Professional Documents
Culture Documents
مقال - الحوار الديني بين أزمة ذاتية وأزمة إعلامية
مقال - الحوار الديني بين أزمة ذاتية وأزمة إعلامية
ستتلخص مقالتي في عدد من الرسائل أو النقاط المختصرة التي تعرض سريعًا ألزمة الحوار
الديني والتناول اإلعالمي له:
)1بعد سقوط الدولة العثمانية ومع نشأة القوميات الحديثة في عشرينات القرن الماضي اتجه
الحوار الديني اإلسالمي-المسيحي من طرح المسائل العقدية على طاولة الحوار إلى
موضوعات دينية اجتماعية تشريعية تمثلت في مسائل المواطنة وبناء الكنائس وترميمها
وتشريعات الزواج وقانون دور العبادة الموحد والمشاركة السياسية على سبيل المثال،
ً
إنجازا بعد زمن من السجال العقدي وهذا التغيير في مواضيع الحوار كان يراه البعض
صا أدبية ،البعض اآلخر يسمون هذا اإلنجاز حتمية تاريخية. الذي لم يخلف لنا إال نصو ً
المهم هو أن الحوار الديني نقل من المسائل الميتاتاريخية إلى واقع اإلنسان وتاريخه ،واآلن
– في وقت ما بعد المعاصرة – Postmodernتداخلت قضايا الحوار البين ديني
interreligiousوأهدافه بشكل الفت للنظر بعد تفشي ظواهر التطرف والعنف
والكراهية والعزلة ،التي أدت بالحوار الديني إلى العودة للحديث عن أهمية الحوار
والتقارب الديني ،هذه العودة للتأكيد على أهمية الحوار يسميه البعض " ً
فشال".
)2هناك كثير من التفاهمات اإليجابية على المستوى المؤسسي الرسمي الديني ،تفاهمات
دفعت إليها المؤسسات الدينية دفعًا بعد نتشار خطابات الكراهية والتطرف وبعد تراجع
الخطاب الديني المنفتح عن تأدية دوره لعقود عديدة ،وفي ظل هذا التفاهمات التي
اصطبغت بها كثير من جلسات الحوار بين المسلمين والمسيحيين في الشرق اختلفت
منطلقات بين خطاب إسالمي يغلب عليه طابع الهيمنة بعض الشي ،وينادي أصحابه دائ ًما
باالنطالق دائ ًما وأبدًا من الثوابت الدينية اإلسالمية حتى تلك المختلف في تفسير نصوصها
التأسيسية ،وبين خطاب مسيحي يريد أن ينطلق من مبادئ حقوقية دولية عامة تستلهم
نفسها من الحضارة الغربية ،وبين الخطابين أصوات قليلة تذهب على المستوى اإلسالمي
إلى أبعد نقطة تسامحية في الحوار يغلب عليها الطابع القيمي اإلنساني ،أصوات تقرأ الدين
على أنه جاء يخدم اإلنسانية وليس العكس ،وأصوات مسيحية تستوعب جيدًا خصوصية
الثقافة العربية والنسيج المجتمعي العربي .ومع إيجابية ظهور هذا الخطاب الديني إال أنه
– وبكل أسف – مازال بعيدًا عن التأثير على الوعي العام والعقل الجمعي العربي الذي
أطعمناه وأسقيناه طوال قرون بما أنبت فيه ً
عقال ال يستوعب اآلن نداءاتنا إال بعناء شديد،
وبخاصة بعد أن قفزت علينا أصوات انتهازية صورت للشعوب بأن هناك غول قادم من
الدين ،واجهته على الجانب المقابل بكل أسف صيحات متدينة تحذر من الغول القادم من
الغرب ،وكانت النتيجة أن فقد جيل كامل الشعور بأي هوية يناضل من أجل الدفاع عنها
أو يكافح ويعمل انطالقًا من االنتماء إليها ،األمر الذي ألقى على كاهل الحوار الديني عبئًا
إضافيًا يتمثل في إيقاظ الشعور بالهوية الدينية السليمة والتأكيد على أنها ال تتعارض بأي
حال مع الهوية الوطنية.
)3إعالميًا من الصعب أنا أتناول هنا التعاطي األعالمي للحوار الديني وموضعاته وأهدافه
ونتائجه على المستوى اإلعالمي الرمسي للمؤسسات الدينية ،وعلى المستوى اإلعالمي
صا ،أو على مستوى مواقع التواصل االجتماعي والمنتديات العام سواء كان حكوميًا أو خا ً
الشبابية .على أي حا ٍل أؤكد وبشكل عام أن الحوار الديني شهد على هذه األصعدة نجاحا ٍ
ت
وإخفاقاتٍ.
صحيفة الشعب التي كانت تصدر عن حزب العمل في مصر احتضنت في آوخر ثمانينات
القرن الماضي وتحديدًا عام 1987حالة حوارية فريدة بين مجموعة من المفكرين
المسلمين والمسيحيين ،أخذت طابع السؤال والجواب أو الطرح والرد في مسائل تطبيق
الشريعة والمواطنة والمشاركة السياسية ،الجدير بالذكر هنا أمران :أولهما أن الحوار بين
اإلسالم والمسيحية أخذ صورة المقالة المكتوبة في صحيفة ورقية ولم يجتمع المتحاورون
على طاولة للحوار وهو نموذج إعالمي فريد استدعى دار الشروق وهي من أشهر دور
النشر في مصر إلى جمع هذه المقاالت وإعادة نشرها لتكون األراء ووجهات النظر معلنة
ومحفوظة ألجيال الباحثين والمطلعين على تاريخ الحوار اإلسالمي المسيحي ،ثانيهما أن
اإلعالمي ا .عادل حسين ،هو الذي كان يرسل مقاالت الفريقين إلى بعضهما البعض
ليقوموا بالرد ،حتى أنه كتب في مقدمة إحد اإلسهامات "حزب العمل واضح وحازم في
قضية وحدة األمة المصرية وصفوف حزبنا مفتوحة أما إخواننا األقباط لكي نعمل معًا من
أجل نهضة الوطن" ،األمر الذي يعني أن اإلعالم ساهم مساهمة إيجابية في نقل دفة الحوار
إال قضايا تهم الوطن والمواطن.
