Professional Documents
Culture Documents
كان العالم يتح دث ق دي ًما ولم دة ق رونٍ طويل ة عن س باق التس ليح وأس بقية ش ن لح روب واحتالل المس احات
الجغرافية ،واستمر األمر هكذا حتى الهزيع األخير من الق رن الماض ي حيث ب دأت الح رب العالمي ة الب اردة،
وفرض حالة من الحروب االقتصادية وسباق الإنتاج وإغراق األسواق الدولية بالبض ائع المحلية ،األم ر ال ذي
أدى إلى إنش اء منظم ات وإب رام اتفاقي ات أغنت دواًل وأم اتت ش عوبًا ،والي وم س الح المعرف ة وق وة الثقاف ة
والتصنيف العلمي هي األسلحة األقوى ال تي فرض ت نفس ها على س احة ال نزاع الع المي ،وم ا تم ر ب ه الي وم
المنطقة العربية وجزء كبير من المنطقة اإلسالمية هو عجز واض ح عن ال دخول في ه ذا المع ترك ،يمكن أن
يوصف على أنه هزيمة ثقافية نتجت عن تأخر في سلسلة التراجعات المتوالية التي وضعت الحضارة العربي ة
واإلسالمية في مؤخرة الصفوف .تشويهٌ كبير أصاب الذاكرة الثقافية وخريطتها ،مما أدى إلى عدم القدرة حتى
عن الحديث عن محاولة "صناعة ثقافة جديدة" ،وإذا سلمنا بأن ك ل قض ية أو مج ال ل ه (له ا) م دخل مع رفي
أيض ا بالض حالة والس طحية وفق ر المعرف ة العام ة ال تي تع اني منها قطاع ات عريض ة من
فعلينا أن نع ترف ً
الشعوب العربية فضلًا عن رجعية المعرفة المتخصصة مقارنة بالشعوب المتقدمة أو تلك التي بدأت تضع قد ًما
على طريق التقدم.
ه ذه ليس ت نظ رة تش اؤمية ،ألني ال أتح دث عن مس تقبل ب ل عن واق ع في حاج ة إلى اإلعالن عن الم رض
والتفكير سريعًا في عالجه ،بداًل من محاوالت ترقي ع الث وب .نع ود إلى الهزيم ة الثقافي ة ال تي ب ات من أب رز
نتائجها الكارثية تكسير الشعور بالهوية الوطنية والحضارية ،على حساب هويات أخرى كان من المفترض أن
تدعمها وتكملها كالهوية الدينية أو المذهبية أو الطائفي ة ،وم ع ع دم االس تعداد الك افي أو ح تى الح د المع رفي
األدنى المواكب لمستجدات العصر .ومع سقوط الهوية الدينية والطائفية في م أزق الش ك واإلحب اط من ج انب
قطاعات شبابية عريضة في الوطن العربي ،قفزت علينا أصوات انتهازية صورت للش عوب ب أن هن اك غ ول
قادم من الدين ،واجهته على الجانب المقابل بك ل أس ف ص يحات متدين ة تح ذر من الغ ول الق ادم من الغ رب،
وكانت النتيجة أن فقد جيل كامل الشعور بأي هوية يناضل من أجل الدفاع عنه ا أو يك افح ويعم ل انطالقً ا من
االنتماء إليها.
بنهاية الجملة السابقة كنت قد وضعت القلم ونزلت الشارع ،تصفحت لدى بائع الجرائد اإلصدار األخير لمجل ة
العربي فاصتدمت بمقال الدكتور عبد الرحيم الكردي" :خطاب الالثقافة" ،الذي يتح دث في نص فه الث اني عن
أنواع ثالثة لهذا الخطاب" :الخطاب الفوضوي" و"الخطاب الرجعي" و"الخطاب التس لطي" ،وبينم ا يتط رق
المؤلف في حديثه عن أصحاب النوع األول إلى أنهم يتصفون بعدم اإلحس اس بالهوي ة القومي ة أو الوطني ة أو
األسرية ،وأنهم احتياطي اس تراتيجي للفوض ى والتخ ريب ،يص ف الك اتب أص حاب الن وع الث اني بأص حاب
الطقوس المتزمتة واألساطير والعقائد ممن يقدسون التاريخ ويرفضون لغة العقل والحوار.
خطابات "الالثقافة" إذن ال تظهر إال في مجتمع انهزم في ساحة السباق الثقافي العالمي ال سيما إذا ك انت هي
المسيطرة والحاكمة على تصرفات السود األعظم من ش عوب حض ارة م ا اتس مت بالعش وائية في التفك ير في
القضايا المعاصرة والتعاطي معه ا ،ح تى أص بح الخط ر ال ذي ي داهمها ال يتمث ل في ثقاف ة غربي ة أو ش رقية
غريبة بل في "الثقافة" أنتجها أصحاب هذه الحضارة ،وواجبهم في مواجهة هذا الخطر يجب أن يبدأ بمواجهة
النفس والتحرك العاجل لصناعة ثقافة جديدة بداًل من المحاوالت المتكررة لتكمل ة غ ير المكتم ل وت رميم بني ة
تحتية معرفية قائمة في األصل على مناهج علمية قديمة تلقينية ال إبداعية يجب استبدالها بالكلية بمناهج أخرى
فكرية حرة.
وللحديث بقية –