You are on page 1of 13

See discussions, stats, and author profiles for this publication at: https://www.researchgate.

net/publication/301770953

‫ﺑﻴﺎن وﻗﺖ ﻣﺸﺮوﻋﻴﺔ أذﻛﺎر اﻟﻤﺴﺎء‬

Article · May 2017

CITATIONS READS

0 18

1 author:

Osamah Aqeel AL-Kooheji


Imam AbdulRahman AL-Faisal University (IAU) Previously: Dammam University
4 PUBLICATIONS   0 CITATIONS   

SEE PROFILE

Some of the authors of this publication are also working on these related projects:

‫ دراﺳﺎت ﻓﻲ اﻟﻌﻘﻴﺪة‬View project

‫ ﺗﺤﻘﻴﻘﺎت ﻋﻠﻤﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺴﺎﺋﻞ ﺷﺮﻋﻴﺔ ﻣﺘﻔﺮﻗﺔ‬View project

All content following this page was uploaded by Osamah Aqeel AL-Kooheji on 02 May 2016.

The user has requested enhancement of the downloaded file.


‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬

‫"فائدة في وقت أذكار المساء"‬

‫‪ -1‬مل خيتلف العلماء أن أذكار الصباح تقال أول النهار وحتديداً بعد صالة الفجر‪ ،‬و رمبا‬
‫يقال بعضها قبلها أيضاً‪.‬‬
‫‪ -2‬اختلف العلماء قدمياً يف وقت أذكار املساء على قولني‪ ،‬أحدهما‪ :‬أنه بعد العصر إىل‬
‫املغرب‪ ،‬وهو قول النووي وابن القيم وغريمها‪ ،‬والثاني‪ :‬بعد املغرب‪ ،‬وهو قول ابن اجلزري‬
‫والشوكاين يف "العدة" وغريمها‪ ،‬وهو ظاهر قول املاوردي و ابن كثري كما سيأيت بيانه بإذن‬
‫اهلل‪.‬‬
‫‪ -3‬مجع بعض املعاصرين بني القولني فقالوا‪ :‬ما فيه نص على الليل يقال يف الليل‪ ،‬وما جاء‬
‫بلفظ املساء جيوز أو يشرع قوله من بعد العصر‪ ،‬وهو قول شيخنا الشيخ عبد الرمحن ابن‬
‫ناصر الرباك – حفظه اهلل‪ -‬وغريه‪.‬‬
‫‪ -4‬ذهب مساحة الشيخ عبد العزيز بن باز – رمحه اهلل‪ -‬كما يف موقعه اإللكرتوين‪ ،‬إىل أنه‬
‫جيوز قول أذكار املساء من بعد الزوال‪ ،‬ولكن األفضل أن تقال بعد العصر‪ ،‬وهو قول ال‬
‫أعلم أحداً سبقه إليه‪ ،‬وال أحداً وافقه عليه‪ ،‬أعين أهنا تبدأ من بعد الزوال‪ ،‬ومأخذه يف‬
‫هذا أن املساء يبدأ من بعد الزوال كما هو قول طائفة من العلماء‪.‬‬
‫‪ -5‬احتج أصحاب القول األول بقوله تعاىل‪{:‬وسبح حبمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل‬
‫غروهبا}‪ ،‬وقوله‪{:‬وسبح حبمد ربك بالعشي واإلبكار}‪ ،‬وقوله‪{:‬واذكر اسم ربك بكرة‬
‫وأصيال}‪ ،‬وقوله‪{:‬وسبحوه بكرة وأصيال}‪ ،‬وما يف معناها من اآليات‪.‬‬

‫قالوا‪ :‬و "األصيل" و "العشي" امسان ملا بعد العصر إىل غروب الشمس‪ ،‬كما صرح به غري‬
‫واحد من أهل اللغة وغريهم‪.‬‬
‫وأيدوا هذا بأنه قد وردت أحاديث تدل على فضل اجللوس مع قوم يذكرون اهلل بعد العصر‬
‫إىل غروب الشمس وهي وإن كان فيها ضعف إال أنه قد حسنها بعض العلماء بطرقها‪.‬‬

‫واحتجوا أيضا بأن لفظ املساء يصدق على ما بعد العصر‪ ،‬إذ املساء يبدأ من الزوال‪،‬‬
‫فحملوا أحاديث أذكار املساء على هذا بناء على ما سبق ذكره يف معىن األصيل و العشي‬
‫عندهم‪ ،‬أما مساحة الشيخ ابن باز – رمحه اهلل – فإنه محل األمر املقيد بالعشي واآلصال يف‬
‫اآليات على االستحباب‪ ،‬وجوز مع ذلك الشروع يف أذكار املساء من بعد الزوال أخ ًذا‬
‫بظاهر لفظ املساء‪ ،‬وحيتمل أنه فسر العشي مبا بعد الزوال كما هو قول طائفة من أهل‬
‫العلم‪.‬‬

‫أما من مجع بني القولني فأخذوا بظاهر لفظ املساء مع ختصيصه مبا بعد العصر ملا فهموه من‬
‫اآليات السابقة واستثنوا ما ورد تقييده بالليل‪ ،‬فاستحبوا تأخريه إىل الليل‪ ،‬لتصريح بعض‬
‫روايات األحاديث بذلك‪.‬‬

