Professional Documents
Culture Documents
net/publication/301770953
CITATIONS READS
0 18
1 author:
SEE PROFILE
Some of the authors of this publication are also working on these related projects:
All content following this page was uploaded by Osamah Aqeel AL-Kooheji on 02 May 2016.
-1مل خيتلف العلماء أن أذكار الصباح تقال أول النهار وحتديداً بعد صالة الفجر ،و رمبا
يقال بعضها قبلها أيضاً.
-2اختلف العلماء قدمياً يف وقت أذكار املساء على قولني ،أحدهما :أنه بعد العصر إىل
املغرب ،وهو قول النووي وابن القيم وغريمها ،والثاني :بعد املغرب ،وهو قول ابن اجلزري
والشوكاين يف "العدة" وغريمها ،وهو ظاهر قول املاوردي و ابن كثري كما سيأيت بيانه بإذن
اهلل.
-3مجع بعض املعاصرين بني القولني فقالوا :ما فيه نص على الليل يقال يف الليل ،وما جاء
بلفظ املساء جيوز أو يشرع قوله من بعد العصر ،وهو قول شيخنا الشيخ عبد الرمحن ابن
ناصر الرباك – حفظه اهلل -وغريه.
-4ذهب مساحة الشيخ عبد العزيز بن باز – رمحه اهلل -كما يف موقعه اإللكرتوين ،إىل أنه
جيوز قول أذكار املساء من بعد الزوال ،ولكن األفضل أن تقال بعد العصر ،وهو قول ال
أعلم أحداً سبقه إليه ،وال أحداً وافقه عليه ،أعين أهنا تبدأ من بعد الزوال ،ومأخذه يف
هذا أن املساء يبدأ من بعد الزوال كما هو قول طائفة من العلماء.
-5احتج أصحاب القول األول بقوله تعاىل{:وسبح حبمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل
غروهبا} ،وقوله{:وسبح حبمد ربك بالعشي واإلبكار} ،وقوله{:واذكر اسم ربك بكرة
وأصيال} ،وقوله{:وسبحوه بكرة وأصيال} ،وما يف معناها من اآليات.
قالوا :و "األصيل" و "العشي" امسان ملا بعد العصر إىل غروب الشمس ،كما صرح به غري
واحد من أهل اللغة وغريهم.
وأيدوا هذا بأنه قد وردت أحاديث تدل على فضل اجللوس مع قوم يذكرون اهلل بعد العصر
إىل غروب الشمس وهي وإن كان فيها ضعف إال أنه قد حسنها بعض العلماء بطرقها.
واحتجوا أيضا بأن لفظ املساء يصدق على ما بعد العصر ،إذ املساء يبدأ من الزوال،
فحملوا أحاديث أذكار املساء على هذا بناء على ما سبق ذكره يف معىن األصيل و العشي
عندهم ،أما مساحة الشيخ ابن باز – رمحه اهلل – فإنه محل األمر املقيد بالعشي واآلصال يف
اآليات على االستحباب ،وجوز مع ذلك الشروع يف أذكار املساء من بعد الزوال أخ ًذا
بظاهر لفظ املساء ،وحيتمل أنه فسر العشي مبا بعد الزوال كما هو قول طائفة من أهل
العلم.
أما من مجع بني القولني فأخذوا بظاهر لفظ املساء مع ختصيصه مبا بعد العصر ملا فهموه من
اآليات السابقة واستثنوا ما ورد تقييده بالليل ،فاستحبوا تأخريه إىل الليل ،لتصريح بعض
روايات األحاديث بذلك.
وهذه األدلة ،كما هو ظاهر ،ليس فيها نص صريح في الباب ،وغاية ما فيها احلث على
ذكر اهلل وتسبيحه يف آخر النهار ،سواء يف العشي من بعد الزوال على القول املشهور ،أو
من بعد العصر على القول الثاين ،وهو أشهر القولني يف معىن األصيل ،ال أنه وقت أذكار
املساء املخصوصة املنصوص عليها يف أحاديثها ،مع أن أكثر أهل املفسرين من السلف
واخللف فسروا اآليات السابقة بالصلوات ال بأذكار املساء.
