You are on page 1of 331

‫ُ‬

‫إدريس أوهالل | ‪1‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫قواعد احلزم‬
‫دليلك إلى القيادة الحازمة‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪2‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬ ‫الكتاب‪:‬‬


‫ُ‬
‫إدريس أوهالل ‪drissohlale@gmail.com‬‬ ‫املؤلف‪:‬‬
‫األولى ‪2019‬‬ ‫الطبعة‪:‬‬
‫جميع الحقوق محفوظة للمؤلف‬ ‫الحقوق‪:‬‬
‫مجموعة األكاديميات الدولية ‪IAG‬‬ ‫الناشر‪:‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪3‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫جميع الحقوق محفوظة © ‪2019‬‬

‫ال يسمح بطبع هذا الكتاب أو جزء منه‪ ،‬بكل طرق الطبع‬

‫والتصوير والنقل والترجمة والتسجيل املرئي واملسموع والحاسوبي أو غيرها‪،‬‬

‫أو استخدامه في مناهج تعليمية في ورشة عامة أو خاصة‪ ،‬إال بإذن خطي من املؤلف‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪4‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫تصدير‬

‫لسنا مجبرين على االختيار بين رذيلتين‪:‬‬


‫سذاجة الطيبين ودهاء املاكرين‪ ،‬ألنه يوجد‬
‫خيار ثالث هو الحزم‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪5‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫املحتويات‬
‫البداية‬
‫تمهيد‬
‫مقدمات‬
‫‪ ‬الصفات األربع للقيادة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ ‬بعيدا عن الطيبة‪ ،‬قريبا من الحزم‬
‫‪ ‬النموذج الخماس ي للحزم‬
‫‪ ‬منهجية الكتاب‬
‫الفصل األول‪ :‬كيف أكون؟‬
‫َ ً‬ ‫ُ ُ ًّ‬
‫حبا لذاتك‪ُ ،‬مط ّ ِّورا لها‬ ‫كن م‬ ‫‪‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫كن ضابطا ومنضبطا‬ ‫‪‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫كن أصيال واحترم اآلخرين‬ ‫‪‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫كن مستقال في عقلك وإرادتك‬ ‫‪‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫كن طموحا في رؤيتك‬ ‫‪‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫كن َم ِّرنا‬ ‫‪‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫كن متوازنا‬ ‫‪‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫كن صريحا‬ ‫‪‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫كن شجاعا‬ ‫‪‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫كن َم ِّرحا‬ ‫‪‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫كن شاهدا‬ ‫‪‬‬
‫عطاء‬ ‫ُكن ِّم ً‬ ‫‪‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫ال تكن طيبا‬ ‫‪‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫ال تكن عنيفا‬ ‫‪‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫ال تكن ماكرا‬ ‫‪‬‬
‫‪ ‬ال تلعب األدوار الدرامية‬
‫‪ ‬ال تلعب دور الضحية‬
‫‪ ‬ال تلعب دور الجالد‬
‫‪ ‬ال تلعب دور املنقذ‬
‫الفصل الثاني‪ :‬ما الذي يجب أن أعرفه؟‬
‫‪ ‬املعرفة العميقة األولى‪ :‬معرفة الذات‬
‫‪ِّ ‬اعرف استعداداتك وطورها‬
‫‪ِّ ‬اعرف مشاعرك وتحكم فيها‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪6‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫َ‬
‫وس ْح َره وتجنب أ ْس َره‬‫‪ِّ ‬اعرف الحب ِّ‬
‫‪ِّ ‬اعرف التربية العاطفية لتتحكم في مشاعرك‬
‫‪ِّ ‬اعرف أوهامك وتخلص منها‬
‫‪ِّ ‬اعرف التربية الفكرية لتتحكم في أوهامك‬
‫‪ِّ ‬اعرف عاداتك واضبطها‬
‫‪ِّ ‬اعرف التربية العملية لتتحكم في عاداتك‬
‫‪ِّ ‬اعرف أخطاءك وتعلم منها‬
‫‪ِّ ‬اعرف حدودك والتزم بها‬
‫‪ ‬املعرفة العميقة الثانية‪ :‬معرفة العالم‬
‫‪ِّ ‬اعرف طرق معرفة العالم‬
‫‪ِّ ‬اعرف اللعبة ومعناها‬
‫َُ ّ ُ‬
‫‪ِّ ‬اعرف الصراع املح ِّرك للعبة‬
‫‪ِّ ‬اعرف قواعد اللعبة‬
‫‪ِّ ‬اعرف أحداث اللعبة ومستوياتها‬
‫‪ِّ ‬اعرف الالعبين‬
‫‪ِّ ‬اعرف مصالح الالعبين‬
‫‪ِّ ‬اعرف مواقع الالعبين‬
‫‪ِّ ‬اعرف مشاريع الالعبين‬
‫‪ِّ ‬اعرف استراتيجيات الالعبين‬
‫‪ِّ ‬اعرف ألعاب الجوع وألعاب الخوف‬
‫‪ِّ ‬اعرف ألعاب اإلقصاء االجتماعي‬
‫‪ِّ ‬اعرف لعبة التميز االجتماعي‬
‫‪ِّ ‬اعرف ألعاب الفكر‬
‫‪ِّ ‬اعرف اللعبة السياسية‬
‫‪ِّ ‬اعرف اللعبة الديمقراطية‬
‫‪ ‬املعرفة العميقة الثالثة‪ :‬معرفة العمل‬
‫‪ِّ ‬اعرف ما العمل؟‬
‫‪ِّ ‬اعرف ما العائد من العمل؟‬
‫‪ِّ ‬اعرف من الفاعل؟‬
‫‪ِّ ‬اعرف أهمية الشراكات والتحالفات‬
‫‪ِّ ‬اعرف كيف تضمن قيام الفاعل بالعمل‬
‫‪ِّ ‬اعرف محركات التغيير وقوانينه‬
‫الفصل الثالث‪ :‬ماذا يجب أن أمتلك؟‬
‫‪ِّ ‬امتلك الوسائل لغاياتك العليا‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪7‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ِّ ‬امتلك الكاريزما‬


‫‪ِّ ‬امتلك املعرفة‬
‫‪ِّ ‬امتلك املعلومة‬
‫‪ِّ ‬امتلك العالقات‬
‫‪ِّ ‬امتلك املال‬
‫‪ِّ ‬امتلك السلطة‬
‫‪ِّ ‬امتلك عالقتك بالزمن‬
‫َ َ‬ ‫ّ‬
‫‪َ ‬نت َملك لكي ن َت َم ْوقع‬
‫‪ ‬املواقع متغيرة لكن املواقف ثابتة‬
‫الفصل الرابع‪ :‬كيف أضبط وأنضبط؟‬
‫َ ُْ‬ ‫ُْ‬
‫الحزم َيطلب ِّق َي َمه‬ ‫‪ ‬من َيطل ُب‬
‫‪ِّ ‬افهم قيمك وقيم اآلخرين‬
‫‪ِّ ‬افهم طبيعة القيم‬
‫‪ِّ ‬افهم االعتماد املتبادل بين القيم‬
‫‪ِّ ‬افهم سلم القيم وسلم األولويات‬
‫‪ِّ ‬افهم األصول االجتماعية للقيم‬
‫‪ ‬األسرة تصنع القيم‬
‫‪ ‬املدرسة تعيد إنتاج نفس القيم‬
‫ُ‬
‫‪ ‬الوظيفة ت َع ّ ِّزز قيم العبودية‬
‫‪ ‬السوق ُي َع ّ ِّزز قيم الحرية‬
‫‪ ‬التربية الذاتية هي فرصتك األخيرة‬
‫‪ ‬تربية العقل واإلرادة والقدرة‬
‫‪ ‬تربية العقل الناقد‬
‫‪ ‬تربية اإلرادة الحرة‬
‫‪ ‬تربية القدرة الفعالة‬
‫‪ ‬تربية متوازنة‬
‫‪ ‬الوعي خمسة مستويات أعاله الوعي التاريخي‬
‫‪ ‬اإلرادة خمسة مستويات أعالها إرادة مشروع عابر لألجيال‬
‫‪ ‬القدرة خمسة مستويات أعالها الحرية‬
‫الفصل الخامس‪ :‬كيف أعمل؟‬
‫‪ ‬ال تلتفت‬
‫َ ْ‬
‫‪ ‬ال تش َت ِّك‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪8‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ ‬ال تتعاطف‬
‫‪ ‬ال تنتقم‬
‫‪ ‬ال تمنح فرصة ثالثة‬
‫‪ ‬ال تبحث عن إرضاء كل الناس‬
‫‪ ‬ال تكرر نفس الخطأ‬
‫‪ ‬تقبل النقد‬
‫‪ ‬تغافل بحكمة‬
‫‪ ‬تحاور بذكاء‬
‫‪ ‬تفاوض بواقعية‬
‫‪ ‬تحكم في مشاعرك‬
‫‪ ‬ضع معاييرك الشخصية‬
‫‪ِّ ‬احترم معايير اآلخرين‬
‫‪َ ‬ع ّ ِّزز املعايير املشتركة‬
‫‪ ‬انتبه للعالمات‬
‫‪ ‬إبحث عن الفرص‬
‫َ‬ ‫َ ّ‬
‫‪ ‬ت َوقع التحديات وح ِّولها إلى فرص‬
‫ّ‬
‫‪َ ‬ع ّ ِّزز تنظيمك الذاتي بتقليص الفوض ى‬
‫‪ِّ ‬ثق في شركائك لكن احتفظ بيقظتك‬
‫‪ ‬استمتع بعملك‬
‫‪ِّ ‬اشتغل في صمت‬
‫‪ ‬ثابر حتى النهاية‬
‫‪ ‬حقق نتائج‬
‫َ‬
‫تقاسم األرباح‬ ‫‪‬‬
‫خاتمة‬
‫صدرللمؤلف‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪9‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫البداية‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫هذا كتاب في قواعد الحزم‪ ،‬بعيدا عن الطيبة وبعيدا عن املكر‪،‬‬
‫ً‬
‫يحاول أن يسد نقصا واضحا في املكتبة العربية في مجال السلوك الحازم‬
‫والقيادة الحازمة‪ ،‬ويسعى إلى املساهمة في رفع فن القيادة الحازمة إلى‬
‫مستوى العلم الذي تحكمه قواعد واضحة‪.‬‬

‫فكرة هذا الكتاب نابعة من الحاجة إلى التنظير والتخطيط‬


‫للقيادة الحازمة بعيدا عن النموذجين السائدين‪ :‬القيادة الطيبة والقيادة‬
‫املاكرة‪ .‬وهو يتأسس على فرضية أن أزمتنا في القيادة هي غياب نموذج‬
‫القيادة الحازمة‪.‬‬

‫وقد قمنا بنمذجة صفة الحزم في القيادة من خالل خمسة‬


‫أسئلة‪ ،‬تغطي األبعاد الخمسة لشخصية القائد‪ ،‬وهي‪ :‬اإلرادة واملعرفة‬
‫والقدرة والقيم والفعل‪ .‬إن مطلب الحزم يتحقق بالتوازن بين متطلبات‬
‫هذه األبعاد الخمسة‪.‬‬
‫وقد ّ‬
‫عجل بإخراج هذا الكتاب مقال تهنئة بمناسبة سنة جديدة؛‬
‫اعتاد الناس أن ُيقال لهم على رأس كل سنة‪" :‬كل سنة وأنتم ّ‬
‫طيبون"‪،‬‬
‫لكن املقال جاء يحمل تهنئة غير عادية‪" :‬كل سنة و أنتم حازمون"‪.‬‬
‫ومباشرة بعد نشر املقال جاءتني رسائل واتصاالت تسأل‪ :‬كيف أكون‬
‫ً‬
‫حازما؟‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪10‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫لكل هؤالء الذين سألوا‪ ،‬ولكل الذين هرموا في فهم وحفظ نفس‬
‫تجارب املكر لسكان األجمة‪ ،‬ونفس تجارب الطيبة لسكان املدينة‬
‫الفاضلة‪ ،‬ولكل الذين يبحثون عن طريق نحو الحزم في زمن ضاع فيه كل‬
‫ش يء بين سذاجة الطيبين ومكر املاكرين‪ ،‬هذه هي قواعد الحزم‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪11‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫تمهيد‬

‫يعطينا تاريخ القيادة بمجاالتها املتعددة‪ ،‬نماذج ال حصر لها‬


‫الستقطاب ثنائي حاد بين عنف املاكرين وسذاجة الطيبين‪.‬‬

‫هذا جاك ويلش مدير شركة جنيرال إلكتريك‪ ،‬وهو أحد رموز‬
‫القيادة بالعنف‪ ،‬بمقاييس الطيبين‪َ .‬س َّرح في يوم واحد عشرات اآلالف من‬
‫املوظفين‪ ،‬دون أن يكلف نفسه عناء طرح سؤال واحد عن الفاتورة‬
‫االجتماعية الباهظة لهذا القرار االقتصادي العنيف‪ .‬كان دائما يواجه‬
‫الحقائق بشجاعة‪ ،‬ويتصرف بسرعة‪ ،‬ويقرر بحسم‪ .‬وبأسلوبه العنيف‬
‫َ‬ ‫حول عمالقا ّ‬
‫مترهال إلى امبراطورية جديدة حيوية ُينظر إليها بعين‬ ‫ّ‬
‫اإلعجاب والتقدير‪.‬‬

‫أما أنطونيو بيريز مدير شركة كوداك‪ ،‬فقد كان رمزا للقيادة‬
‫حول عمالقا‬‫بالطيبة‪ ،‬بمقاييس الرأسمالية املتوحشة‪ .‬وبأسلوبه الطيب ّ‬
‫َ‬
‫ناجحا كان ُينظر إليه بعين اإلعجاب والتقدير إلى شركة مفلسة‪ .‬وختم‬
‫ْ‬
‫قيادته الطيبة‪ ،‬بموقف ُمغ ِّرق في الطيبة‪ ،‬في مشهد طيب‪ ،‬يستدعي‬
‫اإلشفاق على الطيبين‪ ،‬سجلته كل كاميرات العالم‪ ،‬عندما قام بتوديع‬
‫موظفيه بالبكاء واالعتذار‪ .‬وككل الطيبين‪ ،‬كان ال يعرف ماذا يريد‬
‫بالضبط‪ ،‬ويواجه الحقائق بشكل متأخر‪ ،‬ويتصرف بعد فوات األوان‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يعتبر هذا االستقطاب الثنائي الحاد ُم َح ِّّيرا للعقول ومستفزا‬
‫ً‬
‫لإلرادات ُومربكا للفعل‪ .‬لقد أنتج املاكرون والطيبون‪ ،‬على حد سواء‪،‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪12‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫القليل الذي يمكنهم أن يفخروا به‪ .‬سيطر املاكرون على العالم‪ ،‬وامتلك‬
‫الطيبون القيم‪ ،‬لكن هل أحسن املاكرون استغالل هيمنتهم على الثروة‬
‫والسلطة لجعل العالم أفضل؟ وهل أحسن الطيبون استثمار سيطرتهم‬
‫على القلوب والقيم لجعل املعاناة أقل؟ وما العمل في هذا العالم الذي‬
‫يزداد فيه االستقطاب ِّح ّدة بين ماكرين يملكون كل ش يء وطيبين ال‬
‫يملكون إال نواياهم الحسنة؟ هل نتمذهب للقيادة بالطيبة؟ إذن يسحقنا‬
‫املاكرون! هل نستخدم أساليب املاكرين لالنتصار عليهم؟ إذن يكون‬
‫النتصارنا طعم الهزيمة! هل نحن مجبرون على االختيار بين رذيلتين‪ :‬دهاء‬
‫املاكرين أو سذاجة الطيبين؟ وهل هناك ش يء أخطر من االختيار بين‬
‫رذيلتين؟ أم يوجد خيار ثالث؟ هذا هو السؤال الذي يحاول هذا الكتاب‬
‫أن يجيب عنه‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪13‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫مقدمات‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪14‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫الصفات األربع للقيادة‬


‫َ‬
‫بين العلم الذي يعلمك كيف تكون حازما‪ ،‬وش َبه العلم الذي‬
‫يحرضك على املكر‪ ،‬توجد مسافة نوعية‪ ،‬هي بالضبط املسافة الفاصلة‬
‫بين علم الحزم األخالقي وعلم املكر الذي ال أخالق له‪ .‬علم الحزم يعلمك‬
‫تحليل اللعبة وقواعدها والالعبين واستراتيجياتهم والحواجز عند‬
‫الدخول وكيف تتغلب عليها وكيف تلعب اللعبة بدون أوهام‪ ،‬أما علم‬
‫املكر فيعلمك فنون الكيد واملكر وتكتيكات التالعب بالعقول واملشاعر‬
‫وكيف تنجح في اإلغراء واإلغواء‪.‬‬

‫من نيقوال ميكيافيلي إلى روبرت غرين يمتد حبل سري لوصال‬
‫فكري َنكد ال يرى إمكانية القيادة ّ‬
‫الفعالة إال بصفتين‪ :‬العنف واملكر‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫وألنصار هذا االتجاه من هيمنة نماذج القيادات العنيفة واملاكرة عبر‬
‫التاريخ حجة واقعية‪ ،‬ومن "نجاحاتها" إغراء يصعب مقاومته‪ .‬لكن التاريخ‬
‫ً‬
‫يعطينا أيضا نماذج للقيادة الحازمة ونجاحاتها‪ ،‬ونماذج للقيادة الطيبة‬
‫ورجوعها األبدي لنفس تجارب الفشل‪.‬‬

‫لقد مورست القيادة عبر التاريخ من خالل هذه الصفات األربع‪:‬‬


‫َ‬
‫الحزم واملكر والعنف والطيبة؛ هيمن املكر والعنف لدى سكان األ َج َمة‬
‫لدرجة أصبح الكثير من منظري القيادة ال يرون إمكانية القيادة إال بهما‪،‬‬
‫وهيمنت الطيبة لدى سكان املدينة الفاضلة لدرجة العود األبدي لنفس‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪15‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫تجارب الفشل‪ ،‬وبين هذين النموذجين املتطرفين توجد نماذج مشرقة‬


‫للقيادة الحازمة ونجاحاتها‪.‬‬

‫ُيعطينا التاريخ نماذج متعددة ألنماط القيادة املختلفة؛ ففي‬


‫مجال القيادة السياسية مثال نجد النماذج التالية‪:‬‬
‫‪ ‬القيادة بالعنف‪ :‬نجد مثال ا ّ‬
‫لحجاج بن يوسف الثقفي ولينين‬
‫وستالين وهتلر‪ .‬هؤالء قادة بال شك‪ ،‬لكن نشر الخوف والرعب‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وحدهما ال يصنعان قائدا حقيقيا‪.‬‬

‫‪ ‬القيادة باملكر‪ :‬نجد مثال معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص‬


‫ومحمد علي باشا‪ .‬هؤالء رجال الحيل واملكائد والدسائس في‬
‫الظالم‪ ،‬وسادة املكر والدهاء خلف األبواب املغلقة‪ ،‬وقادة‬
‫دبلوماسية القبضة الحديدية بالقفازات الحريرية‪ .‬ال يظهرون‬
‫غالبا في الواجهة مع أنهم املحرك الحقيقي ملجريات األحداث‪،‬‬
‫ومستعدون لفعل كل ش يء للوصول إلى أهدافهم‪ ،‬لكن مع‬
‫إصرارهم ومثابرتهم فهم حذرون ويقظون‪ ،‬ويتميزون بالقدرة على‬
‫تحقيق مكاسب عظيمة باملناورة والتفاوض ودون مواجهة‬
‫مباشرة‪.‬‬

‫‪ ‬القيادة بالطيبة‪ :‬نجد مثال سلفادور أليندي‪ .‬هؤالء الطيبون‬


‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫يملكون حسا إنسانيا عاليا‪ ،‬وشجاعة كبيرة على املواجهة بدافع‬
‫القيم ودون اعتبار ملوازين القوى‪ ،‬وال يسعون ملجد شخص ي من‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪16‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫ً‬
‫خالل ما يفعلونه‪ ،‬لكن النوايا الحسنة وحدها ال تصنع قائدا‬
‫ً‬
‫حقيقيا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ ‬القيادة بالحزم‪ :‬نجد رمزا بارزا عبر التاريخ اسمه عمر بن‬
‫الخطاب‪ .‬الحازمون قادة مميزون بقدرتهم على توحيد اإلرادات‬
‫نحو هدف واحد‪ ،‬وجمع املتخاصمين خلف راية واحدة‪ ،‬يتخدون‬
‫القرارات بقوة ومسؤولية‪ ،‬ولديهم أخالق نبيلة‪ ،‬وكاريزما عالية‬
‫جدا‪.‬‬

‫القيادة إذن غير ممكنة إال من خالل واحد أو أكثر من هذه‬


‫الصفات األربع‪:‬‬
‫ّ‬
‫‪ ‬القيادة بالعنف‪ُ :‬ي َولد أسلوب العنف في القيادة توترات‪ ،‬مما‬
‫يؤدي في كثير من األحيان إلى عداوات وصراعات‪ ،‬وإلى عدم‬
‫االستقرار النفس ي االجتماعي‪ ،‬وإلى انتشار ثقافة الخوف‪.‬‬

‫‪ ‬القيادة باملكر‪ :‬املكر هو دفع اآلخر إلى فعل ما فيه مصلحتك مع‬
‫جعله يعتقد أنه يفعل ما فيه مصلحته‪ .‬وفي مجال القيادة اإلدارية‬
‫هو دفع املوظف إلى فعل ما فيه مصلحة املنظمة مع جعله يعتقد‬
‫أنه يفعل ما فيه مصلحته الشخصية‪ .‬واملكر في مجال القيادة هو‬
‫ّ‬
‫سلوك سلبي‪ ،‬ألنه يسبب االزدراء والخيانة ُوي َولد على املدى‬
‫ً‬
‫املتوسط والبعيد أزمة الثقة‪ ،‬ويعتبر أقل صفات القيادة شيوعا‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪17‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ ‬القيادة بالطيبة‪ :‬الطيبة في مجال القيادة سلوك سلبي‪ ،‬ألنها شكل‬


‫ُ ّ‬
‫من عدم تحمل املسؤولية‪ ،‬ونوع من الهروب من املواجهة‪ ،‬وت َوِّلد‬
‫فقدان الثقة في القيادة الطيبة‪ ،‬وتتيح إمكانية تسرب العناصر‬
‫الفاسدة واملخربة بسهولة إلى مواقع القيادة‪.‬‬

‫‪ ‬القيادة بالحزم‪ :‬ال يمكن بناء عالقة إيجابية ودائمة على أساس‬
‫الصفات السلبية الثالث‪ :‬الطيبة أو العنف أو املكر‪ .‬والبديل‬
‫اإليجابي لها هو صفة الحزم‪ ،‬وهو "مهارة حياتية" تسمح بتطوير‬
‫عالقات صحية ودائمة مع اآلخرين‪ .‬والحزم هو صفة للقائد‬
‫الذي يجمع بين الهدوء والحيوية والضبط‪ ،‬وهذه الصفة ال‬
‫تكتمل إال بغياب الصفات السلبية الثالث األخرى‪.‬‬
‫ً‬ ‫إن القيادة ّ‬
‫الفعالة غير ممكنة أخالقيا إال بالحزم‪ ،‬أو بخيار‬
‫الوصال الالأخالقي بين العنف واملكر‪ ،‬أما الطيبة فبراءة اختراع الذين ال‬
‫يملكون سوى نواياهم الحسنة‪ .‬إن مشكلة القادة الطيبين هي الخلط بين‬
‫مقام السلوك العاطفي ومقام السلوك العقالني والعملي‪ ،‬فإذا كانت‬
‫الرحمة واملودة واملحبة صفات مطلوبة بدرجة كبيرة في مجال العالقات‬
‫ذات الطبيعة العاطفية كالعمل الخيري والصداقة والعالقات األسرية‪،‬‬
‫فإنها مطلوبة بدرجة قليلة في مقام الصراع الفكري (في مجال الفكر ال‬
‫توجد تنازالت أو أنصاف الحلول) والصراع السياس ي (املبني على عالقات‬
‫القوة وصراعات املصالح والصراع على السلطة)‪ .‬وبسبب هذاالخلط يقع‬
‫الطيبون في خطأ "الطيبة حيث يجب الحزم"‪ ،‬فيرجعون وبشكل أبدي‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪18‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫لنفس تجارب الفشل‪ .‬إن الطيبين هم الوجه الجميل ألزمة القيادة عندنا‪،‬‬
‫وهم يتسببون في الهزائم أكثر مما يفعل املاكرون!‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪19‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫بعيدا عن الطيبة‪ ،‬قريبا من الحزم‬

‫الطيبون سفراء للنوايا الحسنة وخبراء في األماني املعسولة‪،‬‬


‫حلمهم حياة مليئة باألفراح والبهجة واملحبة والطيبة والخير ودوام‬
‫الصحة والعافية والهناء والتألق والنجاح وأن يكون كل ش يء على ما يرام‬
‫وأن تتحقق كل رغباتهم وأن تصبح حياتهم بدون أحزان وآالم وأوجاع‪.‬‬
‫أفكار سحرية وأحالم غير واقعية‪.‬‬

‫ِّل َن َدع الطيبة جانبا‪ ،‬فقد هرمنا بين الثعالب العجوزة وسفراء‬
‫النوايا الحسنة وال زلنا ننتظر‪ ،‬ولننظر‪ ،‬بشكل أولي قبل الدخول في صلب‬
‫قواعد الحزم والعزم‪ ،‬في كيفية الخروج من هذه الطيبة القاتلة والدخول‬
‫في الحزم ومتطلباته‪:‬‬
‫ُ‬
‫‪ِّ ‬انهض من عجزك وكسلك‪ ،‬وتحرر من عواطفك امل َج ّنحة وأمانيك‬
‫املعسولة وشكواك العاجزة‪ ،‬والتفت إلى ذاتك‪ ،‬وثق بقدرتها على‬
‫قيادة معارك الحياة املتعددة‪ ،‬وال تقنع بما أنت عليه من ضعف‬
‫الحال وقلة النضج‪ ،‬واشتغل على ذاتك لتطويرها نحو األفضل‪.‬‬

‫‪ ‬عليك أن تفهم أن معارك الحياة متعددة‪ ،‬ومشاكلها متمددة‪ ،‬وال‬


‫ينفع معها أنصاف الضبط وأرباع االنضباط‪ ،‬وأنه البد لك أن‬
‫تستكمل نضجك العاطفي بالتحكم في مشاعرك‪ ،‬ونضجك‬
‫الفكري بالتحكم في قراراتك‪ ،‬ونضجك العملي بالتحكم في‬
‫مصالحك‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪20‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫ُ‬
‫‪ ‬عليك أن تدرك أن "ال أستطيع" و "ال أريد" ال مكان لهما إال في‬
‫قاموس العجز والكسل‪ ،‬وأن "صفر مخاطر" و "صفر تقاسم" ال‬
‫وجود لهما إال في معجم الجبن والبخل‪.‬‬

‫‪ ‬عليك أن تقوم بتعريض نفسك لألشياء التي تخاف منها‪ ،‬ألنها‬


‫الطريقة الوحيدة للتغلب على مخاوفك‪ ،‬وأن تقتنع مع التجربة‬
‫ُ‬
‫وبعدها‪ ،‬إن كتب لك أن تعيش التجربة‪ ،‬أن الخوف طاقة‪ ،‬تسحب‬
‫الجبناء للخلف‪ ،‬وتدفع بالشجعان لألمام‪.‬‬

‫‪ ‬عليك أن تبني حقائقك الشخصية بتأن وهدوء‪ ،‬وتتمسك بقولها‬


‫بقوة ووضوح‪ ،‬وأن تعي في نفس الوقت أنها حقائقك وحدك ال‬
‫حقائق اآلخرين‪ ،‬ألنها مبنيةعلى تجاربك وحدك ال تجارب اآلخرين‪.‬‬

‫‪ ‬عليك أن تنهض كصاحب رؤية ال كحاطب ليل‪ ،‬برجولة الحازمين‬


‫ال بفسولة الطيبين وسفراء النوايا الحسنة‪ ،‬وأن تنخرط بقوة‬
‫ودون مجامالت أو أنصاف حلول في معارك الحياة املتعددة‪.‬‬

‫‪ ‬عليك أن تتعلم أن تنافس ذاتك أوال قبل منافسة اآلخرين‪ ،‬ثم‬


‫تنافس اآلخرين بعد ذلك بشراسة وبأخالق عالية‪.‬‬

‫‪ ‬عليك أن تنسحب بذكاء من املعارك التي اختص بها الزمن‪ ،‬وتركز‬


‫على املعارك التي من اختصاصك‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪21‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ ‬عليك أن تنضج في فهمك وتتواضع في إرادتك وتنسحب من‬


‫املعارك الجانبية التي تستنزف طاقتك وتأكل من مواردك وتنحرف‬
‫بك عن رؤيتك وأهدافك‪.‬‬

‫‪ ‬عليك أن تفهم أن بعض املشاعر واملعتقدات والعادات تستعص ي‬


‫على التغيير‪ ،‬وأن بعض الناس ميؤوس منهم‪ ،‬وأن الفهم العميق‬
‫واإلرادة املثابرة بضاعة نادرة‪ ،‬وأن اإلنسان يفهم في حدود إرادته‪،‬‬
‫ويريد في حدود فهمه‪ ،‬ويفهم ويريد في حدود تجاربه الشخصية‪،‬‬
‫فال تضيع وقتك وحياتك في ضرب الحديد البارد‪.‬‬

‫‪ ‬عليك أن تتعلم فن االنسحاب الهادئ إلى أرض هللا الواسعة دون‬


‫ّ‬
‫ضجة أو ِّصدام عندما تكون املواجهة مضيعة للوقت والجهد‪.‬‬

‫‪ ‬عليك أن تفهم أن اإلنسان معدن الخطأ‪ ،‬وأن الخطأ من طبيعة‬


‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫البشر‪ ،‬فال ت ِّد ْن نفسك لكونك مخطئا‪ ،‬وال ت ِّد ْن غيرك لكونه أخطأ‬
‫في حقك‪ ،‬وأن تعالج األخطاء واملشاكل بالتوجه نحو الحلول‬
‫واملستقبل‪ ،‬ال بااللتفات لألسباب واملاض ي‪.‬‬