‫وهذه األدلة‪ ،‬كما هو ظاهر‪ ،‬ليس فيها نص صريح في الباب‪ ،‬وغاية ما فيها احلث على‬
‫ذكر اهلل وتسبيحه يف آخر النهار‪ ،‬سواء يف العشي من بعد الزوال على القول املشهور‪ ،‬أو‬
‫من بعد العصر على القول الثاين‪ ،‬وهو أشهر القولني يف معىن األصيل‪ ،‬ال أنه وقت أذكار‬
‫املساء املخصوصة املنصوص عليها يف أحاديثها‪ ،‬مع أن أكثر أهل املفسرين من السلف‬
‫واخللف فسروا اآليات السابقة بالصلوات ال بأذكار املساء‪.‬‬

‫كما أن تفسري املساء مبا بعد الزوال ليس حمل اتفاق عند أهل العلم‪ ،‬بل نص بعضهم على‬
‫بدو الظالم بعد الغروب‪ ،‬كما ذكره املاوردي‬
‫أن املساء يبدأ من غروب الشمس‪ ،‬أو من ُ‬
‫و القرطيب و ابن كثري و ابن اجلزري وعنه الشوكاين‪ ،‬وغريهم كما سيأيت بيانه بإذن اهلل‪.‬‬
‫‪ -6‬أما القول الثاني‪ ،‬فله أدلة صحيحة صرحية أو شبه صرحية‪-:‬‬

‫فمنها‪ :‬أن بعض أذكار املساء اليت يذكرها املصنفون يف كتب األذكار ضمن أذكار املساء‬
‫منصوص على أهنا تقال يف الليل كحديث‪(( :‬من قرأ اآليتني من آخر سورة البقرة في ليلة‬
‫يح بأهنا تقال بعد صالة‬
‫كفتاه))‪ ،‬وحديث التهليل عشر مرات يف املساء‪ ،‬ففي رواية التصر ُ‬
‫املغرب‪ ،‬وهي عند ابن حبان – رمحه اهلل – يف "صحيحه" كما يف "صحيح الترغيب‬
‫والترهيب" لأللباين ‪-‬رمحه اهلل ‪ -‬وكحديث سيد االستغفار الذي فيه أن من قاله حني‬
‫يمسي فمات من ليلته دخل اجلنة‪ ،‬بل قد ورد يف رواية عند البخاري يف "الصحيح" يف‬
‫"كتاب الدعوات‪-‬باب أفضل االستغفار" ح‪ ،6306‬بلفظ‪:‬‬

‫((من قالها من النهاﺭ موقنا بها‪ ،‬فماﺕ من يومه قبل ﺃﻥ يمسي‪ ،‬فهو من ﺃهل الجنة‪،‬‬
‫ﻭمﻦ قالها مﻦ الليل ﻭهو موقن بها‪ ،‬فماﺕ قبل ﺃﻥ يﺼبح‪ ،‬فهو من ﺃهل الجنة))‪.‬‬

‫فهذا صريح يف أن هذا الدعاء يقال يف الليل‪ ،‬وهو يفسر قوله يف الرواية األخرى‪(( :‬من قاله‬
‫حني ميسي))‪ ،‬فدل هذا على أن اإلمساء هنا الدخول يف الليل ال يف العصر أو بعد الزوال‪.‬‬

‫وكذلك حديث عثماﻥ بن عفاﻥ ﺭضي اهلل عنه قاﻝ‪ :‬قاﻝ ﺭسوﻝ اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪(( :-‬ما من عبد يقوﻝ في صباﺡ كل يوم و مساء كل ليلة‪ :‬بسم اهلل الذي ال يضر‬
‫مع امسه شيء يف األرض وال يف السماء ﻭهو السميع العليم‪ ،‬ثالث مرات‪ ،‬إال مل يضره‬
‫شيء)) رواه أبو داود والرتمذي ﻭ قال‪ :‬حديث حسن صحيح‪.‬‬

‫فهذا ظاهر يف أن املراد هنا باملساء أول الليل كما أن الصباح أول اليوم‪ ،‬أي‪ :‬النهار‪ ،‬و إال‬
‫لقال‪" :‬صباح كل يوم ومساءه"‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أن ألفاظ بعض أذكار املساء فيها التصريح بذكر الليل كحديث‪(( :‬أمسينا وأمسى‬
‫امللك هلل)) وفيه‪(( :‬اللهم إين أسألك خري ما يف هذه الليلة وخري ما بعدها)) وليس يف شيء‬
‫من أحاديث أذكار املساء‪" :‬أسألك خري هذا املساء أو العصر وخري ما بعده"‪.‬‬

‫فإذا تقرر هذا يف هذه األذكار املخصوصة اليت أمجع العلماء على أهنا من أذكار املساء‪،‬‬
‫واتضح أن املراد باملساء فيها أول الليل‪ ،‬كان ذلك قرينة قوية لتفسري لفظ املساء الوارد يف‬
‫بقية أحاديث أذكار املساء بأول الليل أيضاً‪.‬‬