)4ل سنوات أنهى األزهر الشريف والكنيسة الكاثوليكية قطيعة الحوارية دامت لسنوات وبدأ
مركز الحوار باألزهر وحاضرة الفاتيكان في استعادة تنظيم الحلقات الحوارية التي لم
تشهد لألسف االهتمام اإلعالمي المطلوب حتى الترويج اإلعالمي من المؤسستين لم يكن
مؤثرا ،بعد عدد من جلسات الحوار تمخضت فكرة اإلعالن عن وثيقة إسالمية -مسيحية ً
أو بشكل دقيق وثيقة أزهرية-كاثوليكية اتفق الجانبان على تسميتها بـ "وثيقة األخوة
اإلنسانية" ،ومع ما جاء في الوثيقة من موضوعات لم يكن يعنى بها الحوار الديني فيما
سبق ،مثل قضايا اللجوء والفقر والتعددية والتطرف ،ومع ما جاء في الوثيقة من إطالق
ضا على مستوى لمفهوم حرية اإلنسان المطلقة ،إال أن التناول اإلعالمي لها لم يكن أي ً
الحدث ،بل إن بعض الدول لوحظ فيها تعتي ًما إعالميًا أصفه بـ "شبه المتعمد" ،ال أريد أن
أحمل اإلعالم العام مسؤولية عدم االهتمام بنشر الوثيقة وخلفيات إصدارها ولكني أود
التأكيد على أن اآللة اإلعالمية الرسمية للمؤسسات الدينية ما زالت ضعيفة ،خاصة بعد أن
تأثيرا على العقل الجمعي والوعي
ً ت إعالمية مؤثرة أو ربما كانت األكثر ت وآال ٍ
أهملت آليا ٍ
مؤخرا بال خبرة
ً المجتمعي مثل مواقع السوشيال ميديا ،التي عادت إليها المؤسسات الدينية
كافية وبال خبراء ،فكانت وما تزال المساهمة اإلعالمية فيها ضعيفةً ال تقوى حتى اآلن
على مواجهة الخطابات المتطرفة مواجهة إعالمية مهينة ورداعة.
فانتشرت منتديات شبابية حوارية على صفحات اإلنترنت وعلى مواقع التواصل
االجتماعي وفي مقدمتها "فيسبوك" تع ّج بالسفاهات والجهاالت واالتهامات الدينية
المتبادلة ،يرتادها أعداد كبيرة من شباب المسلمين والمسيحيين متأثرين بهذا الخطاب
المصبوغ بصبغة الكراهية.
وأخيرا ،الدور الدرامي الغائب عن الساحة اإلعالمية ،والذي كان يشهد في الماضي حالة ً )5
تأثيرا إيجابيًا لم تقم به كثير من
ً إعماال أثرت على المجتمعً كثيرا ،عرض فيها
ً أفضل
األعمال المكتوبة ،ولكن في هذا السبات العميق يظهر فيلم "القديس والسلطان" The
صا من األمل لعودة الدراما الدينية الحوارية Sultan and The Saintمقد ًما لنا بصي ً
حتى لو كانت غير عربية ،الفيلم الذى تبلغ مدته ساعةً كاملةً تناول حقبةً زمنيةً مهمةً للغاية
وهى فترة الحرب الصليبية الخامسة ،التي شهدت واقعة شهيرة حدثت بين السلطان الكامل
األيوبي والقديس «فرانسيس األسيزي« ،حيث التقى السلطان المعروف بسماحة الدين
اإلسالمى مع القديس « فرانسيس األسيزى « المعروف أيضا بحبه للسالم وكرهه للتحيز
والعنصرية التى يمارسها البعض ،وتم هذا اللقاء داخل معسكر جيش السلطان أثناء حصار
الصليبيين لمدينة دمياط فى العام 1219ميالدية ،ودارت بين االثنين حوارات عن عظمة
وتسامح األديان التى تدعو للمواطنة وضرورة احترام اآلخر والتعايش السلمى فيما بين
أبناء األديان.
الفيلم من انتاج شركة ،unity productions foundation UPFوكان مركز كايسيد
قد قام بعرض الفيلم في القاهرة بالتعاون مع دير السيدة العذراء لالباء الفرنسيسكان
بالمقطم.
وفي النهاية أود أن أحمد جميع االجتهادات اإليجابية التي تقوم بها مؤسسات الحوار
ومؤسسات اإلعالم والمصحوبة بنوايا حسنة تنتهي بنتائج قيمة ،وأدعو هللا أال تظل وقتًا
ظا على المساحة المعرفية للشعوب تأثيرا ملحو ً
ً ً
طويال بعيدة عن حوار الحياة وأن تؤثر
العربية.
د .محمد عبد الفضيل
عضو مركز الحوار ،استاذ مقارنة األديان باألزهر