كما أن تفسري املساء مبا بعد الزوال ليس حمل اتفاق عند أهل العلم ،بل نص بعضهم على
بدو الظالم بعد الغروب ،كما ذكره املاوردي
أن املساء يبدأ من غروب الشمس ،أو من ُ
و القرطيب و ابن كثري و ابن اجلزري وعنه الشوكاين ،وغريهم كما سيأيت بيانه بإذن اهلل.
-6أما القول الثاني ،فله أدلة صحيحة صرحية أو شبه صرحية-:
فمنها :أن بعض أذكار املساء اليت يذكرها املصنفون يف كتب األذكار ضمن أذكار املساء
منصوص على أهنا تقال يف الليل كحديث(( :من قرأ اآليتني من آخر سورة البقرة في ليلة
يح بأهنا تقال بعد صالة
كفتاه)) ،وحديث التهليل عشر مرات يف املساء ،ففي رواية التصر ُ
املغرب ،وهي عند ابن حبان – رمحه اهلل – يف "صحيحه" كما يف "صحيح الترغيب
والترهيب" لأللباين -رمحه اهلل -وكحديث سيد االستغفار الذي فيه أن من قاله حني
يمسي فمات من ليلته دخل اجلنة ،بل قد ورد يف رواية عند البخاري يف "الصحيح" يف
"كتاب الدعوات-باب أفضل االستغفار" ح ،6306بلفظ:
((من قالها من النهاﺭ موقنا بها ،فماﺕ من يومه قبل ﺃﻥ يمسي ،فهو من ﺃهل الجنة،
ﻭمﻦ قالها مﻦ الليل ﻭهو موقن بها ،فماﺕ قبل ﺃﻥ يﺼبح ،فهو من ﺃهل الجنة)).
فهذا صريح يف أن هذا الدعاء يقال يف الليل ،وهو يفسر قوله يف الرواية األخرى(( :من قاله
حني ميسي)) ،فدل هذا على أن اإلمساء هنا الدخول يف الليل ال يف العصر أو بعد الزوال.
وكذلك حديث عثماﻥ بن عفاﻥ ﺭضي اهلل عنه قاﻝ :قاﻝ ﺭسوﻝ اهلل -صلى اهلل عليه
وسلم(( :-ما من عبد يقوﻝ في صباﺡ كل يوم و مساء كل ليلة :بسم اهلل الذي ال يضر
مع امسه شيء يف األرض وال يف السماء ﻭهو السميع العليم ،ثالث مرات ،إال مل يضره
شيء)) رواه أبو داود والرتمذي ﻭ قال :حديث حسن صحيح.
فهذا ظاهر يف أن املراد هنا باملساء أول الليل كما أن الصباح أول اليوم ،أي :النهار ،و إال
لقال" :صباح كل يوم ومساءه".
ومنها :أن ألفاظ بعض أذكار املساء فيها التصريح بذكر الليل كحديث(( :أمسينا وأمسى
امللك هلل)) وفيه(( :اللهم إين أسألك خري ما يف هذه الليلة وخري ما بعدها)) وليس يف شيء
من أحاديث أذكار املساء" :أسألك خري هذا املساء أو العصر وخري ما بعده".
فإذا تقرر هذا يف هذه األذكار املخصوصة اليت أمجع العلماء على أهنا من أذكار املساء،
واتضح أن املراد باملساء فيها أول الليل ،كان ذلك قرينة قوية لتفسري لفظ املساء الوارد يف
بقية أحاديث أذكار املساء بأول الليل أيضاً.