‫وهبذا يتبني أن ما ذهب إليه بعض أهل اللغة و غريهم من أن املساء من زوال الشمس إىل‬
‫غروهبا غري صحيح على إطالقه‪ ،‬بل رمبا كان كذلك عند بعض العرب دون بعض‪ ،‬كما هو‬
‫أمسيت))‪ ،‬أو لعله من املشرتك اللفظي‪ ،‬أو‬
‫ُ‬ ‫((رميت بعدما‬
‫ُ‬ ‫أحد القولني يف معىن حديث ‪:‬‬
‫من استعمال اللفظ يف معناه اجملازي عند من يقول باجملاز‪ ،‬أو من التوسع يف الكالم كما‬
‫حكى ثعلب عن العرب أن الصباح عندهم يبدأ من منتصف الليل‪ ،‬وإال فقد صح عن‬
‫العرب إطالق لفظ املساء على الليل أو أوله‪ ،‬كما قال ابﻦ عبد البر في‬
‫"التمهيد"(‪:)200/22‬‬

‫ت ِعْن َد‬ ‫ِ‬


‫ِل َع ْن أَبِيه قَ َال ُكْن ُ‬‫اب الْ ِم ْع َوِ ِّ‬
‫احل َّج ِ‬
‫ب بْ ِن َْ‬ ‫"وروى قُتَ ْيبَةُ بْن َسعِيد َع ْن أَِِب بَ ْك ِر بْ ِن ُش َعْي ِ‬
‫ُ‬ ‫َََ‬
‫ِِ‬ ‫اب ِن ِس ِريين فَجاءه إِنْسا ٌن يسأَلُه عن َشيء ِمن الشِّع ِر قَبل ِ‬
‫ص ِر فَأَنْ َش َدهُ ابْ ُن سري َ‬
‫ين‬ ‫ص َالة الْ َع ْ‬ ‫َ َ َُ َ َ ْ ُ َ ْ ْ َ ْ ْ َ َ‬ ‫ْ‬
‫ب الْ َع َس ْل ‪ ... ... ...‬يَعِ ُّل بِِه بَ ْرُد أَنْيَ ِاهبَا‬ ‫اخلَُز َامى َو َذ ْو َ‬
‫يح ْ‬ ‫يل ‪َ ...‬وِر َ‬
‫َن الْم َد َامةَ و َّ ِ‬
‫الزْْنَب ْ‬ ‫َ‬ ‫‪َ ...‬كأ َّ ُ‬
‫س ِاء اعتدل" ا‪.‬ه ‪ .‬وإمنا يعتدل النجم وسط الليل‪.‬‬ ‫ط ال َْم َ‬ ‫‪ ...‬إِ َذا الن ْ‬
‫َّج ُم َو َس َ‬

‫وقد ورد هذا املعىن يف األحاديث أيضاً كما أخرج الشيخان من حديث أِب إبراهيم عبد الله‬
‫ابن ﺃبي ﺃﻭفى ﺭضي الله عنهما قاﻝ‪ :‬سرنا مع ﺭسوﻝ الله صلى الله عليه ﻭسلم ﻭهو صائم‬
‫فلما غربت الشمس قاﻝ لبعض القوﻡ‪(( :‬يا فالﻥ انزﻝ فاجدﺡ لنا))‪ ،‬فقاﻝ‪ :‬يا ﺭسوﻝ الله‪،‬‬
‫لو ﺃمسيت؟ قاﻝ‪((" :‬انزﻝ فاجدﺡ لنا)) قاﻝ‪ :‬ﺇﻥ عليﻚ نهاﺭا قاﻝ‪(( :‬انزﻝ فاجدﺡ لنا))‬
‫قاﻝ‪ :‬فنزﻝ فجدﺡ لهم فشرﺏ ﺭسوﻝ الله صلى الله عليه ﻭسلم ثم قاﻝ‪(( :‬ﺇﺫا ﺭﺃيتم الليل‬
‫قد ﺃقبل من هاهنا فقد ﺃفطر الصائم)) ﻭﺃشاﺭ بيده قبل المشرﻕ‪.‬‬

‫قال النووي يف "رياض الصاحلني"‪ :‬قوله‪ :‬اجدﺡ بجيم ثم ﺩاﻝ ثم حاء مهملتين ﺃﻱ‪ :‬اخلط‬
‫السويق‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫فهذا يدل على أن املساء يطلق على الليل أو أوله‪ ،‬وظاهره أن آخر النهار ال يسمى مساء‪،‬‬
‫بل وال وقت الغروب‪ ،‬ألن قول الصحاِب‪" :‬لو أمسيت" يقتضي أنه مل ميُْ ِ‬
‫س بعد‪ ،‬مع أن‬
‫الشمس قد غربت‪ ،‬وهذا يشهد لقول املاوردي والقرطيب و ابن اجلزري وابن كثري وغريهم(‪.)1‬‬

‫وهلذا نظائر يف األحاديث‪ ،‬كحديث األمر بكف الصبيان عند المساء حتى تذهب فوعة‬
‫العشاء‪ ،‬ففي أحد ألفاظه يف "الصحيح"‪(( :‬إذا كان جنح الليل أو أمسيتم))‪ ،‬وحديث ابن‬
‫عمر – رضي اهلل عنهما‪ -‬موقوفاً‪" :‬إذا أمسيت فال تنتظر الﺼباح"‪ ،‬وهو يف "الصحيح"‬
‫أيضاً‪ ،‬وهذا يدل على أن استعمال اإلمساء مبعىن الدخول يف الليل كان معروفا ومستعمالً‬
‫عند رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬وأصحابه‪ ،‬فهذا أوىل ما تفسر به أحاديث أذكار‬
‫املساء‪ ،‬ألن األحاديث يفسر بعضها بعضاً‪ ،‬كما أن القرآن يفسر بعضه بعضاً‪ ،‬السيما وأن‬
‫ألفاظ أحاديث أذكار املساء تدل على هذا املعىن كما تقدم‪.‬‬