‫‪ ‬عليك أن تبقى متفائل اإلرادة مهما بلغ تشاؤم العقل‪ ،‬ومهما كانت‬
‫الوقائع التي ستعيشها والحقائق التي ستعرفها في املستقبل‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪22‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫النموذج الخماس ي للحزم‬

‫مورست القيادة عبر التاريخ من خالل أربع صفات‪ :‬الحزم واملكر‬


‫َ‬
‫والعنف والطيبة؛ هيمن املكر والعنف لدى سكان األ َج َمة‪ ،‬وهيمنت‬
‫الطيبة لدى سكان املدينة الفاضلة‪ ،‬وبين هذين النموذجين املتطرفين‬
‫يعطينا التاريخ نماذج مشرقة للقيادة الحازمة ونجاحاتها‪ .‬فبأي نموذج‬
‫فعال و إنساني؟ هل نتمذهب للقيادة‬ ‫يمكن أن نمارس القيادة بشكل ّ‬
‫بالطيبة؟ إذن يسحقنا املاكرون! هل نستخدم أساليب املاكرين‬
‫لالنتصار عليهم؟ إذن يكون النتصارنا طعم الهزيمة!‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫إن القيادة ّ‬
‫إنسانيا وأخالقيا إال بالحزم‪ ،‬ولسنا‬ ‫الفعالة غير ممكنة‬
‫مجبرين على االختيار بين رذيلتين‪ :‬سذاجة الطيبين ودهاء املاكرين‪ .‬ولكي‬
‫ننجح في القيادة بالحزم نحتاج أن نصحح املنطلق لئال نتشتت على سطح‬
‫صحت بدايته ّ‬
‫صحت نهايته‪،‬‬ ‫الطيبة أو ننزلق إلى مستنقع املكر‪ ،‬فمن ّ‬
‫واملنطلق الصحيح هو الوعي بوجود خيار ثالث يمثله الحزم‪ ،‬ووضع‬
‫األسئلة الصحيحة واإلجابة عنها بشكل صحيح وعملي‪.‬‬

‫هي خمسة أسئلة‪ ،‬تغطي األبعاد الخمسة لشخصية القائد‪:‬‬


‫اإلرادة‪ ،‬واملعرفة‪ ،‬والقدرة‪ ،‬والقيم‪ ،‬والفعل‪:‬‬

‫‪ ‬كيف أكون؟‬

‫‪ ‬ماذا يجب أن أعرف؟‬


‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪23‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ ‬ماذا يجب أن أمتلك؟‬

‫‪ ‬كيف أضبط وأنضبط؟‬

‫‪ ‬كيف أعمل؟‬

‫إن مطلب الحزم يتحقق بالتوازن بين هذه األبعاد الخمسة‪:‬‬

‫‪ ‬بعد اإلرادة‪ :‬يمثل نوعية حضورنا كذوات والكيفية التي نكون‬


‫عليها في هذا العالم‪.‬‬

‫‪ ‬بعد املعرفة‪ :‬يمثل نوعية فهمنا لذواتنا وللعالم من حولنا وللعمل‬


‫ومتطلباته‪.‬‬

‫‪ ‬بعد القدرة‪ :‬يمثل نوعية عالقاتنا مع القيم النسبية املتغيرة‪ ،‬التي‬


‫ُ َْ‬
‫تطلب كوسائل للغايات العليا‪ ،‬كاملال والسلطة‪.‬‬

‫‪ ‬بعد القيم‪ :‬يمثل الغايات العليا ونوعية عالقاتنا مع القيم املطلقة‬


‫الثابتة‪ ،‬التي ينشدها اإلنسان لذاتها‪ ،‬كالحرية والعدل والسعادة‪.‬‬

‫‪ ‬بعد الفعل‪ :‬يمثل نوعية حركتنا وفعلنا في هذا العالم لتغيير‬


‫وضعنا فيه واملساهمة في تغييره لألفضل‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪24‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫إن منظومة الحزم املتكاملة يمكن تمثيلها بواسطة بنيان‬


‫مرصوص يقوم على خمسة أعمدة‪ ،‬وتدعم قوة كل عمود منظومة الحزم‬
‫ككل بتكامل مع األعمدة األخرى‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪25‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫منهجية الكتاب‬

‫هذا كتاب عملي في الحزم‪ ،‬وضعنا له نمذجة في خمسة أبعاد‪،‬‬


‫تغطي األبعاد الخمسة لشخصية القائد الحازم‪:‬‬

‫‪ ‬بعد اإلرادة‪ :‬كيف أكون؟‬

‫‪ ‬بعد املعرفة‪ :‬ماذا يجب أن أعرف؟‬

‫‪ ‬بعد القدرة‪ :‬ماذا يجب أن أمتلك؟‬

‫‪ ‬بعد القيم‪ :‬كيف أضبط وأنضبط؟‬

‫‪ ‬بعد الفعل‪ :‬كيف أعمل؟‬


‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪26‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫وبعد النمذجة العامة للحزم‪ ،‬قمنا بنمذجة كل بعد في قواعد‬


‫للحزم‪ ،‬وخصصنا له فصال مستقال‪.‬‬

‫الفصل األول‪ :‬كيف أكون؟‬

‫يستعرض الفصل األول القواعد املتعلقة ُببعد اإلرادة عند القائد‬


‫الحازم‪ ،‬ويمثل هذا البعد نوعية حضور القائد كذات والكيفية التي يكون‬
‫عليها في هذا العالم‪.‬‬

‫ويتناول هذا الفصل األول بعد اإلرادة من خالل قواعد الحزم‬


‫التالية (‪ 91‬قاعدة)‪:‬‬
‫َ ً‬ ‫ُ ُ ًّ‬
‫حبا لذاتك‪ُ ،‬مط ّ ِّورا لها‬ ‫‪ .1‬كن م‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫‪ .2‬كن ضابطا ومنضبطا‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫‪ .3‬كن أصيال واحترم اآلخرين‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫‪ .4‬كن مستقال في عقلك وإرادتك‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫‪ .5‬كن طموحا في رؤيتك‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫‪ .6‬كن َم ِّرنا‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫‪ .7‬كن متوازنا‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫‪ .8‬كن صريحا‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫‪ .9‬كن شجاعا‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫‪ .10‬كن َم ِّرحا‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫‪ .11‬كن شاهدا‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪27‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ُ .12‬كن ِّم ً‬


‫عطاء‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫‪.13‬ال تكن طيبا‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫‪.14‬ال تكن عنيفا‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫‪.15‬ال تكن ماكرا‬
‫‪.16‬ال تلعب األدوار الدرامية‬
‫‪.17‬ال تلعب دور الضحية‬
‫‪.18‬ال تلعب دور الجالد‬
‫‪.19‬ال تلعب دور املنقذ‬

‫الفصل الثاني‪ :‬ما الذي يجب أن أعرفه؟‬

‫يستعرض الفصل الثاني القواعد املتعلقة ُببعد املعرفة عند‬


‫القائد الحازم‪ ،‬من خالل اإلجابة عن سؤال‪ :‬ما الذي يجب على القائد‬
‫الحازم أن يعرفه؟ ويمثل هذا البعد نوعية فهمنا لذواتنا وللعالم من‬
‫حولنا وللعمل ومتطلباته‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪28‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫إن التفاني في العمل وبذل أكبر الجهد بدون توجيه من "معارف‬


‫عميقة" يقود إلى الفشل أو إلى نتائج متواضعة‪ .‬ويتكون نسق "املعارف‬
‫ً‬
‫العميقة" من ثالثة أجزاء تشكل في تكاملها واندماجها كال ال يتجزأ‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫معرفة الذات‪،‬ومعرفة العالم‪ ،‬ومعرفة العمل‪.‬‬

‫ويتناول هذا الفصل الثاني هذه املنظومة املتكاملة للمعارف‬


‫العميقة من خالل قواعد الحزم التالية (‪ 53‬قاعدة)‪:‬‬

‫‪ .1‬املعرفة العميقة األولى‪ :‬معرفة الذات‬


‫‪ِّ .2‬اعرف استعداداتك وطورها‬
‫‪ِّ .3‬اعرف مشاعرك وتحكم فيها‬
‫َ‬
‫وس ْح َره وتجنب أ ْس َره‬‫‪ِّ .4‬اعرف الحب ِّ‬
‫‪ِّ .5‬اعرف التربية العاطفية لتتحكم في مشاعرك‬
‫‪ِّ .6‬اعرف أوهامك وتخلص منها‬
‫‪ِّ .7‬اعرف التربية الفكرية لتتحكم في أوهامك‬
‫‪ِّ .8‬اعرف عاداتك واضبطها‬
‫‪ِّ .9‬اعرف التربية العملية لتتحكم في عاداتك‬
‫‪ِّ .10‬اعرف أخطاءك وتعلم منها‬
‫‪ِّ .11‬اعرف حدودك والتزم بها‬
‫‪ .12‬املعرفة العميقة الثانية‪ :‬معرفة العالم‬
‫‪ِّ .13‬اعرف طرق معرفة العالم‬
‫‪ِّ .14‬اعرف اللعبة ومعناها‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪29‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫ُ‬ ‫ُ‬
‫‪ِّ .15‬اعرف الصراع امل َح ّ ِّرك للعبة‬
‫‪ِّ .16‬اعرف قواعد اللعبة‬
‫‪ِّ .17‬اعرف أحداث اللعبة ومستوياتها‬
‫‪ِّ .18‬اعرف الالعبين‬
‫‪ِّ .19‬اعرف مصالح الالعبين‬
‫‪ِّ .20‬اعرف مواقع الالعبين‬
‫‪ِّ .21‬اعرف مشاريع الالعبين‬
‫‪ِّ .22‬اعرف استراتيجيات الالعبين‬
‫‪ِّ .23‬اعرف ألعاب الجوع وألعاب الخوف‬
‫‪ِّ .24‬اعرف ألعاب اإلقصاء االجتماعي‬
‫‪ِّ .25‬اعرف لعبة التميز االجتماعي‬
‫‪ِّ .26‬اعرف ألعاب الفكر‬
‫‪ِّ .27‬اعرف اللعبة السياسية‬
‫‪ِّ .28‬اعرف اللعبة الديمقراطية‬
‫‪ .29‬املعرفة العميقة الثالثة‪ :‬معرفة العمل‬
‫‪ِّ .30‬اعرف ما العمل؟‬
‫‪ِّ .31‬اعرف ما العائد من العمل؟‬
‫‪ِّ .32‬اعرف من الفاعل؟‬
‫‪ِّ .33‬اعرف أهمية الشراكات والتحالفات‬
‫‪ِّ .34‬اعرف كيف تضمن قيام الفاعل بالعمل‬
‫‪ِّ .35‬اعرف محركات التغيير وقوانينه‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪30‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫الفصل الثالث‪ :‬ماذا يجب أن أمتلك؟‬

‫يستعرض الفصل الثالث القواعد املتعلقة ُببعد القدرة عند‬


‫القائد الحازم‪ ،‬من خالل اإلجابة عن سؤال‪ :‬ما الذي يجب على القائد‬
‫الحازم أن يمتلكه؟ ويمثل هذا البعد نوعية عالقات القائد مع القيم‬
‫ُ‬
‫النسبية املتغيرة‪ ،‬التي تطلب كوسائل للغايات العليا‪ ،‬كاملال والسلطة‪.‬‬
‫ً‬
‫والوسائل التي يجب امتالكها هي عموما مختلف أشكال الطاقة‬
‫املحركة لأللعاب االجتماعية املختلفة‪ .‬فإلى جانب املال توجد محركات‬
‫أخرى كالوقت والخبرة واملعلومة والعالقات والسمعة والسلطة‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪31‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫ويتناول هذا الفصل الثالث هذه املنظومة املتكاملة من الوسائل‬


‫التي تمنح الكفاية والقوة من خالل قواعد الحزم التالية (‪ 91‬قواعد)‪:‬‬

‫‪ِّ .1‬امتلك الوسائل لغاياتك العليا‬


‫‪ِّ .2‬امتلك الكاريزما‬
‫‪ِّ .3‬امتلك املعرفة‬
‫‪ِّ .4‬امتلك املعلومة‬
‫‪ِّ .5‬امتلك العالقات‬
‫‪ِّ .6‬امتلك املال‬
‫‪ِّ .7‬امتلك السلطة‬
‫‪ِّ .8‬امتلك عالقتك بالزمن‬
‫َ َ‬ ‫ّ‬
‫‪َ .9‬نت َملك لكي ن َت َم ْوقع‬
‫‪ .10‬املواقع متغيرة لكن املواقف ثابتة‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪32‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫الفصل الرابع‪ :‬كيف أضبط و أنضبط؟‬

‫يستعرض الفصل الرابع القواعد املتعلقة ُببعد القيم عند القائد‬


‫الحازم‪ ،‬من خالل اإلجابة عن سؤال‪:‬كيف أضبط وأنضبط؟ ويمثل هذا‬
‫البعد الغايات العليا ونوعية عالقاتنا مع القيم املطلقة الثابتة‪ ،‬التي‬
‫ينشدهااإلنسان لذاتها‪ ،‬كالحرية والعدل والسعادة‪ ،‬والتي تمثل مبادئ‬
‫ذاتية موجهة للسلوك وظيفتها الضبط واالنضباط‪.‬‬

‫ويتناول هذا الفصل الرابع منظومة القيم الخاصة بالحزم من‬


‫خالل قواعد الحزم التالية (‪ 93‬قاعدة)‪:‬‬
‫َ ُْ‬ ‫ُْ‬
‫الحزم َيطلب ِّق َي َمه‬ ‫‪ .1‬من َيطل ُب‬
‫‪ِّ .2‬افهم قيمك وقيم اآلخرين‬
‫‪ِّ .3‬افهم طبيعة القيم‬
‫‪ِّ .4‬افهم االعتماد املتبادل بين القيم‬
‫‪ِّ .5‬افهم سلم القيم وسلم األولويات‬
‫‪ِّ .6‬افهم األصول االجتماعية للقيم‬
‫‪ .7‬األسرة تصنع القيم‬
‫‪ .8‬املدرسة تعيد إنتاج نفس القيم‬
‫ُ‬
‫‪ .9‬الوظيفة ت َع ّ ِّزز قيم العبودية‬
‫‪ .10‬السوق ُي َع ّ ِّزز قيم الحرية‬
‫‪ .11‬التربية الذاتية هي فرصتك األخيرة‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪33‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ .12‬تربية العقل واإلرادة والقدرة‬


‫‪ .13‬الوعي خمسة مستويات أعاله الوعي التاريخي‬
‫‪ .14‬اإلرادة خمسة مستويات أعالها إرادة مشروع عابر لألجيال‬
‫‪ .15‬القدرة خمسة مستويات أعالها الحرية‬

‫الفصل الخامس‪ :‬كيف أعمل؟‬

‫يستعرض الفصل الخامس القواعد املتعلقة ُببعد العمل عند‬


‫القائد الحازم‪ ،‬من خالل اإلجابة عن سؤال‪ :‬كيف أعمل؟‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪34‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫ويمثل هذا البعد نوعية حركتنا وفعلنا في هذا العالم لتغيير‬


‫وضعنا فيه واملساهمة في تغييره لألفضل‪.‬‬

‫ويتناول هذا الفصل الخامس الكيفية العملية للفعل في الواقع‬


‫من خالل قواعد الحزم التالية (‪ 53‬قاعدة)‪:‬‬

‫‪ .1‬ال تلتفت‬
‫َ ْ‬
‫‪ .2‬ال تش َت ِّك‬
‫‪ .3‬ال تتعاطف‬
‫‪ .4‬ال تنتقم‬
‫‪ .5‬ال تمنح فرصة ثالثة‬
‫‪ .6‬ال تبحث عن إرضاء كل الناس‬
‫‪ .7‬ال تكرر نفس الخطأ‬
‫‪ .8‬تقبل النقد‬
‫‪ .9‬تغافل بحكمة‬
‫‪ .10‬تحاور بذكاء‬
‫‪ .11‬تفاوض بواقعية‬
‫‪ .12‬تحكم في مشاعرك‬
‫‪ .13‬ضع معاييرك الشخصية‬
‫‪ِّ .14‬احترم معايير اآلخرين‬
‫‪َ .15‬ع ّ ِّزز املعايير املشتركة‬
‫‪ .16‬انتبه للعالمات‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪35‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ .17‬إبحث عن الفرص‬
‫‪َ .18‬ت َو ّقع التحديات َ‬
‫وح ّ ِّولها إلى فرص‬
‫‪َ .19‬ع ّ ِّزز تنظيمك الذاتي بتقليص الفوض ى‬
‫‪ِّ .20‬ثق في شركائك لكن احتفظ بيقظتك‬
‫‪ .21‬استمتع بعملك‬
‫‪ِّ .22‬اشتغل في صمت‬
‫‪ .23‬ثابر حتى النهاية‬
‫‪.24‬حقق نتائج‬
‫‪َ .25‬‬
‫تقاسم األرباح‬

‫هذا تصميم الكتاب ونمذجته‪ ،‬خمسة فصول تغطي األبعاد‬


‫الخمسة للقيادة الحازمة‪ ،‬فماذا عن منهجية التحليل وأسلوب صياغة‬
‫قواعد الحزم؟‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪36‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫ال أدخل في الكتابة إال بعد أن أكون قد تأكدت أوال من األهمية‬


‫االستراتيجية للقاعدة في تعزيز السلوك الحازم‪ .‬ثم أبدأ في تحصيل الدقة‬
‫فعاليتين‪ّ :‬‬
‫فعالية القراءة اللولبية‬ ‫والبساطة العقليتين للقاعدة من خالل ّ‬
‫(راجع الفصل األخير من كتابي‪" :‬املستويات السبعة في القراءة" عن‬
‫القراءة اللولبية)‪ ،‬التي أمارسها كنوع من "املناظرة االفتراضية" التي تجمع‬
‫بين قوة القراءة الناقدة وفضائل الحوار الفكري العابر لألجيال‪ّ ،‬‬
‫وفعالية‬
‫"الكتابة اللولبية" التي تجمع بين إثارة الوجدان وإجهاد العقل وتحريك‬
‫اإلرادة‪.‬‬

‫إن الكتابة في موضوع معقد وحساس كالقيادة أشبه ما تكون‬


‫مغامرة في رحلة طويلة وشاقة تجمع بين موضوعية التحليل العلمي‬
‫للباحث‪ ،‬وبرجماتية التوجيه العملي للخبير‪ ،‬وذاتية التجربة الشخصية‬
‫للمناضل‪ ،‬مع ما يفترضه تقديم املوضوع للقارئ من متطلبات إضافية‬
‫تتعلق بتحسس مسدس األسلوب وإزالة أمان الوضوح‪ .‬ومن كل هذه‬
‫التحديات يبقى تحدي تحقيق نتائج هو أبو التحديات لحاجة القارئ إلى‬
‫وضوح قواعد الحزم‪ ،‬وإلى ترتيبها في نموذج علمي دقيق‪ ،‬وإلى برنامج عمل‬
‫لتعزيز السلوك الحازم‪.‬‬

‫وال ينبغي أن يفهم القارئ الكريم من الجانب العملي في هذا‬


‫الكتاب أن الحزم ُيدرك باستعمال وصفات سحرية جاهزة‪ .‬إن القواعد ال‬
‫تنفي الحاجة إلى مالءمة "الصيغ واملقادير" حسب الزمان واملكان والحالة‬
‫والشخص واملشروع‪ ،‬فالحازم يالئم‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪37‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫الفصل األول‪ :‬كيف أكون؟‬


‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪38‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫الفصل األول‪ :‬كيف أكون؟‬


‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪39‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫َ‬
‫حبا لذاتك‪ ،‬مط ّورا لها‬
‫كن م ّ‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫أول الحزم ُح ّبك لذاتك‪ ،‬فكن ُمحبا لها‪ ،‬واثقا من قدرتها على قيادة‬
‫معارك الحياة املتعددة‪ ،‬مهما كانت استعداداتك الحالية وواقعك الذي‬
‫تعيشه‪.‬‬

‫أنت‪ ،‬ككل البشر‪،‬شخص متفرد في مجموعه‪ .‬لك نقط قوتك التي‬


‫تستطيع أن تصنع منها عوامل نجاحك ومصدر قيمتك‪ .‬ولك‪ ،‬كما للناس‪،‬‬
‫نقط ضعف‪ ،‬التي يجب عالجها‪ .‬ثق بنفسك‪ ،‬واكتسب شخصية إيجابية‬
‫وحازمة‪ ،‬وال تقنع بما أنت عليه من ضعف الحال وقلة النضج‪ ،‬واشتغل‬
‫على تطوير ذاتك نحو األفضل‪.‬‬

‫وتطوير الذات يحتاج إلى شرطين‪:‬‬


‫ُ ُ ًّ‬
‫حبا لذاتك ومقدرا لها‪ .‬وحب الذات نوعان‪:‬‬ ‫‪ ‬حب الذات‪ ،‬فكن م‬
‫َُّ‬ ‫ّ‬
‫حب إيجابي ُي َولد "أنانية سامية"‪ ،‬وحب سلبي يولد "أنانية وسخة"‪.‬‬
‫ّ‬
‫والحب اإليجابي للذات ُي َولد الرغبة في تطويرها‪.‬‬

‫‪ ‬معرفة الذات‪ ،‬أي معرفتك لذاتك وسمات شخصيتك ومعتقداته‬


‫ومشاعرك ورغباتك وقيمك وعاداتك‪ .‬وبدون معرفة الذات ال‬
‫يمكن تطوير الذات‪ .‬إن معرفة الذات هي مفتاح تطويرها‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪40‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫كن ضابطا ومنضبطا‬

‫جهودك من الداخل مبعثرة لغياب انجماع شخصيتك وهويتك‬


‫ُ َّ‬
‫ضللة بسبب انجرافك مع مشاريع غيرك‬ ‫ومواقفك‪ ،‬وجهودك من الخارج م‬
‫دون وعي منك أوبسبب فوض ى ردود فعلك في معارك جانبية‪.‬‬

‫عندما تغيب الرؤية الواضحة‪ ،‬واإلرادة الصلبة‪ ،‬وحكمة العلم‬


‫البشري‪ ،‬وعبرة الخبرة اإلنسانية‪ ،‬تتبخر الجهود في فوض ى ردود الفعل‪ ،‬أو‬
‫تصب في مشاريع اآلخرين‪.‬‬

‫إن الحازم بنيان بشري مرصوص من حيث املشاعر واألفكار‬


‫واملصالح‪ ،‬وله من الضبط واالنضباط العاطفي والفكري والسلوكي ما‬
‫َ‬
‫يسمح له بجمع ق َو ِّامه في قبضة ضاربة تحرر عقله وإرادته‪ ،‬وتحقق‬
‫أهدافه ورؤيته‪.‬‬

‫إن استعدادات الحزم تتكون ابتداء بالضبط الخارجي (القواعد‬


‫والقوانين والعادات واألعراف)‪ ،‬ثم تستمر في االشتغال باالنضباط‬
‫الداخلي بعد إختفاء مفعول الضبط الخارجي أو انتهاء مهمته (الرقابة‬
‫الذاتية‪ ،‬التقييم الذاتي‪.) ...‬‬

‫ولتحقيق الضبط واالنضباط في حياتك يوص ي فقه الحزم‬


‫بااللتزام بالعادات اآلتية‪:‬‬

‫‪ ‬اإليمان باملستحيل‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪41‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ ‬وضوح الرؤية‪.‬‬

‫‪ ‬تخطيط األهداف‪.‬‬

‫‪ ‬إدارة فعالة للزمن اليومي‪.‬‬

‫‪ ‬الشجاعة في قول ال عندما يكون ذلك ضروريا‪.‬‬

‫‪ ‬العادات الصحية املمتازة‪.‬‬

‫‪ ‬توفير الوسائل للغايات العليا‬

‫‪ ‬الشغف بالعمل والجدية فيه‪.‬‬

‫‪ ‬التعلم املستمر‪.‬‬

‫‪ ‬التفكير النقدي‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪42‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫كن أصيال واحترم اآلخرين‬


‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫كن شخصا مرتاحا في ذاتك‪ ،‬وتلقائيا في تصرفاتك‪ ،‬ومرتاحا أمام‬
‫ً‬
‫الناس وفي جماعة ووجها لوجه‪ ،‬وقدم نفسك دائما كما أنت‪ ،‬دون تصنع‬
‫أي سلوك أو صورةأخرى‪ ،‬ودون أية ُع َقد‪.‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫بتعبير آخر‪ ،‬كن أصيال‪ ،‬ووفيا ألصالتك‪ ،‬وازرع الثقة بذاتك‪،‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫واجعل الوضوح رفيق مسيرتك‪ ،‬وسترى النتائج امل ِّبهرة‪ ،‬وأنت تذهب بعيدا‬
‫في نجاحاتك‪.‬‬
‫ً‬
‫أصيال يجب أن تكون‬ ‫إن النجاح هو فن األصالة‪ ،‬ولكي تكون‬
‫ً‬
‫قراراتك ومواقفك مطابقة ملا تشعر به وتفكر فيه‪ ،‬وأن تتصرف دائما‬
‫بشكل واضح وحاسم ودون تردد أو تراجع‪.‬‬

‫الحازم شخص أصيل‪ ،‬ويترك دائما انطباعا باألصالة‪ ،‬ألنه تلقائي‬


‫في تصرفاته وواضح في قراراته ومواقفه‪ ،‬لكن مع هذا الوضوح والتلقائية‪،‬‬
‫يحترم اآلخرين‪ ،‬وهذا يجلب له االحترام منهم‪.‬‬

‫ولتحقيق األصالة في حياتك يوص ي فقه الحزم بااللتزام باملبادئ‬


‫والعادات اآلتية‪:‬‬
‫ُ‬
‫‪ ‬كن واثقا من نفسك‪.‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫‪ ‬كن مرتاحا في ذاتك‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪43‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫ُ‬
‫‪ ‬كن تلقائيا في تصرفاتك‪.‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫‪ ‬كن مرتاحا أمام الناس‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ ‬قدم نفسك دائما كما أنت ودون تصنع‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ ‬كن واضحا مع اآلخرين‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ ‬كن منسجما مع ذاتك‪.‬‬

‫‪ ‬ال تردد أو تتراجع في قراراتك‪.‬‬

‫‪ ‬ال تردد في قول ال عندما ال تستطيع أن تقول نعم‪.‬‬

‫‪ِّ ‬اجعل لنفسك أسلوبا شخصيا يميزك‪.‬‬


‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪44‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫كن مستقال في عقلك وإرادتك‬


‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫الحازم ال يكون تابعا أو خاضعا لغيره‪ ،‬فكن مستقال في عقلك‬
‫وإرادتك‪.‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫كن مستقال أوال في أفكارك وآرائك وفي قدرتك على الفهم والتحليل‬
‫والنقد بما يمنحك الحصانة الشمولية ضد التيارات الفكرية والعاطفية‬
‫ً ً‬ ‫ُ‬
‫واملصلحية‪ ،‬وكن مستقال ثانيا في قدرتك على العمل واالنتقال إلى الفعل‬
‫واملثابرة عليه حتى الوصول إلى أهدافك‪ .‬لكن السؤال هو‪ :‬كيف نطور‬
‫استقاللية العقل واإلرادة؟‬

‫لكي ُتحرر عقلك تحتاج إلى تبني قيمة العلم بنوعيه النظري‬
‫والتقني‪ ،‬والوعي بطبيعة ووظيفة كل منهما‪ ،‬وفهم التكامل املوجود بين‬
‫ضبط املفاهيم واملبادئ والتسلح باألدوات والنماذج‪ ،‬كما تحتاج إلى‬
‫تطوير القدرة على جمع املعلومات ومعالجتها والتعامل النقدي مع‬
‫املعارف‪ .‬وأثر كل ذلك يجب أن يظهر عليك في القدرة على اتخاذ القرارات‬
‫وحل املشكالت‪ .‬وفي مجال الفهم املستقل تحتاج إلى التعلم من مدارس‬
‫الحياة املتعددة‪ ،‬بدل التعلم من مدرسة واحدة مدى الحياة‪ .‬فالتعلم في‬
‫مدرسة واحدة غباء يترتب عنه ضيق في الفهم وانحسار في التجربة‬
‫الشخصية‪.‬‬
‫ُ‬
‫ولكي تحرر إرادتك تحتاج إلى تبني قيم املبادرة واملواجهة والشغف‬
‫والفعالية والنجاعة واملسؤولية‪ ،‬وإلى مراقبة وتطوير نوعية‬‫ّ‬ ‫واملثابرة‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪45‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫الدوافع والحوافز التي تحركك‪ .‬والتربية العاطفية شرط الزم لتربية‬


‫إرادتك‪ ،‬ألن العاطفة املجنحة ترتهن حرية اإلرادة كما ترتهن األوهام حرية‬
‫العقل‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪46‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫كن طموحا في رؤيتك‬


‫ً‬
‫يجب أن تنظر بعيدا لئال تغرق في الحرائق اليومية‪ ،‬ولك أن تطمح‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫طموحا عاليا وعامليا مهما كان قصورك الحاضر وانهزامك املؤقت‪.‬‬

‫من الحزم أن تطمح أعلى من إمكانياتك وأبعد من حدودك‪ .‬ال‬


‫ً‬
‫تنافس محليا وفي حدود إمكانياتك الذاتية والحالية‪ .‬إبحث عن فرص‬
‫للتطور على املستوى العاملي فالفرص املحلية أفقها محدود‪ ،‬ونافس على‬
‫املستوى العاملي فاملنافسة املحلية ال مستقبل لها‪ ،‬وواجه على املستوى‬
‫العاملي فالالعبون املحليون مجرد وكالء‪.‬‬