وهبذا يتبني أن ما ذهب إليه بعض أهل اللغة و غريهم من أن املساء من زوال الشمس إىل
غروهبا غري صحيح على إطالقه ،بل رمبا كان كذلك عند بعض العرب دون بعض ،كما هو
أمسيت)) ،أو لعله من املشرتك اللفظي ،أو
ُ ((رميت بعدما
ُ أحد القولني يف معىن حديث :
من استعمال اللفظ يف معناه اجملازي عند من يقول باجملاز ،أو من التوسع يف الكالم كما
حكى ثعلب عن العرب أن الصباح عندهم يبدأ من منتصف الليل ،وإال فقد صح عن
العرب إطالق لفظ املساء على الليل أو أوله ،كما قال ابﻦ عبد البر في
"التمهيد"(:)200/22
وقد ورد هذا املعىن يف األحاديث أيضاً كما أخرج الشيخان من حديث أِب إبراهيم عبد الله
ابن ﺃبي ﺃﻭفى ﺭضي الله عنهما قاﻝ :سرنا مع ﺭسوﻝ الله صلى الله عليه ﻭسلم ﻭهو صائم
فلما غربت الشمس قاﻝ لبعض القوﻡ(( :يا فالﻥ انزﻝ فاجدﺡ لنا)) ،فقاﻝ :يا ﺭسوﻝ الله،
لو ﺃمسيت؟ قاﻝ((" :انزﻝ فاجدﺡ لنا)) قاﻝ :ﺇﻥ عليﻚ نهاﺭا قاﻝ(( :انزﻝ فاجدﺡ لنا))
قاﻝ :فنزﻝ فجدﺡ لهم فشرﺏ ﺭسوﻝ الله صلى الله عليه ﻭسلم ثم قاﻝ(( :ﺇﺫا ﺭﺃيتم الليل
قد ﺃقبل من هاهنا فقد ﺃفطر الصائم)) ﻭﺃشاﺭ بيده قبل المشرﻕ.
قال النووي يف "رياض الصاحلني" :قوله :اجدﺡ بجيم ثم ﺩاﻝ ثم حاء مهملتين ﺃﻱ :اخلط
السويق .انتهى.
فهذا يدل على أن املساء يطلق على الليل أو أوله ،وظاهره أن آخر النهار ال يسمى مساء،
بل وال وقت الغروب ،ألن قول الصحاِب" :لو أمسيت" يقتضي أنه مل ميُْ ِ
س بعد ،مع أن
الشمس قد غربت ،وهذا يشهد لقول املاوردي والقرطيب و ابن اجلزري وابن كثري وغريهم(.)1
وهلذا نظائر يف األحاديث ،كحديث األمر بكف الصبيان عند المساء حتى تذهب فوعة
العشاء ،ففي أحد ألفاظه يف "الصحيح"(( :إذا كان جنح الليل أو أمسيتم)) ،وحديث ابن
عمر – رضي اهلل عنهما -موقوفاً" :إذا أمسيت فال تنتظر الﺼباح" ،وهو يف "الصحيح"
أيضاً ،وهذا يدل على أن استعمال اإلمساء مبعىن الدخول يف الليل كان معروفا ومستعمالً
عند رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم -وأصحابه ،فهذا أوىل ما تفسر به أحاديث أذكار
املساء ،ألن األحاديث يفسر بعضها بعضاً ،كما أن القرآن يفسر بعضه بعضاً ،السيما وأن
ألفاظ أحاديث أذكار املساء تدل على هذا املعىن كما تقدم.
قد محل غري واحد من أهل العلم هذا احلديث على معىن" :لو أغرقت يف املساء" ،فال يكون فيه على ذلك ((1
داللة على كون املساء يبدأ من الليل ،وهذا يرده أن اإلغراق يف املساء يف حد ذاته ال دخل له يف حل الفطر للصائم،
وإمنا حيل الفطر بدخول الليل ،وأيضاً فقوله" :إن عليك هناراً" صريح يف أن املساء خالف النهار ،فتعني محل املساء هنا
على الليل ،ولقائل أن يقول :إن املساء يف األصل هو الليل و لكن بعضهم أطلقه على ما بعد الزوال ألنه ابتداء
خفوت الضياء وأفول النهار و قرب الليل ،كما أن بعضهم يطلق الصباح على ما بعد منتصف الليل كما حكاه ثعلب
عن العرب ،فال حيتاج احلديث على هذا إىل تأويل مبا ذكروا.
فإن قيل :لو كان املراد باإلمساء الدخول يف الليل لقال":أليلنا" بدل "أمسينا" ،فاجلواب أن
الظاهر أهنم عدلوا عن قوهلم "أليلنا" إىل "أمسينا" لكون األول فيه ثقل ،فجرى عرفهم على
إطالق املساء على الليل أو أوله ألنه أخف يف اللفظ ،والعرب الفصحاء يؤثرون اخلفة يف
الكالم.