‫قد محل غري واحد من أهل العلم هذا احلديث على معىن‪" :‬لو أغرقت يف املساء"‪ ،‬فال يكون فيه على ذلك‬ ‫(‪(1‬‬

‫داللة على كون املساء يبدأ من الليل‪ ،‬وهذا يرده أن اإلغراق يف املساء يف حد ذاته ال دخل له يف حل الفطر للصائم‪،‬‬
‫وإمنا حيل الفطر بدخول الليل‪ ،‬وأيضاً فقوله‪" :‬إن عليك هناراً" صريح يف أن املساء خالف النهار‪ ،‬فتعني محل املساء هنا‬
‫على الليل‪ ،‬ولقائل أن يقول‪ :‬إن املساء يف األصل هو الليل و لكن بعضهم أطلقه على ما بعد الزوال ألنه ابتداء‬
‫خفوت الضياء وأفول النهار و قرب الليل‪ ،‬كما أن بعضهم يطلق الصباح على ما بعد منتصف الليل كما حكاه ثعلب‬
‫عن العرب‪ ،‬فال حيتاج احلديث على هذا إىل تأويل مبا ذكروا‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬لو كان املراد باإلمساء الدخول يف الليل لقال‪":‬أليلنا" بدل "أمسينا"‪ ،‬فاجلواب أن‬
‫الظاهر أهنم عدلوا عن قوهلم "أليلنا" إىل "أمسينا" لكون األول فيه ثقل‪ ،‬فجرى عرفهم على‬
‫إطالق املساء على الليل أو أوله ألنه أخف يف اللفظ‪ ،‬والعرب الفصحاء يؤثرون اخلفة يف‬
‫الكالم‪.‬‬

‫وكما دلت السنة على إطالق المساء على الليل أو أوله‪ ،‬فكذلﻚ دل القرآن على‬
‫ذلﻚ‪ ،‬فمﻦ ذلﻚ قوله – تعالى‪:-‬‬

‫{فسبحان اهلل حني تمسون وحني تصبحون ‪ .‬وله احلمد يف السماوات واألرض وعشيا‬
‫وحني تظهرون}‪.‬‬

‫فقد اتفق املفسرون على أن املراد باملساء يف هذه اآلية وقت صالة المغرب وصالة العشاء‪،‬‬
‫سواء منهم من فسرها بالصلوات‪ ،‬ومن فسرها مبطلق الذكر والتسبيح‪.‬‬

‫قال القرطبي – رحمه اهلل ‪:-‬‬

‫" قَ ْولُهُ تَ َع َاىل‪( :‬فَ ُسْبحا َن اللَّ ِه) ْاآليَةَ فِ ِيه ثََالثَةُ أَقْ َوال‪:‬‬

‫الص َالةِ ِيف ه ِذهِ ْاألَوقَ ِ‬


‫ات‪.‬‬ ‫ض َعلَى َّ‬ ‫ني بِ ْاأل َْم ِر بِالْعِبَ َادةِ َو ْ‬
‫احلَ ِّ‬ ‫ْاأل ََّو ُل‪ -‬أَنَّه ِخطَ ِ ِ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫اب ل ْل ُم ْؤمن َ‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬

‫يل لَهُ‪ :‬أَيْ َن؟ فَ َق َال‪ :‬قَ َال اللَّهُ تَ َع َاىل"‬ ‫ِ ِ‬ ‫ات الْ َخم ِ‬
‫س في الْ ُق ْرآن‪ ،‬ق َ‬ ‫ْ ُ‬ ‫الﺼلَ َو ُ‬
‫قَ َال ابْ ُﻦ َعبَّاس‪َّ :‬‬
‫ب والْعِ َ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫صبِ ُحو َن" َ‬
‫ص َالةُ الْ َف ْج ِر"‬ ‫ني تُ ْ‬‫شاء" َوح َ‬ ‫ص َالةُ ال َْم ْغ ِر ِ َ‬‫سو َن" َ‬ ‫ني تُ ْم ُ‬‫فَ ُسْبحا َن اللَّه ح َ‬
‫يد بْ ُن ُجبَ ْري‪َ .‬و َع ِن ابْ ِن َعبَّاس‬ ‫اك َو َسعِ ُ‬‫َّح ُ‬ ‫ني تُظْ ِه ُرو َن" الظُّ ْه ُر‪َ ،‬وقَالَهُ الض َّ‬ ‫ِ‬
‫ص ُر" َوح َ‬
‫ِ‬
‫َو َعشيًّا" الْ َع ْ‬
‫ص ُر َوالظُّ ْه ُر‪ ،‬قَالُوا‪:‬‬
‫الصْب ُح َوالْ َع ْ‬
‫ب َو ُّ‬ ‫صلَ َوات‪ :‬الْ َم ْغ ِر ُ‬‫َن ْاآليَةَ تَ ْنبِيهٌ َعلَى أ َْربَ ِع َ‬‫ضا َوقَتَ َادةُ‪ :‬أ َّ‬‫أَيْ ً‬
‫ات‬‫والْعِ َشاء ْاآل ِخرةُ ِهي ِيف آية أُخرى ِيف" وزلَفاً ِمن اللَّي ِل" «‪[ »1‬هود‪ ]114 :‬وِيف ِذ ْك ِر أَوقَ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َُ َ ْ‬ ‫َ ُ َ َ َ َْ‬
‫ِ ِ‬ ‫َّحاس‪ :‬أ َْهل التَّ ْف ِسي ِر َعلَى أ َّ ِ ِ‬
‫سو َن‬ ‫يﻦ تُ ْم ُ‬ ‫س ْبحا َن اللَّه ح َ‬ ‫َن َهذه ْاْليَةَ" فَ ُ‬ ‫ُ‬ ‫الْ َع ْوَرةِ‪َ .‬وقَ َال الن َّ ُ‬
‫سبِّ ُحوا‬ ‫ات‪ .‬و َِمسعت علِي بن سلَيما َن ي ُق ُ ِ ِ ِ‬ ‫ﺼبِحو َن" فِي َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ول‪َ :‬حقي َقتُهُ عْندي‪ :‬فَ َ‬ ‫الﺼلَ َو َ ْ ُ َ َّ ْ َ ُ ْ َ َ‬ ‫يﻦ تُ ْ ُ‬
‫َوح َ‬
‫الص َالةِ‪َ ،‬وُه َو الْ َق ْو ُل الثَّانِي‪.‬‬
‫اهلل في الﺼلوات‪ ،‬ألن التسبيح يكون ِيف َّ‬