‫في البيئات االجتماعية التي تنتشر فيها القيم القوية يؤمن اإلنسان‬
‫باملستحيل‪ ،‬أما في البيئات االجتماعية التي ينتشر فيها اليأس ويتسلل إلى‬
‫العقول واإلرادات فاإلنسان ال يؤمن حتى باملمكن‪.‬‬

‫إرفع سقف طموحك مهما كان قصورك الحالي‪ ،‬وِّاجعل التميز‬


‫هدفك فالنجاح ال يستحق أن يكون هدفا‪ ،‬واجعل الحرية أعز ما يطلب‬
‫فاألمن ال يستحق أن يكون مشروعا‪ .‬إن الحرية للشجعان واألمن للجبناء‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪47‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫كن َمرنا‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫من كمال الحزم املرونة‪ ،‬فكن َم ِّرنا‪.‬‬

‫املرونة هي التفاعل الذكي واملستمر بين أهداف خطتك وإكراهات‬


‫واقعك‪ ،‬والبحث املستمر عن توازن بينهما‪ .‬من الغباء أن تتقدم بشكل‬
‫جامد نحو أهدافك‪ ،‬دون أي تراجع أو تنازل أو تعديل تفرضه إكراهات‬
‫واقعك‪.‬‬

‫عندما تكون اللعبة مثال غير عادلة وأكبر منك‪ ،‬عليك أن تنسحب‬
‫من زمن املواجهة وتنخرط في زمن اإلعداد؛ فإذا انتصر فرد ملظلوميته‬
‫خالل سنة فقد استعجل‪ ،‬وإذا انتصرت أمة ملظلوميتها خالل جيل أو‬
‫جيلين فقد استعجلت‪ .‬عندما تكون اللعبة أكبر منك عليك أن تتسلح‬
‫باملرونة وتنخرط في الزمن البعيد‪.‬‬

‫ومن املرونة أن تنخرط في بعض تفاصيل اللعبة وأنت ترفضها؛‬


‫ً‬
‫فبإمكانك دائما‪ ،‬متى كنت ذكيا ومرنا‪ ،‬أن ترفض اللعبة وتنخرط في بعض‬
‫َ‬
‫تفاصيلها‪ ،‬فاألشجار تغ ّير أور اقها ال جذورها !‬

‫إن املرونة ضرورة ال اختيار‪ ،‬فهي تمنحك مزايا حيوية‪:‬‬

‫‪ ‬تعزز قدرتك على مواكبة التغييرات في محيطك بسرعة وفعالية‪.‬‬

‫‪ ‬تعزز قدرتك على التجديد واإلبداع في عملك‪.‬‬


‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪48‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ ‬تعزز قدرتك على مالءمة الوسائل واألهداف مع خصوصيات‬


‫الحالة والوضعية‪.‬‬

‫‪ ‬تحرم خصمك من التنبؤ بسلوكك‪.‬‬

‫‪ ‬تعزز قدرتك على التحكم في الوضعية‪ ،‬فاألكثر مرونة هو األكثر‬


‫تحكما‪.‬‬

‫ولتعزيز املرونة في حياتك يوص ي فقه الحزم بااللتزام باملبادئ‬


‫والعادات اآلتية‪:‬‬

‫‪ ‬إن العالم لم يخلق باألبيض واألسود‪ ،‬فبينهما طيف من األلوان‬


‫والخيارات املتعددة واملتنوعة‪.‬‬

‫‪ ‬فكر دائما في بدائل الخيار الوحيد الذي تعودت على ممارسته‪.‬‬

‫‪ ‬املشكل الواحد له دائما تسعة حلول على األقل‪.‬‬

‫‪ ‬بإمكاننا في الكثير من األحيان التوجه مباشرة إلى حل املشكلة دون‬


‫الرجوع إلى أسبابها‪.‬‬

‫‪ ‬إذا كان ما تقوم به ال يحقق النتائج املرجوة منه َج ّرب غيره‪ ،‬فأرض‬
‫هللا واسعة‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪49‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ ‬تحرر من العادة فهي جارفة‪ّ ،‬‬


‫جرب أشياء جديدة وأفكار جديدة‬
‫وأشخاص جدد‪.‬‬

‫‪ ‬درب نفسك على رؤية األشياء واألشخاص واألحداث واألفكار من‬


‫زوايا مختلفة في نفس الوقت؛ ففي كل فرصة يوجد خطر‪ ،‬وفي كل‬
‫خطر توجد فرصة‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ ‬في التفاوض ِّارفع سقف مطالبك في البداية‪ ،‬لكن كن مستعدا‬
‫للتنازل والعمل بمبدأ الربح املشترك‪.‬‬

‫‪ ‬في الحوار َع ّبر عن آرائك ومواقفك بقوة‪ ،‬لكن احترم آراء اآلخرين‬
‫وأنصت إليها واستفد منها‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ ‬كن قويا من دون تخشب ومرنا من دون ميوعة‪.‬‬
‫ُ‬
‫كن مرنا فعندما تموت الشجرة الخضراء املرنة تتحول إلى مادة‬
‫صلبة متخشبة تصلح أن تكون حطبا فقط‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪50‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫كن متوازنا‬

‫التوازن أساس الحزم؛ ألن النوازع التي تحرك الحازمين هي نوازع‬


‫الرزانة والعدل واإلنصاف‪.‬‬

‫التوازن هو حالة استقرار بين قوى متعددة ومتكاملة‪ ،‬وهو‬


‫التناسب الدقيق بين أشياء متناقضة‪ .‬ويوجد التوازن دائما في املسافة‬
‫املمتدة بين طرفين متطرفين‪ .‬التوازن حكمة‪ ،‬والحكمة توجد دائما بين‬
‫رذيلتين‪.‬‬

‫ومجاالت التوازن متعددة منها‪:‬‬


‫ً‬ ‫ُ‬
‫‪ ‬كن متوازنا في مشاعرك وأفكارك ومواقفك‪.‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫‪ ‬كن متوازنا في عقلك وإرادتك وقدرتك‪.‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫‪ ‬كن متوازنا في رؤيتك ورسالتك وقيمك‪.‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫‪ ‬كن متوازنا بين املاض ي والحاضر واملستقبل‪.‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫‪ ‬كن متوازنا بين أهدافك وأفعالك‪.‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫‪ ‬كن متوازنا بين ممارساتك ونتائجك‪.‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫‪ ‬كن متوازنا بين مثاليتك وواقعيتك‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪51‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫ً‬ ‫ُ‬
‫‪ ‬كن متوازنا بين أداء واجباتك واستخالص حقوقك‪.‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫‪ ‬كن متوازنا بين ما أنت عليه وما تملك‪.‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫‪ ‬كن متوازنا بين ذكائك وحسيتك‪.‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫‪ ‬كن متوازنا بين حضورك وغيابك‪.‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫‪ ‬كن متوازنا بين هدوئك وحيويتك‪.‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫‪ ‬كن متوازنا بين مرونتك وصرامتك‪.‬‬

‫ولتعزيز التوازن في حياتك يوص ي فقه الحزم بااللتزام باملبادئ‬


‫والعادات اآلتية‪:‬‬

‫‪ ‬وضوح الرؤية؛ فالرؤية الواضحة تمنحك توازنا‪ ،‬والغموض في‬


‫الرؤية يفقدك التوازن‪ .‬ويجب أن تكون الرؤية نفسها متوازنة‪.‬‬

‫‪ ‬االنفتاح على كل أنواع القيم‪ :‬الروحية واألخالقية والعقالنية‬


‫والعملية والجمالية‪.‬‬

‫‪ ‬االنفتاح على كل مجاالت تطبيق القيم‪ :‬الشكل األمثل لإلنجاز‪،‬‬


‫والشكل األمثل للعالقات‪ ،‬والشكل األمثل للتنظيم‪.‬‬

‫‪ ‬تحديد األولويات؛ األهم ثم املهم‪.‬‬


‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪52‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ ‬تخطيط األهداف‪ ،‬يوميا وأسبوعيا وشهريا وسنويا بشكل واقعي‬


‫ومرن ومتوازن‪.‬‬

‫‪ ‬تنظيم الوقت؛ التوزيع املتوازن للوقت‪ ،‬مع احترام واجب كل‬


‫وقت‪.‬‬

‫‪ ‬خرق العادة‪ :‬الحذر من املربعات املريحة والعادات الجارفة‪.‬‬

‫‪ ‬تعلم أن تقول ال‪ ،‬متى قدرت أن نعم ستفقدك توازنك‪.‬‬

‫‪ ‬التأمل والتقييم والتقويم املستمر للذات‪ ،‬من خالل سويعة في‬


‫اليوم‪ ،‬ولتكن مثال قبل النوم‪ ،‬نستعرض فيها شريط أعمال اليوم‬
‫وأحداثه للتأمل والتقييم‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪53‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫كن صريحا‬

‫للصراحة بعدان‪:‬‬

‫‪ ‬الصراحة في العالقات الشخصية‪.‬‬

‫‪ ‬الصراحة في سياق تنظيمي مؤسس ي‪.‬‬

‫على مستوى العالقات الشخصية ليست الصراحة أن تقول كل ما‬


‫تعتقد‪ ،‬وإنما أن تعتقد كل ما تقوله‪ .‬الصراحة من حيث املبدأ فضيلة‬
‫لكن عمليا نكون قد ارتكبنا حماقة كبيرة عندما نخطئ الشخص‬
‫املناسب واملوضوع املناسب واللحظة املناسبة عند قولنا الصراحة‪.‬‬
‫الصراحة في العالقات الشخصية بدون حكمة تصنع األعداء‪ ،‬فكن‬
‫حكيما في صراحتك حتى ال تندم عندما تجد نفسك في ورطة بسبب‬
‫صراحتك‪ .‬بين الصراحة والغباء خيط رفيع‪.‬‬

‫أما على املستوى التنظيمي فالصراحة رافعة أساسية للعالقات‬


‫ّ‬
‫الفعالة في القيادة وداخل فرق العمل‪ .‬كن واضحا في كفاءتك ونواياك‬
‫مع فريقك وشركائك‪ ،‬وتقاسم معهم نظام العمل وأسلوبه وأهدافه‬
‫ُ ْ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫ووسائله‪ .‬كن صريحا‪ ،‬وال تخف نيتك الحقيقية‪ .‬الوضوح يبني الثقة‪،‬‬
‫والغموض يدمر املشاريع املشتركة والشراكات‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪54‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫كن شجاعا‬

‫عندما تحل العاصفة يتصرف كل شخص على طبيعته‪:‬‬

‫‪ ‬البعض يختبئ‪.‬‬

‫‪ ‬والبعض يهرب‪.‬‬

‫‪ ‬والبعض يواجه بشجاعة‪.‬‬


‫ً‬ ‫ً‬
‫الحازم يواجه بشجاعة‪ ،‬ثابتا ومثابرا في مواجهته‪ ،‬ال يتزعزع عن‬
‫خط سيره مهما كانت املخاطر والعقبات‪ ،‬وال ينسحب إن هرب البعض أو‬
‫اختبأ‪ ،‬وال يهاب املواجهة مهما كانت املخاطر‪ ،‬وال يتقدم بحثا عن زعامة‬
‫أو شهرة‪.‬‬

‫الشجاع شخص مسؤول‪ ،‬حيوي من غير تهور‪ ،‬ويتحمل‬


‫مسؤولية أفعاله‪ ،‬وال يورط من معه في مغامرات طفولية أو مراهقة‪.‬‬

‫الشجاع شخص جامع‪ ،‬حوله يتألف الفريق ويستقر‪ ،‬ومنه تشيع‬


‫َ‬
‫الثقة وتنعقد اإلرادة‪َ .‬وتد يمنع بشجاعته الخيمة أن تعصف بها الرياح‪.‬‬
‫ّ‬
‫الشجاع شخص مثابر‪ ،‬له من قوة اإلرادة وطول النفس ما ُي َم ِّكنه‬
‫من إنجاز املهمات حتى النهاية‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪55‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫كن َمرحا‬
‫َ َّ‬ ‫ُ‬
‫فت َعلم كيف تجعل‬ ‫روح املرح تخفف ما في الحزم من ِّجدية‪،‬‬
‫صنع أو تقليد أو‬ ‫محيطك ينشرح باستخدام روح الدعابة‪ ،‬ودون َت َ‬
‫خلفيات‪.‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫الحازم الذي يملك حس املرح وعفوية الدعابة ال تثقل كاهله كثيرا‬
‫أعباء الحزم‪ ،‬كما يكسب بمرحه مع محيطه ُود العاملين معه ومحبتهم‬
‫ويرتاحون للعمل معه‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫لكن أن تكون مرحا اليعني أن تكون طفال‪ ،‬فالطفل األبدي‬
‫يتصرف بروح املرح على كل أحواله وفي كل مواقفه‪ ،‬وهذا يجعله شخصا‬
‫غير حازم ألنه غير جدي باملواقف التي تطلب ذلك‪ ،‬وال يستطيع ضبط‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫نفسه بكل جدية مع األمور‪ ،‬فكن مرحا ال طفال‪.‬‬

‫صحيح أن الطفل بداخلنا عامل إحياء وإبداع‪ ،‬فهو مصدر حس‬


‫املرح وعفوية الدعابة‪ ،‬لكنه يصبح عدوا للذات عندما يمسك القيادة‬
‫ويطلق أجنحة مشاعره ورغباته بدون ضابط ومراقبة وتحكم‪.‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫كن َم ِّرحا لكن دون تضخيم لغرائز الطفل الذي يوجد بداخلك‬
‫ومشاعره‪ ،‬ألن الطيبة الساذجة‪ ،‬في حقيقتها النفسية‪ ،‬ليست سوى‬
‫تضخيم للعاطفة املجنحة لحالة الطفل فينا وتحرير لرغباته بشكل‬
‫مطلق‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪56‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫كن شاهدا‬

‫الناس كإبل مائة ال تكاد تجد فيها راحلة‪.‬‬

‫أغلب الناس ال تحمل إال َه َّمها الشخص ي‪ ،‬وقليل ممن يحملون‬


‫ً‬ ‫ّ‬
‫هما عاما ينجحون في التحرر من ضغوطات الحياة وإكراهات الحاجة‪.‬‬
‫الهم الشخص ي ّ‬
‫والهم الجماعي‪،‬‬ ‫الحازمون وحدهم ينجحون في الجمع بين ّ‬
‫الهمين في حضور فاعل ومؤثر ُيعطي النتائج‬
‫وفي ترجمة هذا الوصال بين ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫ويترك األثر‪ ،‬فكن حاضرا بنتائجك شاهدا بأثرك‪.‬‬

‫أن تكون شاهدا معناه أن تترك أثرا في حياتك وبعد موتك يساهم‬
‫في تغيير حياة الناس وواقعهم لألفضل‪ ،‬ولتعزيز هذا الحضور وترك األثر‬
‫يوص ي فقه الحزم بااللتزام باملبادئ اآلتية‪:‬‬

‫‪ ‬األعمال السطحية ال تترك أثرا‪ ،‬لتكن أعمالك عميقة‪.‬‬

‫‪ ‬الجهود املشتتة واملتناثرة والتي ال يجمعها مشروع متكامل ال تترك‬


‫أثرا‪ ،‬لتكن أعمالك متكاملة وضمن مشروع شمولي ورؤية واضحة‪.‬‬

‫‪ ‬األعمال املتقطعة ال تترك أثرا‪ ،‬لتكن أعمالك مستمرة ومستدامة‪.‬‬

‫‪ ‬لن يبلغ األثر الذي ستترك مداه إال إذا كانت أعمالك تتميز بالعمق‬
‫والتكامل واالستمرارية‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪57‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫كن معطاء‬
‫ُ‬
‫فكن ِّم ً‬ ‫من كمال الحزم العطاء‪ُ ،‬ي ّ‬
‫عطاء‪ ،‬في دعمك‬ ‫كمله ويلطفه‪،‬‬
‫لآلخرين‪ ،‬وتشجيعهم‪ ،‬وتعليمهم‪ ،‬وتقديم الفرص لهم‪ ،‬ومنحهم‬
‫االستقاللية‪ ،‬لكن بشكل صحيح‪.‬‬

‫العطاء حياة‪ ،‬فنحن نعطي لنحيا‪ ،‬ونعطي لنشعر بأننا أفضل مما‬
‫كنا عليه‪ ،‬وال ش يء يقود إلى الفناء أكثر من املنع واالمتناع‪.‬‬

‫يميل الحازمون إلى القيام بواجب العطاء ويستمتعون بذلك‪،‬‬


‫ويتقاسمون أفضل ممارساتهم‪ .‬لكن مساعدة الجميع في كل ش يء وتقاسم‬
‫كل ش يء ليست من الحزم‪ .‬فالسلطة مثال يصعب تقاسمها دون مخاطر‪،‬‬
‫لذلك يجب دائما تحليل املخاطر قبل التقاسم‪ ،‬واتخاذ إجراءات إدارة‬
‫هذه املخاطر حفاظا على مصالحك‪.‬‬

‫ولتعزيز "العطاء الصحيح" يوص ي فقه الحزم بااللتزام باملبادئ‬


‫اآلتية‪:‬‬
‫‪ُ ‬كن ِّم ً‬
‫عطاء حتى ال يتملكك ما تملك‪ .‬إن كل ما ال نستطيع إعطاءه‬
‫يتملكنا‪.‬‬

‫‪ ‬عطاؤك يعود إليك‪ ،‬وبقدر ما تعطي تغتني‪ ،‬وكلما تقاسمت أكثر‬


‫امتلكت أكثر‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪58‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ ‬ليس العطاء من الفضول سماحة حتى تجود وما لديك قليل‪.‬‬

‫‪ ‬قيمة العطاء في توقيته‪.‬‬


‫‪ ‬ال تعط سمكة بل علم طرق ّ‬
‫الصيد الفعال؛ فالخبز املأكول ينتهي‬
‫بسرعة‪.‬‬

‫‪ ‬أفضل العطاء أن تساهم في إقامة العدل‪ .‬العدل مطلب اجتماعي‬


‫والعطاء قيمة أخالقية‪ ،‬فال تنسيك القيمة األخالقية عن املطلب‬
‫االجتماعي‪.‬‬

‫‪ ‬مساعدة الجميع في كل ش يء وتقاسم كل ش يء ليست من الحزم‪،‬‬


‫حلل املخاطر قبل التقاسم‪ ،‬واتخذ إجراءات إدارة هذه املخاطر‬
‫حفاظا على مصالحك‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪59‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫ال تكن طيبا‬

‫الطيبون أصحاب نوايا بريئة وآمال ساذجة‪ ،‬ال يتعلمون من‬


‫ً‬ ‫ً‬
‫الحياة ومعاركها إال نوعا واحدا من الدروس هي دروس املحبة‪ ،‬وهم ال‬
‫ينجحون في تعلم غير ذلك ألن استراتيجيتهم الوحيدة في املواجهة هي‬
‫التمترس خلف املواقع اآلمنة‪.‬‬

‫الطيبون يتفانون في أداء واجباتهم ويتسامحون في حقوقهم‪ ،‬ألن‬


‫النوازع التي تحركهم هي العطف والحنان والرحمة والوداعة والقناعة‪ .‬إن‬
‫الشخص الذي يتنازل عن حقه هو شخص غير مسؤول بنفس قدر‬
‫المسؤولية الشخص الذي يتهرب من أداء واجبه‪ ،‬ألن الحق والواجب‬
‫وجهان لحقيقة واحدة‪ِّ .‬اعرف حقوقك وتمسك بها‪ ،‬واعرف واجباتك وقم‬
‫بأدائها‪.‬‬
‫سلبيا ْأب َل ًها ُم َّ‬
‫غفال‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ال تكن طيبا مستسلما صامتا منقادا وديعا‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫ً‬
‫الحازم شخص واثق بنفسه‪ ،‬ال يكون مستسلما يتنازل عن حقه‪ ،‬وال‬
‫وديعا ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫منقادا ُي ْف َعل به وال َي َ‬ ‫ً‬
‫يتغول عليه‬ ‫فعل‪ ،‬وال‬ ‫صامتا ال رأي له‪ ،‬وال‬
‫ْ َ ً ُ َّ ً‬
‫غفال ُيلدغ من نفس‬ ‫املاكرون‪ ،‬وال سلبيا يهرب من املواجهة‪ ،‬وال أبلها م‬
‫الجحر في عود أبدي ال يكاد ينتهي إال ليبدأ من جديد‪.‬‬

‫ولكي تنجح في تجنب الطيبة وإغرائها يوص ي فقه الحزم بااللتزام‬


‫باملبادئ اآلتية‪:‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪60‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ ‬ال تشغلك الحاجات اإلنسانية كالحوار واملحبة القوانين‬


‫االجتماعية كالصراع‪.‬‬

‫‪ ‬ال تجعل األمن هدفك‪ ،‬فاألمن للجبناء والحرية للشجعان‪.‬‬

‫‪ ‬ال تفكر بعقلية "صفر مخاطر" وإنما فكر بعقلية إدارة املخاطر‪.‬‬

‫‪ ‬الحقوق والواجبات متالزمان ووجهان لحقيقة واحدة‪ ،‬فال تكن‬


‫من الذين يتفانون في أداء واجباتهم ويتسامحون في حقوقهم‪.‬‬

‫‪ ‬تعلم أن تقول ال حينما يكون ذلك ضروريا‪.‬‬

‫‪ ‬تحكم في غضبك‪ ،‬فالغضب هو أول جالد للطيبين‪.‬‬

‫‪ِّ ‬احرص أن يكون لك رأي دائما‪ ،‬وال تتنازل عن حقك في أن يكون‬


‫لك رأي وموقف‪.‬‬

‫‪ ‬ال تكن شخصا بسيطا وخدوما لدرجة استغالل اآلخرين لك‪.‬‬

‫‪ ‬ال تهرب من املواجهة بحثا عن سالم وانسجام بأي ثمن‪.‬‬

‫‪ ‬ال تحرص على التنازل عن حقك لتظهر بمظهر جيد أمام الناس‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪61‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ ‬عندما ندعوك للخروج من الطيبة الساذجة والتحرر من إغرائها‪،‬‬


‫فال تعتقد بأنك ستضيع إلى األبد في بحر املكر‪ .‬لسنا مجبرين على‬
‫االختيار بين شرين‪ ،‬فبين الطيبة واملكر خيار ثالث هو الحزم‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪62‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫ال تكن عنيفا‬


‫ً‬
‫ال يكون الحازم سلبيا يهرب من املواجهة‪ ،‬لكن ال يكون أيضا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫عدوانيا يواجه بعنف‪ ،‬وإنما يكون جامعا لصفتين يصعب الجمع بينهما‪:‬‬
‫الحيوية والهدوء‪.‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫ال تكن عدوانيا وعنيفا‪ ،‬ألن العدوانية والعنف تعبير عن ضعف ال‬
‫عن حزم‪ ،‬والحازمون لديهم القدرة على التعبير عن مشاعرهم ومواقفهم‬
‫ومصالحهم بقوة وحيوية لكن بهدوء واحترام لآلخر‪.‬‬

‫وأصحاب السلوك العنيف نوعان‪:‬‬

‫‪ ‬عنف بالطبع ثابت‪.‬‬

‫‪ ‬عنف بالتطبع عابر‪.‬‬

‫قد يمر بك أحيانا ظرف قاهر تفقد معه توازنك‪ ،‬فتصدر منك‬
‫سلوكيات عنيفة‪ .‬إن مثل هذه التجارب العنيفة عاطفيا هي فرصتك‬
‫إلعادة بناء استقرارك النفس ي على أساس السلوك الحازم‪ ،‬أما إذا كنت‬
‫صاحب طبع عنيف فكان هللا لك وملن حولك‪.‬‬

‫ولكي تنجح في تجنب العنف وأسره يوص ي فقه الحزم بااللتزام‬


‫باملبادئ والطرق اآلتية‪:‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪63‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ِّ ‬افهم عواملك الذاتية أوال من غرائز ومشاعر‪ ،‬فهذا يساعدك على‬
‫اكتشاف الجذور النفسية للعنف في شخصيتك‪.‬‬

‫‪ِّ ‬افهم تربيتك االجتماعية في األسرة واملدرسة والحي وتجاربك‬


‫الشخصية‪ ،‬فهذا يساعدك على اكتشاف الجذور االجتماعية‬
‫والثقافية للعنف في شخصيتك‪ .‬إن عادات التفكير والتواصل التي‬
‫تؤدي إلى استخدام العنف مصدرها التربية االجتماعية التي‬
‫تلقيناها في طفولتنا‪.‬‬

‫‪ ‬انتبه للفرق بين العنف والقوة‪ ،‬العنف رذيلة أما القوة ففضيلة‪،‬‬
‫وهي سلوك حازم يحقق الهدف دون أن يضر باآلخرين‪.‬‬

‫‪ِّ ‬اعرف االستراتيجيات الفعالة لتحقيق أهدافك وتلبية حاجاتك‬


‫دون اإلضرار باآلخرين‪.‬‬

‫‪ ‬بين الصراحة والوقاحة خيط رفيع أحيانا‪ ،‬فال تكن وقحا وتعتقد‬
‫أنك تمارس الصراحة‪.‬‬

‫‪ ‬انتبه للفرق بين النقد واالنتقاد‪ ،‬االنتقاد رذيلة فكرية والنقد مهارة‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫فكرية‪ ،‬فكن ناقدا ال منتقدا‪.‬‬

‫‪ ‬تعلم اإلنصات وطور قدرتك على ممارسته‪ ،‬واعلم أن قدرتك على‬


‫اإلنصات أهم وأفيد من قدرتك على الجدل‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪64‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ ‬من املهم أن يكون لك رأي لكن من القبح أن تفرض رأيك‪ ،‬ومن‬


‫املهم أن تكون لك كلمتك لكن من الوقاحة أن تحرص دائما أن‬
‫تكون لك الكلمة األخيرة‪.‬‬

‫‪ ‬ال تنتقم لنفسك فاالنتقام ضعف‪ ،‬وغالبا يدمر االنتقام صاحبه‪.‬‬

‫‪ ‬الصراع قانون اجتماعي غايته التدافع الذي يجلب املصلحة ال‬


‫التدمير الذي يجلب املفسدة‪.‬‬

‫‪" ‬التواصل غير العنيف" ملارشال روزنبرغ طريقة علمية وعملية‬


‫فعالة تساعد على تعزيز التواصل االجتماعي غير العنيف‪،‬‬
‫فاستفد منها‪.‬‬

‫‪" ‬التحليل التعاملي" إلريك بيرن طريقة علمية وعملية فعالة أيضا‬
‫تساعدك على فهم حاالت األنا عندك وأنظمة القيادة الذاتية‬
‫لديك وطرق تواصلك وألعابك النفسية‪ ،‬فاستفد منها‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪65‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫ال تكن ماكرا‬

‫املكر هو أن تدفع اآلخر إلى فعل ما فيه مصلحة مشتركة مع جعله‬


‫يعتقد أنه يفعل ما فيه مصلحته الشخصية (املكر الحسن)‪ ،‬أو أن‬
‫تدفعه إلى فعل ما فيه مصلحتك الشخصية مع جعله يعتقد أنه يفعل ما‬
‫فيه مصلحته الشخصية (املكر الس يء)‪.‬‬

‫لكن رغم وجود املكر الحسن فإن املاكر غالبا ما تتغلب إغراءات‬
‫املصلحة الشخصية على رغباته الذاتية‪ ،‬فيخلط ما بين شخصه‬
‫ومصلحته وما بين املصلحة املشتركة‪ ،‬فيمكر ملصلحته الشخصية بدل أن‬
‫يمكر للمصلحة املشتركة‪ُ ،‬وي َق ِّّدم مصلحته الشخصية على املصلحة‬
‫املشتركة‪ .‬وتبلغ مساوئ هذا الخلط مداها إذا كان املاكر يقود هيئة أو‬
‫منظمة‪ ،‬فيس يء استعمال السلطة‪ ،‬وعندها يصبح‪ ،‬بوعي منه أو بدون‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫وعي‪ ،‬وبقصد منه أو بدون قصد‪ ،‬بابا إليواء االنتهازيين املستعدين لتملقه‬
‫فيرفعهم ويقدمهم‪ ،‬ويؤخر أصحاب الكفاءة‪ ،‬وتصبح املنظمة مرتعا‬
‫للمحسوبية واالستغالل‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫إن الحزم أعمق أصالة من املكر‪ ،‬وأرفع مقصدا‪ ،‬وأوسع منبسطا‪،‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫فكن حازما وال تكن ماكرا‪.‬‬

‫ولكي تنجح في تجنب املكر وإغرائه يوص ي فقه الحزم بااللتزام‬


‫باملبادئ اآلتية‪:‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪66‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ ‬ال تتالعب بمشاعر اآلخرين وأفكارهم ومصالحهم‪.‬‬

‫‪ ‬ليكن لك موقفك املبدئي املستقل بقطع النظر عن موازين القوى‪.‬‬

‫‪ ‬اللباقة مهارة اجتماعية إيجابية فال تستخدمها لتحقيق مصالحك‬


‫الشخصية‪.‬‬

‫‪ ‬املجامالت واالبتسامات واإلطراء مهارات اجتماعية جيدة‬


‫نستخدمها لتعزيز السلم واملحبة ال للحصول على ما نريد‪.‬‬

‫‪ ‬ال تلعب األدوار الدرامية لتحقيق أهدافك الشخصية‪.‬‬

‫‪ ‬ال تبالغ في تقدير الوقائع وتشويه الحقائق لتحقيق أهدافك‪.‬‬

‫‪ ‬القدرة على اإلقناع والتأثير على اآلخرين مهارات حياتية مهمة‬


‫استخدمها بضوابط أخالقية‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ ‬كن واضحا في نواياك وأهدافك مع شركائك‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪67‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫ال تلعب األدوار الدرامية‬

‫األدوار الدرامية مدمرة للذات وللعالقات البشرية‪ ،‬فهي عبارة عن‬


‫أنماط من التفاعالت السلبية واأللعاب النفسية التي ترتكز على‬
‫االضطهاد أو التآمر أو اإلنقاذ‪.‬‬

