم ﻧﺘﻌﺮف ﻋﻠﻰ ﺻﻔﺔ أﺧﺮى ﻓﻲ اﻟﻌﻘﻞ اﻟﺒﺸﺮي أﻧﻪ ﻣﻌﺪ و ﻣﺆهﻞ ﻟﺘﻌﻠﻢ‬
‫أﺳﻤﺎء اﻷﺷﻴﺎء ﻓﻘﻂ و ﻟﻴﺲ ﻣﺎهﻴﺘﻬﺎ و أن اﻟﻌﻠﻢ اﻟﺒﺸﺮي هﻮ ﻋﻠﻢ ﺑﺎﻟﺤﺪود و اﻟﻤﻘﺎدﻳﺮ و اﻟﻌﻼﻗﺎت‬
‫اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ ﻓﻘﻂ‪ ،‬و أﻧﻪ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﺪرك آﻨﻪ ﺷﻲء‪ ..‬و هﻮ أﻣﺮ ﺛﺎﺑﺖ ﻓﻲ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ‪.‬‬

‫و اﷲ ﻓﻲ اﻟﻘﺮﺁن )) رب (( ﺑﻤﻌﻨﻰ ﻣﺮب و راع و ﻣﻌﻠﻢ و هﺎد رؤوف رﺣﻴﻢ ودود ﻳﻌﻨﻰ ﺑﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺗﻪ و‬
‫ﻳﺨﻠﻖ ﻟﻬﺎ اﻟﺤﻴﻞ و اﻷﺳﺒﺎب و ﻳﻮﻓﺮ ﻟﻬﺎ اﻷرزاق‪.‬‬

‫و ﻗﺪ وﻋﺪ اﷲ ﺁدم ﺑﺈرﺳﺎل اﻷﻧﺒﻴﺎء ﻟﻬﺪاﻳﺔ ﻧﺴﻠﻪ و أوﻻدﻩ‪.‬‬

‫)) ﻗﻠﻨﺎ اهﺒﻄﻮا ﻣﻨﻬﺎ ﺟﻤﻴﻌﺎ ﻓﺈﻣﺎ ﻳﺄﺗﻴﻨﻜﻢ ﻣﻨﻲ هﺪى ﻓﻤﻦ ﺗﺒﻊ هﺪاي ﻓﻼ ﺧﻮف ﻋﻠﻴﻬﻢ و ﻻ هﻢ ﻳﺤﺰﻧﻮن(( )‬
‫‪ – 38‬اﻟﺒﻘﺮة(‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪94‬‬
 ‫و ﻳﺸﺮح ﻟﻨﺎ اﻟﻘﺮﺁن ﻣﻌﻨﻰ إﺗﺒﺎع اﻹﻧﺴﺎن ﻟﻬﺪى اﷲ‪ ..‬و ذﻟﻚ ﺑﺄن ﻳﻔﻄﻦ اﻹﻧﺴﺎن إﻟﻰ ﺧﻄﺌﻪ و ﻳﻌﻮد إﻟﻰ‬
‫اﻟﺠﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﺿﻴﻌﻬﺎ أﺑﻮﻩ‪ ..‬ﺟﻨﺔ اﻟﻄﺎﻋﺔ و اﻹﺳﻼم ﻟﻠﻨﻮاﻣﻴﺲ اﻹﻟﻬﻴﺔ‪ ..‬و هﺬ هﻲ اﻹﻧﺎﺑﺔ و اﻟﺮﺟﻌﺔ اﻟﺘﻲ‬
‫ﺗﺘﻜﺮر ﻓﻲ آﻞ ﺻﻔﺤﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﺮﺁن‪ ..‬أن ﻳﻔﻄﻦ اﻹﻧﺴﺎن إﻟﻰ أﻧﻪ ﻻ ﻳﻤﻠﻚ إﻻ ﺿﻤﻴﺮﻩ ) ﻗﺪس اﻷﻗﺪاس اﻟﺬي‬
‫ﺗﺮآﻪ اﷲ ﺣﺮا ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ( ﻓﻴﺴﻠﻤﻪ ﺧﺎﻟﺼﺎ ﷲ و ﻳﺘﺠﻪ ﺑﻪ ﻣﺨﺘﺎرا ﻃﺎﺋﻌﺎ‪ ..‬و ﻗﺪ وآﻞ أﻣﺮ ﻧﻔﺴﻪ إﻟﻰ ﺧﺎﻟﻘﻪ و‬
‫ﺧﻀﻊ ﻟﻨﻮاﻣﻴﺴﻪ‪ ..‬و ﺑﺬﻟﻚ ﻳﻜﻮن أﻓﻀﻞ ﻣﻦ اﻟﺠﻤﺎدات و ﻣﻦ اﻟﻨﺠﻮم ﻓﻲ ﻣﺪاراﺗﻬﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﻠﻢ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻟﺴﻨﻦ‬
‫اﷲ و ﻗﻮاﻧﻴﻨﻪ ﻗﻬﺮا و ﺑﻼ اﺧﺘﻴﺎر‪ ..‬ﻋﻠﻰ ﺣﻴﻦ ﻳﺴﻠﻢ هﻮ ﻧﻔﺴﻪ ﻟﺮﺑﻪ ﻣﺤﺒﺔ و اﺧﺘﻴﺎرا و ﻃﻮاﻋﻴﺔ‪.‬‬

‫ﻳﻔﻌﻞ هﺬا و ﻗﺪ أدرك أن ﻣﺸﻴﺌﺔ اﷲ واﻗﻌﺔ إن ﻃﻮﻋﺎ و إن آﺮهﺎ‪ ..‬و أن اﷲ هﻮ اﻟﺨﺎﻟﻖ اﻟﻤﻬﻴﻤﻦ ﻋﻠﻰ‬
‫ﺟﻤﻴﻊ اﻷﺳﺒﺎب و أﻧﻪ هﻮ اﻟﻮﺣﻴﺪ اﻟﺬي ﻳﻤﻠﻚ اﻟﻬﺪاﻳﺔ و اﻟﻌﻠﻢ و اﻟﻘﺪرة‪.‬‬

‫و ﺗﻌﻮد ﻓﺘﻄﺎﻟﻌﻨﺎ ﺁﻳﺎت أﺧﺮى ﻏﺎﻣﻀﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﺮﺁن ﻧﻔﻬﻢ ﻣﻨﻬﺎ أﻧﻨﺎ ﻧﺤﻦ‪ :‬ذرﻳﺔ ﺁدم آﺎﻧﺖ ﻟﻨﺎ ﺣﻴﺎة ﻗﺒﻞ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ‬
‫اﻷرﺿﻴﺔ‪.‬‬

‫)) و إذ أﺧﺬ رﺑﻚ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﺁدم ﻣﻦ ﻇﻬﻮرهﻢ ذرﻳﺘﻬﻢ و أﺷﻬﺪهﻢ ﻋﻠﻰ أﻧﻔﺴﻬﻢ أﻟﺴﺖ ﺑﺮﺑﻜﻢ ﻗﺎﻟﻮا ﺑﻠﻰ ﺷﻬﺪﻧﺎ‬
‫أن ﺗﻘﻮﻟﻮا ﻳﻮم اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ إﻧﺎ آﻨﺎ ﻋﻦ هﺬا ﻏﺎﻓﻠﻴﻦ )‪ (172‬أو ﺗﻘﻮﻟﻮا إﻧﻤﺎ أﺷﺮك ﺁﺑﺎؤﻧﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ و آﻨﺎ ذرﻳﺔ ﻣﻦ‬
‫ﺑﻌﺪهﻢ أﻓﺘﻬﻠﻜﻨﺎ ﺑﻤﺎ ﻓﻌﻞ اﻟﻤﺒﻄﻠﻮن )‪ (173‬و آﺬﻟﻚ ﻧﻔﺼﻞ اﻵﻳﺎت و ﻟﻌﻠﻬﻢ ﻳﺮﺟﻌﻮن )‪) (( (174‬‬
‫اﻷﻋﺮاف(‬

‫إن اﷲ ﻳﻔﺼﻞ ﻟﻨﺎ ﻓﻲ هﺬﻩ اﻵﻳﺎت واﻗﻌﺔ ﻏﺮﻳﺒﺔ‪ ..‬ﻳﻔﻬﻢ ﻣﻨﻬﺎ أﻧﻨﺎ آﻨﺎ ﻓﻲ ﺣﻀﺮة اﷲ ﻗﺒﻞ اﻟﻨﺰول إﻟﻰ‬
‫اﻷرﺣﺎم ) ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻤﺜﺎل و اﻟﻤﻠﻜﻮت ( رﺑﻤﺎ آﺄرواح أو ﻧﻔﻮس ﻻ أﺣﺪ ﻳﺪري‪ ..‬و أن اﷲ أﺷﻬﺪﻧﺎ ﻋﻠﻰ‬
‫رﺑﻮﺑﻴﺘﻪ و أﺧﺬ ﻣﻨﺎ ﻣﻴﺜﺎﻗﺎ ﺑﻬﺬا اﻟﺸﻬﻮد ﺣﺘﻰ ﻻ ﻧﻌﻮد ﻓﻨﻜﻔﺮ و ﻧﺒﺮر آﻔﺮﻧﺎ ﺑﺄﻧﻨﺎ آﻨﺎ ﺿﺤﻴﺔ اﻵﺑﺎء‪.‬‬

‫و ﻧﻌﻮد ﻓﻨﻘﺮأ ﻋﻦ هﺬا اﻟﻤﻴﺜﺎق ﻓﻲ ﺁﻳﺎت أآﺜﺮ ﻏﻤﻮﺿﺎ ﻓﻲ ﺳﻮرة ) ﺁل ﻋﻤﺮان(‪:‬‬

‫)) و إذ أﺧﺬ اﷲ ﻣﻴﺜﺎق اﻟﻨﺒﻴﻴﻦ ﻟﻤﺎ ﺁﺗﻴﺘﻜﻢ ﻣﻦ آﺘﺎب و ﺣﻜﻤﺔ ﺛﻢ ﺟﺎءآﻢ رﺳﻮل ﻣﺼﺪق ﻟﻤﺎ ﻣﻌﻜﻢ ﻟﺘﺆﻣﻨﻦ‬
‫ﺑﻪ و ﻟﺘﻨﺼﺮﻧﻪ ﻗﺎل أأﻗﺮرﺗﻢ و أﺧﺬﺗﻢ ﻋﻠﻰ ذﻟﻜﻢ إﺻﺮي ) ﻋﻬﺪي ( ﻗﺎﻟﻮا أﻗﺮرﻧﺎ ﻗﺎل ﻓﺎﺷﻬﺪوا و أﻧﺎ ﻣﻌﻜﻢ‬
‫ﻣﻦ اﻟﺸﺎهﺪﻳﻦ(( ) ‪ – 81‬ﺁل ﻋﻤﺮان(‬

‫هﺎ هﻢ أوﻻء اﻷﻧﺒﻴﺎء ﻣﺠﻤﻮﻋﻮن ﻟﻴﺄﺧﺬ اﷲ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﻴﺜﺎق ﻏﻠﻴﻈﺎ ﺑﺄن ﻳﺆﻳﺪ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﻌﻀﺎ‪ ..‬آﻴﻒ آﺎن ذﻟﻚ؟‬
‫‪ ..‬و أﻳﻦ؟ ‪ ..‬و ﻣﺘﻰ؟‪..‬‬

‫هﻲ ﺁﻳﺎت آﻮاﺷﻒ ﺗﺸﻴﺮ إﻟﻰ ﻣﺮﺣﻠﺔ روﺣﻴﺔ ﻋﺸﻨﺎهﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﻠﻜﻮت ﻗﺒﻞ اﻟﻨﺰول إﻟﻰ اﻷرﺣﺎم‪ ..‬و إﻟﻰ أﻧﻪ‬
‫آﺎن ﻟﻨﺎ ﺛﻤﺔ وﺟﻮد ﻗﺒﻞ اﻟﻤﻴﻼد آﻤﺎ أن ﻟﻨﺎ وﺟﻮد ﺑﻌﺪ اﻟﻤﻮت‪..‬‬

‫و ﻓﻲ أﺳﻤﺎء اﷲ أﻧﻪ )) اﻟﺨﺎﻟﻖ اﻟﺒﺎرئ اﻟﻤﺼﻮر ((‪ ..‬اﻟﺨﺎﻟﻖ اﻟﺬي ﺧﻠﻘﻨﺎ أرواﺣﺎ و اﻟﺒﺎرئ اﻟﺬي أﻋﻄﺎﻧﺎ‬
‫رﺧﺼﺔ اﻟﻮﺟﻮد آﻤﺎ ﻳﻌﻄﻲ اﻟﻤﻠﻚ ﺑﺮاءة اﻟﻮﺳﺎم ﻟﺤﺎﻣﻠﻪ‪ ..‬و اﻟﻤﺼﻮر اﻟﺬي ﺻﻮر ﻟﻨﺎ اﻟﻘﻮاﻟﺐ اﻟﻤﺎدﻳﺔ‬
‫اﻟﺘﻲ ﻧﺰﻟﻨﺎ ﺑﻬﺎ ﻓﻲ اﻷرﺣﺎم‪.‬‬

‫و ﻓﻲ ﺣﺪﻳﺚ ﺷﺮﻳﻒ ﻳﺸﻴﺮ ﻧﺒﻴﻨﺎ ﻣﺤﻤﺪ – ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ و ﺳﻠﻢ – إﻟﻰ هﺬا اﻟﻮﺟﻮد اﻟﺮوﺣﻲ اﻟﺴﺎﺑﻖ‬
‫ﻟﻠﻤﻴﻼد ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﻘﻮل‪ )) :‬آﻨﺖ ﻧﺒﻴﺎ و ﺁدم ﻳﺠﺪل ﻓﻲ ﻃﻴﻨﺘﻪ((‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪95‬‬
 ‫و ﻳﻘﻮل اﷲ ﻓﻲ اﻟﻘﺮﺁن ﻟﻤﺤﻤﺪ‪:‬‬

‫)) ﻗﻞ إن ﺻﻼﺗﻲ و ﻧﺴﻜﻲ و ﻣﺤﻴﺎي و ﻣﻤﺎﺗﻲ ﷲ رب اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ )‪ (162‬ﻻ ﺷﺮﻳﻚ ﻟﻪ و ﺑﺬﻟﻚ أﻣﺮت و أﻧﺎ‬
‫أول اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ )‪ ) (( (163‬اﻷﻧﻌﺎم(‬

‫و هﻲ آﻠﻤﺎت ﺗﻌﻨﻲ ﺳﺒﻖ اﻟﻮﺟﻮد اﻟﻤﺤﻤﺪي ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻴﻊ اﻷﻧﺒﻴﺎء إذ ﻳﻌﺘﺒﺮ اﻟﻘﺮﺁن ﺟﻤﻴﻊ اﻷﻧﺒﻴﺎء ﻣﺴﻠﻤﻴﻦ و‬
‫ﻣﺤﻤﺪ أوﻟﻬﻢ‪.‬‬

‫و هﻲ إﺷﺎرات ﺗﺪل ﻋﻠﻰ وﺟﻮد روﺣﻲ ﺳﺎﺑﻖ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻴﻼد آﻨﺎ ﻓﻴﻪ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﻣﻠﻜﻮﺗﻲ ﻗﺒﻞ أن ﻧﻨﺰل إﻟﻰ‬
‫اﻷرﺣﺎم‪.‬‬

‫•••‬

‫و ﻳﺤﺪﺛﻨﺎ اﻟﻘﺮﺁن ﻓﻲ ﻗﺼﺔ اﻟﺨﻠﻖ ﻋﻦ اﻟﺴﻤﺎوات اﻟﺴﺒﻊ‪.‬‬

‫)) اﻟﺬي ﺧﻠﻖ ﺳﺒﻊ ﺳﻤﺎوات و ﻣﻦ اﻷرض ﻣﺜﻠﻬﻦ‪ – 12) (( ..‬اﻟﻄﻼق(‬

‫)) اﻟﺬي ﺧﻠﻖ ﺳﺒﻊ ﺳﻤﺎوات ﻃﺒﺎﻗﺎ‪ – 3) (( ..‬اﻟﻤﻠﻚ(‬

‫)) و ﻟﻘﺪ ﺧﻠﻘﻨﺎ ﻓﻮﻗﻜﻢ ﺳﺒﻊ ﻃﺮاﺋﻖ‪ – 17) ((..‬اﻟﻤﺆﻣﻨﻮن(‬

‫)) و ﺑﻨﻴﻨﺎ ﻓﻮﻗﻜﻢ ﺳﺒﻌﺎ ﺷﺪادا(( )‪ – 12‬اﻟﻨﺒﺄ(‬

‫و اﻟﺴﻤﺎوات اﻟﺴﺒﻊ ﺳﺮ ﻻ ﻳﻔﻬﻤﻪ اﻟﻌﻠﻢ و ﻟﻜﻦ هﻨﺎك أﻣﺮا ﻣﺜﻴﺮا ﻟﻠﺘﺄﻣﻞ‪ ..‬أن ﻳﻜﺸﻒ ﻟﻨﺎ اﻟﻌﻠﻢ ﻣﺜﻼ أن‬
‫اﻟﻀﻮء ﺳﺒﻌﺔ أﻟﻮان هﻲ أﻟﻮان اﻟﻄﻴﻒ و ﺳﺒﻊ درﺟﺎت ﻣﻦ اﻷﻃﻮال اﻟﻤﻮﺟﻴﺔ ﻣﻦ اﻷﺣﻤﺮ إﻟﻰ اﻟﺒﻨﻔﺴﺠﻲ‬
‫ﺛﻢ ﻳﻌﻮد ﻓﻴﺘﻜﺮر اﻟﺴﻠﻢ ﻓﻲ ﺳﺒﻊ درﺟﺎت أﺧﺮى ﻣﻦ ﺗﺤﺖ اﻷﺣﻤﺮ ﻟﻔﻮق اﻟﺒﻨﻔﺴﺠﻲ‪ ..‬و ﺑﺎﻟﻤﺜﻞ اﻟﺴﻠﻢ‬
‫اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻲ ﺳﺒﻊ درﺟﺎت ﺛﻢ ﺗﻌﻮد اﻟﺜﺎﻣﻨﺔ ﻓﺘﻜﻮن ﺟﻮاﺑﺎ ﻟﻸوﻟﻰ و هﻜﺬا ﺗﺘﻜﺮر اﻟﻨﻐﻤﺎت ﺳﺒﻌﺎت ﺳﺒﻌﺎت‪.‬‬

‫و ﻧﻌﺮف أﻳﻀﺎ ﻓﻲ ﻋﻠﻢ اﻷﺟﻨﺔ‪ ..‬أن اﻟﺠﻨﻴﻦ ﻻ ﻳﻜﺘﻤﻞ ﻧﻤﻮﻩ إﻻ ﻓﻲ اﻟﺸﻬﺮ اﻟﺴﺎﺑﻊ‪ ،‬و أﻧﻪ إذا وﻟﺪ ﻗﺒﻞ‬
‫اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻳﻤﻮت‪.‬‬

‫و ﻣﻨﺬ ﺑﺪأﻧﺎ ﻧﻌﺮف اﻷﻳﺎم ﻗﺴﻤﻨﺎهﺎ ﺳﺒﻌﺎت ﺳﺒﻌﺎت‪ ،‬و ﻋﺮﻓﻨﺎ اﻷﺳﺒﻮع آﻮﺣﺪة زﻣﻨﻴﺔ ﻟﻠﺤﺴﺎب‪ ..‬اﺗﻔﻖ‬
‫اﻟﻨﺎس ﻣﻦ آﻞ اﻷﺟﻨﺎس و اﻷدﻳﺎن و اﻷﻟﻮان ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﻣﻨﺬ اﻟﻤﺎﺿﻲ اﻟﺴﺤﻴﻖ و اﻟﺘﻘﻮا ﻋﻠﻴﻪ دون أن‬
‫ﻳﻜﻮن ﺑﻴﻨﻬﻢ اﺗﻔﺎق ﻣﻜﺘﻮب‪ ..‬ﻟﻤﺎذا؟ ‪ ..‬و آﻴﻒ؟ ﻻ ﻧﺪري‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪96‬‬
 ‫ﺛﻢ ﻧﻜﺘﺸﻒ أﺧﻴﺮا أن درﺟﺎت اﻟﻄﻴﻒ اﻟﺴﺒﻌﺔ ﻓﻲ ﺿﻮء اﻟﺸﻤﺲ ﺳﺒﺒﻬﺎ ﻧﻘﻼت ﺳﺒﻌﺔ ﻟﻺﻟﻜﺘﺮون ﻋﺮوﺟﺎ‬
‫ﻓﻲ أﻓﻼك ﺳﺒﻌﺔ ﺣﻮل ﻧﻮاة ذرة ) اﻹﻳﺪروﺟﻴﻦ(‪ ..‬آﻠﻤﺎ ﻗﻔﺰ اﻹﻟﻜﺘﺮون ﻓﻲ ﻓﻠﻚ ﺧﺎرج اﻟﻨﻮاة أﻃﻠﻖ ﺷﺤﻨﺔ‬
‫هﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻄﻲ اﻟﻄﻴﻒ اﻟﻤﻨﺎﻇﺮ‪.‬‬

‫و ﺗﺤﺪث هﺬﻩ اﻟﻘﻔﺰات ﻓﻲ ﺑﺎﻃﻦ اﻟﺸﻤﺲ ) اﻟﻤﻜﻮن ﻣﻦ ﻏﺎز اﻹﻳﺪروﺟﻴﻦ( ﻣﻦ ﻓﺮط اﻟﺤﺮارة اﻟﺘﻲ‬
‫ﺗﺘﺠﺎوز ﻣﻼﻳﻴﻦ اﻟﺪرﺟﺎت‪ ..‬ﻓﺘﻨﻔﺮط اﻹﻟﻜﺘﺮوﻧﺎت ﺧﺎرﺟﺔ ﻣﻦ ذراﺗﻬﺎ و ﺗﻄﻠﻖ اﻟﻀﻮء اﻟﺸﻤﺴﻲ‬
‫اﻟﻤﻌﺮوف‪.‬‬

‫و ﻧﻔﻬﻢ ﻣﻦ هﺬا أن ) اﻹﻟﻜﺘﺮون( ﻳﻌﺮج ﺻﺎﻋﺪا ﻓﻲ ﺳﺒﻌﺔ أﻓﻼك أﺷﺒﻪ ﺑﺎﻟﺴﻤﺎوات اﻟﺴﺒﻊ‪ ..‬ﺛﻢ ﻓﻲ ﻋﻮدﺗﻪ‬
‫هﺒﻮﻃﺎ ﻣﻦ ﺳﻤﺎء إﻟﻰ ﺳﻤﺎء ﺗﺤﺘﻬﺎ ﻻ ﺑﺪ ﻟﻪ أن ﻳﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﻏﻞ ﻣﻦ أﻏﻼل اﻟﻄﺎﻗﺔ اﻟﺘﻲ اﻣﺘﺼﻬﺎ‪ ..‬ﻓﺘﻨﻄﻠﻖ‬
‫هﺬﻩ اﻟﻄﺎﻗﺔ ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ ﺣﺰﻣﺔ ﺿﻮﺋﻴﺔ ﻣﻦ ﻃﻴﻒ ﻣﻌﻴﻦ‪ ..‬إﻟﻰ أن ﻳﻌﻄﻴﻨﺎ اﻷﻃﻴﺎف اﻟﺴﺒﻌﺔ ﻟﻠﻀﻮء‬
‫اﻷﺑﻴﺾ‪.‬‬

‫و آﺄﻧﻤﺎ اﻟﺬرة و هﻲ اﻟﻨﻤﻮذج اﻟﻤﺼﻐﺮ ﻟﻠﻜﻮن ﻓﻴﻬﺎ ﺳﺒﻊ ﺳﻤﺎوات‪.‬‬

‫هﻞ ﻣﻌﻨﻰ هﺬا أﻧﻨﺎ ﺳﻮف ﻧﻜﺘﺸﻒ ﻳﻮﻣﺎ ﻣﺎ أن اﻟﻮﺟﻮد ﻣﺮﺗﺐ ﻓﻲ ﺳﺒﻊ درﺟﺎت ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ ﺣﺎﻻﺗﻪ‪ ..‬و أن‬
‫هﻨﺎك ﺳﻠﻤﺎ ﻳﻜﺮر ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻦ أﺳﻔﻞ ﺳﺎﻓﻠﻴﻦ إﻟﻰ أﻋﻠﻰ ﻋﻠﻴﻴﻦ‪ ..‬ﺳﺒﻊ ﺳﻤﺎوات و ﺳﺒﻊ أرﺿﻴﻦ‪ ..‬ﻣﺜﻠﻤﺎ‬
‫ﻟﻠﻀﻮء ﺳﺒﻊ درﺟﺎت و اﻟﺼﻮت ﺳﺒﻊ ﻧﻐﻤﺎت و اﻹﻟﻜﺘﺮون ﺳﺒﻌﺔ أﻓﻼك‪ ..‬و إن ﻣﺎ ورد ﻓﻲ اﻟﻘﺮﺁن ﺣﻮل‬
‫اﻟﺮﻗﻢ ﺳﺒﻌﺔ ) ﻋﻦ ﺟﻬﻨﻢ اﻟﺘﻲ ﻟﻬﺎ ﺳﺒﻌﺔ أﺑﻮاب و ﻋﻦ اﻷرﺿﻴﻦ اﻟﺴﺒﻊ و اﻟﺴﻤﺎوات اﻟﺴﺒﻊ و ﻋﻦ ﺳﺒﻊ‬
‫ﺳﻨﻮات ﻋﺠﺎف و ﺳﺒﻊ ﺑﻘﺮات ﺳﻤﺎن و ﻋﻦ اﺳﺘﻮاء اﷲ ﻋﻠﻰ ﻋﺮﺷﻪ ﻓﻲ اﻟﻴﻮم اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻣﻦ أﻳﺎم اﻟﺨﻠﻖ(‪..‬‬
‫آﻞ هﺬﻩ إﺷﺎرات إﻟﻰ هﺬا اﻟﺴﺮ اﻟﺨﻄﻴﺮ ﻣﻦ أﺳﺮار اﻟﻜﻮن‪.‬‬

‫ﻻ ﺷﻚ أن اﻟﻘﺮﺁن هﻨﺎ ﻳﺒﺪو ﺑﻜﻞ ﺛﻘﻠﻪ و ﺧﻄﻮرﺗﻪ ﻣﺸﻴﺮا إﻟﻰ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﻋﻠﻤﻴﺔ ﻏﺎﻳﺔ ﻓﻲ اﻷهﻤﻴﺔ‪.‬‬

‫•••‬

‫و ﻣﺜﺎل ذﻟﻚ اﻟﻠﻤﺤﺔ اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ اﻷﺧﺮى اﻟﺘﻲ ﻧﺼﺎدﻓﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻘﺮﺁن ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻧﻘﺮأ ﻋﻦ اﷲ ﻋﺰ وﺟﻞ أﻧﻪ‪:‬‬

‫)) إن اﷲ ﻓﺎﻟﻖ اﻟﺤﺐ و اﻟﻨﻮى ﻳﺨﺮج اﻟﺤﻲ ﻣﻦ اﻟﻤﻴﺖ و ﻣﺨﺮج اﻟﻤﻴﺖ ﻣﻦ اﻟﺤﻲ‪ – 95) ((..‬اﻷﻧﻌﺎم(‬

‫و ﻗﺪ ﻓﻬﻢ ﻣﻨﻬﺎ اﻟﻤﻔﺴﺮون اﻟﻘﺪاﻣﻰ اﻧﻔﻼق ﻧﻮاة اﻟﺒﻠﺤﺔ ﻋﻨﺪ اﻹﻧﺒﺎت و أﻧﻪ ﺑﻬﺬا ﺗﺠﺪد اﻟﻨﺨﻠﺔ ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ﻓﺘﺨﺮج‬
‫اﻟﺴﺎق اﻟﺤﻲ ﻣﻦ اﻟﻨﻮى اﻟﻤﻴﺖ‪.‬‬

‫ﻓﻬﻞ آﺎﻧﺖ ﻣﺼﺎدﻓﺔ أن ﻳﻜﺸﻒ ﻟﻨﺎ اﻟﻌﻠﻢ اﻟﺘﺸﺮﻳﺤﻲ أن اﻟﺨﻠﻴﺔ أﻳﻀﺎ ﺗﺠﺪد ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ﺑﺄن ﺗﻨﻔﻠﻖ ﻧﻮاﺗﻬﺎ و أن‬
‫هﺬﻩ هﻲ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻠﺪ ﺑﻬﺎ اﻟﺨﻠﻴﺔ ﻓﺘﺼﺒﺢ ﺧﻠﻴﺘﻴﻦ‪.‬‬

‫و هﻞ آﺎﻧﺖ ﻣﺼﺎدﻓﺔ أن ﻳﻜﺸﻒ ﻟﻨﺎ اﻟﻌﻠﻢ أن اﻟﺬرة ﻻ ﺗﺨﺮج ﻃﺎﻗﺘﻬﺎ اﻟﻤﻜﻨﻮﻧﺔ إﻻ ﺑﺎﻧﻔﻼق ﻧﻮاﺗﻬﺎ أﻳﻀﺎ‬
‫ﻓﻴﺨﺮج ﻣﻨﻬﺎ اﻟﺤﻲ ﻣﻦ اﻟﻤﻴﺖ ) ﻣﻴﻼد اﻟﻄﺎﻗﺔ اﻟﺬرﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﺎدة اﻟﻤﻮات(‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪97‬‬
 ‫هﻲ ﻣﺠﺮد ﺗﺄﻣﻼت‪.‬‬

‫•••‬

‫و اﻟﺸﻲء ﻧﻔﺴﻪ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﺤﻜﻲ ﻟﻨﺎ ﺳﻮرة ﻳﺎﺳﻴﻦ ﻋﻦ اﷲ‪:‬‬

‫)) اﻟﺬي ﺧﻠﻖ اﻷزواج آﻠﻬﺎ ﻣﻤﺎ ﺗﻨﺒﺖ اﻷرض و ﻣﻦ أﻧﻔﺴﻬﻢ و ﻣﻤﺎ ﻻ ﻳﻌﻠﻤﻮن(( )‪ – 36‬ﻳﺲ(‬
‫و ﻧﻌﻠﻢ أن اﷲ ﺧﻠﻖ اﻟﻨﺒﺎت ﻣﻦ زوﺟﻴﻦ ذآﺮا و أﻧﺜﻰ آﻤﺎ ﺧﻠﻘﻨﺎ ﻣﻦ زوﺟﻴﻦ و اﻟﺠﻦ ﻣﻦ زوﺟﻴﻦ‪.‬‬

‫و ﻣﺎ ﻟﻢ ﻧﻜﻦ ﻧﻌﻠﻤﻪ و ﻣﺎ آﺸﻔﻪ ﻟﻨﺎ اﻟﻌﻠﻢ أن هﺬﻩ اﻟﺰوﺟﻴﺔ هﻲ ﻓﻲ اﻷﺷﻴﺎء أﻳﻀﺎ‪:‬‬

‫)) و ﻣﻦ آﻞ ﺷﻲء ﺧﻠﻘﻨﺎ زوﺟﻴﻦ ﻟﻌﻠﻜﻢ ﺗﺬآﺮون(( )‪ – 49‬اﻟﺬارﻳﺎت(‬

‫ﻓﺎﻟﻜﻬﺮﺑﺎء ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺸﺤﻨﺘﺎن اﻟﺴﺎﻟﺒﺔ و اﻟﻤﻮﺟﺒﺔ‪.‬‬

‫و اﻟﻤﻐﺎﻧﻄﻴﺴﻴﺔ ﻓﻴﻬﺎ اﻻﺳﺘﻘﻄﺎب إﻟﻰ ﻗﻄﺒﻴﻦ‪.‬‬

‫و ﻓﻲ اﻟﺬرة اﻹﻟﻜﺘﺮون و اﻟﺒﻮزﻳﺘﺮون‪.‬‬

‫و اﻟﺒﺮوﺗﻮن و اﻟﻨﻴﻮﺗﺮون‪.‬‬

‫و ﻓﻲ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء اﻟﻌﻀﻮﻳﺔ‪ ..‬اﻟﺠﺰيء اﻟﻴﺴﺎري و اﻟﺠﺰيء اﻟﻴﻤﻴﻨﻲ‪.‬‬

‫و ﻧﻌﺮف اﻵن اﻟﻤﺎدة‪ ..‬و اﻟﻤﺎدة اﻟﻤﻀﺎدة‪.‬‬

‫و اﻟﺜﻨﺎﺋﻴﺔ اﻹزدواﺟﻴﺔ ﻓﻲ ﺗﺮآﻴﺐ اﻷﺣﻴﺎء و اﻟﺠﻤﺎدات ﻳﻜﺸﻒ ﻟﻨﺎ اﻟﻌﻠﻢ أﺳﺮارهﺎ آﻞ ﻳﻮم‪.‬‬

‫و هﻲ إﺷﺎرات و ﻟﻤﺤﺎت و ﻗﻄﺮات ﻣﻦ ﺑﺤﺮ اﻟﻘﺮﺁن اﻟﻤﻠﻲء ﺑﺎﻟﻜﻨﻮز و اﻷﺳﺮار‪.‬‬

‫•••‬

‫و رﺑﻤﺎ آﺎن أﻋﻤﻖ هﺬﻩ اﻷﺳﺮار ﻣﺎ ﺟﺎء ﻓﻲ اﻟﻘﺮﺁن وﺻﻔﺎ ﻟﻴﻮم اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﺑﺄن اﻟﺒﺤﺎر ﺗﻔﺠﺮ و ﺗﻀﺮم ﻓﻴﻬﺎ‬
‫اﻟﻨﻴﺮان‪:‬‬

‫)) و إذا اﻟﺒﺤﺎر ﺳﺠﺮت(( )‪ – 6‬اﻟﺘﻜﻮﻳﺮ(‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪98‬‬
 ‫)) و ﺳﺠﺮت(( ﻣﻌﻨﺎهﺎ أﺿﺮﻣﺖ ﻧﺎرا‪.‬‬

‫و ﻓﻲ ﺳﻮرة اﻻﻧﻔﻄﺎر ﻳﻌﻮد اﻟﻘﺮﺁن إﻟﻰ هﺬﻩ اﻹﺷﺎرة‪:‬‬

‫)) و إذا اﻟﺒﺤﺎر ﻓﺠﺮت )‪ (3‬و إذا اﻟﻘﺒﻮر ﺑﻌﺜﺮت )‪ ) (( (4‬اﻻﻧﻔﻄﺎر(‬

‫و ﻓﻲ ﺳﻮرة اﻟﻄﻮر ﻳﻘﺴﻢ اﷲ ﺑﻬﺬا اﻟﺤﺪث ﻓﻴﻘﻮل ﺟﻞ ﻣﻦ ﻗﺎﺋﻞ‪:‬‬

‫)) و اﻟﺒﺤﺮ اﻟﻤﺴﺠﻮر )‪ (6‬إن ﻋﺬاب رﺑﻚ ﻟﻮاﻗﻊ )‪ ) (( (7‬اﻟﻄﻮر(‬

‫إﻧﻪ ﻳﻘﺴﻢ ﺑﺎﻟﺒﺤﺮ إذ ﻳﻔﺠﺮ و ﻳﻀﺮم ﻧﺎرا ﻳﻮم اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﺑﺄن اﻟﻌﺬاب واﻗﻊ و أﻧﻪ ﺣﻖ‪.‬‬

‫و اﻟﻘﺴﻢ ﻓﻴﻪ ﻟﻔﺖ ﻧﻈﺮي ﻷهﻤﻴﺔ اﻟﺤﺪث و ﺟﺴﺎﻣﺘﻪ‪ ..‬و ﻗﺪ ﻇﻞ )) اﻟﺒﺤﺮ اﻟﻤﺴﺠﻮر(( ﻓﻲ ﻧﻈﺮي ﻟﻐﺰا‬
‫ﻋﺠﻴﺒﺎ ﺣﺘﻰ وﻗﻌﺖ ﻓﻲ ﻳﺪي ﺧﺮﻳﻄﺔ ﻟﺘﻮزﻳﻊ اﻷﺣﺰﻣﺔ اﻟﺒﺮآﺎﻧﻴﺔ و اﻟﺰﻟﺰاﻟﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻷرض ﻓﻲ أﺛﻨﺎء ﻗﺮاءة‬
‫ﻋﻦ اﻟﻨﺸﺎط اﻟﺒﺮآﺎﻧﻲ و أﺳﺮارﻩ‪ .‬و آﺎﻧﺖ اﻟﺨﺮﻳﻄﺔ ﺑﺪاﻳﺔ ﻟﺪواﻣﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﺄﻣﻞ‪.‬‬

‫ﻓﺎﻟﻤﺆﻟﻒ و هﻮ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺠﻴﻮﻟﻮﺟﻲ اﻟﺪآﺘﻮر ) ﺑﻮ( ﻳﻘﻮل ﻟﻨﺎ ﺑﺎﻟﺮﺳﻢ و اﻹﺣﺼﺎءات إﻧﻪ ﻣﻦ ﺧﻤﺴﻤﺎﺋﺔ‬
‫ﺑﺮآﺎن و هﻲ آﻞ ﻣﺎ ﻧﻌﺮف ﻣﻦ ﺑﺮاآﻴﻦ ﻋﻠﻰ اﻷرض وﺟﺪ أن ﻣﻌﻈﻢ هﺬﻩ اﻟﺒﺮاآﻴﻦ ﺗﺼﻄﻒ ﻓﻲ ﺣﻠﻘﺔ‬
‫ﺣﻮل اﻟﻤﺤﻴﻂ اﻟﻬﺎدي و ﻓﻲ ﺧﻂ ﺑﻄﻮل اﻟﺒﺤﺮ اﻟﻤﺘﻮﺳﻂ و ﺧﻂ ﺑﺤﺎﻓﺔ اﻷﻃﻠﺴﻲ‪ ..‬و أﻋﺠﺐ ﻣﻦ هﺬا أﻧﻪ‬
‫وﺟﺪ أن ﻗﺎع اﻟﻤﺤﻴﻂ اﻟﻬﺎدي ﻳﺘﻜﻮن ﻣﻦ اﻟﺒﺎزﻟﺖ و هﻮ ﺻﺨﺮ ﺑﺮآﺎﻧﻲ‪ ..‬و ﻣﻌﻨﻰ هﺬا أن ﺟﻮف اﻷرض‬
‫اﻟﻨﺎري هﻮ أﻗﺮب ﻣﺎ ﻳﻜﻮن إﻟﻰ اﻟﺴﻄﺢ ﻋﻨﺪ ﻗﺎع اﻟﻤﺤﻴﻂ اﻟﻬﺎدي و اﻟﺒﺤﺮاﻟﻤﺘﻮﺳﻂ و اﻷﻃﻠﺴﻲ‪ ،‬و أن هﺬﻩ‬
‫اﻷﻣﻜﻨﺔ ﺗﺤﺖ اﻟﻤﺎء ﺗﻤﺜﻞ ﻧﻘﺎط اﻟﻀﻌﻒ ﻓﻲ اﻟﻘﺸﺮة اﻷرﺿﻴﺔ ﺣﻴﺚ ﻳﺤﺪث ﺑﻴﻦ وﻗﺖ و ﺁﺧﺮ أن ﺗﻨﻔﺠﺮ‬
‫اﻟﺒﺜﻮر اﻟﺒﺮآﺎﻧﻴﺔ ﻓﺘﻘﺬف ﺑﺎﻟﺤﻤﻢ ﻣﻦ ﺟﻮف اﻷرض اﻟﻤﻠﺘﻬﺐ إﻟﻰ اﻟﺴﻄﺢ‪.‬‬

‫ﺛﻢ ﻳﻤﻀﻲ اﻟﻤﺆﻟﻒ ﻓﻴﺤﺼﻲ ﻟﻨﺎ ﻋﺪدا ﻣﻦ أﻋﻈﻢ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﺮاآﻴﻦ اﻟﺘﻲ ﺗﺸﻜﻞ ﺣﻠﻘﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﻴﺮان ﺣﻮل اﻟﻤﺎء و‬
‫ﺗﺤﺖ اﻟﻤﺎء ﻳﺬآﺮ ﻟﻨﺎ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺮآﺎن ) ﻓﻮﺟﻴﺎﻣﺎ( و ﺑﺮآﺎن ) ﻣﺎﻳﻮن( و ﺑﺮآﺎن ) ﺗﺎل( و ﺑﺮآﺎن ) آﺮآﺎﺗﻮا( و‬
‫ﺑﺮآﺎن ) أورزاﺑﺎ( و ﺑﺮآﺎن ) ﺑﺎرﻳﻜﻮﺗﻴﻦ( و ﺑﺮآﺎن ) آﻮﺗﻮﺑﺎآﺴﻲ( و ﺑﺮآﺎن ) ﺷﻴﻤﺒﻮراز( و اﻟﺒﺮاآﻴﻦ‬
‫اﻟﺜﻼﺛﺔ ) ﻣﻮﻧﺖ ﻻﺳﻦ و ﻣﻮﻧﺖ هﻮد و ﻣﻮﻧﺖ رﻳﻨﻴﺮ(‪ ..‬هﺬا ﻏﻴﺮ ﺟﺰر ﺑﺮآﺎﻧﻴﺔ ﺗﻘﻮم وﺳﻂ اﻟﻤﺤﻴﻂ ﻣﺜﻞ‪:‬‬
‫ﺟﺰر ) هﺎواي( و هﻲ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﺰر ﺷﻴﺪﺗﻬﺎ اﻟﺒﺮاآﻴﻦ‪ ..‬و ﻣﻦ أﻋﺠﺐ ﻣﺎﻳﺮاﻩ اﻟﺴﺎﺋﺤﻮن ﻓﻴﻬﺎ‬
‫ﻣﺸﻬﺪ ﺣﻔﺮة ) آﻴﻼوﻳﺎ( اﻟﻨﺎرﻳﺔ و ﻳﺴﻤﻴﻬﺎ أهﻞ اﻟﺒﻼد ) هﺎﻟﻴﻮﻣﺎ( أي ﺑﻴﺖ اﻟﻨﺎر‪ ..‬و ﻓﻴﻬﺎ ﻳﻤﻜﻨﻚ أن ﺗﺮى‬
‫رأي اﻟﻌﻴﻦ اﻟﺤﻤﻢ اﻟﻤﺘﻮهﺠﺔ و هﻲ ﺗﻐﻠﻲ و ﺗﻔﻮر و ﺗﺒﺼﻖ ﻧﺎﻓﻮرات اﻟﻨﺎر ﻋﻠﻰ أﻋﻤﺎق ﺳﺤﻴﻘﺔ داﺧﻞ‬
‫اﻟﻔﻮهﺔ‪.‬‬

‫و ﺑﻴﻦ ﺑﺮاآﻴﻦ اﻟﺒﺤﺮ اﻟﻤﺘﻮﺳﻂ أآﺒﺮهﺎ ﺑﻌﺪ ) ﻓﻴﺰوف( هﻮ ﺑﺮآﺎن ) أﺗﻨﺎ( ﺑﺼﻘﻠﻴﺔ و إﻟﻰ اﻟﺸﻤﺎل ﻣﻨﻪ ﻳﻘﻊ‬
‫ﺑﺮآﺎن ) ﺳﺘﺮﻣﺒﻮﻟﻲ( اﻟﺬي ﻳﺜﻮر ﺑﺼﻔﺔ ﻣﺴﺘﻤﺮة و ﻳﻠﻤﻊ آﻞ ﻟﻴﻠﺔ ﺑﺎﻟﻀﻮء اﻷﺣﻤﺮ و ﻳﺴﻤﻴﻪ اﻟﻤﻼﺣﻮن‬
‫ﻣﻨﺎرة اﻟﺒﺤﺮ اﻟﻤﺘﻮﺳﻂ‪.‬‬

‫و ﻓﻲ ﺷﺮق اﻟﺒﺤﺮ اﻟﻤﺘﻮﺳﻂ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ أﺧﺮى ﻣﻦ اﻟﺒﺮاآﻴﻦ ﻣﻦ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﺟﺒﻞ ) أرارات(‪ ..‬و ﻓﻲ اﻷﻃﻠﺴﻲ‬
‫ﺟﺰر ) اﻟﻜﻨﺎري و ﺁزور و آﺎب ﻓﺮد( و آﻠﻬﺎ ﺟﺰر ﺑﺮآﺎﻧﻴﺔ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪99‬‬
 ‫ﺛﻢ ﺗﻄﺎﻟﻌﻨﺎ اﻹﺣﺼﺎءات ﺑﺤﻘﻴﻘﺔ أﺧﺮى داﻣﻐﺔ ﻓﺘﻘﻮل إن ‪ % 80‬ﻣﻦ اﻟﻨﺸﺎط اﻟﺰﻟﺰاﻟﻲ ﻳﻘﻊ هﻮ اﻵﺧﺮ ﻓﻲ‬
‫اﻟﺤﺰام اﻟﺬي ﻳﺤﺘﻀﻦ اﻟﻤﺤﻴﻂ اﻟﻬﺎدي و إن ﻣﻌﻈﻢ اﻟﻬﺰات اﻟﺰﻟﺰاﻟﻴﺔ ﺗﻘﻊ ﻓﻲ ﻗﺎع اﻟﺒﺤﺎر‪.‬‬

‫إن ذروة اﻻﺿﻄﺮاب اﻟﺒﺮآﺎﻧﻲ و اﻟﺰﻟﺰاﻟﻲ واﻗﻌﺔ إذن ﺣﻮل اﻟﻤﺎء و ﺗﺤﺖ اﻟﻤﺎء ﺣﻴﺚ ﺟﻮف اﻷرض‬
‫اﻟﻨﺎري اﻟﻤﺘﺄﺟﺞ ﺑﺎﻟﺤﺮارة ﻗﺮﻳﺐ ﻣﻦ اﻟﺴﻄﺢ‪ ،‬ﻻ ﻳﺤﻔﻈﻪ ﻣﻦ اﻟﺘﻔﺠﺮ إﻻ ﺗﻮازن اﻟﻘﺸﺮة اﻷرﺿﻴﺔ اﻟﺪﻗﻴﻖ و‬
‫اﻟﺠﺒﺎل اﻟﻬﺎﺋﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻤﻞ آﺜﻘﺎﻻت و أوﺗﺎد ﺗﺤﻔﻆ هﺬﻩ اﻟﻘﺸﺮة ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻧﻬﺎ‪ ،‬و ﺗﺮﺳﻴﻬﺎ ﻓﻼ ﺗﻤﻴﺪ ﻓﻮق ﺑﺤﺮ‬
‫اﻟﻨﺎر اﻟﻤﻀﻄﺮب ﻓﻲ اﻟﺪاﺧﻞ‪.‬‬

‫و ﻓﻲ ذﻟﻚ ﻳﻘﻮل اﻟﻘﺮﺁن ﻋﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﺒﺎل اﻟﺮواﺳﻲ‪.‬‬

‫)) و أﻟﻘﻰ ﻓﻲ اﻷرض رواﺳﻲ أن ﺗﻤﻴﺪ ﺑﻜﻢ و ﺑﺚ ﻓﻴﻬﻤﺎ ﻣﻦ آﻞ داﺑﺔ‪ – 10) (( ..‬ﻟﻘﻤﺎن(‬

‫و ﻓﻲ ﻣﻜﺎن ﺁﺧﺮ ﻳﺼﻒ اﻟﺠﺒﺎل ﺑﺄﻧﻬﺎ أوﺗﺎد‪ )) ..‬و اﻟﺠﺒﺎل أوﺗﺎدا(( )‪ – 7‬اﻟﻨﺒﺄ( و هﻮ وﺻﻒ ﻋﻠﻤﻲ و‬
‫دﻗﻴﻖ ﻓﻬﻲ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ أوﺗﺎد‪..‬‬

‫ﻓﺈذا ﺟﺎء وﻋﺪ اﻵﺧﺮة و ﻧﺴﻔﺖ هﺬﻩ اﻟﺠﺒﺎل ﺗﺪﻓﻘﺖ ﺣﻤﻢ اﻟﻨﺎر ﻣﻦ ﻧﻘﻄﺔ اﻟﻀﻌﻒ اﻟﻜﺒﺮى و هﻲ ﻗﻴﻌﺎن‬
‫اﻟﺒﺤﺎر و أﻟﻘﺖ اﻷرض ﺑﺠﻮﻓﻬﺎ اﻟﻤﻠﺘﻬﺐ‪.‬‬

‫)) إذا زﻟﺰﻟﺖ اﻷرض زﻟﺰاﻟﻬﺎ )‪(1‬و أﺧﺮﺟﺖ اﻷرض أﺛﻘﺎﻟﻬﺎ )‪) (( (2‬اﻟﺰﻟﺰﻟﺔ(‬

‫و أﺿﺮﻣﺖ اﻟﻨﻴﺮان ﻓﻲ ﻣﻴﺎﻩ اﻟﺒﺤﺎر و اﻟﻤﺤﻴﻄﺎت و آﺎن ذﻟﻚ )) اﻟﺒﺤﺮ اﻟﻤﺴﺠﻮر(( اﻟﺬي ﻓﺠﺮت ﻣﻴﺎهﻪ‬
‫ﻧﺎرا‪ .‬و اﻟﺬي أﻗﺴﻢ ﺑﻪ اﻟﺨﺎﻟﻖ‪..‬‬

‫)) و ﺑﺮزت اﻟﺠﺤﻴﻢ ﻟﻤﻦ ﻳﺮى(( )‪ – 36‬اﻟﻨﺎزﻋﺎت(‬

‫و ﻧﻌﻠﻢ أن اﻟﺤﺮارة ﻓﻲ ﺟﻮف اﻷرض ﺗﺒﻠﻎ أﻟﻮف اﻟﺪرﺟﺎت‪ ،‬و أن ﺑﻄﻦ اﻷرض هﻮ أﺗﻮن ﻓﻮار ﻣﻦ‬
‫اﻟﺤﺪﻳﺪ اﻟﻤﻨﺼﻬﺮ و اﻟﺤﺠﺎرة اﻟﻤﻨﺼﻬﺮة و اﻟﺤﻤﻢ‪ ،‬و ﻟﻌﻞ هﺬا اﻟﺒﺎﻃﻦ اﻟﻨﺎري هﻮ اﻟﺠﺤﻴﻢ اﻟﺘﻲ ﻳﻘﻮل ﻓﻴﻬﺎ‬
‫ﺧﺎﻟﻘﻨﺎ‪:‬‬

‫)) وﺑﺮزت اﻟﺠﺤﻴﻢ ﻟﻠﻐﺎوﻳﻦ(( )‪ – 91‬اﻟﺸﻌﺮاء(‬

‫)) و ﺑﺮزت اﻟﺠﺤﻴﻢ ﻟﻤﻦ ﻳﺮى(( )‪ – 36‬اﻟﻨﺎزﻋﺎت(‬

‫و اﻹﺑﺮاز آﻠﻤﺔ دﻗﻴﻘﺔ ﻣﺤﺪدة ﺗﻌﻨﻲ إﺧﺮاج ﺷﻲء ﻣﻦ ﺣﺎﻟﺔ ﺑﻄﻮن إﻟﻰ ﺣﺎﻟﺔ ﻇﻬﻮر‪ ..‬ﻣﻦ اﻟﺠﻮف إﻟﻰ‬
‫اﻟﺴﻄﺢ‪.‬‬

‫و ﻟﻌﻞ هﺬا اﻟﺒﺎﻃﻦ اﻟﻔﻮار هﻮ أﺳﻔﻞ ﺳﺎﻓﻠﻴﻦ اﻟﺬي ﺳﻮف ﺗﺘﻬﺎﺑﻂ إﻟﻴﻪ اﻷرواح اﻟﻜﺜﻴﻔﺔ اﻟﻈﻠﻤﺎﻧﻴﺔ‪ ..‬و هﻮ‬
‫ﺗﻠﻚ اﻟﻨﺎر اﻟﺘﻲ وﻗﻮدهﺎ اﻟﺤﺠﺎرة‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪100‬‬
 ‫هﻲ إﺷﺎرات‪ ..‬و ﻟﻤﺤﺎت‪ ..‬و آﻠﻤﺎت ﺑﻌﻴﺪة اﻟﻐﻮر‪ ..‬ﺗﻠﺘﻘﻲ ﻓﻴﻬﺎ روﻋﺔ اﻟﺒﻼﻏﺔ ﺑﺪﻗﺔ اﻟﻌﻠﻢ‪.‬‬

‫و ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻜﻮن هﺬا اﻻﻟﺘﻘﺎء ﻣﺼﺎدﻓﺔ‪ ..‬و أن ﺗﻜﻮن ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻮاﻓﻘﺎت اﻟﻌﺪﻳﺪة ﺑﻴﻦ أﺣﺪث ﻋﻠﻮم اﻟﻌﺼﺮ‬
‫و ﺑﻴﻦ آﻠﻤﺎت اﻟﻘﺮﺁن اﻷزﻟﻴﺔ‪ ..‬أﻣﻮرا ﻋﺸﻮاﺋﻴﺔ اﻋﺘﺒﺎﻃﻴﺔ ﺟﺎءت ﻣﺼﺎدﻓﺔ و اﺗﻔﺎﻗﺎ‪.‬‬

‫ﻣﻠﺤﻮﻇﺔ‪ :‬ﻳﻮﺟﺪ ﺟﺰء ﻓﻲ هﺬا اﻟﻔﺼﻞ ﻟﻢ ﺗﺘﻢ ﻃﺒﺎﻋﺘﻪ و هﻮ ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻣﻦ اﻟﻜﺎﺗﺐ ﻟﻠﺘﻮﺻﻞ إﻟﻰ ﻣﺎهﻴﺔ‬
‫اﻟﺸﺠﺮة اﻟﻤﺬآﻮرة ﻓﻲ اﻟﻘﺮﺁن ﻟﺬا وﺟﺐ اﻟﺘﻨﻮﻳﻪ‪.‬‬

‫اﻟﺠﻨﺔ و اﻟﺠﺤﻴﻢ‬

‫آﺎن ﻣﻦ أﺳﺒﺎب اﻧﺼﺮاﻓﻲ ﻋﻦ اﻟﻘﺮﺁن ﻓﻲ ﺷﺒﺎﺑﻲ ﻣﺎ ﻗﺮأﺗﻪ ﻋﻦ أﻧﻬﺎر اﻟﻌﺴﻞ و أﻧﻬﺎر اﻟﺨﻤﺮ ﻓﻲ اﻟﺠﻨﺔ‪ ..‬و‬
‫أﻧﺎ ﻻ أﺣﺐ اﻟﻌﺴﻞ و ﻻ أﺣﺐ اﻟﺨﻤﺮ‪ ..‬ﻓﺎﻋﺘﺒﺮت هﺬﻩ ﺳﺬاﺟﺎت و اﻧﺴﺤﺐ ﺣﻜﻤﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺮﺁن ﺛﻢ ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟﺪﻳﻦ آﻠﻪ‪.‬‬

‫و اﻟﺴﺎذج ﻓﻲ واﻗﻊ اﻷﻣﺮ‪ ..‬ﻟﻢ ﻳﻜﻦ إﻻ أﻧﺎ‪.‬‬

‫ﻓﺄﻧﺎ ﻟﻢ أﺣﺎول أن أﺗﻔﻬﻢ اﻟﻨﺺ اﻟﻘﺮﺁﻧﻲ و ﻻ أن أﻋﻜﻒ ﺣﺘﻰ ﻋﻠﻰ ﻇﺎهﺮ ﻋﺒﺎرﺗﻪ ﻓﻤﺎ ﺑﺎل ﺑﺎﻃﻨﻬﺎ‪ ..‬و آﻨﺖ‬
‫ﻓﻲ ﻋﺠﻠﺔ ﻣﻦ أﻣﺮي‪ ..‬و آﺎن اﻻﻧﺼﺮاف ﻏﺎﻳﺘﻲ و ﺷﻬﻮﺗﻲ‪ ..‬و ﻏﻄﺖ هﺬﻩ اﻟﺸﻬﻮة ﻋﻠﻰ آﻞ ﺷﻲء‬
‫ﻓﻀﺎﻋﺖ ﻣﻌﺎﻟﻢ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻣﻦ أﻣﺎﻣﻲ‪ ..‬و ﻓﺎﺗﺘﻨﻲ أﻣﻮر آﺎﻧﺖ ﺷﺪﻳﺪة اﻟﻮﺿﻮح‪.‬‬

‫ﻓﻤﺎذا ﻳﻘﻮل اﻟﻘﺮﺁن ﻓﻲ اﻟﺠﻨﺔ؟‬

‫ﻦ‬
‫ﻃ ْﻌ ُﻤ ُﻪ َوَأ ْﻧﻬَﺎ ٌر ﱢﻣ ْ‬
‫ﻦ ﱠﻟ ْﻢ َﻳ َﺘ َﻐﱠﻴ ْﺮ َ‬
‫ﻦ َوَأ ْﻧﻬَﺎ ٌر ﻣِﻦ ﱠﻟ َﺒ ٍ‬
‫ﺳٍ‬‫ﻏ ْﻴ ِﺮ ﺁ ِ‬
‫ن ﻓِﻴﻬَﺎ َأ ْﻧﻬَﺎ ٌر ﻣﱢﻦ ﻣﱠﺎء َ‬
‫ﻋ َﺪ ا ْﻟ ُﻤﱠﺘﻘُﻮ َ‬
‫ﺠﱠﻨ ِﺔ اﱠﻟﺘِﻲ ُو ِ‬
‫ﻞ ا ْﻟ َ‬‫)) َﻣ َﺜ ُ‬
‫ﻦ ُه َﻮ ﺧَﺎِﻟ ٌﺪ‬ ‫ت َو َﻣ ْﻐ ِﻔ َﺮ ٌة ﻣﱢﻦ ﱠرﱢﺑ ِﻬ ْﻢ َآ َﻤ ْ‬ ‫ﻞ ﱡﻣﺼَﻔًّﻰ َوَﻟ ُﻬ ْﻢ ﻓِﻴﻬَﺎ ﻣِﻦ ُآﻞﱢ اﻟﱠﺜ َﻤﺮَا ِ‬ ‫ﺴٍ‬‫ﻋَ‬ ‫ﻦ َ‬ ‫ﻦ َوَأ ْﻧﻬَﺎ ٌر ﱢﻣ ْ‬‫ﺧ ْﻤ ٍﺮ ﱠﻟ ﱠﺬ ٍة ﻟﱢﻠﺸﱠﺎ ِرﺑِﻴ َ‬
‫َ‬
‫ﻄ َﻊ َأ ْﻣﻌَﺎء ُه ْﻢ )‪ ] (( (15‬ﻣﺤﻤﺪ [‬ ‫ﺣﻤِﻴﻤًﺎ َﻓ َﻘ ﱠ‬ ‫ﺳﻘُﻮا ﻣَﺎء َ‬ ‫ﻓِﻲ اﻟﻨﱠﺎ ِر َو ُ‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪101‬‬
 ‫ن‪ (( ..‬و ﻟﻴﺴﺖ إﻳﺮادا ﻷوﺻﺎف ﺣﺮﻓﻴﺔ‪.‬‬
‫ﻋ َﺪ ا ْﻟ ُﻤﱠﺘﻘُﻮ َ‬
‫ﺠﱠﻨ ِﺔ اﱠﻟﺘِﻲ ُو ِ‬
‫ﻞ ا ْﻟ َ‬
‫و اﻵﻳﺔ ﺗﺒﺪأ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﺿﺮب ﻣﺜﻞ‪َ )) .‬ﻣ َﺜ ُ‬
‫ﻓﻬﺬا أﻣﺮ ﻣﺴﺘﺤﻴﻞ ﻷن اﻟﺠﻨﺔ و اﻟﺠﺤﻴﻢ أﻣﻮر ﻏﻴﺒﻴﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻨﺎ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﺼﻮﻳﺮهﺎ ﻓﻲ آﻠﻤﺎت ﻣﻦ‬
‫ﻗﺎﻣﻮﺳﻨﺎ‪.‬‬

‫ﺗﻤﺎﻣﺎ آﻤﺎ ﻳﺴﺄﻟﻚ اﻟﻄﻔﻞ ﻋﻦ اﻟﻠﺬة اﻟﺠﻨﺴﻴﺔ‪ ..‬ﻓﺘﺤﺘﺎر آﻴﻒ ﺗﺼﻔﻬﺎ ﻟﻪ ﻓﻬﻲ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻪ ﻏﻴﺐ ﺧﺎرج ﻋﻦ‬
‫ﺣﺪود ﺧﺒﺮاﺗﻪ ﺗﻤﺎﻣﺎ‪ .‬و ﺑﻌﺪ أن ﺗﻌﺠﺰ ﻋﻦ ﺗﻮﺻﻴﻞ اﻟﻤﻌﻨﻰ إﻟﻴﻪ ﺗﻘﻮل ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ ﺿﺮب اﻟﻤﺜﻞ و ﻋﻠﻰ‬
‫ﺳﺒﻴﻞ اﻟﺘﻘﺮﻳﺐ‪ ..‬إﻧﻬﺎ ﺷﻲء ﻣﺜﻞ اﻟﺴﻜﺮ‪.‬‬

‫ﻟﻘﺪ اﺧﺘﺮت ﻟﻪ ﺷﻴﺌﺎ ﻣﻦ ﺧﺒﺮاﺗﻪ اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ‪.‬‬

‫و ﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﻤﺎ أﺑﻌﺪ اﻟﻤﻌﻨﻰ‪.‬‬

‫و ﻣﺎ أﺑﻌﺪ اﻟﻔﺎرق ﺑﻴﻦ اﻟﻠﺬة اﻟﺠﻨﺴﻴﺔ و ﺑﻴﻦ ﻃﻌﻢ اﻟﺴﻜﺮ اﻟﻌﺎدي اﻟﻤﺒﺘﺬل‪.‬‬

‫و ﺑﺎﻟﻤﺜﻞ آﺎن ﻣﻮﻗﻒ اﻟﻘﺮﺁن ﻓﻲ ﻣﺨﺎﻃﺒﺔ اﻟﺒﺪوي اﻟﺒﺴﻴﻂ‪.‬‬

‫و آﻞ أﻣﻨﻴﺔ اﻟﺒﺪوي اﻟﺬي ﻳﻌﻴﺶ ﻓﻲ هﺠﻴﺮ اﻟﺼﺤﺮاء أن ﻳﻌﺜﺮ ﻋﻠﻰ ﻧﺒﻊ ﻣﺎء ﻋﺬب‪ .‬ﻓﻜﻞ ﻣﺎ ﻳﺠﺪ ﻣﻦ ﻣﻴﺎﻩ‬
‫ﻣﺎ هﻲ إﻻ ﻳﻨﺎﺑﻴﻊ ﻣﺎﻟﺤﺔ ﺁﺳﻨﺔ‪.‬‬

‫و آﺬﻟﻚ اﻟﻠﺒﻦ‪ ..‬ﻓﻤﺎ أﺳﺮع ﻣﺎ ﻳﺨﺘﻤﺮو ﻳﺘﻐﻴﺮ ﻃﻌﻤﻪ ﻓﻲ ﺣﺮ اﻟﺼﺤﺎرى‪ ..‬ﻓﻴﻀﺮب ﻟﻪ اﻟﻘﺮﺁن اﻟﻤﺜﻞ ﻣﻦ‬
‫أﻋﺰ ﻣﺎ ﻳﺘﻤﻨﻰ‪.‬‬

‫ﺿ ًﺔ َﻓﻤَﺎ َﻓ ْﻮ َﻗﻬَﺎ‪ ] (( (26) ..‬اﻟﺒﻘﺮة [‬

‫ﻼ ﻣﱠﺎ َﺑﻌُﻮ َ‬
‫ب َﻣ َﺜ ً‬
‫ﻀ ِﺮ َ‬
‫ﺤﻴِﻲ أَن َﻳ ْ‬
‫ﺴ َﺘ ْ‬
‫ﻻ َﻳ ْ‬
‫ن اﻟﱠﻠ َﻪ َ‬
‫)) ِإ ﱠ‬

‫ﻓﻜﻞ اﻟﻐﺎﻳﺔ هﻲ ﺗﻘﺮﻳﺐ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻌﺎﻧﻲ اﻟﻤﺴﺘﺤﻴﻠﺔ ﺑﻘﺪر اﻹﻣﻜﺎن‪.‬‬

‫و آﻞ ﻣﺎ ﺟﺎء ﻋﻦ اﻟﺠﻨﺔ و اﻟﺠﺤﻴﻢ ﻣﺎ هﻮ إﻻ أﻟﻮان ﻣﻦ ﺿﺮب اﻟﻤﺜﺎل‪ ..‬و أﻟﻮان ﻣﻦ اﻟﺘﻘﺮﻳﺐ و أﻟﻮان ﻣﻦ‬
‫اﻟﺮﻣﺰ‪.‬‬

‫و ﻓﻲ اﻟﻌﻬﺪ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﻳﺼﻒ ) أﺷﻌﻴﺎ ( ﻳﻮم اﻟﺮﺿﻮان ﻗﺎﺋﻼ‪:‬‬

‫)) ﻳﺼﻨﻊ رب اﻟﺠﻨﻮد ﻟﺠﻤﻴﻊ اﻟﺸﻌﻮب ﻓﻲ هﺬا اﻟﺠﺒﻞ وﻟﻴﻤﺔ ﺳﻤﺎﺋﻦ و وﻟﻴﻤﺔ ﺧﻤﺮ و ﻳﻤﺴﺢ اﻟﺴﻴﺪ اﻟﺮب‬
‫اﻟﺪﻣﻮع ﻣﻦ آﻞ اﻟﻮﺟﻮﻩ ((‪.‬‬

‫و ﻓﻲ ﺗﺮاﺗﻴﻞ اﻟﻘﺪﻳﺲ ) أﻓﺮاﻳﻢ (‪:‬‬

‫)) و رأﻳﺖ ﻣﺴﺎآﻦ اﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ‪ ..‬رأﻳﺘﻬﻢ ﺗﻘﻄﺮ ﻣﻨﻬﻢ اﻟﻌﻄﻮر و ﺗﺰﻳﻨﻬﻢ ﺿﻔﺎﺋﺮ اﻟﻔﺎآﻬﺔ و اﻟﺮﻳﺤﺎن‪ ..‬و آﻞ‬
‫ﻣﻦ ﻋﻒ ﻋﻦ اﻟﺸﻬﻮات ﺗﻠﻘﺘﻪ اﻟﺤﺴﺎن ﻓﻲ ﺻﺪر ﻃﻬﻮر ((‪.‬‬

‫إﻧﻬﺎ ﺻﻮر ﻣﺸﺘﺮآﺔ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ اﻷدﻳﺎن‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪102‬‬
 ‫و ﻟﻜﻦ اﻟﻘﺮﺁن ﻻ ﻳﺘﺮآﻨﺎ ﻓﻲ ﺿﺒﺎب اﻷﻣﺜﻠﺔ ﻓﻤﺎ ﻳﻠﺒﺚ أن ﻳﻘﻄﻊ ﺑﺎﻟﻘﻮل اﻟﻔﺼﻞ‪:‬‬

‫ن )‪ ] (( (17‬اﻟﺴﺠﺪة [‬
‫ﺟﺰَاء ِﺑﻤَﺎ آَﺎﻧُﻮا َﻳ ْﻌ َﻤﻠُﻮ َ‬
‫ﻦ َ‬
‫ﻋ ُﻴ ٍ‬
‫ﻲ َﻟﻬُﻢ ﻣﱢﻦ ُﻗ ﱠﺮ ِة َأ ْ‬
‫ﺧ ِﻔ َ‬
‫ﺲ ﻣﱠﺎ ُأ ْ‬
‫)) َﻓﻠَﺎ َﺗ ْﻌَﻠ ُﻢ َﻧ ْﻔ ٌ‬

‫إﻧﻪ ﻳﺤﻴﻞ اﻟﻘﻀﻴﺔ آﻠﻬﺎ إﻟﻰ ﻏﻴﺐ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﺘﻌﺒﻴﺮ ﻋﻨﻪ ﺑﻠﻐﺔ اﻷرض‪.‬‬

‫هﻨﺎ آﻞ ﻣﻨﻰ اﻟﻌﻴﻦ و اﻟﻘﻠﺐ ﻣﻤﺎ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﺼﻮﻳﺮﻩ ﺑﺄﻟﻔﺎظ‪.‬‬

‫أﻣﺎ ﺟﻬﻨﻢ ﻓﻬﻲ ﺷﻲء ﻓﻈﻴﻊ‪ ..‬ﻻ هﻲ ﺑﺎﻟﺤﻴﺎة و ﻻ هﻲ ﺑﺎﻟﻤﻮت‪.‬‬

‫ﻆ )‪ ] (( (17‬إﺑﺮاهﻴﻢ [‬
‫ﻏﻠِﻴ ٌ‬
‫ب َ‬
‫ﻋﺬَا ٌ‬
‫ﺖ َوﻣِﻦ َورَﺁ ِﺋ ِﻪ َ‬
‫ن َوﻣَﺎ ُه َﻮ ِﺑ َﻤﱢﻴ ٍ‬
‫ت ﻣِﻦ ُآﻞﱢ َﻣﻜَﺎ ٍ‬
‫)) َو َﻳ ْﺄﺗِﻴ ِﻪ ا ْﻟ َﻤ ْﻮ ُ‬

‫ﺤﺠَﺎ َر ُة‪ ] (( (24) ..‬اﻟﺒﻘﺮة [‬

‫س وَا ْﻟ ِ‬
‫)) ﻓَﺎﱠﺗﻘُﻮ ْا اﻟﻨﱠﺎ َر اﱠﻟﺘِﻲ َوﻗُﻮ ُدهَﺎ اﻟﻨﱠﺎ ُ‬

‫ﺛﻢ ﻳﺸﺮح ﻟﻨﺎ أآﺜﺮ‪:‬‬

‫ن )‪] (( (16‬‬
‫ﻋﺒَﺎ ِد ﻓَﺎﺗﱠ ُﻘﻮ ِ‬
‫ﻋﺒَﺎ َد ُﻩ ﻳَﺎ ِ‬
‫ف اﻟﱠﻠ ُﻪ ِﺑ ِﻪ ِ‬
‫ﺨﻮﱢ ُ‬
‫ﻚ ُﻳ َ‬
‫ﻞ َذِﻟ َ‬
‫ﻇَﻠ ٌ‬
‫ﺤ ِﺘ ِﻬ ْﻢ ُ‬
‫ﻦ اﻟﻨﱠﺎ ِر َوﻣِﻦ َﺗ ْ‬
‫ﻞ ﱢﻣ َ‬
‫ﻇَﻠ ٌ‬
‫)) َﻟﻬُﻢ ﻣﱢﻦ َﻓ ْﻮ ِﻗ ِﻬ ْﻢ ُ‬
‫اﻟﺰﻣﺮ [‬

‫هﺎ هﻮ ذا ﻳﺒﻴﻦ ﻟﻨﺎ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺟﺪﻳﺪة‪ ..‬ﻓﻴﻘﻮل إﻧﻪ ﻳﻮرد اﻷﻟﻔﺎظ ﻟﻠﺘﺨﻮﻳﻒ‪ .‬و ﻟﻜﻨﻪ ﻟﻴﺲ ﺗﺨﻮﻳﻔﺎ ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮ‬
‫أﺳﺎس‪.‬‬

‫إﻧﻪ ﻣﺜﻞ ﺗﺨﻮﻳﻔﻚ ﻻﺑﻨﻚ ﺣﻴﻦ ﺗﺤﺬرﻩ ﻣﻦ إهﻤﺎل ﻧﻈﺎﻓﺔ أﺳﻨﺎﻧﻪ و ﺗﻘﻮل ﻟﻪ‪ :‬إذا ﻟﻢ ﺗﻨﻈﻒ أﺳﻨﺎﻧﻚ ﺑﺎﻟﻔﺮﺷﺎة‬
‫ﻓﺈن اﻟﺴﻮس ﺳﻮف ﻳﺄآﻞ أﺳﻨﺎﻧﻚ‪ ..‬ﺗﻘﻮل ذﻟﻚ ﻣﺤﺒﺔ ﻣﻨﻚ و رﺣﻤﺔ ﻟﻄﻔﻠﻚ‪.‬‬

‫و ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ‪ ..‬اﻟﺴﻮس ﻟﻦ ﻳﺄآﻞ أﺳﻨﺎﻧﻪ‪ ..‬إﻧﻤﺎ هﻲ ﻣﻴﻜﺮوﺑﺎت و ﻓﻴﺮوﺳﺎت ﻏﻴﺮ ﻣﺮﺋﻴﺔ‪.‬‬

‫و ﻟﻜﻦ اﻟﺘﺨﻮﻳﻒ آﺎن ﻋﻠﻰ أﺳﺎس‪ ..‬ﻷن ﻣﺎ ﺳﻮف ﻳﺤﺪث ﻟﻪ إذا أهﻤﻞ ﻧﻈﺎﻓﺔ أﺳﻨﺎﻧﻪ ﺳﻴﻜﻮن أﻟﻌﻦ ﻣﻦ أآﻞ‬
‫اﻟﺴﻮس‪.‬‬

‫و ﻣﻦ ﺟﺮب اﻵﻻم اﻟﺮهﻴﺒﺔ ﻟﻀﺮس ﻣﺴﻮس‪ ..‬ﻳﻌﺮف أﻧﻬﺎ أﺳﻮأ ﻣﻦ آﻞ ﻣﺎ ﺳﻤﻊ ﻣﻦ ﺗﺤﺬﻳﺮات‪.‬‬

‫إﻧﻪ ﺗﺨﻮﻳﻒ اﻟﻌﺰﻳﺰ اﻟﺮﺣﻴﻢ ﻣﻦ ﺷﻲء ﺳﻮف ﻳﺤﺪث ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ و ﺳﻴﻜﻮن أﺳﻮأ ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺎ ﻗﻴﻞ و آﺘﺐ‪..‬‬
‫ﻣﻤﺎ ﻻ ﻋﻴﻦ رأت و ﻻ أذن ﺳﻤﻌﺖ و ﻻ ﺧﻄﺮ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺐ ﺑﺸﺮ‪.‬‬

‫إن اﻟﻌﺬاب ﺣﻖ‪ ..‬و اﻟﺜﻮاب ﺣﻖ‪.‬‬

‫و هﻨﺎ ﻳﻌﺘﺮض ﻣﻌﺘﺮض‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪103‬‬
‫أﻻ ﻳﺘﻨﺎﻓﻰ ﻣﻊ رﺣﻤﺔ اﷲ و ﻣﻊ ﻋﻈﻤﺘﻪ أن ﻳﻌﺬب‪ ..‬و ﻳﻌﺬب ﻣﻦ !‪ ..‬إﻧﺴﺎﻧﺎ ﻣﺴﻜﻴﻨﺎ ﻻ ﻳﺴﺎوي ذرة أو هﺒﺎء‬
‫ﻓﻲ ﻣﻤﻠﻜﺔ اﷲ اﻟﻼﻧﻬﺎﺋﻴﺔ‪.‬‬

‫و هﻮ اﻋﺘﺮاض آﺎن ﻳﺸﻐﻠﻨﻲ داﺋﻤﺎ و آﺎن ﻳﺼﺮﻓﻨﻲ داﺋﻤﺎ ﻋﻦ ﻗﺒﻮل ﻓﻜﺮة اﻟﻌﺬاب و ﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻋﻦ اﻟﻘﺮﺁن و‬
‫ﻋﻦ اﻟﺪﻳﻦ آﻠﻪ‪.‬‬

‫و اﻟﺴﺆال ﻳﺤﺘﺎج ﻣﻨﺎ إﻟﻰ أن ﻧﺘﻌﻤﻖ ﻓﻲ ﻣﻌﻨﻰ آﻠﻤﺔ ﻋﺬاب‪.‬‬

‫و اﷲ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻻ ﻳﻌﺬب‪.‬‬

‫إﻧﻤﺎ هﻮ ﻓﻘﻂ ﻳﻌﺪل‪.‬‬

‫و ﻟﻮ أﻧﻪ ﺳﺎوى ﻓﻲ ﺁﺧﺮﺗﻪ ﺑﻴﻦ ﻇﺎﻟﻢ و ﻣﻈﻠﻮم‪ ..‬و ﺑﻴﻦ ﻗﺘﻴﻞ و اﻟﻘﺎﺗﻞ اﻟﺬي ﻗﺘﻠﻪ‪ ..‬ﻟﻮ أﻧﻪ ﻓﻌﻞ ذﻟﻚ ﺑﺤﺠﺔ‬
‫اﻟﺮﺣﻤﺔ ﻟﻜﺎن أﺑﻌﺪ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﻋﻦ اﻟﺮﺣﻤﺔ‪ ..‬و ﻋﻦ اﻟﻌﺪل‪ ..‬ﻓﺎﻟﻤﺴﺎواة ﺑﻴﻦ ﻏﻴﺮ اﻟﻤﺘﺴﺎوﻳﻴﻦ ﻇﻠﻢ ﻓﺎدح‪..‬‬
‫ﺗﻌﺎﻟﻰ اﷲ ﻋﻦ أن ﻳﻘﻊ ﻓﻴﻪ‪.‬‬

‫ﺛﻢ هﻲ اﻟﻔﻮﺿﻰ أن ﻳﻜﻮن اﻷﺑﻴﺾ ﻓﻲ ﻋﻴﻦ اﷲ آﺎﻷﺳﻮد‪ ،‬و اﻷﻋﻤﻰ آﺎﻟﺒﺼﻴﺮ‪ ،‬و اﻟﻤﻴﺖ آﺎﻟﺤﻲ‪ ،‬و اﻟﺬي‬
‫ﻳﺴﻤﻊ آﻤﻦ ﻻ ﻳﺴﻤﻊ‪.‬‬

‫و اﻟﻜﻮن ﻳﻨﻔﻲ اﻟﻔﻮﺿﻰ‪.‬‬

‫ﺗﺄﻣﻞ آﻞ ﺟﺰﺋﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻜﻮن ﺗﻜﺸﻒ ﻟﻚ ﻋﻦ اﻟﻨﻈﺎم اﻟﻤﺤﻜﻢ و اﻟﻘﺎﻧﻮن اﻟﺬي ﻻ ﻳﻔﻮﺗﻪ واﺣﺪ ﻣﻦ أﻟﻒ ﻣﻦ‬
‫اﻟﻤﻠﻴﺠﺮام‪.‬‬

‫و ﺣﺮآﺔ إﻟﻴﻜﺘﺮون ﻣﻦ ﻣﺪار إﻟﻰ ﻣﺪار ﻓﻲ داﺧﻞ اﻟﺬرة ﻻ ﺗﺘﻢ إﻻ ﺑﺤﺴﺎب‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﻻ ﺑﺪ أن ﻳﻌﻄﻲ ﺣﺰﻣﺔ ﻣﻦ‬
‫اﻟﻄﺎﻗﺔ ﻟﻴﻘﻔﺰ إﻟﻰ اﻟﺨﺎرج ﻗﻔﺰة ﻣﺴﺎوﻳﺔ‪ ،‬و ﻻ ﺑﺪ ﻟﻪ أن ﻳﻤﺘﺺ ﺣﺰﻣﺔ أﺧﺮى ﻟﻴﻘﻔﺰ إﻟﻰ اﻟﺪاﺧﻞ ﻗﻔﺰة‬
‫ﻣﺴﺎوﻳﺔ‪ ..‬إﻧﻪ ﻣﺤﺎﺳﺐ ﻓﻲ ﺣﺮآﺎﺗﻪ‪ ..‬و هﻮ إﻟﻴﻜﺘﺮون‪ ..‬ﻓﻤﺎ ﺑﺎل اﻹﻧﺴﺎن اﻟﻌﺎﻗﻞ و هﻮ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻺﻟﻴﻜﺘﺮون‬
‫آﺎﻟﻤﺠﺮة و اﻟﻔﻠﻚ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻺﻧﺴﺎن‪ ..‬و ﻗﺪ ﻧﻔﺦ اﷲ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ روﺣﻪ ﻓﻬﻮ ﺷﻲء ﻋﻈﻴﻢ‪ ..‬و ﻟﻴﺲ ﻓﻲ هﻮان‬
‫اﻟﺬرة و ﻻ اﻹﻟﻴﻜﺘﺮون‪.‬‬

‫ﺛﻢ ﻣﺎ ﻣﻌﻨﻰ أن ﻳﻤﻮت ﻣﻈﻠﻮﻣﺎ و ﻇﺎﻟﻤﺎ ﻓﻴﺼﺒﺢ ﺗﺮاﺑﺎ ﺑﻼ ﺑﻌﺚ و ﻳﺬهﺐ ﻣﺎ ﺣﺼﻠﻪ ﻣﻦ ﺧﻴﺮ و ﺷﺮ و ﻋﻠﻢ‬
‫و ﺣﻜﻤﺔ ﺳﺪى‪.‬‬

‫إﻧﻬﺎ ﺗﻜﻮن ﻣﺠﺮد ﺳﺨﺎﻓﺔ‪.‬‬

‫ن ُه ْﻢ ِإﻟﱠﺎ‬
‫ﻋ ْﻠ ٍﻢ ِإ ْ‬
‫ﻦ ِ‬
‫ﻚ ِﻣ ْ‬
‫ﺤﻴَﺎ َوﻣَﺎ ُﻳ ْﻬِﻠ ُﻜﻨَﺎ ِإﻟﱠﺎ اﻟﺪﱠ ْه ُﺮ َوﻣَﺎ َﻟﻬُﻢ ِﺑ َﺬِﻟ َ‬
‫ت َو َﻧ ْ‬
‫ﺣﻴَﺎ ُﺗﻨَﺎ اﻟ ﱡﺪ ْﻧﻴَﺎ َﻧﻤُﻮ ُ‬
‫ﻲ ِإﻟﱠﺎ َ‬
‫)) َوﻗَﺎﻟُﻮا ﻣَﺎ ِه َ‬
‫ن )‪ ] (( (24‬اﻟﺠﺎﺛﻴﺔ [‬ ‫ﻈﻨﱡﻮ َ‬ ‫َﻳ ُ‬

‫و هﻮ ﻇﻦ ﺧﺎﻃﺊ‪ ..‬ﻷن اﻟﺤﻴﺎة ﺗﻜﻮن ﺑﻪ ﻣﺠﺮد ﻟﻌﺒﺔ ﻋﺒﺜﻴﺔ و ﺑﺎﻃﻞ ﻓﻲ ﺑﺎﻃﻞ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪104‬‬
 ‫ﺳﺪًى )‪ ] (( (36‬اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ [‬
‫ك ُ‬
‫ن أَن ُﻳ ْﺘ َﺮ َ‬
‫ﺐ ا ْﻟﺈِﻧﺴَﺎ ُ‬
‫ﺴ ُ‬
‫ﺤَ‬‫)) َأ َﻳ ْ‬

‫و اﻟﻌﻘﻞ اﻟﻤﺘﺄﻣﻞ ﻻ ﻳﻘﻮل هﺬا أﺑﺪا‪ .‬إﻧﻪ ﻟﻴﺘﻔﻜﺮ ﻓﻲ ﺧﻠﻖ اﻟﻜﻮن و ﻧﻮاﻣﻴﺲ اﻟﻔﻠﻚ اﻟﻤﺤﻜﻤﺔ و ﻳﻬﺘﻒ ﻣﻦ‬
‫أﻋﻤﺎﻗﻪ‪:‬‬

‫ﻚ‪ ] (( (191) ..‬ﺁل ﻋﻤﺮان [‬

‫ﺳ ْﺒﺤَﺎ َﻧ َ‬
‫ﻼ ُ‬
‫ﻃ ً‬
‫ﺖ هَﺬا ﺑَﺎ ِ‬
‫ﺧَﻠ ْﻘ َ‬
‫)) َرﱠﺑﻨَﺎ ﻣَﺎ َ‬

‫ﻣﺴﺘﺤﻴﻞ أن ﻳﻨﺘﻬﻲ آﻞ هﺬا إﻟﻰ ﺑﺎﻃﻞ‪ ..‬ﻻ ﺑﺪ أن هﻨﺎك اﺳﺘﻤﺮار ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻣﺎ‪ ..‬و ﻻ ﺑﺪ أن ﻳﺘﻀﺢ ﻟﻨﺎ‬
‫اﻟﺤﻜﻤﺔ ﻣﻦ آﻞ هﺬا ﻓﻲ ﻣﻴﻘﺎﺗﻬﺎ‪.‬‬

‫إﺗﻬﺎ ﻗﻀﻴﺔ ﻋﺪاﻟﺔ و ﻗﻀﻴﺔ ﻣﻨﻄﻖ و ﻟﻴﺴﺖ ﻗﻀﻴﺔ ﺗﻌﺬﻳﺐ ﻟﻬﺪف اﻟﺘﻌﺬﻳﺐ‪ ،‬و اﻟﺬي ﺳﻮف ﻳﺤﺪث ﻟﻨﺎ ﺑﻌﺪ‬
‫اﻟﺒﻌﺚ هﻮ أن آﻞ واﺣﺪ ﺳﺘﻼزﻣﻪ رﺗﺒﺘﻪ و درﺟﺘﻪ اﻟﺘﻲ ﺣﺼﻠﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻻ أآﺜﺮ‪.‬‬

‫ن ِﻟﺰَاﻣًﺎ )‪ ] (( (77‬اﻟﻔﺮﻗﺎن [‬
‫ف َﻳﻜُﻮ ُ‬
‫ﺴ ْﻮ َ‬
‫)) َﻓ َﻘ ْﺪ َآ ﱠﺬ ْﺑ ُﺘ ْﻢ َﻓ َ‬

‫ﻓﻤﻦ ﻋﺎش ﻻ ﻳﺴﻤﻊ و ﻻ ﻳﻌﻘﻞ و ﻻ ﻳﺒﺼﺮ اﻟﺤﻖ ﺳﻮف ﻳﺤﺸﺮﻩ اﷲ أﻋﻤﻰ‪:‬‬

‫ب ِﻟ َﻢ‬
‫ل َر ﱢ‬
‫ﻋﻤَﻰ )‪ (124‬ﻗَﺎ َ‬ ‫ﺸ ُﺮ ُﻩ َﻳ ْﻮ َم ا ْﻟ ِﻘﻴَﺎ َﻣ ِﺔ َأ ْ‬
‫ﺤُ‬ ‫ﺸ ًﺔ ﺿَﻨﻜًﺎ َو َﻧ ْ‬ ‫ن َﻟ ُﻪ َﻣﻌِﻴ َ‬
‫ض ﻋَﻦ ِذ ْآﺮِي َﻓِﺈ ﱠ‬ ‫ﻋ َﺮ َ‬
‫ﻦ َأ ْ‬
‫)) َو َﻣ ْ‬
‫ﻚ ا ْﻟ َﻴ ْﻮ َم ﺗُﻨﺴَﻰ )‪] (( (126‬‬
‫ﻚ ﺁﻳَﺎ ُﺗﻨَﺎ َﻓ َﻨﺴِﻴ َﺘﻬَﺎ َو َآ َﺬِﻟ َ‬ ‫ﻚ َأ َﺗ ْﺘ َ‬
‫ل َآ َﺬِﻟ َ‬
‫ﺖ َﺑﺼِﻴﺮًا )‪ (125‬ﻗَﺎ َ‬ ‫ﻋﻤَﻰ َو َﻗ ْﺪ آُﻨ ُ‬
‫ﺸ ْﺮ َﺗﻨِﻲ َأ ْ‬
‫ﺣَ‬‫َ‬
‫ﻃﻪ [‬

‫إﻧﻬﺎ ﻣﺠﺮد ﺻﻔﺘﻚ ﺗﻼزﻣﻚ )) ﺳﻮف ﻳﻜﻮن ﻟﺰاﻣﺎ ((‪.‬‬

‫إن اﷲ ﻻ ﻳﻌﺬﺑﻚ‪ ..‬و ﻟﻜﻨﻚ ﺗﻌﺬب ﻧﻔﺴﻚ ﺑﺠﻬﻠﻚ‪.‬‬

‫ن )‪ ] (( (118‬اﻟﻨﺤﻞ [‬
‫ﻈِﻠﻤُﻮ َ‬
‫ﺴ ُﻬ ْﻢ َﻳ ْ‬
‫ﻇَﻠ ْﻤﻨَﺎ ُه ْﻢ َوَﻟﻜِﻦ آَﺎﻧُﻮ ْا أَﻧ ُﻔ َ‬
‫)) َوﻣَﺎ َ‬

‫ﻣﻦ ﻋﺎش ﺣﻴﻮاﻧﺎ ﻻ هﻢ ﻟﻪ إﻻ أن ﻳﺄآﻞ و ﻳﻀﺎﺟﻊ ﻓﻬﻮ ﻓﻲ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻟﻪ رﺗﺒﺔ اﻟﺤﻴﻮان أو اﻟﺮﺗﺒﺔ‬
‫اﻟﺴﻔﻠﻰ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻐﻴﺮﻩ ﻣﻤﻦ ﻋﺎﺷﻮا ﻳﺘﺄﻣﻠﻮن و ﻳﻌﻘﻠﻮن‪.‬‬

‫ﻼ )‪ ] (( (72‬اﻹﺳﺮاء [‬
‫ﺳﺒِﻴ ً‬
‫ﻞ َ‬
‫ﺿﱡ‬
‫ﻋﻤَﻰ َوَأ َ‬
‫ﺧ َﺮ ِة َأ ْ‬
‫ﻋﻤَﻰ َﻓ ُﻬ َﻮ ﻓِﻲ اﻵ ِ‬
‫ن ﻓِﻲ َه ِﺬ ِﻩ َأ ْ‬
‫)) َوﻣَﻦ آَﺎ َ‬

‫و ﻓﻲ اﻵﺧﺮة ﺗﺘﺰاﻳﺪ اﻟﻔﺮوق و ﺗﺘﻀﺎﻋﻒ‪ ..‬ﻓﻤﺎ ﺑﻴﻦ اﺛﻨﻴﻦ ﺳﻮف ﻳﻜﻮن أآﺜﺮ ﺑﻤﺮاﺣﻞ ﻣﻦ ﻓﺎرق اﻟﺪرﺟﺔ‬
‫ﺑﻴﻦ ﺣﻴﻮان و إﻧﺴﺎن‪.‬‬

‫ﻼ )‪ ] (( (21‬اﻹﺳﺮاء [‬
‫ت َوَأ ْآ َﺒ ُﺮ َﺗ ْﻔﻀِﻴ ً‬
‫ﺧ َﺮ ُة َأ ْآ َﺒ ُﺮ َد َرﺟَﺎ ٍ‬
‫ﺾ َوﻟَﻶ ِ‬
‫ﻋﻠَﻰ َﺑ ْﻌ ٍ‬
‫ﻀ ُﻬ ْﻢ َ‬
‫ﻀ ْﻠﻨَﺎ َﺑ ْﻌ َ‬
‫ﻒ َﻓ ﱠ‬
‫ﻈ ْﺮ َآ ْﻴ َ‬
‫)) اﻧ ُ‬

‫ﺻﻐَﺎ ٌر ﻋِﻨ َﺪ اﻟّﻠ ِﻪ‪ ] (( (124) ..‬اﻷﻧﻌﺎم [‬

‫ﺟ َﺮﻣُﻮ ْا َ‬
‫ﻦ َأ ْ‬
‫ﺐ اﱠﻟﺬِﻳ َ‬
‫ﺳ ُﻴﺼِﻴ ُ‬
‫)) َ‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪105‬‬
 ‫إن هﺬا اﻟﺼﻐﺎر ﺳﻴﻌﺬب و ﻳﺤﺮق‪ ..‬ﻷﻧﻪ ﺳﻴﻜﻮن ﺣﺴﺮة ﻋﻠﻰ ﺻﺎﺣﺒﻪ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﺮى ﻣﻜﺎﻧﺘﻪ و ﻣﻜﺎﻧﺔ‬
‫اﻵﺧﺮﻳﻦ و ﻣﻘﺪار ﻣﺎ ﺧﺴﺮ و ﻣﻘﺪار ﻣﺎ آﺴﺒﻮا‪.‬‬

‫ﺧ َﺰ ْﻳ َﺘ ُﻪ‪ ] (( (192) ..‬ﺁل ﻋﻤﺮان [‬

‫ﻞ اﻟﻨﱠﺎ َر َﻓ َﻘ ْﺪ َأ ْ‬
‫ﺧِ‬
‫ﻚ ﻣَﻦ ُﺗ ْﺪ ِ‬
‫)) َرﱠﺑﻨَﺎ ِإﱠﻧ َ‬

‫اﷲ ﻳﻌﺘﺒﺮ اﻟﺨﺰي ﻓﻲ هﺬﻩ اﻵﻳﺔ أﺷﺪ ﻣﻦ اﻟﻨﺎر إﻳﻼﻣﺎ‪.‬‬

‫و آﻤﺎ ﻳﺼﻒ اﻹﻧﺠﻴﻞ هﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻵﺧﺮ )) ﻋﺎﻟﻢ اﻟﺒﻜﺎء و ﺻﺮﻳﺮ اﻷﺳﻨﺎن ((‪ .‬اﻟﻤﺠﺮم ﻓﻴﻪ ﻳﺼﺮ ﻋﻠﻰ‬
‫أﺳﻨﺎﻧﻪ ﻧﺪﻣﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﺮى ﻣﻦ هﻮان ﺷﺄﻧﻪ أﻣﺎم اﻟﺪرﺟﺎت اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ اﻟﺘﻲ أﺻﺎﺑﻬﺎ اﻵﺧﺮون‪ .‬و ﻳﺼﻒ اﻟﻘﺮﺁن‬
‫أهﻞ اﻟﺠﻨﺔ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺪرﺟﺎت ﺑﺄﻧﻬﻢ اﻟﻤﻘﺮﺑﻮن‪ .‬اﻟﻤﻘﺮﺑﻮن ﻣﻦ اﷲ‪ ..‬ﻣﻦ اﻟﺤﻖ‪.‬‬

‫ﻚ ﱡﻣ ْﻘ َﺘ ِﺪ ٍر )‪ ] (( (55‬اﻟﻘﻤﺮ [‬
‫ق ﻋِﻨ َﺪ َﻣﻠِﻴ ٍ‬
‫ﺻ ْﺪ ٍ‬
‫)) ﻓِﻲ َﻣ ْﻘ َﻌ ِﺪ ِ‬

‫و ﻳﺮوي ﻟﻨﺎ أن اﷲ ﻳﻜﻠﻤﻬﻢ و ﻳﻨﻈﺮ إﻟﻴﻬﻢ و أﻧﻬﻢ ﻋﻠﻰ أﺳﺮة اﻟﻤﻠﻚ ﻣﺘﻘﺎﺑﻠﻮن ﻗﺪ ﻧﺰع اﷲ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ﻣﻦ‬
‫ﻏﻞ ﻓﺄﺻﺒﺤﻮا إﺧﻮاﻧﺎ ﻣﺘﺤﺎﺑﻴﻦ‪.‬‬

‫و ﻳﺼﻒ اﻟﺠﻨﺔ ﺑﺄﻧﻬﺎ دار اﻟﺴﻼم‪ ..‬و أﻧﻪ ﻻ ﺣﺮب ﻓﻴﻬﺎ و ﻻ آﺬب و ﻻ ﻟﻐﻮ و ﻻ ﺳﺒﺎب‪.‬‬

‫و ﺑﻌﺪ أن ﻳﺴﺘﻄﺮد ﻓﻲ اﻵﻳﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ و اﻟﺴﺒﻌﻴﻦ ﻣﻦ ﺳﻮرة اﻟﺘﻮﺑﺔ ﻓﻲ وﺻﻒ اﻟﺠﻨﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺠﺮي ﻣﻦ‬
‫ﺗﺤﺘﻬﺎ اﻷﻧﻬﺎر و اﻟﻤﺴﺎآﻦ اﻟﻄﻴﺒﺔ ﻓﻲ ﺟﻨﺎت ﻋﺪن ﻳﺨﺘﻢ اﻵﻳﺔ ﻗﺎﺋﻼ‪:‬‬

‫ﻦ اﻟّﻠ ِﻪ َأ ْآ َﺒ ُﺮ )‪ ] (( (72‬اﻟﺘﻮﺑﺔ [‬
‫ن ﱢﻣ َ‬
‫ﺿﻮَا ٌ‬
‫)) َو ِر ْ‬

‫و اﻟﻤﻌﻨﻰ واﺿﺢ‪ ..‬إن ﻣﻘﺎم اﻟﺮﺿﺎ‪ ..‬رﺿﺎ اﷲ أﻋﻈﻢ ﻣﻦ آﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺬات اﻟﻤﺎدﻳﺔ‪.‬‬

‫ﺛﻢ ﻳﺘﺄآﺪ اﻟﻤﻌﻨﻰ ﻣﻦ هﺬﻩ اﻵﻳﺔ ﻓﻲ ﺳﻮرة اﻹﺳﺮاء اﻟﺘﻲ ﺗﻮﺻﻲ ﺑﺎﻟﺘﻬﺠﺪ ﻓﻲ اﻟﻠﻴﻞ‪.‬‬

‫ﺤﻤُﻮدًا )‪ ] (( (79‬اﻹﺳﺮاء [‬
‫ﻚ َﻣﻘَﺎﻣًﺎ ﱠﻣ ْ‬
‫ﻚ َرﱡﺑ َ‬
‫ﻋﺴَﻰ أَن َﻳ ْﺒ َﻌ َﺜ َ‬
‫ﻚ َ‬
‫ﺠ ْﺪ ِﺑ ِﻪ ﻧَﺎ ِﻓَﻠ ًﺔ ﱠﻟ َ‬
‫ﻞ َﻓ َﺘ َﻬ ﱠ‬
‫ﻦ اﻟﱠﻠ ْﻴ ِ‬
‫)) َو ِﻣ َ‬

‫إﻧﻬﺎ إذن ﻣﺴﺄﻟﺔ ﻣﻘﺎﻣﺎت‪ .‬آﻞ واﺣﺪ ﻳﺒﻌﺚ ﻋﻠﻰ رﺗﺒﺘﻪ و ﻣﻘﺎﻣﻪ‪.‬‬

‫اﷲ ﻻ ﻳﻌﺬب ﻟﻠﻌﺬاب‪.‬‬

‫و إﻧﻤﺎ ﻳﺄﺗﻲ اﻟﻌﺬاب و اﺣﺘﺮاق اﻟﺼﺪر ﻣﻦ إﺣﺴﺎس ﻣﻦ هﻢ ﻓﻲ أﺳﺎﻓﻞ اﻟﺪرﺟﺎت ﺑﺎﻟﻐﻴﺮة و اﻟﺤﺴﺪ و‬
‫اﻟﻬﻮان و اﻟﺨﺴﺮان اﻷﺑﺪي اﻟﺬي ﻻ ﻣﺨﺮج ﻣﻨﻪ‪ ..‬و ﺳﻮف ﻳﺤﺮق هﺬا اﻹﺣﺴﺎس اﻟﺼﺪور آﻤﺎ ﺗﺤﺮﻗﻬﺎ‬
‫اﻟﻨﺎر و أآﺜﺮ‪ ..‬و ﺳﻮف ﻳﻜﻮن هﻮ اﻟﻨﻜﺎل و اﻟﺘﻨﻜﻴﻞ‪ ..‬ﻳﻨﻜﻞ اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﺎ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﺑﺎﻟﺪرﺟﺔ اﻟﺘﻲ وﺿﻊ ﻧﻔﺴﻪ‬
‫ﻓﻴﻬﺎ و اﻟﺘﻲ اﻧﺤﺪر إﻟﻴﻬﺎ ﺑﺄﻋﻤﺎﻟﻪ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ‪.‬‬

‫و ﻣﻤﺎ ﻳﺪل ﻋﻠﻰ أن اﻟﻨﺎر ﻓﻲ اﻵﺧﺮة هﻲ ﻏﻴﺮ ﻣﺎ ﻧﻌﺮف ﻣﻦ ﻧﺎرﻧﺎ هﺬﻩ اﻵﻳﺎت ﻣﻦ ﺳﻮرة اﻷﻋﺮاف‪:‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪106‬‬
 ‫ﻦ‬
‫ﺠﱢ‬‫ﺖ ﻣِﻦ َﻗ ْﺒِﻠﻜُﻢ ﻣﱢﻦ ا ْﻟ ِ‬ ‫ﺧَﻠ ْ‬‫ﺧﻠُﻮ ْا ﻓِﻲ ُأ َﻣ ٍﻢ َﻗ ْﺪ َ‬
‫ل ا ْد ُ‬‫ﻦ )‪ (37‬ﻗَﺎ َ‬ ‫ﺴ ِﻬ ْﻢ َأ ﱠﻧ ُﻬ ْﻢ آَﺎﻧُﻮ ْا آَﺎ ِﻓﺮِﻳ َ‬
‫ﻋﻠَﻰ أَﻧ ُﻔ ِ‬ ‫ﺷ ِﻬﺪُو ْا َ‬
‫)) َو َ‬
‫ﺟﻤِﻴﻌًﺎ ) ﺣﺘﻰ إذا أدرك ﺑﻌﻀﻬﻢ‬ ‫ﺣﺘﱠﻰ ِإذَا ادﱠا َرآُﻮ ْا ﻓِﻴﻬَﺎ َ‬ ‫ﺧ َﺘﻬَﺎ َ‬
‫ﺖ ُأ ْ‬
‫ﺖ ُأ ﱠﻣ ٌﺔ ﱠﻟ َﻌ َﻨ ْ‬
‫ﺧَﻠ ْ‬
‫ﺲ ﻓِﻲ اﻟﻨﱠﺎ ِر ُآﱠﻠﻤَﺎ َد َ‬ ‫وَاﻹِﻧ ِ‬
‫ﻻ‬
‫ﻒ َوَﻟﻜِﻦ ﱠ‬‫ﺿ ْﻌ ٌ‬ ‫ل ِﻟ ُﻜﻞﱟ ِ‬ ‫ﻦ اﻟﻨﱠﺎ ِر ﻗَﺎ َ‬
‫ﺿ ْﻌﻔًﺎ ﱢﻣ َ‬ ‫ﻋﺬَاﺑًﺎ ِ‬ ‫ﺿﻠﱡﻮﻧَﺎ ﻓَﺂ ِﺗ ِﻬ ْﻢ َ‬
‫ﻻ ُه ْﻢ َرﱠﺑﻨَﺎ َهﺆُﻻء َأ َ‬ ‫ﺧﺮَا ُه ْﻢ ﻷُو َ‬ ‫ﺖ ُأ ْ‬
‫ﺑﻌﻀﺎ ( ﻗَﺎَﻟ ْ‬
‫ن )‪ ] (( (38‬اﻷﻋﺮاف [‬ ‫َﺗ ْﻌَﻠﻤُﻮ َ‬

‫إﻧﻪ ﺣﻮار و ﻣﻜﺎﻟﻤﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﺎر ﺗﺠﺮى ﺑﻴﻦ اﻟﻤﻌﺬﺑﻴﻦ‪ ..‬و ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻧﺎرﻧﺎ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﺠﺮى ﺣﻮار ﺑﻴﻦ اﺛﻨﻴﻦ‬
‫ﻳﺤﺘﺮﻗﺎن‪.‬‬

‫و اﻟﻤﻌﻨﻰ اﻟﺜﺎﻧﻲ اﻟﻌﻤﻴﻖ ﻓﻲ اﻵﻳﺔ )) ﻟﻜﻞ ﺿﻌﻒ و ﻟﻜﻦ ﻻ ﺗﻌﻠﻤﻮن ((‪.‬‬

‫إن أﻣﺎﻣﻨﺎ اﺛﻨﻴﻦ ﻳﺘﻌﺬب اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﺿﻌﻒ اﻵﺧﺮ ﻣﻊ أﻧﻬﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﻜﺎن ﻧﻔﺴﻪ‪ ،‬و ﻣﻌﻨﻰ هﺬا أن اﻟﻌﺬاب‬
‫ﻓﻲ اﻟﺸﺨﺺ و ﻟﻴﺲ ﻓﻲ اﻟﻤﻜﺎن ذاﺗﻪ‪ ..‬و هﺬا ﻻ ﻳﻨﻔﻲ أن ﻳﻜﻮن اﻟﻌﺬاب اﻟﻤﺬآﻮر ﺣﺴﻴﺎ‪ ،‬ﺑﻞ إﻧﻪ ﻣﻦ‬
‫اﻟﻤﻤﻜﻦ أن ﻳﻜﻮن ﻣﻌﻨﻮﻳﺎ و ﺣﺴﻴﺎ ﻓﻲ ﻧﻔﺲ اﻟﻮﻗﺖ ) آﻤﺎ ﻳﺤﺪث أن ﻳﺘﻌﺮض اﺛﻨﺎن ﻟﻠﺤﺮ اﻟﻼﻓﺢ ﻓﻴﺼﺎب‬
‫أﺣﺪهﻤﺎ ﺑﺎﻟﺼﺪاع ﻋﻠﻰ ﺣﻴﻦ ﻳﺘﺤﻤﻞ اﻵﺧﺮ ﺑﺴﺒﺐ اﺧﺘﻼف درﺟﺎت اﻟﻠﻴﺎﻗﺔ ﻋﻨﺪ اﻹﺛﻨﻴﻦ ( و اﻟﺼﺪاع أﻟﻢ‬
‫ﺣﺴﻲ و ﻣﻌﻨﻮي‪.‬‬

‫و ﻻ ﻳﻨﻔﻲ أن ﻳﻜﻮن ﻧﺎرا و ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻧﺎر ﻏﻴﺮ ﻣﺎ ﻧﻌﺮف ﻣﻦ ﻧﺎرﻧﺎ‪.‬‬

‫و ﻳﺮوي اﻟﻘﺮﺁن ﻋﻦ أهﻞ اﻟﺠﻨﺔ و آﻴﻒ أﻧﻬﻢ ﻳﺘﺬآﺮون و هﻢ ﻳﺄآﻠﻮن ﻓﺎآﻬﺔ اﻟﺠﻨﺔ أﻧﻬﻢ ﻗﺪ رزﻗﻮا أﻧﻮاع‬
‫هﺬﻩ اﻟﻔﺎآﻬﺔ ﺣﻴﻨﻤﺎ آﺎﻧﻮا ﻋﻠﻰ اﻷرض ) ﻣﻊ اﻟﻔﺎرق ﻓﻲ اﻟﺠﻮدة (‪.‬‬

‫و آﻴﻒ أن ﻟﻬﻢ زوﺟﺎت ﻓﻲ اﻟﺠﻨﺔ و ﻟﻜﻨﻬﻦ زوﺟﺎت ﻣﻄﻬﺮات ) ﻟﺴﻦ آﺰوﺟﺎت اﻷرض ﻳﻌﺎﻧﻴﻦ اﻟﺤﻴﺾ‬
‫و اﻟﻤﺨﺎض ﺷﻜﺴﺎت ﻏﻴﻮرات ﻣﺘﺴﻠﻄﺎت (‪.‬‬

‫ﺗﻘﻮل اﻵﻳﺔ ﻋﻦ هﺆﻻء اﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﺠﻨﺔ‪:‬‬

‫ج‬
‫ﻞ َوُأﺗُﻮ ْا ِﺑ ِﻪ ُﻣ َﺘﺸَﺎﺑِﻬًﺎ َوَﻟ ُﻬ ْﻢ ﻓِﻴﻬَﺎ َأ ْزوَا ٌ‬
‫)) ُآﱠﻠﻤَﺎ ُر ِزﻗُﻮ ْا ِﻣ ْﻨﻬَﺎ ﻣِﻦ َﺛ َﻤ َﺮ ٍة ﱢرزْﻗًﺎ ﻗَﺎﻟُﻮ ْا َهﺬَا اﱠﻟﺬِي ُر ِز ْﻗﻨَﺎ ﻣِﻦ َﻗ ْﺒ ُ‬
‫ن )‪ ] (( (25‬اﻟﺒﻘﺮة [‬ ‫ﻄ ﱠﻬ َﺮ ٌة َو ُه ْﻢ ﻓِﻴﻬَﺎ ﺧَﺎِﻟﺪُو َ‬
‫ﱡﻣ َ‬

‫و اﻟﺠﻨﺔ ﺑﻬﺬﻩ اﻟﺼﻮرة هﻲ درﺟﺔ و ﻣﻘﺎم‪ ..‬ﻓﻴﻬﺎ آﻞ ﻣﺎ ﻧﻌﺮف ﻋﻠﻰ اﻷرض و ﻟﻜﻦ ﻣﻊ ﺗﻔﺎوت هﺎﺋﻞ ﻓﻲ‬
‫اﻟﺮﺗﺒﺔ‪ ..‬ﺗﻔﺎوت ﻳﻔﻮق اﻟﺘﺼﻮر‪ ..‬ﺗﻔﺎوت ﻣﺜﻞ اﻟﺘﻔﺎوت ﺑﻴﻦ اﻟﺰﻣﻦ و اﻷﺑﺪ و ﻣﺜﻞ اﻟﺘﻔﺎوت اﻟﺬي ذآﺮﻧﺎﻩ ﺑﻴﻦ‬
‫ﻃﻌﻢ ﻗﻄﻌﺔ اﻟﺴﻜﺮ و ﻃﻌﻢ اﻟﻠﺬة اﻟﺠﻨﺴﻴﺔ اﻟﺤﺎدة ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﺒﺎﻟﻎ‪.‬‬

‫و إذا ذآﺮ اﻟﻌﺴﻞ ﻓﻲ ﻣﺜﻞ هﺬﻩ اﻟﺠﻨﺔ ﻓﻬﻮ ﻋﺴﻞ و ﻟﻜﻢ ﻻ آﻤﺎ ﻧﻌﺮف ﻣﻦ ﻋﺴﻞ‪ ،‬و اﻟﻠﺒﻦ هﻮ اﻟﻠﺒﻦ و ﻟﻜﻦ‬
‫ﻻ آﻤﺎ ﻧﻌﺮف ﻣﻦ ﻟﺒﻦ‪ ،‬و اﻟﻨﺴﺎء ﻻ آﻤﺎ ﻧﻌﺮف ﻣﻦ ﻧﺴﺎء‪.‬‬

‫إﻧﻬﺎ ﺳﺘﻜﻮن أﺷﻴﺎء ﻣﺪهﺸﺔ آﺎﻟﻐﻴﺐ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻤﺎ ﻧﻌﻠﻢ‪ ..‬ﻳﻘﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻋﻦ اﻣﺮأة ﻳﺤﺒﻬﺎ إن ﺟﺴﻤﻬﺎ ﻳﻀﻲء‬
‫آﺄﻧﻬﺎ ﺻﻴﻐﺖ ﻣﻦ اﻟﻨﻮر‪ ..‬إﻧﻬﺎ أﺣﻼم ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻜﻮن هﻨﺎك ﺣﻘﺎﺋﻖ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪107‬‬
 ‫و ﺑﺎﻟﻤﺜﻞ ﻣﺎ ﻳﺮوي اﻟﻘﺮﺁن ﻋﻦ اﻟﻨﺎر‪ ..‬ﻓﻬﻲ ﻧﺎر ﻻ آﻤﺎ ﻧﻌﺮف ﻣﻦ ﻧﺎر‪ ..‬ﻧﺎر ﺗﻨﺒﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﺷﺠﺮة ﻟﻬﺎ ﺛﻤﺮ )‬
‫ﺷﺠﺮة اﻟﺰﻗﻮم (‪ ..‬و ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺎء ﺣﻤﻴﻢ ﻳﺸﺮﺑﻪ أهﻠﻬﺎ‪ ..‬و اﻟﻤﻌﺬﺑﻮن ﻓﻴﻬﺎ ﻳﺘﻜﻠﻤﻮن و ﻳﺘﺤﺎورون ﻓﺄﺟﺴﺎدهﻢ ﻻ‬
‫ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻜﻮن ﻟﻬﺎ ﻧﻔﺲ آﻴﻤﻴﺎء اﻷﺟﺴﺎد آﻤﺎ ﻧﻌﻠﻤﻬﺎ و إﻻ ﻟﺘﺒﺨﺮت دﺧﺎﻧﺎ ﻓﻲ ﻟﺤﻈﺎت و ﻟﻤﺎ اﺳﺘﻄﺎﻋﻮا‬
‫أن ﻳﺘﺒﺎدﻟﻮا آﻠﻤﺔ‪.‬‬

‫و ﻣﻌﻨﻰ هﺬا أﻧﻨﺎ ﺳﻮف ﻧﺒﻌﺚ أﺟﺴﺎدا و ﻟﻜﻦ ﻻ آﺎﻷﺟﺴﺎد‪ ..‬رﺑﻤﺎ آﻴﺎﻧﺎت ﻟﻬﺎ ذات اﻟﻬﻴﺌﺔ و اﻟﺼﻮرة و‬
‫ﻟﻜﻦ ﻣﻦ ﻣﺎدة ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ هﻲ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻨﺎ ﻏﻴﺐ‪ ..‬إﻧﻬﺎ ﻟﻦ ﺗﻜﻮن اﻷﺟﺴﺎد اﻟﺘﺮاﺑﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺘﻜﻮن ﻣﻨﻬﺎ اﻵن ﻓﻲ‬
‫ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ اﻷرﺿﻴﺔ‪.‬‬

‫و ﻟﻬﺬا ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﺘﻀﺎﻋﻒ اﻟﻤﺘﻊ ﺣﺴﻴﺎ و ﻣﻌﻨﻮﻳﺎ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻧﺠﻬﻠﻬﺎ‪.‬‬

‫آﻤﺎ ﺗﺘﻀﺎﻋﻒ درﺟﺎت اﻟﻌﺬاب ﺣﺴﻴﺎ و ﻣﻌﻨﻮﻳﺎ ﻋﻤﺎ ﻧﻌﻠﻢ و آﻤﺎ ﻳﺘﻮزع اﻟﻨﺎس ﻣﺮاﺗﺐ و درﺟﺎت ﺑﺤﺴﺐ‬
‫ﻟﻴﺎﻗﺘﻬﻢ‪ ..‬ﺗﻜﻮن ﻟﻜﻞ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﻣﻮاﺻﻔﺎﺗﻬﺎ اﻟﺤﻴﺎﺗﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻜﻔﻞ ﻟﻤﻦ ﻓﻴﻬﺎ ﺣﻈﻮﻇﺎ ﻣﻦ اﻟﺴﻌﺎدة أو اﻟﺸﻘﺎء آﻞ‬
‫ﺣﺴﺐ ﻗﺪرﻩ‪ ،‬و أﺗﺼﻮر أن أﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎس ﻗﺪرا ﻓﻲ اﻟﺠﻨﺔ هﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﺳﻴﺮﺗﻔﻌﻮن ﻋﻦ ﻣﺘﻊ اﻟﺤﻮاس و ﺟﻨﺔ‬
‫اﻟﺤﻮاس و ﻳﺨﺘﺎر ﻟﻬﻢ اﻟﺮﺣﻤﻦ درﺟﺔ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺮوﺣﻴﺔ اﻟﺨﺎﻟﺼﺔ إﻟﻰ ﺟﻮارﻩ ﻓﻲ ﺳﺪرة اﻟﻤﻨﺘﻬﻰ‪ ،‬ﺣﻴﺚ ﻻ‬
‫ﺗﻜﻮن اﻟﻠﺬة هﻲ ﻟﺬة ﻃﻌﺎم و ﻻ ﻟﺬة ﺷﺮاب و ﻻ ﻟﺬة ﺣﻮر ﻋﻴﻦ و إﻧﻤﺎ ﻟﺬة اﻟﻨﻈﺮ إﻟﻰ اﷲ ﻓﻲ آﻤﺎﻟﻪ و ﻟﺬة‬
‫ﺗﺄﻣﻞ اﻟﺤﻖ و اﻟﺠﻤﺎل و ﺻﻮرة اﻟﺨﻴﺮ اﻟﻤﻄﻠﻖ‪.‬‬

‫ﻚ ﱡﻣ ْﻘ َﺘ ِﺪ ٍر )‪ ] (( (55‬اﻟﻘﻤﺮ [‬
‫ق ﻋِﻨ َﺪ َﻣﻠِﻴ ٍ‬
‫ﺻ ْﺪ ٍ‬
‫إﻧﻬﺎ ﻟﺬة اﻟﺠﺎﻟﺲ )) ﻓِﻲ َﻣ ْﻘ َﻌ ِﺪ ِ‬

‫و هﻲ ﻣﺮﺗﺒﺔ اﻟﻤﻔﻀﻠﻴﻦ ﻣﻦ اﻷﻧﺒﻴﺎء و ﻣﻦ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﻣﻬﻢ‪.‬‬

‫و هﻜﺬا ﺗﺸﺘﻤﻞ اﻟﺠﻨﺔ ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺪرﺟﺎت ﻣﻦ اﻟﻤﺘﻊ اﻟﺤﺴﻴﺔ ﻣﻦ ﻣﺄآﻞ و ﻣﺸﺮب ارﺗﻔﺎﻋﺎ ﺣﺘﻰ اﻟﻤﺘﻊ‬
‫اﻟﺮوﺣﻴﺔ اﻟﺨﺎﻟﺼﺔ ﻳﻨﺎل آﻞ ﻣﻨﺎ ﻣﺎ ﺗﺆهﻠﻪ ﻟﻪ رﺗﺒﺘﻪ‪.‬‬

‫آﻞ هﺬﻩ ﺁﻳﺎت آﻮاﺷﻒ ذات دﻻﻟﺔ ﺗﺪﻟﻨﺎ ﻋﻠﻰ أن اﻟﻨﺎر ﻟﻴﺴﺖ هﻲ ﻧﺎرﻧﺎ و ﻻ اﻟﺠﻨﺔ هﻲ ﺳﻮق اﻟﺨﻀﺎر و‬
‫ﻻ اﷲ هﻮ اﻟﺒﺎﻃﺶ اﻹرهﺎﺑﻲ‪.‬‬

‫و إﻧﻤﺎ اﷲ ﺳﻮف ﻳﺒﻌﺚ آﻞ واﺣﺪ ﻋﻠﻰ رﺗﺒﺘﻪ و ﻣﻘﺎﻣﻪ و درﺟﺘﻪ‪ ،‬ﻷن هﺬا ﻋﻴﻦ اﻟﻌﺪل و هﻮ اﻟﻌﺎدل‪.‬‬

‫و إﻧﻤﺎ ﺳﻮف ﻳﺘﺄﺗﻰ اﻟﻌﺬاب ﻣﻦ ﺗﻔﺎوت اﻟﺮﺗﺐ ﺗﻔﺎوﺗﺎ ﻋﻈﻴﻤﺎ‪ ،‬ﺛﻢ ﺑﺎﻟﺴﻘﻮط ﻓﻲ ﺗﻘﻴﻴﻢ أﺑﺪي ﻻ ﻣﺨﺮج ﻣﻨﻪ‬
‫ﻳﻠﺰم ﺻﺎﺣﺒﻪ آﻤﺎ ﺗﻠﺰم اﻹﺻﺒﻊ ﺑﺼﻤﺘﻬﺎ‪.‬‬

‫و هﻮ ﻋﺬاب أآﻴﺪ و ﺟﺤﻴﻢ أآﻴﺪ ﺳﻮف ﻧﺮاﻩ ﻋﻴﺎﻧﺎ و ﻳﻘﻴﻨﺎ‪:‬‬

‫ﻦ )‪ ] (( (7‬اﻟﺘﻜﺎﺛﺮ [‬
‫ﻦ ا ْﻟ َﻴﻘِﻴ ِ‬
‫ﻋ ْﻴ َ‬
‫ﺠﺤِﻴ َﻢ )‪ُ (6‬ﺛﻢﱠ َﻟ َﺘ َﺮ ُوﱠﻧﻬَﺎ َ‬
‫ن ا ْﻟ َ‬
‫ﻦ )‪َ (5‬ﻟ َﺘ َﺮ ُو ﱠ‬
‫ﻋ ْﻠ َﻢ ا ْﻟ َﻴﻘِﻴ ِ‬
‫ن ِ‬
‫)) َآﻠﱠﺎ َﻟ ْﻮ َﺗ ْﻌَﻠﻤُﻮ َ‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪108‬‬
 ‫و ﻷن اﷲ ﻳﻌﻠﻢ أن هﺬا اﻟﻌﺬاب ﺳﻮف ﻳﻜﻮن رهﻴﺒﺎ‪ ..‬ﻓﻘﺪ ﺣﺬرﻧﺎ و ﺧﻮﻓﻨﺎ ﺑﺎﻷﻟﻔﺎظ اﻟﻤﺠﻠﺠﻠﺔ و أرﺳﻞ ﻟﻨﺎ‬
‫اﻷﻧﺒﻴﺎء ﻣﺒﺸﺮﻳﻦ ﻣﻨﺬرﻳﻦ ﻣﺆﻳﺪﻳﻦ ﺑﺎﻟﻤﻌﺠﺰات و اﻟﺨﻮارق و اﻵﻳﺎت و اﻟﻜﺘﺐ‪ ..‬ﻓﻌﻞ ذﻟﻚ رﺣﻤﺔ ﻣﻨﻪ و‬
‫ﺣﻨﺎﻧﺎ و ﻋﻄﻔﺎ‪ ..‬و هﻮ اﻟﻘﺎﺋﻞ ﻓﻲ ﺣﺪﻳﺜﻪ اﻟﻘﺪﺳﻲ‪ )) :‬ﺳﺒﻘﺖ رﺣﻤﺘﻲ ﻏﻀﺒﻲ ((‪.‬‬

‫و ﻓﻲ ﺳﻮرة اﻟﻔﺎﺗﺤﺔ ﻳﺼﻒ ﻧﻔﺴﻪ أوﻻ ﺑﺄﻧﻪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﺮﺣﻴﻢ ﻗﺒﻞ أن ﻳﻘﻮل ﻣﺎﻟﻚ ﻳﻮم اﻟﺪﻳﻦ‪ ..‬و هﻮ ﻳﻮم‬
‫اﻟﺤﺴﺎب‪ ..‬ﻳﻮم اﻟﻐﻀﺐ‪ ..‬ﻳﻮم ﻳﺤﻖ اﻟﻘﻮل ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ ﺑﻼ رﺟﻌﺔ‪.‬‬

‫و ﻷﻧﻪ رﺣﻴﻢ ﻓﻘﺪ ﻓﺘﺢ ﺑﺎب اﻟﺘﻮﺑﺔ و إﺻﻼح اﻟﺨﻄﺄ ﻋﻠﻰ ﻣﺼﺮاﻋﻴﻪ‪.‬‬

‫ﺟﻤِﻴﻌًﺎ‪(53) ..‬‬
‫ب َ‬
‫ن اﻟﱠﻠ َﻪ َﻳ ْﻐ ِﻔ ُﺮ اﻟ ﱡﺬﻧُﻮ َ‬
‫ﺣ َﻤ ِﺔ اﻟﱠﻠ ِﻪ ِإ ﱠ‬
‫ﺴ ِﻬ ْﻢ ﻟَﺎ َﺗ ْﻘ َﻨﻄُﻮا ﻣِﻦ ﱠر ْ‬
‫ﻋﻠَﻰ أَﻧ ُﻔ ِ‬
‫ﺳ َﺮﻓُﻮا َ‬
‫ﻦ َأ ْ‬
‫ي اﱠﻟ ِﺬﻳ َ‬
‫ﻋﺒَﺎ ِد َ‬
‫ﻞ ﻳَﺎ ِ‬
‫)) ُﻗ ْ‬
‫(( ] اﻟﺰﻣﺮ [‬

‫ﺛﻢ أﻗﺎم ﺷﺮوط اﻟﻤﻐﻔﺮة‪:‬‬

‫ﻞ ﺻَﺎِﻟﺤًﺎ ُﺛﻢﱠ ا ْه َﺘﺪَى )‪ ] (( (82‬ﻃﻪ [‬

‫ﻋ ِﻤ َ‬
‫ﻦ َو َ‬
‫ب وَﺁ َﻣ َ‬
‫)) َوِإﻧﱢﻲ َﻟ َﻐﻔﱠﺎ ٌر ﱢﻟﻤَﻦ ﺗَﺎ َ‬

‫و أﻣﺮ ﺑﺎﻟﺼﻼة‪ ..‬ﺛﻢ ﻗﺎل‪َ )) :‬وَﻟ ِﺬ ْآ ُﺮ اﻟﱠﻠ ِﻪ َأ ْآ َﺒ ُﺮ‪ ] (( (45) ..‬اﻟﻌﻨﻜﺒﻮت [‬

‫أن ﺗﺘﺬآﺮ أن هﻨﺎك ﻗﻮة إﻟﻬﻴﺔ و أن ﻳﺸﺨﺺ هﺬا اﻟﻤﻌﻨﻰ ﻓﻲ ذاآﺮﺗﻚ و ﻓﻲ أﻓﻌﺎﻟﻚ ﻋﻠﻰ اﻟﺪوام‪ ..‬ﻳﻨﺠﻴﻚ و‬
‫ﻳﺤﻘﻖ ﻟﻚ ﺷﺮط اﻟﻤﺆﻣﻦ و ﻳﻜﻮن أﻓﻀﻞ ﻣﻦ ﺻﻼة اﻟﻤﺼﻠﻲ اﻟﺬي ﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ ذآﺮ‪.‬‬

‫و آﻠﻤﺔ )) اﻟﺬآﺮ (( ﻓﻲ اﻟﻘﺮﺁن آﻠﻤﺔ ﻋﻤﻴﻘﺔ اﻟﻤﻌﻨﻰ و اﻟﺪﻻﻟﺔ‪ .‬ﻓﺎﻟﻘﺮﺁن ﻧﻔﺴﻪ اﺳﻤﻪ ذآﺮ‪ ،‬و اﻟﺘﺪﻳﻦ و‬
‫اﻹﻳﻤﺎن هﻮ ﻣﺠﺮد ﺗﺬآﺮ‪:‬‬

‫ب )‪ ] (( (9‬اﻟﺰﻣﺮ [‬
‫)) ِإﱠﻧﻤَﺎ َﻳ َﺘ َﺬ ﱠآ ُﺮ ُأ ْوﻟُﻮا ا ْﻟَﺄ ْﻟﺒَﺎ ِ‬

‫ن )‪ ] (( (13‬اﻟﺼﺎﻓﺎت [‬
‫)) َوِإذَا ُذآﱢﺮُوا ﻟَﺎ َﻳ ْﺬ ُآﺮُو َ‬

‫ن )‪ ] (( (9‬اﻟﺤﺠﺮ [‬
‫ﻦ َﻧ ﱠﺰ ْﻟﻨَﺎ اﻟ ﱢﺬ ْآ َﺮ َوِإﻧﱠﺎ َﻟ ُﻪ َﻟﺤَﺎ ِﻓﻈُﻮ َ‬
‫ﺤُ‬‫)) ِإﻧﱠﺎ َﻧ ْ‬

‫ﻞ ﻣِﻦ ﱡﻣ ﱠﺪ ِآ ٍﺮ )‪ ] (( (17‬اﻟﻘﻤﺮ [‬
‫ن ﻟِﻠ ﱢﺬ ْآ ِﺮ َﻓ َﻬ ْ‬
‫ﺴ ْﺮﻧَﺎ ا ْﻟ ُﻘﺮْﺁ َ‬
‫)) َوَﻟ َﻘ ْﺪ َﻳ ﱠ‬

‫ﻄ ٍﺮ )‪ ] (( (22‬اﻟﻐﺎﺷﻴﺔ [‬
‫ﺼ ْﻴ ِ‬
‫ﻋَﻠ ْﻴﻬِﻢ ِﺑ ُﻤ َ‬
‫ﺖ َ‬
‫ﺴ َ‬
‫ﺖ ُﻣ َﺬ ﱢآ ٌﺮ )‪ (21‬ﱠﻟ ْ‬
‫)) َﻓ َﺬ ﱢآ ْﺮ ِإﱠﻧﻤَﺎ أَﻧ َ‬

‫ب )‪ ] (( (29‬ص [‬
‫)) َوِﻟ َﻴ َﺘ َﺬ ﱠآ َﺮ ُأ ْوﻟُﻮا ا ْﻟَﺄ ْﻟﺒَﺎ ِ‬

‫ن )‪ ] (( (201‬اﻷﻋﺮاف [‬
‫ﺼﺮُو َ‬
‫ن َﺗ َﺬ ﱠآﺮُو ْا َﻓِﺈذَا هُﻢ ﱡﻣ ْﺒ ِ‬
‫ﺸ ْﻴﻄَﺎ ِ‬
‫ﻦ اﻟ ﱠ‬
‫ﻒ ﱢﻣ َ‬
‫ﺴ ُﻬ ْﻢ ﻃَﺎ ِﺋ ٌ‬
‫ﻦ اﱠﺗﻘَﻮ ْا ِإذَا َﻣ ﱠ‬
‫ن اﱠﻟﺬِﻳ َ‬
‫)) ِإ ﱠ‬

‫و هﻨﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﻧﻘﻒ وﻗﻔﺔ ﺗﺄﻣﻞ ﻃﻮﻳﻠﺔ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪109‬‬
 ‫ﻓﻤﺎ هﻮ هﺬا اﻟﺘﺬآﺮ اﻟﻤﻄﻠﻮب‪.‬‬

‫إن أﺣﺪث اﻟﻨﻈﺮﻳﺎت اﻟﻨﻔﺴﻴﺔ ﺗﻘﻮل ﻟﻨﺎ‪ :‬إن اﻟﻤﻌﺎرف آﻠﻬﺎ ﺗﻜﻮن ﻣﺨﺒﻮءة ﻣﻜﻨﻮزة داﺧﻞ ﻧﻔﺲ اﻹﻧﺴﺎن و‬
‫ﻟﻜﻦ ﺗﺤﺠﺒﻬﺎ ﻋﻨﻪ ﻏﺮاﺋﺰﻩ و ﺷﻬﻮاﺗﻪ‪ ..‬و ﻟﻬﺬا ﻓﺎﻟﺘﻌﻠﻢ هﻮ ﻓﻲ ﺣﻘﻴﻘﺘﻪ ﺗﺬآﺮ‪ .‬ﺑﺎرﺗﻔﺎع ﺣﺠﺐ اﻟﻨﻔﺲ و‬
‫ﺷﻔﻮﻓﻬﺎ‪ ..‬و ﻻ ﻳﻜﻮن ﺗﻌﻠﻤﺎ ﻣﻦ ﻋﺪم‪.‬‬

‫ﻓﺎﻟﻄﻔﻞ ﻻ ﻳﺘﻌﻠﻢ أن ) ‪ ( 4 = 2 + 2‬و إﻧﻤﺎ هﻮ ﻓﻘﻂ ﻳﺘﺬآﺮ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺑﺎﻃﻨﺔ ﻓﻲ روﺣﻪ‪ ،‬وﻟﺪ ﺑﻬﺎ‪.‬‬

‫و ﺑﺎﻟﻤﺜﻞ اﻹﺣﺴﺎس ﺑﺎﻟﺠﻤﺎل و اﻟﻄﺮب هﻮ ﻧﻮع ﻣﻦ اﻟﺘﺬآﺮ اﻟﻤﺒﻬﻢ ﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻘﺪس و ﻣﺎ ﻓﻴﻪ‪ ..‬ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻤﻠﻜﻮت‬
‫اﻟﺬي آﻨﺎ ﻓﻴﻪ ﻗﺒﻞ اﻟﻨﺰول إﻟﻰ اﻷرﺣﺎم‪.‬‬

‫و ﻟﻬﺬا اﻟﺴﺒﺐ ﻓﺈن ﺟﻤﺎل اﻟﻤﺮأة ﻣﺜﻼ هﻮ ﺟﻤﺎل زاﺋﺮ و ﻟﻴﺲ ﺟﻤﺎﻻ ﻣﻘﻴﻤﺎ ﻷﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﺟﻤﺎﻟﻬﺎ هﻲ‪ ..‬و إﻧﻤﺎ‬
‫هﻮ ﻇﻞ ﻳﻨﻌﻜﺲ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﻠﻜﻮت‪ ..‬ﺛﻢ ﻣﺎ ﻳﻠﺒﺚ أن ﻳﻔﺎرﻗﻬﺎ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﺘﻐﻠﺐ ﻗﺎﻧﻮن اﻟﻤﺎدة و اﻟﺸﻴﺨﻮﺧﺔ و‬
‫اﻟﺘﺮاب‪.‬‬

‫ﻗﺒﻞ ﻣﻴﻼدﻧﺎ‪ ..‬آﺎﻧﺖ ﻟﻨﺎ ﺛﻤﺔ ﺣﻴﺎة آﺄرواح‪.‬‬

‫و ﻓﻲ ذﻟﻚ ﺗﻘﻮل اﻵﻳﺔ اﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ اﻟﺒﺪﻳﻌﺔ‪:‬‬

‫ﺷ ِﻬ ْﺪﻧَﺎ‬
‫ﺖ ِﺑ َﺮﱢﺑ ُﻜ ْﻢ ﻗَﺎﻟُﻮ ْا َﺑﻠَﻰ َ‬
‫ﺴ ُ‬
‫ﺴ ِﻬ ْﻢ َأَﻟ ْ‬
‫ﻋﻠَﻰ أَﻧ ُﻔ ِ‬
‫ﺷ َﻬ َﺪ ُه ْﻢ َ‬
‫ﻇﻬُﻮ ِر ِه ْﻢ ُذرﱢﻳﱠ َﺘ ُﻬ ْﻢ َوَأ ْ‬
‫ﻚ ﻣِﻦ َﺑﻨِﻲ ﺁ َد َم ﻣِﻦ ُ‬ ‫ﺧ َﺬ َرﱡﺑ َ‬ ‫)) َوِإ ْذ َأ َ‬
‫ﻦ )‪ ] (( (172‬اﻷﻋﺮاف [‬ ‫ﻦ َهﺬَا ﻏَﺎ ِﻓﻠِﻴ َ‬
‫ﻋْ‬‫أَن َﺗﻘُﻮﻟُﻮ ْا َﻳ ْﻮ َم ا ْﻟ ِﻘﻴَﺎ َﻣ ِﺔ ِإﻧﱠﺎ ُآﻨﱠﺎ َ‬

‫و اﻵﻳﺔ ﺗﺮوي ﻣﺎ آﺎن ﻓﻲ اﻟﻐﻴﺐ ﻗﺒﻞ اﻟﻤﻴﻼد و ﻗﺒﻞ اﻟﻨﺰول إﻟﻰ اﻟﺪﻧﻴﺎ‪.‬‬

‫و آﻞ اﻟﺨﻼﺋﻖ ﻣﻤﺎ ﺧﻠﻖ اﷲ و ﻳﺨﻠﻖ و ﺳﻴﺨﻠﻖ ﻣﺜﻞ اﻟﺬر ﻓﻲ آﻔﻪ ﻳﻨﻈﺮ إﻟﻴﻬﻢ و ﻳﺸﻬﺪهﻢ ﻋﻠﻰ أﻧﻔﺴﻬﻢ‪..‬‬
‫أﻟﺴﺖ ﺑﺮﺑﻜﻢ‪ ..‬ﻓﻴﻘﻮﻟﻮن ﺑﻠﻰ ﺷﻬﺪﻧﺎ‪ ..‬و هﻮ ﺑﻬﺬا ﻳﺄﺧﺬ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﻴﺜﺎﻗﺎ ﻏﻠﻴﻈﺎ ﻷﻧﻪ ﻳﻌﻠﻢ أﻧﻪ ﺑﻌﺪ اﻟﻬﺒﻮط ﻓﻲ‬
‫اﻷرﺣﺎم و اﻧﺴﺪال ﺣﺠﺎب اﻟﻠﺤﻢ اﻟﻜﺜﻴﻒ و ﻧﺰول ﻏﺸﺎوة اﻟﺤﻮاس و اﻟﺸﻬﻮات و اﻟﻐﺮاﺋﺰ و اﻷهﻮاء أﻧﻬﻢ‬
‫ﺳﻮف ﻳﻨﺴﻮن ﺗﻤﺎﻣﺎ‪ ..‬و ﺳﻮف ﻳﺘﺨﺒﻄﻮن ﻓﻲ ﻧﻜﺮان وآﻔﺮ و ﺟﻬﺎﻟﺔ‪.‬‬

‫و هﻮ‪ ..‬رﺣﻤﺔ ﻣﻨﻪ ﻳﺮﺳﻞ ﻟﻬﻢ اﻷﻧﺒﻴﺎء ﻳﺬآﺮوﻧﻬﻢ‪.‬‬

‫و ﻳﻘﻮل ﻟﻤﺤﻤﺪ – ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ و ﺳﻠﻢ ‪: -‬‬

‫ﻄ ٍﺮ )‪ ] (( (22‬اﻟﻐﺎﺷﻴﺔ [‬
‫ﺼ ْﻴ ِ‬
‫ﻋَﻠ ْﻴﻬِﻢ ِﺑ ُﻤ َ‬
‫ﺖ َ‬
‫ﺴ َ‬
‫ﺖ ُﻣ َﺬ ﱢآ ٌﺮ )‪ (21‬ﱠﻟ ْ‬
‫)) َﻓ َﺬ ﱢآ ْﺮ ِإﱠﻧﻤَﺎ أَﻧ َ‬

‫و ﻳﻘﻮل ﻋﻦ اﻹﻳﻤﺎن إﻧﻪ ﺣﻴﺎة‪.‬‬

‫ﺤﻴِﻴ ُﻜ ْﻢ‪ ] (( (24) ..‬اﻷﻧﻔﺎل [‬

‫ل ِإذَا َدﻋَﺎآُﻢ ِﻟﻤَﺎ ُﻳ ْ‬
‫ﺳ َﺘﺠِﻴﺒُﻮ ْا ِﻟّﻠ ِﻪ َوﻟِﻠ ﱠﺮﺳُﻮ ِ‬
‫ﻦ ﺁ َﻣﻨُﻮ ْا ا ْ‬
‫)) ﻳَﺎ َأﱡﻳﻬَﺎ اﱠﻟﺬِﻳ َ‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪110‬‬
‫ﻷن اﺗﺼﺎل اﻟﻮﺟﻮد اﻟﺪﻧﻴﻮي ﺑﺎﻟﺘﺬآﺮ ﺑﺎﻟﻮﺟﻮد اﻟﻤﻠﻜﻮﺗﻲ اﻷول ﺛﻢ ﺑﺎﻟﻮﺟﻮد اﻷﺧﺮوي‪ ..‬هﻮ ﻓﻄﻨﺔ اﻹﻧﺴﺎن‬
‫إﻟﻰ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺑﻜﺎﻣﻠﻬﺎ‪ .‬و هﻲ اﻟﺤﻴﺎة آﻞ اﻟﺤﻴﺎة‪.‬‬

‫و اﷲ ﻟﻴﺲ ﺑﺤﺎﺟﺔ إﻟﻰ ﺻﻼﺗﻨﺎ و ﻻ إﻟﻰ ﺻﻴﺎﻣﻨﺎ و ﻟﻜﻦ ﻧﺤﻦ اﻟﻤﺤﺘﺎﺟﻮن‪ ..‬ﻟﻌﻠﻨﺎ ﻓﻲ ﺻﻼﺗﻨﺎ اﻟﻌﻤﻴﻘﺔ‬
‫ﻧﺘﺬآﺮ و ﻟﻌﻠﻨﺎ ﺑﺎﻟﻌﺒﺎدة و اﻟﺘﻮﺟﻪ ﻧﺘﺼﻞ ﺑﻨﺒﻊ وﺟﻮدﻧﺎ‪ ..‬و ﻧﺴﺘﻤﺪ ﻣﻨﻪ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ‪.‬‬

‫إن اﻟﺼﻼة و اﻟﻌﺒﺎدة اﺳﺘﻤﺪاد‪ .‬ﻧﺤﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻧﺤﺘﺎج إﻟﻴﻬﺎ ﻟﺘﻜﻮن ﻟﻨﺎ ﺣﻴﺎة‪ .‬و ﻟﻴﺲ اﷲ‪ ..‬ﻷن اﷲ هﻮ اﻟﺤﻲ‬
‫ﺑﺬاﺗﻪ اﻟﻤﺴﺘﻐﻨﻲ ﺑﻮﺟﻮدﻩ ﻋﻦ آﻞ ﺷﻲء‪.‬‬

‫أﻣﺎ ﻧﺤﻦ ﻓﻼ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻜﻮن ﻟﻨﺎ ﺣﻴﺎة إﻻ ﺑﻤﺪد ﻣﻨﻪ‪ ..‬ﻣﻦ اﷲ‪ ..‬اﻟﺤﻲ اﻟﺬي ﺑﻪ اﻟﺤﻴﺎة‪.‬‬

‫و ﻧﻔﻬﻢ ﻣﻦ هﺬا أن اﷲ ﻓﺮض اﻟﻔﺮوض ووﺿﻊ ﺷﺮاﺋﻊ اﻟﻌﺒﺎدات ﻣﻦ أﺟﻠﻨﺎ و ﻟﻴﺲ ﻣﻦ أﺟﻞ أن ﻳﺸﻌﺮ‬
‫ﺑﺄﻟﻮهﻴﺘﻪ‪ .‬ﻓﻬﻮ ﻓﻲ ﻏﻨﻰ ﻋﻨﺎ‪ ..‬و ﻓﻲ ﻏﻨﻰ ﻋﻦ أن ﻳﻌﺬﺑﻨﺎ‪ ..‬و ﻓﻲ ﻏﻨﻰ ﻋﻦ أن ﻳﻄﻠﺐ ﻣﻨﺎ ﻃﻠﺒﺎ أو ﻳﻔﺮض‬
‫ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻓﺮﺿﺎ‪.‬‬

‫ﺷ َﻜ ْﺮ ُﺗ ْﻢ وَﺁﻣَﻨ ُﺘ ْﻢ‪ ] (( (147) ..‬اﻟﻨﺴﺎء [‬

‫ﻞ اﻟّﻠ ُﻪ ِﺑ َﻌﺬَا ِﺑ ُﻜ ْﻢ إِن َ‬
‫)) ﻣﱠﺎ َﻳ ْﻔ َﻌ ُ‬

‫ﻻ ﻣﺼﻠﺤﺔ ﷲ ﻓﻲ ﺗﻌﺬﻳﺐ ﺧﻠﻘﻪ و ﻻ ﺣﺎﺟﺔ ﻟﻪ ﻓﻲ ذﻟﻚ‪.‬‬

‫و هﻮ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻻ ﻳﻔﺮض ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻓﺮﺿﺎ و ﻻ ﻳﻄﺎﻟﺒﻨﺎ ﺑﻄﻠﺐ و ﻻ ﻳﻘﻴﻢ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻋﺬاﺑﺎ‪ ،‬آﻞ هﺬا ﻳﺒﺪو ﻣﻦ ﻇﺎهﺮ‬
‫اﻟﻌﺒﺎرات ﻓﻘﻂ‪ .‬أﻣﺎ ﺑﺎﻃﻦ اﻟﻘﺮﺁن اﻟﺬي ﻳﻜﺸﻒ ﻧﻔﺴﻪ ﻟﻜﻞ ﻣﻦ ﺟﺎهﺪ ﻓﻲ اﻟﻔﻬﻢ‪ ،‬إن اﷲ هﻮ اﻟﺮﺣﻴﻢ ﻣﻄﻠﻖ‬
‫اﻟﺮﺣﻤﺔ‪ ،‬اﻟﻌﺎدل ﻣﻄﻠﻖ اﻟﻌﺪل اﻟﺬي ﻳﻌﻄﻲ ﻣﻄﻠﻖ اﻟﻌﻄﺎء و ﻻ ﻳﺄﺧﺬ ﺷﻴﺌﺎ و ﻻ ﻳﺤﺘﺎج ﻟﺸﻲء‪.‬‬

‫و إذا آﺎن ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ أﻟﻮان ﻣﻦ اﻟﻌﺬاب ﻓﻬﻲ ﻣﻦ ﻋﻴﻮن رﺣﻤﺘﻪ‪.‬‬

‫ن )‪ ] (( (21‬اﻟﺴﺠﺪة [‬
‫ﺟﻌُﻮ َ‬
‫ب ا ْﻟَﺄ ْآ َﺒ ِﺮ َﻟ َﻌﱠﻠ ُﻬ ْﻢ َﻳ ْﺮ ِ‬
‫ن ا ْﻟ َﻌﺬَا ِ‬
‫ب ا ْﻟَﺄ ْدﻧَﻰ دُو َ‬
‫ﻦ ا ْﻟ َﻌﺬَا ِ‬
‫)) َوَﻟ ُﻨﺬِﻳ َﻘﱠﻨ ُﻬ ْﻢ ِﻣ َ‬

‫إﻧﻬﺎ ﻣﺤﺎوﻻت ﻹﻳﻘﺎظ اﻟﻌﻘﻞ اﻟﻐﺎﻓﻞ ﻟﻌﻠﻪ ﻳﺘﺬآﺮ و ﻳﺮﺟﻊ و ﻳﻨﺠﻮ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﻣﻦ ﻋﺬاب أآﺒﺮ ﻓﻲ اﻟﻄﺮﻳﻖ‪.‬‬
‫ﻋﺬاب ﻟﻦ ﻳﻜﻮن ﻣﻨﻪ ﻣﺨﺮج و ﻻ ﻣﻬﺮب‪ .‬ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﺤﻖ ﻋﻠﻰ آﻞ واﺣﺪ رﺗﺒﺘﻪ و درﺟﺘﻪ‪.‬‬

‫و ﻧﻔﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﻘﺮﺁن أن ﺳﻨﺔ اﷲ أن ﻳﻮﻗﻆ اﻟﻐﺎﻓﻠﻴﻦ ﻓﻲ اﻷرض ﻓﻴﺒﺘﻠﻴﻬﻢ ﺑﻜﻞ ﺻﻨﻮف اﻟﺒﺆس و اﻟﻤﺮض و‬
‫اﻟﻌﺬاب ﻟﻌﻠﻬﻢ ﻳﻔﻄﻨﻮن إﻟﻰ ﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻣﻦ زوال و ﻣﺎ وراءهﺎ ﻣﻦ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺑﺎﻗﻴﺔ‪ ..‬ﻳﻔﻌﻞ هﺬا رﺣﻤﺔ ﺑﻬﻢ و‬
‫ﻷﻧﻪ ﻳﻌﻠﻢ ﻣﺎ ﻳﻨﺘﻈﺮهﻢ ﻣﻦ ﻧﺎﻣﻮس ﻋﺎدل ﻟﻦ ﻳﻠﻄﻒ ﺑﻬﻢ‪ ..‬ﺣﺘﻰ إذا ﻧﻔﺬت ﻓﻴﻬﻢ آﻞ هﺬﻩ اﻵﻻم اﻟﺪﻧﻴﻮﻳﺔ و ﻟﻢ‬
‫ﻳﺘﻴﻘﻈﻮا‪ ..‬ﻓﺘﺢ اﷲ ﻋﻠﻴﻬﻢ أﺑﻮاب آﻨﻮزﻩ ﻟﻴﺘﻤﺘﻌﻮا‪ ..‬و ﺣﻘﺖ ﻋﻠﻴﻬﻢ آﻠﻤﺘﻪ ﺑﺎﻟﻬﻼك ﻓﻲ اﻵﺧﺮة‪.‬‬

‫ن )‪َ (42‬ﻓَﻠﻮْﻻ ِإ ْذ ﺟَﺎء ُه ْﻢ‬ ‫ﻀ ﱠﺮﻋُﻮ َ‬

‫ن )‪َ (43‬ﻓَﻠﻤﱠﺎ َﻧﺴُﻮ ْا ﻣَﺎ ُذ ﱢآﺮُو ْا ِﺑ ِﻪ‬ ‫ن ﻣَﺎ آَﺎﻧُﻮ ْا َﻳ ْﻌ َﻤﻠُﻮ َ‬
‫ن )‪ ] (( (44‬اﻷﻧﻌﺎم‬
‫ﻀﺮﱠاء َﻟ َﻌﱠﻠ ُﻬ ْﻢ َﻳ َﺘ َ‬ ‫ﺧ ْﺬﻧَﺎ ُه ْﻢ ﺑِﺎ ْﻟ َﺒ ْﺄﺳَﺎء وَاﻟ ﱠ‬
‫ﻚ َﻓَﺄ َ‬
‫)) َوَﻟ َﻘ ْﺪ َأ ْرﺳَﻠﻨَﺂ ِإﻟَﻰ ُأ َﻣ ٍﻢ ﻣﱢﻦ َﻗ ْﺒِﻠ َ‬
‫ﺸ ْﻴﻄَﺎ ُ‬‫ﻦ َﻟ ُﻬ ُﻢ اﻟ ﱠ‬
‫ﺖ ُﻗﻠُﻮ ُﺑ ُﻬ ْﻢ َو َزﱠﻳ َ‬‫ﺴ ْ‬‫ﻀ ﱠﺮﻋُﻮ ْا َوَﻟﻜِﻦ َﻗ َ‬ ‫ﺳﻨَﺎ َﺗ َ‬ ‫َﺑ ْﺄ ُ‬
‫ﺧ ْﺬﻧَﺎهُﻢ َﺑ ْﻐ َﺘ ًﺔ َﻓِﺈذَا هُﻢ ﱡﻣ ْﺒِﻠﺴُﻮ َ‬
‫ﺣﺘﱠﻰ ِإذَا َﻓ ِﺮﺣُﻮْا ِﺑﻤَﺎ أُوﺗُﻮ ْا َأ َ‬ ‫ﻲ ٍء َ‬ ‫ﺷ ْ‬
‫ب ُآﻞﱢ َ‬ ‫ﻋَﻠ ْﻴ ِﻬ ْﻢ َأ ْﺑﻮَا َ‬
‫ﺤﻨَﺎ َ‬‫َﻓ َﺘ ْ‬
‫[‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪111‬‬
 ‫ﻓﻤﺎ ﻳﺒﺪو ﻟﻨﺎ أﻧﻪ ﻧﻌﻤﺔ ﻗﺪ ﻳﻜﻮن ﻓﻲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻧﻘﻤﺔ‪:‬‬

‫ﺴ ُﻬ ْﻢ َو ُه ْﻢ‬
‫ﻖ أَﻧ ُﻔ ُ‬
‫ﺤﻴَﺎ ِة اﻟ ﱡﺪ ْﻧﻴَﺎ َو َﺗ ْﺰ َه َ‬
‫ﻻ ُد ُه ْﻢ ِإﱠﻧﻤَﺎ ُﻳﺮِﻳ ُﺪ اﻟّﻠ ُﻪ ِﻟ ُﻴ َﻌ ﱢﺬ َﺑﻬُﻢ ِﺑﻬَﺎ ﻓِﻲ ا ْﻟ َ‬
‫ﻻ َأ ْو َ‬
‫ﻚ َأ ْﻣﻮَاُﻟ ُﻬ ْﻢ َو َ‬
‫ﺠ ْﺒ َ‬
‫ﻼ ُﺗ ْﻌ ِ‬
‫)) َﻓ َ‬
‫ن )‪ ] (( (55‬اﻟﺘﻮﺑﺔ [‬ ‫آَﺎ ِﻓﺮُو َ‬

‫ن )‪] (( (56‬‬
‫ﺸ ُﻌﺮُو َ‬
‫ت ﺑَﻞ ﻟﱠﺎ َﻳ ْ‬
‫ﺨ ْﻴﺮَا ِ‬
‫ع َﻟ ُﻬ ْﻢ ﻓِﻲ ا ْﻟ َ‬
‫ﻦ )‪ُ (55‬ﻧﺴَﺎ ِر ُ‬
‫ل َو َﺑﻨِﻴ َ‬
‫ن َأﱠﻧﻤَﺎ ُﻧ ِﻤ ﱡﺪهُﻢ ِﺑ ِﻪ ﻣِﻦ ﻣﱠﺎ ٍ‬
‫ﺴﺒُﻮ َ‬
‫ﺤَ‬‫)) َأ َﻳ ْ‬
‫اﻟﻤﺆﻣﻨﻮن [‬

‫ﻦ )‪ ] (( (178‬ﺁل ﻋﻤﺮان [‬
‫ب ﱡﻣﻬِﻴ ٌ‬
‫ﻋﺬَا ٌ‬
‫)) ِإﱠﻧﻤَﺎ ُﻧ ْﻤﻠِﻲ َﻟ ُﻬ ْﻢ ِﻟ َﻴ ْﺰدَادُو ْا ِإ ْﺛﻤًﺎ َوَﻟ ْﻬ ُﻢ َ‬

‫ﻓﻠﻴﺲ اﻟﺨﻴﺮ اﻟﻈﺎهﺮ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ و اﻟﻨﻌﻤﺔ اﻟﻐﺎﻣﺮة ﺑﻌﻼﻣﺔ رﺿﺎ اﷲ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ اﻷﺣﻮال‪ ..‬و ﻻ ﻋﺬاب اﻟﺪﻧﻴﺎ‬
‫و ﺑﻼﺋﻬﺎ ﺑﻌﻼﻣﺔ ﻏﻀﺐ اﷲ ﻓﻲ آﻞ ﺣﺎل‪ ..‬ﻓﻘﺪ ﻳﻜﻮن اﻟﺨﻴﺮ ﻏﻀﺒﺎ و ﻗﺪ ﻳﻜﻮن اﻟﺒﻼء ﻟﻄﻔﺎ‪ ..‬و ﻻ ﻳﻜﺸﻒ‬
‫ﻟﻚ ﻋﻦ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ إﻻ ﺻﻮت ﺿﻤﻴﺮك‪ ..‬إذا رأﻳﺖ اﻟﺒﻼء ﻳﻄﻬﺮك ﻓﻬﻮ ﻧﻌﻤﺔ‪ ..‬و إذا رأﻳﺖ اﻟﻨﻌﻤﺔ ﺗﻄﻐﻴﻚ‬
‫ﻓﻬﻲ ﻏﻀﺐ‪.‬‬

‫ﺛﻢ ﻳﺘﻜﻠﻢ اﻟﻘﺮﺁن ﻋﻦ أهﻞ اﻟﺠﺤﻴﻢ‪:‬‬

‫ﻷﻟِﻴ َﻢ )‪97‬‬
‫با َ‬
‫ﺣﺘﱠﻰ َﻳ َﺮ ُو ْا ا ْﻟ َﻌﺬَا َ‬
‫ن )‪َ (96‬وَﻟ ْﻮ ﺟَﺎء ْﺗ ُﻬ ْﻢ ُآﻞﱡ ﺁ َﻳ ٍﺔ َ‬
‫ﻻ ُﻳ ْﺆ ِﻣﻨُﻮ َ‬
‫ﻚ َ‬
‫ﺖ َرﱢﺑ َ‬
‫ﻋَﻠ ْﻴ ِﻬ ْﻢ َآِﻠ َﻤ ُ‬
‫ﺖ َ‬
‫ﺣ ﱠﻘ ْ‬
‫ﻦ َ‬
‫ن اﱠﻟﺬِﻳ َ‬
‫)) ِإ ﱠ‬
‫( (( ] ﻳﻮﻧﺲ [‬

‫و إﻧﻬﻢ إذ ﻳﻨﺰل ﺑﻬﻢ ﻋﺬاب اﻟﺠﺤﻴﻢ ﻟﻴﺼﻄﺮﺧﻮن ﻣﺘﻮﺳﻠﻴﻦ‪:‬‬

‫ب‪ ] (( (27) ..‬اﻷﻧﻌﺎم [‬

‫ﻻ ُﻧ َﻜ ﱢﺬ َ‬
‫)) ﻳَﺎ َﻟ ْﻴ َﺘﻨَﺎ ُﻧ َﺮدﱡ َو َ‬

‫ن )‪ ] (( (28‬اﻷﻧﻌﺎم [‬
‫ﻋ ْﻨ ُﻪ َوِإﱠﻧ ُﻬ ْﻢ َﻟﻜَﺎ ِذﺑُﻮ َ‬
‫)) َوَﻟ ْﻮ ُردﱡو ْا َﻟﻌَﺎدُو ْا ِﻟﻤَﺎ ُﻧﻬُﻮ ْا َ‬

‫إن اﷲ ﻳﻌﻠﻢ أﻧﻬﻢ ﻟﻮ ردوا ﻟﻠﺪﻧﻴﺎ ﻟﻌﺎدوا إﻟﻰ آﺒﺮﻳﺎﺋﻬﻢ‪.‬‬

‫إﻧﻪ ﺟﻬﻞ و إﺻﺮار ﻋﻠﻰ اﻟﺠﻬﻞ ﻻ وﺳﻴﻠﺔ ﻟﻌﻼﺟﻪ‪ ..‬ﻻ اﻷﻧﺒﻴﺎء و ﻻ اﻟﻤﻌﺠﺰات و ﻻ اﻟﺨﻮارق و اﻵﻳﺎت‪..‬‬
‫و ﻻ ﺣﺘﻰ ﻣﺮورهﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺤﻴﻢ ﺑﻜﺎف ﻟﺮدهﻢ إﻟﻰ ﻣﻌﺮﻓﺔ‪.‬‬

‫و ﻣﻦ هﻨﺎ ﻳﺒﺪو اﻟﺒﻘﺎء ﻓﻲ اﻟﺠﺤﻴﻢ رﺣﻤﺔ‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﺒﻌﺾ اﻟﺠﺒﺎرﻳﻦ اﻟﻮﺳﻴﻠﺔ اﻟﻮﺣﻴﺪة إﻟﻰ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ و‬
‫اﻟﺘﻘﻮﻳﻢ‪.‬‬

‫إن اﷲ رﺣﻴﻢ داﺋﻤﺎ ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﺟﺤﻴﻤﻪ‪ ..‬و ﻟﻬﺬا ﺳﻤﻰ ﻧﻔﺴﻪ )) اﻟﺮﺣﻤﻦ ((‪ ..‬أي اﻟﺮﺣﻴﻢ ﻣﻄﻠﻖ اﻟﺮﺣﻤﺔ ﻓﻲ‬
‫ﺟﻤﻴﻊ اﻷﺣﻮال ﻟﻤﻦ ﻳﺴﺘﺤﻖ و ﻣﻦ ﻻ ﻳﺴﺘﺤﻖ‪ ..‬ﻳﺮﺣﻢ ﻣﻦ ﻳﺴﺘﺤﻖ ﺑﺎﻟﺠﻨﺔ و ﻳﺮﺣﻢ ﻣﻦ ﻻ ﻳﺴﺘﺤﻖ‬
‫ﺑﺎﻟﺠﺤﻴﻢ‪ ..‬ﻓﺎﻟﺠﺤﻴﻢ آﻤﺎ رأﻳﻨﺎ هﻮ ﺗﻌﺮﻳﻒ ﻟﻤﻦ ﻻ ﻳﻌﺮف و ﻟﻤﻦ ﻓﺸﻠﺖ ﻣﻌﻪ آﻞ وﺳﺎﺋﻞ اﻟﺘﻌﺮﻳﻒ ﻓﻬﻮ ﻧﻮع‬
‫ﻣﻦ اﻟﺮﺣﻤﺔ‪ ..‬و ﻟﻬﺬا ﻳﻘﻮل ﻓﻲ أﺟﻤﻞ ﺁﻳﺎﺗﻪ‪:‬‬

‫ﻲ ٍء‪ ] (( (156) ..‬اﻷﻋﺮاف [‬

‫ﺷ ْ‬
‫ﺖ ُآﻞﱠ َ‬
‫ﺳ َﻌ ْ‬
‫ﺣ َﻤﺘِﻲ َو ِ‬
‫ﻦ َأﺷَﺎء َو َر ْ‬
‫ﺐ ِﺑ ِﻪ َﻣ ْ‬
‫ﻋﺬَاﺑِﻲ ُأﺻِﻴ ُ‬
‫)) َ‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪112‬‬
 ‫ﻓﺄدﺧﻞ ﻋﺬاﺑﻪ ﺿﻤﻦ رﺣﻤﺘﻪ اﻟﺘﻲ وﺳﻌﺖ آﻞ ﺷﻲء‪ ،‬و ﻳﻔﺴﺮ ﻟﻨﺎ اﻟﺤﺴﺎب ﻓﻴﻘﻮل‪:‬‬

‫ﺣﺴِﻴﺒًﺎ )‪ ] (( (14‬اﻹﺳﺮاء [‬
‫ﻚ َ‬
‫ﻋَﻠ ْﻴ َ‬
‫ﻚ ا ْﻟ َﻴ ْﻮ َم َ‬
‫ﺴ َ‬
‫ﻚ َآﻔَﻰ ِﺑ َﻨ ْﻔ ِ‬
‫)) ا ْﻗ َﺮ ْأ َآﺘَﺎ َﺑ َ‬

‫و اﻟﺤﺴﺎب هﻨﺎ ﻳﺒﺪو أﻧﻪ ﺣﺴﺎب اﻟﻨﻔﺲ ﻟﻠﻨﻔﺲ و ﺗﻨﻜﻴﻞ اﻟﻨﻔﺲ ﺑﺎﻟﻨﻔﺲ و ﻣﻮاﺟﻬﺔ اﻟﻨﻔﺲ ﻟﻠﻨﻔﺲ‪.‬‬

‫ﻟﻘﺪ ﻟﺰم آﻞ واﺣﺪ ﻋﻤﻠﻪ آﻈﻠﻪ و ﻻ ﺧﻼص‪ ..‬و ﺣﻖ اﻟﻘﻮل‪ ..‬و ﻧﻔﺬ اﻟﻌﺪل اﻷزﻟﻲ‪.‬‬

‫و ﻟﻜﻦ هﺬﻩ اﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﺗﻀﻴﻊ ﻓﻲ اﻟﻨﻈﺮة اﻟﻤﺘﻌﺠﻠﺔ و اﻟﻘﺮاءة اﻟﺴﻄﺤﻴﺔ و اﻟﻮﻗﻮف ﻋﻨﺪ اﻟﺤﺮوف و ﻋﻨﺪ‬
‫ﺟﻠﺠﻠﺔ اﻷﻟﻔﺎظ‪.‬‬

‫و اﻷﻟﻔﺎظ اﻟﺘﻲ وﺻﻒ اﷲ ﺑﻬﺎ اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ آﻠﻬﺎ أﻟﻔﺎظ رهﻴﺒﺔ ذات ﺟﻠﺠﻠﺔ و ﺻﻠﺼﻠﺔ‪ ..‬ﺗﻘﺮع اﻵذان‬
‫آﺎﻷﺟﺮاس‪ ،‬ﻓﻬﻲ اﻟﺴﺎﻋﺔ‪ ،‬و اﻟﻮاﻗﻌﺔ‪ ،‬و اﻟﻘﺎرﻋﺔ‪ ،‬و اﻟﺰﻟﺰﻟﺔ‪ ،‬و اﻟﺪﻣﺪﻣﺔ‪ ،‬و اﻟﻐﺎﺷﻴﺔ‪ ،‬و اﻟﺮاﺟﻔﺔ‪ ،‬و‬
‫اﻟﺮادﻓﺔ‪ ،‬و اﻟﺰﺟﺮة‪ ،‬و اﻟﺴﻜﺮة‪ ،‬و اﻟﻄﺎﻣﺔ‪ ،‬و اﻟﺤﺎﻗﺔ‪ ،‬و اﻟﺼﺎﺧﺔ‪.‬‬

‫هﻞ ﺳﻤﻌﺖ ﻟﻔﻈﺎ اﺳﻤﻪ )) اﻟﺼﺎﺧﺔ (( ؟!‬

‫إﻧﻪ ﻟﻔﻆ ﻳﺨﺮق ﻃﺒﻠﺔ اﻷذن‪ ..‬ﻷن اﷲ ﻋﻠﻢ أن اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﺎ ﻓﻲ هﺬﻩ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺗﺘﺨﻄﻔﻪ اﻟﺸﻬﻮات و ﺗﺒﺮق ﻓﻲ‬
‫ﻋﻴﻨﻴﻪ اﻟﻤﻄﺎﻣﻊ ﻓﻬﻮ ﻻ ﻳﻌﻘﻞ‪ ..‬و هﻮ أﺻﻢ ﻻ ﻳﺴﻤﻊ‪.‬‬

‫ﻓﻬﺘﻒ ﻓﻲ أذﻧﻪ ﺑﻬﺬﻩ اﻟﻜﻠﻤﺔ‪ ..‬اﻟﺘﻲ ﺗﻜﺎد ﺗﺨﺮق اﻟﺴﻤﻊ ﻣﻦ ﻓﺮط ارﺗﻔﺎع ذﺑﺬﺑﺘﻬﺎ ﻟﻴﻮﻗﻈﻪ‪:‬‬