‫صبِ ُحو َن‪ ،‬ذَ َكَرهُ املاوردي‪ .‬وذكر‬ ‫ني تُ ْ‬


‫ِ‬
‫ني ُتُْ ُسو َن َوح َ‬
‫ِ‬
‫سبِّ ُحوا اللَّهَ ح َ‬
‫ث‪ -‬فَ َ‬ ‫َوالْ َق ْو ُل الثَّالِ ُ‬
‫الص َالةِ‬
‫صبِ ُحو َن‪َ .‬وِيف تَ ْس ِميَ ِة َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِِ‬
‫ني تُ ْ‬ ‫ﺼلُّوا للَّه ح َ‬
‫ني ُتُْ ُسو َن َوح َ‬ ‫القول ْاأل ََّو َل‪َ ،‬ولَْفظُهُ فيه‪ :‬فَ َ‬
‫يح وجه ِ‬ ‫ِ‬
‫ان‪:‬‬ ‫َّسبِ ِ َ ْ َ‬ ‫بالت ْ‬
‫السج ِ‬ ‫َّسبِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ود‪.‬‬ ‫وع َو ُّ ُ‬ ‫يح ِيف ُّ‬
‫الرُك ِ‬ ‫ض َّمنَ َها م ْن ذ ْك ِر الت ْ‬
‫َح ُد ُه َما‪ -‬ل َما تَ َ‬
‫أَ‬

‫صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪( :‬تَ ُكو ُن‬ ‫ِ‬


‫الﺼ َالةُ‪َ ،‬ومْنهُ قَ ْو ُل النِ ِّ‬
‫َّيب َ‬ ‫الثَّانِي‪َ -‬مأْ ُخوذٌ ِم َن ُّ‬
‫السْب َح ِة َو ُّ‬
‫الس ْب َحةُ َّ‬
‫ي‪ :‬الْ َع ِش ُّي َوالْ َع ِشيَّةُ ِم ْن‬‫اجلَ ْوَه ِر ُّ‬
‫ص َالة ‪ -‬إلى أن قال‪ -:‬قَ َال ْ‬ ‫ِ ِ‬
‫َي‪َ :‬‬‫َهلُ ْم ُسْب َحة يَ ْوَم الْقيَ َامة) أ ْ‬
‫ني الْ َم َس ِاء َوالْعِ َش ِاء‪ :‬أ َّ‬
‫َن‬ ‫ي‪َ :‬والْ َف ْر ُق بَ ْ َ‬‫ب إِ َىل الْ َعتَ َم ِة – إىل أن قال‪ -:‬ال َْم َاوْرِد ُّ‬ ‫ص َالةِ الْم ْغ ِر ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫س لِْلمغِ ِ‬ ‫آخر الن ِ‬
‫َّها ِر عْن َد َمْي ِل الش ْ‬
‫ِ‬ ‫الْمساء ب ُد ُّو الظََّالِم ب ْع َد الْم ِغ ِ ِ‬
‫يب‪َ ،‬وُه َو‬ ‫َّم ِ َ‬ ‫يب‪َ ،‬والْع َشاءَ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َََُ‬
‫ني وهو نَ ْقص النُّوِر ِمن الن ِ‬ ‫ِ‬
‫َّاظ ِر كنقص نور الشمس" ا‪.‬ه ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َمأْ ُخوذٌ م ْن َع َشا الْ َع ْ ِ َ ُ َ ُ‬
‫وقال البغوي – رمحه اهلل ‪:-‬‬

‫" قوله تعاىل ‪ ( :‬فسبحان اهلل ) أي ‪ :‬سبحوا اهلل ‪ ،‬و[قيل‪]:‬معناه‪ :‬صلوا هلل ( حني ُتسون )‬
‫أي ‪ :‬تدخلون يف املساء ‪ ،‬وهو صالة المغرب والعشاء ( وحني تصبحون ) أي ‪ :‬تدخلون‬
‫يف الصباح ‪ ،‬وهو صالة الصبح"‪.‬انتهى‬