‫واألدوار الدرامية ثالثة‪:‬‬

‫‪ ‬دور الضحية‪ :‬شعاره أنا مظلوم ومضطهد ومسلوب اإلرادة وجميع‬


‫من حولي يتآمر علي‪.‬‬

‫‪ ‬دور الجالد‪ :‬شعاره إنما العاجز من ال يستبد‪ ،‬واآلخرون‬


‫يستحقون ما يحدث لهم من مأساة‪ ،‬وال يصلح للبشر إال‬
‫االستبداد بهم‪.‬‬

‫‪ ‬دور املنقذ‪ :‬شعاره أنا مكلف ومسؤول عن إنقاذ اآلخرين‪.‬‬

‫واألدوار الدرامية هي لعبة نفسية تدمر التواصل والعالقات في‬


‫جماعة أو بين شخصين قادرين على تبادل لعب األدوار الثالثة‪ ،‬وتتم هذه‬
‫األدوار على مستوى الوعي أو الالوعي لكنها إرادية‪.‬‬

‫وتدمر هذه األدوار التواصل والعالقات‪ ،‬ألن الشخص عندما‬


‫يلعب دورا يفرض على الطرف اآلخر أن يلعب دورا تكميليا‪ ،‬فعندما تلعب‬
‫مع زميلك أو شريكك دور الضحية فأنت تفرض عليه لعب دور املنقذ أو‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪68‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫الجالد‪ ،‬لذلك بدل أن تلعب األدوار الدرامية ّ‬


‫عبر بقوة ووضوح ومسؤولية‬
‫عن أفكارك ومشاعرك ومصالحك‪.‬‬

‫إن سلوكيات اإلنسان مرتبطة بأدواره في الحياة وما يرتبط بهذه‬


‫األدوار من ألعاب نفسية‪ .‬واألدوار الدرامية ما هي إال ألعاب نفسية‬
‫َ‬
‫واستعدادات للذات تصنع ق َد َرها من خاللها‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪69‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫ال تلعب دور الضحية‬

‫أنا مظلوم ومضطهد ومسلوب اإلرادة وجميع من حولي يتآمر علي‪..‬‬


‫هذا هو لسان حال العب دور الضحية‪ ،‬وهو غير الشخص الذي يعبر عن‬
‫الظلم الواقع عليه بدون إرادته‪.‬‬

‫الضحية شخص اتكالي وكثير الشكوى‪ ،‬يحمل معه شعوره بالعجز‬


‫واليأس والخجل وكل أنواع املشاعر واألفكار السلبية‪ ،‬ويعتقد أنه غير‬
‫قادر على اتخاذ قرارات وعاجز عن حل مشكالته‪ ،‬وهو فوق كل ذلك‬
‫شخص ال يستمتع بحياته‪ .‬أما أخالقياته فهي عدم تحمل املسؤولية‬
‫والتالعب واالستغالل‪.‬‬

‫إن لعب دور الضحية خطير على الذات والغير‪ ،‬وهو ككل األلعاب‬
‫الدرامية يدمر العالقات؛ فعندما تلعب مع الغير دور الضحية فأنت‬
‫تغريه ليلعب معك دور املنقذ أو الجالد‪.‬‬
‫َ‬
‫وللتحرر من أ ْس ِّر هذا الدور نتبع املبادئ واألدوات اآلتية‪:‬‬

‫‪ ‬حاول أن ترى الجوانب اإليجابية في وضعيتك‪ ،‬لتكتمل عندك‬


‫الصورة بشكل متوازن‪.‬‬

‫‪ ‬وضعيتك صعبة فعال‪ ،‬وليس أمامك سوى التساؤل ما العمل‬


‫للخروج منها‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪70‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ ‬تعلم أن تعتمد على نفسك‪ ،‬وال تنتظر املساعدة من أحد‪.‬‬

‫‪ ‬االمتناع عن اتخاذ أي قرار ليس قرارا‪ ،‬حدد موقفك عندما يكون‬


‫ذلك ضروريا‪.‬‬

‫‪ ‬حدد واجباتك وأهدافك الشخصية مع نفسك بدقة‪ ،‬وحدد‬


‫مهامك وأهدافك مع شركائك بوضوح‪.‬‬

‫‪ ‬محاوالتك ال تشفع‪ ،‬ألن املهم هو النتائج‪.‬‬


‫‪ ‬بدل أن تلعب األدوار الدرامية ّ‬
‫عبر بقوة ووضوح ومسؤولية عن‬
‫أفكارك ومشاعرك ومصالحك‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪71‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫ال تلعب دور الجالد‬

‫إنما العاجز من ال يستبد‪ ،‬واآلخرون يستحقون ما يحدث لهم من‬


‫مأساة‪ ،‬وال يصلح للبشر إال االستبداد بهم‪ ..‬هذا هو لسان حال العب دور‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫شخصا ذاتيا لكن الدور قد يلعبه إدمان أو‬ ‫الجالد‪ ،‬والجالد أساسا يكون‬
‫مرض‪.‬‬

‫الجالد شخص ال يتحكم في انفعاالته العنيفة‪ ،‬كثير الغضب‪،‬‬


‫سريع الضجر‪ ،‬يرى نفسه دائما على صواب ويرى غيره على خطأ‪ ،‬ال يتقبل‬
‫وجهات نظر اآلخرين ويفرض وجهة نظره‪ ،‬وهو دائم اللوم‪ ،‬ويسعى إلى‬
‫االنتقام من اآلخرين أو اضطهادهم‪ ،‬ويتلذذ بهذا االنتقام واالضطهاد‪.‬‬

‫أما أخالقياته فهي األنانية واالستبداد والعنف‪.‬‬

‫إن لعب دور الجالد خطير على الذات والغير‪ ،‬وهو ككل األلعاب‬
‫الدرامية يدمر العالقات؛ فعندما تلعب مع الغير دور الجالد فأنت تغريه‬
‫ليلعب معك دورالضحية أو املنقذ‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ر‬
‫وللتحرر من أس ِّر هذا الدو نتبع املبادئ واألدوات اآلتية‪:‬‬

‫‪ ‬اعترف باآلخرين وبحقهم في الوجود بشكل واضح وصادق‪.‬‬

‫‪ ‬من حق اآلخرين أن يكون لهم رأي مخالف لرأيك‪ ،‬وموقف مخالف‬


‫ملوقفك‪ ،‬ومصالح مخالفة ملصالحك‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪72‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ ‬ال تتدخل فيما ال يعنيك‪ ،‬وال تقحم نفسك في مشاكل اآلخرين‪ ،‬وال‬
‫تنصب نفسك شرطيا أو قاضيا على اآلخرين‪.‬‬

‫‪ ‬انتبه إلى أن الكثير من الناس من حولك تتحملك أدبا منها ال خوفا‬


‫منك‪.‬‬

‫‪ ‬حاول أن ترى األحداث والوقائع بشكل موضوعي ودون انحياز‪.‬‬

‫‪ ‬من الذكاء أحيانا عدم االنحياز ألي طرف‪ ،‬والحفاظ على نفس‬
‫املسافة تجاه الجميع‪.‬‬

‫‪ ‬حاول أن يكون لك حظ من عاطفة املحبة‪ ،‬وأال تحرم نفسك من‬


‫العواطف اإلنسانية‪.‬‬
‫َ َّ‬
‫‪ ‬ت َعلم التواصل غير العنيف‪ .‬توجد دائما خيارات بديلة عن العنف‪.‬‬

‫‪ ‬إن كسب قلب أفضل من تسجيل موقف‪.‬‬


‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪73‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫ال تلعب دور املنقذ‬

‫أنا مكلف ومسؤول عن إنقاذ اآلخرين‪ ..‬هذا هو لسان حال العب‬


‫دور املنقذ‪ ،‬وهو غير الشخص الذي يحب مساعدة الناس‪.‬‬

‫املنقذ شخص ُي َح ِّّمل نفسه فوق طاقتها‪ ،‬يبالغ بالعطاء‪ ،‬ال‬


‫يستطيع قول ال‪ ،‬يتحمل مسؤولية أحداث وأشخاص ال تقع تحت‬
‫مسؤوليته‪ ،‬ال يستطيع رسم حدودفاصلة‪ ،‬يشعر بأنه مذنب إذا لم يبادر‬
‫إلى عملية اإلنقاذ‪.‬‬

‫أما أخالقياته فهي األنانية‪ ،‬وتبرير وجوده من خالل ضحايا‬


‫ومضطهدين‪ ،‬وفرض مساعدته على اآلخرين دون أن يطلبوا منه ذلك‪.‬‬

‫إن لعب دور املنقذ خطير على الذات والغير‪ ،‬وهو ككل األلعاب‬
‫الدرامية يدمر العالقات؛ فعندما تلعب مع الغير دور املنقذ فأنت تغريه‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫ليلعب معك دورالضحية‪ ،‬وتبقيه معتمدا عليك وتمنحه إذنا بالفشل‪.‬‬
‫ُ‬
‫كما أن دور املنقذ يجعلك تنس ى مشاكلك واحتياجاتك وت َق ّنعها باالهتمام‬
‫بمشاكل واحتياجات اآلخرين‪.‬‬
‫َ‬
‫وللتحرر من أ ْس ِّر هذا الدور نتبع املبادئ واألدوات اآلتية‪:‬‬

‫‪ ‬حاول أن ترى الجوانب السلبية في دور املنقذ الذي تقوم به‪،‬‬


‫لتكتمل عندك الصورة بشكل متوازن‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪74‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫ُ‬
‫‪ ‬تأكد أوال أن املشكلة التي تقحم نفسك في حلها تقع فعال تحت‬
‫ُ‬
‫مسؤوليتك‪ ،‬فال تقحم نفسك في أمور لست مسؤوال عنها‪.‬‬

‫‪ ‬تأكد أن انشغالك بمشاكل اآلخرين ليس هروبا من مشاكلك‪.‬‬

‫‪ ‬دع اآلخرين يتحملون مسؤولية حياتهم ويعملون على حل‬


‫مشاكلهم بأنفسهم‪ ،‬فالناس عموما تستطيع حل مشاكلها بنفسها‬
‫إذا أعطيت الوقت الكافي والوسائل الالزمة‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪75‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫الفصل الثاني‪ :‬ما الذي يجب أن أعرفه؟‬


‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪76‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫الفصل الثاني‪ :‬ما الذي يجب أن أعرفه؟‬


‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪77‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫املعرفة العميقة األولى‪ :‬معرفة الذات‬


‫ُ‬ ‫ً‬
‫الحازم ليس شخصا بدون عيوب‪ ،‬فال داعي للمثاليات املجنحة‪.‬‬
‫ً‬
‫الحازم ببساطة هو شخص يعرف ذاته جيدا‪ ،‬ويعرف نقط قوته وكيف‬
‫يستثمرها‪ ،‬ونقط ضعفه وكيف يراقبها ويضبطها‪.‬‬

‫ِّاعرف نفسك‪ ،‬وإال ستواجه الهزيمة في كل معركة‪ ،‬وال تنس أنه ال‬
‫توجد رحلة أبعد وأعمق وأخطر من رحلة اكتشاف الذات؛ فبداخلنا‬
‫مجرات ضخمة من العادات واالستعدادات‪ ،‬ومحيطات شاسعة من‬
‫املشاعر والعواطف‪ ،‬وقارات غير مكتشفة من املصالح‪ ،‬وأنفاق مظلمة‬
‫من املعتقدات واألوهام‪ ،‬وأن تعرف ذاتك معناه أن تكتشف عاداتك‬
‫واستعداداتك ومشاعرك ومصالحك ومعتقداتك‪ ،‬وهي كلها متقلبة بتقلب‬
‫أحوالك النفسية وتجاربك الشخصية ومستوى نضجك ووعيك‪.‬‬
‫واعلم أن معرفة الذات ال تتم بكمالها ّ‬
‫وفعاليتها إال في قلب‬
‫الحية والعالقة مع اآلخر‪ ،‬ففي اكتشافنا لآلخر‬ ‫التجربة الشخصية ّ‬
‫نكتشف ذاتنا‪ ،‬ونحن نتعرف على ذاتنا من خالل ما يزعجنا في اآلخر الذي‬
‫يختلف عنا في عاداته واستعداداته ومشاعره ومصالحه ومعتقداته‪ ،‬ومن‬
‫الخطأ توهم إمكانية معرفة الذات في عزلة شعورية بطولية مفرطة‪.‬‬
‫إن معرفة الذات ال تتحقق بعمق إال في تجارب ّ‬
‫حية ومتعددة‬
‫ومتنوعة وغنية باملعاناة الفكرية واملشاعر العنيفة‪ ،‬لكن الناس تتجنب‬
‫بطبيعتها املعاناة‪ ،‬أي تتجنب التجارب الحية والغنية التي تتيح لها فرصة‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪78‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫اكتشاف الذات ومعرفتها‪ ،‬وحتى عندما تتاح لها تجربة معاناة حقيقية‬
‫فإنها تنشغل بمعاناتها عن استخالص الدرس وتطوير الذات‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪79‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫اعرف استعداداتك وطورها‬

‫ملفهوم "االستعداد" قدرة علمية تفسيرية وقوة عملية تغييرية ال‬


‫نجدهما في مفهوم "الكفاية ‪"Competence‬؛ فعندما نستبدل االستعداد‬
‫بالكفاية نفهم بسهولة الكثير من الظواهر الغريبة وغير املفهومة‪ ،‬ونحمي‬
‫تفكيرنا من الوقوع في الكثير من األخطاء‪ ،‬ونسلح تخطيطنا بالكثير من‬
‫الفعالية والكفاءة‪.‬‬

‫إن االستعدادات هي بنيات ذاتية تحدد قابليات األفراد للقيام‬


‫بأفعال أو ردود أفعال في وضعيات محددة‪ .‬ففي مجال القيادة مثال‪،‬‬
‫االستعدادات هي حالة من التهيؤ الفكري والنفس ي والعملي والجسدي‬
‫ً‬
‫يكون فيها الشخص قادرا على ممارسة القيادة بفعالية وكفاءة‪ .‬بتعبير‬
‫آخر‪ ،‬حالة أو مجموعة من الصفات الدالة على قابلية الفرد ‪ -‬مع ش يء‬
‫من التدريب ‪ -‬على اكتساب معارف ومهارات وقيم وأدوار القيادة‪ .‬إنها‬
‫إمكانات الفرد للقيادة عندما ُي َز َّود بالتدريب والتأهيل املناسبين‪.‬‬

‫إن أعمق ما في ذات اإلنسان استعداداته‪ ،‬ففيها تسكن عبوديته‬


‫وحريته‪ .‬وأخطر ما في استعدادات اإلنسان طبيعتها االجتماعية‪ ،‬وهذا ما‬
‫يجعل تغييرها مهمة شبه مستحيلة‪ .‬ولو كانت طبيعة االستعدادات‬
‫نفسية الكتفينا بوصفات الخيميائيين الجدد الجاهزة‪.‬‬

‫إن الذهاب إلى الحرب ليس نزهة مريحة‪ .‬تحتاج أوال إلى‬
‫ُ‬
‫استعدادات املحارب‪ ،‬وتحتاج ثانيا إلى امتالك السالح ومهارات‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪80‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫استخدامه‪ ،‬وتحتاج ثالثا إلى معرفة ساحة املعركة وطبيعتها‬


‫وخصوصياتها وقواعد االشتباك فيها‪ .‬في كلمة واحدة جامعة تحتاج إلى‬
‫"استعدادات"‪ ،‬وأن يتولد لديك شعور بالحاجة إلى استعدادات القيادة‬
‫الحازمة‪ ،‬وأن تفكر في امتالكها‪ ،‬وأن تمتلكها فعليا‪ ،‬وأن تشعر بالفخر‬
‫واملسؤولية المتالكها‪ ،‬وأن تفكر في استخدامها‪ ،‬وأن تستخدمها‪ ،‬وأن‬
‫يكون استخدامك لها فعاال ويعطي نتائج‪ ،‬وأن تفكر في استخدام هذه‬
‫النتائج للمواجهة والصراع‪ ،‬وأن تواجه‪ ،‬وأن تنجح في املواجهة وتحقق‬
‫نجاحات‪ ،‬وأن تتابع رحلة امتالك املزيد من االستعدادات لتحقيق املزيد‬
‫من النجاحات‪ ..‬تلك هي الرحلة التي لم يتولد بعد لدى الطيبين شعور‬
‫بالحاجة االستراتيجية إليها‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪81‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫اعرف مشاعرك وتحكم فيها‬


‫ُ‬ ‫مقاتل شجاع ومبادر ّ‬
‫وفعال وسريع ودقيق متى أحسنت تربيته‪ ،‬أو‬
‫متخاذل ومستسلم ومهادن ومتكاسل ومسالم وجبان متى أسيئت أو‬
‫أهملت تربيته‪.‬‬

‫العواطف واملشاعر هي ردود فعل فيزيولوجية أو نفسية تجاه مثير‬


‫خارجي‪ ،‬تدفع في اتجاه تحطيم هذا املثير الخارجي أو االبتعاد عنه أو‬
‫ً‬
‫تجاوزه أو تعويضه أو التوقف برهة الستكشافه أو الحصول عليه مجددا‬
‫أو املحافظة عليه أو السعي إلى املزيد منه‪.‬‬

‫تحتل العواطف واملشاعر مكانة مهمة بل خطيرة في حياتنا‪ ،‬فهي‬


‫تقع في نقطة تقاطع الذات من جهة واآلخر والعالم والعمل من جهة‬
‫أخرى؛ إنها تجارب ذاتية أمام مثيرات اآلخر والعالم ومتطلبات الفهم‬
‫واإلرادة‪ .‬إنها عامل النجاح والفشل األول‪.‬‬

‫لكن ما الفرق بين العواطف واملشاعر؟‬

‫العواطف تجارب ذاتية تنطوي على اإلثارة الفيسيولوجية‬


‫والتقييم املعرفي؛ فهي ردود فعل داخلية (فيزيولوجية) بمظاهر خارجية‬
‫(جسدية) أمام حدث خارجي‪ ،‬وهي ال تدوم ألكثر من بضع دقائق‪،‬‬
‫ووظيفتها إعادة التوازن للجسد بعد تفريغ شحنته العاطفية‪ ،‬وال يصح‬
‫الحكم عليها باإليجاب أو السلب ألنهامحايدة‪ .‬أما املشاعر فهي بناء واع‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪82‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫للذهن‪ ،‬ومن طبيعة نفسية ال فيزيولوجية‪ ،‬وهي نوعان‪ :‬مشاعر إيجابية‬


‫ومشاعر سلبية‪.‬‬

‫الشخصيات القوية تملك القدرة الذاتية على بناء املشاعر‬


‫اإليجابية وعلى تقاسمها مع اآلخرين وعلى تجاوز املشاعر السلبية بسرعة‪،‬‬
‫والشخصيات الضعيفة تقض ي فترات طويلة لتجاوز مشاعرها السلبية‪.‬‬
‫وألهمية وخطورة العواطف واملشاعر والحاجة إلى فهمهما والتحكم فيهما‬
‫اخترع العلم البشري والخبرةاإلنسانية "الذكاء العاطفي"‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪83‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫َ‬
‫اعرف الحب وس ْح َره وتجنب أ ْس َره‬

‫الحب ويسعون إلى تجنب أسره‪،‬‬‫ّ‬ ‫يخش ى الكثير من الرجال والنساء‬


‫ألنهم يدركون نفوذه السحري املمارس عليهم واملهدد لكرامتهم ال سيما في‬
‫ً‬
‫تصدعا ر ً‬
‫هيبا‬ ‫العالقات الحميمة‪ ،‬فهو يحدث في النظام االعتيادي للحزم‬
‫مما يجعله "حزما" فوق حزم‬ ‫يخفف من سطوة الحزم أو يلغيه‪ّ ،‬‬
‫الحازمين‪.‬‬

‫الحب عالج متى كان بجرع صغيرة‪ ،‬لكنه دمار إذا كان بجرعات‬
‫كبيرة وبدون تحكم‪ .‬وهل يوجد حب بتحكم !‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫صحيح أن اإلنسان بدون مشاعر املحبة ليس إنسانا وإنما جثة‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫تريد ً‬
‫قبرا‪ .‬لكن املحبة عندما ترفع شعارا مطلقا يجعل الناس ترى الوجود‬
‫ُ‬
‫امل ِّح ّبون‬ ‫بأكمله من خاللها تصبح نشوة مخدرة وغيبوبة سعيدة ينتش ي بها‬
‫والعشاق الذين يختزلون الوجود بأكمله في املحبة وال ش يء غير املحبة‪ .‬إن‬
‫الحب‪ ،‬في غياب التحكم العاطفي‪ُ ،‬سلطان‪ ،‬له نفوذه السحري الذي‬
‫ُ‬
‫يمارسه على امل ِّحب واملحبوب‪ ،‬وتهديده الخطير للكرامة‪ ،‬بسبب ما ُيحدثه‬
‫من تصدع في النظام االعتيادي للذوات والعالقات‪.‬‬

‫إن "الحب املطلق" ما هو إال تعلق قلب فارغ‪ .‬وهذا املعنى تشير‬
‫ََ ْ َ َ ُ َ ُ ُ ّ ُ َ َ ً‬
‫وس ى فا ِّرغا"‪ .‬الفراغ بشكل عام خطير على‬ ‫إليه اآلية‪" :‬وأصبح فؤاد أ ِّم م‬
‫صاحبه‪ ،‬وأخطر أنواعه فراغ القلب الذي يو ِّقع صاحبه في "الحب‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪84‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫َّ‬
‫امل َجنح"‪ ،‬ألنه قد يقتل صاحبه في لحظة تبعية عاطفية وفي غياب التحكم‬
‫العاطفي‪.‬‬

‫إن الحب كتجربة شخصية يكون أسوأ وسيلة إليذاء النفس في‬
‫ُ‬
‫حالة عدم التحكم العاطفي‪ ،‬ألن الذات في تجربة "الحب امل َج َّنح" الذي ال‬
‫يصاحبه تحكم عاطفي تكون مكشوفة ومحرومة من أية حماية من‬
‫العقل‪.‬‬

‫ساعدوا أبناءكم على إشباع حاجاتهم العاطفية املتعددة‬


‫واملتنوعة لتحقيق التوازن العاطفي (القبول واالحترام‪ ،‬الحنان‬
‫والحرمان‪،‬الفرح والحزن‪ ،)...‬وعلى تطوير نضجهم الوجداني وذكاءهم‬
‫العاطفي في مرحلة الطفولة من خالل وضعيات حياتية حقيقية صعبة‪.‬‬
‫ً ً‬
‫وأي خطأ في الصغر يقع فيه الطفل يعتبر تعلما مهما بالنسبة له يجنبه‬
‫الوقوع في خطأ أسوأ منه عند الكبر‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪85‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫اعرف التربية العاطفية لتتحكم في مشاعرك‬

‫هدف التربية العاطفية التحرر من مصيدة املشاعر‪ ،‬وتطوير‬


‫الذكاء العاطفي‪ .‬توجد حاجة ملحة لتربية الناس على التعرف على‬
‫مشاعرهم‪ ،‬وعلى مشاعر اآلخرين‪ ،‬والتعبير املناسب عنها‪ ،‬والتحكم فيها‪،‬‬
‫والثقة بالذات‪ ،‬وتقدير الذات واآلخر‪.‬‬

‫التربية العاطفية تربينا على رجولة محاولة الفهم بدل فسولة‬


‫السخرية أو التعاطف الغبي‪ ،‬وتربينا على االنضباط وإعداد الفعل بدل‬
‫االنخراط الغبي في ردود األفعال‪.‬‬

‫إن الذكاء العاطفي يمنحنا وعيا يذكرنا في كل موقف بأال "نشتر‬


‫العبد إال والعصا معه"؛ فالعاطفة املجنحة دون نضج عاطفي خبال‬
‫يعطي النشوة املخدرة لكنه ال يعطي الفعالية والنجاعة‪ .‬إن الذكاء‬
‫العاطفي يمنحنا القدرة على تحقيق أهدافنا دون مواجهة‪.‬‬

‫إن الذكاء العاطفي يعطيك توازًنا؛ فإن كنت من سكان األجمة‬


‫يمنحك الذكاء العاطفي إحساسا بأنك محروم من عاطفة املحبة‪ ،‬وإن‬
‫كنت من سكان مدن األحزان يمنحك الذكاء العاطفي وعيا بخطورة‬
‫السياقة بسرعة عالية دون تحكم‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪86‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫اعرف أوهامك وتخلص منها‬

‫األوهام أنواع‪:‬‬

‫‪ ‬املعرفة غير العلمية‪ :‬هي كل معرفة تبدأ بالسعي إلى إشباع‬


‫حاجات أو تبرير مصالح‪ ،‬ثم ما تلبث أن تتحول بعد أدائها‬
‫لوظيفتها إلى "معرفة علمية"‪ .‬هكذا ينتشر الوهم عند القادة‪،‬‬
‫والجهل عند األتباع‪.‬‬

‫ص َنع في مختبرات‬ ‫‪ ‬اإليديولوجيات‪ :‬كان الوهم في القرن املاض ي ُي ْ‬


‫َُ‬
‫التفكير الثوري والغرف غير املك َّي َفة للعنف الطبقي‪ ،‬وها هو اليوم‬
‫َُ‬
‫يصنع في مختبرات التفكير اإليجابي والغرف املك َّي َفة للحب‬
‫َ‬
‫والتسامح‪ .‬تعددت املختبرات والغرف‪ ،‬وت َن َّوعت ظروف التكييف‪،‬‬
‫واإليديولوجية واحدة‪ .‬إنها صناعة الوهم‪ ،‬تصنعها تارة قفازات‬
‫حديدية وتارة قفازات حريرية‪.‬‬

‫‪ ‬األلعاب الوهمية‪ :‬ألعاب هدفها إلهاء الالعبين عن األلعاب‬


‫الحقيقية‪ ،‬وعندما تنتهي اللعبة الوهمية وتختفي طاولة اللعب‬
‫ويتبخر الالعبون‪ ،‬يستيقظ أصحاب النوايا البريئة واآلمال‬
‫الساذجة من غيبوبتهم السعيدة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ُ َ‬
‫أما صناعة الوهم فمجرد خلطة‪ :‬فكرة صحيحة ت ْرفع شعارا‬
‫ً‬
‫مطلقا لجعل الناس يرون الوجود بأكمله من خاللها‪ ،‬وحزمة متكاملة من‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪87‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫املؤثرات اللغوية‪ ،‬والكثير من الرغبة‪ ،‬مع القليل من الصبر والزمن‪ .‬تمنح‬


‫الفكرة الصحيحة املصداقية (مثال‪ :‬الحب‪ ،‬التسامح‪ ،‬التفكير اإليجابي‪،)..‬‬
‫ويمنح تحويلها إلى شعار مطلق االعتقاد (والناس لألسف تحتاج إلى‬
‫ّ‬
‫معتقدات أكثر مما تحتاج إلى حقائق)‪ ،‬وتمنح اللغة الكذابة أساليب‬
‫للتالعب بالعقول واملشاعر (لغة ميلتون‪ ،‬لغة اإليحاء‪ ،‬االستعارات‪ ،)..‬أما‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫الطماعة فهي موضوع الرهان (وطبعا اللغة تغلب الرغبة‪ ،‬ألن‬ ‫الرغبة‬
‫الكذاب يغلب ّ‬‫ّ‬
‫الطماع)‪ .‬هذه هي الخلطة السحرية لصناعة الوهم‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪88‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫اعرف التربية الفكرية لتتحكم في أوهامك‬

‫قيمة الفكر هي قيمة الحاجة إليه عند استخالص دروس املاض ي‬


‫وفهم قواعد اللعب في الحاضر والتخطيط للريادة في املستقبل‪ ،‬وقيمة‬
‫ضرورته العملية عندما تحين ساعة اتخاذ قرار أو حل مشكلة‪ ،‬وإال‬
‫ُ‬
‫فاإلنسان املفكر ما هو إال حيوان فاسد؛ أفسده التفكير امل َج َّرد املنفصل‬
‫ُ‬
‫عن واقعه وعن الفعل فيه‪ ،‬أو التفكير امل َج َّنح املنغمس في واقع من صنع‬
‫أحالمه وخياله‪.‬‬

‫إن عالقة الناس بعالم األفكار‪ ،‬إن كانت لهم عالقة به‪ ،‬على ثالث‬
‫حاالت‪:‬‬

‫‪ ‬فكر م َج َّرد يزرع املفاهيم ويحصدها في حقول املعرفة املختلفة‪.‬‬


‫َّ‬
‫‪ ‬فكر م َجنح ُي ْب ِّدع االستعارات وينتش ي بها في سماء الخيال الواسع‪.‬‬

‫همه األول الفعل املؤثر في الواقع واحتالل مواقع‬ ‫‪ ‬فكر عملي َحي ّ‬
‫الريادة فيه‪ ،‬ويتوسل بالفكر لفهم اللعبة وقواعدها والحواجز‬
‫عند الدخول ومشاريع الالعبين واستراتيجياتهم‪ ،‬وفهم قيم العمل‬
‫ومبادئه وطرقه وأدواته‪.‬‬
‫ُ ّ‬
‫وسيكون من الغباء أن نستثمر في أنظمة تعليمية ت َع ِّلم تحليل‬
‫املفاهيم ونقدها (املعرفة امل َج َّردة)‪ ،‬وإبداع االستعارات وتذوقها (املعرفة‬
‫ُ ّ‬ ‫َّ‬
‫امل َجنحة)‪ ،‬وال ت َع ِّلم إرادة الفعل االستراتيجي في الواقع ويقظة االنتباه‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪89‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫لعالماته َ‬
‫الح َّية التي ينبني عليها استغالل فرصه وتجنب مخاطره (املعرفة‬
‫َ‬
‫الح َّية)‪.‬‬
‫لكن أين نتعلم هذه التربية الفكرية َ‬
‫الح َّية؟ وهل يمكن تعلمها في‬
‫املدرسة والجامعة؟‬