‫ﻦ َأﺧِﻴ ِﻪ )‪َ (34‬وُأ ﱢﻣ ِﻪ َوَأﺑِﻴ ِﻪ )‪ ] (( (35‬ﻋﺒﺲ [‬

‫ت اﻟﺼﱠﺎﺧﱠ ُﺔ )‪َ (33‬ﻳ ْﻮ َم َﻳ ِﻔ ﱡﺮ ا ْﻟ َﻤ ْﺮ ُء ِﻣ ْ‬
‫)) َﻓِﺈذَا ﺟَﺎء ِ‬

‫ﻓﻌﻞ هﺬا رﺣﻤﺔ و ﻟﻄﻔﺎ و ﺣﻨﺎﻧﺎ‪ ..‬ﺗﻌﺎﻟﻰ اﷲ ﻋﻦ أن ﻳﻌﺬﺑﻨﺎ ﺷﻬﻮة ﻓﻲ ﻋﺬاب‪.‬‬

‫و ﻣﺎ اﻟﻌﺬاب إﻻ ﻟﺰوم ﻣﺎ ﻳﻠﺰم و ﺣﻠﻮل اﻟﺼﻔﺔ ﺑﻤﻮﺻﻮﻓﻬﺎ و اﻧﺘﻈﺎم اﻷرواح ﻓﻲ ﺳﻠﻢ درﺟﺎﺗﻬﺎ اﻟﺤﻖ و‬
‫اﻧﺴﺪال اﻟﺴﺘﺎر ﻋﻠﻰ هﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺬي ﻳﺘﺒﺎرى ﻓﻴﻪ اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻰ ﻧﻮال ﻣﺎ ﻻ ﻳﺴﺘﺤﻘﻮن‪.‬‬

‫و ﻧﻌﻄﻲ ﻣﺜﻼ ﻟﻬﺬا اﻟﺘﻔﺎوت ﻓﻲ اﻟﺮﺗﺐ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﻪ آﻞ ﻣﻨﺎ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻪ اﻟﺨﺎﺻﺔ‪ ..‬ﻣﻦ ﺗﻔﺎوت اﻟﻤﺴﺘﻮﻳﺎت‬
‫اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻌﻴﺶ ﻓﻴﻬﺎ‪ ..‬ﻻ ﻧﻘﺼﺪ ﻣﺴﺘﻮﻳﺎت اﻟﺪﺧﻞ‪ ..‬و إﻧﻤﺎ ﻧﻘﺼﺪ ﺷﻴﺌﺎ أﻋﻤﻖ‪ ..‬ﻧﻘﺼﺪ اﻟﻤﺴﺘﻮﻳﺎت‬
‫اﻟﻮﺟﻮدﻳﺔ ذاﺗﻬﺎ‪.‬‬

‫ﻓﺎﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﺎ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻌﻴﺶ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى ﻣﺘﻄﻠﺒﺎت ﺟﺴﺪﻩ‪ ،‬آﻞ هﻤﻪ أن ﻳﺄآﻞ و ﻳﺸﺮب و ﻳﻀﺎﺟﻊ‬
‫آﺎﻟﺒﻬﻴﻤﺔ‪.‬‬

‫و ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﺴﻜﺖ ذﻟﻚ اﻟﺴﻌﺎر اﻟﺠﺴﺪي ﻟﻴﺴﺘﺴﻠﻢ ﻟﺴﻌﺎر ﺁﺧﺮ هﻮ ﺳﻌﺎر اﻟﻨﻔﺲ ﺑﻴﻦ ﻏﻴﺮة و ﺣﺴﺪ و‬
‫ﻏﻀﺐ و ﺷﻤﺎﺗﺔ و رﻏﺒﺔ ﻓﻲ اﻟﺴﻴﻄﺮة و ﺟﻮع ﻟﻠﻈﻬﻮر و ﺗﻌﻄﺶ ﻟﻠﺸﻬﺮة و اﺳﺘﺌﺜﺎر ﻷﺳﺒﺎب اﻟﻘﻮة‬
‫ﺑﺘﻜﺪﻳﺲ اﻷﻣﻮال و اﻟﻤﻤﺘﻠﻜﺎت و ﺗﺮﺑﺺ ﻻﺻﻄﻴﺎد اﻟﻤﻨﺎﺻﺐ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪113‬‬
 ‫و أآﺜﺮ اﻟﻨﺎس ﻻ ﻳﺮﺗﻔﻌﻮن ﻋﻦ هﺬﻩ اﻟﺪرﺟﺔ و ﻳﻤﻮﺗﻮن ﻋﻠﻴﻬﺎ و ﻻ ﻳﻜﻮن اﻟﻌﻘﻞ ﻋﻨﺪهﻢ إﻻ وﺳﻴﻠﺔ اﺣﺘﻴﺎل‬
‫ﻟﺒﻠﻮغ هﺬﻩ اﻻﺳﺒﺎب‪.‬‬

‫و اﻟﺤﻴﺎة ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻬﺬﻩ اﻟﻜﺜﺮة ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻏﺎﺑﺔ و اﻟﺸﻌﻮر اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ هﻮ اﻟﻌﺪوان و ﺗﻨﺎزع اﻟﺒﻘﺎء و‬
‫اﻟﺼﺮاع‪ ..‬و اﻟﻬﺪف هﻮ اﻟﺘﻬﺎم آﻞ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﺘﻬﺎﻣﻪ و اﻧﺘﻬﺎز ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ اﻧﺘﻬﺎزﻩ‪ ..‬و اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﺗﺠﺪﻩ‬
‫ﻳﺘﺄرﺟﺢ آﺎﻟﺒﻨﺪول ﻣﻦ ﻟﻬﻴﺐ رﻏﺒﺔ إﻟﻰ ﻟﻬﻴﺐ رﻏﺒﺔ أﺧﺮى‪ ..‬ﻳﺴﻠﻤﻪ ﻣﻄﻤﻊ إﻟﻰ ﻣﻄﻤﻊ و هﻮ ﻓﻲ ﺿﺮام‬
‫ﻣﻦ هﺬﻩ اﻟﺮﻏﺒﺎت ﻻ ﻳﻨﺘﻬﻲ‪.‬‬

‫و هﻨﺎك ﻗﻠﺔ ﻗﻠﻴﻠﺔ ﺗﻜﺘﺸﻒ زﻳﻒ هﺬﻩ اﻟﺤﻴﺎة و ﺗﺼﺤﻮ ﻋﻠﻰ إدراك واﺿﺢ ﺑﺄن هﺬا اﻟﻠﻮن ﻣﻦ اﻟﺤﻴﺎة‬
‫ﻋﺒﻮدﻳﺔ ﻻ ﺣﺮﻳﺔ‪ ..‬و أﻧﻬﺎ آﺎﻧﺖ ﺣﻴﺎة أﺷﺒﻪ ﺑﺎﻟﺴﺨﺮة و اﻷﺷﻐﺎل اﻟﺸﺎﻗﺔ ﺧﻀﻮﻋﺎ ﻟﻐﺮاﺋﺰ هﻤﺠﻴﺔ ﻻ ﺗﺸﺒﻊ‬
‫و أﻃﻤﺎع ﻻ ﻣﻀﻤﻮن ﻟﻬﺎ و ﻻ ﻣﻌﻨﻰ و ﻻ ﻗﻴﻤﺔ‪ ..‬آﻠﻬﺎ إﻟﻰ زوال‪.‬‬

‫ﻓﺘﺒﺪأ هﺬﻩ اﻟﻘﻠﺔ اﻟﻘﻠﻴﻠﺔ ﻓﻲ إﺳﻜﺎت هﺬا اﻟﺼﻮت و ﻓﻲ ﺗﻜﺒﻴﻞ هﺬﻩ اﻟﻨﻔﺲ اﻟﻬﺎﺋﺠﺔ‪ ،‬و ﻗﺪ اآﺘﺸﻔﺖ أﻧﻬﺎ‬
‫ﺣﺠﺎب ﻋﻠﻰ اﻟﺮؤﻳﺔ و ﺗﺸﻮﻳﺶ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻬﻢ‪.‬‬

‫و هﻜﺬا ﺗﺮﺗﻔﻊ هﺬﻩ اﻟﻘﻠﺔ اﻟﻘﻠﻴﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﺮﺗﺒﺔ ﻟﺘﻌﻴﺶ ﺑﻤﻨﻄﻖ ﺁﺧﺮ‪ ..‬هﻮ أن ﺗﻌﻄﻲ ﻻ أن ﺗﺄﺧﺬ‪ ..‬و ﺗﺤﺐ ﻻ أن‬
‫ﺗﻜﺮﻩ‪ ..‬و ﺗﺼﺒﺢ هﻤﻮم هﺬﻩ اﻟﻘﻠﺔ هﻲ إدراك اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ‪.‬‬

‫و ﻋﻠﻰ هﺬﻩ اﻟﻘﻠﺔ ﺗﻨﺰل ﺳﻜﻴﻨﺔ اﻟﻘﻠﺐ ﻓﻴﺘﺬآﺮ اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﺎﺿﻴﻪ ﺣﻴﻨﻤﺎ آﺎن ﻋﺒﺪا ﻟﺴﻌﺎر ﻧﻔﺴﻪ و آﺄﻧﻪ‬
‫ﺧﺎرج ﻣﻦ ﺟﺤﻴﻢ !‬

‫و ﻣﺜﻞ هﺆﻻء ﻳﻤﻮﺗﻮن و ﻗﺪ اﻧﻌﺘﻘﻮا ﻣﻦ وهﻢ اﻟﻨﻔﺲ و اﻟﺠﺴﺪ و ﺑﻠﻐﻮا ﺧﻼﺻﻬﻢ اﻟﺮوﺣﻲ و أﻳﻘﻨﻮا ﺣﻘﻴﻘﺔ‬
‫ذواﺗﻬﻢ آﺄرواح آﺎﻧﺖ ﺗﺒﺘﻠﻰ ﻓﻲ ﺗﺠﺮﺑﺔ‪.‬‬

‫و ﻣﺎ أﺷﺒﻪ اﻟﺠﺴﺪ – ﻓﻲ اﻟﺮﺗﺒﺔ – ﺑﺎﻟﺘﺮاب‪ ..‬و اﻟﻨﻔﺲ ﺑﺎﻟﻨﺎر و اﻟﺮوح ﺑﺎﻟﻨﻮر و هﻲ ﻣﺠﺮد أﻟﻔﺎظ‬
‫ﻟﻠﺘﻘﺮﻳﺐ‪ ..‬و ﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﻜﺸﻒ ﻟﻨﺎ أن ﺣﻜﺎﻳﺔ اﻟﺮﺗﺐ هﻲ ﺣﻜﺎﻳﺔ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ‪ ..‬و أن آﻞ ﻣﻦ ﻳﻤﻮت ﻋﻠﻰ رﺗﺒﺔ ﻳﺒﻌﺚ‬
‫ﻋﻠﻴﻬﺎ و أن هﺬا هﻮ ﻋﻴﻦ اﻟﻌﺪل و ﻟﻴﺲ ﺗﺠﺒﺮا‪ ..‬و ﻗﺪ ﻳﻜﻮن اﻟﻌﺬاب ﻓﻮق اﻟﻮﺻﻒ إذا ﺗﺠﺮدت اﻟﻨﻔﻮس‬
‫ﻣﻦ أﺟﺴﺎدهﺎ اﻟﺘﺮاﺑﻴﺔ و ﻟﻢ ﻳﺒﻖ ﻣﻨﻬﺎ إﻻ ﺳﻌﺎر ﺧﺎﻟﺺ و ﺟﻮع ﺑﺤﺖ و اﺿﻄﺮام ﻣﻄﻠﻖ ﺑﺮﻏﺒﺎت ﻻ‬
‫ﺗﺮﺗﻮي ﺛﻢ ﻋﺪوان ﺑﻴﻦ ﻧﻔﻮس ﺷﺮﺳﺔ ﻻ هﺪﻧﺔ ﺑﻴﻨﻬﺎ و ﻻ ﺳﻼم و ﻻ ﻣﺼﺎﻟﺤﺔ إﻟﻰ اﻷﺑﺪ‪ ..‬ﻋﻠﻰ ﻋﻜﺲ‬
‫أرواح ﺗﺘﻌﺎﻳﺶ ﻓﻲ ﻣﺤﺒﺔ و ﺗﺘﺄﻣﻞ اﻟﺤﻖ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﻣﻠﻜﻮﺗﻲ‪.‬‬

‫أآﺎد أﺟﺰم ﺑﺄن أﻟﻔﺎظ اﻟﻘﺮﺁن ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺟﻠﺠﻠﺔ و ﺻﻠﺼﻠﺔ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﺼﻒ اﻟﺠﺤﻴﻢ إﻧﻤﺎ هﻲ ﻧﺬﻳﺮ ﺣﻘﻴﻘﻲ‬
‫ﺑﻌﺬاب ﻓﻮق اﻟﺘﺼﻮر و ﺳﻮف ﻧﻌﺬﺑﻪ ﻷﻧﻔﺴﻨﺎ ﺑﺄﻧﻔﺴﻨﺎ ﻋﺪﻻ و ﺻﺪﻗﺎ ﻋﻠﻰ رﺗﺒﺔ اﺳﺘﺤﻘﻬﺎ آﻞ ﻣﻨﺎ ﺑﻌﻤﻠﻪ‪ ..‬و‬
‫أآﺎد أﺿﻊ ﻳﺪي ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ‪ ..‬ﻻ رﻳﺐ ﻓﻴﻬﺎ‪.‬‬

‫ﺗﻌﺎﻟﻰ اﷲ ﻋﻦ أن ﻳﻌﺬﺑﻨﺎ ﺷﻬﻮة ﻓﻲ ﻋﺬاب‪ ..‬و هﻮ اﻟﺤﻖ اﻟﻌﺪل اﻟﺤﻜﻢ‪.‬‬

‫و ﻓﻲ أﺧﺒﺎر داود أن اﷲ ﻗﺎل ﻟﻪ‪:‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪114‬‬
 ‫)) ﻳﺎ داود أﺑﻠﻎ أهﻞ أرﺿﻲ أﻧﻲ ﺣﺒﻴﺐ ﻟﻤﻦ أﺣﺒﻨﻲ و ﺟﻠﻴﺲ ﻟﻤﻦ ﺟﺎﻟﺴﻨﻲ و ﺻﺎﺣﺐ ﻟﻤﻦ ﺻﺎﺣﺒﻨﻲ و‬
‫ﻣﺨﺘﺎر ﻟﻤﻦ اﺧﺘﺎرﻧﻲ‪ ..‬و ﻣﻄﻴﻊ ﻟﻤﻦ أﻃﺎﻋﻨﻲ‪ ..‬ﻣﻦ ﻃﻠﺒﻨﻲ ﺑﺎﻟﺤﻖ وﺟﺪﻧﻲ و ﻣﻦ ﻃﻠﺐ ﻏﻴﺮي ﻟﻢ ﻳﺠﺪﻧﻲ‬
‫((‪.‬‬

‫أﻧﻌﻢ ﺑﻪ ﻣﻦ رب رﺣﻴﻢ‪ ..‬و ﺗﻘﺪس و ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻦ اﻟﻈﻠﻢ و اﻟﻌﺪوان‪.‬‬

‫اﻟﺤﻼل و اﻟﺤﺮام‬

‫اﻟﺘﺤﺮﻳﻢ ﻓﻲ اﻟﻘﺮﺁن ﻟﻴﺲ ﻟﻤﺠﺮد اﻟﺘﺤﺮﻳﻢ‪.‬‬

‫و ﻻ اﻟﺘﺤﻠﻴﻞ ﻟﻤﺠﺮد اﻟﺘﺤﻠﻴﻞ‪.‬‬

‫و إﻧﻤﺎ هﻮ ﺗﺤﻠﻴﻞ ﻟﻜﻞ ﻣﺎ هﻮ ﻃﻴﺐ و ﺗﺤﺮﻳﻢ ﻟﻜﻞ ﻣﺎ هﻮ ﺧﺒﻴﺚ‪:‬‬

‫ﺚ‪ ] (( (157) ..‬اﻷﻋﺮاف [‬

‫ﺨﺒَﺂ ِﺋ َ‬
‫ﻋَﻠ ْﻴ ِﻬ ُﻢ ا ْﻟ َ‬
‫ﺤﺮﱢ ُم َ‬
‫ت َو ُﻳ َ‬
‫ﻄﱢﻴﺒَﺎ ِ‬
‫ﻞ َﻟ ُﻬ ُﻢ اﻟ ﱠ‬
‫ﺤﱡ‬
‫)) َو ُﻳ ِ‬

‫اﷲ ﺣﺮم اﻟﻀﺎر اﻟﺨﺒﻴﺚ‪.‬‬

‫و أﺣﻞ اﻟﻄﻴﺐ اﻟﻨﺎﻓﻊ‪.‬‬

‫ﻟﻢ ﻳﺼﺪر اﻷﻣﺮ ﺗﺴﻠﻄﺎ و ﻣﻌﺎﻗﺒﺔ و ﺗﻀﻴﻴﻘﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎس‪.‬‬

‫و إﻧﻤﺎ أﻗﺎم ﺷﺮﻳﻌﺘﻪ ﻣﺤﺒﺔ و رﺣﻤﺔ‪.‬‬

‫إذا ﻟﻢ ﻧﻔﻬﻢ هﺬﻩ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ اﻟﺠﻮهﺮﻳﺔ ﻓﺴﻮف ﻧﺘﻮﻩ ﻓﻲ ﺣﺮﻓﻴﺎت ﻻ ﺁﺧﺮ ﻟﻬﺎ و ﺗﻀﻴﻊ ﻣﻨﺎ روح اﻟﻘﺮﺁن آﻠﻴﺔ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪115‬‬
 ‫و ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻤﺜﺎل ﻧﺄﺧﺬ هﺬﻩ اﻵﻳﺔ‪:‬‬

‫ﻦ َأ ْﺑﺼَﺎ ِر ِه ْﻢ‪ ] (( (30) ..‬اﻟﻨﻮر [‬

‫ﻦ َﻳ ُﻐﻀﱡﻮا ِﻣ ْ‬
‫)) ﻗُﻞ ﱢﻟ ْﻠ ُﻤ ْﺆ ِﻣﻨِﻴ َ‬

‫ﻦ‪ ] (( (31) ..‬اﻟﻨﻮر [‬

‫ﻦ َأ ْﺑﺼَﺎ ِر ِه ﱠ‬
‫ﻦ ِﻣ ْ‬
‫ﻀَ‬‫ﻀ ْ‬
‫ت َﻳ ْﻐ ُ‬
‫)) َوﻗُﻞ ﻟﱢ ْﻠ ُﻤ ْﺆ ِﻣﻨَﺎ ِ‬

‫ﻟﻮ أﺧﺬﻧﺎ اﻵﻳﺔ ﺑﻈﺎهﺮ ﺣﺮوﻓﻬﺎ دون أن ﻧﺤﺎول أن ﻧﺘﺪﺑﺮ ﺣﻜﻤﺘﻬﺎ ﺳﻮف ﻳﺨﻴﻞ ﻟﻨﺎ أن ﻓﻴﻬﺎ ﺗﻀﻴﻴﻘﺎ ﻋﻠﻴﻨﺎ‬
‫ﺑﺪون ﻣﺒﺮر‪ ..‬آﻴﻒ ﻳﺨﻠﻖ ﻟﻨﺎ اﷲ اﻟﻌﻴﻮن و اﻟﻨﻮاﻇﺮ ﺛﻢ ﻳﻘﻮل ﻟﻨﺎ ﻻ ﺗﻨﻈﺮوا‪ ..‬آﻴﻒ ﻳﺨﻠﻖ ﻟﻨﺎ اﻟﺠﻤﺎل ﺛﻢ‬
‫ﻳﻘﻮل ﻏﻀﻮا اﻟﺒﺼﺮ‪.‬‬

‫و ﻟﻮ ﺗﺪﺑﺮﻧﺎ اﻵﻳﺔ ﻻآﺘﺸﻔﻨﺎ أن هﺬا اﻷﻣﺮ هﻮ ﻏﺎﻳﺔ اﻟﺮﺣﻤﺔ و ﻏﺎﻳﺔ اﻟﻠﻄﻒ و أﻧﻪ اﺳﺘﻨﻘﺎذ ﻟﻺﻧﺴﺎن ﻣﻦ‬
‫اﻟﻌﺒﻮدﻳﺔ و ﻣﻦ اﻷﻏﻼل و ﻟﻴﺲ اﺳﺘﺒﺪادا ﺑﻪ أو ﺗﻀﻴﻴﻘﺎ ﻋﻠﻴﻪ‪.‬‬

‫ﻓﺎﻟﻨﻈﺮ هﻮ اﻟﺴﺒﻴﻞ إﻟﻰ اﻟﺘﻌﻠﻖ‪ ..‬و اﻟﺘﻌﻠﻖ ﺣﺒﺲ‪ ..‬و اﻟﻌﻴﻦ إذا ﻧﻈﺮت إﻟﻰ اﻟﻮﺟﻪ اﻟﺠﻤﻴﻞ ﺳُﺠﻨﺖ ﻓﻴﻪ و‬
‫ﺳﺠﻨﺖ ﻣﻌﻪ ﻧﻔﺴﻬﺎ‪ ..‬و اﷲ ﻳﺮﻳﺪ ﻟﻨﺎ اﻟﺤﺮﻳﺔ و اﻻﻧﻌﺘﺎق‪ ،‬و ﻻ اﻧﻌﺘﺎق إﻻ ﺑﺄن ﻧﺘﺠﺎوز اﻟﻤﺤﺴﻮﺳﺎت اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ‬
‫ﻧﺎﻇﺮﻳﻦ إﻟﻰ ﺧﺎﻟﻘﻬﺎ و ﺑﻬﺬا ﺗﺮﻓﻌﻨﺎ ﻧﻈﺮﺗﻨﺎ إﻟﻰ ﻣﻘﺎم اﻟﻘﺮب و اﻟﻤﻌﻴﺔ ﻣﻊ اﷲ و هﻮ ﻣﻘﺎم اﻟﺤﺮﻳﺔ اﻟﻤﻄﻠﻘﺔ‪..‬‬

‫و ﻣﺎ ﺧﻠﻖ ﻟﻨﺎ اﷲ اﻹﻏﺮاء اﻟﺪﻧﻴﻮي إﻻ ﻟﻴﺨﺘﺒﺮﻧﺎ‪ ..‬هﻞ ﺳﻨﺘﺼﺮف ﺑﺎﻟﻔﻄﺮة اﻟﺴﻠﻴﻤﺔ ﻓﻨﺘﺠﻪ ﺑﺬوﻗﻨﺎ اﻟﺴﻠﻴﻢ‬
‫إﻟﻰ اﻟﺠﻤﺎل اﻷﻋﻈﻢ إﻟﻰ ﺟﻤﺎل اﷲ و وﺟﻬﻪ أو ﺳﻨﻘﻒ ﻋﻨﺪ اﻟﺠﻤﺎل اﻟﺤﺴﻲ اﻷﺻﻐﺮ و ﻧﻠﺘﺼﻖ ﺑﻪ و‬
‫ﻧﺴﺠﻦ أﻧﻔﺴﻨﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﺪﻟﻠﻴﻦ ﺑﺬﻟﻚ ﻋﻠﻰ ﻓﺴﺎد ذوﻗﻨﺎ و اﻧﺤﺮاف ﻓﻄﺮﺗﻨﺎ‪.‬‬

‫إن اﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﺠﺮد ﻧﻈﺮة إﻟﻰ وﺟﻪ ﺟﻤﻴﻞ‪..‬‬

‫إﻧﻬﺎ ﻧﻈﺮة ﻣﺎ ﺗﻠﺒﺚ أن ﺗﻌﻘﺒﻬﺎ رﻏﺒﺔ ﺛﻢ ﺷﻬﻮة ﺛﻢ ﻣﺸﺮوع ﻹﺷﺒﺎع ﺗﻠﻚ اﻟﺸﻬﻮة و اﻣﺘﻼك ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺮأة أو‬
‫هﺬا اﻟﺼﺪر أو هﺬا اﻟﻈﻬﺮ‪.‬‬

‫و ﺗﺘﺨﻄﻒ اﻟﻌﻘﻞ اﻟﺸﻬﻮات ﻓﻴﻔﻘﺪ اﻹﻧﺴﺎن هﺪﻓﻪ و ﻳﻨﺴﻰ وﺟﻬﺘﻪ و ﻳﺘﺸﺘﺖ و ﻳﺄﺧﺬ ﺳﺒﻴﻠﻪ وراء هﺬا اﻟﺼﺪر‬
‫اﻟﻌﺮﻳﺎن و ﻳﻨﺴﻰ اﻟﻤﺸﻮار اﻟﺬي آﺎن ﻳﺴﻌﻰ إﻟﻴﻪ‪.‬‬

‫ﻣﺜﻞ هﺬا اﻹﻧﺴﺎن ﻗﺪ ﻓﻘﺪ ﺣﺮﻳﺘﻪ و هﺒﻂ ﻣﻦ ذروة إﻧﺴﺎﻧﻴﺔ إﻟﻰ ﺣﺎﻟﺔ أﺷﺒﻪ ﺑﺤﺎﻟﺔ آﻠﺐ ﻳﺘﺸﻤﻢ‪ ..‬و إﻟﻰ ﻋﺒﺪ‬
‫أﺳﻴﺮ ﻻ ﻳﻌﺮف ﻟﻨﻔﺴﻪ ﺧﻼﺻﺎ ﻣﻦ هﺎﺗﻴﻦ اﻟﺴﺎﻗﻴﻦ أو هﺬا اﻟﻈﻬﺮ‪ ..‬و إﻟﻰ ﻋﻘﻞ ﻣﻐﻠﻮل ﻓﻲ اﻟﺸﻬﻮة ﻳﻔﻜﺮ‬
‫ﻓﻲ اﻟﻠﻬﻂ و ﻳﺴﻴﻞ ﻟﻌﺎﺑﻪ و ﺗﺨﺮج ﻋﻴﻨﺎﻩ ﻣﻦ ﻣﺤﺠﺮﻳﻬﻤﺎ ﺟﻤﻮﺣﺎ و ﺷﻬﻮة و ﻳﻔﻘﺪ اﻟﺴﻴﻄﺮة ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ و‬
‫ﻳﻨﺴﻰ اﻟﻤﺼﻠﺤﺔ اﻟﺘﻲ ﺟﺎءت ﺑﻪ إﻟﻰ اﻟﻤﻜﺎن‪ ..‬و ﺗﺠﺮي رﺟﻼﻩ اﻟﻤﺮﺗﻌﺸﺘﺎن وراء اﻟﻠﺤﻢ اﻷﺑﻴﺾ‪ ..‬ﻻ‬
‫ﻳﻌﺮف آﻴﻒ ﻳﺤﻜﻤﻬﺎ‪.‬‬

‫ﻣﺜﻞ هﺬﻩ اﻟﺤﺎﻟﺔ ﻣﻦ اﻟﻬﺒﻮط ﻗﺪ ﺗﻨﺘﻬﻲ ﺑﺼﺎﺣﺒﻬﺎ إﻟﻰ ﺻﻔﻌﺔ ﻋﻠﻰ ﺻﺪﻏﻪ ﺗﻔﻴﻘﻪ أو إﻟﻰ ﻣﺤﻀﺮ ﻓﻲ ﺑﻮﻟﻴﺲ‬
‫اﻵداب‪ ..‬أو إﻟﻰ ﻗﺼﺔ ﺗﺒﺪأ ﺑﺪﻗﺎﺋﻖ ﻟﺬﻳﺬة ﺛﻢ ﺗﻨﺘﻬﻲ ﺑﺤﺎدث ﻧﺸﻞ أو إﻟﻰ ﻋﻼﻗﺔ ﺟﻨﺴﻴﺔ ﺗﻨﺘﻬﻲ إﻟﻰ ﻣﺴﺘﺸﻔﻰ‬
‫اﻟﺤﻮض اﻟﻤﺮﺻﻮد ﻟﻌﻼج ﻣﺮض ﺳﺮي ﻣﺰﻣﻦ‪.‬‬

‫و ﺣﻜﻤﺔ اﻵﻳﺔ اﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ واﺿﺤﺔ ﻓﻲ ﻣﺜﻞ هﺬا اﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﻨﻈﺮ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪116‬‬
 ‫و اﻟﺬوق اﻟﺴﻠﻴﻢ ﻳﻨﻔﺮ ﺑﺎﻟﻔﻄﺮة و ﻳﻌﻒ ﻋﻦ ﻣﺜﻞ هﺬا اﻟﺘﺤﺪﻳﻖ‪ ..‬ﻷﻧﻪ ﺿﺮر‪.‬‬

‫و ﻟﻬﺬا أﻣﺮ اﻟﻘﺮﺁن اﻟﻤﺮأة اﻟﻤﺆﻣﻨﺔ ﺑﺄن ﺗﺪﻧﻲ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺟﻠﺒﺎﺑﻬﺎ اﺑﺘﻌﺎدا ﻋﻦ ﻣﺰاﻟﻖ اﻹﺛﺎرة و اﻻﺳﺘﺜﺎرة‪.‬‬

‫و هﻨﺎ ﻧﺼﻞ إﻟﻰ ﺟﻮهﺮ اﻟﺘﺤﺮﻳﻢ‪.‬‬

‫ﻓﺎﻟﺘﺤﺮﻳﻢ داﺋﻤﺎ ﻟﻀﺮر‪.‬‬

‫و اﷲ أﻗﺎم ﺷﺮﻳﻌﺘﻪ ﻣﺤﺒﺔ و رﺣﻤﺔ ﻻ ﺗﺴﻠﻄﺎ و ﻏﻄﺮﺳﺔ‪.‬‬

‫و ﻣﻦ هﻨﺎ آﺎن ﻻﺑﺪ ﻣﻦ ﻏﺾ اﻟﺒﺼﺮ ﺗﻔﺎدﻳﺎ ﻟﻠﻀﺮر‪ ..‬و إﺷﻔﺎﻗﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﻮاﻗﺐ و وﻗﺎﻳﺔ ﻣﻦ ﺿﻌﻔﻨﺎ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ‬
‫اﻟﻤﺮآﺐ ﻓﻲ أﺟﺴﺎدﻧﺎ‪..‬‬

‫و ﻏﺾ اﻟﺒﺼﺮ ﻟﻴﺲ ﻓﻘﻂ ﻏﺾ اﻟﺒﺼﺮ ﻋﻤﺎ ﻳﺘﻌﺮى ﻣﻦ اﻟﺠﺴﺪ‪.‬‬

‫و إﻧﻤﺎ هﻮ أﻳﻀﺎ ﻏﺾ ﻟﻠﺒﺼﺮ ﻋﻤﺎ ﻓﻲ ﻳﺪ اﻟﻨﺎس ﻣﻦ ﻣﺎل و ﻧﻌﻤﺔ‪ ،‬و هﻮ اﻟﺤﻴﺎء و اﻟﺘﺮﻓﻊ ﻋﻦ اﻟﻨﺰول‬
‫ﺑﺎﻟﻨﻔﺲ إﻟﻰ ﻣﻮاﻃﻦ اﻟﺸﻬﻮة و اﻟﺤﺴﺪ و اﻟﺤﻘﺪ و اﻟﻐﻴﺮة‪.‬‬

‫و ﻣﻦ أآﺒﺮ اﻟﺬﻧﻮب ﻋﻨﺪ اﷲ اﻟﺘﻌﺼﺐ‪ ..‬أن ﺗﺘﻌﺼﺐ ﻟﻨﻔﺴﻚ أو ﻋﺎﺋﻠﺘﻚ‪ ..‬و أن ﺗﻤﻴﻞ ﻣﻊ اﻟﻬﻮى‪ ..‬و ﺗﺄﺧﺬ‬
‫ﺣﻤﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﻨﺼﺮﻳﺔ و آﺒﺮﻳﺎء اﻟﻌﺮق و اﻟﺠﻨﺲ‪.‬‬

‫و اﻟﻤﺘﻌﺼﺐ إﻧﺴﺎن ﻳﻌﺒﺪ ﻧﻔﺴﻪ‪ ..‬ﻳﻌﺒﺪ ﻓﻬﻤﻪ اﻟﻤﺤﺪود و ﻟﻴﺲ اﷲ ﻓﻬﻮ ﻣﺸﺮك‪ .‬و ﺟﻮهﺮ اﻟﺪﻳﻦ هﻮ أن‬
‫ﺗﺘﺠﺎوز ﻧﻔﺴﻚ و ﺗﺘﺨﻄﺎهﺎ و ﺗﻨﻜﺮهﺎ و ﺗﻜﺒﺢ ﺷﻬﻮاﺗﻚ و ﺗﻠﺠﻢ أهﻮاءك و ﺗﺘﺤﺮر ﻣﻦ أﻃﻤﺎﻋﻚ و ﺗﻄﻠﻌﺎﺗﻚ‬
‫و ﺗﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﻏﺮورك و آﺒﺮك و ﻋﻨﺎدك‪ ..‬ﻓﻜﻞ هﺬﻩ أﻏﻼل و اﻟﺪﻳﻦ ﻳﺤﺮﻣﻬﺎ ﻟﻴﺨﻠﺼﻚ ﻣﻦ أﺳﺮهﺎ‪.‬‬

‫و أﺑﻐﺾ اﻟﺤﺮام إﻟﻰ اﷲ اﻟﺸﺮك‪ ..‬أو ﻋﺒﺎدة ﻏﻴﺮ اﷲ‪.‬‬

‫و اﻟﺸﺮك ﻟﻴﺲ ﻓﻘﻂ ﻋﺒﺎدة اﻷﺻﻨﺎم ﻓﻬﺬا ﻟﻮن ﻗﺪﻳﻢ ﺳﺎذج ﻣﻦ اﻟﺸﺮك اﻧﺘﻬﻰ أﻣﺮﻩ‪.‬‬

‫و اﻷﺻﻨﺎم اﻵن هﻲ ﻏﻴﺮ ) اﻟﻼت ( و ) اﻟﻌﺰى ( و ) هﺒﻞ (‪.‬‬

‫و أﺧﻄﺮ اﻷﺻﻨﺎم هﻲ اﻷﺻﻨﺎم اﻟﻤﺠﺮدة و هﻲ ﻣﺎ ﻳﻌﺒﺪ اﻵن ﻓﻲ آﻞ ﻣﻜﺎن‪.‬‬

‫أن ﺗﺘﺨﺬ ﻧﻔﺴﻚ ﺻﻨﻤﺎ‪ ..‬أن ﺗﻌﺒﺪ رأﻳﻚ و هﻮاك و ﻣﺼﻠﺤﺘﻚ ﻓﻼ ﻳﺸﻐﻠﻚ إﻻ ﻧﻔﺴﻚ‪.‬‬

‫ﺨ َﺬ ِإَﻟ َﻬ ُﻪ َهﻮَا ُﻩ‪ ] (( (23) ..‬اﻟﺠﺎﺛﻴﺔ [‬

‫ﻦ اﱠﺗ َ‬
‫ﺖ َﻣ ِ‬
‫)) َأ َﻓ َﺮَأ ْﻳ َ‬

‫و هﺬا هﻮ إﻟﻪ اﻟﻴﻮم اﻟﺬي ﻳُﺤﺮق ﻟﻪ اﻟﺒﺨﻮر و ﺗُﻘﺪم ﻟﻪ اﻟﻘﺮاﺑﻴﻦ ﻣﻦ دم اﻵﺧﺮﻳﻦ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪117‬‬
 ‫و ﺳﻮف ﻧﻌﻮد إﻟﻰ ﻣﻴﺰان اﻟﺤﺮام و اﻟﺤﻼل‪ ..‬و ﻧﻘﻮل‪ :‬و ﻣﺎ اﻟﻀﺮر ؟ ﻣﺎ اﻟﻀﺮر ﻓﻲ أن ﻳﻌﺒﺪ اﻹﻧﺴﺎن‬
‫ﻧﻔﺴﻪ و ﻻ ﻳﺮى ﻏﻴﺮ ﻣﺼﻠﺤﺘﻪ ؟‬

‫و اﻟﻀﺮر واﺿﺢ ﺑﻴّﻦ‪ ..‬ﻓﻠﻦ ﺗﻜﻮن ﺣﻴﺎة ﻣﺜﻞ هﺬا اﻹﻧﺴﺎن ﺣﻴﺎة‪.‬‬

‫ﺳﻮف ﻳﻘﻀﻲ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻓﻲ ﺳﺠﻦ ﻣﻦ اﻟﻤﺮاﻳﺎ آﻠﻤﺎ ﺗﻄﻠﻊ إﻟﻰ ﺟﺪار ﻟﻢ ﻳﺮ ﻓﻴﻪ إﻻ ﺻﻮرﺗﻪ‪.‬‬

‫ﺳﻮف ﻳﻜﺬب و ﻳﺴﺮق و ﻳﻘﺘﻞ و ﻳﺴﺘﻐﻞ‪ ..‬و ﻟﻦ ﺗﺼﻞ إﻟﻰ أذﻧﻴﻪ ﺁﻻم اﻵﺧﺮﻳﻦ ﻷﻧﻪ ﻻ ﻳﺮى إﻻ ﻧﻔﺴﻪ و ﻣﺎ‬
‫ﻳﻜﺴﺐ و ﻣﺎ ﻳﺮﺑﺢ و ﻣﺎ ﻳﺮﻓﻊ ﻣﻦ ﻋﻘﺎر و ﻣﺎ ﻳﻘﺘﻨﻲ ﻣﻦ أرض و ﻣﺎ ﻳﻜﺪس ﻣﻦ ﻣﺎل‪.‬‬

‫ﺳﻮف ﺗﺼﺒﺢ ﻧﻔﺴﻪ ﺣﺠﺎﺑﺎ ﺑﻴﻨﻪ و ﺑﻴﻦ اﷲ و ﺣﺠﺎﺑﺎ ﺑﻴﻨﻪ و ﺑﻴﻦ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ‪ ،‬و ﺣﺠﺎﺑﺎ ﺑﻴﻨﻪ و ﺑﻴﻦ اﻟﻌﺪل‪.‬‬

‫و ﻋﻦ ﻣﺜﻞ هﺆﻻء ﻳﻘﻮل اﻟﻘﺮﺁن‪:‬‬

‫ن )‪ ] (( (9‬ﻳﺲ [‬
‫ﺼﺮُو َ‬
‫ﻻ ُﻳ ْﺒ ِ‬
‫ﺸ ْﻴﻨَﺎ ُه ْﻢ َﻓ ُﻬ ْﻢ َ‬
‫ﻏَ‬‫ﺧ ْﻠ ِﻔ ِﻬ ْﻢ ﺳَﺪًّا َﻓَﺄ ْ‬
‫ﻦ َ‬
‫ﻦ َأ ْﻳﺪِﻳ ِﻬ ْﻢ ﺳَﺪًّا َو ِﻣ ْ‬
‫ﺟ َﻌ ْﻠﻨَﺎ ﻣِﻦ َﺑ ْﻴ ِ‬
‫)) َو َ‬

‫و ﻣﺎ اﻟﺴﺪ اﻟﺬي ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻳﻚ و ﻣﻦ ﺧﻠﻔﻚ و ﻣﺤﻴﻂ ﺑﻚ ﻟﺪرﺟﺔ ﺗﺤﻮل ﺑﻴﻨﻚ و ﺑﻴﻦ اﻹﺑﺼﺎر آﺄﻧﻪ ﻏﺸﺎوة‪ ..‬إﻻ‬
‫ﻧﻔﺴﻚ‪.‬‬

‫و ﻳﻘﻮل ﻓﻲ ﺳﻮرة أﺧﺮى‪:‬‬

‫ﻚ َر َﻗ َﺒ ٍﺔ )‪ ] (( (13‬اﻟﺒﻠﺪ [‬
‫ك ﻣَﺎ ا ْﻟ َﻌ َﻘ َﺒ ُﺔ )‪َ (12‬ﻓ ﱡ‬
‫ﺤ َﻢ ا ْﻟ َﻌ َﻘ َﺒ َﺔ )‪َ (11‬و َﻣﺎ َأ ْدرَا َ‬
‫)) َﻓﻠَﺎ ا ْﻗ َﺘ َ‬

‫ﻳﻘﻮل ﻟﻚ‪ )) ..‬و ﻣﺎ أدراك ﻣﺎ اﻟﻌﻘﺒﺔ (( ﻟﻴﺤﻀﻚ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺴﺎؤل و اﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻘﺒﺔ ﻓﺄﻣﺮهﺎ ﻳﻐﻤﺾ‬
‫ﻋﻠﻴﻚ‪ ..‬ﻷﻧﻬﺎ هﻲ ﻧﻔﺴﻚ ذاﺗﻬﺎ‪ ..‬و ﻻ ﻋﻘﺒﺔ أﻣﺎﻣﻚ ﺳﻮى ﻧﻔﺴﻚ و ﻋﻠﻴﻚ أن ﺗﻘﺘﺤﻤﻬﺎ ﻟﺘﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﺗﻔﻌﻞ أي‬
‫ﺧﻴﺮ ﻓﺘﻔﻚ رﻗﺒﺔ ﻣﻦ ﺗﺴﺘﻐﻞ و ﺗﺴﺘﻌﺒﺪ‪ ..‬و ﻟﻦ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﺗﻔﻚ رﻗﺒﺔ ﻣﻦ ﺗﺴﺘﻌﺒﺪ إﻻ إذا ﻓﻄﻨﺖ إﻟﻰ اﺳﺘﻌﺒﺎد‬
‫ﻻ‪.‬‬
‫ﻧﻔﺴﻚ ﻟﻚ و ﻓﻜﻜﺖ ﻋﻨﻚ أﻏﻼﻟﻬﺎ‪ ..‬ﻓﻠﻦ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﺗﺤﺮر إﻧﺴﺎﻧﺎ إﻻ إذا ﺑﺪأت ﻓﺤﺮرت ﻧﻔﺴﻚ أو ً‬

‫و ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺳﻮف ﺗﺠﺪ أن أي ﺧﻴﺮ ﺳﻴﺼﺒﺢ ﻣﻤﻜﻨﺎ‪ ..‬ﺳﻮف ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﺗﺤﺐ و ﺗﻌﻄﻲ و ﺗﺠﻮد و ﺗﻤﻨﺢ‪.‬‬

‫و ﻟﻬﺬا ﺗﻘﺮأ ﻓﻲ اﻟﻘﺮﺁن‪:‬‬

‫ﺠﱠﻨ َﺔ‪ ] (( (111) ..‬اﻟﺘﻮﺑﺔ [‬

‫ن َﻟ ُﻬ ُﻢ اﻟ َ‬
‫ﺴ ُﻬ ْﻢ َوَأ ْﻣﻮَاَﻟﻬُﻢ ِﺑَﺄ ﱠ‬
‫ﻦ أَﻧ ُﻔ َ‬
‫ﻦ ا ْﻟ ُﻤ ْﺆ ِﻣﻨِﻴ َ‬
‫ﺷ َﺘﺮَى ِﻣ َ‬
‫ن اﻟّﻠ َﻪ ا ْ‬
‫)) ِإ ﱠ‬

‫ﺧ ْﻴ ٌﺮ ﱠﻟ ُﻜ ْﻢ ﻋِﻨ َﺪ ﺑَﺎ ِر ِﺋ ُﻜ ْﻢ‪ ] (( (54) ..‬اﻟﺒﻘﺮة [‬

‫ﺴ ُﻜ ْﻢ َذِﻟ ُﻜ ْﻢ َ‬
‫)) ﻓَﺎ ْﻗ ُﺘﻠُﻮ ْا أَﻧ ُﻔ َ‬

‫ﺑﻤﻌﻨﻰ ﻓﺎهﺰﻣﻮا أﻧﻔﺴﻜﻢ و اﻧﺘﺼﺮوا ﻋﻠﻴﻬﺎ‪.‬‬

‫و ﻓﻲ اﻹﻧﺠﻴﻞ ﻳﻘﻮل اﻟﻤﺴﻴﺢ ﺑﺎﻟﻤﻌﻨﻰ ﻧﻔﺴﻪ‪:‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪118‬‬
‫)) ﻣﻦ أراد أن ﻳﺨﻠﺺ ﻧﻔﺴﻪ ﻳﻬﻠﻜﻬﺎ‪ .‬و ﻣﻦ ﻳﻬﻠﻚ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻦ أﺟﻠﻲ ﻳﺠﺪهﺎ‪ ،‬ﻷﻧﻪ ﻣﺎذا ﻳﻨﺘﻔﻊ اﻹﻧﺴﺎن ﻟﻮ رﺑﺢ‬
‫اﻟﻌﺎﻟﻢ آﻠﻪ و ﺧﺴﺮ ﻧﻔﺴﻪ ((‪.‬‬

‫و ﻳﻘﻮل اﷲ ﻟﺪاود‪:‬‬

‫)) اﻗﻄﻊ ﺷﻬﻮﺗﻚ و ﺗﺤﺒﺐ إﻟﻲ ﺑﻤﻌﺎداة ﻧﻔﺴﻚ‪ ..‬ﺿﻌﻨﻲ ﺑﻴﻦ ﻋﻴﻨﻴﻚ و اﻧﻈﺮ إﻟﻲ ﺑﺒﺼﺮ ﻗﻠﺒﻚ‪ ..‬و أﻋﻠﻢ أﻧﻪ‬
‫ﻣﺎ اﻃﻤﺄن ﻋﺒﺪ إﻟﻰ ﻧﻔﺴﻪ إﻻ و آﻠﺘﻪ إﻟﻴﻬﺎ ﻓﺄهﻠﻜﺘﻪ ((‪.‬‬

‫و ﻳﺴﺄل داود رﺑﻪ )) ﻳﺎرب آﻴﻒ أﺻﻞ إﻟﻴﻚ ؟ (( ﻓﻴﻘﻮل ﻟﻪ رﺑﻪ‪ )) :‬اﺗﺮك ﻧﻔﺴﻚ و ﺗﻌﺎل ((‪.‬‬

‫و ﻳﻘﻮل اﷲ ﻟﻤﻮﺳﻰ‪:‬‬

‫ﻃﻮًى )‪ ] (( (12‬ﻃﻪ [‬
‫س ُ‬
‫ﻚ ﺑِﺎ ْﻟﻮَا ِد ا ْﻟ ُﻤ َﻘ ﱠﺪ ِ‬
‫ﻚ ِإﱠﻧ َ‬
‫ﺧَﻠ ْﻊ َﻧ ْﻌَﻠ ْﻴ َ‬
‫)) ﻓَﺎ ْ‬

‫ﻓﻼ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﻮﻗﻮف ﻓﻲ ﺣﻀﺮة اﷲ إﻻ ﺑﺨﻠﻊ اﻟﻨﻔﺲ و اﻟﺠﺴﺪ و ﺧﻠﻊ ﺷﻮاﻏﻞ اﻟﻨﻔﺲ و ﺷﻮاﻏﻞ اﻟﺠﺴﺪ‬
‫آﺸﺮط ﻟﻠﻮﺻﻮل‪.‬‬

‫و ﻟﻬﺬا آﺎن اﻟﺸﺮك اﻟﺨﻔﻲ اﻟﺬي ﻳﻤﺎرﺳﻪ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﻌﺒﺎدﺗﻪ ﻧﻔﺴﻪ هﻮ ﻣﻨﺘﻬﻰ اﻟﺤﺮام و ذروة اﻟﺨﻄﻴﺌﺔ‪ ..‬ﻷﻧﻪ‬
‫ﻳﺤﺘﻮي ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺨﻄﺎﻳﺎ اﻷﺧﺮى ﻓﻲ داﺧﻠﻪ و ﻷﻧﻪ هﻼك ﻻ هﻼك ﺑﻌﺪﻩ‪.‬‬

‫و آﻞ ﻣﺎ ﺗﻌﺒﺪ ﻣﻦ دون اﷲ ﺷﺮك‪ ..‬إذا آﻨﺖ ﻋﺒﺪا ﻟﻨﻔﺴﻚ و هﻮاك و ﻣﺼﻠﺤﺘﻚ ﻓﺄﻧﺖ ﻣﺸﺮك‪ ،‬و إذا آﻨﺖ‬
‫ﻋﺒﺪا ﻟﻌﺼﺒﻴﺔ اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ أو اﻟﻘﺒﻴﻠﺔ أو اﻟﻌﻨﺼﺮ أو اﻟﺠﻨﺲ ﻓﺄﻧﺖ ﻣﺸﺮك‪ ..‬و إذا اﺳﺘﻌﺒﺪﺗﻚ ﻓﻜﺮة ﻣﺠﺮدة أو‬
‫ﻧﻈﺮﻳﺔ أﻓﺴﺪت ﻋﻠﻴﻚ ﻣﺴﺎﻟﻚ ﺗﻔﻜﻴﺮك ﻓﺄﺻﺒﺤﺖ ﺗﺮﻓﺾ ﻣﻨﺎﻗﺸﺔ أي ﻓﻜﺮة أﺧﺮى ﻓﺄﻧﺖ راآﻊ أﻣﺎم ﺻﻨﻢ و‬
‫إن آﺎن ﺻﻨﻤًﺎ ﻣﺠﺮدًا و ﻣﻨﺤﻮﺗًﺎ ﻣﻦ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻻ ﻣﻦ اﻟﻤﺎدة‪.‬‬

‫و ﻟﻬﺬا اﻋﺘﺒﺮ اﻟﻘﺮﺁن اﻟﺸﺮك ﺧﻄﻴﺌﺔ ﻻ ﺗﻐﺘﻔﺮ ﻷﻧﻪ ﻋﻤﻰ ﻟﻠﻌﻴﻦ و اﻟﺒﺼﻴﺮة و اﻟﻌﻘﻞ و ﺷﻠﻞ ﻟﺠﻤﻴﻊ‬
‫اﻟﻤﺪارك و ﺗﻮﻗﻒ ﻟﻨﻤﻮ اﻟﺮوح و ﺗﻌﻄﻴﻞ ﻟﻬﺎ ﻓﻲ هﺠﺮﺗﻬﺎ إﻟﻰ ﻣﻨﺒﻊ ﻧﻮرهﺎ‪.‬‬

‫ﻚ ِﻟﻤَﻦ َﻳﺸَﺎء‪ ] (( (48) ..‬اﻟﻨﺴﺎء [‬

‫ن َذِﻟ َ‬
‫ك ِﺑ ِﻪ َو َﻳ ْﻐ ِﻔ ُﺮ ﻣَﺎ دُو َ‬
‫ﺸ َﺮ َ‬
‫ﻻ َﻳ ْﻐ ِﻔ ُﺮ أَن ُﻳ ْ‬
‫ن اﻟّﻠ َﻪ َ‬
‫)) ِإ ﱠ‬

‫ﻷن اﻟﺸﺮك ﻓﻲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ أﺷﺒﻪ ﺑﺎﻧﻘﻄﺎع اﻟﺤﺒﻞ اﻟﺴﺮي اﻟﺬي ﻳﻔﺼﻢ اﻟﺼﻠﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﺠﻨﻴﻦ و ﻣﺼﺪر ﺣﻴﺎﺗﻪ‪..‬‬
‫ﺑﻴﻦ اﻹﻧﺴﺎن و اﷲ‪.‬‬

‫و ﻣﺎذا ﻳﺤﺪث ﻟﻮ أن زهﺮة ﻋﺒﺎد اﻟﺸﻤﺲ اﻧﺼﺮﻓﺖ ﻋﻦ اﻟﺸﻤﺲ و أﻋﻄﺖ ﻇﻬﺮهﺎ ﻟﻬﺎ و اﺗﺠﻬﺖ إﻟﻰ‬
‫ﻻ‪ ..‬و إﻧﻤﺎ ﻷن‬
‫اﻟﻘﻤﺮ ﻣﺜﻼ‪ ..‬إﻧﻬﺎ ﺑﺒﺴﺎﻃﺔ ﺗﻤﻮت‪ ..‬ﻓﺎﻟﺸﻤﺲ هﻲ ﻣﺼﺪر ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ‪ ..‬و هﻲ ﻻ ﺗﻌﺒﺪ اﻟﺸﻤﺲ ذ ً‬
‫اﻟﺸﻤﺲ ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ‪.‬‬

‫ﺤﻴِﻴ ُﻜ ْﻢ‪ ] (( (24) ..‬اﻷﻧﻔﺎل [‬

‫ل ِإذَا َدﻋَﺎآُﻢ ِﻟﻤَﺎ ُﻳ ْ‬
‫ﺳ َﺘﺠِﻴﺒُﻮ ْا ِﻟّﻠ ِﻪ َوﻟِﻠ ﱠﺮﺳُﻮ ِ‬
‫ﻦ ﺁ َﻣﻨُﻮ ْا ا ْ‬
‫)) ﻳَﺎ َأﱡﻳﻬَﺎ اﱠﻟﺬِﻳ َ‬

‫و اﻟﻌﺒﺎدة ﺣﻴﺎة و اﺳﺘﻤﺪاد ﻟﻠﻨﻮر و اﻟﺤﻖ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪119‬‬
 ‫و اﷲ أﻣﺮ ﺑﺎﻟﻌﺒﺎدة ﻷﻧﻪ ﻳﻌﻠﻢ أن ﻓﻴﻬﺎ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ‪ ..‬و ﻟﻢ ﻳﺄﻣﺮ ﺑﻬﺎ ﺗﺴﻠﻄًﺎ و ﺗﺠﺒﺮًا و ﻟﻤﺠﺮد ﻓﺮض أواﻣﺮ‪.‬‬

‫و ﻟﻬﺬﻩ اﻷﺳﺒﺎب ﺣﺮم اﷲ اﻟﺨﻤﺮ و ﻣﺎ ﻓﻲ ﺣﻜﻤﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻜﺮات و اﻟﻤﻐﻴﺒﺎت ﻟﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ أﺿﺮار‪.‬‬

‫و ﺣﺮم اﻟﻘﻤﺎر ﻟﻤﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺧﺴﺎرة و ﺗﺒﺎﻏﺾ و ﻋﺪوان‪.‬‬

‫و ﺣﺮم اﻟﺰﻧﺎ ﻷﻧﻪ ﻓﻮﺿﻰ ﺗﺨﺘﻠﻂ ﻓﻴﻪ اﻷﻧﺴﺎب‪ ..‬و ﺗﺨﻀﻊ ﻓﻴﻪ اﻟﻨﻔﻮس ﻟﻠﻨﺰوات و اﻟﺸﻬﻮات و اﻷهﻮاء‪.‬‬

‫و أﺣﻞ اﻟﺰواج ﻷﻧﻪ ﺗﻨﻈﻴﻢ و ﻧﻈﺎم و ﻣﺴﺌﻮﻟﻴﺔ و ﺳﻜﻴﻨﺔ ﻗﻠﺐ‪.‬‬

‫و ﺣﺮم ﻟﺤﻢ اﻟﺨﻨﺰﻳﺮ‪ .‬و ﻧﺤﻦ ﻧﻌﻠﻢ اﻵن أن ﺣﻴﻮان اﻟﺨﻨﺰﻳﺮ هﻮ ﻣﺴﺘﻮدع ﻓﻴﺮوس اﻹﻧﻔﻠﻮﻧﺰا و اﻟﺪودة‬
‫اﻟﺸﺮﻳﻄﻴﺔ‪ ،‬و أﻧﻪ أﻏﻠﻆ أﻧﻮاع اﻟﺒﺮوﺗﻴﻦ و أﺷﺪهﺎ ﺗﻌﻘﻴﺪاً‪ ،‬و أﻧﻪ ﻳﺮﺑﻲ ﻗﺴﺎوة اﻟﻘﻠﺐ‪.‬‬

‫و ﻟﻮ أﻟﻘﻴﻨﺎ ﻧﻈﺮة ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت ﺁآﻠﺔ اﻟﺨﻀﺮوات آﺎﻟﻐﺰال و اﻷرﻧﺐ و اﻟﺤﺼﺎن و اﻟﺠﻤﻞ و اﻟﺪﺟﺎج و‬
‫اﻟﺤﻤﺎر ﻟﻼﺣﻈﻨﺎ أﻧﻬﺎ آﻠﻬﺎ رﻗﻴﻘﺔ ودﻳﻌﺔ‪ ..‬أﻣﺎ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت ﺁآﻠﺔ اﻟﻠﺤﻮم آﺎﻟﺴﺒﺎع و اﻟﻨﻤﻮر و اﻟﻀﺒﺎع و‬
‫اﻟﺬﺋﺎب و اﻟﺜﻌﺎﻟﺐ و اﻟﻨﺴﻮر و اﻟﺼﻘﻮر‪ ..‬ﻓﻜﻠﻬﺎ ﺗﺸﺘﺮك ﻓﻲ ﺻﻔﺎت اﻟﻘﺴﻮة و اﻟﻮﺣﺸﻴﺔ و اﻟﻀﺮاوة‪.‬‬

‫و ﻻ ﺷﻚ أن هﻨﺎك ﻋﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ اﻹﺳﺮاف ﻓﻲ اﻟﻠﺤﻢ آﻄﻌﺎم‪ ..‬و ﻧﺸﺄة ﺻﻔﺎت ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻔﺲ‪ ..‬ﻣﺜﻞ اﻟﺤﺪة‬
‫و اﻟﺼﺮاﻣﺔ و اﻟﻘﺴﻮة‪.‬‬

‫و ﻷن ﻟﺤﻢ اﻟﺨﻨﺰﻳﺮ هﻮ أآﺜﺮ اﻟﻠﺤﻮم ﻏﻠﻈﺔ و أﻋﻘﺪ اﻟﺒﺮوﺗﻴﻨﺎت اﻟﺤﻴﻮاﻧﻴﺔ ﺗﺮآﻴﺒًﺎ ﻓﺮﺑﻤﺎ آﺎن ﺿﺮرﻩ ﻋﻠﻰ‬
‫ﺁآﻠﻪ أﺑﻠﻎ ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻠﺤﻮم اﻷﺧﺮى‪ ..‬و اﷲ ﻳﻌﻠﻢ و ﻧﺤﻦ ﻻ ﻧﻌﻠﻢ‪.‬‬

‫و اﷲ هﻮ اﻟﻌﻘﻞ اﻟﻜﻠﻲ اﻟﻤﺤﻴﻂ و هﻮ ﻻ ﻳﻀﻊ ﺳﻨﺔ ﺑﻼ ﺳﺒﺐ‪.‬‬

‫و ﻟﻘﺪ أﻗﺎم اﻟﺘﺸﺮﻳﻊ و ﺣﺮم اﻟﺤﺮام و أﺣﻞ اﻟﺤﻼل و ﻓﺮض اﻟﻌﺒﺎدة‪ ..‬ﻣﺤﺒﺔ ﻣﻨﻪ و رﺣﻤﺔ‪.‬‬

‫و ﻳﺠﺐ أﻻ ﺗﻔﻮﺗﻨﺎ هﺬﻩ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻟﺤﻈﺔ واﺣﺪة‪ ..‬ﻓﻬﻲ روح اﻟﻨﺎﻣﻮس و ﻗﻠﺐ اﻟﺸﺮاﺋﻊ‪.‬‬

‫و ﻟﺬﻟﻚ ﺣﺮم اﷲ اﻟﺴﺮﻗﺔ و ﺣﺮم اﻟﻘﺘﻞ‪.‬‬

‫س‬
‫ﺣﻴَﺎ اﻟﻨﱠﺎ َ‬
‫ﺣﻴَﺎهَﺎ َﻓ َﻜَﺄﱠﻧﻤَﺎ َأ ْ‬
‫ﻦ َأ ْ‬
‫ﺟﻤِﻴﻌًﺎ َو َﻣ ْ‬
‫س َ‬
‫ﻞ اﻟﻨﱠﺎ َ‬
‫ض َﻓ َﻜَﺄﱠﻧﻤَﺎ َﻗ َﺘ َ‬
‫ﻷ ْر ِ‬
‫ﺲ َأ ْو َﻓﺴَﺎ ٍد ﻓِﻲ ا َ‬
‫ﻞ َﻧ ْﻔﺴًﺎ ِﺑ َﻐ ْﻴ ِﺮ َﻧ ْﻔ ٍ‬
‫)) ﻣَﻦ َﻗ َﺘ َ‬
‫ﺟﻤِﻴﻌًﺎ‪ ] (( (32) ..‬اﻟﻤﺎﺋﺪة [‬ ‫َ‬

‫ﻼ ﻟﻠﻨﺎس‬
‫ﻷن ﻗﺘﻞ اﻹﻧﺴﺎن ﻷﺧﻴﻪ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﻼ ذﻧﺐ هﻮ ﺧﺮق ﻟﺠﻤﻴﻊ اﻟﻨﻮاﻣﻴﺲ‪ ..‬ﻟﻬﺬا اﻋﺘﺒﺮﻩ اﷲ ﻗﺘ ً‬
‫ﺟﻤﻴﻌًﺎ‪.‬‬

‫و ﺣﺮم اﻻﻧﺘﺤﺎر‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪120‬‬
‫ﺼﻠِﻴ ِﻪ ﻧَﺎرًا‪) ..‬‬
‫ف ُﻧ ْ‬
‫ﺴ ْﻮ َ‬
‫ﻇ ْﻠﻤًﺎ َﻓ َ‬
‫ﻋ ْﺪوَاﻧًﺎ َو ُ‬
‫ﻚ ُ‬
‫ﻞ َذِﻟ َ‬
‫ن ِﺑ ُﻜ ْﻢ َرﺣِﻴﻤًﺎ )‪َ (29‬وﻣَﻦ َﻳ ْﻔ َﻌ ْ‬
‫ن اﻟّﻠ َﻪ آَﺎ َ‬
‫ﺴ ُﻜ ْﻢ ِإ ﱠ‬
‫ﻻ َﺗ ْﻘ ُﺘﻠُﻮ ْا أَﻧ ُﻔ َ‬
‫)) َو َ‬
‫‪ ] (( (30‬اﻟﻨﺴﺎء [‬

‫ﻷن اﻻﻧﺘﺤﺎر هﻮ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺳﻮء اﻟﻈﻦ ﺑﺎﷲ و اﻟﻌﻤﻰ ﻋﻦ رﺣﻤﺘﻪ و اﻟﻴﺄس ﻣﻦ ﻋﺪاﻟﺘﻪ و اﻟﺨﺮق ﻟﻨﻮاﻣﻴﺴﻪ و‬
‫اﻟﺠﻬﻞ ﺑﺂﺧﺮﺗﻪ‪ ،‬و هﻮ ﻣﻨﺘﻬﻰ اﻟﻈﻠﻢ ﻟﻠﻨﻔﺲ‪.‬‬

‫ت‬
‫ﺟ َﻬﱠﻨ َﻢ َوﺳَﺎء ْ‬
‫ﻋ ﱠﺪ َﻟ ُﻬ ْﻢ َ‬
‫ﻋَﻠ ْﻴ ِﻬ ْﻢ َوَﻟ َﻌ َﻨ ُﻬ ْﻢ َوَأ َ‬
‫ﺐ اﻟﱠﻠ ُﻪ َ‬
‫ﻀ َ‬
‫ﻏ ِ‬
‫ﺴ ْﻮ ِء َو َ‬
‫ﻋَﻠ ْﻴ ِﻬ ْﻢ دَا ِﺋ َﺮ ُة اﻟ ﱠ‬
‫ﺴ ْﻮ ِء َ‬
‫ﻦ اﻟ ﱠ‬
‫ﻇﱠ‬‫ﻦ ﺑِﺎﻟﱠﻠ ِﻪ َ‬
‫)) اﻟﻈﱠﺎﻧﱢﻴ َ‬
‫َﻣﺼِﻴﺮًا )‪ ] (( (6‬اﻟﻔﺘﺢ [‬

‫و اﷲ ﺣﺮم اﻟﺰﻧﺎ ﻷﻧﻪ ﺿﺮر‪.‬‬

‫و هﻨﺎ ﺳﻮف ﻳﻄﻠﻊ ﻋﻠﻴﻨﺎ رأي ) ﻣﻮدرن ( ﺑﺎرﻳﺴﻲ ﻣﺘﺤﺮر ﻳﻘﻮل‪ :‬و ﻣﺎ اﻟﻀﺮر؟‬

‫أﻳﻦ اﻟﻀﺮر ﻓﻲ اﺛﻨﻴﻦ ﻳﺘﺒﺎدﻻن ﻟﺬة ﺑﺪون زواج ﻟﻜﻦ ﺑﺘﺮاض وراء ﺟﺪران ﻣﻐﻠﻘﺔ و ﺑﻌﻴﺪًا ﻋﻦ اﻟﻌﻴﻮن ﻻ‬
‫ﻳﻜﺬﺑﺎن ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻴﻬﻤﺎ ﻓﻲ ﺷﻲء‪ ..‬ﻓﻤﺎ ﻳﻔﻌﻼﻧﻪ ﻳﻘﻮﻣﺎن ﺑﻪ ﺣﺒًﺎ و وﺟﺪًا و ﻏﺮاﻣًﺎ‪ .‬و ﻻ ﻳﺆذﻳﺎن ﺑﻌﻤﻠﻬﻤﺎ‬
‫ﻣﺨﻠﻮﻗًﺎ‪ ..‬أﻳﻦ اﻟﻀﺮر هﻨﺎ ؟‬

‫و ﻟﻨﻔﻬﻢ اﻟﻀﺮر ﻻﺑﺪ أن ﻧﻀﻊ اﻟﺤﺐ و اﻟﺠﻨﺲ ﻓﻲ إﻃﺎرهﻤﺎ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﺣﻴﺚ إرادﺗﻬﻤﺎ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ‪.‬‬

‫و اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺟﻌﻠﺖ ﻣﻦ اﻟﻌﺎﻃﻔﺔ و اﻟﺠﻨﺲ ﻓﻲ إﻃﺎرهﻤﺎ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﺣﻴﺚ إرادﺗﻬﻤﺎ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ‪.‬‬

‫و اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺟﻌﻠﺖ ﻣﻦ اﻟﻌﺎﻃﻔﺔ و اﻟﺠﻨﺲ وﺳﺎﺋﻞ ﻟﻠﺘﻜﺎﺛﺮ و اﻹﺑﻘﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻮع و ﻋﻤﺎر اﻟﺪﻧﻴﺎ‪ ..‬و ﺟﻌﻠﺖ‬
‫ﻣﻨﻬﻤﺎ أدوات إﻧﺘﺎج‪.‬‬

‫ﻓﺈذا اﺟﺘﻤﻊ رﺟﻞ و اﻣﺮأة و اﻋﺘﺰﻻ رآﻨًﺎ ﻳﺘﺒﺎدﻻن اﻟﻠﺬة ﺑﺪون ﺗﻔﻜﻴﺮ ﻓﻲ زواج أو ﺑﻨﺎء ﺑﻴﺖ‪ ..‬و إﻧﻤﺎ‬
‫ﻟﻤﺠﺮد اﺧﺘﻼس ﻣﺘﻌﺔ‪ ..‬ﻓﺈﻧﻬﻤﺎ ﻳﺤﻮﻻن اﻟﺤﺐ و اﻟﺠﻨﺲ ﻣﻦ أدوات إﻧﺘﺎج إﻟﻰ أدوات اﺳﺘﻬﻼك و‬
‫ﻳﺴﺘﻬﻠﻜﺎن ﻃﺎﻗﺔ ﻣﻦ أﺷﺮف اﻟﻄﺎﻗﺎت اﻟﺤﻴﺔ ﺧﻠﻘﺖ ﻟﺘﺒﻨﻲ أﻣﻤًﺎ و ﺣﻀﺎرات و ﻳﺠﻌﻼن ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺠﺮد وﺳﻴﻠﺔ‬
‫إﻟﻰ ارﺗﺠﺎﻓﺎت ﺟﻨﺴﻴﺔ‪.‬‬

‫و ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﺠﺘﻤﻊ رﺟﻼن ﻋﻠﻰ ﺷﺬوذ ﺟﻨﺴﻲ‪ ..‬ﻓﺈﻧﻬﻤﺎ ﻳﻘﻮﻻن اﻟﺸﻲء ﻧﻔﺴﻪ‪ ،‬ﺳﻮف ﻳﻘﻮﻻن‪ :‬إﻧﻨﺎ اﺟﺘﻤﻌﻨﺎ‬
‫ﻋﻠﻰ ﺣﺐ و رﺿﺎ‪ ..‬و إﻧﻨﺎ ﻻ ﻧﻀﺮ أﺣﺪاً‪ ،‬و إﻧﻨﺎ ﻧﺴﺘﻤﺘﻊ و ﻻ ﻧﺆذي أﺣﺪًا‪.‬‬

‫و اﻟﺸﺬوذ واﺣﺪ ﻓﻲ اﻟﺤﺎﻟﻴﻦ إذا أﺧﺬﻧﺎ اﻟﻘﻮاﻧﻴﻦ اﻟﻜﻮﻧﻴﺔ ﺑﻌﻴﻦ اﻻﻋﺘﺒﺎر و ﻧﻈﺮﻧﺎ ﻧﻈﺮة ﺷﺎﻣﻠﺔ إﻟﻰ‬
‫اﻟﻤﻮﺿﻮع‪ ..‬ﻓﻜﻼ اﻟﺤﺎﻟﻴﻦ اﻧﺤﺮاف ﺑﺎﻟﻄﺎﻗﺔ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﻋﻦ أهﺪاﻓﻬﺎ ﻟﻤﺠﺮد دﻗﺎﺋﻖ ﻣﻦ اﻻرﺗﺠﺎﻓﺎت‬
‫اﻟﺠﻨﺴﻴﺔ‪ ..‬و اﻟﻔﺮق هﻮ ﻓﺮق ﻓﻲ درﺟﺔ اﻟﺒﺸﺎﻋﺔ‪ ..‬و ﻓﻲ درﺟﺔ اﻟﻤﺨﺎﻟﻔﺔ ﻟﻠﻨﻮاﻣﻴﺲ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ‪ ..‬اﻟﻤﺪﻟﻬﺎن‬
‫ﺣﺒًﺎ و هﻮى‪ ،‬اﻟﻠﺬان ﻳﺮﺗﻤﻲ اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻓﻲ ﺣﻀﻦ اﻵﺧﺮ‪ ..‬و ﻳﺘﻌﻠﻞ آﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﺑﺄﻧﻪ ﺻﺎدق ﻣﻊ ﻧﻔﺴﻪ‬
‫ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻔﻌﻞ‪ ..‬هﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ آﺎذﺑﺎن‪.‬‬

‫ﻷن ﺻﺪق اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻊ ﻧﻔﺴﻪ ﻻ ﻳﻜﻮن ﺻﺪﻗًﺎ ﺣﻘﻴﻘﻴًﺎ إﻻ إذا آﺎن ﺑﺎﻟﻤﺜﻞ ﺻﺪﻗًﺎ ﻣﻊ اﻟﻄﺒﻊ و اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪121‬‬
 ‫و ﻟﻴﻜﻮن اﻹﻧﺴﺎن ﺻﺎدﻗًﺎ ﻣﻊ ﻧﻔﺴﻪ ﻻﺑﺪ أن ﻳﻜﻮن ﺻﺎدﻗًﺎ ﻣﻊ ﻃﺒﻴﻌﺘﻪ و ﻣﻊ اﻟﻨﻮاﻣﻴﺲ اﻟﻜﻮﻧﻴﺔ اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ‬
‫اﻟﺘﻲ ﺟﺎءت ﺑﻪ إﻟﻰ اﻟﺪﻧﻴﺎ‪ ،‬و إﻻ اﻧﻘﺴﻢ و اﻧﻔﺼﻢ و اﻧﺸﻖ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ و ﺗﺤﻮل إﻟﻰ ﺟﺴﺪ ﻓﻲ ﻧﺎﺣﻴﺔ‪ ..‬و‬
‫روح ﻓﻲ ﻧﺎﺣﻴﺔ‪.‬‬

‫ﻼ ﺑﺤﻖ‪ ..‬ﻻ ﺗﻘﻮل ﻟﻪ‪ :‬أرﻳﺪ أن أﻧﺎم ﻣﻌﻚ‪ .‬و إﻧﻤﺎ ﺗﻘﻮل ﻟﻪ‪ :‬أرﻳﺪ أن أﻋﻴﺶ ﻣﻌﻚ اﻟﻌﻤﺮ‬‫و اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺐ رﺟ ً‬
‫آﻠﻪ‪ .‬أرﻳﺪك أن ﺗﻜﻮن أﺑًﺎ ﻷوﻻدي و ﺳﻘﻔًﺎ ﻟﺒﻴﺘﻲ و ﺷﺮﻓًﺎ ﻻﺳﻤﻲ و رﻓﻴﻘًﺎ ﻣﺼﺎﺣﺒًﺎ ﻟﺮﺣﻠﺔ ﺣﻴﺎﺗﻲ آﻠﻬﺎ‪.‬‬

‫و إذا ﻟﻢ ﺗﻔﻌﻞ هﺬا ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﻜﺬب ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻬﺎ‪ .‬و هﻲ ﺧﺎﻃﺌﺔ و إن ادﻋﺖ ﻟﻨﻔﺴﻬﺎ أﻧﻬﺎ ﺟﻮﻟﻴﻴﺖ‪ ..‬ﺑﻞ إن‬
‫اﻟﺨﺎﻃﺌﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺒﻴﻊ ﻋﺮﺿﻬﺎ ﻟﺤﺎﺟﺘﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﻠﻘﻤﺔ ﺳﻮف ﺗﺘﻌﻠﻞ ﺑﻌﺬر اﻟﺠﻮع‪ ..‬أﻣﺎ هﻲ ﻓﻘﺪ اﺑﺘﺬﻟﺖ أﺷﺮف‬
‫ﻣﺎ أﻋﻄﺘﻬﺎ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺑﺪون دواﻓﻊ ﺳﻮى ﺗﺸﻨﺠﺎت و رﻋﺸﺎت ﻋﺎﺑﺮة و ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻜﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻣﻬﺪئ‬
‫ﺑﻴﻦ وﻗﺖ و ﺁﺧﺮ ﺑﺤﺠﺔ اﻟﺤﺐ‪ ..‬و هﻮ آﺬب‪ ..‬ﻷن ﺣﺐ اﻟﻤﺮأة ﻳﺮﻳﺪ اﻟﺮﺟﻞ أﺑًﺎ ﻷﺑﻨﺎﺋﻬﺎ و ﺳﻘﻔًﺎ ﻟﺒﻴﺘﻬﺎ‪ ..‬ﻻ‬
‫ﻣﺠﺮد دواء ﻣﺆﻗﺖ ﻟﻠﺤﻜﺔ‪.‬‬

‫و اﻟﺰﻧﺎ إذا ﺗﺤﻮل إﻟﻰ ﻋﺎدة ﺛﻢ إﻟﻰ ﺳﻠﻮك و ﻣﻨﻬﺞ ﺣﻴﺎة ﻳﺆدي إﻟﻰ اﻟﺘﻔﺴﺦ اﻟﻜﺎﻣﻞ ﻟﻠﻜﻴﺎن‪ ..‬و إﻟﻰ اﻧﻔﺼﺎم‬
‫اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ‪ ..‬ﻓﻴﺼﺒﺢ اﻟﺠﺴﺪ ﻓﻲ ﻧﺎﺣﻴﺔ و اﻟﻘﻠﺐ ﻓﻲ ﻧﺎﺣﻴﺔ‪ ..‬و اﻟﺮوح ﻓﻲ ﻧﺎﺣﻴﺔ‪ ..‬و ﺑﻬﺬا ﻳﺘﻢ ﺗﺨﺮﻳﺐ‬
‫اﻟﻔﻄﺮة‪ ،‬و هﺬا هﻮ اﻟﻀﺮر ﻏﺎﻳﺔ اﻟﻀﺮر‪ ..‬و ﻟﻬﺬا ﻧﻘﺮأ ﻓﻲ اﻹﺣﺼﺎءات أن أﻋﻠﻰ ﻧﺴﺒﺔ ﻟﻠﺠﻨﻮن و‬
‫اﻻﻧﺘﺤﺎر ﺗﺤﺪث ﻓﻲ اﻟﺴﻮﻳﺪ و ﻓﻲ روﺳﻴﺎ ﺑﺮﻏﻢ اﻟﺴﻌﺎدة اﻟﺠﻨﺴﻴﺔ و ﻋﺪم اﻟﻜﺒﺖ و اﻟﺘﺤﻠﻞ ﻏﺎﻳﺔ اﻟﺘﺤﻠﻞ‪ ..‬و‬
‫اﻟﺴﺒﺐ هﻮ ذﻟﻚ اﻻﻧﻔﺼﺎم اﻟﺬي ﻳﺤﺪث ﻟﻺﻧﺴﺎن اﻟﻤﺘﺤﻠﻞ ﻓﻲ أﻋﻤﺎق روﺣﻪ ﻓﻴﻔﻘﺪﻩ اﻟﺴﻼم اﻟﺪاﺧﻠﻲ إﻟﻰ‬
‫اﻷﺑﺪ‪.‬‬

‫و هﻜﺬا ﺗﺄﺗﻲ اﻟﺘﻌﺎﻟﻴﻢ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻟﺤﻜﻤﺔ و أﺳﺒﺎب ﻻ ﻣﺠﺮد رﻏﺒﺔ اﷲ ﻓﻲ اﻟﺘﺴﻠﻂ ﻋﻠﻰ ﺧﻠﻘﻪ و إﻧﻤﺎ ﻣﺤﺒﺔ و‬
‫رﺣﻤﺔ و ﺗﻨﺒﻴﻬﺎ إﻟﻰ ﻓﺎﺋﺪة‪.‬‬

‫و ﻳﺤﺮم اﻟﺪﻳﻦ اﻟﺰواج ﺑﻴﻦ اﻷﺧﻮات‪ ،‬و ﺑﻴﻦ اﻷم و اﺑﻨﻬﺎ‪ ،‬و اﻷب و اﺑﻨﺘﻪ ﻷﻧﻪ ﻳﺮﻳﺪ أن ﺗﻨﻤﻮ ﻓﻲ اﻷﺳﺮة‬
‫أﻟﻮان أﺧﺮى ﻣﻦ اﻟﻌﺎﻃﻔﺔ ﻏﻴﺮ اﻟﺸﻬﻮة‪ ..‬آﺎﻷﻣﻮﻣﺔ و اﻷﺑﻮة و اﻷﺧﻮة و اﻟﻤﻮدة‪ ..‬و أن ﻳﻜﻮن اﻟﺮﺑﺎط‬
‫اﻷﺳﺮي هﻮ اﻟﺘﺮاﺣﻢ ) ﻷﻧﻪ هﻮ اﻟﺮﺑﺎط اﻟﻮﺣﻴﺪ اﻟﺒﺎﻗﻲ (‪ ..‬أﻣﺎ ﺿﺮام اﻟﺸﻬﻮات ﻓﻬﻮ ﻳﻀﺮم ﻣﻌﻪ اﻟﻐﻴﺮة و‬
‫اﻟﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﻤﻠﻚ ﻓﻴﻘﺘﺘﻞ اﻹﺧﻮة ﻋﻠﻰ أﺧﺘﻬﻢ و ﺗﺘﻔﺠﺮ اﻷﺳﺮة ﻣﻦ داﺧﻠﻬﺎ و ﺗﻨﻬﺎر‪.‬‬

‫هﺬا ﻏﻴﺮ اﻷﻣﺮاض اﻟﻮراﺛﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺼﻴﺐ اﻟﻨﻄﻔﺔ ﺑﺴﺒﺐ زواج اﻷﺧﻮات‪.‬‬

‫ﻟﻢ ﻳﻜﺮﻩ اﷲ ﻟﻺﻧﺴﺎن إﻻ آﻞ ﻣﺎ هﻮ آﺮﻳﻪ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ‪ ..‬و ﻟﻢ ﻳﺤﺐ ﻟﻪ إﻻ آﻞ ﻣﺎ هﻮ ﻣﺤﺒﻮب‪.‬‬

‫و ﻟﺬا ﺟﻌﻞ اﻟﻄﻼق ﻣﻜﺮوهﺎ ﻟﻜﻨﻪ ﻣﻤﻜﻦ إذا اﺳﺘﺤﺎﻟﺖ اﻟﺤﻴﺎة و ﺟﻌﻞ اﻟﻜﺬب آﺒﻴﺮة اﻟﻜﺒﺎﺋﺮ‪.‬‬

‫ن )‪ ] (( (3‬اﻟﺼﻒ [‬
‫)) َآ ُﺒ َﺮ َﻣ ْﻘﺘًﺎ ﻋِﻨ َﺪ اﻟﱠﻠ ِﻪ أَن َﺗﻘُﻮﻟُﻮا ﻣَﺎ ﻟَﺎ َﺗ ْﻔ َﻌﻠُﻮ َ‬

‫و اﻟﻜﺬب ﻋﻠﻰ اﷲ ﻏﺎﻳﺔ اﻹﺛﻢ‪.‬‬

‫ﻋﻠَﻰ اﻟّﻠ ِﻪ َآ ِﺬﺑًﺎ‪ ] (( (21) ..‬اﻷﻧﻌﺎم [‬

‫ﻦ ا ْﻓ َﺘﺮَى َ‬
‫ﻇَﻠ ُﻢ ِﻣ ﱠﻤ ِ‬
‫ﻦ َأ ْ‬
‫)) َو َﻣ ْ‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪122‬‬
 ‫ﻓﻴﻜﻮن إدﻋﺎء اﻟﻨﺒﻮة آﺬﺑﺎ و اﻟﺘﺤﺮﻳﻒ ﻓﻲ اﻟﻜﺘﺐ اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ زﻋﻤﺎ ﺑﺄن ﺁﻳﺎت ﻧﺰﻟﺖ و هﻲ ﻟﻢ ﺗﻨﺰل‪ ..‬هﻮ‬
‫ﻣﻨﺘﻬﻰ اﻟﺤﺮام‪ ..‬ﻷﻧﻪ اﻹﺿﺮار و اﻟﺘﻀﻠﻴﻞ ﻟﻠﻨﺎس‪.‬‬

‫هﺬﻩ هﻲ اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ و هﺬﻩ روﺣﻬﺎ‪ ..‬إن اﷲ أﺣﻞ اﻟﻄﻴﺒﺎت و ﺣﺮم اﻟﺨﺒﺎﺋﺚ‪ ،‬و إذا ﺗﻄﻬﺮت ﻓﻄﺮﺗﻨﺎ ﻓﺴﻮف‬
‫ﻧﺤﺐ ﻟﻨﻔﻮﺳﻨﺎ ﻣﺎ ﻳﺤﺐ ﻟﻬﺎ اﷲ ﺑﺪون ﺟﻬﺪ و ﺑﺪون ﻣﺸﻘﺔ‪.‬‬

‫و ﻟﻬﺬا ﻳﺰول اﻟﺘﻨﺎﻗﺾ ﻓﻲ ﻗﻠﺐ اﻟﻤﺆﻣﻦ ﺑﻴﻦ اﷲ و ﺷﺮﻳﻌﺘﻪ و ﺑﻴﻦ ﻣﺎ ﺗﻤﻠﻴﻪ ﻋﺎﻃﻔﺘﻪ اﻟﺨﺎﺻﺔ و ﻳﺮﻏﺐ ﻓﻴﻪ‬
‫ﻋﻘﻠﻪ‪ ..‬ﻓﺈذا ﺑﻤﺎ ﻳﺮﻳﺪﻩ ﻟﻨﻔﺴﻪ هﻮ ﻣﺎ ﻳﺮﻳﺪﻩ اﷲ ﻟﻪ‪ ..‬و ﻣﺎ ﻳﺘﻤﻨﺎﻩ ﻟﻨﻔﺴﻪ هﻮ ﻣﺎ ﻳﺘﻤﻨﺎﻩ اﷲ ﻟﻪ‪.‬‬

‫ﻼ‪:‬‬
‫و ﻟﻬﺬا ﻳﺘﻮﺟﻪ إﺑﺮاهﻴﻢ ﺑﺎﻟﺪﻋﺎء ﻗﺎﺋ ً‬

‫ﻼ ِة‪ ] (( (40) ..‬إﺑﺮاهﻴﻢ [‬

‫ﺼ َ‬
‫ﺟ َﻌ ْﻠﻨِﻲ ُﻣﻘِﻴ َﻢ اﻟ ﱠ‬
‫با ْ‬
‫)) َر ﱢ‬

‫ﻓﻴﻄﻠﺐ ﻣﻦ اﷲ ﻣﺎ ﻳﻄﻠﺒﻪ اﷲ ﻣﻨﻪ‪.‬‬

‫و هﺬا ﻏﺎﻳﺔ اﻹﻳﻤﺎن و اﻟﺜﻘﺔ و ﻣﻨﺘﻬﻰ اﻟﺤﺐ ﻟﻠﺸﺮﻳﻌﺔ‪ ..‬ﺣﺘﻰ ﻟﺘﺼﺒﺢ اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ و اﻟﺮﻏﺒﺔ ﺷﻴﺌًﺎ واﺣﺪًا‪.‬‬

‫و ﻻ ﺗﻌﻮد ﻟﻺﻧﺴﺎن رﻏﺒﺔ ﺳﻮى ﻣﺎ ﻳﺮﻏﺐ اﷲ‪.‬‬

‫و هﺬا درب اﻟﺬﻳﻦ وﺻﻠﻮا‪.‬‬

‫ﻳﻘﻮل اﷲ ﻓﻲ ﺣﺪﻳﺚ ﻗﺪﺳﻲ‪:‬‬

‫)) ﻋﺒﺪي اﻃﻌﻨﻲ أﺟﻌﻠﻚ رﺑﺎﻧﻴًﺎ ﻳﺪك ﻳﺪي و ﻟﺴﺎﻧﻚ ﻟﺴﺎﻧﻲ و ﺑﺼﺮك ﺑﺼﺮي و إرادﺗﻚ إرادﺗﻲ و رﻏﺒﺘﻚ‬
‫رﻏﺒﺘﻲ ((‪.‬‬

‫و هﺆﻻء هﻢ اﻷﻧﺒﻴﺎء و اﻷوﻟﻴﺎء و اﻟﻤﻘﺮﺑﻮن اﻟﺬﻳﻦ أﻣﺪهﻢ اﷲ ﺑﺄﺳﺒﺎب ﻋﻠﻤﻪ و ﻗﺪرﺗﻪ‪.‬‬

‫اﻟﻌﻠﻢ و اﻟﻌﻤﻞ‬

‫أول ﻣﺎ ﻧﺰل ﻣﻦ اﻟﻘﺮﺁن هﻲ آﻠﻤﺔ )) اﻗﺮأ ((‪.‬‬

‫ﻖ )‪ ] (( (1‬اﻟﻌﻠﻖ [‬
‫ﺧَﻠ َ‬
‫ﻚ اﱠﻟﺬِي َ‬
‫ﺳ ِﻢ َرﱢﺑ َ‬
‫)) ا ْﻗ َﺮ ْأ ﺑِﺎ ْ‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪123‬‬
 ‫إﻧﻪ أول أﻣﺮ إﻟﻬﻲ ﻧﺰل ﻓﻲ اﻹﺳﻼم‪.‬‬

‫أﻣﺮ ﻟﻜﻞ إﻧﺴﺎن ﺑﺄن ﻳﻘﺮأ‪.‬‬

‫ﻗﺒﻞ اﻷﻣﺮ ﺑﺎﻟﺼﻼة و اﻟﺼﻴﺎم و ﻗﺒﻞ ﺗﻔﺼﻴﻞ اﻟﺸﺮاﺋﻊ و ﻗﺒﻞ اﻟﻜﻼم ﻋﻦ اﻟﻌﻘﻴﺪة ﻗﺎل اﷲ‪:‬‬

‫)) اﻗﺮأ ((‪.‬‬

‫و اﻧﻔﺮد اﻟﻘﺮﺁن ﺑﻴﻦ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻜﺘﺐ اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﺑﺄﻧﻪ اﺑﺘﺪأ ﺑﻬﺬﻩ اﻟﻜﻠﻤﺔ و هﺬا اﻷﻣﺮ‪ ..‬و هﺬا ﻣﻨﺘﻬﻰ اﻟﺘﺸﺮﻳﻒ‬
‫ﻟﻠﻌﻠﻢ و اﻟﻌﻠﻤﺎء‪ ..‬أن ﻳﻜﻮن أول ﺣﺮف ﻓﻲ اﻟﺪﻳﻦ هﻮ أﻣﺮ ﺑﺎﻟﻘﺮاءة و ﻃﻠﺐ اﻟﻌﻠﻢ‪ ..‬و اﻵﻳﺔ ﺣﺪدت ﻧﻮع‬
‫اﻟﻌﻠﻢ اﻟﻤﻘﺼﻮد‪:‬‬

‫ﻖ )‪ ] (( (1‬اﻟﻌﻠﻖ [‬
‫ﺧَﻠ َ‬
‫ﻚ اﱠﻟﺬِي َ‬
‫ﺳ ِﻢ َر ﱢﺑ َ‬
‫)) ا ْﻗ َﺮ ْأ ﺑِﺎ ْ‬

‫ﻓﻬﻮ ﻋﻠﻢ ﺑﺎﷲ و ﷲ‪ ..‬ﻋﻠﻢ ﺧﻴﺮ ﻓﺎﺿﻞ‪ ..‬ﻋﻠﻢ ﻟﻠﻨﻔﻊ و ﻟﻴﺲ ﻋﻠﻤًﺎ ﻟﻠﻀﺮر‪.‬‬

‫و ﺗﻮاﻟﺖ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ اﻵﻳﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺄﻣﺮ ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ و ﺗﺤﺾ ﻋﻠﻴﻪ‪:‬‬

‫ﻋ ْﻠﻤًﺎ )‪ ] (( (114‬ﻃﻪ [‬
‫ب ِز ْدﻧِﻲ ِ‬
‫)) َوﻗُﻞ ﱠر ﱢ‬

‫ﻖ‪ ] (( (20) ..‬اﻟﻌﻨﻜﺒﻮت [‬

‫ﺨ ْﻠ َ‬
‫ﻒ َﺑ َﺪَأ ا ْﻟ َ‬
‫ﻈﺮُوا َآ ْﻴ َ‬
‫ض ﻓَﺎﻧ ُ‬
‫ﻞ ﺳِﻴﺮُوا ﻓِﻲ ا ْﻟَﺄ ْر ِ‬
‫)) ُﻗ ْ‬

‫ت‪ ] (( (11) ..‬اﻟﻤﺠﺎدﻟﺔ [‬

‫ﻦ أُوﺗُﻮا ا ْﻟ ِﻌ ْﻠ َﻢ َد َرﺟَﺎ ٍ‬
‫ﻦ ﺁ َﻣﻨُﻮا ﻣِﻨ ُﻜ ْﻢ وَاﱠﻟﺬِﻳ َ‬
‫)) َﻳ ْﺮ َﻓ ِﻊ اﻟﱠﻠ ُﻪ اﱠﻟﺬِﻳ َ‬

‫ن‪ ] (( (9) ..‬اﻟﺰﻣﺮ [‬

‫ﻦ ﻟَﺎ َﻳ ْﻌَﻠﻤُﻮ َ‬
‫ن وَاﱠﻟﺬِﻳ َ‬
‫ﻦ َﻳ ْﻌَﻠﻤُﻮ َ‬
‫ﺴ َﺘﻮِي اﱠﻟﺬِﻳ َ‬
‫ﻞ َﻳ ْ‬
‫ﻞ َه ْ‬
‫)) ُﻗ ْ‬

‫ﻼ ِﺋ َﻜ ُﺔ َوُأ ْوﻟُﻮ ْا ا ْﻟ ِﻌ ْﻠ ِﻢ‪ ] (( (18) ..‬ﺁل ﻋﻤﺮان [‬

‫ﻻ ُه َﻮ وَا ْﻟ َﻤ َ‬
‫ﻻ ِإَﻟ َﻪ ِإ ﱠ‬
‫ﺷ ِﻬ َﺪ اﻟﻠّ ُﻪ َأﻧﱠ ُﻪ َ‬
‫)) َ‬

‫ﻓﺠﻌﻞ اﷲ أوﻟﻲ اﻟﻌﻠﻢ إﻟﻰ ﺟﻮارﻩ ﻣﻊ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ اﻟﻤﻘﺮﺑﻴﻦ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻗﻴﻤﺔ ﺷﻬﺎدﺗﻬﻢ و هﺬا ﻣﻨﺘﻬﻰ ﻣﺎ ﻳﺤﻠﻢ ﺑﻪ‬
‫اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻦ رﻓﻌﺔ اﻟﻤﻘﺎم‪ ..‬أن ﻳﺬآﺮ ﻣﻊ اﷲ و ﻣﻼﺋﻜﺘﻪ‪.‬‬

‫و ﺗﺘﻜﺮر آﻠﻤﺔ اﻟﻌﻠﻢ و ﻣﺸﺘﻘﺎﺗﻪ ﻓﻲ اﻟﻘﺮﺁن ﻧﺤﻮ ﺛﻤﺎﻧﻤﺎﺋﺔ و ﺧﻤﺴﻴﻦ ﻣﺮة و ﻳﻘﺴﻢ اﷲ ﺑﺎﻟﻘﻠﻢ و ﻣﺎ ﻳﺴﻄﺮ ﺑﻪ‬
‫ن )‪ ] (( (1‬اﻟﻘﻠﻢ [‬
‫ﻄﺮُو َ‬
‫ﺴُ‬‫)) ن وَا ْﻟ َﻘَﻠ ِﻢ َوﻣَﺎ َﻳ ْ‬

‫و ﻟﻜﻨﻪ ﻟﻴﺲ ﻋﻠﻤًﺎ ﻧﻈﺮﻳًﺎ ﻓﺎرﻏًﺎ و إﻧﻤﺎ ﻋﻠﻢ ﻣﻘﺮون ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ‪.‬‬

‫ﻋ َﻤَﻠ ُﻜ ْﻢ‪ ] (( (105) ..‬اﻟﺘﻮﺑﺔ [‬

‫ﺴ َﻴﺮَى اﻟّﻠ ُﻪ َ‬
‫ﻋ َﻤﻠُﻮ ْا َﻓ َ‬
‫ﻞا ْ‬
‫)) َو ُﻗ ِ‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪124‬‬
‫و ﻓﻲ آﻞ ﻣﻜﺎن ﻳﺘﻜﻠﻢ ﻓﻴﻪ اﻟﻘﺮﺁن ﻋﻦ )) اﻟﺬﻳﻦ ﺁﻣﻨﻮا (( ﻳﻘﺮن هﺬا اﻹﻳﻤﺎن ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ ﻓﻴﻘﻮل )) اﻟﺬﻳﻦ ﺁﻣﻨﻮا و‬
‫ﻋﻤﻠﻮا اﻟﺼﺎﻟﺤﺎت (( ﻓﻲ ﻋﺸﺮات اﻵﻳﺎت ﻳﺘﻜﺮر هﺬا اﻟﺘﻘﺎرن و اﻟﺘﻼزم‪.‬‬

‫و هﻮ ﺗﻜﺮار ﻣﻘﺼﻮد ﺑﻪ أن ﻳﺜﺒﺖ ﺗﻤﺎﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﺬهﻦ أﻧﻪ ﻻ إﻳﻤﺎن إﻻ ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ و ﻣﻊ اﻟﻌﻤﻞ‪ ..‬و أن اﻷﻋﻤﺎل‬
‫هﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﻔﺼﺢ ﻋﻦ دﺧﺎﺋﻞ اﻟﻘﻠﻮب و هﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺒﺮهﻦ ﻋﻠﻰ ﻓﻀﻴﻠﺔ اﻟﻔﺎﺿﻞ و ﻃﺎﻋﺔ اﻟﻤﻄﻴﻊ و إﺣﺴﺎن‬
‫اﻟﻤﺤﺴﻦ‪.‬‬

‫و ﻷن أول أﻣﺮ ﻓﻲ اﻟﻘﺮﺁن و ﻓﻲ اﻹﺳﻼم هﻮ أﻣﺮ ﺻﺮﻳﺢ ﺑﺎﻟﻘﺮاءة و اﻟﺘﻌﻠﻢ ﻓﻼ ﻳﺼﺢ أن ﻳﺪﻋﻲ اﻹﺳﻼم‬
‫ﺟﺎهﻞ ﻻ ﻳﻘﺮأ ﻣﻬﻤﺎ ﺻﻠﻰ و ﺻﺎم و ﺣﻤﻞ اﻟﻤﺴﺎﺑﺢ و ﺣﻮﻗﻞ و ﺑﺴﻤﻞ و رﺗﻞ‪.‬‬

‫و اﻟﺸﺮق اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻵن ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺟﻬﻞ و آﺴﻞ هﻮ آﺎﻓﺮ ﺑﺄوﻟﻴﺎت آﺘﺎﺑﻪ و دﻳﻨﻪ‪ ..‬ﻓﻼ هﻮ ﻳﻘﺮأ و ﻻ هﻮ‬
‫ﻳﺘﻌﻠﻢ و ﻻ هﻮ ﻳﻌﻤﻞ‪ ..‬و ﺑﺪل اﻟﻌﻠﻢ و اﻟﻌﻤﻞ ﻻ ﻧﺮى ﺣﻮﻟﻨﺎ إﻻ اﻟﺠﻬﻞ و اﻟﻜﺴﻞ‪.‬‬

‫و آﻞ واﺣﺪ ﻳﺘﺼﻮر أﻧﻪ ﻣﻦ أهﻞ اﻟﺠﻨﺔ ﻟﻤﺠﺮد أن اﺳﻤﻪ ﻓﻲ ﺑﻄﺎﻗﺔ ﺗﺤﻘﻴﻖ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﻣﺤﻤﺪ و أﻧﻪ ﻣﺴﻠﻢ‬
‫ﺑﺎﻟﻮراﺛﺔ و أﻧﻪ ﻳﻘﺘﻨﻲ ﻣﺼﺤﻔًﺎ‪.‬‬

‫و ﻳﻨﺴﻰ أن أول آﻠﻤﺔ ﻓﻲ هﺬا اﻟﻤﺼﺤﻒ هﻲ )) اﻗﺮأ ((‪ ..‬و أﻧﻪ ﻻ ﻳﻘﺮأ‪..‬‬

‫و أن اﷲ ﻳﻘﻮل‪:‬‬

‫ﻋ َﻤَﻠ ُﻜ ْﻢ‪ ] (( (105) ..‬اﻟﺘﻮﺑﺔ [‬

‫ﺴ َﻴﺮَى اﻟّﻠ ُﻪ َ‬
‫ﻋ َﻤﻠُﻮ ْا َﻓ َ‬
‫ﻞا ْ‬
‫)) َو ُﻗ ِ‬

‫و أﻧﻪ ﻻ ﻳﻌﻤﻞ و إﻧﻤﺎ ﻳﺘﻤﺪد ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻘﺎهﻲ ﻳﺘﺜﺎءب‪.‬‬

‫ﺑﻞ إن اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻐﺮﺑﻲ اﻷورﺑﻲ ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﻋﻠﻢ و ﻋﻤﻞ و ﻓﻜﺮ و ﻧﺸﺎط داﺋﺐ ﺧﻼق هﻮ أﻗﺮب ﻟﺠﻮهﺮ‬
‫اﻹﺳﻼم و ﺟﻮهﺮ اﻟﻘﺮﺁن ﻣﻦ هﺬا اﻟﺸﺮق اﻟﻜﺴﻮل اﻟﻤﺘﺨﺎذل اﻟﻐﺎرق ﻷذﻧﻴﻪ ﻓﻲ اﻟﺠﻬﻞ اﻟﻤﺰري‪.‬‬

‫ﻋﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﻔﻬﻢ اﻟﻘﺮﺁن ﻗﺒﻞ أن ﻧﺪﻋﻲ أﻧﻨﺎ ﻣﻦ أهﻞ اﻟﻘﺮﺁن‪.‬‬

‫و اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻤﺴﺤﻮن آﺴﻠﻬﻢ و ﺟﻬﻠﻬﻢ ﻓﻲ ﻋﺒﺎءة اﻟﺘﺼﻮف و ﻳﻘﻮل اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ و ﻗﺪ أﺧﻠﺪ إﻟﻰ ﺧﻠﻮة ﻓﺎرﻏﺔ‬
‫و ﺗﺄﻣﻞ ﺧﺎو‪ ..‬أﻧﺎ ﻣﺘﺼﻮف‪ ..‬ﻳﻨﺴﻰ أن اﻟﻬﺠﺮة إﻟﻰ اﷲ ﻋﻨﺪ اﻟﻤﺘﺼﻮف ﻻ ﺗﻜﻮن إﻻ ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ و اﻟﻌﻤﻞ و أن‬
‫ﻻ أن ﻳﻄﻠﺐ اﻟﻌﻠﻢ ﻓﺈذا ﻋﻠﻢ آﺎن ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﻌﻤﻞ ﺑﻤﺎ ﻋﻠﻢ‪ ..‬ﻓﺈذا أﺻﺒﺢ ﻣﻦ ذوي‬‫اﻟﻤﺘﺼﻮف ﻋﻠﻴﻪ أو ً‬
‫اﻷﻋﻤﺎل‪ ..‬ارﺗﻘﺖ ﺑﻪ أﻋﻤﺎﻟﻪ ﻣﻦ ﺣﺎل إﻟﻰ ﺣﺎل‪ ..‬ﻓﺈذا دام ﻟﻪ اﻟﺤﺎل و ﺛﺎﺑﺮ ﻋﻠﻰ اﻷﻋﻤﺎل اﻧﺘﻘﻞ ﻣﻦ ﻣﻘﺎم‬
‫إﻟﻰ ﻣﻘﺎم‪ ..‬و هﺬﻩ هﻲ اﻟﺪرﺟﺎت اﻟﺘﻲ ﻳﺘﺴﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺼﻮﻓﻲ آﺎدﺣًﺎ إﻟﻰ اﷲ‪ ..‬اﻟﻌﻠﻢ و اﻟﻌﻤﻞ و اﻟﺤﺎل و‬
‫اﻟﻤﻘﺎم‪ ..‬و اﻟﻤﺘﺼﻮﻓﻮن اﻷواﺋﻞ آﺎﻧﻮا ﻣﺮاﺑﻄﻴﻦ ﻳﺤﻤﻠﻮن اﻟﺴﻼح و ﻳﺪاﻓﻌﻮن ﻋﻦ اﻷوﻃﺎن‪ ..‬اﻟﻤﺼﺤﻒ‬
‫ﻓﻲ ﻳﺪ و اﻟﺴﻼح ﻓﻲ ﻳﺪ‪ ..‬و اﻟﺸﻤﺎل اﻷﻓﺮﻳﻘﻲ ﻳﻤﺘﻠﺊ ﺑﺄﺿﺮﺣﺔ هﺆﻻء‬

‫اﻟﻤﺮاﺑﻄﻴﻦ ﺣﻴﺚ ﻣﺎﺗﻮا ﻓﻲ ﻣﺮاﺑﻄﻬﻢ ﺑﻌﺪ أن ﺣﺎرﺑﻮا ﻵﺧﺮ ﻃﻠﻘﺔ و ﺁﺧﺮ ﺷﻬﻘﺔ ﻓﻲ ﺻﺪورهﻢ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪125‬‬
 ‫إن اﻟﺸﺠﺎﻋﺔ و اﻟﺸﻬﺎﻣﺔ و اﻟﺼﺪق و ﻗﺘﺎل اﻟﺒﺎﻃﻞ و إﺣﻘﺎق اﻟﺤﻖ و اﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﻋﻤﺎرة اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﺎﻟﺨﻴﺮ و‬
‫اﻟﻌﺪل ﺑﻴﻦ اﻟﻨﺎس و ﻣﺤﺎرﺑﺔ اﻻﺳﺘﻐﻼل و ﻧﺼﺮة اﻟﻀﻌﻴﻒ هﻲ ﻣﻦ ﺻﻤﻴﻢ اﻟﺪﻳﻦ ﺑﻞ هﻲ اﻟﺪﻳﻦ ذاﺗﻪ‪.‬‬

‫و ﻟﻜﻦ ﻓﻲ اﻟﺒﺪء داﺋﻤًﺎ ﻳﻠﺰم اﻟﻌﻠﻢ‪.‬‬

‫)) اﻗﺮأ (( أوﻻ‪ ..‬ﻟﺘﻌﺮف اﻟﺤﻖ ﻣﻦ اﻟﺒﺎﻃﻞ و ﻟﺘﻌﺮف ﻗﻮاﻧﻴﻦ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺬي ﺗﻌﻴﺶ ﻓﻴﻪ ﻗﺒﻞ أن ﺗﺪﻋﻲ ﻟﻨﻔﺴﻚ‬
‫أﻧﻚ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ إﺻﻼﺣﻪ‪.‬‬

‫و ﻟﻜﻦ اﻟﻘﺮﺁن ﻻ ﻳﺪﻋﻮﻧﺎ إﻟﻰ اﻟﻘﺮاءة و ﻳﺘﺮآﻨﺎ ﻓﻲ ﻇﻼم اﻟﺤﻴﺮة و إﻧﻤﺎ ﻳﺨﺘﻂ ﻟﻨﺎ ﻣﻨﻬﺠًﺎ ﻟﻠﻮﺻﻮل إﻟﻰ‬
‫اﻟﻌﻠﻢ هﻮ ﻣﻨﻬﺞ )) اﻟﺴﻴﺮ و اﻟﻨﻈﺮ ((‪.‬‬

‫ﻖ‪ ] (( (20) ..‬اﻟﻌﻨﻜﺒﻮت [‬

‫ﺨ ْﻠ َ‬
‫ﻒ َﺑ َﺪَأ ا ْﻟ َ‬
‫ﻈﺮُوا َآ ْﻴ َ‬
‫ض ﻓَﺎﻧ ُ‬
‫ﻞ ﺳِﻴﺮُوا ﻓِﻲ ا ْﻟَﺄ ْر ِ‬
‫)) ُﻗ ْ‬

‫اﻟﺴﻴﺮ و ﺟﻤﻊ اﻟﻤﻼﺣﻈﺎت و ﺗﺪوﻳﻦ اﻟﻤﺸﺎهﺪات ﺛﻢ اﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ هﺬﻩ اﻟﻤﻼﺣﻈﺎت و اﺳﺘﻘﺮاﺋﻬﺎ ﻻﺳﺘﺨﺮاج‬
‫اﻟﻘﺎﻧﻮن اﻟﻌﺎم اﻟﺬي ﻳﺮﺑﻄﻬﺎ‪ ..‬و هﻮ اﻟﻤﻨﻬﺞ اﻻﺳﺘﻘﺮاﺋﻲ اﻟﺬي ﺟﺎء ﺑﻪ )) ﺑﺎآﻮن (( ﺑﻌﺪ اﻟﻘﺮﺁن ﺑﺄﻟﻒ ﺳﻨﺔ‬
‫و أﺛﻤﺮ هﺬا اﻟﻤﻨﻬﺞ ﻋﻠﻰ ﻳﺪ اﻟﻌﻠﻤﺎء اﻟﻐﺮﺑﻴﻴﻦ آﻞ ﻣﺎ ﻧﻘﺮأ و ﻧﺮى ﻣﻦ ﻋﻠﻮم و ﺻﻨﺎﻋﺎت ﻣﺬهﻠﺔ‪ .‬و ﻟﻮ‬
‫ﺣﺎوﻟﻨﺎ أن ﻧﺘﻔﻬﻢ آﺘﺎﺑﻨﺎ و ﻧﺴﻴﺮ ﻋﻠﻰ هﺪﻳﻪ ﻟﺴﺒﻘﻨﺎهﻢ إﻟﻰ هﺬﻩ اﻟﻌﻠﻮم‪.‬‬

‫و ﻗﺪ اهﺘﺪت ﻗﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء اﻟﻌﺮب إﻟﻰ هﺬا اﻟﻤﻨﻬﺞ ﻓﻲ ﺻﺪر اﻹﺳﻼم و آﺎن ﻟﻬﻢ ﻋﻄﺎء أﺛﺮوا ﺑﻪ اﻟﻐﺮب‬
‫و أﺧﺼﺒﻮا ﺛﻘﺎﻓﺘﻪ ﻓﻲ أوﻗﺎت آﺎن هﺬا اﻟﻐﺮب ﻏﺎرﻗﺎ ﻓﻲ ﻇﻠﻤﺎت ﻗﺮوﻧﻪ اﻟﻮﺳﻄﻰ‪.‬‬

‫و ﻧﺬآﺮ ﺟﺎﺑﺮ ﺑﻦ ﺣﻴﺎن ﻓﻲ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء‪.‬‬

‫و اﺑﻦ ﺳﻴﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﻄﺐ‪.‬‬

‫و اﺑﻦ رﺷﺪ ﻓﻲ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ‪.‬‬

‫و اﺑﻦ ﻋﺮﺑﻲ ﻓﻲ اﻟﺘﺼﻮف‪.‬‬

‫و اﺑﻦ اﻟﻬﻴﺜﻢ ﻓﻲ اﻟﻬﻨﺪﺳﺔ و اﻟﺮﻳﺎﺿﻴﺎت‪.‬‬

‫و ﻧﺬآﺮ اﻷﻧﺪﻟﺴﻴﻴﻦ و ﻣﺎ اﺳﺘﺤﺪﺛﻮﻩ ﻓﻲ اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ و اﻟﻤﻮﺷﺤﺎت‪.‬‬

‫و ﻧﺬآﺮ ﻋﻠﻤﺎء اﻟﻔﻠﻚ اﻟﻌﺮب‪ ..‬و أﻏﻠﺐ اﻟﻜﻮآﺒﺎت اﻟﻨﺠﻤﻴﺔ ﻣﺎزاﻟﺖ ﺗﺤﺘﻔﻆ ﺑﺄﺳﻤﺎﺋﻬﺎ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ إﻟﻰ اﻵن ﻓﻲ‬
‫اﻟﻤﺮاﺟﻊ اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ‪.‬‬

‫و آﻠﻤﺔ )) أﻧﺒﻴﻖ (( اﻟﺘﻲ أﻃﻠﻘﻬﺎ ﺟﺎﺑﺮ ﺑﻦ ﺣﻴﺎن ﻋﻠﻰ ﺟﻬﺎز اﻟﺘﻘﻄﻴﺮ ﻣﺎزاﻟﺖ هﻲ ذاﺗﻬﺎ ﻣﺴﺘﻌﻤﻠﺔ ﻓﻲ‬
‫أي ﻳﻘﻄﺮ‪ ambiquer .‬و ﻳﺸﺘﻖ ﻣﻨﻬﺎ اﻟﻔﻌﻞ ‪ ambique‬اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ‬

‫و اﻷرﻗﺎم اﻟﻌﺸﺮﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﺤﺴﺎب ﻟﻢ ﻳﻌﺮﻓﻬﺎ اﻟﻐﺮب إﻻ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻌﺮب‪ .‬آﺎن هﻨﺎك ﻋﻠﻢ و ﻋﻤﻞ إذن‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪126‬‬
 ‫و ﺣﻴﻨﻤﺎ آﺎن هﻨﺎك ﻋﻠﻢ و ﻋﻤﻞ آﺎن هﻨﺎك ﻋﻄﺎء و آﺎﻧﺖ هﻨﺎك ﺣﻀﺎرة و ﻗﺪ أﻋﻄﻰ اﻟﻘﺮﺁن ﻣﻔﺘﺎح هﺬﻩ‬
‫اﻟﺤﻀﺎرة‪.‬‬

‫)) اﻗﺮأ ((‪.‬‬

‫و ﺟﻌﻞ ﻣﻦ هﺬا اﻟﻤﻔﺘﺎح أول ﻣﺎ ﻧﺰل ﻣﻦ ﺣﺮوف‪ ..‬و أول ﻣﺎ آﻠﻒ اﻟﻮﺣﻲ ﺑﺘﺒﻠﻴﻐﻪ إﻟﻰ ﻣﺤﻤﺪ – ﺻﻠﻰ اﷲ‬
‫ﻋﻠﻴﻪ و ﺳﻠﻢ – و أﻣﺘﻪ‪ .‬و ﻣﻦ ﻻ ﻳﻘﺮأ ﻻ ﻳﺴﺘﺤﻖ أن ﻳﻜﻮن ﻣﻦ أﻣﺔ ﻣﺤﻤﺪ – ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ و ﺳﻠﻢ – و ﻻ‬
‫أن ﻳﺪﻋﻲ ﻟﻨﻔﺴﻪ أﻧﻪ ﻳﺤﻤﻞ اﻟﻘﺮﺁن و ﻳﻔﻬﻤﻪ‪.‬‬

‫و ﻣﻦ ﻳﻌﻠﻢ و ﻻ ﻳﻌﻤﻞ ﺑﻤﺎ ﻳﻌﻠﻢ ﻓﻬﻮ ﻋﺎﻃﻞ ﻋﻦ اﻟﻔﻌﻞ و اﻷﺛﺮ و اﻟﺪﻳﻦ‪.‬‬

‫ﻳﻘﻮل اﻟﻘﺮﺁن ﻋﻦ إﺑﺮاهﻴﻢ و هﻮ ﻳﺒﻨﻲ اﻟﺒﻴﺖ‪:‬‬

‫ﺴﻤِﻴ ُﻊ ا ْﻟ َﻌﻠِﻴ ُﻢ )‪] (( (127‬‬

‫ﺖ اﻟ ﱠ‬
‫ﻚ أَﻧ َ‬
‫ﻞ ِﻣﻨﱠﺎ ِإﱠﻧ َ‬
‫ﻞ َرﱠﺑﻨَﺎ َﺗ َﻘ ﱠﺒ ْ‬
‫ﺳﻤَﺎﻋِﻴ ُ‬
‫ﺖ َوِإ ْ‬
‫ﻦ ا ْﻟ َﺒ ْﻴ ِ‬
‫ﻋ َﺪ ِﻣ َ‬
‫)) َوِإ ْذ َﻳ ْﺮ َﻓ ُﻊ ِإ ْﺑﺮَاهِﻴ ُﻢ ا ْﻟ َﻘﻮَا ِ‬
‫اﻟﺒﻘﺮة [‬

‫اﻟﻌﻘﻞ ﻳﻬﻨﺪس و اﻟﻴﺪ ﺗﺒﻨﻲ و اﻟﻘﻠﺐ ﻳﺴﺒﺢ هﺎﻣﺴًﺎ )) رﺑﻨﺎ ﺗﻘﺒﻞ ﻣﻨﺎ إﻧﻚ أﻧﺖ اﻟﺴﻤﻴﻊ اﻟﻌﻠﻴﻢ ((‪.‬‬

‫ﻋﻠﻢ و ﻋﻤﻞ و إﻳﻤﺎن و ﺑﻨﺎء‪.‬‬

‫هﺬا هﻮ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﺤﻖ آﻤﺎ ﻳﻘﺪﻣﻪ اﻟﻘﺮﺁن‪.‬‬

‫و اﻟﻘﺮﺁن ﻳﺘﻜﻠﻢ ﻋﻦ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ اﻟﻌﺎﻣﻠﻴﻦ ﺑﺄﺣﺴﻦ اﻟﻜﻠﻤﺎت‪:‬‬

‫ﺧ ْﻴ ُﺮ ا ْﻟ َﺒ ِﺮﱠﻳ ِﺔ )‪ ] (( (7‬اﻟﺒﻴﻨﺔ [‬
‫ﻚ ُه ْﻢ َ‬
‫ت ُأ ْوَﻟ ِﺌ َ‬
‫ﻋ ِﻤﻠُﻮا اﻟﺼﱠﺎِﻟﺤَﺎ ِ‬
‫ﻦ ﺁ َﻣﻨُﻮا َو َ‬
‫ن اﱠﻟﺬِﻳ َ‬
‫)) ِإ ﱠ‬

‫ﻞ ﺻَﺎِﻟﺤًﺎ‪ ] (( (33) ..‬ﻓﺼﻠﺖ [‬

‫ﻋ ِﻤ َ‬
‫ﻦ َﻗ ْﻮﻟًﺎ ﱢﻣﻤﱠﻦ َدﻋَﺎ ِإﻟَﻰ اﻟﱠﻠ ِﻪ َو َ‬
‫ﺴُ‬‫ﺣَ‬
‫ﻦ َأ ْ‬
‫)) َو َﻣ ْ‬

‫و ﻳﺆآﺪ أن اﻷﻋﻤﺎل ﺗﺤﻔﻆ و ﺗﻜﺘﺐ و أن اﷲ ﻳﻠﻘﺎﻧﺎ ﺑﺄﻋﻤﺎﻟﻨﺎ ﻳﻮم اﻟﺤﺴﺎب‪:‬‬

‫ﺷﻬُﻮدًا‪ ] (61) ..‬ﻳﻮﻧﺲ [‬

‫ﻋَﻠ ْﻴ ُﻜ ْﻢ ُ‬
‫ﻻ ُآﻨﱠﺎ َ‬
‫ﻞ ِإ ﱠ‬
‫ﻋ َﻤ ٍ‬
‫ﻦ َ‬
‫ن ِﻣ ْ‬
‫ﻻ َﺗ ْﻌ َﻤﻠُﻮ َ‬
‫)) َو َ‬

‫ن َﺑ ْﻴ َﻨﻬَﺎ َو َﺑ ْﻴ َﻨ ُﻪ َأ َﻣﺪًا َﺑﻌِﻴﺪًا‪..‬‬

‫ﺳ َﻮ ٍء َﺗ َﻮ ﱡد َﻟ ْﻮ َأ ﱠ‬
‫ﺖ ﻣِﻦ ُ‬
‫ﻋ ِﻤَﻠ ْ‬
‫ﻀﺮًا َوﻣَﺎ َ‬
‫ﺤ َ‬
‫ﺧ ْﻴ ٍﺮ ﱡﻣ ْ‬
‫ﻦ َ‬
‫ﺖ ِﻣ ْ‬
‫ﻋ ِﻤَﻠ ْ‬
‫ﺲ ﻣﱠﺎ َ‬
‫ﺠ ُﺪ ُآﻞﱡ َﻧ ْﻔ ٍ‬
‫)) َﻳ ْﻮ َم َﺗ ِ‬
‫)‪ ] (( (30‬ﺁل ﻋﻤﺮان [‬

‫ﻋَﻠ ْﻴ ِﻬ ْﻢ‪ ] (( (167) ..‬اﻟﺒﻘﺮة [‬

‫ت َ‬
‫ﺴﺮَا ٍ‬
‫ﺣَ‬‫ﻋﻤَﺎَﻟ ُﻬ ْﻢ َ‬
‫ﻚ ُﻳﺮِﻳ ِﻬ ُﻢ اﻟّﻠ ُﻪ َأ ْ‬
‫)) َآ َﺬِﻟ َ‬

‫ﺣﺪًا )‪ ] (( (49‬اﻟﻜﻬﻒ [‬
‫ﻚ َأ َ‬
‫ﻈِﻠ ُﻢ َرﱡﺑ َ‬
‫ﺿﺮًا َوﻟَﺎ َﻳ ْ‬
‫ﻋ ِﻤﻠُﻮا ﺣَﺎ ِ‬
‫ﺟﺪُوا ﻣَﺎ َ‬
‫)) َو َو َ‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪127‬‬
 ‫و ﻳﺆآﺪ اﻟﻘﺮﺁن أن اﻟﺪﻧﻴﺎ هﻲ اﻟﻔﺮﺻﺔ اﻟﻮﺣﻴﺪة ﻹﺣﺮاز اﻷﻋﻤﺎل و أﻧﻬﺎ اﻻﻣﺘﺤﺎن اﻟﻮﺣﻴﺪ اﻟﺬي ﻻ اﻣﺘﺤﺎن‬
‫ﺑﻌﺪﻩ‪ ..‬و ﻳﻘﻮل ﻋﻦ أهﻞ اﻟﺠﺤﻴﻢ‪:‬‬

‫ﻞ‪ ] (( (37) ..‬ﻓﺎﻃﺮ [‬

‫ﻏ ْﻴ َﺮ اﱠﻟﺬِي ُآﻨﱠﺎ َﻧ ْﻌ َﻤ ُ‬
‫ﻞ ﺻَﺎِﻟﺤًﺎ َ‬
‫ﺟﻨَﺎ َﻧ ْﻌ َﻤ ْ‬
‫ﺧ ِﺮ ْ‬
‫ن ﻓِﻴﻬَﺎ َرﱠﺑﻨَﺎ َأ ْ‬
‫ﻄ ِﺮﺧُﻮ َ‬
‫ﺼَ‬‫)) َو ُه ْﻢ َﻳ ْ‬

‫ﻳﻘﻮﻟﻮن هﺬا ﺑﻌﺪ ﻓﻮات اﻷوان‪.‬‬

‫ن )‪ ] (( (28‬اﻷﻧﻌﺎم [‬
‫ﻋ ْﻨ ُﻪ َوِإﱠﻧ ُﻬ ْﻢ َﻟﻜَﺎ ِذﺑُﻮ َ‬
‫)) َوَﻟ ْﻮ ُردﱡو ْا َﻟﻌَﺎدُو ْا ِﻟﻤَﺎ ُﻧﻬُﻮ ْا َ‬

‫اﻧﺘﻬﻰ اﻷﻣﺮ و ﻻ اﻋﺘﺬار‪...‬‬

‫و ﻳﺆآﺪ اﻟﻘﺮﺁن أن اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺼﺎﻟﺢ اﻟﺨﺎﻟﻲ ﻣﻦ اﻹﻳﻤﺎن ﺑﺎﷲ ﻻ ﻳﻜﻮن ﻋﻤﻼ ﺻﺎﻟﺤﺎ و أن ﻣﺜﻞ هﺬﻩ اﻷﻋﻤﺎل‬
‫اﻟﺼﺎﻟﺤﺔ ﻣﻦ ﻗﻠﺐ ﻳﺠﺤﺪ ﺧﺎﻟﻘﻪ ﻣﺼﻴﺮهﺎ اﻟﺒﻮار‪:‬‬

‫ﺠ َﻌ ْﻠﻨَﺎ ُﻩ َهﺒَﺎء ﻣﱠﻨﺜُﻮرًا )‪ ] (( (23‬اﻟﻔﺮﻗﺎن [‬

‫ﻞ َﻓ َ‬
‫ﻋ َﻤ ٍ‬
‫ﻦ َ‬
‫ﻋ ِﻤﻠُﻮا ِﻣ ْ‬
‫)) َو َﻗ ِﺪ ْﻣﻨَﺎ ِإﻟَﻰ ﻣَﺎ َ‬

‫و ﻳﻘﻮل ﻋﻦ أﻋﻤﺎل اﻟﻜﻔﺎر اﻟﺼﺎﻟﺤﺔ‪:‬‬

‫ﻒ‪ ] (( (18) ..‬إﺑﺮاهﻴﻢ [‬

‫ﺻ ٍ‬
‫ﺢ ﻓِﻲ َﻳ ْﻮ ٍم ﻋَﺎ ِ‬
‫ت ِﺑ ِﻪ اﻟﺮﱢﻳ ُ‬
‫ﺷ َﺘ ﱠﺪ ْ‬
‫ﻋﻤَﺎُﻟ ُﻬ ْﻢ َآ َﺮﻣَﺎ ٍد ا ْ‬
‫)) َأ ْ‬

‫و ﻗﺪ ﻳﺴﺄل ﺳﺎﺋﻞ آﻴﻒ ﻳﺘﺠﺮد اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺼﺎﻟﺢ ﻋﻦ اﻟﺼﻼح إذا ﺗﺠﺮد ﻗﻠﺐ ﺻﺎﺣﺒﻪ ﻣﻦ اﻹﻳﻤﺎن ﺑﺎﷲ‪..‬‬

‫ﻼ ﺻﺎﻟﺤًﺎ ﻳﺜﺎب ﻋﻠﻴﻪ‪..‬؟!‬

‫إذا ﺗﺒﺮع اﻟﻜﺎﻓﺮ ﻟﻌﻤﻞ ﺧﻴﺮي‪ ..‬آﻴﻒ ﻻ ﻳﻜﻮن ﻋﻤﻠﻪ هﺬا ﻋﻤ ً‬

‫و اﻟﺠﻮاب أن اﻟﻜﺎﻓﺮ اﻟﺬي ﻻ ﻳﺆﻣﻦ ﺑﻮﺟﻮد إﻟﻪ ﺳﻮف ﻳﺴﻨﺪ آﻞ ﻋﻤﻞ ﻳﻘﻮم ﺑﻪ إﻟﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻴﻌﻄﻲ ﻋﻦ‬
‫اﻋﺘﻘﺎد أﻧﻪ هﻮ اﻟﺬي ﻳﻌﻄﻲ و هﻮ اﻟﺬي ﻳﺘﺼﺪق و هﻮ اﻟﺬي ﻳﺮزق و هﻮ اﻟﺬي ﻳﻐﻨﻲ‪ ..‬و هﺬا هﻮ اﻟﺰهﻮ و‬
‫اﻻﺧﺘﻴﺎل و اﻟﻐﺮور ﺑﻌﻴﻨﻪ و ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻜﻮن ﻣﺜﻞ هﺬا اﻟﻌﻄﺎء ﺻﻼﺣًﺎ‪ ..‬ﺑﻌﻜﺲ اﻟﻤﺆﻣﻦ اﻟﺬي ﻳﻌﻄﻲ و‬
‫هﻮ ﻳﻌﺘﻘﺪ أن اﷲ هﻮ اﻟﺬي أﻟﻬﻤﻪ ﺑﺎﻟﻌﻄﺎء و أن اﷲ هﻮ اﻟﺬي وﻓﻘﻪ ﻟﻺﺣﺴﺎن و هﻮ اﻟﺬي أﻋﻄﺎﻩ اﻟﻴﺪ‬
‫اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ و اﻟﻤﺎل اﻟﻮﻓﻴﺮ و اﻟﻘﻠﺐ اﻟﻌﻄﻮف‪ ..‬و ﻣﺜﻞ هﺬا اﻟﻌﻄﺎء ﻓﻲ ﺗﻮاﺿﻊ هﻮ اﻟﺼﻼح ﺣﻘﺎ‪.‬‬

‫و ﻳﺆآﺪ اﻟﻘﺮﺁن أن اﻟﻨﻴﺔ اﻟﻌﺎﻃﻠﺔ ﻋﻦ اﻟﻌﻤﻞ ﻻ ﺗﻜﻔﻲ ﻟﺘﻜﻮن ﺷﺎهﺪا ﻋﻠﻰ إﻳﻤﺎن ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ‪.‬‬

‫اﻟﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ اﻟﺠﻬﺎد ﻻ ﺗﻜﻔﻲ‪ ..‬و إﻧﻤﺎ ﻻﺑﺪ ﻣﻦ اﻟﺠﻬﺎد ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﺣﻴﺚ ﻳﻮاﺟﻪ اﻹﻧﺴﺎن اﻟﺸﺪة و ﻳﺼﺒﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ‪..‬‬
‫و ﻳﻮاﺟﻪ اﻟﻤﻮت و ﻳﺜﺒﺖ أﻣﺎﻣﻪ‪:‬‬

‫ﻦ )‪ ] (( (142‬ﺁل‬
‫ﻦ ﺟَﺎ َهﺪُو ْا ﻣِﻨ ُﻜ ْﻢ َو َﻳ ْﻌَﻠ َﻢ اﻟﺼﱠﺎ ِﺑﺮِﻳ َ‬
‫ﺠﱠﻨ َﺔ َوَﻟﻤﱠﺎ َﻳ ْﻌَﻠ ِﻢ اﻟّﻠ ُﻪ اﱠﻟﺬِﻳ َ‬
‫ﺧﻠُﻮْا ا ْﻟ َ‬
‫ﺴ ْﺒ ُﺘ ْﻢ أَن َﺗ ْﺪ ُ‬
‫ﺣِ‬‫)) َأ ْم َ‬
‫ﻋﻤﺮان [‬

‫و اﻟﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺘﺤﻮل إﻟﻰ ﻓﻌﻞ هﻲ ﻧﻴﺔ ﻳﻨﻘﺼﻬﺎ اﻟﺼﺪق‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪128‬‬
 ‫و هﻲ إدﻋﺎء ﺑﻴﻦ اﻹﻧﺴﺎن و ﻧﻔﺴﻪ أآﺜﺮ ﻣﻦ آﻮﻧﻬﺎ رﻏﺒﺔ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﻷن اﻟﺮﻏﺒﺔ إذا ﺻﺪﻗﺖ ﺣﻔﺰت إﻟﻰ‬
‫ﻋﻤﻞ‪.‬‬

‫و اﷲ ﻳﻘﻮل ﻟﻨﺎ إﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺨﻠﻖ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺪﻧﻴﺎ إﻻ ﻟﻬﺬا اﻟﺴﺒﺐ‪:‬‬

‫ﻋ َﻤﻠًﺎ‪ ] (2) ..‬اﻟﻤﻠﻚ [‬

‫ﻦ َ‬
‫ﺴُ‬‫ﺣَ‬
‫ﺤﻴَﺎ َة ِﻟ َﻴ ْﺒُﻠ َﻮ ُآ ْﻢ َأﱡﻳ ُﻜ ْﻢ َأ ْ‬
‫ت وَا ْﻟ َ‬
‫ﻖ ا ْﻟ َﻤ ْﻮ َ‬
‫ﺧَﻠ َ‬
‫)) اﱠﻟﺬِي َ‬

‫ﻟﻘﺪ ﺟﻌﻞ ﻣﻨﻬﺎ اﻣﺘﺤﺎﻧﺎ ﻳﻈﻬﺮ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﻳﻌﻤﻞ و ﻣﻦ ﻻ ﻳﻌﻤﻞ و ﺗﺠﺮﺑﺔ ﺗﻌﺮف ﺑﻬﺎ آﻞ ﻧﻔﺲ ﻣﻘﺎﻣﻬﺎ و‬
‫ﻣﻘﺪارهﺎ‪ ..‬ﺣﺘﻰ إذا ﺣﻘﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻜﻠﻤﺔ ﻳﻮم اﻟﺤﺴﺎب آﺎﻧﺖ هﺬﻩ اﻟﻜﻠﻤﺔ ﻋﺪﻻ ﻣﻄﻠﻘﺎ ﻻ ﻣﺮاء ﻓﻴﻪ‪.‬‬

‫ﻳﻘﻮل اﻟﻘﺮﺁن‪:‬‬

‫ﻦ ﺁ َﻣﻨُﻮ ْا اﱠﺗﻘُﻮ ْا اﻟّﻠ َﻪ وَا ْﺑ َﺘﻐُﻮ ْا ِإﻟَﻴ ِﻪ ا ْﻟ َﻮﺳِﻴَﻠ َﺔ‪ ] (( (35) ..‬اﻟﻤﺎﺋﺪة [‬
‫))ﻳَﺎ َأﱡﻳﻬَﺎ اﱠﻟﺬِﻳ َ‬

‫و اﻟﻮﺳﻴﻠﺔ إﻟﻰ اﷲ هﻲ اﻟﻌﻤﻞ‪.‬‬

‫و ﻧﺒﻴﻨﺎ و ﻗﺪوﺗﻨﺎ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺼﻼة و اﻟﺴﻼم ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﺒﻠﻐﺎ ﻟﻶﻳﺎت و ﺣﺎﻣﻼ ﻟﻠﻘﺮﺁن و ﻣﺒﺸﺮا ﺑﻪ ﻓﻘﻂ و‬
‫إﻧﻤﺎ آﺎن أول اﻟﻌﺎﻣﻠﻴﻦ‪ ..‬و آﺎن أول ﻣﻦ ﻳﺨﺮج ﻓﻲ اﻟﻐﺰوات ﺣﺎﻣﻼ ﺳﻴﻔﻪ ﻗﺎﺋﺪا ﺟﻴﺸﻪ‪ ..‬و آﺎن ﻳﺠﻮع ﻣﻊ‬
‫ﺟﻨﻮدﻩ إذا ﺟﺎﻋﻮا و ﻳﻌﻄﺶ ﻣﻌﻬﻢ إذا ﻋﻄﺸﻮا‪ ..‬و آﺎن أول ﻣﻦ ﻳﻘﺘﺤﻢ اﻷﺧﻄﺎر‪ ..‬و ﻓﻲ إﺣﺪى اﻟﻐﺰوات‬
‫ﻧﻌﻠﻢ أﻧﻪ ﺟﺮح ﺑﻴﻦ ﻣﻦ ﺟﺮﺣﻮا‪ ..‬و ﻗﺪ ﺣﺎرب ﺳﺒﻌﺎ و ﻋﺸﺮﻳﻦ ﻣﻌﺮآﺔ ﺧﺎﺿﻬﺎ ﺟﻤﻴﻌﺎ و ﻗﺪ ﺟﺎوز ﺳﻦ‬
‫اﻟﺨﻤﺴﻴﻦ‪ ..‬ﻓﻬﻮ اﻟﻨﺒﻲ اﻟﻤﺒﻠﻎ و اﻟﺠﻨﺪي اﻟﻤﺤﺎرب و اﻟﻘﺎﺋﺪ اﻟﻤﺨﻄﻂ و اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ اﻟﺤﻜﻴﻢ‪ ..‬و هﻮ اﻟﻌﺎﺑﺪ‬
‫اﻟﺰاهﺪ‪ ..‬و هﻮ اﻟﺼﺎدق اﻷﻣﻴﻦ اﻟﻌﻒ اﻟﻴﺪ و اﻟﻠﺴﺎن‪ ..‬و هﻮ اﻻب اﻟﺤﻨﻮن و اﻟﺰوج اﻟﻌﻄﻮف و اﻟﺼﺪﻳﻖ‬
‫اﻟﻮدود‪ ..‬و هﻮ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺪﻋﻮة اﻟﺬي ﻻ ﻳﻨﺎم ﻋﻨﻬﺎ و اﻟﺬي ﻳﺤﺎرب ﻟﻬﺎ و ﻳﺤﺎرب دوﻧﻬﺎ إﻟﻰ ﺁﺧﺮ ﻧﻔﺲ ﻣﻦ‬
‫أﻧﻔﺎﺳﻪ اﻟﻄﺎهﺮة‪.‬‬

‫إﻧﻪ رﻣﺰ ﻟﻠﻌﻤﻞ اﻟﺪاﺋﺐ‪.‬‬

‫و هﻮ دﻟﻴﻞ آﻞ ﻣﻦ ﻳﺒﺘﻐﻲ اﻟﻮﺻﻮل‪ ،‬ﺣﻴﺚ ﻻ وﺻﻮل إﻻ ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ‪.‬‬

‫و ﻻ ﻃﺮﻳﻖ إﻻ ﻋﻠﻰ ﺳﻠﻢ اﻷﻋﻤﺎل‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪129‬‬
 ‫)) ﺳﻮاح ﻓﻲ دﻧﻴﺎ اﷲ ((‬
‫ﻟﻠﺪآﺘﻮر ﻣﺼﻄﻔﻰ ﻣﺤﻤﻮد‬

‫اﻟﺤﺐ اﻟﻘﺪﻳﻢ‬
‫اﻟﻨﺎس ﻳﻔﻬﻤﻮن اﻟﺪﻳﻦ ﻋﻠﻰ أﻧﻪ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ اﻷواﻣﺮ و اﻟﻨﻮاهﻲ و ﻟﻮاﺋﺢ اﻟﻌﻘﺎب و ﺣﺪود اﻟﺤﺮام‬
‫و اﻟﺤﻼل‪ ..‬و آﻠﻬﺎ ﻣﻦ ﺷﺌﻮن اﻟﺪﻧﻴﺎ‪ ..‬أﻣﺎ اﻟﺪﻳﻦ ﻓﺸﻲء ﺁﺧﺮ أﻋﻤﻖ و أﺷﻤﻞ و أﺑﻌﺪ‪.‬‬

‫اﻟﺪﻳﻦ ﻓﻲ ﺣﻘﻴﻘﺘﻪ هﻮ اﻟﺤﺐ اﻟﻘﺪﻳﻢ اﻟﺬي ﺟﺌﻨﺎ ﺑﻪ إﻟﻰ اﻟﺪﻧﻴﺎ و اﻟﺤﻨﻴﻦ اﻟﺪاﺋﻢ اﻟﺬي ﻳﻤﻸ ﺷﻐﺎف‬
‫ﻗﻠﻮﺑﻨﺎ إﻟﻰ اﻟﻮﻃﻦ اﻷﺻﻞ اﻟﺬي ﺟﺌﻨﺎ ﻣﻨﻪ‪ ،‬و اﻟﻌﻄﺶ اﻟﺮوﺣﻲ إﻟﻰ اﻟﻨﺒﻊ اﻟﺬي ﺻﺪرﻧﺎ ﻋﻨﻪ و‬
‫اﻟﺬي ﻳﻤﻸ آﻞ ﺟﺎرﺣﺔ ﻣﻦ ﺟﻮارﺣﻨﺎ ﺷﻮﻗﺎ و ﺣﻨﻴﻨﺎ‪ ..‬و هﻮ ﺣﻨﻴﻦ ﺗﻄﻤﺴﻪ ﻏﻮاﺷﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ و‬
‫ﺷﻮاﻏﻠﻬﺎ و ﺷﻬﻮاﺗﻬﺎ‪.‬‬

‫و ﻻ ﻧﻔﻴﻖ ﻋﻠﻰ هﺬا اﻟﺤﻨﻴﻦ إﻻ ﻟﺤﻈﺔ ﻳﺤﻴﻄﻨﺎ اﻟﻘﺒﺢ و اﻟﻈﻠﻢ و اﻟﻌﺒﺚ و اﻟﻔﻮﺿﻰ و‬
‫اﻻﺿﻄﺮاب ﻓﻲ هﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻓﻨﺸﻌﺮ أﻧﻨﺎ ﻏﺮﺑﺎء ﻋﻨﻪ و أﻧﻨﺎ ﻟﺴﻨﺎ ﻣﻨﻪ و إﻧﻤﺎ ﻣﺠﺮد زوار و‬
‫ﻋﺎﺑﺮي ﻃﺮﻳﻖ و ﻟﺤﻈﺘﻬﺎ ﻧﻬﻔﻮ إﻟﻰ ذﻟﻚ اﻟﻮﻃﻦ اﻷﺻﻞ اﻟﺬي ﺟﺌﻨﺎ ﻣﻨﻪ و ﻧﺮﻓﻊ رؤوﺳﻨﺎ ﻓﻲ‬
‫ﺷﻮق و ﺗﻠﻘﺎﺋﻴﺔ إﻟﻰ اﻟﺴﻤﺎء و ﺗﻬﻤﺲ آﻞ ﺟﺎرﺣﺔ ﻓﻴﻨﺎ‪ ..‬ﻳﺎ اﷲ‪ ..‬أﻳﻦ أﻧﺖ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪130‬‬
‫و ﻟﺤﻈﺔ ﻧﺨﻄﺊ و ﻧﺘﻮرط ﻓﻲ اﻟﻈﻠﻢ و ﻧﻨﺤﺪر إﻟﻰ درآﺎت اﻟﺨﺴﺮان ﻓﻨﻨﻜﺲ اﻟﺮؤوس ﻓﻲ‬
‫ﻧﺪم و ﻧﺪرك أﻧﻨﺎ ﻣﺪاﻧﻮن ﻣﺴﺌﻮﻟﻮن‪ ..‬ﻓﺬﻟﻚ هﻮ اﻟﺪﻳﻦ‪ ..‬ذﻟﻚ اﻟﺮﺑﺎط اﻟﺨﻔﻲ ﻣﻦ اﻟﺤﻨﻴﻦ ﻟﻤﺎض‬
‫ﻣﺠﻬﻮل‪ ..‬و ذﻟﻚ اﻹﺣﺴﺎس ﺑﺎﻟﻤﺴﺌﻮﻟﻴﺔ و ﺑﺄﻧﻨﺎ ﻣﺪﻳﻨﻮن أﻣﺎم ذات ﻋﻠﻴﺎ‪ ..‬و ذﻟﻚ اﻹﺣﺴﺎس‬
‫اﻟﻌﻤﻴﻖ ﻓﻲ ﻟﺤﻈﺎت اﻟﻮﺣﺪة و اﻟﻬﺠﺮ‪ ..‬ﺑﺄﻧﻨﺎ ﻟﺴﻨﺎ وﺣﺪﻧﺎ و إﻧﻤﺎ ﻓﻲ ﻣﻌﻴﺔ ﻏﻴﺒﻴﺔ و ﻓﻲ أﻧﺲ‬
‫ﺧﻔﻲ و أن هﻨﺎك ﻳﺪا ﺧﻔﻴﺔ ﺳﻮف ﺗﻨﺘﺸﻠﻨﺎ‪ ،‬و ذاﺗﺎ ﻋﻠﻴﺎ ﺳﻮف ﺗﻠﻬﻤﻨﺎ و رآﻨﺎ ﺷﺪﻳﺪاﺳﻮف‬
‫ﻳﺤﻤﻴﻨﺎ‪ ،‬و ﻋﻈﻴﻤﺎ ﺳﻮف ﻳﺘﺪارآﻨﺎ‪ ..‬ﻓﺬﻟﻚ هﻮ اﻟﺪﻳﻦ ﻓﻲ أﺻﻠﻪ و ﺣﻘﻴﻘﺘﻪ‪.‬‬

‫و ﻣﺎ ﺗﺒﻘﻰ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻣﻦ أواﻣﺮ و ﻧﻮاﻩ و ﺣﺮام و ﺣﻼل و أﺣﻜﺎم و ﻋﺒﺎدات هﻲ ﺗﻔﺎﺻﻴﻞ و‬
‫ﻧﺘﺎﺋﺞ و ﻣﻮﺟﺒﺎت ﻟﻬﺬا اﻟﺤﺐ اﻟﻘﺪﻳﻢ‪.‬‬

‫و ﻟﻜﻦ اﻟﺤﺐ هﻮ رأس اﻟﻘﻀﻴﺔ‪ ..‬و إذا ﻏﺎب ذﻟﻚ اﻟﺤﺐ ﻓﺈن آﻞ اﻟﻌﺒﺎدات و اﻟﻄﺎﻋﺎت ﻟﻦ‬
‫ﺗﺼﻨﻊ دﻳﻨﺎ و ﻟﻦ ﺗﺼﻨﻊ ﻣﺘﺪﻳﻨﺎ ﻣﺴﻠﻤﺎ آﺎن أو ﻣﺴﻴﺤﻴﺎ أو ﻳﻬﻮدﻳﺎ‪.‬‬

‫و ﻣﺎ آﺎن اﻟﺼﻠﻴﺒﻴﻮن اﻟﺬﻳﻦ ﺟﺎءوﻧﺎ ﻏﺰاة ﻃﺎﻣﻌﻴﻦ‪ ..‬ﻋﻠﻰ دﻳﻦ أي دﻳﻦ‪ ..‬و ﻻ آﺎن ﺳﻔﺎﺣﻮ‬
‫اﻟﺼﺮب اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻘﺘﻠﻮن اﻷﺑﺮﻳﺎء ﻋﻠﻰ أي ﻣﻠﺔ ﻣﻦ ﻣﻠﻞ اﻟﻨﺼﺎرى و ﻻ آﺎن إرهﺎﺑﻴﻮ اﻟﻴﻮم‬
‫اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻔﺠﺮون اﻟﻘﻨﺎﺑﻞ ﻣﺴﻠﻤﻴﻦ‪ ..‬و ﻟﻮ ﺻﻠﻮا ﺟﻤﻴﻌﺎ و ﻟﻮ ﺻﺎﻣﻮا اﻟﺪهﺮ و ﻟﻮ أﻃﺎﻟﻮا اﻟﻠﺤﻰ‬
‫و ﻗﺼﺮوا اﻟﺠﻼﺑﻴﺐ و ﺣﻤﻠﻮا اﻟﻤﺼﺎﺣﻒ و رﺗﻠﻮا اﻵﻳﺎت‪ ..‬ﻣﺎ ﺑﻠﻐﻮا ﻣﻦ اﻟﺪﻳﻦ ﺷﻴﺌﺎ‪.‬‬

‫و هﻞ ﺑﻠﻎ اﻟﻨﺒﻲ ﻳﺤﻴﺎ ) ﻳﻮﺣﻨﺎ اﻟﻤﻌﻤﺪان ( ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺼﻼة و اﻟﺴﻼم ﻣﺎ ﺑﻠﻐﻪ ﻣﻦ ﻧﺒﻮة إﻻ ﺑﺬﻟﻚ‬
‫اﻟﺤﻨﺎن اﻟﺬي آﺎن ﻳﻔﻴﺾ ﻣﻨﻪ و اﻟﺬي ﻗﺎل ﻓﻴﻪ رﺑﻪ‪ )) :‬و ﺣﻨﺎﻧﺎ ﻣﻦ ﻟﺪﻧﺎ و زآﺎة و آﺎن ﺗﻘﻴﺎ‬
‫(( ] ﻣﺮﻳﻢ ‪[ 13 :‬‬

‫ﻓﺘﻠﻚ آﺎﻧﺖ أرآﺎن ﻧﺒﻮﺗﻪ‪ ..‬اﻟﺤﻨﺎن و اﻟﺰآﺎة و اﻟﺘﻘﻮى‪.‬‬

‫و ﻧﺒﻴﻨﺎ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺼﻼة و اﻟﺴﻼم اﻟﺬي آﺎن ﻳﺤﺘﻀﻦ ﺟﺒﻞ أﺣﺪ و ﻳﻘﻮل‪:‬‬

‫هﺬا ﺟﺒﻞ ﻳﺤﺒﻨﺎ و ﻧﺤﺒﻪ‪..‬‬

‫ﺣﺘﻰ اﻟﺠﻤﺎد آﺎن ﻣﻮﺿﻊ ﺣﺐ اﻟﻨﺒﻲ و ﺗﻮﻗﻴﺮﻩ‪.‬‬

‫و هﺬا اﺑﻦ ﻋﺮﺑﻲ ﻳﻘﻮل‪:‬‬

‫ﻟﻦ ﺗﺒﻠﻎ ﻣﻦ اﻟﺪﻳﻦ ﺷﻴﺌﺎ ﺣﺘﻰ ﺗﻮﻗﺮ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺨﻼﺋﻖ و ﻻ ﺗﺤﺘﻘﺮ ﻣﺨﻠﻮﻗﺎ ﻣﺎ دام اﷲ ﻗﺪ ﺻﻨﻌﻪ‪.‬‬

‫و هﺬا رﺑﻨﺎ ﻳﻘﻮل ﻋﻦ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ‪:‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪131‬‬
 ‫)) أوﻟﺌﻚ اﻟﺬﻳﻦ اﻣﺘﺤﻦ اﷲ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ﻟﻠﺘﻘﻮى (( ] اﻟﺤﺠﺮات ‪[ 3 :‬‬

‫ﻓﺎﻟﻘﻠﻮب هﻲ داﺋﻤﺎ ﻣﻮﺿﻮع اﻻﻣﺘﺤﺎن‪.‬‬

‫و ﺣﺐ اﷲ و ﺣﺐ ﻣﺎ ﺧﻠﻖ و ﻣﺎ ﺻﻨﻊ ﻣﻦ أرﺿﻴﻦ و ﺳﻤﺎوات و ﻧﺒﺎت و ﺣﻴﻮان و ﺑﺸﺮ هﻮ‬

‫ﺟﻮهﺮ آﻞ اﻟﺪﻳﺎﻧﺎت اﻟﺤﻘﺔ‪ ..‬و هﻮ اﻟﻤﻘﻴﺎس اﻟﺬي ﻧﻔﺮق ﺑﻪ ﺑﻴﻦ أهﻞ اﻟﺪﻳﻦ‪ ..‬و اﻷدﻋﻴﺎء‬
‫اﻟﻤﺸﻌﻮذﻳﻦ و اﻟﻜﺬﺑﺔ‪.‬‬

‫و آﻞ اﻟﺪﻋﺎة اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻐﺮﻗﻮن أﺗﺒﺎﻋﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﺘﻔﺎﺻﻴﻞ و اﻟﻘﺸﻮر و اﻟﻤﻈﺎهﺮ و ﻳﺒﺘﻌﺪون ﺑﻬﻢ ﻋﻦ‬
‫روح اﻟﺪﻳﻦ‪ ..‬ﻋﻦ اﻟﺤﺐ و اﻟﺮﺣﻤﺔ و اﻟﺘﻘﻮى و ﻣﻜﺎرم اﻷﺧﻼق‪ ..‬هﻢ ﻣﻦ اﻟﻜﺬﺑﺔ ﺑﻘﺪر ﺑﻌﺪهﻢ‬
‫ﻋﻨﻬﺎ‪.‬‬

‫و ﻣﺎ آﺎن اﻋﺘﺮاض اﻟﻤﺴﻴﺢ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﺮﻳﺴﻴﻴﻦ إﻻ ﻹﻏﺮاﻗﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﺠﺪل و ﻓﻲ ﺣﺮﻓﻴﺔ‬

‫اﻟﻨﺼﻮص و ﻓﻲ ﻇﺎهﺮ اﻟﻜﻠﻤﺎت دون اﻻﻟﺘﻔﺎت إﻟﻰ روﺣﻬﺎ‪.‬‬

‫و ﻣﺎ آﺎﻧﺖ ﻧﻘﻤﺔ ﻣﻮﺳﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﻴﻬﻮد ﺣﻴﻨﻤﺎ أﻣﺮهﻢ ﺑﺄن ﻳﺬﺑﺤﻮا ﺑﻘﺮة‪ ..‬إﻻ ﻹﻏﺮاﻗﻬﻢ ﻓﻲ‬
‫اﻟﺠﺪل و اﻟﺘﻨﻄﻊ و اﻟﺴﺆال‪ ..‬أي ﺑﻘﺮة ﺗﻜﻮن و ﻣﺎ ﻟﻮﻧﻬﺎ‪ ..‬ﺑﻨﻴﺔ هﻲ أم ﻣﺮﻗﺸﺔ أم ﺻﻔﺮاء‪..‬‬
‫ﻋﺠﻮز أم ﺑﻜﺮ‪ ..‬ادع ﻟﻨﺎ رﺑﻚ ﻳﺒﻴﻦ ﻟﻨﺎ ﻣﺎ هﻲ‪ ..‬أو ﻟﻌﻠﻚ ﺗﻬﺰأ ﺑﻨﺎ‪.‬‬

‫هﺬا اﻟﺠﺪل و اﻟﻐﺮق ﻓﻲ اﻟﺘﻔﺎﺻﻴﻞ و اﻟﺘﺤﺠﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺮوف و اﻟﻜﻠﻤﺎت أﺧﺮﺟﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺪﻳﻦ‬
‫ﻓﻲ ﻧﻈﺮ ﻣﻮﺳﻰ و اﺳﺘﺤﻘﻮا ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺘﻘﺮﻳﻊ و اﻟﻠﻮم‪.‬‬

‫و ﻟﻸﺳﻒ اﻟﺸﺪﻳﺪ اﻟﺘﺪﻳﻦ اﻟﻴﻮم ﺧﺮج ﻣﻦ روح اﻟﺘﺪﻳﻦ ﺑﺴﺒﺐ اﻧﺤﺮاف اﻟﺪﻋﻮة و اﻧﺤﺮاف‬
‫أآﺜﺮ اﻟﺪﻋﺎة و إﻏﺮاﻗﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﻘﺸﻮر و اﻟﺘﻔﺎﺻﻴﻞ و اﻟﺨﻼﻓﻴﺎت و اﻷﻣﻮر اﻟﺜﺎﻧﻮﻳﺔ ﻣﻤﺎ أﻟﻘﻰ‬
‫ﺑﺄآﺜﺮ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ إﻟﻰ اﻻﺧﺘﻼف و اﻟﺠﺪل و اﻟﺘﻌﺼﺐ‪ ،‬و ﻣﻤﺎ أوﺟﺪ هﺬا اﻟﺘﺪﻳﻦ اﻟﺴﻄﺤﻲ‬
‫اﻟﻤﺘﻬﻮس اﻷﺑﻠﻪ‪.‬‬

‫و أرى أﻧﻨﺎ ﻣﻄﺎﻟﺒﻮن اﻟﻴﻮم أآﺜﺮ ﻣﻦ أي ﻳﻮم ﻣﻀﻰ ﺑﺎﻟﻌﻮدة إﻟﻰ روح اﻹﺳﻼم و إﻟﻰ ﻧﺒﻌﻪ‬
‫اﻟﺸﺎﻣﻞ‪ ..‬إﻟﻰ ﻓﻀﺎﺋﻞ اﻟﺤﺐ و اﻟﺮﺣﻤﺔ و اﻟﻤﻮدة و اﻟﺘﻘﻮى و ﺳﻌﺔ اﻟﺼﺪر ﻣﻊ اﻟﺨﺼﻮم و‬
‫ﺗﺪﺑﺮ ﻣﻌﺎﻧﻲ اﻟﻨﺼﻮص و ﻋﺪم اﻟﻮﻗﻮف ﻋﻨﺪ ﺣﺮوﻓﻬﺎ و ﻗﺮاءة اﻟﻘﺮﺁن ﺑﺎﻟﻘﻠﺐ و ﻟﻴﺲ‬
‫ﺑﺎﻷﺣﺪاق‪.‬‬

‫و اﻹﺳﻼم ﻟﻴﺲ أﻟﻐﺎزا و ﻟﻴﺲ ﻟﻮﻏﺎرﻳﺘﻤﺎت و ﻻ ﻳﺤﺘﺎج ﻣﻨﺎ إﻟﻰ آﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﺎوى‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪132‬‬
 ‫و اﻟﻨﺒﻲ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺼﻼة و اﻟﺴﻼم أﺟﺎب ﻣﻦ ﺳﺄﻟﻪ ﻋﻦ اﻹﺳﻼم ﻓﻘﺎل ﻓﻲ آﻠﻤﺎت ﻗﻠﻴﻠﺔ ﺑﻠﻴﻐﺔ‪:‬‬

‫ﻗﻞ ﻻ إﻟﻪ إﻻ اﷲ ﺛﻢ اﺳﺘﻘﻢ‪.‬‬

‫هﻜﺬا ﺑﺒﺴﺎﻃﺔ‪ ..‬آﻞ اﻟﻤﻄﻠﻮب هﻮ اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ و اﻻﺳﺘﻘﺎﻣﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﻜﺎرم اﻷﺧﻼق‪.‬‬

‫إﻧﻬﺎ اﻟﻔﻄﺮة و اﻟﺒﺪاهﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﻮﻟﺪ ﺑﻬﺎ ﻻ أآﺜﺮ‪ ..‬أن ﺗﺤﺐ أﺧﺎك آﻤﺎ ﺗﺤﺐ ﻧﻔﺴﻚ‪.‬‬

‫إﺳﺄل ﻧﻔﺴﻚ‪ ..‬هﻞ ﺗﻨﺎم آﻞ ﻳﻮم ﻋﻠﻰ ﻣﻮدة و ﺣﺐ و رﻏﺒﺔ ﻓﻲ اﻟﺨﻴﺮ و ﻧﻴﺔ ﻓﻲ ﻋﻤﻞ ﺻﺎﻟﺢ‬
‫؟ أم ﻋﻠﻰ ﻏﻞ و آﺮاهﻴﺔ و ﺣﺴﺪ و ﺗﺮﺑﺺ ؟‪ ..‬و ﺳﺘﻌﻠﻢ إﻟﻰ أي ﻣﺪى أﻧﺖ ﻋﻠﻰ دﻳﻦ‬
‫اﻹﺳﻼم‪.‬‬

‫ﻣﺎذا ﺗﺨﻔﻲ ﻓﻲ ﻃﻴﺎت ﺛﻴﺎﺑﻚ ؟ هﻞ ﺗﺨﻔﻲ ﺧﻨﺠﺮا أم ﻣﺴﺪﺳﺎ ؟ أم ﺗﺨﻔﻲ هﺪﻳﺔ ﺣﺐ و رﺳﺎﻟﺔ‬
‫ﺧﻴﺮ ﻹﺧﻮاﻧﻚ ؟‬

‫هﻞ ﺗﺨﻄﻂ ﻟﺘﺒﻨﻲ أم ﻟﺘﻬﺪم ؟‬

‫هﻞ ﺗﻨﻄﻖ ﺑﺎﻟﻄﻴﺐ ﻣﻦ اﻟﻘﻮل و ﺑﺎﻟﻨﺎﻓﻊ ﻣﻦ اﻟﻜﻼم ؟ أم ﺗﺪﻋﻮ إﻟﻰ اﻟﺨﺮاب و اﻟﺪﻣﺎر و اﻟﻔﺘﻦ‬
‫؟‬

‫إن اﻟﺪﻳﻦ ﻻ ﻳﺤﻤﻞ ﺳﻴﻔﺎ إﻻ ﻟﻠﺪﻓﺎع ﻋﻦ ﻣﻈﻠﻮم و ﻻ ﻳﻌﺮف اﻟﻌﻨﻒ إﻻ إﺻﻼﺣﺎ‪.‬‬

‫ﺑﻬﺬﻩ اﻟﻤﻘﺎﻳﻴﺲ ﺗﻌﺮف ﻧﻔﺴﻚ و ﺗﻌﺮف اﻟﺨﺎﻧﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻘﻒ ﻓﻴﻬﺎ ذﻟﻚ اﻟﺪاﻋﻴﺔ اﻟﺬي ﻳﺪﻋﻮك إﻟﻰ‬
‫اﻹﺳﻼم‪ ..‬و ﺗﻌﻠﻢ أﻳﻦ ﻳﻘﻒ‪ ..‬ﻣﻊ اﻟﺪﻳﻦ أم ﻣﻊ اﻹﺟﺮام‪.‬‬

‫إن اﻟﻔﻄﺮة و اﻟﺒﺪاهﺔ دﻟﻴﻠﻚ‪ ..‬و ﻟﺴﺖ ﻓﻲ ﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ ﻓﻘﻪ أو ﻓﻠﺴﻔﺔ أو ﻓﺘﻮى‪.‬‬

‫ﻗﻠﺒﻚ ﻳﻔﺘﻴﻚ‪.‬‬

‫إﻧﻪ اﻟﺤﺐ‪ ..‬ﻗﻠﺐ اﻟﻘﻀﻴﺔ و روﺣﻬﺎ‪ ..‬و اﻟﺠﻮهﺮ اﻟﺼﺎﻓﻲ ﻟﺠﻤﻴﻊ اﻷدﻳﺎن و آﻞ اﻟﺮﺳﺎﻻت‪.‬‬

‫أﻣﺎ اﻟﺸﺮاﺋﻊ و اﻷواﻣﺮ و اﻟﻨﻮاهﻲ ﻓﻬﻲ ﻟﺘﻨﻈﻴﻢ ﺷﺌﻮن اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻻ ﻏﻴﺮ‪ ..‬و هﻲ ﺗﺎﺑﻌﺔ ﻟﻺﻃﺎر‬
‫اﻟﻌﺎم‪ ..‬إﺷﺎﻋﺔ اﻟﺴﻼم و اﻟﻌﺪل و اﻟﺤﺐ ﺑﻴﻦ اﻟﻨﺎس‪ ..‬و ﺳﻮف ﻳﺘﻮﻗﻒ ﻋﻤﻠﻬﺎ ﻓﻲ اﻵﺧﺮة‪..‬‬
‫ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻻ ﻳﻌﻮد ﻷﺣﺪ ﺣﻜﻢ أو ﺳﻠﻄﺎن‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪133‬‬
 ‫)) ﻟﻤﻦ اﻟﻤﻠﻚ اﻟﻴﻮم‪ ..‬ﷲ اﻟﻮاﺣﺪ اﻟﻘﻬﺎر ((‪.‬‬

‫اﻧﺘﻬﺖ وﻇﻴﻔﺔ آﻞ اﻟﺸﺮاﺋﻊ و آﻞ اﻷواﻣﺮ‪ ..‬ﻷن اﻷﻣﺮ اﻵن أﺻﺒﺢ أﻣﺮ ﻣﻠﻚ اﻟﻤﻠﻮك‬
‫ﻣﺒﺎﺷﺮة‪ ،‬و اﻟﺘﺼﺮﻳﻒ ﺗﺼﺮﻳﻔﻪ‪ ،‬و اﻟﻌﺪل ﻋﺪﻟﻪ‪ ،‬و اﻟﺒﻄﺶ ﺑﻄﺸﻪ‪ ..‬و ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻷﺣﺪ اﻟﺤﺮﻳﺔ‬
‫ﻓﻲ أن ﻳﻄﻐﻰ أو ﻳﻈﻠﻢ‪.‬‬

‫و ﻣﺠﺎل اﻟﺸﺮاﺋﻊ إذن ﻣﺤﺪود ﺑﻮﻇﺎﺋﻔﻬﺎ و زﻣﺎﻧﻬﺎ‪.‬‬

‫و آﻤﺎ ﻗﺎل اﻟﻔﻘﻴﻪ اﻹﺳﻼﻣﻲ اﻟﻌﻈﻴﻢ‪ ..‬اﻟﻌﺰ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺴﻼم‪.‬‬

‫ﻓﻲ زﻣﺎن ﺷﻴﻮع اﻟﺒﻠﻮى إذا أﺻﺒﺢ ﺗﻄﺒﻴﻖ اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﻣﺆدﻳﺎ إﻟﻰ ازدﻳﺎد اﻟﻤﻨﻜﺮ ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺤﺴﻦ‬
‫ﺑﺎﻟﻤﺴﻠﻢ ﻋﺪم ﺗﻄﺒﻴﻘﻬﺎ ) ﺷﻬﻮد اﻟﺰور ﻋﻠﻰ أﺑﻮاب اﻟﻤﺤﺎآﻢ و ﻳﻤﻜﻨﻚ أن ﺗﺴﺘﺄﺟﺮ أي واﺣﺪ‬
‫ﻟﺘﻘﻄﻊ ﺑﻪ ﻳﺪ ﺧﺼﻤﻚ (‪.‬‬

‫و ﻣﻦ هﻨﺎ أﻓﺘﻰ اﻟﻌﺰ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺴﻼم ﺑﻌﺪم ﺗﻄﺒﻴﻖ ﺣﺪ اﻟﺨﻤﺮ ﻋﻠﻰ ﻋﺴﻜﺮ اﻟﺘﺘﺎر ﻷن ﺳﻜﺮهﻢ‬
‫و ﻏﻴﺒﻮﺑﺘﻬﻢ ﺳﻮف ﺗﻜﻒ ﺷﺮهﻢ ﻋﻦ اﻟﻨﺎس و ﻓﻲ ذﻟﻚ ﻓﺎﺋﺪة و ﺧﻴﺮ‪ ..‬ﺑﻴﻨﻤﺎ إﻓﺎﻗﺘﻬﻢ ﺳﻮف‬
‫ﺗﺆدي ﺑﻬﻢ إﻟﻰ ﻣﻌﺎودة اﻷذى و اﻟﻀﺮر و ﻓﻲ ذﻟﻚ ﻣﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﻨﻜﺮ‪.‬‬

‫ﻟﻘﺪ ﻓﻬﻢ ذﻟﻚ اﻟﻔﻘﻴﻪ اﻟﻌﻈﻴﻢ أن ﺣﻜﻤﺔ اﻟﺸﺮاﺋﻊ هﻲ إﻗﺎﻣﺔ اﻟﻤﺼﺎﻟﺢ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ و أﻧﻬﺎ ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ‬
‫ﺑﺎﻟﻤﻨﺎﻓﻊ و ﻟﻴﺲ ﻟﻬﺎ ﺣﻜﻢ ﻣﻄﻠﻖ و أن ﻣﺠﺎﻟﻬﺎ ﻣﺤﺪود ﺑﻮﻇﺎﺋﻔﻬﺎ و زﻣﺎﻧﻬﺎ‪.‬‬

‫و ﺑﻬﺬا اﻟﻤﻌﻨﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﻟﻢ ﻳﻄﺒﻖ اﻟﻨﺒﻲ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺼﻼة و اﻟﺴﻼم ﺣﺪ اﻟﻘﻄﻊ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺎرق ﻓﻲ‬
‫ﺳﻨﻮات اﻟﺤﺮب آﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﻄﺒﻘﻪ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب ﻓﻲ ﻋﺎم اﻟﻤﺠﺎﻋﺔ‪.‬‬