وكما دلت السنة على إطالق المساء على الليل أو أوله ،فكذلﻚ دل القرآن على
ذلﻚ ،فمﻦ ذلﻚ قوله – تعالى:-
{فسبحان اهلل حني تمسون وحني تصبحون .وله احلمد يف السماوات واألرض وعشيا
وحني تظهرون}.
فقد اتفق املفسرون على أن املراد باملساء يف هذه اآلية وقت صالة المغرب وصالة العشاء،
سواء منهم من فسرها بالصلوات ،ومن فسرها مبطلق الذكر والتسبيح.
" قَ ْولُهُ تَ َع َاىل( :فَ ُسْبحا َن اللَّ ِه) ْاآليَةَ فِ ِيه ثََالثَةُ أَقْ َوال:
يل لَهُ :أَيْ َن؟ فَ َق َال :قَ َال اللَّهُ تَ َع َاىل" ِ ِ ات الْ َخم ِ
س في الْ ُق ْرآن ،ق َ ْ ُ الﺼلَ َو ُ
قَ َال ابْ ُﻦ َعبَّاسَّ :
ب والْعِ َ ِ ِ ِ ِ
صبِ ُحو َن" َ
ص َالةُ الْ َف ْج ِر" ني تُ ْشاء" َوح َ ص َالةُ ال َْم ْغ ِر ِ َسو َن" َ ني تُ ْم ُفَ ُسْبحا َن اللَّه ح َ
يد بْ ُن ُجبَ ْريَ .و َع ِن ابْ ِن َعبَّاس اك َو َسعِ َُّح ُ ني تُظْ ِه ُرو َن" الظُّ ْه ُرَ ،وقَالَهُ الض َّ ِ
ص ُر" َوح َ
ِ
َو َعشيًّا" الْ َع ْ
ص ُر َوالظُّ ْه ُر ،قَالُوا:
الصْب ُح َوالْ َع ْ
ب َو ُّ صلَ َوات :الْ َم ْغ ِر َُن ْاآليَةَ تَ ْنبِيهٌ َعلَى أ َْربَ ِع َضا َوقَتَ َادةُ :أ َّأَيْ ً
اتوالْعِ َشاء ْاآل ِخرةُ ِهي ِيف آية أُخرى ِيف" وزلَفاً ِمن اللَّي ِل" «[ »1هود ]114 :وِيف ِذ ْك ِر أَوقَ ِ
ْ َ َُ َ ْ َ ُ َ َ َ َْ
ِ ِ َّحاس :أ َْهل التَّ ْف ِسي ِر َعلَى أ َّ ِ ِ
سو َن يﻦ تُ ْم ُ س ْبحا َن اللَّه ح َ َن َهذه ْاْليَةَ" فَ ُ ُ الْ َع ْوَرةَِ .وقَ َال الن َّ ُ
سبِّ ُحوا ات .و َِمسعت علِي بن سلَيما َن ي ُق ُ ِ ِ ِ ﺼبِحو َن" فِي َّ ِ ِ
ولَ :حقي َقتُهُ عْندي :فَ َ الﺼلَ َو َ ْ ُ َ َّ ْ َ ُ ْ َ َ يﻦ تُ ْ ُ
َوح َ
الص َالةَِ ،وُه َو الْ َق ْو ُل الثَّانِي.