‫الح َّية‪ ،‬وإنما تعلم معرفة ُم َح َّنطة‪ .‬إنها‬


‫املدرسة ال تعلم املعرفة َ‬
‫أسوأ اختراع في تاريخ البشرية؛ ألنها تعلمنا كيف نتعامل مع قضايا مألوفة‬
‫وبسيطة ملواجهة قضايا غير مألوفة ومعقدة‪ ،‬وتعلمنا الكثير من األشياء‬
‫التي ال مبرر لتعلمها إال في سواد أعين املدرسة‪ ،‬وتعلمنا كيف نكون‬
‫موظفين صالحين‪ ،‬وأن هناك إجابة واحدة صحيحة‪ ،‬وأن الوقوع في‬
‫الخطأ هو ش يء بشع‪ ،‬وأن االمتحانات تواجه بشكل فردي‪ ،‬وأن التعاون‬
‫مع زميل في االمتحان غش‪ .‬كل ش يء في املدرسة فاقد للمعنى ألنه تم‬
‫إخراجه عن سياق الواقع الحي وصراعاته وسياق الحياة وشموليتها‬
‫وترابط الواقع وتعدد أبعاده ومستوياته وتعقيد ظواهره‪ .‬إن السياق‬
‫التعلمي الحي‪ ،‬ال الوضعيات التعليمية املصطنعة‪ ،‬وحده يمنح املتعلم‬
‫العناصر األساسية لبناء املعنى الذاتي لتعلمات فعالة‪.‬‬
‫املدرسة إذن ال ُتعلم املعرفة َ‬
‫الح َّية‪ ،‬فأين نتعلمها ومن أين نبدأ‬
‫تربيتنا الفكرية؟‬

‫إن التربية الفكرية تبدأ بسؤال‪ :‬ما العمل؟ ثم بخوض التجربة‪.‬‬


‫ومع التجربة وقبلها وبعدها نحتاج إلى يقظة فكرية‪ ،‬وإلى التطوير‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪90‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫والتحسين املستمر‪ ،‬وتعلم طرح املشكالت الحقيقية وحلها بفعالية‬


‫صيداته؛ ألن التربية الفكرية‬ ‫وكفاءة‪ ،‬واليقظة تجاه مخاطر الفكر وم ْ‬
‫ِّ‬
‫سالح ذو حدين‪ :‬فإما فكر عملي حي متفاعل مع واقعه فاعال ال مفعوال‬
‫به‪ ،‬وإما فكر فلسفي ُم َج َّرد أو فكر روائي ُم َج َّنح‪ .‬كان هللا للطيبين من‬
‫الفالسفة والروائيين‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪91‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫اعرف عاداتك واضبطها‬

‫ما العادة؟ وكيف نجعل العادة تحارب ألجلنا؟‬

‫إن العادة هي نموذج في االستجابة مهمته ضبط الجسد لينضبط‪،‬‬


‫ودمجه ليندمج‪ ،‬وإلزامه ليلتزم‪ ،‬من خالل توفير مرجعية لتنظيم السلوك‪.‬‬

‫إن السلوك املرغوب فيه إذا تكرر مرة واحدة فهو لحظة حماس‪،‬‬
‫وإذا تكرر عدة مرات فهو عادة إيجابية‪ .‬والسلوك غير املرغوب فيه إذا‬
‫تكرر مرة واحدة فهو خطأ‪ ،‬وإذا تكرر عدة مرات فهو عادة سلبية‪ .‬العادة‬
‫الن َمطي املتكرر‪ ،‬إنها فن التصرف بنفس الطريقة في‬‫إذن هي السلوك َّ‬
‫نفس الوضعية دون تفكير ودون جهد ودون مقاومة‪ ،‬تبدأ كخيط من‬
‫الحرير وتنتهي كحبل من الفوالذ‪.‬‬

‫إن العادة هي املحرك األساس لسلوك اإلنسان‪ ،‬والعامل األساس‬


‫لتكيفه مع متطلبات الواقع‪ .‬من خالل العادة نستطيع القيام بكل األعمال‬
‫بسهولة‪ ،‬فهي تساعدنا على اتخاذ القرارات بأسرع وقت والقيام باألعمال‬
‫ُ‬
‫بأقل جهد وفي أقصر وقت وبفعالية‪ ،‬فهي ت َق ّ ِّرب إدراكاتنا الحسية من‬
‫الدقة والسهولة والسرعة لترتفع بها إلى قمة الفعالية والكفاءة واألداء‬
‫العالي‪ .‬إنها محارب صامت يتحدث دائما عبر األفعال‪.‬‬

‫باختصار‪ ،‬وفي كلمة واحدة جامعة‪ :‬العادة غريزة؛ فعندما يبذل‬


‫ً‬ ‫ً‬
‫الفقير جهدا كبيرا ووقتا طويال لفهم اللعبة املالية وقواعدها ومعرفة‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪92‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫الالعبين ورهاناتهم ومحاولة لعب اللعبة بذكاء ودون أوهام‪ ،‬يتصرف‬


‫الغني دون جهد ودون تفكير "بغريزته املالية"‪ ،‬أي في مربعه املريح واآلمن‬
‫بسرعة وسهولة ودقة وفعالية‪ .‬إنها "عادات النجاح املالي" التي تم تخزينها‬
‫في "ذاكرة الجسد" بمفعول مصاحبة ومشروع تربوي أسري ال يرى في‬
‫ً‬
‫األطفال أبناء فقط وإنما ورثة أيضا‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪93‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫اعرف التربية العملية لتتحكم في عاداتك‬

‫هدف التربية العملية هو التحرر من مصيدة العادات‪ ،‬وبناء‬


‫اإلرادة والهمة‪ ،‬أي بناء الشغف واملثابرة‪.‬‬

‫اإلرادة ابتداء هي توتر الذات‪ ،‬ثم هي ترك العادة‪ ،‬وأخيرا هي وضوح‬


‫األهداف والغايات وااليمان الراسخ بهما‪ .‬أما الهمة فهي النهوض للطلب؛‬
‫طلب األهداف والغايات الفردية والجماعية‪.‬‬

‫اإلرادة والهمة مثابرة في سلوك يومي‪ ،‬ودعك من خطاب األحالم‬


‫َ‬
‫وقانون الجذب‪ .‬الهمة سلوك‪ ،‬أي ن َفس طويل في رحلة طويلة وشاقة‪ ،‬أما‬
‫"الجذب" فوعد بسلوك ال طريق معه‪" .‬سلوك" تتوتر الذات فيه بسرعة‬
‫بمفعول استراتيجيات الوصفات الجاهزة والتحفيز السريع‪ ،‬ثم تنطفئ‬
‫بسرعة أيضا‪.‬‬

‫إن "تربية" استراتيجيات الوصفات الجاهزة والتحفيز السريع مثل‬


‫َّ‬ ‫ً‬
‫يتحول الغربال إلى طارة تدحرجها‬ ‫الغربال‪ ،‬يتآكل يوميا‪ ،‬وفي وقت ما‬
‫العادة من جديد‪.‬‬
‫َُ‬
‫توجد حاجة ملحة لتربية عملية تل ِّّقن العاجزين االستعدادات بدل‬
‫وهم الوصفات الجاهزة‪ .‬واستعدادات التربية العملية نوعان‪:‬‬

‫‪ ‬االستعدادات الذاتية الدنيا م َج َّسدة في قيم االعتماد الداخلي‪:‬‬


‫املبادرة ووضوح الرؤية واالنضباط‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪94‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ ‬االستعدادات الذاتية العليا م َج َّسدة في قيم اإلنجاز الخارجي‪:‬‬


‫الشغف واملثابرة واملسؤولية‪.‬‬
‫َّ‬
‫إن الحاجة ملحة لتعليم رواد العجز والكسل رجولة "دلني على‬
‫السوق"‪ ،‬باملعنى الواسع للسوق‪.‬‬

‫وللتربية العملية هدف مزدوج‪:‬‬

‫‪ ‬التربية على االستقاللية واملسؤولية لتحويل الشخص من‬


‫االعتماد الخارجي إلى االعتماد الداخلي‪.‬‬

‫‪ ‬التربية على اإلنجاز واألداء العالي لتحويل الشخص من التأمل‬


‫الداخلي إلى اإلنجاز الخارجي وتحسين األداء والتميز‪.‬‬

‫إن التربية العملية هي تربية ميدانية تتيح اكتساب نمط من الخبرة‬


‫الواقعية عن طريق املالحظة واملحاولة والخطأ والتوجيه الخارجي والدعم‬
‫والتقييم الذاتي والتحسين املستمر حتى بلوغ مستويات عليا من‬
‫االستقاللية واملسؤولية والقدرة على اإلنجاز وتحقيق أعلى مستويات‬
‫األداء‪ .‬إن هدف التربية العملية هو استقالل اإلرادة؛ أي القدرة على‬
‫االنتقال إلى الفعل واملثابرة عليه حتى الوصول إلى تحقيق الهدف بشكل‬
‫مستقل‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪95‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫اعرف أخطاءك وتعلم منها‬

‫في الحياة توجد مدارس متعددة‪ ،‬من أهمها مدرسة الخطأ‪ .‬الخطأ‬
‫معلم قاس‪ ،‬ينجز لك االمتحان ثم يعطيك الدرس بعد ذلك‪ .‬وما فائدة‬
‫درس بعد فوات االمتحان! فائدته يعلمنا أسرار النجاح‪ ،‬إنه معلم جيد‪،‬‬
‫أما النجاح فمعلم سيئ‪.‬‬

‫في الحياة ال يوجد فشل‪ ،‬توجد فقط تجارب‪ ،‬والفشل مجرد‬


‫تجربة‪ ،‬بل إن تجارب الفشل أهم من تجارب النجاح‪ .‬وإذا فشلت ال تسأل‬
‫نفسك ماذا خسرت فقط‪ ،‬بل ِّاسأل نفسك أيضا ماذا ربحت‪ ،‬واستأنف‬
‫مسيرتك بإقبال شجاع على الحياة واملستقبل‪ ،‬فالشجاعة تنمو‬
‫باملبادرة‪ ،‬والخوف ينمو بالتردد‪.‬‬

‫ال جدوى من إلقاء اللوم على إخفاقاتك‪ .‬فكر في األخطاء كطرق‬


‫للتعلم والتحسين‪ ،‬وكن متسامحا مع نفسك واآلخرين‪ .‬الخطأ بشري‪،‬‬
‫والبشر لديهم الحق في ارتكاب األخطاء‪ .‬إن الخطأ ليس جريمة‪ ،‬وال هو‬
‫نهاية التاريخ والعالم‪ ،‬وتجنب خوض التجربة بسبب الخوف من الخطأ‬
‫مفسدة كبرى‪ ،‬والكلمة األخيرة ستكون بكل تأكيد للخبرة املتراكمة بالصبر‬
‫والزمن‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪96‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫اعرف حدودك والتزم بها‬

‫الحازم يعرف ما له ويتمسك به‪ ،‬وما عليه ويلتزم به‪ ،‬وحدوده وال‬
‫عبر عن رأيه بقوة لكن ُينصت لرأي اآلخرين‪ ،‬يتفانى في التمسك‬ ‫يتعداها‪ُ .‬ي ّ‬
‫ِّ‬
‫بحقوقه لكن يؤدي واجباته تجاه اآلخرين‪.‬‬
‫ُ‬
‫إن معرفة حدودنا تمكننا من تقييم املخاطر التي يمكن أن نتعرض‬
‫لها‪ ،‬ومعرفة حدود قدرتنا على تحملها‪ .‬وفي املقابل فإن عدم معرفة‬
‫جيدا تجعل حركتنا مشلولة‪ ،‬ألن من يجهل حدوده يخش ى‬ ‫حدودنا ً‬
‫الفشل‪.‬‬

‫لكن كيف نعرف حدودنا ونلتزم بها؟‬

‫يوجد شرطان لكي يعرف اإلنسان حدوده ويلتزم بها‪:‬‬

‫‪ ‬الوضوح‪ :‬ال يمكن االلتزام بهذه القاعدة إال إذا كانت األدوار‬
‫دقيقة واإلطار التعاقدي محددا بوضوح‪ ،‬ألن معرفة هذه األدوار‬
‫وهذا اإلطار التعاقدي يسمح لك بالتعبير عن نفسك بشكل كامل‬
‫دون التعدي على اآلخر‪.‬‬

‫‪ ‬املسؤولية‪ :‬قيمة أخالقية ذات بعدين مترابطين ومتكاملين‪ :‬الحق‬


‫والواجب‪ .‬الطيبون ال يعرفون منها إال التفاني في أداء الواجب‪،‬‬
‫واملاكرون ال يعرفون منها إال التفاني في استخالص الحق‪ .‬أما‬
‫املسؤولية بمعناها الشمولي واملتوازن فتجمع بين أداء الواجب‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪97‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫والتمسك بالحق واستخالصه‪ .‬نحتاج إلى الخروج من أخالق‬


‫الواجب املفرد‪ ،‬وأخالق الحق املفرد‪ ،‬والدخول في أخالق‬
‫املسؤولية التي تقوم على مبدأ توازن الحقوق والواجبات‪.‬‬

‫ِّاعرف حدودك والتزم بها‪ ،‬واعلم أن القضايا العادلة ال تموت‪ ،‬وأن‬


‫أصحابها يبعثون من رمادهم من جديد إلى أن تنتصر قضيتهم‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪98‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫املعرفة العميقة الثانية‪ :‬معرفة العالم‬

‫بعد معرفة الذات تأتي معرفة العالم‪ ،‬عاملك الصغير في حدود‬


‫مشاريعك الشخصية‪ ،‬والعالم الكبير في حدود ما تحتاج إليه لتأطير‬
‫فهمك لعاملك الصغير‪ .‬ستحتاج إلى معرفة رقعة اللعب وخصائصها‬
‫واللعبة وقواعدها‪.‬‬

‫العالم عوالم اجتماعية متعددة لكل منها لعبته الخاصة‪،‬‬


‫ومعرفتك لهذه العوالم تبدأ بفهمك ألسس نظرية األلعاب في صيغتها‬
‫االجتماعية ال الرياضية‪ ،‬فهي تمنحك أدوات فهم اللعبة وقواعدها‬
‫والالعبين واستراتيجياتهم‪.‬‬

‫إن فهمك للعوالم التي تتحرك فيها وقوانين اشتغالها هو مالذك‬


‫اآلمن إن أردت أن تعرف كيف تبني مشروعك واستراتيجيتك وقراراتك‬
‫بالشكل الذي يضمن مصالحك‪ ،‬هذا إن كانت لك مصالح‪ ،‬فالطيبون ال‬
‫يملكون مصالح وإنما نوايا حسنة‪.‬‬

‫إن العالم ساحة مواجهة والسيطرة فيه تؤول ملن استطاع أن‬
‫يتسلح بمرجعية نظرية وعملية تساعده على فهم اللعبة وقواعدها‬
‫والالعبين ومشاريعهم واستراتيجياتهم‪ ،‬ليتمكن من اتخاذ أفضل القرارات‬
‫واملواجهة بأفضل التكتيكات واالستراتيجيات‪ ،‬بدل ردود الفعل‬
‫العشوائية الفردية التي ال رابط بينها‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪99‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫ومعرفة هذا العالم ضرورة حيوية ألنه ال بديل لنا عن املواجهة‪،‬‬


‫َ‬
‫فاللعبة ق َد ُرنا في هذا العالم‪ ،‬الختالف األفكار‪ ،‬وتشابك املشاعر‪،‬‬
‫وتعارض املصالح‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪100‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫اعرف طرق معرفة العالم‬

‫كيف تعرف العالم من حولك؟‬

‫إن سؤال املنهج هو أبو األسئلة‪ ،‬والشرط األول لباقي األسئلة‪،‬‬


‫فبأي منهج نعرف العالم؟‬

‫العالم يمكن معرفته عن طريق الجمع بين أربع طرق متكاملة‪:‬‬

‫‪ ‬الطريقة األولى‪ :‬املصادر الخاصة؛ إذا لم تكن لك مصادرك‬


‫الخاصة فأنت خارج اللعبة‪.‬‬

‫‪ ‬الطريقة الثانية‪ :‬قوة املالحظة واالنتباه للعالمات الضعيفة مع‬


‫إعمال آلية التحليل بذكاء؛ أحيانا ال نحتاج إلى مصادر خاصة‬
‫للمعلومات لفهم ما يجري‪ ،‬وإنما نحتاج فقط إلى مجهود تحليلي‬
‫الستنتاج حقيقة ما يحدث‪.‬‬

‫‪ ‬الطريقة الثالثة‪ :‬قراءة التاريخ والرواية وعلم االجتماع ومشاهدة‬


‫األفالم من خالل أعمال عاملية كبرى‪ ،‬فهذه الحقول املعرفية‬
‫والفنية لديها قدرة رهيبة على كشف قواعد اللعبة وفضح‬
‫الالعبين‪ ،‬لكن ال تقرأ هذه األعمال بنظرة الباحث عن جمالية‬
‫ُ‬
‫الفن أو حقيقة العلم‪ ،‬بل إقرأها بنظرة املحارب الذي يبحث عن‬
‫تلقي الفهم بوضوح واألمر بدقة ليواجه بذكاء‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪101‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ ‬الطريقة الرابعة‪ :‬الفعل في هذا العالم‪ ،‬إذ ال ش يء يمكن أن يحل‬


‫محل التجربة الشخصية؛ فاليد هي الحافة الحادة للعقل‪،‬‬
‫والسيف أصدق أنباء من الكتب‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪102‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫اعرف اللعبة ومعناها‬

‫الحياة لعبة‪ ،‬بل ألعاب‪ ،‬وبالقصر والحصر‪ ،‬لكنها ألعاب جادة‪:‬‬


‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ومواقفهم‬ ‫قواعد اللعب سلوكهم‬ ‫تبقي املنافسة الالعبين يقظين‪ ،‬وتضبط‬
‫ُ ّ‬
‫الرهان للعب معناه واتجاهه‪.‬‬ ‫وقراراتهم‪ ،‬ويمنح‬

‫إن الحياة لعبة جادة‪ ،‬وأكثر ألعابها جدية ألعاب الكبار‪ .‬ال ش يء‬
‫أكثر جدية في هذه الحياة من لعب الكبار!‬

‫إن النظر للحياة على أنها لعبة‪ ،‬ولإلنسان على أنه العب‪ ،‬هو أوال‬
‫َ‬ ‫ُّ ْ َ‬ ‫َّ ْ‬
‫الدن َيا لعب َول ْهو)‪ .‬فتيار الحياة من‬ ‫منظور قرآني‪ ،‬ففي اآلية‪( :‬إن َما ال َح َياة‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫منظور قرآني ُم َ‬
‫ص ّمم في اتجاه اللعب واللهو بهدف االبتالء (وهذا أيضا‬
‫ً‬
‫مفهوم قرآني)‪ ،‬والسباحة ضد هذا التيار هي ما يجعل من اإلنسان مؤمنا‬
‫َْ ُ َ َ ُ‬ ‫َ ُ ْ ُ َ َ َّ ُ ُ ْ ُ ْ ُ ُ َ ُ َ‬
‫ورك ْم َوال َي ْسألك ْم أ ْم َوالك ْم)‪ .‬فالبشر إذن‬ ‫(و ِّإن تؤ ِّمنوا وتتقوا يؤ ِّتكم أج‬
‫ُ‬
‫أربعة أصناف‪ :‬في الطبيعة األصلية لتيار الحياة املصمم لالبتالء يوجد‬
‫صنفان‪ :‬العبون والهون‪ ،‬وفي السباحة ضد هذا التيار يوجد صنف ثالث‪:‬‬
‫مؤمنون‪ ،‬وهما نوعان‪ :‬مؤمن قوي ومؤمن ضعيف‪.‬‬

‫لكن ما الفرق بين اللعب واللهو؟‬


‫ّ‬
‫للعب معنيان‪ :‬معنى عام ومعنى خاص‪:‬‬

‫‪ ‬باملعنى العام هو كل نشاط هدفه التسلية‪ ،‬وبهذا املعنى العام‬


‫َ‬
‫نقيض العمل‪.‬‬ ‫ُ‬
‫اللعب‬ ‫يكون‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪103‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ ‬وباملعنى الخاص هو الحيلة واملكر (لعب ّ‬


‫الرجل على فالن‪ :‬احتال‬
‫ومكر به) بدافع الرغبة (سال ُل ُ‬
‫عابه)‪ ،‬وبهذا املعنى الخاص‬
‫َ‬
‫عليه‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫اللعب نوعا من أنواع العمل‪ ،‬إنه العمل االستراتيجي‪ ،‬أي‬ ‫يكون‬
‫العمل العقالني املستمر الهادف‪ ،‬في مقابل ألعاب الحريق اليومي‬
‫لرجال اإلطفاء وألعاب الطيبة لسفراء النوايا الحسنة‪.‬‬

‫أما اللهو فيحمل معنى الغفلة عن الش يء‪ ،‬في معاجم اللغة‪ :‬اللهو‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫هو ما ل ِّع ْب َت به وشغلك‪ ،‬فيكون للهو أيضا‪ ،‬بناء على هذا املعنى اللغوي‪،‬‬
‫معنيان‪:‬‬

‫‪ ‬اللهو عن لعب الكبار‪ ،‬وهذا لهو العامة ولهو املؤمن الضعيف‪.‬‬

‫‪ ‬واللهو عن معنى الحياة والوجود واملصير بعد املوت‪ ،‬وهذا لهو يقع‬
‫فيه العامة والخاصة‪.‬‬

‫والنظر للحياة على أنها لعبة ُي َس ّهل ثانيا فهم الظواهر اإلنسانية‬
‫واالجتماعية‪ ،‬ويوضح متطلبات النجاح في الحياة من حيث هي لعب ولهو‪:‬‬
‫لكي تنجح في الحياة يجب أن تلعب لعبة الكبار بنجاح‪ ،‬ال أن تلهو في‬
‫الجري بدافع ضغوطات الحياة‪ ،‬أو في السعي وراء متعتها‪ ،‬لكن دون أن‬
‫يلهيك هذا اللعب عن معنى الحياة والوجود واملصير بعد املوت‪.‬‬

‫إن الحياة ُمصممة على قاعدة االختالف بين البشر في رغباتهم‬


‫وأولوياتهم ونظرتهم للعالم وعلى تعارض مصالحهم‪ ،‬وهذا االختالف‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪104‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫والتعارض هو الطاقة املحركة للعب الالعبين‪ ،‬ولهو الالهين‪ ،‬وإيمان‬


‫املؤمنين‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪105‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫اعرف الصراع امل َح ّرك للعبة‬

‫ينتج عن املواجهة بين الفاعلين املتنافسين في اللعبة صراع من‬


‫ُ‬
‫أجل املصالح املادية أو األخالقية‪ ،‬هذا الصراع هو املبدأ املحرك للعبة‪،‬‬
‫ُ‬
‫واملصالح التي يدور حولها الصراع هي املبدأ املحرك لالعبين‪ ،‬وتحدد‬
‫نتيجة هذا الصراع تطور موازين القوى بين الفاعلين ووضع قواعد‬
‫اللعب‪.‬‬

‫الصراع قانون وحكمة وابتالء‪ .‬الصراع هو أوال قانون اجتماعي‪،‬‬


‫والطيبون تطوقهم طيبتهم وتمنعهم عن إدراك حقيقة العالم االجتماعي‬
‫القائمة على حكمة صراع املصالح‪ .‬وألن الصراع قانون اجتماعي واملحبة‬
‫حاجة إنسانية‪ ،‬ينس ى الطيبون القانون في غمرة انشغالهم بالحاجة‪،‬‬
‫لذلك يسببون أزمة األداء أكثر ممايفعل املاكرون‪.‬‬

‫وأساليب الصراع متعددة أهمها‪:‬‬

‫‪ ‬سن التشريعات والقوانين‪ ،‬وهي املظهر الرسمي لقواعد اللعب‬


‫التي يفرضها الكبار‪.‬‬

‫‪ ‬الحوار‪ ،‬وهو آلية إلدارة االختالف الفكري‪ .‬الطيبون يتمذهبون‬


‫للحوار أما املاكرون فيعتبرونه من آليات إدارة الصراع‪.‬‬

‫‪ ‬التفاوض‪ ،‬وهو آلية إلدارة تعارض املصالح‪ ،‬ويرتبط نجاحه‬


‫باستعداد أطرافه للقيام بتنازالت وتفاهمات‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪106‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ ‬الضربات تحت الحزام‪ .‬عندما يتخلى الالعبون عن نبالتهم‬


‫وعقالنيتهم ويلجؤون إلى غرائزهم العدوانية ينزلون إلى حلبة‬
‫الجنون والرذيلة‪ ،‬وتصبح املناطق األكثر حساسية لدى الخصم‬
‫مستهدفة بضربات موجعة مسددة بغضب مرض ي ال رحمة فيه‪.‬‬

‫‪ ‬العنف املادي‪ .‬األذكياء عاطفيا أصحاب رأي يجعلون املواجهة‬


‫املادية آخر خياراتهم‪ ،‬أما األغبياء عاطفيا فأصحاب عاطفة‬
‫مجنحة يجعلون القتال أول خياراتهم‪.‬‬

‫وفي كل لعبة توجد ثالثة أنواع من الصراعات‪:‬‬

‫‪ ‬صراع املشاريع‪ ،‬وهو صراع الكبار على ريادة مشاريعهم‪.‬‬

‫‪ ‬صراع التحدي‪ ،‬وهو صراع املتحدي مع الرائد على تغيير قواعد‬


‫اللعب‪.‬‬

‫‪ ‬صراع الوكالء‪ ،‬وهو صراع الصغار على مصالحهم أو على البقاء‪.‬‬


‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪107‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫اعرف قواعد اللعبة‬

‫العالم هو مجموع القوانين التي تحكمه‪ ،‬ومعرفة العالم تقوم على‬


‫معرفة هذه القوانين والسنن‪ ،‬وهي ليست سننا باملعنى الفيزيائي فقط‪،‬‬
‫وإنما هي سنن باملعنى العقدي والسياس ي أيضا‪.‬‬

‫هي سنن باملعنى العقدي أي ابتالء يتنزل من خاللها معنى اللعبة‪،‬‬


‫وهي سنن باملعنى السياس ي أي قواعد للعب يتنزل من خاللها الصراع بين‬
‫ُ‬
‫البشر امل َحرك للعبة‪ .‬الطيبون يتعاملون مع السنن باملعنى العقدي فقط‪،‬‬
‫أما املاكرون فيتعاملون معها في بعدها السياس ي‪ ،‬ومن لنا بمن يتعامل‬
‫معها بنظرة شمولية؟‬
‫َ‬
‫ومواقفهم وقراراتهم‪،‬‬ ‫قواعد اللعبة هي ما يضبط سلوك الالعبين‬
‫وتتوزع األدوار حولها كالتالي‪:‬‬

‫‪ ‬يفرضها الكبار‪.‬‬

‫‪ ‬يحميها الخيميائيون‪.‬‬

‫‪ ‬ينفذ مقتضياتها الخيل والبغال والحمير (املتوحشون منهم للزينة‪،‬‬


‫ُ‬
‫وامل َر ّوضون للركوب)‪.‬‬

‫‪ ‬يلتزم بها ويسير على طريقها التابعون‪.‬‬

‫‪ ‬يتوهم إمكانية تغييرها من الداخل الطيبون‪.‬‬


‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪108‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫ُ‬
‫‪ ‬ينازع عليها ويسعى إلى تغييرها امل َت َحدي الشجاع‪.‬‬

‫وقواعد اللعب مستويات‪:‬‬

‫‪ ‬قواعد اللعب الخاص‪ ،‬وهي قواعد اشتغال حقل اجتماعي معين‪،‬‬


‫كقواعد اشتغال الحقل األسري أو املدرس ي أو االقتصادي أو‬
‫السياس ي أو العلمي أواإلعالمي‪.‬‬

‫‪ ‬قواعد اللعب العاملي‪ ،‬وهي قواعد عابرة للحقول واملجتمعات‪ ،‬أي‬


‫قواعد اللعب التي تتحكم في كل الحقول واملجتمعات (قواعد‬
‫التراكم على الصعيد العاملي)‬

‫‪ ‬قواعد اللعب التاريخي‪ ،‬وهي قواعد عابرة لألجيال والعصور‪ ،‬أي‬


‫قواعد استدامة النجاح والهيمنة عبر األجيال (قواعد التراكم‬
‫العابر لألجيال)‪.‬‬

‫أما قواعد التعامل مع قواعد اللعب فهي ثالث‪:‬‬

‫‪ ‬ضع في وعيك وإرادتك أنه توجد قاعدة واحدة أساسية فقط‬


‫ّ‬
‫للعب‪ ،‬وهي‪" :‬قواعد اللعب موضوع صراع بين الالعبين‪،‬‬
‫والسيطرة تؤول ملن استطاع أن يفرض قواعده"‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪109‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ ‬قواعد اللعب نوعان‪ :‬رسمية وغير رسمية‪ .‬والرسمي نوعان قواعد‬


‫قانونية عادلة وقواعد قانونية غير عادلة‪ .‬وغير الرسمي نوعان‬
‫أيضا أعراف عادلة وأعراف غير عادلة‪ .‬التزم بما هو عادل‪.‬‬

‫‪ ‬إذا كنت العبا رائدا اعتمد استراتيجيات محافظة على قواعد‬


‫اللعب القائمة‪ ،‬وإذا كنت العبا جديدا اعتمد استراتيجيات‬
‫ثورية مناهظة لقواعد اللعب القائمة لتغييرها‪ ،‬أو انسحب إلى‬
‫أرض هللا الواسعة و ابتكر لعبة جديدة واستقطب العبين إليها‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪110‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫اعرف أحداث اللعبة ومستوياتها‬

‫ال توجد أحداث عشوائية‪ ،‬وإنما توجد أحداث ُم َو َّج َهة تندرج‬
‫ُ‬
‫ضمن صراعات النفوذ التي تحدد مضمون السلطة وطريقة توزيعها‪ ،‬لكن‬
‫الصراع على السلطة يبقى دائما هو الوجه الخفي من األحداث‪ ،‬أما‬
‫واجهتها فهي مطالبات املستضعفين ومهاترات الوكالء‪.‬‬