‫و ﻧﻔﺲ هﺬا اﻟﻜﻼم ﻳﻘﺎل ﻟﻠﻐﻮﻏﺎﺋﻴﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﺪﻋﺎة و اﻟﺴﻄﺤﻴﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻄﺎﻟﺒﻮن ﺑﻘﻄﻊ اﻷﻳﺪي و‬
‫اﻟﺮﺟﻢ و اﻟﺠﻠﺪ آﻌﻼج ﻟﻠﻔﺴﺎد اﻟﻤﻮﺟﻮد‪ ..‬و هﻢ ﻻ ﻳﻌﻠﻤﻮن أن اﻟﻔﻘﻪ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻧﻔﺴﻪ ﻻ‬
‫ﻳﻮاﻓﻘﻬﻢ ﻋﻠﻰ هﺬا اﻟﻔﻬﻢ اﻟﺴﻄﺤﻲ و اﻟﻐﻮﻏﺎﺋﻲ‪ ..‬ﻓﺎﻟﻌﺼﺮ ﺑﺎﻋﺘﺮاﻓﻬﻢ ﻋﺼﺮ ﺷﻴﻮع اﻟﻔﺴﺎد و‬
‫ﺷﻴﻮع اﻟﺒﻮى‪ ،‬و ﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻳﺴﺘﻮﺟﺐ ﻓﻘﻬﺎ ﺁﺧﺮ ﻣﻼﺋﻤﺎ ﻟﻠﻈﺮف اﻟﻘﺎﺋﻢ‪ ..‬ﻷن ﺗﻄﺒﻴﻖ اﻟﺤﺪود‬
‫اﻟﻌﺎدﻳﺔ ﺳﻮف ﻳﺰﻳﺪ اﻟﻤﻨﻜﺮ ﻧﻜﺮا‪ ..‬ﻓﺎﻟﻮزﻳﺮ و اﻟﻜﺒﻴﺮ اﻟﺬي ﻳﺴﺮق ﻣﺌﺎت اﻟﻤﻼﻳﻴﻦ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ‬
‫اﻟﻌﻤﻮﻻت ﻟﻦ ﺗﻄﺒﻖ ﻋﻠﻴﻪ ﺷﺮوط اﻟﻘﻄﻊ اﻟﻔﻘﻬﻴﺔ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ و ﺳﻮف ﻳﻌﻔﻰ ﻣﻦ اﻟﻘﻄﻊ ﺑﻴﻨﻤﺎ‬
‫اﻟﻨﺸﺎل اﻟﺬي ﻳﺴﺮق ﺧﻤﺴﺔ ﺟﻨﻴﻬﺎت ﺳﻮف ﺗﻘﻄﻊ ﻳﺪﻩ و ﻓﻲ ذﻟﻚ ﻇﻠﻢ ﻓﺎﺣﺶ و ﺗﺸﺠﻴﻊ ﻟﻠﻜﻞ‬
‫ﺑﺄن ﻳﺴﺮﻗﻮا و ﻳﻨﻬﺒﻮا ﺑﺎﻟﻄﺮق اﻟﻤﻠﺘﻮﻳﺔ ﻣﻦ ﻋﻤﻮﻻت و رﺷﻮة و اﺧﺘﻼس و ﺗﺰﻳﻴﻒ و‬
‫ﺧﻼﻓﻪ‪ ..‬و ﻓﻲ ذﻟﻚ ﺣﺾ ﻋﻠﻰ ﻋﻤﻮم اﻟﻤﻨﻜﺮ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪134‬‬
 ‫و ﻋﻠﻰ ﺑﺎب أي ﻣﺤﻜﻤﺔ ﻳﻤﻜﻨﻚ أن ﺗﺸﺘﺮي أرﺑﻌﺔ ﺷﻬﻮد زور ﻟﺘﻘﻄﻊ ﻳﺪ ﻣﻦ ﺗﺮﻳﺪ و ﺗﺮﺟﻢ‬
‫ﻣﻦ ﺗﺸﺎء‪.‬‬

‫ﺛﻢ ﻣﻦ ﻳﻘﻄﻊ ﻳﺪ ﻣﻦ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ آﻠﻪ ﻣﻦ اﻟﻠﺼﻮص و اﻟﻤﺮﺗﺸﻴﻦ‪..‬؟!‬

‫و ﻧﻔﺲ اﻟﺸﻲء ﻳﻘﺎل ﻓﻲ ﻣﻌﺎﻗﺒﺔ اﻟﺰاﻧﻲ ﺑﺎﻟﺮﺟﻢ ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬي ﺗﺤﺾ ﻓﻴﻪ اﻹذاﻋﺎت و اﻟﺒﺚ‬
‫اﻟﺘﻠﻴﻔﺰﻳﻮﻧﻲ اﻟﺨﺎرﺟﻲ اﻟﻬﺎﺑﻂ ﻣﻦ اﻟﺠﻮ ﻋﺒﺮ اﻷﻗﻤﺎر اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﺤﺶ اﻟﻌﻠﻨﻲ و ﺗﺪﻓﻊ‬
‫ﺑﺎﻟﺸﺒﺎب دﻓﻌﺎ إﻟﻰ اﻟﻔﺴﻖ‪ ..‬ﻓﺎﻟﺸﺒﺎب ﻣﺠﻨﻲ ﻋﻠﻴﻪ و ﻟﻴﺲ ﺟﺎﻧﻴﺎ و إﻃﻼق اﻟﺤﺪود ﻓﻲ ﻣﺜﻞ هﺬﻩ‬
‫اﻟﺤﺎل ﻣﻦ ﺷﻴﻮع اﻟﺒﻠﻮى ﻇﻠﻢ‪ ..‬ﻓﻀﻼ ﻋﻦ اﺳﺘﺤﺎﻟﺔ اﺳﺘﻴﻔﺎء اﻟﺸﺮوط اﻟﻔﻘﻬﻴﺔ ﻟﻠﺮﺟﻢ و هﻲ‪..‬‬
‫أرﺑﻌﺔ ﺷﻬﻮد ﻳﺤﻠﻔﻮن أﻧﻬﻢ ﺷﻬﺪوا ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻹدﺧﺎل‪ ..‬ﻓﺎﻟﻌﻘﻮﺑﺔ هﻨﺎ ﻏﻴﺮ واردة‪ ..‬و هﺆﻻء‬
‫اﻟﺪﻋﺎة اﻟﻐﻮﻏﺎﺋﻴﻮن ﻳﻘﻮﻟﻮن إﻓﻜﺎ ﻣﻦ اﻟﻘﻮل و زورا و ﻳﺒﺎﺷﺮون ﻓﻬﻤﺎ ﻣﺘﺤﺠﺮا ﺿﻴﻖ اﻷﻓﻖ‬
‫ﻻ ﻳﻘﻮل ﺑﻪ أي ﻓﻘﻴﻪ ﻣﺴﻠﻢ ﻣﺴﺘﻨﻴﺮ‪.‬‬

‫و ﻳﻨﺴﻰ هﺆﻻء ﻋﻘﻼﻧﻴﺔ اﻹﺳﻼم و ﻣﺮوﻧﺘﻪ و ﺗﻘﺪﻳﺮﻩ ﻟﻠﻈﺮوف‪.‬‬

‫و ﻳﺄﺧﺬون ﻣﻦ اﻟﻘﺮﺁن ﺁﻳﺔ واﺣﺪة ﻣﻘﻄﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺳﻴﺎﻗﻬﺎ و ﻳﻐﻔﻠﻮن روح اﻟﻘﺮﺁن ﻓﻲ ﻣﺠﻤﻮع‬
‫ﺁﻳﺎﺗﻪ و ﻧﺼﻮﺻﻪ و هﻮ آﺘﺎب أوﻟﻪ رﺣﻤﺔ و ﺁﺧﺮﻩ رﺣﻤﺔ‪.‬‬

‫أﻟﻢ ﻳﻘﻞ اﻹﻧﺠﻴﻞ ﻓﻲ ﺻﺮﻳﺢ ﺁﻳﺎﺗﻪ‪:‬‬

‫إن أﻋﺜﺮﺗﻚ ﻳﺪك ﻓﺎﻗﻄﻌﻬﺎ و إن أﻋﺜﺮﺗﻚ ﻋﻴﻨﻚ ﻓﺎﻗﻠﻌﻬﺎ‪.‬‬

‫و هﻮ أﻣﺮ ﺑﻘﻄﻊ اﻟﻴﺪ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺮق و ﻓﻖء اﻟﻌﻴﻦ اﻟﺘﻲ ﺗﺰﻧﻲ‪ ..‬و ﻣﻊ ذﻟﻚ ﻟﻢ ﻳﻘﻞ أﺣﺪ ﻣﻦ ﻓﻘﻬﺎء‬
‫اﻟﻤﺴﻴﺤﻴﺔ ﺑﻬﺬا‪ ..‬و إﻧﻤﺎ وﺿﻌﻮا اﻵﻳﺔ داﺧﻞ ﻣﺠﻤﻮع ﺁﻳﺎت اﻹﻧﺠﻴﻞ و ﺳﻮرﻩ و ﻗﺎﻟﻮا ﺑﺎﻟﺮوح‬
‫اﻟﻌﺎﻣﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺸﻴﻊ ﻓﻲ آﺘﺎﺑﻬﻢ‪ ..‬و هﻲ روح اﻟﻤﺤﺒﺔ و اﻟﺮﺣﻤﺔ و اﻟﻌﻔﻮ و اﻟﻤﻐﻔﺮة‪ ..‬و اآﺘﻔﻮا‬
‫ﺑﺎﻟﻌﻘﻮﺑﺎت اﻟﺘﻌﺰﻳﺮﻳﺔ ﻣﺜﻞ اﻟﺴﺠﻦ و اﻟﺘﺄدﻳﺐ و اﻟﻐﺮاﻣﺔ‪.‬‬

‫ﺑﻬﺬا اﻟﻤﻔﻬﻮم ﻣﻦ اﻟﺤﺐ و اﻟﺮﺣﻤﺔ ﻳﻜﻮن اﻟﻨﻈﺮ إﻟﻰ اﻟﺸﺮاﺋﻊ ﻓﻲ إﻃﺎر زﻣﺎﻧﻬﺎ و ﻣﻜﺎﻧﻬﺎ و‬
‫ﻇﺮوﻓﻬﺎ و ﻓﻲ إﻃﺎر اﻟﺮﺣﻤﺔ اﻟﺘﻲ أوﺟﺒﻬﺎ اﷲ‪ ..‬ﻓﻬﻮ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺧﻠﻖ ﻟﻨﺎ اﻟﺸﺮاﺋﻊ ﻹﺳﻌﺎدﻧﺎ ﻓﻲ‬
‫اﻟﺪﻧﻴﺎ و ﻟﻴﺲ ﻟﺘﻌﺬﻳﺒﻨﺎ و ﺧﻠﻖ ﻟﻨﺎ اﻟﻌﻘﻞ ﻟﻨﺘﺪﺑﺮ آﻠﻤﺎﺗﻪ و ﻟﻢ ﻳﻀﻊ داﺧﻞ رؤوﺳﻨﺎ ﺣﺠﺎرة و ﻻ‬
‫ﺟﻌﻠﻨﺎ ﺁﻻت ﺗﻨﻔﺬ ﻓﻲ ﺁﻟﻴﺔ ﺑﻼ ﺗﺪﺑﺮ و ﺑﻼ ﺗﻔﻜﻴﺮ‪ ..‬و أراد ﺑﺮوح اﻟﻨﺼﻮص أن ﺗﻜﻮن هﻲ‬
‫اﻟﺤﺎآﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﺮوﻓﻬﺎ‪ ..‬و ﺑﺪأ ﺑﺎﺳﻤﻪ اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﺮﺣﻴﻢ آﻞ ﺷﻲء‪.‬‬

‫و إﺳﻼﻣﻨﺎ أوﻟﻪ رﺣﻤﺔ و ﺁﺧﺮﻩ ﺣﻤﺪ و أوﺳﻄﻪ ﻣﺤﺒﺔ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪135‬‬
 ‫و اﻟﺤﺐ هﻮ روح اﻟﻮﺟﻮد و هﻮ ﺳﺮ دﻳﻤﻮﻣﺘﻪ‪ ..‬و هﻮ اﻟﻨﻔﺤﺔ اﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺑﺪوﻧﻬﺎ ﺗﻨﻬﺪ‬
‫أرآﺎن اﻟﺸﺮاﺋﻊ ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ و ﺗﺰول اﻟﻨﻌﻤﺔ و ﻳﻨﻌﺪم اﻟﻤﻌﻨﻰ‪.‬‬

‫و ﺑﺪون اﻟﺤﺐ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻚ ﻻ ﻳﻌﻮد ﻟﻮﺟﻮدك ﻣﻌﻨﻰ و ﻻ ﻟﻔﻀﺎﺋﻠﻚ ﻣﻌﻨﻰ و ﻻ ﻟﺪﻳﻨﻚ أي ﻣﻌﻨﻰ‬
‫ﻣﻬﻤﺎ أﻃﻠﺖ اﻟﻠﺤﻰ و ﺑﺴﻤﻠﺖ و ﺣﻮﻗﻠﺖ و ﺻﻤﺖ و ﺣﺠﺠﺖ و اﻋﺘﻤﺮت‪.‬‬

‫و ﻏﻨﻲ ﻋﻦ اﻟﺒﻴﺎن أن اﻟﻤﻘﺼﻮد ﺑﺎﻟﺤﺐ هﻨﺎ‪ ..‬هﻮ ﺣﺐ اﻟﺤﻖ و ﺣﺐ اﻟﺨﻴﺮ و ﺣﺐ اﻟﻌﺪل و‬

‫ﺣﺐ اﻟﺠﻤﺎل و ﺣﺐ اﻟﻤﺜﻞ اﻟﻌﻠﻴﺎ و هﻲ ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ أﺳﻤﺎء اﷲ اﻟﺤﺴﻨﻰ و ﻣﺴﻤﻴﺎﺗﻪ‪ ..‬ﻓﻬﻮ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ‬
‫وﺣﺪﻩ اﻟﺬي ﻟﻪ اﻟﻤﺜﻞ اﻷﻋﻠﻰ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎوات و اﻷرض‪ ..‬و هﻮ اﻟﺤﻖ و هﻮ اﻟﻌﺪل اﻟﺤﻜﻢ و‬
‫هﻮ ﺑﺪﻳﻊ اﻟﺴﻤﺎوات و اﻷرض‪ ..‬و آﻞ ﺟﻤﺎل ﻓﻲ اﻟﻜﻮن ﻳﺮﺗﺪ إﻟﻰ ﺟﻤﺎﻟﻪ و آﻞ آﻤﺎل ﻓﻲ‬
‫اﻟﺨﻠﻖ ﻳﺮﺗﺪ إﻟﻰ آﻤﺎﻟﻪ‪.‬‬

‫و هﺬا هﻮ اﻟﺤﺐ اﻟﻘﺪﻳﻢ اﻟﺬي ﻓُﻄﺮﻧﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻨﺬ أن ﺧﺎﻃﺒﻨﺎ رﺑﻨﺎ ﻗﺒﻞ أن ﻧﻮﻟﺪ و ﻗﺒﻞ أن ﻧﺠﻲء‬
‫إﻟﻰ اﻟﺪﻧﻴﺎ هﺎﺗﻔﺎ ﺑﻨﺎ‪:‬‬

‫أﻟﺴﺖ ﺑﺮﺑﻜﻢ‪.‬‬

‫ﻓﻘﻠﻨﺎ ﺟﻤﻴﻌﺎ و ﻧﺤﻦ ﻧﻨﻈﺮ ﺑﺘﻌﻠﻖ و ﺣﺐ إﻟﻰ وﺟﻬﻪ اﻟﻜﺮﻳﻢ‪:‬‬

‫ﺑﻠﻰ ﺷﻬﺪﻧﺎ‪.‬‬

‫و هﺬا اﻟﺤﺐ هﻮ ﺣﻘﻴﻘﺔ آﻞ اﻷدﻳﺎن و روح آﻞ اﻟﻌﻘﺎﺋﺪ و أﺳﺎس آﻞ اﻟﻤﻠﻞ‪ ..‬و ﺑﺪوﻧﻪ ﻻ‬
‫ﻣﻌﻨﻰ ﻟﺪﻳﻦ و ﻻ ﻣﻌﻨﻰ ﻟﺪﻳﻨﻮﻧﺔ‪.‬‬

‫و هﺬا اﻟﺸﻮق اﻟﻨﺒﻴﻞ هﻮ اﻟﻄﺎﻗﺔ اﻟﺪاﻓﻌﺔ وراء آﻞ ﻓﻦ ﻋﻈﻴﻢ و آﻞ إﺑﺪاع رﻓﻴﻊ و آﻞ ﻓﻜﺮ‬
‫ﻣﻠﻬﻢ و آﻞ اﺳﺘﺸﻬﺎد و آﻞ ﻓﺪاء و آﻞ ﺑﻄﻮﻟﺔ‪.‬‬

‫و هﺬﻩ اﻟﻨﻮراﻧﻴﺔ ﻓﻴﻨﺎ هﻲ اﻟﺘﻲ اﻗﺘﻀﺖ ﺳﺠﻮد اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ و ﺗﺴﺨﻴﺮ اﻟﻜﻮن ﻟﻨﺎ‪ ..‬و هﻲ اﻟﺘﻲ‬
‫ﺟﻌﻠﺖ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ رﻏﻢ ﻣﺸﻘﺎﺗﻬﺎ و ﻋﺬاﺑﻬﺎ ﺟﺪﻳﺮة ﺑﺄن ﻧﺤﻴﺎهﺎ‪.‬‬

‫ﻓﻤﺎذا ﻧﺤﻦ ﻓﺎﻋﻠﻮن ؟‬

‫أﻣﺎ زﻟﻨﺎ ﻧﺨﺘﻠﻒ ﺳﻨﺔ و ﺷﻴﻌﺔ و ﺷﻮاﻓﻊ و أﺣﻨﺎﻓﺎ و زﻳﻮدا‪ ..‬و ﻋﻠﻰ ﻣﺎذا ؟‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪136‬‬
 ‫ﻋﻠﻰ ﻣﺎء اﻟﻮﺿﻮء ﻳﺼﻞ إﻟﻰ اﻟﻜﻮع أو ﻳﺸﻤﻠﻪ‪ ..‬و ﻋﻠﻰ اﻷﻳﺪي ﺗﺮﺳﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺎﻧﺒﻴﻦ أﺛﻨﺎء‬
‫اﻟﺼﻼة أو ﺗﻀﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﺪر‪ ..‬و ﻋﻠﻰ ﻧﻘﺎب أم ﺣﺠﺎب‪ ..‬و ﻟﺤﻴﺔ أم ﺟﻠﺒﺎب‪ ..‬و أذان واﺣﺪ‬
‫ﻹﻗﺎﻣﺔ اﻟﺼﻼة أم أذاﻧﻴﻦ‪ ..‬و ﻧﺠﻬﺮ ﺑﺎﻟﺼﻼة ﻣﺘﻰ و ﻧﺨﺎﻓﺖ ﺑﻬﺎ ﻣﺘﻰ‪ ..‬و ﻧﻨﺘﻈﺮ اﻹﻣﺎم‬
‫اﻟﻐﺎﺋﺐ أم ﻻ ﻧﻨﺘﻈﺮ‪ ..‬و ﻧﻮﻟﻲ اﻟﻔﻘﻴﻪ أم اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ‪ ..‬و ﻧﻀﻊ أﻣﻮاﻟﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﺒﻨﻚ أو ﻋﻨﺪ اﻟﺮﻳﺎن‪.‬‬

‫ﻳﺎ ﺳﺎدة‪ ..‬ﻓﻴﻢ ﺗﺨﺘﻠﻔﻮن‪ ..‬أﻻ ﺗﺮون اﻷﻳﺪي اﻟﺘﻲ ﺗﺮﻳﺪ أن ﺗﻠﻘﻲ ﺑﻜﻢ ﻓﻲ ﺟﺐ و ﺗﻬﻴﻞ ﻋﻠﻴﻜﻢ‬
‫اﻟﺘﺮاب ؟‪ ..‬أﻻ ﺗﺴﻤﻌﻮن آﻼم اﷲ ﻳﺪوي ﻓﻲ ﺁذاﻧﻜﻢ‪.‬‬

‫)) إن هﺬﻩ أﻣﺘﻜﻢ أﻣﺔ واﺣﺪة و أﻧﺎ رﺑﻜﻢ ﻓﺎﻋﺒﺪون (( ] اﻷﻧﺒﻴﺎء ‪[ 92 :‬‬

‫أﻻ ﺗﺴﻤﻌﻮن وﻋﻴﺪﻩ و ﺗﻬﺪﻳﺪﻩ و هﻮ ﻳﻘﻮل‪:‬‬

‫)) و إن ﺗﺘﻮﻟﻮا ﻳﺴﺘﺒﺪل ﻗﻮﻣﺎ ﻏﻴﺮآﻢ ﺛﻢ ﻻ ﻳﻜﻮﻧﻮا أﻣﺜﺎﻟﻜﻢ (( ] ﻣﺤﻤﺪ ‪[ 38 :‬‬

‫و إﻧﻪ ﻟﻴﻮﺷﻚ أن ﻳﻔﻌﻞ إذا اﺳﺘﻤﺮ ﺧﻼﻓﻨﺎ‪.‬‬

‫و ﻓﻴﻢ اﻟﺨﻼف و ﻗﺪ ﺁذن اﻟﻤﻮت ﺑﺎﻗﺘﺮاب و أﻃﺒﻖ ﻋﻠﻴﻨﺎ اﻟﺘﺂﻣﺮ ﻣﻦ آﻞ ﺟﺎﻧﺐ‪.‬‬

‫و آﻴﻒ ﻳﺨﺘﻠﻒ أهﻞ ﺗﻮﺣﻴﺪ و أهﻞ ﻓﻄﺮة‪ ..‬دﻳﻨﻬﻢ أﺑﺴﻂ و أوﺿﺢ ﻣﻦ ﻧﻮر اﻟﻨﻬﺎر‪ ..‬أوﺟﺰﻩ‬
‫ﻧﺒﻴﻬﻢ ﻓﻲ آﻠﻤﺎت‪:‬‬

‫ﻗﻞ ﻻ إﻟﻪ إﻻ اﷲ ﺛﻢ اﺳﺘﻘﻢ‪.‬‬

‫ﻟﻢ ﻳﺬآﺮ ﻋﻤﺎﻣﺔ و ﻻ ﺟﻠﺒﺎﺑﺎ و ﻻ ﻟﺤﻴﺔ و ﻻ ﻧﻘﺎﺑﺎ‪ ..‬و إﻧﻤﺎ ﻓﻘﻂ اﻻﺳﺘﻘﺎﻣﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﻜﺎرم‬
‫اﻷﺧﻼق و ﻋﻠﻰ ﺗﻮﺣﻴﺪ اﷲ‪ ..‬و آﻞ ﻣﺎ ﻋﺪا ذﻟﻚ ﻓﻀﻮل‪ ..‬و هﻞ اﻟﺒﻨﻮك ﺣﺮام أم ﺣﻼل ؟ و‬
‫هﻞ اﻟﺘﺼﻮﻳﺮ ﺣﺮام أم ﺣﻼل ؟ و هﻞ اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ ﺣﺮام أم ﺣﻼل‪..‬؟‬

‫و هﻞ اﻟﻐﻨﺎء ﺣﺮام أم ﺣﻼل‪..‬؟‬

‫ﻟﻢ ﻳﺪﺧﻞ ﺑﻨﺎ ﻓﻲ هﺬﻩ اﻟﺘﻔﺎﺻﻴﻞ و اﻟﻤﺘﺎهﺎت‪.‬‬

‫و ﻗﺪ ﻏﻨﺖ اﻟﺒﻨﺎت و اﻷوﻻد ﻟﻠﻨﺒﻲ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺼﻼة و اﻟﺴﻼم ﻋﻨﺪ ﻗﺪوﻣﻪ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ و أﻧﺸﺪﺗﻪ‬
‫اﻟﺨﻨﺴﺎء اﻟﺸﻌﺮ ﻓﺎﺳﺘﺰادهﺎ‪ ..‬و ﻟﻮ آﺎﻧﺖ هﻨﺎك آﺎﻣﻴﺮات ﻋﻠﻰ زﻣﺎن اﻟﻨﺒﻲ ﻟﻮﺟﺪﻧﺎ ﻟﻪ و‬
‫ﻟﺼﺤﺎﺑﺘﻪ اﻟﻜﺮام ﻣﺌﺎت اﻟﺼﻮر‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪137‬‬
 ‫و هﻨﺎك اﻟﺠﺪﻳﺪ و اﻟﺮﻓﻴﻊ ﻣﻦ اﻟﻔﻨﻮن اﻟﺬي ﺗﻨﺸﺮح ﻟﻪ اﻟﺼﺪور و هﻨﺎك اﻟﻮﺿﻴﻊ و اﻟﻬﺎﺑﻂ‬
‫اﻟﺬي ﺗﻌﺎﻓﻪ اﻷذواق و ﺗﺮﻓﻀﻪ اﻟﻨﻔﻮس ﻗﺒﻞ اﻟﺸﺮاﺋﻊ‪.‬‬

‫و ﺗﺴﺘﺠﺪ ﻓﻲ آﻞ زﻣﺎن أﺣﻮال و ﻇﺮوف‪.‬‬

‫و ﺗﻄﺮأ ﻣﻼﺑﺴﺎت و ﻣﺘﻐﻴﺮات‪.‬‬

‫ﺛﻢ ﻻ ﺗﺨﺘﻠﻒ اﻷذواق ﻋﻠﻰ ﻗﺒﺢ اﻟﻘﺒﻴﺢ و ﻋﻠﻰ ﺣﺴﻦ اﻟﺤﺴﻦ‪.‬‬

‫و ﻻ ﻳﺤﺘﺎج أهﻞ اﻟﻔﻄﺮ اﻟﺴﻠﻴﻤﺔ إﻟﻰ ﻓﺘﺎوى و إﻧﻤﺎ ﻗﻠﺐ اﻟﻤﺆﻣﻦ دﻟﻴﻠﻪ‪.‬‬

‫إﻧﻤﺎ هﻲ ﺗﺠﺎرة ﺟﺪﻳﺪة ﻳﻤﺸﻲ ﺑﻬﺎ ﺗﺠﺎر اﻟﺴﻮء ﻓﻲ اﻟﻨﺎس ﻓﻴﺸﻜﻜﻮن ﻓﻲ آﻞ ﺷﻲء و ﻳﺒﺜﻮن‬
‫اﻟﻮﺳﻮاس و ﻳﻨﺸﺮون اﻟﺨﻼﻓﺎت و ﻳﺸﻴﻌﻮن اﻟﻤﺨﺎوف و ﻳﺒﺬرون اﻷﺣﻘﺎد و ﻳﺠﻌﻠﻮن ﻣﻦ آﻞ‬
‫ﻃﺎﺋﻔﺔ ﻋﺪوة ﻟﻸﺧﺮى و ﻳﺠﻌﻠﻮن ﻣﻦ آﻞ إﻧﺴﺎن ﺧﺼﻴﻤﺎ ﻷﺧﻴﻪ‪.‬‬

‫و هﻲ ﺗﺠﺎرة ﺗﺮوج ﻣﻊ اﻟﺘﺨﻠﻒ و ﺗﺰدهﺮ ﻓﻲ اﻷزﻣﻨﺔ اﻟﺮدﻳﺌﺔ‪.‬‬

‫و ﻧﺤﻦ ﺑﻼ ﺷﻚ ﻓﻲ أردأ اﻷزﻣﺎن‪.‬‬

‫و إذ ﻳﻮﺷﻚ اﻟﻈﻼم أن ﻳﺸﺘﺪ و ﻳﻤﻸ ﺗﺠﺎر اﻟﺴﻮء اﻷرﺻﻔﺔ ﺑﺒﻀﺎﻋﺘﻬﻢ اﻟﻔﺎﺳﺪة و ﻳﺘﻨﺎدى‬
‫أﺑﺎﻟﺴﺔ اﻟﺸﻘﺎق ﻟﻴﺸﺘﺘﻮا اﻟﻨﺎس ﺷﺮاذم و ﺟﺬاذات‪ ..‬ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺗﺰﺣﻒ ﻋﻠﻴﻨﺎ اﻟﻌﺪاوات ﻣﻦ آﻞ‬
‫ﺟﺎﻧﺐ و ﻧﺤﻦ ﻓﻲ ﻏﻔﻠﺔ‪ ..‬ﻻ أﻣﻠﻚ إﻻ أن أﺻﻴﺢ ﺑﺎﻟﻜﻞ‪ ..‬أن اﻧﺘﺒﻬﻮا‪ ..‬و اﺳﺘﻘﻴﻤﻮا ﻳﺮﺣﻤﻜﻢ‬
‫اﷲ‪ ..‬و ﺳﺪوا اﻟﻔﺮج‪ ..‬و ﺿﻤﻮا اﻟﺼﻔﻮف‪ ..‬ﻓﻠﻴﺲ أوﻟﻰ ﺑﺎﻟﻮﺣﺪة ﻣﻨﺎ ﻧﺤﻦ ﻋﺒﺎد اﻟﻮاﺣﺪ‪..‬‬
‫ﻓﻠﻴﺲ ﻋﻨﺪﻧﺎ آﺜﺮة ﻣﻦ اﻵﻟﻬﺔ ﻧﺨﺘﻠﻒ ﻋﻠﻴﻬﺎ و إﻧﻤﺎ هﻮ إﻟﻪ واﺣﺪ و ﻧﺒﻴﻨﺎ واﺣﺪ و ﻗﺒﻠﺘﻨﺎ واﺣﺪة‬
‫و ﺻﻼﺗﻨﺎ واﺣﺪة‪ ..‬و ﻻ ﺧﻼف ﺑﻴﻦ ﺳﻨﺔ و ﺷﻴﻌﺔ ﻓﻜﻠﻨﺎ ﺑﺤﺐ أهﻞ اﻟﺒﻴﺖ ﻣﺸﻐﻮﻓﻮن و‬
‫ﺑﺴﻴﺮﺗﻬﻢ ﻣﻐﺮﻣﻮن و ﺳﻴﺪﻧﺎ ﻋﻠﻲ هﻮ ﺳﻴﺪ ﺷﺒﺎب أهﻞ اﻟﺠﻨﺔ و هﻮ ﻓﻲ أﻋﻴﻨﻨﺎ ﺳﻨﺔ و ﺷﻴﻌﺔ‪..‬‬
‫و اﻟﻄﻘﻮﺳﻴﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﺑﻀﺎﻋﺘﻨﺎ‪ ..‬و إﺳﻼﻣﻨﺎ ﻟﻴﺲ ﺿﺪ اﻟﻨﺼﺎرى ﺑﻞ هﻮ ﻣﻌﻬﻢ ﻣﺎ ﺗﻌﺎوﻧﻮا و ﻣﺎ‬
‫ﺗﺤﺎﺑﻮا‪ ..‬و اﻟﺬﻳﻦ ﻗﺘﻠﻮا ﻣﺴﻠﻤﻲ اﻟﺒﻮﺳﻨﺔ ﻟﻴﺴﻮا ﺑﻨﺼﺎرى ﺑﻞ هﻢ وﺣﻮش ﻻ ﻣﻠﺔ ﻟﻬﻢ و ﻻ‬
‫دﻳﻦ‪ ..‬و ﻟﻮ آﺎﻧﻮا ﻧﺼﺎرى ﻟﻤﻨﻌﻬﻢ إﻧﺠﻴﻠﻬﻢ اﻟﺬي ﻳﻘﻮل أﺣﺒﻮا أﻋﺪاءآﻢ‪ ..‬و أﺗﺒﺎع ﻋﻴﺴﻰ ﺑﺤﻖ‬
‫و أﺗﺒﺎع ﻣﺤﻤﺪ ﺑﺤﻖ هﻢ ﻋﻠﻰ ﻃﺮﻳﻖ واﺣﺪ و هﻮ ﻃﺮﻳﻖ ﻣﻮﺳﻰ و ﻃﺮﻳﻖ ﺟﻤﻴﻊ اﻷﻧﺒﻴﺎء‬
‫ﻓﻜﻠﻤﺔ اﷲ ﻟﺠﻤﻴﻊ أﻧﺒﻴﺎﺋﻪ واﺣﺪة و ﻟﻜﻦ ﺻﻬﺎﻳﻨﺔ اﻟﻴﻬﻮد ﺧﺎﻧﻮا ﺗﻮراﺗﻬﻢ و اﺗﺒﻌﻮا أهﻮاءهﻢ و‬
‫اﺗﺨﺬوا ﻣﻦ اﻟﺘﻠﻤﻮد و اﻟﺒﺮوﺗﻮآﻮﻻت دﺳﺘﻮرهﻢ‪ ..‬و ﺻﻠﻴﺒﻴﺔ اﻟﻴﻮم ﻟﻴﺲ ﺻﻠﻴﺒﻴﺔ ﻧﺼﺮاﻧﻴﺔ ﺑﻞ‬
‫ﺻﻠﻴﺒﻴﺔ ﺻﻬﻴﻮﻧﻴﺔ ﻳﻬﻮدﻳﺔ‪.‬‬

‫و أﻗﻮل ﻟﻜﻢ‪ ..‬اﺗﻔﻘﻮا و ﺗﻨﺎﺻﺤﻮا و ﺗﺤﺎﺑﻮا و ﺗﺂﺧﻮا و ﺗﻤﺎﺳﻜﻮا ﺻﻔﺎ واﺣﺪا‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪138‬‬
 ‫و إذا آﺎن رﺑﻨﺎ ﻳﻘﻮل إﻧﻪ ﻻ ﻳﻐﻴﺮ ﻣﺎ ﺑﻘﻮم ﺣﺘﻰ ﻳﻐﻴﺮوا ﻣﺎ ﺑﺄﻧﻔﺴﻬﻢ‪ ..‬ﻓﺈن ﻣﺎ ﺑﺄﻧﻔﺴﻨﺎ اﻟﺬي‬
‫ﻳﺮﻳﺪ رﺑﻨﺎ أن ﻧﻐﻴﺮﻩ هﻮ هﺬﻩ اﻷﻧﺎﻧﻴﺔ و اﻟﻌﺼﺒﻴﺔ و اﻟﻄﺎﺋﻔﻴﺔ و ﻋﺒﺎدة اﻟﺮأي و ﻋﺒﺎدة اﻟﻨﻔﺲ و‬
‫ﻋﺒﺎدة اﻟﻬﻮى و ﺣﺐ اﻟﺪﻧﻴﺎ و اﻻﻧﻐﻼق ﻋﻠﻰ ﺷﺨﺼﺎﻧﻴﺔ ﺿﻴﻘﺔ ﻏﺒﻴﺔ ﻋﻤﻴﺎء ﻻ ﺗﺮى إﻻ ﻟﺸﺒﺮ‬
‫واﺣﺪ أﻣﺎﻣﻬﺎ‪.‬‬

‫ﻟﻢ ﻳﻄﻠﺐ ﻣﻨﺎ رﺑﻨﺎ ﺣﻴﺎزة ﺗﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ اﻟﺬرة و اﻹﻟﻜﺘﺮوﻧﻴﺎت و اﻟﻠﻴﺰر ﻟﻴﻨﺼﺮﻧﺎ‪ ..‬و إﻧﻤﺎ ﻃﻠﺐ‬
‫هﺬا اﻟﻄﻠﺐ اﻟﻮاﺣﺪ اﻟﺒﺴﻴﻂ‪ ..‬أن ﻧﻐﻴﺮﻣﺎ ﺑﺄﻧﻔﺴﻨﺎ‪ ..‬و ﻗﺪ أراﻧﺎ ﺑﺄﻋﻴﻨﻨﺎ آﻴﻒ اﻧﺘﻬﺖ روﺳﻴﺎ دون‬
‫ﺣﺮب و آﻴﻒ رآﻌﺖ ﻋﻠﻰ أﻗﺪاﻣﻬﺎ دون أن ﺗﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ رﺻﺎﺻﺔ‪ ..‬و آﻴﻒ اﻧﻬﺰﻣﺖ ﻣﻦ‬
‫اﻟﺪاﺧﻞ‪ ..‬ﻣﻦ داﺧﻞ ﻧﻔﻮﺳﻬﺎ ﻓﺎﻧﻬﺎرت و ﻋﻠﻰ ﻇﻬﺮهﺎ ﻣﻦ اﻟﻘﻨﺎﺑﻞ اﻟﻬﻴﺪروﺟﻴﻨﻴﺔ ﻣﺎ ﻳﻜﻔﻲ‬
‫ﻟﺘﻔﺠﻴﺮ اﻟﻜﺮة اﻷرﺿﻴﺔ ﻋﺪة ﻣﺮات‪ ..‬ﻓﻜﺬﻟﻚ ﺗﻜﻮن ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻷﻣﻢ اﻟﻌﻤﻼﻗﺔ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﻄﻐﻰ‪.‬‬

‫و أﺗﻮﺟﻪ ﺑﻬﺬا اﻟﻨﺪاء إﻟﻰ ‪ 47‬دوﻟﺔ إﺳﻼﻣﻴﺔ ﻓﻴﻬﺎ أآﺜﺮ ﻣﻦ ﻧﺼﻒ آﻨﻮز اﻟﻜﺮة اﻷرﺿﻴﺔ و‬
‫أﻏﻠﺒﻬﺎ ﻳﺘﺴﻮل ﻃﻌﺎﻣﻪ و ﻳﻘﺘﺮض ﻣﺼﺮوف ﻳﻮﻣﻪ‪ ..‬و أﻗﻮل ﻟﻬﻢ‪ ..‬ﻣﻨﻈﺮآﻢ ﻋﺠﻴﺐ و أﻧﺘﻢ‬
‫آﺎﻹﺑﻞ اﻟﺸﺎردة ﻻ ﺗﺠﺘﻤﻊ ﻋﻠﻰ آﻠﻤﺔ‪ ..‬أﻻ ﺗﺴﻤﻌﻮا ﺣﺎدي اﻟﺼﻼة و هﻮ ﻳﻨﺎدي ﻋﻠﻴﻜﻢ‪:‬‬

‫اﺳﺘﻘﻴﻤﻮا ﻳﺮﺣﻤﻜﻢ اﷲ‪ ..‬و ﺳﺪوا اﻟﻔﺮج‪ ..‬و ﺿﻤﻮا اﻟﺼﻔﻮف‪.‬‬

‫إﻧﻤﺎ ﻳﺮﻳﺪهﺎ ﺳﻨﺔ ﺣﻴﺎة ﻻ ﺗﻌﻠﻴﻤﺎت ﻟﻤﺪى ﺧﻤﺲ دﻗﺎﺋﻖ‪.‬‬

‫ﻓﺼﻼة اﻟﻤﺴﻠﻢ هﻲ ﻣﺆﺷﺮ ﻟﺤﻴﺎﺗﻪ و ﻻ ﺻﻼة ﻟﻜﻢ و أﻧﺘﻢ ﻣﻤﺴﻜﻮن ﺑﻌﻀﻜﻢ ﺑﺨﻨﺎق ﺑﻌﺾ‪.‬‬

‫ﻓﺎﺟﺘﻤﻌﻮا و ﺗﺤﺎﺑﻮا و اﺗﺤﺪوا ﻓﻘﺪ ﺗﺪاﻋﺖ ﻋﻠﻴﻜﻢ اﻷﻣﻢ آﻤﺎ ﺗﺪاﻋﻰ اﻷآﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﻗﺼﻌﺘﻬﺎ و‬
‫أﻧﺘﻢ آﺜﻴﺮ و ﻟﻜﻦ آﻐﺜﺎء اﻟﺴﻴﻞ اﻟﺬي اﻧﻔﺮط و ﺗﻔﺮق ﺑﺪدا‪.‬‬

‫ﻓﻬﻼ اﺟﺘﻤﻌﺘﻢ‪ ..‬ﻗﺒﻞ أن ﻳﺄﺗﻲ ﻋﻠﻴﻜﻢ اﻟﻄﻮﻓﺎن ؟‬

‫أﻟﻴﺲ ﻓﻴﻜﻢ رﺟﻞ رﺷﻴﺪ ؟‬

‫ﻋﺠﺒﺖ ﻟﻜﻢ‪ ..‬أراآﻢ ﻓﻲ اﻟﺼﻼة ﺗﺘﻮﺟﻬﻮن ﺑﺎﻟﻤﻼﻳﻴﻦ إﻟﻰ آﻌﺒﺔ واﺣﺪة ﻓﻲ ﻣﻜﺔ‪ ..‬ﻓﺈذا اﻧﻘﻀﺖ‬
‫اﻟﺼﻼة اﻧﻔﺮط اﻟﺠﻤﻴﻊ و ﺗﻔﺮﻗﺖ ﺑﻜﻢ اﻟﻄﺮق‪ ..‬ﻓﻤﻨﻜﻢ ﻣﻦ آﻌﺒﺘﻪ واﺷﻨﻄﻦ‪ ..‬و ﻣﻨﻜﻢ ﻣﻦ‬
‫آﻌﺒﺘﻪ ﺑﺎرﻳﺲ‪ ..‬و ﻣﻨﻜﻢ ﻣﻦ آﻌﺒﺘﻪ ﺟﻨﻴﻒ‪ ..‬و ﻣﻨﻜﻢ ﻣﻦ آﻌﺒﺘﻪ إﺳﺮاﺋﻴﻞ‪ ..‬و ﻣﻨﻜﻢ ﻣﻦ آﻌﺒﺘﻪ‬
‫ﺻﻨﺪوق اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺪوﻟﻲ‪ ..‬و ﻣﻨﻜﻢ ﻣﻦ آﻌﺒﺘﻪ اﻟﺴﻲ ﺁي اﻳﻪ‪ ..‬و ﻣﻨﻜﻢ ﻣﻦ آﻌﺒﺘﻪ ﻧﻔﺴﻪ‪.‬‬

‫ﻓﺄي ﻧﺠﺎح ﺗﻨﺘﻈﺮون و آﻞ ﻣﻨﻜﻢ ﺣﺮب ﻋﻠﻰ اﻵﺧﺮ ؟‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪139‬‬
‫هﻞ أرﺳﻠﺘﻢ اﻟﻨﻈﺮ ﻷﺑﻌﺪ ﻣﻦ أﻗﺪاﻣﻜﻢ ﻓﺎﻟﻤﻮت ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺎب و اﷲ ﻣﻦ وراﺋﻜﻢ ﻣﺤﻴﻂ و ﻣﺎ ﺗﺒﻘﻰ‬
‫ﻣﻦ ﻋﻤﺮآﻢ ﻟﺤﻈﺔ‪ ..‬ﺛﻢ ﻻ ﻳﻌﻮد ﻳﻐﻨﻲ ﻣﺎل و ﻻ ﺑﻨﻮن و ﻻ ﺟﺎﻩ و ﻻ ﻣﻼﻳﻴﻦ اﻟﺪوﻻرات ﻓﻲ‬
‫ﺑﻨﻮك ﻧﻴﻮﻳﻮرك و ﻟﻮآﺴﻤﺒﻮرج و ﻟﻨﺪن‪.‬‬
‫ﻟﻘﺪ ﻗﺮرت إﺳﺮاﺋﻴﻞ ﻳﺎ ﺳﺎدة أن ﺗﻘﻴﻢ دوﻟﺘﻬﺎ اﻟﻜﺒﺮى ﻋﻠﻰ أآﺘﺎﻓﻜﻢ‪ ..‬ﻋﻠﻰ أآﺘﺎف ﻋﺪاواﺗﻜﻢ و‬
‫ﺗﻔﺮﻗﻜﻢ‪.‬‬
‫و ﻗﺮرت أن ﻳﻜﻮن ذﻟﻚ ﻓﻲ اﻟﺴﻨﻮات اﻟﻘﻠﻴﻠﺔ اﻟﻘﺎدﻣﺔ‪.‬‬
‫ﻓﻬﻞ أﻧﺘﻢ ﻣﻨﺘﻬﻮن ؟‬
‫أم هﻲ اﻹﺑﺎدة ؟‬

‫اﻟﺨﻴﻂ اﻟﺮﻓﻴﻊ ﺑﻴﻦ اﻟﺠﻨﺔ و اﻟﻨﺎر‬

‫ﻋﺠﻴﺐ أﻣﺮﻧﺎ ﻧﺤﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ !‪ ..‬ﻧﻌﺒﺪ إﻟﻬﺎ واﺣﺪا‪ ..‬و ﻧﻄﻮف ﺣﻮل آﻌﺒﺔ واﺣﺪة‪ ..‬و ﻧﺘﻮﺟﻪ‬
‫ﻓﻲ ﺻﻼﺗﻨﺎ إﻟﻰ ﻗﺒﻠﺔ واﺣﺪة‪ ..‬و ﻧﺼﻄﻒ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺠﺪ ﺻﻔﺎ واﺣﺪا‪ ..‬و ﻧﻘﻮل ﺟﻤﻴﻌﺎ‪ :‬ﺁﻣﻴﻦ‪..‬‬
‫ﻓﻲ ﻧﻔﺲ واﺣﺪ‪ ..‬و ﻣﻊ ذﻟﻚ ﻟﻜﻞ ﻣﻨﺎ إﺳﻼم ﺧﺎص ﺑﻪ‪ ،‬ﻳﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ إﺳﻼم اﻵﺧﺮ ! و آﻞ ﻣﻨﺎ‬
‫ﻳﻔﻬﻢ اﻹﺳﻼم ﻋﻠﻰ ﻃﺮﻳﻘﺘﻪ‪ ،‬و ﻳﺒﺎﺷﺮﻩ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺑﻤﻔﻬﻮﻣﻪ اﻟﺨﺎص !‬

‫و ﻗﺪ ﺗﻔﺮﻗﺖ اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ إﻟﻰ ﺳﻨﺔ و ﺷﻴﻌﺔ و أﺑﺎﺿﻴﺔ و دروز‪ ،‬ﺑﻞ إن اﻟﺸﻴﻌﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ‬
‫ﺗﻔﺮﻗﺖ إﻟﻰ زﻳﺪﻳﺔ و اﺛﻨﻰ ﻋﺸﺮﻳﺔ و إﺳﻤﺎﻋﻴﻠﻴﺔ و ﻋﻠﻮﻳﺔ و ﺑﻬﺮة و ﺑﻜﺘﺎﺷﻴﺔ‪ ،‬و ﺧﺮج ﻣﻨﻬﺎ‬
‫ﻏﻼة ﻋﺒﺪوا ﻋﻠﻴﺎ‪ ،‬و رأوا ﻓﻴﻪ اﺑﻨﺎ ﷲ‪ ،‬و اﻋﺘﻘﺪوا أن اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ أﺧﻄﺄﺗﻪ و ﻧﺰﻟﺖ ﻋﻠﻰ ﻣﺤﻤﺪ !‬
‫و اﻷآﺜﺮﻳﺔ اﻟﺘﺰﻣﺖ ﺟﺎﻧﺐ اﻻﻋﺘﺪال و ﻗﺎﻟﺖ‪ :‬ﺑﻞ آﺎن أوﻟﻰ ﺑﺎﻟﺨﻼﻓﺔ‪ ..‬و ﻟﻢ ﺗﺰد‪ ..‬و ﺑﻴﻦ‬
‫هﺆﻻء و هﺆﻻء ﺗﻌﺪدت اﻟﻔﺮق و ﺑﻌﻴﺪا ﻋﻦ اﻟﻄﺮﻳﻖ و اﻟﻤﺬهﺐ اﺧﺘﻠﻒ اﻟﻨﺎس ﺑﻴﻦ ﻣﺪﺧﻠﻴﻦ‬
‫ﻟﻺﺳﻼم‪ ..‬اﻟﻤﺪﺧﻞ اﻟﺴﻠﻔﻲ اﻷﺻﻮﻟﻲ‪ ،‬و اﻟﻤﺪﺧﻞ اﻟﺼﻮﻓﻲ‪.‬‬

‫و ﻓﻲ اﻟﻤﺪﺧﻞ اﻟﺴﻠﻔﻲ ﺗﻤﺎدى اﻷﺻﻮﻟﻴﻮن ﻓﻲ اﻟﺸﻜﻠﻴﺔ و ﻓﻲ اﻻﻟﺘﺰام اﻟﺤﺮﻓﻲ ﺑﺎﻟﻨﺼﻮص‪ ،‬و‬

‫ﻓﻲ ﻇﺎهﺮ ﺳﻠﻮآﻴﺎت اﻟﻤﺴﻠﻢ‪ :‬ﻃﺮﻳﻘﺔ إﻃﻼﻗﻪ ﻟﺤﻴﺘﻪ‪ ،‬و ﺗﻘﺼﻴﺮﻩ ﺟﻠﺒﺎﺑﻪ‪ ..‬و ﻟﻠﻤﺮأة‪ :‬ﻧﻘﺎﺑﻬﺎ و‬
‫ﺣﺠﺎﺑﻬﺎ‪ ..‬و هﻲ اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ذاﺗﻬﺎ‪ ..‬ﺑﻴﻨﻤﺎ اهﺘﻤﺖ اﻟﺼﻮﻓﻴﺔ ﺑﺘﻄﻬﻴﺮ اﻟﺒﺎﻃﻦ‪ ،‬و ﻣﺠﺎهﺪة اﻟﻨﻔﺲ‪،‬‬
‫و اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ اﻟﺨﻠﻘﻴﺔ و ﺗﺤﺼﻴﻞ اﻟﻤﻘﺎﻣﺎت‪ ..‬ﻣﻘﺎﻣﺎت اﻟﺘﻮﺑﺔ و اﻹﺧﻼص و اﻟﺼﺪق و اﻟﺼﺒﺮ و‬
‫اﻟﺸﻜﺮ و اﻟﻤﺮاﻗﺒﺔ و اﻟﻤﺤﺎﺳﺒﺔ و اﻟﺘﻘﻮى و اﻟﻮرع‪ ..‬و ﺗﺮآﺖ اﻟﻈﺎهﺮ ﻷهﻞ اﻟﻈﺎهﺮ‪ ،‬و‬
‫ﻗﺎﻟﻮا‪ :‬ﻧﺤﻦ ﻋﻤﺪﺗﻨﺎ اﻟﻘﻠﺐ‪ ،‬و ﻏﺎﻳﺘﻨﺎ اﻟﻠﺐ و ﻟﻴﺲ اﻟﻘﺸﺮ‪.‬‬

‫و اﻟﻜﻞ ﻣﺴﻠﻤﻮن و ﻟﻜﻦ ﺷﺘﺎن ﺑﻴﻦ ﻓﻬﻢ و ﻓﻬﻢ !‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪140‬‬
 ‫و أﻧﺎ أرى اﻵن أن اﻟﻘﺮﺁن ﻟﻢ ﻳﻨﺤﺼﺮ ﻓﻲ أي ﻣﻦ هﺬﻳﻦ اﻟﻤﺴﻠﻜﻴﻦ‪ ،‬ﺑﻞ آﺎن ﻓﻲ ﻣﺠﻤﻮع‬
‫ﺁﻳﺎﺗﻪ ﻳﻤﺜﻞ اﻟﻮﺳﻂ اﻟﻌﺪل ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ‪ ،‬و اﻟﺠﺎﻣﻊ اﻷﻣﻴﻦ ﺑﻴﻦ ﻃﻬﺎرة اﻟﻈﺎهﺮ و ﻃﻬﺎرة اﻟﺒﺎﻃﻦ‪ ..‬و‬
‫أن اﻟﻤﺬهﺒﻴﺔ و اﻟﺤﺰﺑﻴﺔ أﻓﺴﺪت اﻹﺳﻼم ﺗﻤﺎﻣﺎ‪.‬‬

‫و اﻟﻘﺮﺁن ﻓﻲ ﻣﺠﻤﻮع ﺁﻳﺎﺗﻪ ﺷﻲء ﻏﻴﺮ اﻟﻘﺮﺁن ﻓﻲ ﺁﻳﺔ واﺣﺪة ﻣﺒﺘﻮرة ﻣﻦ ﺳﻴﺎﻗﻬﺎ‪ ،‬أو ﺑﻀﻊ‬
‫ﺁﻳﺎت ﻧﺰﻟﺖ ﻓﻲ ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ‪ ،‬أو ﺣﻜﻢ ﻣﺘﺸﺪد ﻧﺰل ﻓﻲ ﺿﺮورﺗﻪ‪.‬‬

‫و ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻓﻬﻢ اﻹﺳﻼم إﻻ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﻘﺮﺁن آﻠﻪ ﺑﻤﺠﻤﻮع ﺁﻳﺎﺗﻪ‪ ..‬ﻓﻬﻮ ﻳﻔﺴﺮ ﺑﻌﻀﻪ ﺑﻌﻀﺎ‪،‬‬
‫و ﻣﺎ ﻏﻤﺾ ﻓﻲ ﺁﻳﺔ ﺗﻮﺿﺤﻪ ﺁﻳﺔ أﺧﺮى‪ ،‬و ﻣﺎ أﺟﻤﻞ ﻓﻲ ﺁﻳﺔ ﺗﻔﺼﻠﻪ ﺁﻳﺔ ﺛﺎﻧﻴﺔ‪.‬‬

‫و اﻟﺘﺸﺪﻳﺪ ﻻ ﻳﺠﻲء ﻓﻲ اﻟﻘﺮﺁن إﻻ ﻟﻀﺮورة‪ ..‬أﻣﺎ اﻟﺴﻴﺎق اﻟﻘﺮﺁﻧﻲ اﻟﻌﺎم‪.........‬؟‬

‫ﻓﻬﻮ اﻟﻌﻔﻮ و اﻟﻤﻐﻔﺮة و اﻟﺴﻤﺎﺣﺔ‪.‬‬

‫ﺳﻤﱠﺎ ُآ ُﻢ‬
‫ج ﱢﻣﱠﻠ َﺔ َأﺑِﻴ ُﻜ ْﻢ ِإ ْﺑﺮَاهِﻴ َﻢ ُه َﻮ َ‬
‫ﺣ َﺮ ٍ‬
‫ﻦ َ‬
‫ﻦ ِﻣ ْ‬
‫ﻋَﻠ ْﻴ ُﻜ ْﻢ ﻓِﻲ اﻟﺪﱢﻳ ِ‬
‫ﻞ َ‬‫ﺟ َﻌ َ‬‫ﺟ َﺘﺒَﺎ ُآ ْﻢ َوﻣَﺎ َ‬
‫))‪ُ ..‬ه َﻮ ا ْ‬
‫ﻞ‪ ] (( ..‬اﻟﺤﺞ ‪[ 78 :‬‬ ‫ﻦ ﻣِﻦ َﻗ ْﺒ ُ‬
‫ﺴﻠِﻤﻴ َ‬ ‫ا ْﻟ ُﻤ ْ‬

‫ج (( ] اﻟﻨﻮر ‪:‬‬
‫ﺣ َﺮ ٌ‬
‫ﺾ َ‬
‫ﻋﻠَﻰ ا ْﻟ َﻤﺮِﻳ ِ‬
‫ج َوﻟَﺎ َ‬
‫ﺣ َﺮ ٌ‬
‫ج َ‬
‫ﻋ َﺮ ِ‬
‫ﻋﻠَﻰ ا ْﻟَﺄ ْ‬
‫ج َوﻟَﺎ َ‬
‫ﺣ َﺮ ٌ‬
‫ﻋﻤَﻰ َ‬
‫ﻋﻠَﻰ ا ْﻟَﺄ ْ‬
‫ﺲ َ‬
‫))َﻟ ْﻴ َ‬
‫‪[ 61‬‬

‫و ﺳﻠﻮك اﻟﻨﺒﻲ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺼﻼة و اﻟﺴﻼم )) و هﻮ اﻟﻤﺆﺷﺮ إﻟﻰ اﻟﺘﻔﺴﻴﺮ اﻟﺼﺤﻴﺢ ﻟﻠﻘﺮﺁن (( هﻮ‬
‫ااﻟﺤﻠﻢ ﺑﻌﻴﻨﻪ‪ ،‬ﻻ ﺗﺰﻣﺖ و ﻻ ﺗﺸﺪد و ﺗﻨﻄﻊ‪ ،‬و ﻻ وﻗﻮف ﻋﻨﺪ اﻟﻔﻬﻢ اﻟﺤﺮﻓﻲ ﻟﻠﻨﺼﻮص‪ ..‬و‬
‫آﻤﺜﺎل‪ :‬ﺣﻜﺎﻳﺔ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺬي ﺟﺎء ﻳﺤﻜﻲ ﻟﻠﺮﺳﻮل آﻴﻒ اﺧﺘﻠﻰ ﺑﺎﻣﺮأة و ﻧﺎل ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﺒﺘﻐﻲ‬
‫دون ﻣﺒﺎﺷﺮة‪ ..‬ﻓﺄﻃﺮق اﻟﻨﺒﻲ – ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺼﻼة و اﻟﺴﻼم – و ﻟﻢ ﻳﻌﻠﻖ و ﻗﺎم ﻟﻠﺼﻼة‪ ،‬ﻓﻨﺰﻟﺖ‬
‫اﻵﻳﺔ‪:‬‬

‫ﻚ ِذ ْآﺮَى‬
‫ت َذِﻟ َ‬
‫ﺴﱢﻴﺌَﺎ ِ‬
‫ﻦ اﻟ ﱠ‬
‫ت ُﻳ ْﺬ ِه ْﺒ َ‬
‫ﺴﻨَﺎ ِ‬
‫ﺤَ‬‫ن اْﻟ َ‬
‫ﻞ ِإ ﱠ‬
‫ﻦ اﻟﱠﻠ ْﻴ ِ‬
‫ﻲ اﻟﱠﻨﻬَﺎ ِر َو ُزَﻟﻔًﺎ ﱢﻣ َ‬
‫ﻃ َﺮ َﻓ ِ‬
‫ﻼ َة َ‬
‫ﺼَ‬
‫)) َوَأ ِﻗ ِﻢ اﻟ ﱠ‬
‫ﻦ )‪ ] (( (114‬هﻮد [‬ ‫ﻟِﻠﺬﱠا ِآﺮِﻳ َ‬

‫ﻓﻨﺼﺢ اﻟﺮﺟﻞ ﺑﺎﻟﺼﻼة و اﻹآﺜﺎر ﻣﻦ اﻟﻨﻮاﻓﻞ‪ ،‬و ﻟﻢ ﻳﻘﻢ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻨﺒﻲ ﺣﺪ اﻟﺰﻧﺎ رﻏﻢ اﻋﺘﺮاﻓﻪ‪،‬‬
‫و اﻋﺘﺒﺮ ﻣﺎ ﺣﺪث ﻣﻦ )) اﻟﻠﻤﻢ ((‪ ،‬أي اﻟﺬﻧﻮب اﻟﺘﻲ ﺗﻐﻔﺮ‪ ،‬و اﻟﺘﻲ ﺗﺠﺒﺮهﺎ اﻟﺼﻼة و اﻟﺘﻮﺑﺔ‪.‬‬

‫و ﻳﺬآﺮﻧﺎ هﺬا ﺑﺎﻟﻤﺴﻴﺢ – ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم – ﺣﻴﻨﻤﺎ رﻓﺾ أن ﻳﺮﺟﻢ )) اﻟﻤﺠﺪﻟﻴﺔ (( اﻟﺰاﻧﻴﺔ‪ ،‬و‬
‫ﻗﺎل ﻟﻤﻦ ﺣﻮﻟﻪ‪ :‬ﻣﻦ آﺎن ﻣﻨﻜﻢ ﺑﻼ ﺧﻄﻴﺌﺔ ﻓﻠﻴﺮﻣﻬﺎ ﺑﺤﺠﺮ !‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪141‬‬
 ‫و ﻟﻢ ﻳﺸﻬﺪ اﻟﻤﺴﻴﺢ و ﻻ ﻧﺒﻴﻨﺎ – ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ اﻟﺼﻼة و اﻟﺴﻼم – ﻣﻦ ﺑﻌﺪﻩ ذﻟﻚ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺮديء‬
‫اﻟﺬي ﻧﻌﻴﺶ ﻓﻴﻪ‪ ،‬و اﻟﺬي ﺗﺪﻋﻮ ﻓﻴﻪ أﺟﻬﺰة اﻹﻋﻼم و أﻏﺎﻧﻲ اﻹذاﻋﺔ و أﻓﻼم اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ و‬
‫ﺗﻤﺜﻴﻠﻴﺎت اﻟﺘﻠﻴﻔﺰﻳﻮن – إﻟﻰ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﺤﺮة‪ ..‬و اﻷﻗﻤﺎر اﻟﻔﻀﺎﺋﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺒﺎﺷﺮ اﻟﺰﻧﺎ ﻋﻠﻨﺎ‪ ،‬و‬
‫ﺟﻬﺎرا ﻧﻬﺎرا‪ ،‬و ﺗﻐﺮي اﻟﺸﺒﺎب ﺑﺎﻟﺼﻮرة و اﻟﻜﻠﻤﺔ و اﻟﺤﺮآﺔ إﻟﻰ اﻟﻤﺴﺎرﻋﺔ ﻓﻲ ﻗﻀﺎء‬
‫اﻟﺸﻬﻮات‪ ،‬و إﻟﻰ اﻟﺘﺴﺎﺑﻖ ﻓﻲ اﻟﻤﺘﻊ اﻟﺤﺮام !‬

‫ﻣﺎذا ﻳﻜﻮن ﻣﻮﻗﻒ اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﻣﻦ هﺬا اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺬي ﺷﺎﻋﺖ ﻓﻴﻪ اﻟﺒﻠﻮى ؟!!‬

‫و ﻣﺎذا ﻳﻔﻌﻞ اﻟﺸﺒﺎب‪ ..‬و اﻟﺰواج ﺑﻌﻴﺪ اﻟﻤﻨﺎل‪ ..‬هﻞ ﻳﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺟﺐ ﺗﺤﺖ اﻷرض ؟!!‬

‫و هﻞ ﺷﺒﺎﺑﻨﺎ ﻓﻲ هﺬا اﻟﺤﺎل ﺟﻨﺎة‪ ،‬أم ﻣﺠﻨﻲ ﻋﻠﻴﻬﻢ ؟!‬

‫و ﻓﻘﻪ ﺷﻴﻮع اﻟﺒﻠﻮى ﻟﻪ ﻣﻜﺎن ﻓﻲ ﺷﺮﻳﻌﺘﻨﺎ‪ ،‬ﻋﻤﻼ ﺑﺎﻟﻤﺒﺪأ اﻟﻘﺮﺁﻧﻲ‪ ،‬ﺣﻴﻨﻤﺎ آﺎﻧﺖ اﻟﺨﻤﺮ ﺑﻼء‬
‫ﺷﺎﺋﻌﺎ ﻓﻲ أول اﻟﺪﻋﻮة‪ ،‬ﻓﻨﺰﻟﺖ اﻵﻳﺎت ﻣﺨﻔﻔﺔ‪ ،‬ﺗﻌﺎﺗﺐ ﺷﺎرب اﻟﺨﻤﺮ و ﻻ ﺗﻐﻠﻆ ﻋﻠﻴﻪ‪ ،‬و‬
‫ﺗﺘﺪرج ﻓﻲ اﻟﺘﺤﺮﻳﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﺮاﺣﻞ‪ ..‬و ﻳﺬآﺮﻧﺎ هﺬا ﺑﺎﻟﻔﻘﻴﻪ اﻹﺳﻼﻣﻲ اﻟﺬي ﺳﺄﻟﻮﻩ أن ﻳﻘﻴﻢ ﺣﺪ‬
‫اﻟﺨﻤﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺎآﻢ اﻟﺘﺘﺮي – و ذﻟﻚ ﺑﻌﺪ إﺳﻼﻣﻪ – ﻓﺮﻓﺾ‪ ،‬و ﺁﺛﺮ ﺗﺮآﻪ ﻓﻲ ﻏﻴﺒﻮﺑﺔ اﻟﺴﻜﺮ‬
‫ﻟﻴﻜﻒ ﻇﻠﻤﻪ ﻋﻦ اﻟﻨﺎس‪ ،‬و ﻗﺎل‪ :‬إن ﺗﻄﺒﻴﻖ اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﻋﻠﻴﻪ و اﻣﺘﻨﺎﻋﻪ ﻋﻦ اﻟﺸﺮب و ﻋﻮدﺗﻪ‬
‫إﻟﻰ وﻋﻴﻪ و ﻋﺎﻓﻴﺘﻪ‪ ،‬ﺳﻮف ﺗﺆدي إﻟﻰ ﻣﻨﻜﺮ أﺷﺪ‪ ،‬ﺑﻌﻮدﺗﻪ إﻟﻰ ﺟﺒﺮوﺗﻪ و ﻇﻠﻤﻪ‪.‬‬

‫و ﻓﻲ هﺬا ﻳﻘﻮل اﻟﻌﻮام‪ )) :‬ﻧﻮم اﻟﻈﺎﻟﻢ ﻋﺒﺎدة (( !‬

‫و ﻣﻨﺬ ذﻟﻚ اﻟﻴﻮم ﺳﺎرت آﻠﻤﺔ ذﻟﻚ اﻟﻔﻘﻴﻪ ﻣﺜﻼ‪ ..‬و أﺻﺒﺤﺖ ﻣﺒﺪأ ﻣﻘﺮرا ﻣﻦ ﻣﺒﺎدئ‬
‫اﻻﺟﺘﻬﺎد‪ :‬ﻟﻪ أﻧﺼﺎرﻩ‪ ..‬إﻧﻪ إذا أدى ﺗﻄﺒﻴﻖ اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ إﻟﻰ ﻣﻨﻜﺮ أﺷﺪ آﺎن ﻋﺪم ﺗﻄﺒﻴﻘﻬﺎ أوﻟﻰ‪..‬‬
‫و أﻧﻪ ﻻﺑﺪ ﻣﻦ ﻓﻬﻢ اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻓﻲ إﻃﺎر ﻣﺮاد اﷲ ﺑﻬﺎ‪ ،‬و ﻗﺼﺪﻩ ﻣﻦ ﻧﺰوﻟﻬﺎ‪ ،‬و هﻮ‬
‫ﺻﻼح أﻣﺮ اﻟﻌﺒﺎد و ﻟﻴﺲ ﺷﻘﺎءهﻢ‪ .‬ﻓﺎﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻳﻘﻮل‪:‬‬

‫)) ﻣﺎ أﻧﺰﻟﻨﺎ ﻋﻠﻴﻚ اﻟﻘﺮﺁن ﻟﺘﺸﻘﻰ ((‪ ..‬و هﻜﺬا آﺎن ﺷﺄن اﻻﺟﺘﻬﺎد ﻋﻨﺪ اﻟﻤﻔﺴﺮﻳﻦ اﻷواﺋﻞ‪ ..‬و‬
‫هﻜﺬا آﺎن ﺷﺄن اﻟﻌﻘﻞ و اﻟﻔﻬﻢ و اﻟﺘﺪﺑﺮ و اﻟﺘﻔﻜﺮ‪ ..‬و ﻟﻢ ﻳﻈﻬﺮ اﻟﺘﺸﺪد و اﻟﺘﺤﺠﺮ و اﻻﻧﻐﻼق‬
‫ﻋﻠﻰ اﻷﻟﻔﺎظ‪ ،‬إﻻ ﻣﻊ ﻗﺮون اﻟﺘﺨﻠﻒ و ﺗﻮﻗﻒ اﻻﺟﺘﻬﺎد‪ ،‬و ﻇﻬﻮر اﻟﺪﻋﻮات اﻷﺻﻮﻟﻴﺔ اﻟﺘﻲ‬
‫ﺗﺰاﻳﺪ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﻀﻬﺎ‪ ،‬و ﻳﺴﺎﺑﻖ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﻌﻀﺎ ﻓﻲ اﻟﻐﻠﻈﺔ و ﻓﻲ اﻟﺮﺟﻢ و اﻟﺠﻠﺪ‪.‬‬

‫و ﻟﻴﺲ ﻓﻲ آﻼﻣﻨﺎ ﺗﻬﻮﻳﻦ ﻣﻦ أﻣﺮ اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ‪ ،‬ﻓﻬﻲ ﺣﺒﺔ ﻗﻠﺐ اﻟﻤﺴﻠﻢ و ﺳﻮاد ﻋﻴﻨﻴﻪ‪ ،‬و ﻻ‬
‫ﻳﻤﻠﻚ اﻟﻤﺴﻠﻢ اﻟﻌﺎﺑﺪ أﻣﺎم آﻠﻤﺔ رﺑﻪ إﻻ اﻟﺴﻤﻊ و اﻟﻄﺎﻋﺔ‪ ..‬و إﻧﻤﺎ هﻲ اﻟﻐﻴﺮة ﻋﻠﻰ اﻟﻜﻠﻤﺔ و‬
‫ﻗﺪاﺳﺘﻬﺎ ﻣﻦ أن ﺗﻔﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮ وﺟﻬﻬﺎ‪ ،‬و ﺗﺴﺘﻌﻤﻞ ﻓﻲ ﻏﻴﺮ ﺣﻘﻬﺎ‪ ،‬ﻓﺘﻜﻮن ذرﻳﻌﺔ إﻟﻰ ﻇﻠﻢ‬
‫ﺑﺮيء‪ ..‬ﺑﻞ ﻧﺤﻦ أﺷﺪ ﺣﺒﺎ ﻟﻠﺸﺮﻳﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻄﺒﻘﻮﻧﻬﺎ ﻓﻲ ﻋﻤﻰ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪142‬‬
 ‫و ﻟﻘﺪ ﺗﻜﺎﺛﺮ دﻋﺎة اﻷﺻﻮﻟﻴﺔ اﻟﻐﻼظ‪ ،‬و ﺗﻨﺎﻓﺴﻮا ﻓﻲ اﻟﻘﺴﻮة و ﻓﻲ ﻣﻄﺎردة اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ و‬
‫إرهﺎﺑﻬﻢ ﺑﺎﻟﻨﺼﻮص‪ ،‬ﺣﺘﻰ ﻧﻔﺮوهﻢ ﻣﻦ دﻳﻨﻬﻢ !‬

‫و اﷲ ﻳﻌﻠﻢ ﻣﺴﺒﻘﺎ ﻣﺎذا ﺳﻴﻜﻮن ﺷﺄن هﺬا اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺬي ﻧﻌﻴﺸﻪ‪ ،‬ﻣﻦ ﺷﻴﻮع اﻟﺒﻠﻮى ﻓﻴﻪ‪ ،‬و ﻣﻦ‬
‫اﻧﺘﺸﺎر اﻟﻔﺴﺎد و اﻟﻔﻘﺮ و اﻟﺒﻄﺎﻟﺔ و اﻻﻧﺤﻼل‪ ،‬و ﺗﻜﺎﻟﺐ اﻷﻋﺪاء ﻋﻠﻰ اﻹﺳﻼم ﻣﻦ آﻞ‬
‫ﺟﺎﻧﺐ‪ ،‬و هﻮان ﺣﺎل اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ و اﻧﻘﺴﺎﻣﻬﻢ و ﺗﺸﺘﺘﻬﻢ و ﺑﻮارهﻢ‪.‬‬

‫و آﻞ هﺬا ﻳﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﻋﻤﻖ اﻟﻘﺮﺁن و رﺣﺎﺑﺘﻪ و ﺗﻌﺪد ﺁﻓﺎﻗﻪ‪ ،‬ﺑﺤﻴﺚ ﺗﻐﻄﻲ ﺁﻳﺎﺗﻪ اﻟﺘﺸﺮﻳﻌﻴﺔ‬
‫آﻞ اﻟﻌﺼﻮر‪ ..‬و ﻳﻜﺸﻒ ﻋﻦ روح اﻟﺘﺴﺎﻣﺢ و إﻳﺜﺎر ﻓﻬﻢ اﻟﺘﺸﺮﻳﻊ ﻋﻠﻰ اﻟﻮﺟﻪ اﻷﺻﻠﺢ ﻟﺤﻴﺎة‬
‫اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ‪.‬‬

‫و هﻮ ﻳﻜﺸﻒ أﻳﻀﺎ ﻋﻦ اﻟﻤﺮوﻧﺔ و ﻋﺪم اﻟﺠﻤﻮد‪ ،‬و رﻓﺾ اﻟﻐﻠﻈﺔ إﻻ ﻓﻲ ﺿﺮورﺗﻬﺎ‬

‫اﻟﻘﺼﻮى ﺣﻴﻦ ﻳﻘﺘﻞ اﻟﻘﺎﺗﻞ ﻇﻠﻤﺎ و ﺑﻐﻴﺎ ﻓﻴﺘﻮﺟﺐ اﻟﻘﺼﺎص‪ ..‬و ﻟﻬﺬا اﺧﺘﻠﻒ اﻟﻨﺎس أﻣﺎم ﻓﻬﻢ‬
‫اﻟﻘﺮﺁن ‪ ،‬و اﻧﻌﻜﺴﺖ ﻧﻔﺲ آﻞ ﻗﺎرئ ﻓﻲ ﻟﻮن ﺗﻔﺴﻴﺮﻩ‪ ..‬ﻓﻐﻼظ اﻟﻘﻮم ﻟﻢ ﻳﺸﻬﺪوا ﻣﻦ اﻟﻘﺮﺁن‬
‫إﻻ ﺁﻳﺎت اﻟﻨﻜﺎل‪ ..‬و اﻟﺮﺣﻤﺎء ﺷﻬﺪوا رﺣﺎﺑﺔ اﻟﺘﺸﺮﻳﻊ‪ ،‬و اﻧﻔﺴﺎح ﺁﻓﺎق اﻟﺘﻔﺴﻴﺮ أﻣﺎم اﻟﻔﻬﻢ‬
‫اﻷرﺣﺐ و اﻷرﺣﻢ‪ ..‬و اﺧﺘﻠﻔﻮا‪ ،‬و اﻟﻜﺘﺎب اﻟﺬي ﻳﻘﺮأوﻧﻪ واﺣﺪ‪ ..‬و ﻣﺎ اﺧﺘﻠﻔﻮا ﺑﺴﺒﺐ اﻟﻜﺘﺎب‬
‫ﺑﻞ ﺑﺴﺒﺐ ﻧﻔﻮﺳﻬﻢ ! و هﺬﻩ ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻟﺤﻜﻮﻣﺎت اﻷﺻﻮﻟﻴﺔ و اﻟﻔﺮق اﻟﻤﺘﺸﺪدة‪ ،‬و ﻣﺮﺿﻰ‬
‫اﻟﻨﻔﻮس و ﻣﺮﺿﻰ اﻟﻘﻠﻮب‪ ،‬و هﻮاة اﻟﺘﺸﻔﻲ ﻣﻦ آﻞ ﺟﻨﺲ !‬

‫و ﻟﻘﺪ ﻧﺰﻟﺖ اﻵﻳﺎت ﺑﻬﺬا اﻟﺘﻠﻮﻳﻦ ﻟﺘﻤﺘﺤﻦ اﻟﻘﻠﻮب‪ ،‬و ﻟﺘﻤﺘﺤﻦ اﻟﻨﻔﻮس‪ ،‬و ﻟﺘﺨﺘﺒﺮ اﻟﻤﻌﺎدن‪ ..‬و‬
‫اﻟﻘﺮﺁن هﻮ اﻟﺸﺎهﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﻞ‪ ،‬و هﻮ اﻟﺤﺠﺔ‪ ..‬و ﻻ ﻳﺼﻠﺢ اﻟﻘﺮﺁن ذرﻳﻌﺔ ﻟﻈﻠﻢ أو ﺟﺒﺮوت‪،‬‬
‫ﺑﻞ هﻮ ﻗﺎﻣﻮس اﻟﺮﺣﻤﺔ ﺑﻌﻴﻨﻪ‪.‬‬

‫و اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﻮن ﻣﻦ أهﻞ اﻟﺸﻘﺎق و اﻟﻨﻔﺎق ﺷﻬﺪت أﻋﻤﺎﻟﻬﻢ ﻋﻠﻰ آﻔﺮهﻢ‪ ..‬ﻓﻤﺎ اﺧﺘﺎروا ﺑﻐﻠﻈﺘﻬﻢ‬
‫اﻟﻘﺮﺁن ﺣﻜﻤﺎ‪ ،‬ﺑﻞ اﺧﺘﺎروا ﻧﻔﻮﺳﻬﻢ‪ ،‬و ﺁﺛﺮوا رﻏﺒﺎﺗﻬﻢ اﻻﻧﺘﻘﺎﻣﻴﺔ‪ ،‬و اﺗﺨﺬوا ﻣﻦ اﻟﻘﺮﺁن‬
‫ﺳﺘﺎرا و ذرﻳﻌﺔ ﻟﻘﺴﺎوﺗﻬﻢ !‬

‫و ﺻﺪق اﷲ اﻟﻌﻈﻴﻢ ﻓﻲ ﺧﻄﺎﺑﻪ ﻟﺮﺳﻮﻟﻪ‪:‬‬

‫ﺸﻘَﻰ )‪ ] (( (2‬ﻃﻪ [‬
‫ن ِﻟَﺘ ْ‬
‫ﻚ ا ْﻟ ُﻘﺮْﺁ َ‬
‫ﻋَﻠ ْﻴ َ‬
‫)) ﻣَﺎ أَﻧ َﺰ ْﻟﻨَﺎ َ‬

‫ﻓﺎﻟﻘﺮﺁن هﻮ اﻟﺒﺎب إﻟﻰ اﻟﻨﻌﻴﻢ‪ ،‬و ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻜﻮن ﺑﺎﺑﺎ ﻟﻠﺸﻘﺎء‪ ،‬و ﻻ ﺑﺎﺑﺎ ﻟﻜﻞ هﺬا اﻟﺨﻼف و‬
‫اﻟﻔﺮﻗﺔ و اﻻﻧﻘﺴﺎم‪ ..‬و ﻻ ﺑﺎﺑﺎ ﻟﻜﻞ هﺬا اﻹرهﺎب و اﻹﺟﺮام و اﻟﻘﺴﺎوة‪ ..‬و إﻧﻤﺎ اﺧﺘﻠﻔﺖ‬
‫اﻟﻨﻔﻮس اﻟﺘﻲ ﺗﻘﺮأ و ﺗﻔﻬﻢ و ﺗﻔﺴﺮ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪143‬‬
 ‫و ﻟﻬﺬا ﻗﺎل رﺑﻨﺎ ﻋﻦ ﻗﺮﺁﻧﻪ‪:‬‬

‫ﻦ )‪ ] (( (26‬اﻟﺒﻘﺮة [‬
‫ﺳﻘِﻴ َ‬
‫ﻻ ا ْﻟﻔَﺎ ِ‬
‫ﻀﻞﱡ ِﺑ ِﻪ ِإ ﱠ‬
‫ﻀﻞﱡ ِﺑ ِﻪ َآﺜِﻴﺮًا َو َﻳ ْﻬﺪِي ِﺑ ِﻪ َآﺜِﻴﺮًا َوﻣَﺎ ُﻳ ِ‬
‫)) ُﻳ ِ‬

‫و ﻣﺎ أآﺜﺮ ﻓﺴﺎق و ﻣﺠﺮﻣﻲ هﺬا اﻟﺰﻣﺎن‪ ،‬اﻟﺬﻳﻦ اﺗﺨﺬوا ﻣﻦ اﻟﻘﺮﺁن ذرﻳﻌﺔ ﻹﺟﺮاﻣﻬﻢ و‬
‫ﺳﺘﺎرا ﻹرهﺎﺑﻬﻢ ! و هﺆﻻء هﻢ اﻟﺬﻳﻦ أﺿﻠﻬﻢ اﷲ ﺑﻘﺮﺁﻧﻪ‪ ..‬و آﺸﻔﻬﻢ أﻣﺎم اﻟﻨﺎس و أﻣﺎم‬
‫ﻧﻔﻮﺳﻬﻢ‪ ،‬و ﻓﻀﺢ ﺿﻼﻟﻬﻢ و آﻔﺮهﻢ‪.‬‬

‫و ﻻ ﻣﻔﺮ ﻣﻦ اﻻﺧﺘﻼف‪ ،‬ﺑﺤﻜﻢ اﺧﺘﻼف اﻟﻨﻔﻮس و اﺧﺘﻼف اﻟﻄﺒﺎﺋﻊ‪ ،‬ﻗﺎل رﺑﻨﺎ ﻋﻦ اﻟﻨﺎس‪:‬‬

‫ن‬
‫ﻷﻣْﻸ ﱠ‬
‫ﻚ َ‬
‫ﺖ َآِﻠ َﻤ ُﺔ َرﱢﺑ َ‬
‫ﺧَﻠ َﻘ ُﻬ ْﻢ َو َﺗ ﱠﻤ ْ‬
‫ﻚ َ‬
‫ﻚ َوِﻟ َﺬِﻟ َ‬
‫ﺣ َﻢ َرﱡﺑ َ‬
‫ﻻ ﻣَﻦ ﱠر ِ‬ ‫ﻦ )‪ِ (118‬إ ﱠ‬ ‫ﺨ َﺘِﻠﻔِﻴ َ‬
‫ن ُﻣ ْ‬
‫ﻻ َﻳﺰَاﻟُﻮ َ‬
‫))‪َ ..‬و َ‬
‫ﻦ )‪ ] (( (119‬هﻮد [‬ ‫ﺟ َﻤﻌِﻴ َ‬
‫س َأ ْ‬
‫ﺠﱠﻨ ِﺔ وَاﻟﻨﱠﺎ ِ‬
‫ﻦ اْﻟ ِ‬
‫ﺟ َﻬﱠﻨ َﻢ ِﻣ َ‬
‫َ‬

‫و هﺬا اﻻﺧﺘﻼف أزﻟﻲ‪ ،‬ﻣﻦ ﻗﺒﻞ أن ﺗﻮﻟﺪ اﻟﻨﻔﻮس و ﺗﺠﻲء إﻟﻰ اﻟﺪﻧﻴﺎ‪ ،‬و ﺳﺒﺒﻪ ﺛﺒﻮت وﺻﻒ‬
‫ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻔﻮس ﻓﻲ ﻋﻠﻢ اﷲ ﻣﻦ اﻷزل‪ ،‬و هﺬا اﻟﻮﺻﻒ هﻮ ﻣﺎ أرادﺗﻪ اﻟﻨﻔﻮس ﻟﻨﻔﺴﻬﺎ أزﻻ‪ ،‬و‬
‫ﻟﻴﺲ ﻣﺎ أرادﻩ اﷲ ﻟﻬﺎ‪ .‬ﻓﺎﷲ ﻻ ﻳﺮﻳﺪ إﻻ اﻟﺨﻴﺮ ﻟﻜﻞ اﻟﺨﻠﻖ‪ ..‬و ﻟﻘﺪ ﻓﻄﺮ اﻟﺒﺸﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺮﻳﺔ و‬
‫اﻻﺧﺘﻴﺎر‪ ،‬و آﺎﻧﺖ اﻟﻨﺘﻴﺠﺔ أن اﺧﺘﻠﻔﻮا ﺣﺴﺐ أهﻮاﺋﻬﻢ‪.‬‬

‫ﻗﺎل رﺑﻨﺎ‪ )) :‬و ﻟﺬﻟﻚ ﺧﻠﻘﻬﻢ (( ﻟﻴﻤﻴﺰ اﻟﺨﺒﻴﺚ ﻣﻦ اﻟﻄﻴﺐ‪ ،‬و ﻟﺘﻜﻮن ﺧﺎﺗﻤﺔ آﻞ ﻣﺨﻠﻮق ﻋﻠﻰ‬
‫وﻓﺎق ﻧﻴﺘﻪ‪.‬‬

‫و آﺎﻧﺖ اﻟﻌﺎﻗﺒﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ أن اﻣﺘﻸت ﺑﻬﻢ ﺟﻬﻨﻢ‪ ،‬و ﻟﻢ ﻳﺪﺧﻞ اﻟﺠﻨﺔ إﻻ اﻟﻘﻠﻴﻞ‪ ،‬و اﺳﺘﻠﺰم‬
‫اﻷﻣﺮ )) اﻟﻔﺮز (( و اﻟﺘﺼﻨﻴﻒ‪ ،‬و ﺗﻔﺎﺿﻞ اﻟﺮﺗﺐ و اﻟﻤﻨﺎزل‪ ،‬ﻷن هﺬا آﺎن ﻣﻘﺘﻀﻰ اﻟﻌﺪل‪،‬‬
‫و اﷲ أﻋﺪل اﻟﻌﺎدﻟﻴﻦ‪.‬‬

‫و آﺎن اﻟﺒﺪﻳﻞ اﻵﺧﺮ أن ﻳﺴﺘﻮوا ﻋﻨﺪ اﷲ رﻏﻢ اﺧﺘﻼﻓﻬﻢ‪ ..‬أن ﻳﺴﺘﻮي اﻟﻘﺎﺗﻞ و اﻟﻘﺘﻴﻞ‪ ،‬و‬
‫اﻟﻈﺎﻟﻢ و اﻟﻤﻈﻠﻮم‪ ،‬و أن ﻳﺴﺘﻮي اﻟﺒﺮ و اﻟﻔﺎﺟﺮ‪ ،‬و أن ﻳﻘﺪم اﷲ ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ )) ﺣﻔﻠﺔ ﺷﺎي (( ﻓﻲ‬
‫اﻵﺧﺮة اﺣﺘﻔﺎﻻ ﺑﺒﻌﺜﻬﻢ‪ ..‬و هﻮ اﻷﻣﺮ اﻟﻤﺤﺎل !‬

‫ﺗﻌﺎﻟﻰ رﺑﻨﺎ ﻋﻦ ﻣﺜﻞ ذﻟﻚ اﻟﻌﺒﺚ ﻋﻠﻮا آﺒﻴﺮا‪.‬‬

‫ﻗﺎل رﺑﻨﺎ‪ )) :‬و ﻻ ﻳﺰاﻟﻮن ﻣﺨﺘﻠﻔﻴﻦ إﻻ ﻣﻦ رﺣﻢ رﺑﻚ ((‪ ..‬و ﻣﻌﻨﻰ ذﻟﻚ أن داﺧﻞ اﻟﺠﻨﺔ ﻟﻦ‬
‫ﻳﺪﺧﻠﻬﺎ ﺑﻌﻤﻠﻪ وﺣﺪﻩ ﺑﻞ ﺑﻔﻀﻞ اﷲ و رﺣﻤﺘﻪ‪ ،‬و ﺗﻠﻚ هﻲ اﻟﻨﺴﻤﺔ اﻟﺮﺑﻴﻌﻴﺔ اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻬﺐ‬
‫ﻣﻦ أول ﺻﻔﺤﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﺮﺁن إﻟﻰ ﺁﺧﺮ ﺻﻔﺤﺔ‪ ..‬ﻣﻦ أول ﻣﻔﺘﺘﺢ اﻟﻔﺎﺗﺤﺔ‪ ..‬ﺑﺴﻢ اﷲ اﻟﺮﺣﻤﻦ‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪144‬‬
 ‫اﻟﺮﺣﻴﻢ‪ ..‬إﻟﻰ ﺁﺧﺮ آﻠﻤﺔ‪ ..‬و اﻟﺤﻤﺪ ﷲ رب اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ ﺑﻌﺪ أن ﻳﺘﻢ اﻟﺤﺴﺎب‪ .‬و ﻟﻘﺪ اﺧﺘﺎر رﺑﻨﺎ‬
‫ﻟﺮﺣﻤﺘﻪ ﻣﻦ اﺳﺘﺤﻘﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﻠﻖ‪ ..‬و هﻮ أﻋﻠﻢ ﺑﻘﻠﻮب ﺧﻠﻘﻪ‪ ،‬و ﻟﻮﻻ رﺣﻤﺔ رﺑﻚ ﻟﻬﻠﻜﻨﺎ‬
‫ﺟﻤﻴﻌﺎ‪.‬‬

‫و ﺑﻴﻦ اﻟﻨﺎر و اﻟﺠﻨﺔ ذﻟﻚ اﻟﺨﻴﻂ اﻟﺮﻓﻴﻊ ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺆﺗﻠﻒ و اﻟﻤﺨﺘﻠﻒ‪ ..‬ﺑﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ أﺳﻠﻤﻮا ﻟﻠﺤﻖ‬
‫و اﻧﺴﺠﻤﻮا ﻣﻌﻪ ﻓﻲ آﺘﻴﺒﺔ اﻟﺨﻴﺮ‪ ،‬و ﺑﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ أﻋﺮﺿﻮا و ﺗﻔﺮﻗﻮا و اﻗﺘﺘﻠﻮا‪ ..‬و ﻟﻴﺲ‬
‫ﺑﺎﻟﺸﻌﺎرات و ﻻ ﺑﺎﻟﺒﻄﺎﻗﺎت ﺳﻴﻜﻮن دﺧﻮل اﻟﺠﻨﺔ ! ﻓﻤﺎ أآﺜﺮ اﻟﺬﻳﻦ ﺣﻤﻠﻮا ﺷﻌﺎر ﻻ إﻟﻪ إﻻ‬
‫اﷲ و ﺧﺎﻧﻮﻩ‪ ،‬و ﺣﻤﻠﻮا ﺑﻄﺎﻗﺔ اﻟﻤﺴﻠﻢ و ﻟﻢ ﻳﺴﻠﻤﻮا ﻟﺸﻲء ﺳﻮى هﻮى ﻧﻔﻮﺳﻬﻢ !‬

‫و ﺗﻈﻞ اﻟﻮﺳﻄﻴﺔ و اﻻﻋﺘﺪال هﻲ اﻟﻨﻐﻤﺔ اﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ اﻟﺴﺎﺋﺪة ﻣﻦ أول ﺁﻳﺎﺗﻪ إﻟﻰ ﺁﺧﺮهﺎ‪ ..‬و اﻟﺬﻳﻦ‬
‫ﺗﻄﺮﻓﻮا ﻓﻲ اﻷﺧﺬ ﺑﺎﻟﻈﺎهﺮ‪ ،‬و اﻟﺬﻳﻦ ﺗﻄﺮﻓﻮا ﻓﻲ اﻷﺧﺬ ﺑﺎﻟﺒﺎﻃﻦ – إﻧﻤﺎ أﺧﺬوا ﻣﻦ اﻟﻘﺮﺁن ﻣﺎ‬
‫ﻧﺎﺳﺒﻬﻢ‪ ،‬و ﻟﻢ ﻳﺄﺧﺬوا ﺑﻪ آﻠﻪ‪.‬‬

‫و ﻣﺤﻤﺪ – ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺼﻼة و اﻟﺴﻼم – و هﻮ اﻟﻘﺮﺁن اﻟﺤﻲ اﻟﺬي ﻳﻤﺸﻲ ﻋﻠﻰ اﻷرض – ﻣﺎ‬
‫ﻋﺮﻓﻨﺎﻩ إرهﺎﺑﻴﺎ‪ ،‬و ﻻ ﻋﺮﻓﻨﺎﻩ ﻣﺠﺬوﺑﺎ ﻏﺎﺋﺒﺎ ﻋﻦ اﻟﻮﻋﻲ ﻓﻲ ﺳﻜﺮة اﻟﻮﺟﺪ ﻣﺜﻞ ﻣﺠﺎذﻳﺐ‬
‫اﻟﻄﺮق اﻟﺼﻮﻓﻴﺔ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻋﺮﻓﻨﺎﻩ ﻳﻘﻈﺎ ﻣﺘﻨﺒﻬﺎ‪ ،‬ﺣﺎﺿﺮ اﻟﺬهﻦ‪ ،‬ﻋﻘﻠﻪ ﻣﻊ اﻟﻨﺎس و ﻗﻠﺒﻪ ﻣﻊ رﺑﻪ‪،‬‬
‫ﻳﻌﻴﺶ اﻟﻮاﻗﻊ و ﻳﻠﺘﺤﻢ ﺑﺎﻟﺪﻧﻴﺎ‪ ،‬و ﻣﻊ ذﻟﻚ ﻻ ﻳﻐﻔﻞ ﻋﻦ ﺧﺎﻟﻘﻪ ﻟﺤﻈﺔ‪.‬‬

‫و ذﻟﻚ هﻮ اﻟﺼﺮاط اﻟﻤﺴﺘﻘﻴﻢ‪ ..‬ﻻ ﻳﻤﻴﻦ ﻓﻴﻪ و ﻻ ﻳﺴﺎر‪ ..‬ﺑﻞ ﺧﻂ رﻓﻴﻊ آﺎﻟﺴﻴﻒ‪ ..‬ﻣﻦ أﺻﺎﺑﻪ‬
‫ﻓﻘﺪ ﻋﺮف ﺟﺎدة اﻹﺳﻼم‪ ..‬و ﻟﻬﺬا ﺟﻌﻠﻪ اﷲ أﺳﻮة ﻟﻨﺎ ﺟﻤﻴﻌﺎ‪ ،‬و اﺧﺘﺎرﻩ ﻗﺪوة و ﻣﺜﺎﻻ‪ ..‬و‬
‫أرﺳﻠﻪ ﻧﺒﻴﺎ‪ ..‬و ﻗﺎل ﻟﻪ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻘﻞ ﻟﺮﺳﻮل‪:‬‬

‫)) و إﻧﻚ ﻟﻌﻠﻰ ﺧﻠﻖ ﻋﻈﻴﻢ ((‪ .‬و ﻣﻦ أﺧﻄﺄ ﻓﻬﻮ ﻣﺴﻠﻢ ﺑﻘﺪر اﻗﺘﺮاﺑﻪ ﻣﻦ هﺬا اﻟﻮﺳﻂ اﻷﻣﺜﻞ‪،‬‬
‫و هﻮ ﺻﺎﺣﺐ اﻷﺧﻼق ﺑﻘﺪر ﺣﻈﻪ ﻣﻦ اﻻﻋﺘﺪال‪.‬‬

‫و اﻷﺧﻼق ﻓﻲ أﺻﻠﻬﺎ هﻲ اﻷﺳﻤﺎء اﻟﺤﺴﻨﻰ ﷲ‪ ..‬اﻟﻜﺮﻳﻢ‪ ،‬اﻟﺤﻠﻴﻢ‪ ،‬اﻟﺮﺣﻴﻢ‪ ،‬اﻟﻮدود‪،‬‬

‫اﻟﺮؤوف‪ ،‬اﻟﺼﺒﻮر‪ ،‬اﻟﺸﻜﻮر‪ ،‬اﻟﺒﺮ‪ ،‬اﻟﻌﻔﻮ‪ ،‬اﻟﻐﻔﻮر‪ ،‬اﻟﻐﻔﺎر‪ ،‬اﻟﺮزاق‪ ،‬اﻟﺤﻜﻢ‪ ،‬اﻟﻌﺪل‪ ،‬اﻟﻨﺎﻓﻊ‪،‬‬
‫اﻟﻬﺎدي‪ ،‬اﻟﺮﺷﻴﺪ‪ ..‬ﻓﻜﻞ هﺬﻩ أﺧﻼق ﻣﺜﻠﻰ‪ ..‬و ﷲ اﻟﻤﺜﻞ اﻷﻋﻠﻰ‪ ..‬و ﺑﻘﺪر ﻣﺎ ﻳﺤﺼﻞ اﻟﻌﺒﺪ ﻣﻦ‬
‫هﺬﻩ اﻷﺧﻼق ﻳﻜﻮن ﻋﻨﺪ اﷲ ﻋﺒﺪا رﺑﺎﻧﻴﺎ‪ ..‬و ﻳﻜﻮن ﻋﻨﺪ اﷲ ﻣﺴﻠﻤﺎ ﺣﻘﺎ‪.‬‬

‫و ﻓﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ‪ )) :‬ﺗﺨﻠﻘﻮا ﺑﺄﺧﻼق اﷲ‪ ..‬إن رﺑﻲ ﻋﻠﻰ ﺻﺮاط ﻣﺴﺘﻘﻴﻢ ((‪ .‬و ﺟﻤﻌﻴﺔ ﺗﻠﻚ‬
‫اﻷﺧﻼق هﻲ اﻷﺻﻮﻟﻴﺔ اﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﻓﻲ دﻳﺎﻧﺘﻨﺎ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ اﻹﺳﻼم ﷲ ﻓﻲ آﻞ ﺷﻲء‪ ،‬و ﺗﻮﺣﻴﺪﻩ‬
‫و ﺗﻤﺠﻴﺪﻩ‪ ،‬و ﺗﺴﺒﻴﺤﻪ و ﻋﺒﺎدﺗﻪ و ﻃﺎﻋﺘﻪ‪ ،‬و اﻹﻳﻤﺎن ﺑﻜﺘﺒﻪ و رﺳﻠﻪ و اﻟﻘﺪر ﺧﻴﺮﻩ و ﺷﺮﻩ‪،‬‬
‫و اﻵﺧﺮة و اﻟﺒﻌﺚ و اﻟﺤﺴﺎب‪..‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪145‬‬
 ‫هﺬﻩ هﻲ اﻷﺻﻮﻟﻴﺔ‪ ..‬و ﻻ دﺧﻞ ﻟﻬﺎ ﺑﺈرهﺎب و ﻻ ﺑﺘﻄﺮف‪ ،‬و ﻻ ﺑﻤﻈﻬﺮﻳﺔ آﺎذﺑﺔ‪ ،‬و ﻻ‬
‫ﺑﺸﻜﻠﻴﺎت ﻓﺠﺔ‪..‬‬

‫و ﻳﺠﻤﻊ اﻟﻨﺒﻲ – ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺼﻼة و اﻟﺴﻼم – آﻞ هﺬا ﻓﻲ ﺟﻤﻠﺔ واﺣﺪة‪ )) :‬ﻗﻞ‪ :‬ﺁﻣﻨﺖ ﺑﺎﷲ ﺛﻢ‬
‫اﺳﺘﻘﻢ ((‪.‬‬

‫ﻓﻴﻀﻊ آﻞ ﻣﻜﺎرم اﻷﺧﻼق ﺗﺤﺖ آﻠﻤﺔ اﻻﺳﺘﻘﺎﻣﺔ‪ ،‬و آﻞ ﻣﻘﺮرات اﻹﺳﻼم ﻓﻲ آﻠﻤﺔ‬
‫اﻹﻳﻤﺎن‪ ..‬و ذﻟﻚ ﻟﺘﺄآﻴﺪ أن اﻹﺳﻼم دﻳﻦ ﻓﻄﺮة و ﺑﺴﺎﻃﺔ‪ ،‬و ﻟﻴﺲ ﻓﻠﺴﻔﺔ و ﺣﺬﻟﻘﺔ و ﺗﻨﻄﻌﺎ و‬
‫ﺟﺪﻻ‪ ..‬ﻓﺎﻷﻣﺮ أﺑﺴﻂ ﻣﻦ آﻞ هﺬا‪ ..‬ﺑﻞ هﻮ ﺛﻼث آﻠﻤﺎت !‬

‫و أﺻﺤﺎب اﻟﻨﻴﺎت اﻟﺴﻠﻴﻤﺔ ﻳﻔﻬﻤﻮن هﺬا ﺑﺒﺪاهﺘﻬﻢ و ﻻ ﺣﺎﺟﺔ ﻟﻬﻢ ﺑﺠﺪل و ﻻ ﺑﺘﻨﻄﻊ‪ ..‬و‬
‫أﺻﺤﺎب اﻟﻨﻴﺎت اﻟﺨﺒﻴﺜﺔ‪ ..‬اﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﻓﻴﻬﻢ‪ ،‬و ﻟﻴﺴﺖ ﻓﻲ اﻟﺪﻳﻦ‪ ..‬و ﺑﻴﻦ اﻻﺛﻨﻴﻦ ذﻟﻚ اﻟﺨﻴﻂ‬
‫اﻟﺮﻓﻴﻊ ﺑﻴﻦ اﻟﺠﻨﺔ و اﻟﻨﺎر‪.‬‬

‫و ﻟﺬﻟﻚ ﻗﺎل رﺑﻨﺎ ﻓﻲ أهﻞ اﻟﺠﻨﺔ‪ )) :‬إن اﻟﺬﻳﻦ ﺳﺒﻘﺖ ﻟﻬﻢ ﻣﻨﺎ اﻟﺤﺴﻨﻰ أوﻟﺌﻚ ﻋﻨﻬﺎ ﻣﺒﻌﺪون ((‬
‫– أي ﻋﻦ اﻟﻨﺎر ﻣﺒﻌﺪون –‬

‫آﺎن هﺬا أﻣﺮا ﺳﺒﻖ ﻧﺰوﻟﻬﻢ إﻟﻰ اﻟﺪﻧﻴﺎ و هﻢ ﻣﺠﺮد ﻧﻔﻮس‪ ..‬و ﻣﻦ ﻗﺒﻞ أن ﻳﻨﺰﻟﻮا إﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ‬
‫اﻻﻣﺘﺤﺎن و اﻻﺑﺘﻼء و دﻧﻴﺎ أﺳﻔﻞ ﺳﺎﻓﻠﻴﻦ‪.‬‬

‫هﻢ إذن أهﻞ اﻟﺠﻨﺔ ﻣﻦ ﻗﺪﻳﻢ‪ ..‬و اﻵﺧﺮون أهﻞ اﻟﻨﺎر ﻣﻦ ﻗﺪﻳﻢ‪ ..‬و إﻧﻤﺎ ﻗﻀﻰ اﷲ ﺑﺎﻻﻣﺘﺤﺎن‬
‫و اﻻﺑﺘﻼء ﺣﺘﻰ ﺗﻨﻘﻄﻊ اﻟﺤﺠﺔ‪ ..‬و ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﻜﻮن ﻷﺣﺪ ﻋﺬر‪.‬‬

‫و ﻳﺒﻘﻰ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ اﻟﺴﺆال‪ :‬آﻴﻒ آﻨﺎ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻷزل ﻗﺒﻞ اﻟﺨﻠﻖ ؟ و آﻴﻒ ﺗﻔﺎﺿﻠﻨﺎ ؟ و ﻣﺘﻰ ؟‬
‫و أﻳﻦ ؟‬

‫أم أﻧﻪ ﻻ أﻳﻦ‪ ،‬و ﻻ ﻣﺘﻰ ﻓﻲ اﻷزل‪ ..‬ﺣﻴﺚ ﻻ ﺣﻴﺚ‪ ..‬و ﺣﻴﺚ ﻻ ﻣﻜﺎن و ﻻ زﻣﺎن ؟! و ﺗﻠﻚ‬
‫ﻣﻦ أﺳﺮار اﻟﻐﻴﺐ اﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﻌﻠﻤﻬﺎ إﻻ اﷲ‪ ،‬و ﻟﻦ ﻳﻜﺸﻒ ﻋﻨﻬﺎ اﻟﺴﺘﺎر إﻻ ﺑﻌﺪ اﻟﻤﻮت و‬
‫اﻟﺒﻌﺚ‪ ..‬و اﻟﻌﺮض ﻣﺴﺘﻤﺮ‪ ..‬و اﻟﻘﺼﺔ ﻣﻤﺘﺪة ﻓﺼﻮﻻ‪ ..‬و ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺼﻴﺮﻧﺎ آﻠﻪ‪.‬‬
‫ﺿﻌﻮا أﻳﺪﻳﻜﻢ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﻮﺑﻜﻢ‪ ..‬ﻓﻠﻴﺲ اﻷﻣﺮ ﺑﺎﻟﻬﺰل !‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪146‬‬
 ‫ﺳﺎﻋﺔ اﻟﻔﺼﻞ‬

‫ﻦ‬
‫ﺷ َﻔ ْﻘ َ‬
‫ﺤ ِﻤ ْﻠ َﻨﻬَﺎ َوَأ ْ‬
‫ﻦ أَن َﻳ ْ‬
‫ل َﻓَﺄ َﺑ ْﻴ َ‬
‫ﺠﺒَﺎ ِ‬
‫ض وَاْﻟ ِ‬
‫ت وَا ْﻟَﺄ ْر ِ‬
‫ﺴﻤَﺎوَا ِ‬
‫ﻋﻠَﻰ اﻟ ﱠ‬ ‫ﺿﻨَﺎ ا ْﻟَﺄﻣَﺎ َﻧ َﺔ َ‬
‫ﻋ َﺮ ْ‬‫ﻗﺎل رﺑﻨﺎ )) ِإﻧﱠﺎ َ‬
‫ﺟﻬُﻮﻟًﺎ )‪ ] (( (72‬اﻷﺣﺰاب [‬ ‫ﻇﻠُﻮ ًﻣﺎ َ‬ ‫ن َ‬‫ن ِإﻧﱠ ُﻪ آَﺎ َ‬
‫ﺣ َﻤَﻠﻬَﺎ ا ْﻟﺈِﻧﺴَﺎ ُ‬‫ِﻣ ْﻨﻬَﺎ َو َ‬

‫ﻓﻤﺎذا ﻓﻌﻞ اﻹﻧﺴﺎن ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺬي أﺷﻔﻘﺖ ﻣﻨﻪ اﻟﺴﻤﺎوات و اﻷرض ؟!‬

‫ﻣﺎذا ﻓﻌﻞ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻓﻲ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟﺘﻲ ﺁﻟﺖ إﻟﻴﻪ‪..‬؟!‬

‫و ﻣﺎذا ﻓﻌﻞ ﻓﻲ اﻷﻣﺎﻧﺔ اﻟﺘﻲ أﺧﺬهﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﺎﺗﻘﻪ‪..‬؟!‬

‫ﻟﻘﺪ رﻓﻀﺖ اﻟﺴﻤﺎوات و اﻷرض و اﻟﺠﺒﺎل أن ﺗﺤﻤﻞ ﻣﺴﺌﻮﻟﻴﺔ ﺗﻠﻚ اﻷﻣﺎﻧﺔ‪ ..‬و ﻗﺎﻟﺖ‪ :‬ﻻ‬
‫ﻧﺮﻳﺪ أن ﻳﻜﻮن ﻟﻨﺎ اﻷﻣﺮ‪ ،‬و ﻻ ﺗﺼﺮﻳﻒ ﻓﻲ ﺷﺌﻮﻧﻨﺎ ﻣﻌﻚ ﻳﺎ رب‪ ..‬أﻧﺖ ﻳﺎ رب ﺣﺴﺒﻨﺎ‪..‬‬
‫ﺗﺼﺮﻓﻨﺎ آﻴﻒ ﺗﺸﺎء‪ ..‬ﻧﻌﻤﻞ ﺑﺄﻣﺮك و ﻻ ﻧﺴﺘﺨﻠﻒ ﻋﻠﻰ ﺷﻲء‪..‬‬

‫أﻣﺎ اﻹﻧﺴﺎن ﻓﻘﺪ ﻗﺒﻞ اﻟﺨﻼﻓﺔ و ﻗﺒﻞ ﻣﻘﺘﻀﻴﺎﺗﻬﺎ‪ ..‬أن ﺗﻜﻮن ﻟﻪ ﺣﺮﻳﺔ و ﺗﺼﺮﻳﻒ‪ ،‬و أن ﻳﻜﻮن‬
‫ﻟﻪ ﻋﻤﻞ‪ ،‬و أن ﻳﻜﻮن ﻟﻪ رأي و أن ﺗﻜﻮن ﻟﻪ اﺳﺘﻘﻼﻟﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﻤﻠﻜﺘﻪ‪.‬‬

‫و أﻋﺎﻧﻪ اﷲ ﻓﺄﻋﻄﺎﻩ اﻟﻌﻘﻞ و اﻟﺤﺮﻳﺔ و ﺳﺨﺮ ﻟﻪ ﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎوات و ﻣﺎ ﻓﻲ اﻷرض ﺟﻤﻴﻌﺎ‬

‫ﻣﻨﻪ‪ ..‬و ﻣﺪ ﻟﻪ ﻓﻲ اﻷﺳﺒﺎب‪ ..‬ﻓﻤﺎذ ﺣﺪث ؟‬

‫ﻟﻘﺪ ﺗﻨﺒﺄ ﻟﻪ اﻟﻘﺮﺁن ﺑﺄﻧﻪ آﺎن ﻇﻠﻮﻣﺎ ﺟﻬﻮﻻ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﻓﻲ ﻗﺒﻮﻟﻪ ﻟﺘﻚ اﻟﻤﺴﺌﻮﻟﻴﺔ‪ ..‬ﻓﻘﺪ ﺗﻌﻬﺪ ﺑﻤﺎ ﻻ‬
‫ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ‪ ،‬و ﺣﻤﻞ ﻣﺎ ﻻ ﻳﻘﺪر‪.‬‬

‫و ﻗﺪ ﺻﺎدﻗﺖ اﻟﺤﻮادث ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﺒﻮءة‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪147‬‬
 ‫ﻟﻘﺪ أﻃﻠﻖ اﻹﻧﺴﺎن ﻳﺪﻩ ﻓﻲ اﻷرض ﻓﺄﻓﺴﺪهﺎ‪ ..‬ﻟﻮث اﻟﺒﺤﺎر و اﻷﻧﻬﺎر ﺑﺎﻟﻨﻔﻂ و اﻟﻤﺒﻴﺪات و‬
‫ﻣﺨﻠﻔﺎت اﻟﻤﺼﺎﻧﻊ و ﺳﻤﻮم اﻟﻤﻌﺎدن اﻟﺜﻘﻴﻠﺔ‪ ..‬ﻟﻮث اﻟﺠﻮ ﺑﻐﺎزات اﻟﻜﺒﺮﻳﺖ و أآﺎﺳﻴﺪ اﻷزوت‬
‫و اﻟﻜﺮﺑﻮن و اﻟﺮﺻﺎص‪ ..‬و اﺗﺨﺬ ﻣﻦ ﻗﻠﺐ اﻷرض و اﻟﺒﺤﺮ ﻣﺨﺎزن ﻟﻠﻤﻮت اﻟﻨﻮوي و‬
‫اﻟﺮﻋﺐ اﻟﺬري ﻳﺪﻓﻦ ﻓﻴﻪ اﻟﻨﻔﺎﻳﺎت اﻟﻘﺎﺗﻠﺔ ﻟﺼﻨﺎﻋﺎﺗﻪ اﻟﻤﻬﻠﻜﺔ‪ ..‬ﻓﺄﺗﻠﻒ اﻟﻤﻴﺮاث اﻟﺬي ﺗﺴﻠﻤﻪ‬
‫ﻣﻦ ﺳﻴﺪﻩ و ﻣﻮﻻﻩ‪.‬‬

‫و أرﺳﻞ ﻟﻪ اﷲ اﻟﺮﺳﻞ ﻳﻬﺪوﻧﻪ إﻟﻰ اﻟﺸﺮاﺋﻊ ﻓﺨﺮق اﻟﺸﺮاﺋﻊ و ﻃﻠﺐ اﻟﻠﺬة ﻣﻦ وﺟﻮهﻬﺎ‬
‫اﻟﺸﺎذة ﺑﺎﻟﻠﻮاط و اﻟﺴﺤﺎق !! و ﺧﺮﺟﺖ ﻗﺒﺎﺋﻞ ﻣﻦ اﻟﺸﻮاذ ﺗﻄﺎﻟﺐ ﺑﺸﺮﻋﻴﺔ اﻟﻔﺴﻖ و ﺗﻘﻨﻦ‬
‫زواج اﻟﺮﺟﺎل ﺑﺎﻟﺮﺟﺎل‪ ،‬و زواج اﻟﻨﺴﺎء ﺑﺎﻟﻨﺴﺎء‪ ،‬و ﺗﺴﻴﺮ ﻓﻲ ﻣﻈﺎهﺮات ﻋﻠﻨﻴﺔ ﺗﻄﺎﻟﺐ‬
‫ﺑﺤﻘﻮﻗﻬﺎ و ﺗﺘﺨﺬ ﻟﻬﺎ اﻟﻨﻮادي اﻟﻤﺮﺧﺼﺔ‪ ..‬و رأﻳﻨﺎ ﻓﻲ زﻣﺎﻧﻨﺎ اﻟﻌﺠﻴﺐ ﺗﻘﻨﻴﻦ هﺬﻩ اﻟﻤﺨﺎﻟﻔﺎت‬
‫ﻳﺤﺪث أﻣﺎم ﻋﻴﻮﻧﻨﺎ‪ ،‬و ﻣﺮاﺳﻴﻢ اﻟﻜﻮﻧﺠﺮس ﺗﻘﺮر اﻟﻤﺴﺎواة ﺑﻴﻦ اﻟﺸﻮاذ و اﻷﺳﻮﻳﺎء ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ‬
‫اﻟﻮﻇﺎﺋﻒ ﺣﺘﻰ وﻇﺎﺋﻒ اﻟﺠﻴﺶ‪.‬‬

‫و ﺗﻔﻨﻦ اﻹﻧﺴﺎن ﻓﺠﻌﻞ ﻣﻦ اﻟﺤﺮﻳﺔ اﻟﺠﻨﺴﻴﺔ ﺷﺮﻳﻌﺔ ﻣﻤﻠﻜﺘﻪ‪ ،‬و أﻗﺎم ﻟﻠﺰﻧﺎ ﻣﺆﺳﺴﺎت و أﻗﻤﺎرا‬
‫ﻓﻀﺎﺋﻴﺔ ﺗﻨﺸﺮﻩ‪ ،‬و أﺑﺪع ﻓﻲ إﺧﺮاﺟﻪ ﺑﺠﻤﻴﻊ أوﺿﺎﻋﻪ ﻓﻲ أﺑﻬﺔ ﻣﻦ اﻷﻟﻮان و ﻣﻮاآﺐ ﻣﻦ‬
‫اﻟﺰﺧﺮف و اﺳﺘﺄﺟﺮ ﻟﻪ اﻟﺠﻤﻴﻼت و اﻟﻔﺎﺗﻨﺎت ﻣﻦ آﻞ ﺟﻨﺲ و ﻋﺮﺿﻬﻦ ﻋﺎرﻳﺎت‪ ،‬و ﺑﺚ‬
‫اﻟﻌﻬﺮ ﻣﺒﺎﺣﺎ ﻟﻜﻞ ﻣﻦ ﻳﺸﺘﺮي )) ﻃﺒﻘﺎ (( و ﻟﻜﻞ ﻣﻦ ﻳﻮﺟﻪ )) هﻮاﺋﻲ اﺳﺘﻘﺒﺎﻟﻪ (( إﻟﻰ‬
‫اﻟﻔﻀﺎء‪ ..‬و ﻗﺎﻣﺖ دول آﺒﺮى ﺑﺤﻤﺎﻳﺔ هﺬﻩ اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة و ﻧﺸﺮهﺎ و ﺗﻨﺎﻓﺴﺖ ﺷﺮآﺎت‬
‫اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﺴﺒﻖ إﻟﻰ اﻟﻤﻮﺿﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة و ﺟﺮى اﻟﻤﺴﺮح وراءهﺎ‪.‬‬

‫و ﻗﺮأﻧﺎ ﺁﺧﺮ ﺧﺒﺮ ﺟﺎء ﻣﻦ أﻣﺮﻳﻜﺎ‪ ..‬ﺣﻜﺎﻳﺔ اﻟﻤﻤﺜﻠﺔ اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ آﻴﻢ ﺑﺎﺳﻨﺠﺮ اﻟﺘﻲ رﻓﻀﺖ‬
‫ﺗﻨﻔﻴﺬ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺸﺎهﺪ اﻟﻌﺎرﻳﺔ ﻓﻲ ﻓﻴﻠﻤﻬﺎ اﻟﺬي ﺗﻌﺎﻗﺪت ﻋﻠﻴﻪ ) ﻓﻴﻠﻢ هﻴﻠﻴﻨﺎ (‪ ..‬ﻓﺮﻓﻌﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ‬
‫اﻟﺸﺮآﺔ ﻗﻀﻴﺔ ﺗﻌﻮﻳﺾ و ﺟﺎء ﺣﻜﻢ اﻟﻘﺎﺿﻲ ﺑﻐﺮاﻣﺔ ‪ 8‬ﻣﻼﻳﻴﻦ دوﻻر ﺗﺪﻓﻌﻬﺎ اﻟﻤﻤﺜﻠﺔ ﻷﻧﻬﺎ‬
‫رﻓﻀﺖ ﺧﻠﻊ ﻣﻼﺑﺴﻬﺎ اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ و اﻣﺘﻨﻌﺖ ﻋﻦ ﺗﻨﻔﻴﺬ اﻟﺴﻴﻨﺎرﻳﻮ آﻤﺎ أرادﻩ اﻟﻤﺨﺮج‪.‬‬

‫اﻧﻘﻠﺒﺖ اﻷوﺿﺎع و أﺻﺒﺤﺖ اﻟﺘﻲ ﺗﺪﻓﻊ اﻟﻐﺮاﻣﺔ هﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻤﺴﻚ ﺑﺎﻟﻌﻔﺔ و ﺗﺮﻓﺾ اﻟﻔﺠﻮر‪..‬‬
‫و أﺻﺒﺢ )) اﻟﺸﺮف (( هﻮ اﻟﺠﺮﻳﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﺪﻋﻲ ﺗﻮﻗﻴﻊ أﻗﺼﻰ اﻟﻌﻘﺎب !‬

‫و أﺻﺒﺢ اﻟﺤﺠﺎب هﻮ اﻟﺬي ﻳﺪﻋﻮ إﻟﻰ اﻟﻤﺴﺎءﻟﺔ‪ ..‬ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺑﻼد اﻹﺳﻼم !‬

‫و ﻓﻲ ﺗﺮآﻴﺎ ﻋﻮﻗﺒﺖ ﻧﺎﺋﺒﺔ اﻟﺒﺮﻟﻤﺎن ﺑﺎﻟﺤﺮﻣﺎن ﻣﻦ اﻟﺠﻨﺴﻴﺔ ﻷﻧﻬﺎ رﻓﻀﺖ ﺧﻠﻊ اﻟﺤﺠﺎب‪.‬‬

‫و ﻓﻲ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ أﺻﺒﺢ اﻟﻈﻠﻢ ﺷﺮﻳﻌﺔ اﺳﻤﻬﺎ اﻟﺤﺮآﻲ )) ﺣﻘﻮق اﻹﻧﺴﺎن (( ! و اﺻﻄﻨﻌﺖ‬

‫اﻟﺪول اﻟﻌﻈﻤﻰ ﻧﻈﺎﻣﺎ ﺟﺪﻳﺪا ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ ﻳﻜﻮن ﻟﻠﻌﺪاﻟﺔ ﻓﻴﻪ أآﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﻜﻴﺎل‪ ..‬ﻟﻠﺪول اﻟﻨﺎﻣﻴﺔ ﻣﻜﻴﺎل‪،‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪148‬‬
 ‫و ﻟﻠﺪول اﻟﻌﻈﻤﻰ ﻣﻜﻴﺎل‪ ..‬و ﻻ ﺗﻜﻮن ﺣﻘﻮق اﻹﻧﺴﺎن ﻟﻜﻞ إﻧﺴﺎن‪ ..‬و إﻧﻤﺎ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺐ‬
‫ﻣﻮﻗﻒ هﺬا اﻹﻧﺴﺎن‪ ..‬ﻣﻌﻬﻢ أم ﻋﻠﻴﻬﻢ‪ ..‬و ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺘﻀﻰ اﻟﻤﺼﻠﺤﺔ اﻟﻌﺎﺟﻠﺔ ﻟﻠﺪول اﻟﻌﻈﻤﻰ‬
‫ذات اﻟﺸﺄن ﺳﺎﻋﺘﻬﺎ‪ ..‬و اﻟﻤﺼﺎﻟﺢ ﺗﺘﻐﻴﺮ ﻣﻦ ﺳﺎﻋﺔ ﻟﺴﺎﻋﺔ‪.‬‬

‫هﺬا اﻟﻐﺶ اﻟﻌﻠﻨﻲ ﻓﻲ اﻟﻘﻴﻢ و اﻟﻤﻌﺎﻳﻴﺮ‪ ،‬و هﺬا اﻟﻐﺶ اﻟﻌﻠﻨﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﺜﻞ و اﻷﺧﻼﻗﻴﺎت أﺻﺒﺢ‬
‫هﻮ اﻟﻘﺎﻋﺪة ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻴﻮم‪.‬‬

‫و إذا ﺗﺼﻮرﻧﺎ ﻟﺴﻠﻮك هﺬا اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﺧﻄﺎ ﺑﻴﺎﻧﻴﺎ‪ ..‬ﻟﺮأﻳﻨﺎﻩ ﺧﻄﺎ ﻳﺴﻴﺮ إﻟﻰ اﻟﻨﺎزل ﻃﻮل اﻟﻮﻗﺖ‬
‫ﻣﻦ ﺑﺪاﻳﺔ ﺁدم إﻟﻰ اﻵن‪ ..‬ﻳﺴﻴﺮ ﻣﻦ اﻧﺤﺪار إﻟﻰ اﻧﺤﺪار إل ﻏﻮر ﺳﺤﻴﻖ‪.‬‬

‫و ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻜﺲ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻧﻨﻈﺮ إﻟﻰ اﻟﺨﻂ اﻟﺒﻴﺎﻧﻲ اﻵﺧﺮ اﻟﺬي ﻳﻌﺒﺮ ﻋﻦ ﻧﺼﻴﺐ هﺬا اﻹﻧﺴﺎن‬
‫اﻟﺠﺎﺣﺪ ﻣﻦ اﻟﻨﻌﻤﺔ اﻹﻟﻬﻴﺔ‪ ،‬ﻓﻨﺠﺪﻩ ﺻﺎﻋﺪا ﻃﻮل اﻟﻮﻗﺖ‪ ..‬إﻟﻰ اﻷﻏﻨﻰ و اﻷﻗﻮى و اﻷآﺜﺮ‬
‫ﺣﻈﺎ ﻓﻲ آﻞ ﺷﻲء‪.‬‬

‫ﻧﺼﻴﺐ هﺬا اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻦ اﻟﻤﺎل و اﻟﻮﻟﺪ‪ ،‬و ﻣﻦ ﺛﻤﺎر اﻷرض و ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻢ اﻟﺬي أﻓﺎءﻩ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ‬
‫و ﻋﻠﻰ ﺳﻼﻟﺘﻪ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ ﻓﺮوع اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ‪ ..‬اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ‪ ..‬اﻟﺰراﻋﺔ‪ ..‬اﻟﻄﺐ‪ ..‬اﻟﻤﻮاﺻﻼت‪..‬‬
‫اﻟﺪﻓﺎع‪ ..‬اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء‪ ..‬اﻟﻔﻴﺰﻳﺎء‪ ..‬اﻟﻔﻠﻚ‪ ..‬اﻟﻔﻨﻮن‪ ..‬اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ آﺎن ﻓﻲ اﻟﺰﻳﺎدة داﺋﻤﺎ‪.‬‬

‫اﻟﻮاﺣﺪ ) ﺁدم ( أﺻﺒﺢ ﺑﺒﺮآﺔ اﷲ ﺳﺘﺔ ﺁﻻف ﻣﻠﻴﻮن ﺁدﻣﻲ‪ ..‬ﻣﺸﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻤﺮ‪ ،‬و أرﺳﻞ اﻟﺴﻔﻦ‬
‫إﻟﻰ اﻟﻤﺮﻳﺦ و اﻟﺰهﺮة و أوراﻧﻮس و اﻟﻤﺸﺘﺮي و أرﺳﻞ اﻟﻜﺎﻣﻴﺮات اﻟﻔﻠﻜﻴﺔ إﻟﻰ ﻣﺎ وراء‬
‫اﻟﺸﻤﺲ و أرﺳﻞ اﻟﻤﺠﺴﺎت اﻟﻔﻀﺎﺋﻴﺔ ﺗﻘﻴﺲ اﻷﺷﻌﺎت اﻟﺨﻔﻴﺔ ﻓﻲ أرﺟﺎء اﻟﻜﻮن‪ ،‬و زرع‬
‫اﻷرض ﺑﺎﻟﻤﻴﻜﻨﺔ و ﺿﺎﻋﻒ اﻟﻤﺤﺼﻮﻻت ﺑﺎﻟﻬﻨﺪﺳﺔ اﻟﻮراﺛﻴﺔ و اﺳﺘﻮﻟﺪ اﻟﺠﺪﻳﺪ اﻟﻤﺒﺘﻜﺮ ﻣﻦ‬
‫اﻟﻔﻮاآﻪ و اﻟﺜﻤﺎر‪ ،‬و اﺧﺘﺮع اﻟﺴﻴﺎرة و اﻟﻘﻄﺎر و اﻟﻄﺎﺋﺮة و اﻟﺼﺎروخ و اﻟﺘﻠﻴﻔﺰﻳﻮن و‬
‫اﻟﻔﺎآﺲ و اﺧﺘﺮع اﻟﺤﺴﺎﺑﺎت و اﻟﺬاآﺮة اﻟﻜﻤﺒﻴﻮﺗﺮﻳﺔ اﻟﻤﺬهﻠﺔ و ﺻﻨﻊ اﻷﻋﺎﺟﻴﺐ ﻓﻲ اﻟﻄﺐ و‬
‫اﻟﺠﺮاﺣﺔ‪.‬‬

‫زرع ﻗﻠﻮب اﻟﻤﻮﺗﻰ ﻓﻲ اﻷﺣﻴﺎء و زرع اﻟﺸﻌﺮ و اﻟﺠﻠﺪ و اﻟﻜﺒﺪ و اﻟﻜﻠﻴﺔ و اﻷﻣﻌﺎء و‬
‫اﻟﺮﺋﺘﻴﻦ و زرع أﺟﻬﺰة اﻟﺴﻤﻊ و اﻟﺒﺼﺮ ﻓﻲ اﻟﺪﻣﺎغ و أﻧﺸﺄ ﺑﻨﻮآﺎ ﻳﺤﻔﻆ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت‬
‫اﻟﻤﻨﻮﻳﺔ و اﻟﺒﻮﻳﻀﺎت ﻓﻲ درﺟﺔ ﺣﺮارة ﺗﺤﺖ اﻟﺼﻔﺮ ﻟﺘﻌﻴﺶ ﺳﻨﻮات و ﺗﻜﻮن ﺗﺤﺖ اﻟﻄﻠﺐ‬
‫ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﺴﺘﻮﻟﺪ ﻣﻨﻬﺎ أﺟﻴﺎﻻ ﺟﺪﻳﺪة‪.‬‬

‫و ﻗﻀﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺪري و أوﺷﻚ أن ﻳﻘﻀﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻴﻔﻮد و اﻟﺘﻴﻔﻮس و ﺷﻠﻞ اﻷﻃﻔﺎل و‬
‫اﻟﺠﺬام‪ ..‬و اﻣﺘﺪ ﺑﺼﺮﻩ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻤﻨﺎﻇﻴﺮ اﻟﻔﻠﻜﻴﺔ اﻟﻌﻤﻼﻗﺔ‪ ،‬ﻓﺄﺻﺒﺢ ﻳﺮى ﺷﻤﻮﺳﺎ ﻋﻠﻰ‬
‫ﺑﻌﺪ ‪ 15‬ﻣﻠﻴﻮن ﺳﻨﺔ ﺿﻮﺋﻴﺔ‪ ،‬و اﺧﺘﺮق ﺑﺼﺮﻩ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻷﺻﻐﺮ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻤﺠﻬﺮ‪ ،‬ﻓﺄﺻﺒﺢ‬
‫ﻳﺮى اﻟﻤﻴﻜﺮوﺑﺎت و اﻟﻔﻴﺮوﺳﺎت و اﻣﺘﺪ ﺳﻤﻌﻪ إﻟﻰ ﻣﺎ وراء اﻟﻤﺠﺮات ﻓﺎﻟﺘﻘﻂ ﺿﻮﺿﺎء‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪149‬‬
 ‫اﻻﻧﻔﺠﺎر اﻟﺬي ﺑﺪأ ﺑﻪ اﻟﻜﻮن‪ ..‬أﻣﺎ ﻗﻮة ذراﻋﻪ ﻓﻘﺪ ﺗﻌﻤﻠﻘﺖ إﻟﻰ )) وﻧﺸﺎت (( و رواﻓﻊ و‬
‫ﺻﻮارﻳﺦ و ﻗﻨﺎﺑﻞ ذرﻳﺔ و هﻴﺪروﺟﻴﻨﻴﺔ و ﺗﺤﻮﻟﺖ إﻟﻰ ﻗﻮة ﺗﺪﻣﻴﺮﻳﺔ هﺎﺋﻠﺔ‪ ..‬و أﺧﻴﺮا‪ ..‬ﺷﺒﻜﺔ‬
‫اﻻﻧﺘﺮﻧﺖ‪ ..‬ﻋﺠﻴﺒﺔ اﻟﻌﺠﺎﺋﺐ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﺼﻞ ﺑﻬﺎ أﻃﺮاف اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻟﻠﺘﺠﺎرة اﻹﻟﻜﺘﺮوﻧﻴﺔ و ﻧﺸﺮ‬
‫اﻟﻌﻠﻮم و اﻟﻤﻌﺎرف‪ ..‬ﻓﻤﺎذا ﻓﻌﻞ ﺑﻬﺎ اﻹﻧﺴﺎن ؟‪ ..‬اﺳﺘﻌﻤﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﻧﺸﺮ اﻟﺪﻋﺎرة و اﻟﻠﻮاط و‬
‫اﻟﻔﺴﻖ اﻟﻔﻮري ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺘﺨﺎﻃﺐ اﻹﻟﻜﺘﺮوﻧﻲ‪.‬‬

‫و ﻓﻲ ﻧﺸﻮة اﻧﺘﺼﺎرﻩ ﻇﻦ أﻧﻪ اﻟﺼﺎﻧﻊ اﻷوﺣﺪ ﻟﻜﻞ هﺬا‪ ،‬و ﻟﻢ ﻳﺪرك ﻣﺼﺪر آﻞ ﺗﻠﻚ‬
‫اﻹﻟﻬﺎﻣﺎت و اﻟﻌﻠﻮم و اﻟﻤﻌﺎرف‪ ..‬و ﻗﺎل ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻗﺎل ﻗﺎرون‪ )) :‬إﻧﻤﺎ أوﺗﻴﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﻋﻠﻢ ﻋﻨﺪي‬
‫((‬

‫ﻟﻢ ﻳﺮ اﻟﻴﺪ اﻹﻟﻬﻴﺔ اﻟﺨﻔﻴﺔ اﻟﺘﻲ أﻋﻄﺖ‪ ،‬و ﻻ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ اﻟﺘﻲ أﻟﻬﻤﺖ و ﻟﻢ ﻳﻜﺸﻒ ﻟﻪ رﺑﻨﺎ ﻣﺎ‬
‫ﺣ ِﻴﻨَﺎ )‪ ] (( (37‬هﻮد [‬
‫ﻋُﻴ ِﻨﻨَﺎ َو َو ْ‬
‫ﻚ ِﺑَﺄ ْ‬
‫ﺻ َﻨ ِﻊ اْﻟ ُﻔ ْﻠ َ‬
‫آﺸﻒ ﻟﻨﻮح ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻗﺎل‪ )) :‬وَا ْ‬

‫ﻓﻜﺎن ﻧﻮح ﻳﻌﻠﻢ أﻧﻪ ﻳﺘﻠﻘﻰ ﻋﻦ رﺑﻪ ﻋﻠﻢ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﺴﻔﻦ‪ ..‬أﻣﺎ آﻞ هﺆﻻء اﻟﻤﺨﺘﺮﻋﻴﻦ ﻓﻜﺎﻧﻮا‬
‫ﻣﺤﺠﻮﺑﻴﻦ و ﻇﻨﻮا أﻧﻬﻢ هﻢ اﻟﺬﻳﻦ أﺑﺪﻋﻮا و اﺑﺘﻜﺮوا و اﺧﺘﺮﻋﻮا ﻓﺎﻣﺘﻸوا ﻏﺮورا‪ ،‬ﻓﻜﺎﻧﺖ‬
‫اﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﺗﻠﻚ اﻟﻐﻄﺮﺳﺔ اﻟﺘﻲ أﺧﺬت ﺑﺘﻼﺑﻴﺐ هﺬا اﻹﻧﺴﺎن ﻓﻜﺎن ﻳﺰداد ﺑﻄﺮا آﻠﻤﺎ ازداد ﻏﻨﻰ‪،‬‬
‫و ﻳﺰداد ﺗﺠﺒﺮا آﻠﻤﺎ ازداد ﻗﻮة‪ ،‬و ﻳﺰداد آﻔﺮا آﻠﻤﺎ ازداد ﻋﻠﻤﺎ !‪ ..‬و آﺎن هﺬا اﻟﺮﺳﻢ اﻟﺒﻴﺎﻧﻲ‬
‫اﻟﻌﺠﻴﺐ‪ ..‬ﺧﻄﺎ ﺻﺎﻋﺪا أﺑﺪا ﻳﺸﻴﺮ إﻟﻰ اﻣﺘﻼآﻪ اﻟﻤﺰﻳﺪ و اﻟﻤﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻘﻮة و اﻟﺜﺮوة و‬
‫اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻃﻮل اﻟﻮﻗﺖ ﻳﻘﺎﺑﻠﻪ ﺧﻂ ﻧﺎزل ﻓﻲ اﻧﺤﺪار ﻣﺴﺘﻤﺮ ﻳﺸﻴﺮ إﻟﻰ ﺳﻔﺎﻟﺘﻪ و ﺟﺤﻮدﻩ و‬
‫ﻗﺴﻮﺗﻪ و آﻔﺮﻩ‪ ..‬آﻠﻤﺎ زادﻩ اﷲ ﻧﻌﻤﺔ ازداد ﺟﺤﻮدا !!‬

‫و اﻟﻌﺎﻗﺒﺔ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﻟﻜﻞ هﺬا ﻻ ﺷﻚ أﻧﻬﺎ ﺗﺪور اﻵن ﻓﻲ أذهﺎﻧﻜﻢ‪ ..‬إﻧﻨﺎ ﻧﻘﺘﺮب اﻵن ﻣﻦ‬
‫اﻟﻠﺤﻈﺔ اﻟﺤﺮﺟﺔ‪ ..‬ﻓﺮﺑﻨﺎ ﻣﻦ أﺳﻤﺎﺋﻪ اﻟﺤﺴﻨﻰ ﻧﻌﻠﻢ أﻧﻪ اﻟﺼﺒﻮر‪ ،‬و ﻗﺪ ﺻﺒﺮ رﺑﻨﺎ ﻋﻠﻰ هﺬا‬
‫اﻟﺠﺤﻮد ﺛﻼﺛﺔ ﻣﻼﻳﻴﻦ ﺳﻨﺔ هﻲ ﻋﻤﺮ هﺬا اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻦ أﻳﺎم ﺁدم أول اﻟﺒﺸﺮ إﻟﻰ اﻵن‪ ..‬و هﺬا‬
‫رﻗﻢ ﻓﻠﻜﻲ ﻓﻲ اﻟﺼﺒﺮ ﻻ ﻳﻘﺪر ﻋﻠﻴﻪ إﻻ رب آﺮﻳﻢ ﺣﻠﻴﻢ‪ ..‬و ﻣﺎ ﻳﺰال اﻟﺮب ﻳﻌﻄﻲ و ﻣﺎ ﻳﺰال‬
‫اﻹﻧﺴﺎن ﻳﺠﺤﺪ‪ ..‬و ﻳﻜﻔﺮ‪..‬‬

‫و ﻗﺪ أﻣﺪﻩ رﺑﻨﺎ ﺑﻤﺪد ﻣﻦ اﻷﻧﺒﻴﺎء و اﻟﺮﺳﻞ و اﻟﻤﻌﻠﻤﻴﻦ و اﻟﻤﺆدﺑﻴﻦ و اﻟﻤﺼﻠﺤﻴﻦ و‬

‫اﻟﻨﺎﺻﺤﻴﻦ‪ ..‬و ﻟﻢ ﻳﺜﻤﺮ هﺬا اﻟﻤﺪد ﺳﻮى ﻗﻠﺔ ﻣﺴﺘﻀﻌﻔﺔ ﻣﻬﺰوﻣﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻣﻀﻄﻬﺪﻳﻦ و‬
‫ﻣﻀﺮوﺑﻴﻦ ﻓﻲ آﻞ ﻣﻜﺎن‪ ..‬و ﻣﺤﻞ ﺳﺨﺮﻳﺔ و اﺳﺘﻬﺰاء ﻣﻦ آﺜﺮة ﻋﻠﻤﺎﻧﻴﺔ ﻣﻔﺘﺮﺳﺔ ﻓﺎﺟﺮة‬
‫ﺗﻤﻠﻚ اﻟﺴﻠﻄﺔ و اﻷﺳﺒﺎب و اﻟﺠﺎﻩ و اﻟﻜﻠﻤﺔ‪ ..‬ﻓﻠﻢ ﻳﺒﻖ إذن إﻻ ﺷﻲء واﺣﺪ‪ ..‬آﺎرﺛﺔ ﺷﺎﻣﻠﺔ‬
‫ﺗﻜﻮن وﻗﻔﺔ ﺗﺄدﻳﺐ و إﻳﻘﺎظ ﻟﻬﺬا اﻹﻧﺴﺎن اﻟﺴﺎدر ﻓﻲ ﻏﻔﻠﺘﻪ‪ ..‬أو إﻋﻼم ﺧﺎﺗﻢ ﺑﻨﺰول اﻟﻤﺴﻴﺢ و‬
‫ﻇﻬﻮر اﻟﻤﻬﺪي ﻟﻴﻜﻮن اﻟﺮﺣﻤﺔ اﻷﺧﻴﺮة ﻗﺒﻞ اﻟﻐﻀﺐ اﻟﻌﺎم اﻟﺬي ﻳﻬﺪم ﺑﻪ رﺑﻨﺎ اﻷرض و‬
‫ﻳﻄﻮي اﻟﺴﻤﺎوات ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻓﻴﻬﺎ و ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ !‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪150‬‬
 ‫و أﺷﻌﺮ أﻧﻪ ﻗﺪ أزﻓﺖ اﻵزﻓﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻴﺲ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ دون اﷲ آﺎﺷﻔﺔ‪ ،‬و أﻧﻨﺎ ﻧﻌﻴﺶ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻓﻲ‬
‫زﻣﺎن هﺬﻩ اﻷﺣﺪاث اﻟﻜﺒﺮى‪ ..‬أو أﻧﻨﺎ ﻧﻘﺘﺮب ﻣﻨﻬﺎ‪ ..‬و أن اﻟﻜﻮارث اﻟﺼﻐﺮى اﻟﺘﻲ ﻧﻌﻴﺶ‬
‫ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺜﻞ اﺿﻄﺮاب اﻟﻄﻘﺲ و آﺜﺮة اﻟﺰﻻزل و ﺗﻔﺠﺮ اﻟﺒﺮاآﻴﻦ و آﻮارث اﻟﺴﻴﻮل و‬
‫اﻟﻔﻴﻀﺎﻧﺎت و اﻷﻋﺎﺻﻴﺮ و ﻇﻬﻮر اﻷﻣﺮاض و اﻟﻔﻴﺮوﺳﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺤﺪى اﻟﻌﻠﻢ اﻟﺒﺸﺮي هﻲ‬
‫اﻟﻤﻘﺪﻣﺎت اﻟﻤﻨﺬرة‪ .‬إن ﻋﺠﻠﺔ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﺗﺴﻴﺮ اﻵن ﺑﺈﻳﻘﺎع ﻣﺘﺴﺎرع‪ ..‬و ﻣﺎ آﺎن ﻳﺤﺪث ﻓﻲ‬
‫أﻟﻮف اﻟﺴﻨﻴﻦ أﺻﺒﺢ ﻳﺤﺪث اﻵن ﻓﻲ ﺳﻨﻮات ﻗﻠﻴﻠﺔ‪ ..‬اﻻﻧﺘﻘﺎل ﻣﻦ ﻋﺼﺮ اﻟﻄﺎﻗﺔ اﻟﻴﺪوﻳﺔ إﻟﻰ‬
‫ﻋﺼﺮ اﻟﻔﺤﻢ إﻟﻰ ﻋﺼﺮ اﻟﺒﺨﺎر إﻟﻰ ﻋﺼﺮ اﻟﺒﺘﺮول إﻟﻰ ﻋﺼﺮ اﻟﻜﻬﺮﺑﺎء اﺳﺘﻐﺮق أﻟﻮف‬
‫اﻟﺴﻨﻴﻦ‪ ..‬اﻵن ﻳﻘﻔﺰ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻣﻦ ﻋﺼﺮ اﻟﺬرة إﻟﻰ ﻋﺼﺮ اﻹﻟﻜﺘﺮوﻧﺎت إﻟﻰ ﻋﺼﺮ اﻟﻜﻤﺒﻴﻮﺗﺮ‬
‫إﻟﻰ ﻋﺼﺮ اﻟﻔﻀﺎء إﻟﻰ ﻋﺼﺮ اﻟﻬﻨﺪﺳﺔ اﻟﻮراﺛﻴﺔ ﻓﻲ ﺑﻀﻊ ﺳﻨﻮات‪ ..‬و هﺬا ﻳﻌﻨﻲ أن ﻣﺎ ﺗﺒﻘﻰ‬
‫ﻣﻦ ﺗﻄﻮر ﺳﻮف ﻳﻜﻮن ﻣﻀﻐﻮﻃﺎ ﻓﻲ ﺣﻴﺰ ﺗﺎرﻳﺨﻲ ﻗﺼﻴﺮ‪ ..‬و أﻧﻨﺎ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻧﻬﺮول إﻟﻰ‬
‫اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ‪.‬‬

‫و اﻻﺣﺘﻤﺎل اﻵﺧﺮ أن ﻳﺴﺘﻤﺮ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ هﻮ ﻋﻠﻴﻪ ﻷﻟﻮف اﻟﺴﻨﻮات و ﻣﻼﻳﻴﻨﻬﺎ‪..‬‬

‫ﻳﻤﻀﻲ ﻓﻲ رﺗﺎﺑﺔ آﻤﺎ هﻮ‪ ،‬و ﻳﺰداد اﻹﻧﺴﺎن ﻋﻠﻤﺎ و ﻳﺰداد آﻔﺮا‪ ،‬و ﻳﻠﻮث اﻟﻜﻮن أآﺜﺮ‪ ،‬و‬
‫ﻳﻔﺴﺪ ﻓﻲ اﻷرض أآﺜﺮ و أآﺜﺮ‪ ،‬و ﻳﺘﻌﻤﻠﻖ ﻓﻲ ﻗﻮاﻩ و ﺟﺒﺮوﺗﻪ‪ ،‬و ﻳﻐﺰو اﻟﻜﻮن ﺑﺤﻤﺎﻗﺎت ﺑﻼ‬
‫ﻧﻬﺎﻳﺔ‪ ..‬و ﻳﺘﺤﻮل اﻟﺒﺸﺮ إﻟﻰ دﻳﻨﺎﺻﻮرات ﺟﺒﺎرة ﻳﻘﺎﺗﻞ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﻌﻀﺎ‪ ،‬و ﺗﻄﺎرد آﻞ ﺻﻨﻮف‬
‫اﻟﺤﻴﺎة ﻓﻲ ﻏﺒﺎء‪ ..‬و هﻮ اﺣﺘﻤﺎل ﻻ ﻳﺼﻠﺢ إﻻ إذا آﺎن اﻟﻜﻮن ﺑﻼ ﻣﻜﻮن‪ ،‬و اﻟﻌﺰﺑﺔ ﺑﻼ ﺑﻮاب‪،‬‬
‫و اﻷرض ﺑﻼ ﺻﺎﺣﺐ‪ ،‬و اﻟﻮﺟﻮد ﺑﻼ ﻋﻘﻞ‪ ..‬و هﻮ أﻣﺮ ﻣﺴﺘﺤﻴﻞ‪ ،‬ﻓﻜﻞ ﺷﻲء ﻓﻲ هﺬا‬
‫اﻟﻮﺟﻮد ﻣﻦ اﻟﺬرة إﻟﻰ اﻟﻤﺠﺮة ﻳﻨﻄﻠﻖ ﺑﺎﻟﻬﻨﺪﺳﺔ اﻟﻤﺤﻜﻤﺔ و اﻟﺘﺪﺑﻴﺮ اﻟﻤﻠﻬﻢ و ﻳﺸﻬﺪ ﺑﺄن اﷲ‬
‫ﺷﺎﺧﺺ ﻣﺎﺛﻞ ﺣﺎﺿﺮ ﻻ ﻳﻐﻴﺐ و ﻻ ﻳﻨﺎم و ﻻ ﻳﻐﻔﻞ و ﻻ ﻳﺴﻬﻮ و ﻻ ﻳﻈﻠﻢ ﻣﺜﻘﺎل ذرة‪ ..‬و ﻗﺪ‬
‫أهﻠﻚ رﺑﻨﺎ اﻟﺪﻧﺎﺻﻴﺮ اﻷوﻟﻰ و ﻣﺴﺤﻬﺎ ﻣﻦ اﻷرض ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻃﻐﺖ و ﺳﻴﻄﺮت ﻋﻠﻰ آﻞ‬
‫ﺻﻨﻮف اﻟﺤﻴﺎة‪ ،‬و ﺿﺮب ﻟﻨﺎ ﻣﺜﻼ ﻻ ﻳﻨﻜﺮﻩ إﻻ ﺗﻔﻜﻴﺮ ﻋﻠﻤﺎﻧﻲ ﻏﺒﻲ أو ﻋﻨﺎد آﺎﻓﺮ ﻣﺤﺠﻮب‪.‬‬

‫و اﻟﺬي ﺑﻴﻦ أﻳﺪﻳﻨﺎ ﻣﻦ ﺷﻮاهﺪ ﻳﻨﻔﻲ هﺬا اﻻﺣﺘﻤﺎل و ﻻ ﻳﻘﻮل ﺑﺘﻠﻚ اﻟﻌﺒﺜﻴﺔ اﻟﻤﺘﺨﺒﻄﺔ اﻟﻌﻤﻴﺎء‪..‬‬
‫ﻓﺎﻟﻜﻮن ﺑﺼﻴﺮ و ﻟﻴﺲ أﻋﻤﻰ‪ ..‬و ﻋﻴﻨﻪ هﻲ اﻟﺬات اﻟﺘﻲ ﺧﻠﻘﺘﻪ‪ ..‬اﷲ اﻟﺤﻲ اﻟﺬي ﻻ ﻳﻨﺎم‪ ..‬و‬
‫هﻨﺎك ﻣﻨﻄﻖ ﻓﻲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ و ﻓﻲ اﻟﺤﻮادث ﻳﺤﻜﻢ آﻞ ﺷﻲء ﻓﻲ ﺧﻔﺎء و اﺳﺘﻤﺮار‪ ..‬و ﻻ ﺷﻲء‬
‫ﻳﺬهﺐ ﺳﺪى‪.‬‬

‫ﺿﻌﻮا أﻳﺪﻳﻜﻢ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﻮﺑﻜﻢ ﻓﻘﺪ ﻣﻀﻰ اﻟﻜﺜﻴﺮ و ﻟﻢ ﻳﺒﻖ إﻻ اﻟﻘﻠﻴﻞ ﻳﺎ ﺳﺎدة‪ ..‬ﻓﻨﺤﻦ ﻣﻘﺒﻠﻮن ﻳﻘﻴﻨﺎ‬
‫ﻋﻠﻰ أﺣﺪاث آﺒﺮى‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪151‬‬
 ‫ﻟﺤﻈﺔ هﺪوء ﻣﻦ ﻓﻀﻠﻚ !‬

‫اﻟﺒﺎﺣﺚ ﻋﻦ ﻟﺤﻈﺔ هﺪوء ﻓﻲ هﺬا اﻟﺰﻣﺎن ﻻ ﻳﺠﺪهﺎ‪ ..‬إذا ﻓﺘﺢ اﻟﺮادﻳﻮ ﺗﻨﻬﺎل ﻋﻠﻴﻪ ﺗﺸﻨﺠﺎت‬
‫ﻗﺎدة إﺳﺮاﺋﻴﻞ‪ ،‬و ﺗﻬﺪﻳﺪات ﺻﺪام‪ ،‬و أﺧﺒﺎر اﻟﺰﻻزل و اﻟﺴﻴﻮل و اﻷﻋﺎﺻﻴﺮ‪ ..‬و إذا ﻓﺘﺢ‬
‫اﻟﺘﻠﻴﻔﺰﻳﻮن ﺗﻨﻬﻤﺮ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﺴﻠﺴﻼت اﻟﻌﻨﻒ و اﻟﺒﺎﺗﻤﺎن و ﺣﺮب اﻟﻨﺠﻮم‪ ..‬و إذا ﻃﺎﻟﻊ ﺻﺤﻒ‬
‫اﻟﺼﺒﺎح ﺗﻔﺎﺟﺌﻪ أﺧﺒﺎر اﻧﻬﻴﺎر اﻟﺒﻮرﺻﺔ و ﺟﻨﻮن اﻟﺒﻘﺮ و اﻹﻳﺪز و إذا ﺑﺤﺚ ﻋﻦ ﻣﻮﺳﻴﻘﻰ‬
‫ﻳﺮﻳﺢ ﻋﻠﻴﻬﺎ أﻋﺼﺎﺑﻪ أو أﻏﻨﻴﺔ ﺗﻬﺪأ ﻟﻬﺎ ﻋﻮاﻃﻔﻪ ﻧﺰﻟﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﻟﻘﻄﺎت اﻟﻔﻴﺪﻳﻮ آﻠﻴﺐ ﺗﺘﻘﺎﻓﺰ‬
‫ﺻﻮرهﺎ و ﺗﺘﺸﻨﺞ رﻗﺼﺎﺗﻬﺎ و ﺗﺘﺴﺎرع إﻳﻘﺎﻋﺘﻬﺎ ﻓﻲ إزﻋﺎج ﻣﺘﻮاﺻﻞ‪ ..‬و إذا ﻓﺘﺢ اﻟﺸﺒﺎك‬
‫ﻗﺮﻗﻌﺖ ﻓﻲ ﺁذاﻧﻪ أﺑﻮاق اﻟﺴﻴﺎرات و أﺻﻮات اﻟﻤﻴﻜﺮوﻓﻮﻧﺎت و ﺻﺮاخ اﻟﺒﺎﻋﺔ‪..‬‬

‫و إذا أﻏﻠﻖ اﻟﺸﺒﺎك و ﻧﺰل إﻟﻰ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﺧﻨﻘﻪ اﻟﺰﺣﺎم‪ ..‬و إذا اﻧﻄﻠﻖ هﺎرﺑﺎ إﻟﻰ اﻷﺗﻮﺑﻴﺲ ﻟﻢ‬
‫ﻳﺠﺪ ﻣﻮﻗﻌﺎ ﻟﻘﺪم‪ ..‬و إذا ﺣﻤﻞ أوراﻗﻪ و ﺷﻬﺎداﺗﻪ و أﺳﺮع ﻟﻴﺘﻘﺪم ﻟﻮﻇﻴﻔﺔ وﺟﺪ ﻃﺎﺑﻮر ﻃﻼب‬
‫اﻟﻮﻇﺎﺋﻒ ﻳﺴﺪ اﻟﺸﺎرع‪ ..‬و إذا ﺑﺤﺚ ﻋﻦ ﺷﻘﺔ ﻟﻢ ﻳﺠﺪ ﺛﻤﻨﻬﺎ‪ ..‬و ﻻ اﺣﺘﻤﺎل ﻗﺮﻳﺒﺎ ﻓﻲ ﻋﻤﻞ‪ ،‬و‬
‫ﻻ أﻣﻞ ﻓﻲ زواج‪ ،‬و ﻻ أﻣﻞ ﻓﻲ ﺣﻞ ﺳﺮﻳﻊ ﻳﺄﺗﻲ ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎء‪ ..‬و ﻓﻲ ﺁﺧﺮ اﻟﻤﺸﻮار ﻳُﺴﻘﻂ ﻓﻲ‬
‫ﻳﺪﻩ‪ ..‬و ﻻ ﻳﺠﺪ ﺣﻼ ﺳﻮى أن ﻳﻌﻮد أدراﺟﻪ إﻟﻰ اﻟﺒﻴﺖ إﻟﻰ ﻓﺮاﺷﻪ أو إﻟﻰ ﺳﺘﻴﻦ ﺳﻨﺔ إﻟﻰ‬
‫اﻟﻮراء إﻟﻰ ﻣﺎض ﺑﻌﻴﺪ و إﻟﻰ ﺟﻴﻞ اﻧﺘﻬﻰ‪ ..‬إﻟﻰ اﻟﺸﺪو اﻟﻬﺎدئ ﻓﻲ ﺻﻮت أم آﻠﺜﻮم‪ ..‬و إﻟﻰ‬
‫اﻟﺤﻨﺎن اﻟﺮﺧﻴﻢ ﻓﻲ ﺻﻮت ﻋﺒﺪ اﻟﻮهﺎب‪ ..‬و إﻟﻰ دﻧﺪﻧﺔ هﺎدﺋﺔ ﻣﻊ اﻟﻌﻮد‪ ..‬ﺑﺪون ﻓﻴﺪﻳﻮ آﻠﻴﺐ‪..‬‬
‫و إﻟﻰ اﻟﺠﻤﺎل اﻟﺒﻜﺮ ﺑﺪون اﻓﺘﻌﺎل‪ ..‬و إﻟﻰ اﻟﺒﺴﺎﻃﺔ اﻟﻌﺬﺑﺔ ﺑﺪون ﺻﻨﻌﺔ‪ ..‬و إذا ﻣﺲ زرار‬
‫اﻟﺮادﻳﻮ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺰﻣﺎن اﻟﺒﻌﻴﺪ ﻓﺈﻧﻪ ﺳﻮف ﻳﻨﻘﻠﻪ إﻟﻰ ﺷﻮﺑﺎن‪ ..‬إﻟﻰ اﻟﺤﻠﻢ‪ ..‬و اﻟﺨﻴﺎل اﻟﻨﺎﻋﻢ‪..‬‬
‫و اﻟﺴﻤﺎوﻳﺔ اﻟﺮﺣﺒﺔ‪ ..‬و اﻟﺸﻮارع أﻳﺎﻣﻬﺎ ﺧﺎﻟﻴﺔ‪ ..‬و اﻟﻤﻮاﺻﻼت ﻣﺮﻳﺤﺔ‪ ..‬و ﺷﻘﻖ ﻟﻺﻳﺠﺎر‬
‫ﺗﺘﺪﻟﻰ ﻻﻓﺘﺎﺗﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﻮاﻓﺬ‪ ..‬و اﻟﻤﺮﺗﺐ ﻳﻜﻔﻲ و زﻳﺎدة‪ ..‬و ﺟﻠﺴﺔ ﻋﻠﻰ ﺷﺎﻃﺊ اﻟﻨﻴﻞ هﻲ آﻞ‬
‫اﻟﻤﺮاد‪.‬‬

‫ﻣﺎذا ﺣﺪث ﻟﻠﺪﻧﻴﺎ ؟!! و ﻟﻤﺎذا ﻳﺼﺮخ اﻟﻤﻐﻨﻮن‪ ..‬و ﻟﻤﺎذا ﻳﺘﺸﻨﺞ اﻟﺮاﻗﺼﻮن ؟! و ﻟﻤﺎذا هﺬﻩ‬
‫اﻹﻳﻘﺎﻋﺎت اﻟﻤﺰﻋﺠﺔ و اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﻨﺤﺎﺳﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺨﺮق اﻵذان ؟!‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪152‬‬
 ‫هﺬﻩ اﻷﻣﻮر ﺗﻔﺼﺢ ﻋﻦ ﻓﻘﺮ ﻓﻨﻲ‪ ..‬و ذوق ﻓﺎﺳﺪ‪ ..‬و ﺑﻼدة ﺳﻤﻌﻴﺔ‪ ..‬ﻣﺎ ﺿﺮورﺗﻬﺎ ﻟﺼﻮت‬
‫ﺟﻤﻴﻞ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ؟!‬

‫و هﺬا اﻟﺘﺴﻮﻳﻖ اﻟﻔﺞ‪ ..‬ﻣﺎ اﻟﺪاﻋﻲ إﻟﻴﻪ‪ ..‬ﻟﻮﻻ ﺳﻮء اﻟﺒﻀﺎﻋﺔ و رﺧﺺ اﻟﻤﻮهﺒﺔ ؟‪ ..‬و‬
‫اﺿﺤﻜﻮا ﻣﻌﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻐﻼء اﻟﻄﺎﺣﻦ‪ ..‬ﻣﻊ رﺧﺺ اﻟﻨﺎس‪ ..‬و رﺧﺺ اﻟﻔﻦ‪ ..‬و اﻧﻌﺪام اﻟﻘﻴﻢ‪..‬‬
‫و ﺗﻔﺎهﺔ اﻟﺒﻀﺎﻋﺔ‪.‬‬

‫إﻧﻨﺎ ﻣﻌﺎﻗﺒﻮن ﻳﺎ ﺳﺎدة ﺑﻬﺬا اﻟﻀﻨﻚ‪ ..‬و ﺗﺄﻣﻠﻮا آﻠﻤﺎت رﺑﻜﻢ‪:‬‬

‫ﺸ ًﺔ ﺿَﻨﻜًﺎ )‪ ] (( (124‬ﻃﻪ [‬
‫ن َﻟ ُﻪ َﻣﻌِﻴ َ‬
‫ض ﻋَﻦ ِذ ْآﺮِي َﻓِﺈ ﱠ‬
‫ﻋ َﺮ َ‬
‫ﻦ َأ ْ‬
‫)) َو َﻣ ْ‬

‫أﻟﻴﺲ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻴﻮم ﻗﺪ ﺗﻠﺨﺺ آﻠﻪ ﻓﻲ هﺬﻩ اﻟﻜﻠﻤﺔ اﻟﺒﻠﻴﻐﺔ‪ )) ..‬اﻟﻀﻨﻚ ((‪ )) ..‬و اﻹﻋﺮاض ((‬
‫؟! أﻟﻴﺲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻗﺪ أﻋﺮض ﺗﻤﺎﻣﺎ ﻋﻦ آﻞ ﻣﺎ هﻮ رﺑﺎﻧﻲ و ﻏﺮق ﺗﻤﺎﻣﺎ ﻓﻲ آﻞ ﻣﺎ هﻮ ﻋﻠﻤﺎﻧﻲ‬
‫و ﻣﺎدي و دﻧﻴﻮي و ﺷﻬﻮاﻧﻲ و ﻋﺎﺟﻞ و زاﺋﻞ‪ ..‬و اﻟﻜﻼم ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﻌﺎﻟﻢ آﻠﻪ !‬

‫اﻟﻜﻞ ﻣﺘﻌﺠﻞ ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﻐﻨﻢ ﺷﻴﺌﺎ و أن ﻳﻠﻬﻒ ﺷﻴﺌﺎ‪ ..‬ﻻ أﺣﺪ ﻳﻨﻈﺮ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ‪ ..‬و ﻻ ﻓﻴﻤﺎ وراء‪..‬‬

‫اﻟﻤﻮت ﻻ ﻳﺨﻄﺮ ﺑﺒﺎل أﺣﺪ‪ ..‬و ﻣﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﻤﻮت ﺧﺮاﻓﺔ‪ ..‬و اﻟﺠﻨﺔ و اﻟﻨﺎر أﺳﺎﻃﻴﺮ‪ ..‬و اﻟﺤﺴﺎب‬
‫ﺣﺪوﺗﺔ ﻋﺠﺎﺋﺰ‪ ..‬و اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺤﻤﻠﻮن اﻟﺸﻌﺎرات اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ‪ ..‬اﻟﺒﻌﺾ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻮﺗﻮر و اﻟﺒﻌﺾ‬
‫ﻣﺄﺟﻮر‪ ..‬و اﻟﻤﺨﻠﺺ ﻣﻨﻬﻢ ﻻ ﻳﺒﺮح ﺳﺠﺎدﺗﻪ و ﻳﻤﺸﻲ إﻟﻰ ﺟﻮار اﻟﺤﺎﺋﻂ‪ ..‬ﻓﻬﻮ ﻟﻴﺲ ﻣﻊ‬
‫أﺣﺪ‪ ..‬و ﻟﻴﺲ ﻷﺣﺪ‪ ..‬و إﻧﻤﺎ هﻮ ﻣﺸﺪوﻩ و ﻣﻨﻔﺼﻞ ﻋﻦ اﻟﺮآﺐ‪ ..‬و ﻣﺸﻔﻖ ﻣﻦ اﻟﻌﺎﻗﺒﺔ‪ ..‬و هﻮ‬
‫ﻗﺪ أﻏﻠﻖ ﻓﻤﻪ و اﺣﺘﻔﻆ ﺑﻌﺬاﺑﻪ ﻓﻲ داﺧﻠﻪ‪ ..‬و اآﺘﻔﻰ ﺑﺎﻟﻔﺮﺟﺔ‪.‬‬

‫و اﻟﻨﺎس ﻓﻲ ﺿﻨﻚ‪ ..‬و آﻞ اﻟﻌﺎﻟﻢ‪ :‬أﻏﻨﻴﺎؤﻩ و ﻓﻘﺮاؤﻩ‪ ..‬آﻠﻬﻢ ﻓﻘﺮاء إﻟﻰ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ‪ ..‬ﻓﻘﺮاء إﻟﻰ‬
‫اﻟﺤﻜﻤﺔ‪ ..‬ﻓﻘﺮاء إﻟﻰ اﻟﻨﺒﻞ‪.‬‬

‫و أآﺜﺮ اﻷﻧﻈﺎر ﻣﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﺰاﺋﻞ و اﻟﻌﺎﺟﻞ و اﻟﻬﺎﻟﻚ‪.‬‬

‫و اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻣﻠﻬﺎة‪.‬‬

‫و هﻲ ﺳﺎﺋﺮة إﻟﻰ ﻣﺠﺰرة‪ .‬ﻓﺎﷲ ﻓﻲ اﻟﻤﺎﺿﻲ آﺎن ﻳﻮﻗﻆ ﺧﻠﻘﻪ ﺑﺎﻟﺮﺳﻞ و اﻷﻧﺒﻴﺎء‪ ..‬و اﻟﻴﻮم‬
‫هﻮ ﻳﻮﻗﻈﻬﻢ ﺑﺎﻟﻜﻮارث و اﻟﺰﻻزل و اﻷﻋﺎﺻﻴﺮ و اﻟﺴﻴﻮل‪ ..‬ﻓﺈذا ﻟﻢ ﺗﺠﺪ ﻣﻌﻬﻢ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﺬر‬
‫ﺷﻴﺌﺎ أﻟﻘﻰ ﺑﻬﻢ إﻟﻰ اﻟﻤﺠﺎزر و اﻟﺤﺮوب ﻳﺄآﻞ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﻌﻀﺎ و ﻳﻔﻨﻲ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﻌﻀﺎ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪153‬‬
 ‫و ﺣﺮوب اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﺣﺮوب ﻓﻨﺎء ﺗﺄآﻞ اﻷﺧﻀﺮ و اﻟﻴﺎﺑﺲ و ﺗﺪع اﻟﻤﺪن اﻟﻌﺎﻣﺮة ﺧﺮاﺑﺎ‬
‫ﺑﻠﻘﻌﺎ‪.‬‬

‫و ﻧﺤﻦ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻓﺔ اﻟﺮﻋﺐ و اﻟﺼﺮاع اﻟﻤﻔﻨﻲ‪ .‬و ﻣﺎذا ﻳﻬﻢ ؟! ﻣﺎذا ﻳﻬﻢ ؟! ﻓﺎﻟﻤﻐﻨﻴﺔ ﺗﻐﻨﻲ و‬
‫ﺗﺘﻠﻮى ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﺮح‪ ..‬ﻓﻲ إﻳﻘﺎع أﻓﻌﻮاﻧﻲ‪ ..‬ﺗﺤﺖ ﺑﻘﻌﺔ اﻟﻀﻮء‪ ..‬و اﻷﻟﻮف ﻳﺮﻗﺼﻮن‬
‫آﺎﻷﺷﺒﺎح ﻓﻲ اﻟﺼﺎﻟﺔ دون وﻋﻲ‪..‬‬

‫ﻣﺎذا ﺗﻘﻮل‪..‬‬

‫ﻻ أﺣﺪ ﻳﺼﻐﻲ إﻟﻰ ﻣﺎ ﺗﻘﻮل‪ ..‬و إﻧﻤﺎ اﻟﻜﻞ ﻳﺼﺮخ و ﻳﺼﻔﻖ و ﻳﻬﺘﻒ و ﻳﺘﻠﻮى آﺄﻓﺎع‬
‫ﻣﺴﺤﻮرة‪ ..‬و اﻟﻄﺒﻮل و اﻟﺪﻓﻮف و اﻹﻳﻘﺎع اﻟﻬﻤﺠﻲ ﻗﺪ ﺣﻮل اﻟﻜﻞ إﻟﻰ ﻗﻄﻌﺎن ﺑﺪاﺋﻴﺔ ﺗﺮﻗﺺ‬
‫ﻓﻲ ﺷﺒﻪ ﻏﻴﺒﻮﺑﺔ‪.‬‬

‫و ﻻ ﺗﻤﻠﻚ و أﻧﺖ ﺗﺴﺘﻤﻊ ﻣﻌﻬﻢ إﻻ أن ﺗﻔﻘﺪ اﺗﺰاﻧﻚ و ﻗﺪﻣﻴﻚ ﺛﻢ ﺗﺼﺒﺢ ﺟﺰءا ﻣﻦ هﺬا‬
‫اﻟﻼوﻋﻲ اﻟﻤﻔﺘﻮن‪ ..‬و ﻗﺪ ﺧﻴﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﻮ إﺣﺴﺎس اﻟﻜﻬﻮف اﻟﺒﺪاﺋﻴﺔ‪.‬‬

‫هﻞ اﻧﺘﻬﺖ اﻟﺤﻀﺎرة ﻓﺠﺄة‪ ..‬و ﻋﺪﻧﺎ إﻟﻰ آﻬﻮف اﻹﻧﺴﺎن اﻷول ؟! هﻞ ﺗﺒﺨﺮ اﻟﻌﻘﻞ‪ ..‬و ﻟﻢ‬
‫ﺗﺒﻖ إﻻ ﻏﺮاﺋﺰ ﺗﻌﻮي و ﺗﺘﻠﻮى ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺒﻮل و اﻟﺪﻓﻮف ؟! ﻧﻌﻢ‪ ..‬ﻳﺎ ﺳﺎدة‪ ..‬ﺗﻠﻚ هﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ‬
‫ﻋﻠﻤﺎﻧﻴﺔ اﻟﻴﻮم‪.‬‬

‫و ﺗﻠﻚ هﻲ اﺣﺘﻔﺎﻟﻴﺔ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺑﻨﻬﺎﻳﺔ اﻹﻳﻤﺎن‪.‬‬