اهلل في الﺼلوات ،ألن التسبيح يكون ِيف َّ
" قوله تعاىل ( :فسبحان اهلل ) أي :سبحوا اهلل ،و[قيل]:معناه :صلوا هلل ( حني ُتسون )
أي :تدخلون يف املساء ،وهو صالة المغرب والعشاء ( وحني تصبحون ) أي :تدخلون
يف الصباح ،وهو صالة الصبح".انتهى
وقال ابﻦ الجوزي -رحمه اهلل -في "زاد المسير" :قال املفسرون :املعىن :فﺼلّوا هلل -عز
صبِ ُحو َن أي :تدخلون يف الصباح، ِ
ني تُ ْ
تدخلون يف املساء َوح َ
وجل -حني ُُتسون ،أي :حني ُ
الزوالَ ،و َع ِشيًّا أي :وسبِّحوه عشياً .وهذه اآلية قد وتُظْ ِه ُرو َن ُ
تدخلون يف الظهرية ،وهي وقت َّ
مجعت الصلوات اخلمس ،فقوله تعالى« :حيﻦ تُمسون» يعني به صالة المغرب
والعشاء"إخل
ِ ِ
صلُّوا {حني ُتُْ ُسو َن} أ ْ
َي َي َسبِّ ُحوا اللَّه مبَْع َىن َ
وفي "تفسير الجالليﻦ"{ :فَ ُسْب َحان اللَّه} أ ْ
صبِ ُحو َن} تَ ْد ُخلُو َن ِيف شاء ِ تَ ْد ُخلُو َن فِي الْمساء وفِ ِيه ص َالتَ ِ
ان ال َْم ْغ ِرب َوال ِْع َ
{وحني تُ ْ َ َ ََ َ
الصْبح.
ص َالة ُّ َّ ِ ِ
الصبَاح َوفيه َ
اد لِعِبَ ِادهِ إِ َىل ِ
يح ِمْنهُ تَ َع َاىل لنَ ْف ِس ِه الْ ُم َق َّد َس ِةَ ،وإِْر َش ٌ
وقال ابﻦ كثير – رحمه اهلل َ " :-ه َذا تَ ْسبِ ٌ
ات الْ ُمتَ َعاقِبَ ِة الدَّالَِّة َعلَى َك َم ِال قُ ْد َرتِِه َو َع ِظي ِم ُس ْلطَانِِهِ :عْن َد يدهِِ ،يف ه ِذهِ ْاألَوقَ ِ
ْ َ
يح ِه وَحت ِم ِ
تَ ْسبِ ِ َ ْ
َّها ِر َع ْن ِضيَائِِه". احَ ،وُه َو إِ ْس َف ُار الن َ الصبَ ِ س ِاءَ ،و ُه َو إِقْبَ ُ
ال اللَّْي ِل بِظََال ِم ِهَ ،و ِعْن َد َّ ال َْم َ
قلت :فهذا يبني أن اإلمساء يف القرآن أيضاً يطلق على الدخول يف الليل ال الدخول يف
العصر كما ظن ذلك من ظنه ،بل وال الزوال ،وهبذا يتبني أن تفسري اإلمساء يف أذكار املساء
بالدخول يف الليل أوىل من تفسريها بالدخول يف العصر أو الظهر ،ألهنا اللغة املستعملة يف
القرآن والسنة ،خبالف األخرى.
ومنها :أن وقت الليل وقت فاضل وال جيوز إخالؤه من أذكار ختصه يف أوله كما أنه مل خيل
أول النهار من ذكر خيص النهار.
فإن قيل :ال يلزم من ذلك أن تكون األذكار اليت ختص الليل هي أذكار املساء ،بل جيوز أن
تكون له أذكار أخرى كبعض اآليات والسور اليت ورد احلث على قراءهتا ليالً.
فالجواب :أن تلك اآليات و السور وغريها مما ورد احلث على قراءته يف الليل بلفظ صريح
مل يرد تقييدها بأول الليل ،بل بعضها إمنا يستحب قراءته عند النوم أو عند قيام الليل،
فيقتضي هذا خلو أول الليل من أذكار ختصه يف مقابل األذكار املشروعة يف أول النهار،
وهبذا تظهر فائدة الروايات اليت قيدت بعض أذكار الليل حبني اإلمساء ،وأهنا تقتضي
مشروعية تلك األذكار يف أول الليل ال يف أثنائه أو آخره ،خالفاً ملا مل يقيد منها بذلك أو
قُيِّ َد بغريه.
-7أما اْليات التي استدل بها أصحاب القول األول فيجاب على استدﻻلهم بها
بجوابيﻦ:
أحدهما :أن التسبيح يف اآليات املشار إليها يراد به الصلوات اخلمس يف قول أكثر
المفسريﻦ كما نص عليه القرطيب وغريه كما تقدم.
قال القرطيب – رمحه اهلل" :-وقالت فرقة :املراد باآلية صالة التطوع".