‫األحداث إذن ثالثة مستويات‪:‬‬

‫‪ ‬املستوى األول من األحداث ينتمي لزمن الحريق اليومي‪ ،‬أو زمن‬


‫املطالبات العفوية التي يصنعها بين الفينة واألخرى أصحاب‬
‫النوايا البريئة‪ ،‬وترتبط هذه األحداث عادة بمطالب هذه الفئة‬
‫الطيبة املغلوبة على أمرها‪ .‬هؤالء قوم غارقون في حرائق معيشهم‬
‫ً ً‬ ‫ً‬
‫اليومي‪ ،‬وينخرطون في األحداث انخراطا صادقا بحثا عن حريتهم‬
‫وكرامتهم وعن عدالة ممتنعة وإنصاف بعيد املنال‪.‬‬

‫‪ ‬املستوى الثاني من األحداث ينتمي للزمن السياس ي‪ ،‬وهي‬


‫ً‬
‫"األحداث املُ َو َّجهة" التي ُيحشر إليها حشرا الوكالء والتابعون‬
‫وأصحاب الدكاكين السياسية والثقافية واإلعالمية والنقابية‪.‬‬
‫هؤالء قوم منسجمون مع أنفسهم؛ يفهمون في حدود إرادتهم‪،‬‬
‫ويريدون في حدود فهمهم‪ ،‬ويقومون باألدوار املرسومة لهم‪،‬‬
‫وينتظرون اإلشارات والتعليمات وينفذونها بالحرف حتى ولو كانت‬
‫مثيرة لسخرية املنطق السليم ومدمرة ملستقبلهم السياس ي‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪111‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ ‬املستوى الثالث من األحداث ينتمي للزمن التاريخي أي زمن لعبة‬


‫ُ‬
‫السلطة وصراعاتها‪ ،‬وهي "األحداث امل َو ِّ ّجهة" التي يصنعها أصحاب‬
‫السلطة‪ .‬هؤالء قوم يوجهون األحداث عن بعد‪ ،‬ويطبخونها على‬
‫نار هادئة‪ ،‬ورهانهم الحفاظ على السلطة أو السعي إلى امتالكها أو‬
‫التأثير على من يمتلكها‪.‬‬

‫هي إذن ثالثة أزمنة‪ :‬للمستضعفين زمن املعيش اليومي يتدافعون‬


‫في حدود وعيهم وإرادتهم بحثا عن تحسين شروط عبوديتهم وظروفها‪،‬‬
‫وللوكالء الزمن السياس ي يتهاترون في حدود األدوار املوكولة لهم واملصالح‬
‫الشخصية التي تحركهم‪ ،‬وألصحاب السلطة الزمن التاريخي يتصارعون‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫على السلطة حفاظا عليها أو سعيا إليها أو تأثيرا على من يمتلكها‪.‬‬

‫عندما نحلل األحداث لفهمها ينبغي أال يحجب عنا االندفاع‬


‫الصادق والساذج للطيبين‪ ،‬وتكتيكات حلق اللحى وبتر األذرع بين الوكالء‪،‬‬
‫استراتيجيات مراكمة السلطة على الصعيدين العاملي والتاريخي‪ ،‬وعندما‬
‫نشارك في األحداث ينبغي أن نتفاعل معها بذكاء وبما يخدم مصالح‬
‫الطبقة التي ننتمي إليها‪ ،‬هذا إن كان لنا انتماء ووعي به‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪112‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫اعرف الالعبين‬

‫الالعبون هم الذين يقومون بأدوار مهمة في اللعبة‪ ،‬وهم من جهة‬


‫امتالكهم ملشروع وقدرتهم على فرض أو تغيير قواعد اللعب ثالثة أنواع‪:‬‬
‫رائد ومتحدي وتابع‪:‬‬

‫‪ ‬الرائد هو من يملك مشروعا ويفرض قواعد اللعب‪.‬‬

‫‪ ‬املتحدي هو من يملك مشروعا ويسعى إلى تغيير قواعد اللعب‪.‬‬

‫‪ ‬التابع هو من ال يملك مشروعا ويخضع لقواعد اللعب‪.‬‬

‫ولكي تشتغل اللعبة يجب أن يعتقد الالعبون في قيمة الصراعات‬


‫التي يخوضونها حتى ولو كانت تافهة‪.‬‬

‫والالعبون من جهة امتالكهم الستعدادات لعب اللعبة بدون‬


‫أوهام ثالثة أنواع‪:‬‬

‫‪ ‬صانعو األلعاب وهم الالعبون األكثر يقظة وقدرة على فهم قواعد‬
‫اللعب‪ ،‬والتعرف على منافسيهم وعلى مواقع منافسيهم ومشاريعهم‬
‫واستراتيجياتهم‪ ،‬وعلى اللعب بدون أوهام وبإرادة التحدي أو‬
‫الريادة‪ .‬هؤالء العبون يملكون االستعدادات الذاتية العميقة‬
‫للعب اللعبة‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪113‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ ‬الوكالء من الخيل والبغال والحمير من الذين يمتلكون نصف‬


‫الوعي ونصف اإلرادة‪ .‬نصف الوعي ونصف اإلرادة أخطر على‬
‫املجتمع من الالوعي والالإرادة‪.‬‬

‫‪ ‬الطيبون سفراء النوايا الحسنة الذين يعيشون في غيبوبتهم‬


‫السعيدة وعموميات فهمهم البسيط لقوانين اشتغال العوالم‬
‫االجتماعية وسنة التدافع والتنافس والصراع‪ ،‬وخصوصيات‬
‫عواطفهم السامية الجياشة الصادقة‪ ،‬وفسولة إرادتهم الحانية‬
‫املتسامحة العذبة‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪114‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫اعرف مصالح الالعبين‬

‫لكل ش يء طاقة تحركه‪ ،‬واملصلحة هي الطاقة املحركة للعبة‬


‫والالعبين‪ .‬املصلحة هي الطاقة املحركة للحياة االجتماعية‪ ،‬ومبدأ كل‬
‫حركة وسكون في مختلف العوالم االجتماعية‪.‬‬

‫املصلحة هي ما نحصل عليه من منفعة أو خير من تملكنا لش يء أو‬


‫قيامنا بفعل أو دخولنا في عالقة‪ .‬وهي نوعان مصلحة عامة ومصلحة‬
‫شخصية‪.‬‬

‫واملصالح ليست نقيض املبادئ‪ ،‬نقيض املصالح املفاسد‪ ،‬وهذا‬


‫التقابل يبرز لنا بوضوح الطبيعة الحيوية واإليجابية ملفهوم املصالح من‬
‫خالل نقيضه الحقيقي املفاسد‪ ،‬لكن انزلق لألسف فهم املعاصرين إلى‬
‫تعاطي سلبي مع مفهوم املصالح بمقابلته مع مفهوم املبادئ‪ .‬إن العالقة‬
‫بين املبادئ واملصالح ليست عالقة تناقض‪ ،‬وإنما عالقة تكامل؛ فاملبادئ‬
‫بدون مصالح جوفاء‪ ،‬واملصالح بدون مبادئ عمياء‪.‬‬

‫إن ازدهار أي أمة وتقدمها مرتبط بجعل قاعدة "جلب املصالح‬


‫ودرء املفاسد" أساس فهمها للدين والحياة‪ .‬واملصالح ليست هي ّ‬
‫قوام‬
‫ً‬
‫حياة الفرد فقط‪ ،‬بل هي أيضا ما ُي َو ّحد بين البشر‪ ،‬ولعل قدرتها على‬
‫توحيد البشر في جماعات ومنظمات وأمم أقوى من قدرة املشاعر‬
‫واألفكار على التوحيد‪ ،‬وتجارب الوحدة (االتحاد األوربي مثال) القائمة‬
‫على وحدة املصالح رغم التناقضات اللغوية والعرقية والدينية دليل على‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪115‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫فعالية املصالح كحافز شخص ي وجماعي‪ ،‬وكرابطة اجتماعية‪ ،‬وكمبدأ‬


‫للتعاون والتعايش في إطار املصالح املتبادلة أو املشتركة‪.‬‬

‫ولكل العب مصالحه الشخصية أو العامة أو هما معا‪ ،‬ولكل فئة‬


‫وطبقة من الالعبين مصالحهم الفئوية والطبقية‪:‬‬

‫‪ ‬الحازمون عندهم توازن أخالقي بين املصلحة العامة ومصالحهم‬


‫الشخصية‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ ‬املاكرون يختارون املصلحة الخاصة هدفا‪ ،‬واملصلحة العامة‬
‫شعا ًرا‪.‬‬

‫‪ ‬الوكالء يقومون بمهمتهم املحددة لهم ويخدمون مصالحهم‬


‫الشخصية في نفس الوقت ثم يرحلون‪.‬‬

‫‪ ‬الطيبون مجرد سفراء للنوايا الحسنة‪ ،‬ال هم يتقنون خدمة‬


‫املصلحة العامة‪ ،‬وال هم ينجحون في خدمة مصالحهم الشخصية‪.‬‬

‫إن اإلدارة الفعالة للمصالح والتحكم في العالقة بين املصالح‬


‫الشخصية واملصلحة العامة تحدي‪ ،‬لذلك يوص ي فقه الحزم القتحام‬
‫هذا التحدي بنجاح بااللتزام باملبادئ اآلتية‪:‬‬

‫‪ ‬املصالح ليست نقيض املبادئ‪ ،‬نقيض املصالح املفاسد‪.‬‬


‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪116‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ ‬كل الالعبين تحركهم قاعدة أساسية واحدة‪ :‬جلب املصالح ودرء‬


‫املفاسد‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫‪ ‬املصالح ت َو ّحد بين البشر كما ت َو ّحد بينهم األفكار واملشاعر‪ِّ .‬اجعل‬
‫دائما الروابط بينك وبين اآلخرين متعددة‪ :‬أفكار تمنح وحدة‬
‫الهوية‪ ،‬ومشاعر تمنح وحدة الشعور‪ ،‬ومصالح تمنح وحدة‬
‫السلوك‪.‬‬

‫‪ ‬املصالح ثالثة أنواع‪ :‬املصالح الشخصية ومصالح اآلخرين‬


‫واملصلحة العامة‪ ،‬ويجب املوازنة بينها‪ِّ .‬اعرف مصالحك وتمسك‬
‫بها ودافع عنها لكن دون املس بمصالح اآلخرين وباملصلحة العامة‪،‬‬
‫وليكن شعارك‪" :‬أنا رابح‪ ،‬و أنت رابح‪ ،‬والكل رابح"‪.‬‬

‫‪ ‬القرارات ال تبنى على أساس املعلومات وإنما على أساس املصالح‪،‬‬


‫أما املعلومات فدورها فقط تبيان اتجاه املصلحة‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪117‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫اعرف مو اقع الالعبين‬

‫املوقع في حقل التنافس والصراع هو الكيفية التي يتميز بها العب‬


‫عن باقي الالعبين‪ ،‬واملسافة التي تفصله عنهم‪ .‬بتعبير آخر هو قيمة‬
‫الالعب في اللعبة‪.‬‬

‫في األلعاب االجتماعية للبشر كما في لعبة الشطرنج يملك كل‬


‫العب قيمتين‪ :‬قيمة مطلقة وقيمة نسبية‪ .‬قيمة مطلقة ذاتية أخالقية‬
‫تتحدد بمرجعية املبادئ والقيم األخالقية‪ ،‬وقيمة نسبية موضوعية‬
‫اجتماعية تتحدد بمرجعية موقعه في حقل التنافس والصراع وقواعد‬
‫اللعب‪ .‬عند املواجهة تنضاف للقيمة الذاتية األخالقية لالعب قيمة‬
‫موضوعية اجتماعية‪ ،‬وال وزن للقيمة الذاتية األخالقية لالعب عند‬
‫املواجهة إال في حدود مكانة األخالق ضمن مبادئ اشتغال حقل املواجهة‪.‬‬
‫البشر عند املواجهة كاألرقام‪ ،‬تتحدد ميزتهم التنافسية في املواجهة‬
‫بمواقعهم‪.‬‬

‫كيف نعرف موقع الالعب في حقل التنافس والصراع؟ بانتمائه‬


‫الطبقي؟ أم بما يملك من رساميل كالكاريزما واملعرفة واملعلومة‬
‫والعالقات واملال والسلطة؟‬

‫باألمس كان موقع الالعب يتحدد بموقعه الطبقي أو بانتمائه‬


‫االيديولوجي‪ ،‬أما اليوم فيبدو أن اللعبة تغيرت‪ ،‬ولم يعد في امللعب سوى‬
‫القواعد الخاصة للعبة ورساميلها النوعية‪ .‬إن طبيعة الصراع االجتماعي‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪118‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫يبدو أنها تغيرت من "صراع طبقات" إلى "صراع مو اقع"‪ ،‬فقد انتقل‬
‫الصراع إلى داخل حقول العالم االجتماعي وألعابه االجتماعية‪ ،‬وتحول‬
‫من صدام باألسلحة التقليدية للصراع الطبقي وااليديولوجي إلى مواجهة‬
‫باألسلحة الجديدة لقواعد اللعبة االجتماعية ورساميلها‪.‬‬

‫إن هذه الصورة الجديدة للصراع فيها الكثير من الحقيقة‪ ،‬لكن‬


‫فيها أيضا الكثير من الوهم؛ فالالعبين في مختلف الحقول واأللعاب‬
‫االجتماعية ما هم إال وكالء لـ "اللعبة الكبرى" و "الالعبين الكبار"‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪119‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫اعرف مشاريع الالعبين‬

‫إن أحداثيات الالعب في حقل املواجهة والتنافس والصراع ال‬


‫تتحدد بوعيه بمصالحه وتموقعه الجيد فقط‪ ،‬إذ البد من مشروع أيضا‪.‬‬
‫إن أحد أهم مظاهر أزمة الطيبين غياب املشروع‪ ،‬والعب بدون مشروع‬
‫هو عدو النوع البشري‪.‬‬

‫يملك كل العب‪ ،‬من حيث املبدأ‪ ،‬مشروعا ينافس به وعليه‪،‬‬


‫ويجتهد في نفس الوقت في فهم مشاريع خصومه للبحث عن شراكات‬
‫وتحالفات‪ ،‬ومالءمة أدوات واستراتيجيات املواجهة مع املشاريع املتحالفة‬
‫أو املتنافسة‪.‬‬

‫ما الدوافع التي تحرك البشر في مشاريعهم؟ إن فهمك لدوافع‬


‫اآلخرين يتطلب منك الدخول إلى منطقة مظلمة في عالم النفس البشرية‪،‬‬
‫فالبشر تحركهم دوافع مختلفة أهمها‪ :‬السلطة واملال واملكانة واالنتقام‬
‫والرغبة في اإليذاء واملحبة‪ .‬ومعرفة دوافع من حولك شرط لتنجح في‬
‫التعامل معهم‪ ،‬فاملعرفة قوة‪.‬‬

‫املشروع هو التزام ال رجعة فيه بتحقيق نتيجة فريدة من نوعها‬


‫وغير مؤكدة‪ ،‬يحتاج إلى تضافر وإدماج عدد كبير ومتنوع من املساهمات‪،‬‬
‫ويستجيب لحاجة صريحة‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪120‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫يبدأ أي مشروع بفكرة تحتاج إلى إيمان أو بنداء يحتاج إلى‬


‫استجابة‪ ،‬وتتحول الفكرة بعد ذلك إلى مشروع‪ ،‬وأخيرا يتجسد املشروع‬
‫في نتائج في شكل منتجات وخدمات ووظائف وبنيات مؤسسية‪.‬‬

‫إن املشاريع تختلف باختالف أنواع التنظيمات (مجتمع‪ ،‬دولة‪،‬‬


‫شركة‪ ،‬جمعية‪ )...‬واختالف شروط وجودها التاريخية والثقافية‬
‫والسياسية واالقتصادية واالجتماعية والتقنية‪ ،‬إال أنها تخضع عموما‬
‫لنفس مبادئ وقوانين التطور‪ .‬إن الذكاء الجماعي لكل تنظيم حي (يولد‬
‫وينمو ويتطور) يمر بثالثة مستويات من التطور‪:‬‬

‫‪ ‬مرحلة تأمين شروط استمرار الوجود والتواجد الجماعي (تنظيم‬


‫يؤمن استمرارية وجوده)‪.‬‬

‫‪ ‬مرحلة تحسين شروط الوجود والتواجد الجماعي باستكشاف‬


‫دائرة املمكن للنظر في اإلمكانات التي يتيحها للفعل الجماعي في‬
‫املستقبل‪.‬‬

‫‪ ‬مرحلة تحسين شروط الوجود والتواجد الجماعي باستكشاف‬


‫دائرة املرغوب فيه‪.‬‬

‫إن تطور ذكاء التنظيمات من مشروع تأمين شروط استمرار‬


‫الوجود إلى مشروع تحسين شروط الوجود باستكشاف دائرتي املمكن‬
‫واملرغوب فيه يؤشر على وجود نوعين من املشاريع‪:‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪121‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ ‬مشاريع العبيد التي تنشغل بتأمين شروط استمرار الوجود‪.‬‬

‫‪ ‬مشاريع السادة التي تنشغل بتحسين شروط الوجود باستكشاف‬


‫دائرتي املمكن واملرغوب فيه‪.‬‬

‫أما املشروع من الناحية اإلجرائية فهو املعرفة العملية بوجهة‬


‫الفعل الجماعي في املستقبل (ماذا؟) وبالكيفية العملية للوصول إلى هذه‬
‫الوجهة (كيف؟)‪ ،‬وعليه فإن أنواع املشاريع تبعا لهذين املعيارين (ماذا‬
‫وكيف) أربعة‪:‬‬

‫‪ ‬مشروع ضبابي (ال نعرف ماذا وال نعرف كيف)‪ :‬يكون املشروع‬
‫ضبابيا عندما يكون الفعل الجماعي في املستقبل بدون وجهة‬
‫واضحة ويفتقد إلى املعرفة بالكيفية العملية لتحقيق األهداف‬
‫والغايات‪ .‬يحتاج التنظيم في مثل هذه الحاالت إلى تشخيص‬
‫لتحديد األهداف (ماذا؟) أو لتحديد نقط القوة التي سيتم االرتكاز‬
‫عليها لوضع األهداف‪.‬‬

‫‪ ‬مشروع يبحث عن الفعل (ال نعرف كيف لكن نعرف ماذا)‪ :‬هذه‬
‫حالة التنظيمات التي نجحت في تحديد أهدافها (ماذا؟) لكن ال‬
‫تعرف كيف تصل إليها‪ .‬في مثل هذه الحاالت يكون من املفيد‬
‫االطالع على تجارب الذين حققوا نفس األهداف التي نريد أن نصل‬
‫إليها‪ .‬كما أن االستعانة بمتدخل له معرفة كبيرة وشمولية بكل ما‬
‫يحدث وما يوجد مفيدة أيضا‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪122‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ ‬مشروع يبحث عن هوية (ال نعرف ماذا لكن نعرف كيف)‪ :‬هذه‬
‫حالة التنظيمات التي لها تجربة عملية مهمة فهي تعرف نقط قوتها‬
‫وتعرف الكيفية العملية لإلنجاز‪ .‬لكن املفارقة هي أنها ال تعرف‬
‫ماذا تريد بدقة وبوضوح‪ .‬في مثل هذه الشروط يكون من املفيد‬
‫استكشاف ما يحدث في القطاع الذي نشتغل فيه‪ .‬وربما يكون من‬
‫املفيد أيضا استكشاف ما يجري في قطاعات أخرى‪ .‬هذا باإلضافة‬
‫إلى مسح ميداني لحاجات الجمهور والعمالء‪.‬‬

‫‪ ‬مشروع واضح (نعرف ماذا ونعرف كيف)‪ :‬يجب أن يكون هدف‬


‫كل تنظيم هو إنضاج مشروعه ليصل إلى مربع الوضوح‪ ،‬لكن‬
‫يمكن أحيانا للتنظيم أن يقرر متابعة مشروعه وإن لم يكتمل بعد‬
‫شريطة الوعي باملخاطر املرتبطة بالفعل الجماعي في مثل هذه‬
‫الحالة‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪123‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫اعرف استراتيجيات الالعبين‬

‫توجد عدة أنواع من االستراتيجيات‪ .‬وعموما يمكن التمييز بين‬


‫خمسة أنواع‪:‬‬

‫‪ ‬االستراتيجية القصدية‪ :‬هي االستراتيجية املوجودة في ذهن‬


‫القائد ونوايا العاملين والقيادات العليا والوسطى‪ .‬وتكون عادة غير‬
‫مكتوبة‪.‬‬

‫‪ ‬االستراتيجية املتداولة‪ :‬هي كل استراتيجية نشأت عبر عملية‬


‫تفاوضية وبالتالي فهي استراتيجية متقاسمة‪.‬‬

‫‪ ‬االستراتيجية التلقائية‪ :‬هي االستراتيجية النابعة من ذاتها بشكل‬


‫حر وبدون عملية رسمية متسمة باالحترام الشديد للمعايير‬
‫وبالتالي فهي استراتيجية صاعدة‪.‬‬

‫‪ ‬االستراتيجية املنجزة‪ :‬هي كل استراتيجية قصدية تطورت إلى‬


‫متداولة ونجحت في النهاية في تحقيق رؤيتها وأهدافها كليا أو جزئيا‪.‬‬

‫‪ ‬االستراتيجية غير املنجزة‪ :‬هي كل استراتيجية قصدية توقفت عن‬


‫التطور عند مستوى النوايا واآلمال والطموحات أو عند مستوى‬
‫العملية التفاوضية ألسباب ذاتية أو موضوعية‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪124‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫وفي إطار هذا التمييز علينا أن ننتبه إلى أن االستراتيجيات‬


‫املتداولة ليست بالضرورة هي أفضل استراتيجية‪ ،‬كما أن االستراتيجيات‬
‫التلقائية ليست بالضرورة رديئة‪ .‬وهنا تكمن أحد أهم شروط نجاح‬
‫االستراتيجية‪ :‬مرونة الخطة‪ ،‬والقدرة على أخذ عالمات جديدة بعين‬
‫االعتبار‪ ،‬وإدماج عناصر جديدة قد تغير الخيارات االستراتيجية‪ ،‬ووضع‬
‫سيناريوهات متعددة‪ .‬إن الجمع بين ميزة التداول الجماعي املنظم بشأن‬
‫االستراتيجية واملرونة املبنية على السيناريوهات هي إحدى خصائص‬
‫االستراتيجيات الفعالة‪.‬‬

‫ويمكن تقسيم االستراتيجيات بطريقة ثانية بناء على أنواع‬


‫الالعبين‪:‬‬

‫‪ ‬استراتيجيات الطيبين‪ :‬وتقوم على التمترس خلف املواقع اآلمنة‪.‬‬

‫‪ ‬استراتيجيات املاكرين‪ :‬وتقوم على مبدأ "كن جالدا وقدم نفسك‬


‫ضحية أو منقذ"‪.‬‬
‫ّ‬
‫بالخب ألني‬ ‫‪ ‬استراتيجيات الحازمين‪ :‬وتقوم على مبدأ "لست‬
‫أعرف قواعد الحزم وأطبقها‪ ،‬وال الخب يخدعني ألني أعرف‬
‫قواعد املكر ويقظ تجاهها"‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪125‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫اعرف ألعاب الجوع وألعاب الخوف‬


‫اإلطعام من جوع واألمن من خوف هما أساس ّ‬
‫الن َعم والقاعدة‬
‫ِّ‬
‫الن َعم‪ .‬نقرأ عنهما في القرآن في سورة قريش‬ ‫املادية والنفسية لبقية ّ‬
‫ِّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َٰ‬ ‫َْ‬
‫كنعمتين عظيمتين‪" :‬فل َي ْعبدوا َر َّب َهذا ال َب ْيت‪ ،‬الذي أط َع َمهم ّمن جوع‬
‫َ‬
‫َو َآم َنهم ّم ْن خ ْوف"‪ ،‬كما نقرأ عنهما في العلم في قاعدة هرم الحاجات‬
‫ملاسلو كحاجتين أساسيتين‪ :‬الحاجة إلى اإلطعام من جوع‪ ،‬ثم الحاجة إلى‬
‫ً‬
‫األمن من خوف‪ ،‬واملاكرون يفهمون هذا جيدا‪ ،‬لذلك يستخدمون ألعاب‬
‫ّ‬
‫الجوع وألعاب الخوف للتحكم‪.‬‬

‫إن وظيفة ألعاب الجوع وألعاب الخوف هي اإلبقاء على جمهور‬


‫ً‬
‫الالعبين في حدود القاعدة املادية لهرم الحاجات االنسانية بعيدا عن‬
‫املستويات العليا حيث الهوية الجماعية والكرامة االنسانية وتحقيق‬
‫الذات الفردية والجماعية‪.‬‬

‫ألعاب الجوع األساسية اليوم ثالث‪ :‬املدرسة والوظيفة‬


‫والتقاعد‪ ،‬وهي تغطي في تعاقبها حياة اإلنسان بالكامل‪ ،‬وتعززها ألعاب‬
‫أخرى كالضرائب والفائدة والتضخم وأسعار الصرف‪ .‬وحصيلة هذه‬
‫األلعاب هندسة اجتماعية جديدة للطبقية من خمس طبقات‪ :‬تحت‬
‫عتبة الفقر‪ ،‬والفقر‪ ،‬واألشكال الجديدة للفقر‪ ،‬واألغنياء في وضعية‬
‫هشاشة‪ ،‬والذين يملكون كل ش يء؛ ذكاء ماكر!‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪126‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫أما ألعاب الخوف فتقوم على مبدأ واحد‪ :‬العنف يزرع الرعب‪،‬‬
‫والرعب يؤدي إلى الخضوع واالنقياد‪ .‬إنها وسيلة التحكم األولى وأداته‬
‫املفضلة بامتياز؛ فالقائد املاكر يعتقد دائما أنه ال يسوس رجاال عقالء‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وإنما يسوس أسودا مفترسة وثعالب ماكرة وذئابا جشعة‪ ،‬لذلك يجعل‬
‫الخوف وسيلته األولى وأداته املفضلة بامتياز‪ .‬ذكاء ماكر!‬

‫أما الطيبون فيحاولون مواجهة هذه املشاريع املتوحشة‬


‫واالستراتيجيات املاكرة املوجهة نحو الهيمنة الشمولية بإعداد سفراء‬
‫للنوايا الحسنة يواجهون باستراتيجيات التمترس باملواقع اآلمنة‪ .‬ال يمكن‬
‫مواجهة هذه األلعاب االستراتيجية (ألعاب الجوع وألعاب الخوف) التي‬
‫تعصف بالعقول واإلرادات بالتربية على األمن‪ ،‬ال ّ‬
‫يفل الحديد إال‬
‫الحديد‪ .‬لكن الطيبين ال يفهمون ألعاب الجوع وكيف تعصف بالعقول‬
‫وألعاب الخوف وكيف تعصف باإلرادات‪ ،‬وإن فهموا عجزوا عن املواجهة‬
‫الذكية‪ .‬غباء في الفهم وعجز في املواجهة!‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪127‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫اعرف ألعاب اإلقصاء االجتماعي‬

‫سوق املدارس العليا لعبة‪ ،‬حول طاولتها العبون ورهانات وقواعد‬


‫للعب‪ .‬وأول قواعد اللعب مبادئ تصنيف الجامعات واملدارس العليا إلى‬
‫نافعة وغير نافعة‪ .‬وعندما نفهم هذه القاعدة األولى ونقبلها‪ ،‬مقتنعين أو‬
‫مكرهين‪ ،‬علينا أن ننخرط في سباق اقتحام حواجز الدخول إلى "املدارس‬
‫العليا النافعة"‪ .‬في هذا السباق يفشل أغلب املتسابقين‪ ،‬ألسباب مرتبطة‬
‫بأصولهم االجتماعية‪ ،‬والقلة القليلة التي تنجح في اقتحام حواجز‬
‫الدخول تجد نفسها أمام سباق ثاني القتحام حواجز الخروج‪.‬‬

‫بعد مخاض التخرج العسير‪ ،‬تجد القلة القليلة املحظوظة نفسها‬


‫أمام سباق ثالث القتحام حواجز الدخول إلى سوق الشغل‪ .‬هذه السوق‬
‫هي بدورها لعبة‪ ،‬حول طاولتها العبون ورهانات وقواعد للعب‪.‬‬

‫وأول قواعد اللعب مبادئ تصنيف املهن والوظائف إلى نافعة وغير‬
‫نافعة‪ .‬وعندما نفهم هذه القاعدة األولى ونقبلها‪ ،‬مقتنعين أو مكرهين‪،‬‬
‫علينا أن ننخرط في سباق اقتحام حواجز الدخول إلى "املهن والوظائف‬
‫النافعة"‪ .‬في هذا السباق يفشل أغلب املتسابقين‪ ،‬ألسباب مرتبطة‬
‫بأصولهم االجتماعية ووعيهم االجتماعي‪ ،‬والقلة القليلة التي تنجح في‬
‫اقتحام حواجز الدخول تجد نفسها أمام سباق رابع القتحام حواجز‬
‫الخروج‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪128‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫بعد مخاض الخروج من الوظيفة العسير‪ ،‬وما أصعب الخروج من‬


‫دفء الوظيفة وأمانها‪ ،‬تجد القلة القليلة املحظوظة نفسها أمام سباق‬
‫خامس القتحام حواجز الدخول إلى سوق األعمال الحرة املتوحش‪ .‬هذه‬
‫السوق هي بدورها لعبة‪ ،‬حول طاولتها العبون ورهانات وقواعد للعب‪.‬‬

‫وأول قواعد اللعب ثنائية قواعد اللعب‪ :‬لعب فوق الطاولة‬


‫ولعب تحت الطاولة‪ .‬وعندما نفهم هذه القاعدة األولى ونقبلها‪ ،‬مقتنعين‬
‫أو مكرهين‪ ،‬علينا أن ننخرط في السباق املزدوج للمزايدات األخالقية على‬
‫اللعب فوق الطاولة واملزايدات امليكيافيلية على اللعب تحت الطاولة‪ .‬في‬
‫هذا السباق يفشل أغلب املتسابقين‪ ،‬ألسباب مرتبطة بأصولهم‬
‫االجتماعية ومنظومتهم القيمية‪ ،‬والقلة القليلة التي تنجح في هذا السباق‬
‫تجد نفسها أمام سباق سادس القتحام حواجز تحويل الثروة إلى سلطة‪.‬‬