‫اﺣﺘﻔﺎﻟﻴﺔ ﺑﺎﻟﻌﻘﻞ اﻟﺬي أﺳﻠﻢ ﻧﻔﺴﻪ ﻟﻠﻬﻮى‪.‬‬

‫و اﻟﺤﻜﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺰﻟﺖ ﻋﻦ ﻋﺮﺷﻬﺎ ﻟﻠﻐﺮاﺋﺰ و اﻹﻧﺴﺎن اﻟﺬي أﺳﻠﻢ ﻗﻴﺎدﻩ ﻟﻠﺤﻴﻮان‪.‬‬

‫و ﻣﺎذا ﻳﻬﻢ‪..‬؟!!!‬

‫ﻻ ﺷﻲء ﻳﻬﻢ‪!!!...‬‬

‫إﻧﻨﺎ ﻧﺮﻗﺺ اﻟﻴﻮم ﻟﻠﻔﺠﺮ‪.‬‬

‫و ﻟﻴﻜﻦ ﻏﺪا ﻣﺎ ﻳﻜﻮن‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪154‬‬
 ‫هﻜﺬا ﺗﻌﻠﻤﻨﺎ ﻓﻲ ﺳﻬﺮات )) اﻟﺪش (( و إﺑﺪاﻋﺎت ﻣﺎدوﻧﺎ و ﺟﺎآﺴﻮن و ﻓﻨﻮن اﻟﻤﻮﺟﺔ‬
‫اﻟﺸﺒﺎﺑﻴﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة و ﺑﺮاﻣﺞ اﻷﻗﻤﺎر و اﻟﻔﻀﺎﺋﻴﺎت اﻟﻘﺎدﻣﺔ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻣﻦ أﻣﺮﻳﻜﺎ و أوروﺑﺎ‪.‬‬

‫و ذﻟﻚ هﻮ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻌﺠﻴﺐ اﻟﺬي ﻧﻌﻴﺶ ﻓﻴﻪ‪..‬‬

‫أﻣﺮﻳﻜﺎ – اﻟﻘﻄﺐ اﻟﻌﻤﻼق اﻟﺬي ﻳﺤﻜﻢ اﻟﻌﺎﻟﻢ – ﺗﺨﺼﺼﺖ ﻓﻲ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﻐﻴﺒﻮﺑﺔ ﻟﺸﺒﺎب هﺬا‬
‫اﻟﻌﺎﻟﻢ‪ ..‬ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ أﻓﻼم اﻟﺤﺐ و اﻟﻌﻨﻒ‪ .‬و اﻟﺮﻋﺐ و أﺳﺎﻃﻴﺮ اﻟﺨﻴﺎل اﻟﻌﻠﻤﻲ و ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ‬
‫اﻟﺮﺣﻼت اﻟﻔﻀﺎﺋﻴﺔ و اﻟﺼﻮارﻳﺦ اﻟﻤﻨﻄﻠﻘﺔ إﻟﻰ اﻟﻘﻤﺮ و اﻟﻤﺮﻳﺦ و زﺣﻞ و اﻟﻤﺸﺘﺮي‪ ..‬و‬
‫ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺗﺮﺳﺎﻧﺔ آﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ ﺗﻨﺘﺞ ﻋﻘﺎﻗﻴﺮ اﻟﻬﻠﻮﺳﺔ و إآﺴﻴﺮ اﻟﺸﺒﺎب و اﻟﻔﻴﺎﺟﺮا و ﻣﻦ‬
‫أﻣﺮﻳﻜﺎ ﺧﺮﺟﺖ أآﺬوﺑﺔ اﻟﻤﻴﻼﺗﻮﻧﻴﻦ‪.‬‬

‫و ﻣﻦ أﻣﺮﻳﻜﺎ ﺧﺮج اﻟﺪﻳﺴﻜﻮ و اﻟﺠﺎز و ﻧﻮادي اﻟﺸﻮاذ‪ ..‬و ﻣﻦ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻧﺘﺸﺮت ﺻﻨﺎﻋﺔ‬
‫اﻟﻐﻴﺒﻮﺑﺔ ﻟﺘﺼﺒﺢ ﺻﻨﺎﻋﺔ ﻣﻘﺮرة ﻓﻲ أآﺜﺮ اﻟﺤﻜﻮﻣﺎت و ﺳﻼﺣﺎ ﻣﺸﺮوﻋﺎ ﺗﺤﺎرب ﺑﻪ‬
‫اﻷزﻣﺎت و ﺗﺸﻐﻞ ﺑﻪ اﻟﺸﻌﻮب ﻋﻦ ﻣﺘﺎﻋﺒﻬﺎ‪.‬‬

‫ﺳﻼح اﺳﻤﻪ )) اﻟﻬﺮوب اﻟﻠﺬﻳﺬ ((‪ ..‬ﻋﻠﻰ أﻧﻐﺎم اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ و اﻟﺪﻳﺴﻜﻮ و ﻋﻠﻰ رﻗﺼﺎت‬
‫اﻟﻤﺎدوﻧﺎ‪.‬‬

‫و ﻻ أﺣﺪ ﻳﻜﺮﻩ أن ﻳﻬﺮب ﻣﻦ ﻣﺸﺎآﻠﻪ ﻓﻲ ﺳﺎﻋﺔ ﻟﺬة و إﻏﻤﺎء ﻏﻴﺒﻮﺑﺔ ﺑﻞ آﻞ ﻣﺮاهﻖ ﻳﺤﻠﻢ‬
‫ﺑﻬﺬا اﻟﻬﺮوب اﻟﻠﺬﻳﺬ و ﻳﺴﻌﻰ إﻟﻴﻪ‪.‬‬

‫و هﺬﻩ اﻟﻔﻜﺮة اﻹﺑﻠﻴﺴﻴﺔ هﻲ اﻟﺘﻲ ﻳﺪﻳﺮ ﺑﻬﺎ اﻟﻜﺒﺎر اﻟﻌﺎﻟﻢ‪.‬‬

‫و ﺣﺮب اﻟﺨﻠﻴﺞ آﺎﻧﺖ هﻲ )) اﻟﻨﻬﺐ اﻟﻠﺬﻳﺬ (( ﻟﺒﺘﺮول اﻟﺨﻠﻴﺞ و ﺛﺮواﺗﻪ‪ ..‬و ﻟﻜﻦ اﻻﺳﻢ‬
‫اﻟﻤﻌﻠﻦ ﻟﻬﺬا اﻟﻨﻬﺐ آﺎن ﺷﻌﺎرات ﻣﺒﻬﺮة ﻋﻦ ﺗﺤﺮﻳﺮ اﻟﺸﻌﻮب و ﻧﺠﺪة اﻟﻀﻌﻔﺎء و ﻧﺼﺮة‬
‫اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ و إﻋﺎدة اﻟﺸﺮﻋﻴﺔ‪ ..‬اﻟﺦ‪ ..‬اﻟﺦ‪ ..‬إﻟﻰ ﺁﺧﺮ اﻷﺳﻤﺎء اﻟﺠﺬاﺑﺔ اﻟﺨﻼﺑﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺪﻳﺮ‬
‫اﻟﺮؤوس و ﺗﺴﻜﺮ اﻟﻨﻔﻮس‪.‬‬

‫و اﻹﻋﻼم هﻮ داﺋﻤﺎ اﻷداة اﻹﺑﻠﻴﺴﻴﺔ ﻟﻬﺬا اﻟﻨﻬﺐ اﻟﻠﺬﻳﺬ‪ ..‬و اﻻﺳﺘﻌﻤﺎر اﻟﻠﺬﻳﺬ‪ ..‬و اﻟﻬﺮوب‬
‫اﻟﻠﺬﻳﺬ‪..‬‬

‫)) ن و اﻟﻘﻠﻢ و ﻣﺎ ﻳﺴﻄﺮون ((‪...‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪155‬‬
 ‫و ﻣﺎ أﻋﺠﺐ ﻣﺎ ﻳﺼﻨﻊ اﻟﻘﻠﻢ‪ ..‬و ﻣﺎ أﻋﺠﺐ ﻣﺎ ﻳﺴﻄﺮ ذﻟﻚ اﻟﻘﻠﻢ اﻟﺬي ﻳﻤﻴﺖ و ﻳﺤﻴﻲ‪ ،‬و‬
‫ﻳﺴﺤﺮ و ﻳﻔﺘﻦ‪ ،‬و ﻳﻮﻗﻆ و ﻳﻨﻴﻢ‪ ،‬و ﻳﺒﻨﻲ و ﻳﺨﺮب‪ ،‬و ﻳﻬﺪي و ﻳﻀﻞ‪.‬‬

‫و هﻨﺎك اﻵن أﻗﻼم ﻋﻈﻴﻤﺔ ﺗﺠﻴﺪ ﺻﻨﺎﻋﺔ هﺬا )) اﻟﺘﻴﻪ ((‪.‬‬

‫و ﻣﺆﺳﺴﺎت ﻋﺎﻟﻤﻴﺔ ﺗﺼﻨﻊ ﻟﻠﺸﻌﻮب اﻟﺪوار‪ ..‬و ﺗﺘﻔﻨﻦ ﻓﻲ ﺗﺴﻤﻴﺔ اﻷﺷﻴﺎء ﺑﻐﻴﺮ أﺳﻤﺎﺋﻬﺎ‪ ..‬و‬
‫ﺗﺴﺒﻎ هﺎﻻت اﻟﻤﺠﺪ ﻋﻠﻰ ﺗﻔﺎهﺎت‪ ..‬و ﺗﺮوج ﻟﻠﺠﺮﻳﻤﺔ و اﻟﺸﺬوذ و ﻓﻨﻮن اﻟﻐﻴﺒﻮﺑﺔ‪.‬‬

‫و أﺻﺒﺢ ﻣﻦ ﻟﺰوﻣﻴﺎت هﺬا اﻟﻌﺼﺮ أن ﻳﻜﻮن ﻓﻲ أذن آﻞ ﻣﺴﺘﻤﻊ )) ﻓﻠﺘﺮ (( ﻟﻜﺸﻒ اﻟﺰﻳﻒ‬
‫ﻓﻲ اﻟﻜﻠﻤﺎت و اﻟﻤﺮاﺋﻲ و اﻟﻤﺸﺎهﺪ‪ ..‬ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺸﺎهﺪ اﻟﻌﺴﻞ‪ ..‬و اﻟﻜﻠﻤﺎت اﻟﻌﺴﻞ‪ ..‬و‬
‫اﻟﻮﻋﻮد اﻟﻌﺴﻞ‪ ..‬اﻟﺘﻲ ﻳﻘﺼﺪ ﺑﻬﺎ اﻟﻨﻮم ﻓﻲ اﻟﻌﺴﻞ‪..‬‬

‫أو أي ﻣﺤﻄﺔ اﺟﻌﻞ هﺪﻓﻚ هﻮ اﻟﺒﺤﺚ ﻓﻴﻤﺎ وراء ﻣﺎ ﺗﺴﻤﻊ‪ C. N. N ..‬و إذا ﻓﺘﺤﺖ ال‬
‫اﻟﺒﺤﺚ ﻓﻴﻤﺎ وراء اﻟﻤﻘﺎﺻﺪ‪ ..‬و ﻓﻴﻤﺎ وراء اﻷهﺪاف ﻣﻦ آﻞ آﻠﻤﺔ و آﻞ ﺧﺒﺮ و ﻻ ﺗﺤﺴﻦ‬
‫اﻟﻈﻦ‪ ..‬ﻓﺈن ﺳﻮء اﻟﻈﻦ اﻵن هﻮ ﻣﻦ ﺣﺴﻦ اﻟﻔﻄﻦ‪.‬‬

‫و ﻻ ﺗﻨﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﻌﺎرات و اﻷﻣﺎﻧﻲ و اﻟﻮﻋﻮد اﻟﻄﻨﺎﻧﺔ ﻓﻘﺪ ﻻ ﺗﺼﺤﻮ و ﻻ ﺗﺮى ﺗﺤﻘﻴﻖ ﺗﻠﻚ‬
‫اﻟﻮﻋﻮد أﺑﺪا‪ ..‬و ﻗﺪ ﺗﻔﺎﺟﺄ ﺑﻬﺎ ﺗﻨﻘﻠﺐ إﻟﻰ ﺿﺪهﺎ‪ ..‬ﻣﺜﻞ وﻋﻮد ﻧﺘﺎﻧﻴﺎهﻮ و اﺗﻔﺎﻗﺎت أوﺳﻠﻮ و‬
‫ﻣﺪرﻳﺪ و ﺷﻌﺎرات ﺣﻘﻮق اﻹﻧﺴﺎن اﻟﺘﻲ ﻳﻄﻠﻘﻬﺎ اﻟﻘﻄﺐ اﻷﻣﺮﻳﻜﻲ اﻷوﺣﺪ و ﺿﻊ آﻞ هﺬا‬
‫اﻟﻜﻼم ﻓﻲ ﺳﻠﺔ اﻟﻤﻬﻤﻼت و اﻧﻈﺮ ﻓﻲ اﻷﻓﻌﺎل و ﺳﻮف ﺗﺮى‪ ..‬اﻷرض ﻓﻲ ﻣﻘﺎﺑﻞ اﻟﺴﻼم‬
‫ﺗﺼﺒﺢ‪ :‬اﻷﻣﻦ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﺑﻞ اﻟﺴﻼم‪ ،‬ﺛﻢ‪ :‬اﻟﺴﻼم ﻓﻲ ﻣﻘﺎﺑﻞ اﻟﺴﻼم‪ ،‬ﺛﻢ‪ :‬اﻟﺴﻼم ﻓﻲ ﻣﻘﺎﺑﻞ ﻻ‬
‫ﺷﻲء‪ ..‬و هﺬا هﻮ اﻟﻔﻴﺪﻳﻮ آﻠﻴﺐ اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ‪ ..‬و اﺗﻔﺎﻗﺎت )) اﻟﻘﺺ و اﻟﻠﺰق (( آﻞ ﻳﻮم ﻋﻠﻰ‬
‫ﻣﻘﺎس اﻟﻮﻋﻲ اﻟﻌﺮﺑﻲ‪ ..‬و اﻟﺼﻒ اﻟﻌﺮﺑﻲ‪ ..‬و اﻟﻠﻲ ﻣﺶ ﻋﺎﺟﺒﻪ ﻳﺸﺠﺐ‪.‬‬

‫و هﺬا اﻟﺘﻴﺎﺗﺮو اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﻓﻲ ﻋﺼﺮ آﻠﻴﻨﺘﻮن و اﻟﻤﺴﺮح اﻹﻋﻼﻣﻲ اﻵن ﻳﻀﺎء ﻣﻦ‬
‫ﺟﺪﻳﺪ و اﻟﺼﺎﻟﺔ ﺗﻀﺞ ﺑﺎﻟﺘﺼﻔﻴﻖ و اﻟﻬﺘﺎف و اﻟﻤﺎدوﻧﺎ اﻟﻔﺎﺗﻨﺔ ﺗﺘﻬﺎدى ﻓﻲ ﺿﺒﺎب اﻷﺿﻮاء‬
‫ﺑﺮﻗﺼﻬﺎ اﻷﻓﻌﻮاﻧﻲ‪ ..‬و اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ ﺗﺪﻳﺮ اﻟﺮؤوس و ﺗﺴﻜﺮ اﻟﻨﻔﻮس و اﻟﻄﺒﻮل ﺗﺪق ﺑﺈﻳﻘﺎﻋﻬﺎ‬
‫اﻟﻬﻤﺠﻰ و اﻟﺪﻓﻮف ﺗﺮﺗﻌﺶ ﻟﺘﺄﺧﺬ اﻟﻜﻞ ﻓﻲ دواﻣﺔ ﻣﻦ اﻟﺪوار اﻟﻠﺬﻳﺬ‪ ..‬إﻧﻬﺎ ﻣﻮﻧﻴﻜﺎ‪.‬‬

‫و ﺟﺮﻋﺔ أﺧﺮى ﻣﻦ ﻋﻘﺎر اﻟﻐﻴﺒﻮﺑﺔ اﻟﺴﺤﺮي ﺗﺘﺴﻠﻞ إﻟﻰ اﻟﻌﺮوق و ﺗﻠﻒ اﻟﻜﻞ ﻓﻲ ﻏﻼﻟﺔ ﻣﻦ‬
‫اﻟﻨﺴﻴﺎن‪..‬‬

‫و ﺑﻮرآﺖ ﻟﻴﺎﻟﻲ اﻷﻧﺲ ﻳﺎ ﺻﺎح‪ ..‬ﻓﻤﺎ ﻋﺎد أﺣﺪ ﻣﻦ اﻟﺤﻀﻮر ﻳﻌﺮف ﻧﻔﺴﻪ‪ ..‬و ﻻ ﻋﺎد أﺣﺪ‬
‫ﻳﺪري ﺑﻤﻜﺎﻧﻪ‪ ..‬أو زﻣﺎﻧﻪ أو ﺣﺎﺿﺮﻩ أو ﻣﺎﺿﻴﻪ أو ﻣﺴﺘﻘﺒﻠﻪ‪..‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪156‬‬
 ‫و ﻻ ﺷﻚ أن اﻟﺘﻠﻴﻔﺰﻳﻮن ﺟﻬﺎز ﺧﻄﻴﺮ ﻳﺪﺧﻞ آﻞ ﺑﻴﺖ و ﻳﻔﻌﻞ ﺑﻨﺎ أآﺜﺮ ﻣﻦ هﺬا‪..‬‬

‫هﺬﻩ اﻟﻌﻠﺒﺔ اﻟﺴﺤﺮﻳﺔ‪ ..‬و هﺬا اﻹﺻﺒﻊ اﻟﺬي اﺳﻤﻪ اﻟﺮﻳﻤﻮت آﻨﺘﺮول‪ ..‬ﺗﻀﻐﻂ ﻋﻠﻰ زرار‬
‫ﻓﺘﺴﺘﺪﻋﻲ ﻓﺮﻗﺔ راﻗﺼﺔ ﻣﻦ اﻟﻔﻮﻟﻲ ﺑﺮﺟﻴﺮ ﺗﺄﺗﻲ ﻟﺘﺮﻗﺺ ﻟﻚ ﺷﺨﺼﻴﺎ‪ ..‬و ﺗﻀﻐﻂ ﻋﻠﻰ‬
‫زرار ﺁﺧﺮ ﻓﺘﺴﺘﺪﻋﻲ ﺑﻬﺎ أﻟﻔﻴﺲ ﺑﺮﻳﺴﻠﻲ ﻣﻦ ﻗﺒﺮﻩ ﻟﻴﻐﻨﻲ ﻟﻚ رواﺋﻊ أﻧﻐﺎﻣﻪ و ﺿﻐﻄﺔ أﺧﺮى‬
‫و ﺗﺴﺘﺪﻋﻲ ﺑﻬﺎ آﻮآﺘﻴﻞ ﻣﻦ اﻷآﺎذﻳﺐ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻓﻲ أﺣﻠﻰ ﻋﺒﻮات ﻣﻦ اﻟﻜﻼم ﻋﻠﻰ ﻟﺴﺎن أآﺒﺮ‬
‫اﻟﺸﺨﺼﻴﺎت اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ﻳﻠﺒﺲ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺒﺎﻃﻞ ﺛﻮب اﻟﺤﻖ و ﺗﺨﺘﻠﻂ اﻟﻤﻔﺎهﻴﻢ و ﺗﻨﻘﻠﺐ اﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﻓﻲ‬
‫ﻋﻘﻠﻚ و ﻳﻠﻘﻲ ﺑﻚ ﻓﻲ ﻣﺘﺎهﺎت ﻣﻦ اﻟﺘﺰﻳﻴﻒ اﻟﺤﻠﻮ اﻟﺠﺬاب اﻟﻨﺎﻋﻢ و ﻻ ﺗﻌﻮد ﺗﻔﻬﻢ ﺷﻴﺌﺎ‪..‬‬

‫و هﺬا هﻮ اﻹﻋﻼم اﻹﺑﻠﻴﺴﻲ ﻓﻲ ﻋﺼﺮﻧﺎ و ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﻄﻔﺊ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻠﺒﺔ اﻟﺸﻴﻄﺎﻧﻴﺔ‪ ..‬ﺗﻜﻮن ﻗﺪ‬
‫أﺻﺒﺤﺖ رﺟﻼ ﺁﺧﺮ دون أن ﺗﺪري‪..‬‬

‫و هﺬا هﻮ ﻋﺼﺮﻧﺎ‪ ..‬و ﻻ أﺣﺪ ﻣﺤﺼﻦ‪ ..‬و ﻻ أﺣﺪ ﻣﻌﻔﻲ ﻣﻦ هﺬﻩ اﻟﻤﻄﺎردة اﻟﺨﻔﻴﺔ ﻟﺘﺸﻜﻴﻞ‬
‫أﻓﻜﺎرﻩ و زﻟﺰﻟﺔ ﻧﻔﺴﻪ و ﻣﺤﻮ ﻗﻴﻤﻪ و ﻣﺜﺎﻟﻴﺘﻪ‪.‬‬

‫و اﻟﻔﻀﺎء ﺣﻮﻟﻨﺎ ﻳﺤﺘﺸﺪ ﺑﻬﺬﻩ اﻟﺠﻴﻮش ﻏﻴﺮ اﻟﻤﻨﻈﻮرة اﻟﺘﻲ ﺗﻬﺎﺟﻤﻨﺎ ﺻﺒﺎح ﻣﺴﺎء و ﻟﻜﻞ‬
‫دوﻟﺔ آﺒﺮى ﻣﺼﺎﻟﺢ‪.‬‬

‫و ﻟﻜﻞ دوﻟﺔ آﺒﺮى أﻏﺮاض‪.‬‬

‫و ﻟﻜﻞ دوﻟﺔ آﺒﺮى ﻣﻄﺎﻟﺐ ﻣﻨﻚ و ﻣﻦ ﺑﻠﺪك و أﻃﻤﺎع ﻓﻴﻚ و ﻓﻲ ﺑﻠﺪك‪.‬‬

‫و ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﻐﻴﺒﻮﺑﺔ و ﻏﺰو اﻟﻌﻘﻞ و اﻻﺳﺘﻴﻼء ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻜﺮ ﻗﺒﻞ اﻷرض أﺻﺒﺤﺖ ﺻﻨﺎﻋﺔ‬
‫اﻟﻌﺼﺮ‪ ..‬و اﻟﺘﺤﻜﻢ ﻋﻦ ﺑﻌﺪ ﻓﻲ اﻟﺸﻌﻮب أﺻﺒﺢ ﻟﻌﺒﺔ اﻟﻜﺒﺎر و اﻟﺼﻐﺎر‪.‬‬

‫هﻞ ﺗﺠﺎوزﻧﺎ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ أم أﻧﻨﺎ ﻻ ﻧﺰال ﻓﻴﻬﺎ ؟! ﺑﻞ ﻧﺤﻦ ﻓﻲ ﻗﻠﺐ )) اﻟﻤﻄﺒﺦ اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ (( اﻟﺬي‬
‫ﺗﻄﺒﺦ ﻓﻴﻪ ﺗﻮﺟﻴﻬﺎت اﻟﺸﻌﻮب و اهﺘﻤﺎﻣﺎﺗﻬﺎ و ﺗﻄﺒﺦ ﻓﻴﻪ ﻣﺼﺎﺋﺮهﺎ‪.‬‬

‫و اﻗﺮأ اﻟﻤﻘﺎل ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ﻟﺘﻌﺮف أآﺜﺮ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪157‬‬
 ‫ﺿﻴﺎﻓﺔ‬

‫ﻃﻠﻌﺖ اﻟﺸﻤﺲ و ﺗﺒﺴﻢ اﻟﻨﻮار و ﺗﻔﺘﺤﺖ اﻟﺒﺮاﻋﻢ و ﺳﺎﻟﺖ ﺣﻤﺮة اﻟﻮرد ﻋﻠﻰ ﺧﺪود اﻟﺒﺴﺘﺎن‬
‫و زﻗﺰﻗﺖ اﻟﻌﺼﺎﻓﻴﺮ و رﻗﺼﺖ اﻟﻨﺴﺎﺋﻢ اﻟﺤﺮﻳﺮﻳﺔ ﻣﻊ أﻋﻮاد اﻷﻏﺼﺎن و ﺟﺎء ﺻﺒﺎح ﺟﺪﻳﺪ‬
‫وﻟﻴﺪ‪ ..‬و ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ هﺬﻩ اﻻﺣﺘﻔﺎﻟﻴﺔ اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ اﻟﻤﺒﻬﺠﺔ ﻓﺎﻷرض ﺗﺴﻴﻞ دﻣﺎ‪.‬‬

‫ﻟﻤﺎذا ﻳﻌﺘﺪي اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﺎ ﻋﻠﻰ أرض اﻵﺧﺮ‪ ..‬ﻟﻤﺎذا ﻳﻐﺘﺼﺐ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻳﺪﻩ‪ ..‬ﻟﻤﺎذا ﻳﻘﺘﻞ اﻟﻨﺎس‬
‫ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﻌﻀﺎ ؟‪..‬‬

‫إن اﻷرض أرض اﷲ و اﻟﺨﻴﺮات ﺧﻴﺮاﺗﻪ‪ ..‬و اﻟﺨﻠﻖ آﻠﻬﻢ ﻓﻲ ﺿﻴﺎﻓﺔ اﻟﻜﺮﻳﻢ اﻟﺬي ﺧﻠﻘﻬﻢ‪،‬‬
‫ﻻ ﻳﻤﻠﻚ أﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﺷﻴﺌﺎ و ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أﺣﺪ أن ﻳﺪﻋﻲ أﻧﻪ ﻣﺎﻟﻚ ﻷي ﺷﻲء‪.‬‬

‫و اﻟﺬﻳﻦ وﺿﻌﻮا أﻳﺪﻳﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﻗﻴﺮاط أرض ﺳﻮف ﻳﺘﺨﻠﻮن ﻋﻨﻪ و ﻳﺮﺣﻠﻮن رﻏﻢ أﻧﻮﻓﻬﻢ‪ ..‬ﻓﻼ‬
‫ﻣﺎﻟﻚ هﻨﺎ ﺳﻮى اﷲ‪ ..‬و آﻞ اﻟﺨﻠﻖ ﺿﻴﻮف اﻟﺮﺣﻤﻦ ﻟﺒﺮهﺔ ﺗﻄﻮل أو ﺗﻘﺼﺮ‪ ..‬أﺗﻰ ﺑﻬﻢ‬
‫ﺧﺎﻟﻘﻬﻢ ﻋﺮاﻳﺎ و ﻳﻌﻮدون إﻟﻴﻪ ﻋﺮاﻳﺎ ﻻ ﻳﻤﻠﻜﻮن ﺷﻴﺌﺎ إﻻ ﻋﻤﻠﻬﻢ‪.‬‬

‫إﻧﻬﺎ ﺿﻴﺎﻓﺔ و ﻟﻴﺴﺖ إﻗﺎﻣﺔ‪ ..‬و دار ﻋﺒﻮر و ﻟﻴﺴﺖ دار ﺧﻠﻮد‪..‬‬

‫ﻣﺠﺮد آﻮﺑﺮي و اﻟﻜﻞ ﻣﺴﺎﻓﺮ ﻣﺮﺗﺤﻞ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﺮور و ﻋﺒﻮر‪ ..‬ﻣﺠﺮد ﻋﺒﻮر‪.‬‬

‫و اﻟﻤﺴﺎﻓﺮ ﻻ ﻳﺤﺘﺎج إﻻ ﻣﺘﺎﻋﺎ ﻗﻠﻴﻼ ﺑﺴﻴﻄﺎ هﻮ ﻣﺘﺎع اﻟﻤﺴﺎﻓﺮ‪ ..‬و هﻮ ﻳﺰرع ﺧﻴﻤﺔ أو ﻳﺒﻨﻲ‬
‫آﻮﺧﺎ ﻣﺆﻗﺘﺎ و ﻳﺴﺘﻌﻤﻞ آﺮاﺳﻲ و ﻣﻮاﺋﺪ ﻣﻦ اﻟﻘﺶ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪158‬‬
 ‫و ﻟﻜﻦ اﻟﻜﻞ اﻵن ﻳﺒﻨﻲ ﻋﻤﺎرات و أﺑﺮاﺟﺎ و ﻧﺎﻃﺤﺎت ﺳﺤﺎب و ﻳﻤﺪ ﻓﻲ اﻷرض ﺟﺬور‬
‫اﻟﺨﺮﺳﺎﻧﺔ و اﻟﺤﺪﻳﺪ‪ ،‬و ﻳﻠﻄﺦ اﻟﺤﺪاﺋﻖ ﺑﺎﻷﺳﻤﻨﺖ‪ ..‬و ﻳﺴﻜﻦ ﻓﻴﻬﺎ ﺗﻴﺎهﺎ ﻓﺮﺣﺎ ﺑﻮهﻢ اﻟﺒﻘﺎء‬
‫اﻷزﻟﻲ و اﻟﺨﻠﻮد ﻓﻲ اﻷرض‪.‬‬

‫و هﻮ ﻳﻨﻔﻖ اﻟﻤﻼﻳﻴﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﺰﺧﺮﻓﺔ و اﻟﺘﻮﺷﻴﺔ ﺑﺎﻟﺬهﺐ و ﻳﺼﻨﻊ ﻣﻌﺎرج اﻟﺮﺧﺎم و ﻳﺮﻓﻊ‬
‫أﻋﻤﺪة اﻟﻤﺮﻣﺮ ﺛﻢ ﻳﻘﺘﻞ ﺟﺎرﻩ ﻟﻴﺘﻮﺳﻊ و ﻳﺴﺮق آﻞ ﻣﺎ ﺗﻤﺘﺪ إﻟﻴﻪ ﻳﺪﻩ و ﻳﺨﺘﻠﺲ و ﻳﺒﺘﺰ و‬
‫ﻳﺰور و ﻳﺰﻳﻒ ﻟﻴﻀﺎﻋﻒ أﻣﻼآﻪ‪ ..‬و ﻳﻨﺴﻰ أﻧﻬﺎ ﺿﻴﺎﻓﺔ‪ ..‬و ﻟﻴﺴﺖ إﻗﺎﻣﺔ‪ ..‬و إﻧﻪ ﻣﺴﺎﻓﺮ و‬
‫ﻣﺮﺗﺤﻞ‪ ..‬و ﻳﻨﺴﻰ أﻧﻪ ﺣﻤﻞ ﺟﺜﺔ أﺑﻴﻪ و ﺟﺪﻩ إﻟﻰ اﻟﻘﺒﺮ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ و أﻧﻪ ﻻﺣﻖ ﺑﻬﻤﺎ ﻻ ﻣﺤﺎﻟﺔ‪..‬‬
‫و أﻧﻪ ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﺑﺸﺮ واﺣﺪ ﺧﻠﺪ ﻓﻲ اﻷرض‪.‬‬

‫إﻧﻬﺎ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﻦ اﻟﺴﻔﺎهﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ و اﻟﻐﻔﻠﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ‪.‬‬

‫و ﺻﺪق اﷲ اﻟﻌﻈﻴﻢ إذ ﻳﻘﻮل‪:‬‬

‫)) و ﻟﻘﺪ ﻋﻬﺪﻧﺎ إﻟﻰ ﺁدم ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻓﻨﺴﻲ و ﻟﻢ ﻧﺠﺪ ﻟﻪ ﻋﺰﻣﺎ ((‬

‫اﻟﻨﺴﻴﺎن و اﻟﻐﻔﻠﺔ و ﺿﻌﻒ اﻟﻌﺰم هﻲ اﻟﺼﻔﺎت اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻓﻲ آﻞ اﻟﺒﺸﺮ‪.‬‬

‫و ﺑﻨﻮ إﺳﺮاﺋﻴﻞ أآﺜﺮ اﻟﺴﻼﻻت اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻏﻔﻠﺔ و ﻧﺴﻴﺎﻧﺎ و ﺟﺤﻮدا و ﺗﻜﺒﺮا و ﺣﻘﺪا و ﻋﻨﺎدا‪..‬‬
‫و ﺣﻴﻨﻤﺎ أﺳﻜﻨﻬﻢ اﷲ ﻓﻲ أرض اﻟﻤﻴﻌﺎد ﻇﻨﻮا أﻧﻬﺎ ﻟﻬﻢ ﺣﻖ أﺑﺪي و ﻣﻠﻜﻴﺔ أزﻟﻴﺔ‪ ..‬ﻓﻌﺼﻮا و‬
‫أﻓﺴﺪوا و اﻋﺘﺪوا ﺑﺎﻟﻤﺌﺎت ﻣﻦ ﻗﺬاﺋﻔﻬﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﻨﻮب اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻲ‪ ..‬آﻌﺮﺑﻮن ﺗﺠﺪد ﺑﻪ ﻋﻬﻮد‬
‫اﻟﺴﻼم و اﻟﻮﺋﺎم‪.‬‬

‫و هﻜﺬا آﺎﻧﺖ داﺋﻤﺎ ﻋﻬﻮدهﻢ و ﻣﻮاﺛﻴﻘﻬﻢ‪.‬‬

‫اﻟﻌﻤﺎﻟﻴﻖ‬

‫ﻧﺤﻦ اﻵن ﻓﻲ ﻋﺼﺮ اﻟﻌﻤﻠﻘﺔ و اﻟﻌﻤﺎﻟﻴﻖ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪159‬‬
 ‫اﻟﻌﻤﻠﻘﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻠﻢ اﻟﺘﻲ أدت إﻟﻰ ﻇﻬﻮر دول ﺗﻤﻠﻚ اﻟﻘﻨﺎﺑﻞ اﻟﺬرﻳﺔ و اﻟﻬﻴﺪروﺟﻴﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ‬
‫ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﺗﻤﺤﻮ ﺑﻬﺎ اﻟﺤﻴﺎة و ﺗﻘﻀﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﻌﻮب و ﺗﺪﻣﺮ اﻟﺒﻴﺌﺔ‪ ..‬و ﻓﻲ اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻵﺧﺮ‬
‫دول ﻻ ﺗﻤﻠﻚ اﻟﻘﻮت و ﻻ ﺗﺠﺪ اﻟﻤﻴﺎﻩ اﻟﻨﻈﻴﻔﺔ‪ ..‬و ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻤﻠﻘﺔ اﻟﻐﺎﺷﻤﺔ ﻟﻮن ﻣﻦ اﻹرهﺎب‬
‫اﻟﺪوﻟﻲ ﻳﺘﻀﺎءل أﻣﺎﻣﻪ أي إرهﺎب ﻣﻦ أي ﺗﻨﻈﻴﻤﺎت أو أﻓﺮاد أو ﺟﻤﺎﻋﺎت‪.‬‬

‫و هﺆﻻء اﻟﺬﻳﻦ اﻣﺘﻠﻜﻮا ﺗﻠﻚ اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ﻻ ﻳﻌﻠﻤﻮن أن اﷲ هﻮ اﻟﺬي ﻣﻠﻜﻬﻢ‪ ..‬و أﻧﻪ هﻮ اﻟﺬي‬
‫ﺁﺗﺎهﻢ اﻟﻌﻠﻢ‪ ..‬و هﻢ ﻣﺜﻞ ﻗﺎرون اﻟﺬي ﻗﺎل ﻋﻦ ﺛﺮاﺋﻪ‪:‬‬

‫)) إﻧﻤﺎ أوﺗﻴﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﻋﻠﻢ ﻋﻨﺪي ((‪ ..‬ﻓﺨﺴﻒ اﷲ ﺑﻪ و ﺑﺨﺰاﺋﻨﻪ اﻷرض‪.‬‬

‫و آﺎن هﺬا ﺷﺄن اﷲ أﻳﻀﺎ ﻓﻲ ﺗﻌﺎﻣﻠﻪ ﻣﻊ ﻋﻤﺎﻟﻴﻖ اﻟﻤﺎﺿﻲ‪ ..‬ﻗﻮم ﺛﻤﻮد اﻟﺬﻳﻦ آﺎﻧﻮا ﻳﻨﺤﺘﻮن‬
‫ﻣﻦ اﻟﺠﺒﺎل ﺑﻴﻮﺗﺎ ﻓﺎرهﻴﻦ‪ ..‬و ﻗﻮم ﻋﺎد اﻟﺬﻳﻦ ﻗﺎل ﻟﻬﻢ رﺑﻬﻢ‪:‬‬

‫)) و ﺗﺘﺨﺬون ﻣﺼﺎﻧﻊ ﻟﻌﻠﻜﻢ ﺗﺨﻠﺪون ) ‪ ( 129‬و إذا ﺑﻄﺸﺘﻢ ﺑﻄﺸﺘﻢ ﺟﺒﺎرﻳﻦ (( ] اﻟﺸﻌﺮاء ‪:‬‬
‫‪[ 130 – 129‬‬

‫و ﻗﺎل ﻟﻬﻢ ﻣﺤﺬرا‪:‬‬

‫)) و اﺗﻘﻮا اﻟﺬي أﻣﺪآﻢ ﺑﻤﺎ ﺗﻌﻠﻤﻮن (( ] اﻟﺸﻌﺮاء ‪[ 132 :‬‬

‫ﻓﻤﺎ وﺳﺎﺋﻞ اﻟﻘﻮة و ﻣﺎ اﻟﻌﻠﻢ اﻟﺬي ﺣﺼﻠﻮﻩ إﻻ ﺑﻤﺪد ﻣﻨﻪ وﺣﺪﻩ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ اﻟﺬي ﻋﻠﻢ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﺎ‬
‫ﻟﻢ ﻳﻌﻠﻢ‪.‬‬

‫و ﻗﺎل ﻓﻲ ﺳﻮرة اﻟﺰﺧﺮف‪:‬‬

‫)) ﻓﺄهﻠﻜﻨﺎ أﺷﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﺑﻄﺸﺎ و ﻣﻀﻰ ﻣﺜﻞ اﻷوﻟﻴﻦ (( ] اﻟﺰﺧﺮف ‪[ 8 :‬‬

‫)) و آﻢ أهﻠﻜﻨﺎ ﻗﺒﻠﻬﻢ ﻣﻦ ﻗﺮن هﻢ أﺷﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﺑﻄﺸﺎ (( ] ق ‪[ 36 :‬‬

‫إن اﻹهﻼك و اﻻﺳﺘﺌﺼﺎل هﻮ ﺳﻨﺔ اﷲ ﻓﻲ ﻣﺜﻞ هﺆﻻء‪ ..‬اﻟﺬﻳﻦ ﻣﻀﻮا و اﻟﺬﻳﻦ ﻏﺒﺮوا‪ ..‬و‬
‫اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﺄﻟﻬﻮن ﺑﻘﻮﺗﻬﻢ ﻣﺜﻞ اﻟﺪول اﻟﺘﻲ ﺑﻴﻦ ﻇﻬﺮاﻧﻴﻨﺎ‪ ) ..‬روﺳﻴﺎ و ﻣﺎ ﺟﺮى ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﺜﻞ‬
‫ﻗﺮﻳﺐ (‪.‬‬

‫و ﻣﺎ آﻼم إﻻ اﷲ ﻟﻌﻤﻮم اﻟﺘﺬآﺮة ﻓﻬﻮ اﻟﺬي ﻳﻌﻄﻲ‪ ،‬و هﻮ اﻟﺬي ﻳﺴﻠﺐ‪ ،‬ﻹﻋﺎدة اﻟﺘﻮازن إذا‬
‫اﺧﺘﻠﺖ اﻟﻤﻌﺎﻳﻴﺮ‪ ،‬و ﺗﺠﺒﺮ اﻷﻗﻮﻳﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﻀﻌﻔﺎء و ﺗﺄﻟﻬﻮا ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎس ﺑﻮﺳﺎﺋﻠﻬﻢ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪160‬‬
 ‫و ﻧﺴﻤﻊ اﻵن أن إﺳﺮاﺋﻴﻞ ﺗﻘﻮم ﺑﺘﻤﺸﻴﻂ اﻟﻘﺮى اﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴﺔ و آﺄﻧﻤﺎ ﺗﺮى ﺑﻌﺾ ﺳﺎآﻨﻴﻬﺎ‬
‫آﺼﻨﻮف ﻣﻦ اﻟﺤﺸﺮات و ﺻﻨﻮف ﻣﻦ اﻟﻘﻤﻞ ﻳﻠﺰم ﻓﺮزهﺎ ﻣﻦ ﺣﻴﻦ ﻵﺧﺮ‪ ..‬ﺛﻢ ﻧﺮاهﺎ ﺗﺰرع‬
‫ﻓﻲ ﺣﺪودﻧﺎ ﺗﺮﺳﺎﻧﺘﻬﺎ اﻟﻨﻮوﻳﺔ‪ ،‬و ﺗﺒﺎدر ﺑﺘﺪﻣﻴﺮ أي ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻟﺒﺤﻮث ﻧﻮوﻳﺔ ﺣﻮﻟﻬﺎ‪ ..‬و‬
‫ﺗﺴﺘﺨﺪم اﻵﻟﺔ اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻓﻲ ﺗﻬﺪﻳﺪ إﻳﺮان و ﺑﺎآﺴﺘﺎن و آﻮرﻳﺎ و اﻟﻌﺮاق و ﻟﻴﺒﻴﺎ‪ ..‬و‬
‫أي ﻣﻜﺎن ﻓﻴﻪ ﻣﻈﻨﺔ ﻧﺸﺄة ﻗﻮة ﻧﻮوﻳﺔ‪ ..‬ﻟﻴﻜﻮن ﻟﻬﺎ وﺣﺪهﺎ اﻟﻌﺰة و اﻟﺠﺒﺮوت‪ ..‬و ﻟﺘﻜﻮن‬
‫اﻟﺪﻳﻨﺎﺻﻮر اﻟﻮﺣﻴﺪ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ‪.‬‬

‫و ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ أهﻠﻚ اﷲ اﻟﺪﻳﻨﺎﺻﻮرات ﺟﻤﻴﻌﺎ و ﻣﺤﺎهﺎ ﻣﻦ اﻷرض ﺑﻀﺮﺑﺔ واﺣﺪة ﻟﻴﻘﻮل‬
‫ﺑﺬﻟﻚ إﻧﻪ ﻻ اﺳﺘﺜﻨﺎءات ﻓﻲ اﻟﺴﻨﻦ اﻟﻜﻮﻧﻴﺔ و إن ﻣﺎ ﻳﺠﺮي ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ اﻹﻧﺴﺎن ﻳﺠﺮي أﻳﻀﺎ ﻓﻲ‬
‫ﻋﺎﻟﻢ اﻟﺤﻴﻮان و ﺳﺎﺋﺮ اﻟﺨﻼﺋﻖ‪.‬‬

‫و ﻓﻲ اﻷﻣﺎآﻦ اﻻﺳﺘﻮاﺋﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻜﺎﺛﺮ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺒﻌﻮض ﺑﺸﻜﻞ وﺑﺎﺋﻲ ﻳﺴﻠﻂ ﻋﻠﻴﻬﺎ رﺑﻨﺎ أﻧﻮاﻋﺎ‬
‫ﻣﻦ اﻟﺤﺸﺮات اﻟﻤﻀﻴﺌﺔ ﺗﺠﺘﺬﺑﻬﺎ و ﺗﺄآﻠﻬﺎ‪ ..‬و ﻧﺮى أﻣﺜﺎل ذﻟﻚ ﻓﻲ آﻞ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﺣﺘﻰ ﻓﻲ‬
‫اﻟﻤﺰارع اﻟﻤﻴﻜﺮوﺑﻴﺔ و اﻟﺒﻜﺘﻴﺮﻳﺔ و ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﺪﻗﺎﺋﻖ اﻟﻤﻴﻜﺮوﺳﻜﻮﺑﻴﺔ‪ ..‬ﻓﻘﺪ ﺧﻠﻖ اﷲ اﻟﻜﻞ‬
‫ﻟﻴﻌﻴﺶ اﻟﻜﻞ و ﻟﻴﺲ ﻟﻴﻨﻔﺮد ﺟﻨﺲ ﺑﺎﻟﺤﻴﺎة دون اﻵﺧﺮﻳﻦ‪.‬‬

‫ﻓﻬﻮ اﻟﺨﺎﻟﻖ اﻟﺤﺎﻓﻆ اﻟﻤﺪاﻓﻊ ﻋﻦ آﻞ ﻣﺨﻠﻮﻗﺎﺗﻪ‪.‬‬

‫و إن رﺑﻚ ﻟﺒﺎﻟﻤﺮﺻﺎد‪.‬‬

‫و اﻧﺘﻈﺮوا‪ ..‬إﻧﻲ ﻣﻌﻜﻢ رﻗﻴﺐ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪161‬‬
 ‫أﺑﻄﺎل اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ !‬

‫ﻻ ﺷﻚ ﻓﻲ أن اﻻﻧﺘﺨﺎب و اﻟﺒﻴﻌﺔ و اﻟﺸﻮرى و اﻻﺳﺘﻤﺎع إﻟﻰ رأي اﻟﺨﺼﻢ ﻣﻦ أهﻢ اﻟﺼﻔﺎت‬

‫اﻟﻤﻌﺮوﻓﺔ ﻓﻲ ﺻﻤﻴﻢ اﻹﺳﻼم‪ ،‬و اﻟﺘﻌﺪدﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﺮأي أﺳﺎس ﻓﻲ اﻹﺳﻼم‪ ،‬ﺑﻴﻨﻤﺎ اﻻﻧﻔﺮاد‬
‫ﺑﺎﻟﺮأي و اﻟﺪﻳﻜﺘﺎﺗﻮرﻳﺔ و اﻟﻘﻬﺮ ﻣﺮﻓﻮﺿﺔ ﻓﻲ اﻹﺳﻼم ﺟﻤﻠﺔ و ﺗﻔﺼﻴﻼ‪.‬‬

‫و ﻳﺠﺐ أن ﻳﻔﻬﻢ آﻞ ﻣﺴﻠﻢ أﻳﻦ ﻳﻘﻒ ؟ و ﻣﻊ ﻣﻦ ؟ و ﺿﺪ ﻣﻦ ؟‬

‫و ﺳﻮف ﻳﺨﺴﺮ اﻟﻤﺴﻠﻢ آﺜﻴﺮا إذا وﻗﻒ ﺿﺪ اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ‪ ،‬ﺑﻞ ﺳﻮف ﻳﺨﺴﺮ دﻳﻨﻪ‪ ،‬و ﺳﻮف‬
‫ﻳﺨﺴﺮ ﻧﻔﺴﻪ‪.‬‬

‫و اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ أن اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ دﻳﺎﻧﺘﻨﺎ‪ ،‬و ﻗﺪ ﺳﺒﻘﻨﺎ ﻏﻴﺮﻧﺎ إﻟﻴﻬﺎ ﻣﻨﺬ أﻳﺎم ﻧﻮح ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم‪ ،‬اﻟﺬي‬
‫ﻇﻞ ﻳﺪﻋﻮ ﻗﻮﻣﻪ ﺑﺎﻟﺤﺴﻨﻰ ﻋﻠﻰ ﻣﺪى ﺗﺴﻌﻤﺎﺋﺔ ﺳﻨﺔ ﻣﻦ ﻋﻤﺮﻩ اﻟﻤﺪﻳﺪ‪ ،‬ﻻ ﻗﻮة ﻟﻪ و ﻻ ﺳﻼح‬
‫إﻻ اﻟﺮأي و اﻟﺤﺠﺔ‪ ،‬ﻳﺪﻋﻮهﻢ ﺑﺎﻟﻜﻠﻤﺔ ﻓﻲ ﺑﺮﻟﻤﺎن ﻣﻔﺘﻮح ﻳﻘﻮل ﻓﻴﻪ و ﻳﺴﻤﻊ‪ ،‬ﺑﻴﻨﻤﺎ هﻢ‬
‫ﻳﺴﺨﺮون ﻣﻨﻪ و ﻳﻬﺪدوﻧﻪ ﺑﺎﻟﺮﺟﻢ‪.‬‬

‫ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻷﻳﺎم آﺎن هﺆﻻء اﻟﺒﻬﻢ اﻟﻬﻤﺞ هﻢ أﺟﺪاد أﺟﺪاد ﻣﺴﺘﻌﻤﺮي اﻟﻴﻮم‪ ..‬و آﺎن ﻧﻮح اﻟﻨﺒﻲ‬
‫ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم هﻮ رﺳﻮل اﻹﺳﻼم و اﻟﻤﺘﺤﺪث ﺑﻠﺴﺎﻧﻪ‪.‬‬

‫و ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺧﺮج اﻟﻨﺒﻲ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺼﻼة و اﻟﺴﻼم ﻓﻲ ﺁﺧﺮ ﺳﻠﺴﻠﺔ اﻷﻧﺒﻴﺎء‪ ..‬آﺎن اﷲ ﻣﺎزال‬
‫ﻳﻘﻮل ﻟﻪ ﻧﻔﺲ اﻟﺸﻲء‪:‬‬

‫)) ﻓﻤﻦ ﺷﺎء ﻓﻠﻴﺆﻣﻦ و ﻣﻦ ﺷﺎء ﻓﻠﻴﻜﻔﺮ ((‪.‬‬

‫)) إن أﻧﺖ إﻻ ﻧﺬﻳﺮ ((‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪162‬‬
 ‫)) إﻧﻤﺎ أﻧﺖ ﻣﺬآﺮ ﻟﺴﺖ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺑﻤﺴﻴﻄﺮ ((‪.‬‬

‫)) و ﻣﺎ أﻧﺖ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺑﺠﺒﺎر ((‪.‬‬

‫و ﺗﻠﻚ هﻲ اﻷﺻﻮل اﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﻟﻠﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ ﻓﻬﻲ ﺗﺮاث إﺳﻼﻣﻲ‪.‬‬

‫ﻓﺈذا ﻗﺎﻟﻮا ﻟﻜﻢ‪ :‬اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ‪..‬‬

‫ﻗﻮﻟﻮا‪ :‬اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ ﻟﻨﺎ‪ ،‬و ﻧﺤﻦ ﺣﻤﻠﺔ ﻟﻮاﺋﻬﺎ و ﻧﺤﻦ أوﻟﻰ ﺑﻬﺎ ﻣﻨﻜﻢ‪ ..‬و ﻟﻜﻨﻬﻢ ﺳﻮف ﻳﻠﺘﻔﻮن‬
‫ﻟﻴﺨﺮﺟﻮا ﺑﻤﻜﻴﺪة أﺧﺮى ﻓﻴﻘﻮﻟﻮا‪ :‬إن اﻹﺳﻼم ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻪ ﻧﻈﺮﻳﺔ ﻟﻠﺤﻜﻢ‪.‬‬

‫و ﺳﻮف ﻧﻘﻮل‪ :‬و ﺗﻠﻚ ﻓﻀﻴﻠﺔ اﻹﺳﻼم و ﻣﺰﻳﺘﻪ‪ ،‬ﻓﻠﻮ ﻧﺺ اﻟﻘﺮﺁن ﻋﻠﻰ ﻧﻈﺮﻳﺔ ﻟﻠﺤﻜﻢ‬
‫ﻟﺴﺠﻨﺘﻨﺎ هﺬﻩ اﻟﻨﻈﺮﻳﺔ آﻤﺎ ﺳﺠﻨﺖ اﻟﺸﻴﻮﻋﻴﻴﻦ ﻣﺎرآﺴﻴﺘﻬﻢ ﻓﻤﺎﺗﻮا ﺑﻤﻮﺗﻬﺎ‪ ..‬و اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﺑﻄﻮﻟﻪ‬
‫و ﻋﺮﺿﻪ و ﺗﻐﻴﺮاﺗﻪ اﻟﻤﺴﺘﻤﺮة و ﺣﺎﺟﺘﻪ اﻟﻤﺘﺠﺪدة اﻟﻤﺘﻄﻮرة ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺣﺸﺮﻩ ﻓﻲ ﻧﻈﺮﻳﺔ‪ ،‬و‬
‫ﻟﻮ ﺳﺠﻨﺘﻪ ﻓﻲ ﻗﺎﻟﺐ‪ ،‬ﻻ ﻳﻠﺒﺚ – آﺎﻟﺜﻌﺒﺎن – أن ﻳﺸﻖ اﻟﺜﻮب اﻟﺠﺎﻣﺪ و ﻳﻨﺴﻠﺦ ﻣﻨﻪ‪ .‬و اﻷﻓﻀﻞ‬
‫أن ﻳﻜﻮن هﻨﺎك إﻃﺎر ﻋﺎم‪ ،‬و ﺗﻮﺻﻴﺎت ﻋﺎﻣﺔ‪ ،‬و ﻣﺒﺎدئ ﻋﺎﻣﺔ ﻟﻠﺤﻜﻢ اﻷﻣﺜﻞ‪ ..‬ﻣﺜﻞ اﻟﻌﺪل‪ ،‬و‬
‫اﻟﺸﻮرى‪ ،‬و ﺣﺮﻳﺔ اﻟﺘﺠﺎرة‪ ،‬و ﺣﺮﻳﺔ اﻹﻧﺘﺎج‪ ،‬و اﺣﺘﺮام اﻟﻤﻠﻜﻴﺔ اﻟﻔﺮدﻳﺔ‪ ،‬و ﻗﻮاﻧﻴﻦ اﻟﺴﻮق‪،‬‬
‫و آﺮاﻣﺔ اﻟﻤﻮاﻃﻦ‪ ..‬و أن ﻳﺄﺗﻲ اﻟﺤﻜﺎم ﺑﺎﻻﻧﺘﺨﺎب و ﻳﺨﻀﻌﻮا ﻟﺪﺳﺘﻮر‪.‬‬

‫أﻣﺎ ﺗﻔﺎﺻﻴﻞ هﺬا اﻟﺪﺳﺘﻮر ﻓﻬﻮ أﻣﺮ ﺳﻮف ﻳﺨﻀﻊ ﻟﻤﺘﻐﻴﺮات اﻟﺘﺎرﻳﺦ‪ ..‬و هﻮ ﻣﺎ ﻳﺠﺐ أن‬
‫ﻳﺘﺮك ﻟﻮﻗﺘﻪ‪.‬‬

‫و اﻷﻳﺪوﻟﻮﺟﻴﺎت اﻟﺘﻲ ﺣﺎوﻟﺖ اﻟﻤﺼﺎدرة ﻋﻠﻰ ﺗﻔﻜﻴﺮ اﻟﻨﺎس و ﻓﺮﺿﺖ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺗﻔﻜﻴﺮا ﻣﺴﺒﻘﺎ‬
‫و ﻧﻬﺠﺎ ﻣﺴﺒﻘﺎ ﻗﺎل ﺑﻪ هﺬا أو ذاك ﻣﻦ اﻟﻌﺒﺎﻗﺮة‪ ..‬ﺛﺒﺖ ﻓﺸﻠﻬﺎ‪.‬‬

‫و هﺬا ﻣﺎ ﻓﻌﻠﻪ اﻟﻘﺮﺁن‪ ..‬ﻓﻘﺪ ﺟﺎء ﺑﺈﻃﺎر ﻋﺎم‪ ،‬و ﺗﻮﺻﻴﺎت ﻋﺎﻣﺔ‪ ،‬و ﻣﺒﺎدئ ﻋﺎﻣﺔ ﻟﻠﺤﻜﻢ‬
‫اﻷﻣﺜﻞ‪ ..‬و ﺗﺮك ﺑﺎﻗﻲ اﻟﺘﻔﺎﺻﻴﻞ ﻻﺟﺘﻬﺎد اﻟﻨﺎس ﻋﺒﺮ اﻟﻌﺼﻮر‪ ..‬ﻟﻴﺄﺗﻲ آﻞ زﻣﺎن ﺑﺎﻟﺸﻜﻞ‬
‫اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ اﻟﺬي ﻳﻼﺋﻤﻪ‪..‬‬

‫و ﻓﻲ ﺧﻀﻢ اﻻﺟﺘﻬﺎد اﻹﺳﻼﻣﻲ ﺳﻮف ﺗﺠﺪ ﻣﺤﺼﻮﻻ ﻋﻈﻴﻤﺎ ﺗﺄﺧﺬ ﻣﻨﻪ و ﺗﺪع‪ ..‬ﻣﻦ أﻳﺎم‬
‫اﻟﺸﻴﺦ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﺒﺪﻩ و اﻷﻓﻐﺎﻧﻲ و ﺣﺴﻦ اﻟﺒﻨﺎ و اﻟﻤﻮدودى‪ ،‬إﻟﻰ زﻣﺎن‪ :‬ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ و‬
‫اﻟﻤﻬﺪي ﺑﻦ ﻋﺒﻮد و اﻟﺰﻧﺪاﻧﻲ‪ ،‬إﻟﻰ إﺑﺮاهﻴﻢ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ اﻟﻮزﻳﺮ و اﻟﺸﻴﺦ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻐﺰاﻟﻲ و‬
‫اﻟﺸﻌﺮاوي و ﻳﺲ رﺷﺪي و اﻟﺪآﺘﻮرﻳﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻤﺎرة و آﻤﺎل أﺑﻮ اﻟﻤﺠﺪ‪ ..‬ﻣﻮﺳﻮﻋﺔ ﻣﻦ‬
‫اﻟﻔﻜﺮ ﺳﻮف ﺗﻤﺪ ﻣﻦ ﻳﻘﺮأهﺎ ﺑﻤﺪد ﻣﻦ اﻟﻔﻬﻢ ﻻ ﻳﻨﻔﺪ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪163‬‬
‫و اﻟﺴﺆال اﻟﺬي ﻳﺨﺮج ﺑﻪ اﻟﺒﻌﺾ ﻣﻦ وﻗﺖ ﻵﺧﺮ‪ :‬أﻻ ﻳﺤﺮم اﻹﺳﻼم ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺮأة أن ﺗﻌﻤﻞ؟‬
‫و هﻢ ﻻ ﻳﻜﻔﻮن ﻋﻦ ﺗﺮدﻳﺪﻩ‪.‬‬

‫و أﻗﻮل ﻟﻬﻢ‪ :‬هﺎﺗﻮا ﺁﻳﺔ واﺣﺪة ﻣﻦ اﻟﻘﺮﺁن ﺗﺜﺒﺖ آﻼﻣﻜﻢ‪.‬‬

‫و اﻷﻣﺮ اﻟﻘﺮﺁﻧﻲ ﻟﻠﻨﺴﺎء ﺑﺎﻟﻘﺮار ﻓﻲ اﻟﺒﻴﻮت آﺎن ﻟﻨﺴﺎء اﻟﻨﺒﻲ‪.‬‬

‫و آﺎن ﻣﺸﻔﻮﻋﺎ ﻓﻲ ﻣﻜﺎن ﺁﺧﺮ ﺑﺎﻵﻳﺔ‪ )) :‬ﻳﺎ ﻧﺴﺎء اﻟﻨﺒﻲ ﻟﺴﺘﻦ آﺄﺣﺪ ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء ((‪.‬‬

‫و ﺗﻠﻚ إذن ﺧﺼﻮﺻﻴﺔ ﻟﺰوﺟﺎت اﻟﺮﺳﻮل ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺼﻼة و اﻟﺴﻼم‪.‬‬

‫و هﻞ رأﻳﺘﻢ زوﺟﺔ رﻳﺠﺎن ﺗﻌﻤﻞ‪ ،‬أو زوﺟﺔ ﺑﻮش ﻟﻬﺎ ﺑﻮﺗﻴﻚ ؟!‪ ..‬إن آﻞ واﺣﺪة ﻣﻨﻬﻤﺎ‬
‫ﻋﻤﻠﻬﺎ اﻟﻮﺣﻴﺪ زوﺟﻬﺎ‪.‬‬

‫و هﻦ زوﺟﺎت رؤﺳﺎء ﻋﻠﻤﺎﻧﻴﻴﻦ‪ ..‬ﻓﻤﺎ ﺑﺎل زوﺟﺔ ﺳﻴﺪ اﻟﺒﺸﺮ‪ ،‬و ﺧﺎﺗﻢ اﻷﻧﺒﻴﺎء‪ ،‬ﺻﺎﺣﺐ‬
‫اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ اﻟﻜﺒﺮى‪ ..‬آﻴﻒ ﻳﺠﻮز أن ﻳﻜﻮن ﻟﻬﺎ ﻋﻤﻞ ﺁﺧﺮ ﻏﻴﺮ زوﺟﻬﺎ ؟!‬

‫اﻟﺨﺼﻮﺻﻴﺔ هﻨﺎ واﺿﺤﺔ‪ ،‬و هﻲ ﻻ ﺗﻨﺴﺤﺐ إﻻ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ آﻦ ﻣﺜﻠﻬﻦ ﻣﻦ ﻧﺴﺎء اﻷﻣﺔ‪ ،‬و ﻣﻦ‬
‫آﻦ ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻇﺮوﻓﻬﻦ‪ .‬و اﻟﻜﻼم اﻵﺧﺮ اﻟﺴﺨﻴﻒ اﻟﺬي ﻳﺮﻓﺾ اﻟﺪوﻟﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻷﻧﻬﺎ دوﻟﺔ‬
‫دﻳﻨﻴﺔ‪ ..‬ﻟﻢ ﻳﻔﻬﻢ ﻣﺮددوﻩ آﻠﻤﺔ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب و أﺑﻲ ﺑﻜﺮ – و هﻢ اﻟﺴﺎدة و اﻟﻤﺜﻞ – ﺣﻴﻨﻤﺎ‬
‫ﻳﻘﻮل اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﺻﺒﻴﺤﺔ ﺑﻴﻌﺘﻪ‪:‬‬

‫)) إن أﺻﺒﺖ ﻓﺄﻋﻴﻨﻮﻧﻲ‪ ،‬و إن أﺧﻄﺄت ﻓﻘﻮﻣﻮﻧﻲ ((‪.‬‬

‫ﻻ ﻋﺼﻤﺔ ﻟﺤﺎآﻢ إذن‪ ..‬و ﻻ ﺣﻜﻤﺎ إﻟﻬﻴﺎ ﻓﻲ اﻹﺳﻼم‪ ..‬و إﻧﻤﺎ هﻮ ﺣﻜﻢ ﻣﺪﻧﻲ دﻳﻤﻘﺮاﻃﻲ‪،‬‬
‫ﻳﺨﻄﺊ ﺻﺎﺣﺒﻪ و ﻳُﺮاﺟﻊ‪.‬‬

‫و ﻗﻮﻟﻬﻢ أن اﻹﺳﻼم ﻳﻘﻒ ﺳﺪا ﻣﻨﻴﻌﺎ أﻣﺎم اﺟﺘﻬﺎد اﻟﻌﻘﻞ ﺑﻤﻘﻮﻟﺘﻪ اﻟﺸﻬﻴﺮة‪ :‬ﻻ اﺟﺘﻬﺎد ﻣﻊ‬
‫اﻟﻨﺺ‪ ..‬و ﻣﺎ أآﺜﺮ اﻟﻨﺼﻮص‪ ..‬ﺑﻞ اﻟﻘﺮﺁن آﻠﻪ ﻧﺼﻮص‪.‬‬

‫أﻗﻮل ﻟﻬﻢ‪ :‬ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﻓﻲ اﻟﻘﺮﺁن ﻧﺺ أآﺜﺮ ﺗﺤﺪﻳﺪا و ﺻﺮاﻣﺔ ﻣﻦ ﻗﻄﻊ ﻳﺪ اﻟﺴﺎرق‪ ،‬و ﻗﺪ ﺟﺎء‬
‫هﺬا اﻟﻨﺺ ﻓﻲ اﻟﻘﺮﺁن ﻣﻄﻠﻘﺎ ﻻ اﺳﺘﺜﻨﺎء ﻓﻴﻪ‪..‬‬

‫)) و اﻟﺴﺎرق و اﻟﺴﺎرﻗﺔ ﻓﺎﻗﻄﻌﻮا أﻳﺪﻳﻬﻤﺎ‪.(( ..‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪164‬‬
 ‫و ﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﻘﺪ اﺟﺘﻬﺪ اﻟﻨﺒﻲ – ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺼﻼة و اﻟﺴﻼم – ﻓﻲ ﻓﻬﻢ اﻟﻨﺺ ﻓﻠﻢ ﻳﻄﺒﻘﻪ ﻓﻲ‬
‫اﻟﺤﺮوب و اﺟﺘﻬﺪ ﻓﻴﻪ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب ﻓﻠﻢ ﻳﻄﺒﻘﻪ ﻓﻲ ﻋﺎم اﻟﻤﺠﺎﻋﺔ‪ .‬و هﻲ اﺳﺘﺜﻨﺎءات ﻟﻢ‬
‫ﺗﺮد ﻓﻲ اﻟﻘﺮﺁن‪ ،‬ﻓﻀﺮﺑﺎ ﺑﺬﻟﻚ اﻟﻤﺜﻞ ﻋﻠﻰ ﺟﻮاز اﻻﺟﺘﻬﺎد‪ ،‬و ﺟﻮاز إﻋﻤﺎل اﻟﻌﻘﻞ ﺣﺘﻰ ﻓﻲ‬
‫ﻧﺺ ﻣﻦ ﻧﺼﻮص اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ‪ ..‬ﻓﻤﺎ ﺑﺎل اﻟﻨﺼﻮص اﻷﺧﺮى اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻤﺲ ﺣﻜﻤﺎ أو ﻋﺒﺎدة ؟!‬

‫أﻣﺎ ﻋﻦ ﺣﻜﺎﻳﺔ اﻟﻔﻦ‪ ..‬و اﻟﺘﻨﺎﻗﺾ اﻟﺬي ﺧﻠﻘﻮﻩ ﺑﻴﻦ اﻟﻔﻦ و اﻟﺪﻳﻦ ﻟﻴﺠﻌﻠﻮا ﻣﻦ اﻹﺳﻼم ﻋﺪوا‬
‫ﻟﻠﺠﻤﺎل‪ ..‬ﻓﺈﻧﻨﻲ أﻗﻮل‪ :‬ﺣﺘﻰ اﻟﺸﻌﺮ و اﻟﺸﻌﺮاء اﻟﺬﻳﻦ ﻗﺎل ﻋﻨﻬﻢ اﻟﻘﺮﺁن‪ :‬إﻧﻬﻢ ﻳﺘﺒﻌﻬﻢ‬
‫اﻟﻐﺎوون‪ ،‬و إﻧﻬﻢ ﻓﻲ آﻞ واد ﻳﻬﻴﻤﻮن‪ ،‬و إﻧﻬﻢ ﻳﻘﻮﻟﻮن ﻣﺎ ﻻ ﻳﻔﻌﻠﻮن‪ ..‬ﻋﺎد ﻓﺎﺳﺘﺜﻨﻰ ﻗﺎﺋﻼ‪)) :‬‬
‫إﻻ اﻟﺬﻳﻦ ﺁﻣﻨﻮا و ﻋﻤﻠﻮا اﻟﺼﺎﻟﺤﺎت ((‪ ..‬و ﻳﻨﻄﺒﻖ هﺬا ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻨﻮن آﻠﻬﺎ‪ ..‬ﻓﻬﻲ ﺟﻤﻴﻌﺎ‬
‫ﺗﺨﻀﻊ ﻟﻨﻔﺲ اﻟﻘﺎﻋﺪة‪ ..‬ﺣﺴﻨﻬﺎ ﺣﺴﻦ‪ ،‬و ﻗﺒﻴﺤﻬﺎ ﻗﺒﻴﺢ‪ ..‬آﻞ ﻣﺎ ﻳﺪﻋﻮ ﻣﻨﻬﺎ ﻟﻠﺨﻴﺮ هﻮ ﻓﻦ‬
‫ﺣﺴﻦ‪ ،‬و آﻞ ﻣﺎ ﻳﺪﻋﻮ ﻟﻠﻔﺴﺎد و اﻹﻓﺴﺎد هﻮ ﻓﻦ ﻗﺒﻴﺢ‪ ،‬و هﻲ ﻗﺎﻋﺪة ﻳﻄﺒﻘﻮﻧﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﻓﻲ‬
‫اﻟﻐﺮب‪ ..‬ﻓﻬﻢ ﻳﻘﻮﻟﻮن ﻋﻦ آﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻷﻋﻤﺎل اﻟﻔﻨﻴﺔ إﻧﻬﺎ ردﻳﺌﺔ و هﺎﺑﻄﺔ‪ ..‬و اﻟﻔﻦ اﻟﺮديء‬
‫ﻋﻨﺪهﻢ ﻣﺘﻬﻢ‪ ،‬آﻤﺎ هﻮ ﻓﻲ آﻞ ﻣﻜﺎن‪ ..‬و اﻟﻤﻌﺮآﺔ ﻣﺴﺘﻤﺮة‪..‬‬

‫و ﻟﻜﻨﺎ ﻓﻲ ﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ آﺘﻴﺒﺔ ﺗﺠﺪد اﻟﺪﻳﻦ و ﺗﻘﺎﺗﻞ ﺧﺼﻮﻣﻪ ﺑﺄﺳﻠﺤﺔ اﻟﻌﺼﺮ‪ ،‬و ﻟﻴﺲ ﺑﻔﺘﺎوى‬
‫أﻟﻒ ﺳﻨﺔ ﻣﻀﺖ‪ ..‬ﻓﺎﻹﺳﻼم اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ هﻮ إﺳﻼم ﻳﻨﺎزع اﻵﺧﺮﻳﻦ ﺳﻠﻄﺎﺗﻬﻢ‪ ..‬و هﻮ ﺑﻄﺒﻴﻌﺘﻪ‬
‫ﻳﺮﻳﺪ أرﺿﺎ و اﻟﻔﻜﺮ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻻ ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﺤﻜﻢ‪ ،‬ﺑﻞ ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﺤﺮر‪ .‬ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﺤﺮر أرﺿﻪ‬
‫اﻟﻤﻐﺘﺼﺒﺔ‪ ..‬و ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﺤﺮر ﻋﻘﻮﻻ ﻗﺎم اﻵﺧﺮون ﺑﻐﺴﻠﻬﺎ و ﺗﻐﺮﻳﺒﻬﺎ‪ ..‬و ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﺴﺘﺮد‬
‫أﺳﺮﺗﻪ و ﺑﻴﺘﻪ‪ ..‬ﺑﺎﻟﻜﻠﻤﺔ اﻟﻄﻴﺒﺔ و ﺑﺎﻟﺤﺠﺔ و اﻟﺒﻴﻨﺔ‪ ،‬و ﻟﻴﺲ ﺑﺘﻔﺠﻴﺮ اﻟﻄﺎﺋﺮات و ﺧﻄﻒ‬
‫اﻟﺮهﺎﺋﻦ‪..‬‬

‫ﺑﺎﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻻ ﺑﺎﻟﺤﺮوب‪..‬‬

‫ﺑﺎﻟﺤﻮار اﻟﺤﻀﺎري‪ ،‬ﻻ ﺑﺎﻻﺷﺘﺒﺎك اﻟﻌﺴﻜﺮي‪ ..‬و ﻟﻜﻨﻬﻢ ﻟﻦ ﻳﻌﻄﻮا اﻟﻔﺮﺻﺔ ﻟﻬﺬا اﻟﺤﻮار‬
‫اﻟﺤﻀﺎري‪ ،‬و هﻢ ﻳﻨﺘﻈﺮون ﺳﻘﻄﺔ ﻣﻦ زﻋﺎﻣﺔ ﻣﺘﺨﻠﻔﺔ‪ ،‬و ﻳﺘﻌﻠﻠﻮن ﺑﺼﻴﺤﺔ ﻋﻨﻒ ﻳﺼﺮخ‬
‫ﺑﻬﺎ ﻣﻨﺒﺮ ﺿﺎل‪ ،‬أو ﻋﺮﺑﺔ ﻣﻠﻐﻮﻣﺔ ﻳﻔﺠﺮهﺎ ﻋﻤﻴﻞ‪ ،‬ﺛﻢ ﻳﺘﻄﻮع ﻋﻤﻴﻞ ﺁﺧﺮ ﻟﻴﻘﻮل إﻧﻬﺎ ﻣﻦ‬
‫ﻋﻤﻞ )) اﻟﺠﻬﺎد اﻹﺳﻼﻣﻲ ((‪ ،‬أو )) ﺷﺒﺎب ﻣﺤﻤﺪ‪ (( ..‬أو )) ﺣﺰب اﷲ ((‪ ..‬ﻟﻴﺜﻴﺮوا ﺑﻬﺎ‬
‫ﺛﺎﺋﺮة اﻷﺑﻴﺾ و اﻷﺣﻤﺮ و اﻷﺻﻔﺮ ﻋﻠﻰ اﻹﺳﻼم و أهﻠﻪ‪..‬‬

‫و ﻟﻜﻦ أهﻞ اﻟﻌﻠﻢ ﻳﻌﻠﻤﻮن أن اﻟﻌﺪوان ﻣﺒﻴﺖ ﻣﻨﺬ ﻋﺸﺮات اﻟﺴﻨﻴﻦ ﻣﻨﺬ ﺳﻘﻮط اﻟﺨﻼﻓﺔ‬
‫اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ‪ ،‬و ﻣﻨﺬ وﻋﺪ ﺑﻠﻔﻮر‪ ،‬و ﺗﻬﺠﻴﺮ ﻣﻄﺎرﻳﺪ اﻟﻴﻬﻮد ﻣﻦ أﻗﻄﺎر اﻟﻌﺎﻟﻢ و ﺟﻤﻌﻬﻢ ﻓﻲ‬
‫إﺳﺮاﺋﻴﻞ‪ ،‬و إﻗﺎﻣﺔ اﻟﺘﺮﺳﺎﻧﺔ اﻟﻨﻮوﻳﺔ و اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ و اﻟﻤﻴﻜﺮوﺑﻴﺔ ﻓﻲ داﺧﻞ اﻟﻘﻠﻌﺔ‬
‫اﻹﺳﺮاﺋﻴﻠﻴﺔ‪ ..‬و ﺗﺤﻄﻴﻢ أي ﺳﻼح ﻋﺮﺑﻲ ﻣﻨﺎﻓﺲ‪..‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪165‬‬
 ‫هﻢ ﻳﺨﻄﻄﻮن ﻣﻦ ﻗﺪﻳﻢ ﻟﻬﺬا اﻟﻴﻮم‪ .‬و اﻟﻤﻌﺮآﺔ ﻣﺴﺘﻤﺮة‪.‬‬

‫و ﺳﻮف ﺗﺴﺘﻤﺮ ﺑﻄﻮل ﻣﺎ ﺑﻘﻰ ﻣﻦ زﻣﺎن إﻟﻰ ﻳﻮم اﻟﺪﻳﻦ‪ ..‬و ﻟﻦ ﺗﻜﻮن ﻣﻌﺮآﺔ ﺳﻬﻠﺔ‪..‬‬

‫و ﻃﻮﺑﻰ ﻟﻬﻢ‪ ..‬ﻣﻦ آﺎﻧﻮا ﻣﻦ أﺑﻄﺎﻟﻬﺎ !‬

‫أﻧﺸﻮدة اﻷﻣﻞ‬

‫اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ هﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ و ﻻ اﻟﻨﺎس هﻢ اﻟﻨﺎس‪.‬‬

‫و ﻟﻮ آﻨﺖ ﻣﻦ ﻣﻮاﻟﻴﺪ اﻟﻌﺸﺮﻳﻨﻴﺎت ﻣﻦ هﺬا اﻟﻘﺮن ﻣﺜﻠﻲ ﻟﺸﻌﺮت ﺑﺄﻧﻚ أﺟﻨﺒﻲ ﻏﺮﻳﺐ ﻓﻲ‬
‫ﺑﻴﺘﻚ و ﺑﻠﺪك و ﻧﺎﺳﻚ‪ ..‬أو أﻧﻚ ﻓﻲ ﻗﺎﻋﺔ ﺳﻴﻨﻤﺎ ﺗﺸﺎهﺪ أﻓﻼﻣﺎ ﺷﺮﻳﺮة‪ ..‬اﻻﺑﻦ ﻳﻘﺘﻞ أﺑﺎﻩ و اﻷم‬
‫ﺗﻘﺘﻞ اﺑﻨﻬﺎ و اﻟﺰوج ﻳﺤﺮق زوﺟﺘﻪ و اﻟﺸﺮآﺎت ﺗﺒﻴﻊ ﻣﻨﺘﺠﺎﺗﻬﺎ ﻣﻐﺸﻮﺷﺔ ﻋﻼﻧﻴﺔ ﻓﻲ‬
‫اﻷﺳﻮاق‪ ..‬و اﻟﻜﻼم ﻓﻲ آﻞ وﺳﺎﺋﻞ اﻹﻋﻼم ﻋﻦ اﻟﺘﻠﻮث‪ ..‬و ﺗﻘﺮأ ﻋﻦ ﺣﻜﻮﻣﺎت ﺗﺄوي‬
‫اﻹرهﺎب و ﺗﻨﻔﻖ ﻋﻠﻴﻪ و ﺗﻤﻮﻟﻪ و ﺗﺴﺘﻌﻤﻠﻪ آﺄدوات ﺷﺮﻋﻴﺔ ﺑﺪﻳﻠﺔ ﻋﻦ اﻻﺳﺘﻌﻤﺎر اﻟﻘﺪﻳﻢ‬
‫ﻹﺧﻀﺎع اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺜﺎﻟﺚ و اﺳﺘﻐﻼﻟﻪ‪ ..‬و ﺗﺮى اﻟﺸﺮ ﻟﻪ ﻣﺆﺳﺴﺎت ﻣﺤﺘﺮﻣﺔ ﺗﺰاول ﺟﺮاﺋﻤﻬﺎ‬
‫ﻓﻲ ﻋﻼﻧﻴﺔ و ﻓﻲ ﺣﺮاﺳﺔ اﻟﻘﺎﻧﻮن‪ ..‬و ﺗﺸﺎهﺪ اﻟﺰراﻋﺔ ﺑﺎﻟﻬﻨﺪﺳﺔ اﻟﻮراﺛﻴﺔ ﻓﻲ ﺣﺪاﺋﻖ ﻣﻌﻠﻘﺔ و‬
‫ﺻﻮﺑﺎت‪ ..‬و ﺷﺘﺎء ﻟﻨﺪن ﺷﺪﻳﺪ اﻟﺤﺮارة‪ ..‬و ﻏﺎﺑﺎت أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ اﻟﻤﻄﻴﺮة ﺷﺪﻳﺪة اﻟﺠﻔﺎف‪ ..‬و‬
‫اﻷرض ﻓﻲ ﺗﺼﺤﺮ ﻣﺴﺘﻤﺮ‪ ..‬وﻳﺘﻜﻠﻢ اﻟﻨﺎس ﻋﻦ ﺧﺮق ﻓﻲ ﻃﺒﻘﺔ اﻷوزون و ﻋﻦ اﻷﺷﻌﺔ‬
‫ﻓﻮق اﻟﺒﻨﻔﺴﺠﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺴﻠﻞ إﻟﻰ اﻷرض و ﺗﺴﺒﺐ ﺳﺮﻃﺎن اﻟﺠﻠﺪ‪ ..‬و ﻋﻦ اﻟﺴﻴﺠﺎرة اﻟﺘﻲ‬
‫ﺗﺴﺒﺐ ﺳﺮﻃﺎن اﻟﺮﺋﺔ و اﻟﺤﻠﻖ و اﻟﺜﺪي و اﻟﺒﺮوﺳﺘﺎﺗﺎ و اﻟﻤﻌﺪة و اﻟﺒﻨﻜﺮﻳﺎس‪ ..‬و ﻋﻦ رﻋﺐ‬
‫ﺟﺪﻳﺪ اﺳﻤﻪ اﻟﺒﻮرﺻﺔ‪ ..‬و ﺿﺮﺑﺎت اﻟﻔﻘﺮ و اﻹﻓﻼس ﺗﺼﻴﺐ اﻟﺪول اﻵﺳﻴﻮﻳﺔ ﻓﺠﺄة ﺑﺴﺒﺐ‬
‫هﺒﻮط اﻟﺒﻮرﺻﺔ و ﺗﺪهﻮر اﻟﻌﻤﻼت‪ ..‬و ﺣﺮوب ﻣﺴﺘﺘﺮة ﻹﻓﻘﺎر اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻨﺎﻣﻲ ﺑﺪون ﺣﺮوب‬
‫و ﺑﻤﺠﺮد ﺷﺮاء اﻟﻌﻤﻼت و ﺑﻴﻌﻬﺎ و ﺗﺴﻤﻊ ﻋﻦ اﻟﻤﺎﻓﻴﺎ اﻟﺘﻲ أﺻﺒﺢ اﺳﻤﻬﺎ إﺳﺮاﺋﻴﻞ و ﻳﻨﺘﺸﺮ‬
‫ﻣﻮاﻃﻨﻮهﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ آﺄذرع اﻷﺧﻄﺒﻮط و ﺗﺘﻐﻠﻐﻞ ﻓﻲ اﻟﺤﻜﻮﻣﺎت و ﻓﻲ ﻣﻨﺎﺻﺐ ﺻﻨﻊ‬
‫اﻟﻘﺮار و ﺗﺘﺴﻠﻞ آﺎﻟﻮﺑﺎء اﻟﻤﺪﻣﺮ ﻓﻲ آﻞ ﺣﻜﻮﻣﺔ و ﻳﻌﻠﻮ ﺻﻮﺗﻬﺎ و ﻳﺘﻔﺎﻗﻢ ﺷﺮهﺎ‪ ..‬و ﻋﻦ‬
‫اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺬي ﻳﻘﺘﺮب ﻣﻦ آﺎرﺛﺔ أو زﻟﺰال وﺷﻴﻚ أو ﻓﺴﺎد ﺷﺎﻣﻞ ﻳﻨﻬﺎر ﻓﻴﻪ آﻞ ﺷﻲء‪ ..‬إن‬
‫اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ هﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ‪ ..‬و اﻟﻨﺎس ﻣﺎ ﻋﺎدوا هﻢ اﻟﻨﺎس اﻟﺬﻳﻦ ﺗﻌﺮﻓﻬﻢ‪ ..‬و إﻧﻤﺎ أﻧﺖ ﻏﺮﻳﺐ‬
‫ﻓﻴﻬﻢ و أﺟﻨﺒﻲ ﻻ ﺗﻔﻬﻢ ﻟﻐﺘﻬﻢ‪ ..‬و ﻣﻮاﻃﻦ ﻣﺬﻋﻮر ﺗﺒﺤﺚ ﻟﻨﻔﺴﻚ ﻋﻦ ﺟﺐ ﺗﺨﺘﻔﻲ ﻓﻴﻪ و ﺗﻄﻠﺐ‬
‫ﻣﻦ اﷲ اﻟﺴﺘﺮ ﺑﻘﻴﺔ أﻳﺎﻣﻚ‪..‬‬

‫و هﺬﻩ دﻧﻴﺎﻧﺎ ﻓﻲ ﺧﺘﺎم اﻷﻟﻔﻴﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻣﻦ ﻋﻤﺮهﺎ اﻟﻤﺪﻳﺪ‪..‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪166‬‬
 ‫اﻻﻧﺤﻼل و اﻟﻔﺴﺎد‪ ..‬و اﻟﺠﺮﻳﻤﺔ‪ ..‬و اﻷﻣﺮاض اﻟﺨﺒﻴﺜﺔ و اﻷوﺑﺌﺔ‪ ..‬و اﻟﺮﻋﺐ‪ ..‬و‬
‫اﻹرهﺎب‪ ..‬و اﻟﻌﻠﻢ اﻟﺸﺮﻳﺮ‪ ..‬و اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ذات اﻟﻮﺟﻬﻴﻦ و أﻣﺮﻳﻜﺎ ﻗﻄﺐ وﺣﻴﺪ ﻳﺤﻜﻢ اﻟﻌﺎﻟﻢ‪..‬‬
‫و إﺳﺮاﺋﻴﻞ ﻃﻔﻴﻞ ﺗﺤﺖ ﺟﻠﺪهﺎ ﻳﺘﻐﺬى ﻋﻠﻰ دﻣﻬﺎ‪ ..‬دراآﻮﻻ‪ ..‬و ﻧﺒﺎش ﻗﺒﻮر‪ ..‬ﻳﻨﺸﺮ اﻟﻔﺘﻦ و‬
‫اﻟﺤﺮوب و اﻷﺣﻘﺎد‪ ..‬و أﻣﺮﻳﻜﺎ ﺗﻈﻦ أﻧﻬﺎ ﺗﺴﺘﻌﻤﻠﻪ ﻋﻠﻰ أﻣﻼآﻬﺎ‪ ..‬ﺑﻴﻨﻤﺎ هﻮ اﻟﺬي ﻳﺴﺘﻌﻤﻠﻬﺎ‬
‫ﻋﻠﻰ أﻃﻤﺎﻋﻪ‪..‬‬

‫و اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻳﻨﺤﺪر دون أن ﻳﺪري إﻟﻰ هﺎوﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﺴﻮة و اﻟﺤﺮوب و اﻟﺪﻣﺎر‪.‬‬

‫و اﻟﻜﺮاهﻴﺔ و اﻟﺒﻐﻀﺎء ﺗﺴﻮد رﻏﻢ اﻟﻮﻓﺮة و اﻟﻘﻮة و اﻟﺜﺮاء‪.‬‬

‫و أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﻘﻮﻳﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﻓﻲ ﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ اﻟﻐﺰو و ﻻ إﻟﻰ اﻟﺤﺮوب ﻓﻌﻨﺪهﺎ ﻣﺎ ﻳﻜﻔﻴﻬﺎ و ﻣﺎ ﻳﺰﻳﺪ‬
‫ﻋﻠﻰ آﻔﺎﻳﺘﻬﺎ‪ ..‬ﻓﻠﻤﺎذا ﺗﻬﺪد هﺬا و ذاك‪.‬‬

‫ﻟﻤﺎذا ﺗﺮﺳﻞ أﺳﺎﻃﻴﻠﻬﺎ و ﺑﻮارﺟﻬﺎ و ﻃﺎﺋﺮاﺗﻬﺎ ﺗﺮوع اﻟﻌﺎﻟﻢ و ﺗﺨﻴﻒ اﻟﻀﻌﻔﺎء ؟‬

‫ﻟﻤﺎذا ﺗﺮﻳﺪ أن ﺗﺘﺤﻮل إﻟﻰ ﻋﻤﻼق آﺮﻳﻪ ؟‬

‫و آﻴﻒ ﻳﺴﻴﻄﺮ اﻟﺤﻘﺪ اﻹﺳﺮاﺋﻴﻠﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺎﻏﻮت اﻷﻣﺮﻳﻜﻲ‪ ..‬و آﻴﻒ ﻳﺜﻴﺮ اﻟﺒﺮﻏﻮث‬
‫ﻏﻀﺐ اﻟﻔﻴﻞ‪..‬؟‬

‫و ﻟﻜﻨﻨﺎ ﻟﺴﻨﺎ وﺣﺪﻧﺎ ﻓﻲ هﺬا اﻟﻜﻮن ﻳﺎ ﺳﺎدة ﻧﻌﺒﺚ آﻤﺎ ﻧﺮﻳﺪ‪ ..‬و إﻧﻤﺎ ﻟﻠﻜﻮن ﺻﺎﺣﺐ ﻳﺤﻔﻈﻪ‬
‫ﻣﻦ اﻟﺪﻣﺎر و اﻟﻔﻨﺎء‪ ..‬و ﻣﻨﺬ ﻣﻠﻴﺎرات اﻟﺴﻨﻴﻦ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ أﻣﺮﻳﻜﺎ و ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻣﻴﻼد أرﺿﻨﺎ و‬
‫ﺷﻤﺴﻬﺎ‪ ..‬و اﻟﻜﻮن ﻣﻮﺟﻮد‪ ،‬و ﻣﺎ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ ﻋﻠﻰ هﺬﻩ اﻷرض إﻻ ﻟﺤﻈﺔ ﻋﺎﺑﺮة ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻬﺬﻩ‬
‫اﻷﺣﻘﺎب اﻟﺒﺎﺋﺪة‪ ..‬و ﻣﺎ ﻗﺎرة أﻣﺮﻳﻜﺎ إﻻ ﻣﺠﺮد ﻓﻘﺎﻋﺔ ﻇﻬﺮت ﻋﻠﻰ وﺟﻪ اﻟﻤﺎء ﻣﺎ ﺗﻠﺒﺚ أن‬
‫ﺗﻨﻔﺠﺮ و ﺗﺰول و ﻣﺎ أآﺜﺮ ﻣﺎ ﻇﻬﺮت ﻗﺎرات و اﺧﺘﻔﺖ أراﺿﻴﻦ‪.‬‬

‫و اﻟﺰﻣﻦ ﻳﺒﺘﻠﻊ آﻞ ﺷﻲء و اﻷزل ﻳﺒﺘﻠﻊ اﻟﺰﻣﻦ ﻓﻲ ﺟﻮﻓﻪ‪ ..‬و اﷲ ﻓﻲ أﺑﺪﻩ اﻟﻼﻧﻬﺎﺋﻲ ﻳﺤﻴﻂ‬
‫ﺑﺎﻟﻮﺟﻮد آﻠﻪ‪ ..‬و ﻣﺎ اﻟﻌﻠﻤﺎﻧﻴﻮن إﻻ رﻏﻮة و زﺑﺪ ﻋﻜﺮ ﺳﻄﺢ اﻟﻐﺪﻳﺮ اﻟﺼﺎﻓﻲ‪ ..‬و ﻻ ﻳﻠﺒﺚ أن‬
‫ﻳﺬهﺐ ﺟﻔﺎء‪ ..‬و ﻳﺼﻔﻮ اﻟﻤﺎء اﻟﺮﻗﺮاق ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ‪ ..‬و ﻳﺘﺠﻠﻰ وﺟﻪ رﺑﻨﺎ ﻓﻲ ﺻﻔﺎﺋﻪ‪.‬‬

‫و أﻗﻮل ﻟﻠﻀﻌﻔﺎء اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻌﺎﻧﻮن و ﻳﺘﻌﺬﺑﻮن و ﻻ ﻳﻤﻠﻜﻮن ﺣﻴﻠﺔ و ﻻ ﻳﻬﺘﺪون ﺳﺒﻴﻼ‪ ..‬أﻗﻮل‬
‫ﻟﻬﻢ‪:‬‬

‫اﺗﻘﻮا اﷲ و اﺻﺒﺮوا و ﺳﻮف ﻳﻐﻴﺮ اﻟﻨﺎﻣﻮس اﻹﻟﻬﻲ اﻟﺪوّار آﻞ ﺷﻲء‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪167‬‬
 ‫و ﻟﻤﻦ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﺰرع ﺷﺠﺮة أﻗﻮل ﻟﻪ‪ :‬ازرﻋﻬﺎ‪.‬‬

‫و ﻟﻤﻦ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﺒﺬل اﻟﻨﺼﺢ و ﻳﻘﻮل آﻠﻤﺔ ﺣﻖ‪ ..‬أﻗﻮل ﻟﻪ‪ :‬ﻗﻠﻬﺎ و ﻻ ﺗﺨﻒ‪.‬‬

‫و ﻟﻤﻦ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﺒﻨﻲ أﻣﻼ و ﻳﻘﻴﻢ ﺟﺪارا أﻗﻮل ﻟﻪ‪ :‬ﻳﺪي ﻋﻠﻰ ﻳﺪك‪.‬‬

‫و اﺷﻐﻠﻮا أﻧﻔﺴﻜﻢ ﺑﻤﺎ ﻳﻔﻴﺪ و ﻳﻨﻔﻊ و دﻋﻮا اﻟﻜﻮن ﻟﺨﺎﻟﻘﻪ و اﻷﻗﻮﻳﺎء اﻟﺠﺒﺎﺑﺮة ﻟﻠﺬي هﻮ أﻗﻮى‬
‫ﻣﻨﻬﻢ ﻟﻠﺠﺒﺎر اﻟﻘﻬﺎر اﻟﺬي ﻻ ﻳﻌﺠﺰﻩ ﺷﻲء ﻓﻲ اﻷرض و ﻻ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء‪..‬‬

‫و إذا أراد اﷲ ﻟﻨﺎ أن ﻧﻘﺎﺗﻞ ﻓﺴﻮف ﻳﻮﻓﺮ ﻟﻨﺎ أدوات هﺬا اﻟﻘﺘﺎل و ﻳﻌﻴﻨﻨﺎ ﻋﻠﻴﻪ‪..‬‬

‫و ﺛﻘﻮا ﺑﺮﺑﻜﻢ و ﺁﻣﻨﻮا ﺑﻌﺪاﻟﺘﻪ‪ ..‬ﻓﻼ ﻣﻮﺟﻮد ﺑﺤﻖ ﺳﻮاﻩ‪ ..‬و ﻻ ﺣﺎآﻢ ﺳﻮاﻩ و ﻻ ﺻﺎﻧﻊ‬
‫ﻟﻠﺘﺎرﻳﺦ ﺳﻮاﻩ و ﻻ ﻣﺪﺑﺮ ﻟﻸﻗﺪار ﺳﻮاﻩ و إن ادﻋﻰ اﻟﻤﺪﻋﻮن أﻧﻬﻢ ﺻﻨﻌﻮا و دﺑﺮوا ﻓﻤﺎ آﺎﻧﻮا‬
‫ﻃﻴﻠﺔ اﻟﻮﻗﺖ إﻻ أدواﺗﻪ‪ ..‬و ﻣﺎ آﺎﻧﻮا ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻇﻠﻤﻮا إﻻ ﻏﻀﺒﻪ و ﻣﺎ آﺎﻧﻮا ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺣﻠﻤﻮا إﻻ‬
‫ﺣﻠﻤﻪ و ﻣﺎ آﺎﻧﻮا ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻋﻔﻮا إﻻ وﺳﺎﺋﻂ ﻋﻔﻮﻩ‪.‬‬

‫و رﺑﻨﺎ اﻟﻜﺮﻳﻢ اﻟﻮدود اﻟﻤﻨﺎن هﻮ اﻟﺘﺴﺒﻴﺤﺔ و اﻷﻧﺸﻮدة و اﻷﻣﻞ‪.‬‬

‫ﻣﻨﻪ اﻷﻣﺮ و إﻟﻴﻪ اﻷﻣﺮ‪.‬‬

‫و ﻻ ﺣﻮل و ﻻ ﻗﻮة إﻻ ﺑﻪ‪.‬‬

‫ﻓﺎﺟﺘﻬﺪوا و اﺑﺬﻟﻮا وﺳﻌﻜﻢ و أﺳﻠﻤﻮا ﻟﻪ و ارﺗﻀﻮا ﻣﺸﻴﺌﺘﻪ و ﻣﻦ ﻓﺎﺗﺘﻪ دﻧﻴﺎﻩ ﺳﻮف ﺗﺴﻌﻪ‬
‫ﺁﺧﺮﺗﻪ‪ ..‬و اﻵﺧﺮة أآﺮم‪..‬‬

‫و رﺑﻜﻢ ﻻ ﺗﻀﻴﻊ ﻋﻨﺪﻩ اﻟﻤﺮوءات و ﻻ ﺗﺒﺨﺲ ﻓﻲ ﻣﻮازﻳﻨﻪ اﻟﺤﺴﻨﺎت و ﺛﻘﻮا ﺑﺄﻧﻪ ﻻ ﻳﺪوم‬
‫آﺮب و ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ رب‪.‬‬

‫ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻻ إﻟﻪ إﻻ هﻮ ﺗﺒﺎرآﺖ أﺳﻤﺎؤﻩ و ﺗﻘﺪﺳﺖ ﺁﻻؤﻩ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪168‬‬
 ‫اﻟﺮﻳﺎﺿﺔ اﻟﻴﻮم‬

‫ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻧﺎدى أﻓﻼﻃﻮن ﻓﻲ ﺟﻤﻬﻮرﻳﺘﻪ اﻟﻤﺜﺎﻟﻴﺔ ﻣﻨﺬ أﻟﻮف اﻟﺴﻨﻴﻦ ﺑﺘﺮﺑﻴﺔ اﻟﻨﺶء ﻋﻠﻰ ﺣﺐ‬
‫اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ و اﻟﺮﻳﺎﺿﺔ و ﺟﻌﻞ ﻣﻦ اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ و اﻟﺮﻳﺎﺿﺔ ﺣﺼﺼﺎ ﺛﺎﺑﺘﺔ ﻓﻲ ﻣﻨﻬﺞ اﻟﻄﺎﻟﺐ‪،‬‬
‫آﺎن ﺻﺎﺣﺐ ﻓﻠﺴﻔﺔ و آﺎﻧﺖ ﻟﻪ وﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ هﻲ اﻟﻮﺳﻴﻠﺔ ﻟﺘﺮﺑﻴﺔ اﻟﺬوق و ﺗﻨﻤﻴﺔ‬
‫اﻟﺤﺲ اﻟﺠﻤﺎﻟﻲ‪ ،‬و اﻟﺮﻳﺎﺿﺔ هﻲ اﻟﻮﺳﻴﻠﺔ ﻟﻜﻤﺎل اﻟﺠﺴﺪ و ﺗﻨﻤﻴﺔ اﻟﺸﺠﺎﻋﺔ و اﻟﺨﻠﻖ اﻟﻜﺮﻳﻢ‪.‬‬

‫و ﻗﺪ ﻋﺸﻨﺎ و رأﻳﻨﺎ أﻟﻮاﻧﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﺮﻓﻴﻌﺔ ﺗﺮﺑﻲ اﻟﺤﺲ اﻟﺠﻤﺎﻟﻲ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ و ﺗﺮﻓﻊ‬
‫اﻟﺬوق‪ ..‬آﻤﺎ رأﻳﻨﺎ ﻋﻠﻰ أﻳﺎﻣﻨﺎ ﻣﺎ ﺗﻔﻌﻠﻪ اﻟﺮﻳﺎﺿﺔ ﻓﻲ آﻤﺎل اﻷﺟﺴﺎم و ﻓﻲ آﻤﺎل اﻷﺧﻼق‪ ..‬و‬
‫ﻟﻜﻦ ﻳﺒﺪو أن اﻟﻌﺼﺮ اﺧﺘﻠﻒ‪ ..‬و اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ اﺧﺘﻠﻔﺖ‪ ..‬و اﻟﺮﻳﺎﺿﺔ اﺧﺘﻠﻔﺖ‪ ..‬و أﺻﺒﺤﻨﺎ ﻧﻘﺮأ‬
‫ﻋﻦ ﻣﺒﺎراة ﻋﺎﻟﻤﻴﺔ ﻓﻲ دور ﺗﺸﺴﺘﺮ ﻳﺴﻘﻂ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﺸﺮات اﻟﻘﺘﻠﻰ و ﻳﺘﻘﺎﺗﻞ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻤﺸﺠﻌﻮن‬
‫ﺑﺎﻟﺴﻜﺎآﻴﻦ و اﻟﻌﺼﻲ و اﻟﺰﺟﺎﺟﺎت اﻟﻔﺎرﻏﺔ‪ ،‬و رأﻳﻨﺎ ﻣﻌﺎرك أﺷﺪ ﻓﻲ ﻣﺒﺎراة ﻋﺎﻟﻤﻴﺔ أﺧﺮى‬
‫ﻓﻲ إﻳﻄﺎﻟﻴﺎ و ﺛﺎﻟﺜﺔ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻤﺎرك و ﺗﺤﻮل اﻷﺳﺘﺎد اﻟﺮﻳﺎﺿﻲ إﻟﻰ ﻣﺴﺮح ﺟﺮاﺋﻢ و ﻓﻲ ﺑﻠﺪﻧﺎ‬
‫رأﻳﻨﺎ اﻟﻤﺘﻔﺮﺟﻴﻦ ﻳﺴﻘﻄﻮن ﻣﻮﺗﻰ ﺑﺎﻟﺴﻜﺘﺔ اﻟﻘﻠﺒﻴﺔ ﻷن اﻟﻜﺮة دﺧﻠﺖ ﻓﻲ ﻣﺮﻣﻰ اﻟﺰﻣﺎﻟﻚ أو‬
‫اﻷهﻠﻲ‪ ،‬و رأﻳﻨﺎ اﻟﻤﺸﺠﻌﻴﻦ ﻳﺘﺒﺎدﻟﻮن اﻟﻠﻜﻤﺎت و ﻳﻌﺘﺪون ﻋﻠﻰ اﻟﻼﻋﺒﻴﻦ و ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻜﻢ و‬
‫ﻳﺴﺒﻮن هﺬا و ذﻟﻚ ﺑﺄﻗﺬع اﻷﻟﻔﺎظ‪.‬‬

‫و ﻓﻲ آﻞ أوﻟﻴﻤﺒﻴﺎد ﺗﻜﺘﺸﻒ اﻟﻠﺠﻨﺔ أﺑﻄﺎﻻ ﻣﺸﻬﻮرﻳﻦ ﻳﻠﺠﺄون إﻟﻰ اﻟﻐﺶ و ﺗﻌﺎﻃﻲ اﻟﺤﻘﻦ‬
‫اﻟﻤﻤﻨﻮﻋﺔ ﻟﻴﺘﻔﻮق آﻞ واﺣﺪ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﺎﻓﺴﻴﻪ ﺑﺪون وﺟﻪ ﺣﻖ‪.‬‬

‫و ﻓﻲ ﺁﺧﺮ ﺧﺒﺮ ﺟﺎء ﻣﻦ أﻣﺮﻳﻜﺎ رأﻳﻨﺎ ﺑﻄﻠﺔ أوﻟﻴﻤﺒﻴﺎد اﻟﺘﺰﻟﺞ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﻠﻴﺪ ﺗﻮﻧﻴﺎ هﺎرودﻧﺞ‬
‫ﺗﺮﺷﻮ زوﺟﻬﺎ اﻟﺒﻠﻄﺠﻲ ﺟﻴﻒ ﺟﺎﻟﻮا ﻟﻴﻘﻮم ﺑﻌﻤﻞ آﻤﻴﻦ ﻟﻤﻨﺎﻓﺴﺘﻬﺎ ﻧﺎﻧﺴﻲ آﺎرﻳﺠﺎن و‬
‫ﻳﻀﺮﺑﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻔﺼﻞ اﻟﺮآﺒﺔ اﻟﻴﻤﻨﻰ ﺿﺮﺑﺔ ﺗﻜﺴﺤﻬﺎ و ﺗﻤﻨﻌﻬﺎ ﻣﻦ دﺧﻮل اﻟﻤﻠﻌﺐ‪.‬‬

‫و ﻳﻌﺘﺮف اﻟﺒﻠﻄﺠﻲ ﻋﻠﻰ زوﺟﺘﻪ‪ ،‬و ﻳﻘﻮل إﻧﻪ ﺗﻠﻘﻰ ﻣﻨﻬﺎ رﺷﻮة ﺧﻤﺴﺔ ﺁﻻف دوﻻر و‬
‫وﻋﻮدا ﺑﺂﻻف أﺧﺮى إذا أﻧﺠﺰ ﻣﻬﻤﺘﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻮﺟﻪ اﻷآﻤﻞ‪ ..‬و اﻧﻔﺠﺮت ﻓﻀﻴﺤﺔ ﺗﻨﺎوﻟﺘﻬﺎ آﻞ‬
‫اﻟﺼﺤﻒ‪ ..‬ﺛﻢ إن اﻟﺮﻳﺎﺿﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺗﺤﻮﻟﺖ إﻟﻰ ﺗﺠﺎرة ﻣﻔﺘﺮﺳﺔ‪ ،‬و أﺻﺒﺢ ﻟﻬﺎ ﺳﻤﺎﺳﺮة و‬
‫أﺻﺒﺢ ﻟﻜﻞ ﺑﻄﻞ ﻣﺪﻳﺮ ﻣﺤﺘﺮف و ﻣﻜﺘﺐ دﻋﺎﻳﺔ و ﻣﻠﺤﻖ ﺻﺤﻔﻲ و ﻋﺼﺎﺑﺔ ﺗﺘﺤﺮك‬
‫ﻟﺤﺮاﺳﺘﻪ أﻳﻨﻤﺎ ذهﺐ‪ ،‬و أﺻﺒﺤﺖ اﻟﺒﻄﻮﻟﺔ ﺑﺎﺑﺎ ﻣﻔﺘﻮﺣﺎ ﻟﻤﻼﻳﻴﻦ اﻟﺪوﻻرات‪ ..‬و ﻧﺠﻮم اﻟﺘﻨﺲ‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪169‬‬
‫‪ Super‬و اﻟﻤﻼآﻤﺔ و اﻟﺴﺒﺎﺣﺔ و اﻟﺠﺮي و اﻟﻘﻔﺰ أﺻﺒﺤﻮا أﺻﺤﺎب ﻣﻼﻳﻴﻦ و ﻧﺠﻮم ﺷﻬﺮة‬
‫و أﺻﺒﺢ اﻟﻌﺮف اﻟﺴﺎﺋﺪ هﻮ اﻟﻮﺻﻮل إﻟﻰ اﻟﻜﺄس‪ ..‬ﺑﺄي ﺳﺒﻴﻞ و ﻟﻮ ﺑﺎﻟﻐﺶ و ‪Stars‬‬
‫اﻟﺘﺪﻟﻴﺲ و اﻹﺟﺮام‪ ..‬و أﺻﺒﺤﺖ اﻟﺮﻳﺎﺿﺔ ﺷﻴﺌﺎ ﺁﺧﺮ ﻏﻴﺮ اﻟﺬي ﺗﻜﻠﻢ ﻋﻨﻪ أﻓﻼﻃﻮن‪.‬‬

‫و رأﻳﻨﺎ ﻧﺠﻮﻣﺎ ﻣﺜﻞ ﻣﺎرادوﻧﺎ ﻳﺴﻘﻄﻮن ﻣﻦ ﻗﻤﺔ اﻟﻨﺠﻮﻣﻴﺔ إﻟﻰ هﺎوﻳﺔ اﻹﺟﺮام و اﻟﺸﻢ و‬
‫اﻟﻤﺨﺪرات ﺛﻢ ﻳﻔﻘﺪون آﻞ ﺷﻲء‪.‬‬

‫و آﺎن ﻣﺎ ﺣﺪث ﻟﻠﻤﻮﺳﻴﻘﻰ أآﺜﺮ‪ ..‬ﻓﺴﻴﻤﻔﻮﻧﻴﺎت ﺑﻴﺘﻬﻮﻓﻦ و ﺷﻮﺑﺎن و ﻓﺎﺟﻨﺮ‪ ..‬و ﻗﺼﺎﺋﺪ‬
‫اﻟﺸﻮﻗﻴﺎت و أﺻﻮات أﻣﺜﺎل ﻋﺒﺪ اﻟﻮهﺎب و ﻋﺒﺪ اﻟﺤﻠﻴﻢ و أم آﻠﺜﻮم و ودﻳﻊ اﻟﺼﺎﻓﻲ و‬
‫ﻓﻴﺮوز ﺗﺮاﺟﻌﺖ ﻟﺘﺤﺘﻞ اﻟﻤﺴﺮح راﻗﺼﺎت و راﻗﺼﻮن ﻳﻬﺰون اﻟﺼﺪور و اﻟﺨﺼﻮر و‬
‫آﻮرس ﻳﺼﻔﻖ و ﻃﺒﺎل ﻳﻄﺒﻞ‪ ،‬و ﻇﻬﺮ اﻟﺪﻳﺴﻜﻮ اﻟﻐﺮﺑﻲ اﻟﺬي ﺣﻮل اﻟﻐﻨﺎء إﻟﻰ زار و‬
‫ﺻﺮاخ و ﺿﺠﻴﺞ و ﻋﺠﻴﺞ و أﺻﺒﺢ اﻟﻄﺮش و ﻓﻘﺪان اﻟﺴﻤﻊ ﻣﻦ أﻣﺮاض اﻟﺴﻤﻴﻌﺔ‬
‫اﻟﻤﺪﻣﻨﻴﻦ‪ ..‬و ﻧﻔﺲ اﻟﺸﻲء ﺣﺪث ﻓﻲ اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ و اﻟﻤﺴﺮح‪ ..‬و رأﻳﻨﺎ ﻣﻤﺜﻼت آﺒﻴﺮات ﻳﻌﺘﺰﻟﻦ‬
‫ﻷن اﻷﻓﻼم اﻟﻤﺘﺎﺣﺔ أﺻﺒﺢ أآﺜﺮهﺎ هﺎﺑﻄﺎ و ﻓﺎﺣﺸﺎ و أﺷﺒﻪ ﺑﻌﻤﻞ ﻓﺎﺿﺢ ﻓﻲ اﻟﻄﺮﻳﻖ اﻟﻌﺎم‪.‬‬

‫و أﺑﻄﺎل آﻤﺎل اﻷﺟﺴﺎم اﻵن ﺗﻠﺘﻘﻄﻬﻢ اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ ﻷﻓﻼم اﻟﺮﻋﺐ و اﻹﺟﺮام ) ﻣﺜﻞ ﺷﻮارزﻧﺠﺮ‬
‫و أﻣﺜﺎﻟﻪ (‪.‬‬

‫و اﻟﺮﻳﺎﺿﺔ و اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ و اﻟﻐﻨﺎء و اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ و اﻟﻤﺴﺮح و ﺑﺎﻗﻲ اﻟﻔﻨﻮن ﺗﺤﻮﻟﺖ ﻓﻲ ﻧﻈﺎم‬

‫اﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻮق إﻟﻰ اﻟﻤﻮاﺻﻔﺎت اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ و اﺗﺠﻬﺖ إﻟﻰ اﻟﻘﺒﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻔﺮﺿﻬﺎ ﺑﻮرﺻﺔ‬
‫هﻮﻟﻴﻮود و ﻳﺤﻜﻤﻬﺎ اﻟﺪوﻻر‪.‬‬

‫و ﻟﻮ أن أﻓﻼﻃﻮن ﺑﻌﺚ اﻟﻴﻮم ﺣﻴﺎ ﻷﻧﻜﺮ ﻣﺎ ﻳﺮى و ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻊ و ﻟﺴﺤﺐ آﻼﻣﻪ و ﺣﻞ‬
‫ﺟﻤﻬﻮرﻳﺘﻪ و ﻓﻀﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﻴﻊ اﻟﺨﻀﺎر ﻓﻲ اﻷﺳﻮاق‪ .‬ﻓﻠﻢ ﺗﻌﺪ هﻨﺎك ﻋﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ و‬
‫ﺗﻨﻤﻴﺔ اﻟﺬوق‪ ،‬و ﻻ ﺑﻴﻦ اﻟﺮﻳﺎﺿﺔ و ﺗﻨﻤﻴﺔ اﻷﺧﻼق اﻟﺤﻤﻴﺪة‪ ..‬و إﻧﻤﺎ أﺻﺒﺤﻨﺎ ﻧﺮى ﺑﻮرﺻﺔ‬
‫ﻣﺜﻞ ﺑﻮرﺻﺔ ﻧﻴﻮﻳﻮرك و رﻳﺠﻨﺖ ﺳﺘﺮﻳﺖ ﺗﻔﺮض ﻣﻮاﺻﻔﺎﺗﻬﺎ و اﻟﻜﻞ ﻳﻄﻴﻊ‪ ..‬و اﻷﺧﻼق‬
‫ﻓﻲ اﻟﻨﺎزل‪ ..‬و اﻷذواق ﻓﻲ اﻟﻨﺎزل‪ ..‬ﻻ ﻳﻬﻢ‪ ..‬ﻣﺎ داﻣﺖ اﻟﻤﻜﺎﺳﺐ ﻓﻲ اﻟﻄﺎﻟﻊ و ﻟﻮ ﺑﺎﻟﻐﺶ و‬
‫ﻟﻮ ﺑﺎﻹﺟﺮام و ﻟﻮ ﺑﺎﻟﻌﻬﺮ‪.‬‬

‫و ﻻ أﻋﻤﻢ ﻓﻤﺎ زاﻟﺖ هﻨﺎك اﺳﺘﺜﻨﺎءات و ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻗﻠﻴﻠﺔ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻌﻤﻠﺔ اﻟﻤﺰﻳﻔﺔ ﺗﻄﺮد اﻟﻌﻤﻠﺔ اﻟﺠﻴﺪة‬
‫أوﻻ ﺑﺄول‪ ،‬و اﻟﻔﻨﻮن اﻟﻤﺮﻳﻀﺔ ﺗﺠﺪ ﻟﻬﺎ زﺑﺎﺋﻦ أآﺜﺮ‪ ،‬و ﻧﻔﻮﺳﺎ ﻣﺮﻳﻀﺔ ﺗﺮوج ﻟﻬﺎ أآﺜﺮ‬
‫ﻓﺄآﺜﺮ‪ ..‬و اﻟﺠﻴﺪ ﻓﻲ اﻟﺴﻮق ﻗﻠﻴﻞ‪.‬‬

‫و رﻏﻢ ﺗﻔﻮق أﻣﺮﻳﻜﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﻠﻮم و اﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ و وﺳﺎﺋﻞ اﻟﻘﻮة‪ ..‬إﻻ أن أﺛﺮهﺎ ﻣﺪﻣﺮ ﻓﻲ‬
‫ﻣﺠﺎﻻت اﻟﻔﻨﻮن آﻠﻬﺎ ﺑﻼ اﺳﺘﺜﻨﺎء‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪170‬‬
 ‫و أﺳﻠﻮب اﻟﺘﺴﻮﻳﻖ اﻷﻣﺮﻳﻜﻲ هﻮ اﻟﺬي أﺧﺮج اﻟﺮﻳﺎﺿﺔ ﻣﻦ ﺧﺎﻧﺔ اﻟﻔﻦ اﻟﺮاﻗﻲ و ﻧﺰل ﺑﻬﺎ‬
‫إﻟﻰ ﺳﺎﺣﺔ اﻟﻐﺶ و اﻹﺟﺮام‪ ..‬و أﻧﺎ أﻓﻬﻢ أن ﻧﺄﺧﺬ ﻋﻦ أﻣﺮﻳﻜﺎ ﻋﻠﻮﻣﻬﺎ و ﺗﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺘﻬﺎ و ﻟﻜﻦ‬
‫ﻻ أﻓﻬﻢ آﻴﻒ ﻧﺮﺿﻰ ﺑﺄن ﻧﺄﺧﺬ ﻋﻨﻬﺎ ﻓﻨﻮﻧﻬﺎ‪.‬‬

‫و أﻗﻮل ﻟﻜﻞ اﻟﻔﻨﺎﻧﻴﻦ‪ ..‬أﻻ ﺗﺠﺪون ﻗﺒﻠﺔ أﺧﺮى ﺗﺼﻠﻮن ﻟﻬﺎ ﻏﻴﺮ واﺷﻨﻄﻦ و ﺑﺎرﻳﺲ و ﻟﻨﺪن ؟‬
‫أﻟﻴﺲ ﻟﻨﺎ ذاﺗﻴﺔ و ﺟﺬور و ﻋﻄﺎء ﺧﺎص ؟‪ ..‬أﻟﻴﺲ ﻟﻨﺎ ﺗﺎرﻳﺨﻨﺎ اﻟﺬي ﺗﻔﺮدﻧﺎ ﺑﻪ و روﺣﻨﺎ اﻟﺘﻲ‬
‫ﺗﻔﺮدﻧﺎ ﺑﻬﺎ أﻳﻀﺎ ؟‪ ..‬أﻟﻴﺲ ﻟﻨﺎ ﻓﻀﺎﺋﻠﻨﺎ و ﺗﺮاﺛﻨﺎ ؟‪ ..‬أﻟﺴﻨﺎ ﻣﻬﺒﻂ اﻟﻮﺣﻲ و ورﺛﺔ اﻷﻧﺒﻴﺎء ؟‬

‫أﻳﻦ ﻧﺤﻦ ﻓﻴﻤﺎ ﺗﻔﻌﻠﻮن ؟ و أﻳﻦ ﻧﺤﻦ ﻓﻲ هﺬا اﻟﻄﺒﻞ و اﻟﺰﻣﺮ و اﻟﺘﻬﺮﻳﺞ و اﻟﺘﺠﺎرة اﻟﺮﺧﻴﺼﺔ‬
‫و اﻟﺘﻘﻠﻴﺪ اﻷﻋﻤﻰ و اﻟﺠﺮي وراء اﻟﻤﺴﺘﻮرد و اﻟﻤﻐﺸﻮش ﻣﻦ آﻞ ﻟﻮن ؟‬

‫أﻳﻦ ﻧﺤﻦ و أﻳﻦ أﻧﺘﻢ ﻣﻦ أﻧﻔﺴﻜﻢ‪ ،‬و ﻣﻦ ﺟﻮهﺮآﻢ و ﻣﻦ ﻣﺎهﻴﺘﻜﻢ اﻟﺘﻲ ﺿﺎﻋﺖ ﻓﻲ اﻟﻄﻮﻓﺎن‬
‫؟!‬

‫أﻧﺎ و ﻧﻔﺴﻲ و اﻟﺸﻴﻄﺎن‬

‫ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻲ ﻧﻔﺴﻲ‪:‬‬

‫ﻧﺎرك و ﺟﻨﺘﻚ ﺑﻴﻦ ﺟﻨﺒﻴﻚ‪ ..‬ﻧﺎرك و ﺟﻨﺘﻚ ﻓﻴﻤﺎ ﺗﺨﺘﺎر و ﻣﺎ ﺗﻌﺠﻞ إﻟﻴﻪ ﻣﻦ أﻗﻮال و أﻓﻌﺎل و‬
‫ﻣﺎ ﺗﺒﺎدر إﻟﻴﻪ ﻣﻦ أﻗﻮال و أﻓﻌﺎل و ﻣﺎ ﺗﺒﺎدر إﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﻋﻤﻞ و ﻣﺎ ﺗﻤﺘﺪ إﻟﻴﻪ ﻳﺪك ﻣﻦ ﺣﻼل و‬
‫ﺣﺮام‪..‬‬

‫ﻳﺪك هﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻔﺮ ﺑﻬﺎ ﻗﺒﺮك و ﺗﺼﻨﻊ ﺑﻬﺎ ﻣﺼﻴﺮك و ﻟﺴﺎﻧﻚ هﻮ اﻟﺬي ﻳﻬﻮي ﺑﻚ إﻟﻰ‬
‫اﻟﻬﺎوﻳﺔ أو ﻳﺼﻌﺪ ﺑﻚ إﻟﻰ أﻋﻠﻰ ﻋﻠﻴﻴﻦ‪ ..‬أﻧﺖ ﻣﺎ ﺗﻘﻮل و أﻧﺖ ﻣﺎ ﺗﻔﻌﻞ‪..‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪171‬‬
 ‫اﻧﻈﺮ ﻣﺎذا ﺗﻔﻌﻞ ﺗﻌﻠﻢ ﻣﺴﻜﻨﻚ و ﺗﺸﻬﺪ ﻗﻴﺎﻣﺘﻚ ﻗﺒﻞ ﻗﻴﺎﻣﺘﻚ و ﺗﻌﻠﻢ ﺳﺎﻋﺘﻚ ﻗﺒﻞ ﺳﺎﻋﺘﻚ‪.‬‬

‫ﻗﺎل ﻟﻲ ﺷﻴﻄﺎﻧﻲ ﻣﺴﺘﻨﻜﺮا‪:‬‬

‫و أﻳﻦ أﻧﺖ اﻵن ﻣﻦ ﻗﻴﺎﻣﺘﻚ و أﻳﻦ أﻧﺖ ﻣﻦ ﺳﺎﻋﺘﻚ‪ ..‬هﺬا اﻟﻮﺳﻮاس اﻟﺸﺆم اﻟﺬي ﺗﺼﺤﻮ و‬
‫ﺗﺒﻴﺖ ﻓﻴﻪ‪ ..‬اﻧﻈﺮ ﺣﻮﻟﻚ ﻳﺎ ﻓﺘﻰ‪ ..‬أﻧﺖ ﻣﺎزﻟﺖ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ‪ ..‬اﻗﻄﻒ زهﺮﺗﻬﺎ و اﻧﻌﻢ ﺑﻠﺬاﺗﻬﺎ و‬
‫أﻣﺎﻣﻚ ﻓﺮص اﻟﺘﻮﺑﺔ ﻣﻤﺘﺪة ﺑﻄﻮل ﻋﻤﺮك‪ ..‬و أﻧﺖ ﻣﺎ ﻋﺸﺖ ﻓﺄﻧﺖ ﻓﻲ رﻋﺎﻳﺔ اﻟﺘﻮاب اﻟﻐﻔﺎر‬
‫ﻗﺎﺑﻞ اﻟﺘﻮب و ﻏﺎﻓﺮ اﻟﺬﻧﺐ‪ ..‬ﻻ ﺗﻌﻘﺪ أﻣﻮرك و اﺿﺤﻚ ﻟﻸﻳﺎم ﺗﻀﺤﻚ ﻟﻚ‪..‬‬

‫ﻗﻠﺖ و أﻧﺎ أﺗﺤﺴﺐ آﻞ آﻠﻤﺔ‪..‬‬

‫ﺗﻀﺤﻚ ﻟﻲ أو ﺗﻀﺤﻚ ﻋﻠﻲ ﻳﺎ ﻟﻌﻴﻦ‪ ..‬و ﻣﻦ أدراﻧﻲ أن ﻣﺎ أﻗﻮل اﻵن هﻮ ﺁﺧﺮ أﻗﻮاﻟﻲ و ﻣﺎ‬
‫أﻓﻌﻞ اﻵن هﻮ ﺧﺘﺎم أﻓﻌﺎﻟﻲ و أﻧﻲ ﻣﻴﺖ اﻟﻴﻮم و ﻣﻦ ﻣﺎت ﻓﻘﺪ ﻗﺎﻣﺖ ﻗﻴﺎﻣﺘﻪ و ﺑﺪأت ﺳﺎﻋﺘﻪ‪.‬‬

‫ﻗﺎل ﺷﻴﻄﺎﻧﻲ‪ ..‬أﻋﻮذ ﺑﺎﷲ ﻣﻦ ﻏﻀﺐ اﷲ‪..‬‬

‫ﻣﺎ هﺬا اﻟﻜﺎﺑﻮس اﻟﺬي ﺗﻌﻴﺶ ﻓﻴﻪ‪ ،‬ﺣﻴﺎة آﺎﻟﻤﻮت و ﻣﻮت آﺎﻟﺤﻴﺎة‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﺒﻖ إﻻ أن ﺗﺼﻨﻊ‬
‫ﻟﻨﻔﺴﻚ ﺗﺎﺑﻮﺗﺎ و ﺗﻨﺴﺞ ﻟﻚ آﻔﻨﺎ ﺗﺘﻤﺪد ﻓﻴﻪ‪ ..‬أﻳﻦ أﻧﺖ ﻣﻦ هﺬا اﻟﻴﻮم ﻳﺎ رﺟﻞ‪.‬‬

‫ﻗﻠﺖ‪:‬‬

‫و ﻣﻦ ﻳﺪرﻳﻨﻲ أن ﺑﻌﺪ اﻟﻴﻮم ﺑﻌﺪ‪.‬‬

‫ﻗﺎل ﺷﻴﻄﺎﻧﻲ‪.‬‬

‫هﻞ أﻗﻤﺖ ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻚ ﻗﺎﺑﻀﺎ ﻟﻸرواح و ﻓﺎﻟﻘﺎ ﻟﻺﺻﺒﺎح أم أﻧﻚ اﻟﻤﺘﻨﺒﻲ اﻟﺬي ﻻ ﺗﺨﻴﺐ ﻟﻪ‬
‫ﻧﺒﻮءة‪ ..‬اﻟﺰم ﻏﺮزك ﻳﺎ رﺟﻞ ﻣﺎ أﻧﺖ إﻻ ﻋﺒﺪ ﻣﻦ ﻋﺒﺎد اﷲ‪ ..‬ﻋﺶ ﻳﻮﻣﻚ آﺄﻧﻚ ﺗﻌﻴﺶ أﺑﺪا‪..‬‬

‫ﻗﻠﺖ‪:‬‬

‫ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻮهﺎ هﻜﺬا ﻳﺎ ﻟﺌﻴﻢ‪ ..‬ﺑﻞ ﻗﺎﻟﻮا‪ ..‬اﻋﻤﻞ ﻟﺪﻧﻴﺎك آﺄﻧﻚ ﺗﻌﻴﺶ أﺑﺪا و اﻋﻤﻞ ﻵﺧﺮﺗﻚ آﺄﻧﻚ‬
‫ﺗﻤﻮت ﻏﺪا‪ ..‬أرأﻳﺖ آﻴﻖ ﺗﻘﻠﺐ آﻞ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ‪..‬‬

‫ﻗﺎل ﺷﻴﻄﺎﻧﻲ‪:‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪172‬‬
 ‫إﻧﻤﺎ أردت ﻟﻚ اﻟﺤﻴﺎة و أردت أﻧﺖ ﻟﻨﻔﺴﻚ اﻟﻤﻮت‪ ..‬و ﻣﺮادي آﺎن داﺋﻤﺎ ﻣﺼﻠﺤﺘﻚ‪.‬‬

‫ﻗﻠﺖ‪:‬‬

‫ﺑﻞ ﻣﻮت اﻟﻨﻔﻮس آﺎن ﻣﺮادك و هﻼآﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺠﺤﻴﻢ آﺎن ﺷﻐﻠﻚ اﻟﺸﺎﻏﻞ و هﻤﻚ اﻟﻤﻘﻴﻢ ﻳﺎ‬
‫ﺳﻤﺴﺎر اﻟﺠﺤﻴﻢ‪.‬‬

‫•••‬

‫هﻞ آﻨﺖ أآﻠﻢ أﺣﺪا ؟؟‪ ..‬أم آﺎن ﻳﻜﻠﻤﻨﻲ أﺣﺪ‪.‬‬

‫هﻞ آﺎن ﺣﻮارا ﺑﺤﻖ‪ ..‬أم آﺎن ﺧﻴﺎﻻ‪ ..‬أﺗﺨﻴﻠﻪ‪.‬‬

‫إن ﺣﺪﻳﺚ اﻟﻨﻔﺲ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻻ ﺷﻚ ﻓﻴﻬﺎ‪ ..‬و هﻮ ﻧﻮع ﻣﻦ اﻹﻋﺠﺎز اﻟﺮﺑﺎﻧﻲ‪ ..‬ﻓﻬﻮ ﺣﺪﻳﺚ داﺧﻠﻲ‬
‫ﻻ ﻳﺴﻤﻌﻪ ﻏﻴﺮك و ﻻ ﻳﻄﻠﻊ ﻋﻠﻴﻪ ﺳﻮاك‪ ..‬و ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أي ﺟﻬﺎز إﻟﻜﺘﺮوﻧﻲ ﺑﺸﺮي أن‬
‫ﻳﺴﺠﻠﻪ ﻋﻠﻴﻚ‪ ..‬و اﻟﻨﻔﺲ ﻓﻴﻪ ﻃﺮف‪ ..‬و اﻟﻄﺮف اﻵﺧﺮ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻜﻮن اﻟﻨﻔﺲ ذاﺗﻬﺎ‪ ..‬و‬
‫ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻜﻮن اﻟﺸﻴﻄﺎن‪ ..‬و إﺑﺮاهﻴﻢ اﻟﻜﻠﻴﻢ أﺑﻮ اﻷﻧﺒﻴﺎء آﻠﻤﻪ رﺑﻪ‪ ..‬و هﻜﺬا ﺗﺮﺗﻔﻊ اﻟﻤﻜﺎﻟﻤﺔ‬
‫ﻟﻜﻞ ﻧﻔﺲ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺐ ﻗﺪرهﺎ و ﻣﺴﺘﻮاهﺎ‪.‬‬

‫ﻳﻘﻮل رﺑﻨﺎ ﻣﻜﻠﻤﺎ ﻣﻮﺳﻰ ﻓﻲ ﺳﻮرة اﻷﻋﺮاف ﺁﻳﺔ ‪:144‬‬

‫ﻦ‬
‫ﻚ َوآُﻦ ﱢﻣ َ‬
‫ﺨ ْﺬ ﻣَﺎ ﺁ َﺗ ْﻴُﺘ َ‬
‫ﻼﻣِﻲ َﻓ ُ‬
‫ﻻﺗِﻲ َو ِﺑ َﻜ َ‬
‫س ِﺑ ِﺮﺳَﺎ َ‬
‫ﻋﻠَﻰ اﻟﻨﱠﺎ ِ‬
‫ﻚ َ‬‫ﻄ َﻔ ْﻴُﺘ َ‬
‫ﺻَ‬‫ل ﻳَﺎ ﻣُﻮﺳَﻰ ِإﻧﱢﻲ ا ْ‬
‫)) ﻗَﺎ َ‬
‫ﻦ )‪ ] (( (144‬اﻷﻋﺮاف [‬ ‫اﻟﺸﱠﺎ ِآﺮِﻳ َ‬

‫و ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﻜﻮن وﺳﺎوس اﻟﻨﻔﺲ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺘﻮى اﻟﺸﻴﻄﺎﻧﻲ‪ ..‬ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻜﻮن اﻟﺸﻴﻄﺎن ﻃﺮﻓﺎ ﻓﻲ‬
‫اﻟﺤﺪﻳﺚ‪ ..‬و ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﺮﺗﻔﻊ اﻟﻨﻔﺲ إﻟﻰ اﻟﻤﺴﺘﻮى اﻟﻤﻼﺋﻜﻲ‪ ..‬ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻜﻮن اﻟﻘﺮﻳﻦ اﻟﻤﺘﺤﺪث‬
‫ﻣﻼﺋﻜﻴﺎ‪ ..‬و آﻠﻤﺎ ارﺗﻔﻊ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﺤﺪﻳﺚ ارﺗﻔﻊ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﻤﺘﺤﺎدﺛﻴﻦ‪.‬‬

‫و ﻟﻠﻐﻴﺐ ﻋﻠﻮﻣﻪ آﻤﺎ أن ﻟﻠﻔﻴﺰﻳﺎء ﻋﻠﻮﻣﻬﺎ و ﻟﻠﺬرة ﻋﻠﻮﻣﻬﺎ و ﻟﻠﻨﻔﺲ ﻋﻠﻮﻣﻬﺎ‪.‬‬

‫و اﻟﺸﻴﻄﺎن ﺣﻘﻴﻘﺔ و ﻟﻴﺲ ﺷﺨﺼﻴﺔ رواﺋﻴﺔ ﺧﻴﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ ﺑﻨﺎت ﺧﻴﺎل اﻟﻤﺆﻟﻔﻴﻦ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪173‬‬
 ‫و ﻓﻲ ﺁﺧﺮ اﻟﺰﻣﺎن ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﻘﻮم اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﺳﻮف ﻳﻌﺘﺮف اﻟﺸﻴﻄﺎن ﺑﻤﺎ ﻓﻌﻞ ﺑﻀﺤﺎﻳﺎﻩ أﻣﺎم اﻟﻤﻸ‬
‫و أﻣﺎم اﻟﺤﺸﺮ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻣﻦ آﻞ اﻟﺨﻼﺋﻖ‪.‬‬

‫ن‬
‫ﺧَﻠ ْﻔُﺘ ُﻜ ْﻢ َوﻣَﺎ آَﺎ َ‬
‫ﻖ َو َوﻋَﺪﱡﺗ ُﻜ ْﻢ َﻓَﺄ ْ‬‫ﺤﱢ‬ ‫ﻋ َﺪ اْﻟ َ‬
‫ﻋ َﺪ ُآ ْﻢ َو ْ‬
‫ن اﻟّﻠ َﻪ َو َ‬ ‫ﻷ ْﻣ ُﺮ ِإ ﱠ‬
‫ﻲا َ‬‫ﻀَ‬ ‫ن َﻟﻤﱠﺎ ُﻗ ِ‬ ‫ﺸ ْﻴﻄَﺎ ُ‬‫ل اﻟ ﱠ‬ ‫)) َوﻗَﺎ َ‬
‫ﺴﻜُﻢ ﻣﱠﺎ َأ َﻧ ْﺎ‬‫ﻼ َﺗﻠُﻮﻣُﻮﻧِﻲ َوﻟُﻮﻣُﻮ ْا أَﻧ ُﻔ َ‬ ‫ﺠ ْﺒُﺘ ْﻢ ﻟِﻲ َﻓ َ‬‫ﺳ َﺘ َ‬
‫ﻋ ْﻮُﺗ ُﻜ ْﻢ ﻓَﺎ ْ‬
‫ﻻ أَن َد َ‬
‫ن ِإ ﱠ‬
‫ﺳ ْﻠﻄَﺎ ٍ‬‫ﻋَﻠ ْﻴﻜُﻢ ﻣﱢﻦ ُ‬ ‫ﻲ َ‬ ‫ِﻟ َ‬
‫ب‬
‫ﻋﺬَا ٌ‬ ‫ﻦ َﻟ ُﻬ ْﻢ َ‬
‫ن اﻟﻈﱠﺎِﻟﻤِﻴ َ‬ ‫ﻞ ِإ ﱠ‬
‫ن ﻣِﻦ َﻗ ْﺒ ُ‬
‫ﺷ َﺮ ْآُﺘﻤُﻮ ِ‬ ‫ت ِﺑﻤَﺂ َأ ْ‬ ‫ﻲ ِإﻧﱢﻲ َآ َﻔ ْﺮ ُ‬ ‫ﺧﱠ‬‫ﺼ ِﺮ ِ‬
‫ﺧ ُﻜ ْﻢ َوﻣَﺎ أَﻧُﺘ ْﻢ ِﺑ ُﻤ ْ‬
‫ﺼ ِﺮ ِ‬‫ِﺑ ُﻤ ْ‬
‫َأﻟِﻴ ٌﻢ )‪ ] (( (22‬إﺑﺮاهﻴﻢ [‬

‫و هﻜﺬا ﻳﻨﺰل ﺳﺘﺎر اﻟﺨﺘﺎم ﻋﻠﻰ اﻟﺪراﻣﺎ اﻟﻜﺒﺮى ﻟﻠﻮﺟﻮد اﻟﺘﻲ اﺳﺘﻐﺮﻗﺖ أﺟﻴﺎﻻ و ﻗﺮوﻧﺎ ﻣﻦ‬
‫ﺁدم أول اﻟﺨﻠﻖ إﻟﻰ اﻟﺨﺎﺗﻢ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﷲ ﺁﺧﺮ اﻟﺮﺳﻞ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺼﻼة و اﻟﺴﻼم‪ ..‬ﻓﻲ‬
‫آﻠﻤﺎت هﺎﺋﻠﺔ ﺗﺘﺼﺪع ﻟﻬﺎ اﻟﻘﻠﻮب و ﻣﺸﻬﺪ ﺟﺎﻣﻊ ﻳﺸﻴﺐ ﻟﻪ اﻟﻮﻟﺪان‪.‬‬

‫و ﺳﻮف ﻧﺮى اﻟﺸﻴﻄﺎن ﺳﺎﻋﺘﻬﺎ و هﻮ ﻳﺘﻜﻠﻢ ﻓﻲ ﻗﻠﺐ اﻟﺠﺤﻴﻢ و ﺳﻮف ﻧﺴﻤﻊ ﺁﺧﺮ آﻠﻤﺎﺗﻪ‪.‬‬

‫)) إن اﻟﻈﺎﻟﻤﻴﻦ ﻟﻬﻢ ﻋﺬاب أﻟﻴﻢ ((‪.‬‬

‫إن اﻟﺸﻴﻄﺎن ﺣﻘﻴﻘﺔ و ﻟﻴﺲ أﺳﻄﻮرة‪.‬‬

‫و اﻟﻨﺎر ﺣﻖ‪.‬‬

‫و اﻟﻌﺬاب ﺣﻖ‪.‬‬

‫إﻧﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ أوﺑﺮا ﻳﺎ ﺳﺎدة‪ ..‬ﻳﺼﻔﻖ ﺑﻌﺪهﺎ اﻟﺤﻀﻮر و ﺗﻨﺰل اﻟﺴﺘﺎر‪ ..‬آﻤﺎ ﻳﺘﺼﻮر‬
‫اﻷوروﺑﻴﻮن اﻟﻤﺘﺤﻀﺮون ﻋﺸﺎق اﻟﻔﻦ‪.‬‬

‫و اﻷﻣﺮ ﻟﻴﺲ آﻤﺎ ﺗﺼﻮرﻩ اﻟﺮﺋﻴﺲ ﻣﻴﺘﺮان ﻓﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ اﻟﺘﻠﻴﻔﺰﻳﻮﻧﻲ اﻟﺬي أﺟﺎب ﻓﻴﻪ ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟﻤﺬﻳﻊ اﻟﺬي ﺳﺄﻟﻪ‪ ..‬ﻣﺎذا ﺗﻘﻮل ﷲ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﺮاﻩ ﻳﺎ ﺳﻴﺎدة اﻟﺮﺋﻴﺲ‪ ..‬ﻓﺄﺟﺎب ﻣﻴﺘﺮان‪:‬‬

‫‪.. Sorry .‬ﺳﻮف أﻗﻮل ﻟﻪ‬

‫هﻜﺬا ﻗﺎل اﻟﺮﺋﻴﺲ ﻣﻴﺘﺮان ﻓﻲ ﺑﺴﺎﻃﺔ ﻓﺮﻧﺴﻴﺔ‪.‬‬

‫و ﻻ أﻇﻦ أن اﻟﺮﺋﻴﺲ ﻣﻴﺘﺮان ﺳﻮف ﻳﺮى اﷲ‪ ..‬و ﻻ أﻇﻨﻪ ﺳﻮف ﻳﻘﻮى ﻋﻠﻰ ﻣﻜﺎﻟﻤﺘﻪ‪.‬‬

‫و ﻻ أﻇﻨﻪ ﺳﻮف ﻳﺠﺘﻤﻊ ﻟﻪ رﺷﺪ أﻣﺎم ذﻟﻚ اﻟﻤﺸﻬﺪ اﻟﺮهﻴﺐ أو ﻳﺒﻘﻰ ﻓﻴﻪ ﻟﺐ ﻟﻴﻨﻄﻖ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪174‬‬
 ‫و آﺎن ﺁﺧﺮ ﻣﺎ ﺷﻬﺪت ﻣﻦ اﻟﺮﺋﻴﺲ ﻣﻴﺘﺮان ﻣﺸﻬﺪا ﻻ أﻧﺴﺎﻩ أﻳﺎم ﺣﺮب اﻹﺑﺎدة اﻟﺘﻲ أﻋﻠﻨﻬﺎ‬
‫اﻟﺼﺮب ﻋﻠﻰ ﻣﺴﻠﻤﻲ اﻟﺒﻮﺳﻨﺔ‪.‬‬

‫رأﻳﺘﻪ و ﻗﺪ ﺟﺎء ﻣﺴﺮﻋﺎ ﻣﻦ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﻟﻴﺮى ﺑﻌﻴﻨﻴﻪ ﻣﺼﺎرع اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻓﻲ اﻷرض‬

‫اﻷوروﺑﻴﺔ‪ ..‬و وﻗﻒ ﻳﺘﻠﻔﺖ ﺣﻮﻟﻪ ﻓﻲ ﺛﻘﺔ و اﻋﺘﺪاد‪.‬‬

‫أﺧﻴﺮا ﺟﺎء ﻳﻮم اﻟﻄﺮد اﻟﻨﻬﺎﺋﻲ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻣﻦ اﻷرض اﻷوروﺑﻴﺔ‪.‬‬

‫هﻜﺬا ﻧﻄﻘﺖ ﻋﻴﻨﺎﻩ‪ ..‬و إن ﻟﻢ ﺗﻨﻄﻖ ﺷﻔﺘﺎﻩ‪.‬‬

‫و ﻗﻠﺖ ﻟﻪ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻲ ﺳﺎﻋﺘﻬﺎ‪.‬‬

‫ﺑﻞ ﻟﻢ ﺗﻨﺘﻪ اﻟﻘﺼﺔ ﺑﻌﺪ ﻳﺎ ﺳﻴﺎدة اﻟﺮﺋﻴﺲ‪.‬‬

‫و ﻗﺪ اﻧﺘﻬﺖ ﺣﻴﺎة ﻣﻴﺘﺮان و ﻣﺎت ﺑﺎﻟﺴﺮﻃﺎن‪.‬‬

‫و ﻟﻢ ﺗﻨﺘﻪ اﻟﻘﺼﺔ ﺑﻞ ﺗﻌﺪدت ﻓﺼﻮﻻ‪ ..‬ﻓﺸﺎهﺪﻧﺎ ﻟﻬﺎ ﻓﺼﻼ ﺛﺎﻧﻴﺎ ﻓﻲ ﺣﺮب آﻮﺳﻮﻓﺎ ﺛﻢ ﻓﺼﻼ‬
‫ﺛﺎﻟﺜﺎ ﻓﻲ ﺣﺮب اﻟﺸﻴﺸﺎن ﺗﺨﻮﺿﻬﺎ روﺳﻴﺎ ﺑﺘﻤﻮﻳﻞ أﻣﺮﻳﻜﻲ و ﻣﺴﺎﻧﺪة إﺳﺮاﺋﻴﻠﻴﺔ و ﺳﻜﻮت‬
‫أوروﺑﻲ‪.‬‬

‫و اﻟﺤﺮب ﻣﻌﻠﻨﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻓﻲ آﻞ ﻣﻜﺎن هﺬﻩ اﻷﻳﺎم‪.‬‬

‫و ﻟﻠﺸﻴﻄﺎن أﻋﻮان ﻣﻦ ﺷﻴﺎﻃﻴﻦ اﻹﻧﺲ ﺑﻼ ﻋﺪد‪.‬‬

‫و ﷲ ﺷﻬﺪاء ﻳﺨﺘﺎرهﻢ آﻞ ﻳﻮم ﻟﻴﺰﻳﻦ ﺻﺪورهﻢ ﺑﺄوﺳﻤﺔ اﻟﺒﻄﻮﻟﺔ‪.‬‬

‫و اﻟﺤﺮب ﻣﺴﺘﻤﺮة‪ ..‬و ﺳﻮف ﺗﺘﻌﺪد ﻓﺼﻮﻻ إﻟﻰ ﺁﺧﺮ اﻟﺰﻣﺎن‪ ..‬ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﻨﺰل ﺳﺘﺎر اﻟﺨﺘﺎم‪ ..‬و‬
‫ﺗﻌﻠﻦ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﻓﻲ ﻣﺸﻬﺪ ﺟﺎﻣﻊ هﻮ ﻳﻮم اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ‪.‬‬

‫و أﻋﺘﺮف ﺑﺄﻧﻲ ﺷﺪﻳﺪ اﻟﻔﻀﻮل ﻟﺮؤﻳﺔ اﻟﺴﻴﺪ ﻣﻴﺘﺮان ﺳﺎﻋﺘﻬﺎ‪ ..‬ﺷﺪﻳﺪ اﻟﻔﻀﻮل ﻟﻤﺎ ﺳﻴﻘﻮل‪..‬‬
‫آﻤﺎ زﻋﻤﻔﻴﺤﺪﻳﺜﻪ اﻟﻜﻮﻣﻴﺪي ﻓﻲ اﻟﺘﻠﻴﻔﺰﻳﻮن‪..Sorry.. .‬هﻞ ﺳﻴﻘﻮل ﻟﺮب اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ‬

‫ﻟﻴﺮﺣﻤﻨﺎ اﷲ ﺟﻤﻴﻌﺎ‪..‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪175‬‬
 ‫ﻓﻬﺬا ﻣﺸﻬﺪ ﻳﺸﻖ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺒﺎﺑﺮة‪..‬‬

‫ﻓﻤﺎ ﺑﺎل اﻟﻀﻌﻔﺎء أﻣﺜﺎﻟﻨﺎ‪.‬‬

‫و ﻣﺎ زﻟﺖ أﻋﺠﺐ آﻴﻒ ﻗﺎﻟﻬﺎ‪ ..‬ﺑﻬﺬﻩ اﻟﺒﺴﺎﻃﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ‪.‬‬

‫إﻧﻪ ﻗﻄﻌﺎ ﻟﻢ ﻳﺘﺼﻮر أﻧﻪ ﻳﺘﺤﺪث ﻋﻦ واﻗﻊ ﺳﻴﻘﻊ‪ ..‬و ﻟﻢ ﻳﺨﻄﺮ ﺑﺒﺎﻟﻪ أﺑﺪا أﻧﻪ ﺳﻮف ﻳﺤﺪث‬
‫آﻤﺎ ﺗﺮوي اﻟﻜﺘﺐ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ‪.‬‬

‫و اﻷوروﺑﻲ اﻟﻌﺎدي ﻳﻔﺘﺢ ﻓﻤﻪ ﻓﻲ دهﺸﺔ إذا ﻗﻠﺖ ﻟﻪ إﻧﻪ ﺳﻮف ﻳﻘﻮم ﻣﻦ اﻟﻤﻮت ﻟﻴﻘﻒ ﺑﻴﻦ‬
‫ﻳﺪي اﷲ‪ ..‬رب اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ‪..‬‬

‫و ﻟﻮ أﻧﻪ أﻳﻘﻦ ﺑﺬﻟﻚ و ﺁﻣﻦ ﺑﻪ‪ ..‬ﻟﻤﺎ آﺎن هﻨﺎك اﺳﺘﻌﻤﺎر‪ ..‬و ﻟﻤﺎ آﺎﻧﺖ هﻨﺎك ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺠﺎزر‬
‫اﻟﺒﺸﻌﺔ و اﻹﺑﺎدة اﻟﻤﻨﻈﻤﺔ اﻟﺘﻲ زاوﻟﻬﺎ اﻟﺮﺟﻞ اﻷﺑﻴﺾ ﻓﻲ ﺣﺮوﺑﻪ ﻣﻊ اﻟﺴﻮد ﻓﻲ أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ و‬
‫ﺁﺳﻴﺎ‪ ..‬و ﻣﻊ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻓﻲ آﻞ ﻣﻜﺎن‪..‬‬

‫و إﻧﻤﺎ اﻟﻈﻠﻢ آﺎن ﻳﻤﻸ ﺻﻔﺤﺎت اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻟﻴﻘﻴﻦ اﻟﻈﺎﻟﻤﻴﻦ ﺑﺄﻧﻪ ﻻ ﻗﻴﺎم ﺑﻌﺪ اﻟﻤﻮت و ﻻ ﺣﺴﺎب‬
‫و ﻻ ﻣﺴﺎءﻟﺔ‪.‬‬

‫و اﻟﻜﺒﺎر آﻠﻬﻢ ﻇﻨﻮا أﻧﻬﻢ ﻻ ﻳﻤﻮﺗﻮن و ﻻ ﻳﺤﺎﺳﺒﻮن‪ ..‬و اﻟﺬﻳﻦ ﺧﻄﺮ ﻟﻬﻢ أﻧﻬﻢ ﻳﻤﻜﻦ أن‬
‫ﻳﻤﻮﺗﻮا آﺎن ﻳﻘﻴﻨﻬﻢ أن اﷲ ﺳﻴﺒﻌﺜﻬﻢ ﻣﻠﻮآﺎ‪ ..‬و أن ﺟﻨﺔ اﻵﺧﺮة ﻟﻬﻢ‪ ..‬آﻤﺎ آﺎﻧﺖ ﺟﻨﺔ اﻟﺪﻧﻴﺎ‬
‫ﻟﻬﻢ‪ ..‬و ﺷﻴﻄﺎﻧﻬﻢ ﺻﻨﻊ ﻟﻬﻢ ذﻟﻚ اﻟﻮهﻢ و أﻗﻨﻌﻬﻢ ﺑﻪ‪.‬‬

‫و آﺎن ﻗﺪﻣﺎء اﻟﻤﺼﺮﻳﻴﻦ أآﺜﺮ ﻣﻦ ﺁﻣﻦ ﺑﺎﻟﺒﻌﺚ و اﻟﺤﺴﺎب و اﻟﻤﻴﺰان‪.‬‬

‫و ﻟﻬﺬا آﺎن اﻟﻤﺼﺮﻳﻮن أآﺜﺮ اﻟﺸﻌﻮب إﻧﺴﺎﻧﻴﺔ‪.‬‬

‫إﻧﻪ إﻓﻚ ﻗﺪﻳﻢ ﻗﺪم اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﺣﻜﺎﻳﺔ إﻧﻜﺎر اﻟﻨﺎس ﻟﻠﺒﻌﺚ‪.‬‬

‫و أآﺜﺮ اﻟﺸﻌﻮب ﺗﻘﺪﻣﺎ و أﻗﻮاهﺎ ﺑﺄﺳﺎ آﺎﻧﺖ أآﺜﺮهﺎ آﻔﺮا‪..‬‬

‫و هﻜﺬا آﺎن ﻇﻦ ﺟﺎﺟﺎرﻳﻦ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺧﺮج ﻣﻦ ﺟﻮ اﻷرض إﻟﻰ اﻟﻔﻀﺎء‪ ..‬و آﺎﻧﺖ أول رﺳﺎﻟﺔ‬
‫أرﺳﻠﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﺸﻌﺐ اﻟﺮوﺳﻲ‪ ..‬أﻧﺎ ﻓﻲ ﻓﻀﺎء ﺑﻼ ﻧﻬﺎﻳﺔ‪ ..‬ﻻ وﺟﻮد ﻷﺣﺪ هﻨﺎ ﻏﻴﺮي‪ ..‬و ﻟﻢ‬
‫أﺟﺪ اﷲ‪ ..‬و ﺣﻴﺜﻤﺎ أﺗﻠﻔﺖ ﻻ أﺟﺪ إﻟﻬﺎ‪ ..‬ﻻ أﺣﺪ ﺳﻮاي‪ ..‬و رددت أﺑﻮاق اﻹذاﻋﺔ اﻟﺸﻴﻮﻋﻴﺔ ﻓﻲ‬
‫ﻣﻮﺳﻜﻮ ﻟﻔﻮرهﺎ‪ ..‬أن ﺟﺎﺟﺎرﻳﻦ ﺟﺎء ﺑﺎﻟﺨﺒﺮ اﻟﻴﻘﻴﻦ و أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺠﺪ إﻟﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎوات‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪176‬‬
 ‫هﻞ ﺗﺼﻮر ﺟﺎﺟﺎرﻳﻦ أﻧﻪ ﺳﻴﺠﺪ اﷲ ﻓﻲ ﺷﺮف اﺳﺘﻘﺒﺎﻟﻪ و أن ﻣﻮﺳﻴﻘﻰ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ﺳﻮف‬
‫ﺗﻌﺰف ﻟﻪ اﻟﺴﻼم اﻟﻤﻠﻜﻲ‪.‬‬

‫و ﻗﺪ ﻣﺎت ﺟﺎﺟﺎرﻳﻦ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺑﺸﻬﻮر ﻓﻲ ﺣﺎدث ﺗﺼﺎدم‪ ..‬ﻟﻴﺲ ﻓﻲ اﻟﻔﻀﺎء‪ ..‬و ﻟﻜﻦ ﻓﻲ‬
‫اﻷرض‪ ..‬و ﻓﻲ أزﻗﺔ ﻣﻮﺳﻜﻮ آﺄي آﻠﺐ ﺿﺎل‪ ..‬و رأى ﺳﺎﻋﺘﻬﺎ ﻣﺎ آﺎن ﻳﻨﻜﺮﻩ‪ ..‬و ﻟﻜﻦ ﺑﻌﺪ‬
‫ﻓﻮات اﻷوان‪ ..‬ﺑﻌﺪ أن أﺻﺎب ﻟﺴﺎﻧﻪ اﻟﺨﺮس و ﺗﻮﻗﻒ ﻗﻠﺒﻪ ﻋﻦ اﻟﺨﻔﻘﺎن‪ ..‬و دﻓﻦ ﻣﻊ ﺳﺮﻩ‬
‫ﻓﻲ ﻇﻼم اﻟﻨﺴﻴﺎن‪.‬‬

‫و ﺳﻴﻈﻞ ﻣﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﻤﻮت ﻃﻼﺳﻢ و ﻇﻨﻮﻧﺎ و ﻏﻴﻮﺑﺎ ﻣﻐﻴﺒﺔ‪.‬‬

‫و ﻟﻦ ﻳﻜﺸﻒ اﻟﺴﺮ إﻻ ﺑﻌﺪ أن ﻳﻐﻠﻖ اﻟﺒﺎب اﻟﺪاﺋﺮي ﺧﻠﻒ آﻞ ﻣﺮﺗﺤﻞ و ﻳﺴﺘﺤﻴﻞ اﻟﺘﻮاﺻﻞ‬
‫ﺑﻴﻨﻪ و ﺑﻴﻦ أﺣﺪ ﻣﻦ اﻷﺣﻴﺎء‪ ..‬و ﻓﻲ ﻇﻼم اﻟﻮﺣﺪة اﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﺳﻮف ﺗﺘﺠﻠﻰ ﻟﻪ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ و ﺳﻮف‬
‫ﻳﺮى آﻞ ﺷﻲء‪ ..‬و ﺳﺎﻋﺘﻬﺎ ﻟﻦ ﻳﻨﻔﻊ اﻟﻨﺪم‪ ..‬ﻓﻜﺘﺎب اﻷﻋﻤﺎل أﻏﻠﻖ‪ ..‬و ﺣﻴﺎﺗﻪ اﻧﺘﻬﺖ‪ ..‬و ﻣﺎ‬
‫ﺑﻘﻰ ﺳﻮف ﺗﺘﻘﻄﻊ ﻟﻪ ﻧﻴﺎط اﻟﻘﻠﻮب‪.‬‬

‫و اﻟﻮﻳﻞ ﻟﻤﻦ ﻻ ﻳﻔﻬﻢ‪.‬‬

‫إن اﷲ ﻣﻮﺟﻮد ﻟﻴﺲ ﻷن اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻳﺆﻣﻨﻮن ﺑﻮﺟﻮدﻩ و ﻟﻜﻦ ﻷﻧﻪ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻣﻄﻠﻘﺔ أزﻟﻴﺔ ﻻ ﻣﻌﻨﻰ‬
‫ﻟﺸﻲء ﺑﺪوﻧﻬﺎ‪.‬‬

‫اﷲ هﻮ ﺳﺮ اﻟﺠﻤﺎل و اﻟﺮﺣﻤﺔ و اﻟﻤﻮدة و اﻟﺤﺮﻳﺔ و اﻟﺤﻴﺎة‪.‬‬

‫و أﺳﻤﺎؤﻩ اﻟﺤﺴﻨﻰ ﻣﻄﺒﻮﻋﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻮردة و ﻋﻠﻰ إﺷﺮاﻗﺔ اﻟﻔﺠﺮ و ﻋﻠﻰ اﺑﺘﺴﺎﻣﺔ اﻟﻮﻟﻴﺪ و‬
‫ﻋﻠﻰ إﻃﻼﻟﺔ اﻟﺮﺑﻴﻊ و ﻋﻠﻰ آﻔﺘﻲ اﻟﻤﻴﺰان و ﻋﻠﻰ ﺻﻮﻟﺠﺎن اﻟﺤﻜﻢ‪ ..‬ﻓﻬﻮ اﻟﻌﺪل اﻟﺤﻜﻢ‪ ..‬و‬
‫ﺑﺪوﻧﻪ ﻳﺴﺘﺤﻴﻞ اﻟﻌﺪل و ﺗﺴﺘﺤﻴﻞ اﻟﺮﺣﻤﺔ و ﻳﻨﻄﻤﺲ اﻟﻜﻮن و ﻳﻈﻠﻢ ﻓﻬﻮ ﻧﻮر اﻟﺴﻤﺎوات و‬
‫اﻷرض‪.‬‬

‫و هﻮ اﻟﺬي ﻳﻤﺴﻚ اﻟﺴﻤﺎوات و اﻷرض أن ﺗﺰوﻻ و ﻟﺌﻦ زاﻟﺘﺎ إن أﻣﺴﻜﻬﻤﺎ ﻣﻦ أﺣﺪ ﻣﻦ‬
‫ﺑﻌﺪﻩ‪.‬‬

‫إن اﻟﺪﻳﻦ ﻳﺒﺪأ ﺑﻪ‪ ..‬و اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺗﻨﺘﻬﻲ إﻟﻴﻪ‪ ..‬و اﻟﻌﻘﻞ ﻳﺘﻮﻗﻒ ﻋﻨﺪﻩ‪ ..‬ﻓﻼ آﻴﻒ و ﻻ آﻢ و ﻻ أﻳﻦ‬
‫و ﻻ ﻣﺘﻰ‪!!.‬‬

‫و إﻧﻤﺎ‪ ..‬هﻮ‪..‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪177‬‬
 ‫و ﻻ إﻟﻪ إﻻ هﻮ‪..‬‬

‫و ﻻ ﻳﻤﻠﻚ اﻟﻌﻘﻞ إﻻ اﻟﺴﺠﻮد‪ ..‬و ﻻ ﺗﻤﻠﻚ اﻟﻌﻴﻦ إﻻ اﻟﺒﻜﺎء ﻧﺪﻣﺎ‪.‬‬

‫رﻓﻌﺖ اﻷﻗﻼم و ﺟﻔﺖ اﻟﺼﺤﻒ‪.‬‬

‫اﺳﺄﻟﻮا ﻟﻨﺎ و ﻷﻧﻔﺴﻜﻢ اﻟﺮﺣﻤﺔ‪..‬‬

‫و اﻟﺘﻤﺴﻮا ﻟﻨﺎ و ﻷﻧﻔﺴﻜﻢ اﻟﻨﺠﺎة‪.‬‬

‫ﻟﻢ ﻳﺒﻖ إﻻ اﻟﺘﻮﺳﻞ‪..‬‬

‫)) اﻻﺳﺘﻌﻤﺎر اﻟﻠﻐﻮي ((‬

‫اﻟﻼﻓﺘﺎت و أﺳﻤﺎء اﻟﻤﺤﻼت ﻓﻲ اﻟﺸﺎرع اﻟﻤﺼﺮي ﺗﻜﺎد ﺗﺨﺘﻔﻲ ﻣﻨﻬﺎ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ و ﺣﻴﺜﻤﺎ‬
‫ذهﺒﺖ ﺑﻌﻴﻨﻴﻚ ﻻ ﺗﺮى إﻻ أﺳﻤﺎء ﻓﺮﻧﺴﻴﺔ أو إﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ أو إﻳﻄﺎﻟﻴﺔ‪ ..‬ﻋﻠﻰ اﻟﻴﻤﻴﻦ و ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟﻴﺴﺎر ﻏﺰو ﺛﻘﺎﻓﻲ ﻣﻜﺘﺴﺢ‪ ..‬أوﺗﻴﻞ آﻮﻧﺘﻴﻨﻨﺘﺎل‪ ..‬رﺳﺘﻮران أورﻳﻨﺘﺎل‪ ..‬ﺑﻮﺗﻴﻚ ﺷﺎرم‪ ..‬ﺑﻴﺘﺰا‬
‫اﻳﻄﺎﻟﻴﺎﻧﻮ‪ ..‬ﻋﺼﻴﺮ ﻣﺎدوﻧﺎ‪ ..‬ﺣﻠﻮاﻧﻲ دﻟﻴﺸﺲ‪ ..‬آﺎﻓﻴﻪ آﺎﺑﻮﺗﺸﻴﻨﻮ‪ ..‬ﺁﻳﺲ آﺮﻳﻢ ﺗﺎون‪ ..‬آﻮﻳﻚ‬
‫ﻓﻮد‪ ..‬آﻮاﻓﻴﺮ روﻣﺎﻧﺘﻴﻚ‪ ..‬ﻋﺠﻼﺗﻲ آﻮﻳﻚ رن‪ ..‬ﻣﻴﻜﺎﻧﻴﻜﻲ ﺳﺘﺎﻧﺪرد‪ ..‬ﺳﺮاﻳﺮ هﺎي ﻻﻳﻒ‪..‬‬
‫ﺗﺮزي ﺷﻴﻚ‪ ..‬أزﻳﺎء ﻣﻮدرﻧﺎ‪ ..‬اﻟﺦ‪ ..‬اﻟﺦ‪ ..‬و ﻻ ﺗﺠﺪ هﺬا أﺑﺪا ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ‪ ..‬و إﻧﻤﺎ ﺗﺠﺪ‬
‫اﻷﺳﻤﺎء اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ و اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﻔﺼﺤﻰ‪ ..‬ﻣﺴﺠﺪ اﻟﺮﺣﻤﺔ‪ ..‬و ﻣﺴﺠﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ‪ ..‬و ﻣﺴﺠﺪ‬
‫اﻟﺘﻘﻮى‪ ..‬و ﻣﺴﺠﺪ اﻟﺮﺿﻮان‪ ..‬و ﻣﺴﺠﺪ ﻗﺒﺎء‪ ..‬و ﻣﺴﺠﺪ ﻣﺤﻤﻮد‪ ..‬و ﻣﺴﺠﺪ اﻟﺘﻮﺑﺔ‪ ..‬و ﻣﺴﺠﺪ‬
‫اﻟﻤﻐﻔﺮة‪..‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪178‬‬
 ‫اﻹﺳﻼم هﻮ اﻟﺬي ﺣﻔﻆ هﻮﻳﺔ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ‪ ..‬و هﻮ اﻟﺬي ﻣﺎزال ﻳﻀﺒﻂ اﻟﻨﻄﻖ اﻟﻌﺮﺑﻲ‪ ..‬و ﻓﻲ‬
‫هﺬﻩ اﻟﻔﻮﺿﻰ ﻣﻦ اﻟﺘﻔﺮﻧﺞ و اﻹﻏﺘﺮاب آﺎن اﻟﻤﺴﺠﺪ هﻮ ﻣﺆﺷﺮ اﻷﺻﺎﻟﺔ و اﻟﺤﺎﻓﻆ ﻟﻠﻄﺎﺑﻊ و‬
‫اﻟﻤﻴﺮاث اﻟﻌﺮﺑﻲ‪.‬‬

‫و ﻣﺎ زﻟﺖ أﻋﺘﻘﺪ أن اﻟﺪﻳﻦ هﻮ اﻟﺬي ﺣﻔﻆ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻣﻦ اﻟﻀﻴﺎع و اﻻﻧﺴﻼخ و اﻟﺘﻠﻮن ﺑﺎﻟﻠﻮن‬
‫اﻟﺬي أرادﻩ اﻟﻤﺴﺘﻌﻤﺮون‪.‬‬

‫و آﺎن ﻣﻦ ﻧﺘﻴﺠﺔ هﺬا اﻟﻌﺎﻣﻞ اﻟﺪﻳﻨﻲ اﻟﻀﺎﺑﻂ ﻟﻺﻳﻘﺎع‪ ..‬أن ﺣﺪث اﻟﻌﻜﺲ و رأﻳﻨﺎ اﻟﻤﺴﺘﻌﻤﺮ‬
‫هﻮ اﻟﺬي ﻳﺘﻠﻮن ﺑﺎﻟﻠﻮن اﻟﻌﺮﺑﻲ و ﻳﺘﺸﺮب اﻟﺬوق اﻟﻤﺼﺮي و ﻳﺘﻌﻠﻢ اﻟﻠﻬﺠﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ و‬
‫اﻟﻨﻜﺘﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ و اﻷآﻠﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪179‬‬
 ‫))اﻟﺸﻴﻄﺎن ﻳﺤﻜﻢ((‬
‫د‪ .‬ﻣﺼﻄﻔﻰ ﻣﺤﻤﻮد‬

‫أﻓﻴﻮن هﺬا اﻟﺰﻣﺎن‬

‫ﺗﺘﺒﺎرى أﺟﻬﺰة اﻟﺘﻠﻴﻔﺰﻳﻮن و اﻹذاﻋﺔ و اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ و ﺻﻔﺤﺎت اﻟﻤﺠﻼت و اﻟﺠﺮاﺋﺪ ﻋﻠﻰ ﺷﻲء‬
‫واﺣﺪ ﺧﻄﻴﺮ هﻮ ﺳﺮﻗﺔ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻪ‪ .‬ﺷﺪ ﻋﻴﻨﻴﻪ و أذﻧﻴﻪ و أﻋﺼﺎﺑﻪ و أﺣﺸﺎﺋﻪ ﻟﻴﺠﻠﺲ‬
‫ﻣﺘﺴﻤﺮا آﺎﻟﻤﺸﺪوﻩ أﻣﺎم اﻟﺘﻠﻴﻔﺰﻳﻮن أو اﻟﺮادﻳﻮ أو اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ‪ ،‬و ﻗﺪ ﺗﺨﺪرت أﻋﺼﺎﺑﻪ ﺗﻤﺎﻣﺎ‪،‬‬
‫آﺄﻧﻪ أﺧﺬ ﺑﻨﺠﺎ آﻠﻴﺎ و راح ﻳﺴﺒﺢ ﺑﻌﻴﻨﻴﻪ ﻣﻊ اﻟﻤﺴﻠﺴﻠﺔ‪ ،‬و ﻳﻜﺪ ذهﻨﻪ ﻣﺘﺴﺎﺋﻼ‪ :‬ﻣﻦ اﻟﻘﺎﺗﻞ‪ ،‬و‬
‫ﻣﻦ اﻟﻬﺎرب‪ .‬و ﺑﻴﻦ ﻗﺎهﺮ اﻟﺠﻮاﺳﻴﺲ‪ ،‬و رﻳﺘﺸﺎرد آﺎﻣﺒﻞ‪ ،‬و اﻷﻓﻴﺸﺎت اﻟﻌﺎرﻳﺔ ﻓﻲ‬
‫اﻟﻤﺠﻼت‪ ،‬و اﻟﻌﻨﺎوﻳﻦ اﻟﺼﺎرﺧﺔ ﻓﻲ اﻟﺠﺮاﺋﺪ ﻳﻨﺘﻬﻲ اﻟﻴﻮم و اﻟﻠﻴﻠﺔ‪ ،‬و ﻳﻌﻮد اﻟﻮاﺣﺪ إﻟﻰ‬
‫ﻓﺮاﺷﻪ و هﻮ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﺧﻮاء و ﻓﺮاغ و ﺗﻮﺗﺮ داﺧﻠﻲ ﻣﺠﻬﻮل اﻟﺴﺒﺐ‪ ،‬و ﺣﺰن دﻓﻴﻦ آﺄﻧﻪ ﻟﻢ‬
‫ﻳﻌﺶ ذﻟﻚ اﻟﻴﻮم ﻗﻂ‪.‬‬