قلت :وهذا ضعيف ألنه ال تطوع قبل طلوع الشمس وال قبل غروهبا ،وعليه فقوله{ :وقبل
غروهبا} املراد به صالة العصر ،ولذا ذكر أوقات الصلوات كلها فقال{ :فسبح حبمد ربك
قبل طلوع الشمس وقبل غروهبا} فهذان وقتا صالة الفجر وصالة العصر مث قال{:ومن آناء
الليل فسبح} واملراد بذلك صالة العشاء مث ذكر الظهر واملغرب فقال{:وأطراف النهار}،
كما بينه القرطيب والبغوي وابن كثري وغريهم على اختالف يسري يف ذلك ،وقد احتج البغوي
وابن كثري لذلك بحديث جرير بﻦ عبد اهلل قال :كنا جلوسا عند رسول اهلل صلى اهلل عليه
وسلم فنظر إىل القمر ليلة البدر ،فقال " :إنكم ترون ربكم كما ترون هذا القمر ال
تضامون يف رؤيته ،فإن استطعتم أن ال تغلبوا على صالة قبل طلوع الشمس وقبل غروهبا
فافعلوا " ،مث قرأ (وسبح بحمد ربﻚ قبل طلوع الشمس وقبل غروبها).
قلت :وهو حديث صحيح متفق عليه ،وهو نص صريح يف حمل النزاع ،وال يضره أنه جاء
يف رواية أن الذي قرأ اآلية هو جرير بن عبد اهلل – رضي اهلل عنه – فإنه تفسري صحاِب
موافق ملا جاء عن غريه من الصحابة و من بعدهم وال خمالف هلم فيما أعلم ،وما كان كذلك
فهو حجة عند كثري من أهل العلم.
ويف الباب أحاديث أخر بنحوه ذكر بعضها ابن كثري يف تفسري هذه اآلية ،وكذلك ما يف
معناها من اآليات تأويلها عند مجهور املفسرين :الصلوات اخلمس ،واهلل أعلم.
والثاني :أنه على التسليم بأن املراد هبا مطلق الذكر ال خصوص الصالة ،فغاية ما يف ذلك
استحباب ذكر اهلل يف هذين الوقتني ،وليس فيه دليل على مشروعية خصوص تلك األذكار
املخصوصة بالصباح واملساء فيهما ،كما سبق التنبيه عليه من قبل.
ومما يؤكد هذا أن العشي يصدق على الظهر والعصر كما تقدم ذكره ،وكما قال الهروي
فيما نقله عنه ابﻦ األثير يف "النهاية"" :ما بعد الزوال إلى المغرب عشي" ،وقد ثبت يف
الصحيحني أن صالة الظهر إحدى صاليت العشي ،ومع هذا مل يقل أحد من املتقدمني
مبشروعية ابتداء أذكار املساء من بعد الظهر لقوله -تعاىل{:-فسبح حبمد ربك بالعشي
واإلبكار} ،وإمنا استحبوا اإلكثار من ذكر اهلل والصلوات يف هذا الوقت عموما هلذه اآلية
وما يف معناها ،فتبني هبذا عدم صحة االستدالل باآليات اليت فيها ذكر األصيل على
مشروعية ختصيصه بأذكار املساء اخلاصة به ،وأن غاية ما فيها احلث على اإلكثار من ذكر
اهلل عموماً يف ذلك الوقت.
وقد ذهب بعض علماء العربية إىل أن األصيل هو العشي كما يف "لسان العرب" يف مادة
(أصل) ومنه قول أِب ذؤيب اهلذِل :وأقعد يف أفيائه باألصائل .ومن املعلوم أن األفياء تبدأ
بعد زوال الشمس ظهراً .وقال دهبل :فأعطي احللق أصيالل العشي .قال ابن سيده :عندي
أنه من إضافة الشيء إىل نفسه ،إذ األصيل والعشي سواء ..إخل.
فإن صح هذا مل يكن األصيل خمتصا بالعصر بل يشمل الظهر أيضاً فال يكون ذكره يف
اآليات دليالً على اختصاص العصر بالذكر دون الظهر ،إال أنه يشكل على هذا أن بعض
أئمة اللغة كاجلوهري وغريه نصوا على أن األصيل هو الوقت بعد العصر إىل املغرب ،واستدلوا
مبا تقدم من الشعر وغريه ،وهو حمتمل ،وعليه فيكون األصيل آخر العشي بعد العصر ال
مرادفا له ،بل هو أخص منه ،وهذه مسألة حتتاج إىل حبث وحتقيق ،واهلل أعلم.