‫بعد مخاض تحويل الثروة إلى سلطة العسير‪ ،‬وما أصعب لعبة‬
‫صناعة السلطة واحتكارها‪ ،‬تجد القلة القليلة املحظوظة نفسها أمام‬
‫سباق سابع للحفاظ على سلطتها في املحيط األحمر لسوق السلط املادية‬
‫والرمزية‪ .‬هذه السوق هي بدورها لعبة‪ ،‬حول طاولتها العبون ورهانات‬
‫وقاعدة واحدة للعب‪.‬‬

‫إنها املستويات السبعة "أللعاب اإلقصاء االجتماعي" التي تتقاتل‬


‫فيها نخبة من املتنافسين حتى املوت‪ .‬والفائز هو آخر شخص يظل على‬
‫قيد الحياة‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪129‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫اعرف لعبة التميز االجتماعي‬

‫في كل مجتمع توجد طبقات اجتماعية‪ ،‬ولعبة للتميز االجتماعي‪،‬‬


‫وحروب طبقية هدفها صناعة التفاوتات االجتماعية‪ ،‬وإعادة إنتاج الواقع‬
‫ً‬
‫واملواقع‪ ،‬وحراسة العبد واملعبود واملعبد‪ ،‬ليبقى األغنياء أحرارا والفقراء‬
‫ً‬
‫عبيدا‪.‬‬

‫والطبقات االجتماعية في كل مجتمع ثالث‪:‬‬

‫‪ ‬الطبقة الشعبية‪ :‬فئة واسعة من الناس يسكنها الحزن من معاناة‬


‫ً‬ ‫الحياة اليومية ُ‬
‫والحلم بالوسائل والغايات معا‪ .‬بعض أفرادها‬
‫يشفى من هذا الحزن بالعمل السياس ي أو النقابي أو التجاري‪،‬‬
‫ويحقق حلمه بالوسائل‪ ،‬لكن ينس ى الغايات التي كان يحلم بها‪.‬‬

‫‪ ‬الطبقة املتوسطة‪ :‬أغبى طبقة في املجتمع‪ ،‬تجمع في مفارقة‬


‫عجيبة سمات متناقضة للوعي والوضع واملظاهر‪ :‬وعي تحت عتبة‬
‫الفقر ووضع مادي في حالة الفقر مع املظاهر الشكلية للغنى‪.‬‬
‫تتكون من فئة واسعة من الناس‪ ،‬ال هم من الفقراء وال هم من‬
‫األغنياء؛ فئة من الطيبين الذين يعملون بجد‪ ،‬ويحلمون بالغنى‪،‬‬
‫ويخافون من الفقر! كلما أخذت الدولة منهم ضرائب أكثر ضاعفوا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫من الجهد وعملوا ليال ونهارا لتعويض ما أخذت منهم‪ .‬إنهم خزان ال‬
‫ينضب لالستغالل‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪130‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ ‬الطبقة البورجوازية‪ :‬طبقة اجتماعية تهتم بالنجاح املالي فقط‬


‫لدرجة يصبح معها الزواج واملصاهرة والحب والسياسة والدين‬
‫أشكاال متطورة للصفقات املالية‪.‬‬
‫ُ‬
‫الطبقة الشعبية ُسحقت منذ زمان‪ ،‬والطبقة املتوسطة أنهكت‬
‫ُ‬
‫منذ عقود وهي في طريقها لكي تسحق بدورها‪ ،‬لكن يبدو أن الحرب‬
‫الطبقية لم تنته بعد‪ ،‬وأن الطبقة الغنية التي كسبت معارك متعددة لم‬
‫تكسب الحرب الطبقية بشكل نهائي بعد‪.‬‬

‫في مجال البحث األكاديمي انقسم علماء االجتماع في العقود‬


‫األخيرة بخصوص الصراع الطبقي إلى ثالث مدارس‪:‬‬

‫‪ ‬املدرسة األولى ترى أن الصراع الطبقي قد انتهى بانتصار األغنياء‬


‫الذين خططوا للحرب الطبقية بذكاء وقادوها بدهاء وانتصروا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فيها انتصارا ساحقا‪.‬‬

‫‪ ‬املدرسة الثانية ترى أن فكرة "نهاية الصراع الطبقي" ُي َر ّوج لها‬


‫حراس املعبد‪ ،‬وما هي إال إيديولوجية بورجوازية لتعزيز الهيمنة‪،‬‬
‫وصناعة وعي الهزيمة واالستسالم‪ ،‬فالصراع الطبقي بنظرها ال‬
‫يمكن أن ينتهي ألنه خاصية مميزة للوجود االجتماعي والزم له‪.‬‬

‫‪ ‬املدرسة الثالثة ترى أن طبيعة الصراع االجتماعي تغيرت من‬


‫"صراع طبقات" إلى "صراع مواقع"‪ ،‬فقد انتقل الصراع بنظرها إلى‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪131‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫داخل حقول العالم االجتماعي‪ ،‬وتحول من صدام باألسلحة‬


‫التقليدية للصراع الطبقي إلى مواجهة باألسلحة الجديدة لقواعد‬
‫اللعبة االجتماعية ورساميلها‪.‬‬

‫لكن كيفما كانت حقيقة الصراع االجتماعي اليوم‪ ،‬فالش يء‬


‫ً‬
‫الوحيد املؤكد هو أن الطبقة الشعبية قد ُسحقت تماما‪ ،‬وأن الطبقة‬
‫ً‬ ‫ُْ‬ ‫ُ‬
‫املتوسطة قد أنهكت وأل ِّبست أشكاال جديدة للفقر‪ ،‬وأن الطبقة الغنية‬
‫حققت الكثير من االنتصارات وكسبت املزيد من املواقع‪ ،‬وبالتالي فمهما‬
‫تسلحنا باملعرفة املتفائلة فنحن بكل تأكيد أمام شكل آخر من أشكال‬
‫"نهاية التاريخ والطبقة األخيرة"‪.‬‬

‫صرح امللياردير األمريكي وارين بيفيت‪" :‬الحرب‬ ‫قبل سنوات ّ‬


‫الطبقية موجودة‪ ،‬والطبقة الغنية هي التي تخطط لهذه الحرب وتقودها‬
‫ّ‬
‫وهي التي تنتصر"‪ ،‬ويكفينا إلدراك الهوة السحيقة التي ولدها هذا‬
‫االنتصار أن نستحضر لغة األرقام؛ فمثال خالل العقود الثالثة األخيرة‬
‫احتكر ‪ ٪1‬من ساكنة العالم ‪ ٪93‬من االرتفاع الذي حصل في املداخيل‪،‬‬
‫فهل يصح نفي حرب الطبقات في ظل التفاوت املهول واملرعب في الناتج‬
‫الداخلي الخام العاملي؟‬

‫إن معارك الطبقة الشعبية املسحوقة والطبقة املتوسطة‬


‫املنهوكة‪ ،‬وكفاحهما األبدي في مواجهة صعوبات الحياة ومتطلباتها إنجاز‬
‫بطولي‪ ،‬لكنه إنجاز الطبقات املتواضعة التي تمارس البطولة الحقيقية‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪132‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫تؤمن ضروريات العيش وتظل‬ ‫بشكل يومي ودون ضجة من أجل أن ّ‬


‫صادقة وشريفة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ُ َ‬
‫أما معارك املال املتوحش والسلطة امل َتغ ّ ِّولة فهو أيضا إنجاز‬
‫بطولي‪ ،‬لكنه إنجاز في شن الحروب الطبقية‪ ،‬وصناعة التفاوتات‬
‫االجتماعية‪ ،‬وإعادة إنتاج الواقع واملواقع‪ ،‬وحراسة العبد واملعبود‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫واملعبد‪ ،‬ليبقى األغنياء أحرارا والفقراء عبيدا‪ ،‬عن طريق العبث السياس ي‬
‫والريع االقتصادي ومناورة الطبقات الشعبية واملتوسطة باألشكال‬
‫املختلفة للوهم (مثال وهم تحقيق األمن املالي من خالل األمن الوظيفي‪،‬‬
‫ووهم طبقة متوسطة مزعومة تعيش بوضع مادي في حالة فقر ومظاهر‬
‫شكلية للغنى)‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪133‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫اعرف ألعاب الفكر‬

‫للفكر دور استراتيجي في كل األلعاب‪ ،‬فكل ما يتم التفكير فيه‬


‫يمكن تغييره وتطويره‪ ،‬وكل ما ال يتم التفكير فيه ال يمكن تغييره وتطويره‪.‬‬
‫التفكير يسبق الفعل ويوجهه ويمنحه فعالية‪ ،‬فهو سالح الالعبين في‬
‫شحذ أسلحتهم في املواجهة‪.‬‬

‫للمفكر‪ ،‬من حيث املبدأ‪ ،‬قدرة على االستعمال العمومي للعقل؛‬


‫ً ً‬
‫فهو يستطيع أن يفكر في ما يرد عليه من قضايا باعتباره إنسانا حرا حرية‬
‫كاملة من كل االنحيازات والجاذبيات الثقافية واالجتماعية الخاصة وال‬
‫ُيبقي سوى على طبيعته العاقلة بداللتها الكونية‪.‬‬

‫وممارسو ألعاب الفكر أنواع‪:‬‬

‫‪ ‬نصف مثقف‪ :‬قارئ يتميز بالنباهة في الصباح والجرأة بقية‬


‫اليوم؛ يقرأ الصحف في الصباح ويتصفح عناوين بعض الكتب‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫وعندما يأتي مجلسا ُيوجه دفة الحديث نحو املوضوع الذي قرأه في‬
‫ّ‬
‫الصباح‪ ،‬فيخلق بذلك فرصته لكي يتألق‪ .‬ونصف مثقف أخطر‬
‫على املجتمع من ّأمي‪.‬‬

‫‪ ‬املثقف‪ :‬هو صاحب الثقافة املقروءة أو املكتسبة‪ ،‬وهو رجل‬


‫إطفاء يالحق الحرائق اليومية التي تسبب فيها غيره‪ .‬األزمات التي‬
‫يمر بها املجتمع هي التي تحدد دوره‪ ،‬وغالبا يكون في خدمة األسئلة‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪134‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫املغلوطة التي يطرحها املتحكمون في اللعبة لتحويل األنظار عن‬


‫األسئلة الحقيقية‪ .‬عندما ترفض اللعبة وتدخل في جزئياتها‬
‫فأنت أيضا تلعب اللعبة‪.‬‬

‫‪ ‬املفكر‪ :‬هو صاحب الثقافة التأملية التي توجه الفعل وتعزز‬


‫فعاليته‪ ،‬وهو قوة املجتمع النقدية واالقتراحية‪ ،‬ورجل‬
‫االستراتيجيات الفكرية بامتياز‪ .‬للمفكر أربع عالمات ّ‬
‫تميزه‪ :‬يطرح‬
‫األسئلة الحقيقية التي تخدم مستقبل مجتمعه واالنسانية‪،‬‬
‫ً‬
‫ويملك لغته الخاصة به وجهازه املفهومي الخاص به ألنه يعي جيدا‬
‫أن اللغة ليست وسيلة محايدة في عملية للتواصل وإنما هي أداة‬
‫أساسية في الصراع الفكري‪ ،‬وهو صاحب مشروع فكري أي له من‬
‫محيطه مادة صراع فكري على جبهتين‪ :‬ضد الذكاء املاكر وضد‬
‫الغيبوبات السعيدة‪ ،‬ويستخدم املعرفة بكل أنواعها ضد السلطة‬
‫بكل أشكالها‪ .‬املفكرون قلة في كل مجتمع وعبر التاريخ‪ ،‬ومن النادر‬
‫جدا أن يجتمع عدد كبير منهم في نفس املجتمع في عصر واحد‪،‬‬
‫وإذا اجتمعوا حدثت طفرة حضارية (العصر العباس ي مثال)أو ثورة‬
‫سياسية (عصر األنوار بأوربا والثورة الفرنسية مثال)‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪135‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫اعرف اللعبة السياسية‬

‫السياسة باملعنى العام والواسع هي كل ممارسة هدفها الحفاظ‬


‫على السلطة أو السعي إلى امتالكها أو التأثير على من يمتلكها؛ سياسة‬
‫الرائد أو سياسة املتحدي أو سياسة الوكيل‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ال سياسة إال بارتباط مع سلطة‪ ،‬حفاظا عليها أو سعيا المتالكها‬
‫ً‬
‫أو تأثيرا على من يمتلكها‪ .‬إن السلطة‪ ،‬بمعناها الواسع أيضا‪ ،‬هي وسيلة‬
‫السياسة األولى‪ ،‬ثم ضع ما شئت بعد ذلك من أهداف وغايات حسب‬
‫مقاصدك من ممارستها‪.‬‬

‫السياسة والسلطة‪ ،‬بمعناهما العام والواسع‪ ،‬ال مكان لهما ألنهما‬


‫موجودتان في كل مكان‪ :‬في الشركة‪ ،‬واإلدارة الحكومية‪ ،‬والجمعية‪،‬‬
‫والنادي‪ ،‬والنقابة‪ ،‬والحزب‪ ،‬واملجتمع‪ ،‬والدولة‪ ،‬والعالقات الدولية‪ ،‬وكل‬
‫من يسعى إلى امتالك سلطة مهما كان نوعها أو نطاقها فهو يمارس‬
‫السياسة باملعنى العام والواسع للكلمة‪.‬‬

‫والسلطة‪ ،‬باملعنى العام والواسع‪ ،‬هي قدرة شخص معين أو‬


‫منظمة على فرض أنماط سلوكية لدى شخص ما (سلطة األب على‬
‫أبنائه‪ ،‬سلطة املعلم على تالمذته‪ ،‬سلطة املدير على موظفيه‪ ،‬سلطة‬
‫ً‬
‫الدولة على املجتمع‪ .)...‬يعتبر امتالك السلطة هدفا في كل عالقة مبنية‬
‫على التأثير أو عالقات القوة والسعي للهيمنة والتحكم‪ ،‬كما في مجال‬
‫التربية والتعليم أو اإلدارة أو الصراع السياس ي أو التنافس االقتصادي‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪136‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫تتميز السلطة بثالث خصائص أساسية‪:‬‬

‫‪ ‬تمنح السيطرة والهيمنة املادية والرمزية ملن يمتلكها‪.‬‬

‫‪ ‬ندرتها‪ ،‬فالعوالم االجتماعية ال تتسع للسلطة في كل مكان‪.‬‬


‫ً‬ ‫‪ ‬صعوبة تقاسمها‪ ،‬حيث ُ‬
‫اعت ِّب َرت غالبا من طرف الذين يمتلكونها‬
‫ً‬
‫شيئا ال يمكن تقاسمه‪.‬‬
‫ّ‬
‫يسمى محترفو جمع السلطة سياسيين‪ ،‬وهواة تقاسمها ُم َنظرين‪،‬‬
‫والذين ال يهتمون بها طيبين وسفراء نوايا حسنة‪.‬‬

‫هذه هي اللعبة السياسة‪ ،‬ممارسة هدفها الحفاظ على السلطة أو‬


‫السعي إلى امتالكها أو التأثير على من يمتلكها‪.‬‬

‫اللعبة السياسة عندما يمارسها الحازمون يختارون املصلحة‬


‫ً‬ ‫ً‬
‫العامة هدفا والحزم أسلوبا‪ ،‬وعندما يمارسها املاكرون يختارون املصلحة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الخاصة هدفا والعنف واملكر أسلوبا‪ ،‬وعندما يمارسها الوكالء يقومون‬
‫بمهمتهم املحددة لهم ثم يرحلون‪ .‬أما الطيبون فمجرد سفراء للنوايا‬
‫الحسنة‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪137‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫اعرف اللعبة الديمقراطية‬

‫للديمقراطية أربعة أوجه في االعتبار‪:‬‬

‫‪ ‬الديمقراطية كمبادىء ومؤسسات وآليات وإجراءات ترشد‬


‫االختالف وتوجهه‪.‬‬

‫‪ ‬الديمقراطية كما تراها وتستخدمها الطبقة املهيمنة‪ ،‬وهي أفضل‬


‫نظام إلدارة تعارض مصالح أجنحتها‪.‬‬

‫‪ ‬الديمقراطية كما تراها وتستخدمها الطبقة املتوسطة‪ ،‬وهي آلية‬


‫لتحسين شروط عبوديتها‪.‬‬

‫‪ ‬الديمقراطية كما تراها وتحلم بها الطبقة املسحوقة‪ ،‬وهي مجرد‬


‫مثال في خيالها يدغدغ أحالمها‪.‬‬

‫الحازم هو من يلعب اللعبة بدون أوهام‪ ،‬والديمقراطية فيها من‬


‫األوهام أكثر مما فيها من الحقائق؛ فهي من الناحية الواقعية مجرد لعبة‬
‫سياسية هدفها استيعاب الطامحين إلى بلوغ السلطة لترويضهم‪ .‬إنها‬
‫ترويض اآلخرين بقناع‪ ،‬في مقابل االستبداد الذي هو السعي إلى ترويض‬
‫اآلخرين بدون قناع‪ .‬بتعبير آخر هي حكم املال نفسه بنفسه‪ ،‬أو حكم‬
‫املال للمال لصالح املال‪ .‬إنها الكلمة األكثر فائدة ألصحاب الثروة‬
‫والسلطة ألنها تخفي توجيه األحداث والسيطرة عليها‪ .‬في النظام‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪138‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫الديمقراطي املال هو املنتصر دائما‪ ،‬وللطيبين أن يعتقدوا أنها حكم‬


‫الشعب نفسه بنفسه‪.‬‬
‫ً‬
‫إن الديمقراطية هي أقل األنظمة فسادا‪ ،‬ألنها أكثر األنظمة فعالية‬
‫في إدارة تعارض املصالح الطبقية والفئوية وتعارض مصالح األغنياء بما‬
‫يحفظ للفقراء حياتهم‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪139‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫املعرفة العميقة الثالثة‪ :‬معرفة العمل‬

‫بعد معرفة الذات والعالم تأتي معرفة العمل‪ ،‬فالحازم رجل عمل‬
‫ال رجل تأمالت وتنظيرات في الذات والعالم‪ ،‬والذات والعالم ال حاجة لهما‬
‫بمن يفهمهما فقط‪،‬وإنما حاجتهما إلى من ّ‬
‫يغيرهما‪.‬‬
‫ً‬
‫ولتغيير ذاتك والعالم من حولك‪ ،‬عاملك الصغير طبعا وفي حدود‬
‫قدرتك وإرادتك ومشاريعك الشخصية والجماعية‪ ،‬البد لك من طرح‬
‫سؤال‪ :‬ما العمل؟‬
‫إن سؤال ما العمل هو السؤال الذي ينقلك من ّ‬
‫الهزات العاطفية‬
‫ّ‬
‫املجنحة والحماس العابر إلى وضوح الرؤية واملشروع َومضاء‬ ‫واألحالم‬
‫إرادة التنفيذ وذكاء استراتيجيات املواجهة‪.‬‬

‫وبعد معرفة رؤيتك في عمومها ومشروعك في تفاصيله ستحتاج إلى‬


‫معرفة متطلبات العمل في فرق وفي إطار شراكات وتحالفات لتحقيق‬
‫رؤيتك‪ ،‬وأخيرا تحتاج إلى معرفة نوعية الشغف واإللهام والتحفيز الذي‬
‫تحتاجه لضمان قيامك وقيام فريق عملك وشركائك وحلفائك بالعمل‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪140‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫اعرف ما العمل؟‬

‫لسؤال "ما العمل؟" خصوصية تاريخية‪ ،‬فطرحه كان ينقل دائما‬


‫أصحابه من دائرة الوعي الضيق الداخلي واملعارك الصغيرة إلى دائرة‬
‫الوعي الواسع الخارجي واملعركة الكبرى‪ .‬وإذا لم تحدث هذه النقلة يجب‬
‫إعادة طرح السؤال بعمق أكبر‪ .‬عندما طرح لينين مثال سنة ‪ 1902‬هذا‬
‫السؤال‪ ،‬ساهم في نقل املعركة من دائرة النضال االقتصادي الضيق‬
‫لعالقات العمل بين العامل ورب العمل إلى الدائرة الواسعة للصراع‬
‫الطبقي‪.‬‬

‫سؤال‪ :‬ما العمل؟ سؤال استراتيجي يخرجنا من الحريق اليومي‬


‫للتكتيكات التي ال وجهة لها على املدى البعيد وال وعي لها باملعركة الكبرى‪.‬‬

‫إن وعي الطبقة املتوسطة متقدم باملقارنة مع وعي الطبقة‬


‫الشعبية‪ ،‬ألنه ينقل مثال معركة األمن املالي واالجتماعي ملستقبل أبنائهم‬
‫من الوعي الضيق لالستثمار في املزيد من األبناء إلى الوعي الواسع‬
‫لالستثمار في املدرسة والوظيفة‪ .‬لكن رغم ذلك يبقى وعي هذه الطبقة‬
‫املتوسطة أيضا محدودا وشقيا باملقارنة مع الوعي األوسع الذي يتيحه‬
‫االستثمار في معارك الحقول االجتماعية األخرى غير حقلي املدرسة‬
‫والوظيفة‪ ،‬وهذا ما يفعله بعض أبناء الطبقة املتوسطة الذين يتابعون‬
‫الرحلة واملعركة‪ .‬أما الوعي األكبر للصراع العابر للمجتمعات واألجيال‬
‫فتلك معركة أخرى ال يفهمها إال الراسخون في العلم والحزم‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪141‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫اعرف ما العائد من العمل؟‬

‫سؤال "ما العمل؟" يمنحك وضوح الرؤية واألهداف‪ ،‬أما سؤال‬


‫"ما العائد من العمل؟" فيمنحك وضوح النتيجة‪ .‬ال تكفي اإلدارة‬
‫باألهداف البد من إدارة بالنتائج معها‪ ،‬وال يكفي االستثمار البد من العائد‬
‫على االستثمار أيضا‪.‬‬

‫عندما ننخرط بشغف ومثابرة في االستثمار وننس ى العائد من‬


‫االستثمار فنحن مجرد سفراء للنوايا الحسنة‪ ،‬وعندما ننخرط بصدق في‬
‫الهدف وننس ى النتيجة واألثر فنحن مثاليون‪ .‬األعمال بالنتائج ال‬
‫باألهداف‪ ،‬وما ال يتم الحق إال به فهو حق‪ ،‬وال تطرح سؤال "ما العمل؟"‬
‫إال وسؤال "ما العائد من العمل؟" معه‪.‬‬
‫ً‬
‫جديدا من املكاسب القابلة للتراكم‬ ‫إن كل عمل جديد ينتج ر ً‬
‫صيدا‬
‫أو التداول واالستخدام‪ .‬واالكتفاء بمراكمة املكاسب دون التفكير في‬
‫تداولها أو استخدامها هو نوع من الغباء العملي‪ ،‬إذ ما فائدة التراكم‬
‫األبدي للمكاسب؟ فالفرد أو الجماعة مثال عندما ينش ئ شبكات‬
‫َ‬
‫اجتماعية‪ ،‬فهو ُيك ّ ِّون لنفسه رصيدا اجتماعيا يزيد من تموقعه وقوته‬
‫وهيبته‪ ،‬ومن ثم تظهر ضرورة تحصيل منفعة من هذا الرصيد بتحويله‬
‫إلى رأسمال من نوع آخر كأن يتحول إلى رأسمال معلوماتي أو مادي‪.‬‬

‫من الحزم التحكم في أسعار الصرف وتحويل رأس املال املتعوب‬


‫عليه إلى رأس مال مستفاد منه‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪142‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫اعرف من الفاعل؟‬

‫بعد معرفة ما العمل؟ نحتاج إلى معرفة من الفاعل؟ ِّابحث دائما‬


‫عن منفذ قوي قبل مناقشة عملية التنفيذ‪.‬‬

‫الفاعل هو من يقوم باألدوار واملهام التنفيذية املترتبة عن سؤال‬


‫ما العمل؟ ويمتلك أدوات الفعل‪ ،‬أي الوعي واإلرادة والقدرة املتناسبة مع‬
‫ص َي َدة ردود الفعل‪ .‬ال يمكن ملن يفتقد‬‫حجم العمل ونوعه‪ ،‬وال يقع في م ْ‬
‫ِّ‬
‫الوعي العميق واإلرادة الصلبة والقدرة الكافية أن يكون فاعال‪ ،‬وردود‬
‫الفعل غير املنضبطة تصنع مفعوال به ال فاعال‪.‬‬

‫للفاعل إذن‪ ،‬من حيث هو فرد‪ ،‬أربعة مقومات‪:‬‬

‫‪ ‬وعي الفاعل‪ :‬الوعي السامي العميق بالذات ونقط قوتها وضعفها‪،‬‬


‫وباللعبة وقواعدها‪ ،‬والفاعلين ومصالحهم ومشاريعهم‬
‫واستراتيجياتهم‪.‬‬

‫‪ ‬إرادة الفاعل‪ :‬اإلرادة الصلبة القوية شغفا ومثابرة وإحساسا‬


‫باملسؤولية‪.‬‬

‫‪ ‬قدرة الفاعل‪ :‬القدرة من حيث حجم الوسائل الالزمة من موارد‬


‫وكفايات لتحقيق األهداف الشخصية واملساهمة في األهداف‬
‫الجماعية‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪143‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ ‬فاعلية الفاعل‪ :‬املبادرة إلى الفعل بدل التنظير العاجز أو ردود‬


‫الفعل غير املنضبطة‪.‬‬

‫وللفاعل من حيث هو فريق عمل أربعة مقومات‪ً:‬‬

‫‪ ‬التفاعالت الفعالة‪ :‬يكون الفريق فعاال إذا كانت التفاعالت‬


‫مفتوحة وإيجابية وتامة ومسؤولة وعضوية وحيوية ومتعددة‬
‫الجوانب وتعاونية‪.‬‬

‫‪ ‬الدعم املتبادل‪ :‬الفريق الفعال يكون بين أفراده دعم متبادل‬


‫يتجلى في االعتراف املتبادل واملساعدة املتبادلة على الوجود‬
‫والتطور واالستقاللية‪.‬‬

‫‪ ‬إدارة فعالة ملشاكل العالقات‪ :‬تقع بين أفراد فرق العمل مشاكل‬
‫في العالقات من قبيل سوء الفهم والتفاهم العابر‪ ،‬واالختالف‬
‫الفكري‪ ،‬وتعارض املصالح‪ ،‬والجو املشحون بالتوتر‪ ،‬والصراع‬
‫املفتوح‪ ،‬والقطيعة‪ .‬ويكون الفريق فعاال عندما ينجح في إدارة‬
‫مشاكل العالقات بفعالية‪.‬‬

‫‪ ‬تكامل األدوار‪ :‬يكون الفريق فعاال إذا كانت األدوار فيما بين أفراده‬
‫متكاملة‪.‬‬

‫أما الفاعل من حيث هو تنظيم فله أربعة مقومات للفعالية‪:‬‬


‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪144‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ ‬قوة العالقات العاطفية‪ ،‬مجسدة في الوالء للمنظمة والشعور‬


‫باالنتماء لها والفخر باالنتساب إليها واالحترام املتبادل بين أفرادها‪.‬‬

‫‪ ‬قوة العالقات الفكرية‪ :‬مجسدة في قوة املشروع ووضوح هويته‬


‫وقوة الهيكل التنظيمي والوظيفي واألنظمة اإلدارية وآليات صناعة‬
‫القرار ووضوح العمليات وإجراءات العمل‪.‬‬

‫‪ ‬قوة العالقات العملية‪ :‬مجسدة في الضبط واالنضباط للقرارات‬


‫القيادية والجماعية وروح التعاون والتكامل‪ ،‬والفعالية والكفاءة‬
‫في التنفيذ‪.‬‬

‫‪ ‬قوة العالقات الخارجية‪ :‬مجسدة في استقاللية التنظيم‬


‫وانفتاحه على محيطه وقدرته على الدخول في شراكات وتحالفاته‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪145‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫اعرف أهمية الشراكات والتحالفات‬

‫مهما كان الفاعل قويا فهو ال يستطيع أن يقوم بأدواره ومهامه‬


‫التنفيذية املترتبة عن سؤال ما العمل بدون شراكات وتحالفات‪.‬‬

‫الشراكات هي تقاسم موارد متكاملة لتحقيق أهداف مشتركة‪ ،‬فما‬


‫ال تستطيع القيام به بموارد يمكنك القيام به بموارد شركاءك‪.‬‬

‫التحالفات هي وضع الخالفات جانبا مؤقتا ملواجهة خصم مشترك‪.‬‬

‫إن الدخول في شراكات وتحالفات تحدي‪ ،‬لذلك يوص ي فقه الحزم‬


‫القتحام هذا التحدي بنجاح بااللتزام باملبادئ اآلتية‪:‬‬

‫‪ ‬الالعب الجيد يتقن الشراكات والتحالفات‪ ،‬والالعب الس يء يفشل‬


‫فيهما‪.‬‬

‫‪ِّ ‬اجعل الشراكات والتحالفات أسلوبك في املواجهة‪.‬‬


‫ّ‬
‫‪َ ‬ر ِّكز على الشراكات والتكتالت والتحالفات بدل التركيز على‬
‫الخصوصية واالنفراد واالنفصال‪.‬‬

‫‪ ‬عزز مواقعك في حقل الصراع والتنافس واملواجهة وطور قدرتك‬


‫التفاوضية لتنجح في عقد شراكات وتحالفات بشروط أفضل‬
‫تخدم مشروعك واستراتيجيتك‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪146‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ ‬في الشراكات والتحالفات يلعب عامل وحدة املصالح دورا أكبر من‬
‫عاملي وحدة املشاعر ووحدة األفكار؛ فال تتردد في تقاسم مواردك‬
‫لتحقيق أهداف مشتركة‪ ،‬وفي وضع الخالفات جانبا مؤقتا ملواجهة‬
‫خصم مشترك‪ .‬الذكاء االستراتيجي وحده ال يصنع النجاح‪ ،‬البد من‬
‫ذكاء تكتيكي معه‪.‬‬