‫وقال ابﻦ الجوزي‪ -‬رحمه اهلل‪ -‬في "زاد المسير"‪ :‬قال املفسرون‪ :‬املعىن‪ :‬فﺼلّوا هلل ‪-‬عز‬
‫صبِ ُحو َن أي‪ :‬تدخلون يف الصباح‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ني تُ ْ‬
‫تدخلون يف املساء َوح َ‬
‫وجل‪ -‬حني ُُتسون‪ ،‬أي‪ :‬حني ُ‬
‫الزوال‪َ ،‬و َع ِشيًّا أي‪ :‬وسبِّحوه عشياً‪ .‬وهذه اآلية قد‬ ‫وتُظْ ِه ُرو َن ُ‬
‫تدخلون يف الظهرية‪ ،‬وهي وقت َّ‬
‫مجعت الصلوات اخلمس‪ ،‬فقوله تعالى‪« :‬حيﻦ تُمسون» يعني به صالة المغرب‬
‫والعشاء"إخل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صلُّوا {حني ُتُْ ُسو َن} أ ْ‬
‫َي‬ ‫َي َسبِّ ُحوا اللَّه مبَْع َىن َ‬
‫وفي "تفسير الجالليﻦ"‪{ :‬فَ ُسْب َحان اللَّه} أ ْ‬
‫صبِ ُحو َن} تَ ْد ُخلُو َن ِيف‬ ‫شاء ِ‬ ‫تَ ْد ُخلُو َن فِي الْمساء وفِ ِيه ص َالتَ ِ‬
‫ان ال َْم ْغ ِرب َوال ِْع َ‬
‫{وحني تُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ‬
‫الصْبح‪.‬‬
‫ص َالة ُّ‬ ‫َّ ِ ِ‬
‫الصبَاح َوفيه َ‬
‫اد لِعِبَ ِادهِ إِ َىل‬ ‫ِ‬
‫يح ِمْنهُ تَ َع َاىل لنَ ْف ِس ِه الْ ُم َق َّد َس ِة‪َ ،‬وإِْر َش ٌ‬
‫وقال ابﻦ كثير – رحمه اهلل ‪َ " :-‬ه َذا تَ ْسبِ ٌ‬
‫ات الْ ُمتَ َعاقِبَ ِة الدَّالَِّة َعلَى َك َم ِال قُ ْد َرتِِه َو َع ِظي ِم ُس ْلطَانِِه‪ِ :‬عْن َد‬ ‫يدهِ‪ِ ،‬يف ه ِذهِ ْاألَوقَ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫يح ِه وَحت ِم ِ‬
‫تَ ْسبِ ِ َ ْ‬
‫َّها ِر َع ْن ِضيَائِِه"‪.‬‬ ‫اح‪َ ،‬وُه َو إِ ْس َف ُار الن َ‬ ‫الصبَ ِ‬ ‫س ِاء‪َ ،‬و ُه َو إِقْبَ ُ‬
‫ال اللَّْي ِل بِظََال ِم ِه‪َ ،‬و ِعْن َد َّ‬ ‫ال َْم َ‬
‫قلت‪ :‬فهذا يبني أن اإلمساء يف القرآن أيضاً يطلق على الدخول يف الليل ال الدخول يف‬
‫العصر كما ظن ذلك من ظنه‪ ،‬بل وال الزوال‪ ،‬وهبذا يتبني أن تفسري اإلمساء يف أذكار املساء‬
‫بالدخول يف الليل أوىل من تفسريها بالدخول يف العصر أو الظهر‪ ،‬ألهنا اللغة املستعملة يف‬
‫القرآن والسنة‪ ،‬خبالف األخرى‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬أن وقت الليل وقت فاضل وال جيوز إخالؤه من أذكار ختصه يف أوله كما أنه مل خيل‬
‫أول النهار من ذكر خيص النهار‪.‬‬

‫فإن قيل‪ :‬ال يلزم من ذلك أن تكون األذكار اليت ختص الليل هي أذكار املساء‪ ،‬بل جيوز أن‬
‫تكون له أذكار أخرى كبعض اآليات والسور اليت ورد احلث على قراءهتا ليالً‪.‬‬

‫فالجواب‪ :‬أن تلك اآليات و السور وغريها مما ورد احلث على قراءته يف الليل بلفظ صريح‬
‫مل يرد تقييدها بأول الليل‪ ،‬بل بعضها إمنا يستحب قراءته عند النوم أو عند قيام الليل‪،‬‬
‫فيقتضي هذا خلو أول الليل من أذكار ختصه يف مقابل األذكار املشروعة يف أول النهار‪،‬‬
‫وهبذا تظهر فائدة الروايات اليت قيدت بعض أذكار الليل حبني اإلمساء‪ ،‬وأهنا تقتضي‬
‫مشروعية تلك األذكار يف أول الليل ال يف أثنائه أو آخره‪ ،‬خالفاً ملا مل يقيد منها بذلك أو‬
‫قُيِّ َد بغريه‪.‬‬
‫‪ -7‬أما اْليات التي استدل بها أصحاب القول األول فيجاب على استدﻻلهم بها‬
‫بجوابيﻦ‪:‬‬