‫و اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻌﺶ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ‪ ،‬و أن ﺣﻖ اﻟﺤﻴﺎة ﺳﻠﺐ ﻣﻨﻪ‪ ،‬و أﻧﻪ ﺳﻠﺐ ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻪ‪ ،‬و أﺧﺮج‬
‫ﻋﻨﻮة و أﻟﻘﻲ ﺑﻪ ﻓﻲ ﻣﻐﺎﻣﺮات ﻋﺠﻴﺒﺔ ﻣﻀﺤﻜﺔ‪ ،‬و ﺗﺴﺎؤﻻت ﻻ ﺗﻬﻤﻪ ﻋﻠﻰ اﻹﻃﻼق‪ .‬ﻣﻦ‬
‫اﻟﺬي ﻗﺘﻞ ﺷﻬﻴﺮة هﺎﻧﻢ! و ﻟﻤﺎذا ﺗﺨﻮن آﻠﻮدﻳﺎ آﺎردﻳﻨﺎﻟﻲ زوﺟﻬﺎ ﻓﻲ رواﻳﺔ )) اﻟﺬﺋﺐ ﻓﻲ‬
‫ﻓﺮاﺷﻲ (( ؟ و أﻳﻦ اﻟﻜﻨﺰ ﻓﻲ ﻣﺴﻠﺴﻠﺔ ﻋﺒﻴﺪ اﻟﺬهﺐ؟ و أﻳﻦ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻓﻲ رواﻳﺔ ارﺣﻤﻨﻲ ﻳﺎ‬
‫ﺣﺒﻴﺒﻲ؟‬

‫و ﻳﻤﺮ اﻟﻴﻮم ﺗﻠﻮ اﻟﻴﻮم‪ .‬و ﺗﻈﻞ هﺬﻩ اﻷﺟﻬﺰة ﺗﻘﻮم ﺑﻤﺎ ﻳﺸﺒﻪ اﻟﻌﺎدة اﻟﺴﺮﻳﺔ ﻟﻠﻤﺘﻔﺮﺟﻴﻦ‪ ،‬و‬
‫ﺗﻐﺮﻗﻬﻢ ﻓﻲ ﻧﺸﻮات ﻣﻔﺘﻌﻠﺔ إﻟﻰ درﺟﺔ اﻟﺘﻌﺐ‪ ،‬ﺛﻢ ﺗﻠﻘﻲ ﺑﻬﻢ إﻟﻰ اﻟﻔﺮاش ﺁﺧﺮ اﻟﻠﻴﻞ ﻣﻨﻬﻮآﻲ‬
‫اﻷﺣﺎﺳﻴﺲ‪ ،‬ﻻ ﻳﺪري اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﺎذا ﺑﻪ ﺑﺎﻟﻀﺒﻂ‪ .‬ﻟﻤﺎذا ﻳﺸﻌﺮ ﺑﺄﻧﻪ ﻣﺠﻮف ﺗﻤﺎﻣﺎ‪ .‬و أﻧﻪ ﻻ‬
‫ﻳﻌﻴﺶ أﺑﺪا‪ ،‬و أﻧﻪ ﻻ ﻳﻘﻮل ﻣﺎ ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﻘﻮﻟﻪ‪ ،‬و ﻻ ﻳﺴﻤﻊ ﻣﺎ ﻳﺮﻳﺪ ان ﻳﺴﻤﻌﻪ‪ ،‬و إﻧﻤﺎ هﻮ‬
‫ﻳﺮﺑﻂ ﻓﻲ أرﺟﻮﺣﺔ ﺗﻈﻞ ﺗﺪور ﺑﻪ دوراﻧﺎ ﻣﺤﻤﻮﻣﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﻐﻤﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﺗﻤﺎﻣﺎ و ﻳﻨﺴﻰ ﻣﺎ آﺎن‬
‫ﻳﻔﻜﺮ ﻓﻴﻪ‪ ،‬و ﻣﺎ آﺎن ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﻘﻮﻟﻪ‪ ،‬و ﻣﺎ آﺎن ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﺴﻤﻌﻪ‪ ،‬و ﻣﺎ آﺎن ﻳﻤﻸ ﻣﻨﻪ اﻟﻘﻠﺐ و‬
‫اﻟﻌﻘﻞ‪ .‬و ﻳﺘﺤﻮل إﻟﻰ ﺣﻴﻮان أﻋﺠﻢ ﻣﺮﺑﻮط اﻟﻌﻘﻞ و اﻹﺣﺴﺎس إﻟﻰ هﺬﻩ اﻷﺟﻬﺰة اﻟﻐﺮﻳﺒﺔ‬
‫اﻟﺘﻲ ﺗﻔﺘﻌﻞ ﻟﻪ ﺣﻴﺎة آﻠﻬﺎ آﺬب ﻓﻲ آﺬب‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪180‬‬
 ‫و هﺬﻩ اﻟﻈﺎهﺮة ﻇﺎهﺮة ﻋﺎﻟﻤﻴﺔ‪ ،‬ﺑﻞ هﻲ ﻣﻦ ﺳﻤﺎت هﺬا اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻤﺎدي اﻟﻤﻴﻜﺎﻧﻴﻜﻲ اﻟﺬي‬
‫ﺗﺤﻮﻟﺖ ﻓﻴﻪ أﺟﻬﺰة اﻹﻋﻼم إﻟﻰ أدوات ﻟﻠﻘﺘﻞ اﻟﺠﻤﺎﻋﻲ‪.‬‬
‫و هﻮ ﻧﻮع ﻣﻦ اﻟﻘﺘﻞ اﻟﺠﻤﻴﻞ اﻟﺮاﺋﻊ‪ .‬ﺗﺨﻨﻖ ﻓﻴﻪ اﻟﻌﻘﻮل ﺑﺤﺒﺎل ﻣﻦ ﺣﺮﻳﺮ‪ ،‬و ﺗﺨﻨﻖ اﻟﺨﻴﺎﻻت‬
‫ﺑﺎﻟﻌﻄﻮر اﻟﻔﻮاﺣﺔ‪ .‬و ﺗﺨﺎط ﻓﻴﻪ اﻟﺸﻔﺎﻩ ﺑﺠﺪاﺋﻞ ﻣﻦ ﺷﻌﺮ ﺑﺮﻳﺠﻴﺖ ﺑﺎردو‪ ،‬و أرﺳﻮﻻ اﻧﺮس‪.‬‬
‫و آﻠﻤﺎ زادت ﻣﻘﺎوﻣﺔ اﻟﻤﺘﻔﺮج ﻟﻬﺬا اﻷﻓﻴﻮن زاد اﻟﻤﺨﺮﺟﻮن ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺎﺣﺔ اﻟﻌﺎرﻳﺔ اﻟﻤﺴﻤﻮح‬
‫ﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﺻﺪر اﻟﻤﻤﺜﻠﺔ و ﻣﻦ ﺳﺎﻗﻴﻬﺎ‪ ،‬و ﺳﻜﺒﻮا آﻤﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﺪم أآﺜﺮ ﻓﻲ رواﻳﺎﺗﻬﻢ‪ ،‬و آﻤﻴﺔ ﻣﻦ‬
‫اﻟﺒﺘﺮول اﻟﻤﺸﺘﻌﻞ أآﺜﺮ ﻋﻠﻰ أﻋﺼﺎب اﻟﻨﺎس‪.‬‬

‫و ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﻨﻔﺠﺮ اﻷﻋﺼﺎب ﻓﻲ ﻇﻮاهﺮ ﻣﺘﺸﺎﺑﻬﺔ ﻣﺜﻞ ﻇﺎهﺮة اﻟﺨﻨﺎﻓﺲ و اﻟﻬﻴﺒﺰ‪ ،‬و رﻗﺼﺎت‬
‫اﻟﺠﺮك اﻟﻤﺠﻨﻮﻧﺔ‪ ،‬و أدب اﻟﺴﺎﺧﻄﻴﻦ و اﻟﻐﺎﺿﺒﻴﻦ و اﻟﻼﻋﻨﻴﻦ‪ ،‬ﻓﻬﻲ داﺋﻤﺎ ﻧﺘﺎﺋﺞ ذﻟﻚ اﻟﺒﺨﺎر‬
‫اﻟﻤﻀﻐﻮط ﻓﻲ ﺟﻤﺎهﻴﺮ اﻟﺸﺒﺎب اﻟﺘﻲ ﻗﻀﻲ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺄن ﺗﻌﻴﺶ أﺳﻴﺮة ﻋﻨﻜﺒﻮت اﻹﻋﻼم‪ ،‬و‬
‫اﻷﺧﻄﺒﻮط ذي اﻷﻟﻒ اﺳﻢ‪ .‬اﻹذاﻋﺔ و اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ و اﻟﺠﺮاﺋﺪ‪ .‬ذﻟﻚ اﻟﺴﺠﻦ ذي اﻟﻘﻀﺒﺎن اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ‬
‫ﻣﻦ اﻷذرع اﻟﻌﺎرﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﻼت و اﻟﺮواﻳﺎت ﻟﺘﻌﻴﺶ ﻣﻌﺰوﻟﺔ ﻋﻦ ﻣﻌﺮآﺔ اﻟﻤﺼﻴﺮ و ﻋﻦ‬
‫اﻹدﻻء ﺑﺮأي ﻓﻲ ﻣﺄﺳﺎة اﻟﺤﻴﺎة و اﻟﻤﻮت اﻟﺘﻲ ﺗﺠﺮي ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺎﺣﺔ اﻟﻌﺎﻟﻢ آﻞ ﻳﻮم‪.‬‬

‫و ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﺪور اﻟﻜﻼم ﻋﻦ ﻋﻘﺎر اﻟﻬﻠﻮﺳﺔ و اﻟﻤﺎرﻳﺠﻮاﻧﺎ‪ ،‬و اﻟﺤﺸﻴﺶ‪ ،‬و اﻟﻬﻴﺮوﻳﻦ‪ ،‬و‬
‫اﻟﻜﻮآﺎﻳﻴﻦ‪ ،‬و اﻟﻌﺼﺎﺑﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺮوﺟﻪ‪ ،‬ﻓﺈﻧﻬﻢ ﻳﻨﺴﻮن داﺋﻤﺎ ﻣﺨﺪرات أآﺜﺮ اﻧﺘﺸﺎرا و أﺧﻄﺮ‬
‫أﺛﺮا‪.‬‬

‫ﻣﺨﺪرات ﺗﺪﺧﻞ آﻞ ﺑﻴﺖ ﻣﻦ ﺗﺤﺖ ﻋﻘﺐ اﻟﺒﺎب‪ ،‬و ﺗﻘﺘﺤﻢ ﻋﻠﻰ آﻞ واﺣﺪ ﻏﺮﻓﺔ ﻧﻮﻣﻪ‪ ،‬و‬
‫ﺗﺰاﺣﻢ إﻓﻄﺎر اﻟﺼﺒﺎح إﻟﻰ ﻣﻌﺪﺗﻪ و ﻓﻨﺠﺎن اﻟﺸﺎي إﻟﻰ ﺷﻔﺘﻴﻪ‪ .‬ﺗﻠﻚ هﻲ وﺳﺎﺋﻞ اﻹﻋﻼم اﻟﺘﻲ‬
‫ﺗﻜﺎﺗﻔﺖ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﺎ – ﺑﺘﻌﺎﻗﺪ ﻏﻴﺮ ﻣﻜﺘﻮب – ﻋﻠﻰ أن ﺗﻘﺘﻞ اﻟﻨﺎس ﺑﻘﺘﻞ وﻗﺘﻬﻢ‪ ،‬و ﺗﻤﻴﺘﻬﻢ‬
‫ﺑﺎﻟﻀﺤﻚ و اﻹﺛﺎرة و اﻟﻨﻜﺘﺔ اﻟﺒﺬﻳﺌﺔ‪ ،‬و ﺗﻠﻚ اﻟﻜﻠﻤﺔ اﻟﻐﺎﻣﻀﺔ اﻟﻠﺬﻳﺬة اﻟﺘﻲ اﺳﻤﻬﺎ اﻟﺘﺴﻠﻴﺔ‪.‬‬

‫و ﺗﺤﺖ ﺷﻌﺎر ﻗﺘﻞ اﻟﻮﻗﺖ ﻳﻘﺘﻞ اﻹﻧﺴﺎن‪ ،‬و ﻳﺮاق دم اﻟﻠﺤﻈﺎت‪ ،‬و ﻳﺴﻔﻚ اﻟﻌﻤﺮ‪ ،‬ﻓﻤﺎ اﻟﻌﻤﺮ‬
‫ﻓﻲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ إﻻ وﻗﺖ ﻣﺤﺪود‪ .‬و ﻣﺎ اﻹﻧﺴﺎن إﻻ ﻓﺴﺤﺔ زﻣﻨﻴﺔ ﻋﺎﺑﺮة إذا ﻗﺘﻠﺖ ﻟﻢ ﻳﺒﻘﻰ ﻣﻦ‬
‫اﻹﻧﺴﺎن أي ﺷﻲء‪.‬‬

‫و ﻣﺴﺌﻮﻟﻴﺔ آﻞ ﻣﻔﻜﺮ و آﺎﺗﺐ أن ﻳﺨﺮج ﻋﻠﻰ اﻟﺨﻂ‪ ،‬و ﻳﺘﻤﺮد ﻋﻠﻰ هﺬا اﻹﺗﻔﺎق ﻏﻴﺮ‬
‫اﻟﻤﻜﺘﻮب ﺑﻘﺘﻞ اﻟﻮﻗﺖ ﻓﻲ ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﺷﺮﻳﻔﺔ ﻹﺣﻴﺎء وﻗﺖ اﻟﻨﺎس ﺑﺘﺜﻘﻴﻔﻬﻢ و ﺗﻌﻠﻴﻤﻬﻢ و اﻟﺒﺤﺚ‬
‫ﻋﻦ اﻟﺤﻖ‪ ،‬ﻻ ﻋﻦ اﻟﺘﺴﻠﻴﺔ و إﺷﺮاك اﻟﻨﺎس ﻓﻲ ﻣﺄﺳﺎة ﻣﺼﻴﺮهﻢ‪ ،‬و إﻋﺎدة آﻞ واﺣﺪ إﻟﻰ‬
‫ﻧﻔﺴﻪ و ﻗﺪ ازداد ﺛﺮاء و وﻋﻴﺎ ﻻ ﺳﻠﺒﻪ ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻪ و ﺳﺮﻗﺘﻪ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺗﻪ‪ ،‬و رﻓﻊ ﺷﻌﺎرات‬
‫اﻟﺤﺮﻳﺔ ﻟﺘﻔﺴﺢ اﻟﺮوح اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻋﻦ ﻣﻜﻨﻮﻧﻬﺎ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪181‬‬
 ‫ﻋﻠﻰ وﺳﺎﺋﻞ اﻹﻋﻼم أن ﺗﺘﺤﻮل ﻣﻦ أﻓﻴﻮن إﻟﻰ ﻣﻨﺒﻪ ﻳﻔﺘﺢ اﻟﻌﻴﻮن و اﻷﺣﺎﺳﻴﺲ ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ‪ ،‬و ﻳﺪﻋﻮ آﻞ ﻗﺎرئ إﻟﻰ وﻟﻴﻤﺔ اﻟﺮأي و ﻳﺪﻋﻮ آﻞ ﻋﻘﻞ ﻣﻌﻄﻞ إﻟﻰ ﻣﺎﺋﺪة اﻟﻔﻜﺮ‪،‬‬
‫ﻓﺘﻜﻮن آﺮﺣﻠﺔ ﺗﺤﺸﺪ اﻟﺤﻤﺎس ﻋﻨﺪ آﻞ ﻣﺤﻄﺔ ﺗﻘﻒ ﻋﻨﺪهﺎ ﻻ آﺨﻴﻤﺔ ﻟﻠﻐﺎز اﻟﻤﺴﻴﻞ اﻟﺪﻣﻮع‬
‫ﻣﻀﺮوﺑﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎس أو ﻗﻨﺎﺑﻞ دﺧﺎن ﺗﻄﻠﻖ ﻟﻠﺘﻌﻤﻴﺔ‪.‬‬

‫إن ﺣﻀﺎرة اﻹﻧﺴﺎن و ﺗﺎرﻳﺨﻪ و ﻣﺴﺘﻘﺒﻠﻪ رهﻦ آﻠﻤﺔ ﺻﺪق و ﺻﺤﻴﻔﺔ ﺻﺪق و ﺷﻌﺎر‬
‫ﺻﺪق‪ .‬ﻓﺒﺎﻟﺤﻖ ﻧﻌﻴﺶ‪ ،‬و ﻟﻴﺲ ﺑﺎﻟﺨﺒﺰ وﺣﺪﻩ أﺑﺪا‪.‬‬

‫و إذا آﺎن اﻟﺴﺆال اﻟﻤﻄﺮوح اﻵن‪:‬‬

‫ﻣﺎ هﻲ ﺻﺤﺎﻓﺔ اﻟﻴﻮم؟‬
‫ﻓﻬﺄﻧﺬا أﻗﻮل ﻟﻜﻢ اﻟﺠﻮاب‪:‬‬

‫أن ﻧﻘﻮل اﻟﺤﻖ‪.‬‬

‫و أن ﻧﻘﻮل اﻟﺠﺪ‪.‬‬

‫و أن ﻧﻘﻮل اﻟﻤﻔﻴﺪ و اﻟﻨﺎﻓﻊ و اﻟﺼﺤﻴﺢ‪.‬‬

‫و أن ﻧﺤﻴﻲ وﻗﺖ اﻟﻘﺎرئ ﻻ أن ﻧﻘﺘﻞ وﻗﺘﻪ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪182‬‬
 ‫اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ‬

‫ﻗﻞ ﻟﻲ ﻓﻴﻢ ﺗﻔﻜﺮ أﻗﻞ ﻟﻚ ﻣﻦ أﻧﺖ‪.‬‬

‫هﻞ أﻧﺖ ﻣﺸﻐﻮل ﺑﺠﻤﻊ اﻟﻤﺎل و اﻣﺘﻼك اﻟﻌﻘﺎرات و ﺗﻜﺪﻳﺲ اﻷﺳﻬﻢ و اﻟﺴﻨﺪات؟ أم ﻣﺸﻐﻮل‬
‫ﺑﺎﻟﺘﺴﻠﻖ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻨﺎﺻﺐ و ﺟﻤﻊ اﻟﺴﻠﻄﺎت و اﻟﺘﺤﺮك ﻓﻲ ﻣﻮآﺐ ﻣﻦ اﻟﺨﺪم و اﻟﺤﺸﻢ و‬
‫اﻟﺴﻜﺮﺗﻴﺮات؟ أم أن آﻞ هﻤﻚ اﻟﺤﺮﻳﻢ و ﻣﻮاﺋﺪ اﻟﻤﺘﻊ و ﻟﺬات اﻟﺤﻮاس و آﻞ ﻏﺎﻳﺘﻚ أن‬
‫ﺗﻜﻮن ﻟﻚ اﻟﻘﻮة و اﻟﺴﻄﻮة و اﻟﻐﻨﻰ و اﻟﻤﺴﺮات‪..‬‬

‫إذا آﺎن هﺬا هﻤﻚ ﻓﺄﻧﺖ ﻣﻤﻠﻮك و ﻋﺒﺪ‪.‬‬

‫ﻣﻤﻠﻮك ﻷﻃﻤﺎﻋﻚ و ﺷﻬﻮاﺗﻚ‪ ،‬و ﻋﺒﺪ ﻟﺮﻏﺒﺎﺗﻚ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺷﺒﻊ ﻟﻬﺎ و ﻻ ﻧﻬﺎﻳﺔ‪.‬‬
‫ﻓﺎﻟﻤﻌﻨﻰ اﻟﻮﺣﻴﺪ ﻟﻠﺴﻴﺎدة هﻮ أن ﺗﻜﻮن ﺳﻴﺪا ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻚ أوﻻ ﻗﺒﻞ أن ﺗﺤﺎول أن ﺗﺴﻮد ﻏﻴﺮك‪.‬‬
‫أن ﺗﻜﻮن ﻣﻠﻜﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻤﻠﻜﺔ ﻧﻔﺴﻚ‪ .‬أن ﺗﺘﺤﺮر ﻣﻦ أﻏﻼل ﻃﻤﻌﻚ و ﺗﻘﺒﺾ ﻋﻠﻰ زﻣﺎم‬
‫ﺷﻬﻮﺗﻚ‪.‬‬

‫و اﻟﻘﺎﺑﺾ ﻋﻠﻰ زﻣﺎم ﺷﻬﻮﺗﻪ‪ ،‬اﻟﻤﺘﺤﺮر ﻣﻦ ﻃﻤﻌﻪ و ﻧﺰواﺗﻪ و أهﻮاﺋﻪ ﻻ ﻳﻜﻮن ﺧﻴﺎﻟﻪ‬
‫ﻣﺴﺘﻌﻤﺮة ﻳﺤﺘﻠﻬﺎ اﻟﺤﺮﻳﻢ و اﻟﻜﺄس و اﻟﻄﺎس‪ ،‬و اﻟﻔﺪادﻳﻦ و اﻷﻃﻴﺎن و اﻟﻌﻤﺎرات‪ ،‬و‬
‫اﻟﻤﻨﺎﺻﺐ و اﻟﺴﻜﺮﺗﻴﺮات‪.‬‬

‫اﻹﻧﺴﺎن اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻻ ﻳﻔﻜﺮ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺘﻲ ﻳﺮﺗﻤﻲ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻃﻐﻤﺔ اﻟﻨﺎس‪.‬‬

‫و هﻮ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﺼﺒﺢ ﺳﻴﺪا ﺑﺄن ﻳﻜﻮن ﻣﻤﻠﻮآﺎ‪ ،‬و ﻻ ﻳﺒﻠﻎ ﺳﻴﺎدة ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﻋﺒﻮدﻳﺔ‪ .‬و ﻻ‬
‫ﻳﻨﺤﻨﻲ آﻤﺎ ﻳﻨﺤﻨﻲ اﻟﺪهﻤﺎء و ﻳﺴﻴﻞ ﻟﻌﺎﺑﻪ أﻣﺎم ﻟﻘﻤﺔ أو ﺳﺎق ﻋﺮﻳﺎن أو ﻣﻨﺼﺐ ﺷﺎﻏﺮ‪ .‬ﻓﻬﺬﻩ‬
‫ﺳﻜﺔ اﻟﻨﺎزل ﻻ ﺳﻜﺔ اﻟﻄﺎﻟﻊ‪.‬‬

‫و هﺆﻻء ﺳﻜﺎن اﻟﺒﺪروم ﺣﺘﻰ و ﻟﻮ آﺎﻧﺖ أﺳﻤﺎؤهﻢ ﺑﺸﻮات و ﺑﻜﻮات‪ ،‬و ﺣﺘﻰ و ﻟﻮ آﺎﻧﺖ‬
‫أﻟﻘﺎﺑﻬﻢ‪ ،‬أﺻﺤﺎب اﻟﻌﺰة و اﻟﺴﻌﺎدة‪.‬‬

‫ﻓﺎﻟﻌﺰة اﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ هﻲ ﻋﺰة اﻟﻨﻔﺲ ﻋﻦ اﻟﺘﺪﻧﻲ و اﻟﻄﻠﺐ‪.‬‬

‫و ﻣﻤﻜﻦ أن ﺗﻜﻮن رﺟﻼ ﺑﺴﻴﻄﺎ‪ ،‬ﻻ ﺑﻚ‪ ،‬و ﻻ ﺑﺎﺷﺎ‪ ،‬و ﻻ ﺻﺎﺣﺐ ﺷﺄن‪ ،‬و ﻟﻜﻦ ﻣﻊ ذﻟﻚ ﺳﻴﺪا‬
‫ﺣﻘﻴﻘﻴﺎ‪ ،‬ﻓﻴﻚ ﻋﺰة اﻟﻤﻠﻮك و ﺟﻼل اﻟﺴﻼﻃﻴﻦ‪ ،‬ﻷﻧﻚ اﺳﺘﻄﻌﺖ أن ﺗﺴﻮد ﻣﻤﻠﻜﺔ ﻧﻔﺴﻚ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪183‬‬
 ‫و ﺳﺎﻋﺘﻬﺎ ﺳﻮف ﻳﻌﻄﻴﻚ اﷲ اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎس‪ .‬و ﻳﻤﻨﺤﻚ ﺻﻮﻟﺠﺎن اﻟﻤﺤﺒﺔ ﻋﻠﻰ آﻞ‬
‫اﻟﻘﻠﻮب‪.‬‬

‫اﻧﻈﺮ إﻟﻰ ﻏﺎﻧﺪي اﻟﻌﺮﻳﺎن‪ ..‬اﻟﺒﺴﻴﻂ‪ ..‬آﻢ ﺑﻠﻎ ﺳﻠﻄﺎﻧﻪ؟‬

‫آﺎن ﻳﻬﺪد ﺑﺎﻟﺼﻮم ﻓﻴﺠﺘﻤﻊ ﻣﺠﻠﺲ اﻟﻌﻤﻮم اﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻲ ﻣﻦ اﻟﺨﻮف و آﺄن ﻗﻨﺒﻠﺔ زﻣﻨﻴﺔ ﺳﺘﻘﻊ‬
‫ﻋﻠﻰ ﻟﻨﺪن‪ .‬و آﺎن ﻳﺠﻤﻊ أرﺑﻌﻤﺎﺋﺔ ﻣﻠﻴﻮن هﻨﺪي ﻋﻠﻰ آﻠﻤﺔ ﻳﻘﻮﻟﻬﺎ‪ .‬و آﺄﻧﻬﺎ اﻟﺴﺤﺮ‪.‬‬

‫هﺬا هﻮ اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ‪.‬‬

‫هﺬا هﻮ اﻟﻤﻠﻚ اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ اﻟﺬي ﻻ ﻳﺰول‪.‬‬

‫اﻟﺤﺮﻳﻢ و اﻟﻘﺼﻮر و اﻟﻜﻨﻮز و اﻟﺜﺮوات و اﻟﻌﻤﺎرات ﻣﺼﻴﺮهﺎ إﻟﻰ زوال‪.‬‬

‫ﻟﻦ ﺗﺄﺧﺬهﺎ ﻣﻌﻚ إﻟﻰ ﺗﺎﺑﻮﺗﻚ‪ .‬ﺳﻮف ﺗﻨﺘﻘﻞ إﻟﻰ اﻟﻮرﺛﺔ‪ ..‬ﺛﻢ إﻟﻰ ورﺛﺔ ﺁﺧﺮﻳﻦ‪ ،‬ﺛﻢ ﺗﺼﺒﺢ‬
‫ﺧﺮاﺋﺐ ﻣﻊ اﻟﺰﻣﻦ‪.‬‬

‫أﻣﺎ ﻣﺤﺒﺔ اﻟﻤﻼﻳﻴﻦ ﻓﺴﻮف ﺗﺼﺎﺣﺒﻚ ﻓﻲ ﺗﺎﺑﻮﺗﻚ و ﺗﻈﻞ ﻋﻠﻤﺎ ﻋﻠﻰ اﺳﻤﻚ ﻣﺪى اﻟﺪهﺮ‪ .‬آﻤﺎ‬
‫ﺗﻔﻮح اﻟﺬآﺮى ﻋﻄﺮة ﺗﻀﻮع ﺑﺎﻟﺸﺬا آﻠﻤﺎ ﺟﺎء اﺳﻢ ﻏﺎﻧﺪي ﻋﻠﻰ اﻷﻟﺴﻦ‪.‬‬

‫اﻟﻐﻨﻰ اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ أن ﺗﺴﺘﻐﻨﻲ‪.‬‬

‫و اﻟﻤﻠﻜﻴﺔ اﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ أﻻ ﻳﻤﻠﻜﻚ أﺣﺪ‪ ،‬و أﻻ ﺗﺴﺘﻮﻟﻲ ﻋﻠﻴﻚ رﻏﺒﺔ‪ ،‬و أﻻ ﺗﺴﻮﻗﻚ ﻧﺰوة‪.‬‬
‫و اﻟﺴﻠﻄﻨﺔ اﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ أن ﺗﻜﺴﺐ ﻗﻴﺮاط ﻣﺤﺒﺔ ﻓﻲ دوﻟﺔ اﻟﻘﻠﻮب آﻞ ﻳﻮم‪.‬‬

‫ﺗﺬآﺮ أن اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻤﻠﻜﻮن اﻷرض ﺗﻤﻠﻜﻬﻢ‪ .‬و اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻤﻠﻜﻮن اﻟﻤﻼﻳﻴﻦ‪ ،‬ﺗﺴﺨﺮهﻢ اﻟﻤﻼﻳﻴﻦ‪ ،‬ﺛﻢ‬
‫ﺗﺠﻌﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﻋﺒﻴﺪا ﻟﺘﻜﺜﻴﺮهﺎ‪ ،‬ﺛﻢ ﺗﻘﺘﻠﻬﻢ ﺑﺎﻟﻀﻐﻂ و اﻟﺬﺑﺤﺔ و اﻟﻘﻠﻖ‪ .‬ﺛﻢ ﻻ ﻳﺄﺧﺬون ﻣﻌﻬﻢ‬
‫ﻣﻠﻴﻤﺎ‪.‬‬

‫ﺻﺪﻗﻨﻲ هﺆﻻء هﻢ اﻟﻔﻘﺮاء ﺣﻘﺎ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪184‬‬
 ‫ﻣﻦ أﻳﻦ ﺗﻨﺒﻊ اﻟﺴﻌﺎدة‬

‫ﻣﻨﺬ أﻟﻒ ﺳﻨﺔ آﺎن اﻟﺴﻔﺮ إﻟﻰ اﻟﻴﻤﻦ ﻋﻠﻰ اﻷﻗﺪام ﻳﺤﺘﺎج إﻟﻰ أﻋﻮام‪ .‬ﻳﺤﻤﻞ اﻟﻤﺴﺎﻓﺮ ﺧﻴﻤﺘﻪ و‬
‫زادﻩ و زوادﻩ و زآﺎﺋﺐ اﻟﺘﻤﺮ و اﻟﺒﻠﺢ و اﻟﺨﺒﺰ اﻟﻤﻜﺴﺮ و ﻳﺘﻮآﻞ ﻋﻠﻰ اﷲ‪.‬‬

‫و ﺑﻴﻦ اﻟﻔﻴﺎﻓﻲ و اﻟﺠﺒﺎل و اﻟﻮهﺎد و اﻷﺣﺮاش ﻳﻄﻞ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻤﻮت ﻣﻦ أﻧﻴﺎب ذﺋﺐ ﺟﻮﻋﺎن‪،‬‬
‫أو ﻗﺎﻃﻊ ﻃﺮﻳﻖ ﻣﺘﺮﺑﺺ‪ ،‬أو ﺣﺮ ﻻﻓﺢ ﻳﻘﺼﻢ اﻟﻈﻬﺮ‪ ،‬أو ﺑﺮد ﻗﺎرص ﻳﺜﻠﺞ اﻟﻌﻈﺎم‪ ..‬ﻓﺈذا‬
‫وﺻﻞ ﺳﺎﻟﻤﺎ ﻓﻬﻮ ﻗﺪ وﻟﺪ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ‪ ،‬و هﻲ اﻟﻔﺮﺣﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺪاﻧﻴﻬﺎ ﻓﺮﺣﺔ‪.‬‬

‫و اﻟﻤﻠﻴﻮﻧﻴﺮ ﻋﻠﻰ أﻳﺎﻣﻬﺎ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﻤﺘﺎز ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻌﻠﻮك إﻻ ﻓﻲ اﻟﺨﻴﻮل اﻟﻤﻄﻬﻤﺔ‪.‬‬

‫آﺎن اﻟﻔﺮس هﻮ اﻟﺴﻴﺎرة اﻟﺘﻲ ﺗﺨﺘﺼﺮ اﻷﻋﻮام ﻓﻲ ﺷﻬﻮر‪ ،‬و آﺎﻧﺖ هﺬﻩ هﻲ ﺳﺮﻋﺔ اﻟﺒﺮق‬
‫زﻣﺎن‪.‬‬

‫و ﻋﺮﻓﻨﺎ اﻟﺴﻔﻦ اﻟﺸﺮاﻋﻴﺔ ﻟﻨﻨﺘﻘﻞ ﻣﻦ أهﻮال اﻟﺒﺮ إﻟﻰ أهﻮال اﻟﺒﺤﺮ‪.‬‬

‫ﻳﻘﻠﻊ اﻟﻤﺴﺎﻓﺮ ﻓﻴﻤﺴﻚ ﺑﺄﻧﻔﺎﺳﻪ و ﻗﺪ أدرك أﻧﻪ أﺳﻠﻢ ﻧﻔﺴﻪ إﻟﻰ ﻏﻮل ﻻ ﻳﻌﺮف اﻟﺮﺣﻤﺔ‪ .‬ﻓﺈذا‬
‫وﺻﻞ إﻟﻰ ﺑﺮ اﻷﻣﺎن دﻗﺖ ﻟﻪ اﻟﻄﺒﻮل و اﻟﻤﺰاﻣﻴﺮ‪ ،‬و اﺳﺘﻘﺒﻠﺘﻪ اﻷﺣﻀﺎن‪ ،‬و ﺳﺠﺪ ﷲ ﺷﻜﺮا‬
‫ﻣﻦ ﻓﺮﺣﺔ اﻟﻮﺻﻮل‪.‬‬

‫أﻣﺎ اﻟﻴﻮم ﻓﻨﺤﻦ ﻧﻘﻄﻊ اﻟﻤﺴﺎﻓﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﻘﺎهﺮة و أﺳﻮان ﻓﻲ ﺳﺎﻋﺎت ﺑﺎﻟﻘﻄﺎر‪ ،‬و ﻧﺸﻌﺮ ﻃﻮل‬
‫اﻟﻮﻗﺖ ﺑﺎﻟﻤﻠﻞ و اﻟﻀﺠﺮ و اﻟﺒﻂء‪ ،‬و ﻧﻨﻈﺮ إﻟﻰ ﺳﺎﻋﺎﺗﻨﺎ‪ ،‬ﺣﺘﻰ إذا وﺻﻠﻨﺎ ﺳﺎﻟﻤﻴﻦ ﺑﺪأﻧﺎ ﻧﺴﺐ‬
‫و ﻧﻠﻌﻦ ﻷﻧﻨﺎ ﺗﺄﺧﺮﻧﺎ ﻧﺼﻒ ﺳﺎﻋﺔ‪.‬‬

‫و ﻧﺮآﺐ اﻟﻄﺎﺋﺮة اﻟﻨﻔﺎﺛﺔ ﻟﻨﺼﻞ إﻟﻰ ﺑﻴﺮوت ﻓﻲ دﻗﺎﺋﻖ‪ ،‬و ﻧﺸﻜﻮ ﻣﺮ اﻟﺸﻜﻮى ﻷن اﻟﻀﺒﺎب‬
‫و اﻟﻌﻮاﺻﻒ أﺧﺮت وﺻﻮﻟﻨﺎ ﻋﺸﺮ دﻗﺎﺋﻖ‪.‬‬

‫و ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻧﺴﺎﻓﺮ ﻏﺪا ﺑﺎﻟﺼﻮارﻳﺦ إﻟﻰ اﻟﻤﺮﻳﺦ ﺳﻮف ﻧﻜﻮن أآﺜﺮ ﻣﻠﻼ و ﺗﻌﺠﻼ و ﺳﻨﻘﻮل‪ :‬ﻣﺎ‬
‫هﺬﻩ اﻟﺼﻮارﻳﺦ اﻟﻠﻜﻊ؟ أﻻ ﻳﻌﺮﻓﻮن ﻓﻲ ﻣﺼﻠﺤﺔ اﻟﺼﻮارﻳﺦ ﻗﻴﻤﺔ اﻟﻮﻗﺖ؟‬

‫و ﺳﻮف ﺗﺘﻀﺎﻋﻒ ﻗﻴﻤﺔ اﻟﻮﻗﺖ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ‪.‬‬

‫ﺳﺘﻜﻮن اﻟﺴﺎﻋﺔ آﺎﻓﻴﺔ ﻟﻠﺪوران ﺣﻮل اﻟﻌﺎﻟﻢ‪ ،‬و ﺳﻴﻜﻮن اﻟﺸﻬﺮ ﻣﻬﻠﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻟﺠﻮﻟﺔ ﻓﻲ‬
‫اﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ اﻟﺸﻤﺴﻴﺔ‪.‬‬
‫و ﺳﻮف ﺗﺰداد اﻹﻣﻜﺎﻧﻴﺎت‪ ،‬و ﻟﻜﻦ ﺳﻮف ﺗﺘﻀﺎءل اﻟﺴﻌﺎدة‪.‬‬
‫و آﻠﻤﺎ ازدادت اﻹﻣﻜﺎﻧﻴﺎت ازداد اﻟﻄﻤﻊ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪185‬‬
 ‫و آﻠﻤﺎ ازدادت اﻟﺴﺮﻋﺔ ازدادت اﻟﻌﺠﻠﺔ‪.‬‬

‫و آﻠﻤﺎ ازداد اﻟﺘﺮف ازدادت اﻟﺸﻜﻮى‪.‬‬

‫ﺗﻤﺎﻣﺎ ﻣﺜﻞ ﺣﻜﺎﻳﺔ اﻟﻐﻨﻲ اﻟﺬي ﻳﺰداد ﻃﻤﻌﺎ آﻠﻤﺎ ازداد ﺛﺮاء‪.‬‬
‫و هﺬا ﺷﺄن اﻟﻤﻜﺎﺳﺐ اﻟﻤﺎدﻳﺔ‪ ،‬آﻠﻤﺎ ازدادت ازداد اﻻﻓﺘﻘﺎر إﻟﻴﻬﺎ و إﻟﻰ اﻟﻤﺰﻳﺪ ﻣﻨﻬﺎ‪ ،‬و‬
‫ﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ازدادت اﻟﺘﻌﺎﺳﺔ‪.‬‬

‫ﻷن اﻟﺴﻌﺎدة ﻣﻮﻃﻨﻬﺎ اﻟﻘﻠﺐ و ﻟﻴﺲ اﻟﺠﻴﺐ‪ ،‬و ﻻ ﻋﺒﺮة ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺎزدﻳﺎد اﻹﻣﻜﺎﻧﻴﺎت اﻟﻤﺎدﻳﺔ‪.‬‬

‫اﻟﺴﻌﺎدة ﺗﻨﺒﻊ ﻣﻦ اﻟﻀﻤﻴﺮ‪ .‬و ﻣﻦ ﻋﻼﻗﺔ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﻨﻔﺴﻪ و ﻋﻼﻗﺘﻪ ﺑﺎﷲ و هﻲ ﻓﻲ أﺻﻠﻬﺎ‬
‫ﺷﻌﻮر دﻳﻨﻲ و ﻟﻴﺴﺖ ﺷﻌﻮرا ﻣﺎدﻳﺎ‪.‬‬

‫و هﻲ ﺗﻨﺒﻊ ﻣﻦ إﺣﺴﺎس اﻹﻧﺴﺎن ﺑﺄﻧﻪ ﻟﻴﺲ وﺣﺪﻩ و أن اﷲ ﻣﻌﻪ‪ ،‬و أن اﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﺗﺤﻮﻃﻪ و‬
‫اﻹﻟﻬﺎم اﻟﺨﻴﺮ ﻳﺴﻌﻔﻪ‪ ،‬و أﻧﻪ ﻳﻘﻮم ﺑﻜﻞ واﺟﺒﺎﺗﻪ‪.‬‬

‫و ﻟﻬﺬا ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻨﺘﺤﺮ ﻣﻠﻴﻮﻧﻴﺮ ﻳﻤﻠﻚ ﺑﺎﺧﺮة و ﻃﺎﺋﺮة و ﻋﺪة ﻣﻼﻳﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﺪوﻻرات ﻓﻲ‬
‫ﺣﻴﻦ ﺗﺠﺪ اﻟﺮاهﺐ اﻟﺬي ﻳﻌﻴﺶ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﻔﺎف ﻳﻀﻲء وﺟﻬﻪ ﺑﺴﻜﻴﻨﺔ داﺧﻠﻴﺔ ﻻ ﺣﺪ ﻟﻬﺎ‪ ،‬و‬
‫ﻳﺴﺎرع إﻟﻰ ﻧﺠﺪة اﻵﺧﺮﻳﻦ ﻓﻲ ﻣﺤﺒﺔ و ﺳﻌﺎدة‪ ،‬ﻷﻧﻪ ﻳﺆﻣﻦ ﺑﺄن ﻟﻠﺤﻴﺎة ﻣﻌﻨﻰ و ﺣﻜﻤﺔ‪ ،‬و أﻧﻬﺎ‬
‫ﻟﻢ ﺗﺨﻠﻖ ﻋﺒﺜﺎ‪ ،‬و إﻧﻤﺎ ﺧﻠﻘﻬﺎ اﻟﻌﺎدل اﻟﺮﺣﻴﻢ‪.‬‬

‫ﺑﻌﺾ اﻟﺘﻮاﺿﻊ‬

‫ﻧﺤﻦ ﻓﻲ ﻋﺼﺮ اﻟﻌﻠﻢ ﻣﺎ ﻓﻲ ذﻟﻚ ﺷﻚ‪ .‬ﺻﻮارﻳﺦ‪ ..‬ﻃﺎﺋﺮات‪ ..‬أﻗﻤﺎر ﺻﻨﺎﻋﻴﺔ‪ ..‬أدﻣﻐﺔ‬
‫إﻟﻴﻜﺘﺮوﻧﻴﺔ‪..‬‬

‫و ﻧﺤﻦ ﻓﻲ ﻋﺼﺮ اﻟﺠﻬﻞ ﻣﺎ ﻓﻲ ذﻟﻚ ﺷﻚ‪ .‬ﻓﻜﻞ هﺬﻩ اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ و اﻻﺧﺘﺮاﻋﺎت اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ‬
‫ﻧﺴﺘﺨﺪﻣﻬﺎ ﻓﻲ ﻗﺘﻞ أﻧﻔﺴﻨﺎ و ﻓﻲ اﻟﺘﺠﺴﺲ ﻋﻠﻰ أﻧﻔﺴﻨﺎ‪.‬‬

‫و اﻟﺬي ﻻ ﻳﻘﺘﻞ ﻳﻘﻮل ﻓﻲ ﻏﺮور‪ .‬أﻧﺎ اﻟﺬي ﺳﻮف أﺳﺒﻖ إﻟﻰ اﻟﻘﻤﺮ‪ ..‬أﻧﺎ ﺷﻌﺐ اﷲ اﻟﻤﺨﺘﺎر‪..‬‬
‫أﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﺣﻖ و اﻵﺧﺮ ﻋﻠﻰ ﺑﺎﻃﻞ‪ ..‬أﻧﺎ أﺑﻴﺾ‪ ..‬أﻧﺎ ﺟﻨﺲ ﺁري‪ ..‬أﻧﺎ ﺟﻨﺲ ﺳﺎﻣﻲ‪..‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪186‬‬
 ‫و ﺑﻴﻦ اﻟﻐﺮور و اﻻﺳﺘﻌﻼء و اﻟﻜﺒﺮﻳﺎء و اﻟﻌﺪوان ﻳﻀﻴﻊ اﻟﻌﻠﻢ‪ ،‬و ﻳﻔﺘﻀﺢ اﻟﻌﻠﻢ‪ ،‬ﻓﺈذا هﻮ‬
‫ﺗﻔﺎﺧﺮ اﻟﺠﻬﻼء ﺑﻤﺎ ﻳﺼﻨﻌﻮن ﻣﻦ ﻟﻌﺐ أﻃﻔﺎل‪.‬‬

‫و أﺟﻬﻞ اﻟﺠﻬﻞ أن ﻧﺠﻬﻞ أﻣﺮا ﺟﻮهﺮﻳﺎ واﺿﺤﺎ آﺎﻟﻨﻬﺎر‪.‬‬

‫أن ﻳﺠﻬﻞ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﻈﻴﻢ و اﻟﻤﺨﺘﺮع اﻟﻌﺒﻘﺮي أﻧﻪ ﻣﺨﻠﻮق‪ ..‬و أﻧﻪ ﻳﻌﻴﺶ ﻋﻠﻰ ﺳﻠﻔﺔ‪ ..‬ﻋﻠﻰ‬
‫ﻗﺮض‪ ..‬اﻟﺴﻨﻮات اﻟﻘﻠﻴﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻌﻴﺸﻬﺎ هﻲ ﻗﺮض و ﺳﻠﻔﺔ ﺑﺄﺟﻞ ﻣﺤﺪود‪ ..‬و أﻧﻪ ﻻ ﻳﻤﻠﻚ هﺬا‬
‫اﻟﻘﺮض و ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﻤﺪ ﻓﻲ أﺟﻠﻪ‪.‬‬

‫آﻞ )) ﻧﺒﻀﺔ ﻗﻠﺐ((‪ ،‬و آﻞ ﺧﻔﻘﺔ أﻧﻔﺎس‪ ،‬و آﻞ ﺧﺎﻃﺮ‪ ،‬و آﻞ ﻓﻜﺮة‪ ،‬و آﻞ ﺧﻄﻮة‪ ،‬هﻲ‬
‫ﻗﺮض‪ ..‬ﺳﻠﻔﺔ‪ ..‬هﻲ ﻗﺮش ﻳﻨﻔﻖ ﻣﻦ اﻟﺮﺻﻴﺪ‪.‬‬
‫و هﻮ رﺻﻴﺪ ﻻ ﻧﻤﻠﻜﻪ و ﻟﻢ ﻧﺒﺬل ﻓﻴﻪ ﺟﻬﺪا‪ ..‬و إﻧﻤﺎ هﻮ ﻋﻄﺎء ﻣﻄﻠﻖ أﻋﻄﻲ ﻟﻨﺎ ﻣﻨﺬ ﻟﺤﻈﺔ‬
‫اﻟﻤﻴﻼد‪.‬‬

‫اﻟﻤﺨﺘﺮع ﻻ ﻳﺨﺘﺮع و إﻧﻤﺎ ﻳﺠﻴﺌﻪ اﻟﺨﺎﻃﺮ آﻤﺎ ﻳﻨﺰل ﻧﺪى اﻟﻔﺠﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺰهﺮ‪.‬‬

‫و اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻻ ﻳﺆﻟﻒ ﻣﻦ ﻋﺪم‪ ،‬و إﻧﻤﺎ ﻳﻬﺒﻂ ﻋﻠﻴﻪ إﻟﻬﺎم اﻟﺸﻌﺮ ﻓﻴﻮرق ﻋﻘﻠﻪ آﻤﺎ ﻳﻮرق اﻟﺸﺠﺮ‬
‫ﻓﻲ اﻟﺮﺑﻴﻊ‪.‬‬
‫ﻓﻬﻞ ﻳﻤﺘﻠﻚ اﻟﺸﺠﺮ أزهﺎرﻩ أو أﻧﻬﺎ هﺒﺔ اﻟﺮﺑﻴﻊ؟‬

‫و اﻟﻌﻠﻢ ذاﺗﻪ هﺒﺔ‪.‬‬

‫اﻟﻜﻬﺮﺑﺎء ﻣﻮﺟﻮدة ﻣﻨﺬ اﻷزل ﻣﻦ ﻗﺒﻞ أن ﺗﻜﺘﺸﻒ ﺑﻤﻼﻳﻴﻦ اﻟﺴﻨﻴﻦ‪ ،‬و هﻲ اﻟﺘﻲ آﺎﻧﺖ ﺗﻀﻲء‬
‫اﻟﺴﻤﺎء ﺑﺎﻟﺒﺮوق و اﻟﺼﻮاﻋﻖ‪.‬‬

‫ﻧﺤﻦ ﻟﻢ ﻧﺨﺘﺮع اﻟﻜﻬﺮﺑﺎء و ﻟﻢ ﻧﺄت ﺑﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻬﻲ ﻣﻮﺟﻮدة‪ .‬و آﺬﻟﻚ إﺷﻌﺎع اﻟﺮادﻳﻮ و ﻃﺎﻗﺔ‬
‫اﻟﺬرة و ﻣﻐﻨﺎﻃﻴﺴﻴﺔ اﻟﺤﺪﻳﺪ‪.‬‬

‫آﻞ هﺬﻩ آﻨﻮز ﻣﻮﺟﻮدة ﺗﺤﺖ أﻳﺪﻳﻨﺎ‪..‬‬

‫و هﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﻬﺒﺎت اﻟﺘﻲ وهﺒﻨﺎهﺎ دون أن ﻧﻄﻠﺒﻬﺎ‪.‬‬

‫ﻧﺤﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء ﻻ ﻧﺪرك هﺬا و إﻧﻤﺎ ﻧﻘﻮل‪ :‬اﺧﺘﺮﻋﻨﺎ‪ .‬اﺑﺘﻜﺮﻧﺎ‪ ،‬ﺻﻨﻌﻨﺎ‪ ،‬أﻟﻔﻨﺎ‪ ،‬ﺻﻨﻔﻨﺎ‪.‬‬

‫ﺛﻢ ﻻ ﻧﺪرك ﻣﺎ هﻮ أﺧﻄﺮ و أآﺜﺮ وﺿﻮﺣﺎ و ﺑﺪاهﺔ‪ ..‬إن اﻟﻌﻤﺮ اﻟﺬي ﻧﻌﻴﺸﻪ هﻮ أﻳﻀﺎ هﺒﺔ‬
‫ﻟﻢ ﻧﻄﻠﺒﻬﺎ و ﻟﻢ ﻧﺠﺘﻬﺪ ﻓﻴﻬﺎ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪187‬‬
 ‫اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﻟﻢ ﺗﺠﺘﻬﺪ ﻟﺘﻮﻟﺪ ﺟﻤﻴﻠﺔ‪.‬‬
‫و اﻟﻘﻮي ﻟﻢ ﻳﺠﺘﻬﺪ ﻟﻴﻮﻟﺪ ﻗﻮﻳﺎ‪.‬‬
‫و اﻟﺤﺎد اﻟﺒﺼﺮ ﻟﻢ ﻳﺠﺘﻬﺪ ﻟﻴﻮﻟﺪ ﺣﺎد اﻟﺒﺼﺮ‪.‬‬
‫و ﻧﺤﻦ ﻻ ﻧﻘﻮم ﺑﺼﻴﺎﻧﺔ هﺬا اﻟﺸﻲء اﻟﻤﻌﻘﺪ اﻟﻤﻠﻐﺰ اﻟﻤﻌﺠﺰ اﻟﺬي اﺳﻤﻪ اﻟﺠﺴﺪ اﻟﺤﻲ‪ ..‬و إﻧﻤﺎ‬
‫هﻮ اﻟﺬي ﻳﻘﻮم ﺑﺼﻴﺎﻧﺔ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﺑﺄﺳﺎﻟﻴﺐ ﻣﺤﻴﺮة‪.‬‬

‫ﻧﺤﻦ ﻧﻨﻔﻖ ﻣﻦ ﺷﻴﻚ ﻻ ﻧﻤﻠﻜﻪ‪ ..‬و ﻣﻊ ذﻟﻚ ﻧﺘﺒﺠﺢ ﻃﻮل اﻟﻮﻗﺖ‪ ..‬و ﻧﻘﻮل‪ ..‬ﻧﺤﻦ اﺧﺘﺮﻋﻨﺎ‬
‫ﻧﺤﻦ ﺻﻨﻌﻨﺎ‪ ..‬ﻧﺤﻦ ﻋﺒﺎﻗﺮة‪ ..‬ﻧﺤﻦ ﻋﻈﻤﺎء‪ ..‬ﻧﺤﻦ ﻋﻠﻰ ﺣﻖ و اﻵﺧﺮون ﻋﻠﻰ ﺧﻄﺄ‪ ..‬ﻧﺤﻦ‬
‫ﺑﻴﺾ و هﻢ ﺣﻴﻮاﻧﺎت‪ ..‬ﻧﺤﻦ ﺟﻨﺲ ﺳﺎﻣﻲ و هﻢ ﺟﻨﺲ ﻣﻨﺤﻂ‪ ،‬ﺛﻢ ﻧﻘﺘﺘﻞ ﻋﻠﻰ ﺛﺮوات ﻻ‬
‫ﻧﻤﻠﻜﻬﺎ و ﻻ ﻓﻀﻞ ﻟﻨﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﺟﻤﻴﻌﺎ‪.‬‬
‫و ﻻ ﻓﻀﻞ ﻟﻨﺎ ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﺗﻜﻮﻳﻨﻨﺎ اﻟﺠﺴﻤﺎﻧﻲ‪.‬‬

‫ﻧﺤﻦ ﻣﺠﺮد ﻣﺨﻠﻮﻗﺎت ﺗﻮﻟﺪ و ﺗﻤﻮت و ﺗﻌﻴﺶ ﻋﻠﻰ هﺒﺔ ﻣﺤﺪودة ﻣﻦ اﻟﺨﺎﻟﻖ اﻟﺬي أوﺟﺪهﺎ‪،‬‬
‫و ﻟﻮ آﻨﺎ ﻧﻤﻠﻚ أﻧﻔﺴﻨﺎ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻟﻤﺎ آﺎن هﻨﺎك ﻣﻮت‪.‬‬

‫و ﻟﻜﻦ اﻟﻤﻮت هﻮ اﻟﺬي ﻳﻔﻀﺢ اﻟﻘﺼﺔ‪.‬‬

‫هﻮ اﻟﺬي ﻳﻜﺸﻒ ﻟﻨﺎ أن ﻣﺎ آﻨﺎ ﻧﻤﻠﻜﻪ ﻟﻢ ﻧﻜﻦ ﻧﻤﻠﻜﻪ‪.‬‬
‫اﻟﺸﻴﺨﻮﺧﺔ هﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﻔﻀﺢ ﺟﻤﺎل اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﻓﺈذا ﺑﺠﻤﺎﻟﻬﺎ هﺒﺔ زاﺋﺮة ﻻ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺑﺎﻗﻴﺔ‪.‬‬

‫و ﻟﻜﻨﻨﺎ ﻧﺤﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء ﻧﺠﻬﻞ هﺬﻩ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ اﻷوﻟﻴﺔ اﻟﺸﺎﺧﺼﺔ ﻣﻞء اﻟﻌﻴﻦ آﺸﻤﺲ اﻟﻨﻬﺎر‪.‬‬
‫و ﻟﻮ أدرآﻨﺎ هﺬﻩ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ اﻟﺒﺴﻴﻄﺔ ﻻﻧﺘﻬﺖ اﻟﺤﺮوب و ﺣﻞ اﻟﺴﻼم و ﻣﻸت اﻟﻤﺤﺒﺔ اﻟﻘﻠﻮب و‬
‫أﺷﺮق اﻟﺘﻮاﺿﻊ ﻟﻴﺠﻤﻊ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻓﻲ أﺳﺮة واﺣﺪة‪.‬‬

‫ﻟﻮ أدرآﻨﺎ هﺬﻩ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻻﻟﺘﻔﻔﺘﻨﺎ إﻟﺘﻔﺎﺗﺔ ﺷﻜﺮ إﻟﻰ اﻟﻮهﺎب اﻟﺬي وهﺐ‪.‬‬

‫هﻞ أﺧﻄﺊ إذا اﻋﺘﺒﺮت هﺬا اﻟﻌﺼﺮ أﻇﻠﻢ ﻋﺼﻮر اﻟﺠﺎهﻠﻴﺔ؟!‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪188‬‬
 ‫ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻐﻴﺐ‬

‫أﻧﺖ ﺗﺼﺎدف اﻟﻴﻮم ﻧﻮﻋﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﺗﺠﺪ اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﻳﺘﺄﺑﻂ آﺘﺎﺑﺎ ﺿﺨﻤﺎ ﺑﺎﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ أو‬
‫اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ‪ ،‬و ﻳﺒﺮز ﻣﻦ ﻓﻤﻪ ﺳﻴﺠﺎرا ﺿﺨﻤﺎ ﻳﻨﻔﺚ اﻟﺪﺧﺎن آﻤﺪﺧﻨﺔ ﻣﺼﻨﻊ ﻓﻲ ﻻﻧﻜﺸﻴﺮ‪ ،‬ﻓﺈذا‬
‫رﻓﻌﺖ ﻳﺪك ﺑﺎﻟﺘﺤﻴﺔ رد ﻋﻠﻴﻚ ﺑﺎﻟﻼﺗﻴﻨﻴﺔ و ﺑﻠﺴﺎن ﻣﻌﻮوج ﻳﺘﻜﻠﻢ ﺑﺮﻃﺎﻧﺔ أوروﺑﻴﺔ‪ ..‬و ﻣﻊ‬
‫اﻟﺪﺧﺎن اﻟﻤﺘﺼﺎﻋﺪ و اﻟﻔﺘﺎت اﻟﻤﺘﻨﺎﺛﺮ ﻣﻦ ﻋﺪة ﻟﻐﺎت ﻳﻘﻮل ﻟﻚ ﻓﻲ ﻧﺒﺮة آﻠﻬﺎ اﻧﺒﻌﺎج و ﺧﻴﻼء‪:‬‬
‫‪ -‬هﻞ ﻗﺮأت ﻣﺎ ﻳﻘﻮﻟﻪ ﺟﻮﺳﺘﺎف ﻟﻮﻓﺎﻓﺮ ﻓﻲ اﻟﺪﺟﻮﻣﺎﻃﻴﻘﻴﺔ و اﻟﻔﻜﺮ اﻻﺳﺘﻄﺎﻳﻘﻲ و اﻟﺘﺪهﻮر‬
‫اﻟﺮوﻣﺎﻧﻄﻴﻘﻲ و اﻻﻧﺤﺮاﻓﺎت اﻟﺴﻴﻜﻮﺑﺎﺗﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﺜﻴﻮﻗﺮاﻃﻴﺔ‪ ..‬ﻓﻲ ﻣﻠﺤﻖ ﻣﺠﻠﺔ‬
‫"اﻟﻤﻴﺘﺎﻓﻴﺰﻳﻘﺎ"‪ ..‬إﻧﻪ ﻣﻘﺎل راﺋﻊ ) و ﻳﻘﻠﺐ ﺷﻔﺘﻴﻪ(‪.‬‬

‫ﻣﺎﻟﻨﺎ ﻧﻘﻒ هﻜﺬا وﺳﻂ اﻟﻄﺮﻳﻖ‪ ..‬دﻋﻨﻲ أدﻋﻮك ﻋﻠﻰ آﺄس ﻓﻲ اﻟﻬﻮرس ﺷﻮ‪ ..‬ﺗﻌﺎل‪..‬‬
‫ﺳﻴﻜﻮن ﺣﺪﻳﺜﺎ ﻣﻤﺘﻌﺎ ﻋﻠﻰ أآﻮاب اﻟﺒﻴﺮة‪.‬‬

‫ﻓﺈذا اﻋﺘﺬرت ﻟﻪ ﺑﺄﻧﻚ ﺻﺎﺋﻢ ﺣﻤﻠﻖ ﻓﻲ دهﺸﺔ آﺄﻧﻪ ﻳﺴﺘﻤﻊ إﻟﻰ آﻼم دﻳﻨﺎﺻﻮر ﻣﻨﻘﺮض‪ ..‬و‬
‫ﻓﻐﺮ ﻓﺎﻩ ﺗﻤﺎﻣﺎ ﺛﻢ ﻗﻬﻘﻪ‪ ،‬ﺑﻞ اﻧﻔﺠﺮ ﺿﺎﺣﻜﺎ و آﺄﻧﻤﺎ ﻇﻔﺮ ﺑﻤﻌﺘﻮﻩ هﺎرب ﻟﺘﻮﻩ ﻣﻦ ﻣﺴﺘﺸﻔﻰ‬
‫اﻟﻤﺠﺎذﻳﺐ‪:‬‬
‫‪ -‬ﺗﻘﻮل إﻧﻚ ﺻﺎﺋﻢ؟‬
‫و ﻋﺎد ﻳﻘﻬﻘﻪ هﺬﻩ اﻟﻤﺮة ﻓﻲ إﺷﻔﺎق‪:‬‬
‫‪ -‬و هﻞ هﻨﺎك ﻣﻦ ﻳﺼﻮم هﺬﻩ اﻷﻳﺎم‪ ..‬هﻞ ﺗﻌﺘﻘﺪ ﺣﻘﺎ ﻓﻲ هﺬﻩ ال‪ ..‬ﺛﻢ أﺷﺎح ﺑﻴﺪﻩ اﺳﺘﺨﻔﺎﻓﺎ‪،‬‬
‫ﻓﺎﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﻻ ﺗﺴﺘﺤﻖ ﻋﻨﺪﻩ أن ﻳﺒﺤﺚ ﻟﻬﺎ ﻋﻦ اﺳﻢ‪.‬‬

‫و هﻮ ﻳﻘﺼﺪ ﻃﺒﻌﺎ هﺬﻩ اﻷدﻳﺎن‪ ..‬و اﻟﺨﺮاﻓﺎت‪ ..‬و اﻷﺳﺎﻃﻴﺮ‪.‬‬

‫‪ -‬هﻞ ﺗﺼﺪق ﺣﻘﺎ أﻧﻚ ﺳﻮف ﺗﻤﻮت ﺛﻢ ﺗﺒﻌﺚ و ﺗﺼﺤﻮ ﻣﻦ ﻗﺒﺮك و ﺗﺤﺎﺳﺐ‪ ..‬و أن هﻨﺎك‬
‫إﻟﻬﺎ؟‬

‫ﺛﻢ راح ﻳﺘﻠﻔﺖ ﺣﻮﻟﻪ ﻣﺘﺴﺎﺋﻼ‪:‬‬

‫‪ -‬أﻳﻦ هﻮ؟‬
‫ﻳﻘﺼﺪ أﻳﻦ اﷲ‪ .‬و آﺄﻧﻪ ﻳﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺳﺎﺋﻖ ﺗﺎآﺴﻲ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪189‬‬
 ‫‪ -‬أﺗﺼﺪق هﺬﻩ اﻟﻐﻴﺒﻴﺎت؟ أﻣﺎ زال هﻨﺎك ﻣﻦ ﻳﺼﺪق هﺬﻩ اﻟﻐﻴﺒﻴﺎت ﻓﻲ ﻋﺼﺮ اﻟﻨﻮر و اﻟﻌﻠﻢ؟‬
‫أﻓﻖ ﻳﺎ رﺟﻞ ﻣﻦ هﺬﻩ اﻟﺪروﺷﺔ‪ ..‬ﺗﻌﺎل‪ ..‬ﻟﺘﻜﻦ اﻟﺪﻋﻮة ﻋﻠﻰ آﺄس وﻳﺴﻜﻲ ﻻ ﺑﻴﺮة‪ ،‬وﻟﺘﻜﻦ‬
‫ﻣﻌﻬﺎ ﺷﺮﻳﺤﺔ ﻟﺤﻢ ﺧﻨﺰﻳﺮ راﺋﻌﺔ‪.‬‬
‫و ﻳﺤﻤﻞ ﻋﻠﻴﻚ ﺣﻤﻠﺔ ﺷﻌﻮاء ﺑﺠﻤﻴﻊ اﻟﻠﻐﺎت ﻟﺪرﺟﺔ ﺗﻔﻘﺪك اﻟﺘﻮازن و رﺑﻤﺎ اﻟﺜﻘﺔ ﺑﺎﻟﻨﻔﺲ‪،‬‬
‫ﻓﺘﻌﻮد ﻟﺘﺘﻌﻠﻞ ﻓﻲ ﺧﺠﻞ ﺑﺄﻧﻚ ﻣﻤﻨﻮع ﻣﻦ اﻷآﻞ و اﻟﺸﺮب ﺑﺴﺒﺐ اﻟﺘﻬﺎﺑﺎت ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺪة‪ .‬و‬
‫ﻳﺴﻮق هﻮ ﻓﻲ ﻓﻠﺴﻔﺘﻪ‪:‬‬

‫‪ -‬ﻳﺎ أﺧﻲ ﻧﺤﻦ ﻓﻲ ﻋﺼﺮ اﻟﻌﻠﻢ‪ ،‬و ﻻ ﻳﺼﺢ أن ﻧﺴﺘﺴﻠﻢ ﻟﻬﺬﻩ اﻟﻐﻴﺒﻴﺎت‪ ،‬و ﻻ ﻳﺼﺢ أن ﻧﺆﻣﻦ‬
‫ﺑﺸﻲء إﻻ إذا أﻣﺴﻜﻨﺎﻩ ﺑﺤﻮاﺳﻨﺎ اﻟﺨﻤﺲ‪ ،‬و رأﻳﻨﺎﻩ ﺑﺎﻟﻤﻴﻜﺮوﺳﻜﻮب‪ ،‬و ﺷﺎهﺪﻧﺎﻩ ﺑﺎﻟﺘﻠﺴﻜﻮب‪،‬‬
‫و رﺻﺪﻧﺎﻩ ﺑﺎﻟﺮادار‪ ،‬و اﻟﺘﻘﻄﻨﺎﻩ ﺑﺎﻟﺮادﻳﻮ‪ .‬ﻻ ﻳﺼﺢ اﻹﻳﻤﺎن ﺑﻐﻴﺐ هﺬا أﻣﺮ اﻧﺘﻬﻰ‪.‬‬
‫اﻟﻐﻴﺐ أﻣﺮﻩ اﻧﺘﻬﻰ‪ ،‬و هﻮ اﻵن ﺷﻐﻠﺔ اﻟﺴﺬج‪ ..‬هﻲ آﻠﻤﺎت ﻧﺴﻤﻌﻬﺎ اﻵن ﻋﺎدة ﻣﻦ هﺆﻻء‬
‫اﻟﻤﺜﻘﻔﻴﻦ‪.‬‬

‫و ﻟﻤﺜﻞ هﺆﻻء اﻟﻤﺜﻘﻔﻴﻦ ﻣﻦ أﺻﺤﺎب اﻟﺴﻴﺠﺎر و اﻟﻴﺎﻗﺎت اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ و اﻟﺮﻃﺎﻧﺔ اﻷوروﺑﻴﺔ أﻗﻮل‬
‫ﻓﻲ هﺪوء‪:‬‬

‫‪ -‬ﺑﻞ هﺬا اﻟﻌﺼﺮ هﻮ ﻋﺼﺮ اﻟﻐﻴﺐ‪ ..‬و اﻟﻌﻠﻢ ذاﺗﻪ هﻮ اﻋﺘﺮاف ﺑﻠﻴﻎ ﺑﺎﻟﻐﻴﺐ‪ .‬و إﻻ ﻓﻠﻴﻘﻞ ﻟﻲ‬
‫واﺣﺪ ﻣﻦ هﺆﻻء اﻟﻌﻠﻤﺎء‪ ..‬ﻣﺎ هﻲ اﻟﻜﻬﺮﺑﺎء؟ إﻧﻨﺎ ﻧﺘﻜﻠﻢ ﻋﻦ اﻟﻜﻬﺮﺑﺎء و ﻻ ﻧﻌﺮف ﻋﻨﻬﺎ إﻻ‬
‫ﺁﺛﺎرهﺎ ﻣﻦ ﺣﺮارة و ﺿﻮء و ﻣﻐﻨﺎﻃﻴﺴﻴﺔ و ﺣﺮآﺔ‪ ..‬أﻣﺎ اﻟﻜﻬﺮﺑﺎء ذاﺗﻬﺎ ﻓﻬﻲ ﻏﻴﺐ‪ .‬ﻧﺘﻜﻠﻢ‬
‫ﻋﻦ اﻹﻟﻜﺘﺮون و ﻧﻘﻴﻢ ﺻﻨﺎﻋﺎت إﻟﻜﺘﺮوﻧﻴﺔ و ﻻ ﻧﻌﺮف ﻣﺎ هﻮ اﻹﻟﻜﺘﺮون‪ ..‬ﻓﻬﻮ ﻏﻴﺐ و‬
‫ﻧﻄﻠﻖ اﻟﻤﻮﺟﺔ اﻟﻼﺳﻠﻜﻴﺔ و ﻧﺴﺘﻘﺒﻠﻬﺎ و ﻻ ﻧﻌﻠﻢ ﻋﻦ آﻨﻬﻬﺎ ﺷﻴﺌﺎ‪ .‬و هﻲ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻨﺎ ﻏﻴﺐ‪ .‬ﺑﻞ‬
‫إن اﻟﺠﺎذﺑﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺴﻚ ﺑﺎﻷرض و اﻟﺸﻤﺲ و اﻟﻜﻮاآﺐ ﻓﻲ أﻓﻼآﻬﺎ و هﻲ أوﻟﻰ اﻟﺒﺪاهﺎت‬
‫هﻲ ذروة اﻟﻐﻴﺐ‪.‬‬

‫و اﻟﻌﻠﻢ ﻻ ﻳﻌﺮف إﻻ آﻤﻴﺎت و ﻣﻘﺎدﻳﺮ و ﻋﻼﻗﺎت و ﻟﻜﻨﻪ ﻻ ﻳﻌﺮف آﻨﻪ و ﻻ ﻣﺎهﻴﺔ أي‬
‫ﺷﻲء‪.‬‬
‫أﻧﺖ ﺗﻌﺮف ﻃﻮﻟﻚ و ﻋﺮﺿﻚ و وزﻧﻚ و ﻣﻮاﺻﻔﺎﺗﻚ‪ ..‬ﻟﻜﻦ ذاﺗﻚ‪ ..‬ﻧﻔﺴﻚ‪ ..‬روﺣﻚ‪ ..‬ﻻ‬
‫ﺗﻌﺮف ﻋﻨﻬﺎ ﺷﻴﺌﺎ‪ .‬إﻧﻬﺎ ﻏﻴﺐ‪ ..‬و ﻣﻊ ذﻟﻚ هﻲ أآﺜﺮ واﻗﻌﻴﺔ ﻣﻦ أي واﻗﻊ‪.‬‬
‫و إذا آﺎن اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﺎ ﻻ ﻳﻌﺮف ذاﺗﻪ ﻓﻜﻴﻒ ﻳﺪﻋﻲ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺑﺬات اﷲ؟ و ﻣﻦ ﺑﺎب أوﻟﻰ آﻴﻒ‬
‫ﻳﻨﻔﻴﻬﺎ؟‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪190‬‬
 ‫و ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﻘﻮل اﻟﻤﻔﻜﺮ اﻟﻤﺎدي‪ .‬ﻓﻲ اﻟﺒﺪء آﺎﻧﺖ اﻟﻤﺎدة‪ ..‬ﻓﻲ اﻟﺒﺪء اﻷول ﻗﺒﻞ اﻹﻧﺴﺎن و‬
‫اﻟﺤﻴﻮان و اﻟﻨﺒﺎت‪ ..‬أﻻ ﻳﻜﻮن آﻼﻣﻪ هﻮ اﻟﺠﺮأة ﺑﻌﻴﻨﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﻄﻘﺔ زﻣﻨﻴﺔ هﻲ اﻟﻐﻴﺐ‬
‫اﻟﻤﻄﻠﻖ‪.‬‬
‫و ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﻘﻮل‪ :‬ﻧﻀﺤﻲ ﺑﺎﻟﺠﻴﻞ اﻟﻤﻮﺟﻮد ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺟﻴﻞ ﻟﻢ ﻳﻮﻟﺪ ﺑﻌﺪ‪ ..‬أﻻ ﻳﻜﻮن ﻣﻌﻨﻰ آﻼﻣﻪ‬
‫اﻟﺘﻀﺤﻴﺔ ﺑﺎﻟﻮاﻗﻊ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻐﻴﺐ؟‬

‫ﺻﺪﻗﻮﻧﻲ ﻧﺤﻦ ﻓﻲ ﻋﺼﺮ اﻟﻐﻴﺐ ﺑﻞ ﻟﻸﺳﻒ ﻧﺤﻦ ﻓﻲ ﻋﺼﺮ اﻟﺰﻧﻰ ﺑﺎﻟﻐﻴﺐ‪ ،‬و اﻟﺪﻋﺎرة‬
‫ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ ﻋﻠﻰ ﻳﺪ أﺻﺤﺎب اﻟﺴﻴﺠﺎر و اﻟﻴﺎﻗﺎت اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ‪ ،‬و اﻟﺮﻃﺎﻧﺔ اﻷوروﺑﻴﺔ‪.‬‬

‫اﻟﺬي ﺷﻨﻖ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺴﻠﻚ اﻟﻜﻬﺮﺑﺎء‬

‫روﺳﻴﺎ و أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺘﻘﺘﺎ و ﺗﺼﺎﻓﺤﺘﺎ ﻓﻲ اﻟﻔﻀﺎء و ﻟﻢ ﺗﺴﺘﻄﻴﻌﺎ أن ﺗﻠﺘﻘﻴﺎ ﻋﻠﻰ اﻷرض‪.‬‬

‫اﻹﻧﺴﺎن ﻗﻄﻊ رﺑﻊ ﻣﻠﻴﻮن ﻣﻴﻞ إﻟﻰ اﻟﻘﻤﺮ و ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ أن ﻳﻘﻄﻊ ﺑﻀﻊ ﺧﻄﻮات ﻟﻴﻨﻘﺬ ﺟﺎرا ﻟﻪ‬
‫ﻳﻤﻮت ﻓﻲ ﻓﻴﺘﻨﺎم و آﻤﺒﻮدﻳﺎ و اﻟﻘﺪس‪.‬‬
‫اﻟﻤﺴﺎﻓﺎت ﺑﻴﻦ ﻗﻠﻮب اﻟﻨﺎس أﺻﺒﺤﺖ أآﺒﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺎﻓﺎت ﺑﻴﻦ اﻟﻜﻮاآﺐ‪ ،‬و آﻞ ﻳﻮم ﻳﺰداد‬
‫اﻷخ ﻋﻦ أﺧﻴﻪ ﺗﺠﺎﻓﻴﺎ و ﺑﻌﺪا‪.‬‬

‫إﻧﺴﺎن اﻟﻴﻮم ﺑﺪل أن ﻳﺸﻐﻞ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﻘﺘﻞ اﻟﻤﻴﻜﺮوﺑﺎت أﺻﺒﺢ ﻳﺰرﻋﻬﺎ و ﻳﺴﻤﻨﻬﺎ و ﻳﺮﺑﻴﻬﺎ ﺛﻢ‬
‫ﻳﺼﻨﻊ ﻣﻨﻬﺎ ﻗﻨﺒﻠﺔ ﻣﻴﻜﺮوﺑﻴﺔ ﻟﻴﻠﻘﻴﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺟﺎرﻩ‪.‬‬
‫و ﻳﺠﺎوب ﻋﻠﻴﻪ ﺟﺎرﻩ ﺑﻨﻔﺲ أﺳﻠﻮﺑﻪ ﺿﺎﺣﻜﺎ ﻓﻲ ﺟﻨﻮن‪.‬‬
‫‪ -‬ﻗﻨﺒﻠﺔ ﻣﻴﻜﺮوﺑﻴﺔ‪ ..‬و ﻣﺎ ﺟﺪواهﺎ؟ ﻟﻘﺪ ﺳﺒﻘﺘﻚ ﻟﻘﺪ اآﺘﺸﻔﺖ ﻏﺎزا ﻟﻠﺸﻠﻞ أرﻣﻴﻪ ﻋﻠﻴﻚ ﻓﺘﺮﻗﺪ‬
‫ﻣﺸﻠﻮﻻ ﻣﺜﻞ ﺻﺮﺻﻮر ﻗﻠﺒﻮﻩ ﻋﻠﻰ ﻇﻬﺮﻩ‪ ،‬ﻓﻴﺼﻔﻖ اﻵﺧﺮ و ﻳﻬﻠﻞ آﺎﻟﻤﻌﺘﻮﻩ‪.‬‬
‫‪ -‬ﻗﺪﻳﻤﺔ‪ ..‬أﻧﺎ ﻋﻨﺪي ﺻﻮارﻳﺦ ﻣﺪارﻳﺔ ﺗﺪور اﻵن ﻓﻲ ﻓﻠﻚ ﺣﻮﻟﻚ و أﺳﺘﻄﻴﻊ ﺑﻀﻐﻄﺔ واﺣﺪة‬
‫ﻋﻠﻰ زر أن أﻧﺰل ﻋﻠﻴﻚ اﻟﻤﻮت آﺎﻟﻤﻄﺮ‪.‬‬

‫ﻓﻴﺨﺮج اﻵﺧﺮ ﻟﺴﺎﻧﻪ ﺳﺎﺧﺮا‪.‬‬

‫‪ -‬هﺬﻩ ﻟﻌﺒﺔ ﻓﺎت أواﻧﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻘﺪ اﺧﺘﺮﻋﺖ ﺻﻮارﻳﺦ ﻣﻀﺎدة ﺗﺼﻄﺎد ﺻﻮارﻳﺨﻚ و ﺗﻔﺠﺮهﺎ ﻓﻲ‬
‫اﻟﻬﻮاء‪.‬‬
‫ﻓﻴﻬﺘﻒ اﻵﺧﺮ‪:‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪191‬‬
 ‫‪ -‬ﻟﻦ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﺑﻨﻴﺖ ﺷﺒﻜﺔ ﻣﻀﺎدة ﺿﺪ اﻟﺼﻮارﻳﺦ اﻟﻤﻀﺎدة‪.‬‬
‫ﻓﻴﻘﻬﻘﻪ ﺻﺎﺣﺒﻨﺎ‪:‬‬
‫‪ -‬ﻧﺴﻴﺖ ﻳﺎ أﺑﻠﻪ أﻧﻨﻲ ﺑﻨﻴﺖ ﺷﺒﻜﺔ ﺿﺪ اﻟﺸﺒﻜﺔ‪.‬‬
‫ﻓﻴﺼﺮخ اﻷول‪:‬‬
‫‪ -‬هﺎهﺎ‪ ..‬أﻧﺖ ﺣﻤﺎر ﺗﺬآﺮ أن ﻋﻨﺪي ﻣﺨﺰوﻧﺎ ﻣﻦ اﻟﻘﻨﺎﺑﻞ اﻟﺬرﻳﺔ ﻳﻜﻔﻲ ﻟﺘﻤﺰﻳﻖ اﻟﻘﺎرة اﻟﺘﻲ‬
‫ﺗﺴﻜﻨﻬﺎ‪.‬‬
‫ﻓﻴﺼﺮخ اﻟﺜﺎﻧﻲ‪:‬‬
‫ﻓﻠﺘﺬآﺮ أﻧﺖ أﻳﻀﺎ أن ﻋﻨﺪي ﻣﺨﺰوﻧﺎ ﻣﻦ اﻟﻘﻨﺎﺑﻞ اﻷﻳﺪروﺟﻴﻨﻴﺔ ﻳﻜﻔﻲ ﻟﺸﻄﺮ اﻟﻜﺮة اﻷرﺿﻴﺔ‬
‫آﻠﻬﺎ ﻧﺼﻔﻴﻦ‪.‬‬

‫و أﻋﺠﺐ ﻣﺎ ﻓﻲ هﺬا اﻟﺤﻮار اﻟﻬﺴﺘﻴﺮي أﻧﻪ ﻳﺠﺮى ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ و اﻟﻌﻘﻞ‪ ،‬و اﻟﻤﺨﺘﺮﻋﺎت و‬
‫اﻟﻤﺒﺘﻜﺮات‪ ،‬و اﻷﻓﺨﺎخ اﻹﻟﻜﺘﺮوﻧﻴﺔ و أﻧﻪ ﺣﻮار ﻳﻨﺰف ذهﺒﺎ و دوﻻرات و ﻣﺎرآﺎت و‬
‫روﺑﻼت و ﻓﺮﻧﻜﺎت ﺑﻼ ﻧﻬﺎﻳﺔ‪.‬‬

‫و رﺟﻞ اﻟﺸﺎرع اﻟﺒﺴﻴﻂ ﻳﻤﺸﻲ وﺳﻂ هﺬﻩ اﻟﻤﻈﺎهﺮة ﺟﺎﺋﻌﺎ و ﻋﺮﻳﺎﻧﺎ ﻗﻠﻴﻞ اﻟﺤﻴﻠﺔ ﻻ ﻳﻌﺮف‬
‫ﺑﻤﺎذا ﻳﻄﻠﻊ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻐﺪ‪.‬‬

‫هﻞ هﺬا ﻋﺼﺮ اﻟﻌﻠﻢ؟‬

‫أو ﻋﺼﺮ اﻟﺠﻬﻞ؟‬
‫أو أﻧﻪ ﺟﻬﻞ اﻟﻌﻠﻢ‪.‬‬

‫اﷲ ﻳﻌﻄﻴﻨﺎ اﻟﻜﻬﺮﺑﺎء‪ ..‬ﻓﻤﺎذا ﻧﻔﻌﻞ ﺑﻬﺬﻩ اﻟﻜﻬﺮﺑﺎء؟!‬

‫إﻧﻨﺎ ﻻ ﻧﻔﻜﺮ آﻴﻒ ﻧﺤﻮﻟﻬﺎ إﻟﻰ ﻧﻮر‪.‬‬
‫و ﻟﻜﻨﻨﺎ ﻣﺸﻐﻮﻟﻮن ﻃﻮل اﻟﻮﻗﺖ ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺎﻣﻞ و اﻟﻤﺨﺘﺒﺮات ﻧﻔﻜﺮ آﻴﻒ ﻧﺤﻮل هﺬﻩ اﻟﻄﺎﻗﺔ‬
‫اﻟﻜﻬﺮﺑﺎﺋﻴﺔ إﻟﻰ ﻇﻼم‪.‬‬
‫اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻳﻔﻜﺮ ﻓﻲ أذآﻰ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻳﻠﻒ ﺑﻬﺎ ﺳﻠﻚ اﻟﻜﻬﺮﺑﺎء ﻋﻠﻰ ﻋﻨﻘﻪ ﻟﻴﻨﺘﺤﺮ‪.‬‬

‫إﻧﻪ ﻋﻠﻢ اﻟﺠﻬﻞ!‬

‫إﻧﻪ اﻟﻌﻠﻢ اﻷﺳﻮد‪.‬‬
‫و ﻣﺜﻠﻪ ﻣﺜﻞ اﻟﺴﺤﺮ اﻷﺳﻮد اﻟﺬي آﺎن ﻳﺤﻮل ﺑﻪ ﺳﺤﺮة ﻓﺮﻋﻮن اﻟﻌﺼﻲ إﻟﻰ ﺛﻌﺎﺑﻴﻦ‪.‬‬
‫ﻷﻧﻪ ﻋﻠﻢ ﺑﻼ دﻳﻦ!‬
‫و ﻋﻘﻞ ﺑﻼ ﻗﻠﺐ‪.‬‬

‫ﻟﻘﺪ ﻃﺎﻟﺖ ﻣﺨﺎﻟﺒﻨﺎ ﻓﺄﺻﺒﺤﺖ ﻣﺨﺎﻟﺐ ﻧﻮوﻳﺔ‪.‬‬

‫و ﻧﻤﺖ أﻧﻴﺎﺑﻨﺎ ﻓﺄﺻﺒﺤﺖ أﻧﻴﺎﺑﺎ ذرﻳﺔ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪192‬‬
 ‫و ﻇﻞ ﻗﻠﺒﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻟﻪ‪ .‬ﻗﻠﺐ ﺣﻴﻮان اﻟﻐﺎب‪.‬‬
‫ﺗﻄﻮر اﻹﻧﺴﺎن إﻟﻰ ﺗﻨﻴﻦ‪.‬‬

‫و اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ اﻵن ﻣﺮهﻮﻧﺔ ﺑﻤﻦ ﻳﺒﺪأ اﻟﺤﻤﺎﻗﺔ‪ .‬ﻣﻦ ﻳﻀﻐﻂ ﻋﻠﻰ اﻟﺰﻧﺎد ﻗﺒﻞ اﻵﺧﺮ!‬
‫أو ﻣﻦ ﻳﻔﻄﻦ إﻟﻰ اﻟﻜﺎرﺛﺔ ﻓﻴﻘﻮد اﻟﺘﻄﻮر إﻟﻰ اﻻﺗﺠﺎﻩ اﻟﻤﻀﺎد إﻟﻰ ﺗﺠﺎﻩ اﻟﺘﺴﺎﻣﻲ ﺑﻘﻠﺐ‬
‫اﻹﻧﺴﺎن و روﺣﻪ‪ .‬ﺑﺪون اﻋﺘﺒﺎر ﻟﻘﻮة ﻳﺪﻳﻪ و ﻣﺘﺎﻧﺔ ﻋﻀﻼﺗﻪ‪.‬‬

‫ﻗﻄﺎر اﻟﻠﺬة‬

‫ﻣﻨﺬ أﻟﻒ ﺳﻨﺔ آﺎن أﻗﺼﻰ ﻣﺎ ﻳﻄﻤﺢ ﻓﻴﻪ إﻧﺴﺎن ﻗﻄﻌﺔ أرض و ﺑﻀﻌﺔ رؤوس ﻣﻦ اﻟﻤﺎﺷﻴﺔ‪..‬‬
‫آﺎن هﺬا هﻮ اﻟﺜﺮي اﻷﻣﺜﻞ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻌﺼﺮ‪ ..‬و آﺎن أﻗﺼﻰ ﻣﺎ ﻳﺤﻠﻢ ﺑﻪ ذﻟﻚ اﻟﺜﺮي هﻲ‬
‫ﻋﺮﺑﺔ ﻣﻄﻬﻤﺔ ﻳﺠﺮهﺎ ﺣﺼﺎن ﻟﻴﺪﺧﻞ ﺑﻬﺎ ﻣﺠﺘﻤﻊ اﻟﻮﺟﻬﺎء و أهﻞ اﻟﺸﻴﺎآﺔ‪.‬‬

‫و اﻟﻴﻮم ﻧﻘﻮل ﻋﻦ ﻣﻦ ﻳﻤﻠﻚ اﻟﻌﺮﺑﺔ و اﻟﺤﺼﺎن إﻧﻪ )) ﻋﺮﺑﺠﻲ(( و هﻮ ﻓﻲ اﻋﺘﺒﺎرﻧﺎ ﻣﻦ‬

‫اﻟﻨﺎس اﻟﺪون‪.‬‬

‫أﻣﺎ أهﻞ اﻟﺸﻴﺎآﺔ و اﻟﻮﺟﺎهﺔ ﻓﻘﺪ اﺳﺘﺒﺪﻟﻮا ﺑﺎﻷرض اﻟﻌﻤﺎرات‪ ..‬ﺛﻢ اﺳﺘﺒﺪﻟﻮا ﺑﺎﻟﻌﻤﺎرات‬
‫اﻟﺸﺮآﺎت‪ ..‬ﺛﻢ اﺳﺘﺒﺪﻟﻮا ﺑﺎﻟﺸﺮآﺎت ﻣﺠﺮد دﻓﺘﺮ ﺳﻨﺪات أو دﻓﺘﺮ ﺷﻴﻜﺎت ﺑﺤﺠﻢ اﻟﺠﻴﺐ‪..‬‬
‫ﻣﺠﺮد رأس ﻣﺎل ﻳﺘﻮاﻟﺪ ﻣﻦ ﺗﻠﻘﺎء ذاﺗﻪ ﺑﺎﻹﺳﻬﺎم ﻓﻲ أي ﻣﺸﺮوع‪.‬‬

‫و اﻧﺘﻬﻰ إﺳﻄﺒﻞ اﻟﻤﻮاﺷﻲ ﻟﻴﺤﻞ ﻣﺤﻠﻪ آﺮاج ﻋﺮﺑﺎت ﻣﺮﺳﻴﺪس‪ ..‬ﺛﻢ اﻧﺘﻬﻰ أﻣﺮ اﻟﻜﺮاج و‬
‫ﺗﺮآﻪ اﻷﻏﻨﻴﺎء ﻟﻠﺴﻮﻗﺔ و اﻟﻨﺎس اﻟﺪون‪ ..‬و ﺻﺎر اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﻳﻤﺘﻠﻚ ﻃﺎﺋﺮة ﺧﺎﺻﺔ أو‬
‫ﻣﺮﺳﻰ ﻟﻠﻴﺨﻮت أو ﺑﺎﺧﺮة‪.‬‬

‫و ﻏﺪا ﺗﺼﺒﺢ اﻟﻄﺎﺋﺮات ﻣﻦ أﻣﻼك اﻟﻔﻘﺮاء و ﻳﻈﻬﺮ اﻷﻏﻨﻴﺎء اﻟﻮﺟﻬﺎء اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻤﻠﻜﻮن‬
‫اﻟﺼﻮارﻳﺦ و اﻟﺴﻔﻦ اﻟﻔﻀﺎﺋﻴﺔ و اﻷﻗﻤﺎر اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ‪ ،‬و ﺗﺼﺒﺢ رﺣﻠﺔ )) اﻟﻮﻳﻚ إﻧﺪ(( ﻋﺸﺎء‬
‫ﺳﺎهﺮا ﻓﻲ اﻟﻤﺮﻳﺦ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪193‬‬
 ‫اﻟﺰﻣﻦ اﺳﺘﺪار و اﻧﺘﻘﻞ اﻟﻨﺎس ﻣﻦ ﺣﺎل إﻟﻰ ﺣﺎل ﺑﺴﺮﻋﺔ ﻏﺮﻳﺒﺔ‪ ،‬و أﺣﻼم زﻣﺎن أﺻﺒﺤﺖ‬
‫اﻵن ﻣﺘﺎﺣﺔ ﻟﻠﻜﻞ‪.‬‬

‫و اﻟﻔﻠﻔﻞ و اﻟﺤﺒﻬﺎن اﻟﺬي آﺎﻧﺖ ﺗﺤﻤﻠﻪ اﻟﺴﻔﻦ ﻣﻦ اﻟﻬﻨﺪ ﻋﺒﺮ رأس اﻟﺮﺟﺎء اﻟﺼﺎﻟﺢ ﻓﻲ‬
‫رﺣﻼت ﻣﻬﻠﻜﺔ ﻣﺤﻔﻮﻓﺔ ﺑﺎﻷﺧﻄﺎر ﻟﻴﻮزن ﺑﺎﻟﺬهﺐ و ﻳﻮﺿﻊ ﻓﻲ اﻟﺨﺰاﺋﻦ ﻣﻊ اﻟﻤﺠﻮهﺮات و‬
‫ﻻ ﻳﻈﻬﺮ إﻻ ﻋﻠﻰ ﻣﻮاﺋﺪ أﺻﺤﺎب اﻟﻤﻼﻳﻴﻦ‪ ..‬و ﻣﺜﻠﻪ ﻣﻨﺎدﻳﻞ اﻟﺤﺮﻳﺮ اﻟﻬﻨﺪي اﻟﺘﻲ آﻨﺎ ﻧﻘﺮأ‬
‫ﻋﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﺑﻴﻮت اﻟﻠﻮردات ﻓﻲ رواﻳﺎت زوﻻ و ﺑﻠﺰاك‪ ..‬آﻞ هﺬا ﻧﺰل ﻟﻴﺼﺒﺢ ﻓﻲ ﻣﺘﻨﺎول‬
‫اﻟﺴﻮﻗﺔ‪.‬‬

‫و اﻟﻔﻠﻔﻞ و اﻟﺤﺒﺎن اﻵن ﻋﻄﺎرة اﻟﻔﻘﺮاء‪.‬‬

‫و اﻟﺤﺮﻳﺮ ﻃﺮدﻩ اﻟﻨﻴﻠﻮن و اﻟﺪاآﺮون و اﻟﺘﺮﻳﻠﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﺴﻮق ﻓﻬﺒﻂ إﻟﻰ ﻧﺼﻒ ﻟﻴﺮة ﻟﻠﻤﻨﺪﻳﻞ‪،‬‬
‫و أﺻﺒﺢ زﻳﻨﺔ ﻣﺘﺎﺣﺔ ﻟﻠﺨﺪم و ﻋﺎﻣﻼت )) اﻟﻤﺤﻼت((‪ .‬أي إﻧﺴﺎن ﻣﻦ ﻣﺴﺘﻮﻳﺎت اﻟﺪﺧﻞ‬
‫اﻟﺒﺴﻴﻄﺔ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ اﻵن أن ﻳﺤﺼﻞ ﻋﻠﻰ آﺜﻴﺮ ﻣﻦ وﺳﺎﺋﻞ اﻟﺘﺮف اﻟﺘﻲ آﺎﻧﺖ ﺗﺤﻠﻢ ﺑﻬﺎ ﺟﺪﺗﻲ‬
‫و ﺟﺪي و ﻳﺴﻴﻞ ﻟﻬﺎ اﻟﻠﻌﺎب‪.‬‬

‫و ﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﺎﻟﺒﺆس ﻣﻮﺟﻮد و اﻟﺘﻌﺎﺳﺔ ﻣﺎزاﻟﺖ هﻲ اﻟﻘﺎﻋﺪة و اﻟﺸﻜﻮى ﻣﺴﺘﻤﺮة ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻴﻊ‬
‫اﻟﻤﺴﺘﻮﻳﺎت‪ ..‬ﺗﺸﻬﺪ ﺑﺬﻟﻚ أﻋﻤﺪة اﻟﺼﺤﻒ و اﻷﻏﺎﻧﻲ و اﻟﻜﺘﺐ و أﺧﺒﺎر اﻹذاﻋﺎت و وﺟﻮﻩ‬
‫اﻟﻨﺎس اﻟﻤﺮﺑﺪة اﻟﻤﺘﺠﻬﻤﺔ ﻓﻲ اﻟﺸﺎرع و ﻣﺸﺎآﺴﺎﺗﻬﻢ اﻟﺪاﺋﻤﺔ و ﺻﺪورهﻢ اﻟﻀﻴﻘﺔ ﺑﻜﻞ ﺷﻲء‪.‬‬

‫ﻻ ﺷﻲء ﻣﻤﺎ ﺗﺼﻮر اﻹﻧﺴﺎن أﻧﻪ ﺳﻮف ﻳﺴﻌﺪﻩ ﻗﺪ أﺳﻌﺪﻩ و هﻮ ﻣﺎ آﺎد ﻳﻤﺘﻠﻚ ﻣﺎ آﺎن ﻳﺤﻠﻢ ﺑﻪ‬
‫ﺣﺘﻰ زهﺪ ﻓﻴﻪ و ﻃﻠﺐ ﻏﻴﺮﻩ‪ ..‬و هﻮ داﺋﻤﺎ ﻣﺘﻄﻠﻊ إﻟﻰ ﻣﺎ ﻓﻲ أﻳﺪي اﻵﺧﺮﻳﻦ ﻏﺎﻓﻞ ﺗﻤﺎﻣﺎ ﻋﻤﺎ‬
‫ﻓﻲ ﻳﺪﻩ‪ ..‬ﻳﻨﺴﻰ زوﺟﺘﻪ و ﻳﺮﻏﺐ ﻓﻲ زوﺟﺔ ﺟﺎرﻩ ﻣﻊ أن زوﺟﺘﻪ أﺣﻠﻰ و أﺟﻤﻞ‪ ..‬و ﻟﻜﻨﻬﺎ‬
‫اﻟﺮﻏﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺸﺒﻊ‪ ،‬و اﻟﺘﻲ ﻳﺘﺠﺪد ﻧﻬﻤﻬﺎ داﺋﻤﺎ و ﺗﺘﻔﺘﺢ ﺷﻬﻴﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ آﻞ ﻣﻤﻨﻮع و‬
‫ﻣﺠﻬﻮل‪.‬‬

‫و ﻟﻬﺬا أﻗﺎم ﺑﻮذا دﻳﺎﻧﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﻗﺘﻞ اﻟﺮﻏﺒﺔ و اﻟﺨﻼص ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرهﺎ ﺳﺒﺐ اﻟﺸﻘﺎء‪ ،‬و ﻻ‬
‫ﺧﻼص ﻣﻦ اﻟﺸﻘﺎء إﻻ ﺑﺎﻟﺨﻼص ﻣﻦ اﻟﺮﻏﺒﺔ و ﻗﺘﻠﻬﺎ و اﻟﻮﺻﻮل إﻟﻰ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﻦ اﻟﺴﻜﻴﻨﺔ‬
‫اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ اﻟﺰاهﺪة ﻓﻲ آﻞ ﺷﻲء و اﻟﻌﺎزﻓﺔ ﻋﻦ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺮﻏﺒﺎت‪.‬‬

‫و اﷲ ﻳﻜﺸﻒ ﻟﻨﺎ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺑﺸﻜﻞ أﻋﻤﻖ ﻓﻲ اﻟﻘﺮﺁن ﻓﻴﻘﻮل إﻧﻪ ﺧﻠﻖ اﻟﺪﻧﻴﺎ و ﻟﻬﺎ هﺬﻩ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ و‬
‫اﻟﺨﺎﺻﻴﺔ ﻓﻬﻲ )) ﻣﺘﺎع((‪.‬‬
‫)) إﻧﻤﺎ هﺬﻩ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻣﺘﺎع((‪.‬‬
‫و )) اﻟﻤﺘﺎع(( هﻮ اﻟﻠﺬة اﻟﻤﺴﺘﻬﻠﻜﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﻔﺬ‪ ..‬ﻣﻦ ﺧﺼﺎﺋﺺ اﻟﺪﻧﻴﺎ آﻤﺎ أرادهﺎ ﺧﺎﻟﻘﻬﺎ أن‬
‫ﺟﻤﻴﻊ ﻟﺬاﺗﻬﺎ ﻣﺴﺘﻬﻠﻜﺔ ﺗﻨﻔﺬ و ﺗﻤﻮت ﻟﺤﻈﺔ ﻣﻴﻼدهﺎ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪194‬‬
 ‫ﻓﻲ آﻞ ﻟﺬة ﺟﺮﺛﻮﻣﺔ ﻓﻨﺎﺋﻬﺎ‪..‬‬

‫اﻟﻤﻠﻞ و اﻟﻀﺠﺮ و اﻟﻌﺎدة ﻣﺎ ﺗﻠﺒﺚ أن ﺗﻘﺘﻠﻬﺎ‪..‬‬

‫هﻲ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﺘﻲ أرادهﺎ اﷲ ﻟﻠﺪﻧﻴﺎ‪ ،‬ﻷﻧﻪ أرادهﺎ دار اﻧﺘﻘﺎل ﻻ دار ﻗﺮار‪ ..‬و ﻟﻬﺬا ﺟﻌﻞ آﻞ‬
‫ﻟﺬة ﺑﻼ ﻗﺮار و ﻻ اﺳﺘﻘﺮار‪ ..‬ﻷﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺮد ﻟﻬﺬﻩ اﻟﻠﺬات أن ﺗﻜﻮن ﻟﺬات ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ و إﻧﻤﺎ أرادهﺎ‬
‫ﻣﺠﺮد اﻣﺘﺤﺎن ﻟﻤﻌﺎدن اﻟﻨﻔﻮس‪ ..‬ﻣﺠﺮد إﺛﺎرة ﺗﺨﺘﺒﺮ ﺑﻬﺎ اﻟﺸﻬﺎﻣﺔ و اﻟﻨﺒﻞ و اﻟﻌﻔﺔ و ﺻﺪق‬
‫اﻟﺼﺎدﻗﻴﻦ و إﺧﻼص اﻟﻤﺨﻠﺼﻴﻦ‪.‬‬

‫و اﻟﺬي ﻳﺪرك هﺬا ﺳﻮف ﻳﺴﺘﺮﻳﺢ ﺗﻤﺎﻣﺎ و ﻳﻜﻒ ﻋﻦ هﺬﻩ اﻟﻬﺴﺘﻴﺮﻳﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﺨﺮﺟﻪ ﻣﻦ ﺷﻬﻮة‬
‫ﻟﺘﻠﻘﻲ ﺑﻪ ﻓﻲ ﺷﻬﻮة‪ ،‬و ﺗﻘﻮدﻩ ﻣﻦ رﻏﺒﺔ ﻟﺘﻠﻘﻲ ﺑﻪ ﻓﻲ أﺗﻮن رﻏﺒﺔ‪ ،‬و ﺗﺠﺮﻩ ﻣﻦ ﺟﻨﻮن ﻟﺘﺮﻣﻲ‬
‫ﺑﻪ ﻓﻲ ﺟﻨﻮن‪.‬‬

‫ﺳﻮف ﻳﺮﻳﺢ و ﻳﺴﺘﺮﻳﺢ و ﻳﺤﺎول أن ﻳﺮوض ﻧﻔﺴﻪ و ﻳﺴﺘﺼﻔﻲ روﺣﻪ و ﻳﻄﻬﺮ ﻗﻠﺒﻪ و ﻳﻌﻤﻞ‬
‫ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ اﻵﺧﺮ اﻟﺬي وﻋﺪ ﺑﻪ اﷲ ﺟﻤﻴﻊ أﻧﺒﻴﺎﺋﻪ ﺑﺄﻧﻪ ﺳﻴﻜﻮن اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺬي ﺗﻜﻮن ﻓﻴﻪ اﻟﻠﺬة ﺣﻘﻴﻘﺔ‪..‬‬
‫و اﻷﻟﻢ ﺣﻘﻴﻘﻴﺎ‪.‬‬

‫و هﻮ ﻟﻦ ﻳﻨﺪم ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺳﻮف ﻳﻔﻮﺗﻪ ﻣﻦ ﻟﺬات هﺬﻩ اﻟﺪﻧﻴﺎ‪ ،‬ﻷﻧﻪ ﻋﻠﻢ ﺗﻤﺎﻣﺎ و ﺑﺎﻟﺘﺠﺮﺑﺔ و‬
‫اﻟﻤﻤﺎرﺳﺔ أﻧﻬﺎ ﻟﺬات ﺧﺎدﻋﺔ ﺗﺘﻔﻠﺖ ﻣﻦ اﻷﺻﺎﺑﻊ آﺎﻟﺴﺮاب‪ ..‬و هﻮ ﻗﺪ ﻗﺮأ اﻟﺘﺎرﻳﺦ و ﻋﺮف‬
‫أن ﻣﺎل ﻗﺎرون ﻻ ﻳﺰﻳﺪ اﻵن ﺑﺎﻟﺤﺴﺎب اﻟﺤﺎﻟﻲ ﻋﻦ ﻋﺪة ﻣﺌﺎت ﻣﻦ اﻟﺠﻨﻴﻬﺎت ﺑﺎﻟﻌﻤﻠﺔ‬
‫اﻟﻨﺤﺎﺳﻴﺔ‪ ..‬و هﻜﺬا ﻗﺪرت ﺟﻤﻴﻊ ﺧﺰاﺋﻨﻪ ﺑﺎﻻﺳﺘﺮﻟﻴﻨﻲ‪ ..‬و ﻣﺎ أآﺜﺮ ﻣﻦ ﻳﻤﻠﻚ ﻣﺌﺎت اﻟﺠﻨﻴﻬﺎت‬
‫اﻵن و ﻳﺸﻜﻮ اﻟﻔﻘﺮ‪ ،‬و ﻳﻠﻌﻦ اﻟﻴﻮم اﻟﺬي وﻟﺪ ﻓﻴﻪ‪ ..‬ﻣﻊ أﻧﻪ ﺑﺤﺴﺎب اﻟﺘﺎرﻳﺦ أﻏﻨﻰ ﻣﻦ ﻗﺎرون‪.‬‬

‫إﻧﻬﺎ اﻟﺨﺪﻋﺔ اﻷزﻟﻴﺔ‪..‬‬

‫ﺗﺤﻠﻢ ﺑﺎﻣﺘﻼك اﻷرض ﻓﺈذا ﺑﺎﻷرض هﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺘﻠﻜﻚ و هﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﻜﺮﺳﻚ ﻟﺨﺪﻣﺘﻬﺎ‪..‬‬

‫ﺗﺘﺼﻮر أن اﻟﻤﺎل ﺳﻮف ﻳﺤﺮرك ﻣﻦ اﻟﺤﺎﺟﺔ ﻓﺈذا ﺑﺎﻟﻤﺎل ﻳﻔﺘﺢ ﻟﻚ أﺑﻮاب ﻣﻄﺎﻟﺐ أآﺜﺮ و‬
‫ﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻳﻠﻘﻰ إﻟﻰ اﺣﺘﻴﺎج أآﺜﺮ‪ ..‬و آﻠﻤﺎ اﺣﺮزت ﻣﻠﻴﻮﻧﺎ‪ ..‬اﺣﺘﺠﺖ إﻟﻰ ﺛﻼﺛﺔ ﻣﻼﻳﻴﻦ ﻟﺤﺮاﺳﺔ‬
‫هﺬا اﻟﻤﻠﻴﻮن و ﺿﻤﺎﻧﻪ‪..‬‬
‫و ﺗﺪور اﻟﺤﻠﻘﺔ اﻟﻤﻔﺮﻏﺔ و ﻻ ﻧﻬﺎﻳﺔ‪.‬‬
‫و هﺬﻩ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﻋﺎﻟﻤﻨﺎ اﻟﻜﺬاب اﻟﺬي ﻧﻤﺘﺤﻦ ﻓﻴﻪ‪.‬‬

‫آﻠﻨﺎ ﻧﻌﻠﻢ هﺬا‪ ..‬و ﻣﻊ ذﻟﻚ ﻻ ﻧﺘﻌﻠﻢ أﺑﺪا‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪195‬‬
 ‫ﻳﻮﺟﺎ‬

‫ﺳﻌﻴﺖ وراء ﻋﻠﻤﺎء اﻟﺘﺸﺮﻳﺢ ﻷﻋﺮف ﻣﺎ هﻮ اﻹﻧﺴﺎن‪..‬‬

‫ﺳﺮت وراء اﻟﻤﺸﺮط و هﻮ ﻳﻨﻘﺐ ﻓﻲ اﻷﺣﺸﺎء و اﻟﻤﺼﺎرﻳﻦ و اﻟﻠﺤﻢ و اﻟﻌﻈﻢ‪ ..‬و هﻮ ﻳﻔﺘﺢ‬
‫اﻟﻘﻠﺐ و ﻳﺘﺘﺒﻊ اﻷﻋﺼﺎب ﺣﺘﻰ ﻧﻬﺎﻳﺘﻬﺎ‪ ..‬و هﻮ ﻳﻘﻄﻊ اﻟﻤﺦ ﻧﺼﻔﻴﻦ‪ ،‬ﺛﻢ ﻳﻘﻄﻊ آﻞ ﻧﺼﻒ إﻟﻰ‬
‫ﻧﺼﻔﻴﻦ‪.‬‬

‫و ﺑﻌﺪ ﺛﻼﺛﺔ ﺁﻻف ﺻﻔﺤﺔ ﻣﻦ آﺘﺐ اﻟﺘﺸﺮﻳﺢ ﻟﻢ أﺻﻞ إﻟﻰ ﺷﻲء و آﺄﻧﻤﺎ ﻓﺘﺤﺖ ﺣﻘﻴﺒﺔ‬
‫ﻓﻮﺟﺪت داﺧﻠﻬﺎ ﺣﻘﻴﺒﺔ ﺛﻢ ﺣﻘﻴﺒﺔ‪ ،‬و ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻟﻤﻄﺎف اآﺘﺸﻔﺖ أﻧﻲ ﻣﺎزﻟﺖ واﻗﻔﺎ ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻧﻲ‬
‫أدق ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺎب ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻦ اﻟﺨﺎرج‪ ،‬ﻟﻢ أﻟﺞ إﻟﻰ اﻟﺪاﺧﻞ ﻗﻂ‪.‬‬

‫آﻨﺖ ﻃﻮل اﻟﻮﻗﺖ أﺗﺤﺴﺲ آﺴﻮة ذﻟﻚ اﻹﻧﺴﺎن ﻻآﺘﺸﻒ أن اﻟﻘﻨﺎع اﻟﺬي ﻳﺤﺠﺒﻪ ﻟﻴﺲ ﺛﻴﺎﺑﻪ‬
‫وﺣﺪهﺎ‪ ..‬و إﻧﻤﺎ ﺟﻠﺪﻩ ﺛﻮب ﺁﺧﺮ‪ ..‬و ﻟﺤﻤﻪ و ﺷﺤﻤﻪ و ﻋﻈﺎﻣﻪ آﻠﻬﺎ ﺛﻴﺎب‪ ..‬أﻣﺎ هﻮ ﻧﻔﺴﻪ‬
‫ﻓﺒﻌﻴﺪ‪ ..‬ﺑﻌﻴﺪ‪ ..‬ﺗﺤﺖ هﺬﻩ اﻷﻗﻤﺸﺔ اﻟﺴﻤﻴﻜﺔ ﻣﻦ اﻟﻠﺤﻢ و اﻟﺪم‪.‬‬

‫ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻲ آﺘﺐ اﻟﺘﺸﺮﻳﺢ إن اﻹﻧﺴﺎن ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻷﺣﺸﺎء ﻓﻲ ﻗﺮﻃﺎس ﻣﻦ اﻟﺠﻠﺪ‪.‬‬

‫و ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﺼﻒ ﻟﻲ اﻹﻧﺴﺎن ﻋﻠﻰ اﻹﻃﻼق‪ ،‬و إﻧﻤﺎ وﺻﻔﺖ ﺛﻴﺎﺑﻪ‪ ..‬أﻣﺎ ﻗﻠﺒﻪ‪ ،‬أﻣﺎ ﻋﻮاﻃﻔﻪ‪،‬‬
‫ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻜﺘﺐ‪ ..‬إﻧﻬﺎ ﻓﻴﻨﺎ ﻧﺤﻦ اﻷﺣﻴﺎء‪.‬‬

‫إﻧﻬﺎ اﻟﺰاﻣﺮ اﻟﺬي ﻳﻨﻔﺦ ﻣﻦ اﻟﺪاﺧﻞ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺒﻮق اﻟﺠﺴﺪي اﻟﺬي ﻳﺘﺄﻟﻒ ﻣﻦ اﻟﻔﻢ و اﻟﻠﺴﺎن و‬
‫اﻟﺸﻔﺘﻴﻦ و اﻟﻴﺪﻳﻦ و اﻟﺮﺟﻠﻴﻦ ﻓﺘﻨﻄﻖ و ﺗﺘﺤﺮك آﺄﻧﻤﺎ هﻲ دﻣﻰ ﺧﺸﺒﻴﺔ ﺗﺤﺮآﻬﺎ ﺧﻴﻮط ﺧﻔﻴﺔ‬
‫ﻣﻦ وراء ﺧﺒﺎء‪.‬‬

‫إﻧﻬﺎ اﻟﻌﺎﻃﻔﺔ‪ ..‬اﻹرادة‪ ..‬اﻟﺮوح‪ ..‬اﻟﻨﻔﺲ‪ ..‬ال أﻧﺎ‪ ..‬ﺳﻤﻬﺎ آﻤﺎ ﺗﺸﺎء‪ ..‬و ﻟﻜﻨﻬﺎ داﺋﻤﺎ ﻏﺎﻳﺔ ﻓﻲ‬
‫اﻟﻮﺣﺪة و اﻟﺒﺴﺎﻃﺔ‪.‬‬

‫وراء هﺬا اﻟﻌﺪﻳﺪ اﻟﻤﺘﻌﺪد ﻣﻦ اﻷﻋﻀﺎء هﻨﺎك وﺣﺪة‪..‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪196‬‬
 ‫هﻨﺎك داﺋﻤﺎ واﺣﺪ ﻓﻘﻂ ﻳﺘﻜﻠﻢ ﻣﻦ داﺧﻞ اﻟﻤﻌﻤﺎر اﻟﺠﺴﺪي اﻟﻤﻌﻘﺪ اﻟﺘﺮآﻴﺐ اﻟﻤﺘﻌﺪد اﻟﻨﻮاﻓﺬ و‬
‫اﻟﺸﺮﻓﺎت‪ ..‬واﺣﺪ ﻓﻘﻂ ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ هﺬﻩ اﻷﻟﻮف اﻟﻤﺆﻟﻔﺔ ﻣﻦ اﻷﻧﺴﺠﺔ و اﻟﻤﻼﻳﻴﻦ ﺑﻼ ﻋﺪد ﻣﻦ‬
‫اﻟﺨﻼﻳﺎ‪.‬‬

‫ﻓﺈذا ﻧﻈﺮت إﻟﻰ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺣﻮﻟﻚ ﺑﻤﺎ ﻳﺘﻌﺪد ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ إﻧﺴﺎن و ﺣﻴﻮان و ﻧﺒﺎت ﻟﻤﺴﺖ ﻣﺮة‬
‫أﺧﺮى ﻧﻮﻋﺎ ﺛﺎﻧﻴﺎ ﻣﻦ اﻟﻮﺣﺪة‪ ..‬ﻓﻬﺬا اﻟﺸﺘﻴﺖ اﻟﻤﺨﺘﻠﻒ ﻣﻦ أﺷﻜﺎل اﻟﺤﻴﺎة ﻳﺨﻔﻰ وراء وﺣﺪة‪.‬‬

‫ﻟﻴﺴﺖ ﻣﺼﺎدﻓﺔ أن ﺗﺮآﻴﺐ ﺟﺴﻤﻲ و ﺗﺮآﻴﺐ ﺟﺴﻤﻚ واﺣﺪ‪ ..‬و ﻻ هﻲ ﻣﺼﺎدﻓﺔ أﻧﻨﺎ‪ ،‬ﻟﻨﺎ‬
‫رﺋﺘﺎن ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻟﻠﺤﺼﺎن و اﻟﺤﻮت و اﻟﻌﺼﻔﻮر‪ ..‬و أن رﻗﺒﺔ اﻟﺰراﻓﺔ ﻋﻠﻰ ﻃﻮﻟﻬﺎ ﺑﻬﺎ ﺳﺒﻊ‬
‫ﻓﻘﺮات ﻣﺜﻞ رﻗﺒﺘﻚ اﻟﻘﺼﻴﺮة ﺗﻤﺎﻣﺎ‪ ..‬و أن ذﻳﻞ اﻟﻘﺮد ﻟﻚ ذﻳﻞ ﻣﺜﻠﻪ ﺿﺎﻣﺮ ﻣﺘﺪاﻣﺞ ﻣﻠﺘﺤﻢ ﻓﻲ‬
‫ﻣﺆﺧﺮﺗﻚ‪ ..‬و ﺑﺎﻟﻤﺜﻞ أﺟﻨﺤﺔ اﻟﺨﻔﺎﻓﻴﺶ هﻲ أذرع ﻣﺜﻞ أذرﻋﻚ ﻟﻬﺎ اﻟﻌﺪد ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻦ اﻷﺻﺎﺑﻊ‬
‫و اﻟﻌﻈﺎم و اﻟﻤﻔﺎﺻﻞ‪ ،‬آﻞ ﻣﺎ ﺗﻤﺘﺎز ﺑﻪ أن ﺟﻠﺪهﺎ ﻣﺸﺪود ﻋﻠﻴﻬﺎ آﺎﻟﺴﺘﺎرة‪.‬‬

‫و أﻧﺖ و اﻟﺸﺠﺮة ﺗﺘﺄﻟﻔﺎن ﻣﻦ اﻟﻤﻮاد ذاﺗﻬﺎ‪ ..‬آﺮﺑﻮن و ﻣﺎء و أﻣﻼح ﻣﻌﺪﻧﻴﺔ‪ ..‬و آﻼآﻤﺎ‬
‫ﺗﺘﺤﻮﻻن ﺑﺎﻻﺣﺘﺮاق إﻟﻰ ﻓﺤﻢ‪.‬‬

‫و آﻞ أﻧﻮاع اﻟﺤﻴﺎة ﺗﻨﻬﺪم ﺑﺎﻟﻤﻮت ﻓﺘﺴﺘﺤﻴﻞ إﻟﻰ ﺗﺮاب‪.‬‬

‫أآﺜﺮ ﻣﻦ هﺬا‪ ،‬ﻳﻘﻮل ﻟﻚ اﻟﻔﻠﻜﻲ‪ :‬إن هﺬا اﻟﺘﺮاب ﻳﺤﺘﻮي ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻮاد ﻧﻔﺴﻬﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺮآﺐ ﻣﻨﻬﺎ‬
‫اﻟﺸﻤﺲ و اﻟﻨﺠﻮم و اﻟﻜﻮاآﺐ‪ ..‬و إﻧﻚ ﻣﻬﻤﺎ أوﻏﻠﺖ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء ﺑﻴﻦ اﻟﻨﺠﻮم ﺗﺠﺪ داﺋﻤﺎ‬
‫اﻟﺸﻲء ﻧﻔﺴﻪ‪ ،‬و اﻟﻤﻮاد ذاﺗﻬﺎ‪..‬‬

‫آﻞ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﻦ ﻣﺎدة واﺣﺪة أوﻟﻴﺔ‪.‬‬

‫ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻜﻮن آﻞ هﺬﻩ ﻣﺼﺎدﻓﺎت‪.‬‬

‫و إﻧﻤﺎ هﻲ إﺻﺒﻊ ﺗﺸﻴﺮ إﻟﻰ أن هﻨﺎك وﺣﺪة ﻧﺴﻴﺞ ﻓﻲ هﺬا اﻟﻜﻮن اﻟﻤﺘﺴﻊ اﻟﻌﻈﻴﻢ‪ ،‬و أﻧﻪ‬
‫ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ اﻟﻜﺜﺮة اﻟﻈﺎهﺮة و اﻟﺘﻌﺪد و اﻻﺧﺘﻼف ﻓﻲ اﻷﺷﻴﺎء ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ ﻟﻴﺴﺖ‬
‫ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ‪ ..‬و إﻧﻤﺎ هﻲ ﻣﺠﺮد ﻋﻤﺎﺋﺮ و ﺗﺮاآﻴﺐ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻟﺸﻲء واﺣﺪ‪.‬‬

‫آﻤﺎ ﺗﻈﻬﺮ اﻟﻄﺎﻗﺔ ﻣﺮة ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ آﻬﺮﺑﺎء‪ ،‬و ﻣﺮة ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ ﺣﺮارة‪ ،‬و ﻣﺮة ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ‬
‫ﺿﻮء‪ ،‬و ﻣﺮة ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ ﻣﻐﻨﺎﻃﻴﺴﻴﺔ‪ ،‬و هﻲ داﺋﻤﺎ اﻟﺸﻲء اﻟﻮاﺣﺪ ذاﺗﻪ‪.‬‬

‫اﻟﻮﺣﺪة‪..‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪197‬‬
 ‫هﺬا هﻮ ﻣﻮﺿﻮع اﻟﻴﻮﺟﺎ‪..‬‬

‫و اﻟﻤﻌﻨﻰ اﻟﺤﺮﻓﻲ ﻟﻜﻠﻤﺔ ﻳﻮﺟﺎ ﺑﺎﻟﻬﻨﺪﻳﺔ هﻮ )) اﻻﺗﺤﺎد و إدراك اﻟﻮﺣﺪة ﻓﻲ اﻷﺷﻴﺎء((‪ ..‬أﻻ‬
‫ﺗﻨﻈﺮ إﻟﻰ اﻟﺪﻧﻴﺎﻋﻠﻰ أﻧﻬﺎ أﻧﺖ و هﻮ و هﻲ و هﻢ‪ ..‬ﺛﻢ ﺗﺘﻘﺎﺗﻠﻮن ﺟﻤﻴﻌﺎ‪ ..‬ﻓﻬﺬﻩ ﺧﺪﻋﺔ‪ ..‬و أﻧﺘﻢ‬
‫ﺟﻤﻴﻌﺎ واﺣﺪ‪ ،‬و ﻣﺎ ﻳﻘﻊ ﻟﻶﺧﺮ ﻳﻘﻊ ﻋﻠﻴﻚ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻻ ﺗﺪري‪ ..‬و اﻷﻟﻢ اﻟﺬي ﺗﻮﻗﻌﻪ ﺑﺎﻵﺧﺮﻳﻦ‬
‫ﻳﺠﺮﺣﻚ ﺣﻴﺚ ﻻ ﺗﺤﺲ ﻓﻲ أﻋﻤﻖ اﻷﻋﻤﺎق‪.‬‬

‫هﺬا اﻟﺼﺮاع ﺑﻴﻨﻚ و ﺑﻴﻦ اﻵﺧﺮﻳﻦ هﻮ ﺗﺨﺮﻳﺐ أﺳﺎﺳﻲ ﻟﻔﻄﺮ واﺣﺪة‪.‬‬

‫إذا أردت أن ﺗﻌﻴﺶ ﺑﻜﻞ وﺟﻮدك ﻓﻌﻠﻴﻚ أن ﺗﻔﺘﺢ ذراﻋﻴﻚ ﻟﺘﺤﺘﻀﻦ آﻞ ﺷﻲ‪.‬‬

‫و ﺣﻴﺜﻤﺎ ﺗﻮﺟﻬﺖ ﻟﻦ ﺗﻜﻮن ﻓﻲ ﻏﺮﺑﺔ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺣﻮﻟﻚ هﻲ أﻧﺖ‪ ..‬و اﻟﻨﺎس هﻢ أﻧﺖ‪ ..‬و‬
‫اﻟﻮردة هﻲ أﻧﺖ‪ ..‬و اﻟﻨﺠﻮم أﻧﺖ‪.‬‬

‫أﻧﺖ و أﻧﺎ و هﻢ ﺷﻲء واﺣﺪ‪.‬‬

‫هﻞ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﺗﺪرك هﺬﻩ اﻟﻮﺣﺪة؟‬

‫ﻋﻠﻮم اﻟﻴﻮﺟﺎ ﺗﻘﻮل إﻧﻚ ﻻ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﺗﺪرآﻬﺎ إﻻ إذا ﺗﺤﺮرت ﻣﻦ ﺗﻘﺎﻟﻴﺪك‪ ..‬و أﺧﻀﻌﺖ‬
‫ﺟﺴﺪك و ﻋﻮاﻃﻔﻚ و ﻏﺮاﺋﺰك و ﻋﻘﻠﻚ ﺗﻤﺎﻣﺎ‪.‬‬

‫إذا أردت أن ﺗﺴﻤﻊ ﺻﻮت اﻟﻮاﺣﺪ ﻓﻲ داﺧﻠﻚ ﻓﻼ ﺑﺪ ﻣﻦ إﺳﻜﺎت ﺻﻮت اﻟﻤﺘﻌﺪد أوﻻ‪ ..‬ﻻﺑﺪ‬
‫ﻣﻦ إﺳﻜﺎت ﺻﻮت اﻟﺠﺴﺪ و اﻟﻨﻔﺲ و اﻟﻐﺮﻳﺰة و اﻟﺮﻏﺒﺔ و اﻟﻌﻘﻞ‪.‬‬

‫و إﺧﻀﺎع اﻟﺠﺴﺪ ﺗﺨﺘﺺ ﺑﻪ ﻋﻠﻮم )) اﻟﻬﺎﺗﺎﻳﻮﺟﺎ (( و هﻲ اﻟﺘﻤﺮﻳﻨﺎت اﻟﺮﻳﺎﺿﻴﺔ اﻟﻤﻌﺮوﻓﺔ‪.‬‬

‫و إﺧﻀﺎع اﻟﻌﻘﻞ ﺗﺨﺘﺺ ﺑﻪ ﻋﻠﻮم )) اﻟﺮاﺟﺎﻳﻮﺟﺎ ((‪ ..‬و هﻲ ﺗﻤﺮﻳﻨﺎت ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺄﻣﻞ و‬
‫اﻟﺮآﻴﺰ‪.‬‬

‫و إذا اﺳﺘﻄﻌﺖ إﺳﻜﺎت آﻞ ﺷﻲء ﻓﺴﻮف ﺗﺴﻤﻊ ﻣﻦ أﻋﻤﺎق اﻟﺼﻤﺖ ﻓﻲ داﺧﻠﻚ ﺻﻮت‬
‫اﻟﻮاﺣﺪ‪..‬‬

‫ﺳﻮف ﺗﺸﻌﺮ ﺑﺎﻟﻘﺮاﺑﺔ اﻟﺤﻤﻴﻤﺔ ﺑﻴﻨﻚ و ﺑﻴﻦ اﻻﺷﻴﺎء‪ ..‬ﺳﻮف ﻳﻌﺰف ﻓﻲ داﺧﻠﻚ ﻟﺤﻦ‬
‫اﻻﻧﺴﺠﺎم ﺑﻴﻨﻚ و ﺑﻴﻦ اﻟﻌﺎﻟﻢ‪ ،‬إذ ﺗﺪرك اﻟﺘﻮاﻓﻖ اﻟﻌﻤﻴﻖ ﺑﻴﻦ ﻋﻨﺎﺻﺮك و ﻋﻨﺎﺻﺮﻩ‪ ..‬و‬
‫ﺗﺴﻮدك ﻃﻤﺄﻧﻴﻨﺔ ﻗﺪﺳﻴﺔ ﻓﻠﻢ ﻳﻌﺪ هﻨﺎك داع ﻟﻠﺘﻌﺠﻞ‪ ..‬ﻣﺎ ﻳﻔﻮﺗﻚ ﺑﺎﻟﻴﻤﻴﻦ ﺳﻮف ﺗﺤﺼﻞ ﻋﻠﻴﻪ‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪198‬‬
 ‫ﺑﺎﻟﻴﺴﺎر و ﻓﻲ اﻟﻬﻨﺪ ﻳﺴﻤﻮا هﺬا اﻟﻮاﺣﺪ )) اﺗﻤﺎن((‪ ..‬و ﻓﻲ ﺻﻼة هﻨﺪﻳﺔ ﻗﺪﻳﻤﺔ ﻟﻬﺬا اﻟﻮاﺣﺪ‬
‫ﻳﻘﻮل اﻟﺸﻌﺮ اﻟﺴﻨﺴﻜﺮﻳﺘﻲ‪:‬‬

‫إذا ﻇﻦ اﻟﻘﺎﺗﻞ أﻧﻪ ﻗﺎﺗﻞ‬

‫و اﻟﻤﻘﺘﻮل أﻧﻪ ﻗﺘﻴﻞ‬

‫ﻓﻠﻴﺴﺎ ﻳﺪرﻳﺎن ﻣﺎ ﺧﻔﻰ ﻣﻦ أﺳﺎﻟﻴﺒﻲ‪..‬‬

‫ﺣﻴﺚ أآﻮن اﻟﺼﺪر ﻟﻤﻦ ﻳﻤﻮت‬

‫و اﻟﺴﻼح ﻟﻤﻦ ﻳﻘﺘﻞ‬

‫و اﻟﺠﻨﺎح ﻟﻤﻦ ﻳﻄﻴﺮ‬

‫و ﺣﻴﺚ أآﻮن ﻟﻤﻦ ﻳﺸﻚ ﻓﻲ وﺟﻮدي‬

‫آﻞ ﺷﻲء ﺣﺘﻰ اﻟﺸﻚ ﻧﻔﺴﻪ‪..‬‬

‫و ﺣﻴﺚ أآﻮن أﻧﺎ اﻟﻮاﺣﺪ‬

‫و أﻧﺎ اﻷﺷﻴﺎء‪.‬‬

‫و آﺄﻧﻤﺎ ﺷﻌﺮ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻤﻔﻜﺮﻳﻦ ﺑﻬﺬا اﻟﻮاﺣﺪ اﻟﺨﻔﻲ‪ ،‬و ﺣﺎول آﻞ ﻣﻨﻬﻢ أن ﻳﻌﺒﺮ ﻋﻨﻪ‬
‫ﺑﻄﺮﻳﻘﺘﻪ‪ ..‬ﻓﻲ ﻓﻠﺴﻔﺔ ﺷﻮﺑﻨﻬﻮر آﺎن اﺳﻤﻪ )) اﻹرادة((‪ ،‬و ﻓﻲ ﻓﻠﺴﻔﺔ ﻧﻴﺘﺸﻪ آﺎن اﺳﻤﻪ ))‬
‫اﻟﻘﻮة((‪ ،‬و ﻓﻲ ﻓﻠﺴﻔﺔ هﻴﺠﻞ )) اﻟﻤﻄﻠﻖ((‪ ،‬و ﻓﻲ ﻓﻠﺴﻔﺔ ﻣﺎرآﺲ ))اﻟﻤﺎدة((‪ ،‬و ﻓﻲ ﻓﻠﺴﻔﺔ‬
‫ﺑﺮﺟﺴﻮن )) اﻟﻄﺎﻗﺔ اﻟﺤﻴﺔ((‪ ،‬و ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ اﻷدﻳﺎن اﻟﺴﻤﺎوﻳﺔ اﺳﻤﻪ اﷲ‪.‬‬

‫اﺗﻔﻘﺖ ﺟﻤﻴﻊ اﻷﺻﺎﺑﻊ اﻟﺘﻲ ﺗﺸﻴﺮ ﻋﻠﻰ أن هﻨﺎك ﺷﻴﺌﺎ داﺧﻞ ﺧﺒﺎء ذﻟﻚ اﻟﻜﻮن ﻳﺤﺮك‬
‫ﺧﻴﻮﻃﻪ‪ ..‬و آﻞ اﻟﺨﻼف هﻮ ﺧﻼف أﺳﻤﺎء‪.‬‬

‫و ﻟﻬﺬا ﺗﻘﻮل ﻋﻠﻮم اﻟﻴﻮﺟﺎ‪ ..‬ﻻ ﺗﺤﺎول أن ﺗﺴﻤﻲ ﻣﺎ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﺴﻤﻴﺘﻪ‪ ..‬ﺗﺄﻣﻞ‪ ..‬ﻻ ﺗﻨﻄﻖ‬
‫ﺑﺤﺮف‪ ..‬ﻋﻠﻴﻚ ﺑﺎﻹﺻﻐﺎء إﻟﻰ ﺻﻮت اﻟﺼﻤﺖ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪199‬‬
 ‫ﺛﻢ ﺟﺎء اﻹﺳﻼم ﺑﺄﺟﻤﻞ و أﺻﺪق ﺗﻌﺮﻳﻒ ﺑﺬﻟﻚ اﻟﺬي ﻣﻦ وراء اﻟﺼﻤﺖ‪ ..‬ﻟﻢ ﻳﺨﻠﻂ اﻟﺨﺎﻟﻖ‬
‫ﺑﺎﻟﻤﺨﻠﻮق آﻤﺎ ﺧﻠﻄﺖ اﻟﻴﻮﺟﺎ اﻟﻬﻨﺪﻳﺔ آﻞ ﺷﻲء ﻓﻲ وﺣﺪة اﻟﻮﺟﻮد ﻓﺠﻌﻠﺖ ﻣﻦ اﻟﻘﺎﺗﻞ و‬
‫اﻟﻘﺘﻴﻞ و اﻟﺴﻜﻴﻦ ﺷﻴﺌﺎ واﺣﺪ ﺗﻀﻴﻊ ﻣﻌﻪ اﻟﻤﺴﺌﻮﻟﻴﺔ و ﻳﻀﻴﻊ اﻟﺠﺰاء ﻓﻲ ﺿﺒﺎب اﻟﺸﻌﺮ‪ ..‬و‬
‫إﻧﻤﺎ ﻗﺪم اﻟﻘﺮﺁن أﻧﻘﻰ ﺻﻮر اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ و أرﻗﻰ ﺻﻮرة ﻟﻮﺣﺪة اﻟﺨﺎﻟﻖ و وﺣﺪة اﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎت‪..‬‬
‫ﻓﺘﻮﺣﺪهﺎ ﻷﻧﻬﺎ ﻣﻨﻪ‪ ..‬أم هﻮ ﻓﻤﺘﻌﺎل ﻋﻠﻴﻬﺎ‪ ..‬ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ‪ ..‬ﻟﻴﺲ آﻤﺜﻠﻪ ﺷﻲء‪..‬‬

‫اﻟﻌﻴﺎل اﻟﺬﻳﻦ ﻇﻨﻮا أﻧﻔﺴﻬﻢ آﺒﺎرا‬

‫أﺣﻴﺎﻧﺎ ﺗﺮاودﻧﻲ اﻟﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ اﻟﺒﻜﺎء ﻣﺜﻞ ﻃﻔﻞ ﺻﻐﻴﺮ ﻳﺘﻴﻢ ﺗﺎهﺖ ﻋﻨﻪ أﻣﻪ ﻓﻲ اﻟﺰﺣﺎم‪ .‬و‬
‫أﺷﻌﺮ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺎت أﻧﻨﺎ ﺟﻤﻴﻌﺎ أﻃﻔﺎل ﻻ ﻓﺮق آﺒﻴﺮ ﻳﺬآﺮ ﺑﻴﻨﻨﺎ و ﺑﻴﻦ أﻃﻔﺎﻟﻨﺎ ﻓﻲ ﻋﻠﻤﻨﺎ‬
‫و ﻣﻌﺎرﻓﻨﺎ و أﺧﻼﻗﻨﺎ‪.‬‬

‫ﻳﺨﻴﻞ إﻟﻴﻨﺎ أﻧﻨﺎ اﺧﺘﺮﻗﻨﺎ اﻟﺴﻤﺎوات ﺑﻌﻠﻮﻣﻨﺎ‪ .‬و ﻟﻮ ﻓﻜﺮﻧﺎ ﻗﻠﻴﻼ ﻟﻮﺟﺪﻧﺎ أﻧﻨﺎ ﻣﺎزﻟﻨﺎ ﻓﻲ ﺣﺮوف أ‬
‫‪ .‬ب ‪ .‬ت ‪ .‬ث ‪ ..‬و أﻧﻨﺎ آﺄوﻻدﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﺘﺒﺔ واﺣﺪة ﻣﻦ اﻟﺤﻴﺮة و اﻟﺘﺴﺎؤل و اﻟﺠﻬﻞ‪.‬‬

‫ﻳﻘﻮل ﻟﻚ ﻃﻔﻠﻚ و هﻮ ﻳﺸﺎور ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻤﺮ‪ :‬ﻣﻦ أﻳﻦ ﺟﺎءوا ﺑﻬﺬا اﻟﻘﻤﺮ ﻳﺎ أﺑﻲ؟‬

‫و ﺗﺠﺎوب ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻜﻼم آﺜﻴﺮ‪ .‬و ﺗﺘﻠﻮ ﻋﻠﻴﻪ ﻧﻈﺮﻳﺎت و اﻓﺘﺮاﺿﺎت ﺧﻼﺻﺘﻬﺎ أﻧﻪ ﻻ أﺣﺪ‬
‫ﻳﻌﺮف اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ‪ .‬و ﻻ ﺣﺘﻰ أﻳﻨﺸﺘﻴﻦ ﻧﻔﺴﻪ‪.‬‬
‫و ﻳﺴﺄﻟﻚ ﻃﻔﻠﻚ ﻋﻦ ﺟﺪﻩ اﻟﺬي ﻣﺎت أﻳﻦ ذهﺐ ﻣﻨﺬ ﻣﻮﺗﻪ‪.‬‬
‫و ﻋﻦ اﺧﻴﻪ اﻟﺬي وﻟﺪ أﻳﻦ آﺎن ﻗﺒﻞ ﻣﻮﻟﺪﻩ‪.‬‬
‫ﻓﻼ ﺗﻌﺮف ﺟﻮاﺑﺎ‪.‬‬

‫ﻓﻼ أﺣﺪ ﻳﻌﺮف ﻣﺎذا ﻗﺒﻞ اﻟﻤﻴﻼد و ﻻ ﻣﺎذا ﺑﻌﺪ اﻟﻤﻮت‪ .‬و ﻻ ﻣﻦ أﻳﻦ‪ .‬و ﻻ إﻟﻰ أﻳﻦ‪.‬‬
‫و ﻳﺸﺎور ﻟﻚ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﻬﺮﺑﺎء و ﻳﻘﻮل ﻣﺎ هﺬا؟ ﻓﺘﻘﻮل اﻟﻜﻬﺮﺑﺎء‪.‬‬
‫و ﻳﺴﺄل ﻣﺎ هﻲ اﻟﻜﻬﺮﺑﺎء ﻓﻼ ﺗﺠﺪ ﺟﻮاﺑﺎ‪.‬‬
‫و ﻳﺴﺄل ﻣﻦ أﻳﻦ أﺗﺖ اﻟﻜﻬﺮﺑﺎء‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪200‬‬
‫ﻓﺘﺤﻜﻲ ﻟﻪ ﺣﻜﺎﻳﺔ ﻃﻮﻳﻠﺔ ﻋﻦ ﻣﺎآﻴﻨﺎت اﻟﻨﻮر و واﺑﻮر اﻟﻨﻮر‪ .‬و أﻧﺖ ﻻ ﺗﺪري ﻣﺎ اﻟﻨﻮر‪ .‬و ﻟﻮ‬
‫ﺳﺄﻟﺖ ﻋﻠﻤﺎء اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ آﻠﻬﻢ ﻣﺎ وﺟﺪت ﻓﻴﻬﻢ واﺣﺪا ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﺪﻟﻚ ﻋﻠﻰ ﻣﺎهﻴﺔ اﻟﻨﻮر و‬
‫آﻨﻬﻪ‪ ،‬و ﻻ ﺣﺘﻰ ﻧﻴﻮﺗﻦ‪ ،‬و ﻻ أﻓﻮﺟﺎدرو‪ ،‬و ﻻ ﻓﺎراداي‪.‬‬

‫و ﻣﺎ أﺟﻬﻠﻨﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺪوام‪.‬‬

‫اﺑﺘﻜﺮﻧﺎ ﻋﻠﻢ اﻟﻨﻔﺲ و آﺘﺒﻨﺎ ﻓﻴﻪ اﻟﻤﺮاﺟﻊ و ﻧﺤﻦ ﻻ ﻧﺪري ﻣﺎ هﻲ اﻟﻨﻔﺲ‪.‬‬

‫و اﺧﺘﺮﻋﻨﺎ اﻟﺴﺎﻋﺎت ﻟﻨﻘﻴﺲ اﻟﺰﻣﻦ و ﻧﺤﻦ ﻻ ﻧﻌﺮف ﻣﺎ هﻮ اﻟﺰﻣﻦ‪.‬‬

‫و ﺳﻜﻨﺎ اﻷرض ﻣﻨﺬ ﻣﻼﻳﻴﻦ اﻟﺴﻨﻴﻴﻦ و ﻣﺎزﻟﻨﺎ ﻻ ﻧﻌﺮف ﻋﻨﻬﺎ إﻻ ﻗﺸﺮﺗﻬﺎ‪.‬‬

‫و ﻳﺠﺘﻤﻊ ﺷﻬﻮد اﻟﺤﺎدﺛﺔ اﻟﻮاﺣﺪة ﻓﻴﺨﺘﻠﻔﻮن ﻓﻲ رواﻳﺘﻬﺎ و ﻳﺤﻜﻴﻬﺎ آﻞ واﺣﺪ ﺑﺼﻮرة‪ .‬و هﺬا‬
‫ﺷﺄن اﻟﺤﺎدﺛﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﻤﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺳﺎﻋﺔ ﻓﻤﺎ ﺑﺎل اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﺬي ﻣﺮ ﻋﻠﻴﻪ أﻟﻮف اﻟﺴﻨﻴﻦ و آﺘﺒﺖ‬
‫ﻓﻴﻪ اﻟﻤﺠﻠﺪات‪ ،‬و آﻠﻬﺎ ﺗﺨﻴﻴﻞ‪.‬‬

‫و ﻣﺎ أﺑﻌﺪﻧﺎ داﺋﻤﺎ ﻋﻦ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ‪.‬‬

‫و ﻣﺎ أﻗﻞ ﻣﺎ ﻧﻌﻠﻢ‪.‬‬

‫و ﻣﺎ أﻗﺮب اﻟﻔﺎرق ﺑﻴﻨﻨﺎ و ﺑﻴﻦ أﻃﻔﺎﻟﻨﺎ ﻓﻲ ﻋﻠﻤﻨﺎ و ﻣﻌﺎرﻓﻨﺎ‪.‬‬

‫ﺑﻞ ﻣﺎ أﻗﺮب اﻟﻔﺎرق ﺑﻴﻨﻨﺎ و ﺑﻴﻦ أﻃﻔﺎﻟﻨﺎ ﻓﻲ أﺧﻼﻗﻨﺎ – ﻧﺤﻦ اﻷوﺻﻴﺎء و اﻟﻤﺮﺑﻴﻴﻦ و آﻞ ﻣﻨﺎ‬
‫ﻳﺤﺘﻀﻦ أﻣﻼآﻪ آﻤﺎ ﻳﺤﺘﻀﻦ اﻟﻄﻔﻞ ﻟﻌﺒﺘﻪ و ﻻ ﻳﻄﻴﻖ أن ﺗﻤﺴﻬﺎ ﻳﺪ ﻣﻨﺘﻔﻊ‪.‬‬

‫و ﻓﻴﻨﺎ اﻟﺒﺨﻴﻞ و اﻟﺸﺮﻩ‪ ،‬و اﻷآﻮل و اﻟﻄﻤﺎع‪ ،‬و ﻣﻦ ﻳﺴﻴﻞ ﻟﻌﺎﺑﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻠﻴﻢ‪.‬‬

‫و اﻟﻄﻔﻞ ﻳﺨﻄﻒ و اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻳﺴﺮق‪.‬‬

‫و اﻟﻄﻔﻞ ﻳﻀﺮب و اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻳﻘﺘﻞ‪.‬‬

‫و اﻟﻄﻔﻞ ﻳﻤﺪ ﻳﺪﻩ ﺑﺎﻹﻳﺬاء و اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻳﻤﺪ ﻋﺼﺎﻩ و ﺳﻜﻴﻨﻪ‪.‬‬

‫و اﻟﻄﻔﻞ ﻳﺮﻣﻲ ﺑﺤﺼﺎة و اﻟﻜﺒﻴﺮ اﻟﻌﻈﻴﻢ ﻳﺮﻣﻲ ﺑﻘﻨﺒﻠﺔ ذرﻳﺔ‪.‬‬

‫أﻻ ﻳﺤﻖ ﻟﻲ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ أن أﺑﻜﻲ ﻋﻠﻰ هﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﻦ اﻟﻌﻴﺎل اﻟﺬﻳﻦ ﻇﻨﻮا أﻧﻔﺴﻬﻢ آﺒﺎرا؟!‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪201‬‬
 ‫آﻴﻒ ﺗﻜﺴﺐ أﻟﻒ ﺟﻨﻴﻪ ﻓﻮرا‬

‫اﻃﻤﺌﻦ‪..‬‬

‫ﻟﻦ أﻗﻮل ﻟﻚ اﻗﻄﻊ اﻟﻜﻮﺑﻮن ﻓﻲ أﺳﻔﻞ اﻟﺼﻔﺤﺔ و أرﺳﻠﻪ ﻣﻊ اﺳﻤﻚ و ﻋﻨﻮاﻧﻚ ﻣﻊ اﻷﺟﻮﺑﺔ‬
‫ﻋﻠﻰ اﻻﺳﺘﻔﺘﺎء آﺬا‪ ..‬و ﻟﻦ أﺣﻮل اﻟﻤﻮﺿﻮع إﻟﻰ ﻣﺴﺎﺑﻘﺔ ﺗﻨﻔﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ)) ﺳﻴﺠﺎل(( أو إﻋﻼن‬
‫ﺗﻮزع ﺟﻮاﺋﺰﻩ )) راﺑﺴﻮ((‪.‬‬

‫إﻧﻤﺎ اﻟﻤﻮﺿﻮع ﺟﺪ‪.‬‬

‫و ﺳﻮف أﻓﻜﺮ ﻣﻌﻚ ﺑﺠﺪ‪ .‬و ﻟﻨﺒﺪأ ﻣﻦ أﻣﺜﻠﺔ ﺑﺴﻴﻄﺔ‪.‬‬

‫و ﻓﻲ ﻣﺜﻞ هﺬا اﻟﺒﺮد اﻟﺸﺪﻳﺪ ﻻ ﺑﺪ أﻧﻚ ﻓﻜﺮت آﻴﻒ ﺗﺘﺪﻓﺄ‪.‬‬

‫و آﺬﻟﻚ ﻓﻜﺮ اﻹﻧﺴﺎن اﻟﺒﺪاﺋﻲ ﻋﻨﺪﻣﺎ داهﻤﺘﻪ أول ﻣﻮﺟﺔ ﺑﺮد‪ ..‬و أﻋﻤﻞ ذهﻨﻪ‪ ..‬و ﻇﻞ ﻳﺨﺒﻂ‬
‫ﺟﺒﻬﺘﻪ ﺑﻴﺪﻩ و ﻳﺨﺒﻂ ﺣﺠﺮا ﺑﺤﺠﺮ و هﻮ ﺷﺎرد‪ ..‬و اﻧﺪﻟﻌﺖ أول ﺷﺮارة ﻣﺼﺎدﻓﺔ ﻣﻦ ﺻﻚ‬
‫اﻟﺤﺠﺮ ﺑﺎﻟﺤﺠﺮ‪ ..‬و ﺣﻤﻠﻖ اﻹﻧﺴﺎن اﻟﻤﺬهﻮل ﻓﻲ هﺬﻩ اﻟﻈﺎهﺮة اﻟﻌﺠﻴﺒﺔ‪.‬‬

‫و ﻻ ﺷﻚ أﻧﻪ ﻗﺪ اﺗﺨﺬهﺎ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻟﻌﺒﺔ‪ ..‬ﺣﺘﻰ أﻣﺴﻜﺖ اﻟﺸﺮارة ذات ﻣﺴﺎء ﺑﻌﻮد ﻗﺶ ﺟﺎف و‬
‫أﺿﺮﻣﺘﻪ ﻧﺎرا‪.‬‬
‫و ﺗﻌﻠﻢ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻨﺬ ذﻟﻚ اﻟﻴﻮم آﻴﻒ ﻳﺤﺘﻄﺐ و ﻳﺠﻤﻊ اﻷﺧﺸﺎب‪ ،‬و ﻳﺸﻌﻞ اﻟﻨﺎر و ﻳﺮﻗﺺ‬
‫ﺣﻮﻟﻬﺎ‪ ،‬و ﻳﻄﻬﻮ ﻃﻌﺎﻣﻪ و ﻳﺘﺪﻓﺄ‪.‬‬

‫ﺛﻢ اآﺘﺸﻒ اﻟﻔﺤﻢ‪.‬‬

‫ﺛﻢ اآﺘﺸﻒ اﻟﺒﺘﺮول‪.‬‬

‫ﺛﻢ اآﺘﺸﻒ اﻟﻐﺎز اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ اﻟﻘﺎﺑﻞ ﻟﻼﺷﺘﻌﺎل‪.‬‬

‫ﺛﻢ اآﺘﺸﻒ اﻟﻜﻬﺮﺑﺎء‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪202‬‬
 ‫ﺛﻢ اآﺘﺸﻒ ﺟﻬﺎز اﻟﺘﻜﻴﻴﻒ‪.‬‬

‫و آﺎﻧﺖ أول ﺛﺮوة ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ ﻟﻺﻧﺴﺎن هﻲ ﻳﺪﻳﻪ و ﺣﻴﻠﺘﻪ‪.‬‬

‫و ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﻳﺪﻳﻪ ﺻﻨﻊ اﻷدوات‪.‬‬

‫و ﺑﻬﺬﻩ اﻷدوات ﻗﻄﻊ اﻷﺷﺠﺎر و ﺣﻔﺮ اﻷرض ﻻﺳﺘﺨﺮاج اﻟﻔﺤﻢ‪.‬‬

‫و آﺎن هﻨﺎك رﺟﻞ أآﺜﺮ ذآﺎء اآﺘﻔﻰ ﺑﺎﻟﺠﻠﻮس ﺑﻌﻴﺪا ﻻ ﻳﻌﻤﻞ ﻳﺪﻳﻪ ﻓﻲ ﺷﻲء و إﻧﻤﺎ ﻳﺄﺧﺬ ﻣﻤﺎ‬
‫ﺟﻤﻌﻪ اﻟﻌﺎﻣﻞ ﻟﻴﺒﻴﻌﻪ‪.‬‬

‫ﺛﻢ ﻇﻬﺮ أﻧﺎس أآﺜﺮ ذآﺎء ﻻ ﻳﻌﻤﻠﻮن أي ﺷﻲء ﺳﻮى أن ﻳﻘﻮﻣﻮا ﺑﺎﻟﻮﺳﺎﻃﺔ ﺑﻴﻦ اﻷﻳﺪي اﻟﺘﻲ‬
‫ﺗﺄﺧﺬ و ﺗﻌﻄﻲ‪ ،‬و ﻳﻘﺒﻀﻮن ﻓﻲ ﻣﻘﺎﺑﻞ هﺬﻩ اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﺳﻤﺴﺮة ﺗﻔﻮق ﻣﺎ ﻳﺮﺑﺤﻪ اﻟﻌﺎﻣﻞ و اﻟﺒﺎﺋﻊ‪.‬‬

‫ﺛﻢ ﺗﻌﻘﺪت أدوات اﻹﻧﺘﺎج ﻟﺘﺘﺤﻮل إﻟﻰ ﻣﺼﺎﻧﻊ‪.‬‬

‫و أﺻﺒﺢ اﻟﻤﺼﻨﻊ هﻮ ﻗﻠﻌﺔ اﻟﺤﺎوي اﻟﺘﻲ ﻳﻮﺿﻊ ﺗﺤﺘﻬﺎ اﻟﺘﺮاب ﻓﻴﺨﺮج ﻣﻨﻬﺎ ﺣﺪﻳﺪا و أﺳﻴﺎﺧﺎ‬
‫و ﺻﻔﺎﺋﺢ ﺻﻠﺐ و ﺳﻴﺎرات و أﺟﻬﺰة ﺗﻜﻴﻴﻒ‪ ..‬ﻣﻊ رﺑﺢ هﺎﺋﻞ ﻳﺪﺧﻞ ﻣﻌﻈﻤﻪ ﻓﻲ ﺟﻴﺐ‬
‫ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻤﺼﻨﻊ‪.‬‬

‫ﺛﻢ ﻇﻬﺮت ﻣﺆﺳﺴﺎت ﺑﻬﻠﻮاﻧﻴﺔ اﺳﻤﻬﺎ اﻟﺸﺮآﺎت وﻇﻴﻔﺘﻬﺎ اﻹﻋﻼن و اﻟﺘﺴﻮﻳﻖ و اﻟﺘﺮوﻳﺞ و‬
‫اﻟﺒﻴﻊ و اﻟﺘﺠﺎرة ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻨﺘﺠﺎت‪ ..‬ﺗﻘﻮم ﺑﺎﻟﻮﺳﺎﻃﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺼﻨﻊ و ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺸﺘﺮي و ﺗﻜﺴﺐ‬
‫ﻣﻦ اﻹﺛﻨﻴﻦ أآﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﻳﻜﺴﺒﻪ اﻟﺼﺎﻧﻊ و ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻤﺼﻨﻊ‪.‬‬

‫و ﻷن اﻟﻤﺎل اﻟﺴﺎﺋﻞ ﻓﻲ ﻗﺪرﺗﻪ أن ﻳﺸﺘﺮي اﻟﻤﺼﻨﻊ و ﻳﺆﺳﺲ اﻟﺸﺮآﺔ ﻓﻘﺪ أﺻﺒﺢ رأس اﻟﻤﺎل‬
‫ﺑﺬاﺗﻪ ﻗﺎدرا ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻮاﻟﺪ و اﻟﺘﻜﺎﺛﺮ ﺑﺪون أن ﻳﻌﻤﻞ ﺻﺎﺣﺒﻪ ﻓﻲ ﺷﻲء‪ ..‬ﻓﻘﻂ ﻣﺎ ﻋﻠﻴﻪ إﻻ أن‬
‫ﻳﻮدﻋﻪ ﻓﻲ ﺑﻨﻚ ﻓﻴﻠﺪ ﻟﻪ ﻧﺴﺒﺔ ﻣﺌﻮﻳﺔ آﻞ ﺳﻨﺔ‪ ..‬ﻓﺈذا أﻗﺎم ﺑﻪ ﻣﺼﻨﻌﺎ أو أﺳﺲ ﺑﻪ ﺷﺮآﺔ ﻓﺴﻮف‬
‫ﻳﺤﺼﻞ ﻋﻠﻰ ﻧﺴﺒﺔ أآﺒﺮ ﻣﻦ اﻟﺮﺑﺢ‪ ..‬و إذا وﻗﻒ ﻳﻘﺎﻣﺮ ﺑﻪ ﻓﻲ اﻟﺒﻮرﺻﺔ ﻋﻠﻰ اﺿﻄﺮاب‬
‫اﻷﺳﻌﺎر ﻧﺰوﻻ و ﺻﻌﻮدا ﻣﻊ اﺧﺘﻼف إﻟﻰ اﻟﻌﺮض و اﻟﻄﻠﺐ و ﻣﻊ أزﻣﺎت اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ و‬
‫ﺣﻤﻰ اﻟﻔﻘﺮ و اﻟﻐﻨﻰ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺪاول اﻟﻨﺎس و اﻟﺸﻌﻮب ﻓﺴﻮف ﻳﻜﺴﺐ أآﺜﺮﻣﻦ اﻟﻜﻞ ﻷﻧﻪ ﺳﻮف‬
‫ﻳﺘﺎﺟﺮ ﻓﻲ اﻟﻔﻠﻮس ذاﺗﻬﺎ‪ ،‬و ﺳﻮف ﻳﺘﺎﺟﺮ ﻓﻲ اﻟﺘﺠﺎرة و ﻓﻲ ﺳﻌﺮ اﻟﺬهﺐ و اﻟﻮرق اﻟﺬي ﻻ‬
‫ﻳﺴﺘﻘﺮ ﻋﻠﻰ ﺣﺎل‪.‬‬

‫و اﻷﻏﻨﻴﺎء و اﻷذآﻴﺎء اﻟﺠﺪد اﻟﺬﻳﻦ اﺷﺘﺮوا ﺑﺄﻣﻮاﻟﻬﻢ آﻞ ﺷﻲء ﻣﻤﺎ آﺎﻧﻮا ﻳﺤﻠﻤﻮن ﺑﻪ ﻣﻦ‬
‫أرض و دور و ﻗﺼﻮر و ﻣﺘﺎع ﻟﻢ ﻳﻘﻔﻮا ﻋﻨﺪ ﺣﺪ‪ ،‬ﻷن ﺛﺮواﺗﻬﻢ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﻘﻒ ﻋﻨﺪ ﺣﺪ‪ ،‬ﻓﺒﺪأوا‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪203‬‬
‫ﻳﺸﺘﺮون اﻟﺬﻣﻢ ﺛﻢ ﻳﺸﺘﺮون اﻷﺣﺰاب و اﻟﺤﻜﻮﻣﺎت ﺛﻢ ﻳﺤﺮآﻮن اﻟﺴﻠﻄﺔ ﻟﺼﺎﻟﺤﻬﻢ ﻓﻴﺪﻓﻌﻮﻧﻬﺎ‬
‫إﻟﻰ ﺗﺠﻴﻴﺶ اﻟﺠﻴﻮش و ﻏﺰو اﻟﺒﻼد اﻟﻤﺘﺨﻠﻔﺔ و اﺳﺘﻌﻤﺎرهﺎ ﻟﺘﻜﻮن أﺳﻮاﻗﺎ ﺟﺪﻳﺪة‪ ،‬و ﻣﺼﺎدر‬
‫ﺟﺪﻳﺪة ﻟﻠﺜﺮوة و اﻟﻘﻮة‪.‬‬

‫و ﺁﺧﺮ ﺻﻮرة ﻣﺤﺰﻧﺔ ﻣﻦ هﺬا اﻟﺬآﺎء اﻟﺒﺸﺮي هﻮ ﻣﺎ ﻧﺮاﻩ اﻵن‪ ،‬ﻓﺎﻷﻗﻮﻳﺎء اﻷﻏﻨﻴﺎء ﻟﻢ‬
‫ﻳﻌﻮدوا ﻳﻔﻜﺮون ﺣﺘﻰ ﻓﻲ أن ﻳﺤﺎرﺑﻮا‪ ..‬و إﻧﻤﺎ اآﺘﻔﺖ اﻟﺪول اﻟﻜﺒﺮى ﺑﺄن ﺗﺼﻨﻊ اﻟﺴﻼح ﺛﻢ‬
‫ﺗﺒﻴﻌﻪ ﻟﻸﻣﻢ اﻟﻔﻘﻴﺮة اﻟﺼﻐﻴﺮة ﻟﺘﻘﺘﻞ ﺑﻪ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﻌﻀﺎ‪ ..‬و ﺗﻄﻮع اﻷذآﻴﺎء ﺑﺈﺷﻌﺎل اﻟﻔﺘﻦ ﻓﻲ‬
‫هﺬﻩ اﻟﺪول اﻟﺼﻐﻴﺮة اﻟﺒﺎﺋﺴﺔ‪ .‬آﻠﻤﺎ ﻧﺎﻣﺖ اﻟﺨﻼﻓﺎت أوﻗﺪوا ﻧﺎرهﺎ‪ ..‬ﺑﻴﻦ اﻟﻬﻨﺪوس و‬
‫اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﻬﻨﺪ‪ ،‬و ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ و اﻟﻤﺴﻴﺤﻴﻴﻦ ﻓﻲ ﻧﻴﺠﻴﺮﻳﺎ‪ ،‬و ﺑﻴﻦ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻚ و‬
‫اﻟﺒﺮوﺗﺴﺘﺎﻧﺖ ﻓﻲ اﻳﺮﻟﻨﺪا‪ ،‬ﻟﺘﻈﻞ اﻟﺤﺮب ﻣﺸﺘﻌﻠﺔ ﺗﺄآﻞ اﻟﺴﻼح و ﺗﺒﻘﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻐﺎر ﺻﻐﺎرا‬
‫و ﺗﺠﻌﻞ اﻟﻜﺒﺎر أآﺒﺮ و اﻷﻏﻨﻴﺎء أﻏﻨﻰ‪.‬‬

‫و ﺑﺮﻏﻢ دﻋﺎوي اﻻﺷﺘﺮاآﻴﺔ ﻇﻞ اﻟﻘﺎﻧﻮن اﻟﻘﺪﻳﻢ ﺳﺎﺋﺪا‪ ..‬إن ﻣﻦ ﻋﻨﺪﻩ ﻳﺮﺑﺢ ﻓﻴﺰداد‪ ..‬و ﻣﻦ‬
‫ﻟﻴﺲ ﻋﻨﺪﻩ ﻳﺨﺴﺮ أآﺜﺮ ﻓﺄآﺜﺮ‪ ..‬اﻟﻜﺒﻴﺮ ﻳﺰداد آﺒﺮا و اﻟﺼﻐﻴﺮ ﻳﺰداد ﺻﻐﺮا‪.‬‬

‫و اﻟﻌﻠﻢ ﺑﺘﻄﻮرﻩ اﻟﺴﺮﻳﻊ ﻳﻬﺪد اﻟﻤﺘﺨﻠﻔﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺰدادون ﺗﺨﻠﻔﺎ ﻓﻲ ﻣﻌﺎرآﻬﻢ ﻣﻊ اﻟﻜﺒﺎر‪..‬‬
‫ﻳﻬﺪدهﻢ ﺑﺄن ﻳﺘﺤﻮﻟﻮا إﻟﻰ ﻗﺮود‪ ،‬ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﻟﻰ اﻷدوات اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻄﻮر ﻓﻲ أﻳﺪي اﻟﻜﺒﺎر‬
‫ﻓﺘﺤﻮﻟﻬﻢ إﻟﻰ ﻋﻤﺎﻟﻘﺔ و أﻧﺼﺎف أرﺑﺎب‪.‬‬

‫و اﻟﺪول اﻟﻜﺒﺮى ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﺗﺘﺼﺮف ﺑﺤﻜﻢ اﻟﻤﺒﺎدئ و اﻷﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺎت‪ ..‬و إﻧﻤﺎ أﺻﺒﺤﺖ‬
‫ﺗﺘﺼﺮف ﺑﺤﻜﻢ آﻮﻧﻬﺎ آﺒﺮى و ﻳﺠﺐ أن ﺗﻈﻞ آﺒﺮى و ﺗﺼﻴﺮ أآﺒﺮ ﻓﻲ ﻣﻮاﺟﻬﺔ دول‬
‫أﺧﺮى)) آﺒﺮى(( ﺗﺤﺎول أن ﺗﻜﻮن أآﺒﺮ و ﻓﻲ ﺣﻠﺒﺔ اﻟﺼﺮاع ﺑﻴﻦ اﻟﻜﺒﺎر‪ ..‬ﺗﺪوس اﻷﻗﺪام‬
‫اﻟﺼﻐﺎر‪ ..‬و ﺗﺪوس ﻣﺼﺎﻟﺤﻬﻢ‪ ،‬و ﺗﺪوس ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ‪.‬‬

‫هﻞ ﻓﻬﻤﺖ ﺷﻴﺌﺎ ﻣﻦ هﺬﻩ اﻟﻘﺼﺔ‪.‬‬

‫ﻟﻘﺪ ﻓﻬﻤﺖ ﺷﻴﺌﺎ ﻣﻦ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ‪.‬‬

‫و ﻓﻬﻤﺖ أن اﻹﻧﺴﺎن آﺎن ﻳﻜﺴﺐ داﺋﻤﺎ ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام ﻳﺪﻳﻪ و ﻋﻘﻠﻪ و ﺣﻴﻠﺘﻪ‪ .‬و أن هﻨﺎك ﻃﺮﻳﻘﺘﻴﻦ‬
‫ﻟﻠﻜﺴﺐ‪ ،‬أن ﺗﻜﺴﺐ ﺑﺎﻟﺤﻴﻠﺔ اﻟﺸﺮﻳﻔﺔ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﻋﻤﻞ ﻳﺪﻳﻚ و ﻋﻤﻞ ﻋﻘﻠﻚ‪ ،‬و أن ﺗﻜﺴﺐ‬
‫ﺑﺎﻟﺤﻴﻠﺔ اﻟﺨﺒﻴﺜﺔ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ أﻳﺪي اﻵﺧﺮﻳﻦ و ﻋﻘﻮﻟﻬﻢ‪ ،‬و أن ﻓﻲ اﻹﻣﻜﺎن أن ﺗﻜﺴﺐ أﻟﻒ‬
‫ﺟﻨﻴﻪ ﺑﺸﺮف‪ ..‬و ذﻟﻚ ﺑﺄن ﺗﻘﺪم ﻋﻤﻼ أو آﺸﻔﺎ أو اﺧﺘﺮاﻋﺎ أو إﻣﺘﺎﻋﺎ أو ﻧﻔﻌﺎ ﻟﻠﻨﺎس ﻳﺴﺎوي‬
‫ﺗﻠﻚ اﻟﻘﻴﻤﺔ‪ ..‬و ﻻ ﻋﺬر ﻟﻚ‪ ..‬و ﻻ ﻳﺼﺢ ﻟﻚ أن ﺗﺘﻌﻠﻞ ﺑﺄن ﺣﻈﻚ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻢ ﻗﻠﻴﻞ‪ .‬ﻓﻘﺪ ﺑﺪأ‬
‫أدﻳﺴﻮن اﻟﻤﺨﺘﺮع اﻟﻌﻈﻴﻢ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺻﺒﻴﺎ ﻳﺒﻴﻊ اﻟﺠﺮاﺋﺪ‪ ،‬ﺛﻢ اﺧﺘﺮع ﻟﻨﺎ اﻟﻤﺼﺒﺎح اﻟﻜﻬﺮﺑﺎﺋﻲ و‬
‫اﻟﺠﺮاﻣﻮﻓﻮن‪ ..‬آﻤﺎ ﺑﺪأ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻜﻬﺮﺑﺎء اﻟﻌﻈﻴﻢ ﻣﺎﻳﻜﻞ ﻓﺎراداي ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺻﺒﻴﺎ ﻳﻌﻤﻞ ﻓﻲ ﻣﺤﻞ‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪204‬‬
 ‫ﺗﺠﻠﻴﺪ آﺘﺐ‪ ،‬ﺛﻢ اآﺘﺸﻒ ﻗﻮاﻧﻴﻦ اﻟﻜﻬﺮﺑﺎء اﻟﺘﻲ اﺧﺘﺮﻋﺖ ﻋﻠﻰ أﺳﺎﺳﻬﺎ ﺟﻤﻴﻊ أﺟﻬﺰة‬
‫اﻟﻼﺳﻠﻜﻲ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ‪.‬‬