وعلى كل حال فال دليل يف اآليات على ختصيص أذكار املساء املخصوصة مبا بعد العصر
كما سبق غري مرة ،وبذا يتبني اجلواب عن االستدالل مبا ورد يف احلديث من فضل الذكر
بعد العصر ،إذ ال نزاع يف ذلك يف اجلملة وإمنا النزاع يف ختصيصه بأذكار املساء الواردة يف
األحاديث.
وأما احتجاجهم بأن املساء يصدق على العصر ،فجوابه :أن املساء عند بعض أهل العلم
يبدأ من زوال الشمس ،ال من العصر ،واختلفوا يف منتهاه ،فقيل :إىل المغرب ،وقيل -وهو
األرجح :إىل نﺼف الليل ،كما يف "لسان العرب" وكما نص عليه احلافظ ابن حجر يف
مواضع من "الفتح" ،وعليه فاإلمساء إذا فسر بالدخول يف املساء الذي هو بعد الزوال مل
يصح اعتبار العصر مبتدأ وقت أذكار املساء ،بل الظهر ،وهذا –كما تقدم مراراً -ال أعلم
قائال به من املتقدمني ،بل وال من املعاصرين سوى مساحة شيخنا ابن باز – رمحه اهلل-
والظاهر أنه قصد بذلك بعض األذكار العامة اليت ليس فيها ذكر الليل يف ألفاظها ،وإال
فكيف يقول الذاكر بعد الظهر" :اللهم إين أسألك خري هذه الليلة"؟! وماذا عن الظهر
و العصر؟!
فعلم هبذا أن اإلمساء املذكور يف أحاديث أذكار املساء غري اإلمساء الذي يبدأ من الزوال،
فلم يبق إال أن يكون املراد به ما دلت عليه األحاديث املتقدمة واآلية اليت أمجع املفسرون
على تفسريها بوقت املغرب والعشاء.
-8ومما يزيد األمر تأكيداً أن القائلني بأن العصر هو وقت أذكار املساء ،أو بعضهم،
ومنهم مساحة الشيخ ابن باز – رمحه اهلل -يستحبون قراءة سورة اإلخالص واملعوذتني
دبر صاليت الفجر واملغرب ثالثاً ،وحجتهم يف ذلك احلديث املروي يف سنن أِب داود
والرتمذي عن عبد اهلل بن خبيب -رضي اهلل عنه -قال :قال رسول اهلل -صلى اهلل
عليه وسلم –(( :قل)) قلت :يا رسول اهلل ،ما أقول؟ قال(( :قل{ :قل هو اهلل أحد}
واملعوذتني؛ حني تمسي وحني تﺼبح ثالث مرات؛ تكفيك من كل شيء)) قال
الرتمذي :حديث حسن صحيح.
فانظر كيف استدلوا على مشروعية قراءهتا بعد صاليت الفجر واملغرب بقوله(( :حني ُتسي
وحني تصبح)) مع أهنم خيتارون أن املساء يكون من بعد الظهر ال من بعد املغرب!
فهذا يدل على ترجيح تفسري املساء يف أحاديث أذكار الصباح واملساء مبا بعد املغرب ،ال مبا
قبله ،سواء بعد الظهر أو بعد العصر ،أو حىت قبيل املغرب.
-9مما تقدم يتبني أن القول الراجح أن وقت أذكار املساء املخصوصة إمنا هو بعد املغرب
أو بعد صالة املغرب كما أن وقت أذكار الصباح بعد الفجر أو بعد صالة الفجر ،واهلل
املوفق للصواب.
وكان الفراغ منه حبمد اهلل ليلة اإلثنني 1437/1/26هجرية ،وقد مت تعديله بعد ذلك مراراً يف
أوقات متفرقة ،آخرها صبيحة اإلثنني السادس والعشرين من شهر مجادى اآلخرة من نفس
العام.