‫أحدهما‪ :‬أن التسبيح يف اآليات املشار إليها يراد به الصلوات اخلمس يف قول أكثر‬
‫المفسريﻦ كما نص عليه القرطيب وغريه كما تقدم‪.‬‬

‫قال القرطيب – رمحه اهلل‪" :-‬وقالت فرقة‪ :‬املراد باآلية صالة التطوع"‪.‬‬

‫قلت‪ :‬وهذا ضعيف ألنه ال تطوع قبل طلوع الشمس وال قبل غروهبا‪ ،‬وعليه فقوله‪{ :‬وقبل‬
‫غروهبا} املراد به صالة العصر‪ ،‬ولذا ذكر أوقات الصلوات كلها فقال‪{ :‬فسبح حبمد ربك‬
‫قبل طلوع الشمس وقبل غروهبا} فهذان وقتا صالة الفجر وصالة العصر مث قال‪{:‬ومن آناء‬
‫الليل فسبح} واملراد بذلك صالة العشاء مث ذكر الظهر واملغرب فقال‪{:‬وأطراف النهار}‪،‬‬
‫كما بينه القرطيب والبغوي وابن كثري وغريهم على اختالف يسري يف ذلك‪ ،‬وقد احتج البغوي‬
‫وابن كثري لذلك بحديث جرير بﻦ عبد اهلل قال ‪ :‬كنا جلوسا عند رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم فنظر إىل القمر ليلة البدر ‪ ،‬فقال ‪ " :‬إنكم ترون ربكم كما ترون هذا القمر ال‬
‫تضامون يف رؤيته ‪ ،‬فإن استطعتم أن ال تغلبوا على صالة قبل طلوع الشمس وقبل غروهبا‬
‫فافعلوا "‪ ،‬مث قرأ (وسبح بحمد ربﻚ قبل طلوع الشمس وقبل غروبها)‪.‬‬

‫قلت‪ :‬وهو حديث صحيح متفق عليه‪ ،‬وهو نص صريح يف حمل النزاع‪ ،‬وال يضره أنه جاء‬
‫يف رواية أن الذي قرأ اآلية هو جرير بن عبد اهلل – رضي اهلل عنه – فإنه تفسري صحاِب‬
‫موافق ملا جاء عن غريه من الصحابة و من بعدهم وال خمالف هلم فيما أعلم‪ ،‬وما كان كذلك‬
‫فهو حجة عند كثري من أهل العلم‪.‬‬

‫ويف الباب أحاديث أخر بنحوه ذكر بعضها ابن كثري يف تفسري هذه اآلية‪ ،‬وكذلك ما يف‬
‫معناها من اآليات تأويلها عند مجهور املفسرين‪ :‬الصلوات اخلمس‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬أنه على التسليم بأن املراد هبا مطلق الذكر ال خصوص الصالة‪ ،‬فغاية ما يف ذلك‬
‫استحباب ذكر اهلل يف هذين الوقتني‪ ،‬وليس فيه دليل على مشروعية خصوص تلك األذكار‬
‫املخصوصة بالصباح واملساء فيهما‪ ،‬كما سبق التنبيه عليه من قبل‪.‬‬

‫ومما يؤكد هذا أن العشي يصدق على الظهر والعصر كما تقدم ذكره‪ ،‬وكما قال الهروي‬
‫فيما نقله عنه ابﻦ األثير يف "النهاية"‪" :‬ما بعد الزوال إلى المغرب عشي"‪ ،‬وقد ثبت يف‬
‫الصحيحني أن صالة الظهر إحدى صاليت العشي‪ ،‬ومع هذا مل يقل أحد من املتقدمني‬
‫مبشروعية ابتداء أذكار املساء من بعد الظهر لقوله ‪-‬تعاىل‪{:-‬فسبح حبمد ربك بالعشي‬
‫واإلبكار}‪ ،‬وإمنا استحبوا اإلكثار من ذكر اهلل والصلوات يف هذا الوقت عموما هلذه اآلية‬
‫وما يف معناها‪ ،‬فتبني هبذا عدم صحة االستدالل باآليات اليت فيها ذكر األصيل على‬
‫مشروعية ختصيصه بأذكار املساء اخلاصة به‪ ،‬وأن غاية ما فيها احلث على اإلكثار من ذكر‬
‫اهلل عموماً يف ذلك الوقت‪.‬‬

‫وقد ذهب بعض علماء العربية إىل أن األصيل هو العشي كما يف "لسان العرب" يف مادة‬
‫(أصل) ومنه قول أِب ذؤيب اهلذِل‪ :‬وأقعد يف أفيائه باألصائل‪ .‬ومن املعلوم أن األفياء تبدأ‬
‫بعد زوال الشمس ظهراً‪ .‬وقال دهبل‪ :‬فأعطي احللق أصيالل العشي‪ .‬قال ابن سيده‪ :‬عندي‬
‫أنه من إضافة الشيء إىل نفسه ‪ ،‬إذ األصيل والعشي سواء ‪ ..‬إخل‪.‬‬