‫و اﻟﻼﻋﺐ اﻟﺒﺮاﻳﺰﻳﻠﻲ ﺑﻴﻠﻴﻪ ﺟﻤﻊ ﺛﺮوة هﺎﺋﻠﺔ ﻣﻦ ﻣﺠﺮد إﺗﻘﺎن اﻟﺠﺮي‪ ..‬و أي اﺟﺘﻬﺎد ﻓﻲ أي‬
‫ﺷﻲء و ﻟﻮ آﺎن اﺟﺘﻬﺎدا ﻓﻲ اﻟﻠﻌﺐ‪ ..‬ﻻﺑﺪ أن ﻳﺆﺗﻲ ﺛﻤﺮﺗﻪ‪.‬‬

‫اﻋﻤﻞ ﺑﺠﺪ ﻓﻲ أي ﺷﻲء‪.‬‬

‫و إذا ﻟﻌﺒﺖ ﻓﺎﻟﻌﺐ ﺑﺠﺪ‪.‬‬
‫و اﺑﺪأ ﻓﻮرا ﻣﻦ اﻵن‪.‬‬

‫ﻻ ﺗﺒﺮر آﺴﻠﻚ ﺑﺄن اﻟﻌﻠﻢ ﻓﻲ اﻟﻤﺪارس و اﻟﺠﺎﻣﻌﺎت و أﻧﺖ ﻣﺤﺮوم ﻣﻦ اﻟﻤﺪارس و‬

‫اﻟﺠﺎﻣﻌﺎت‪ ..‬ﻓﺎﻟﻌﻠﻢ ﻓﻲ اﻟﻜﺘﺐ و اﻟﻤﻜﺘﺒﺎت‪ ..‬و هﻮ ﻣﺘﺎح ﻋﻠﻰ اﻷرﺻﻔﺔ أرﺧﺺ ﻣﻦ ﻋﻠﺐ‬
‫اﻟﺴﺠﺎﺋﺮ‪.‬‬
‫و هﻮ ﻓﻲ دور اﻟﻜﺘﺐ ﻣﺠﺎﻧﺎ‪.‬‬

‫و اﻟﻘﺪرة ﻋﻠﻰ اﻻﺑﺘﻜﺎر ﻣﻮهﺒﺔ أودﻋﻬﺎ اﷲ ﻓﻲ آﻞ ﻋﻘﻞ‪ ..‬آﻞ ﻣﺎ ﻋﻠﻴﻚ أن ﺗﺒﺪأ‪.‬‬

‫ﻏﺎدر ﻣﻘﻌﺪك اﻟﻤﺄﻟﻮف ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻘﻬﻰ ﻓﻮرا‪ ..‬و اآﺪح ﺑﺬهﻨﻚ و ﻳﺪﻳﻚ ﻓﻲ ﺷﻲء‪ ..‬و ﻻ ﺗﻈﻦ أن‬
‫)) اﻷﻟﻒ ﺟﻨﻴﻪ(( ﻗﺪ وﻗﻌﺖ ﻋﻠﻰ رأس أي واﺣﺪ ﺑﻤﺠﺮد اﻟﺘﻤﻨﻲ و ﺑﺪون أن ﻳﺠﺘﻬﺪ ﻓﻲ‬
‫آﺴﺒﻬﺎ‪.‬‬

‫و ﺗﺄآﺪ أن ﺗﺴﺨﻴﺮك ﻟﺬآﺎﺋﻚ أﺳﻬﻞ ﻣﻦ ﺗﺴﺨﻴﺮك ﻟﻠﺠﻦ‪.‬‬

‫و ﺛﻖ ﺑﺄن ﻣﻔﻌﻮل ذآﺎﺋﻚ أﻗﻮى ﻣﻦ ﻣﻔﻌﻮل اﻟﺴﺤﺮ‪.‬‬

‫و إذا ﺷﻜﻜﺖ ﻓﻲ آﻼﻣﻲ ﻓﺎﻗﺮأ اﻟﻤﻘﺎل ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ﻟﺘﻌﻠﻢ آﻴﻒ ﻗﺎﻣﺖ دول آﺒﺮى‪ ..‬و آﻴﻒ‬
‫ﺻﻨﻊ اﻟﻤﺼﻨﻊ ﻣﺎ ﻻ ﺗﺼﻨﻌﻪ ﻗﺒﻌﺔ اﻟﺤﺎوي‪ ..‬و آﻴﻒ ﺻﻌﺪ اﻹﻧﺴﺎن ﻟﻠﻘﻤﺮ دون ﺑﺴﺎط‬
‫ﺳﻠﻴﻤﺎن‪ ..‬و آﻴﻒ أﻧﻚ ﻣﻬﺪد ﺑﺄن ﺗﺘﺤﻮل إﻟﻰ ﻗﺮد إذا ﻇﻠﻠﺖ ﺟﺎﻟﺴﺎ ﻓﻲ ﺟﻠﺴﺘﻚ اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟﻤﻘﻬﻰ ﻻ ﺗﺠﻬﺪ ذهﻨﻚ ﻓﻲ ﺷﻲء‪ ..‬و اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻚ ﻓﻲ ﺳﺒﺎق ﻋﻠﻤﻲ رهﻴﺐ ﻳﻔﺾ أﺳﺮار‬
‫اﻟﺬرة‪ ،‬و ﻳﺴﺨﺮ اﻟﻘﻮى اﻟﻨﻮوﻳﺔ ﻓﻲ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻷﻋﺎﺟﻴﺐ‪ ..‬ﻓﻴﺰداد اﻷﻗﻮﻳﺎء ﻗﻮة‪ ،‬و ﻳﺰداد‬
‫اﻟﻀﻌﻔﺎء ﺿﻌﻔﺎ‪ ..‬إﻟﻰ أن ﻳﺼﺒﺢ اﻟﻤﺘﺨﻠﻔﻮن ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻧﺔ اﻟﻘﺮود أو أﻗﻞ ﻣﻦ اﻟﻘﺮود‪.‬‬

‫هﻞ ﺗﺸﻌﺮ ﺑﺄﻧﻲ ﺧﺪﻋﺘﻚ‪.‬‬

‫ﺑﻞ ﻟﻮ آﻨﺖ ﻗﻠﺖ ﻏﻴﺮ هﺬا ﻟﻜﻨﺖ ﺧﺪﻋﺘﻚ‪.‬‬
‫ﺻﺪﻗﻨﻲ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪205‬‬
 ‫هﻞ آﺎﻧﺖ ﻣﺼﺎدﻓﺔ‬

‫ﻳﺤﻠﻮ داﺋﻤﺎ ﻟﻠﻤﻔﻜﺮ اﻟﻤﺎدي أن ﻳﻘﻮل أن اﻹﻧﺴﺎن ﺧﻠﻖ ﻣﺼﺎدﻓﺔ‪ ..‬ﻣﻦ أﺧﻼط اﻟﻤﻮاد اﻟﻤﺘﺨﻤﺮة‬
‫ﻓﻲ ﻃﻴﻦ اﻟﻤﺴﺘﻨﻘﻌﺎت ﻣﻨﺬ ﺧﻤﺴﺔ ﺁﻻف ﻣﻠﻴﻮن ﺳﻨﺔ ﺣﺪث ﺑﺎﻟﻤﺼﺎدﻓﺔ ﺗﻔﺎﻋﻞ أدى إﻟﻰ ﻧﺸﺄة‬
‫اﻟﺨﻠﻴﺔ‪ ..‬و هﻮ ﻻ ﻳﻘﻮل ﻟﻨﺎ آﻴﻒ ﺣﺪث هﺬا اﻟﺘﻔﺎﻋﻞ‪ ،‬و ﻻ آﻴﻒ ﺣﻮﻟﺖ اﻟﻤﺼﺎدﻓﺔ اﻟﻄﻴﻦ إﻟﻰ‬
‫ﺧﻠﻴﺔ ﺣﻴﺔ‪ ..‬و إﻧﻤﺎ هﻮ ﻳﻘﻮل إن هﺬا اﻷﻣﺮ ﻻﺑﺪ ﻗﺪ ﺣﺪث‪ ،‬و إﻧﻨﺎ ﻻ ﻳﺠﺐ أن ﻧﺪهﺶ‪،‬‬
‫ﻓﺎﻟﺨﻤﺴﺔ ﺁﻻف ﻣﻠﻴﻮن ﺳﻨﺔ زﻣﻦ ﻃﻮﻳﻞ ﺟﺪا‪ ..‬و ﻟﻮ أن ﻗﺮدا ﺟﻠﺲ ﻳﺪق ﻋﻠﻰ ﺁﻟﺔ آﺎﺗﺒﺔ و‬
‫ﻳﻠﻬﻮ ﺑﺄﺻﺎﺑﻌﻪ ﻣﺪى ﺧﻤﺴﺔ ﺁﻻف ﻣﻠﻴﻮن ﺳﻨﺔ ﻣﻦ اﻟﺰﻣﺎن ﻓﺈﻧﻪ ﻻﺑﺪ ﺳﻴﺤﺪث ﺑﺎﻟﻤﺼﺎدﻓﺔ أن‬
‫ﻳﻜﺘﺐ ﺑﻴﺘﺎ ﻟﺸﻜﺴﺒﻴﺮ‪.‬‬

‫ﺣﺴﻨﺎ‪ ..‬ﺻﺪﻗﻨﺎ و ﺁﻣﻨﺎ أﻧﻪ ﺑﻤﺼﺎدﻓﺔ ﻓﺮدﻳﺔ ﻻ إﺣﻜﺎم ﻓﻴﻬﺎ و ﻻ ﺗﺪﺑﻴﺮ ﺗﺤﻮل اﻟﻄﻴﻦ إﻟﻰ ﺧﻠﻴﺔ‬
‫ﺣﻴﺔ‪ ..‬و ﻣﺎذا ﺑﻌﺪ؟‪..‬‬

‫إن اﻟﻤﻔﻜﺮ اﻟﻤﺎدي ﻳﻌﻮد ﻓﻴﻬﺮش ﻣﺨﻪ ﻟﻴﻘﻮل إﻧﻪ ﺑﻤﺼﺎدﻓﺔ أﺧﺮى ﺗﻄﻮر اﻟﻜﺎﺋﻦ اﻟﻮﺣﻴﺪ‬
‫اﻟﺨﻠﻴﺔ إﻟﻰ آﺎﺋﻦ ﻣﺘﻌﺪد اﻟﺨﻼﻳﺎ‪.‬‬

‫ﺛﻢ ﻳﻌﻮد ﻓﻴﻬﺮش رأﺳﻪ ﻟﻴﻘﻮل إﻧﻪ ﺑﺨﺒﻄﺔ ﻋﺸﻮاﺋﻴﺔ ﺛﺎﻟﺜﺔ ﺗﻔﺮع ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺤﻴﺎة إﻟﻰ ﺳﻜﺘﻴﻦ‪..‬‬
‫ﺳﻜﺔ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻨﺒﺎﺗﻴﺔ اﻟﺘﻲ اﺧﺘﺎرت اﻟﻨﻤﻮ اﻟﺜﺎﺑﺖ ﻓﻲ اﻷرض‪ ..‬و ﺳﻜﺔ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺤﻴﻮاﻧﻴﺔ اﻟﺘﻲ‬
‫اﺧﺘﺎرت اﻟﺤﺮآﺔ و راﺣﺖ ﺗﻘﺘﺤﻢ اﻟﺒﺮ و اﻟﺒﺤﺮ و اﻟﺠﻮ ﺑﻨﺴﻠﻬﺎ اﻟﻤﻐﺎﻣﺮ اﻟﻄﻤﻮح‪.‬‬

‫ﺛﻢ ﻳﻌﻮد ﻓﻴﻬﺮش ﻗﻔﺎﻩ و ﻳﺨﺮج ﺑﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﺼﺎدﻓﺎت أﺧﺮى ﻟﻴﺤﻮل ﺑﻬﺎ اﻟﻜﻼب إﻟﻰ ﺣﻤﻴﺮ‪،‬‬
‫إﻟﻰ ﺧﻴﻮل‪ ،‬إﻟﻰ زراف إﻟﻰ ﻧﺴﺎﻧﻴﺲ‪ ،‬إﻟﻰ ﻗﺮود‪.‬‬

‫و هﻲ ﻣﺼﺎدﻓﺎت ﻳﺨﺠﻞ ﻣﺆﻟﻒ ﺳﻴﻨﻤﺎﺋﻲ درﺟﺔ ﺛﺎﻟﺜﺔ ﻳﻜﺘﺐ و هﻮ ﻣﺨﻤﻮر ﻓﻴﻠﻤﺎ ﻟﺒﻨﺎﻧﻴﺎ‬
‫ﺳﺎﻗﻄﺎ – أن ﻳﻜﺘﺒﻬﺎ ﻓﻲ رواﻳﺘﻪ‪.‬‬

‫و ﻟﻜﻦ اﻟﻤﻔﻜﺮ اﻟﻤﺎدي اﻟﺬي ﻻ ﻳﺆﻣﻦ ﺑﺎﻟﺨﺠﻞ‪ ،‬و اﻟﺬي ﻳﻌﺘﻘﺪ أﻧﻪ ﺣﻔﻴﺪ ﺑﺎﻟﻤﺼﺎدﻓﺔ ﻟﺠﺪ ﺣﻤﺎر‬
‫ﻳﻌﻮد ﻓﻴﺨﻠﻖ ﺳﻴﻼ ﻣﻦ اﻟﻤﺼﺎدﻓﺎت ﻳﺤﻮل ﺑﻬﺎ اﻟﺸﻤﺒﺎﻧﺰي إﻟﻰ ﻏﻮرﻳﻼ‪ ،‬و اﻟﻐﻮرﻳﻼ إﻟﻰ‬
‫إﻧﺴﺎن‪ ..‬ﺛﻢ ﻳﻔﺮك ﻳﺪﻳﻪ و ﻳﺘﻨﻔﺲ اﻟﺼﻌﺪاء ﻓﻘﺪ اﻧﺘﻬﻰ ﻣﻦ اﻟﻤﺸﻜﻠﺔ و أﺛﺒﺖ أن اﻹﻧﺴﺎن ﺧﻠﻖ‬
‫ﺑﺎﻟﻤﺼﺎدﻓﺔ و ﻳﻤﻮت ﺑﺎﻟﻤﺼﺎدﻓﺔ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪206‬‬
 ‫و ﻻ أﻓﻬﻢ ﻟﻤﺎذا ﻻ ﻳﺘﺮآﻨﺎ اﻟﻤﻔﻜﺮون اﻟﻤﺎدﻳﻮن ﻧﻌﻴﺶ اﻋﺘﺒﺎﻃﺎ و ﻋﻠﻰ ﻣﺰاﺟﻨﺎ ﻣﺎدﻣﻨﺎ ﻗﺪ ﺟﺌﻨﺎ‬
‫ﺑﺎﻟﻤﺼﺎدﻓﺔ و ﻧﻤﻮت ﺑﺎﻟﻤﺼﺎدﻓﺔ و ﻣﺎداﻣﺖ اﻟﺤﻴﺎة ﻣﻦ ﺑﺪﺋﻬﺎ إﻟﻰ ﻧﻬﺎﻳﺘﻬﺎ ﺧﺒﻂ ﻋﺸﻮاء ﻓﻲ‬
‫ﺧﺒﻂ ﻋﺸﻮاء‪ ..‬و ﻟﻴﺲ ﺑﻌﺪهﺎ إﻻ اﻟﺘﺮاب‪.‬‬

‫ﻟﻤﺎذ ﻳﺜﻴﺮون هﺬﻩ اﻟﺤﺮوب اﻟﺪﻣﻮﻳﺔ و ﻳﻀﺮﺑﻮن اﻟﻨﺎس ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﺒﻌﺾ ﻓﻲ ﻣﻌﺮآﺔ ﻣﺬاهﺐ‬
‫ﻻ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻟﻬﺎ؟‬

‫ﻟﻤﺎذا هﺬا اﻟﻌﻨﻒ و اﻟﻘﻬﺮ و اﻟﺠﺒﺮ و اﻟﺴﺤﻖ؟‬

‫و ﻣﻦ أﺟﻞ ﻣﺎذا و ﻻ ﺣﻖ هﻨﺎك‪ ..‬إﻧﻤﺎ هﻲ ﻣﻬﺰﻟﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﺼﺎدﻓﺎت ﺟﺎءت ﺑﻨﺎ إﻟﻰ اﻟﺪﻧﻴﺎ‬
‫ﺑﺪون ﺣﻜﻤﺔ ﺛﻢ هﻲ ﺗﻘﻀﻲ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺑﺪون ﻣﻌﻨﻰ‪ ..‬ﺛﻢ ﻳﻜﻮن اﻟﺼﻤﺖ و اﻟﺘﺮاب و اﻟﻌﺪم ﺑﻼ‬
‫ﺑﻌﺚ و ﺑﻼ ﺣﺴﺎب‪ ..‬هﻜﺬا ﻳﻘﻮﻟﻮن‪ ..‬و هﻜﺬا ﻳﻌﺘﻘﺪون‪ ..‬ﻓﻠﻤﺎذا هﺬا اﻟﺠﻨﻮن و ﻟﻤﺎذا ﻗﺘﻞ اﻟﻨﺎس‬
‫و ذﺑﺢ اﻟﻨﺎس‪ ..‬إذا آﺎﻧﺖ هﻜﺬا ﻋﻘﻴﺪﺗﻬﻢ؟‬

‫و ﻟﻦ أﻧﺎﻗﺶ ﺣﻜﺎﻳﺔ اﻟﻤﺼﺎدﻓﺎت اﻟﺴﺎذﺟﺔ‪ ،‬ﻓﻬﻲ ﻻ ﺗﺤﺘﺎج إﻟﻰ ﻣﻨﺎﻗﺸﺔ‪.‬‬

‫و ﻳﻜﻔﻲ أن ﻧﻨﻈﺮ إﻟﻰ ﺟﻨﺎح ﻓﺮاش ﺑﻨﺴﺠﻪ و أﻟﻮاﻧﻪ و ﻧﻘﻮﺷﻪ ﻟﻨﻌﺮف أﻧﻨﺎ أﻣﺎم ﻓﻨﺎن ﻣﺒﺪع و‬
‫رﻳﺸﺔ ﻣﻠﻬﻤﺔ ﻟﻢ ﺗﺘﺮك ﺑﻘﻌﺔ واﺣﺪة و ﻻ ﺧﻄﺎ واﺣﺪ ﻟﻠﻤﺼﺎدﻓﺔ‪ ..‬و إﻧﻤﺎ هﻲ ﺳﻴﻤﻔﻮﻧﻴﺔ راﺋﻌﺔ‬
‫ﻣﻦ اﻟﺨﻄﻮط و اﻷﻟﻮان‪.‬‬

‫ﺑﻌﻮﺿﺔ ﺗﺎﻓﻬﺔ ﺗﻀﻊ ﺑﻴﻀﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺎء ﻓﻨﻜﺘﺸﻒ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻧﻨﻈﺮ أن آﻞ ﺑﻴﻀﺔ ﻟﻬﺎ آﻴﺴﺎن‬
‫ﻟﻠﻄﻔﻮ‪..‬‬

‫ﻣﻦ ﻋﻠﻢ اﻟﺒﻌﻮﺿﺔ ﻗﻮاﻧﻴﻦ أرﺷﻤﻴﺪس ﻟﺘﺼﻨﻊ هﺬﻩ اﻷآﻴﺎس اﻟﻬﻮاﺋﻴﺔ ﻟﺘﻌﻮﻳﻢ ﺑﻴﻀﻬﺎ ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟﻤﺎء؟‬

‫أﺷﺠﺎر اﻟﺼﺤﺎرى و هﻲ ﺗﻨﺜﺮ ﺑﺬورهﺎ‪ ..‬ﻓﺈذا ﻟﻜﻞ ﺑﺬرة أﺟﻨﺤﺔ‪..‬‬

‫ﻣﻦ ﻋﻠﻢ اﻷﺷﺠﺎر ﻗﻮاﻧﻴﻦ اﻟﺤﻤﻞ اﻟﻬﻮاﺋﻲ؟‬

‫و آﻴﻒ أدرآﺖ ﺗﻠﻚ اﻷﺷﺠﺎر اﻟﺘﻲ ﺑﻼ ﻋﻘﻞ أن ﻋﻠﻰ ﺑﺬورهﺎ أن ﺗﻘﻄﻊ ﻣﺌﺎت و ﺁﻻف‬
‫اﻷﻣﻴﺎل ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺎرى ﺑﺤﺜﺎ ﻋﻦ ﻣﺎء ﻓﺰودﺗﻬﺎ ﺑﻬﺬﻩ اﻷﺟﻨﺤﺔ؟‬

‫ﻣﻦ ﻋﻠﻢ اﻟﻜﺘﻜﻮت أن ﻳﺪق ﺑﻤﻨﻘﺎرﻩ ﻋﻠﻰ أﺿﻌﻒ ﻣﻜﺎن ﻓﻲ اﻟﺒﻴﻀﺔ ﻟﻴﺨﺮج؟‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪207‬‬
 ‫ﻣﻦ ﻋﻠﻢ اﻟﺤﺸﺮات ﻓﻨﻮن اﻟﺘﻨﻜﺮ ﻓﺮاﺣﺖ ﺗﺘﻠﻮن ﺑﺄﻟﻮان ﺑﻴﺌﺎﺗﻬﺎ ﻟﺘﺨﺘﻔﻲ ﻋﻦ اﻷﻧﻈﺎر؟‬

‫ﻣﻦ ﻋﻠﻢ اﻟﻨﺤﻞ ﻗﻮاﻧﻴﻦ اﻟﻌﻤﺎرة ﻟﺘﺒﻨﻲ هﺬﻩ اﻟﺒﻴﻮت اﻟﺴﺪاﺳﻴﺔ اﻟﺪﻗﻴﻘﺔ اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﺸﻤﻊ ﺑﺪون‬
‫ﺁﻻت ﺣﺎﺳﺒﺔ و ﺑﺪون ﻣﺴﻄﺮة؟‬

‫ﻣﻦ ﻳﻬﺪي اﻟﻄﻴﻮر ﻓﻲ رﺣﻠﺔ اﻟﻬﺠﺮة اﻟﺴﻨﻮﻳﺔ ﻣﻦ ﻧﺼﻒ اﻟﻜﺮة اﻷرﺿﻴﺔ إﻟﻰ ﻧﺼﻔﻬﺎ اﻵﺧﺮ‬
‫ﺑﺪون ﺑﻮﺻﻠﺔ و ﺑﺪون رادار‪ ..‬ﻋﺎﺋﺪة إﻟﻰ أوآﺎرهﺎ؟‬

‫و ﻣﺜﻠﻬﺎ اﻷﺳﻤﺎك اﻟﺘﻲ ﺗﻬﺎﺟﺮ ﻋﺒﺮ اﻟﻤﺤﻴﻄﺎت و اﻟﺒﺤﺎر ﻟﺘﻀﻊ ﺑﻴﻀﻬﺎ‪.‬‬

‫ﻟﻤﺎذا ﻻ ﻧﻌﺘﺮف ﺑﺒﺴﺎﻃﺔ و ﺑﺪون ﻣﻜﺎﺑﺮة أن هﻨﺎك ﺧﺎﻟﻘﺎ‪ .‬و أﻧﻪ هﻮ اﻟﺬي هﺪى رﺣﻠﺔ اﻟﺘﻄﻮر‬
‫ﻣﻦ اﻟﺨﻠﻴﺔ إﻟﻰ اﻹﻧﺴﺎن‪ .‬و أﻧﻪ ﺧﻠﻖ آﻞ ﺷﻲء ﻟﺤﻜﻤﺔ و ﺧﻠﻖ اﻹﻧﺴﺎن ﻟﻬﺪف!‬

‫ﻟﻤﺎذا ﻻ ﻧﻌﻮد إﻟﻰ اﻟﺒﺪاهﺔ و اﻟﻔﻄﺮة اﻟﺴﻮﻳﺔ اﻟﺴﻠﻴﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺮى اﻹﺑﺪاع ﻓﻲ آﻞ ﺷﻲء ﻣﻦ‬
‫اﻟﺬرة إﻟﻰ ورق اﻟﺸﺠﺮ إﻟﻰ ﺟﻨﺎح اﻟﻔﺮاش‪ ،‬إﻟﻰ اﻟﺸﻤﻮس و اﻟﻤﺠﺮات ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء‪ ..‬ﻓﻨﺼﻞ‬
‫إﻟﻰ اﻟﻨﺘﻴﺠﺔ اﻟﺒﺴﻴﻄﺔ‪ ..‬إن ﻣﺜﻞ هﺬا اﻹﺑﺪاع و ﻣﺜﻞ هﺬا اﻟﺨﻠﻖ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻜﻮن ﺳﺪى‪ ..‬و‬
‫اﻹﻧﺴﺎن ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﺨﻠﻖ ﻋﺒﺜﺎ ﻟﻴﻤﻮت ﻋﺒﺜﺎ‪ ..‬و إﻧﻤﺎ ﻟﻠﻘﺼﺔ ﺑﻘﻴﺔ‪ ..‬و ﻟﻠﻤﻮت ﻣﺎ ﺑﻌﺪﻩ‪..‬‬

‫أم أن اﻟﺠﺪ اﻟﺤﻤﺎر ﻗﺪ ﺧﻠﻒ ﺁﺛﺎرﻩ اﻟﺘﻲ ﻻ ﻋﻼج ﻟﻬﺎ ﻓﻲ أﺣﻔﺎدﻩ اﻟﻤﻔﻜﺮﻳﻦ اﻟﻤﺎدﻳﻴﻦ اﻟﺬﻳﻦ‬
‫ﻳﻘﺘﺘﻠﻮن ﻋﻠﻰ اﻟﻬﺒﺎء و ﻳﺪورون ﻓﻲ اﻟﺨﻮاء‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪208‬‬
 ‫ﻣﺨﻴﺮ أم ﻣﺴﻴﺮ‬

‫ﻳﺴﺄﻟﻨﻲ اﻟﻘﺮاء داﺋﻤﺎ ﻓﻲ اﺳﺘﻐﺮاب‪ ..‬آﻴﻒ وﺻﻠﺖ إﻟﻰ ﻗﺮارك اﻟﺬي ﺗﺮددﻩ ﻓﻲ آﻞ آﺘﺒﻚ و‬
‫ﻣﻘﺎﻻﺗﻚ ﺑﺄن اﻹﻧﺴﺎن ﻣﺨﻴﺮ ﻻ ﻣﺴﻴﺮ‪.‬‬

‫آﻴﻒ ﻳﻜﻮن اﻹﻧﺴﺎن ﻣﺨﻴﺮا و هﻮ ﻣﺤﻜﻮم ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺎﻟﻤﻴﻼد و اﻟﻤﻮت و اﻻﺳﻢ و اﻷﺳﺮة و‬
‫اﻟﺒﻴﺌﺔ‪ ،‬و ﻻ ﺣﻮل ﻟﻪ و ﻻ ﻗﻮة‪ ،‬و ﻻ اﺧﺘﻴﺎر ﻓﻲ هﺬﻩ اﻷﺷﻴﺎء اﻟﺘﻲ ﺗﺸﻜﻞ ﻟﻪ ﺷﺨﺼﻴﺘﻪ و‬
‫ﺗﺼﺮﻓﺎﺗﻪ‪.‬‬

‫و اﻟﻘﺮاء ﻳﻘﻌﻮن ﻓﻲ ﺧﻄﺄ أوﻟﻲ ﻣﻨﺬ اﻟﺒﺪاﻳﺔ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﻘﻴﻤﻮن ﻋﻼﻗﺔ ﺣﺘﻤﻴﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﺒﻴﺌﺔ و‬
‫اﻟﺴﻠﻮك‪ ..‬و ﺑﻴﻦ اﻷﺳﺮة و ﺗﻘﺎﻟﻴﺪهﺎ و ﺑﻴﻦ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ‪ ،‬و هﻮ ﺗﻔﻜﻴﺮ ﺧﺎﻃﺊ‪ ،‬ﻓﻼ ﺗﻮﺟﺪ ﺣﺘﻤﻴﺔ‬
‫ﻓﻲ اﻷﻣﻮر اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ‪ ..‬و إﻧﻤﺎ ﻳﻮﺟﺪ – ﻋﻠﻰ اﻷآﺜﺮ – ﺗﺮﺟﻴﺢ و اﺣﺘﻤﺎل و هﺬا هﻮ اﻟﻔﺮق‬
‫ﺑﻴﻦ اﻹﻧﺴﺎن و اﻟﺠﻤﺎد و هﺬا هﻮ اﻟﻔﺮق ﺑﻴﻦ اﻹﻧﺴﺎن و ﺑﺮادة اﻟﺤﺪﻳﺪ‪.‬‬

‫ﺑﺮادة اﻟﺤﺪﻳﺪ ﺗﻄﺎوع ﺧﻄﻮط اﻟﻤﺠﺎل اﻟﻤﻐﻨﺎﻃﻴﺴﻲ ﻓﻲ ﺣﺘﻤﻴﺔ و ﺟﺒﺮﻳﺔ و ﺗﺮاص ﻓﻲ ﺧﻄﻮط‬
‫اﻟﻤﺠﺎل ﺣﺘﻤﺎ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻧﺮﺷﻬﺎ ﺣﻮل اﻟﻤﻐﻨﺎﻃﻴﺲ‪.‬‬

‫أﻣﺎ اﻹﻧﺴﺎن ﻓﺈن ﻋﻼﻗﺘﻪ ﺑﻈﺮوﻓﻪ ﻻ ﺗﺰﻳﺪ ﻋﻠﻰ آﻮﻧﻬﺎ اﺣﺘﻤﺎﻻ أو ﺗﺮﺟﻴﺤﺎ‪.‬‬

‫اﻻﺑﻦ اﻟﺬي ﻳﻨﺸﺄ ﻓﻲ ﻋﺎﺋﻠﺔ ﻣﺤﺎﻓﻈﺔ ﻣﺤﺘﻤﻞ أن ﻳﻨﺸﺄ ﻣﺤﺎﻓﻈﺎ هﻮ اﻵﺧﺮ ﻣﺠﺮد اﺣﺘﻤﺎل‪ ..‬و‬
‫آﺜﻴﺮا ﻣﺎ ﻳﺤﺪث اﻟﻌﻜﺲ‪ ،‬ﻓﻨﺮى هﺬا اﻻﺑﻦ و ﻗﺪ اﻧﻘﻠﺐ ﻣﺘﻤﺮدا ﺛﺎﺋﺮا ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ‪ ،‬ﻣﺤﻄﻤﺎ‬
‫ﻟﻬﺎ‪..‬‬

‫و هﺬا هﻮ اﻟﻔﺮق ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺴﺎﺋﻞ اﻵﻟﻴﺔ اﻟﻤﻴﻜﺎﻧﻴﻜﻴﺔ و اﻟﻤﺴﺎﺋﻞ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ‪ ..‬و ﻧﻔﺲ اﻟﻜﻼم ﻳﻘﺎل‬
‫ﻓﻲ اﻟﺒﻴﺌﺔ‪..‬‬

‫اﻟﺒﻴﺌﺔ ﺗﺸﻜﻞ اﻹﻧﺴﺎن‪ ..‬و ﻟﻜﻦ اﻹﻧﺴﺎن أﻳﻀﺎ ﻳﺸﻜﻞ اﻟﺒﻴﺌﺔ‪.‬‬

‫و ﻧﻈﺮة ﺳﺮﻳﻌﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻌﺼﺮي ﺣﻮﻟﻨﺎ ﺳﻮف ﺗﺮﻳﻨﺎ آﻴﻒ أﺧﻀﻊ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﺸﺎآﻞ‬
‫اﻟﺤﺮ و اﻟﺒﺮد و اﻟﻤﺴﺎﻓﺎت ﺑﻌﻘﻠﻪ و ﻋﻠﻤﻪ و اﺳﺘﻄﺎع أن ﻳﺴﻮدهﺎ ﻓﻬﻮ ﻳﻜﻴﻒ اﻟﻬﻮاء‬
‫ﺑﺎﻟﻤﻜﻴﻔﺎت‪ ،‬و هﻮ ﻳﻬﺰم اﻟﻤﺴﺎﻓﺎت ﺑﺎﻟﻤﻮاﺻﻼت اﻟﺴﺮﻳﻌﺔ و اﻟﺒﺮق و اﻟﻬﺎﺗﻒ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪209‬‬
 ‫اﻹﻧﺴﺎن ﻟﻴﺲ آﺘﻠﺔ هﻼﻣﻴﺔ ﺳﻠﺒﻴﺔ ﺗﺸﻜﻠﻬﺎ ﺣﺘﻤﻴﺎت اﻟﺒﻴﺌﺔ‪ ..‬و ﻟﻜﻨﻪ إرادة ﺻﻠﺒﺔ ﻓﻲ ذاﺗﻬﺎ ﻟﻬﺎ‬
‫ﺣﺮﻳﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﺗﻮﺟﻴﻪ اﻷﺣﺪاث‪.‬‬

‫و هﺬا هﻮ اﻹﻧﺴﺎن اﻟﺬي وﻟﺪ ﻃﻔﻼ ﺗﺤﻜﻤﻪ أﺳﺮﺗﻪ و ﺑﻴﺌﺘﻪ و ﻣﻘﺘﻀﻴﺎت اﺳﻤﻪ و ﺗﻘﺎﻟﻴﺪﻩ‪ ..‬هﺎ‬
‫هﻮ ذا ﻳﻬﺎﺟﺮ و ﻳﻐﻴﺮ اﺳﻤﻪ و ﺑﻴﺌﺘﻪ و أﺳﺮﺗﻪ و ﻳﻨﺘﻘﻞ إﻟﻰ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﺟﺪﻳﺪ ﻓﻴﺼﻨﻊ اﻧﻘﻼﺑﺎ ﻓﻲ‬
‫هﺬا اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﺠﺪﻳﺪ و ﻳﻐﻴﺮﻩ ﻣﻦ أﺳﺎﺳﻪ‪.‬‬

‫و هﺎ هﻮ ذا ﻳﻤﻮت ﻓﻴﺘﺮك آﺘﺎﺑﺎ‪ ..‬ﻓﺈذا ﺑﺎﻟﻜﺘﺎب ﻳﻐﻴﺮ اﻟﺘﺎرﻳﺦ‪.‬‬

‫و ﺻﺤﻴﺢ أن اﻹﻧﺴﺎن ﻗﻠﻴﻞ اﻟﺤﻴﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻮﻟﺪ ﺑﻬﺎ و ﻓﻲ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻮت‬
‫ﺑﻬﺎ‪ ..‬و ﻟﻜﻨﻪ ﺑﻴﻦ ﻣﻴﻼدﻩ و ﻣﻮﺗﻪ ﻳﺼﻨﻊ ﺣﻀﺎرة‪ ..‬أﻋﻄﺎﻩ اﷲ اﻟﻘﺪرة ﻋﻠﻰ أن ﻳﺒﻨﻲ و ﻳﻬﺪم و‬
‫ﻳﺤﺮر و ﻳﺘﺤﺮر و ﻳﻔﻜﺮ و ﻳﺒﺘﻜﺮ و ﻳﺨﺘﺮع و ﻳﻔﺠﺮ و ﻳﻌﻤﺮ و ﻳﺪﻣﺮ‪ ..‬و ﺳﻠﻤﻪ ﻣﻘﺎﻟﻴﺪ اﻟﺨﻴﺮ‬
‫و اﻟﺸﺮ و ﺣﺮﻳﺔ اﻻﺧﺘﻴﺎر‪.‬‬

‫و ﺣﻮاﺟﺰ اﻟﺒﻴﺌﺔ و ﺿﻐﻮط اﻟﻈﺮوف ﻻ ﺗﻘﻮم دﻟﻴﻼ ﻋﻠﻰ ﻋﺪم اﻟﺤﺮﻳﺔ ﺑﻞ هﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻜﺲ‬
‫دﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ وﺟﻮد هﺬﻩ اﻟﺤﺮﻳﺔ‪ ..‬ﻓﻼ ﻣﻌﻨﻰ ﻟﻠﺤﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺑﻼ ﻋﻘﺒﺎت‪ ..‬و ﻓﻲ ﻣﺜﻞ هﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ‬
‫اﻟﺬي ﺑﻼ ﻋﻘﺒﺎت ﻻ ﻳﺴﻤﻰ اﻹﻧﺴﺎن ﺣﺮا‪ ،‬إذ ﻻ ﺗﻮﺟﺪ ﻟﺮﻏﺒﺎﺗﻪ ﻣﻘﺎوﻣﺎت ﻳﺸﻌﺮ ﺑﺤﺮﻳﺘﻪ ﻣﻦ‬
‫ﺧﻼل اﻟﺘﻐﻠﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ‪.‬‬

‫و اﻟﺤﺮﻳﺔ ﻻ ﺗﻌﺒﺮ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻬﺎ إﻻ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﻌﻘﺒﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻐﻠﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ‪ ..‬ﻓﻬﻲ ﺗﻜﺸﻒ ﻋﻦ‬
‫ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺑﺼﻮرة ﺟﺪﻟﻴﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﻔﻌﻞ و ﻣﻘﺎوﻣﺔ اﻟﻔﻌﻞ‪.‬‬

‫و ﻟﻬﺬا آﺎﻧﺖ اﻟﻀﻐﻮط و اﻟﻌﻮاﺋﻖ و اﻟﻌﻘﺒﺎت ﻣﻦ أدﻟﺔ اﻟﺤﺮﻳﺔ و ﻟﻴﺲ اﻟﻌﻜﺲ‪.‬‬

‫و اﻟﻔﻴﻠﺴﻮف اﻟﻐﺰاﻟﻲ ﻳﺤﻞ اﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﺑﺄن ﻳﻘﻮل إن اﷲ ﺣﺮ ﻣﺨﻴﺮ ﻣﻄﻠﻖ اﻟﺘﺨﻴﻴﺮ و اﻟﻤﺎدة‬
‫اﻟﺠﺎﻣﺪة ﻣﺴﻴﺮة ﻣﻨﺘﻬﻰ اﻟﺘﺴﻴﻴﺮ‪ ..‬و اﻹﻧﺴﺎن ﻓﻲ ﻣﻨﺰﻟﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﻤﻨﺰﻟﺘﻴﻦ‪ ..‬أي أﻧﻪ ﻣﺨﻴﺮ ﻣﺴﻴﺮ‬
‫ﻓﻲ ذات اﻟﻮﻗﺖ‪ ..‬ﻣﺨﻴﺮ ﺑﻤﻘﺪار ﻣﺴﻴﺮ ﺑﻤﻘﺪار‪.‬‬

‫و ﺗﻮﺿﻴﺤﺎ ﻟﻜﻼﻣﻪ أﻗﻮل إن اﻹﻧﺴﺎن ﺣﺮ ﻣﻄﻠﻖ اﻟﺤﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺿﻤﻴﺮﻩ‪ ..‬ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ‬
‫اﻟﺴﺮﻳﺮة و اﻟﻨﻴﺔ‪ ..‬ﻓﺄﻧﺖ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﺗﺠﺒﺮ ﺧﺎدﻣﻚ ﻋﻠﻰ أن ﻳﻬﺘﻒ ﺑﺎﺳﻤﻚ أو ﻳﻘﺒﻞ ﻳﺪك‪ ،‬و‬
‫ﻟﻜﻨﻚ ﻻ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﺗﺠﺒﺮﻩ ﻋﻠﻰ أن ﻳﺤﺒﻚ‪ ..‬ﻓﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﺤﺐ و اﻟﻜﺮاهﻴﺔ و هﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ‬
‫اﻟﺴﺮﻳﺮة ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺣﺮة ﺣﺮرهﺎ اﷲ ﻣﻦ آﻞ اﻟﻘﻴﻮد و رﻓﻊ ﻋﻨﻬﺎ اﻟﺤﺼﺎر و وﺿﻊ ﺟﻨﺪﻩ‬
‫ﺧﺎرﺟﻬﺎ‪..‬‬

‫ﻻ ﻳﺪﺧﻞ اﻟﺸﻴﻄﺎن ﻗﻠﺒﻚ إﻻ إذا دﻋﻮﺗﻪ أﻧﺖ و ﻓﺘﺤﺖ ﻟﻪ اﻟﺒﺎب‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪210‬‬
 ‫و ﻗﺪ أراد اﷲ هﺬﻩ اﻟﻨﻴﺔ ﺣﺮة ﻷﻧﻬﺎ ﻣﻨﺎط اﻟﻤﺴﺌﻮﻟﻴﺔ و اﻟﻤﺤﺎﺳﺒﺔ‪.‬‬

‫أﻣﺎ ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﻔﻌﻞ ﻓﻬﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻢ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺘﺪﺧﻞ اﻹﻟﻬﻲ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻈﺮوف و‬
‫اﻷﺳﺒﺎب و اﻟﻤﻼﺑﺴﺎت ﻟﻴﺠﻌﻞ اﷲ أﻣﺮا ﻣﺎ ﻣﻴﺴﺮا أو ﻣﻌﺴﺮا ﺣﺴﺐ ﻧﻴﺔ ﺻﺎﺣﺒﻪ‪.‬‬

‫ﻞ‬
‫ﺨَ‬
‫ﺴﺮَى )‪َ (7‬وَأﻣﱠﺎ ﻣَﻦ َﺑ ِ‬
‫ﺴُﻨ َﻴﺴﱢ ُﺮ ُﻩ ِﻟ ْﻠُﻴ ْ‬
‫ﺴﻨَﻰ )‪َ (6‬ﻓ َ‬ ‫ﺤْ‬ ‫ق ﺑِﺎْﻟ ُ‬‫ﺻ ﱠﺪ َ‬
‫ﻋﻄَﻰ وَاﱠﺗﻘَﻰ )‪َ (5‬و َ‬ ‫)) َﻓَﺄﻣﱠﺎ ﻣَﻦ َأ ْ‬
‫ﺴﺮَى )‪) (( (10‬اﻟﻠﻴﻞ(‬ ‫ﺴُﻨ َﻴﺴﱢ ُﺮ ُﻩ ِﻟ ْﻠ ُﻌ ْ‬
‫ﺴﻨَﻰ )‪َ (9‬ﻓ َ‬
‫ﺤْ‬‫ب ﺑِﺎ ْﻟ ُ‬
‫ﺳ َﺘ ْﻐﻨَﻰ )‪َ (8‬و َآ ﱠﺬ َ‬ ‫وَا ْ‬

‫ﻳﻤﻬﺪ اﷲ أﺳﺒﺎب اﻟﺸﺮ ﻟﻸﺷﺮار‪ ..‬و ﻳﻤﻬﺪ أﺳﺒﺎب اﻟﺨﻴﺮ ﻟﻸﺧﻴﺎر‪ ..‬ﻟﻴﺨﺮج آﻞ ﻣﻨﺎ ﻣﺎ ﻳﻜﺘﻤﻪ‬
‫و ﻳﻔﺼﺢ ﻋﻦ ﺳﺮﻳﺮﺗﻪ و ﻧﻴﺘﻪ و ﻳﺘﻠﺒﺲ ﺑﻔﻌﻠﻪ‪.‬‬

‫و ﺑﻬﺬا ﻻ ﻳﻜﻮن اﻟﺘﺴﻴﻴﺮ اﻹﻟﻬﻲ ﻣﻨﺎﻓﻴﺎ أو ﻣﻨﺎﻗﻀﺎ ﻟﻠﺘﺨﻴﻴﺮ‪ ،‬ﻓﺎﷲ ﻳﺴﺘﺪرج اﻹﻧﺴﺎن ﺑﺎﻷﺳﺒﺎب‬
‫ﺣﺘﻰ ﻳﺨﺮج ﻣﺎ ﻳﻜﺘﻤﻪ و ﻳﻔﺼﺢ ﻋﻦ ﻧﻴﺘﻪ و دﺧﻴﻠﺘﻪ و ﻳﺘﻠﺒﺲ ﺑﺎﺧﺘﻴﺎرﻩ‪.‬‬

‫اﷲ ﺑﺈرادﺗﻪ ﻳﻔﻀﺢ إرادﺗﻨﺎ و اﺧﺘﻴﺎرﻧﺎ و ﻳﻜﺸﻔﻨﺎ أﻣﺎم أﻧﻔﺴﻨﺎ‪.‬‬

‫و ﻣﻦ ﺛﻢ ﻳﻜﻮن اﻹﻧﺴﺎن ﻓﻲ آﺘﺎب اﷲ ﻣﺨﻴﺮا ﻣﺴﻴﺮا ﻓﻲ ذات اﻟﻮﻗﺖ‪ ..‬دون ﺗﻨﺎﻗﺾ‪ ..‬ﻓﺎﷲ‬
‫ﻳﺮﻳﺪ ﻟﻨﺎ و ﻳﻘﺪر ﻟﻨﺎ ﺣﺘﻰ ﻧﻜﺘﺐ ﻋﻠﻰ أﻧﻔﺴﻨﺎ ﻣﺎ ﻧﺮﻳﺪﻩ ﻷﻧﻔﺴﻨﺎ و ﻣﺎ ﻧﺨﻔﻴﻪ ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺑﻨﺎ و ﻣﺎ‬
‫ﻧﺨﺘﺎرﻩ ﻓﻲ أﻋﻤﻖ اﻷﻋﻤﺎق دون ﺟﺒﺮ أو إآﺮاﻩ‪ ،‬و إﻧﻤﺎ اﺳﺘﺪراﺟﺎ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻷﺳﺒﺎب و‬
‫اﻟﻈﺮوف و اﻟﻤﻼﺑﺴﺎت‪.‬‬

‫و ﻓﻲ إﻣﻜﺎن اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﺎ أن ﻳﺒﻠﻎ ذروة اﻟﺤﺮﻳﺔ ﺑﺄن ﺗﻜﻮن إرادﺗﻪ هﻲ إرادة اﷲ و اﺧﺘﻴﺎرﻩ هﻮ‬
‫اﺧﺘﻴﺎر اﷲ و ﻋﻤﻠﻪ هﻮ أﻣﺮ اﷲ و ﺷﺮﻳﻌﺘﻪ‪ ..‬ﺑﺄن ﻳﻜﻮن اﻟﻌﺒﺪ اﻟﺮﺑﺎﻧﻲ اﻟﺬي ﺣﻴﺎﺗﻪ هﻲ‬
‫اﻟﻨﺎﻣﻮس اﻹﻟﻬﻲ‪ ،‬ﻓﻴﻌﺒﺪ اﷲ ﺣﺒﺎ و اﺧﺘﻴﺎرا ﻻ ﺗﻜﻠﻴﻔﺎ‪ ..‬إﻧﻪ اﻟﺤﺐ اﻟﺬي ﻗﺎل ﻋﻨﻪ اﻟﻤﺴﻴﺢ‪:‬‬

‫)) ﻟﻮ آﺎن ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻚ ذرة اﻳﻤﺎن و ﻗﻠﺖ ﻟﻠﺠﺒﻞ اﻧﺘﻘﻞ ﻣﻦ ﻣﻜﺎﻧﻚ ﻻﻧﺘﻘﻞ ﻣﻦ ﻣﻜﺎﻧﻪ((‪.‬‬

‫آﻤﺎ ﻳﺤﺪث أن ﻧﻌﻄﻲ ﻣﻦ ذات ﻧﻔﻮﺳﻨﺎ ﻟﻤﻦ ﻧﺤﺐ آﺬﻟﻚ ﻳﻌﻄﻲ اﷲ ﻣﻦ ذاﺗﻪ ﻷﺣﺒﺎﺑﻪ‪ ،‬ﻓﻴﺤﻘﻖ‬
‫ﻟﻬﻢ ﻣﺎ ﻳﺸﺎءون ﻓﻴﻜﻮﻧﻮن اﻷﺣﺮار ﺣﻘﺎ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪211‬‬
 ‫ﻟﻐﺰ اﻟﺮﻗﻢ ﺳﺒﻌﺔ‬

‫اﻟﻴﻬﻮد ﻳﻘﺪﺳﻮن اﻟﻴﻮم اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻣﻦ اﻷﺳﺒﻮع ) اﻟﺴﺒﺖ( و ﻳﺠﻌﻠﻮن ﻣﻨﻪ ﻳﻮم راﺣﺔ‪ ..‬و اﻟﺴﻨﺔ‬
‫اﻟﺴﺎﺑﻌﺔ و ﻳﺴﻤﻮﻧﻬﺎ ﺳﻨﺔ اﻟﺴﺒﺖ‪ ..‬و آﺬﻟﻚ ‪ 7 * 7‬أي اﻟﻌﺎم اﻟﺘﺎﺳﻊ و اﻷرﺑﻌﻮن و ﻳﺴﻤﻮﻧﻪ‬
‫ﻋﺎم اﻟﻌﻴﺪ‪.‬‬

‫و ﺗﻘﻮل ﻟﻨﺎ اﻟﺘﻮراة إن اﷲ ﺧﻠﻖ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻓﻲ ﺳﺘﺔ أﻳﺎم ﺛﻢ اﺳﺘﺮاح ﻓﻲ اﻟﻴﻮم اﻟﺴﺎﺑﻊ‪.‬‬

‫و ﻓﻲ اﻹﻧﺠﻴﻞ ﻳﻘﻮل ﻟﻨﺎ ﻳﻮﺣﻨﺎ اﻟﻼهﻮﺗﻲ ﻓﻲ ﺳﻔﺮ اﻟﺮؤﻳﺎ إن اﷲ ﻳﻮم اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﻳﻔﺘﺢ آﺘﺎب‬
‫اﻷﻗﺪار‪ ،‬و ﻳﻔﺾ اﻷﺧﺘﺎم اﻟﺴﺒﻌﺔ‪ ،‬ﻓﻴﻨﻔﺦ ﺳﺒﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ﻓﻲ ﺳﺒﻌﺔ أﺑﻮاق و ﺗﺤﺪث ﺳﺒﻊ‬
‫آﻮارث ﺗﻨﺘﻬﻲ ﺑﻬﺎ اﻟﺪﻧﻴﺎ‪.‬‬

‫و ﻳﺤﺪﺛﻨﺎ اﻟﻘﺮﺁن ﻋﻦ ﺳﺒﻊ ﺳﻤﺎوات‪ ،‬و ﺳﺒﻊ أﺑﻮاب ﻟﻠﺠﺤﻴﻢ‪ ،‬و ﺳﺒﻊ ﻟﻴﺎل ﻋﺠﺎف ﻣﺮت ﺑﻬﺎ‬
‫ﻣﺼﺮ أﻳﺎم ﻧﺒﻮة ﻳﻮﺳﻒ‪ ،‬و ﺳﺒﻊ ﻟﻴﺎل ﺳﺨﺮت ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺮﻳﺎح اﻟﻤﻬﻠﻜﺔ ﻋﻠﻰ ﻗﻮم ﻋﺎد‪ ،‬و ﺳﺒﻌﻴﻦ‬
‫رﺟﻼ ﺟﻤﻌﻬﻢ ﻣﻮﺳﻰ ﻟﻤﻴﻘﺎﺗﻪ ﻣﻊ اﷲ‪ .‬و ﺳﻠﺴﻠﺔ ﻓﻲ ﺟﻬﻨﻢ ﻃﻮﻟﻬﺎ ﺳﺒﻌﻮن ذراﻋﺎ‪ ،‬و ﻳﻘﻮل‬
‫ﻟﻠﻨﺒﻲ اﻟﻜﺮﻳﻢ‪ ) :‬و ﻟﻘﺪ أﺗﻴﻨﺎك ﺳﺒﻌﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﺜﺎﻧﻲ و اﻟﻘﺮﺁن اﻟﻌﻈﻴﻢ(‪.‬‬

‫و ﻳﻘﻮل إن اﷲ ﺧﻠﻖ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻓﻲ ﺳﺘﺔ أﻳﺎم ﺛﻢ اﺳﺘﻮى ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺮش ﻓﻲ اﻟﻴﻮم اﻟﺴﺎﺑﻊ‪.‬‬

‫ﻓﺈذا وﺿﻌﻨﺎ اﻟﻜﺘﺐ اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﺟﺎﻧﺒﺎ و ﺟﺌﻨﺎ إﻟﻰ اﻟﻌﻠﻢ ﻓﺈﻧﺎ ﻧﺠﺪﻩ ﻳﻘﻮل ﻟﻨﺎ ﻣﺎ هﻮ أﻋﺠﺐ‪ .‬ﻓﺎﻟﻨﻮر‬
‫ﻳﺘﺰﻟﻒ ﻣﻦ ﺳﺒﻌﺔ أﻟﻮان هﻲ أﻟﻮان اﻟﻄﻴﻒ‪ ،‬ﻣﻦ اﻷﺣﻤﺮ إﻟﻰ اﻟﺒﻨﻔﺴﺠﻲ‪ .‬ﺛﻢ ﻳﺄﺗﻲ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ‬
‫ﺳﺒﻌﺔ أﻟﻮان ﻏﻴﺮ ﻣﻨﻈﻮرة ﻣﻦ ﺗﺤﺖ اﻷﺣﻤﺮ إﻟﻰ ﻓﻮق اﻟﺒﻨﻔﺴﺠﻲ‪ ،‬و هﻜﺬا ﻓﻲ ﻣﺘﺘﺎﻟﻴﺎت‬
‫ﺳﺒﺎﻋﻴﺔ‪.‬‬

‫و اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ ﻳﺘﺰﻟﻒ ﺳﻠﻤﻬﺎ ﻣﻦ ﺳﺒﻊ ﻧﻐﻤﺎت‪ :‬ﺻﻮل‪ ،‬ﻻ‪ ،‬ﺳﻲ‪ ،‬دو‪ ،‬ري‪ ،‬ﻣﻲ‪ ،‬ﻓﺎ‪ ..‬ﺛﻢ ﺗﺄﺗﻲ‬
‫اﻟﻨﻐﻤﺔ اﻟﺜﺎﻣﻨﺔ ﻓﺘﻜﻮن ﺟﻮاﺑﺎ ﻟﻸوﻟﻰ‪ ،‬و ﻳﻌﻮد ﻓﻴﺮﺗﻔﻊ ﺑﻨﺎ اﻟﺴﻠﻢ ﺳﺒﻊ ﻧﻐﻤﺎت أﺧﺮى‪ ،‬و هﻜﺬا‬
‫ﺳﺒﻌﺎت ﺳﺒﻌﺎت‪.‬‬

‫و ﻓﻲ ذرة اﻷﻳﺪروﺟﻴﻦ داﺧﻞ ﻗﻠﺐ اﻟﺸﻤﺲ ﻳﻘﻔﺰ اﻹﻟﻜﺘﺮون ﺧﺎرﺟﺎ ﻣﻦ اﻟﺬرة ﻓﻲ ﺳﺒﻊ‬
‫ﻗﻔﺰات ﻟﺘﻜﻮن ﻟﻪ ﺳﺒﻊ ﻣﺪارات ﺗﻘﺎﺑﻞ ﺳﺒﻌﺔ ﻣﺴﺘﻮﻳﺎت ﻟﻠﻄﺎﻗﺔ‪ ،‬ﻓﻲ آﻞ ﻣﺴﺘﻮى ﻳﺒﺚ ﺣﺰﻣﺔ‬
‫ﻣﻦ اﻟﻄﺎﻗﺔ‪ ،‬هﻲ ﻃﻴﻒ ﻣﻦ أﻃﻴﺎف اﻟﻀﻮء اﻟﺴﺒﻌﺔ‪.‬‬

‫و اﻟﺠﻨﻴﻦ ﻓﻲ ﺑﻄﻦ أﻣﻪ ﻻ ﻳﻜﺘﻤﻞ ﻧﻤﻮﻩ إﻻ ﻓﻲ اﻟﺸﻬﺮ اﻟﺴﺎﺑﻊ‪ ،‬و إذا وﻟﺪ ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ﻻ ﻳﻌﻴﺶ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪212‬‬
 ‫و ﻗﺪ ﺗﻮارﺛﻨﺎ اﻻﺣﺘﻔﺎل )) ﺑﺴﺒﻮع(( اﻟﻤﻮﻟﻮد‪.‬‬

‫ﺛﻢ ﻧﺤﻦ ﻗﺴﻤﻨﺎ أﻳﺎﻣﻨﺎ إﻟﻰ أﺳﺎﺑﻴﻊ‪ ،‬ﻧﺠﺪ ذﻟﻚ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ اﻷﻣﻢ دون أن ﻳﻜﻮن ﺑﻴﻨﻬﺎ اﺗﻔﺎق‪.‬‬

‫و ﻧﺤﻦ ﻧﺠﺪ رﻗﻢ ﺳﺒﻌﺔ رﻗﻤﺎ ﻓﺮﻳﺪا ﻻ ﻳﻘﺒﻞ اﻟﻘﺴﻤﺔ‪ ،‬و ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﺟﺬر ﺗﺮﺑﻴﻌﻲ‪ ،‬و ﻻ ﻳﻘﺒﻞ‬
‫اﻟﺘﺤﻠﻴﻞ اﻟﺤﺴﺎﺑﻲ‪ .‬ﻓﻬﻮ ﻓﻲ ذاﺗﻪ وﺣﺪة ﺣﺴﺎﺑﻴﺔ‪.‬‬

‫و ﻧﺠﺪﻩ ﻣﺴﺘﻌﻤﻼ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ ﻃﻼﺳﻢ اﻟﺴﺤﺮ و اﻷﺣﺠﺒﺔ و اﻟﺘﻤﺎﺋﻢ‪ ،‬و ﻓﻲ اﻟﺘﺴﺎﺑﻴﺢ‪ ،‬و ﻓﻲ‬
‫ﻗﺮاءة اﻷوراد‪.‬‬

‫و ﻧﺠﺪ ﻟﻺﻧﺴﺎن ﺳﺒﻊ ﺣﻮاس‪ .‬ﺣﺎﺳﺔ اﻟﺴﻤﻊ‪ ،‬و اﻟﺒﺼﺮ‪ ،‬و اﻟﺸﻢ‪ ،‬و اﻟﻠﻤﺲ‪ ،‬و اﻟﺬوق‪ ،‬و‬
‫ﺣﺎﺳﺔ إدراك اﻟﺰﻣﻦ‪ ،‬و ﺣﺎﺳﺔ إدراك اﻟﻮﺿﻊ ﻓﻲ اﻟﻤﻜﺎن‪.‬‬

‫و ﻧﺠﺪ ﻓﻘﺮات اﻟﺮﻗﺒﺔ ﺳﺒﻌﺎ‪ .‬هﻲ آﺬﻟﻚ ﻓﻲ اﻟﻘﻨﻔﺬ و هﻲ آﺬﻟﻚ ﻓﻲ اﻟﺰراﻓﺔ‪ ،‬و هﻲ آﺬﻟﻚ ﻓﻲ‬
‫اﻹﻧﺴﺎن و اﻟﺤﻮت و اﻟﺨﻔﺎش‪ ،‬و ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺗﻔﺎوت ﻃﻮل اﻟﺮﻗﺒﺔ ﺑﻴﻦ أﻗﺼﻰ اﻟﻄﻮل ﻓﻲ‬
‫اﻟﺰراﻓﺔ و أدﻧﻰ اﻟﻘﺼﺮ ﻓﻲ اﻟﻘﻨﻔﺬ‪.‬‬

‫هﻞ آﻞ هﺬﻩ ﻣﺼﺎدﻓﺎت‪.‬‬

‫و إذا ﺻﺤﺖ ﻣﺼﺎدﻓﺔ واﺣﺪة ﻓﻜﻴﻒ ﻳﺠﻮز أن ﺗﺠﺘﻤﻊ آﻞ هﺬﻩ اﻟﻤﺼﺎدﻓﺎت ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺲ اﻟﺮﻗﻢ‪.‬‬

‫ﻳﺠﺐ أن ﻧﻌﺘﺮف أﻧﻪ رﻗﻢ ﻟﻪ دﻻﻟﺔ‪ .‬و أﻧﻪ رﻗﻢ ﻣﻬﻢ و ﺟﻮهﺮي ﻓﻲ ﺑﻨﺎء هﻴﻜﻞ اﻟﻜﻮن و ﻓﻲ‬
‫ﺗﻜﻮﻳﻦ اﻹﻧﺴﺎن‪.‬‬

‫و أﻧﻪ ﻟﻐﺰ ﻳﺜﻴﺮ اﻟﺘﻔﻜﻴﺮ و اﻟﺘﺄﻣﻞ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪213‬‬
 ‫اﻟﻮاﻗﻊ اﻟﻜﺬاب‬

‫ﻣﺎ ﻧﺮاﻩ ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ ﻟﻴﺲ داﺋﻤﺎ هﻮ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ‪..‬‬

‫ﺣﺘﻰ ﻣﺎ ﻧﺮاﻩ رأي اﻟﻌﻴﻦ و ﻧﻠﻤﺴﻪ ﻟﻤﺲ اﻟﻴﺪ‪..‬‬

‫ﻓﻨﺤﻦ ﻧﺮى اﻟﺸﻤﺲ ﺑﺄﻋﻴﻨﻨﺎ ﺗﺪور آﻞ ﻳﻮم ﺣﻮل اﻷرض‪ ،‬و ﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﺎﻟﺤﻘﻴﻘﺔ أن اﻟﻌﻜﺲ هﻮ‬
‫اﻟﺼﺤﻴﺢ‪ ،‬و اﻷرض هﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺪور ﺣﻮل اﻟﺸﻤﺲ‪.‬‬

‫و ﻧﺤﻦ ﻧﺮى اﻟﻘﻤﺮ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء أآﺒﺮ اﻟﻜﻮاآﺐ ﺣﺠﻤﺎ‪ ،‬ﻣﻊ أﻧﻪ أﺻﻐﺮهﺎ ﺣﺠﻤﺎ‪.‬‬

‫و ﻧﺤﻦ ﻧﻠﻤﺲ اﻟﺤﺪﻳﺪ ﻓﻨﺸﻌﺮ ﺑﺄﻧﻪ ﺻﻠﺐ ﻣﺘﺪاﻣﺞ‪ ،‬ﻣﻊ أﻧﻪ ﻓﻲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ ذرات‬
‫ﻣﻨﺜﻮرة ﻓﻲ ﻓﺮاغ ﻣﺨﻠﺨﻞ‪ ،‬و ﺑﻴﻦ اﻟﺬرة و اﻟﺬرة آﻤﺎ ﺑﻴﻦ ﻧﺠﻮم اﻟﺴﻤﺎء ﺑﻌﺪا‪ ..‬و ﻣﺎ ﻳﺨﻴﻞ ﻟﻨﺎ‬
‫ﺑﺎﻟﻠﻤﺲ أﻧﻪ ﺻﻼﺑﺔ و ﺗﺪاﻣﺞ هﻮ ﻓﻲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻗﻮى اﻟﺠﺬب اﻟﻤﻐﻨﺎﻃﻴﺴﻲ اﻟﻜﻬﺮﺑﺎﺋﻲ ﺑﻴﻦ اﻟﺬرة‬
‫و اﻟﺬرة‪ ..‬ﻧﺤﻦ ﻧﻠﻤﺲ اﻟﻘﻮاﻧﻴﻦ ﺑﺄﺻﺎﺑﻌﻨﺎ و ﻟﻴﺲ اﻟﺤﺪﻳﺪ‪.‬‬

‫و ﻧﺤﻦ ﻧﻨﻈﺮ إﻟﻰ اﻟﺴﻤﺎء ﻋﻠﻰ أﻧﻬﺎ ﻓﻮق‪ ،‬و اﻷرض ﻋﻠﻰ أﻧﻬﺎ ﺗﺤﺖ‪ ،‬ﻣﻊ أﻧﻪ ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﻓﻮق‬
‫و ﻻ ﺗﺤﺖ‪ ..‬و اﻟﺴﻤﺎء ﺗﺤﻴﻂ ﺑﺎﻷرض ﻣﻦ آﻞ ﺟﻮاﻧﺒﻬﺎ‪.‬‬

‫و اﻟﻬﺮم ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻨﺎ ﺷﻲء ﻻ ﻳﻤﻜﻦ اﺧﺘﺮاﻗﻪ‪ ،‬ﻣﻊ أﻧﻪ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻸﺷﻌﺔ اﻟﻜﻮﻧﻴﺔ ﺷﻔﺎف آﻠﻮح‬
‫اﻟﺰﺟﺎج‪ ،‬ﺗﺮى ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻪ و ﺗﻨﻔﺬ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻪ‪.‬‬

‫و ﺻﻘﻴﻊ اﻟﻘﻄﺒﻴﻦ اﻟﺬي ﻧﻈﻦ أﻧﻪ ﻏﺎﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﺒﺮودة هﻮ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﺒﺮودة أﻋﻤﺎق اﻟﻔﻀﺎء ﺟﺤﻴﻢ‬
‫ﻣﻠﺘﻬﺐ‪.‬‬

‫و ﻓﻲ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺗﻜﺬب ﻋﻠﻴﻨﺎ اﻟﻌﻴﻦ و اﻟﻠﺴﺎن و اﻷذن أآﺜﺮ و أآﺜﺮ‪ ..‬ﻓﺎﻟﻘﺒﻠﺔ اﻟﺘﻲ‬
‫ﺗﺼﻮرﻧﺎهﺎ ﻓﻲ اﻟﺒﺪاﻳﺔ ﻣﺸﺮوع ﺣﺐ ﻧﻜﺘﺸﻒ ﻓﻲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ أﻧﻬﺎ آﺎﻧﺖ ﻣﺸﺮوع ﺳﺮﻗﺔ‪.‬‬

‫و ﺟﺮﻳﻤﺔ اﻟﻘﺘﻞ اﻟﺘﻲ أﺣﺲ اﻟﺠﻤﻴﻊ ﺑﺄﻧﻬﺎ ذروة اﻟﻜﺮاهﻴﺔ ﻳﻜﺘﺸﻒ اﻟﺠﻤﻴﻊ أﻧﻬﺎ ذروة اﻟﺤﺐ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪214‬‬
 ‫و ﻣﺎ ﻗﺪ ﻳﺒﺪو ﻟﻠﺰوج أﻧﻪ ﺧﻴﺎﻧﺔ ﻣﻦ زوﺟﺘﻪ ﻟﻔﺮط إﺣﺴﺎﺳﻬﺎ ﺑﺠﻤﺎﻟﻬﺎ ﻗﺪ ﻳﻜﻮن اﻟﺪاﻓﻊ اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ‬
‫ﻟﻪ هﻮ إﺣﺴﺎس اﻟﺰوﺟﺔ ﺑﻘﺒﺤﻬﺎ و ﺷﻌﻮرهﺎ ﺑﺎﻟﻨﻘﺺ‪ ،‬ﺗﺤﺎول اﻟﺨﻼص ﻣﻨﻪ ﺑﺎﺳﺘﺪراج‬
‫إﻋﺠﺎب اﻟﺮﺟﺎل‪ ،‬و اﻻﻧﺘﻘﺎل ﻣﻦ ﺧﻴﺎﻧﺔ إﻟﻰ أﺧﺮى‪.‬‬

‫و ﻣﺎ ﺗﻜﺘﺐ ﻋﻨﻪ اﻟﺠﺮاﺋﺪ ﺑﺎﻹﺟﻤﺎع ﻋﻠﻰ أﻧﻪ ﺑﻄﻮﻟﺔ ﻗﺪ ﻳﻌﻠﻢ اﻟﺒﻄﻞ ﻧﻔﺴﻪ أﻧﻪ آﺎن اﻧﺘﺤﺎرا‪.‬‬

‫و ﻓﻲ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺗﺘﻌﻘﺪ اﻷﻣﻮر أآﺜﺮ‪ ،‬و ﻳﻐﺮق اﻟﺤﻖ ﻓﻲ ﺷﺒﻜﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﺰﻳﻴﻒ‬
‫ﺗﺸﺘﺮك ﻓﻴﻬﺎ آﻞ اﻹرادات‪ ،‬و ﻳﺼﺒﺢ اﻟﺤﻜﻢ ﻋﻠﻰ اﻷﻣﻮر ﺑﻈﺎهﺮهﺎ ﺳﺬاﺟﺔ ﻻ ﺣﺪ ﻟﻬﺎ‪.‬‬

‫و ﻓﻲ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ﻳﻜﺘﺐ اﻟﻤﺆرﺧﻮن ﻓﻲ آﻞ ﻋﺼﺮ و ﻣﻦ وراﺋﻬﻢ اﻟﺴﻠﻄﺔ‪ ،‬و ﺗﻜﺘﺐ‬

‫أﻗﻼﻣﻬﻢ ﻣﺎ ﻳﺮﻳﺪ اﻷﻗﻮﻳﺎء أن ﻳﻘﻮﻟﻮا‪.‬‬

‫و ﻣﺎ أﺻﻌﺐ اﻟﻮﺻﻮل إﻟﻰ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ‪..‬‬

‫إن اﻟﻮﺻﻮل إﻟﻰ اﻟﻤﺮﻳﺦ أﺳﻬﻞ ﻣﻦ اﻟﻮﺻﻮل إﻟﻰ ﺣﻘﻴﻘﺔ أآﻴﺪة ﻋﻦ ﺣﻴﺎة وردة ﺗﺘﻔﺘﺢ آﻞ ﻳﻮم‬
‫ﻋﻨﺪ ﻧﺎﻓﺬﺗﻚ‪ ..‬ﺑﻞ إن اﻟﻮﺻﻮل إﻟﻰ أﺑﻌﺪ ﻧﺠﻢ ﻓﻲ ﻣﺘﺎهﺎت اﻟﻔﻀﺎء أﺳﻬﻞ ﻣﻦ اﻟﻮﺻﻮل إﻟﻰ‬
‫ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻣﺎ ﻳﻬﻤﺲ ﻓﻲ ﻗﻠﺐ اﻣﺮأة ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺪ ﺷﺒﺮ ﻣﻨﻚ‪.‬‬

‫ﺑﻞ إن ﻋﻘﻮﻟﻨﺎ ﺗﺰﻳﻦ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺣﺘﻰ ﻋﻮاﻃﻔﻨﺎ ﻧﻔﺴﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻨﻈﻦ أن ﺣﺐ اﻟﻤﺠﺪ ﻳﺪﻓﻌﻨﺎ و اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ أﻧﻪ‬
‫اﻟﻐﺮور و ﺣﺐ اﻟﺬات‪ ..‬و ﻧﻈﻦ أن اﻟﻌﺪاﻟﺔ هﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺪﻓﻌﻨﺎ إﻟﻰ اﻟﻘﺴﻮة ﻓﻲ ﺣﻴﻦ أن اﻟﺬي‬
‫ﻳﺪﻓﻌﻨﺎ هﻮ اﻟﺤﺴﺪ و اﻟﺤﻘﺪ‪.‬‬

‫ﻣﻦ اﻟﺬي ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﻘﻮل‪ ..‬ﻟﻘﺪ أدرآﺖ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ؟‬

‫ﻣﻦ اﻟﺬي ﻳﺠﺮؤ أن ﻳﺪﻋﻲ أﻧﻪ ﻋﺮف ﻧﻔﺴﻪ؟‬

‫ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺑﺎب اﻟﺘﻮاﺿﻊ أن ﻧﻘﻮل‪ ..‬اﷲ أﻋﻠﻢ‪.‬‬

‫و إﻧﻤﺎ هﻲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ اﻟﻮﺣﻴﺪة اﻷآﻴﺪة ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ‪ ..‬إﻧﻨﺎ ﻧﺠﻬﻞ آﻞ اﻟﺠﻬﻞ ﺣﺘﻰ ﻣﺎ ﻳﺠﺮي ﺗﺤﺖ‬
‫أﺳﻤﺎﻋﻨﺎ و أﺑﺼﺎرﻧﺎ‪.‬‬

‫و ﺑﺮﻏﻢ ﺟﻬﻠﻨﺎ ﻳﺘﻌﺼﺐ آﻞ ﻓﺮﻳﻖ ﻟﺮأي‪ ..‬و ﻗﺪ ﺗﺼﻮر آﻞ واﺣﺪ أﻧﻪ اﻣﺘﻠﻚ اﻟﺤﻖ‪ ،‬ﻓﺮاح‬
‫ﻳﻨﺼﺐ اﻟﻤﺸﺎﻧﻖ و اﻟﻤﺤﺎرق ﻟﻶﺧﺮﻳﻦ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪215‬‬
 ‫و ﻟﻮ أدرآﻨﺎ ﺟﻬﻠﻨﺎ و ﻗﺪرﻧﺎ ﻻﻧﻔﺘﺢ ﺑﺎب اﻟﺮﺣﻤﺔ و اﻟﺤﺐ ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺑﻨﺎ‪ ،‬و ﻷﺻﺒﺤﺖ اﻟﺤﻴﺎة‬
‫ﻋﻠﻰ اﻷرض ﺟﺪﻳﺮة ﺑﺄن ﻧﺤﻴﺎهﺎ‪.‬‬

‫ﻣﺘﻰ ﻧﻌﺮف أﻧﺎ ﻻ ﻧﻌﺮف؟!‬

‫أﻧﺖ اﻣﺒﺮاﻃﻮر‬

‫ﻻ ﺗﺼﺪﻗﻨﻲ إذا ﻗﻠﺖ ﻟﻚ إﻧﻚ ﺗﻌﻴﺶ ﺣﻴﺎة أآﺜﺮ ﺑﺬﺧﺎ ﻣﻦ ﺣﻴﺎة آﺴﺮى أﻧﻮ ﺷﺮوان‪ ..‬و إﻧﻚ‬
‫أآﺜﺮ ﺗﺮﻓﺎ ﻣﻦ اﻣﺒﺮاﻃﻮر ﻓﺎرس‪ .‬و ﻗﻴﺼﺮ اﻟﺮوﻣﺎن‪ .‬و ﻓﺮﻋﻮن ﻣﺼﺮ‪ ..‬و ﻟﻜﻨﻬﺎ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ‪.‬‬

‫إن أﻗﺼﻰ ﻣﺎ اﺳﺘﻄﺎع ﻓﺮﻋﻮن ﻣﺼﺮ أن ﻳﻘﺘﻨﻴﻪ ﻣﻦ وﺳﺎﺋﻞ اﻟﻨﻘﻞ آﺎن ﻋﺮﺑﺔ آﺎرو ﻳﺠﺮهﺎ‬
‫ﺣﺼﺎن‪..‬‬

‫و أﻧﺖ ﻋﻨﺪك ﻋﺮﺑﺔ ﺧﺎﺻﺔ‪ ،‬و ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﺗﺮآﺐ ﻗﻄﺎرا‪ ،‬و ﺗﺤﺠﺰ ﻣﻘﻌﺪا ﻓﻲ ﻃﺎﺋﺮة!‬

‫و إﻣﺒﺮاﻃﻮر ﻓﺎرس آﺎن ﻳﻀﻲء ﻗﺼﺮﻩ ﺑﺎﻟﺸﻤﻮع و ﻗﻨﺎدﻳﻞ اﻟﺰﻳﺖ‪ ..‬و أﻧﺖ ﺗﻀﻲء ﺑﻴﺘﻚ‬
‫ﺑﺎﻟﻜﻬﺮﺑﺎء!‬

‫و ﻗﻴﺼﺮ اﻟﺮوﻣﺎن آﺎن ﻳﺸﺮب ﻣﻦ اﻟﺴﻘﺎ‪ ..‬و ﻳﺤﻤﻞ إﻟﻴﻪ اﻟﻤﺎء ﻓﻲ اﻟﻘﺮب‪.‬‬

‫و أﻧﺖ ﺗﺸﺮب ﻣﻴﺎهﺎ ﻣﺮﺷﺤﺔ ﻣﻦ ﺣﻨﻔﻴﺎت و ﻳﺠﺮي إﻟﻴﻚ اﻟﻤﺎء ﻓﻲ أﻧﺎﺑﻴﺐ!‬

‫و هﺎرون اﻟﺮﺷﻴﺪ آﺎﻧﺖ ﻋﻨﺪﻩ ﻓﺮﻗﺔ ﻣﻮﺳﻴﻘﻴﺔ ﺗﻌﺰف ﻟﻪ ﻓﻲ أوﻗﺎت ﻟﻬﻮﻩ و ﻓﺮاﻏﻪ‪.‬‬

‫و أﻧﺖ ﻋﻨﺪك ﻣﻔﺎﺗﻴﺢ اﻟﺮادﻳﻮ ﺗﻮﺻﻠﻚ إﻟﻰ ﺁﻻف اﻟﻔﺮق اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻴﺔ‪ ،‬و ﺗﺤﻤﻞ إﻟﻰ أذﻧﻚ‬
‫اﻟﻤﺒﻬﺞ و اﻟﻤﻄﺮب و اﻟﻤﻤﺘﻊ ﻣﻦ آﻞ ﺻﻮت و آﻞ ﻓﻦ!‬

‫و اﻹﻣﺒﺮاﻃﻮر ﻏﻠﻴﻮم آﺎن ﻋﻨﺪﻩ أراﺟﻮز‪..‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪216‬‬
 ‫و أﻧﺖ ﻋﻨﺪك ﺗﻠﻴﻔﺰﻳﻮن ﻳﺴﻠﻴﻚ ﺑﻤﻠﻴﻮن أراﺟﻮز‪.‬‬

‫و ﻋﻨﺪك اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ ﺳﻜﻮب و اﻟﺴﻴﺰاﻣﺎ!‬

‫و ﻟﻮﻳﺲ اﻟﺮاﺑﻊ ﻋﺸﺮ آﺎن ﻋﻨﺪﻩ ﻃﺒﺎخ ﻳﻘﺪم أﻓﺨﺮ أﺻﻨﺎف اﻟﻤﻄﺒﺦ اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ‪..‬‬

‫و أﻧﺖ ﺗﺤﺖ ﺑﻴﺘﻚ ﻣﻄﻌﻢ ﻓﺮﻧﺴﻲ‪ ،‬و ﻣﻄﻌﻢ ﺻﻴﻨﻲ‪ ،‬و ﻣﻄﻌﻢ أﻟﻤﺎﻧﻲ‪ ،‬و ﻣﻄﻌﻢ ﻳﺎﺑﺎﻧﻲ‪ ،‬و‬
‫ﻣﺤﻞ ﻣﺤﺸﻲ‪ ،‬و ﻣﺤﻞ آﺸﺮي‪ ،‬و ﻣﺴﻤﻂ‪ ،‬و ﻣﺼﻨﻊ ﻣﺨﻠﻼت و ﻣﻌﻠﺒﺎت‪ ،‬و ﻣﺮﺑﺎت و‬
‫ﺣﻠﻮﻳﺎت!‬

‫و ﻗﺎرون أﻏﻨﻰ أﻏﻨﻴﺎء اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻳﻘﻮل ﻟﻨﺎ اﻟﺘﺎرﻳﺦ إن آﻞ ﺛﺮوﺗﻪ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﺰﻳﺪ ﻋﻠﻰ ﻣﺎﺋﺘﻴﻦ ﻣﻦ‬
‫اﻟﺠﻨﻴﻬﺎت ﺑﺎﻟﻌﻤﻠﺔ اﻟﻨﺤﺎﺳﻴﺔ‪ ..‬و هﻮ ﻣﺒﻠﻎ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﺗﻜﺴﺒﻪ اﻵن ﻓﻲ ﺷﻬﺮ‪.‬‬

‫و ﺟﻮاري اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﺗﺠﺪهﻦ اﻵن ﻣﻌﺮوﺿﺎت ﻓﻲ ﺑﻴﺠﺎل ﺑﺒﺎرﻳﺲ ﺑﻌﺸﺮة ﻓﺮﻧﻜﺎت ﻟﻠﻮاﺣﺪة‪..‬‬
‫ﺷﻘﺮ و ﺳﻤﺮ و ﺳﻮد و ﺑﻴﺾ ﻣﻦ آﻞ ﻟﻮن أوآﺎزﻳﻮن‪.‬‬

‫و ﻣﺮاوح رﻳﺶ اﻟﻨﻌﺎم اﻟﺘﻲ آﺎن ﻳﺮوح ﺑﻬﺎ اﻟﻌﺒﻴﺪ ﻋﻠﻰ وﺟﻪ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻓﻲ ﻗﻴﻆ اﻟﺼﻴﻒ و‬
‫ﻟﻬﻴﺐ ﺁب‪ ،‬ﻋﻨﺪك اﻵن ﻣﻜﺎﻧﻬﺎ ﻣﻜﻴﻔﺎت هﻮاء ﺗﺤﻮل ﺑﻴﺘﻚ إﻟﻰ ﺟﻨﺔ ﺑﻠﻤﺴﺔ ﺳﺤﺮﻳﺔ ﻟﺰر‬
‫آﻬﺮﺑﺎﺋﻲ!‬

‫أﻧﺖ إﻣﺒﺮاﻃﻮر‪.‬‬

‫و آﻞ هﺆﻻء اﻷﺑﺎﻃﺮة ﺟﺮاﺑﻴﻊ و هﻼﻓﻴﺖ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻚ‪..‬‬

‫و ﻟﻜﻦ ﻳﺒﺪو أﻧﻨﺎ أﺑﺎﻃﺮة أﻏﺒﻴﺎء ﺟﺪا‪ ..‬و ﻟﻬﺬا ﻓﻨﺤﻦ ﺗﻌﺴﺎء ﺟﺪا ﺑﺮﻏﻢ اﻟﻨﻌﻢ اﻟﺘﻲ ﻧﻤﺮح ﻓﻴﻬﺎ‪.‬‬

‫ﻓﻤﻦ ﻋﻨﺪﻩ ﻋﺮﺑﺔ ﻻ ﻳﺴﺘﻤﺘﻊ ﺑﻬﺎ‪ ،‬و إﻧﻤﺎ ﻳﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﺣﺴﺪ ﻟﻤﻦ ﻋﻨﺪﻩ ﻋﺮﺑﺘﺎن‪ ..‬و ﻣﻦ ﻋﻨﺪﻩ‬
‫ﻋﺮﺑﺘﺎن ﻳﺒﻜﻲ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻟﻪ‪ ،‬ﻷن ﺟﺎرﻩ ﻳﻤﺘﻠﻚ ﻃﺎﺋﺮة‪ ..‬و ﻣﻦ ﻋﻨﺪﻩ ﻃﺎﺋﺮة ﻳﻜﺎد ﻳﻤﻮت ﻣﻦ‬
‫اﻟﺤﻘﺪ و اﻟﻐﻴﺮة ﻷن أوﻧﺎﺳﻴﺲ ﻋﻨﺪﻩ ﻣﻄﺎر‪ ..‬و ﻣﻦ ﻋﻨﺪﻩ زوﺟﺔ ﺟﻤﻴﻠﺔ ﻳﺘﺮآﻬﺎ و ﻳﻨﻈﺮ إﻟﻰ‬
‫زوﺟﺔ ﺟﺎرﻩ‪..‬‬

‫و ﻓﻲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﻳﺴﺮق ﺑﻌﻀﻨﺎ ﺑﻌﻀﺎ‪ ،‬و ﻳﻘﺘﻞ ﺑﻌﻀﻨﺎ ﺑﻌﻀﺎ ﺣﻘﺪا و ﺣﺴﺪا‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪217‬‬
 ‫ﺛﻢ ﻧﻠﻘﻲ ﺑﻘﻨﺒﻠﺔ ذرﻳﺔ ﻋﻠﻰ آﻞ هﺬا اﻟﺮﺧﺎء‪ ..‬و ﻧﺸﻌﻞ اﻟﻨﺎﺑﺎﻟﻢ ﻓﻲ ﺑﻴﻮﺗﻨﺎ‪ ..‬ﺛﻢ ﻧﺼﺮخ ﺑﺄﻧﻪ ﻻ‬
‫ﺗﻮﺟﺪ ﻋﺪاﻟﺔ اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‪ ..‬و ﻳﺤﻄﻢ اﻟﻄﻠﺒﺔ اﻟﺠﺎﻣﻌﺎت‪ ..‬و ﻳﺤﻄﻢ اﻟﻌﻤﺎل اﻟﻤﺼﺎﻧﻊ‪..‬‬

‫و اﻟﺤﻘﺪ – و ﻟﻴﺲ اﻟﻌﺪاﻟﺔ – هﻮ اﻟﺪاﻓﻊ اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ وراء آﻞ اﻟﺤﺮوب‪.‬‬

‫و ﻣﻬﻤﺎ ﺗﺤﻘﻖ اﻟﺮﺧﺎء ﻟﻸﻓﺮاد ﻓﺴﻮف ﻳﻘﺘﻞ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﻌﻀﺎ‪ ،‬ﻷن آﻞ واﺣﺪ ﻟﻦ ﻳﻨﻈﺮ إﻟﻰ ﻣﺎ‬
‫ﻓﻲ ﻳﺪﻩ‪ ،‬و إﻧﻤﺎ إﻟﻰ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻳﺪ ﻏﻴﺮﻩ‪ ،‬و ﻟﻦ ﻳﺘﺴﺎوى اﻟﻨﺎس أﺑﺪا‪.‬‬

‫ﻓﺈذا ارﺗﻔﻊ راﺗﺒﻚ ﺿﻌﻔﻴﻦ ﻓﺴﻮف ﺗﻨﻈﺮ إﻟﻰ ﻣﻦ ارﺗﻔﻊ أﺟﺮﻩ ﺛﻼﺛﺔ أﺿﻌﺎف‪ ،‬و ﺳﻮف ﺗﺜﻮر‬
‫و ﺗﺤﺘﺞ‪ ،‬و ﺗﻨﻔﻖ راﺗﺒﻚ ﻓﻲ ﺷﺮاء ﻣﺴﺪﺳﺎت‪.‬‬

‫ﻟﻘﺪ أﺻﺒﺤﻨﺎ أﺑﺎﻃﺮة‪ ..‬هﺬا ﺻﺤﻴﺢ‪ ..‬و ﻟﻜﻨﻨﺎ ﻣﺎزﻟﻨﺎ ﻧﻔﻜﺮ ﺑﻐﺮاﺋﺰ ﺣﻴﻮاﻧﺎت‪.‬‬

‫ﺗﻘﺪﻣﻨﺎ آﻤﺪﻳﻨﺔ و ﺗﺄﺧﺮﻧﺎ آﺤﻀﺎرة‪ ..‬ارﺗﻘﻰ اﻹﻧﺴﺎن ﻓﻲ ﻣﻌﻴﺸﺘﻪ‪ ..‬و ﺗﺨﻠﻒ ﻓﻲ ﻣﺤﺒﺘﻪ‪..‬‬

‫أﻧﺖ إﻣﺒﺮاﻃﻮر‪ ..‬هﺬا ﺻﺤﻴﺢ‪ ..‬و ﻟﻜﻨﻚ أﺗﻌﺲ إﻣﺒﺮاﻃﻮر‪..‬‬

‫و ﺳﻮف ﺗﻘﺘﻞ ﻧﻔﺴﻚ و ﺗﺘﺮك ﺑﻄﺎﻗﺔ ﻣﻀﺤﻜﺔ ﺗﻘﻮل ﻓﻴﻬﺎ‪:‬‬

‫اﻧﺘﺤﺮت ﺑﺴﺒﺐ اﻟﻔﻘﺮ‪ ..‬ﻟﻢ أﺳﺘﻄﻊ أن أﻋﻴﺶ إﻣﺒﺮاﻃﻮرا ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ آﻠﻪ ﻣﻦ)اﻟﺴﻮﺑﺮ أﺑﺎﻃﺮة(‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪218‬‬
 ‫ﻗﺎﻧﻮن ﻋﺪم اﻟﻤﺴﺎواة‬

‫اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺴﺎواة‪.‬‬

‫ﻻ ﻣﺴﺎواة ﻓﻲ أي ﺷﻲء‪.‬‬

‫آﻞ وردة ﻟﻬﺎ رﺗﺒﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ اﻟﺸﻜﻞ و اﻟﺮاﺋﺤﺔ و اﻟﺠﻤﺎل‪.‬‬

‫ﻻ ﺗﺘﺴﺎوى وردﺗﺎن‪.‬‬

‫و ﻓﻲ ﻧﻔﺲ ﻋﺎﺋﻠﺔ اﻟﻘﻄﻦ ﻧﺠﺪ اﻟﺴﻜﻼرﻳﺪس‪ ..‬و ﺟﻴﺰة ‪ ..7‬و ﺟﻮدﻓﻴﺮ‪ ..‬و ﻓﻮﻟﻲ ﺟﻮد ﻓﻴﺮ‪ ..‬و‬
‫ﻃﻮﻳﻞ اﻟﺘﻴﻠﺔ و ﻗﺼﻴﺮ اﻟﺘﻴﻠﺔ‪ ..‬ﻻ ﻳﺘﺴﺎوى أﺧﻮان ﻓﻲ اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ اﻟﻮاﺣﺪة‪.‬‬

‫و ﻓﻲ اﻟﻔﺎآﻬﺔ ﻧﺠﺪ ﻓﻲ ﻋﺎﺋﻠﺔ واﺣﺪة آﺎﻟﺒﻠﺢ ﻣﺜﻼ ﻋﺸﺮات اﻟﺮﺗﺐ و اﻟﺪرﺟﺎت و اﻷﺻﻨﺎف‪..‬‬
‫اﻟﺰﻏﻐﻠﻮل و اﻟﺴﻤﺎﻧﻲ و اﻟﺤﻴﺎﻧﻲ و اﻷﺳﻴﻮﻃﻲ و اﻟﺮﺷﻴﺪي و ﺑﻠﺢ )) ﻋﻴﺸﺎ((‪ ..‬و آﻞ ﺻﻨﻒ‬
‫ﻟﻪ ﻃﻌﻢ و ﻧﻜﻬﺔ و ﻣﺬاق‪.‬‬

‫و ﻋﻠﻤﺎء اﻟﺤﺸﺮات ﻳﺼﻨﻔﻮن ﻟﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﺤﺸﺮة اﻟﻮاﺣﺪة آﺎﻟﻨﻤﻞ أآﺜﺮ ﻣﻦ أﻟﻒ ﻧﻮع و آﻞ أﺳﺮة‬
‫ﻣﻦ أﺳﺮ اﻟﻨﻤﻞ ﻳﻘﻮﻟﻮن ﻟﻨﺎ إن ﻓﻴﻬﺎ أآﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺎﺋﺔ ﻣﺼﻨﻒ و ﻣﺼﻨﻒ‪.‬‬

‫و ﻓﻲ اﻹﻧﺴﺎن ﻳﺰداد اﻟﺘﻔﺎوت و اﻟﺘﻔﺎﺿﻞ‪ ..‬ﻓﻨﺠﺪ اﻟﺬآﻲ و اﻟﻐﺒﻲ‪ ،‬و اﻷﺣﻤﺮ و اﻷﺳﻮد و‬
‫اﻷﺻﻔﺮ و اﻷﺑﻴﺾ و اﻷﺷﻘﺮ‪ ،‬و اﻟﻄﻮﻳﻞ و اﻟﻘﺼﻴﺮ و اﻟﺴﻤﻴﻦ‪ ،‬و اﻷﺻﻠﻊ و اﻟﻜﺜﻴﻒ‬
‫اﻟﺸﻌﺮ‪ ..‬و ﻧﺠﺪ ﻣﻦ ﻳﻮﻟﺪ ﺑﺤﻨﺠﺮة ﻣﻦ ذهﺐ و ﻣﻦ ﻳﻮﻟﺪ ﺑﺤﻨﺠﺮة ﻣﻦ ﺧﺸﺐ‪ ..‬و ﻣﻦ ﻳﻮﻟﺪ‬
‫ﺟﻤﻴﻼ و ﻣﻦ ﻳﻮﻟﺪ ﻗﺒﻴﺤﺎ‪..‬‬

‫ﺑﻞ إن آﻞ إﻧﺴﺎن ﻳﺤﻤﻞ ﺑﺼﻤﺔ إﺻﺒﻊ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ‪.‬‬

‫و آﻞ إﻧﺴﺎن هﻮ رﺗﺒﺔ ﻓﻲ ذاﺗﻪ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪219‬‬
‫آﻞ إﻧﺴﺎن ﻳﺘﺴﻠﻢ ﻟﺤﻈﺔ ﻣﻴﻼدﻩ ﺑﻄﺎﻗﺔ ﺗﻤﻮﻳﻦ و إذن ﺻﺮف و ﺷﻴﻚ‪ ،‬و ﺛﺮوة ﻣﻦ اﻟﻤﻮاهﺐ و‬
‫اﻟﺘﺴﻬﻴﻼت اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻪ‪.‬‬

‫و أآﺜﺮ ﻣﻦ هﺬا ﻳﻮﻟﺪ آﻞ ﻣﻮﻟﻮد ﺑﻌﺪد ﻣﻦ ﺧﻼﻳﺎ اﻟﻤﺦ ﻣﺤﺪودة ﻏﻴﺮ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺘﺠﺪد او اﻟﺘﻜﺎﺛﺮ‪،‬‬
‫و ﻣﺎ ﻳﻤﻮت ﻣﻦ هﺬﻩ اﻟﺨﻼﻳﺎ ﻻ ﻳﺴﺘﺤﺪث‪ ..‬و ﻟﻜﻞ واﺣﺪ ﻣﻨﺎ ﻋﺪد ﻣﻦ هﺬﻩ اﻟﺨﻼﻳﺎ هﻲ آﻞ‬
‫ﺛﺮوﺗﻪ‪ ..‬و آﻞ واﺣﺪ ﻳﻮهﺐ ﻋﺪدا ﻣﻦ هﺬﻩ اﻟﺨﻼﻳﺎ ﻣﺨﺘﻠﻔﺎ ﻋﻦ اﻵﺧﺮ‪.‬‬

‫و ﻣﻌﻨﻰ هﺬا أن اﻟﺪﻧﻴﺎ آﻠﻬﺎ ﺗﻘﻮم ﻋﻠﻰ ﻗﺎﻧﻮن اﻟﺘﻔﺎﺿﻞ و اﻟﺘﻔﺎوت‪ ..‬و أن ﻋﺪم اﻟﻤﺴﺎواة هﻮ‬
‫اﻟﻘﺎﻋﺪة ﻓﻲ آﻞ ﺷﻲء‪ ..‬ﻓﻲ اﻟﻨﺒﺎت و اﻟﺤﻴﻮان و اﻹﻧﺴﺎن و اﻟﺠﻤﺎد‪ ..‬ﺣﺘﻰ اﻟﺠﻤﺎد آﻞ ﻣﺎدة‬
‫ﻓﻴﻪ ﻟﻬﺎ ﺑﻠﻮرﺗﻬﺎ اﻟﺨﺎﺻﺔ‪ ،‬و ﻟﻬﺎ وزﻧﻬﺎ اﻟﺬري‪ ،‬و وزﻧﻬﺎ اﻟﺠﺰﺋﻲ‪ ،‬و ﻟﻬﺎ هﻨﺪﺳﺘﻬﺎ اﻟﺨﺎﺻﺔ‬
‫ﻓﻲ ﺗﻮزﻳﻊ اﻹﻟﻜﺘﺮوﻧﺎت و ﻋﺪدهﺎ‪.‬‬

‫ﻻ ﻣﺴﺎواة ﻋﻠﻰ اﻹﻃﻼق‪.‬‬

‫هﻜﺬا أراد ﺧﺎﻟﻖ اﻟﻜﻮن ﻟﺨﻼﺋﻘﻪ‪.‬‬

‫هﻮ أراد – ﻟﺤﻜﻤﺔ ﻳﻌﻠﻤﻬﺎ – أن ﻳﺨﻠﻘﻨﺎ درﺟﺎت‪.‬‬

‫و ﻟﻌﻠﻪ ﺧﻠﻖ ﻓﻴﻨﺎ اﻟﻘﻮي و اﻟﻀﻌﻴﻒ ﻟﻴﺨﺘﺒﺮﻧﺎ و ﻟﻴﻈﻬﺮﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﻮﺳﻨﺎ‪.‬‬

‫هﻞ ﻳﺄآﻞ اﻟﻘﻮي اﻟﻀﻌﻴﻒ أو ﻳﺤﻨﻮ ﻋﻠﻴﻪ و ﻳﻌﻄﻒ ﻋﻠﻴﻪ و ﻳﺴﺎﻋﺪﻩ؟‪.‬‬

‫هﻞ ﻳﺪرك اﻟﻘﻮي أن ﻗﻮﺗﻪ ﻣﻦ اﻟﺨﺎﻟﻖ‪ ،‬و اﻧﻬﺎ هﺒﺔ ﺑﺄﺟﻞ‪ ،‬و أن ﻣﺼﻴﺮهﺎ اﻟﺰوال؟ ﻟﻮ أدرك‬
‫هﺬا ﻓﺈﻧﻪ ﺳﻴﻜﻮن اﻟﻤﺆﻣﻦ اﻟﺬي ﻳﻮﻇﻒ ﻗﻮﺗﻪ ﻟﻨﺠﺪة اﻟﻀﻌﻴﻒ‪ ،‬ﻷﻧﻪ ﻳﻌﻠﻢ أﻧﻪ ﺳﻴﺼﺒﺢ ﻳﻮﻣﺎ ﻣﺎ‬
‫أﺿﻌﻒ ﻣﻨﻪ‪.‬‬

‫أم أﻧﻪ ﺳﻴﺨﻴﻞ إﻟﻴﻪ أن اﻟﻘﻮة ﻗﻮﺗﻪ هﻮ‪ ،‬و اﻟﻌﻨﻔﻮان ﻋﻨﻔﻮاﻧﻪ هﻮ‪ ،‬و ﻳﻤﻀﻲ ﻳﻀﺮب ﺑﺎﻟﻴﻤﻴﻦ و‬
‫ﺑﺎﻟﺸﻤﺎل‪.‬‬

‫ﻟﻮ ﻓﻌﻞ هﺬا ﻓﻬﻮ اﻟﻤﻠﺤﺪ اﻟﻤﻨﻜﺮ اﻟﺬي ﻻ ﻳﺘﺼﻮر وﺟﻮدا ﻟﻘﻮة أﻋﻠﻰ ﻣﻨﻪ‪.‬‬

‫و اﻟﻮاﻗﻊ أن اﻟﻔﺮق ﺑﺴﻴﻂ‪ ..‬ﻓﺮق ﺷﻌﺮة‪ ..‬ﺑﻴﻦ أن ﺗﺤﺲ ﺑﺄﻧﻚ ﻗﻮي‪ ..‬و ﺑﻴﻦ أن ﺗﺤﺲ أﻧﻚ‬
‫وهﺒﺖ هﺬﻩ اﻟﻘﻮة‪ ..‬و أن ﻗﻮﺗﻚ ﻋﻄﻴﺔ و ﻣﻨﺤﺔ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪220‬‬
‫و ﻟﻜﻦ هﺬا اﻟﻔﺮق اﻟﺒﺴﻴﻂ هﻮ ﻓﺮق هﺎﺋﻞ ﺑﻴﻦ ﻋﻘﻠﻴﺘﻴﻦ و ﺑﻴﻦ ﺳﻠﻮآﻴﻦ‪ ..‬و هﻮ ﻣﻔﺮق اﻟﻄﺮﻳﻖ‬
‫ﺑﻴﻦ اﻹﻳﻤﺎن و اﻹﻟﺤﺎد‪.‬‬

‫و ﻳﺒﺪو أن اﻟﺪﻧﻴﺎ هﻲ اﻟﻔﺮﺻﺔ اﻟﺘﻲ أﺗﺎﺣﻬﺎ اﻟﺨﺎﻟﻖ ﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺗﻪ ﻟﺘﺨﺘﺎر ﻃﺮﻳﻘﻬﺎ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ‪..‬‬
‫ﻟﻴﻈﻬﺮﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﻮﺳﻨﺎ‪ ..‬و ﻳﻌﺮّﻓﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺣﻘﻴﻘﺘﻨﺎ‪..‬‬

‫و هﻮ ﻳﻌﻠﻢ ﻣﻦ اﻟﺒﺪاﻳﺔ اﺳﺘﺤﻘﺎق آﻞ واﺣﺪ ﻣﻨﺎ و ﻗﻴﻤﺘﻪ‪ ..‬و ﻟﻜﻦ ﻧﺤﻦ ﻻ ﻧﻌﻠﻢ‪ ..‬و ﻳﺘﺼﻮر آﻞ‬
‫ﻣﻨﺎ أﻧﻪ اﻟﻜﺎﻣﻞ اﻟﻔﺎﺿﻞ اﻟﺬي ﻳﺴﺘﺤﻖ اﻟﺠﻨﺔ‪ ..‬و ﻟﻬﺬا أراد ﺑﺎﻟﺪﻧﻴﺎ أن ﺗﻜﻮن اﻟﻤﺤﻨﺔ و‬
‫اﻻﻣﺘﺤﺎن اﻟﺬي ﻳﻌﺮف ﻓﻴﻪ آﻞ واﺣﺪ ﻧﻔﺴﻪ و ﻗﻴﻤﺘﻪ‪ ..‬ﺣﺘﻰ إذا اﻧﺘﻬﺖ اﻟﺪﻧﻴﺎ و اﻧﺘﻬﻰ اﻟﺰﻣﻦ‪..‬‬
‫و أﻋﻴﺪ ﺗﺮﺗﻴﺐ اﻟﻨﻔﻮس ﻓﻲ درﺟﺎﺗﻬﺎ اﻟﺤﻘﺔ‪ ..‬و ﻧﺰﻟﺖ اﻟﻨﻔﻮس ﻣﻨﺎزﻟﻬﺎ و ﻣﺮاﺗﺒﻬﺎ‬
‫اﻟﺼﺤﻴﺤﺔ‪ ..‬ﻋﻠﻤﺖ آﻞ ﻧﻔﺲ أﻧﻪ اﻟﻌﺪل‪ ..‬و ﻋﻠﻢ اﻷﺳﻔﻞ أﻧﻪ اﻷﺳﻔﻞ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ‪ ..‬و أﻧﻪ ﻻﺑﺚ ﻓﻲ‬
‫هﺬﻩ اﻟﻤﻨﺰﻟﺔ اﻟﺴﻔﻠﻰ إﻟﻰ اﻷﺑﺪ‪ ..‬و ﻻ ﻇﻠﻢ ﻓﻲ ذﻟﻚ‪ ..‬ﻷن هﺬا ﻣﻜﺎﻧﻪ‪ ..‬و هﺬا هﻮ اﻟﺠﺤﻴﻢ و‬
‫هﻮ ﺣﻖ‪.‬‬

‫آﻤﺎ أن اﻟﺠﻨﺔ ﺣﻖ‪ ..‬و ﻣﺎ اﻟﺠﺤﻴﻢ إﻻ اﻟﺮﺗﺒﺔ اﻟﺴﻔﻠﻰ‪ ،‬و ﻣﺎ اﻟﺠﻨﺔ إﻻ اﻟﺮﺗﺒﺔ اﻟﻌﻠﻴﺎ‪ ،‬و هﺬا هﻮ‬
‫اﻟﺘﻔﺎوت و اﻟﺘﻔﺎﺿﻞ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﺑﻴﻦ أﻋﻤﺎل ﺗﺘﻔﺎوت و ﺗﺘﻔﺎﺿﻞ ﺑﻄﺒﻴﻌﺘﻬﺎ‪..‬‬

‫و ﻗﺎﻧﻮن اﻟﺘﻔﺎوت و اﻟﺘﻔﺎﺿﻞ هﻮ ﻗﺎﻧﻮن اﻟﻮﺟﻮد و هﻮ اﻟﻌﺪاﻟﺔ ﺑﻌﻴﻨﻬﺎ‪.‬‬

‫و إﻧﻤﺎ اﻟﻈﻠﻢ ﺑﻌﻴﻨﻪ أن ﻳﺘﺴﺎوى ﻏﻴﺮ اﻟﻤﺘﺴﺎوﻳﻴﻦ‪.‬‬

‫و ﻗﺼﺎرى اﻟﻌﺪل اﻷرﺿﻲ هﻮ أن ﻳﺴﺎوي ﺑﻴﻦ اﻟﻔﺮص و اﻟﺘﺴﻬﻴﻼت‪ ،‬و أن ﻳﻤﻨﺢ آﻞ ﻓﺮد‬
‫ﺣﻖ اﻟﺪواء و اﻟﻜﺴﺎء و ﻓﺮﺻﺔ اﻟﺘﻌﻠﻢ‪ ..‬و ﻟﻜﻨﻪ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ و ﻻ ﻳﺼﺢ ﻟﻪ أن ﻳﺴﺎوي ﺑﻴﻦ‬
‫اﻟﻨﺎس ذواﺗﻬﻢ‪.‬‬

‫و إﻟﻰ أن ﺗﻨﺘﻬﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺳﻮف ﻳﻈﻞ هﻨﺎك اﻷﻋﻠﻰ و اﻷدﻧﻰ‪.‬‬

‫و ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻵﺧﺮ ﺳﻮف ﻳﻜﻮن هﻨﺎك اﻷﻋﻠﻰ و اﻷدﻧﻰ‪.‬‬

‫و آﻞ اﻟﻔﺮق أن اﻷرواح ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ اﻷﺑﺪ ﺳﻮف ﺗﻨﺰل ﻣﻨﺎزﻟﻬﺎ اﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ‪ ..‬ﻋﻠﻰ ﺣﻴﻦ ﻳﺤﺎول‬
‫آﻞ إﻧﺴﺎن ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ أن ﻳﻐﺘﺼﺐ ﻣﺎ ﻻ ﻳﺴﺘﺤﻖ‪ ،‬و ﻳﺤﺎول أن ﻳﻌﻠﻮ ﻋﻠﻰ اﻵﺧﺮ ﻏﺪرا و‬
‫ﻏﻴﻠﺔ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪221‬‬
 ‫راﻋﻲ ﺷﺮج اﻟﻤﻠﻚ‬

‫ﻣﻦ أﻃﺮف ﻣﺎ ﻓﻲ آﺘﺎب اﻟﺪآﺘﻮر ﺑﻮل ﻏﺎﻟﻴﻮﻧﺠﻲ ﻋﻦ ﻃﺐ اﻟﻔﺮاﻋﻨﺔ هﺬﻩ اﻟﻔﻘﺮة ﻋﻦ اﻟﻄﺒﻴﺐ‬
‫)) ﺧﻮي((‪.‬‬

‫و ﻗﺪ وﺟﺪ اﺳﻤﻪ ﻣﺪوﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﺟﺪران ﻣﻌﺎﺑﺪ ﺳﻘﺎرة و أﻣﺎﻣﻪ هﺬﻩ اﻷﻟﻘﺎب‪ :‬ﻃﺒﻴﺐ اﻟﻘﺼﺮ‬
‫اﻟﻤﻠﻜﻲ‪ ،‬ﻋﻤﻴﺪ أﻃﺒﺎء اﻟﻘﺼﺮ اﻟﻤﻠﻜﻲ‪ ..‬اﻟﻤﺴﻴﻄﺮ ﻋﻠﻰ ﺳﻢ اﻟﻌﻘﺮب‪ ..‬اﻟﻤﺒﺠﻞ ﻟﺪى إﻟﻪ اﻟﻄﺐ‪..‬‬
‫اﻟﻤﻘﺮب ﻟﺪى أﻧﻮﻧﻴﺲ‪ ..‬آﺒﻴﺮ أﻃﺒﺎء اﻟﻮﺟﻬﻴﻦ اﻟﺒﺤﺮي و اﻟﻘﺒﻠﻲ‪ ..‬راﻋﻲ اﻟﺸﺮج‪.‬‬

‫آﺎن اﻟﻄﺒﻴﺐ )) ﺧﻮي(( هﻮ راﻋﻲ ﺷﺮج اﻟﻤﻠﻚ ﺗﻴﺘﻲ‪ ،‬و هﺬا ﻳﻌﻨﻲ أن اﻟﺒﻮاﺳﻴﺮ و اﻟﻨﺎﺳﻮر‬
‫ﻣﺸﻜﻠﺔ ﻗﺪﻳﻤﺔ ﻗﺪم اﻟﺘﺎرﻳﺦ‪ ،‬و أﻧﻬﺎ آﺎﻧﺖ ﻣﻦ أﻣﺮاض اﻟﻤﻠﻮك‪ ،‬و أﻧﻬﺎ آﺎﻧﺖ ﻣﻦ اﻷهﻤﻴﺔ‬
‫ﻟﺪرﺟﺔ أن ﻳﻠﻘﺐ آﺒﺎر اﻷﻃﺒﺎء ﺑﺄن اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ راﻋﻲ ﺷﺮج اﻟﻤﻠﻚ‪.‬‬

‫ﻟﻢ أآﻦ وﺣﺪي إذن اﻟﺬي أﺻﺮخ ﻣﻦ ﺁﻻم اﻟﺒﻮاﺳﻴﺮ‪ ،‬ﻓﻘﺒﻞ ذﻟﻚ ﺑﺜﻼﺛﺔ ﺁﻻف ﺳﻨﺔ آﺎن هﻨﺎك‬
‫ﻓﺮﻋﻮن ﻋﻈﻴﻢ ﻳﺼﺮخ ﻣﺜﻠﻲ ﻣﻦ اﻟﺒﻮاﺳﻴﺮ اﺳﻤﻪ ﺗﻴﺘﻲ‪.‬‬

‫آﺎﻧﺖ هﺬﻩ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﺴﻠﻮى ﻟﻲ‪ ..‬و اﻟﺬﻳﻦ ﺟﺮﺑﻮا ﺁﻻم ﺟﺮاﺣﺔ اﻟﺒﻮاﺳﻴﺮ‬
‫ﻳﻌﺮﻓﻮن ﻗﻴﻤﺔ ﻟﺤﻈﺔ ﺳﻠﻮى ﻓﻲ زوﺑﻌﺔ اﻟﻌﺬاب اﻟﺘﻲ ﺗﺜﻴﺮهﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﺮاﺣﺔ‪.‬‬

‫وﺿﻌﺖ اﻟﻜﺘﺎب ﺟﺎﻧﺒﻲ ﻋﻠﻰ ﺳﺮﻳﺮ اﻟﻤﺴﺘﺸﻔﻰ و ﻗﺪ أﺳﻌﺪﻧﻲ أن ﺣﺎﻟﻲ هﻮ ﺣﺎل اﻟﻤﻠﻚ ﺗﻴﺘﻲ‪.‬‬

‫و أﻋﻄﻴﺖ ذراﻋﻲ ﻓﻲ ﻟﻬﻔﺔ إﻟﻰ اﻟﻤﻤﺮﺿﺔ ﻟﺘﻐﺮس ﻓﻴﻪ ﺣﻘﻨﺔ اﻟﻤﻮرﻓﻴﻦ و ﻗﺪ ﺗﺼﻮرت أﻧﻲ‬
‫اﻟﻤﻠﻚ ﺗﻴﺘﻲ ﻓﻌﻼ‪.‬‬

‫و ﻣﺎذا ﺗﻌﻨﻲ ﺛﻼﺛﺔ ﺁﻻف ﺳﻨﺔ ﻓﻲ ﻋﻤﺮ اﻷﺑﺪﻳﺔ‪.‬‬

‫إﻧﻬﺎ ﻻ ﺷﻲء‪ ..‬ﻻ أآﺜﺮ ﻣﻦ ﺛﻼث ﻟﺤﻈﺎت‪ ..‬آﻞ ﻣﺎ ﺗﻐﻴﺮ ﻓﻲ اﻷﻣﺮ أن اﻟﻄﺒﻴﺐ )) ﺧﻮي((‬
‫هﻮ اﻵن اﻟﻤﺒﺠﻞ ﺳﻠﻴﻞ اﻵﻟﻬﺔ اﻟﺪآﺘﻮر ﻋﺒﺪاﷲ ﺻﺒﻴﺢ‪ ..‬و اﻟﻤﻜﺎن ﻣﺴﺘﺸﻔﻰ اﻟﺸﺒﺮاوﻳﺸﻲ‪ ..‬و‬
‫اﻟﺰﻣﺎن ﻳﻨﺎﻳﺮ ‪ 69‬ﺑﻌﺪ ﺳﺎﻋﺎت ﻣﻦ إﺟﺮاء اﻟﺠﺮاﺣﺔ‪.‬‬

‫و اﻷﻟﻢ اﻵن ﻳﺬآﺮﻧﻲ ﺑﻨﻔﺴﻪ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪222‬‬
 ‫و آﻞ ﻣﺎ ﻓﻌﻠﻪ اﻟﻤﻮرﻓﻴﻦ أﻧﻲ أﺻﺒﺤﺖ أﺣﻠﻢ ﺑﺎﻷﻟﻢ ﺑﺪﻻ ﻣﻦ ﻣﻌﺎﻧﺎﺗﻪ ﺑﻌﻴﻨﻴﻦ ﻣﻔﺘﻮﺣﺘﻴﻦ‪ ..‬و ﻗﺪ‬
‫آﺎن ﺣﻠﻤﺎ ﺑﻄﻮل اﻟﻠﻴﻞ آﻠﻪ‪.‬‬

‫و ﻓﻲ اﻟﺤﻠﻢ آﻨﺖ أرى أﻧﻲ اﻟﻔﺮﻋﻮن ﺗﻴﺘﻲ اﻟﻜﺎﻓﺮ اﻟﺬي أﻟﻘﻲ ﻓﻲ ﺟﻬﻨﻢ‪.‬‬

‫و ﻓﻲ ﻧﺎر ﺟﻬﻨﻢ اﺟﺘﻤﻊ ﺣﻮﻟﻲ اﻟﺰﺑﺎﻧﻴﺔ ﻳﻀﻌﻮﻧﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﺧﻮازﻳﻖ ﻣﻦ ﻧﺎر‪..‬‬

‫و اﻟﺴﻤﺎء ﻓﻮﻗﻲ ﺣﻤﺮاء آﻨﺤﺎس ﻣﻨﺼﻬﺮ‪.‬‬

‫و اﻟﺰﺑﺎﻧﻴﺔ ﻻ ﻳﺮﺣﻤﻮن‪.‬‬

‫و اﻟﻌﺬاب ﺳﻮف ﻳﻜﻮن ﺑﻄﻮل اﻷﺑﺪ‪.‬‬

‫و ﻓﻲ اﻟﺤﻠﻢ ﻧﺴﻴﺖ ﺗﻤﺎﻣﺎ أﻧﻬﺎ ﺟﺮاﺣﺔ‪.‬‬

‫و آﺎن هﺬا ﺑﺘﺄﺛﻴﺮ اﻟﻤﻮرﻓﻴﻦ اﻟﺬي ﺻﻮر ﻟﻲ ﻣﻦ اﻷﻟﻢ اﻟﻤﺆﻗﺖ دراﻣﺎ ﻻ ﻧﻬﺎﺋﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﺬاب‪.‬‬

‫و آﺎﻧﺖ أﺳﻌﺪ ﻣﻔﺎﺟﺄة أن ﻳﻄﻠﻊ ﻋﻠﻲ اﻟﺼﺒﺢ و ﻳﺘﺒﺨﺮ ﺿﺒﺎب اﻟﻤﻮرﻓﻴﻦ و اآﺘﺸﻒ أﻧﻲ أﺗﺄﻟﻢ‬
‫ﻣﻦ ﺟﺮاح ﺳﻮف ﺗﺸﻔﻰ‪.‬‬

‫و ﺣﻤﺪت اﻹﻟﻪ اﻟﺮﺣﻴﻢ‪.‬‬

‫ﻣﺎ أﺟﻤﻞ أن ﻳﻬﺒﻨﺎ اﷲ اﻟﺰﻣﻦ اﻟﺬي ﻻ ﻳﺪوم ﻓﻴﻪ ﺷﻲء‪.‬‬

‫آﻞ ﺷﻲء ﻳﻤﻀﻲ ﺛﻢ ﻳﺼﺒﺢ ذآﺮى‪.‬‬

‫أﺷﺪ اﻵﻻم ﺗﺘﺤﻮل إﻟﻰ ﻣﻘﺎﻟﺔ ﻃﺮﻳﻔﺔ ﺗﺮوى و أﺣﺎدﻳﺚ ﺣﻮل ﻓﻨﺠﺎن ﺷﺎي‪.‬‬

‫أﻟﻴﺴﺖ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ ﻣﻌﺠﺰة‪.‬‬

‫و أﻟﻴﺴﺖ ﻣﻌﺠﺰة أآﺒﺮ أن ﺗﺸﻔﻰ و ﺗﻠﺘﺌﻢ ﺟﺮاح ﻣﻔﺘﻮﺣﺔ ﻓﻲ ﻣﺠﺮى اﻟﺸﺮج ﺗﺘﻠﻮث آﻞ ﻟﺤﻈﺔ‬
‫ﺑﻤﺎ ﻳﻠﻔﻈﻪ اﻟﺠﺴﻢ ﻣﻦ ﻓﻀﻼت‪ ..‬ﺗﺸﻔﻰ و ﺗﻠﺘﺌﻢ ﺗﻠﻘﺎﺋﻴﺎ ﺑﺪون ﺑﻨﺴﻠﻴﻦ و ﺑﺪون ﺻﺒﻐﺔ ﻳﻮد‪..‬‬
‫ﺑﺎﻟﻘﺪرة اﻹﻟﻬﻴﺔ اﻟﺘﻲ وﺿﻌﻬﺎ اﻟﺨﺎﻟﻖ ﻓﻲ اﻷﻧﺴﺠﺔ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪223‬‬
 ‫و ﻣﻦ ﻋﺠﺐ أن اﷲ ﺣﺸﺪ آﻞ ﺟﻨﺪﻩ ﻋﻨﺪ ﻣﺪﺧﻞ اﻟﺠﺴﻢ و ﻋﻨﺪ ﻣﺨﺮﺟﻪ‪ ..‬ﻋﻨﺪ اﻟﻔﻢ و اﻟﺤﻠﻖ و‬
‫اﻟﻠﻮزﺗﻴﻦ ﺗﺸﻔﻰ اﻟﺠﺮاح اﻟﻤﻔﺘﻮﺣﺔ و ﺗﻠﺘﺌﻢ و هﻲ ﻓﻲ ﻣﺠﺮى اﻟﻠﻌﺎب اﻟﻤﻠﻮث و اﻷﻧﻔﺎس‬
‫اﻟﻤﺤﻤﻠﺔ ﺑﺎﻷﺗﺮﺑﺔ و اﻟﺠﺮاﺛﻴﻢ‪ ..‬و ﺗﻘﻄﻊ اﻟﻠﻮزﺗﺎن ﻓﻴﻠﺘﺌﻢ ﻣﻜﺎﻧﻬﻤﺎ ﺑﻠﻤﺴﺔ ﺳﺎﺣﺮ‪.‬‬

‫و ﻋﻨﺪ اﻟﺸﺮج ﺣﻴﺚ ﺗﺨﺮج اﻟﻔﻀﻼت ﺗﻤﻮج ﺑﺎﻟﻤﻴﻜﺮوﺑﺎت اﻟﻘﺘﺎﻟﺔ ﺗﻠﺘﺌﻢ اﻟﺠﺮاح اﻟﻤﻔﺘﻮﺣﺔ‬
‫ﺑﻘﺪرة اﻟﻘﺎدر اﻟﺬي ﺳﻠﺤﻨﺎ ﺑﺄﻣﻀﻰ أﺳﻠﺤﺘﻪ‪.‬‬

‫و ﻟﻌﻞ هﺬا هﻮ اﻟﺴﺒﺐ ﻓﻲ اﻵﻻم ﺣﻮل ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﺸﺮج ﺣﻴﺚ وﺿﻊ اﻟﺨﺎﻟﻖ أﻗﻮى ﺷﺒﻜﺔ ﻣﻦ‬
‫اﻷﻋﺼﺎب و ﻧﺸﺮ ﻗﻨﻮات و أﻧﻬﺎرا ﻣﻦ اﻟﺪم و اﻟﻠﻴﻤﻒ و رﺻﺪ اﻟﻤﻼﻳﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﻜﺮات اﻟﺒﻴﺾ‬
‫و اﻟﺨﻼﻳﺎ اﻟﺤﺎرﺳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻠﺘﻬﻢ آﻞ ﻣﻴﻜﺮوب واﻓﺪ ﻓﻼ ﺗﺒﻘﻲ ﻋﻠﻴﻪ‪.‬‬

‫و ﺑﻌﺪ هﺬا ﻳﺸﻚ ﺷﺎك ﻓﻲ اﻟﻌﻨﺎﻳﺔ و اﻟﺮﺣﻤﺔ‪.‬‬

‫و ﻳﻘﻮل ﻣﻔﻜﺮ ﺳﻄﺤﻲ ﻣﺜﻞ ﺳﺎرﺗﺮ إﻧﻨﺎ ﻗﺪ أﻟﻘﻲ ﺑﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺑﺪون ﻋﻮن‪ ،‬و ﻗﺬﻓﻨﺎ إﻟﻰ‬
‫اﻟﻮﺟﻮد ﻟﻨﺘﺮك ﺑﻼ ﻋﻨﺎﻳﺔ و ﺑﻼ رﻋﺎﻳﺔ‪.‬‬

‫و ﻟﻮ أن ﺳﺎرﺗﺮ ﺗﻌﻠﻢ اﻟﻄﺐ آﻤﺎ ﺗﻌﻠﻢ اﻷدب و درس اﻹﻧﺴﺎن آﻤﺎ درس اﻟﻮﺟﻮد ﻟﻌﺮف‬
‫ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻧﻔﺴﻪ و ﻟﻘﺎل آﻼﻣﺎ ﺁﺧﺮ‪.‬‬

‫و ﻟﻬﺬا ﺗﺨﻄﺮ ﻟﻲ أﺣﻴﺎﻧﺎ ﻓﻜﺮة إﻟﺤﺎق آﻠﻴﺔ اﻵداب ﺑﻜﻠﻴﺔ اﻟﻄﺐ‪ ..‬ﻓﺎﻹﻧﺴﺎن و اﻟﻮﺟﻮد ﺣﻘﻴﻘﺔ‬
‫واﺣﺪة‪ .‬و ﻻ ﻳﻤﻜﻦ إدراك اﻷول‪ .‬دون إدراك اﻵﺧﺮ‪ .‬و ﻣﻼﻣﺢ اﻟﺮوح ﻣﻜﺘﻮﺑﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺨﻼﻳﺎ‬
‫و ﻟﻴﺴﺖ ﻓﻲ آﺘﺐ أرﺳﻄﻮ‪.‬‬

‫و ﺷﻔﺮة اﻟﻌﻨﺎﻳﺔ اﻹﻟﻬﻴﺔ ﻣﻜﺘﻮﺑﺔ ﻋﻠﻰ أوراق اﻟﺸﺠﺮ و ﻋﻠﻰ ﻣﻨﺎﻗﻴﺮ اﻟﺤﻤﺎم و ﺑﺘﻼت اﻟﻮرد‪..‬‬

‫اﻟﺪودة اﻟﺘﻲ ﻳﺠﻌﻠﻬﺎ اﷲ ﺧﻀﺮاء ﺑﻠﻮن اﻟﻐﺼﻦ اﻷﺧﻀﺮ ﻟﻴﺠﻌﻠﻬﺎ أﻗﺪر ﻋﻠﻰ اﻻﺧﺘﻔﺎء ﻋﻦ‬
‫ﻋﺪوهﺎ‪ ..‬و اﻟﻔﺮاﺷﺔ اﻟﻤﻠﻮﻧﺔ ﺑﻠﻮن اﻟﻮردة‪ ..‬و اﻟﺴﻠﺤﻔﺎة اﻟﺼﻔﺮاء ﺑﻠﻮن اﻟﺼﺤﺮاء‪.‬‬

‫ﺑﺸﺮة اﻟﺰﻧﺠﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻠﻮن ﻓﻲ اﻟﺸﻤﺲ اﻻﺳﺘﻮاﺋﻴﺔ ﻓﺘﺼﺒﺢ ﺳﻮداء آﻤﻈﻠﺔ ﻣﻨﺼﻮﺑﺔ ﻋﻠﻴﻪ‬
‫ﻃﻮل اﻟﻮﻗﺖ ﻟﺘﻘﻴﻪ ﻟﻔﺢ اﻟﺸﻤﺲ‪.‬‬

‫و اﻟﺒﺸﺮة اﻟﺒﻴﻀﺎء اﻟﺒﻠﻮرﻳﺔ اﻟﺸﻔﺎﻓﺔ ﻷهﻞ اﻟﺸﻤﺎل ﺣﻴﺚ ﺗﺨﺘﻔﻲ اﻟﺸﻤﺲ ﻃﻮل اﻟﻮﻗﺖ ﺧﻠﻒ‬
‫اﻟﻀﺒﺎب‪ ،‬و ﺣﻴﺚ ﻳﺸﺢ اﻟﻀﻮء ﻟﺪرﺟﺔ ﺗﺠﻌﻞ اﻟﺠﺴﺪ ﻓﻲ ﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ آﻞ ﺷﻌﺎﻋﺔ ﻋﻦ أي‬
‫ﻃﺮﻳﻖ ﻣﺜﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﺸﺮة اﻟﺸﻔﺎﻓﺔ اﻟﺰﺟﺎﺟﻴﺔ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪224‬‬
‫أﺟﺴﺎم اﻟﺤﻴﺘﺎن اﻟﺘﻲ ﺻﺎﻏﺘﻬﺎ اﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﺗﻠﻚ اﻟﺼﻴﺎﻏﺎت اﻹﻧﺴﻴﺎﺑﻴﺔ آﻐﻮاﺻﺎت‪ ..‬و آﻞ ﺳﻤﻜﺔ و‬
‫ﻗﺪ ﻣﻨﺤﺘﻬﺎ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ آﻴﺴﺎ ﻳﻔﺮغ و ﻳﻤﺘﻠﺊ ﺑﺎﻟﻬﻮاء ﻟﺘﻄﻔﻮ و ﺗﻐﻮص آﻤﺎ ﺗﺮﻳﺪ‪.‬‬

‫أﻓﻮاﻩ اﻟﺤﺸﺮات و ﻗﺪ ﺷﻜﻠﺘﻬﺎ اﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﻋﻠﻰ أﻟﻒ ﺻﻮرة و ﺻﻮرة ﺣﺴﺐ وﻇﺎﺋﻔﻬﺎ‪ ..‬اﻟﺤﺸﺮة‬
‫اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺘﺺ آﺎﻟﺬﺑﺎﺑﺔ ﺗﺸﻜﻞ ﻓﻤﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺻﻮرة ﺧﺮﻃﻮم‪ .‬و اﻟﺤﺸﺮة اﻟﺘﻲ ﺗﻠﺪغ آﺎﻟﺒﻌﻮﺿﺔ‬
‫ﺗﺸﻜﻞ ﻓﻤﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺻﻮرة إﺑﺮة‪ ..‬و اﻟﺤﺸﺮة اﻟﺘﻲ ﺗﻘﺮص آﺎﻟﺼﺮﺻﻮر زودﺗﻬﺎ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ‬
‫ﺑﻤﻨﺎﺷﻴﺮ و ﻣﺒﺎرد‪.‬‬

‫و اﻟﺪودة اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻄﻔﻞ ﻋﻠﻰ اﻷﻣﻌﺎء زودﺗﻬﺎ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺑﺨﻄﺎﻃﻴﻒ و آﻼﺑﺎت ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﻘﻊ ﻓﻲ‬
‫ﺗﺠﻮﻳﻒ اﻷﻣﻌﺎء و ﺗﺠﺮﻓﻬﺎ اﻟﻔﻀﻼت‪.‬‬

‫و آﻠﻤﺎ ﺗﻜﺎﺛﺮ اﻷﻋﺪاء ﻋﻠﻰ ﻣﺨﻠﻮق أآﺜﺮ اﻟﺨﺎﻟﻖ ﻣﻦ ﻧﺴﻠﻪ‪ ،‬ﻓﺪودة اﻹﺳﻜﺎرس ﺗﺒﻴﺾ أآﺜﺮ‬
‫ﻣﻦ ﻣﻠﻴﻮن ﺑﻴﻀﺔ ﻓﻲ اﻟﺸﻬﺮ‪ ،‬و ﺗﻨﺠﺐ أآﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﻠﻴﻮن دودة‪.‬‬

‫و ﻓﻲ ﻣﺘﺎهﺎت اﻟﺼﺤﺎري ﺣﻴﺚ ﻳﺸﺢ اﻟﻤﺎء و ﺗﻨﺪر اﻟﻌﻴﻮن ﺧﻠﻖ اﷲ ﻟﻸﺷﺠﺎر ﺑﺬورا ﻣﺠﻨﺤﺔ‬
‫ﻟﺘﻄﻴﺮ ﻣﻊ اﻟﺮﻳﺎح ﻓﻲ اﻟﺠﻬﺎت اﻷرﺑﻊ و ﺗﺤﻂ ﻓﻲ أﻟﻒ ﺷﺒﺮ و ﺷﺒﺮ ﻣﻦ اﻷرض‪ ،‬و ﺗﺮﺣﻞ‬
‫ﻣﺴﺎﻓﺎت ﺷﺎﺳﻌﺔ و آﺄﻧﻬﺎ ﺑﻌﺜﺎت اﺳﺘﻜﺸﺎف ﺗﺬرع اﻟﺼﺤﺎري‪.‬‬

‫و اﻟﺨﻔﺎش اﻷﻋﻤﻰ اﻟﺬي ﻻ ﻳﻄﻴﺮ إﻻ ﻓﻲ اﻟﻠﻴﻞ زودﺗﻪ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺑﺄﻣﻮاج أﻟﺘﺮاﺳﻮﻧﻴﻚ‬

‫ﻳﺴﺘﻜﺸﻒ ﺑﻬﺎ ﻃﺮﻳﻘﻪ‪.‬‬

‫و اﻟﻜﺘﻜﻮت اﻟﻮﻟﻴﺪ ﺗﺮﺷﺪﻩ اﻟﻐﺮﻳﺰة إﻟﻰ أﺿﻌﻒ ﻣﻜﺎن ﻓﻲ اﻟﺒﻴﻀﺔ ﻓﻴﻨﻘﺮهﺎ ﻟﻴﺨﺮج إﻟﻰ‬
‫اﻟﻮﺟﻮد‪.‬‬

‫و اﻟﺰﻧﺒﻮر ﻳﻌﺮف ﻣﻜﺎن اﻟﻤﺮاآﺰ اﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﻋﻨﺪ ﻓﺮﻳﺴﺘﻪ ﻓﻴﺤﻘﻨﻬﺎ ﺑﺎﻟﺴﻢ و ﻳﺸﻠﻬﺎ و آﺄﻧﻪ‬
‫ﺟﺮاح ﻣﺎهﺮ درس اﻟﺘﺸﺮﻳﺢ‪.‬‬

‫و اﻟﻨﻤﻞ اﻟﺬي ﻗﺎدﺗﻪ ﻓﻄﺮﺗﻪ إﻟﻰ اآﺘﺸﺎف اﻟﺰراﻋﺔ و ﺗﺨﺰﻳﻦ اﻟﻤﺤﺼﻮﻻت ﻗﺒﻞ أن ﻳﻜﺘﺸﻔﻬﺎ‬
‫اﻹﻧﺴﺎن ﺑﻤﻼﻳﻴﻦ اﻟﺴﻨﻴﻦ‪.‬‬

‫و ﺣﺸﺮة اﻟﺘﺮﻣﻴﺖ اﻟﺘﻲ ﻋﺮﻓﺖ ﺗﻜﻴﻴﻒ اﻟﻬﻮاء ﻓﻲ ﺑﻴﻮﺗﻬﺎ ﻗﺒﻞ أن ﻳﻌﺮف اﻹﻧﺴﺎن اﻷﺑﻮاب و‬
‫اﻟﺸﺒﺎﺑﻴﻚ‪.‬‬

‫إن آﻞ ﺧﻄﻮة ﺗﺨﻄﻮهﺎ ﻓﻲ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺣﻮﻟﻚ ﺗﺠﺪ ﻓﻴﻬﺎ أﺛﺮ اﻟﺮﺣﻤﺔ و اﻟﻌﻨﺎﻳﺔ و اﻟﺮﻋﺎﻳﺔ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪225‬‬
 ‫ﻟﻢ ﻳﻘﺬف ﺑﻨﺎ إﻟﻰ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻟﻨﻌﺎﻧﻲ ﺑﻼ ﻣﻌﻴﻦ آﻤﺎ ﻳﻘﻮل ﺳﺎرﺗﺮ‪.‬‬

‫إن آﻞ ذرة ﻓﻲ اﻟﻜﻮن ﺗﺸﻴﺮ ﺑﺈﺻﺒﻌﻬﺎ إﻟﻰ رﺣﻤﺔ اﻟﺮﺣﻴﻢ‪.‬‬

‫ﺣﺘﻰ اﻷﻟﻢ ﻟﻢ ﻳﺨﻠﻘﻪ اﷲ ﻟﻨﺎ ﻋﺒﺜﺎ‪ ..‬و إﻧﻤﺎ هﻮ ﻣﺆﺷﺮ و ﺑﻮﺻﻠﺔ ﺗﺸﻴﺮ إﻟﻰ ﻣﻜﺎن اﻟﺪاء و ﺗﻠﻔﺖ‬
‫اﻟﻨﻈﺮ إﻟﻴﻪ‪.‬‬

‫أﻟﻢ اﻟﺠﺴﺪ ﻳﻀﻊ ﻳﺪك ﻋﻠﻰ ﻣﻮﺿﻊ اﻟﻤﺮض‪.‬‬

‫و أﻟﻢ اﻟﻨﻔﺲ ﻳﺪﻓﻌﻚ ﻟﻠﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻚ‪.‬‬

‫و أﻟﻢ اﻟﺮوح ﻳﻠﻬﻤﻚ و ﻳﻔﺘﺢ ﺁﻓﺎﻗﻚ إﻟﻰ إدراك ﺷﺎﻣﻞ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺪﻧﻴﺎ ﻟﻴﺴﺖ آﻞ ﺷﻲء‪ ،‬و ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن‬
‫ﺗﻜﻮن آﻞ ﺷﻲء و ﻓﻴﻬﺎ آﻞ هﺬﻩ اﻵﻻم و اﻟﻤﻈﺎﻟﻢ‪ .‬و إﻧﻤﺎ ﻻﺑﺪ أن ﻳﻜﻮن وراءهﺎ ﻋﺎﻟﻢ ﺁﺧﺮ‬
‫ﺳﻤﺎوي ﺗﺮد ﻓﻴﻪ اﻟﺤﻘﻮق إﻟﻰ أﺻﺤﺎﺑﻬﺎ‪ ،‬و ﻳﺠﺪ آﻞ ﻇﺎﻟﻢ ﻋﻘﺎﺑﻪ‪.‬‬

‫و ﺑﺎﻷﻟﻢ و ﻣﻐﺎﻟﺒﺘﻪ و اﻟﺼﺒﺮ ﻋﻠﻴﻪ و ﻣﺠﺎهﺪﺗﻪ ﺗﻨﻤﻮ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ و ﺗﺰداد اﻹرادة ﺻﻼﺑﺔ و‬
‫إﺻﺮا‪ ،‬و ﻳﺼﺒﺢ اﻹﻧﺴﺎن ﺷﻴﺌﺎ ﺁﺧﺮ ﻏﻴﺮ اﻟﺤﻴﻮان واﻟﻨﺒﺎت‪.‬‬

‫ﻣﺎ أآﺜﺮ ﻣﺎ ﺗﻌﻠﻤﺖ ﻋﻠﻰ ﺳﺮﻳﺮ اﻟﻤﺴﺘﺸﻔﻰ‪.‬‬

‫و ﺷﻜﺮا ﻷﻳﺎم اﻟﻤﺮض و ﺁﻻﻣﻪ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪226‬‬
 ‫اﻟﺘﻘﺪم إﻟﻰ اﻟﺨﻠﻒ‬

‫ﺣﻴﻨﻤﺎ اآﺘﺸﻒ اﻟﺮﺟﻞ اﻷوروﺑﻲ اﻟﺒﺨﺎر و اﻟﻜﻬﺮﺑﺎء‪ ،‬و ﺻﻨﻊ اﻟﺼﻠﺐ و اﻟﻘﻄﺎرات و‬
‫اﻟﻄﺎﺋﺮات‪ ،‬و أﺿﺎء اﻟﻤﺪن ﻓﺄﺣﺎل ﻇﻼﻣﻬﺎ ﻧﻬﺎرًا اﻣﺘﻸ ﺷﻌﻮرًا ﺑﺎﻟﺴﻌﺎدة و اﻟﻌﻈﻤﺔ‪.‬‬

‫و ﺣﻴﻨﻤﺎ وﺿﻊ ﻗﺪﻣﻪ ﻓﻲ أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ اﻟﺴﻮداء ﻧﻈﺮ إﻟﻴﻬﺎ ﻧﻈﺮة اﻟﺴﻴﺪ إﻟﻰ ﻣﻼﻳﻴﻦ اﻟﻌﺒﻴﺪ اﻟﻤﺘﺨﻠﻔﻴﻦ‬
‫اﻟﻤﺘﺄﺧﺮﻳﻦ‪ ،‬اﻟﻤﺘﺒﺮﺑﺮﻳﻦ اﻟﻤﺘﻮﺣﺸﻴﻦ‪ .‬و ﺷﻌﺮ ﺑﺄن ﻋﻠﻴﻪ واﺟﺐ اﻷﺧﺬ ﺑﻴﺪ هﺆﻻء اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت‬
‫إﻟﻰ ﻧﻮر اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ و اﻟﻌﻠﻢ و اﻟﻮﺻﺎﻳﺎ اﻟﻌﺸﺮ‪.‬‬

‫و ﺑﻴﻦ زﻧﻮج ﻋﺮاة ﺣﻔﺎة وﻗﻒ اﻟﻤﺒﺸﺮ اﻷوروﺑﻲ ﻓﻲ ﺛﻴﺎب ﻧﻈﻴﻔﺔ ﻳﻘﻮل ﻟﻜﻞ واﺣﺪ‪:‬‬

‫ﻻ ﺗﺴﺮق‪..‬‬

‫و ﻧﻈﺮ آﻞ ﻋﺮﻳﺎن ﺑﺠﻮارﻩ ﻳﺘﺴﺎءل‪ :‬ﻧﺴﺮق ﻣﺎذا؟‬

‫ﻻ أﺣﺪ ﻳﻤﻠﻚ ﺣﺘﻰ ﺧﺮﻗﺔ ﻋﻠﻰ ﺟﺴﺪﻩ‪ ،‬و اﻟﻄﻴﺮ ﻳﻤﺮح ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺠﺮ ﻟﻤﻦ ﻳﺼﻄﺎدﻩ‪ ،‬و‬
‫اﻷرض ﻣﺠﺎﻧًﺎ ﻟﻤﻦ ﻳﺰرﻋﻬﺎ‪ ،‬و اﻟﻔﺎآﻬﺔ داﻧﻴﺔ ﻟﻤﻦ ﻳﻘﻄﻔﻬﺎ‪..‬‬

‫ﻧﺴﺮق ﻣﺎذا و ﻟﻤﺎذا؟‬

‫أﺳﻬﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﻤﻞ أن ﻳﺪﺧﻞ ﺛﻘﺐ إﺑﺮة ﻣﻦ أن ﻳﺪﺧﻞ اﻟﻐﻨﻲ ﺟﻨﺔ اﷲ‪.‬‬

‫و ﻟﻜﻦ ﻣﻦ هﻮ اﻟﻐﻨﻲ؟‬

‫اﻟﺬي ﻳﻤﻠﻚ‪ ..‬اﻟﺬي ﻋﻨﺪﻩ ﻧﻘﻮد أآﺜﺮ‪ ..‬اﻟﺬي ﻋﻨﺪﻩ ﺳﻨﺪات و ﻋﻘﺎرات أآﺜﺮ‪.‬‬

‫و ﻟﻜﻦ ﻟﻴﺲ ﺑﻴﻨﻨﺎ ﻣﻦ ﻳﻤﻠﻚ أآﺜﺮ و ﻻ ﻣﻦ ﻳﻤﻠﻚ أﻗﻞ‪ .‬و ﻻ ﻧﻌﺮف ﻣﻠﻜﻴﺔ‪ .‬و ﻻ ﻧﻌﺮف ﻧﻘﻮدًا‪.‬‬
‫و ﻟﻴﺲ ﺑﻴﻨﻨﺎ ﻣﻦ ﻳﻤﻠﻚ ﺳﻨﺪات و ﻋﻘﺎرات‪.‬‬

‫هﺬا ﻋﻴﻦ اﻟﺘﺄﺧﺮ و اﻟﺒﺮﺑﺮﻳﺔ و اﻟﻮﺣﺸﻴﺔ!‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪227‬‬
 ‫ﺳﻮف ﻳﺼﻚ ﻟﻜﻢ اﻟﺮﺟﻞ اﻷوروﺑﻲ اﻟﻨﻘﻮد‪ .‬ﺳﻮف ﻳﺠﻌﻞ ﺑﻌﻀﻜﻢ ﻓﻘﺮاء و ﺑﻌﻀﻜﻢ أﻏﻨﻴﺎء‪.‬‬
‫ﺳﻮف ﻳﺠﻌﻞ ﺑﻌﻀﻜﻢ ﻳﻤﻠﻚ و ﺑﻌﻀﻜﻢ ﻻ ﻳﻤﻠﻚ‪ .‬و هﻜﺬا ﺗﻨﺸﺄ ﺑﻴﻨﻜﻢ اﻷﺣﻘﺎد ﻓﺘﻌﺮﻓﻮن ﻣﻌﻨﻰ‬
‫اﻟﻮﺻﺎﻳﺎ اﻟﻌﺸﺮ‪.‬‬

‫و ﻟﻜﻦ ﻣﺎ ﺑﺎل اﻟﺮﺟﻞ اﻷوروﺑﻲ ﻧﻔﺴﻪ ﻻ ﻳﻌﻤﻞ ﺑﺎﻟﻮﺻﺎﻳﺎ اﻟﻌﺸﺮ؟‬

‫ﻟﻤﺎذا ﻳﺴﺮق ﺧﻴﺮات اﻟﻐﺎﺑﺔ و ﻳﺸﺤﻨﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺒﻮاﺧﺮ اﻟﻤﺘﺮاﺻﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺎﻃﺊ إﻟﻰ ﺑﻼدﻩ؟ ﻟﻤﺎذا‬
‫ﻳﻘﺘﻞ اﻟﻌﺒﻴﺪ ﺑﺎﻟﺴﺨﺮة ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎﺟﻢ؟ ﻟﻤﺎذا ﻳﺘﺰوج واﺣﺪة و ﻳﺰﻧﻲ ﺑﺄﻟﻒ‪ .‬و ﻟﻤﺎذا ﻳﻜﺬب ﻋﻠﻰ‬
‫ﻧﻔﺴﻪ و ﻋﻠﻴﻨﺎ و ﻋﻠﻰ اﷲ؟!‬

‫و ﻇﻠﺖ اﻟﺤﻴﺎة ﺗﺴﻴﺮ ﻓﻲ رﺗﺎﺑﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺘﻮﺣﺸﻴﻦ اﻟﻤﺘﺒﺮﺑﺮﻳﻦ ﺗﺤﺼﺪهﻢ اﻷﻣﺮاض‪ ،‬و ﺗﺘﺤﺎﻟﻒ‬
‫ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﻤﻼرﻳﺎ و اﻟﺤﻤﻰ اﻟﺼﻔﺮاء‪ ،‬و اﻟﺤﻴﺎت و اﻷﻓﺎﻋﻲ‪ ،‬و رﺻﺎص اﻟﻤﺴﺘﻌﻤﺮﻳﻦ‪.‬‬

‫و ﺗﻮﻟﻰ اﻟﺮﺟﻞ اﻷوروﺑﻲ ﻣﻬﻤﺔ ﻗﺘﻞ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻲ ﺣﺮﺑﻴﻦ ﻋﺎﻟﻤﻴﺘﻴﻦ‪.‬‬

‫و ﺗﻮﻟﻰ ﺣﺼﺎد اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﺘﻲ أﻗﺎﻣﻬﺎ‪ .‬آﻠﻤﺎ ﺑﻨﻰ هﺪم‪ ،‬و آﻠﻤﺎ أﻗﺎم ﺣﻄﻢ‪.‬‬

‫و ﻟﻜﻦ اﻷدوات ﻓﻲ ﻳﺪﻳﻪ ﻇﻠﺖ ﺗﺘﻘﺪم ﻣﻦ ﻃﺎﺋﺮات إﻟﻰ ﺻﻮارﻳﺦ‪ ،‬و ﻣﻦ آﻬﺮﺑﺎء إﻟﻰ ذرة‪.‬‬

‫و هﺎ هﻮ ذا اﻟﻴﻮم ﻗﺪ اﻣﺘﻸ ﺷﻌﻮرًا ﺑﺎﻟﺜﻘﺔ‪ ،‬و ﻗﺪ ازداد ﺗﺄآﻴﺪًا أﻧﻪ أﺻﺒﺢ اﻟﺴﻴﺪ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ‪.‬‬

‫ﺳﻴﺪ ﻣﻦ؟!!‬

‫ﺳﻴﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ و ﻋﺒﺪ ﻟﻨﻔﺴﻪ!‬

‫و هﻮ ﻳﺰداد ﻋﺒﻮدﻳﺔ ﻟﻬﺬﻩ اﻟﻨﻔﺲ آﻞ ﻳﻮم‪.‬‬

‫ﺗﺴﺘﻬﻮﻳﻪ اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ اﻻﺳﺘﻬﻼآﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻔﺎﺗﺮﻳﻨﺎت‪ ،‬و ﺗﺴﺘﻌﺒﺪﻩ اﻟﺜﻼﺟﺔ و اﻟﻐﺴﺎﻟﺔ و اﻟﻌﺮﺑﺔ‬

‫اﻟﺒﻮﻳﻚ‪ ،‬و اﻟﺮﻳﻜﻮردر‪ ،‬و اﻟﺘﺮاﻧﺰﻳﺴﺘﻮر‪.‬‬

‫و ﺳﻴﻄﺮة اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ اﻻﺳﺘﻬﻼآﻴﺔ و اﻟﺘﺮف اﻟﺸﺨﺼﻲ ﺗﻔﺮض ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺑﻠﺪ رأﺳﻤﺎﻟﻲ‬
‫آﺄﻣﺮﻳﻜﺎ آﻤﺎ ﺗﻔﺮض ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺑﻠﺪ اﺷﺘﺮاآﻲ آﺮوﺳﻴﺎ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪228‬‬
 ‫و ﻣﻦ أﺟﻞ ﻣﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺘﺮف و اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ اﻻﺳﺘﻬﻼآﻴﺔ ﻟﻜﻞ ﻓﺮد‪ ،‬و ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﺴﻴﻄﺮة و‬
‫اﻟﺘﺤﻜﻢ ﻓﻲ اﻵﺧﺮﻳﻦ ﺳﻮف ﺗﻘﻮم ﺣﺮب ﺛﺎﻟﺜﺔ‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﺗﻌﺪ اﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﻣﺬاهﺐ‪ .‬و إﻧﻤﺎ ﺣﻘﻴﻘﺔ‬
‫اﻟﻤﺴﺄﻟﺔ أن اﻹﻧﺴﺎن ﻟﻢ ﻳﺘﻘﺪم و إﻧﻤﺎ ﺗﺄﺧﺮ‪ .‬و هﻮ آﻞ ﻳﻮم ﻳﺘﺄﺧﺮ‪.‬‬

‫اﻷدوات ﻓﻲ ﻳﺪﻳﻪ هﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﺪﻣﺖ و ﺗﺤﻮل هﻮ ﻣﻦ ﺻﺎﻧﻌﻬﺎ إﻟﻰ ﺧﺎدﻣﻬﺎ ﺛﻢ إﻟﻰ ﻋﺒﺪهﺎ‪.‬‬

‫ﻟﻜﻦ آﻞ هﺬﻩ اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ اﻻﺳﺘﻬﻼآﻴﺔ ﻟﻴﺴﺖ أآﺜﺮ ﻣﻦ ﻟﻌﺐ أﻃﻔﺎل ﻓﻲ ﻓﺎﺗﺮﻳﻨﺔ‪ ،‬و آﻞ ﻣﺎ‬
‫أﺣﺮزﻩ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻦ ﺗﻘﺪم هﻮ ﺗﻘﺪم ﺷﻜﻠﻲ‪.‬‬

‫و اﻹﻧﺴﺎن ﻓﻲ أﺛﻴﻨﺎ‪ ،‬ﻣﻨﺬ أآﺜﺮ ﻣﻦ أﻟﻔﻲ ﺳﻨﺔ‪ ،‬أﻳﺎم ﺳﻘﺮاط و أﻓﻼﻃﻮن و أرﺳﻄﻮ آﺎن أآﺜﺮ‬
‫ﺗﻘﺪﻣًﺎ‪ .‬و آﺎن ﻳﻌﺮف ﻃﺮﻳﻘﻪ اﻟﺼﺤﻴﺢ إﻟﻰ اﻟﺘﻘﺪم ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ‪ .‬آﺎن ﻳﺒﺤﺚ آﻴﻒ ﻳﻌﺮف ﻧﻔﺴﻪ‪ ،‬و‬
‫آﻴﻒ ﻳﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﻋﺒﻮدﻳﺘﻬﺎ‪ ،‬و آﻴﻒ ﻳﺤﻘﻖ اﻟﺤﺮﻳﺔ‪ ،‬و آﻴﻒ ﻳﺤﻘﻖ اﻟﻌﺪاﻟﺔ‪ ،‬و آﻴﻒ ﻳﺼﻞ‬
‫إﻟﻰ ﻣﻌﺮﻓﺔ اﷲ‪ .‬و آﺎن آﻞ واﺣﺪ ﻳﻨﺎﻗﺶ اﻵﺧﺮ ﻓﻲ ﺣﺮﻳﺔ‪.‬‬

‫أﻣﺎ اﻟﻴﻮم ﻓﻜﻞ واﺣﺪ ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻰ اﻵﺧﺮ اﻟﺮﺻﺎص‪.‬‬

‫و ﻻ أﺣﺪ ﻳﻔﻜﺮ آﻴﻒ ﻳﻌﺮف ﻧﻔﺴﻪ‪ ،‬و ﻟﻜﻦ آﻴﻒ ﻳﺸﺒﻊ ﻧﻬﻢ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻔﺲ اﻟﺠﺸﻌﺔ ﺑﻼ ﺣﺪود‪.‬‬

‫و اﻟﻨﻔﺲ ﺗﺪﻓﻦ ﺷﻴﺌًﺎ ﻓﺸﻴﺌًﺎ ﺗﺤﺖ رآﺎم اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ اﻻﺳﺘﻬﻼآﻴﺔ‪ ،‬ﻳﺨﻨﻘﻬﺎ ﻃﻤﻌﻬﺎ اﻟﻼﻧﻬﺎﺋﻲ‪.‬‬

‫ﻧﺤﻦ ﻧﺘﺄﺧﺮ‪.‬‬

‫اﻷدوات ﻓﻲ أﻳﺪﻳﻨﺎ ﺗﻨﻤﻮ ﻓﻲ اﻟﻘﻮة ﺑﺎﻃﺮاد ﺣﺴﺎﺑﻲ آﻤﺎ ﺗﻨﻤﻮ اﻷﻣﻮال ﺗﻠﻘﺎﺋﻴًﺎ ﻓﻲ اﻟﺒﻨﻮك‪.‬‬

‫و ﻟﻜﻦ اﻟﺘﻘﺪم ﻟﻴﺲ أن ﺗﻨﻤﻮ اﻷدوات‪ ،‬و إﻧﻤﺎ أن ﻳﻨﻤﻮ اﻹﻧﺴﺎن‪.‬‬

‫ﻟﻴﺲ أن ﻳﺴﻴﻄﺮ اﻹﻧﺴﺎن ﻋﻠﻰ اﻵﺧﺮﻳﻦ‪ ،‬و إﻧﻤﺎ أن ﻳﺴﻴﻄﺮ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ‪ ،‬ﻋﻠﻰ ﻏﻀﺒﻪ‪.‬‬

‫ﻟﻴﺲ أن ﻳﻤﺘﻠﻚ اﻹﻧﺴﺎن اﻟﻘﻮة‪ ،‬ﺑﻞ أن ﻳﻤﺘﻠﻚ اﻟﺮﺣﻤﺔ‪.‬‬

‫ﻟﻴﺲ أن ﻳﻔﺮض اﻟﺸﺮق ﻣﺬهﺒﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻐﺮب‪ ،‬و ﻻ أن ﻳﻔﺮض اﻟﻐﺮب ﻣﺬهﺒﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺮق‪،‬‬
‫و إﻧﻤﺎ أن ﺗﺮﺣﺐ اﻟﺼﺪور ﻟﻴﻘﻮل آﻞ واﺣﺪ آﻠﻤﺘﻪ‪.‬‬

‫ﺻﺤﻴﺢ أﻧﻨﺎ اﻵن ﻧﺮآﺐ ﺻﻮارﻳﺦ و ﻧﺴﻴﺮ ﺑﺴﺮﻋﺔ‪ ،‬و ﻟﻜﻦ إﻟﻰ وراء‪ ،‬و إﻟﻰ ﺗﺤﺖ‪ ،‬و إﻟﻰ‬
‫ﺧﻠﻒ‪ ،‬و إﻟﻰ دﻏﻞ آﺜﻴﻒ ﻧﻌﻮد ﻓﻴﻪ ﺣﻴﻮاﻧﺎت أآﺜﺮ اﻓﺘﺮاﺳًﺎ ﻣﻦ آﻞ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت‪ ..‬ﺣﻴﻮاﻧﺎت‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪229‬‬
 ‫ﻣﺨﺎﻟﺒﻬﺎ ذرﻳﺔ و أﻧﻴﺎﺑﻬﺎ ﻧﻮوﻳﺔ‪ .‬ﻣﺴﻮخ اﺧﺘﻞ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺘﻮازن ﻓﺄﺻﺒﺤﺖ ﻟﻬﺎ أﺑﺪان هﺎﺋﻠﺔ‪ ،‬و‬
‫ﻗﻠﻮب ﺿﺌﻴﻠﺔ‪ ،‬و أرواح هﺰﻳﻠﺔ‪.‬‬

‫اﻟﺠﻨﺲ اﻟﺒﺸﺮي اﻵن هﻮ اﻟﺪﻳﻨﺎﺻﻮر اﻟﺠﺪﻳﺪ اﻟﺬي ﺳﻮف ﻳﻨﻘﺮض‪.‬‬

‫و اﻗﺮأوا اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻟﺘﻌﺮﻓﻮا آﻴﻒ آﺎن ﻋﻠﻰ اﻷرض ﻣﻨﺬ ﻣﻼﻳﻴﻦ اﻟﺴﻨﻴﻦ ﺣﻴﻮان هﺎﺋﻞ ﺿﺨﻢ‬
‫آﺎﻟﺠﺒﻞ‪ ،‬ﻳﺤﻜﻢ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت‪ ،‬اﺳﻤﻪ اﻟﺪﻳﻨﺎﺻﻮر‪ ،‬ﺛﻢ اﻧﻘﺮض و هﻠﻚ‪ .‬و اﻟﺴﺒﺐ أﻧﻪ آﺎن‬
‫ﻗﻮﻳًﺎ ﺟﺪُا و ﻣﻐﻔﻼ ً‪.‬‬

‫اﻟﺮد ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺴﺎؤﻻت‬

‫ﺗﺼﻠﻨﻲ أﺣﻴﺎﻧﺎ ﻣﻦ اﻟﻘﺮاء ﺗﻌﻠﻴﻘﺎت ﺟﺎدة و ﺗﺴﺎؤﻻت ﺣﻮل ﻣﻘﺎﻻﺗﻲ اﻷﺧﻴﺮة‪ ..‬و اﻟﺒﻌﺾ‬
‫ﻳﻠﺘﻘﻂ ﻋﺒﺎرات ﻣﻦ آﺘﺐ ﻗﺪﻳﻤﺔ ﺻﺪرت ﻟﻲ ﻣﻨﺬ ﻋﺸﺮﻳﻦ ﻋﺎﻣﺎ ﻣﺤﺎوﻻ أن ﻳﺸﻬﺪ اﻟﻨﺎس‪..‬‬
‫آﻴﻒ آﻨﺖ ﻣﻠﺤﺪا ﺛﻢ أﺻﺒﺤﺖ ﻣﺆﻣﻨﺎ‪ ..‬ﻳﺎﻟﻪ ﻣﻦ ﺗﻨﺎﻗﺾ و ﺟﺮﻳﻤﺔ ﻻ ﺗﻐﺘﻔﺮ ﻟﻤﻔﻜﺮ‪..‬‬

‫و ﻳﺒﺪو أن اﻟﻤﻔﻜﺮ اﻷﻣﺜﻞ ﻋﻨﺪهﻢ هﻮ ﻗﻄﻌﺔ رﺧﺎم ﻻ ﺗﻨﺘﻘﻞ ﻣﻦ ﻣﻜﺎﻧﻬﺎ‪ ،‬أو ﻣﺴﺘﻨﻘﻊ أﺳﻦ ﻻ‬
‫ﻳﺘﺠﺪد ﻣﺎؤﻩ‪ ،‬أو ﺣﻴﺎة ﺧﺎﻣﻠﺔ راآﺪة ﺁﻟﻴﺔ ﻻ ﺗﺘﻄﻮر‪.‬‬

‫و ﻳﺘﺼﻮر اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ اﻟﻔﻀﻴﻠﺔ و اﻟﺬﻣﺔ ﻓﻲ أن ﻳﻜﺘﺸﻒ اﻟﻜﺎﺗﺐ ﺧﻄﺄﻩ ﻓﻼ ﻳﺼﺤﺤﻪ و ﻻ‬

‫ﻳﺮﺟﻊ ﻋﻨﻪ‪.‬‬

‫و ﻳﺘﺼﻮر اﻟﻜﻤﺎل ﻓﻲ اﻟﻌﺠﺮﻓﺔ اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ و اﻟﺠﻤﻮد و اﻟﺘﻌﺼﺐ و اﻟﺜﺒﺎت و ﻟﻮ ﻋﻠﻰ اﻟﺨﻄﺄ )‬

‫ﻃﺎﻟﻤﺎ أن هﺬا اﻟﺨﻄﺄ ﻓﻲ ﺻﺎﻟﺤﻬﻢ(‪.‬‬

‫و ﻟﻮ آﻨﺖ ﻣﺆﻣﻨﺎ ﺗﺤﻮﻟﺖ إﻟﻰ اﻹﻟﺤﺎد ﻷﺧﺬوﻧﻲ ﺑﺎﻷﺣﻀﺎن‪ ،‬و ﻟﻘﺎﻟﻮا هﺬا هﻮ اﻟﻤﻔﻜﺮ‬
‫اﻟﺸﺮﻳﻒ ﺑﺤﻖ‪ ..‬هﺬا هﻮ راﺋﺪ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺬاﺗﻲ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪230‬‬
 ‫و ﻟﻜﻦ ﻟﻤّﺎ آﺎن ﻧﻘﺪﻧﺎ ﻟﺬواﺗﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮ هﻮاهﻢ أﺻﺎﺑﻬﻢ ﻋﻤﻰ اﻷﻟﻮان ﻓﺮأوا اﻷﺑﻴﺾ أﺳﻮد‪،‬‬
‫و رأوا اﻟﻔﻀﻴﻠﺔ رذﻳﻠﺔ‪ ،‬و اﻟﺬﻣﺔ ﺧﻴﺎﻧﺔ‪.‬‬

‫و ﻟﻘﺪ ﺣﺎرب ﺧﺎﻟﺪ ﺑﻦ اﻟﻮﻟﻴﺪ ﺿﺪ اﻹﺳﻼم ﺑﺸﺮاﺳﺔ و أﻧﺰل اﻟﻬﺰﻳﻤﺔ ﺑﺎﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻓﻲ أﺣﺪ‪ ..‬ﺛﻢ‬
‫ﺁﻣﻦ و ﺣﻤﻞ ﻟﻮاء اﻟﺪﻋﻮة و أﺻﺒﺢ ﺳﻴﻒ اﷲ اﻟﻤﺴﻠﻮل‪ ،‬ﻓﻠﻢ ﻳﻘﻞ أﺣﺪ إﻧﻪ رﺟﻞ ﻣﺘﻨﺎﻗﺾ ﺑﻼ‬
‫ﻣﺒﺪأ‪.‬‬

‫و ﺣﺎرب ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب اﻟﺪﻋﻮة اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻓﻲ ﺑﺪاﻳﺘﻬﺎ ﺑﻀﺮاوة ﺛﻢ اﻋﺘﻨﻖ ﻧﻔﺲ اﻟﺪﻳﻦ‬
‫اﻟﺬي ﺳﺒﻪ و ﺳﻔﻬﻪ و ﺣﺎرﺑﻪ‪ ..‬ﻓﻠﻢ ﻳﺸﻜﻚ أﺣﺪ ﻓﻲ إﻳﻤﺎﻧﻪ و ﻻ ﻓﻲ ﺻﺪﻗﻪ و ﻻ ﻓﻲ ذﻣﺘﻪ‪.‬‬

‫و اﻹﻧﺴﺎن ﻓﻲ ﺷﺒﺎﺑﻪ ﻣﻨﺪﻓﻊ ﺑﻄﺒﻴﻌﺘﻪ‪ ،‬ﻳﺆﻣﻦ ﺑﺎﻟﺴﺎذج اﻟﺒﺴﻴﻂ‪ ،‬اﻟﻮاﺿﺢ اﻟﻤﻠﻤﻮس أﻣﺎﻣﻪ‪ ،‬و‬
‫ﻟﻬﺬا ﻓﻬﻮ ﻳﺴﺘﺮﻳﺢ إﻟﻰ اﻟﻤﺎدﻳﺔ و اﻟﻔﻜﺮ اﻟﻤﺎدي‪ ،‬ﻷﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﻄﺎﻟﺒﻪ ﺑﺸﻲء ﻏﻴﺮ اﻟﻤﻮﺟﻮد أﻣﺎﻣﻪ‪،‬‬
‫ﻓﻬﻲ ﺗﺒﺪأ ﻣﻦ اﻟﻘﺮﻳﺐ اﻟﻤﺤﺴﻮس و ﻻ ﺗﺘﺠﺎوزﻩ‪ ،‬و ﻻ ﺗﺠﻬﺪ اﻟﺬهﻦ اﺳﺘﺨﻼﺻﺎ ﻟﻠﺤﻜﻤﺔ ﻣﻦ‬
‫وراﺋﻪ‪ ..‬ﺑﻞ إﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﻌﺘﻘﺪ ﻓﻲ وﺟﻮد ﺣﻜﻤﺔ‪ ..‬ﻻ ﺷﻲء ﺳﻮى اﻟﻤﺎدة اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻄﻮر ﺗﻠﻘﺎﺋﻴﺎ‬
‫ﺑﻘﻮاﻧﻴﻨﻬﺎ اﻟﺠﺪﻟﻴﺔ اﻟﺨﺎﺻﺔ‪.‬‬

‫و اﻟﻤﻔﻜﺮ اﻟﻤﺎدي ﻻ ﻳﺤﺎول ﺣﺘﻰ أن ﻳﺴﺄل ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻦ اﻟﺬي وﺿﻊ ﻓﻲ اﻟﻤﺎدة ﻗﻮاﻧﻴﻨﻬﺎ اﻟﺠﺪﻟﻴﺔ‬
‫هﺬﻩ‪.‬‬

‫و هﻮ ﻳﺮﻓﺾ اﻟﺪﻳﻦ ﻷﻧﻪ ﻏﻴﺒﻴﺎت‪.‬‬

‫و هﻮ ﻧﻔﺴﻪ ﻏﺎرق ﻓﻲ اﻟﻐﻴﺒﻴﺎت إﻟﻰ أذﻧﻴﻪ‪.‬‬

‫ﺑﻞ إن اﻟﻌﻠﻢ ﻧﻔﺴﻪ اﻟﺬي ﻳﺘﺸﺪق ﺑﻪ و ﻳﺤﺘﻜﻢ إﻟﻴﻪ ﻏﺮق ﻓﻲ اﻟﻐﻴﺒﻴﺎت هﻮ اﻵﺧﺮ‪.‬‬

‫اﻟﻌﻠﻢ ﻳﺘﻜﻠﻢ ﻋﻦ اﻹﻟﻜﺘﺮون ﻋﻠﻰ أﻧﻪ ﺣﻘﻴﻘﺔ‪ ..‬و ﻟﻢ ﻳﺮى أﺣﺪ اﻹﻟﻜﺘﺮون‪ ..‬و ﻻ ﻧﻌﻠﻢ ﻋﻦ‬
‫اﻹﻟﻜﺘﺮون إﻻ ﺁﺛﺎرﻩ‪ ..‬أﻣﺎ اﻹﻟﻜﺘﺮون ذاﺗﻪ ﻓﻬﻮ ﻏﻴﺐ‪.‬‬

‫و ﺑﺎﻟﻤﺜﻞ اﻟﻤﻮﺟﺔ اﻟﻼﺳﻠﻜﻴﺔ ﻻ ﻧﻌﻠﻢ ﻋﻨﻬﺎ إﻻ ﺁﺛﺎرهﺎ ﻓﻲ ﻋﻤﻮد اﻹرﺳﺎل و ﺟﻬﺎز اﻻﺳﺘﻘﺒﺎل‪..‬‬
‫ﻟﻢ ﻳﺮى أﺣﺪ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻮﺟﺔ اﻷﺛﻴﺮﻳﺔ و ﻟﻢ ﻳﻌﺮف أﺣﺪ آﻨﻬﻬﺎ‪.‬‬

‫ﺑﻞ إن اﻟﻜﻬﺮﺑﺎء ذاﺗﻬﺎ هﻲ اﻷﺧﺮى ﻃﺎﻗﺔ ﻻ ﺷﻚ ﻓﻴﻬﺎ و ﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﻬﻲ ﻣﺠﻬﻮﻟﺔ اﻟﻬﻮﻳﺔ‬
‫ﺗﻤﺎﻣﺎ‪ ..‬و ﻻ ﻧﻌﺮف ﻋﻨﻬﺎ إﻻ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﺁﺛﺎرهﺎ اﻟﻈﺎهﺮة ﻣﻦ ﺣﺮارة إﻟﻰ ﺿﻮء إﻟﻰ ﺣﺮآﺔ‬
‫ﻣﻐﻨﺎﻃﻴﺴﻴﺔ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪231‬‬
 ‫ﻓﺈذا ﻗﻠﻨﺎ ﻟﻬﻢ إن اﷲ ﺑﺎﻟﻤﺜﻞ ﻋﺮﻓﻨﺎﻩ ﺑﺂﺛﺎرﻩ و إن هﻮﻳﺘﻪ ﻏﻴﺐ ﻟﻢ ﻳﻌﺠﺒﻬﻢ آﻼﻣﻨﺎ‪.‬‬

‫ﺑﻞ إن اﻟﻤﻔﻜﺮ اﻟﻤﺎدي ﻳﻘﻮل ﻓﻲ ﺟﺮأة ﻋﺠﻴﺒﺔ‪ )) ..‬ﻓﻲ اﻟﺒﺪء آﺎﻧﺖ اﻟﻤﺎدة ﺛﻢ ﺗﻄﻮرت اﻟﻤﺎدة‬
‫إﻟﻰ آﺎﻓﺔ ﺻﻮر اﻟﺤﻴﺎة و اﻟﻔﻜﺮ (( و آﺄﻧﻪ آﺎن ﻣﻮﺟﻮدا ﻟﺤﻈﺔ ﺑﺪاﻳﺔ اﻟﺨﻠﻖ ﻣﺘﺮﺑﻌﺎ ﻓﻲ‬
‫آﺮﺳﻲ ﺑﻠﻜﻮن ﻳﺘﻔﺮج ﻋﻠﻰ ﻣﻴﻼد اﻟﺪﻧﻴﺎ‪.‬‬

‫هﻮ ﻳﺘﻜﻠﻢ ﻋﻦ ﻏﻴﺐ و ﻳﺒﺪأ ﻣﻦ ﻏﻴﺐ‪ ..‬و ﻻ ﻳﻤﻠﻚ إﻻ اﻓﺘﺮاﺿﺎت و اﺣﺘﻤﺎﻻت و ﻧﻈﺮﻳﺎت‪..‬‬
‫ﺛﻢ ﻳﺘﻬﻤﻨﺎ ﺑﺎﻟﻐﻴﺒﻴﺔ‪.‬‬
‫و هﺆﻻء هﻢ دراوﻳﺶ اﻟﻤﺎدﻳﺔ ﻻ وﺳﻴﻠﺔ ﻹﻗﻨﺎﻋﻬﻢ‪ ،‬ﻷﻧﻬﻢ ﻻ ﻳﺮﻳﺪون اﻗﺘﻨﺎﻋﺎ‪ ..‬و إﻧﻤﺎ هﻢ‬
‫اﺧﺘﺎروا اﻟﺠﻤﻮد اﻟﻌﻘﺎﺋﺪي و ﺗﺸﻨﺠﻮا ﻋﻠﻴﻪ‪ ،‬و اﺳﺘﺮاﺣﻮا إﻟﻰ ﻣﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺗﺒﺴﻴﻂ ﻣﺨﻞ و‬
‫ﺗﻠﺨﻴﺺ ﺳﺎذج ﻟﻠﺤﻘﺎﺋﻖ اﻟﻜﻮﻧﻴﺔ‪..‬‬

‫و ﻟﻴﺲ أﺑﻌﺚ ﻟﻠﺮاﺣﺔ ﻣﻦ اﻋﺘﻘﺎد اﻹﻧﺴﺎن أﻧﻪ ﻻ ﻣﺴﺌﻮﻟﻴﺔ هﻨﺎك‪ ،‬و ﻻ ﺑﻌﺚ و ﻻ ﺣﺴﺎب‪ ،‬و‬
‫أن ﻟﻪ أن ﻳﻔﻌﻞ ﻣﺎ ﻳﺸﺎء ﻻ رﻗﻴﺐ ﻋﻠﻴﻪ و ﻻ ﺣﺴﻴﺐ ﺳﻮى اﻟﺒﻮﻟﻴﺲ و اﻟﻤﺨﺎﺑﺮات‪.‬‬

‫و ﻣﺜﻞ هﺬﻩ اﻟﻌﻘﻴﺪة اﻟﻤﺎدﻳﺔ أﻗﺮب إﻟﻰ ﻗﻠﺐ اﻟﺸﺒﺎب اﻟﻤﻨﺪﻓﻊ اﻟﺬي ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﻨﻄﻠﻖ ﻋﻠﻰ هﻮاﻩ‬
‫ﺑﻼ ﻋﻼﻣﺎت ﻣﺮور‪ ،‬و ﺑﻼ ﺿﻮاﺑﻂ‪ ،‬و ﺑﻼ ﻣﺴﺎءﻟﺔ‪.‬‬

‫و ﻟﻴﺲ ﺻﺤﻴﺤﺎ أن اﻟﻔﻜﺮ اﻹﻟﺤﺎدي اﻟﻤﺎدي هﻮ اﻟﺬي أﻋﻄﺎﻧﺎ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ اﻟﻤﺘﻘﺪﻣﺔ ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ‬
‫ﻗﻄﺎرات و ﻋﺮﺑﺎت و ﻃﺎﺋﺮات و ﺻﻮارﻳﺦ و رادﻳﻮ و ﺗﻠﻴﻔﺰﻳﻮن‪ ..‬ﻓﻬﺬﻩ اﻷﺷﻴﺎء هﻲ ﻋﻄﺎء‬
‫اﻟﻌﻠﻢ‪ ..‬و اﻟﻌﻠﻢ ﺗﺮاث ﻣﺘﺎح ﻟﻠﻜﻞ‪ ..‬و ﻻ ﻣﺬهﺐ ﻟﻪ‪ ..‬ﻳﻄﻠﺒﻪ رﺟﻞ اﻟﺪﻳﻦ آﻤﺎ ﻳﻄﻠﺒﻪ رﺟﻞ اﻟﻔﻜﺮ‬
‫ﻣﻦ ﻳﻤﻴﻦ و ﻳﺴﺎر‪.‬‬

‫آﺎن اﻟﻌﻠﻢ ﻳﺮﻓﻊ راﻳﺎﺗﻪ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ اﻟﻔﺮﻋﻮﻧﻴﺔ اﻟﻮﺛﻨﻴﺔ آﻤﺎ آﺎن ﻳﺮﻓﻊ راﻳﺎﺗﻪ ﻓﻲ ﺻﺪر‬
‫اﻹﺳﻼم‪.‬‬
‫اﻟﻌﻠﻢ ﺗﺮاث ﺑﺸﺮي ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﺪﻋﻲ أﺣﺪ ﻣﻠﻜﻴﺘﻪ و ﻟﻴﺲ ﺻﺤﻴﺤﺎ أن اﻟﺪﻳﻦ ﻳﻨﺎﻗﺾ اﻟﻌﻠﻢ‪.‬‬

‫و دﻳﻨﻨﺎ ﻳﺄﻣﺮ ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ ﻓﻲ أول ﺁﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﺮﺁن )) اﻗﺮأ ((‪.‬‬

‫أﻣﺮ ﺻﺮﻳﺢ ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ و اﻟﺘﻌﻠﻢ ﻓﻲ أول ﺣﺮف ﻧﺰﻟﺖ ﺑﻪ ﺗﻌﺎﻟﻴﻤﻨﺎ اﻟﺴﻤﺎوﻳﺔ‪.‬‬
‫و اﻟﻌﻠﻤﺎء ﻋﻨﺪﻧﺎ هﻢ ورﺛﺔ اﻷﻧﺒﻴﺎء‪ ،‬و هﻢ ﻓﻲ اﻟﻘﺮﺁن ﻓﻲ درﺟﺔ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ )) ﺷﻬﺪ اﷲ أﻧﻪ ﻻ‬
‫إﻟﻪ إﻻ هﻮ و اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ و أوﻟﻮا اﻟﻌﻠﻢ‪ – 18) ((..‬ﺁل ﻋﻤﺮان(‬

‫و اﻟﺬي ﻳﺘﺼﻮر ﺗﻨﺎﻗﻀﺎ ﺑﻴﻦ اﻟﺪﻳﻦ و اﻟﻌﻠﻢ ﻻ ﻳﻌﺮف ﻣﺎ اﻟﺪﻳﻦ و ﻻ ﻣﺎ اﻟﻌﻠﻢ‪ ..‬و إﻧﻤﺎ ﻳﺮﻳﺪ أن‬
‫ﻳﺨﺘﻠﻖ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﻣﺒﺮرا ﻟﻠﺮﻓﺾ‪ .‬و ﻣﺎ أﺳﻬﻞ اﻟﺮﻓﺾ‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪232‬‬
 ‫إﻧﺬار‬

‫ارﺑﻄﻮا اﻷﺣﺰﻣﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻘﺎﻋﺪ‪.‬‬

‫هﺬﻩ اﻟﻌﺒﺎرة اﻟﺘﻲ ﺗﻈﻬﺮ ﺑﺎﻟﻨﻮر اﻷﺣﻤﺮ ﻓﻲ آﻞ ﻃﺎﺋﺮة آﻠﻤﺎ ﺑﺪأت ﻓﻲ اﻟﻬﺒﻮط أو اﻻرﺗﻔﺎع‬
‫ﻣﻨﺬرة ﺑﺄن ﺗﻐﻴﻴﺮا ﺧﻄﻴﺮا ﻳﻘﻊ‪ ..‬أﺷﻌﺮ اﻵن ﺑﺄن ﻣﺜﻞ هﺬﻩ اﻟﻌﺒﺎرة ﺗﻈﻬﺮ ﻓﻲ ﻋﺮﺑﺔ اﻟﺤﻀﺎرة‬
‫اﻟﺘﻲ ﻧﺮآﺒﻬﺎ ﺟﻤﻴﻌﺎ ﻧﺤﻦ اﻟﺠﻨﺲ اﻟﺒﺸﺮي ﻓﻲ هﺬا اﻟﺰﻣﺎن ﻣﻨﺬرة ﺑﺎﻟﻬﺒﻮط إﻟﻰ ﻣﺮﺣﻠﺔ أﺳﻔﻞ‪..‬‬

‫أﺳﻤﻊ هﺬا اﻟﻨﺬﻳﺮ‪ ..‬ﺑﺄﻧﻨﺎ ﻳﺠﺐ أن ﻧﺮﺑﻂ اﻷﺣﺰﻣﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻘﺎﻋﺪ‪ ..‬ﻟﻴﺲ ﻷﻧﻨﺎ ﻧﺮﺗﻔﻊ‪ ..‬و إﻧﻤﺎ‬
‫ﻷﻧﻨﺎ ﻧﻬﺒﻂ‪ ..‬و ﻧﻬﺒﻂ‪ ..‬و ﻧﺘﺪهﻮر‪.‬‬

‫اﻟﻤﺬاﺑﺢ ﻓﻲ ﻓﻴﺘﻨﺎم‪ ..‬اﻟﻘﺘﻞ اﻟﺠﻤﺎﻋﻲ ﻓﻲ ﻧﻴﺠﻴﺮﻳﺎ‪ ..‬أﻧﻬﺎر اﻟﺪم ﻓﻲ أﻧﺠﻮﻻ‪ ..‬ﻗﺘﺎل اﻟﻌﺮاق و‬
‫إﻳﺮان و ﺣﺮق اﻟﻼﺟﺌﻴﻦ ﻓﻲ اﻷردن‪ ..‬اﻟﺤﺮب اﻷهﻠﻴﺔ ﻓﻲ ﻟﺒﻨﺎن‪ ..‬ﺗﻔﺠﻴﺮ اﻟﻘﻨﺎﺑﻞ‬
‫اﻟﻬﻴﺪروﺟﻴﻨﻴﺔ ﺗﺤﺖ اﻷرض و ﺗﺤﺖ اﻟﺒﺤﺮ‪ ..‬و إﻃﻼق ﺻﻮارﻳﺦ ﻣﺪارﻳﺔ ﺗﺤﻤﻞ اﻟﻤﻮت ﻓﻲ‬
‫أﺣﺰﻣﺔ ﺣﻮل اﻷرض‪.‬‬

‫ﻓﻲ اﻟﺸﺮق و اﻟﻐﺮب ﻳﺨﺮج اﻟﻮﺣﺶ اﻟﺒﺸﺮي ﻣﺨﺎﻟﺒﻪ و ﻳﻠﻮح ﺑﺄﻧﻴﺎﺑﻪ‪ ..‬ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻳﺴﺘﺤﻲ و ﻟﻢ‬
‫ﻳﻌﺪ ﻳﺨﺠﻞ‪ ..‬ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻳﻠﺠﺄ إﻟﻰ أﺳﻠﻮب اﻟﺪﻳﺒﻠﻮﻣﺎﺳﻲ اﻟﻤﻬﺬب اﻟﺬي ﻳﺘﻜﻠﻢ ﺑﺎﺳﻢ اﻟﺤﺮﻳﺔ و‬
‫اﻟﺪﻳﻤﻮﻗﺮاﻃﻴﺔ و ﺗﺤﺮﻳﺮ اﻟﺸﻌﻮب ﻣﻦ اﻻﺳﺘﻐﻼل و اﻻﺳﺘﻌﺒﺎد‪..‬‬

‫ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻳﺮﻓﻊ راﻳﺔ اﻟﺴﻼم و ﻳﺮدد اﻟﺸﻌﺎرات اﻟﻨﻈﺮﻳﺔ اﻟﺒﺮاﻗﺔ و ﻳﺴﻮق اﻟﻤﻨﻄﻖ اﻟﻔﻠﺴﻔﻲ‬
‫اﻟﻤﺤﻜﻢ‪ ..‬و إﻧﻤﺎ آﺸﻒ اﻟﻨﻘﺎب ﻓﺠﺄة ﻋﻦ ﺣﻘﻴﻘﺘﻪ‪ ..‬ﻓﺈذا ﺑﻨﺎ أﻣﺎم دول آﺒﺮى ﺗﺮﻳﺪ أن ﺗﺴﻮد‪ ..‬و‬
‫ﻗﻮى ﺗﺘﺼﺎرع ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻠﻄﺔ ﻻ ﻏﻴﺮ‪..‬‬

‫اﻟﻤﻌﺴﻜﺮ اﻟﺸﻴﻮﻋﻲ ﺧﺮج ﻣﻨﻪ ﻋﻤﻼﻗﺎن ﻳﺒﺎدﻻن ﺑﻌﻀﻬﻤﺎ اﻟﻌﺪاوة أآﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﻳﺒﺎدﻻن ﻋﺪوهﻤﺎ‬
‫اﻟﻤﺸﺘﺮك اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﻴﺔ‪ ..‬ﻣﻨﺎﻗﻀﻴﻦ ﺑﺬﻟﻚ ﻣﻨﻄﻮق اﻟﺸﻴﻮﻋﻴﺔ ذاﺗﻬﺎ و آﺄﻧﻪ ﻣﺠﺮد ﺣﺒﺮ ﻋﻠﻰ‬
‫ورق‪ ..‬ﻟﻢ ﻳﻌﺪ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻳﺤﺮآﻪ ﺻﺮاع اﻟﻄﺒﻘﺎت‪ ،‬ﻓﻬﺎ هﻨﺎ ﻣﻌﺴﻜﺮان هﺎﺋﻼن‪ ..‬ﺑﺮوﻟﻴﺘﺎرﻳﺎ‪ ..‬و‬
‫ﺑﺮوﻟﻴﺘﺎرﻳﺎ و آﻼهﻤﺎ ﻳﺘﺼﺎرﻋﺎن‪.‬‬

‫و اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﻴﺔ ﺑﺪورهﺎ ﺑﺪأت ﺗﻤﺎرس ﻋﻠﻨﺎ أﺑﺸﻊ ﺟﺮﻳﻤﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻋﻠﻰ أرض ﻓﻴﺘﻨﺎم و‬
‫اﻟﺼﻬﻴﻮﻧﻴﺔ آﺸﻔﺖ ﻋﻦ وﺟﻬﻬﺎ ﻓﻲ ﻟﺒﻨﺎن‪ ..‬و اﻟﺸﻴﻮﻋﻴﺔ ﻓﻲ أﻓﻐﺎﻧﺴﺘﺎن‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪233‬‬
 ‫و اﻷﺳﺎﻃﻴﻞ راﺣﺖ ﺗﺬرع اﻟﺒﺤﺎر ﺗﺴﺘﻌﺮض ﻋﻀﻼﺗﻬﺎ‪.‬‬

‫و اﻟﻄﺎﺋﺮات اﻧﻄﻠﻘﺖ ﺗﺰﻣﺠﺮ ﻓﻲ اﻟﺠﻮ و ﺗﺘﻨﺎﻓﺲ ﻓﻲ ﺑﺚ اﻟﺮﻋﺐ‪.‬‬

‫و اﻷﻗﻤﺎر اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ راﺣﺖ ﺗﺘﺴﺎﺑﻖ ﻓﻲ اﻟﺘﺠﺴﺲ‪.‬‬

‫و اﻟﺼﻮارﻳﺦ‪ ..‬آﻞ ﺻﺎروخ ﻳﻘﻮل ﻟﻶﺧﺮ‪ ..‬أﻧﺎ أﻃﻮل ﻣﻨﻚ ﻣﺪى‪.‬‬

‫اﻟﻘﻮة‪ ..‬اﻟﻘﻮة‪ ..‬اﻟﻘﻮة‪..‬‬

‫اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻤﺎدﻳﺔ اﻧﺘﻬﺖ إﻟﻰ ﺗﺴﺨﻴﺮ اﻟﻌﻠﻢ ﻟﺼﻨﺎﻋﺔ اﻟﻘﻮة‪ ..‬ﻻﺑﺘﻜﺎر وﺳﺎﺋﻞ اﻟﻤﻮت‪..‬‬
‫اﻟﻤﺠﺎﻋﺔ و ﻧﻘﺺ اﻟﺘﻐﺬﻳﺔ و اﻟﻔﺎﻗﺔ ﺗﻔﺘﺮس ﻗﺎرات‪ ..‬و اﻟﻤﻼﻳﻴﻦ ﺗﺮﺻﺪ ﻟﻠﺴﻼح‪ ..‬و ﻓﺎﺋﺾ‬
‫اﻟﻘﻤﺢ ﻳﻠﻘﻰ ﻓﻲ اﻟﺒﺤﺮ ﻟﻴﺮﺗﻔﻊ ﺳﻌﺮﻩ‪.‬‬

‫ﻟﻘﺪ أﻓﻠﺴﺖ اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻤﺎدﻳﺔ‪ .‬و إن أﻋﻠﻦ إﻓﻼﺳﻬﺎ‪ ..‬و أﺷﻌﺮ ﺑﺄن ﻋﺮﺑﺔ اﻟﺤﻀﺎرة ﺗﻬﺒﻂ ﺑﻨﺎ‬
‫إﻟﻰ أﺳﻔﻞ و أﺳﻔﻞ و أﺳﻔﻞ‪..‬‬

‫و إن ﻋﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﺮﺑﻂ اﻷﺣﺰﻣﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻘﺎﻋﺪ اﺳﺘﻌﺪادا ﻟﻠﺨﻄﺮ اﻟﻤﺎﺣﻖ‪.‬‬

‫و ﻋﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﻮاﺟﻪ أﻧﻔﺴﻨﺎ ﺑﺎﻟﺤﻘﻴﻘﺔ و ﻧﻜﻒ ﻋﻦ ﺗﺮوﻳﺞ اﻷآﺎذﻳﺐ و ﻧﻜﻒ ﻋﻦ اﻟﺘﺸﺪق‬

‫ﺑﺤﺮﻳﺎت ﻻ وﺟﻮد ﻟﻬﺎ‪.‬‬

‫ﻓﻘﺪ ﻋﺎدت ﻋﺼﻮر اﻟﻤﺮﺗﺰﻗﺔ و اﻹﻧﻜﺸﺎرﻳﺔ‪.‬‬

‫و هﻨﺎك أﻟﻮف ﻳﻘﺒﻀﻮن ﻣﺮﺗﺒﺎﺗﻬﻢ ﻷﻧﻬﻢ ﻳﻘﺘﻠﻮن ﺗﺤﺖ أي راﻳﺔ‪.‬‬

‫و اﻟﺠﺎﺳﻮﺳﻴﺔ ﺗﺤﻮﻟﺖ إﻟﻰ ﻓﻦ‪ )) ..‬آﻴﻒ ﺗﻜﻮن ﺟﺎﺳﻮﺳﺎ ﻣﺰدوﺟﺎ (( ﺗﺘﺠﺴﺲ ﻷﻣﺘﻚ و‬
‫ﺿﺪهﺎ و ﺗﻌﻤﻞ ﺑﺬﻣﺘﻴﻦ و ﻟﺤﺴﺎب ﻣﻦ ﻳﺪﻓﻊ أآﺜﺮ‪.‬‬

‫و اﻟﻤﺬاهﺐ ﺗﺤﻮﻟﺖ إﻟﻰ ذراﺋﻊ ﻟﻠﺴﻠﻄﺔ و ﻟﻼﺳﺘﻬﻼك اﻟﺼﺤﻔﻲ و ﺗﺒﺮﻳﺮ ﺗﺤﻜﻢ اﻷﻗﻮﻳﺎء ﻓﻲ‬
‫اﻟﻀﻌﻔﺎء‪ ،‬و ﻇﻠﻢ اﻷﻗﻮﻳﺎء ﻟﻠﻀﻌﻔﺎء‪ ،‬و اﺳﺘﺒﺪاد اﻷﻗﻮﻳﺎء ﺑﺎﻟﻀﻌﻔﺎء‪..‬؟‬

‫و هﺬا إﻋﻼن إﻓﻼس ﺣﻘﻴﻘﻲ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪234‬‬
 ‫ﻟﻘﺪ ﻋﺠﺰت اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ اﻟﻤﺎدﻳﺔ أن ﺗﺼﻨﻊ إﻧﺴﺎﻧﺎ و إن آﺎﻧﺖ ﻗﺪ ﺻﻨﻌﺖ ﻗﻨﺒﻠﺔ‪ ،‬و ﻧﺤﻦ ﻣﺎﺿﻮن‬
‫إﻟﻰ ﺳﻘﻮط ﻣﺤﻘﻖ إن ﻟﻢ ﻧﺒﺎدر إﻟﻰ ﺗﻐﻴﻴﺮ دﻓﺔ اﻟﻤﺮآﺒﺔ اﻟﺤﻀﺎرﻳﺔ آﻠﻬﺎ ﻓﻲ اﺗﺠﺎﻩ ﺁﺧﺮ‪ .‬هﺬﻩ‬
‫اﻟﻤﺮة ﻟﻴﺲ ﻧﺤﻮ ﻓﻠﺴﻔﺔ ﻣﺎدﻳﺔ‪ ..‬و ﻟﻜﻦ ﻧﺤﻮ ﻓﻠﺴﻔﺔ ﺗﻌﺘﺮف ﻟﻺﻧﺴﺎن ﺑﺮوح و ذات ﺧﻠﻘﻬﺎ اﷲ‬
‫ﺣﺮة ﺟﺪﻳﺮة ﺑﺎﻟﺨﻠﻮد‪.‬‬

‫اﻟﻌﻮدة إﻟﻰ ﻓﻠﺴﻔﺔ روﺣﻴﺔ ﺗﺄﺧﺬ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻢ آﻞ ﻣﺎ ﻳﻌﻄﻴﻪ و ﺗﻀﻴﻒ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﺧﺼﺒﻬﺎ‪.‬‬

‫و ﻣﻦ أﻳﻦ ﺗﺨﺮج ﻣﺜﻞ هﺬﻩ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ إﻻ ﻣﻦ اﻟﺸﺮق!!‬

‫ﻓﻬﻞ ﻳﻌﻮد اﻹﻟﻬﺎم ﻓﻴﻨﺒﻊ ﻣﺮة أﺧﺮى و هﻞ ﺗﺸﺮق ﺷﻤﺲ ﺟﺪﻳﺪة و هﻞ ﻳﺴﻮد اﻟﺴﻼم و‬
‫اﻹﺳﻼم أم أﻧﻨﺎ ﻧﻬﺒﻂ إﻟﻰ هﻮة اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ؟‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪235‬‬
 ‫ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻘﺎﻻت ﺑﻘﻠﻢ اﻟﺪآﺘﻮر ﻣﺼﻄﻔﻰ ﻣﺤﻤﻮد‬

‫اﻟﻈﻼم اﻟﻤﺨﻴﻒ‬

‫هﻞ ﺧﻄﺮ ﻋﻠﻰ ﺑﺎﻟﻚ وأﻧﺖ ﺗﺘﺄﻣﻞ اﻟﺴﻤﺎء ﻓﻲ ﻟﻴﻠﺔ ﺻﺎﻓﻴﺔ أﻧﻚ ﻻ ﺗﺮى‬
‫ﻣﻦ هﺬﻩ اﻟﺴﻤﺎء إﻻ ‪ % 5‬ورﺑﻤﺎ أﻗﻞ ﻣﻦ ﻣﺤﺘﻮﻳﺎﺗﻬﺎ ﻣﻬﻤﺎ اﺳﺘﺨﺪﻣﺖ‬
‫ﻣﻦ ﻣﻨﺎﻇﻴﺮ وﻣﺠﺴﺎت وأدوات اﺳﺘﺸﻌﺎر ‪ ..‬ﻣﻈﻠﻤﺔ ﻻ ﻳﺨﺮج ﻣﻨﻬﺎ ﺿﻮء‬
‫وﺳﺤﺐ ﻣﻦ اﻟﻌﻮاﻟﻖ واﻷﺗﺮﺑﺔ ﻣﻤﺘﺪة ﻣﺘﺮاﻣﻴﺔ ﺑﻼ ﺣﺪود ‪..‬‬

‫وﻳﻘﻮل رﺟﺎل اﻟﻔﻠﻚ أن هﺬﻩ اﻟﻤﺎدة اﻟﺴﻮداء اﻟﻤﻈﻠﻤﺔ هﻲ ﻣﺠﻤﻮع‬

‫اﻟﻐﺒﺎر اﻟﻜﻮﻧﻲ وﺳﺤﺐ اﻟﻐﺎز اﻟﺒﺎرد وﻓﻘﺎﻋﺎت آﻮﻧﻴﺔ ﺳﺎﺑﺤﺔ ﻓﻲ اﻟﻔﻀﺎء‬
‫وآﺘﻞ ﻣﺎدﻳﺔ ﺟﻮﻓﺎء وﺛﻘﻮب ﺳﻮداء وﻧﻴﺎزك وﺑﻘﺎﻳﺎ ﻧﺠﻮم ﻣﻴﺘﺔ ‪..‬‬
‫وﺟﺴﻴﻤﺎت دﻗﻴﻘﺔ وﻓﺘﺎﻓﻴﺖ ذرات هﺎﺋﻤﺔ ﻓﻲ ﺗﺠﻤﻌﺎت ﺳﺤﺎﺑﻴﺔ ﻣﺜﻞ‬
‫اﻟﺒﺮوﺗﻮﻧﺎت واﻟﻨﻴﻮﺗﺮوﻧﺎت واﻟﺒﺎرﻳﻮﻧﺎت واﻟﻜﻮارآﺎت وﺟﺴﻴﻤﺎت اﻟﻨﻴﻮﺗﺮﻳﻨﻮ‬
‫اﻟﺘﻲ ﺗﺨﺘﺮق اﻷرض وﺗﺨﺮج ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ اﻷﺧﺮى ﻓﻲ ﺳﺮ ﻋﺎت ﻣﺬهﻠﺔ‬
‫ﻣﺜﻞ اﻟﺴﻬﺎم اﻟﺨﻔﻴﺔ ‪ ..‬هﺬا ﻋﺪا اﻷﺟﺴﺎم اﻟﻜﺒﺮى اﻟﻌﻤﻼﻗﺔ آﺎﻟﻨﺠﻮم‬
‫واﻟﺸﻤﻮس واﻟﻤﺠﺮات واﻟﻜﻮاآﺐ واﻟﺘﻮاﺑﻊ واﻷﻗﻤﺎر اﻟﺘﻲ ﺗﺪور ﻓﻲ‬
‫أﻓﻼآﻬﺎ ‪.‬‬

‫واﻓﺘﺮاض وﺟﻮد هﺬﻩ اﻟﻤﺎدة اﻟﺴﻮداء اﻟﺨﻔﻴﺔ آﺎن ﺳﺒﺒﻪ أن اﻟﻨﺠﻮم‬

‫واﻟﺸﻤﻮس واﻟﻜﻮاآﺐ واﻟﻜﺘﻞ اﻟﻤﺠﺮﻳﺔ اﻟﻌﻤﻼﻗﺔ ﻻ ﺗﻜﻔﻲ ﺑﻤﺠﻤﻮع‬
‫آﺘﻼﺗﻬﺎ ﻟﻼﺣﺘﻔﺎظ ﺑﺘﻤﺎﺳﻚ ﻣﺠﻤﻮع اﻟﻜﻮن آﻜﻞ ‪ ..‬وﺗﺄﺛﻴﺮهﺎ اﻟﺠﺬﺑﻲ ﻻ‬
‫ﻳﻜﻔﻲ ﻟﺠﻤﻊ ﺷﻤﻞ اﻟﻌﻨﺎﻗﻴﺪ اﻟﻜﻮﻧﻴﺔ اﻟﻬﺎﺋﻠﺔ ﻣﻦ ﻣﺠﺮات وﺗﻮاﺑﻊ ﻟﺘﺴﺒﺢ‬
‫ﻓﻲ أﺳﺮة ﻣﺘﺤﺎﺿﻨﺔ آﻤﺎ ﻧﺮاهﺎ ‪ ..‬وآﺎن ﻻ ﺑﺪ أن ﺗﻨﻔﺮط ﻟﻮﻻ وﺟﻮد هﺬﻩ‬
‫اﻟﻤﺎدة اﻟﻤﻔﺘﺮﺿﺔ ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪236‬‬
 ‫واﻟﻤﻌﻀﻠﺔ ﻣﻌﻀﻠﺔ ﺣﺴﺎﺑﻴﺔ وإﺣﺼﺎﺋﻴﺔ ‪ ،‬ﻓﺤﺎﺻﻞ ﺟﻤﻊ اﻟﻜﺘﻞ اﻟﻤﻮﺟﻮدة‬
‫واﻟﻤﺮﺋﻴﺔ ﺑﻤﻨﺎﻇﻴﺮﻧﺎ وآﺎﻣﻴﺮاﺗﻨﺎ اﻟﻔﻀﺎﺋﻴﺔ وﻣﺠﺴﺎﺗﻨﺎ ﻷﺷﻌﺔ اآﺲ‬
‫وأﺷﻌﺔ ﺟﺎﻣﺎ واﻷﺷﻌﺔ ﺗﺤﺖ اﻟﺤﻤﺮاء وﻣﻨﻈﺎر هﺎﺑﻞ ﺗﻘﻮل إن ﻣﺠﻤﻮع‬
‫اﻟﻤﺎدة اﻟﻤﻮﺟﻮدة أﻗﻞ ﺑﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﻘﺪار اﻟﺬي ﻳﻔﺴﺮ هﺬا اﻟﺘﻤﺎﺳﻚ‬
‫اﻟﺠﺬﺑﻲ اﻟﻘﺎﺋﻢ وﻟﻮ أن ﻣﺎ ﻧﺮى هﻮ آﻞ اﻟﻤﺎدة اﻟﻤﻮﺟﻮدة ﻟﻜﺎن ﻻﺑﺪ أن‬
‫ﻳﻨﻔﺮط هﺬا اﻟﻜﻮن ﺑﺪدا وﻳﺘﻨﺎﺛﺮ ﻓﻲ اﻟﻔﻀﺎء وﻳﻀﻴﻊ وﻳﺒﺮد وﻳﻨﻄﻔﺊ وﻻ‬
‫ﻳﺠﺘﻤﻊ ﻟﻪ ﺷﻤﻞ ‪ ..‬ﻓﻬﻨﺎك ﺣﺪ أدﻧﻰ ﻣﻦ اﻟﻜﺘﻠﺔ ﻟﺘﻜﻮن هﻨﺎك ﻗﺒﻀﺔ‬
‫ﺗﻤﺴﻚ اﻟﺒﻨﻴﺎن اﻟﻜﻮﻧﻲ ‪ ..‬وآﺎن ﻻﺑﺪ ﻣﻦ اﻻﻓﺘﺮاض أن أآﺜﺮ ﻣﻦ ﺗﺴﻌﻴﻦ‬
‫ﻓﻲ اﻟﻤﺎﺋﺔ ﻣﻦ ﻣﺎدة اﻟﻜﻮن ﺧﺎﻓﻴﺔ وﻏﻴﺮ ﻣﻨﻈﻮرة وﻻ ﻳﺨﺮج ﻣﻨﻬﺎ أي ﺿﻮء‬
‫ﻳﺪل ﻋﻠﻴﻬﺎ ‪ ..‬وأﻧﻬﺎ ﻻﺑﺪ أن ﺗﻜﻮن ﻣﻮﺟﻮدة ﻗﻄﻌﺎ رﻏﻢ أﻧﻨﺎ ﻻ ﻧﺮاهﺎ ﻟﺘﻜﻮن‬
‫هﻨﺎك ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺒﻀﺔ اﻟﻤﻠﺤﻮﻇﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺴﻚ ﺑﺎﻟﻜﻮن اﻟﻤﺮﺋﻲ‬

‫وﻋﻠﻤﺎء اﻟﺠﺎذﺑﻴﺔ ﻳﺆآﺪون أن هﻨﺎك ﺣﺪا أدﻧﻰ ﻣﻦ اﻟﻜﺘﻠﺔ ﻟﺘﺘﻤﺎﺳﻚ‬

‫هﺬﻩ اﻷﺳﺮة اﻟﻬﺎﺋﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﺠﺮات واﻟﻨﺠﻮم واﻟﺸﻤﻮس واﻟﻜﻮاآﺐ‬
‫واﻷﻗﻤﺎر وﻟﺘﺮﺣﻞ آﻤﺎ ﻧﺮاهﺎ وهﻲ ﻣﺘﺤﺎﺿﻨﺔ ﻓﻲ هﺬا اﻟﻔﻀﺎء اﻟﻼﻧﻬﺎﺋﻲ‬
‫‪.‬‬

‫ﻓﺈذا آﺎﻧﺖ اﻟﻜﺘﻠﺔ أآﺒﺮ ﻓﺈن اﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ﺗﻨﻬﺎر ﻋﻠﻰ ﺑﻌﻀﻬﺎ وﺗﻨﻜﻤﺶ‬
‫وﺗﺘﻜﺪس وﺗﺘﻀﺎﻏﻂ وﺗﻨﺼﻬﺮ وﻳﺠﺮي ﻋﻠﻴﻬﺎ أﻗﺼﻰ درﺟﺔ ﻣﻦ )اﻟﻬﺮس(‬
‫اﻟﺠﺬﺑﻲ وﺗﺮﺗﻔﻊ درﺟﺔ ﺣﺮارﺗﻬﺎ وﺗﺘﺤﻮل إﻟﻰ ﻋﺠﻴﻨﺔ ﻧﺎرﻳﺔ ‪.‬‬

‫ﺛﻢ ﺗﻨﻀﻐﻂ إﻟﻰ ﺣﺪ أﻗﺼﻰ ﻣﻦ اﻟﺼﻐﺮ‪ ..‬ﺛﻢ ﺗﻌﻮد ﻓﺘﻨﻔﺠﺮ وﺗﺘﻤﺪد وﺗﺘﻨﺎﺛﺮ‬
‫ﻓﻲ اﻟﻔﻀﺎء ﻟﺘﻌﻴﺪ ﻗﺼﺔ اﻻﻧﻔﺠﺎر اﻷول اﻟﺬي ﺑﺪأ ﺑﻪ اﻟﻜﻮن ‪ ..‬ﺛﻢ ﺗﻨﺘﺸﺮ‬
‫ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎوات اﻟﺴﺒﻊ وﺗﺘﺸﻜﻞ ﻋﻠﻰ ﺻﻮرة ﻧﺠﻮم وﺷﻤﻮس وﻣﺠﺮات‬
‫ﺳﺎﺑﺤﺔ ﻣﺮﺗﺤﻠﺔ ‪ ..‬آﻤﺎ هﻲ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻤﻨﺎ اﻟﻤﺸﻬﻮد اﻵن ‪.‬‬

‫وﺗﻈﻞ ﺗﺘﻤﺪد وﺗﺘﺒﺎﻋﺪ ﺑﻔﻌﻞ ﻗﻮة اﻻﻧﻔﺠﺎر ﺣﺘﻰ ﺗﺨﻤﺪ هﺬﻩ اﻟﻘﻮة ‪..‬‬
‫ﻓﻴﻨﺸﺄ ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻰ ﺑﺎﻟﻜﻮن اﻟﻤﺘﻌﺎدل ﺑﻴﻦ ﻗﻮﺗﻴﻦ ‪ ..‬اﻟﻘﻮة اﻟﺠﺎذﺑﺔ‬
‫اﻟﻤﺮآﺰﻳﺔ واﻟﻘﻮة اﻟﻄﺎردة اﻟﻤﺮآﺰﻳﺔ وﻳﺴﺘﻤﺮ هﺬا اﻟﻜﻮن ﻋﺪة ﻣﻠﻴﺎرات‬
‫أﺧﺮى ﻣﻦ اﻟﺴﻨﻴﻦ ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪237‬‬
 ‫ﻓﺈذا اﺳﺘﻤﺮ اﻟﺘﺒﺎﻋﺪ وﺗﻐﻠﺒﺖ اﻟﻘﻮة اﻟﻄﺎردة اﻟﻤﺮآﺰﻳﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻮة‬
‫اﻟﺠﺎذﺑﺔ اﻟﻤﺮآﺰﻳﺔ ﺑﺴﺒﺐ ﺻﻐﺮ اﻟﻜﺘﻠﺔ ﻓﺈن اﻟﻘﺒﻀﺔ ﺗﻈﻞ ﺗﻀﻌﻒ وﺗﻀﻌﻒ‬
‫ﺛﻢ ﻳﺘﻨﺎﺛﺮ اﻟﻜﻮن ﺑﺪدا ﻓﻲ اﻟﻔﻀﺎء ‪ ..‬وذﻟﻚ هﻮ اﻟﻜﻮن اﻟﻤﻔﺘﻮح ﻓﻲ ﻟﻐﺔ‬
‫ﻋﻠﻤﺎء اﻟﻔﻠﻚ ‪ ..‬ﻓﻬﻮ ﻓﻲ ﺗﻤﺪد أﺑﺪا وﻓﻲ ﺗﻨﺎﺛﺮ داﺋﻤﺎ ﻻ ﻳﺠﺘﻤﻊ ﻟﻪ ﺷﻤﻞ‬
‫‪.‬‬

‫وإذا ﺣﺪث اﻟﻌﻜﺲ ﺑﺴﺒﺐ ﺿﺨﺎﻣﺔ اﻟﻜﺘﻠﺔ اﻟﻤﺎدﻳﺔ ﻓﺈن اﻟﻜﻮن ﻳﻨﻬﺎر‬
‫ﻋﻠﻰ ﺑﻌﻀﻪ ﺑﺴﺒﺐ ﺛﻘﻠﻪ ﺛﻢ ﻳﻨﻜﻤﺶ وﻳﺘﻀﺎﻏﻂ إﻟﻰ ﻧﻘﻄﺔ اﻻﻧﻔﺠﺎر‬
‫اﻷول ‪.‬ز وذﻟﻚ هﻮ ﻧﻤﻮذج اﻟﻜﻮن اﻟﻤﻐﻠﻖ ﻓﻲ ﻟﻐﺔ اﻟﻔﻠﻜﻴﻴﻦ ‪.‬‬

‫ﻳﻘﻮل رﺑﻨﺎ ﻋﻦ اﻟﺴﺎﻋﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﺮان ‪:‬‬

‫" ﺛﻘﻠﺖ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎوات واﻷرض ﻻ ﺗﺄﺗﻴﻜﻢ إﻻ ﺑﻐﺘﺔ " ‪.‬‬

‫ﻓﻴﺮﺑﻂ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ وﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﻴﻦ " اﻟﺜﻘﻞ " واﻻﻧﻬﻴﺎر اﻟﻜﻮﻧﻲ ﻓﻲ آﻠﻤﺔ‬
‫"ﺛﻘﻠﺖ" ‪ ..‬وهﻲ إﺷﺎرة ﻋﻠﻤﻴﺔ ﺑﻠﻴﻐﺔ ﺗﻔﻮت اﻟﻜﺜﻴﺮﻳﻦ ‪ ..‬وﺳﺒﺤﺎن اﻟﺬي‬
‫وﺳﻊ آﻞ ﺷﺊ رﺣﻤﺔ وﻋﻠﻤﺎ ‪ ..‬ﻓﻜﻠﻤﺔ " ﺗﺜﺎﻗﻞ " ‪ ..‬هﻲ اﻟﺘﺮﺟﻤﺔ‬
‫‪ .‬أي اﻟﺠﺎذﺑﻴﺔ وهﺬﻩ ﻣﻌﺠﺰة اﻟﺒﻴﺎن ‪ Gravitation.‬اﻟﺤﺮﻓﻴﺔ ﻟﻜﻠﻤﺔ‬
‫اﻟﻘﺮﺁﻧﻲ اﻟﺪﻗﻴﻖ اﻟﺬي ﻻ ﺗﻨﺘﻬﻲ ﻋﺠﺎﺋﺒﻪ ‪.‬‬

‫واﻟﻤﻌﻨﻰ اﻟﻤﺴﺘﻔﺎد ﻣﻦ آﻞ هﺬا أن اﻟﻜﺘﻠﺔ اﻟﻤﺎدﻳﺔ ﻟﻤﺠﻤﻮع اﻟﻜﻮن‬

‫هﻲ اﻟﺘﻲ ﺳﻮف ﺗﺤﺪد ﺳﻠﻮآﻪ وﺳﻮف ﺗﺤﺪد ﻧﻬﺎﻳﺘﻪ ‪ ..‬وﻷﻧﻨﺎ ﻻ ﻧﺮى‬
‫ﻣﺠﻤﻮع هﺬﻩ اﻟﻤﺎدة وﻻ ﻧﺸﻬﺪ ﻣﻨﻬﺎ إﻻ اﻟﺠﺰء اﻟﺬي ﻳﺸﻊ ﺿﻮءا ‪..‬‬
‫وﻳﺨﻔﻲ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻧﻤﺎﻣﺎ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﻤﺎدة اﻟﺴﻮداء اﻟﻤﻈﻠﻤﺔ وﻻ ﻧﺪرآﻬﺎ إﻻ‬
‫ﺗﺨﻤﻴﻨﺎ واﺳﺘﻨﺘﺎﺟﺎ ﻣﻦ ﺣﺴﺎﺑﺎﺗﻨﺎ ‪ ..‬ﻓﺈﻧﻨﺎ ﻟﻦ ﻧﻌﻠﻢ ﻣﺘﻰ ﺳﺘﺄﺗﻲ ﻟﺤﻈﺔ‬
‫اﻻﻧﻬﻴﺎر اﻟﺠﺬﺑﻲ وﻣﺘﻰ ﺗﻘﻮم اﻟﺴﺎﻋﺔ رﻏﻢ أﻧﻨﺎ ﻧﻌﻠﻢ أﺷﺮا ﻃﻬﺎ‬
‫وﻋﻼﻣﺎﺗﻬﺎ وﺗﻠﻚ ﻟﻔﺘﺔ أﺧﺮى ﻟﺪﻗﺔ اﻟﺒﻴﺎن اﻟﻘﺮﺁﻧﻲ "ﻻ ﺗﺄﺗﻴﻜﻢ إﻻ ﺑﻐﺘﺔ"‬
‫أي أﻧﻨﺎ ﺳﻮف ﻧﻔﺎﺟﺄ ﺑﻬﺎ وﻟﻦ ﺗﺪرآﻬﺎ ﺣﺴﺎﺑﺎﺗﻨﺎ رﻏﻢ ﺗﻮﻗﻌﻨﺎ ﻟﺤﺪوﺛﻬﺎ ‪..‬‬
‫ﻓﻬﻨﺎك ﻋﻨﺼﺮ ﻧﺎﻗﺺ ﻓﻲ هﺬﻩ اﻟﺤﺴﺎﺑﺎت ﻟﻦ ﻧﺪرآﻪ ﺑﻮﺳﺎﺋﻠﻨﺎ ‪ ..‬هﻮ‬
‫اﻟﻤﺎدة اﻟﺴﻮداء اﻟﻤﻈﻠﻤﺔ وﻣﺪاهﺎ وآﺘﻠﺘﻬﺎ ﺑﺎﻟﻀﺒﻂ‬

‫وهﺬﻩ هﻲ "س" ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺎدﻟﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺳﺒﻴﻞ إﻟﻰ ﺗﺤﺪﻳﺪهﺎ آﻤﻴﺎ‬

‫وهﺬا هﻮ اﻟﺘﺤﺪي اﻟﺬي ﻳﻮاﺟﻪ اﻟﻌﻠﻤﺎء ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪238‬‬
 ‫أي أﻧﻨﺎ ﻟﻦ ﻧﻌﻠﻢ "ﺑﺎﻟﻀﺒﻂ" ﻣﻘﺪار هﺬﻩ اﻟﻤﺎدة اﻟﺴﻮداء اﻟﻤﻈﻠﻤﺔ‬
‫وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻟﻦ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻧﺤﺪد ﺳﺎﻋﺔ اﻻﻧﻬﻴﺎر وهﻨﺎك ﺟﻨﻮن ﻓﻠﻜﻲ‬
‫اﻵن ﺣﻮل هﺬﻩ اﻟﻤﺎدة اﻟﺴﻮداء ‪ ..‬وهﻨﺎك ﺳﺒﺎق ﻣﺤﻤﻮم ﺑﻴﻦ آﻞ‬
‫اﻟﻤﺮاﺻﺪ وﻣﺮاآﺰ اﻷﺑﺤﺎث اﻟﻔﻠﻜﻴﺔ ﻟﻠﻮﺻﻮل إﻟﻰ اﻟﻤﺎهﻴﺔ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻟﻬﺬﻩ‬
‫اﻟﻤﺎدة اﻟﺴﻮداء وآﻤﻴﺘﻬﺎ وآﺘﻠﺘﻬﺎ‬

‫واﻟﺨﻼف ﻋﻠﻰ أﺷﺪﻩ ﺑﻴﻦ آﻞ ﻣﺮاآﺰ اﻟﺒﺤﺚ‬

‫وﻟﻜﻦ آﻠﻬﻢ ﻣﺘﻔﻘﻮن ﻋﻠﻰ أﻧﻬﺎ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ وأﻧﻬﺎ ﺗﻤﻼ اﻟﺴﻤﺎوات ‪..‬‬
‫وﻟﻜﻨﻬﻢ ﻣﺨﺘﻠﻔﻮن ﻏﺎﻳﺔ اﻻﺧﺘﻼف ﻓﻲ ﻣﻘﺪارهﺎ ‪ ..‬وﻓﻲ ﻣﺎهﻴﺘﻬﺎ‪.‬‬

‫وﻟﻔﺘﺔ أﺧﺮى ﻟﻠﺪﻗﺔ اﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ ﻓﻲ ﺧﻄﺎب اﷲ ﻟﻤﻮﺳﻰ ﻋﻦ اﻟﺴﺎﻋﺔ ‪..‬‬

‫ﻳﻘﻮل رﺑﻨﺎ ﻟﻤﻮﺳﻰ إن اﻟﺴﺎﻋﺔ ﺁﺗﻴﺔ أآﺎد أﺧﻔﻴﻬﺎ ﻟﺘﺠﺰى آﻞ ﻧﻔﺲ ﺑﻤﺎ‬
‫ﺗﺴﻌﻰ )‪– 15‬ﻃﻪ( ﻳﻘﻮل رﺑﻨﺎ " أآﺎد أﺧﻔﻴﻬﺎ " وﻻ ﻳﻘﻮل أﺧﻔﻴﻬﺎ ‪ ..‬أي‬
‫أﻧﻨﺎ ﺳﻨﻌﻠﻢ أﻧﻬﺎ ﺁﺗﻴﺔ ‪.‬‬

‫واﻟﻜﻠﻤﺔ ﻏﺎﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﺪﻗﺔ ‪ ..‬ﻓﺎﻟﻔﻠﻜﻴﻮن اﻵن ﻳﻌﻠﻤﻮن أﻧﻬﺎ ﺁﺗﻴﺔ ﻻﺷﻚ‬

‫وأﻧﻬﺎ ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺎﻟﺰﻳﺎدة اﻟﺘﺮاآﻤﻴﺔ ﻟﻠﻜﺘﻠﺔ ‪ ..‬وﻟﻜﻨﻬﻢ ﻻ ﻳﻌﻠﻤﻮن ﻣﻘﺪار‬
‫هﺬﻩ اﻟﻜﺘﻠﺔ اﻟﻜﻠﻴﺔ ‪ ..‬ﺑﺴﺒﺐ اﻟﻤﺎدة اﻟﻤﻈﻠﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﺨﺮج ﻣﻨﻬﺎ ﺿﻮء‬
‫وﻻ ﺗﺪرآﻬﺎ اﻟﻤﻨﺎﻇﻴﺮ ‪ ..‬وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮن ﺣﺴﺎب ﻣﻮﻋﺪ اﻻﻧﻬﻴﺎر‬
‫ﺑﺎﻟﻀﺒﻂ ﻻن اﻟﺮﻗﻢ اﻟﻜﻠﻲ ﻣﺠﻬﻮل‬

‫واﻳﺎت ﻣﺜﻞ ‪" ..‬اﻗﺘﺮﺑﺖ اﻟﺴﺎﻋﺔ واﻧﺸﻖ اﻟﻘﻤﺮ" )‪– 1‬اﻟﻘﻤﺮ(‬

‫" وﻣﺎ ﻳﺪرﻳﻚ ﻟﻌﻞ اﻟﺴﺎﻋﺔ ﻗﺮﻳﺐ" )‪ – 17‬اﻟﺸﻮرى(‬

‫"ﻳﺴﺄل أﻳﺎن ﻳﻮم اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ" ) ‪ – 6‬اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ( آﻠﻬﺎ ‪ ..‬إﺷﺎرات إﻟﻰ‬

‫اﺳﺘﺤﺎﻟﺔ اﻟﺘﺤﺪﻳﺪ " ﻓﺈذا ﺑﺮق اﻟﺒﺼﺮ وﺧﺴﻒ اﻟﻘﻤﺮ وﺟﻤﻊ اﻟﺸﻤﺲ‬
‫واﻟﻘﻤﺮ " ) ‪ – 9 – 8 – 7‬اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ (‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪239‬‬
 ‫وﻻ ﻳﺠﻤﻊ اﻟﺸﻤﺲ واﻟﻘﻤﺮ إﻻ ﻓﻲ اﻻﻧﻬﻴﺎر اﻟﺠﺬﺑﻲ اﻟﺬي ﻳﻨﻬﺎر ﻓﻴﻪ‬
‫اﻻﺛﻨﺎن ﺑﺠﺎذﺑﻴﺔ اﻟﻤﺮآﺰ وﻳﺘﺤﻮل اﻟﻜﻮن آﻠﻪ إﻟﻰ ﻋﺠﻴﻨﺔ واﺣﺪة ﺗﻬﺮﺳﻬﺎ‬
‫اﻟﺠﺎذﺑﻴﺔ هﺮﺳﺎ ‪..‬‬

‫وﻻ ﺷﻚ أﻧﻬﺎ ﺳﺘﻜﻮن ﺣﺎﻟﺔ ﻣﺸﻬﺪﻳﺔ ﺧﺎرﻗﺔ ﺗﺨﻄﻒ اﻟﺒﺼﺮ ﻟﻐﺮاﺑﺘﻬﺎ ‪..‬‬
‫هﺬا إذا ﻇﻞ اﻟﻤﺸﺎهﺪ ﻗﺎدرا ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺸﺎهﺪة وإذا ﻟﻢ ﻳﺘﺤﻮل إﻟﻰ‬
‫ﺑﻮدرة أو ﻣﺴﺤﻮق ‪.‬‬

‫واﻷﻣﺮ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ وﺻﻔﻪ ﻓﻬﻮ آﺎرﺛﺔ آﺒﺮى ﺑﻜﻞ اﻟﻤﻘﺎﻳﻴﺲ ﻳﺘﻀﺎءل أﻣﺎﻣﻬﺎ‬
‫آﻞ ﻣﺎ ﻧﺮى ﻣﻦ ﺳﻴﻮل وأﻋﺎﺻﻴﺮ وزﻻزل وﺑﺮاآﻴﻦ وﺻﻮاﻋﻖ واﻧﻬﻴﺎرات‬
‫ﺟﻠﻴﺪﻳﺔ ‪.‬‬

‫إﻧﻬﺎ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﻌﻠﻢ إﻻ اﷲ ﻣﺎذا ﺑﻌﺪهﺎ ‪.‬‬

‫وﻻ ﻳﻤﻠﻚ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻔﻠﻚ اﻟﺬي ﻳﺮﺻﺪ وﻳﻘﻴﺲ وﻳﺴﺠﻞ وﻳﺤﺴﺐ إﻻ أن‬
‫ﻳﺼﺎب ﺑﺎﻟﺮﺟﻔﺔ واﻟﺬﻋﺮ ‪ ..‬ﻓﺎﻷرﻗﺎم اﻟﺘﻲ ﺗﺠﺘﻤﻊ ﻟﺪﻳﻪ ﻣﻦ اﻟﺤﺎﺳﺒﺎت‬
‫اﻟﻜﻤﺒﻴﻮﺗﺮﻳﺔ اﻟﻀﺨﻤﺔ ﺗﻨﺒﺊ ﺑﺎﺣﺘﻤﺎل ﻣﺆآﺪ ‪ ..‬أن هﻨﺎك ﻣﺎدة ﻣﻈﻠﻤﺔ‬
‫ﺧﻔﻴﺔ ﺗﻤﻼ ﺟﻨﺒﺎت اﻟﻔﻀﺎء واﻟﻜﻮن وأن هﺬﻩ اﻟﻤﺎدة اﻟﺨﻔﻴﺔ ﺗﺸﻜﻞ أآﺜﺮ‬
‫ﻣﻦ ‪ 95‬ﻣﻦ اﻟﻜﻮن وأن ﻣﺎ ﻧﺮاﻩ ﺑﺄﻋﻴﻨﻨﺎ ﻣﻦ هﺬا اﻟﻜﻮن أﻗﻞ ﻣﻦ ‪ %5‬ﻣﻦ‬
‫ﻣﺤﺘﻮاﻩ اﻟﻜﻠﻲ ‪ ..‬وأن اﻟﻤﺠﺮات ﻏﺎرﻗﺔ ﻓﻲ هﺎﻻت ﺧﻔﻴﺔ ﻣﻦ هﺬﻩ‬
‫اﻟﻤﺎدة آﻤﺎ ﺗﻐﺮق ﺣﺒﺎت اﻟﻔﺴﺘﻖ ﻓﻲ اﻟﻤﺮﺑﻰ ‪ ..‬وأن هﻨﺎك ﻋﻔﺮﻳﺘﺎ‬
‫ﻣﺎردا ﻟﻪ ﻣﻼﻳﻴﻦ اﻷذرع ﻳﻀﻐﻂ ﻋﻠﻰ ﻣﺎدة هﺬا اﻟﻜﻮن ﺷﻴﺌﺎ ﻓﺸﻴﺌﺎ ﻣﻦ‬
‫اﻟﻠﺤﻈﺔ اﻟﺤﺮﺟﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﻮف ﻳﻨﻬﺎر ﻓﻴﻬﺎ آﻞ ﺷﺊ آﻤﻌﻤﺎر هﺎﺋﻞ ﻣﻦ‬
‫اﻟﻘﺶ ﻣﺘﻰ ‪..‬؟ ﻻ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻧﺤﺪد ‪.‬‬

‫واﻟﻜﻤﺒﻴﻮﺗﺮات اﻟﻀﺨﻤﺔ ﻻ ﺗﺴﻌﻒ‬

‫واﻷرﻗﺎم ﻟﻢ ﺗﻈﻬﺮ ﺑﻌﺪ‪.‬‬

‫وﻻ ﻧﻤﻠﻚ إﻻ اﻟﺘﺨﻤﻴﻦ ‪.‬‬

‫وﻟﻜﻦ آﻞ اﻷرﺻﺎد ﺗﻘﻮل إن هﺬا اﻟﻜﻮن اﻟﻌﻈﻴﻢ ﻳﺴﻴﺮ ﺣﺜﻴﺜﺎ إﻟﻰ ﻧﻬﺎﻳﺘﻪ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪240‬‬
 ‫ﻣﻦ أﻧﺖ ؟‬

‫ﻣﻦ أﻧﺖ ؟‬

‫ﻣﻦ أﻧﺖ‪ ..‬ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﺘﺮدد ﻟﺤﻈﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﺨﻴﺮ و اﻟﺸﺮ‪ ..‬ﻣﻦ ﺗﻜﻮن‪..‬؟!‬

‫أﺗﻜﻮن اﻹﻧﺴﺎن اﻟﺨﻴﺮ أم اﻟﺸﺮﻳﺮ أم ﻣﺎ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ‪..‬؟!‬

‫أم ﺗﻜﻮن ﻣﺠﺮد اﺣﺘﻤﺎل ﻟﻠﻔﻌﻞ اﻟﺬي ﻟﻢ ﻳﺤﺪث ﺑﻌﺪ‪..‬؟!‬

‫إن اﻟﻨﻔﺲ ﻻ ﺗﻈﻬﺮ ﻣﻨﺰﻟﺘﻬﺎ و ﻻ ﺗﺒﺪو ﺣﻘﻴﻘﺘﻬﺎ إﻻ ﻟﺤﻈﺔ أن ﺗﺴﺘﻘﺮ ﻋﻠﻰ اﺧﺘﻴﺎر‪ ،‬و ﺗﻤﻀﻲ‬
‫ﻓﻴﻪ ﺑﺎﻗﺘﻨﺎع و ﻋﻤﺪ و إﺻﺮار‪ ،‬و ﺗﺘﻤﺎدى ﻓﻴﻪ و ﺗﺨﻠﺪ إﻟﻴﻪ و ﺗﺴﺘﺮﻳﺢ و ﺗﺠﺪ ذاﺗﻬﺎ‪.‬‬

‫و ﻟﻬﺬا ﻻ ﺗﺆﺧﺬ ﻋﻠﻰ اﻹﻧﺴﺎن أﻓﻌﺎل اﻟﻄﻔﻮﻟﺔ‪ ،‬و ﻻ ﻣﺎ ﻳﻔﻌﻠﻪ اﻹﻧﺴﺎن ﻋﻦ ﻣﺮض أو ﻋﻦ‬
‫ﺟﻨﻮن أو ﻋﻦ إآﺮاﻩ‪...‬‬

‫و إﻧﻤﺎ ﺗﺒﺪأ اﻟﻨﻔﺲ ﺗﻜﻮن ﻣﺤﻞ ﻣﺤﺎﺳﺒﺔ ﻣﻨﺬ رﺷﺪهﺎ‪ ،‬ﻷن ﺑﻠﻮﻏﻬﺎ اﻟﺮﺷﺪ ﻳﺒﺪأ ﻣﻌﻪ ﻇﻬﻮر‬
‫اﻟﻤﺮﺗﻜﺰات و اﻟﻤﺤﺎور اﻟﺘﻲ ﺳﺘﻨﻤﻮ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ اﻟﺜﺎﺑﺘﺔ‪.‬‬

‫و اﺧﺘﻴﺎرات اﻹﻧﺴﺎن ﻓﻲ ﺧﻮاﺗﻴﻢ ﺣﻴﺎﺗﻪ هﻲ أآﺜﺮ ﻣﺎ ﻳﺪل ﻋﻠﻴﻪ‪ ،‬ﻷﻧﻪ ﻣﻊ ﺑﻠﻮغ اﻹﻧﺴﺎن‬
‫ﻣﺮﺣﻠﺔ اﻟﺨﻮاﺗﻴﻢ ﻳﻜﻮن ﻗﺪ ﺗﻢ ﺗﺮﺷﺢ و ﺗﺒﻠﻮر ﺟﻤﻴﻊ ﻋﻨﺎﺻﺮ ﺷﺨﺼﻴﺘﻪ‪ ،‬و ﺗﻜﻮن ﻗﺪ اﻧﺘﻬﺖ‬
‫ذﺑﺬﺑﺘﻬﺎ إﻟﻰ اﺳﺘﻘﺮار‪ ،‬و ﺗﻜﻮن ﺑﻮﺻﻠﺔ اﻹرادة ﻗﺪ أﺷﺎرت إﻟﻰ اﻟﻄﺎﺑﻊ اﻟﺴﺎﺋﺪ ﻟﻬﺬﻩ‬
‫اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ‪.‬‬

‫و ﻟﻬﺬا ﻳﻘﻮل أﺟﺪادﻧﺎ‪ ..‬اﻟﻌﺒﺮة ﺑﺎﻟﺨﻮاﺗﻴﻢ‪ ..‬و ﻣﺎ ﻳﻤﻮت ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻌﺒﺪ ﻣﻦ أﺣﻮال‪ ،‬و أﻋﻤﺎل و ﻣﺎ‬
‫ﻳﺸﻐﻠﻪ ﻓﻲ أﻳﺎﻣﻪ اﻷﺧﻴﺮة هﻮ ﻣﺎ ﺳﻮف ﻳﺒﻌﺚ ﻋﻠﻴﻪ‪ ..‬ﺗﻤﺎﻣﺎ آﻤﺎ ﻳﻨﺎم اﻟﻨﺎﺋﻢ ﻓﻴﺤﻠﻢ ﺑﻤﺎ اﺳﺘﻘﺮ‬
‫ﻓﻲ ﺑﺎﻟﻪ ﻣﻦ ﺷﻮاﻏﻞ ﻟﺤﻈﺔ أن رﻗﺪ ﻟﻴﻨﺎم‪.‬‬

‫و ﻟﻬﺬا أﻳﻀﺎ ﻻ ﺗﺆﺧﺬ اﻟﻨﻔﺲ ﺑﻤﺎ ﻓﻌﻠﺘﻪ و ﻧﺪﻣﺖ ﻋﻠﻴﻪ و رﺟﻌﺖ ﻋﻨﻪ‪ ،‬و ﻻ ﺗﺆﺧﺬ ﺑﻤﺎ‬
‫ﺗﻮرﻃﺖ ﻓﻴﻪ ﺛﻢ أﻧﻜﺮﺗﻪ و اﺳﺘﻨﻜﺮﺗﻪ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﺮﺟﻮع ﻋﻦ اﻟﻔﻌﻞ ﻳﻨﻔﻲ ﻋﻦ اﻟﻔﻌﻞ أﺻﺎﻟﺘﻪ و‬
‫ﺟﻮهﺮﻳﺘﻪ و ﻳﺪرﺟﻪ ﻣﻊ اﻟﻌﻮارض اﻟﻌﺎرﺿﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺛﺒﺎت ﻟﻬﺎ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪241‬‬
 ‫و ﻗﺪ أﻋﻄﻰ اﷲ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﺴﺎﺣﺔ آﺒﻴﺮة هﺎﺋﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﻨﺎزل و اﻟﻤﺮاﺗﺐ‪ ..‬ﻳﺨﺘﺎر ﻣﻨﻬﺎ ﻋﻠﻮا و‬
‫ﺳﻔﻼ ﻣﺎ ﻳﺸﺎء‪ ..‬أﻋﻄﺎﻩ ﻣﻌﺮاﺟﺎ ﻋﺠﻴﺒﺎ ﻳﺘﺤﺮك ﻓﻴﻪ ﺻﺎﻋﺪا هﺎﺑﻄﺎ ﺑﻼ ﺣﺪود‪ ..‬ﻓﻔﻲ اﻟﻄﺮف‬
‫اﻟﺼﺎﻋﺪ ﻣﻦ هﺬا اﻟﻤﻌﺮاج ﺗﻠﻄﻒ و ﺗﺮق اﻟﻄﺒﺎﺋﻊ‪ ،‬و ﺗﺼﻔﻮ اﻟﻤﺸﺎرب و اﻷﺧﻼق ﺣﺘﻰ‬
‫ﺗﻀﺎهﻲ اﻷﺧﻼق اﻹﻟﻬﻴﺔ ﻓﻲ ﻃﺮﻓﻬﺎ اﻷﻋﻠﻰ ) و ذﻟﻚ هﻮ اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻟﺮوﺣﻲ ﻣﻦ ﺗﻜﻮﻳﻨﻪ( و‬
‫ﻓﻲ اﻟﻄﺮف اﻟﻬﺎﺑﻂ ﺗﻜﺜﻒ و ﺗﻐﻠﻆ اﻟﺮﻏﺒﺎت و اﻟﺸﻬﻮات‪ ،‬و ﺗﺘﺪﻧﻰ اﻟﻐﺮاﺋﺰ ﺣﺘﻰ ﺗﻀﺎهﻲ‬
‫اﻟﺤﻴﻮان ﻓﻲ ﺑﻬﻴﻤﻴﺘﻪ‪ ،‬ﺛﻢ اﻟﺠﻤﺎد ﻓﻲ ﺟﻤﻮدﻩ و ﺁﻟﻴﺘﻪ و ﻗﺼﻮرﻩ اﻟﺬاﺗﻲ‪ ..‬ﺛﻢ اﻟﺸﻴﻄﺎن ﻓﻲ‬
‫ﻇﻠﻤﺘﻪ و ﺳﻠﺒﻴﺘﻪ ) و ذﻟﻚ هﻮ اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻟﺠﺴﺪي اﻟﻄﻴﻨﻲ ﻣﻦ اﻟﺘﻜﻮﻳﻦ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ(‪.‬‬

‫و ﺑﻴﻦ ﻣﻌﺮاج اﻟﺮوح ﺻﻌﻮدا و ﻣﻨﺎزل اﻟﺠﺴﺪ و اﻟﻄﻴﻦ هﺒﻮﻃﺎ‪ ،‬ﺗﺘﺬﺑﺬب اﻟﻨﻔﺲ ﻣﻨﺬ‬
‫وﻻدﺗﻬﺎ‪ ،‬ﻓﺘﺘﺴﺎﻣﻰ ﻣﻦ هﻨﺎ و ﺗﺘﺮدى هﻨﺎك ﺑﻴﻦ أﻓﻌﺎل اﻟﺴﻤﻮ و أﻓﻌﺎل اﻻﻧﺤﻄﺎط‪ ،‬ﺛﻢ ﺗﺴﺘﻘﺮ‬
‫ﻋﻠﻰ ﺷﺎآﻠﺘﻬﺎ و ﺣﻘﻴﻘﺘﻬﺎ‪.‬‬

‫)) ﻗﻞ آﻞ ﻳﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺷﺎآﻠﺘﻪ (( )‪ – 84‬اﻹﺳﺮاء(‬

‫و ﻣﺘﻰ ﻳﺒﻠﻎ اﻹﻧﺴﺎن هﺬﻩ اﻟﻤﺸﺎآﻠﺔ و اﻟﻤﻀﺎهﺎة ﺑﻴﻦ ﺣﻘﻴﻘﺘﻪ و ﻓﻌﻠﻪ ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺴﺘﻘﺮ و ﻳﺘﻤﺎدى‪ ،‬و‬
‫ﻳﻤﻀﻲ ﻓﻲ اﻗﺘﻨﺎع و إﺻﺮار ﻋﻠﻰ ﺧﻴﺮﻩ أو ﺷﺮﻩ ﺣﺘﻰ ﻳﺒﻠﻎ ﻧﻬﺎﻳﺔ أﺟﻠﻪ‪.‬‬

‫و ﻣﻌﻨﻰ هﺬا أن اﻟﻨﻔﺲ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ أو )) اﻷﻧﺎ ((‪ ..‬هﻲ ﺷﻲء ﻏﻴﺮ اﻟﺠﺴﺪ‪ ..‬و هﻲ ﻟﻴﺴﺖ ﺷﻴﺌﺎ‬
‫ﻣﻌﻠﻮﻣﺎ ﺑﻞ هﻲ ﺳﺮ و ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻣﻜﻨﻮﻧﺔ ﻻ ﻳﺠﻠﻮهﺎ إﻻ اﻻﺑﺘﻼء‪ ،‬و اﻻﺧﺘﺒﺎر ﺑﺎﻟﻤﻐﺮﻳﺎت‪.‬‬

‫و ﻣﺎ اﻟﺠﺴﺪ و اﻟﺮوح إﻻ اﻟﻜﻮن اﻟﻔﺴﻴﺢ اﻟﺬي ﺗﺘﺤﺮك ﻓﻴﻪ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻔﺲ ﻋﻠﻮًا و هﺒﻮﻃًﺎ ﺑﺤﺜًﺎ‬
‫ﻋﻦ اﻟﻤﻨﺰﻟﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺸﺎآﻠﻬﺎ و ﺗﻀﺎهﻴﻬﺎ و اﻟﺒﺮج اﻟﺬي ﻳﻨﺎﺳﺐ ﺳﻜﻨﺎهﺎ ﻓﺘﺴﻜﻨﻪ‪ ..‬ﻓﻤﻨﺎ ﻣﻦ‬
‫ﻳﺴﻜﻦ ﺑﺮج اﻟﻨﺎر ) اﻟﺸﻬﻮات( و هﻮ ﻣﺎزال ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ‪ ،‬ﻓﻼ ﻳﺒﺮح هﺬا اﻟﺒﺮج ﺣﺘﻰ اﻟﻤﻤﺎت‪،‬‬
‫ﻓﺘﻠﻚ هﻲ اﻟﻨﻔﺲ اﻟﺘﻲ ﺗﺸﺎآﻞ اﻟﻨﺎر ﻓﻲ ﺳﺮهﺎ و هﻲ اﻟﺘﻲ ﺳﺒﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻘﻮل و اﻟﻌﻠﻢ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻣﻦ‬
‫أهﻞ اﻟﻨﺎر‪.‬‬

‫و ذﻟﻚ ﻋﻠﻢ ﺳﺎﺑﻖ ﻋﻦ اﻟﻨﻔﻮس ﻻ ﻳﺘﺎح إﻻ ﷲ وﺣﺪﻩ‪ ،‬ﻷﻧﻪ وﺣﺪﻩ اﻟﺬي ﻳﻌﻠﻢ اﻟﺴﺮ و أﺧﻔﻰ‪،‬‬
‫ﻓﻬﻮ ﺑﺤﻜﻢ ﻋﻠﻤﻪ اﻟﺘﺎم اﻟﻤﺤﻴﻂ ﻳﻌﻠﻢ أن هﺬﻩ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ اﻟﻤﻜﻨﻮﻧﺔ ﻓﻲ اﻟﻐﻴﺐ اﻟﺘﻲ اﺳﻤﻬﺎ ﻓﻼن‪ ،‬و‬
‫اﻟﺘﻲ ﻣﺎزاﻟﺖ ﺳﺮا ﻣﺴﺘﺘﺮا ﻟﻢ ﻳﻜﺸﻔﻪ اﻻﺑﺘﻼء و اﻻﺧﺘﺒﺎر ﺑﻌﺪ‪ ،‬و اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﻮﻟﺪ ﺑﻌﺪ و ﻟﻢ ﺗﻨﺰل‬
‫ﻓﻲ اﻷرﺣﺎم‪ ..‬ﻳﻌﻠﻢ رﺑﻨﺎ ﺗﺒﺎرك و ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﻌﻠﻤﻪ اﻟﻤﺤﻜﻢ اﻟﻤﺤﻴﻂ أن ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻔﺲ ﻟﻦ ﺗﻘﺮ و ﻟﻦ‬
‫ﺗﺴﺘﺮﻳﺢ و ﻟﻦ ﺗﺨﺘﺎر إﻻ آﻞ ﻣﺎ هﻮ ﻧﺎري ﺷﻬﻮاﻧﻲ ﺳﻠﺒﻲ ﻋﺪﻣﻲ‪ ..‬ﻳﻌﻠﻢ ﻋﻨﻬﺎ ذﻟﻚ و هﻲ‬
‫ﻣﺎزاﻟﺖ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻣﻜﻨﻮﻧﺔ ﻻ ﺣﻴﻠﺔ ﻟﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﺪم‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪242‬‬
 ‫و هﺬا اﻟﻌﻠﻢ اﻟﺮﺑﺎﻧﻲ ﻟﻴﺲ ﻋﻠﻢ إﻟﺰام و ﻻ ﻋﻠﻢ ﻗﻬﺮ‪ ،‬ﺑﻞ هﻮ ﻋﻠﻢ ﺣﺼﺮ و إﺣﺎﻃﺔ‪ ،‬ﻓﺎﷲ ﺑﻬﺬا‬
‫اﻟﻌﻠﻢ ﻻ ﻳﺠﺒﺮ ﻧﻔﺴﺎ ﻋﻠﻰ ﺷﺮ‪ ،‬و ﻻ ﻳﻨﻬﻰ ﻧﻔﺴًﺎ ﻋﻦ ﺧﻴﺮ‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﻳﻌﻠﻢ ﺣﻘﺎﺋﻖ هﺬﻩ اﻷﻧﻔﺲ ﻋﻠﻰ‬
‫ﻣﺎهﻲ ﻋﻠﻴﻪ دون ﺗﺪﺧﻞ‪.‬‬

‫ﻓﺈذا ﺟﺎء ﻣﻴﻘﺎت اﻟﺨﻠﻖ ) و ﺟﻤﻴﻊ هﺬﻩ اﻷﻧﻔﺲ ﺗﻄﻠﺐ ﻣﻦ اﷲ أن ﻳﺨﻠﻘﻬﺎ و ﻳﺮﺣﻤﻬﺎ ﺑﺈﻳﺠﺎدهﺎ‬
‫و هﻲ ﻣﺎزاﻟﺖ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺳﺎﻟﺒﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺪم( أﻋﻄﻰ اﷲ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻔﺲ اﻟﻴﺪ و اﻟﻘﺪم و اﻟﻠﺴﺎن ﻟﺘﻀﺮ و‬
‫ﺗﻨﻔﻊ‪ ،‬و أﻋﻄﺎهﺎ ذﻟﻚ اﻟﻜﻮن اﻟﻔﺴﻴﺢ اﻟﺬي اﺳﻤﻪ اﻟﺮوح و اﻟﺠﺴﺪ ﻟﺘﻤﺮح ﻓﻴﻪ ﺻﺎﻋﺪة هﺎﺑﻄﺔ‬
‫ﺗﺨﺘﺎر ﻣﻦ ﻣﻨﺎزﻟﻪ ﻣﺎ ﻳﺸﺎآﻠﻬﺎ ﻟﺘﺴﻜﻦ ﻓﻴﻪ‪ ..‬ﻓﺈذا ﺳﻜﻨﺖ و اﺳﺘﻘﺮت‪ ،‬و ﺗﺴﺠﻠﺖ أﻋﻤﺎﻟﻬﺎ‬
‫ﻗﺒﻀﻬﺎ اﷲ إﻟﻴﻪ ﻳﻮم اﻟﺒﻌﺚ و اﻟﺤﺴﺎب اﻟﻤﻌﻠﻮم‪ ..‬ﺣﻴﺚ ﺗﻘﺮأ آﻞ ﻧﻔﺲ آﺘﺎﺑﻬﺎ‪ ،‬و ﺗﻌﻠﻢ ﻣﻨﺰﻟﺘﻬﺎ‬
‫ﻓﻼ ﻳﻌﻮد ﻷﺣﺪ اﻟﻌﺬر ﻓﻲ أن ﻳﺤﺘﺞ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﻀﻌﻪ اﷲ ﻓﻲ ﻣﺴﺘﻘﺮ اﻟﺠﻨﺔ أو ﻣﺴﺘﻘﺮ‬
‫اﻟﻨﺎر اﻷﺑﺪﻳﺔ‪.‬‬

‫و ﻗﺪ أﻋﺬر اﷲ و أﻧﺬر اﻟﺠﻤﻴﻊ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ﺑﺎﻟﺮﺳﻞ و اﻟﻜﺘﺐ و اﻵﻳﺎت‪ ،‬و أﻗﺎم ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﺤﺠﺔ‬
‫ﺑﻤﺎ وهﺐ ﻟﻬﻢ ﻣﻦ ﻋﻘﻞ و ﺿﻤﻴﺮ و ﺑﺼﻴﺮة و ﺣﻮاس ﺗﻤﻴﺰ اﻟﻀﺎر ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﻊ و اﻟﺨﺒﻴﺚ ﻣﻦ‬
‫اﻟﻄﻴﺐ‪.‬‬

‫و ﻟﻬﺬا ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﻄﺎﻟﺐ اﻟﻨﻔﻮس اﻟﻤﺠﺮﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﺎر أن ﺗﻌﻄﻰ ﻓﺮﺻﺔ أﺧﺮى‪ ،‬و أن ﺗﺮد إﻟﻰ‬
‫اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻟﺘﻌﻤﻞ اﻟﺼﺎﻟﺤﺎت‪ ،‬و ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﺪﻋﻲ اﻟﺒﻌﺾ أن ﺗﻌﺬﻳﺐ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻔﻮس أﺑﺪﻳﺎ ﻋﻠﻰ ذﻧﻮب‬
‫ﻣﺆﻗﺘﺔ ارﺗﻜﺒﺘﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺰﻣﻦ اﻟﻤﺤﺪود هﻮ أﻣﺮ ﻇﺎﻟﻢ‪.‬‬

‫ﺣﻴﻨﺌﺬ ﻳﺠﻴﺐ رﺑﻨﺎ ﻣﺘﺤﺪﺛﺎ ﻋﻦ هﺆﻻء اﻟﻤﺠﺮﻣﻴﻦ ﻗﺎﺋﻼ‪:‬‬

‫)) و ﻟﻮ ردوا ﻟﻌﺎدوا ﻟﻤﺎ ﻧﻬﻮا ﻋﻨﻪ و إﻧﻬﻢ ﻟﻜﺎذﺑﻮن (( )‪ – 28‬اﻷﻧﻌﺎم(‬

‫و ﻓﻲ هﺬا اﻟﺮد اﻟﺒﻠﻴﻎ إﺷﺎرة إﻟﻰ أن إﺟﺮام ﺗﻠﻚ اﻷﻧﻔﺲ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ذﻧﺒًﺎ ﻣﻮﻗﻮﺗًﺎ ﻓﻲ اﻟﺰﻣﻦ‪ ..‬ﺑﻞ‬
‫ﻷﻧﻬﻢ ﻟﻴﻌﺎودون هﺬا اﻟﺠﺮم ﻓﻲ آﻞ زﻣﻦ و ﻣﻬﻤﺎ ﻋﺎود اﷲ ﺧﻠﻘﻬﻢ‪ ..‬ﻷن ذﻟﻚ اﻹﺟﺮام ﺣﻘﻴﻘﺔ‬
‫ﻣﻜﻨﻮﻧﺔ‪ ،‬و ﻟﻴﺲ ﻋﺮﺿًﺎ ﻣﺤﺪودًا ﺑﺎﻟﺰﻣﺎن و اﻟﻤﻜﺎن‪ ..‬و ﻟﻬﺬا آﺎن ﻋﻘﺎﺑﻪ اﻷﺑﺪ‪ ،‬و ﻟﻴﺲ‬
‫اﻟﻌﺬاب اﻟﻤﻮﻗﻮت‪.‬‬

‫و ﻧﻘﻮل أﻳﻀﺎ‪ :‬إن هﻨﺎك ﻋﺪاﻟﺔ ﻋﻤﻴﻘﺔ آﺎﻣﻨﺔ ﻓﻲ هﺬا اﻟﻤﺼﻴﺮ‪ ..‬ﻧﺎرًا أﺑﺪﻳﺔ أم ﺟﻨﺔ‪ ..‬إن آﻞ‬
‫ﻧﻔﺲ ﺑﻴﻨﻬﺎ و ﺑﻴﻦ ذﻟﻚ اﻟﻤﺼﻴﺮ اﻟﻨﻬﺎﺋﻲ ﻣﺸﺎآﻠﺔ ﺗﺎﻣﺔ‪ ،‬و ﻣﻀﺎهﺎة و اﺋﺘﻼف ﻓﻲ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ‪..‬‬
‫ﻓﺎﻟﺤﻘﺎﺋﻖ اﻟﻨﺎرﻳﺔ ﺗﺴﻜﻦ اﻟﻨﺎر و اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ اﻟﻨﻮراﻧﻴﺔ ﺗﺴﻜﻦ اﻟﺠﻨﺔ‪ ..‬ﻓﻼ ﻗﺴﻮة هﻨﺎك و ﻻ‬
‫وﺣﺸﻴﺔ‪ ،‬و إﻧﻤﺎ وﺿﻊ ﻟﻜﻞ ﺷﻴﺊ ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻧﻪ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪243‬‬
 ‫و اﻟﺴﺮ اﻵﺧﺮ اﻟﺬي ﻳﻨﻜﺸﻒ ﻟﻨﺎ أن اﻟﺒﻴﺌﺔ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﺼﻨﻊ ﻣﻦ إﻧﺴﺎن ﺻﺎﻟﺢ ) ﻧﻔﺴﻪ‬
‫ﺻﺎﻟﺤﺔ ﺑﺎﻟﺤﻘﻴﻘﺔ( إﻧﺴﺎﻧًﺎ ﻣﺠﺮﻣًﺎ و ﻻ اﻟﻌﻜﺲ‪ ،‬و أن اﻟﻜﻼم ﻋﻠﻰ أن ﻣﻈﺎﻟﻢ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺟﻌﻠﺖ‬
‫ﻓﻼﻧًﺎ ﻟﺼﺎً‪ ،‬هﺬا اﻟﻜﻼم ﻻ ﻳﺼﺪق دﻳﻨﻴًﺎ و ﻻ واﻗﻌﻴًﺎ‪ .‬ﻓﺎﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻳﻀﻊ ﻟﻠﺠﺮﻳﻤﺔ إﻃﺎرهﺎ ﻓﻘﻂ و‬
‫ﻟﻜﻦ ﻻ ﻳﻨﺸﺊ ﺟﺮﻳﻤﺔ ﻓﻲ إﻧﺴﺎن ﻏﻴﺮ ﻣﺠﺮم‪ ..‬ﺑﻤﻌﻨﻰ أن ﻟﺺ هﺬا اﻟﺰﻣﺎن ﺗﻌﻄﻴﻪ إﻣﻜﺎﻧﻴﺎت‬
‫اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ وﺳﺎﺋﻞ إﻟﻜﺘﺮوﻧﻴﺔ و أﺷﻌﺔ ﻟﻴﺰر ﻟﻴﻔﺘﺢ ﺑﻬﺎ اﻟﺨﺰاﺋﻦ‪ ،‬ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻧﻔﺲ اﻟﻠﺺ ﻣﻨﺬ‬
‫ﻋﺸﺮﻳﻦ ﺳﻨﺔ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﺠﺪ إﻻ ﻃﻔﺎﺷﺔ‪ ..‬آﻤﺎ أن ﻗﺎﺗﻞ اﻟﻴﻮم ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﺴﺘﺨﺪم ﺑﻨﺪﻗﻴﺔ ﻣﺰودة‬
‫ﺑﺘﻠﺴﻜﻮب ) آﻤﺎ ﻓﻌﻞ ﻗﺎﺗﻞ آﻨﻴﺪي( ﺑﻴﻨﻤﺎ هﻮ ﻓﻲ أﻳﺎم ﻗﺮﻳﺶ ﻻ ﻳﺠﺪ إﻻ ﺳﻴﻔﺎً‪ ،‬ﺛﻢ ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ‬
‫ﺑﻌﺪة ﻗﺮون ﻻ ﻳﺠﺪ إﻻ ﻋﺼﺎً‪ ،‬ﺛﻢ ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ﻋﻠﻰ أﻳﺎم ﻗﺎﺑﻴﻞ و هﺎﺑﻴﻞ ﻻ ﻳﺠﺪ إﻻ اﻟﺤﺠﺎرة‪.‬‬

‫إن اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ و اﻟﻌﺼﺮ و اﻟﻈﺮوف ﺗﺼﻨﻊ ﻟﻠﺠﺮﻳﻤﺔ ﺷﻜﻠﻬﺎ‪ ،‬و ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻻ ﺗﻨﺸﺊ ﻣﺠﺮﻣًﺎ ﻣﻦ‬
‫ﻋﺪم‪ ،‬و ﻻ ﺗﺼﻨﻊ إﻧﺴﺎﻧًﺎ ﺻﺎﻟﺤًﺎ ﻣﻦ ﻧﻔﺲ ﻻ ﺻﻼح ﻓﻴﻬﺎ‪.‬‬

‫و ﺑﺎﻟﻤﺜﻞ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ اﻷﺑﻮان ﺑﺤﺴﻦ ﺗﺮﺑﻴﺘﻬﻤﺎ أن ﻳﻘﻠﺒﺎ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﻓﻴﺨﻠﻘﺎ ﻣﻦ اﺑﻨﻬﻤﺎ اﻟﻤﺠﺮم اﺑﻨًﺎ‬
‫ﺻﺎﻟﺤًﺎ و ﻻ اﻟﻌﻜﺲ‪.‬‬

‫و ﻧﺠﺪ ﻓﻲ ﺳﻮرة اﻟﻜﻬﻒ ﺣﻜﺎﻳﺔ ﻋﻦ ﻏﻼم ﻣﺠﺮم آﺎﻓﺮ‪ ،‬أﺑﻮاﻩ ﻣﺆﻣﻨﺎن‪.‬‬

‫)) و أﻣﺎ اﻟﻐﻼم ﻓﻜﺎن أﺑﻮاﻩ ﻣﺆﻣﻨﻴﻦ ﻓﺨﺸﻴﻨﺎ أن ﻳﺮهﻘﻬﻤﺎ ﻃﻐﻴﺎﻧًﺎ و آﻔﺮًا (( )‪ – 80‬اﻟﻜﻬﻒ(‬

‫و أآﺜﺮ اﻷﻧﺒﻴﺎء آﺎﻧﻮا ﻣﻦ ﺁﺑﺎء آﻔﺮة‪ ،‬و اﺳﺘﺠﺎﺑﺖ أآﺜﺮ اﻷﻗﻮام ﻟﻬﺆﻻء اﻷﻧﺒﻴﺎء و ﻟﻢ ﻳﺴﺘﺠﺐ‬
‫اﻵﺑﺎء‪.‬‬

‫ﻣﻦ اﻟﺬي ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﻘﻠﺐ ﺣﻘﺎﺋﻖ اﻷﻧﻔﺲ و ﻳﻐﻴﺮهﺎ؟ ﻻ أﺣﺪ ﺳﻮى اﷲ وﺣﺪﻩ‪.‬‬

‫و اﷲ ﻻ ﻳﻔﻌﻞ ذﻟﻚ إﻻ إذا ﻃﻠﺒﺖ اﻟﻨﻔﺲ ذاﺗﻬﺎ أن ﺗﺘﻐﻴﺮ و اﺑﺘﻬﻠﺖ ﻣﻦ أﺟﻞ ذﻟﻚ‪ ،‬ﻷﻧﻪ واﺛﻘﻨﺎ‬
‫ﺟﻤﻴﻌﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺮﻳﺔ اﻟﺘﺎﻣﺔ و ﻋﻠﻰ أﻧﻪ ﻻ إآﺮاﻩ ﻓﻲ اﻟﺪﻳﻦ‪ ..‬و أن ﻣﻦ ﺷﺎء أن ﻳﻜﻔﺮ ﻓﻠﻴﻜﻔﺮ‪ ،‬و‬
‫ﻣﻦ ﺷﺎء أن ﻳﺆﻣﻦ ﻓﻠﻴﺆﻣﻦ‪ ..‬و أﻧﻪ ﻟﻦ ﻳﻘﻬﺮ ﻧﻔﺴًﺎ ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮ هﻮاهﺎ‪ ..‬و أﻧﻪ ﻟﻦ ﻳﻐﻴﺮ ﻣﻦ ﻧﻔﺲ‬
‫إﻻ إذا ﺑﺎدرت ﺑﺎﻟﺘﻐﻴﺮ و ﻃﻠﺒﺖ اﻟﺘﻐﻴﺮ‪.‬‬

‫)) إن اﷲ ﻻ ﻳﻐﻴﺮ ﻣﺎ ﺑﻘﻮم ﺣﺘﻰ ﻳﻐﻴﺮوا ﻣﺎ ﺑﺄﻧﻔﺴﻬﻢ(( )‪ – 11‬اﻟﺮﻋﺪ(‬

‫و ﺗﻠﻚ هﻲ اﻟﺘﺰآﻴﺔ‪.‬‬

‫)) و ﻟﻮﻻ ﻓﻀﻞ اﷲ ﻋﻠﻴﻜﻢ و رﺣﻤﺘﻪ ﻣﺎ زآﺎ ﻣﻨﻜﻢ ﻣﻦ أﺣﺪ أﺑﺪًا و ﻟﻜﻦ اﷲ ﻳﺰآﻲ ﻣﻦ ﻳﺸﺎء((‬
‫)‪ – 21‬اﻟﻨﻮر(‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪244‬‬
 ‫و ﻋﻠﻰ اﻹﻧﺴﺎن أن ﻳﺒﺪأ ﺑﺘﺰآﻴﺔ ﻧﻔﺴﻪ و ﺗﻄﻬﻴﺮهﺎ‪.‬‬

‫)) ﻗﺪ أﻓﻠﺢ ﻣﻦ زآﺎهﺎ‪ ،‬و ﻗﺪ ﺧﺎب ﻣﻦ دﺳﺎهﺎ(( )‪ – 10 ،9‬اﻟﺸﻤﺲ(‬

‫)) ﻣﻦ ﺗﺰآﻰ ﻓﺈﻧﻤﺎ ﻳﺘﺰآﻰ ﻟﻨﻔﺴﻪ(( )‪ – 18‬ﻓﺎﻃﺮ(‬

‫و ﻻ ﺳﺒﻴﻞ إﻟﻰ ﺗﻄﻬﻴﺮ اﻟﻨﻔﺲ و ﺗﺰآﻴﺘﻬﺎ إﻻ ﺑﺈﺗﻘﺎن اﻟﻌﺒﺎدة و اﻟﺘﺰام اﻟﻄﺎﻋﺎت‪ ،‬و إﻃﺎﻟﺔ‬
‫اﻟﺴﺠﻮد و ﻓﻌﻞ اﻟﺼﺎﻟﺤﺎت‪.‬‬

‫و ﺑﺤﻜﻢ رﺗﺒﺔ اﻟﻌﺒﻮدﻳﺔ ﻳﺼﺒﺢ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﺴﺘﺤﻘًﺎ ﻟﻠﻤﺪد ﻣﻦ رﺑﻪ‪ ،‬ﻓﻴﻤﺪﻩ اﷲ ﺑﻨﻮرﻩ و ﻳﻬﻴﺊ ﻟﻪ‬
‫أﺳﺒﺎب اﻟﺨﺮوج ﻣﻦ ﻇﻠﻤﺘﻪ‪.‬‬

‫و ذﻟﻚ هﻮ ﺳﻠﻮك اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻋﻨﺪ اﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ ﻣﻦ ﻋﺒﺎد اﷲ‪ ،‬ﺑﺎﻟﺘﺨﻠﻴﺔ ) ﺗﺨﻠﻴﺔ اﻟﻨﻔﺲ ﻣﻦ‬
‫اﻟﺼﻔﺎت اﻟﻤﺬﻣﻮﻣﺔ(‪ ،‬ﺛﻢ اﻟﺘﺤﻠﻴﺔ ) ﺗﺤﻠﻴﺔ اﻟﻘﻠﺐ ﺑﺎﻟﺬآﺮ و اﻟﻔﻀﺎﺋﻞ( و اﻟﺘﻌﻠﻖ و اﻟﺘﺨﻠﻖ و‬
‫اﻟﺘﺤﻘﻖ‪.‬‬

‫و اﻟﺘﻌﻠﻖ ﻋﻨﺪهﻢ هﻮ اﻟﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﷲ و ﺗﺮك اﻟﺘﻌﻠﻖ ﺑﻤﺎ ﺳﻮاﻩ‪.‬‬

‫و اﻟﺘﺨﻠﻖ هﻮ ﻣﺤﺎوﻟﺔ اﻟﺘﺤﻠﻲ ﺑﺄﺳﻤﺎﺋﻪ اﻟﺤﺴﻨﻰ‪ ،‬اﻟﺮﺣﻴﻢ و اﻟﻜﺮﻳﻢ و اﻟﻮدود و اﻟﺮءوف و‬

‫اﻟﺤﻠﻴﻢ و اﻟﺼﺒﻮر و اﻟﺸﻜﻮر‪ ..‬ﻗﻮﻻ و ﻓﻌﻼ‪.‬‬

‫و اﻟﺘﺤﻘﻖ هﻮ أن ﺗﺼﻞ إﻟﻰ أﻗﺼﻰ درﺟﺎت اﻟﺼﻔﺎء و اﻟﻠﻄﻒ و اﻟﻤﺸﺎآﻠﺔ‪ ،‬ﻓﺘﺼﺒﺢ ﻧﻮراﻧﻴﺎ‬
‫ﻓﻲ ﻃﺒﺎﻋﻚ أو ﺗﻜﺎد‪.‬‬

‫و ﻻ ﺳﺒﻴﻞ إﻟﻰ ﺻﻌﻮد هﺬا اﻟﻤﻌﺮاج إﻻ ﺑﺎﻟﻌﺒﺎدة و اﻟﻄﺎﻋﺔ و اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺼﺎﻟﺢ‪ ،‬و اﻟﺘﺰام‬
‫اﻟﻤﻨﻬﺞ اﻟﻘﺮﺁﻧﻲ و اﻟﺴﻠﻮك ﻋﻠﻰ ﻗﺪم ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻌﺒﺪ اﻟﻜﺎﻣﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﺻﻠﻮات اﷲ و ﺳﻼﻣﻪ‪.‬‬

‫و اﻟﺬي ﻳﻌﻠﻖ ﻋﻠﻰ هﺬا اﻟﻜﻼم ﻓﻴﻘﻮل‪:‬‬

‫ﻗﻮﻟﻚ ﻋﻦ اﻟﻨﻔﺲ أﻧﻬﺎ )) اﻟﺴﺮ (( هﻮ آﻼم أﻏﻤﻀﺖ ﻓﻴﻪ‪ ،‬و أﻟﻐﺰت و ﺣﺠﺒﺖ و ﻣﺎ آﺸﻔﺖ‪.‬‬

‫أﻗﻮل ﻟﻪ إن ﻧﻔﺴًﺎ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻘﺎﺑﻠﻴﺔ ﻟﻠﺤﺮآﺔ ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻴﻊ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻌﺎرج ﺻﻌﻮدًا و هﺒﻮﻃﺎً‪ ،‬و ﻓﻴﻬﺎ‬
‫اﻟﻘﺎﺑﻠﻴﺔ أن ﺗﻜﻮن رﺑﺎﻧﻴﺔ أو ﺷﻴﻄﺎﻧﻴﺔ أو ﺣﻴﻮاﻧﻴﺔ أو ﺟﻤﺎدﻳﺔ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪245‬‬
 ‫ﻧﻔﺲ ﺑﻬﺬﻩ اﻹﻣﻜﺎﻧﻴﺎت هﻲ )) اﻟﺴﺮ اﻷﻋﻈﻢ (( ذاﺗﻪ‪.‬‬

‫و ﻣﻦ ادﻋﻰ أﻧﻪ أدرك اﻟﺴﺮ اﻷﻋﻈﻢ؟!!‬

‫إن هﻲ إﻻ أﺻﺎﺑﻊ ﺗﺸﻴﺮ‪.‬‬

‫و اﻟﻤﺸﺎر إﻟﻴﻪ ﻻ ﻳﻌﻠﻤﻪ إﻻ اﷲ‪.‬‬

‫و ﻧﺤﻦ ﺟﻤﻴﻌًﺎ ﻻ ﻧﻌﻠﻢ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪246‬‬
 ‫)) ﻧﻘﻄﺔ ﻣﻦ اﻟﺒﺤﺮ اﻟﻤﺤﻴﻂ ((‬

‫ﻓﻲ ﺳﺎﻋﺎت اﻟﺼﻔﺎء ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﻨﻘﺸﻊ اﻟﻐﻮاﺷﻲ ﻋﻦ اﻟﻘﻠﺐ و ﺗﻨﺠﻠﻲ اﻟﺒﺼﻴﺮة‪ ،‬و أرى آﻞ ﺷﻲء‬
‫أﻣﺎﻣﻲ ﺑﻮﺿﻮح‪ ،‬ﺗﺒﺪو ﻟﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﺤﺠﻤﻬﺎ اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ و ﺑﻘﻴﻤﺘﻬﺎ اﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ‪ ،‬ﻓﺈذا هﻲ ﻣﺠﺮد رﺳﻢ‬
‫آﺮوآﻲ أو دﻳﻜﻮر ﻣﺆﻗﺖ ﻣﻦ ورق اﻟﻜﺮﺗﻮن‪ ،‬أو ﺑﺮوﻓﺔ ﺗﻮزع ﻓﻴﻬﺎ اﻷدوار ﻻﺧﺘﻴﺎر ﻗﺪرات‬
‫اﻟﻤﻤﺜﻠﻴﻦ‪ ،‬أو ﻣﺠﺮد ﺿﺮب ﻣﺜﺎل ﻟﺘﻘﺮﻳﺐ ﻣﻌﻨﻰ ﺑﻌﻴﺪ و ﻣﺠﺮد و هﻲ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ اﻷﺣﻮال‬
‫ﻣﺠﺮد ﻋﺒﻮر و ﻣﺰار و ﻣﻨﻈﺮ ﻣﻦ ﺷﺒﺎك ﻓﻲ ﻗﻄﺎر‪.‬‬

‫و هﻲ اﻟﻐﺮﺑﺔ و ﻟﻴﺴﺖ اﻟﻮﻃﻦ‪.‬‬

‫و هﻲ اﻟﺴﻔﺮ و ﻟﻴﺴﺖ اﻟﻤﻘﺮ‪.‬‬

‫أﻋﺠﺐ ﺗﻤﺎﻣﺎ و أدهﺶ ﻣﻦ ﻧﺎس ﻳﺠﻤﻌﻮن و ﻳﻜﻨﺰون و ﻳﺒﻨﻮن و ﻳﺮﻓﻌﻮن اﻟﺒﻨﺎء و ﻳﻨﻔﻘﻮن‬
‫ﻋﻠﻰ أﺑﻬﺔ اﻟﺴﻜﻦ و رﻓﺎهﻴﺔ اﻟﻤﻘﺎم‪ ..‬و آﺄﻧﻤﺎ هﻮ ﻣﻘﺎم أﺑﺪي‪ ..‬و أﻗﻮل ﻟﻨﻔﺴﻲ أﻧﺴﻮا أﻧﻬﻢ ﻓﻲ‬
‫ﻣﺮور؟‪ .‬أﻟﻢ ﻳﺬآﺮ أﺣﺪهﻢ أﻧﻪ ﺣﻤﻞ ﻧﻌﺶ أﺑﻴﻪ و ﻏﺪا ﻳﺤﻤﻞ اﺑﻨﻪ ﻧﻌﺸﻪ إﻟﻰ ﺣﻔﺮة ﻳﺴﺘﻮي ﻓﻴﻬﺎ‬
‫اﻟﻜﻞ؟‪ ..‬و هﻞ ﻳﺤﺘﺎج اﻟﻤﺴﺎﻓﺮ ﻷآﺜﺮ ﻣﻦ ﺳﺮﻳﺮ ﺳﻔﺮي و هﻞ ﻳﺤﺘﺎج اﻟﺠﻮال ﻷآﺜﺮ ﻣﻦ‬
‫ﺧﻴﻤﺔ ﻣﺘﻨﻘﻠﺔ؟‪.‬‬

‫و ﻟﻢ هﺬﻩ اﻷﺑﻬﺔ اﻟﻔﺎرﻏﺔ و ﻟﻤﻦ؟‪.‬‬

‫و ﻟﻢ اﻟﺘﺮف و ﻧﺤﻦ ﻋﻨﻪ راﺣﻠﻮن؟‪.‬‬

‫هﻞ ﻧﺤﻦ أﻏﺒﻴﺎء إﻟﻰ هﺬﻩ اﻟﺪرﺟﺔ؟‪ .‬أم هﻲ ﻏﻮاﺷﻲ اﻟﻐﺮور و اﻟﻐﻔﻠﺔ و اﻟﻄﻤﻊ و ﻋﻤﻰ‬
‫اﻟﺸﻬﻮات و ﺳﻌﺎر اﻟﺮﻏﺒﺎت و ﺳﺒﺎق اﻷوهﺎم؟‪ .‬و آﻞ ﻣﺎ ﻧﻔﻮز ﺑﻪ ﻓﻲ هﺬﻩ اﻟﺪﻧﻴﺎ وهﻤﻲ‪ ،‬و‬
‫آﻞ ﻣﺎ ﻧﻤﺴﻚ ﺑﻪ ﻳﻨﻔﻠﺖ ﻣﻊ اﻟﺮﻳﺢ‪.‬‬

‫و اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﻘﺎﺗﻠﻮن ﻟﻴﺴﺒﻖ اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ اﻵﺧﺮ أآﺜﺮ ﻋﻤﻰ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺸﺎرع ﺳﺪ ﻋﻨﺪ ﻧﻬﺎﻳﺘﻪ و آﻞ‬
‫اﻟﻌﺮﺑﺎت ﺗﺘﺤﻄﻢ و ﻳﺴﺘﻮي ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺴﺎﺑﻖ ﺑﺎﻟﻼﺣﻖ‪ ،‬و ﻻ ﻳﻜﺴﺐ أﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ إﻻ وزر ﻗﺘﻞ أﺧﻴﻪ‪..‬‬
‫ﺑﻞ إن أآﺜﺮ اﻟﻨﺎس أﺣﻤﺎﻻ و أوزارا ﻓﻲ هﺬﻩ اﻟﺪﻧﻴﺎ هﻢ اﻷآﺜﺮ آﻨﻮزا و اﻷآﺜﺮ ﺛﺮاء‪ ،‬ﻓﻜﻢ‬
‫ﻇﻠﻤﻮا أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻟﻴﺠﻤﻌﻮا‪ ،‬و آﻢ ﻇﻠﻤﻮا ﻏﻴﺮهﻢ ﻟﻴﺮﺗﻔﻌﻮا ﻋﻠﻰ أآﺘﺎﻓﻬﻢ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪247‬‬
 ‫و ﻟﻌﻠﻨﺎ ﺳﻤﻌﻨﺎ ﻣﺜﻞ هﺬا اﻟﻜﻼم و ﻧﺤﻦ ﻧﻠﻬﺚ ﻣﺘﺴﺎﺑﻘﻴﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺮﻳﻖ‪ ..‬ﻓﻬﻮ آﻼم ﻗﺪﻳﻢ ﻗﺪم‬
‫اﻟﺘﺎرﻳﺦ رددﺗﻪ ﺟﻤﻴﻊ اﻷﺳﻔﺎر و ﻗﺎﻟﻪ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺤﻜﻤﺎء و ﻟﻜﻨﺎ ﻟﻢ ﻧﻠﻖ ﻟﻪ ﺑﺎﻻ و ﻟﻢ ﻳﺘﺠﺎوز‬
‫ﺷﺤﻤﺔ اﻷذن‪.‬‬

‫و ﻣﺎزﻟﻨﺎ ﻧﺴﻤﻊ و ﻻ ﻧﺴﻤﻊ ﺑﺮﻏﻢ ﺗﻄﻮر أدوات اﻻﺳﺘﻤﺎع و آﺜﺮة اﻟﻤﻴﻜﺮوﻓﻮﻧﺎت و ﻣﻜﺒﺮات‬
‫اﻟﺼﻮت‪ ،‬و ﻻﻗﻄﺎت اﻟﻬﻤﺲ اﻹﻟﻜﺘﺮوﻧﻴﺔ ﻣﻦ ﻓﻮق اﻟﻔﻀﺎء و ﻣﻦ ﺗﺤﺖ اﻟﺜﺮى‪.‬‬

‫و ﻣﺎزﻟﻨﺎ ﻧﺰداد ﺻﻤﻤﺎ ﻋﻦ إدراك هﺬﻩ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ اﻟﺒﺴﻴﻄﺔ اﻟﻮاﺿﺤﺔ و آﺄﻧﻬﺎ ﻃﻠﺴﻢ ﻣﻄﻠﺴﻢ و‬
‫ﻟﻐﺰ ﻋﺼﻲ ﻋﻠﻰ اﻷﻓﻬﺎم‪.‬‬

‫هﻞ ﻧﺤﻦ ﻣﺨﺪرون؟‪.‬‬

‫أم هﻨﺎك ﻣﺎ هﻮ أﻗﻮى أﺛﺮا و أآﺜﺮ ﺷﺮاﺳﺔ ﻣﻦ اﻟﺨﻤﻮر و اﻟﻤﺨﺪرات‪ ،‬هﻲ ﻣﺎدﻳﺔ اﻟﻌﺼﺮ‬
‫اﻟﺘﻲ ﻃﺒﻌﺖ اﻟﻨﺎس ﺑﺬﻟﻚ اﻟﺸﻌﺎر اﻟﻤﺴﻜﺮ؟ ﻏﺎﻣﺮ و اآﺴﺐ‪ ..‬و اﻧﻬﺐ و اهﺮب‪ ..‬و ﺳﺎرع‬
‫إﻟﻰ اﻟﻠﺬة ﻗﺒﻞ أن ﺗﻔﻮﺗﻚ‪ ..‬و ﻋﺶ ﻟﺤﻈﺘﻚ ﺑﻤﻠﺌﻬﺎ ﻃﻮﻻ و ﻋﺮﺿﺎ و ﻻ ﺗﻔﻜﺮ ﻣﺎذا ﺑﻌﺪ ﻓﻘﺪ ﻻ‬
‫ﻳﻜﻮن هﻨﺎك ﺑﻌﺪ‪.‬‬

‫ﻧﻌﻢ ﺗﻠﻚ هﻲ اﻟﺨﺪﻋﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺴﺘﺪرج إﻟﻴﻬﺎ اﻟﻜﻞ‪ ..‬إﻧﻪ ﻻ ﺷﻲء ﺳﻮى ﻣﺎ ﻧﺮى و ﻧﺴﻤﻊ و ﻧﺬوق‬
‫و ﻧﻠﻤﺲ ﻣﻦ ﻣﺎدﻳﺎت‪ ،‬و أﻧﻪ ﻟﻴﺲ وراء هﺬﻩ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺷﻲء و ﻧﻔﻮﺳﻨﺎ اﻷﻣﺎرة اﺳﺘﺮاﺣﺖ إﻟﻰ‬
‫هﺬﻩ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﺸﺒﻊ ﻟﻬﺎ رﻏﺎﺋﺒﻬﺎ و ﺗﺤﻘﻖ ﻟﻬﺎ ﻣﺸﺘﻬﻴﺎﺗﻬﺎ‪ ،‬و اﻟﺤﻴﻮان ﻓﻲ داﺧﻠﻨﺎ اﺧﺘﺎرهﺎ‬
‫ﻷﻧﻬﺎ ﺗﺸﺒﻊ ﻏﺮاﺋﺰﻩ‪.‬‬

‫و ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻔﺲ هﻲ اﻟﻔﺘﻨﺔ و اﻟﺤﺠﺎب و هﻲ اﻟﺘﻲ أﻓﺮزت هﺬﻩ اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻤﺎدﻳﺔ و روﺟﺘﻬﺎ‪.‬‬

‫أﻟﻢ ﻳﺴﺄل داوود رﺑﻪ‪ :‬ﻳﺎرب آﻴﻒ أﺻﻞ إﻟﻴﻚ‪ .‬ﻓﻘﺎل ﻟﻪ رﺑﻪ‪ ..‬اﺗﺮك ﻧﻔﺴﻚ و ﺗﻌﺎل‪ ..‬أن ﻳﺘﺮك‬
‫هﺬﻩ اﻟﻨﻔﺲ ﻷﻧﻬﺎ اﻟﻌﻘﺒﺔ‪ )) ..‬ﻓﻼ اﻗﺘﺤﻢ اﻟﻌﻘﺒﺔ‪ .‬و ﻣﺎ أدراك ﻣﺎ اﻟﻌﻘﺒﺔ‪ .‬ﻓﻚ رﻗﺒﺔ(( )‪13 – 11‬‬
‫اﻟﺒﻠﺪ(‬

‫ﻻ اﻧﻔﻜﺎك ﻣﻦ هﺬﻩ اﻟﻌﻘﺒﺔ إﻻ ﺑﺎﻻﻧﻔﻜﺎك ﻣﻦ ﻃﻤﻌﻚ‪ ..‬ﻓﺘﻔﻚ اﻟﺮﻗﺒﺔ و ﺗﻄﻌﻢ اﻟﻤﺴﻜﻴﻦ و ﺗﺆﺛﺮ‬
‫ﻏﻴﺮك ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻚ‪ .‬و ﻟﺬﻟﻚ ﻟﻢ ﻳﻄﻠﺐ اﻹﺳﻼم ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻠﻢ ﻧﺒﺬ اﻟﺪﻧﻴﺎ و إﻧﻤﺎ ﻃﻠﺐ ﻣﻨﻪ ﻗﻤﻊ‬
‫اﻟﻨﻔﺲ و آﺒﺤﻬﺎ و ﺷﻜﻤﻬﺎ‪ ..‬ﻷن اﻟﻨﻔﺲ هﻲ اﻷﺻﻞ‪ ..‬و اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻣﺠﺮد أداة ﻟﺘﻠﻚ اﻟﻨﻔﺲ ﻟﺘﺨﺘﺎل‬
‫و ﺗﺰهﻮ و ﺗﺘﻠﺬذ و ﺗﺴﺘﻤﺘﻊ‪.‬‬

‫إن اﻟﻨﻔﺲ هﻲ اﻟﻤﻮﺿﻮع و هﻲ ﻣﻴﺪان اﻟﻤﻌﺮآﺔ و ﻣﺤﻞ اﻻﺑﺘﻼء‪ ،‬و اﻟﺪﻧﻴﺎ ورﻗﺔ اﻣﺘﺤﺎﻧﻬﺎ‪،‬‬
‫و ﻣﻄﻠﻮب اﻟﺪﻳﻦ هﻮ اﻹرﺗﻘﺎء ﺑﻬﺬﻩ اﻟﻨﻔﺲ و اﻻرﺗﻔﺎع ﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﺷﻬﻮات اﻟﺒﻄﻦ و اﻟﻔﺮج و ﻣﻦ‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪248‬‬
‫ﺷﻬﻮات اﻟﺠﻤﻊ و اﻻآﺘﻨﺎز‪ ،‬و ﻣﻦ ﺣﻤﻰ اﻻﺳﺘﻌﺮاض و اﻟﻜﺒﺮ و اﻟﺘﻔﺎﺧﺮ ﻟﻴﻜﻮن ﻟﻬﺎ ﻣﻌﺸﻮق‬
‫أرﻗﻰ هﻮ اﻟﻘﻴﻢ و اﻟﻜﻤﺎﻻت‪ ،‬و ﻣﻌﺒﻮد واﺣﺪ هﻮ ﺟﺎﻣﻊ هﺬﻩ اﻟﻜﻤﺎﻻت آﻠﻬﺎ‪..‬‬
‫و إﻧﻤﺎ ﺗﺪور اﻟﻤﻌﺮآﺔ ﻓﻲ داﺧﻞ اﻟﻨﻔﺲ و ﻓﻲ ﺷﺎرع اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺣﻴﺚ ﻳﺘﻔﺎﺿﻞ اﻟﻨﺎس ﺑﻤﻮاﻗﻔﻬﻢ ﻣﻦ‬
‫اﻟﻐﻮاﻳﺎت و اﻟﻤﻐﺮﻳﺎت و ﻣﺎ ﺗﻌﺮض ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺷﻴﺎﻃﻴﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﺧﻮاﻃﺮ اﻟﺴﻮء و ﻣﻦ ﻓﺮص اﻟﻠﺬة‬
‫آﻞ ﻟﺤﻈﺔ‪.‬‬

‫و ﻟﻢ ﻳﻄﻠﺐ اﻹﺳﻼم ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻠﻢ أن ﻳﻨﺒﺬ اﻟﺪﻧﻴﺎ‪ ،‬ﺑﻞ ﻃﻠﺐ ﻣﻨﻪ أن ﻳﺨﻮﺿﻬﺎ ﻣﺴﻠﺤﺎ ﺑﻬﺬﻩ‬
‫اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺪﻧﻴﺎ هﻲ ﻣﺰرﻋﺘﻪ و هﻲ ﻣﺠﻠﻰ أﻓﻌﺎﻟﻪ و ﺻﺤﻴﻔﺔ أﻋﻤﺎﻟﻪ‪.‬‬

‫و ﻗﺪم ﻟﻪ ﻓﻠﺴﻔﺔ أﺧﺮى ﻓﻲ ﻣﻮاﺟﻬﺔ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ اﻟﻤﺎدﻳﺔ‪ ..‬ﻗﺪم ﻟﻪ ﻓﻠﺴﻔﺔ اﺳﺘﻤﺮار و ﺑﻘﺎء ﻓﻬﻮ ﻟﻦ‬
‫ﻳﻤﻮت و ﻳﻤﻀﻲ إﻟﻰ ﻋﺪم‪ ..‬ﺑﻞ إﻟﻰ ﺣﻴﺎة أﺧﺮى ﺳﻮف ﺗﺘﻌﺪد ﻓﺼﻮﻻ و ﺗﻤﻀﻲ ﺑﻪ آﺪﺣﺎ و‬
‫ﺟﻬﺎدا ﺣﺘﻰ ﻳﻠﻘﻰ رﺑﻪ‪ )) :‬ﻳﺎ أﻳﻬﺎ اﻹﻧﺴﺎن إﻧﻚ آﺎدح إﻟﻰ رﺑﻚ آﺪﺣﺎ ﻓﻤﻼﻗﻴﻪ(( )‪– 6‬‬
‫اﻻﻧﺸﻘﺎق(‬

‫اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻤﺎدﻳﺔ ﻟﻢ ﺗﻘﺪم ﻟﻺﻧﺴﺎن إﻻ اﻟﻤﻮت و ﺣﻴﺎة ﺗﻤﻀﻲ ﺳﺪا و ﺗﻨﺘﻬﻲ ﻋﺒﺜﺎ‪ ..‬أﻣﺎ‬
‫اﻹﺳﻼم ﻓﻘﺪم ﻟﻺﻧﺴﺎن اﻟﺨﻠﻮد و ﺣﻴﺎة ﺗﻤﻀﻲ ﻟﺤﻜﻤﺔ و ﺗﻨﺘﻘﻞ ﻣﻦ ﻃﻮر إﻟﻰ ﻃﻮر وﻓﻘﺎ‬
‫ﻟﻨﻮاﻣﻴﺲ ﺛﺎﺑﺘﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﺪل اﻹﻟﻬﻲ‪ ،‬ﺣﻴﺚ ﻻ ﻳﺬهﺐ أي ﻋﻤﻞ ﺳﺪى و ﻟﻮ آﺎن ﻣﺜﻘﺎل ذرة ﻣﻦ‬
‫ﺧﻴﺮ أو ﺷﺮ‪ ..‬ﻓﻤﻦ ﻳﻌﻤﻞ ﻣﺜﻘﺎل ذرة ﺧﻴﺮا ﻳﺮﻩ و ﻣﻦ ﻳﻌﻤﻞ ﻣﺜﻘﺎل ذرة ﺷﺮا ﻳﺮﻩ‪.‬‬

‫و اﻟﻴﻮم ﺗﺼﻞ اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻤﺎدﻳﺔ إﻟﻰ ذروة ﻣﻦ اﻟﻘﻮة و اﻟﻌﻠﻢ و ﺗﻜﺘﻤﻞ ﻟﻬﺎ أدوات اﻟﻔﻌﻞ و‬
‫اﻟﺘﺄﺛﻴﺮ ﻣﻦ إذاﻋﺔ و ﺗﻠﻴﻔﺰﻳﻮن و ﺳﻴﻨﻤﺎ و ﻣﺴﺮح و آﺘﺐ و ﻣﺠﻼت‪ ،‬و هﻲ ﺳﻮاء آﺎﻧﺖ‬
‫أﻣﺮﻳﻜﻴﺔ أو ﺳﻮﻓﻴﻴﺘﻴﺔ‪ ،‬ﻓﻬﻲ ﻻ ﺗﻔﺘﺄ ﺗﻐﺘﺎل اﻟﻌﻘﻞ و اﻟﺮوح و ﺗﺘﺤﺎﻟﻒ ﻋﻠﻰ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﺨﻴﻠﻬﺎ و‬
‫رﺟﻠﻬﺎ‪ ،‬و ﻟﻜﻨﻬﺎ ﺑﺮﻏﻢ آﻞ ﺷﻲء ﺿﻌﻴﻔﺔ ﻣﺘﻬﺎﻓﺘﺔ واهﻴﺔ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﻐﺘﺎل ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺿﻤﻦ ﻣﺎ ﺗﻐﺘﺎل و‬
‫ﺗﺄآﻞ آﻴﺎﻧﻬﺎ‪ ،‬وﺳﻮف ﺗﻘﺘﺘﻞ ﻣﻊ ﺑﻌﻀﻬﺎ اﻟﺒﻌﺾ و ﺗﺘﺤﺎرب ﺑﺎﻟﻤﺨﻠﺐ و اﻟﻨﺎب و ﺑﺎﻟﻘﻨﺎﺑﻞ‬
‫اﻟﺬرﻳﺔ و اﻟﻘﺬاﺋﻒ اﻟﻨﻮوﻳﺔ ﻓﺎﻟﻄﻤﻊ و اﻟﺠﺸﻊ ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ و ﻣﻮﺗﻬﺎ‪.‬‬

‫و ﻋﻠﻰ رﻗﻌﺔ ﺻﻐﻴﺮة ﻣﻦ اﻷرض ﻳﻘﻒ اﻹﺳﻼم آﻤﻨﺎرة ﻓﻲ ﺑﺤﺮ ﻟﺠﻲ ﻣﻈﻠﻢ ﻣﺘﻼﻃﻢ اﻟﻤﻮج‬
‫ﻳﻌﺞ ﺑﺎﻟﺒﻮارج و اﻟﻐﻮاﺻﺎت و ﺣﺎﻣﻼت اﻟﺼﻮارﻳﺦ و ﺣﺎﻣﻼت اﻟﺮءوس اﻟﻨﻮوﻳﺔ‪.‬‬

‫و ﻣﺎ أآﺜﺮ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻣﻤﻦ هﻢ ﻓﻲ اﻟﺒﻄﺎﻗﺔ ﻣﺴﻠﻤﻮن‪ ،‬و ﻟﻜﻨﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻣﺎدﻳﻮن اﻏﺘﺎﻟﺘﻬﻢ‬
‫اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻤﺎدﻳﺔ ﺑﺄﻓﻜﺎرهﺎ و ﺳﻜﻨﺘﻬﻢ ﺣﺘﻰ اﻷﺣﺸﺎء و اﻟﻨﺨﺎع‪ ،‬ﻓﻬﻢ ﻳﻘﺘﻞ ﺑﻌﻀﻬﻢ اﻟﺒﻌﺾ و‬
‫ﻳﻌﻴﺸﻮن ﻟﻠﻴﻮم و اﻟﻠﺤﻈﺔ و ﻳﺠﻤﻌﻮن و ﻳﻜﻨﺰون و ﻳﺘﻔﺎﺧﺮون و ﻻ ﻳﺮون ﻣﻦ اﻟﻐﺪ أﺑﻌﺪ ﻣﻦ‬
‫ﻟﺬة ﺳﺎﻋﺔ‪ ،‬و ﻳﺘﻜﻠﻤﻮن ﺑﻠﻐﺔ ﺳﻮﻓﻴﻴﺘﻴﺔ أو ﻟﻐﺔ أﻣﺮﻳﻜﻴﺔ و ﻻ ﻳﻌﺮﻓﻮن ﻟﻬﻢ هﻮﻳﺔ‪..‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪249‬‬
 ‫و ﻗﺪ ﻧﺠﺪ ﻣﻦ ﻳﺼﻠﻲ ﻣﻨﻬﻢ إﻟﻰ اﻟﻘﺒﻠﺔ ﺧﻤﺲ ﻣﺮات ﻓﻲ اﻟﻴﻮم و ﻟﻜﻦ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻗﺒﻠﺘﻪ هﻲ ﻓﺎﺗﺮﻳﻨﺔ‬
‫اﻟﺒﻀﺎﺋﻊ اﻻﺳﺘﻬﻼآﻴﺔ‪.‬‬

‫و ﻻ ﻳﺒﻘﻰ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ إﻻ ﻗﻠﻴﻞ أو أﻗﻞ اﻟﻘﻠﻴﻞ ﻣﻤﻦ ﻋﺮف رﺑﻪ‪.‬‬

‫و ﻟﻮ ﺑﻘﻲ ﻣﺆﻣﻦ واﺣﺪ ﻣﺮاﺑﻂ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻖ ﻓﻲ اﻷرﺑﻌﺔ ﺁﻻف ﻣﻠﻴﻮن ﻓﻬﻮ وﺣﺪﻩ أﻣﺔ ﺗﺮﺟﺤﻬﻢ‬
‫ﺟﻤﻴﻌﺎ ﻋﻨﺪ اﷲ ﻳﻮم ﺗﻨﻜﺸﻒ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ و ﻳﻨﻬﺪم ﻣﺴﺮح اﻟﻌﺮاﺋﺲ و ﻳﺘﻤﺰق دﻳﻜﻮر اﻟﺨﻴﺶ و‬
‫اﻟﺨﺮق اﻟﻤﻠﻮﻧﺔ‪ ،‬و ﺗﻨﻬﺎر ﻋﻠﺐ اﻟﻜﺮﺗﻮن اﻟﺘﻲ ﻇﻨﻨﺎهﺎ ﻧﺎﻃﺤﺎت ﺳﺤﺎب و ﺗﻨﺘﻬﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ‪.‬‬

‫و ﺣﻴﻨﺌﺬ و ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻬﺘﻚ اﻷﺳﺘﺎر و ﺗﻘﺎم اﻟﻤﻮازﻳﻦ‪ ،‬ﺳﻮف ﻧﻌﺮف ﻣﺎ اﻟﺪﻧﻴﺎ و ﻣﺎذا ﺗﺴﺎوي‪ ..‬و‬
‫ﻣﺎذا ﻳﺴﺎوي آﻞ اﻟﺰﻣﻦ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻧﻀﻊ أﻗﺪاﻣﻨﺎ ﻓﻲ اﻷﺑﺪ‪.‬‬

‫و ﺣﻴﻨﺌﺬ ﺳﻮف ﻧﺘﺬآﺮ اﻟﺪﻧﻴﺎ آﻤﺎ ﻧﺘﺬآﺮ رﺳﻤﺎ آﺮوآﻴﺎ‪ ،‬أو ﻣﺴﺮح ﺧﻴﺎل اﻟﻈﻞ‪ ،‬أو ﻧﻤﻮذج‬
‫ﻣﺜﺎل ﻣﺼﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﺼﻠﺼﺎل ﻟﺘﻘﺮﻳﺐ ﻣﻌﻨﻰ ﺑﻌﻴﺪ ﺑﻌﻴﺪ و ﻣﺠﺮد‪..‬‬

‫و ﺳﻮف ﻧﻌﻠﻢ أﻧﻬﺎ ﻣﺎ آﺎﻧﺖ ﺳﻮى اﻟﻨﻘﻄﺔ اﻟﺘﻲ ﻓﻴﻬﺎ آﻞ أﻣﻼح اﻟﺒﺤﺮ اﻟﻤﺤﻴﻂ‪ ،‬و ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻟﻢ‬
‫ﺗﻜﻦ أﺑﺪا اﻟﺒﺤﺮ اﻟﻤﺤﻴﻂ‪.‬‬

‫)ﺑﺘﺼﺮف(‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪250‬‬
 ‫))ﻋﻠﻢ ﻧﻔﺲ ﻗﺮﺁﻧﻲ((‬

‫ﺳﻴﺪاﺗﻲ وﺳﺎدﺗﻲ‪ ..‬هﻞ ﺗﻌﻠﻤﻮن ﻣﺎ ﻣﻌﻨﻰ أن اﷲ ﻣﻮﺟﻮد؟‬

‫ﻣﻌﻨﺎﻩ أن اﻟﻌﺪل ﻣﻮﺟﻮد و اﻟﺮﺣﻤﺔ ﻣﻮﺟﻮدة و اﻟﻤﻐﻔﺮة ﻣﻮﺟﻮدة‪.‬‬

‫ﻣﻌﻨﺎﻩ أن ﻳﻄﻤﺌﻦ اﻟﻘﻠﺐ و ﺗﺮﺗﺎح اﻟﻨﻔﺲ و ﻳﺴﻜﻦ اﻟﻔﺆاد و ﻳﺰول اﻟﻘﻠﻖ ﻓﺎﻟﺤﻖ ﻻﺑﺪ واﺻﻞ‬
‫ﻷﺻﺤﺎﺑﻪ‪.‬‬

‫ﻣﻌﻨﺎﻩ ﻟﻦ ﺗﺬهﺐ اﻟﺪﻣﻮع ﺳﺪى و ﻟﻦ ﻳﻤﻀﻲ اﻟﺼﺒﺮ ﺑﻼ ﺛﻤﺮة و ﻟﻦ ﻳﻜﻮن اﻟﺨﻴﺮ ﺑﻼ ﻣﻘﺎﺑﻞ و‬
‫ﻟﻦ ﻳﻤﺮ اﻟﺸﺮ ﺑﻼ رادع و ﻟﻦ ﺗﻔﻠﺖ اﻟﺠﺮﻳﻤﺔ ﺑﻼ ﻗﺼﺎص‪.‬‬

‫ﻣﻌﻨﺎﻩ أن اﻟﻜﺮم هﻮ اﻟﺬي ﻳﺤﻜﻢ اﻟﻮﺟﻮد و ﻟﻴﺲ اﻟﺒﺨﻞ‪..‬و ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﻃﺒﻊ اﻟﻜﺮﻳﻢ أن ﻳﺴﻠﺐ ﻣﺎ‬
‫ﻳﻌﻄﻴﻪ‪ ..‬ﻓﺈذا آﺎن اﷲ ﻣﻨﺤﻨﺎ اﻟﺤﻴﺎة‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﺴﻠﺒﻬﺎ ﺑﺎﻟﻤﻮت‪ ..‬ﻓﻼ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻜﻮن‬
‫اﻟﻤﻮت ﺳﻠﺒﺎ ﻟﻠﺤﻴﺎة‪ ..‬و إﻧﻤﺎ هﻮ اﻧﺘﻘﺎل ﺑﻬﺎ إﻟﻰ ﺣﻴﺎة أﺧﺮى ﺑﻌﺪ اﻟﻤﻮت ﺛﻢ ﺣﻴﺎة أﺧﺮى ﺑﻌﺪ‬
‫اﻟﺒﻌﺚ ﺛﻢ ﻋﺮوج ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎوات إﻟﻰ ﻣﺎ ﻻ ﻧﻬﺎﻳﺔ‪.‬‬

‫ﻣﻌﻨﺎﻩ أﻧﻪ ﻻ ﻋﺒﺚ ﻓﻲ اﻟﻮﺟﻮد و إﻧﻤﺎ ﺣﻜﻤﺔ ﻓﻲ آﻞ ﺷﻲء‪ ..‬و ﺣﻜﻤﺔ ﻣﻦ وراء آﻞ ﺷﻲء‪ ..‬و‬
‫ﺣﻜﻤﺔ ﻓﻲ ﺧﻠﻖ آﻞ ﺷﻲء‪ ..‬ﻓﻲ اﻷﻟﻢ ﺣﻜﻤﺔ و ﻓﻲ اﻟﻤﺮض اﻟﺤﻜﻤﺔ و ﻓﻲ اﻟﻌﺬاب ﺣﻜﻤﺔ و‬
‫ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺎﻧﺎة ﺣﻜﻤﺔ و ﻓﻲ اﻟﻘﺒﺢ ﺣﻜﻤﺔ و ﻓﻲ اﻟﻔﺸﻞ ﺣﻜﻤﺔ و ﻓﻲ اﻟﻌﺠﺰ ﺣﻜﻤﺔ و ﻓﻲ اﻟﻘﺪرة‬
‫ﺣﻜﻤﺔ‪.‬‬

‫ﻣﻌﻨﺎﻩ أﻻ ﻳﻜﻒ اﻹﻋﺠﺎب و أﻻ ﺗﻤﻮت اﻟﺪهﺸﺔ و أﻻ ﻳﻔﺘﺮ اﻻﻧﺒﻬﺎر و أﻻ ﻳﺘﻮﻗﻒ اﻹﺟﻼل‪.‬‬

‫ﻓﻨﺤﻦ أﻣﺎم ﻟﻮﺣﺔ ﻣﺘﺠﺪدة ﻷﻋﻈﻢ اﻟﻤﺒﺪﻋﻴﻦ‪.‬‬

‫ﻣﻌﻨﺎﻩ أن ﺗﺴﺒﺢ اﻟﻌﻴﻦ و ﺗﻜﺒﺮ اﻷذن و ﻳﺤﻤﺪ اﻟﻠﺴﺎن و ﻳﺘﻴﻪ اﻟﻮﺟﺪان و ﻳﺒﻬﺖ اﻟﺠﻨﺎن‪.‬‬

‫ﻣﻌﻨﺎﻩ أن ﻳﺘﺪﻓﻖ اﻟﻘﻠﺐ ﺑﺎﻟﻤﺸﺎﻋﺮ و ﺗﺤﺘﻔﻞ اﻷﺣﺎﺳﻴﺲ ﺑﻜﻞ ﻟﺤﻈﺔ و ﺗﺰف اﻟﺮوح آﻞ ﻳﻮم‬
‫ﺟﺪﻳﺪ آﺄﻧﻪ ﻋﺮس ﺟﺪﻳﺪ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪251‬‬
 ‫ﻣﻌﻨﺎﻩ أﻻ ﻧﻌﺮف اﻟﻴﺄس و ﻻ ﻧﺬوق اﻟﻘﻨﻮط‪.‬‬

‫ﻣﻌﻨﺎﻩ أن ﺗﺬوب هﻤﻮﻣﻨﺎ ﻓﻲ آﻨﻒ رﺣﻤﺔ اﻟﺮﺣﻴﻢ و ﻣﻐﻔﺮة اﻟﻐﻔﺎر‪..‬‬

‫أﻻ ﻳﻘﻮل ﻟﻨﺎ رﺑﻨﺎ )) إن ﻣﻊ اﻟﻌﺴﺮ ﻳﺴﺮا((‪ ..‬و أن اﻟﻀﻴﻖ ﻳﺄﺗﻲ و ﻓﻲ ﻃﻴﺎﺗﻪ اﻟﻔﺮج ﻓﺄي‬
‫ﺑﺸﺮى أﺑﻌﺚ ﻟﻼﻃﻤﺌﻨﺎن ﻣﻦ هﺬﻩ اﻟﺒﺸﺮى‪.‬‬

‫و ﻷن اﷲ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ واﺣﺪ‪ ..‬ﻓﻠﻦ ﻳﻮﺟﺪ ﻓﻲ اﻟﻮﺟﻮد إﻟﻪ ﺁﺧﺮ ﻳﻨﻘﺾ وﻋﺪﻩ و ﻟﻦ ﻧﻨﻘﺴﻢ ﻋﻠﻰ‬
‫أﻧﻔﺴﻨﺎ و ﻟﻦ ﺗﺘﻮزﻋﻨﺎ اﻟﺠﻬﺎت و ﻟﻦ ﻧﺘﺸﺘﺖ ﺑﻴﻦ وﻻء ﻟﻠﻴﻤﻴﻦ و وﻻء ﻟﻠﻴﺴﺎر و ﺗﺰﻟﻒ ﻟﻠﺸﺮق‬
‫و ﺗﺰﻟﻒ ﻟﻠﻐﺮب و ﺗﻮﺳﻞ ﻟﻸﻏﻨﻴﺎء و ارﺗﻤﺎء ﻋﻠﻰ أﻋﺘﺎب اﻷﻗﻮﻳﺎء‪ ..‬ﻓﻜﻞ اﻟﻘﻮة ﻋﻨﺪﻩ و آﻞ‬
‫اﻟﻐﻨﻰ ﻋﻨﺪﻩ و آﻞ اﻟﻌﻠﻢ ﻋﻨﺪﻩ و آﻞ ﻣﺎ ﻧﻄﻤﺢ إﻟﻴﻪ ﻳﻦ ﻳﺪﻳﻪ‪ ..‬و اﻟﻬﺮب ﻟﻴﺲ ﻣﻨﻪ ﺑﻞ إﻟﻴﻪ‪..‬‬
‫ﻓﻬﻮ اﻟﻮﻃﻦ و اﻟﺤﻤﻰ و اﻟﻤﻠﺠﺄ و اﻟﻤﺴﺘﻨﺪ و اﻟﺮﺻﻴﺪ و اﻟﺒﺎب و اﻟﺮﺣﺎب‪.‬‬

‫و ذﻟﻚ اﻹﺣﺴﺎس ﻣﻌﻨﺎﻩ اﻟﺴﻜﻦ و اﻟﻄﻤﺄﻧﻴﻨﺔ و راﺣﺔ اﻟﺒﺎل و اﻟﺘﻔﺎؤل و اﻟﻬﻤﺔ و اﻹﻗﺒﺎل و‬
‫اﻟﻨﺸﺎط و اﻟﻌﻤﻞ ﺑﻼ ﻣﻠﻞ و ﺑﻼ ﻓﺘﻮر و ﺑﻼ آﺴﻞ و ﺗﻠﻚ ﺛﻤﺮة ))ﻻ إﻟﻪ إﻻ اﷲ(( ﻓﻲ ﻧﻔﺲ‬
‫ﻗﺎﺋﻠﻬﺎ اﻟﺬي ﻳﺸﻌﺮ ﺑﻬﺎ و ﻳﺘﻤﺜﻠﻬﺎ‪ ،‬و ﻳﺆﻣﻦ ﺑﻬﺎ و ﻳﻌﻴﺸﻬﺎ و ﺗﻠﻚ هﻲ أﺧﻼق اﻟﻤﺆﻣﻦ ﺑﻼ إﻟﻪ‬
‫إﻻ اﷲ‪.‬‬

‫و ﺗﻠﻚ هﻲ اﻟﺼﻴﺪﻟﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺪاوي آﻞ أﻣﺮاض اﻟﻨﻔﻮس و ﺗﺸﻔﻰ آﻞ ﻋﻠﻞ اﻟﻌﻘﻮل و ﺗﺒﺮئ آﻞ‬
‫أدواء اﻟﻘﻠﻮب‪.‬‬

‫و ﺗﻠﻚ هﻲ ﺻﻴﺤﺔ اﻟﺘﺤﺮﻳﺮ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻄﻢ أﻏﻼل اﻷﻳﺪي و اﻷرﺟﻞ و اﻷﻋﻨﺎق و هﻲ أﻳﻀﺎ‬
‫ﻣﻔﺘﺎح اﻟﻄﺎﻗﺔ اﻟﻤﻜﻨﻮزة ﻓﻲ داﺧﻠﻨﺎ و آﻠﻤﺔ اﻟﺴﺮ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺮك اﻟﺠﺒﺎل و ﺗﺸﻖ اﻟﺒﺤﻮر و ﺗﻐﻴﺮ‬
‫ﻣﺎ ﻻ ﻳﺘﻐﻴﺮ‪.‬‬

‫و ﻟﻢ ﻳﺨﻠﻖ إﻟﻰ اﻵن اﻟﻌﻘﺎر اﻟﺴﺤﺮي اﻟﺬي ﻳﺤﺪث ذرة واﺣﺪة ﻣﻦ هﺬا اﻷﺛﺮ ﻓﻲ اﻟﻨﻔﺲ‪.‬‬

‫و آﻞ ﻋﻘﺎﻗﻴﺮ اﻷﻋﺼﺎب ﺗﺪاوي ﺷﻴﺌﺎ و ﺗﻔﺴﺪ ﻣﻌﻪ أﻟﻒ ﺷﻲء ﺁﺧﺮ‪ ..‬و هﻲ ﺗﺪاوي ﺑﺎﻟﻮهﻢ و‬
‫ﺗﺮﻳﺢ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﺄن ﺗﻄﻔﺊ ﻣﺼﺎﺑﻴﺢ ﻋﻘﻠﻪ و ﺗﻨﻮﻣﻪ و ﺗﺨﺪرﻩ و ﺗﻠﻘﻰ ﺑﻪ إﻟﻰ ﻗﺎع اﻟﺒﺤﺮ ﻣﻮﺛﻮﻗﺎ‬
‫ﺑﺤﺠﺮ ﻣﻐﻤﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﺷﺒﻪ ﺟﺜﺔ‪.‬‬

‫أﻣﺎ آﻠﻤﺔ ﻻ إﻟﻪ إﻻ اﷲ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﻄﻠﻖ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻦ ﻋﻘﺎﻟﻪ و ﺗﺤﺮرﻩ ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻌﺒﻮدﻳﺎت اﻟﺒﺎﻃﻠﺔ‬
‫و ﺗﺒﺸﺮﻩ ﺑﺎﻟﻤﻐﻔﺮة و ﺗﻨﺠﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﺨﻮف و ﺗﺤﻔﻈﻪ ﻣﻦ اﻟﻮﺳﻮاس و ﺗﺆﻳﺪﻩ ﺑﺎﻟﻤﻸ اﻷﻋﻠﻰ و‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪252‬‬
 ‫ﺗﺠﻌﻠﻪ أﻃﻮل ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎء هﺎﻣﺔ و أرﺳﺦ ﻣﻦ اﻷرض ﺛﺒﺎﺗﺎ‪ ..‬ﻓﻤﻦ اﺳﺘﻮدع هﻤﻪ و ﻏﻤﻪ ﻋﻨﺪ‬
‫اﷲ ﺑﺎت ﻋﻠﻰ ﺛﻘﺔ و ﻧﺎم ﻣﻞء ﺟﻔﻨﻴﻪ‪.‬‬

‫وﻷن اﷲ هﻮ ﺧﺎﻟﻖ اﻟﻜﻮن و ﻣﻘﺪر اﻷﻗﺪار و ﻣﺤﺮك اﻟﻤﺼﺎﺋﺮ‪ ..‬ﻓﻠﻴﺲ ﻓﻲ اﻹﻣﻜﺎن أﺑﺪع ﻣﻤﺎ‬
‫آﺎن‪ ..‬ﻷﻧﻪ اﻟﻤﺒﺪع ﺑﻼ ﺷﺒﻴﻪ‪ ..‬ﻻ ﻳﻔﻮﻗﻪ ﻓﻲ ﺻﻨﻌﺘﻪ أﺣﺪ‪ ..‬ﻓﻠﻦ ﺗﻌﻮد اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻣﺴﺮﺣﺎ دﻣﻮﻳﺎ‬
‫ﻟﻠﺸﺮور و إﻧﻤﺎ درﺳﺎ رﻓﻴﻌﺎ ﻣﻦ دروس اﻟﺤﻜﻤﺔ‪.‬‬

‫و ﻷن اﷲ ﻣﻮﺟﻮد ﻓﺈﻧﻚ ﻟﺴﺖ وﺣﺪك‪ ..‬و إﻧﻤﺎ ﺗﺤﻒ ﺑﻚ اﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﺣﻴﺚ ﺳﺮت و ﺗﺤﺮﺳﻚ‬
‫اﻟﻤﺸﻴﺌﺔ ﺣﻴﺚ ﺣﻠﻠﺖ‪.‬‬

‫و ذﻟﻚ ﻣﻌﻨﺎﻩ ﺷﻌﻮر ﻣﺴﺘﻤﺮ ﺑﺎﻹﺋﺘﻨﺎس و اﻟﺼﺤﺒﺔ و اﻷﻣﺎن‪ ..‬ﻻ هﺠﺮ‪ ..‬و ﻻ ﻏﺪر‪ ..‬و ﻻ‬
‫ﺿﻴﺎع‪ ..‬و ﻻ وﺣﺪة‪ ..‬و ﻻ وﺣﺸﺔ و ﻻ اآﺘﺌﺎب‪ .‬و ذﻟﻚ ﺣﺎل أهﻞ ﻻ إﻟﻪ إﻻ اﷲ‪.‬‬

‫ﻳﺬوﻗﻮن ﺷﻤﻴﻢ اﻟﺠﻨﺔ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻗﺒﻞ أن ﻳﺪﺧﻠﻮهﺎ ﻓﻲ اﻵﺧﺮة و هﻢ اﻟﻤﻠﻮك ﺑﻼ ﻋﺮوش و ﺑﻼ‬
‫ﺻﻮﻟﺠﺎن‪ ..‬و هﻢ اﻟﺮاﺳﺨﻮن اﻟﻤﻄﻤﺌﻨﻮن اﻟﺜﺎﺑﺘﻮن ﻻ ﺗﺰﻟﺰهﻢ اﻟﺰﻻزل و ﻻ ﺗﺤﺮآﻬﻢ‬
‫اﻟﻨﻮازل‪.‬‬

‫ﺗﻠﻚ هﻲ اﻟﺼﻴﺪﻟﻴﺔ اﻹﻟﻬﻴﺔ ﻟﻜﻞ ﻣﻦ داهﻤﻪ اﻟﻘﻠﻖ‪ ..‬ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻼﺟﻪ اﻟﻮﺣﻴﺪ‪ ..‬و ﻓﻴﻬﺎ اﻹآﺴﻴﺮ و‬
‫اﻟﺘﺮﻳﺎق و ﻣﺎء اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺬي ﻻ ﻳﻈﻤﺄ ﺑﻌﺪﻩ ﺷﺎرﺑﻪ‪ ..‬و ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺮﺻﻴﺪ اﻟﺬهﺒﻲ و اﻟﻤﺴﺘﻨﺪ ﻟﻜﻞ ﻣﺎ‬
‫ﻧﺘﺒﺎدل ﻋﻠﻰ اﻷرض ﻣﻦ ﻋﻤﻼت ورﻗﻴﺔ زاﺋﻠﺔ ﻣﺘﺒﺪﻟﺔ‪ ..‬و ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺒﻮﺻﻠﺔ و اﻟﻤﺆﺷﺮ و اﻟﺪﻟﻴﻞ‪.‬‬

‫و ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺪواء ﻟﻜﻞ داء‪.‬‬

‫اﻟﺘﺮآﻴﺒﺔ اﻟﻨﻔﺴﻴﺔ اﻹﻳﻤﺎﻧﻴﺔ‬

‫و اﻟﻤﺆﻣﻨﻮن أهﻞ ﺣﻠﻢ و ﺻﺒﺮ و ﺗﻮاﺿﻊ و ﺗﺴﺎﻣﺢ و ﺣﻴﺎء‪.‬‬

‫))ﻳﻤﺸﻮن ﻋﻠﻰ اﻷرض هﻮﻧﺎ و إذا ﺧﺎﻃﺒﻬﻢ اﻟﺠﺎهﻠﻮن ﻗﺎﻟﻮا ﺳﻼﻣﺎ(( )‪ 63‬اﻟﻔﺮﻗﺎن(‬

‫ﺗﻌﺮﻓﻬﻢ ﺑﻄﻮل اﻟﺼﻤﺖ و ﺗﻮاﺻﻞ اﻟﻔﻜﺮ و ﺧﻔﺾ اﻟﺼﻮت و اﻟﺒﻌﺪ ﻋﻦ اﻟﻬﺮج و اﻟﺼﺨﺐ‬
‫و اﻟﺘﻼﻋﻦ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪253‬‬
 ‫و ﺗﻌﺮﻓﻬﻢ ﺑﺎﻟﺘﺄﻧﻲ و اﻻﺗﻘﺎن و اﻹﺣﺴﺎن ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻌﻬﺪ إﻟﻴﻬﻢ ﻣﻦ أﻋﻤﺎل‪ ،‬و ﺗﻌﺮﻓﻬﻢ ﺑﺎﻟﺪﻣﺎﺛﺔ و‬
‫ﻟﻴﻦ اﻟﻄﺒﻊ و اﻟﺼﺪق و اﻟﻮﻓﺎء و اﻻﻋﺘﺪال ﻓﻲ اﻷﺧﺬ ﻣﻦ آﻞ ﺷﻲء‪.‬‬

‫و إذا آﺎن ﻻﺑﺪ ﻣﻦ اﺧﺘﻴﺎر ﺻﻔﺔ واﺣﺪة ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻟﻄﺎﺑﻊ اﻟﻤﺆﻣﻦ ﻟﻘﻠﺖ هﻲ‪:‬‬

‫اﻟﺴﻜﻴﻨﺔ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺴﻜﻴﻨﺔ هﻲ اﻟﺼﻔﺔ اﻟﻤﻔﺮدة اﻟﺘﻲ ﺗﺪل ﻋﻠﻰ ان اﻻﻧﺴﺎن اﺳﺘﻄﺎع أن ﻳﺴﻮد ﻣﻤﻠﻜﺘﻪ‬
‫اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ و ﻳﺤﻜﻤﻬﺎ و ﻳﺴﻮﺳﻬﺎ‪.‬‬

‫و هﻲ اﻟﺼﻔﺔ اﻟﻤﻔﺮدة اﻟﺘﻲ ﺗﺪل ﻋﻠﻰ اﻧﺴﺠﺎم ﻋﻨﺎﺻﺮ اﻟﻨﻔﺲ و اﻟﺘﻮاﻓﻖ ﺑﻴﻦ ﻣﺘﻨﺎﻗﻀﺎﺗﻬﺎ و‬
‫اﻧﻘﻴﺎدهﺎ ﻓﻲ ﺧﻀﻮع و ﺳﻼﺳﺔ ﻟﺼﺎﺣﺒﻬﺎ و هﻲ أﻣﺮ ﻻ ﻳﻮهﺐ إﻻ ﻟﻤﺆﻣﻦ‪.‬‬

‫و أﻧﺖ ﺗﻘﺮأ هﺬﻩ اﻟﺴﻜﻴﻨﺔ ﻓﻲ هﺪوء ﺻﻔﺤﺔ اﻟﻮﺟﻪ‪ ..‬ﻟﻴﺲ هﺪوء اﻟﺴﻄﺢ ﺑﻞ هﺪوء اﻟﻌﻤﻖ‪..‬‬
‫هﺪوء اﻟﺒﺎﻃﻦ‪ ..‬و ﻟﻴﺲ هﺪوء اﻟﺨﻮاء و ﻻ ﺳﻜﻮن اﻟﺒﻼدة‪ ،‬و إﻧﻤﺎ هﺪوء اﻟﺘﺮآﻴﺰ و اﻟﺼﻔﺎء و‬
‫اﺟﺘﻤﺎع اﻟﻬﻤﺔ و وﺿﻮح اﻟﺮؤﻳﺔ‪ ..‬و آﺄﻧﻤﺎ اﻟﺬي ﺗﺮاﻩ أﻣﺎﻣﻚ ﻳﻀﻢ اﻟﺒﺤﺮ ﺑﻴﻦ ﺟﻨﺒﻴﻪ‪.‬‬

‫و اﻟﺒﺤﺮ ﺳﺎآﻦ و ﻟﻜﻨﻪ ﺟﻴﺎش ﻳﻄﺮح اﻵﻟﺊ و اﻷﺻﺪاف و اﻟﻤﺮاﺟﻴﻦ ﻣﻦ أﻋﻤﺎﻗﻪ ﻟﺤﻈﺔ ﺑﻌﺪ‬
‫ﻟﺤﻈﺔ‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﻏﻨﻲ اﻟﻐﻨﻰ اﻟﻼﻧﻬﺎﺋﻲ‪.‬‬

‫و هﺬﻩ ﺧﺎﺻﻴﺔ اﻟﻤﺆﻣﻦ‪ ..‬ذﻟﻚ اﻟﻬﺪوء اﻟﻤﺸﻊ اﻟﺜﺮي‪ ..‬ﻟﻤﺎذا‪..‬؟!‬

‫ﻷن ﻋﻼﻗﺔ اﻟﻤﺆﻣﻦ ﺑﻤﺎﺣﻮﻟﻪ ﻋﻼﻗﺔ ﻣﺘﻤﻴﺰة ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ‪ ..‬ﻋﻼﻗﺘﻪ ﺑﺎﻷﻣﺲ و اﻟﻐﺪ و ﻋﻼﻗﺘﻪ‬
‫ﺑﺎﻟﻤﻮت‪ ..‬و ﻋﻼﻗﺘﻪ ﺑﺎﻟﻨﺎس‪ ..‬و ﻋﻼﻗﺘﻪ ﺑﻌﻤﻠﻪ و ﻧﻈﺮﺗﻪ ﻟﻸﺧﻼق‪.‬‬

‫ﻓﺎﻷﺧﻼق ﺑﺎﻟﻤﻌﻨﻰ اﻟﻤﺎدي اﻟﻮاﻗﻌﻲ هﻲ أن ﺗﺸﺒﻊ رﻏﺒﺎﺗﻚ ﺑﻤﺎ ﻻ ﻳﺘﻌﺎرض ﻣﻊ ﺣﻖ اﻵﺧﺮﻳﻦ‬

‫ﻓﻲ إﺷﺒﺎع رﻏﺒﺎﺗﻬﻢ هﻢ أﻳﻀﺎ‪ ،‬ﻓﻬﻲ ﻣﻔﻬﻮم ﻣﺎدي اﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺑﺎﻟﺪرﺟﺔ اﻷوﻟﻰ و هﺪﻓﻬﺎ ﺣﺴﻦ‬
‫ﺗﻮزﻳﻊ اﻟﻠﺬات‪.‬‬

‫أﻣﺎ اﻷﺧﻼق ﺑﺎﻟﻤﻌﻨﻰ اﻟﺪﻳﻨﻲ – ﻓﻬﻲ ﺑﺎﻟﻌﻜﺲ – أن ﺗﻘﻤﻊ رﻏﺒﺎﺗﻚ و ﺗﺨﻀﻊ ﻧﻔﺴﻚ و ﺗﺨﺎﻟﻒ‬
‫هﻮاك و ﺗﺤﻜﻢ ﺷﻬﻮاﺗﻚ ﻟﺘﺘﺤﻘﻖ ﺑﺮﺗﺒﺘﻚ و ﻣﻨﺰﻟﺘﻚ اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ آﺨﻠﻴﻔﺔ ﻋﻦ اﷲ و وارث ﻟﻠﻜﻮن‬
‫اﻟﻤﺴﺨﺮ ﻣﻦ أﺟﻠﻚ‪ ..‬ﻓﺄﻧﺖ ﻻ ﺗﺴﺘﺤﻖ هﺬﻩ اﻟﺨﻼﻓﺔ و اﻟﺴﻴﺎدة ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟﻢ‪ ،‬إﻻ إذا اﺳﺘﻄﻌﺖ‬
‫أوﻻ أن ﺗﺴﻮد ﻧﻔﺴﻚ و ﺗﺤﻜﻢ ﻣﻤﻠﻜﺘﻚ اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ‪ ..‬و ﻣﻔﻬﻮم اﻷﺧﻼق هﻨﺎ ﻓﺮدي‪ ،‬و هﺪﻓﻪ ﺑﻠﻮغ‬
‫اﻟﻔﺮد درﺟﺔ آﻤﺎﻟﻪ و إن آﺎﻧﺖ هﻨﺎك ﺛﻤﺮة اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻳﺠﻨﻴﻬﺎ ذﻟﻚ اﻟﻔﺮد ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﺄﺗﻲ ﺑﺎﻟﺘﺒﻌﻴﺔ‪.‬‬

‫ﻓﺎﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﺬي ﻳﺘﺄﻟﻒ ﻣﻦ ﻣﺜﻞ هﺆﻻء اﻷﻓﺮاد ﻻﺑﺪ أن ﻳﺴﻮدﻩ اﻟﻮﺋﺎم و اﻟﺴﻼم و اﻟﻤﺤﺒﺔ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪254‬‬
‫و اﻷﺧﻼق ﺑﻬﺬا اﻟﻤﻌﻨﻰ هﻲ ﺧﺮوج ﻣﻦ ﻋﺒﻮدﻳﺔ اﻟﻨﻔﺲ إﻟﻰ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﻋﻠﻴﺎ‪ ..‬ﺧﺮوج ﻣﻦ اﻟﺮﻏﺒﺔ‬
‫ﻓﻲ ﺷﻲء ﻣﺎدي إﻟﻰ اﻟﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ ﺣﻀﺮة اﻹﻟﻪ‪ ..‬ﺧﺮوج ﻣﻦ اﻟﺠﺰء إﻟﻰ اﻟﻜﻞ‪ ..‬ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺒﻲ‬
‫إﻟﻰ اﻟﻤﻄﻠﻖ ﺣﻴﺚ ﻳﺠﺐ أن ﺗﻄﻠﻊ آﻞ اﻟﻌﻴﻮن‪ ..‬و هﺬا ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﺘﻢ إﻻ إذا ﺗﻢ ﺗﺼﺤﻴﺢ و‬
‫ﺗﻜﻤﻴﻞ ﺑﺼﺮ اﻟﻌﻴﻦ‪ ..‬ﻓﺄﺻﺒﺤﺖ ﺗﺮى آﻞ ﺷﻲء ﺑﺤﻘﻴﻘﺔ ﺣﺠﻤﻪ و ﻧﺴﺒﺘﻪ ﻻ ﺗﺤﺠﺒﻬﺎ ﻟﺬة دﻧﻴﻮﻳﺔ‬
‫ﻋﻦ رؤﻳﺔ اﻟﻜﻤﺎﻻت اﻹﻟﻬﻴﺔ‪.‬‬

‫و ﻟﻬﺬا ﺗﺒﺪأ اﻷﺧﻼق اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﺑﻤﺠﺎهﺪة اﻟﺸﻬﻮات ﺣﺘﻰ ﺗﺤﻜﻤﻬﺎ و ﺗﺨﻀﻌﻬﺎ و ﻻ ﺗﺒﺪأ ﺑﺎﻟﺘﺴﻠﻴﻢ‬
‫ﻟﻬﺎ و ﺑﺈﺷﺒﺎﻋﻬﺎ آﻤﺎ هﻮ ﺷﺎﺋﻊ‪ ،‬ﻓﻬﻲ ﻟﻴﺴﺖ دﻋﻮة إﻟﻰ ﺣﺴﻦ ﺗﻮزﻳﻊ اﻟﻠﺬات و إﻧﻤﺎ هﻲ دﻋﻮة‬
‫إﻟﻰ اﻟﺨﺮوج ﻣﻦ أﺳﺮ اﻟﻤﻠﺬات‪ ،‬و هﻜﺬا ﺗﺨﺘﻠﻒ اﻟﻨﻈﺮﺗﺎن ﺗﻤﺎﻣﺎ و ﺗﺆدي آﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ إﻟﻰ‬
‫اﻧﺴﺎن ﻣﺨﺘﻠﻒ‪.‬‬

‫ﻓﺎﻻﻧﺴﺎن اﻟﻤﺎدي ﻳﺴﺘﻬﺪف اﻟﻨﺰوة و اﻟﻠﺬة اﻟﻔﻮرﻳﺔ و اﻟﻤﻘﺎﺑﻞ اﻟﻤﺎدي اﻟﻌﺎﺟﻞ )) ﻷﻧﻪ ﻻ ﻳﻌﺘﻘﺪ‬
‫ﻓﻲ وﺟﻮد ﺷﻲء وراء اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺪﻧﻴﻮﻳﺔ ((‪ ،‬و هﻮ ﻟﻬﺬا ﻳﺠﺮي وراء)) اﻟﻠﺤﻈﺔ (( و ﻳﻠﻬﺚ‬
‫وراء )) اﻵن ((‪ ،‬و ﻟﻜﻦ اﻟﻠﺤﻈﺔ ﻣﺘﻔﻠﺘﺔ و ))اﻵن(( هﺎرب و اﻟﻔﻮت و اﻟﺤﺴﺮة ﺗﻼﺣﻘﺎﻧﻪ‬
‫ﻓﻲ أﻋﻘﺎب آﻞ ﺧﻄﻮة ﻳﺨﻄﻮهﺎ و هﻮ ﻣﺘﺮوك داﺋﻤﺎ و ﻓﻲ ﺣﻠﻘﻪ ﻏﺼﺔ و ﻓﻲ ﻟﺒﻪ ﺣﺴﺮة و‬
‫آﻠﻤﺎ أﺷﺒﻊ ﺷﻬﻮﺗﻪ ازدادت ﺟﻮﻋﺎ‪ .‬و هﻮ ﻳﺮاهﻦ آﻞ ﻳﻮم ﺑﻼ ﺿﻤﺎن و ﺑﻼ رﺻﻴﺪ ﻓﻬﻮ‬
‫ﻣﺤﻜﻮم ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺎﻟﻤﻮت ﻻ ﻳﻌﺮف ﻣﺘﻰ و آﻴﻒ و أﻳﻦ‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﻳﻌﻴﺶ ﻓﻲ ﻗﻠﻖ و ﺗﻮﺗﺮ ﻣﺸﺘﺖ‬
‫اﻟﻘﻠﺐ ﻣﺘﻮزع اﻟﻬﻤﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﺮﻏﺒﺎت ﻻ ﻳﻌﺮف ﻟﻠﺴﻜﻴﻨﺔ ﻃﻌﻤﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﺪهﻤﻪ اﻟﻤﻮت رﻏﻢ أﻧﻔﻪ‪.‬‬

‫أﻣﺎ اﻻﻧﺴﺎن اﻟﻤﺆﻣﻦ ﻓﻬﻮ ﺗﺮآﻴﺐ ﻧﻔﺴﻲ ﻣﺨﺘﻠﻒ و أﺧﻼﻗﻴﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ‪ ،‬ﻓﻬﻮ ﻳﺮى اﻟﻠﺬات‬
‫اﻟﺪﻧﻴﻮﻳﺔ زاﺋﻠﺔ‪ ،‬و أﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﺴﺎوي ﺷﻴﺌﺎ‪ ،‬و أﻧﻬﺎ ﻣﺠﺮد اﻣﺘﺤﺎن إﻟﻰ ﻣﻨﺎزل و درﺟﺎت‬
‫وراءهﺎ‪ ،‬و أن اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻣﺠﺮد ﻋﺒﻮر إﻟﻰ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻨﺎزل و اﻟﺪرﺟﺎت اﻟﺒﺎﻗﻴﺔ‪ ..‬و أن اﻟﺪﻧﻴﺎ‬
‫آﺎﻟﺨﻴﺎل و أن اﷲ هﻮ اﻟﻀﻤﺎن اﻟﻮﺣﻴﺪ ﻓﻲ رﺣﻠﺔ اﻟﻨﻴﺎ و اﻵﺧﺮة‪ ..‬و أﻧﻪ ﻻ ﺣﺎآﻢ و ﻻ ﻣﻘﺪر‬
‫ﺳﻮاﻩ‪ ..‬و ﻟﻮ اﺟﺘﻤﻊ اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻰ أن ﻳﻀﺮوك ﻟﻤﺎ اﺳﺘﻄﺎﻋﻮا أن ﻳﻀﺮوك إﻻ ﺑﺸﻲء آﺘﺒﻪ اﷲ‬
‫ﻋﻠﻴﻚ‪ ،‬و إن اﺟﺘﻤﻌﻮا ﻋﻠﻰ أن ﻳﻨﻔﻌﻮك ﺑﺸﻲء ﻟﻤﺎ اﺳﺘﻄﺎﻋﻮا أن ﻳﻨﻔﻌﻮك إﻻ ﺑﺸﻲء آﺘﺒﻪ اﷲ‬
‫ﻟﻚ‪.‬‬

‫و ﻟﻬﺬا ﻓﺈن اﻟﻤﺆﻣﻦ ﻻ ﻳﻔﺮح ﻟﻜﺴﺐ و ﻻ ﻳﻴﺄس ﻋﻠﻰ ﺧﺴﺮان‪ ،‬و إذا دهﻤﻪ ﻣﺎ ﻳﻜﺮﻩ ﻗﺎل ﻓﻲ‬
‫ﻧﻔﺴﻪ‪)) :‬و ﻋﺴﻰ أن ﺗﻜﺮهﻮا ﺷﻴﺌﺎ و هﻮ ﺧﻴﺮ ﻟﻜﻢ و ﻋﺴﻰ أن ﺗﺤﺒﻮا ﺷﻴﺌﺎ و هﻮ ﺷﺮ ﻟﻜﻢ و‬
‫اﷲ ﻳﻌﻠﻢ و أﻧﺘﻢ ﻻﺗﻌﻠﻤﻮن((‬

‫و اﷲ ﻋﻨﺪﻩ ﺣﻜﻴﻢ ﻋﺎدل رﺣﻴﻢ ﻻ ﻳﻘﻀﻲ ﺑﺎﻟﺸﺮ إﻻ ﺑﺴﺒﺐ و ﻟﺤﻜﻤﺔ أو ﻟﻔﺎﺋﺪة و اﺳﺘﺤﻘﺎق‬
‫ﻋﺎدل‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪255‬‬
‫و هﻮ ﻻ ﻳﺤﺴﺪ أﺣﺪا و ﻻ ﻳﻐﺒﻂ أﺣﺪا‪ ،‬ﺑﻞ هﻮ ﻣﺸﻔﻖ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎس ﻣﻤﺎ هﻢ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﻏﻔﻠﺔ‪ ،‬ﻳﻘﻮل‬
‫ﻟﻪ ﻗﻠﺒﻪ‪:‬‬

‫)) ﻻ ﻳﻐﺮﻧﻚ ﺗﻘﻠﺐ اﻟﺬﻳﻦ آﻔﺮوا ﻓﻲ اﻟﺒﻼد‪ ..‬ﻣﺘﺎع ﻗﻠﻴﻞ ﺛﻢ ﻣﺄواهﻢ ﺟﻬﻨﻢ و ﺑﺌﺲ اﻟﻤﻬﺎد(( )‬
‫‪ 197 -196‬ﺁل ﻋﻤﺮان(‬

‫)) أﻳﺤﺴﺒﻮن أﻧﻤﺎ ﻧﻤﺪهﻢ ﺑﻪ ﻣﻦ ﻣﺎل و ﺑﻨﻴﻦ‪ ..‬ﻧﺴﺎرع ﻟﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﺨﻴﺮات ﺑﻞ ﻻ ﻳﺸﻌﺮون(( )‬
‫‪ 56-55‬اﻟﻤﺆﻣﻨﻮن(‬

‫)) إﻧﻤﺎ ﻧﻤﻠﻲ ﻟﻬﻢ ﻟﻴﺰدادوا إﺛﻤﺎ(( )‪ -187‬ﺁل ﻋﻤﺮان(‬

‫)) ﻣﺎ أﺻﺎب ﻣﻦ ﻣﺼﻴﺒﺔ ﻓﻲ اﻷرض و ﻻ ﻓﻲ أﻧﻔﺴﻜﻢ إﻻ ﻓﻲ آﺘﺎب ﻣﻦ ﻗﺒﻞ أن ﻧﺒﺮأهﺎ إن‬

‫ذﻟﻚ ﻋﻠﻰ اﷲ ﻳﺴﻴﺮ‪ ..‬ﻟﻜﻴﻼ ﺗﺄﺳﻮا ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻓﺎﺗﻜﻢ و ﻻ ﺗﻔﺮﺣﻮا ﺑﻤﺎ ﺁﺗﺎآﻢ و اﷲ ﻻ ﻳﺤﺐ آﻞ‬
‫ﻣﺨﺘﺎل ﻓﺨﻮر(( )‪ 23-22‬اﻟﺤﺪﻳﺪ(‬

‫)) ﻗﻞ ﻟﻦ ﻳﺼﻴﺒﻨﺎ إﻻ ﻣﺎ آﺘﺐ اﷲ ﻟﻨﺎ((‬

‫و ﺛﻤﺮة ﺗﻠﻚ اﻵﻳﺎت ﻋﻨﺪ اﻟﻤﺆﻣﻦ هﻲ اﻟﺴﻜﻴﻨﺔ و اﻟﻬﺪوء اﻟﻨﻔﺴﻲ و اﻃﻤﺌﻨﺎن اﻟﺒﺎل و اﻟﺜﻘﺔ ﻓﻲ‬
‫ﺣﻜﻤﺔ اﷲ و ﻋﺪﻟﻪ و رﺣﻤﺘﻪ و ﺗﺼﺮﻳﻔﻪ‪.‬‬