‫فإن صح هذا مل يكن األصيل خمتصا بالعصر بل يشمل الظهر أيضاً فال يكون ذكره يف‬
‫اآليات دليالً على اختصاص العصر بالذكر دون الظهر‪ ،‬إال أنه يشكل على هذا أن بعض‬
‫أئمة اللغة كاجلوهري وغريه نصوا على أن األصيل هو الوقت بعد العصر إىل املغرب‪ ،‬واستدلوا‬
‫مبا تقدم من الشعر وغريه‪ ،‬وهو حمتمل‪ ،‬وعليه فيكون األصيل آخر العشي بعد العصر ال‬
‫مرادفا له‪ ،‬بل هو أخص منه‪ ،‬وهذه مسألة حتتاج إىل حبث وحتقيق‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫وعلى كل حال فال دليل يف اآليات على ختصيص أذكار املساء املخصوصة مبا بعد العصر‬
‫كما سبق غري مرة‪ ،‬وبذا يتبني اجلواب عن االستدالل مبا ورد يف احلديث من فضل الذكر‬
‫بعد العصر‪ ،‬إذ ال نزاع يف ذلك يف اجلملة وإمنا النزاع يف ختصيصه بأذكار املساء الواردة يف‬
‫األحاديث‪.‬‬

‫وأما احتجاجهم بأن املساء يصدق على العصر‪ ،‬فجوابه‪ :‬أن املساء عند بعض أهل العلم‬
‫يبدأ من زوال الشمس‪ ،‬ال من العصر‪ ،‬واختلفوا يف منتهاه‪ ،‬فقيل‪ :‬إىل المغرب‪ ،‬وقيل ‪ -‬وهو‬
‫األرجح‪ :‬إىل نﺼف الليل‪ ،‬كما يف "لسان العرب" وكما نص عليه احلافظ ابن حجر يف‬
‫مواضع من "الفتح"‪ ،‬وعليه فاإلمساء إذا فسر بالدخول يف املساء الذي هو بعد الزوال مل‬
‫يصح اعتبار العصر مبتدأ وقت أذكار املساء‪ ،‬بل الظهر‪ ،‬وهذا –كما تقدم مراراً‪ -‬ال أعلم‬
‫قائال به من املتقدمني‪ ،‬بل وال من املعاصرين سوى مساحة شيخنا ابن باز – رمحه اهلل‪-‬‬
‫والظاهر أنه قصد بذلك بعض األذكار العامة اليت ليس فيها ذكر الليل يف ألفاظها‪ ،‬وإال‬
‫فكيف يقول الذاكر بعد الظهر‪" :‬اللهم إين أسألك خري هذه الليلة"؟! وماذا عن الظهر‬
‫و العصر؟!‬

‫فعلم هبذا أن اإلمساء املذكور يف أحاديث أذكار املساء غري اإلمساء الذي يبدأ من الزوال‪،‬‬
‫فلم يبق إال أن يكون املراد به ما دلت عليه األحاديث املتقدمة واآلية اليت أمجع املفسرون‬
‫على تفسريها بوقت املغرب والعشاء‪.‬‬

‫‪ -8‬ومما يزيد األمر تأكيداً أن القائلني بأن العصر هو وقت أذكار املساء‪ ،‬أو بعضهم‪،‬‬
‫ومنهم مساحة الشيخ ابن باز – رمحه اهلل ‪ -‬يستحبون قراءة سورة اإلخالص واملعوذتني‬
‫دبر صاليت الفجر واملغرب ثالثاً‪ ،‬وحجتهم يف ذلك احلديث املروي يف سنن أِب داود‬
‫والرتمذي عن عبد اهلل بن خبيب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل‬
‫عليه وسلم –‪(( :‬قل)) قلت‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬ما أقول؟ قال‪(( :‬قل‪{ :‬قل هو اهلل أحد}‬
‫واملعوذتني؛ حني تمسي وحني تﺼبح ثالث مرات؛ تكفيك من كل شيء)) قال‬
‫الرتمذي‪ :‬حديث حسن صحيح‪.‬‬

‫فانظر كيف استدلوا على مشروعية قراءهتا بعد صاليت الفجر واملغرب بقوله‪(( :‬حني ُتسي‬
‫وحني تصبح)) مع أهنم خيتارون أن املساء يكون من بعد الظهر ال من بعد املغرب!‬

‫فهذا يدل على ترجيح تفسري املساء يف أحاديث أذكار الصباح واملساء مبا بعد املغرب‪ ،‬ال مبا‬
‫قبله‪ ،‬سواء بعد الظهر أو بعد العصر‪ ،‬أو حىت قبيل املغرب‪.‬‬

‫‪ -9‬مما تقدم يتبني أن القول الراجح أن وقت أذكار املساء املخصوصة إمنا هو بعد املغرب‬
‫أو بعد صالة املغرب كما أن وقت أذكار الصباح بعد الفجر أو بعد صالة الفجر‪ ،‬واهلل‬
‫املوفق للصواب‪.‬‬

‫كتبه وحرره الفقير إلى رحمة ربه‪:‬‬

‫أسامة بن عقيل بن عبد اهلل بن حسن احلسن الكوهجي‬

‫وكان الفراغ منه حبمد اهلل ليلة اإلثنني ‪1437/1/26‬هجرية‪ ،‬وقد مت تعديله بعد ذلك مراراً يف‬
‫أوقات متفرقة‪ ،‬آخرها صبيحة اإلثنني السادس والعشرين من شهر مجادى اآلخرة من نفس‬
‫العام‪.‬‬

‫‪View publication stats‬‬

You might also like