‫و ﻣﺜﻞ هﺬا اﻟﻤﺆﻣﻦ آﻠﻤﺎ ﺗﺮك ﺷﻬﻮة ﻣﻦ ﺷﻬﻮاﺗﻪ‪ ،‬وﺟﺪ ﻋﻮﺿﺎ ﻟﻬﺎ ﺣﻼوة ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ‪ ،‬ﻣﻤﺎ ﻳﻠﻘﻰ‬
‫ﻣﻦ اﻟﺘﺤﺮر اﻟﺪاﺧﻠﻲ ﻣﻦ أﻏﻼل ﻧﻔﺴﻪ و ﻣﻤﺎ ﻳﺠﺪ ﻣﻦ اﻟﻨﻮر ﻓﻲ ﺑﺼﻴﺮﺗﻪ‪.‬‬

‫و هﻮ ﻳﺘﺮك اﻟﺴﻌﻲ إﻟﻰ اﻟﺤﻈﻮظ ﻟﻠﺴﻌﻲ إﻟﻰ اﻟﺤﻘﻮق و ﻳﺘﺮك اﻟﺪﻋﺎوى إﻟﻰ اﻷواﻣﺮ‪.‬‬

‫و ﻳﺘﺮك أهﻮاء اﻟﻨﻔﺲ إﻟﻰ وﺟﻪ اﻟﺤﻖ‪.‬‬

‫و ﻳﻜﻒ ﻋﻦ اﻟﺘﻠﻬﻒ و اﻟﺤﺮآﺔ وراء اﻷﻏﺮاض و اﻟﻤﻨﺎﺻﺐ و اﻟﺮﻳﺎﺳﺎت و اﻟﻤﻐﺎﻧﻢ و‬

‫ﻳﺴﻜﻦ إﻟﻰ ﺟﻨﺐ اﷲ‪ ..‬و هﻞ ﺑﻌﺪ اﷲ ﻣﻐﻨﻢ؟!!‬

‫و ﻣﻦ ﺻﻔﺎت هﺬا اﻟﻤﺆﻣﻦ اﻟﻌﺎﻣﻞ ﻟﻮﺟﻪ اﷲ أﻧﻪ ﻧﺎهﺾ ﺑﺎﻟﻬﻤﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺪوام ﻻ ﻳﻔﺘﺮ و ﻻ‬
‫ﻳﻜﺴﻞ و ﻻ ﻳﺘﻮاآﻞ‪ ،‬ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﻔﺘﺮ ﻣﻦ ﻳﻌﻤﻞ ﻟﻸﺟﺮو ﻳﻔﺘﺮ ﻣﻦ ﻳﻌﻤﻞ ﻟﻠﺨﻮف ))ﻳﺨﺪع اﻷول‬
‫ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺎﻻﺳﺘﻜﻔﺎء و ﻳﺨﺪع اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺎﻟﺘﻤﻨﻲ(( أﻣﺎ اﻟﻘﺎﺻﺪ وﺟﻪ رﺑﻪ ﻓﺈﻧﻪ ﻻ ﻳﻔﺘﺮ ﻷﻧﻪ ﻟﻢ‬
‫ﻳﺮﺑﻂ ﺟﻬﺎدﻩ ﺑﺄﺟﺮ و هﻮ ﻻ ﻳﻜﺴﻞ ﻣﺘﻮاآﻼ ﻋﻠﻰ ﻣﻐﻔﺮة ﻷﻧﻪ ﻻ ﻳﺘﺤﺮك ﺑﺎﻟﺨﻮف ﻣﻦ ﻋﻘﺎب‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪256‬‬
 ‫و إﻧﻤﺎ هﻮ ﻋﺒﺪ ﻣﺤﺐ ﻣﺘﻄﻮع‪ ،‬اﻟﻌﻤﻞ ﻋﻨﺪﻩ ﺳﻌﺎدة‪ ،‬ﻟﻬﺬا ﻻ ﺗﺠﺪﻩ ﻣﺘﺒﺮﻣﺎ و ﻻ ﻣﺘﺴﺨﻄﺎ و‬
‫إﻧﻤﺎ هﻮ داﺋﻤﺎ ﻃﻠﻖ اﻟﻮﺟﻪ ﻣﺸﺮق اﻟﺒﺴﻤﺔ ﻣﺘﻔﺎﺋﻞ‪ ،‬ﺣﻤﺎد ﻟﺮﺑﻪ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺤﺎﻻت ﻻ ﻳﺴﺐ‬
‫اﻟﺪهﺮ و ﻻ ﻳﻨﺴﺐ ﻟﺮﺑﻪ ﻧﻘﺼﺎ و ﻻ ﻗﺼﻮرا‪.‬‬

‫و هﺬﻩ اﻟﺘﺮآﻴﺒﺔ اﻟﻨﻔﺴﻴﺔ اﻟﻨﺎدرة هﻲ ﺛﻤﺮة اﻻﻳﻤﺎن ﺑﺎﻟﻘﺮﺁن و هﻲ ﺛﻤﺮة اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ‪ ..‬و اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ‬
‫ﻳﺠﻤﻊ ﻋﻨﺎﺻﺮ اﻟﻨﻔﺲ و ﻳﻮﺣﺪ اﺗﺠﺎﻩ اﻟﻤﺸﺎﻋﺮ ﻧﺤﻮ ﻣﺼﺪر واﺣﺪ ﻟﻠﺘﻠﻘﻲ ﻓﻴﺆدي ﺑﺬﻟﻚ إﻟﻰ أﺛﺮ‬
‫ﺗﺮآﻴﺒﻲ ﺑﻨﺎﺋﻲ ﻓﻲ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﺑﻌﻜﺲ ﺗﻌﺪد اﻵﻟﻬﺔ و ﺗﻌﺪد ﻣﺼﺎدر اﻟﺨﻮف و اﻟﻨﻔﻊ و اﻟﻀﺮر‬
‫ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺆدي إﻟﻰ ﺗﻮزع اﻟﻤﺸﺎﻋﺮ و اﻧﻘﺴﺎم اﻟﻨﻔﺲ و ﺗﺸﺘﺖ اﻻﻧﺘﺒﺎﻩ إﻟﻰ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺠﻬﺎت‪ ،‬و‬
‫ﻳﺆدي ﺑﺬﻟﻚ إﻟﻰ ﺗﻔﻜﻴﻚ رﺑﺎط اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ‪.‬‬

‫و اﻟﻘﺎرئ ﻟﻠﻘﺮﺁن اﻟﻜﺮﻳﻢ ﻳﺨﺮج ﺑﻌﻠﻢ ﻧﻔﺲ ﻗﺮﺁﻧﻲ ﻣﺘﻤﻴﺰ ﺑﺪﻳﻊ و ﻣﻨﻔﺮد ﻓﻲ ﺗﺮﺑﻴﺘﻪ ﻟﻠﻤﺴﻠﻢ‪.‬‬

‫و ﻟﻴﺲ ﻋﺠﻴﺒﺎ أن اﻟﻘﺮﺁن أﻗﺎم ﺣﻀﺎرة و ﺻﻨﻊ ﺗﺎرﻳﺨﺎ‪ ..‬ﻓﺈﻧﻪ ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ أﻗﺎم إﻧﺴﺎﻧﺎ و رﺑﻰ‬
‫ﻧﻔﺴﺎ ﺑﺪﻳﻌﺔ ﺳﻮﻳﺔ ﻣﺘﻔﺮدة ﻓﻲ ﺗﻜﺎﻣﻠﻬﺎ و أﺷﺮق ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺴﻜﻴﻨﺔ ﻻ ﻣﺜﻴﻞ ﻟﻬﺎ‪.‬‬

‫و ﻣﺜﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ اﻟﻔﺬة ﺗﺸﻬﺪ ﻟﻠﻘﺮﺁن ﺑﺄﻧﻪ ﺧﺮج ﻣﻦ اﻟﻤﺸﻜﺎة اﻹﻟﻬﻴﺔ‪ ..‬ﻓﻼ ﻣﺮب ﻣﺜﻞ اﻟﺮب‪.‬‬

‫و ﻟﻬﺬا ﻳﺨﺘﻠﻒ ﻋﻠﻢ اﻟﻨﻔﺲ و ﻋﻠﻢ اﻟﻨﻔﺲ اﻟﻘﺮﺁﻧﻲ ﻓﻲ ﻋﻼج اﻷﻣﺮاض اﻟﻨﻔﺴﻴﺔ‪ .‬ﻓﻌﻠﻢ اﻟﻨﻔﺲ ﻻ‬
‫ﻳﺮى إﻣﻜﺎﻧﺎ ﻟﺘﺒﺪﻳﻞ اﻟﻨﻔﺲ أو ﺗﻐﻴﻴﺮهﺎ ﺟﻮهﺮﻳﺎ ﻷن اﻟﻨﻔﺲ ﺗﺄﺧﺬ ﺷﻜﻠﻬﺎ اﻟﻨﻬﺎﺋﻲ ﻓﻲ اﻟﺴﻨﻮات‬
‫اﻟﺨﻤﺲ اﻷوﻟﻰ ﻣﻦ اﻟﻄﻔﻮﻟﺔ‪ ..‬و ﻻ ﻳﺒﻘﻰ ﻟﻠﻄﺒﻴﺐ اﻟﻨﻔﺴﻲ دور ﺳﻮى إﺧﺮاج اﻟﻤﻜﺒﻮت ﻓﻴﻬﺎ‬
‫إﻟﻰ اﻟﻮﻋﻲ‪ ..‬أو ﻓﺘﺢ ﻧﻮاﻓﺬ ﻟﻠﺘﻨﻔﻴﺲ و اﻟﺘﻌﺒﻴﺮ و ﺗﺨﻔﻴﻒ اﻟﻐﻠﻴﺎن اﻟﺪاﺧﻠﻲ‪ ..‬و ﺑﻬﺪف اﻟﻮﺻﻮل‬
‫إﻟﻰ ذﻟﻚ ﻳﻠﺠﺄ اﻟﻄﺒﻴﺐ اﻟﻨﻔﺴﻲ إﻟﻰ اﻟﻌﻼج ﺑﺎﻟﺘﻨﻮﻳﻢ اﻟﻤﻐﻨﺎﻃﻴﺴﻲ أو اﻟﻌﻼج ﺑﺎﻹﻳﺤﺎء أو‬
‫ﺑﺎﻟﺘﻨﻔﻴﺲ و اﻟﺘﻌﺒﻴﺮ و اﻟﻔﻦ و اﻟﻠﻌﺐ أو اﻟﻌﻼج ﺑﺎﻻﺳﺘﻐﺮاق ﻓﻲ ﻋﻤﻞ ﺁﻟﻲ أو اﻟﻌﻼج‬
‫ﺑﺎﻹﺷﺒﺎع اﻟﻤﺒﺎﺷﺮ‪.‬‬

‫و آﻞ هﺬﻩ اﻟﺼﻮر أﺷﺒﻪ ﺑﻌﻼج اﻟﺴﺮﻃﺎن ﺑﺎﻟﻤﺮاهﻢ أو اﻟﻤﺴﻜﻨﺎت ﻷﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﺤﺎول أن ﺗﻐﻴﺮ‬
‫ﻣﻦ اﻟﻨﻔﺲ ﺷﻴﺌﺎ‪ ،‬ﻓﻜﻠﻬﺎ ﺗﻘﺒﻞ وﺟﻮد اﻟﺪﻣﻞ اﻟﻨﻔﺴﻲ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻟﻪ ﺛﻢ ﺗﻘﻮل ﻟﻠﻤﺮﻳﺾ‪ ..‬اﺻﺮخ أو‬
‫ﺗﺄوﻩ أو ارﻗﺺ أو ﻏﻨﻲ ﻟﺘﻨﻔﺲ ﻋﻦ ﺁﻻﻣﻚ‪ ..‬أو ﺗﻀﻊ ﻳﺪﻩ ﻋﻠﻰ اﻟﺪﻣﻞ و ﺗﻘﻮل ﻟﻪ‪ ..‬هﻨﺎ‬
‫اﻟﺪﻣﻞ‪ ..‬و هﺬا آﻞ ﺟﻬﺪهﻢ‪.‬‬

‫أﻣﺎ اﻟﺪﻳﻦ ﻓﻴﻘﻮل ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﺗﺒﺪﻳﻞ اﻟﻨﻔﺲ و ﺗﻐﻴﻴﺮهﺎ ﺟﻮهﺮﻳﺎ و ﻳﻘﻮل ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻴﺔ إﺧﺮاﺟﻬﺎ ﻣﻦ‬
‫ﻇﻠﻤﺔ اﻟﺒﻬﻴﻤﻴﺔ إﻟﻰ أﻧﻮار اﻟﺤﻀﺮة اﻹﻟﻬﻴﺔ و ﻣﻦ ﺣﻀﻴﺾ اﻟﺸﻬﻮات إﻟﻰ ذروة اﻟﻜﻤﺎﻻت‬
‫اﻟﺨﻠﻘﻴﺔ و ذﻟﻚ ﺑﺎﻟﺮﻳﺎﺿﺔ و اﻟﻤﺠﺎهﺪة‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪257‬‬
 ‫و ﻳﻜﻮن ذﻟﻚ ﻋﻠﻰ ﻣﺮاﺣﻞ‪ ..‬أوﻟﻬﺎ‪ :‬ﺗﺨﻠﻴﺔ اﻟﻨﻔﺲ ﻣﻦ ﻋﺎداﺗﻬﺎ اﻟﻤﺬﻣﻮﻣﺔ و ذﻟﻚ ﺑﺎﻻﻋﺘﺮاف‬
‫ﺑﺎﻟﺬﻧﻮب و اﻟﻌﻴﻮب و إﺧﺮاج هﺬﻩ اﻟﻌﻴﻮب إﻟﻰ اﻟﻨﻮر آﻤﺎ ﻗﺎل ﻣﻮﺳﻰ ﻟﺮﺑﻪ ﺑﻌﺪ ﻗﺘﻞ‬
‫اﻟﻤﺼﺮي ﺧﻄﺄ‪:‬‬

‫)) رب إﻧﻲ ﻇﻠﻤﺖ ﻧﻔﺴﻲ ﻓﺎﻏﻔﺮ ﻟﻲ ﻓﻐﻔﺮ ﻟﻪ(( )‪ -16‬اﻟﻘﺼﺺ(‬

‫و آﻤﺎ ﻧﺎدى ﻳﻮﻧﺲ ﻓﻲ اﻟﻈﻠﻤﺎت‪:‬‬

‫)) ﻻ إﻟﻪ إﻻ أﻧﺖ ﺳﺒﺤﺎﻧﻚ إﻧﻲ آﻨﺖ ﻣﻦ اﻟﻈﺎﻟﻤﻴﻦ(( )‪ -87‬اﻷﻧﺒﻴﺎء(‬

‫و اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ‪ :‬هﻲ اﻟﺘﻮﺑﺔ و ﻗﻄﻊ اﻟﺼﻠﺔ ﺑﺎﻟﻤﺎﺿﻲ و اﻟﻨﺪم ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻓﺎت و ﻣﺮاﻗﺒﺔ‬
‫اﻟﻨﻔﺲ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺴﺘﺠﺪ ﻣﻦ أﻣﻮر و ﻣﺤﺎﺳﺒﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻌﻞ و اﻟﺨﺎﻃﺮ‪.‬‬

‫و اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ‪ :‬هﻲ ﻣﺠﺎهﺪة اﻟﻤﻴﻮل اﻟﻨﻔﺴﻴﺔ اﻟﻤﺮﻳﻀﺔ ﺑﺄﺿﺪادهﺎ‪ .‬و ذﻟﻚ ﺑﺮﻳﺎﺿﺔ اﻟﻨﻔﺲ‬
‫اﻟﺸﺤﻴﺤﺔ ﻋﻠﻰ اﻹﻧﻔﺎق و إآﺮاﻩ اﻟﻨﻔﺲ اﻟﺸﻬﻮاﻧﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻌﻔﻒ‪ ،‬و دﻓﻊ اﻟﻨﻔﺲ اﻷﻧﺎﻧﻴﺔ إﻟﻰ‬
‫اﻟﺒﺬل و اﻟﺘﻀﺤﻴﺔ و اﻹﻳﺜﺎر‪ ،‬و ﺣﺚ اﻟﻨﻔﺲ اﻟﻤﺨﺘﺎﻟﺔ اﻟﻤﺰهﻮة ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻮاﺿﻊ و اﻻﻧﻜﺴﺎر‪ ،‬و‬
‫اﺳﺘﻨﻬﺎض اﻟﻨﻔﺲ اﻟﻜﺴﻮﻟﺔ إﻟﻰ اﻟﻌﻤﻞ‪ ..‬و ﺑﻤﻌﺎﻟﺠﺔ اﻟﻀﺪ ﺑﺎﻟﻀﺪ ﺗﺼﻞ اﻟﻨﻔﺲ إﻟﻰ اﻟﻮﺳﻂ‬
‫اﻟﻌﺪل‪ ..‬و هﻮ ﺻﺮاط اﻟﺤﻜﻤﺔ‪ ..‬و هﻮ ﺣﻆ اﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ ﻣﻦ اﻟﺒﺸﺮ‪.‬‬

‫و ﻻ ﺗﻨﺠﺢ ﺗﻠﻚ اﻟﺮﻳﺎﺿﺔ دون ﻃﻠﺐ اﻟﻤﺪد و اﻟﻌﻮن ﻣﻦ اﷲ و دون اﻟﺼﻼة و اﻟﺨﺸﻮع و‬
‫اﻟﺨﻀﻮع و اﻟﻔﻨﺎء ﻓﻲ ﻣﺤﺒﺔ اﷲ رآﻮﻋﺎ و ﺳﺠﻮدا ﻓﻲ ﺗﻮﺣﻴﺪ آﺎﻣﻞ)و ﺗﻮﺣﻴﺪ اﷲ ﻻ ﻳﻜﻮن إﻻ‬
‫ﺑﻄﺎﻋﺘﻪ اﻟﻜﺎﻣﻠﺔ و اﻻﺳﺘﺮﺳﺎل ﻣﻌﻪ‪ ..‬ﻻ ﺗﺮﻳﺪ ﻟﻨﻔﺴﻚ إﻻ ﻣﺎ ﻳﻄﻠﺒﻪ هﻮ ﻟﻚ( و هﻨﺎ ﺗﺤﺪث‬
‫اﻟﻤﻌﺠﺰة‪ ..‬ﻓﻴﺘﺒﺪل اﻟﻘﻠﻖ ﺳﻜﻴﻨﺔ و اﻟﻔﺰع ﻃﻤﺄﻧﻴﻨﺔ و اﻟﺨﺴﺔ اﻟﺸﻬﻮاﻧﻴﺔ ﻋﻔﺔ و ﻃﻬﺎرة‪ ..‬و‬
‫اﻟﻨﻮاﻗﺺ اﻟﻨﻔﺴﻴﺔ آﻤﺎﻻت‪.‬‬

‫و ذروة اﻟﻌﻼج اﻟﻨﻔﺴﻲ هﻲ)) اﻟﺬآﺮ(( ذآﺮ اﷲ ﺑﺎﻟﻘﻠﺐ و اﻟﻠﺴﺎن و اﻟﺠﻮارح و اﻟﺴﻠﻮك و‬
‫اﻟﻌﻤﻞ‪ ..‬و اﺳﺘﺸﻌﺎر اﻟﺤﻀﺮة اﻹﻟﻬﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺪوام و ﻃﻮال اﻟﻮﻗﺖ ﻓﻲ آﻞ ﻗﻮل و ﻓﻌﻞ‪.‬‬

‫و ﻓﻲ اﻟﺬآﺮ ﺷﻔﺎء و وﻗﺎﻳﺔ و أﻣﻦ و ﻃﻤﺄﻧﻴﻨﺔ ﻷن اﻟﺬآﺮ ﻳﻌﻴﺪ اﻟﺼﻠﺔ اﻟﻤﻘﻄﻮﻋﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﻌﺒﺪ و‬
‫اﻟﺮب و ﻳﺮﺑﻂ اﻟﻨﻔﺲ ﺑﻤﻨﺒﻌﻬﺎ و ﻳﺮد اﻟﺼﻨﻌﺔ إﻟﻰ ﺻﺎﻧﻌﻬﺎ‪ ..‬ﺣﻴﺚ هﻮ اﻷﻋﻠﻢ ﺑﻌﻴﻮﺑﻬﺎ و‬
‫اﻷﻗﺪر ﻋﻠﻰ ﻋﻼﺟﻬﺎ‪.‬‬

‫)) ادﻋﻮﻧﻲ اﺳﺘﺠﺐ ﻟﻜﻢ(( )‪ -60‬ﻏﺎﻓﺮ(‬

‫)) ﻓﺎذآﺮوﻧﻲ أذآﺮآﻢ(( )‪ -152‬اﻟﺒﻘﺮة(‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪258‬‬
 ‫ﻓﻴﻌﻮد اﻟﻨﻮر ﻟﻴﻐﻤﺮ ﻇﻼم اﻟﻨﻔﺲ و ﻳﺤﻞ اﻟﻌﻤﺎر ﻣﻜﺎن اﻟﺨﺮاب‪.‬‬

‫و ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﺮى ﻓﺮوﻳﺪ )اﻟﻄﻴﺒﺔ( ﺗﺨﺎذﻻ و ﺳﻠﺒﻴﺔ و ﻳﻨﺼﺢ ﻣﺮﻳﻀﻪ ﻗﺎﺋﻼ ﻟﻪ‪ )) :‬آﻞ و إﻻ ﻓﺄﻧﺖ‬
‫ﻣﺄآﻮل((‪.‬‬

‫ﻧﺮى ﻧﺤﻦ اﻟﻄﻴﺒﺔ ﻗﻮة إﻳﺠﺎﺑﻴﺔ‪ ..‬و ﻧﺄﻣﺮ ﺑﺎﻟﺼﻔﺢ‪:‬‬

‫)) ﻓﺎﻋﻔﻮا و اﺻﻔﺤﻮا(( )‪ -109‬اﻟﺒﻘﺮة(‬

‫)) ﻓﺎﺻﻔﺢ اﻟﺼﻔﺢ اﻟﺠﻤﻴﻞ(( )‪ -85‬اﻟﺤﺠﺮ(‬

‫)) و أن ﺗﻌﻔﻮا أﻗﺮب ﻟﻠﺘﻘﻮى(( )‪ -237‬اﻟﺒﻘﺮة(‬

‫و ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﺮى ﻓﺮوﻳﺪ ﻣﻦ اﻷﻋﻤﺎل ﻣﺎﻳﺴﺎﻋﺪ ﻋﻠﻰ ﺗﻔﺮﻳﻎ و ﺗﻨﻔﻴﺲ اﻟﻐﻠﻴﺎن اﻟﻨﻔﺴﻲ‪ ..‬ﻧﺸﺘﺮط‬
‫ﻧﺤﻦ اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺼﺎﻟﺢ‪.‬‬

‫و ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﺮى أن ﻣﺎﺿﻲ اﻟﻄﻔﻮﻟﺔ ﺣﺎآﻢ ﻋﻠﻰ آﻞ إﻧﺴﺎن و ﻣﻮﺟﻪ ﻷﻓﻌﺎﻟﻪ ﻻ ﻧﻘﻮل ﻧﺤﻦ ﺑﺤﺎآﻢ‬
‫إﻻ اﷲ‪ ..‬و ﻧﻘﻮل إﻧﻨﺎ ﺑﻔﻀﻞ اﷲ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻧﺨﺮج ﻣﻦ أي ﺣﻜﻢ‪ ،‬و ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﻘﻮل ﺑﻔﻄﺮة ﻋﺪواﻧﻴﺔ‬
‫و ﺑﻐﺮﻳﺰة اﻟﺘﺤﻄﻴﻢ و اﻟﻬﺪم و ﺑﺎﻟﻄﺎﻗﺔ اﻟﺸﻬﻮاﻧﻴﺔ آﺪواﻓﻊ رﺋﻴﺴﻴﺔ‪ ،‬ﻧﻘﻮل ﻧﺤﻦ‪ :‬إن اﻹﻧﺴﺎن‬
‫ﻓُﻄﺮ ﺣﺮا ﻣﺨﺘﺎرا ﺑﻴﻦ اﻟﻨﻮازع اﻟﺴﺎﻟﺒﺔ و اﻟﻤﻮﺟﺒﺔ ﻳﺨﺘﺎر ﻣﺎ ﻳﺸﺎء ﻣﻨﺬ اﻟﺒﺪاﻳﺔ‪.‬‬

‫و ﺳﺒﺐ آﻞ هﺬﻩ اﻟﻤﺎدﻳﺔ اﻟﻔﺮوﻳﺪﻳﺔ و ﻣﺎدﻳﺔ ﻋﻠﻢ اﻟﻨﻔﺲ ﺑﻮﺟﻪ ﻋﺎم هﻮ أﻧﻬﻢ ﻳﺘﻌﺎﻣﻠﻮن ﻣﻊ‬
‫اﻟﻨﻔﺲ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻋﻠﻰ أﻧﻬﺎ ﻣﺎدة وﺟﺴﺪ ﻳﻤﻜﻦ اﻗﺘﺤﺎﻣﻪ ﺑﺎﻟﺘﺸﺮﻳﺢ و اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ‪ ..‬و هﻢ ﻳﻔﻌﻠﻮن‬
‫هﺬا ﻋﻦ إﻳﻤﺎن ﺑﺄﻧﻪ ﻻ روح هﻨﺎك و ﻻ ذات و ﻻ ﻧﻔﺲ‪ ..‬و إﻧﻤﺎ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﺮآﺒﺎت آﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ‬
‫و ﺟﻴﻨﺎت وراﺛﻴﺔ اﺳﻤﻬﺎ اﻹﻧﺴﺎن و ﺗﻠﻚ هﻲ ﺧﻄﻴﺌﺔ اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻤﺎدﻳﺔ‪ ،‬ﻓﻬﺬا اﻟﺘﺼﻮر أﺑﻌﺪ ﻣﺎ‬
‫ﻳﻜﻮن ﻋﻦ اﻟﺼﻮاب ﻷن اﻟﻨﻔﺲ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ )) ذات (( ﻗﺒﻞ آﻞ ﺷﻲء و ﻻ ﻳﻤﻜﻦ إﺣﺎﻟﺘﻬﺎ إﻟﻰ‬
‫ﻣﻮﺿﻮع ﻣﺠﺮد‪ ..‬و هﻲ آﺎﻟﺤﻴﺎة إذا أﻋﻤﻠﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺒﻀﻊ اﻟﺘﺸﺮﻳﺢ ﻣﺎﺗﺖ ﻓﻲ ﻳﺪك‪ ..‬و اﻟﻨﻔﺲ‬
‫داﺋﻤﺎ ﺗﺴﺘﺨﻔﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻈﺮة اﻟﺘﺤﻠﻴﻠﻴﺔ و ﺗﺘﻨﻜﺮ ﺑﻤﺎ ﺗﻄﺮح ﻓﻲ اﻟﻈﺎهﺮ ﻣﻦ ردود أﻓﻌﺎل‬
‫ﺳﻠﻮآﻴﺔ و هﻲ ﻻ ﺗﻌﻄﻲ ﺳﺮهﺎ أﺑﺪا ﺣﺘﻰ ﻟﺼﺎﺣﺒﻬﺎ إذا ﺑﺪأ ﻳﺘﺪﺑﺮهﺎ آﻤﻮﺿﻮع‪ ،‬ﻷﻧﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ‬
‫ﻣﻮﺿﻮﻋﺎ ﺑﻞ هﻲ ﻓﻲ ﺟﻮهﺮهﺎ )) ذات (( ﺑﻜﺮ إذا ﻓﻀﻀﺖ ﺑﻜﺎرﺗﻬﺎ و هﺘﻜﺖ اﺳﺘﺴﺮارهﺎ‬
‫و ﺣﺎوﻟﺖ أن ﺗﻘﺘﺤﻤﻬﺎ ﺑﺎﻟﻨﻈﺮة اﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻴﺔ اﺳﺘﻌﺼﺖ ﻋﻠﻴﻚ و ﺗﻔﻠﺘﺖ ﻣﻨﻚ ﺑﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ‬
‫اﻟﺒﺪاﺋﻞ اﻟﺴﻠﻮآﻴﺔ اﻟﺨﺎدﻋﺔ و ﺗﺤﻮﻟﺖ إﻟﻰ ﺷﻲء ﺁﺧﺮ‪ ..‬و ﻟﻢ ﺗﻌﺪ )) هﻲ ((‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪259‬‬
 ‫و ﻳﻈﻞ داﺋﻤﺎ اﻟﻔﺎرق ﺑﻴﻦ ﻣﺎ ﺗﺮى ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻈﺎهﺮ و ﻣﺎ ﺧﻔﻰ ﻋﻠﻴﻚ ﻣﻦ ﺣﻘﻴﻘﺘﻬﺎ‪ ،‬آﺎﻟﻔﺎرق‬
‫اﻟﻬﺎﺋﻞ ﺑﻴﻦ اﻟﺠﺴﺪ اﻟﻈﺎهﺮ و اﻟﺮوح اﻟﺘﻲ ﺗﺴﻜﻨﻪ‪ ..‬و أﻧﺖ ﻟﻦ ﺗﺼﻞ أﺑﺪا إﻟﻰ آﻨﻪ اﻟﺮوح‬
‫ﺑﺘﺸﺮﻳﺢ اﻟﺠﺴﺪ‪ ..‬و إﻧﻤﺎ أﻧﺖ ﻋﻠﻰ أﺣﺴﻦ اﻟﻔﺮوض ﺳﻮف ﺗﻔﻬﻢ اﻟﺠﺴﺪ أآﺜﺮ ﻓﺄآﺜﺮ و ﻟﻜﻨﻚ‬
‫ﺗﻈﻞ داﺋﻤﺎ ﺑﻌﻴﺪا آﻞ اﻟﺒﻌﺪ ﻋﻦ إدراك ﺳﺮ اﻟﺮوح و ﻟﻐﺰهﺎ‪.‬‬

‫)) و ﻳﺴﺄﻟﻮﻧﻚ ﻋﻦ اﻟﺮوح ﻗﻞ اﻟﺮوح ﻣﻦ أﻣﺮ رﺑﻲ و ﻣﺎ أوﺗﻴﺘﻢ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻢ إﻻ ﻗﻠﻴﻼ (( )‪-85‬‬
‫اﻹﺳﺮاء(‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪260‬‬
 ‫)) اﻟﻤﻜﺮ اﻹﻟﻬﻲ ((‬
‫ﺑﻄﻞ اﻟﺤﺎدث )) ﺳﻠﻴﻤﺔ إﺑﺮاهﻴﻢ (( ‪ 801‬ﺟﻨﺎﻳﺎت اﻟﺼﻒ‪ ،‬اﺷﺘﺮآﺖ ﻣﻊ أﺧﻴﻬﺎ – ‪ 17‬ﺳﻨﺔ –‬
‫ﻓﻲ ﻗﺘﻞ زوﺟﻬﺎ ﺿﺮﺑﺎ و ﺧﻨﻘﺎ‪ ،‬ﺛﻢ هﺠﻤﺖ ﻋﻠﻴﻪ و أآﻠﺖ أﻋﻀﺎءﻩ و هﻮ ﻣﻴﺖ‪ ..‬هﻜﺬا ﺗﻘﻮل‬
‫اﻋﺘﺮاﻓﺎﺗﻬﺎ اﻟﻤﻔﺼﻠﺔ أﻣﺎم وآﻴﻞ اﻟﻨﻴﺎﺑﺔ و اﻟﻘﺎﺿﻲ‪ ..‬و هﻜﺬا ﺷﻬﺪت اﻟﻮﻗﺎﺋﻊ آﻤﺎ ﺗﺸﻬﺪ اﻟﺠﺜﺔ‪.‬‬

‫ﻗﺮأت اﻟﺤﺎدث ﻣﻊ اﻷﻟﻮف اﻟﺬﻳﻦ ﻗﺮأوﻩ‪ ،‬و ﺷﻌﺮت ﻣﻌﻬﻢ ﺑﺘﻠﻚ اﻟﻘﺸﻌﺮﻳﺮة اﻟﺒﺎردة‪ ،‬و‬
‫اﻟﻔﻀﻮل إﻟﻰ ﻣﻌﺮﻓﺔ هﺬا اﻟﺤﺎدث اﻟﻐﺮﻳﺐ ﻓﻲ وﺣﺸﻴﺘﻪ‪.‬‬

‫هﻞ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﺒﻠﻎ اﻟﻐﻞ ﺑﺈﻣﺮأة إﻟﻰ هﺬا اﻟﻤﺪى‪.‬‬

‫و ﻣﺎذا ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻜﻮن ﺻﻮرة هﺬا اﻟﻮﺟﻪ اﻟﺬي ﻳﺄآﻞ اﻟﻤﻴﺘﺔ‪.‬‬

‫ﻃﺎﻟﻌﺘﻨﻲ ﻓﻲ ﺳﺠﻦ اﻟﻨﺴﺎء ﺑﺎﻟﻘﻨﺎﻃﺮ إﻣﺮأة وﺳﻴﻤﺔ‪ ،‬دﻗﻴﻘﺔ اﻟﻤﻼﻣﺢ‪ ،‬أﺳﻨﺎﻧﻬﺎ ﺟﻤﻴﻠﺔ آﺼﻔﻴﻦ‬
‫ﻣﻦ ﻟﺆﻟﺆ‪ ..‬ﻋﻠﻰ وﺟﻬﻬﺎ ﺳﻜﻴﻨﺔ و ﻃﻤﺄﻧﻴﻨﺔ‪ ..‬ﺗﺼﻠﻲ و ﺗﺼﻮم‪ ،‬و ﺗﻨﺎم ﻧﻮﻣﺎ هﺎدﺋﺎ ﻋﻤﻴﻘﺎ‪ ..‬و‬
‫آﻼﻣﻬﺎ آﻠﻪ ﻋﻦ رﺣﻤﺔ اﷲ و أﻣﺮ اﷲ و ﺣﻜﻤﺔ اﷲ‪ ..‬و آﺄﻧﻬﺎ رﺟﻞ ﺻﻮﻓﻲ ﺿﻞ ﻣﻜﺎﻧﻪ‪.‬‬

‫أﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﺨﺎﻟﻒ اﻟﻈﺎهﺮ اﻟﺒﺎﻃﻦ إﻟﻰ هﺬا اﻟﺤﺪ؟‬

‫أﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﺨﺪع اﻟﺼﻮر‪ ،‬و ﺗﻜﺬب اﻟﻌﻴﻦ و اﻟﻴﺪ و اﻟﻠﺴﺎن؟‬
‫أﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﺼﺒﺢ اﻟﺤﻴﺎة آﻠﻬﺎ ﺗﻤﻮﻳﻬﺎ؟‬
‫و آﻴﻒ ﻳﺨﻠﻖ اﷲ ﻟﻠﺤﻘﺎﺋﻖ اﻟﺒﺸﻌﺔ وﺟﻮهﺎ ﺟﻤﻴﻠﺔ؟‬
‫و ﻣﺎ اﻟﺪاﻓﻊ اﻟﺬي أﺧﺮج ﻣﻦ اﻟﺒﺎﻃﻦ آﻞ هﺬا اﻟﺸﺮ اﻟﻤﺨﻔﻲ؟‬
‫و ﻣﺎ اﻟﺬي هﺘﻚ اﻟﺤﺠﺎب و آﺸﻒ اﻟﻨﻔﺲ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ هﻲ ﻋﻠﻴﻪ‪.‬‬
‫اﻟﺰوج ﺗﺰوج ﻋﻠﻴﻬﺎ‪..‬‬
‫هﺬا أﻣﺮ ﻋﺎدي ﻓﻲ اﻟﺒﺪو‪..‬‬
‫و هﻮ ﻳﺘﻜﺮر ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻴﺌﺔ دون أن ﺗﺄآﻞ اﻟﻨﺴﺎء أزواﺟﻬﻦ‪.‬‬
‫اﻟﺰوج ﻃﻠﻖ اﻟﺰوﺟﺔ ﺛﻢ ردهﺎ‪..‬‬
‫آﺎن ﻳﺴﻲء ﻣﻌﺎﻣﻠﺘﻬﺎ أﻣﺎم اﻟﺰوﺟﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة‪.‬‬
‫أهﻲ ﻏﻀﺒﺔ ﻟﻠﻨﻔﺲ و ﻟﻠﻜﺮاﻣﺔ؟!‬

‫و ﻟﻜﻦ اﻟﺰوﺟﺔ اﻋﺘﺮﻓﺖ ﺑﺄﻧﻬﺎ آﺎﻧﺖ ﻋﻠﻰ ﻋﻼﻗﺎت ﻣﺘﻌﺪدة ﻣﻊ رﺟﺎل ﻣﺘﻌﺪدﻳﻦ أﺛﻨﺎء اﻟﻄﻼق‬
‫ﻓﻬﻲ ﻟﻢ ﺗﺤﻔﻆ ﻟﻨﻔﺴﻬﺎ آﺮاﻣﺔ‪..‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪261‬‬
 ‫آﻴﻒ ﻻ ﻳﺒﺪو آﻞ هﺬا اﻟﺨﺮاب اﻟﻨﻔﺴﻲ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ اﻟﻮﺟﻪ اﻟﺠﻤﻴﻞ اﻟﺴﻤﺢ اﻟﻮدﻳﻊ‪ ،‬اﻟﻤﻄﻤﺌﻦ‬
‫اﻟﻬﺎدئ آﺄﻧﻪ وﺟﻪ ﻗﺪﻳﺲ‪.‬‬

‫ﺗﺬآﺮت رﺟﻼ ﺟﻤﻴﻼ رأﻳﺘﻪ ذات ﻣﺮة‪ ..‬آﺎن ﺟﻤﻴﻼ ﻓﺎﺗﻨﺎ ﻣﻔﺘﻮل اﻟﻌﻀﻞ‪ ،‬ﺟﺬاب اﻟﺼﻮرة‬
‫آﺄﻧﻪ ﻧﺠﻢ ﺳﻴﻨﻤﺎ‪ ..‬و آﺎن ﻣﻬﺬﺑﺎ ﻳﺘﻜﻠﻢ ﺑﻨﺒﺮة ﺧﻔﻴﻀﺔ‪ ..‬و آﺎن ﻳﺠﻔﻞ ﺑﻨﻈﺮاﺗﻪ ﻓﻲ ﺣﻴﺎء‪ ..‬ﺛﻢ‬
‫ﺗﺒﻴﻦ ﻟﻲ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ أﻧﻪ ﻣﺠﻨﻮن ﻳﻌﺎﻟﺞ ﺑﺎﻟﺼﺪﻣﺎت اﻟﻜﻬﺮﺑﺎﺋﻴﺔ‪.‬‬

‫آﺎن ﺑﺎﻃﻦ اﻟﺮﺟﻞ ﺧﺮاﺑﺎ ﻣﻄﻠﻘﺎ‪..‬‬

‫و آﺎﻧﺖ ﺣﻘﻴﻘﺘﻪ اﻟﺨﻮاء‪.‬‬
‫و آﺎن ﻓﺎرﻏﺎ ﺗﻤﺎﻣﺎ و ﻣﺠﻮﻓﺎ ﻣﻦ اﻟﺪاﺧﻞ‪ ..‬إﻟﻰ هﺬا اﻟﻤﺪى ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻜﺬب اﻟﺼﻮر و ﺗﺨﺪع‬
‫اﻷﺷﻜﺎل‪.‬‬
‫)) إن اﷲ ﻻ ﻳﻨﻈﺮ إﻟﻰ ﺻﻮرآﻢ و ﻻ إﻟﻰ أﺷﻜﺎﻟﻜﻢ و إﻧﻤﺎ ﻳﻨﻈﺮ إﻟﻰ ﻗﻠﻮﺑﻜﻢ و أﻋﻤﺎﻟﻜﻢ ((‪.‬‬

‫ﻓﻲ ﻟﻴﻠﺔ اﻟﺠﺮﻳﻤﺔ ﻋﺎد اﻟﺰوج إﻟﻰ زوﺟﺘﻪ ﺑﻬﺪﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﻠﻮى ﻟﻴﺼﺎﻟﺤﻬﺎ )) ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﺪري‬
‫ﺑﺮﻏﻢ ﺳﻨﻮات اﻟﻤﻌﺎﺷﺮة اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ أﻧﻪ ﻳﻨﺎم آﻞ ﻟﻴﻠﺔ ﻣﻊ ﺿﺒﻊ ((‪ ..‬ﻗﺘﻠﺘﻪ ﻓﻲ ﻟﺤﻈﺔ ﻏﺰل‪..‬‬
‫آﻴﻒ واﺗﺘﻬﺎ اﻟﺸﺠﺎﻋﺔ؟‬
‫ﻧﻔﺲ اﻟﺴﺆال ﻳﻠﺢ ﻋﻠﻲ ﺑﺎﺳﺘﻤﺮار‪.‬‬
‫آﻴﻒ ﺗﺘﻨﻜﺮ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﻓﻲ ﻏﻴﺮ ﺛﻴﺎﺑﻬﺎ؟‬
‫و ﻳﻠﺒﺲ اﻟﺒﺎﻃﻞ اﻟﺤﻖ‪..‬‬
‫و ﻳﻠﺒﺲ اﻟﻘﺒﺢ اﻟﺠﻤﺎل‪.‬‬
‫و ﺗﻠﺒﺲ اﻟﺠﺮﻳﻤﺔ اﻟﺤﺐ‪.‬‬
‫و آﻴﻒ ﻳﺨﻠﻖ اﻟﺨﺎﻟﻖ هﺬﻩ اﻟﻌﺒﻮات اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﻟﻬﺬﻩ اﻟﻨﻔﻮس اﻟﺒﺸﻌﺔ؟ آﻴﻒ ﻳﻀﻊ اﻟﺴﻢ ﻓﻲ وردة‬
‫و ﻳﻀﻊ اﻟﻌﺴﻞ ﻓﻲ ﻋﻘﺮب‪ ،‬و ﻳﺨﻔﻲ اﻟﻤﺘﻔﺠﺮات ﻓﻲ أﻗﻨﻌﺔ ﻣﻦ ﺣﺮﻳﺮ؟‬
‫أهﺬا ﻣﺼﺪاق اﻵﻳﺔ‪:‬‬
‫)) و اﷲ ﻣﺨﺮج ﻣﺎ آﻨﺘﻢ ﺗﻜﺘﻤﻮن (( )‪ – 721‬اﻟﺒﻘﺮة(‪.‬‬

‫أهﻮ اﻟﻤﻜﺮ اﻹﻟﻬﻲ اﻟﺬي ﻳﺴﺘﺪرج ﺑﻪ اﷲ اﻟﻨﻔﻮس‪ ،‬و ﻳﻤﺘﺤﻨﻬﺎ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﺒﻌﺾ ﻟﻴﻔﻀﺢ ﺧﺒﺎﻳﺎهﺎ‬
‫و ﻣﻜﺘﻮﻣﺎﺗﻬﺎ‪ ،‬و ﻟﻴﺨﺮج ﺣﻘﺎﺋﻘﻬﺎ و ﻳﻜﺸﻒ ﺑﺸﺎﻋﺘﻬﺎ‪ ،‬ﻓﺈذا ﺑﺎﻟﻤﺮأة اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﺟﻼدا و إذا‬
‫ﺑﺎﻟﺮﺟﻞ اﻟﺪﻣﻴﻢ ﻣﻼآﺎ‪..‬‬

‫هﻲ ﻻ ﺗﺸﻌﺮ ﺑﻨﺪم أو ﺗﺄﻧﻴﺐ ﺿﻤﻴﺮ‪ ..‬و ﻳﻘﻴﻨﻬﺎ أﻧﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻖ‪.‬‬
‫أﻳﻤﻜﻦ أﻻ ﻳﻌﺮف اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﺎ ﻧﻔﺴﻪ؟‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪262‬‬
 ‫ﻟﻘﺪ ﻗﺎل أﺑﻮﺑﻜﺮ أﻧﻪ ﻻ ﻳﻄﻤﺌﻦ إﻟﻰ أﻧﻪ ﺻﺎر إﻟﻰ اﻟﺠﻨﺔ ﺣﺘﻰ و ﻟﻮ دﺧﻠﺖ إﺣﺪى رﺟﻠﻴﻪ‬
‫اﻟﺠﻨﺔ‪ ،‬ﻣﺎداﻣﺖ اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻟﻢ ﺗﺪﺧﻞ ﺑﻌﺪ‪ ..‬و ذﻟﻚ ﺧﻮﻓﺎ ﻣﻦ ﻣﻜﺮ اﷲ‪ ..‬ﺧﻮﻓﺎ ﻣﻦ أن‬
‫ﻳﻜﺸﻒ اﷲ ﻓﻲ اﻟﻠﺤﻈﺔ اﻷﺧﻴﺮة ﺷﺮا ﻣﻜﺘﻮﻣﺎ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ ﻳﺪﺧﻠﻪ ﺑﻪ اﻟﻨﺎر اﻷﺑﺪﻳﺔ‪ ..‬ﺷﺮا آﺎن‬
‫ﻳﻜﺘﻤﻪ أﺑﻮﺑﻜﺮ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ دون أن ﻳﺪري ﺑﻪ أو ﻳﺪري ﻋﻨﻪ‪.‬‬

‫و ﺗﻠﻚ هﻲ ذروة اﻟﺘﻘﻮى‪..‬‬

‫ﺧﻮف اﷲ‪..‬‬
‫و اﻟﺘﻮاﺿﻊ و ﻋﺪم اﻹﻃﻤﺌﻨﺎن إﻟﻰ ﺑﺮاءة اﻟﻨﻔﺲ و ﻧﻘﺎﺋﻬﺎ‪ ،‬و ﺧﻠﻮهﺎ ﻣﻦ اﻟﺸﻮاﺋﺐ‪..‬‬
‫و ﻋﺪم اﻟﻐﺮور ﺑﺼﺎﻟﺢ اﻷﻋﻤﺎل‪..‬‬
‫و ﺧﻮف اﻟﻤﻜﺘﻮم اﻟﺬي ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻔﺘﻀﺢ ﻓﺠﺄة ﺑﺎﻻﻣﺘﺤﺎن‪..‬‬

‫ﻟﻢ ﻳﻜﻦ أﺑﻮﺑﻜﺮ ﻣﻦ أهﻞ اﻟﺪﻋﺎوي‪..‬‬

‫ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﺪﻋﻲ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﻣﻨﺰﻟﺔ أو ﺻﻼﺣﺎ‪..‬‬
‫و إﻧﻤﺎ آﺎن ﻣﻦ أهﻞ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ‪..‬‬

‫و أهﻞ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﻓﻲ ﺧﻮف داﺋﻤﺎ ﻣﻦ أن ﺗﻈﻬﺮ ﻓﻴﻬﻢ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻣﻜﺘﻮﻣﺔ ﻻ ﻳﻌﻠﻤﻮن ﻋﻨﻬﺎ ﺷﻴﺌﺎ‬
‫ﺗﺆدي ﺑﻬﻢ إﻟﻰ اﻟﻤﻬﺎﻟﻚ‪ ،‬ﻓﻬﻢ أﻣﺎم ﻧﻔﻮﺳﻬﻢ ﻓﻲ رﺟﻔﺔ‪..‬‬
‫و أﻣﺎم اﷲ ﻓﻲ رﺟﻔﺔ‪..‬‬
‫و ذﻟﻚ هﻮ اﻟﻌﻠﻢ اﻟﺤﻖ ﺑﺎﻟﻨﻔﺲ و ﺑﺎﷲ‪..‬‬
‫ﻓﺎﻟﻨﻔﺲ هﻲ)) اﻟﺴﺮ اﻷﻋﻈﻢ ((‪ ..‬و هﻲ اﻟﻐﻴﺐ اﻟﻤﻄﻠﺴﻢ‪..‬‬
‫هﻲ ﻏﻴﺐ ﺣﺘﻰ ﻋﻦ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ‪ ..‬ﻻ ﺗﻨﻜﺸﻒ ﻟﻪ إﻻ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﻤﻌﺎﻧﺎة‪ ..‬و هﻲ ﻓﻲ ﻣﻜﺮ داﺋﻢ‬
‫ﺗﻈﻬﺮ وﺟﻬﺎ ﻣﻦ وﺟﻮهﻬﺎ‪ ،‬و ﺗﺨﻔﻲ أﻟﻒ وﺟﻪ‪..‬‬

‫و اﷲ ﻏﻴﺐ ﻣﻄﻠﻖ و ﺧﻔﺎء ﺗﺎم‪ ..‬و هﻮ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ذروة اﻟﻤﻜﺮ إن ﺻﺢ اﻟﻘﻮل‪..‬‬

‫ﻟﻤﺎذا وﺻﻒ اﷲ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺎﻟﻤﻜﺮ؟ و ﻗﺎل‪:‬‬
‫)) و ﻳﻤﻜﺮون و ﻳﻤﻜﺮ اﷲ و اﷲ ﺧﻴﺮ اﻟﻤﺎآﺮﻳﻦ ((‪ – 30) .‬اﻷﻧﻔﺎل(‪.‬‬
‫و ﻣﺎ اﻟﻔﺮق ﺑﻴﻦ ﻣﻜﺮ اﷲ و ﻣﻜﺮﻧﺎ‪..‬‬
‫و آﻴﻒ ﻳﻤﻜﺮ اﷲ‪..‬‬

‫اﷲ ﻳﻤﻜﺮ ﻹﻇﻬﺎر اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ‪..‬‬

‫و ﻧﺤﻦ ﻧﻤﻜﺮ ﻹﺧﻔﺎﺋﻬﺎ‪..‬‬
‫و ﻟﻬﺬا آﺎن ﻣﻜﺮ اﷲ ﺧﻴﺮا آﻠﻪ‪ ،‬و ﻣﻜﺮﻧﺎ ﺳﻮءا آﻠﻪ‪..‬‬
‫ﻣﻜﺮ اﷲ ﻧﻮر و ﻣﻜﺮﻧﺎ ﻇﻠﻤﺔ‪..‬‬
‫ﻣﻜﺮ اﷲ ﻋﺪل و ﻣﻜﺮﻧﺎ ﻇﻠﻢ‪..‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪263‬‬
 ‫و هﻞ هﻨﺎك أﺳﻮأ ﻣﻦ ﻣﻜﺮ هﺬﻳﻦ اﻟﺼﻔﻴﻦ ﻣﻦ اﻷﺳﻨﺎن اﻟﻠﺆﻟﺆﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺄآﻞ اﻟﻤﻴﺘﺔ‪ ،‬و ﺗﻤﺘﺺ‬
‫اﻟﺪم اﻟﺒﺎرد و ﺗﻮﺷﻮش ﺑﺎﻟﺤﺐ‪ ،‬و ﺗﻀﻤﺮ اﻟﻤﻮت؟!‬

‫ﺷﻲء واﺣﺪ ﻓﻲ ﻣﻈﻬﺮ هﺬﻩ اﻟﻤﺮأة اﻟﻌﺠﻴﺒﺔ آﺎن ﻳﻨﻢ ﻋﻠﻴﻬﺎ‪ ..‬هﻮ ﺻﻮﺗﻬﺎ‪..‬‬
‫ذﻟﻚ اﻟﺼﻮت اﻟﻨﺤﺎﺳﻲ اﻟﻤﻌﺪﻧﻲ اﻟﺬي ﻳﺨﺮج ﻋﺎﻟﻴﺎ ﺣﺎدا رﺗﻴﺒﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺪوام‪ ،‬و آﺄﻧﻪ ﻳﺨﺮج‬
‫ﻣﻦ أﻧﺒﻮﺑﺔ ﻣﻌﺪﻧﻴﺔ و ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﻗﻠﺐ ﻳﺸﻌﺮ‪.‬‬
‫ﺻﻮت ﻻ ﻳﺒﺪو ﻓﻴﻪ ﺣﺰن و ﻻ ﻓﺮح و ﻻ ﻏﻀﺐ‪..‬‬
‫ﺻﻮت ﻣﻌﺮى ﻣﺠﺮد ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻤﺸﺎﻋﺮ‪..‬‬
‫ﺻﻮت أﻗﺮع أﻣﻠﺲ ﻻ ﻳﺸﻒ ﻋﻦ أي اﻧﻔﻌﺎل‪ ..‬ﻳﻌﻄﻴﻚ اﻹﺣﺴﺎس داﺋﻤﺎ ﺑﺄن هﻨﺎك ﺷﻴﺌﺎ ﻏﻴﺮ‬
‫إﻧﺴﺎﻧﻲ ﻳﺘﻜﻠﻢ‪ ،‬و إﻧﻚ أﻣﺎم ﺟﻤﺎد ﻳﻨﻄﻖ‪..‬‬
‫ﺗﺘﻜﻠﻢ ﻋﻦ اﻟﺤﺐ آﻤﺎ ﺗﺘﻜﻠﻢ ﻋﻦ اﻟﻜﺮاهﻴﺔ‪..‬‬
‫ﺗﺘﻜﻠﻢ ﻋﻦ رﺣﻤﺔ اﷲ آﻤﺎ ﺗﺘﻜﻠﻢ ﻋﻦ اﻧﺘﻘﺎﻣﻪ ﺑﻨﻔﺲ اﻟﻮﺟﻪ اﻟﺠﺎﻣﺪ و اﻟﻨﺒﺮة اﻟﻨﺤﺎﺳﻴﺔ اﻟﺮﺗﻴﺒﺔ‪..‬‬
‫ﻳﺨﻴﻞ ﻟﻤﻦ ﻳﺴﻤﻌﻬﺎ أن هﻨﺎك ﺷﺨﺼﺎ ﺁﺧﺮ ﻳﺘﻜﻠﻢ ﻓﻲ داﺧﻠﻬﺎ‪ ..‬ﺷﻴﻄﺎﻧﺎ‪ ..‬أو ﺟﻨﺎ‪ ..‬أو ﻣﻠﻘﻨﺎ‬
‫ﻳﺘﻜﻠﻢ ﻣﻦ وراء ﺧﺒﺎء‪..‬‬

‫هﻞ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﺘﻠﺒﺴﻨﺎ اﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ‪..‬‬

‫اﷲ ﻳﻘﻮل إن اﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ ﻻ ﺗﺘﺴﻠﻂ إﻻ ﻋﻠﻰ أﺷﺒﺎهﻬﺎ‪ ،‬و إﻧﻪ ﻻﺑﺪ أن ﺗﻜﻮن هﻨﺎك ﻣﺸﺎآﻠﺔ و‬
‫ﻣﺠﺎﻧﺴﺔ ﺑﻴﻦ اﺛﻨﻴﻦ ﻟﻴﺘﺴﻠﻂ واﺣﺪ ﻋﻠﻰ اﻵﺧﺮ‪..‬‬
‫)) ﺷﻴﺎﻃﻴﻦ اﻹﻧﺲ و اﻟﺠﻦ ﻳﻮﺣﻲ ﺑﻌﻀﻬﻢ إﻟﻰ ﺑﻌﺾ زﺧﺮف اﻟﻘﻮل ﻏﺮورا (( )‪– 112‬‬
‫اﻷﻧﻌﺎم(‪.‬‬
‫اﻟﺸﻴﻄﺎن ﻻ ﻳﺘﺴﻠﻂ إﻻ ﻋﻠﻰ ﺷﻴﻄﺎن ﻣﺜﻠﻪ‪ ،‬ﺣﻴﺚ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﺘﻮاﺻﻞ و اﻟﺘﺄﺛﺮ ﺑﺤﻜﻢ اﻟﻤﺸﺎآﻠﺔ‪..‬‬
‫أﻣﺎ ﻋﺒﺎد اﷲ ﻓﻼ ﻣﺪﺧﻞ ﻟﻠﺸﻴﻄﺎن ﻋﻠﻴﻬﻢ‪..‬‬
‫ﻓﺎﷲ ﻳﻘﻮل ﻹﺑﻠﻴﺲ‪..‬‬
‫)) إن ﻋﺒﺎدي ﻟﻴﺲ ﻟﻚ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺳﻠﻄﺎن (( )‪ – 42‬اﻟﺤﺠﺮ(‪.‬‬
‫ﻓﻼ ﺣﺠﺔ ﻟﻤﻦ ﻳﻘﻮل‪ ..‬ﺗﺴﻠﻂ ﻋﻠﻲ اﻟﺸﻴﻄﺎن‪ ..‬ﻓﻨﺤﻦ ﻧﺮد ﻋﻠﻴﻪ ﻗﺎﺋﻠﻴﻦ‪ ) ..‬ﻷﻧﻚ ﺷﻴﻄﺎن ﻣﺜﻠﻪ (‪.‬‬

‫و ﻟﻤﻦ ﻳﺘﺼﻮر أن اﻟﻤﻜﺮ اﻹﻟﻬﻲ ﻳﻨﺎﻓﻲ اﻟﻌﺪل‪ ..‬ﻧﻘﻮل ﺑﻞ هﻮ ﻋﻴﻦ اﻟﻌﺪل‪ ..‬ﻓﺎﷲ ﻻ ﻳﻤﻜﺮ إﻻ‬
‫ﺑﻤﺎآﺮ‪.‬‬
‫)) ﻳﻤﻜﺮون و ﻳﻤﻜﺮ اﷲ (( ) ‪ – 30‬اﻷﻧﻔﺎل(‪.‬‬
‫)) ﻳﻜﻴﺪون آﻴﺪا‪ ،‬و أآﻴﺪ آﻴﺪا (( )‪ – 16 ،15‬اﻟﻄﺎرق(‪.‬‬

‫و ﺣﻘﻴﻘﺔ اﻷﻣﺮ أن اﷲ ﻳﺴﻠﻂ ﻋﻠﻰ اﻹﻧﺴﺎن اﻟﺬي ﻳﺨﻔﻲ ﺷﻴﺌﺎ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ إﻧﺴﺎﻧﺎ ﺁﺧﺮ ﻳﺨﻔﻲ ﺷﻴﺌﺎ‬
‫ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ‪ ..‬و هﺬا ﻣﻨﺘﻬﻰ اﻟﻌﺪل‪ ..‬ﺑﻞ ﻧﺤﻦ أﻣﺎم ﻣﻴﺰان ﻣﻀﺒﻮط ﺗﻤﺎﻣﺎ‪ ..‬ﻓﻔﻲ آﻠﺘﺎ اﻟﻜﻔﺘﻴﻦ‬
‫ﻧﻔﺲ ﻣﺎآﺮة ﺗﺨﻔﻲ ﺷﻴﺌﺎ‪.‬‬
‫ﺛﻢ إﻧﻪ ﻣﻦ ﺗﻤﺎآﺮ اﻹﺛﻨﻴﻦ ﺑﻌﻀﻬﻤﺎ ﺑﺒﻌﺾ ﺗﻈﻬﺮ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ‪..‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪264‬‬
 ‫و هﺬﻩ هﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ‪..‬‬
‫و ﻟﻬﺬا ﺧﻠﻘﻬﺎ‪..‬‬
‫ﻹﺣﻘﺎق اﻟﺤﻖ‪..‬‬
‫ﻣﺎ ﺧﻠﻖ اﻟﺴﻤﺎوات و اﻷرض إﻻ ﺑﺎﻟﺤﻖ‪.‬‬
‫و هﺬا ﻋﻴﻦ اﻟﺨﻴﺮ ﻓﻲ أﻣﺮ ﺧﻠﻖ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﺮﻏﻢ ﻣﺎ ﻳﺒﺪو ﻣﻦ دم ﺟﺮﻳﻤﺔ و ﺷﺮ و ﺑﺸﺎﻋﺔ‪..‬‬
‫ﻓﺎﻟﻌﺒﺮة ﺑﺎﻟﺨﻮاﺗﻴﻢ‪..‬‬
‫و ﺷﺮور اﻟﺪﻧﻴﺎ زاﺋﻠﺔ ﻣﻬﻤﺎ اﺳﺘﺤﻜﻤﺖ‪..‬‬
‫و ﻻ أهﻤﻴﺔ ﻟﺸﺮ زاﺋﻞ ﻣﺎدام ﺳﻮف ﻳﻜﺸﻒ ﻟﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﺨﺘﺎم ﻋﻦ ﺧﻴﺮ ﺑﺎق‪..‬‬

‫و ﻟﻮ ﻓﻜﺮ اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﺎ ﻓﻲ اﻷﻣﺮ ﺗﻔﻜﻴﺮا هﺎدﺋﺎ‪ ،‬و ﻟﻮ ﺗﺄﻣﻞ ﻣﺎ ﻳﺠﺮي ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺣﻮﻟﻪ ﻓﻲ ﻋﻤﻖ‬
‫ﻷدرك أن اﻷﻣﺮ ﺟﺎد ﺑﺮﻏﻢ ﻣﺎ ﻳﺒﺪو ﻓﻲ اﻟﻈﺎهﺮ ﻣﻦ هﺰل و ﻋﺒﺚ‪ ،‬ﻓﻜﻞ ﺷﻲء ﻣﺤﺴﻮب‪ ،‬و‬
‫آﻞ ﺷﻲء ﻳﺠﺮي ﺑﻤﻮازﻳﻦ دﻗﻴﻘﺔ‪.‬‬

‫و ﻧﺤﻦ اﻟﻤﺎآﺮون اﻟﻤﺎهﺮون‪ ..‬و آﻞ واﺣﺪ ﻓﻴﻨﺎ ﻳﺘﺼﻮر أﻧﻪ ﻳﺨﻄﻂ ﺑﻔﻄﺎﻧﺔ‪ ..‬و ذآﺎء‪ ..‬ﻧﺤﻦ‬
‫ﺑﺪون أن ﻧﺪري‪ ،‬ﻳﻜﺸﻒ ﺑﻌﻀﻨﺎ ﺑﻌﻀﺎ‪ ،‬و ﻧﻜﺸﻒ أﻧﻔﺴﻨﺎ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﺂزق اﻟﺸﻄﺮﻧﺞ‬
‫اﻟﻤﺘﻮاﻟﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺰﺟﻨﺎ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻤﻘﺎدﻳﺮ‪ ،‬و ﻧﻔﺘﻀﺢ ﻋﺒﺮ هﺬا اﻟﻔﻌﻞ اﻟﻤﺘﺴﻠﺴﻞ اﻟﺬي اﺳﻤﻪ اﻟﺪﻧﻴﺎ‬
‫ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﺒﻘﻰ ﻓﻴﻨﺎ ﺑﺎﻗﻴﺔ‪ ..‬ﺛﻢ ﻧﻤﻮت و ﻗﺪ ﻇﻬﺮ اﻟﻤﻜﺘﻮم‪.‬‬

‫و اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺪرآﻮن ﺗﻤﺎم اﻹدراك ﻟﺐ اﻟﻘﻀﻴﺔ ﺗﺼﻴﺒﻬﻢ اﻟﺮﺟﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﺮأس إﻟﻰ اﻟﻘﺪم‪..‬‬
‫إن ﻣﺎ ﻳﺠﺮي ﻓﻲ هﺬﻩ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻟﻴﺲ ﻋﺒﺜﺎ‪..‬‬
‫ﺑﻞ إن اﻷﻣﺮ ﺟﺎد ﺑﺼﻮرة ﻣﺨﻴﻔﺔ‪.‬‬

‫و اﻟﺮﺟﻞ اﻟﻤﺎآﺮ اﻟﺬي ﻳﺴﺄﻟﻨﺎ داﺋﻤﺎ‪ ..‬آﻴﻒ ﻳﺬهﺐ إﻧﺴﺎن ﻣﺘﺤﻀﺮ ﻓﻲ اﻟﺴﻮﻳﺪ إﻟﻰ ﺟﻬﻨﻢ‪..‬‬
‫آﻴﻒ ﻳﺬهﺐ ذﻟﻚ اﻟﺮﺟﻞ اﻷﺑﻴﺾ اﻟﻨﻈﻴﻒ اﻟﺠﻤﻴﻞ اﻟﻠﻄﻴﻒ أﺳﺘﺎذ اﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ إﻟﻰ ﺟﻬﻨﻢ و‬
‫ﻳﺬهﺐ ﺣﺎج ﻣﻐﻔﻞ ﻳﺒﻜﻲ ﻋﻨﺪ اﻟﻜﻌﺒﺔ إﻟﻰ اﻟﺠﻨﺔ؟‬

‫ﻧﻘﻮل ﻟﻪ‪ :‬ﻟﻘﺪ ذهﺐ ذﻟﻚ اﻟﺤﺎج اﻟﺬي ﻳﺒﻜﻲ ﻋﻨﺪ اﻟﻜﻌﺒﺔ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ إﻟﻰ اﻟﺠﻨﺔ ﻣﻦ اﻵن‪ ..‬إﻧﻪ ﻣﻦ‬
‫اﻵن ﻓﻲ اﻟﺠﻨﺔ‪ ..‬ﻟﻘﺪ أدرك روح اﻟﻤﺴﺄﻟﺔ و اﺗﺼﻞ ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ اﻟﻜﻠﻲ اﻟﻤﻄﻠﻖ‪ ..‬أﻣﺎ ﺻﺎﺣﺒﻚ‬
‫ﻓﻤﺎزال ﻳﺸﺘﻐﻞ ﺑﺎﻟﻨﺤﺎس و اﻟﺤﺪﻳﺪ و اﻟﻤﻨﺠﻨﻴﺰ‪ ..‬ﻣﺎزال ﻣﺸﻐﻮﻻ ﺑﺎﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ذاﺗﻬﺎ‪ ..‬ﻟﻢ ﻳﺪرك‬
‫روﺣﻬﺎ‪..‬‬

‫و هﺬا أﻣﺮ ﻳﻔﻴﺪ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ‪ ..‬و ﻟﻜﻦ ﻻ ﻗﻴﻤﺔ ﻟﻪ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ و اﷲ ﻟﻢ ﻳﻤﻨﻌﻨﺎ ﻋﻦ آﺸﻒ اﻟﺤﺪﻳﺪ و‬
‫اﻟﻤﻨﺠﻨﻴﺰ ﺑﻞ أﻣﺮﻧﺎ ﺑﻪ‪.‬‬
‫)) و أﻧﺰﻟﻨﺎ اﻟﺤﺪﻳﺪ ﻓﻴﻪ ﺑﺄس ﺷﺪﻳﺪ و ﻣﻨﺎﻓﻊ ﻟﻠﻨﺎس (( )‪ -25‬اﻟﺤﺪﻳﺪ(‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪265‬‬
 ‫و ذﻟﻚ أﻣﺮ ﺑﺈدراك اﻟﻤﻨﺎﻓﻊ ﻓﻲ اﻟﺤﺪﻳﺪ‪..‬‬

‫و ﻟﻜﻦ دﻳﻦ اﷲ ﻳﻘﺘﻀﻲ ﻣﻨﺎ اﻟﺘﻮﻏﻞ وراء ذﻟﻚ ﻹدراك روح اﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺑﺤﺜﺎ ﻋﻦ ﻧﻔﻊ ﺁﺧﺮ‬
‫ﺑﺎق‪ ..‬و ﺑﺬﻟﻚ ﻳﺠﻤﻊ اﻟﻤﺴﻠﻢ ﺑﻴﻦ ﻧﻔﻊ اﻟﺪﻧﻴﺎ و ﻧﻔﻊ اﻵﺧﺮة‪ ،‬ﻓﺎﻟﺤﺪﻳﺪ و اﻟﻤﻨﺠﻨﻴﺰ ﻟﻴﺴﺎ آﻞ‬
‫ﺷﻲء‪ ..‬ﻓﺎﻟﺤﺎج اﻟﺬي ﻳﺒﻜﻲ ﻋﻨﺪ اﻟﻜﻌﺒﺔ ﻟﻴﺲ ﻣﻐﻔﻼ‪ ..‬ﻓﻬﻮ ﻳﺒﻜﻲ ﺑﺴﺒﺐ ﻋﻠﻢ ﺁﺧﺮ ﻋﻤﻴﻖ‬
‫ﺗﻌﻠﻤﻪ‪ ..‬هﻮ ﻋﻠﻤﻪ ﺑﻨﻔﺴﻪ و ﻋﻠﻤﻪ ﺑﺮﺑﻪ‪ ..‬و هﻮ واﻗﻒ ﻋﻠﻰ ﻋﺘﺒﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻢ أﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﺻﺎﺣﺒﻨﺎ‬
‫أﺳﺘﺎذ اﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﻓﻲ اﻟﺴﻮﻳﺪ اﻟﺬي وﻗﻒ ﻋﻠﻤﻪ ﻋﻨﺪ اﻟﺤﺪﻳﺪ و اﻟﻤﻨﺠﻨﻴﺰ‪.‬‬

‫و أﻳﻦ هﺬا اﻟﻌﺎرف ﺑﻨﻔﺴﻪ و اﻟﻌﺎرف ﺑﺮﺑﻪ‪ ..‬ﻣﻦ هﺬا اﻟﻌﺎرف اﻵﺧﺮ اﻟﺬي ﺗﻮﻗﻔﺖ ﻣﻌﺎرﻓﻪ‬
‫ﻋﻨﺪ اﻟﻤﺎدة و ﻗﻮاﻧﻴﻨﻬﺎ؟‬
‫إن اﻟﻤﻐﻔﻞ اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ هﻮ اﻟﺬي ﻋﺮف اﻟﻤﺎدة و ﻏﻔﻞ ﻋﻦ رب اﻟﻤﺎدة‪..‬‬

‫و ﺗﺤﺼﻴﻞ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﻤﺎدﻳﺔ ﺳﻬﻞ و هﻮ ﻓﻲ اﻟﻜﺘﺐ و ﻓﻲ اﻟﻤﺪارس و ﻓﻲ ﻣﺼﺮ وﺣﺪهﺎ أآﺜﺮ‬

‫ﻣﻦ ﻋﺸﺮة ﺁﻻف ﺣﺎﻣﻞ دآﺘﻮراﻩ‪ ،‬و أآﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺎﺋﺔ أﻟﻒ ﺣﺎﻣﻞ ﻣﺎﺟﺴﺘﻴﺮ و دﺑﻠﻮم‪.‬‬
‫و ﻟﻜﻦ آﻢ ﻓﻲ هﺬا اﻟﺒﻠﺪ ﻣﻦ اﻵﺣﺎد أو اﻟﻌﺸﺮات ﻣﻤﻦ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻘﺎل ﻋﻨﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﻌﺎرﻓﻴﻦ‬
‫ﺑﻨﻔﻮﺳﻬﻢ و اﻟﻌﺎرﻓﻴﻦ ﺑﺮﺑﻬﻢ‪.‬‬

‫ﻟﻘﺪ ﺣﺼﻠﺖ ﻋﻠﻮم اﻟﻄﺐ و أﻧﺎ ﺷﺎب‪..‬‬

‫و هﺄﻧﺬا أآﺘﻬﻞ دون أن أن أﺻﻞ إﻟﻰ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺑﻨﻔﺴﻲ و ﺑﺮﺑﻲ‪ ..‬ﻓﺘﻠﻚ ذروة ﻻ ﻳﺒﻠﻐﻬﺎ إﻻ‬
‫اﻷﻓﺮاد‪..‬‬
‫هﺆﻻء اﻟﺬﻳﻦ ﻗﺎل ﻋﻨﻬﻢ رﺑﻬﻢ‪:‬‬
‫)) إذا ﺗﺘﻠﻰ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺁﻳﺎت اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺧﺮوا ﺳﺠﺪا و ﺑﻜﻴﺎ (( )‪ – 58‬ﻣﺮﻳﻢ(‪.‬‬
‫ذﻟﻚ ﺣﺎل ﺻﺎﺣﺒﻨﺎ اﻟﺬي ﺳﺠﺪ ﺑﺎآﻴًﺎ ﻋﻨﺪ اﻟﻜﻌﺒﺔ‪..‬‬

‫و ﺗﻠﻚ ﻣﺮﺗﺒﺔ و ﻣﻨﺰﻟﺔ و درﺟﺔ ﺑﻴﻨﻬﺎ و ﺑﻴﻦ ﺻﺎﺣﺒﻨﺎ اﻟﻨﻈﻴﻒ اﻟﻠﻄﻴﻒ اﻟﺬآﻲ اﻟﻤﺘﺤﻀﺮ‬
‫أﺳﺘﺎذ اﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ اﻟﺴﻮﻳﺪي ﺳﺒﻊ ﺳﻤﺎوات‪ ..‬هﺬا ﺳﻴﺪ ﻣﻦ ﺳﺎدة اﻷرض‪ ،‬ﺻﺎﺣﺐ ﻣﻠﻚ‬
‫ﻣﺤﺪود ﻓﻲ زﻣﻦ ﻣﺤﺪود‪ ..‬و ذﻟﻚ ﺳﻴﺪ ﻋﻠﻰ اﻷوﻟﻴﻦ و اﻵﺧﺮﻳﻦ ﻟﻪ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎوات ﻣﻠﻚ ﺑﻼ‬
‫ﺣﺪود ﻓﻲ أﺑﺪ ﺑﻼﺗﻨﺎﻩ‪..‬‬

‫ﻓﻤﻦ هﻮ اﻟﻤﻐﻔﻞ ﺑﺎﻟﺤﻘﻴﻘﺔ؟‬

‫و ﻣﻦ هﻮ اﻟﻔﺎﺋﺰ ﺑﺎﻟﺤﻘﻴﻘﺔ؟‬

‫و ﻟﻜﻦ ﻧﺤﻦ ﻓﻲ ﻋﺼﺮ ﻣﺎدي‪ ..‬و ذآﺮ اﻟﺠﻨﺔ و اﻟﺴﻤﺎوات أﻣﺮ ﻳﺒﺘﺴﻢ ﻟﻪ أهﻞ اﻟﺪﻧﻴﺎ و ﺳﺎدﺗﻬﺎ‬
‫اﻟﻤﺎآﺮون‪ ،‬و ﻳﻀﺤﻜﻮن ﻓﻴﻪ ﻋﻠﻰ ﺳﺬاﺟﺘﻨﺎ و ﻻ أﺣﺪ ﻳﻬﺘﻢ ﻓﻲ هﺬﻩ اﻟﺪﻧﻴﺎ إﻻ ﺑﺎﻟﺮﺑﺢ اﻟﻌﺎﺟﻞ‪..‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪266‬‬
 ‫و ﻟﻬﺬ اﻗﺘﻀﻰ اﻟﻌﺪل أن ﻳﺘﻌﺎﻣﻞ اﷲ ﻣﻊ هﺆﻻء اﻟﻤﺎآﺮﻳﻦ‪ ..‬ﺑﺎﻟﻤﻜﺮ اﻹﻟﻬﻲ‪..‬‬
‫)) و ﻣﻜﺮوا ﻣﻜﺮًا و ﻣﻜﺮﻧﺎ ﻣﻜﺮًا (( )‪ – 50‬اﻟﻨﻤﻞ(‪.‬‬

‫و ﻣﺎ هﻢ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ رﺧﺎء و ﻏﻨﻰ و ﻋﻠﻮ‪ ..‬هﻮ اﺳﺘﺪراج و ﻟﻴﺲ ﻋﻠﻮًا‪.‬‬

‫)) ﺳﻨﺴﺘﺪرﺟﻬﻢ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻻ ﻳﻌﻠﻤﻮن (( )‪ – 44‬اﻟﻘﻠﻢ(‪.‬‬
‫)) أﻳﺤﺴﺒﻮن أﻧﻤﺎ ﻧﻤﺪهﻢ ﺑﻪ ﻣﻦ ﻣﺎل و ﺑﻨﻴﻦ‪ ،‬ﻧﺴﺎرع ﻟﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﺨﻴﺮات ﺑﻞ ﻻ ﻳﺸﻌﺮون (( )‬
‫‪ – 56 ،55‬اﻟﻤﺆﻣﻨﻮن(‪.‬‬
‫)) و ﻗﺪ ﻣﻜﺮوا ﻣﻜﺮهﻢ و ﻋﻨﺪ اﷲ ﻣﻜﺮهﻢ و إن آﺎن ﻣﻜﺮهﻢ ﻟﺘﺰول ﻣﻨﻪ اﻟﺠﺒﺎل (( )‪– 46‬‬
‫إﺑﺮاهﻴﻢ(‪.‬‬

‫و ﺻﺎﺣﺒﻨﺎ اﻟﺬآﻲ اﻟﺬي ﻻ ﺗﻨﻔﺪ ﻟﻪ ﺣﺠﺞ إذا رﺁﻧﺎ ﻧﺤﻜﻢ ﺣﻮل ﻋﻨﻘﻪ ﺣﻠﻘﺎت اﻟﻤﻨﻄﻖ و إذا ﺷﻌﺮ‬
‫ﺑﻤﻨﻄﻘﻨﺎ ﻳﻮﺷﻚ أن ﻳﺴﻜﺘﻪ ﻣﺎ ﻳﻠﺒﺚ أن ﻳﺼﺮخ‪.‬‬
‫و ﻣﺎذا أﺳﺎوي أﻧﺎ إﻟﻰ ﺟﻮار ﻋﻈﻤﺔ اﷲ‪ ..‬و ﻟﻤﺎذا ﻳﻌﺬﺑﻨﻲ اﷲ و أﻧﺎ ﻻ أﺳﺎوي ﺷﻴﺌﺎ‪ ..‬و هﻞ‬
‫أﻧﺎ إﻻ ذرة ﺗﺎﻓﻬﺔ؟‬

‫و هﻮ ﺗﻮاﺿﻊ آﺎذب و اﻧﻜﺴﺎر ﻣﻔﺘﻌﻞ ﻷﻧﻪ ﻟﻮ ﺷﻌﺮ ﺣﻘًﺎ ﺑﻌﻈﻤﺔ رﺑﻪ و ﺑﺘﻔﺎهﺔ ﻧﻔﺴﻪ ﻟﺨﺮ‬
‫ﺳﺎﺟﺪًا ﺑﺎآﻴًﺎ أﻣﺎم هﺬﻩ اﻟﻌﻈﻤﺔ‪ ،‬و ﻟﺸﻌﺮ ﺑﺎﻟﺨﺸﻮع أﻣﺎم ﺗﻠﻚ اﻟﻬﻴﺒﺔ‪ ..‬إﻧﻤﺎ هﻲ اﻟﻤﻼﺣﺎة و‬
‫اﻟﺠﺪل‪.‬‬

‫و ﻧﺮد ﻋﻠﻰ ﻣﻜﺮﻩ ﻓﻨﻘﻮل‪:‬‬

‫ﻟﺴﺖ ﺗﺎﻓﻬًﺎ ﻋﻨﺪ رﺑﻚ و ﻻ هﻴﻦ اﻟﺸﺄن‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻧﻔﺦ ﻓﻴﻚ ﻣﻦ روﺣﻪ‪ ،‬و أﺳﺠﺪ ﻟﻚ ﻣﻼﺋﻜﺘﻪ‪ ،‬و‬
‫ﺳﺨﺮ ﻟﻚ أآﻮاﻧﻪ آﻠﻬﺎ‪ ،‬و أﻋﻄﺎك اﻟﺘﺴﺮﻣﺪ و اﻟﺨﻠﻮد‪ ،‬و ﻣﻨﺤﻚ اﻟﺤﺮﻳﺔ‪ ..‬إن ﺷﺌﺖ آﻨﺖ‬
‫رﺑﺎﻧﻴًﺎ‪ ..‬و إن ﺷﺌﺖ آﻨﺖ ﺷﻴﻄﺎﻧﻴًﺎ‪.‬‬
‫ﻓﺄﻳﻦ هﻮان اﻟﺸﺄن ﻣﻦ هﺬا آﻠﻪ‪.‬‬

‫ﺑﻞ هﻮ ﺗﺤﺎﻳﻞ اﻟﻤﺎآﺮﻳﻦ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻳﺼﺒﺢ ﻇﻬﺮهﻢ إﻟﻰ اﻟﺤﺎﺋﻂ و ﺗﺘﻘﻄﻊ ﺑﻬﻢ اﻟﺤﺠﺞ ﻓﻴﺘﻤﺴﻜﻨﻮن‬
‫و ﻳﺘﻤﺎوﺗﻮن و ﻳﺘﺨﺎﻓﺘﻮن و ﻳﺘﻬﺎﻣﺴﻮن‪ ..‬هﻞ ﻧﺤﻦ إﻻ ذﺑﺎب ﻳﺎرب‪..‬‬
‫و هﻞ ﻟﻠﺘﺮاب أن ﻳﺘﻄﺎول‪..‬‬

‫و هﻞ ﻟﻠﻄﻴﻦ ﻋﻨﺪك ﺷﺄن ﻳﺴﺎوي أن ﺗﺤﻔﻞ ﺑﻪ و ﺗﻌﺬﺑﻪ؟ و ﻟﻮ أﺣﺲ اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ أﻧﻪ‬
‫ﺗﺮاب‪ ،‬و ﻟﻮاﻧﻄﻠﻘﺖ أﻋﻤﺎﻟﻪ و أﻗﻮاﻟﻪ ﻣﻦ هﺬا اﻹﺣﺴﺎس ﻟﻜﺎن ﻟﻪ ﻣﻊ اﷲ ﺣﺎل ﻏﻴﺮ اﻟﺤﺎل و‬
‫ﺷﺄن ﻏﻴﺮ اﻟﺸﺄن‪.‬‬

‫و ﻟﻜﻨﻪ اﻟﻤﻜﺮ‪..‬‬
‫و ﻣﻬﻤﺎ ﺗﻤﺎآﺮوا‪ ..‬ﻓﺎﷲ أﻣﻜﺮ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪267‬‬
 ‫ﻟﻤﺎذا ﺗﻤﺮض ﻧﻔﻮﺳﻨﺎ؟!!‬

‫اﻟﻤﺆﻣﻦ ﻻ ﻳﻌﺮف ﺷﻴﺌﺎ اﺳﻤﻪ اﻟﻤﺮض اﻟﻨﻔﺴﻲ ﻷﻧﻪ ﻳﻌﻴﺶ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﻗﺒﻮل و اﻧﺴﺠﺎم ﻣﻊ آﻞ‬
‫ﻣﺎ ﻳﺤﺪث ﻟﻪ ﻣﻦ ﺧﻴﺮ و ﺷﺮ‪ ..‬ﻓﻬﻮ آﺮاآﺐ اﻟﻄﺎﺋﺮة اﻟﺬي ﻳﺸﻌﺮ ﺑﺜﻘﺔ آﺎﻣﻠﺔ ﻓﻲ ﻗﺎﺋﺪهﺎ و ﻓﻲ‬
‫أﻧﻪ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﺨﻄﺊ ﻷن ﻋﻠﻤﻪ ﺑﻼ ﺣﺪود‪ ،‬و ﻣﻬﺎراﺗﻪ ﺑﻼ ﺣﺪود‪ ..‬ﻓﻬﻮ ﺳﻮف ﻳﻘﻮد‬
‫اﻟﻄﺎﺋﺮة ﺑﻜﻔﺎءة ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻈﺮوف و ﺳﻮف ﻳﺠﺘﺎز ﺑﻬﺎ اﻟﻌﻮاﺻﻒ و اﻟﺤﺮ و اﻟﺒﺮد و اﻟﺠﻠﻴﺪ‬
‫و اﻟﻀﺒﺎب‪ ..‬و هﻮ ﻣﻦ ﻓﺮط ﺛﻘﺘﻪ ﻳﻨﺎم و ﻳﻨﻌﺲ ﻓﻲ آﺮﺳﻴﻪ ﻓﻲ اﻃﻤﺌﻨﺎن و هﻮ ﻻ ﻳﺮﺗﺠﻒ و‬
‫ﻻ ﻳﻬﺘﺰ اذا ﺳﻘﻄﺖ اﻟﻄﺎﺋﺮة ﻓﻲ ﻣﻄﺐ هﻮاﺋﻲ أو ﺗﺮﻧﺤﺖ ﻓﻲ ﻣﻨﻌﻄﻒ أو ﻣﺎﻟﺖ ﻧﺤﻮ ﺟﺒﻞ‪..‬‬
‫ﻓﻬﺬﻩ أﻣﻮر آﻠﻬﺎ ﻟﻬﺎ ﺣﻜﻤﺔ و ﻗﺪ ﺣﺪﺛﺖ ﺑﺎرادة اﻟﻘﺎﺋﺪ و ﻋﻠﻤﻪ و ﻏﺎﻳﺘﻬﺎ اﻟﻤﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻷﻣﺎن‬
‫ﻓﻜﻞ ﺷﻲء ﻳﺠﺮي ﺑﺘﺪﺑﻴﺮ و آﻞ ﺣﺪث ﻳﺤﺪث ﺑﺘﻘﺪﻳﺮ و ﻟﻴﺲ ﻓﻲ اﻻﻣﻜﺎن أﺑﺪع ﻣﻤﺎ آﺎن‪ ..‬و‬
‫هﻮ ﻟﻬﺬا ﻳﺴﻠﻢ ﻧﻔﺴﻪ ﺗﻤﺎﻣﺎ ﻟﻘﺎﺋﺪﻩ ﺑﻼ ﻣﺴﺎءﻟﺔ و ﺑﻼ ﻣﺠﺎدﻟﺔ و ﻳﻌﻄﻴﻪ آﻞ ﺛﻘﺘﻪ ﺑﻼ ﺗﺮدد و‬
‫ﻳﺘﻤﺪد ﻓﻲ آﺮﺳﻴﻪ ﻗﺮﻳﺮ اﻟﻌﻴﻦ ﺳﺎآﻦ اﻟﻨﻔﺲ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ آﺎﻣﻠﺔ ﻣﻦ ﺗﻤﺎم اﻟﺘﻮآﻞ‪.‬‬

‫و هﺬا هﻮ ﻧﻔﺲ اﺣﺴﺎس اﻟﻤﺆﻣﻦ ﺑﺮﺑﻪ اﻟﺬي ﻳﻘﻮد ﺳﻔﻴﻨﺔ اﻟﻤﻘﺎدﻳﺮ و ﻳﺪﻳﺮ ﻣﺠﺮﻳﺎت اﻟﺤﻮادث‬
‫و ﻳﻘﻮد اﻟﻔﻠﻚ اﻷﻋﻈﻢ و ﻳﺴﻮق اﻟﻤﺠﺮات ﻓﻲ ﻣﺪاراﺗﻬﺎ و اﻟﺸﻤﻮس ﻓﻲ ﻣﻄﺎﻟﻌﻬﺎ و ﻣﻐﺎرﺑﻬﺎ‪..‬‬
‫ﻓﻜﻞ ﻣﺎ ﻳﺠﺮي ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ أﻣﻮر ﻣﻤﺎ ﻻ ﻃﺎﻗﺔ ﻟﻪ ﺑﻬﺎ‪ ،‬هﻲ ﻓﻲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﺧﻴﺮ‪.‬‬

‫اذا ﻣﺮض و ﻟﻢ ﻳﻔﻠﺢ اﻟﻄﺐ ﻓﻲ ﻋﻼﺟﻪ‪ ..‬ﻗﺎل ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ‪ ..‬هﻮ ﺧﻴﺮ‪ ..‬و اذا اﺣﺘﺮﻗﺖ زراﻋﺘﻪ‬
‫ﻣﻦ اﻟﺠﻔﺎف و ﻟﻢ ﺗﻨﺠﺢ وﺳﺎﺋﻠﻪ ﻓﻲ ﺗﺠﻨﺐ اﻟﻜﺎرﺛﺔ‪ ..‬ﻓﻬﻲ ﺧﻴﺮ‪ ..‬و ﺳﻮف ﻳﻌﻮﺿﻪ اﷲ ﺧﻴﺮا‬
‫ﻣﻨﻬﺎ‪ ..‬و اذا ﻓﺸﻞ ﻓﻲ ﺣﺒﻪ‪ ..‬ﻗﺎل ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ ﺣﺐ ﻓﺎﺷﻞ ﺧﻴﺮ ﻣﻦ زﻳﺠﺔ ﻓﺎﺷﻠﺔ‪ ..‬ﻓﺎذا ﻓﺸﻞ‬
‫زواﺟﻪ‪ ..‬ﻗﺎل ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ اﻟﺤﻤﺪ ﷲ أﺧﺬت اﻟﺸﺮ و راﺣﺖ‪ ..‬و اﻟﻮﺣﺪة ﺧﻴﺮ ﻟﺼﺎﺣﺒﻬﺎ ﻣﻦ‬
‫ﺟﻠﻴﺲ اﻟﺴﻮء‪ ..‬و اذا أﻓﻠﺴﺖ ﺗﺠﺎرﺗﻪ ﻗﺎل اﻟﺤﻤﺪ ﷲ ﻟﻌﻞ اﷲ ﻗﺪ ﻋﻠﻢ أن اﻟﻐﻨﻰ ﺳﻮف ﻳﻔﺴﺪﻧﻲ‬
‫و أن ﻣﻜﺎﺳﺐ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺳﺘﻜﻮن ﺧﺴﺎرة ﻋﻠﻲ ﻓﻲ اﻵﺧﺮة‪ ..‬و اذا ﻣﺎت ﻟﻪ ﻋﺰﻳﺰ‪ ..‬ﻗﺎل اﻟﺤﻤﺪﷲ‪..‬‬
‫ﻓﺎﷲ أوﻟﻰ ﺑﻨﺎ ﻣﻦ أﻧﻔﺴﻨﺎ و هﻮ اﻟﻮﺣﻴﺪ اﻟﺬي ﻳﻌﻠﻢ ﻣﺘﻰ ﺗﻜﻮن اﻟﺰﻳﺎدة ﻓﻲ أﻋﻤﺎرﻧﺎ ﺧﻴﺮا ﻟﻨﺎ و‬
‫ﻣﺘﻰ ﺗﻜﻮن ﺷﺮا ﻋﻠﻴﻨﺎ‪ ..‬ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻻ ﻳﺴﺄل ﻋﻤﺎ ﻓﻌﻞ‪.‬‬

‫و ﺷﻌﺎرﻩ داﺋﻤﺎ‪) :‬و ﻋﺴﻰ أن ﺗﻜﺮهﻮا ﺷﻴﺌﺎ و هﻮ ﺧﻴﺮ ﻟﻜﻢ و ﻋﺴﻰ أن ﺗﺤﺒﻮا ﺷﻴﺌﺎ و هﻮ ﺷﺮ‬
‫ﻟﻜﻢ و اﷲ ﻳﻌﻠﻢ و أﻧﺘﻢ ﻻﺗﻌﻠﻤﻮن(‬

‫و هﻮ داﺋﻤﺎ ﻣﻄﻤﺌﻦ اﻟﻘﻠﺐ ﺳﺎآﻦ اﻟﻨﻔﺲ ﻳﺮى ﺑﻨﻮر ﺑﺼﻴﺮﺗﻪ أن اﻟﺪﻧﻴﺎ دار اﻣﺘﺤﺎن و ﺑﻼء و‬
‫أﻧﻬﺎ ﻣﻤﺮ ﻻ ﻣﻘﺮ‪ ،‬و أﻧﻬﺎ ﺿﻴﺎﻓﺔ ﻣﺆﻗﺘﺔ ﺷﺮهﺎ زاﺋﻞ و ﺧﻴﺮهﺎ زاﺋﻞ‪ ..‬و أن اﻟﺼﺎﺑﺮ ﻓﻴﻬﺎ هﻮ‬
‫اﻟﻜﺎﺳﺐ و اﻟﺸﺎآﺮ هﻮ اﻟﻐﺎﻟﺐ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪268‬‬
‫ﻻ ﻣﺪﺧﻞ ﻟﻮﺳﻮاس ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺒﻪ و ﻻ ﻟﻬﺎﺟﺲ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ‪ ،‬ﻷن ﻧﻔﺴﻪ داﺋﻤﺎ ﻣﺸﻐﻮﻟﺔ ﺑﺬآﺮ اﻟﻌﻈﻴﻢ‬
‫اﻟﺮﺣﻴﻢ اﻟﺠﻠﻴﻞ و ﻗﻠﺒﻪ ﻳﻬﻤﺲ‪ :‬اﷲ‪ ..‬اﷲ‪ ..‬ﻣﻊ آﻞ ﻧﺒﻀﺔ‪ ،‬ﻓﻼ ﻳﺠﺪ اﻟﺸﻴﻄﺎن ﻣﺤﻼ و ﻻ ﻣﻮﻃﺊ‬
‫ﻗﺪم و ﻻ رآﻨﺎ ﻣﻈﻠﻤﺎ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﻘﻠﺐ ﻳﺘﺴﻠﻞ ﻣﻨﻪ‪.‬‬
‫و هﻮ ﻗﻠﺐ ﻻ ﺗﺤﺮآﻪ اﻟﻨﻮازل و ﻻ ﺗﺰﻟﺰﻟﻪ اﻟﺰﻻزل ﻷﻧﻪ ﻓﻲ ﻣﻘﻌﺪ اﻟﺼﺪق اﻟﺬي ﻻ ﺗﻨﺎﻟﻪ‬
‫اﻷﻏﻴﺎر‪.‬‬
‫و آﻞ اﻷﻣﺮاض اﻟﻨﻔﺴﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻜﻠﻢ ﻋﻨﻬﺎ أﻃﺒﺎء اﻟﻨﻔﻮس ﻟﻬﺎ ﻋﻨﺪﻩ أﺳﻤﺎء أﺧﺮى‪:‬‬

‫اﻟﻜﺒﺖ اﺳﻤﻪ ﺗﻌﻔﻒ‬

‫و اﻟﺤﺮﻣﺎن رﻳﺎﺿﺔ‬
‫و اﻻﺣﺴﺎس ﺑﺎﻟﺬﻧﺐ ﺗﻘﻮى‬
‫و اﻟﺨﻮف )و هﻮ ﺧﻮف ﻣﻦ اﷲ وﺣﺪﻩ( ﻋﺎﺻﻢ ﻣﻦ اﻟﺰﻟﻞ‬
‫و اﻟﻤﻌﺎﻧﺎة ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺤﻜﻤﺔ‬
‫و اﻟﺤﺰن ﻣﻌﺮﻓﺔ‬
‫و اﻟﺸﻬﻮات درﺟﺎت ﺳﻠﻢ ﻳﺼﻌﺪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﻘﻤﻌﻬﺎ و ﻳﻌﻠﻮ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﻜﺒﺤﻬﺎ اﻟﻰ ﻣﻨﺎزل اﻟﺼﻔﺎء‬
‫اﻟﻨﻔﺴﻲ و اﻟﻘﻮة اﻟﺮوﺣﻴﺔ‬
‫و اﻷرق‪ ..‬ﻣﺪد ﻣﻦ اﷲ ﻟﻤﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺬآﺮ‪ ..‬و اﻟﻠﻴﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﻨﺎم ﻓﻴﻬﺎ ﻧﻌﻤﺔ ﺗﺴﺘﺪﻋﻲ اﻟﺸﻜﺮ و‬
‫ﻟﻴﺴﺖ ﺷﻜﻮى ﻳﺒﺤﺚ ﻟﻬﺎ ﻋﻦ دواء ﻣﻨﻮم ﻓﻘﺪ ﺻﺤﺎ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻰ اﻟﻔﺠﺮ و ﻗﺎم ﻟﻠﺼﻼة‬
‫و اﻟﻨﺪم ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ ﺣﻤﻴﺪة ﻟﻠﺮﺟﻮع اﻟﻰ اﻟﺤﻖ و اﻟﻌﻮدة اﻟﻰ اﷲ‬
‫و اﻵﻻ م ﺑﺄﻧﻮاﻋﻬﺎ اﻟﺠﺴﺪي ﻣﻨﻬﺎ و اﻟﻨﻔﺴﻲ هﻲ اﻟﻤﻌﻮﻧﺔ اﻻﻟﻬﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺴﺘﻌﻴﻦ ﺑﻬﺎ ﻋﻠﻰ‬
‫ﻏﻮاﻳﺔ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻓﻴﺴﺘﻮﺣﺶ ﻣﻨﻬﺎ و ﻳﺰهﺪ ﻓﻴﻬﺎ‬
‫و اﻟﻴﺄس و اﻟﺤﻘﺪ و اﻟﺤﺴﺪ أﻣﺮاض ﻧﻔﺴﻴﺔ ﻻ ﻳﻌﺮﻓﻬﺎ و ﻻ ﺗﺨﻄﺮ ﻟﻪ ﻋﻠﻰ ﺑﺎل‬
‫و اﻟﻐﻞ و اﻟﺜﺄر و اﻻﻧﺘﻘﺎم ﻣﺸﺎﻋﺮ ﺗﺨﻄﺎهﺎ ﺑﺎﻟﻌﻔﻮ و اﻟﺼﻔﺢ و اﻟﻤﻐﻔﺮة‬
‫و هﻮ ﻻ ﻳﻐﻀﺐ اﻻ ﻟﻤﻈﻠﻮم و ﻻ ﻳﻌﺮف اﻟﻌﻨﻒ اﻻ آﺒﺤﺎ ﻟﻈﺎﻟﻢ‬
‫و اﻟﻤﺸﺎﻋﺮ اﻟﻨﻔﺴﻴﺔ اﻟﺴﺎﺋﺪة ﻋﻨﺪﻩ هﻲ اﻟﻤﻮدة و اﻟﺮﺣﻤﺔ و اﻟﺼﺒﺮ و اﻟﺸﻜﺮ و اﻟﺤﻠﻢ و اﻟﺮأﻓﺔ‬
‫و اﻟﻮداﻋﺔ و اﻟﺴﻤﺎﺣﺔ و اﻟﻘﺒﻮل و اﻟﺮﺿﺎ‬

‫ﺗﻠﻚ هﻲ دوﻟﺔ اﻟﻤﺆﻣﻦ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻌﺮف اﻷﻣﺮاض اﻟﻨﻔﺴﻴﺔ و ﻻ اﻟﻄﺐ اﻟﻨﻔﺴﻲ‪..‬‬

‫و اﻷﺻﻨﺎم اﻟﻤﻌﺒﻮدة ﻣﺜﻞ اﻟﻤﺎل و اﻟﺠﻨﺲ و اﻟﺠﺎﻩ و اﻟﺴﻠﻄﺎن‪ ،‬ﺗﺤﻄﻤﺖ و ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ‬
‫ﺗﻔﺘﻴﺖ اﻟﻤﺸﺎﻋﺮ و ﺗﺒﺪﻳﺪ اﻻﻧﺘﺒﺎﻩ‪ ..‬ﻓﺎﺟﺘﻤﻌﺖ اﻟﻨﻔﺲ ﻋﻠﻰ ذاﺗﻬﺎ و ﺗﻮﺣﺪت هﻤﺘﻬﺎ‪ ،‬و اﻧﻘﺸﻊ‬
‫ﺿﺒﺎب اﻟﺮﻏﺒﺎت و ﺻﻔﺖ اﻟﺮؤﻳﺔ و هﺪأت اﻟﺪواﻣﺔ و ﺳﺎد اﻻﻃﻤﺌﻨﺎن و أﺻﺒﺢ اﻻﻧﺴﺎن‬
‫أﻣﻠﻚ ﻟﻨﻔﺴﻪ و أﻗﺪر ﻋﻠﻰ ﻗﻴﺎدهﺎ و ﺗﺤﻮل ﻣﻦ ﻋﺒﺪ ﻟﻨﻔﺴﻪ اﻟﻰ ﺣﺮ ﺑﻔﻀﻞ اﻟﺸﻌﻮر ﺑﻼ اﻟﻪ اﻻ‬
‫اﷲ‪ ..‬و ﺑﺄﻧﻪ ﻻ ﺣﺎآﻢ و ﻻ ﻣﻬﻴﻤﻦ و ﻻ ﻣﺎﻟﻚ ﻟﻠﻤﻠﻚ اﻻ واﺣﺪ‪ ،‬ﻓﺘﺤﺮر ﻣﻦ اﻟﺨﻮف ﻣﻦ آﻞ‬
‫ﺣﺎآﻢ و ﻣﻦ أي آﺒﻴﺮ ﺑﻞ ان اﻟﻤﻮت أﺻﺒﺢ ﻓﻲ ﻧﻈﺮﻩ ﺗﺤﺮرا و اﻧﻄﻼﻗﺎ و ﻟﻘﺎء ﺳﻌﻴﺪ‬
‫ﺑﺎﻟﺤﺒﻴﺐ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪269‬‬
 ‫اﺧﺘﻠﻔﺖ اﻟﻨﻔﺲ و أﺻﺒﺤﺖ ﻏﻴﺮ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﻤﺮض‪ ..‬و ارﺗﻔﻌﺖ اﻟﻰ هﺬﻩ اﻟﻤﻨﺰﻟﺔ ﺑﺎﻻﻳﻤﺎن و‬
‫اﻟﻄﺎﻋﺔ و اﻟﻌﺒﺎدة ﻓﺄﺻﺒﺢ اﺧﺘﻴﺎرهﺎ هﻮ ﻣﺎ ﻳﺨﺘﺎرﻩ اﷲ‪ ،‬و هﻮاهﺎ ﻣﺎ ﻳﺤﺒﻪ اﷲ‪ ..‬و ذاﺑﺖ‬
‫اﻷﻧﺎﻧﻴﺔ و اﻟﺸﺨﺼﺎﻧﻴﺔ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻔﺲ ﻓﺄﺻﺒﺤﺖ أداة ﻋﺎﻣﻠﺔ و ﻳﺪا ﻣﻨﻔﺬة ﻻرادة رﺑﻬﺎ‪ .‬و هﺬﻩ‬
‫اﻟﻨﻔﺲ اﻟﻤﺆﻣﻨﺔ ﻻ ﺗﻌﺮف داء اﻻآﺘﺌﺎب‪ ،‬ﻓﻬﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻜﺲ ﻧﻔﺲ ﻣﺘﻔﺎﺋﻠﺔ ﺗﺆﻣﻦ ﺑﺄﻧﻪ ﻻ وﺟﻮد‬
‫ﻟﻠﻜﺮب ﻣﺎدام هﻨﺎك رب‪ ..‬و أن اﻟﻌﺪل ﻓﻲ ﻣﺘﻨﺎوﻟﻨﺎ ﻣﺎدام هﻨﺎك ﻋﺎدل‪ ..‬و أن ﺑﺎب اﻟﺮﺟﺎء‬
‫ﻣﻔﺘﻮح ﻋﻠﻰ ﻣﺼﺮاﻋﻴﻪ ﻣﺎدام اﻟﻤﺮﺗﺠﻰ و اﻟﻘﺎدر ﺣﻴﺎ ﻻ ﻳﻤﻮت‪.‬‬

‫و اﻟﻨﻔﺲ اﻟﻤﺆﻣﻨﺔ ﻓﻲ دهﺸﺔ ﻃﻔﻮﻟﻴﺔ داﺋﻤﺔ ﻣﻦ ﺁﻳﺎت اﻟﻘﺪرة ﺣﻮﻟﻬﺎ و هﻲ ﻓﻲ ﻧﺸﻮة ﻣﻦ‬
‫اﻟﺠﻤﺎل اﻟﺬي ﺗﺮاﻩ ﻓﻲ آﻞ ﺷﻲء‪ ..‬و ﻣﻦ اﺑﺪاع اﻟﺒﺪﻳﻊ اﻟﺬي ﺗﺮى ﺁﺛﺎرﻩ ﻓﻲ اﻟﻌﻮاﻟﻢ ﻣﻦ‬
‫اﻟﻤﺠﺮات اﻟﻜﺒﺮى اﻟﻰ اﻟﺬرات اﻟﺼﻐﺮى‪ ..‬اﻟﻰ اﻻﻟﻜﺘﺮوﻧﺎت اﻟﻤﺘﻨﺎهﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﺼﻐﺮ‪ ..‬و آﻠﻤﺎ‬
‫اﺗﺴﻌﺖ ﻣﺴﺎﺣﺔ اﻟﻌﻠﻢ اﺗﺴﻊ أﻣﺎﻣﻬﺎ ﻣﺠﺎل اﻻدهﺎش و ﺗﻀﺎﻋﻔﺖ اﻟﻨﺸﻮة‪ ..‬ﻓﻬﻲ ﻟﻬﺬا ﻻ ﺗﻌﺮف‬
‫اﻟﻤﻠﻞ و ﻻ ﺗﻌﺮف اﻟﺒﻼدة أو اﻟﻜﺂﺑﺔ‪.‬‬

‫و ﺣﺰن هﺬﻩ اﻟﻨﻔﺲ ﺣﺰن ﻣﻀﻲء ﺣﺎﻓﻞ ﺑﺎﻟﺮﺟﺎء‪ ،‬و هﻲ ﻓﻲ ذروة اﻷﻟﻢ و اﻟﻤﺄﺳﺎة ﻻ ﺗﻜﻒ‬
‫ﻋﻦ ﺣﺴﻦ اﻟﻈﻦ ﺑﺎﷲ‪ ..‬و ﻻ ﻳﻔﺎرﻗﻬﺎ ﺷﻌﻮرهﺎ ﺑﺎﻷﻣﻦ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﺸﻌﺮ ﺑﺄن اﷲ ﻣﻌﻬﺎ داﺋﻤﺎ‪ ،‬و‬
‫أآﺜﺮ ﻣﺎ ﻳﺤﺰﻧﻬﺎ ﻧﻘﺼﻬﺎ و ﻋﻴﺒﻬﺎ و ﺧﻄﻴﺌﺘﻬﺎ‪ ..‬ﻻ ﻧﻘﺺ اﻵﺧﺮﻳﻦ و ﻋﻴﻮﺑﻬﻢ‪ ..‬و ﻟﻜﻦ ﻧﻘﺼﻬﺎ‬
‫ﻻ ﻳﻘﻌﺪهﺎ ﻋﻦ ﺟﻬﺎد ﻋﻴﻮﺑﻬﺎ‪ ..‬ﻓﻬﻲ ﻓﻲ ﺟﻬﺎد ﻣﺴﺘﻤﺮ و ﻓﻲ ﺗﺴﻠﻖ ﻣﺴﺘﻤﺮ ﻟﺸﺠﺮة ﺧﻄﺎﻳﺎهﺎ‬
‫ﻟﺘﺨﺮج ﻣﻦ ﻣﺨﺮوط اﻟﻈﻞ اﻟﻰ اﻟﻨﻮر اﻟﻤﻨﺘﺸﺮ أﻋﻠﻰ اﻟﺸﺠﺮة ﻟﺘﺄﺧﺬ ﻣﻨﻪ اﻟﺤﻴﺎة ﻻ ﻣﻦ اﻟﻄﻴﻦ‬
‫اﻟﻜﺜﻴﻒ أﺳﻔﻞ اﻟﺴﻠﻢ‪.‬‬

‫اﻧﻬﺎ ﻓﻲ ﺻﺮاع وﺟﻮدي و ﻓﻲ ﺣﺮب ﺗﻄﻬﻴﺮ ﺑﺎﻃﻨﻴﺔ‪ ..‬و ﻟﻜﻨﻪ ﺻﺮاع هﺎدئ واﺛﻖ ﻻ ﻳﺒﺪد‬
‫اﻃﻤﺌﻨﺎﻧﻬﺎ و ﻻ ﻳﻘﺘﻠﻊ ﺳﻜﻴﻨﺘﻬﺎ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﺸﻌﺮ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﺗﻘﺎﺗﻞ ﺑﺎﻃﻠﻬﺎ ﺑﻘﻮة اﷲ و ﻟﻴﺲ ﺑﻘﻮﺗﻬﺎ‬
‫وﺣﺪهﺎ‪ ..‬و اﻻﺣﺴﺎس ﺑﺎﻟﻤﻌﻴﺔ ﻣﻊ اﷲ ﻻ ﻳﻔﺎرﻗﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻬﻲ ﻓﻲ أﻣﻦ داﺋﻢ رﻏﻢ هﺬا اﻟﻘﺘﺎل‬
‫اﻟﻤﺴﺘﻤﺮ ﻷﺷﺒﺎح اﻟﻬﺰﻳﻤﺔ و ﻟﻘﻮى اﻟﻌﺪﻣﻴﺔ ﺑﺪاﺧﻠﻬﺎ‪ ..‬ﻓﻬﻲ ﻟﻴﺴﺖ وﺣﺪهﺎ ﻓﻲ ﺣﺮﺑﻬﺎ‪.‬‬

‫ذﻟﻚ هﻮ اﻟﺠﻬﺎد اﻷآﺒﺮ اﻟﺬي ﻳﺸﻐﻞ اﻟﻨﻔﺲ ﻋﻦ اﻟﺘﻔﺎهﺎت و اﻟﺸﻜﺎﻳﺎت و اﻵﻻم اﻟﺼﻐﻴﺮة و‬
‫ﻳﺤﻔﻈﻬﺎ ﻣﻦ اﻻﻧﻜﻔﺎء ﻋﻠﻰ ذاﺗﻬﺎ و اﻟﺮﺛﺎء ﻟﻨﻔﺴﻬﺎ و اﻻﺣﺘﻔﺎء ﺑﻤﻮاهﺒﻬﺎ‪ ..‬ﻓﻬﻲ ﻣﺸﻐﻮﻟﺔ ﻋﻦ‬
‫ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺑﺘﺠﺎوز ﻧﻔﺴﻬﺎ و ﺗﺨﻄﻲ ﻧﻔﺴﻬﺎ و اﻟﻌﻠﻮ ﻋﻠﻰ ذاﺗﻬﺎ‪ ..‬ﻓﻬﻲ ﻓﻲ رﺣﻠﺔ ﺧﺮوج ﻣﺴﺘﻤﺮة‪..‬‬
‫رﺣﻠﺔ ﺗﺨﻄﻲ و ﺻﻌﻮد‪ ،‬و دﺳﺘﻮرهﺎ هﻮ‪) :‬أن ﺗﻘﺎوم أﺑﺪا ﻣﺎ ﺗﺤﺐ و ﺗﺘﺤﻤﻞ داﺋﻤﺎ ﻣﺎ ﺗﻜﺮﻩ(‬

‫و ﻣﺸﺎﻋﺮ هﺬﻩ اﻟﻨﻔﺲ ﻣﻨﺴﺎﺑﺔ ﻣﻊ اﻟﻜﻮن ﻣﺘﺂﻟﻔﺔ ﻣﻊ ﻗﻮاﻧﻴﻨﻪ ﻣﺘﻮاﻓﻘﺔ ﻣﻊ ﺳﻨﻨﻪ ﻣﺘﻜﻴﻔﺔ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ‬
‫ﻣﻊ اﻟﻤﺘﻐﻴﺮات ﺣﻮﻟﻬﺎ‪ ..‬ﻓﻴﻬﺎ ﺳﻼﺳﺔ ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ و ﺑﺴﺎﻃﺔ ﺗﻠﻘﺎﺋﻴﺔ‪ ..‬ﺗﻠﺘﻤﺲ اﻟﺼﺪاﻗﺔ ﻣﻊ آﻞ‬
‫ﺷﻲء‪ ..‬و ﻣﺜﺎﻟﻬﺎ اﻟﻜﺎﻣﻞ هﻮ اﻟﻨﺒﻲ ﻣﺤﻤﺪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ و ﺳﻠﻢ ﺣﻴﻨﻤﺎ آﺎن ﻳﺤﺘﻀﻦ ﺟﺒﻞ أﺣﺪ‬
‫و ﻳﻘﻮل‪ :‬هﺬا ﺟﺒﻞ ﻳﺤﺒﻨﺎ و ﻧﺤﺒﻪ‪ ..‬ﻓﺎﻟﻤﺤﺒﺔ اﻟﺸﺎﻣﻠﺔ هﻲ أﺻﻞ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺸﺎﻋﺮهﺎ‪ ..‬اﻧﻬﺎ ﻓﻲ‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪270‬‬
 ‫ﺻﻠﺢ داﺋﻢ ﻣﻊ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ و ﻣﻊ اﻟﻘﺪر و ﻣﻊ اﷲ‪ ..‬و اﻟﻮﺣﺪة ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻬﺬﻩ اﻟﻨﻔﺲ ﻟﻴﺴﺖ وﺣﺸﺔ‬
‫ﺑﻞ أﻧﺲ‪ ..‬و ﻟﻴﺴﺖ ﺧﻮاء ﺑﻞ اﻣﺘﻼء‪ ..‬و ﻟﻴﺴﺖ ﻓﺮاﻏﺎ ﺑﻞ اﻧﺸﻐﺎل‪ ..‬و ﻟﻴﺴﺖ ﺻﻤﺘﺎ‪ ..‬ﺑﻞ‬
‫ﺣﻮار داﺧﻠﻲ و اﺳﺘﺸﺮاف ﻧﻮراﻧﻲ‪ ..‬و هﻲ ﻟﻴﺴﺖ وﺣﺪة ﺑﻞ ﺣﻀﻦ ﺁﻣﻦ‪ ..‬و ﻋﺬاﺑﻬﺎ اﻟﻮﺣﻴﺪ‬
‫هﻮ ﺧﻄﻴﺌﺘﻬﺎو اﺣﺴﺎﺳﻬﺎ ﺑﺎﻟﺒﻌﺪ و اﻻﻧﻔﺼﺎل ﻋﻦ ﺧﺎﻟﻘﻬﺎ‪ ..‬و هﻮ ﻋﺬاب ﻳﺨﻔﻒ ﻣﻨﻪ اﻻﻳﻤﺎن‬
‫ﺑﺄن اﷲ ﻋﻔﻮ آﺮﻳﻢ ﺗﻮاب ﻳﺤﺐ ﻋﺒﺎدﻩ اﻷواﺑﻴﻦ اﻟﻤﺴﺘﻐﻔﺮﻳﻦ‪ ..‬و هﻲ أﻗﺮب ﻣﺎ ﺗﻜﻮن اﻟﻰ‬
‫رﺑﻬﺎ و هﻲ ﺳﺎﺟﺪة ذاﺋﺒﺔ ﺣﺒﺎ و ﺧﺸﻮﻋﺎ‪ ..‬ﻳﻘﻮل ﺑﻌﺾ اﻷوﻟﻴﺎء اﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ‪ :‬ﻧﺤﻦ ﻓﻲ ﻟﺬة ﻟﻮ‬
‫ﻋﺮﻓﻬﺎ اﻟﻤﻠﻮك ﻟﻘﺎﺗﻠﻮﻧﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺎﻟﺴﻴﻮف‪ ،‬و ﻟﻜﻦ أﻧﻰ ﻟﻠﻤﻠﻮك أن ﻳﻌﺮﻓﻮهﺎ و هﻢ ﻏﺮﻗﻰ اﻟﺪﻧﻴﺎ‬
‫و ﺳﺠﻨﺎء ﻣﺎدﻳﺘﻬﺎ‪.‬‬

‫ان اﻟﺴﺒﻴﻞ اﻟﻰ ﻣﻴﻼد ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻔﺲ و ﺧﺮوﺟﻬﺎ ﻣﻦ ﺷﺮﻧﻘﺘﻬﺎ اﻟﻄﻴﻨﻴﺔ هﻮ اﻟﺪﻳﻦ و اﻟﻄﺎﻋﺔ و‬
‫اﻟﻤﺠﺎهﺪة و ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﺳﺒﻴﻞ ﺁﺧﺮ ﻟﻤﻴﻼدهﺎ‪ ..‬ﻓﺎﻟﻌﻠﻢ ﻻ ﻳﻠﺪ اﻻ ﻏﺮورا و اﻟﻔﻦ ﻻ ﻳﻠﺪ اﻻ ﺗﺄﻟﻬﺎ‪..‬‬
‫و اﻟﺪﻳﻦ وﺣﺪﻩ هﻮ اﻟﻤﺤﻀﻦ اﻟﺬي ﺗﺘﻜﺎﻣﻞ ﻓﻴﻪ اﻟﻨﻔﺲ و ﺗﺒﻠﻎ ﻏﺎﻳﺘﻬﺎ‪.‬‬
‫و ﺑﻴﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء ﻣﺮﺿﻰ ﻧﻔﻮس ﻣﺸﻐﻮﻟﻮن ﺑﺎﺧﺘﺮاع اﻟﻘﻨﺎﺑﻞ و اﻟﻐﺎزات اﻟﺴﺎﻣﺔ‪.‬‬
‫و ﺑﻴﻦ اﻟﻔﻨﺎﻧﻴﻦ ﻣﺘﺄﻟﻬﻮن ﻏﺮﻗﻰ اﻟﻠﺬاﺋﺬ اﻟﺤﺴﻴﺔ‬
‫و اﻟﺪﻳﻦ وﺣﺪﻩ هﻮ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻨﻔﺲ اﻟﻰ آﻤﺎﻟﻬﺎ و ﻧﺠﺎﺗﻬﺎ و ﺷﻔﺎﺋﻬﺎ‬

‫و اﻟﻨﻔﺲ اﻟﻤﺆﻣﻨﺔ ﻧﻔﺲ ﻋﺎﻣﻠﺔ ﻧﺎﺷﻄﺔ ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ اﻟﻶﺧﺮﻳﻦ و ﻧﺠﺪﺗﻬﻢ ﻻ ﻳﻘﻄﻌﻬﺎ ﺗﺄﻣﻠﻬﺎ ﻋﻦ‬
‫اﻟﺸﺎرع و اﻟﺴﻮق و زﺣﺎم اﻷرزاق‪ ..‬و اﻟﻌﻤﻞ ﻋﻨﺪهﺎ ﻋﺒﺎدة‪ ..‬و اﻟﻌﺮق و اﻟﻜﺪح ﻋﻼج و‬
‫دواء و ﺷﻔﺎء ﻣﻦ اﻟﺘﺮف و أﻣﺮاض اﻟﻜﺴﻞ و اﻟﺘﺒﻄﻞ‪ ..‬ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ رﺣﻠﺔ أﺷﻮاق و ﻣﺸﻮار ﻋﻠﻢ‬
‫و رﺳﺎﻟﺔ ﺧﺪﻣﺔ‪ ..‬و اﻟﻌﻤﻞ ﺑﺎﺑﻬﺎ اﻟﻰ اﻟﺼﺤﺔ اﻟﻨﻔﺴﻴﺔ‪ ..‬و ﻣﻨﺘﻬﻰ أﻣﻠﻬﺎ أن ﺗﻈﻞ ﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟﻌﻤﻞ ﺣﺘﻰ اﻟﻨﻔﺲ اﻷﺧﻴﺮ و أن ﺗﻤﻮت و هﻲ ﺗﻐﺮس ﺷﺠﺮة أو ﺗﺒﻨﻲ ﺟﺪارا أو ﺗﻮﻗﺪ ﺷﻤﻌﺔ‪..‬‬
‫ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻔﺲ هﻲ ﻗﺎرب ﻧﺠﺎة‪ ،‬و هﻲ ﻓﻲ ﺣﻔﻆ ﻣﻦ أي ﻣﺮض ﻧﻔﺴﻲ‪ ،‬و ﻻ ﺣﺎﺟﺔ ﺑﻬﺎ اﻟﻰ ﻃﺐ‬
‫هﺬﻩ اﻷﻳﺎم‪ ،‬ﻓﺤﻴﺎﺗﻬﺎ ﻓﻲ ذاﺗﻬﺎ روﺷﺘﺔ ﺳﻌﺎدة‪..‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪271‬‬
 ‫اﻟﻨﻔﺲ و اﻟﺮوح‬

‫ﻓﻲ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﺪارﺟﺔ ﻧﺨﻠﻂ داﺋﻤﺎ ﺑﻴﻦ اﻟﻨﻔﺲ و اﻟﺮوح‪ ،‬ﻓﻨﻘﻮل إن ﻓﻼﻧًﺎ ﻃﻠﻌﺖ روﺣﻪ‪ ..‬و ﻧﻘﻮل‬
‫إن ﻓﻼﻧًﺎ روﺣﻪ ﺗﺸﺘﻬﻲ آﺬا‪ ،‬أو أن روﺣﻪ ﺗﺘﻌﺬب أو أن روﺣﻪ ﺗﻮﺳﻮس ﻟﻪ‪ ،‬أو أن روﺣﻪ‬
‫زهﻘﺖ‪ ،‬أو أن روﺣﻪ اﻃﻤﺄﻧﺖ‪ ،‬أو أن روﺣﻪ ﺗﺎﻗﺖ و اﺷﺘﺎﻗﺖ أو ﺿﺠﺮت و ﻣﻠﺖ‪ ..‬و آﻠﻬﺎ‬
‫ﺗﻌﺒﻴﺮات ﺧﺎﻃﺌﺔ‪ ،‬و آﻠﻬﺎ أﺣﻮال ﺗﺨﺺ اﻟﻨﻔﺲ و ﻟﻴﺲ اﻟﺮوح‪.‬‬

‫ﻓﺎﻟﺘﻲ ﺗﺨﺮج ﻣﻦ ﺑﺪن اﻟﻤﻴﺖ ﻋﻨﺪ اﻟﺤﺸﺮﺟﺔ و اﻟﻤﻮت هﻲ ﻧﻔﺴﻪ و ﻟﻴﺴﺖ روﺣﻪ‪.‬‬

‫ﻳﻘﻮل اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﺮﺁن ﻟﻠﻤﺠﺮﻣﻴﻦ ﺳﺎﻋﺔ اﻟﻤﻮت‪:‬‬

‫)) أﺧﺮﺟﻮا أﻧﻔﺴﻜﻢ اﻟﻴﻮم ﺗﺠﺰون ﻋﺬاب اﻟﻬﻮن (( )‪ – 93‬اﻷﻧﻌﺎم(‬

‫و اﻟﺘﻲ ﺗﺬوق اﻟﻤﻮت هﻲ اﻟﻨﻔﺲ و ﻟﻴﺲ اﻟﺮوح‪.‬‬

‫)) آﻞ ﻧﻔﺲ ذاﺋﻘﺔ اﻟﻤﻮت (( )‪ – 185‬ﺁل ﻋﻤﺮان(‬

‫و اﻟﻨﻔﺲ ﺗﺬوق اﻟﻤﻮت و ﻟﻜﻦ ﻻ ﺗﻤﻮت‪ ..‬ﻓﺘﺬوﻗﻬﺎ اﻟﻤﻮت هﻮ رﺣﻠﺔ ﺧﺮوﺟﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺒﺪن‪ ،‬و‬
‫اﻟﻨﻔﺲ ﻣﻮﺟﻮدة ﻗﺒﻞ اﻟﻤﻴﻼد‪ ،‬و هﻲ ﻣﻮﺟﻮدة ﺑﻄﻮل اﻟﺤﻴﺎة‪ ،‬و هﻲ ﺑﺎﻗﻴﺔ ﺑﻌﺪ اﻟﻤﻮت‪ ،‬و ﻋﻦ‬
‫وﺟﻮد اﻷﻧﻔﺲ ﻗﺒﻞ ﻣﻴﻼد أﺻﺤﺎﺑﻬﺎ ﻳﻘﻮل اﷲ‪ :‬إﻧﻪ أﺧﺬ اﻟﺬرﻳﺔ ﻣﻦ ﻇﻬﻮر اﻵﺑﺎء ﻗﺒﻞ أن ﺗﻮﻟﺪ‬
‫و أﺷﻬﺪهﺎ ﻋﻠﻰ رﺑﻮﺑﻴﺘﻪ ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﺘﻌﻠﻞ أﺣﺪ ﺑﺄﻧﻪ آﻔﺮ ﻷﻧﻪ وﺟﺪ أﺑﺎﻩ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﻔﺮ‪.‬‬

‫)) و إذ أﺧﺬ رﺑﻚ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﺁدم ﻣﻦ ﻇﻬﻮرهﻢ ذرﻳﺘﻬﻢ و أﺷﻬﺪهﻢ ﻋﻠﻰ أﻧﻔﺴﻬﻢ أﻟﺴﺖ ﺑﺮﺑﻜﻢ‬
‫ﻗﺎﻟﻮا ﺑﻠﻰ ﺷﻬﺪﻧﺎ أن ﺗﻘﻮﻟﻮا ﻳﻮم اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ إﻧﺎ آﻨﺎ ﻋﻦ هﺬا ﻏﺎﻓﻠﻴﻦ‪ ،‬أو ﺗﻘﻮﻟﻮا إﻧﻤﺎ أﺷﺮك ﺁﺑﺎؤﻧﺎ‬
‫ﻣﻦ ﻗﺒﻞ و آﻨﺎ ذرﻳ ًﺔ ﻣﻦ ﺑﻌﺪهﻢ أﻓﺘﻬﻠﻜﻨﺎ ﺑﻤﺎ ﻓﻌﻞ اﻟﻤﺒﻄﻠﻮن‪ ،‬و آﺬﻟﻚ ﻧﻔﺼﻞ اﻵﻳﺎت و ﻟﻌﻠﻬﻢ‬
‫ﻳﺮﺟﻌﻮن (( )‪ – 174 ،173 ،172‬اﻷﻋﺮاف(‬

‫ﻓﺬﻟﻚ ﻣﺸﻬﺪ أﺣﻀﺮت ﻓﻴﻪ اﻷﻧﻔﺲ ﻗﺒﻞ أن ﺗﻼﺑﺲ أﺟﺴﺎدهﺎ ﺑﺎﻟﻤﻴﻼد‪ ،‬و ﻟﻴﺲ ﻷﺣﺪ ﻋﺬر ﺑﺄن‬
‫ﻳﻜﻔﺮ ﺑﻌﻠﺔ آﻔﺮ أﺑﻴﻪ‪ ،‬ﻓﻘﺪ آﺎن ﻟﻜﻞ ﻧﻔﺲ ﻣﺸﻬﺪ ﻣﺴﺘﻘﻞ ﻃﺎﻟﻌﺖ ﻓﻴﻪ اﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺔ‪ ..‬و ﺑﻬﺬا اﺳﺘﻘﺮت‬
‫ﺣﻘﻴﻘﺔ اﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺔ ﻓﻄﺮﺗﻨﺎ ﺟﻤﻴﻌًﺎ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪272‬‬
‫ﺛﻢ إن اﻟﺮوح ﻻ ﺗﻮﺳﻮس‪ ،‬و ﻻ ﺗﺸﺘﻬﻲ و ﻻ ﺗﻬﻮى و ﻻ ﺗﻀﺠﺮ و ﻻ ﺗﻤﻞ و ﻻ ﺗﺘﻌﺬب‪ ،‬و ﻻ‬
‫ﺗﻌﺎﻧﻲ هﺒﻮﻃﺎ و ﻻ اﻧﺘﻜﺎﺳﺎ‪ .‬إﻧﻤﺎ ﺗﻠﻚ آﻠﻬﺎ ﻣﻦ أﺣﻮال اﻟﻨﻔﺲ و ﻟﻴﺲ اﻟﺮوح‪.‬‬

‫ﻳﻘﻮل اﻟﻘﺮﺁن‪:‬‬

‫)) ﻓﻄﻮﻋﺖ ﻟﻪ ﻧﻔﺴﻪ ﻗﺘﻞ أﺧﻴﻪ(( )‪ – 30‬اﻟﻤﺎﺋﺪة(‬

‫)) و ﻟﻘﺪ ﺧﻠﻘﻨﺎ اﻹﻧﺴﺎن و ﻧﻌﻠﻢ ﻣﺎ ﺗﻮﺳﻮس ﺑﻪ ﻧﻔﺴﻪ(( )‪ – 16‬ق(‬

‫)) و ﻧﻔﺲ و ﻣﺎ ﺳﻮاهﺎ‪ ،‬ﻓﺄﻟﻬﻤﻬﺎ ﻓﺠﻮرهﺎ و ﺗﻘﻮاهﺎ(( )‪ – 8 ،7‬اﻟﺸﻤﺲ(‬

‫)) ﺑﻞ ﺳﻮﻟﺖ ﻟﻜﻢ أﻧﻔﺴﻜﻢ أﻣﺮًا ﻓﺼﺒﺮ ﺟﻤﻴﻞ(( )‪ – 18‬ﻳﻮﺳﻒ(‬

‫)) و ﺿﺎﻗﺖ ﻋﻠﻴﻬﻢ أﻧﻔﺴﻬﻢ و ﻇﻨﻮا أﻻ ﻣﻠﺠﺄ ﻣﻦ اﷲ إﻻ إﻟﻴﻪ(( )‪ – 118‬اﻟﺘﻮﺑﺔ(‬

‫)) إﻧﻤﺎ ﻳﺮﻳﺪ اﷲ ﻟﻴﻌﺬﺑﻬﻢ ﺑﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺪﻧﻴﺎ و ﺗﺰهﻖ أﻧﻔﺴﻬﻢ(( )‪ – 55‬اﻟﺘﻮﺑﺔ(‬

‫)) و ﻣﻦ ﻳﺮﻏﺐ ﻋﻦ ﻣﻠﺔ إﺑﺮاهﻴﻢ إﻻ ﻣﻦ ﺳﻔﻪ ﻧﻔﺴﻪ(( )‪ – 130‬اﻟﺒﻘﺮة(‬

‫)) و ﻣﻦ ﻳﻮق ﺷﺢ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﺄوﻟﺌﻚ هﻢ اﻟﻤﻔﻠﺤﻮن(( )‪ – 9‬اﻟﺤﺸﺮ(‬

‫)) و أﺣﻀﺮت اﻷﻧﻔﺲ اﻟﺸﺢ( )‪ – 128‬اﻟﻨﺴﺎء(‬

‫)) و ﻣﺎ أﺑﺮئ ﻧﻔﺴﻲ إن اﻟﻨﻔﺲ ﻷﻣﺎرة ﺑﺎﻟﺴﻮء(( )‪ – 53‬ﻳﻮﺳﻒ(‬

‫ﻓﺎﻟﻨﻔﺲ هﻲ اﻟﻤﺘﻬﻤﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﺮﺁن ﺑﺎﻟﺸﺢ و اﻟﻮﺳﻮاس و اﻟﻔﺠﻮر و اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻷﻣﺎرة‪ ،‬و ﻟﻠﻨﻔﺲ‬
‫ﻓﻲ اﻟﻘﺮﺁن ﺗﺮق و ﻋﺮوج‪ ،‬ﻓﻬﻲ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﺘﺰآﻰ و ﺗﺘﻄﻬﺮ‪ ،‬ﻓﺘﻮﺻﻒ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻟﻮاﻣﺔ و ﻣﻠﻬﻤﺔ‬
‫و ﻣﻄﻤﺌﻨﺔ و راﺿﻴﺔ و ﻣﺮﺿﻴﺔ‪.‬‬

‫)) ﻳﺄﻳﺘﻬﺎ اﻟﻨﻔﺲ اﻟﻤﻄﻤﺌﻨﺔ‪ ،‬ارﺟﻌﻲ إﻟﻰ رﺑﻚ راﺿﻴﺔ ﻣﺮﺿﻴﺔ‪ ،‬ﻓﺎدﺧﻠﻲ ﻓﻲ ﻋﺒﺎدي‪ ،‬و‬
‫ادﺧﻠﻲ ﺟﻨﺘﻲ(( )‪ 30 – 27‬اﻟﻔﺠﺮ(‬

‫أﻣﺎ اﻟﺮوح ﻓﻲ اﻟﻘﺮﺁن ﻓﺘﺬآﺮ داﺋﻤﺎ ﺑﺪرﺟﺔ ﻋﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﻘﺪﻳﺲ و اﻟﺘﻨﺰﻳﻪ و اﻟﺘﺸﺮﻳﻒ‪ ،‬و ﻻ‬
‫ﻳﺬآﺮ ﻟﻬﺎ أﺣﻮال ﻣﻦ ﻋﺬاب أو هﻮى أو ﺷﻬﻮة أو ﺷﻮق أو ﺗﻄﻬﺮ أو ﺗﺪﻧﺲ أو رﻓﻌﺔ أو‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪273‬‬
 ‫هﺒﻮط أو ﺿﺠﺮ أو ﻣﻠﻞ‪ ،‬و ﻻ ﻳﺬآﺮ أﻧﻬﺎ ﺗﺨﺮج ﻣﻦ اﻟﺠﺴﺪ أو أﻧﻬﺎ ﺗﺬوق اﻟﻤﻮت‪ ..‬و ﻻ‬
‫ﺗﻨﺴﺐ إﻟﻰ اﻹﻧﺴﺎن و إﻧﻤﺎ ﺗﺄﺗﻲ داﺋﻤﺎ ﻣﻨﺴﻮﺑﺔ إﻟﻰ اﷲ‪.‬‬

‫ﻳﻘﻮل اﷲ ﻋﻦ ﻣﺮﻳﻢ‪:‬‬

‫)) ﻓﺄرﺳﻠﻨﺎ إﻟﻴﻬﺎ روﺣﻨﺎ ﻓﺘﻤﺜﻞ ﻟﻬﺎ ﺑﺸﺮا ﺳﻮﻳﺎ(( )‪ – 17‬ﻣﺮﻳﻢ(‬

‫و ﻳﻘﻮل ﻋﻦ ﺁدم‪:‬‬

‫)) ﻓﺈذا ﺳﻮﻳﺘﻪ و ﻧﻔﺨﺖ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ روﺣﻲ ﻓﻘﻌﻮا ﻟﻪ ﺳﺎﺟﺪﻳﻦ(( )‪ – 29‬اﻟﺤﺠﺮ(‬

‫ﻳﻘﻮل )) روﺣﻲ (( و ﻻ ﻳﻘﻮل روح ﺁدم‪.‬‬

‫ﻓﻴﻨﺴﺐ رﺑﻨﺎ اﻟﺮوح ﻟﻨﻔﺴﻪ داﺋﻤﺎ‪.‬‬

‫)) و أﻳﺪهﻢ ﺑﺮوح ﻣﻨﻪ(( أي ﻣﻦ اﷲ )‪ – 22‬اﻟﻤﺠﺎدﻟﺔ(‬

‫و ﻳﻘﻮل ﻋﻦ اﻟﻘﺮﺁن و ﻧﺰوﻟﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺒﻲ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺼﻼة و اﻟﺴﻼم‪:‬‬

‫)) و آﺬﻟﻚ أوﺣﻴﻨﺎ إﻟﻴﻚ روﺣﺎ ﻣﻦ أﻣﺮﻧﺎ(( )‪ – 52‬اﻟﺸﻮرى(‬

‫و ﻳﻘﺼﺪ ﺑﺎﻟﺮوح هﻨﺎ اﻟﻜﻠﻢ اﻹﻟﻬﻲ اﻟﻘﺮﺁﻧﻲ‪.‬‬

‫)) ﻳﻠﻘﻲ اﻟﺮوح ﻣﻦ أﻣﺮﻩ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻳﺸﺎء ﻣﻦ ﻋﺒﺎدﻩ ﻟﻴﻨﺬر ﻳﻮم اﻟﺘﻼق(( )‪ - 15‬ﻏﺎﻓﺮ(‬

‫)) ﻳﻨﺰل اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ﺑﺎﻟﺮوح ﻣﻦ أﻣﺮﻩ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻳﺸﺎء ﻣﻦ ﻋﺒﺎدﻩ(( )‪ – 2‬اﻟﻨﺤﻞ(‬

‫و اﻟﺮوح هﻨﺎ هﻲ اﻟﻜﻠﻤﺔ اﻹﻟﻬﻴﺔ و اﻷﻣﺮ اﻹﻟﻬﻲ‪.‬‬

‫و اﻟﺮوح داﺋﻤﺎ ﺗﻨﺴﺐ إﻟﻰ اﷲ‪ ،‬و هﻲ داﺋﻤﺎ ﻓﻲ ﺣﺮآﺔ ﻣﻦ اﷲ و إﻟﻰ اﷲ و ﻻ ﺗﺠﺮي ﻋﻠﻴﻬﺎ‬
‫اﻷﺣﻮال اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ و ﻻ اﻟﺼﻔﺎت اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ‪ ..‬و ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻜﻮن ﻣﺤﻼ ﻟﺸﻬﻮة أو هﻮى أو‬
‫ﺷﻮق أو ﻋﺬاب‪.‬‬

‫و ﻟﻬﺬا ﺗﻮﺻﻒ اﻟﺮوح ﺑﺄوﺻﺎف ﻋﺎﻟﻴﺔ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪274‬‬
 ‫ﻓﻴﻘﻮل اﻟﻘﺮﺁن ﻋﻦ ﺟﺒﺮﻳﻞ‪ :‬إﻧﻪ روح اﻟﻘﺪس‪ ..‬و اﻟﺮوح اﻷﻣﻴﻦ‪.‬‬

‫و ﻳﻘﻮل ﻋﻦ ﻋﻴﺴﻰ إﻧﻪ )) رﺳﻮل اﷲ و آﻠﻤﺘﻪ أﻟﻘﺎهﺎ إﻟﻰ ﻣﺮﻳﻢ و روح ﻣﻨﻪ(( أي روح ﻣﻦ‬
‫اﷲ )‪ – 171‬اﻟﻨﺴﺎء(‬

‫أﻣﺎ اﻟﻨﻔﺲ ﻓﻬﻲ داﺋﻤﺎ ﺗﻨﺴﺐ إﻟﻰ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ‪.‬‬

‫)) و ﻣﺎ أﺻﺎﺑﻚ ﻣﻦ ﺳﻴﺌﺔ ﻓﻤﻦ ﻧﻔﺴﻚ(( )‪ – 79‬اﻟﻨﺴﺎء(‬

‫)) و ﻣﻦ اهﺘﺪى ﻓﺈﻧﻤﺎ ﻳﻬﺘﺪي ﻟﻨﻔﺴﻪ(( )‪ – 15‬اﻹﺳﺮاء(‬

‫)) و ﺿﺎﻗﺖ ﻋﻠﻴﻬﻢ أﻧﻔﺴﻬﻢ(( )‪ – 118‬اﻟﺘﻮﺑﺔ(‬

‫)) و ﻣﺎ أﺑﺮئ ﻧﻔﺴﻲ(( )‪ – 54‬ﻳﻮﺳﻒ(‬

‫)) و آﺬﻟﻚ ﺳﻮﻟﺖ ﻟﻲ ﻧﻔﺴﻲ(( )‪ – 96‬ﻃﻪ(‬

‫)) و ﻣﻦ ﻳﻮق ﺷﺢ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﺄوﻟﺌﻚ هﻢ اﻟﻤﻔﻠﺤﻮن(( )‪ – 9‬اﻟﺤﺸﺮ(‬

‫)) و ﻣﻦ ﻳﺮﻏﺐ ﻋﻦ ﻣﻠﺔ إﺑﺮاهﻴﻢ إﻻ ﻣﻦ ﺳﻔﻪ ﻧﻔﺴﻪ(( ‪ – 130‬اﻟﺒﻘﺮة(‬

‫و ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﻨﺴﺐ اﻟﻨﻔﺲ إﻟﻰ اﷲ ﻓﺘﻠﻚ هﻲ اﻟﺬات اﻹﻟﻬﻴﺔ‪.‬‬

‫)) و ﻳﺤﺬرآﻢ اﷲ ﻧﻔﺴﻪ(( )‪ – 28‬ﺁل ﻋﻤﺮان(‬

‫ذﻟﻚ هﻮ اﷲ ﻟﻴﺲ آﻤﺜﻠﻪ ﺷﻴﺊ و هﻮ ﻣﻤﺎ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ اﻹﻧﺴﺎن أن ﻳﺘﺨﻴﻞ ﻟﻪ ﺷﺒﻴﻬﺎ و ﻻ ﻳﺼﺢ‬
‫أن ﻧﻘﻴﺲ اﻟﻨﻔﺲ اﻹﻟﻬﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﻮﺳﻨﺎ‪..‬‬

‫ﻓﺎﻟﻨﻔﺲ اﻹﻟﻬﻴﺔ هﻲ ﻏﻴﺐ اﻟﻐﻴﺐ‪.‬‬

‫ﻳﻘﻮل ﻋﻴﺴﻰ ﻟﺮﺑﻪ ﻳﻮم اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ‪:‬‬

‫)) ﺗﻌﻠﻢ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻲ و ﻻ أﻋﻠﻢ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻚ(( )‪ – 116‬اﻟﻤﺎﺋﺪة(‬

‫ﻓﺎﻟﻨﻔﺲ اﻹﻟﻬﻴﺔ ﻻ ﺗﺘﺸﺎﺑﻪ ﻣﻊ اﻟﻨﻔﺲ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ إﻻ ﻓﻲ اﻟﻠﻔﻆ و ﻟﻜﻨﻬﺎ ﺷﻲء ﺁﺧﺮ اﻟﺒﺘﺔ‪..‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪275‬‬
 ‫)) ﻟﻴﺲ آﻤﺜﻠﻪ ﺷﻲء(( )‪ – 11‬اﻟﺸﻮرى(‬

‫)) ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻪ آﻔﻮا أﺣﺪ(( )‪ – 4‬اﻹﺧﻼص(‬

‫و اﻟﺴﺆال إذن‪:‬‬

‫ﻣﺎ ﻧﺼﻴﺐ آﻞ ﻣﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﺮوح؟‬

‫و ﻣﺎذا ﻧﻌﻨﻲ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻧﻘﻮل إن ﻟﻨﺎ روﺣﺎ و ﺟﺴﺪا؟‬

‫ﺛﻢ ﻣﺎ ﻋﻼﻗﺔ ﻧﻔﺲ آﻞ ﻣﻨﺎ ﺑﺮوﺣﻪ و ﺟﺴﺪﻩ؟‬

‫أﻣﺎ ﻧﺼﻴﺒﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﺮوح ﻓﻬﻮ اﻟﻨﻔﺨﺔ اﻟﺘﻲ ذآﺮهﺎ اﻟﻘﺮﺁن ﻓﻲ ﻗﺼﺔ ﺧﻠﻖ ﺁدم‪.‬‬

‫)) إﻧﻲ ﺧﺎﻟﻖ ﺑﺸﺮا ﻣﻦ ﻃﻴﻦ‪ ،‬ﻓﺈذا ﺳﻮﻳﺘﻪ و ﻧﻔﺨﺖ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ روﺣﻲ ﻓﻘﻌﻮا ﻟﻪ ﺳﺎﺟﺪﻳﻦ(( )‪71‬‬
‫‪ – 72 ،‬ص(‬

‫و ﻣﺎ ﺣﺪث ﻣﻦ أﻣﺮ اﻟﺘﺴﻮﻳﺔ و اﻟﺘﺼﻮﻳﺮ و اﻟﻨﻔﺦ ﻓﻲ ﺻﻮرة ﺁدم ﻳﻌﻮد ﻓﻴﺘﻜﺮر ﻓﻲ داﺧﻞ‬
‫اﻟﺮﺣﻢ ﻓﻲ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺠﻨﻴﻨﻴﺔ ﻟﻜﻞ ﻣﻨﺎ‪ ..‬ﻓﻴﻜﻮن ﻟﻜﻞ ﻣﻨﺎ ﺗﺴﻮﻳﺔ و ﺗﺼﻮﻳﺮ‪ ،‬ﺛﻢ ﻧﻔﺨﺔ رﺑﺎﻧﻴﺔ ﺣﺘﻰ‬
‫ﺗﺘﻬﻴﺄ اﻷﻧﺴﺠﺔ و ﻳﺴﺘﻌﺪ اﻟﻤﺤﻞ ﻟﺘﻠﻘﻲ هﺬﻩ اﻟﻨﻔﺨﺔ‪ ،‬و ذﻟﻚ ﻳﻜﻮن ﻓﻲ اﻟﺸﻬﺮ اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻣﻦ اﻟﺤﻴﺎة‬
‫اﻟﺠﻨﻴﻨﻴﺔ‪ ،‬و ﻳﻨﺘﻘﻞ اﻟﺨﻠﻖ ﺑﻬﺬﻩ اﻟﻨﻔﺨﺔ ﻣﻦ ﺣﺎل إﻟﻰ ﺣﺎل‪..‬‬

‫ﻳﻘﻮل رﺑﻨﺎ ﻋﻦ هﺬﻩ اﻟﻤﺮاﺣﻞ‪:‬‬

‫)) ﺛﻢ ﺧﻠﻘﻨﺎ اﻟﻨﻄﻔﺔ ﻋﻠﻘﺔ ﻓﺨﻠﻘﻨﺎ اﻟﻌﻠﻘﺔ ﻣﻀﻐﺔ ﻓﺨﻠﻘﻨﺎ اﻟﻤﻀﻐﺔ ﻋﻈﺎﻣﺎ ﻓﻜﺴﻮﻧﺎ اﻟﻌﻈﺎم ﻟﺤﻤﺎ ﺛﻢ‬
‫أﻧﺸﺄﻧﺎﻩ ﺧﻠﻘﺎ ﺁﺧﺮ ﻓﺘﺒﺎرك اﷲ أﺣﺴﻦ اﻟﺨﺎﻟﻘﻴﻦ(( )‪ – 14‬اﻟﻤﺆﻣﻨﻮن(‬

‫ﻓﻴﻘﻮل ﻋﻨﺪ اﻟﻨﻔﺨﺔ‪)) :‬ﺛﻢ أﻧﺸﺄﻧﺎﻩ ﺧﻠﻘﺎ ﺁﺧﺮ ﻓﺘﺒﺎرك اﷲ أﺣﺴﻦ اﻟﺨﺎﻟﻘﻴﻦ((‪ ..‬إﺷﺎرة إﻟﻰ ﻧﻘﻠﺔ‬
‫هﺎﺋﻠﺔ ﻧﻘﻞ ﺑﻬﺎ اﻟﻤﻀﻐﺔ اﻟﻤﻜﺴﻮة ﺑﺎﻟﻌﻈﺎم إﻟﻰ ﻣﺴﺘﻮى ﻻ ﻳﺒﻠﻐﻪ و ﻻ ﻳﻘﺪر ﻋﻠﻴﻪ إﻻ أﺣﺴﻦ‬
‫اﻟﺨﺎﻟﻘﻴﻦ‪ ..‬و ذﻟﻚ ﺑﺎﻟﻨﻔﺨﺔ اﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ‪.‬‬

‫و ﻳﺘﻜﻠﻢ ﻋﻦ هﺬا اﻟﻨﻔﺦ ﻓﻲ اﻟﺠﻨﻴﻦ ﺑﻌﺪ ﺗﺴﻮﻳﺘﻪ ﻓﻲ ﺁﻳﺔ أﺧﺮى ﻋﻦ ﻧﺴﻞ ﺁدم‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪276‬‬
‫)) ﺛﻢ ﺟﻌﻞ ﻧﺴﻠﻪ ﻣﻦ ﺳﻼﻟﺔ ﻣﻦ ﻣﺎء ﻣﻬﻴﻦ‪ ،‬ﺛﻢ ﺳﻮاﻩ و ﻧﻔﺦ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ روﺣﻪ و ﺟﻌﻞ ﻟﻜﻢ اﻟﺴﻤﻊ‬
‫و اﻷﺑﺼﺎر و اﻷﻓﺌﺪة(( )‪ – 9 ،8‬اﻟﺴﺠﺪة(‬

‫و ﻧﻔﻬﻢ ﻣﻦ هﺬا أن اﻟﺴﻤﻊ و اﻟﺒﺼﺮ و اﻟﻔﺆاد هﻲ ﻣﻦ ﺛﻤﺎر هﺬﻩ اﻟﻨﻔﺨﺔ اﻟﺮوﺣﻴﺔ‪ ..‬و إﻧﻪ ﺑﻬﺬﻩ‬
‫اﻟﻤﻮاهﺐ ﻳﻨﻘﻞ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻦ ﻧﺸﺄة إﻟﻰ ﻧﺸﺄة و ﻣﻦ ﻣﺴﺘﻮى إﻟﻰ ﻣﺴﺘﻮى‪ ،‬و هﺬا هﻮ ﻣﻌﻨﻰ‪..‬‬
‫))ﺛﻢ أﻧﺸﺄﻧﺎﻩ ﺧﻠﻘﺎ ﺁﺧﺮ ﻓﺘﺒﺎرك اﷲ أﺣﺴﻦ اﻟﺨﺎﻟﻘﻴﻦ((‪.‬‬

‫إن ﻧﺼﻴﺒﻨﺎ ﻣﻦ هﺬﻩ اﻟﺮوح إذن هﻮ ﻧﺼﻴﺒﻨﺎ ﻣﻦ هﺬﻩ اﻟﻨﻔﺨﺔ‪ ..‬و آﻞ ﻣﻨﺎ ﻳﺄﺧﺬ ﻣﻦ هﺬﻩ اﻟﻨﻔﺨﺔ‬
‫ﻋﻠﻰ ﻗﺪر اﺳﺘﻌﺪادﻩ‪.‬‬

‫و ﺑﻔﻀﻞ هﺬﻩ اﻟﻨﻔﺨﺔ ﻳﺼﺒﺢ ﻟﻠﻮاﺣﺪ ﻣﻨﺎ ﺧﻴﺎل و ﺿﻤﻴﺮ و ﻗﻴﻢ و ﻋﺎﻟﻢ ﻣﻦ اﻟﻤﺜﻞ‪ ..‬و اﻟﺠﺴﺪ و‬
‫اﻟﺮوح ﻓﻴﻨﺎ أﺷﺒﻪ ﺑﺄرض اﻟﻮاﻗﻊ و ﺳﻤﺎء اﻟﻤﺜﺎل‪.‬‬

‫و ﻋﻼﻗﺔ ﻧﻔﺲ آﻞ ﻣﻨﺎ ﺑﺮوﺣﻪ و ﺟﺴﺪﻩ هﻲ أﺷﺒﻪ ﺑﻌﻼﻗﺔ ذرة اﻟﺤﺪﻳﺪ ﺑﺎﻟﻤﺠﺎل اﻟﻤﻐﻨﺎﻃﻴﺴﻲ‬
‫ذي اﻟﻘﻄﺒﻴﻦ‪.‬‬

‫و اﻟﺬي ﻳﺤﺪث ﻟﻠﻨﻔﺲ داﺋﻤﺎ هﻮ ﺣﺎﻟﺔ اﺳﺘﻘﻄﺎب‪ ،‬إﻣﺎ اﻧﺠﺬاب و هﺒﻮط إﻟﻰ اﻟﺠﺴﺪ‪ ،‬إﻟﻰ ﺣﻤﺄة‬
‫اﻟﻮاﻗﻊ و ﻃﻴﻦ اﻟﻐﺮاﺋﺰ و اﻟﺸﻬﻮات‪ ،‬و هﺬا هﻮ ﻣﺎ ﻳﺤﺪث ﻟﻠﻨﻔﺲ اﻟﺠﺴﺪاﻧﻴﺔ اﻟﺤﻴﻮاﻧﻴﺔ ﺣﻴﻨﻤﺎ‬
‫ﺗﺸﺎآﻞ اﻟﻄﻴﻦ و ﺗﺠﺎﻧﺲ اﻟﺘﺮاب ﻓﻲ آﺜﺎﻓﺘﻬﺎ‪ ،‬و إﻣﺎ اﻧﺠﺬاب و ﺻﻌﻮد إﻟﻰ اﻟﺮوح‪ ،‬إﻟﻰ‬
‫ﺳﻤﺎوات اﻟﻤﺜﺎل و اﻟﻘﻴﻢ و اﻷﺧﻼق اﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ‪ ،‬و هﻮ ﻣﺎ ﻳﺤﺪث ﻟﻠﻨﻔﺲ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﺸﺎآﻞ اﻟﺮوح و‬
‫ﺗﺠﺎﻧﺴﻬﺎ ﻓﻲ ﻟﻄﻔﻬﺎ و ﺷﻔﺎﻓﻴﺘﻬﺎ‪ ..‬و اﻟﻨﻔﺲ ﻃﻮال اﻟﺤﻴﺎة ﻓﻲ ﺣﺮآﺔ و ﺗﺬﺑﺬب و اﺳﺘﻘﻄﺎب ﺑﻴﻦ‬
‫اﻟﻘﻄﺐ اﻟﺮوﺣﻲ و ﺑﻴﻦ اﻟﻘﻄﺐ اﻟﺠﺴﺪي‪ ..‬ﻣﺮة ﺗﻄﻐﻰ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻧﺎرﻳﺘﻬﺎ و ﻃﻴﻨﺘﻬﺎ‪ ،‬و ﻣﺮة ﺗﻐﻠﺒﻬﺎ‬
‫ﺷﻔﺎﻓﻴﺘﻬﺎ و ﻃﻬﺎرﻧﻬﺎ‪.‬‬

‫و اﻟﺠﺴﺪ و اﻟﺮوح هﻤﺎ ﻣﺠﺎل اﻻﻣﺘﺤﺎن و اﻻﺑﺘﻼء‪ ،‬ﻓﺘﺒﺘﻠﻰ اﻟﻨﻔﺲ و ﺗﻤﺘﺤﻦ ﺑﻬﺎﺗﻴﻦ اﻟﻘﻮﺗﻴﻦ‬
‫اﻟﺠﺎذﺑﺘﻴﻦ إﻟﻰ أﺳﻔﻞ و إﻟﻰ أﻋﻠﻰ ﻟﺘﺨﺮج ﺳﺮهﺎ‪ ،‬و ﺗﻔﺼﺢ ﻋﻦ ﺣﻘﻴﻘﺘﻬﺎ و رﺗﺒﺘﻬﺎ و ﻟﻴﻈﻬﺮ‬
‫ﺧﻴﺮهﺎ و ﺷﺮهﺎ‪.‬‬

‫و ﻣﻦ هﻨﺎ ﻧﻔﻬﻢ أن ﺣﻘﻴﻘﺔ اﻹﻧﺴﺎن هﻲ))ﻧﻔﺴﻪ((‪ ،‬و اﻟﺬي ﻳﻮﻟﺪ و ﻳﺒﻌﺚ و ﻳﺤﺎﺳﺐ هﻮ ﻧﻔﺴﻪ‪،‬‬
‫و اﻟﺬي ﻳﻤﺘﺤﻦ و ﻳﺒﺘﻠﻰ هﻮ ﻧﻔﺴﻪ‪ ،‬و ﻣﺎ ﻳﺠﺮي ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ اﻷﺣﻮال و اﻷﺣﺰان و اﻷﺷﻮاق‬
‫هﻲ ﻧﻔﺴﻪ‪ ..‬أﻣﺎ ﺟﺴﺪﻩ و روﺣﻪ ﻓﻬﻤﺎ ﻣﺠﺮد ﻣﺠﺎل ﺗﻤﺎﻣﺎ ﻣﺜﻞ اﻷرض و اﻟﺴﻤﺎوات ﻓﻲ‬
‫آﻮﻧﻬﻤﺎ ﻣﺠﺎل ﺣﺮآﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻺﻧﺴﺎن ﻹﻇﻬﺎر ﻣﻮاهﺒﻪ و ﻣﻠﻜﺎﺗﻪ‪ ..‬ﻓﻜﻤﺎ أﻋﻄﻰ اﷲ ﻟﻬﺬﻩ‬
‫اﻟﻨﻔﺲ ﻋﻀﻼت )ﺟﺴﺪا( آﺬﻟﻚ أﻋﻄﺎهﺎ روﺣﺎ ﻟﺘﺤﻴﺎ‪ ،‬و ﺗﻌﻤﻞ و ﺗﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﺳﺮهﺎ و‬
‫ﻣﻜﻨﻮﻧﻬﺎ و ﺗﺒﺎﺷﺮ ﺧﻴﺮهﺎ و ﺷﺮهﺎ‪.‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪277‬‬
 ‫و ﺑﻬﺬا اﻟﻤﻌﻨﻰ ﺗﻜﻮن آﻠﻤﺔ ))ﺗﺤﻀﻴﺮ اﻷرواح(( آﻠﻤﺔ ﺧﺎﻃﺌﺔ‪ ،‬ﻓﺎﻷرواح ﻻ ﺗﺴﺘﺤﻀﺮ‪ ،‬و‬
‫ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻷي روح أن ﺗﺴﺘﺤﻀﺮ‪ ،‬ﻷن اﻟﺮوح ﻧﻮر ﻣﻨﺴﻮب إﻟﻰ اﷲ وﺣﺪﻩ‪ ،‬و هﻮ ﻳﻨﻔﺦ ﻓﻴﻨﺎ‬
‫هﺬا اﻟﻨﻮر ﻟﻨﺴﺘﻨﻴﺮ ﺑﻪ‪ ..‬و هﺬا اﻟﻨﻮر ﻣﻦ اﷲ و إﻟﻰ اﷲ ﻳﻌﻮد و ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺣﺸﺮﻩ أو‬
‫اﺳﺘﺤﻀﺎرﻩ‪ ..‬أﻣﺎ ﻣﺎ ﻳﺤﺸﺮ و ﻳﺴﺘﺤﻀﺮ ﻓﻬﻲ اﻷﻧﻔﺲ و ﻟﻴﺲ اﻷرواح‪ ..‬هﺬا إذا ﺻﺢ أن‬
‫هﺆﻻء اﻟﻨﺎس ﻳﺴﺘﺤﻀﺮون أﻧﻔﺴﺎ ﻓﻲ ﺟﻠﺴﺎﺗﻬﻢ‪ ..‬و أﻏﻠﺐ اﻟﻈﻦ أن ﻣﺎ ﻳﺤﻀﺮ ﻳﻜﻮن ﻣﻦ‬
‫اﻟﺠﻦ اﻟﻤﺼﺎﺣﺐ ﻟﻬﺬﻩ اﻷﻧﻔﺲ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ )اﻟﻘﺮﻧﺎء(‪ ،‬و آﻞ ﻣﻨﺎ ﻟﻪ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻗﺮﻳﻦ ﻣﻦ اﻟﺠﻦ‬
‫ﻳﺼﺎﺣﺒﻪ‪ ،‬و هﻮ ﺑﺤﻜﻢ هﺬﻩ اﻟﺼﺤﺒﺔ اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ ﻳﻌﺮف أﺳﺮارﻩ و ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﻘﻠﺪ ﺻﻮﺗﻪ و‬
‫إﻣﻀﺎءﻩ‪ ،‬و هﺬا اﻟﺠﻦ هﻮ اﻟﺬي ﻳﻼﺑﺲ اﻟﻮﺳﻴﻂ ﻓﻲ ﻏﺮﻓﺔ اﻟﺘﺤﻀﻴﺮ اﻟﻤﻈﻠﻤﺔ‪ ،‬و ﻳﺪهﺶ‬
‫اﻟﻤﻮﺟﻮدﻳﻦ ﺑﻤﺎ ﻳﺤﺴﺒﻮﻧﻪ ﺧﻮارق‪.‬‬

‫أﻣﺎ اﻷرواح ﻓﻼ ﻳﻤﻜﻦ اﺳﺘﺤﻀﺎرهﺎ‪.‬‬

‫أﻣﺎ اﻷﻧﻔﺲ ﻓﻼ ﻳﺤﺸﺮهﺎ و ﻻ ﻳﺤﻀﺮهﺎ إﻻ رﺑﻬﺎ‪.‬‬

‫و اﻟﻨﻔﺲ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﺘﺤﻮل إﻟﻰ روح‪ ،‬و إﻧﻤﺎ هﻲ ﻓﻲ أﺣﺴﻦ أﺣﻮاﻟﻬﺎ ﺗﺮﺗﻘﻲ ﺣﺘﻰ ﺗﺸﺎآﻞ‬
‫اﻟﺮوح و ﺗﺠﺎﻧﺴﻬﺎ ﺑﻘﺪر ﻣﺎ ﺗﺘﺨﻠﻖ ﺑﺎﻷﺧﻼق اﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ‪ ،‬و ﺑﻘﺪر ﻣﺎ ﺗﻘﺘﺮب ﻣﻦ اﻟﻤﺜﺎل اﻟﻨﻮراﻧﻲ‬
‫)اﻟﺮوح اﻟﺘﻲ ﻧﻔﺨﻬﺎ اﷲ ﻓﻲ اﻹﻧﺴﺎن(‪.‬‬

‫آﺬﻟﻚ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻬﺬﻩ اﻟﻨﻔﺲ أن ﺗﺘﺪﻧﻰ و ﺗﻬﺒﻂ ﺣﺘﻰ ﺗﺸﺎآﻞ اﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ‪ ،‬و ﺗﺠﺎﻧﺲ إﺑﻠﻴﺲ ﻓﻲ‬
‫ﻧﺎرﻳﺘﻪ‪.‬‬

‫و اﻟﻨﻔﺲ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻄﻬﺮ و ﺗﺘﺰآﻰ ﺣﺘﻰ ﺗﺸﺎآﻞ و ﺗﺠﺎﻧﺲ اﻟﺮوح ﻓﻲ ﻟﻄﻔﻬﺎ هﻲ اﻟﺘﻲ ﻳﻘﺮﺑﻬﺎ اﷲ‬
‫ﻣﻦ ﻋﺮﺷﻪ ﻳﻮم اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ‪ ،‬و هﻲ اﻟﺘﻲ ﻳﻘﻮل ﻋﻨﻬﺎ إﻧﻬﺎ ﺳﺘﻜﻮن )) ﻓﻲ ﻣﻘﻌﺪ ﺻﺪق ﻋﻨﺪ ﻣﻠﻴﻚ‬
‫ﻣﻘﺘﺪر(( )‪ – 55‬اﻟﻘﻤﺮ(‬

‫‪ ..‬ﻷﻧﻬﺎ ﺑﻬﺬا اﻟﺘﻄﻬﺮ و اﻟﺘﺮﻗﻲ ﺗﺼﺒﺢ ﻧﻔﺴﺎ رﺑﺎﻧﻴﺔ ﻣﻜﺎﻧﻬﺎ إﻟﻰ ﺟﻮار اﷲ‪.‬‬

‫أﻣﺎ اﻟﻨﻔﻮس اﻟﻤﻈﻠﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻬﺒﻂ ﺑﻔﺠﻮرهﺎ و ﻏﻠﻈﺘﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﺪرك اﻟﺸﻴﻄﺎﻧﻲ ﻓﻬﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻘﻮل‬
‫ﻋﻨﻬﻢ رﺑﻬﻢ ﻳﻮم اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ‪:‬‬

‫)) إﻧﻬﻢ ﻋﻦ رﺑﻬﻢ ﻳﻮﻣﺌﺬ ﻟﻤﺤﺠﻮﺑﻮن(( )‪ – 15‬اﻟﻤﻄﻔﻔﻴﻦ(‬

‫و هﺆﻻء ﺳﻴﻜﻮن ﻣﻜﺎﻧﻬﻢ ﻣﻊ اﻟﻨﻔﻮس اﻟﻨﺎرﻳﺔ اﻟﺴﻔﻠﻴﺔ ﻓﻲ ﻗﺎع اﻟﻈﻠﻤﺔ و اﻟﺠﺤﻴﻢ‪ .‬أﻣﺎ اﻟﺮوح‬
‫ﻓﻼ ﻣﻜﺎن ﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﺟﻨﺔ أو ﺟﺤﻴﻢ‪ ،‬و إﻧﻤﺎ هﻲ ﻧﻮر ﻣﻦ ﻧﻮر اﷲ ﺗﻨﺴﺐ إﻟﻴﻪ‪ ،‬و هﻲ ﻣﻨﻪ و‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪278‬‬
 ‫ﻻﻳﺠﺮي ﻋﻠﻴﻬﺎ اﺑﺘﻼء و ﻻ ﻣﺤﺎﺳﺒﺔ و ﻻ ﻣﻌﺎﻗﺒﺔ و ﻻ ﻣﻜﺎﻓﺄة‪ ..‬و إﻧﻤﺎ هﻲ اﻟﻤﺜﻞ اﻷﻋﻠﻰ ﻓﻲ‬
‫اﻵﻳﺔ‪:‬‬

‫)) و ﻟﻪ اﻟﻤﺜﻞ اﻷﻋﻠﻰ و هﻮ اﻟﻌﺰﻳﺰ اﻟﺤﻜﻴﻢ(( )‪ – 60‬اﻟﻨﺤﻞ(‬

‫)) و ﻟﻪ اﻟﻤﺜﻞ اﻷﻋﻠﻰ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎوات و اﻷرض و هﻮ اﻟﻌﺰﻳﺰ اﻟﺤﻜﻴﻢ(( )‪ – 27‬اﻟﺮوم(‬

‫و ذﻟﻚ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻤﺜﺎل اﻟﻨﻮراﻧﻲ اﻟﺬي ﻳﺴﺘﻤﺪ ﻗﺪﺳﻴﺘﻪ و ﻧﻮراﻧﻴﺘﻪ ﻣﻦ آﻮﻧﻪ ﻣﻦ اﷲ و ﻣﻦ أﻣﺮ‬
‫اﷲ‪.‬‬

‫)) و ﻳﺴﺄﻟﻮﻧﻚ ﻋﻦ اﻟﺮوح ﻗﻞ اﻟﺮوح ﻣﻦ أﻣﺮ رﺑﻲ و ﻣﺎ أوﺗﻴﺘﻢ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻢ إﻻ ﻗﻠﻴﻼ(( )‪– 85‬‬
‫اﻹﺳﺮاء(‬

‫أﺗﻤﻨﻰ أن ﻳﺘﻜﻮن اﻟﻜﺘﺐ أﻋﺠﺒﺘﻜﻢ ☺‬

‫راﻣﻰ ‪rkamel@gmail.com‬‬

‫© ‪rami‬‬
‫‪279‬‬