‫‪ ‬في حقل املواجهة واملنافسة والصراع تتشكل دائما على إثر‬


‫عمليات الشراكة والتحالف تكتالت تسمى "مجموعات‬
‫استراتيجية"‪ِّ .‬اعرف كل املجموعات االستراتيجية املوجودة في‬
‫الحقل‪ ،‬وحلل تموقعها وأهدافها واستراتيجياتها‪ ،‬وأحسن اختيار‬
‫املجموعة االستراتيجية التي ستنتمي إليها وتتموقع في الحقل‬
‫انطالقا منها‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪147‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫اعرف كيف تضمن قيام الفاعل بالعمل؟‬


‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ‬
‫وع َرفنا من الفاعل‪ ،‬بقي أن نعرف كيف نضمن‬ ‫َع َرفنا ما العمل‪،‬‬
‫قيام الفاعل بالعمل؟‬

‫تحريك البشر نحو غايات وأهداف محددة من أصعب املهمات‪،‬‬


‫ألن دوافع البشر وحوافزهم معقدة‪ ،‬هل نراهن على نظام للرقابة‬
‫الخارجية‪ ،‬أم على تربية الباعث الداخلي؟ اإللزام أم االلتزام؟ الدمج أم‬
‫االندماج؟‬

‫للتحفيز أربعة مكونات‪:‬‬

‫‪ ‬املكون العاطفي‪ :‬مشاعر الفاعل تجاه العمل‪.‬‬

‫‪ ‬املكون املعرفي‪ :‬معارف الفاعل ومعتقداته حول موضوع العمل‪.‬‬

‫‪ ‬املكون السلوكي‪ :‬خبرات الفاعل وعاداته املرتبطة بموضوع العمل‪.‬‬

‫‪ ‬مكون املصلحة‪ :‬ما يكسبه الفاعل من العمل‪.‬‬

‫يظهر الحافز الجماعي عند اجتماع هذه املكونات األربعة‪ :‬وحدة‬


‫الشعور‪ ،‬ووحدة التصور‪ ،‬ووحدة السلوك‪ ،‬ووحدة املصالح‪.‬‬

‫هذا من حيث املبدأ‪ ،‬أما في الواقع فنجد لكل فئة من البشر‬


‫حوافزها املحركة لها‪:‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪148‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ ‬الطيبون يغلب عليهم الحافز العاطفي واملعرفي‪.‬‬

‫‪ ‬املاكرون يغلب عليهم الحافز السلوكي وحافز املصلحة‪.‬‬

‫‪ ‬الحازمون عندهم توازن بين الحوافز األربعة‪.‬‬


‫ُ‬
‫وللتحفيز مبادئ وأساليب تعزز الحوافز وتحرك اإلرادات منها‪:‬‬
‫‪ ‬إلهام القيادة‪ُ .‬كن ُم ً‬
‫لهما ُوم ً‬
‫حفزا لتضمن قيام الفاعل بالعمل‪.‬‬

‫‪ ‬املزاوجة بين تفاؤل اإلرادة وموضوعية العقل‪ .‬على اإلرادة أن‬


‫تبقى دائما متفائلة سواء كانت تقديرات العقل متفائلة أو‬
‫متشائمة‪ .‬التمذهب لإليجابية يضعف الجهاز املناعي‪ ،‬والتمذهب‬
‫للسلبية يضعف جهاز التحفيز الذاتي‪.‬‬

‫‪ ‬منظومة تنظيمية قوية موازية ملنظومة الحوافز الذاتية‬


‫لتعزيزها‪ ،‬تتكون من بيئة العمل املمتعة واألنظمة اإلدارية القوية‬
‫خاصة أنظمة االستقطاب والتدريب واملكافآت‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪149‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫اعرف محركات التغيير وقوانينه‬

‫من يعمل في نطاق الفعل ومع البشر يحتاج إلى معرفة محركات‬
‫التغيير الفردية والجماعية وقوانينه‪.‬‬

‫محركات التغيير الفردية ثالثة‪:‬‬

‫‪ ‬املشاعر‪ ،‬ويتعلق األمر هنا بحب التغيير أو كراهيته أو الخوف‬


‫منه‪.‬‬

‫‪ ‬األفكار‪ ،‬ويتعلق األمر هنا برؤية التغيير وقيمه وأهدافه ووسائله‪.‬‬

‫‪ ‬املصالح‪ ،‬ويتعلق األمر هنا بالعائد من التغيير والرهانات‬


‫الشخصية والفئوية املرتبطة به‪.‬‬

‫هذه هي الروابط التي تجمع بين الناس‪ ،‬والعوامل التي تؤثر في‬
‫شخصيتهم‪ ،‬وتحركهم نحو التغيير أو مقاومته‪ ،‬وأغلب املشاريع املوجودة‬
‫في ساحة التغيير تركز على عامل واحد فقط وتجعل منه الرابطة الوحيدة‬
‫أو املهيمنة ملشروع التغيير‪.‬‬

‫إن التغيير كلما كان شموليا ومتوازنا يمس األبعاد الثالثة كلما كان‬
‫فعاال وناجحا‪ ،‬لكن ستبقى سنة هللا في التغيير قائمة وستظل إلى يوم‬
‫القيامة‪ :‬املشاعر للجماهير‪ ،‬واألفكار للطبقة املتوسطة‪ ،‬واملصالح‬
‫طيبة تساهم باملشاعر‪ ،‬وفي وسطه‬ ‫للطبقة العليا‪ .‬في أسفل الهرم فئة ّ‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪150‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫فئة ثانية من الوسطاء والوكالء تساهم باألفكار‪ ،‬أما الفئة الثالثة في قمة‬
‫الهرم فتكشط املصالح وتساهم بتقديم املناديل النظيفة للفئتين األولى‬
‫ُ َ ُ‬
‫والثانية ليمسحوا أفواههم من السراب الذي تخ ِّّيله املشاعر الجميلة‬
‫واألفكار ّ‬
‫النيرة ألعينهم‪.‬‬
‫ِّ‬
‫أما محركات التغيير الجماعية فهي‪:‬‬

‫‪ ‬دعم القيادة‪.‬‬

‫‪ ‬وضوح الرؤية واملشروع‪.‬‬

‫‪ ‬قوة التنظيم وموارده البشرية واملادية‪.‬‬

‫‪ ‬وجود ثقافة تغيير داعمة‪.‬‬

‫‪ ‬الظرفية الداعمة‪.‬‬

‫وللتغيير قوانين تحكمه أهمها‪:‬‬

‫‪ ‬قانون ضرورة التغيير‪ :‬عندما تقف مؤسسة ما عاجزة عن تطوير‬


‫أوضاعها يصبح التغيير في مثل هذه الحالة ضرورة ملحة‪.‬‬

‫‪ ‬قانون الصراع‪ :‬في كل تغيير يوجد صراع بين املاض ي واملستقبل‪،‬‬


‫بين االستراتيجيات املحافظة للذين يتمسكون باملاض ي‪،‬‬
‫واالستراتيجيات الثورية للذين يسعون إلى املستقبل‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪151‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ ‬قانون مقاومة التغيير‪ :‬في كل تغيير توجد مقاومة‪ .‬قم بقياس‬


‫املقاومة املتوقعة‪ ،‬وضع خطة للتعامل معها‪.‬‬

‫‪ ‬قانون العالمات الضعيفة‪ :‬التغييرات الكبيرة في املستقبل تدل‬


‫َ‬
‫عليها دائما عالمات ضعيفة في الحاضر‪ .‬ط ّ ِّور قدرتك على رصد‬
‫العالمات الضعيفة لفهم التغيير واستشراف املستقبل‪.‬‬

‫‪ ‬قانون عمق التغيير‪ :‬التغيير في إطار االستمرارية يعطي نتائج‬


‫أفضل من التغيير القائم على القطيعة‪ .‬لكن عندما تكون‬
‫القطيعة ضرورة فال مجال للتردد‪.‬‬

‫‪ ‬قانون زمن التغيير‪ :‬من يسع لتغيير فكري وعاطفي وعملي عميق‪،‬‬
‫ً‬
‫عليه أن يدرك أن تغييرا من هذا النوع ال يمكن أن يتم إال على‬
‫املدى البعيد‪ ،‬ألن موضوع الفعل معتقدات ومشاعر وعادات‬
‫صلبة تشكلت عبر زمن طويل‪ ،‬وتحتاج بالتالي لتغييرها باإلضافة‬
‫إلى عمق األعمال وترابطها واستمراريتها‪،‬إلى مفعول الزمن الطويل‪.‬‬

‫‪ ‬قانون إيقاع التغيير‪ :‬اإليقاع البطيء في التغيير يعطي نتائج أفضل‬


‫من اإليقاع السريع‪ ،‬لكن عندما يكون التغيير السريع ضرورة فال‬
‫مجال للتردد‪.‬‬

‫‪ ‬قانون وسائل التغيير‪ :‬التغيير يقاد باملال والعلم والعالقات‬


‫العامة والنوايا الحسنة؛ التغيير الذي ُيقاد باملال والعلم‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪152‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫والعالقات العامة ينجح‪ ،‬والتغيير الذي ُيقاد بالنوايا الحسنة‬


‫يفشل‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫‪ ‬قانون التغيير من الخارج‪ :‬ال ت َر َّوض الوحوش في األجمة‪ ،‬ومع‬
‫َ‬
‫ذلك تبدأ دائما قصص العود األبدي لتجارب الفشل بشعار‪:‬‬
‫"التغيير من الداخل"‪ ،‬وادعاء إمكانية ترويض سكان األجمة في‬
‫األجمة‪ .‬في األجمة تتوحش النوايا الطيبة أو تهزم‪.‬‬

‫‪ ‬قانون التغيير من الداخل‪ :‬لتغيير نسق يجب تغيير عملياته‪ ،‬لكن‬


‫كل األنساق تتميز باالنغالق العملياتي؛ أي أن العمليات ال تقبل‬
‫التغيير اال من الداخل‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ ‬قانون التغيير بالصدمة‪ :‬العالج بالصدمة مطلوب أحيانا‪ ،‬لكن‬
‫من غير استئصال للدماغ‪ ،‬وأن يكون للعالج ال للثأر‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪153‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫الفصل الثالث‪ :‬ماذا يجب أن أمتلك؟‬


‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪154‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫الفصل الثالث‪ :‬ماذا يجب أن أمتلك؟‬


‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪155‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫امتلك الوسائل لغاياتك العليا‬

‫الطيبون الحاملون سفراء النوايا الحسنة ينشغلون باألهداف‬


‫العظيمة والغايات السامية وينسون الوسائل‪ ،‬أما الحازمون فيحرصون‬
‫على امتالك وسائل ألهدافهم بقدر حرصهم على بلوغ أهدافهم وغاياتهم؛‬
‫ألن الغايات العليا بدون وسائل مجرد أحالم ُم َج َّنحة‪ ،‬وفقه الوسائل ال‬
‫ُ‬
‫يقل أهمية عن فقه املقاصد واألهداف‪ِّ .‬امتلك فامل ْع َدم ال حزم له‪،‬‬
‫وامتلك من أجل قضية ال من أجل رغبة‪ ،‬وامتلك لتكون لك أسلحة في‬
‫املواجهة‪ ،‬وامتلك لتتألق املواقع وتنمو املشاريع وتنتصر االستراتيجيات‬
‫وتتحقق األهداف والغايات السامية‪.‬‬
‫ً‬
‫والوسائل التي يجب امتالكها هي عموما مختلف أشكال الطاقة‬
‫املحركة لأللعاب االجتماعية املختلفة‪ .‬فإلى جانب املال توجد محركات‬
‫أخرى كالوقت والخبرة واملعلومة والعالقات والسمعة والسلطة‪.‬‬

‫إن املاكرين يفهمون هذا جيدا ويعملون وفق مقتضياته‪ ،‬أما‬


‫ُ‬
‫"سفراء النوايا الحسنة" فكتلة من العواطف امل َج َّنحة‪.‬‬

‫ال ندعو هنا إلى فلسفة مادية شمولية‪ ،‬فمادية املال وحدها تكفي‬
‫لجلب كل الشرور‪ .‬ولكن نصف واقعا وقواعد اللعب فيه‪ .‬وعلى أساس‬
‫هذا املفهوم الواسع ألشكال الطاقة املحركة للعوالم االجتماعية يصبح‬
‫الحزم هو الوعي بهذه األشكال واستخدامها بنجاح‪ ،‬وهي سبعة‪:‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪156‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ ‬الكاريزما‪ :‬التقدير واملكانة التي تمنحها الجماعة للفرد نتيجة ملا‬


‫يتمتع به من مزايا‪.‬‬

‫‪ ‬املعرفة‪ :‬املعرفة املرتبطة بصناعة الثروة‪ ،‬واملعرفة املرتبطة‬


‫بامتالك السلطة‪ ،‬واملعرفة املرتبطة بصناعة الوعي‪.‬‬

‫‪ ‬املعلومة‪ :‬املعلومة هي مادة صناعة القرار‪ ،‬وإذا لم تكن لك‬


‫مصادرك الخاصة للمعلومة فأنت خارج اللعبة‪.‬‬

‫‪ ‬العالقات‪ :‬رأسمال اجتماعي يتكون من مجموع الشبكات‬


‫االجتماعية التي لها تأثير على فعالية الفرد ونجاعته وإنتاجيته‪.‬‬

‫‪ ‬املال‪ :‬الطاقة األساس املحركة لكل األلعاب االجتماعية‪.‬‬

‫‪ ‬السلطة‪ :‬أبو الرساميل والشرط األول للحفاظ على باقي الرساميل‪.‬‬

‫‪ ‬الزمن‪ :‬رأسمال يتوسط عالقة الفرد بذاته واستعداداته‪ ،‬وبالعالم‬


‫وأحداثه‪ ،‬وبالعمل ومتطلباته‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪157‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫امتلك الكاريزما‬

‫مهما امتلكت‪ ،‬فإن حقيقة التملك توجد في أعين اآلخرين‪ ،‬أي في‬
‫التقدير واملكانة التي تمنحها الجماعة لك نتيجة ملا تتمتع به من مزايا‪ .‬إنه‬
‫رأس مالك الرمزي‪ ،‬وقيمتك االجتماعية كما يتمثلها اآلخرون‪.‬‬

‫ُسمعتك ومصداقيتك رأس مالك فحافظ عليها؛ أال ترى أن‬


‫السمعة الحسنة رأسمال في عالم التجارة‪ ،‬فيتبضع صاحبها بسمعته ما‬
‫ً‬
‫شاء من السلع دون أن يدفع ثمنها نقدا في العاجل‪.‬‬

‫إن خطابك حول ما تملك ال يقل أهمية عن ما تملك‪ ،‬ألن ما تملك‬


‫َ ّ‬ ‫ً‬
‫فت َعلم أن‬ ‫من عناصر القوة يتم امتالكه ليكون ُمدركا من طرف اآلخرين‪،‬‬
‫ُ‬
‫ت َس ّ ِّوق لنفسك بقوة وذكاء وصدق‪ .‬لكن‪ ،‬تعلم متى وأين وكيف تكشف‬
‫ً‬
‫عن قوتك‪ ،‬فتكون كاألسد حين يحدث زئيرا ليبرز قوته متى كان ذلك‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫ضروريا‪ ،‬ومتى وأين وكيف تخفي قوتك فتكون كاألسد يتحرك بحذر وفي‬
‫ً‬
‫صمت عندما يكون ذلك ضروريا‪.‬‬

‫ال ذكاء إال الذكاء املوقفي‪ .‬أما الجري وراء اإلعالم دون سياسة‬
‫ذكية وأهداف واضحة‪ ،‬واالندفاع نحو الشهرة بدافع الرغبة في الشهرة‪،‬‬
‫فتعبير عن سلوك مراهق‪ .‬تعلم متى تكون تحت الضوء ومتى تتواجد في‬
‫الظل‪ ،‬بحسب مهمتك وأهدافك‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪158‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫امتلك املعرفة‬

‫املعرفة سلطة‪ ،‬وحروب املعرفة هي أحد الحروب الثالث‬


‫االستراتيجية القائمة بين الكبار في عالم اليوم (الحروب التجارية وحروب‬
‫املعرفة وحروب الوعي)‪.‬‬
‫ً ً‬
‫في عالم اليوم يكفي أن تملك تطبيقا ذكيا وقاعدة بيانات ليكون‬
‫لك أكبر فندق بالعالم دون امتالك غرفة واحدة‪ ،‬وأكبر شركة تاكاس ي‬
‫بالعالم دون امتالك سيارة واحدة‪ .‬إن اإلمكانات التي تتيحها استخدامات‬
‫املعرفة رهيبة ومجنونة‪ ،‬لذلك تجد املاكرين ال يحقنون في عروق‬
‫اقتصادهم إال املعرفة املرتبطة بصناعة الثروة‪ ،‬وال يحقنون في عروق‬
‫سياستهم إال املعرفة املرتبطة بامتالك السلطة‪ ،‬وال يحقنون في عروق‬
‫ثقافتهم وإعالمهم إال املعرفة املرتبطة بصناعة الوعي‪ .‬ويتيه الطيبون في‬
‫أرض الغيبوبات املعرفية السعيدة التي ال وزن لها في ميزان الثروة‬
‫والسلطة وصناعة الوعي‪.‬‬
‫املعرفة سلطة فامتلكها‪ ،‬لكن انتبه فما كل معرفة ّ‬
‫فعالة في‬
‫املواجهة‪ .‬توجد ثالثة أنواع من املعرفة‪:‬‬

‫‪ ‬أدوات إنتاج املعرفة‪ :‬معرفة من املنبع‪ ،‬تتكون من اآلليات‬


‫االبستمولوجية واملنهجية واألدوات التقنية التي تستخدم إلنتاج‬
‫املعرفة‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪159‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ ‬املحتويات املعرفية‪ :‬معرفة من املصب‪ ،‬تتكون من مختلف أنواع‬


‫املحتويات املعرفية التي أنتجتها مختلف العلوم والفنون‬
‫والتقنيات‪.‬‬

‫‪ ‬األشكال الجديدة للجهل‪ :‬معرفة من املستنقعات‪ ،‬تتكون من‬


‫أشباه املعارف واملعارف الخاطئة‪ ،‬وهي في جزء مهم منها عبارة عن‬
‫حاجات تحولت إلى معارف‪.‬‬
‫ً‬
‫منذ زمن ليس ببعيد كان امتالك املعرفة كافيا‪ ،‬أما اليوم فامتالك‬
‫أدوات إنتاج املعرفة مسألة حياة أو موت‪ .‬أما األشكال الجديدة للجهل‬
‫فصناعة يتقنها الخيميائي وينجرف مع تيارها سفراء النوايا الحسنة‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪160‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫امتلك املعلومة‬

‫من يمتلك املعلومة يمتلك السلطة‪ ،‬لذلك إذا لم تكن لك‬


‫مصادرك الخاصة للمعلومة فأنت خارج اللعبة‪.‬‬

‫يشكل التحكم في املعلومات ومصادرها‪ ،‬في بيئة متغيرة باستمرار‪،‬‬


‫ً‬ ‫ً‬
‫تحديا مستمرا لكل من يحتاج إلى اتخاذ أفضل القرارات بأقص ى سرعة‬
‫وبأقل املخاطر‪.‬‬

‫وفي ظل تزايد التوجه نحو "اقتصاد املعرفة" و"مجتمع املعرفة"‪،‬‬


‫ستكون بحاجة إلى التحكم في املهارات الثالث التالية‪:‬‬

‫‪ ‬القدرة على الوصول للمعلومة وبسرعة‪.‬‬

‫‪ ‬القدرة على تقييم صحة املعلومة وبدقة‪.‬‬

‫‪ ‬القدرة على استخدام املعلومة وبفائدة‪.‬‬

‫إن امتالك املعلومة املناسبة في الوقت املناسب واستخدامها‬


‫بشكل مناسب يمثل تحديا حقيقيا في عصر ثورة املعلومات وارتباط‬
‫املعلومة بالسلطة‪ ،‬لذلك يوص ي فقه الحزم القتحام هذا التحدي‬
‫بااللتزام باملبادئ اآلتية‪:‬‬

‫‪ِّ ‬امتلك مصادرك الخاصة للمعلومات‪.‬‬


‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪161‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ ‬بادر إلى تأسيس شبكات للعالقات أو االنتماء إلى شبكات قائمة‬


‫لتوفير املعلومات الضرورية إلدارة مشاريعك وأهدافك‪.‬‬

‫‪ ‬طور قدراتك التحليلية‪ ،‬فبعض أنواع املعلومات يصعب الوصول‬


‫إليها‪ ،‬لكن يمكن استنتاجها بمجهود تحليلي‪.‬‬
‫َ ّ‬
‫‪ ‬ن ِّظم معلوماتك لتسهيل عملية االستفادة القصوى منها‪ .‬توجد‬
‫تطبيقات ذكية ومجانية للقيام بهذه املهمة‪.‬‬
‫َ‬
‫‪ ‬ط ّ ِّور نظاما ذكيا لتقاسم املعلومات التي يجب تقاسمها‪.‬‬

‫‪ ‬قم بحماية أمن معلوماتك الحيوية التي لها تأثير كبير على‬
‫مصالحك‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪162‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫امتلك العالقات‬

‫عالقاتك هي رأسمالك االجتماعي الذي يتكون من مجموع شبكاتك‬


‫االجتماعية التي لها تأثير على فعاليتك ونجاعتك وإنتاجيتك‪.‬‬

‫يبدأ رأسمالك االجتماعي بروابط الدم والوالء؛ فعالقاتك العائلية‬


‫وأصلك االجتماعي وجماعتك التي تنتمي إليها هي "عصبيتك" ونواة‬
‫رأسمالك االجتماعي‪ .‬العصبية قانون اجتماعي كوني‪ ،‬ألنه ال حرية‬
‫لإلنسان إال داخل تضامن اجتماعي يمنحه األمن واالنتماء‪ .‬املاكرون‬
‫يفهمون هذا جيدا ويعملون وفق مقتضياته‪ ،‬لذلك تجد‪ ،‬رغم كل مظاهر‬
‫التحول نحو الديمقراطية‪ ،‬أن أنظمة الحكم في العالم ال تزال قائمة على‬
‫حكم العائالت‪ ،‬أو مزيج من حكم العائالت والحكم الديمقراطي اللذين‬
‫يعمالن ضمن نظام واحد قائم على االعتماد املتبادل‪ ،‬وتجد أيضا أن أكثر‬
‫من ثلثي الشركات في العالم هي شركات عائلية‪ .‬أما "سفراء النوايا‬
‫الحسنة" فكتلة من العواطف املجنحة واملعتقدات املثالية التي تربي على‬
‫االنتماءات املطلقة دون اعتبار للقواعد النووية لالنتماء الطبيعي للبشر‪.‬‬

‫وبعد روابط الدم والوالء والعصبية يتوسع رأسمالك االجتماعي‬


‫ليشمل مجموع شبكات التبادل والعطاء‪ .‬وفي مجال األعمال تبرز األهمية‬
‫الحيوية لنوعين من الشبكات‪:‬‬

‫‪ ‬شبكات التمويل‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪163‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ ‬شبكات التسويق‪.‬‬

‫القائد الحازم البد أن تكون له شبكاته الخاصة لتمويل مشاريعه‬


‫وتسويقها‪ .‬وإذا نجح الرائد في احتكار تدفقات التمويل من املنبع‬
‫وتدفقات التسويق في املصب‪ ،‬فعلى باقي الفاعلين انتظار الساعة‪.‬‬

‫إن رأسمالك االجتماعي هو قوتك االجتماعية التي يمكن أن تعزز‬


‫ظروفك ومواقعك ومواقفك‪ ،‬هو رصيدك االجتماعي من العالقات‬
‫والرموز الذي يتفاعل مع باقي أرصدتك املالية واملعرفية واألخالقية‪ ،‬فهو‬
‫رصيد قابل للتداول والتحويل والتراكم واالستخدام بما يزيد من قوتك‬
‫وهيبتك ويعزز مصالحك‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪164‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫امتلك املال‬

‫يمثل املال الطاقة األساس املحركة لكل األلعاب االجتماعية‪ .‬ومع‬


‫أنه توجد محركات أخرى كاملعرفة واملعلومة والعالقات والسمعة‬
‫والسلطة‪ ،‬فإن املال هو أهمها وأخطرها‪.‬‬

‫ال اسم له وال وجه له وال منصب له وال حزب له وال يقدم ترشيحه‬
‫ً‬
‫أبدا وال أحد ينتخبه‪ ،‬ورغم كل ذلك فإنه هو من يحكم‪ .‬املاكرون يفهمون‬
‫هذا جيدا ويعملون وفق مقتضياته‪ ،‬والحازمون يحترمون سنن هللا في‬
‫الكون ويبتكرون حلوال ملواجهة مكر املاكرين‪ ،‬أما "سفراء النوايا الحسنة"‬
‫فكتلة من العواطف املجنحة واملعتقدات املثالية التي تخلط بين الفقر‬
‫والزهد‪ .‬الزهد هو أن تملك الدنيا ثم تزهد فيها‪ ،‬أما إذا كنت ال تملك شيئا‬
‫فالدنيا هي الزاهدة فيك‪.‬‬

‫الندعو هنا إلى فلسفة مادية شمولية‪ ،‬فمادية املال وحدها تكفي‬
‫لجلب كل الشرور‪ ،‬ولكن نصف واقعا وقواعد اللعب فيه‪ .‬إمتلك املال‬
‫قبل أن يمتلكك الذين يمتلكونه‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪165‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫امتلك السلطة‬
‫ً‬
‫السلطة ليست رأسماال عاديا‪ ،‬إنها أبو الرساميل والشرط األول‬
‫للحفاظ على باقي الرساميل‪ ،‬إنها "ميتارأسمال"‪ .‬عندما تمتلك السلطة‬
‫فأنت تجعل األشخاص واألحداث يقعون تحت سيطرتك‪ ،‬وتمنح لنفسك‬
‫مساحة واسعة لالختيار في قراراتك‪.‬‬

‫السلطة باملعنى العام والواسع هي قدرتك على توجيه األشخاص‬


‫واألحداث (سلطة األب على أبنائه‪ ،‬سلطة املعلم على تالمذته‪ ،‬سلطة‬
‫املدير على موظفيه‪ ،‬سلطة الدولة على املجتمع‪ .)...‬وهي توجد في كل‬
‫مكان‪ ،‬في املؤسسات والرموز والخطاب والفكر والقوانين والسياسات‬
‫والزمن واملكان والتنظيم واملعتقدات واملشاعر والعادات وفي أعين‬
‫اآلخرين‪ .‬إن السلطة ال مكان لها ألنها توجد في كل مكان‪.‬‬
‫ً‬
‫يعتبر امتالك السلطة هدفا في كل عالقة مبنية على التوجيه‬
‫والتأثير أو عالقات القوة‪ ،‬كما في مجال التربية والتعليم أو اإلدارة أو‬
‫الصراع السياس ي أو التنافس االقتصادي‪.‬‬

‫وتتميز السلطة بثالث خصائص أساسية‪:‬‬

‫‪ ‬تمنح السيطرة والهيمنة املادية والرمزية ملن يمتلكها‪.‬‬

‫‪ ‬ندرتها فالعوالم االجتماعية ال تتسع للسلطة في كل مكان‪.‬‬


‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪166‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫ً‬ ‫‪ ‬صعوبة تقاسمها حيث ُ‬


‫اعت ِّب َرت غالبا من طرف الذين يمتلكونها‬
‫ً‬
‫شيئا ال يمكن تقاسمه‪.‬‬
‫ّ‬
‫يسمى محترفو جمع السلطة سياسيين‪ ،‬وهواة تقاسمها ُم َنظرين‪،‬‬
‫والذين ال يهتمون بها طيبين وسفراء نوايا حسنة‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪167‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫امتلك عالقتك بالزمن‬

‫الزمن رأسمال يتوسط عالقة الفرد بذاته واستعداداته‪ ،‬وبالعالم‬


‫وأحداثه‪ ،‬وبالعمل ومتطلباته‪.‬‬

‫يختل نظام العالقة بالزمن عندما ينحصر العيش في املاض ي‬


‫فقط‪ ،‬أو في الحاضر فقط‪ ،‬أو في املستقبل فقط‪ .‬إنها املظاهر الثالثة‬
‫ألزمة العالقة مع الزمن‪.‬‬

‫املظهر األول ألزمة العالقة مع الزمن هو العيش في املاض ي‪ .‬إنه‬


‫الزمن التنازلي القائم على إيديولوجية العصر الذهبي‪ .‬هنا يوجد الذين‬
‫يبحثون عن األمن فيستثمرون في املاض ي‪ .‬املستقبل يكون وراءهم ألنهم‬
‫متعلقون بالذكريات واألمجاد واألطالل‪.‬‬

‫املظهر الثاني ألزمة العالقة مع الزمن هو العيش في الحاضر‪ .‬إنه‬


‫الزمن الراكد القائم على إيديولوجية عش اللحظة‪ .‬هنا يوجد الذين‬
‫يبحثون عن املتعة فيستثمرون في الحاضر‪ .‬االنغماس في الحريق اليومي‬
‫قصر في النظر وضيق وسطحية‪.‬‬

‫هكذا عش على الذكريات واملاض ي أو عش اللحظة ومتعتها‪،‬‬


‫َّ‬
‫َسل َمك هللا‪ ،‬فسفراء النوايا الحسنة ال يقلقون حول املستقبل‪.‬‬

‫املظهر الثالث ألزمة العالقة مع الزمن هو العيش في املستقبل‪.‬‬


‫إنه الزمن التصاعدي القائم على إيديولوجية التقدم‪ .‬هنا يوجد الذين‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪168‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫يبحثون عن الحرية فيستثمرون في املستقبل‪ .‬باألمس كان العاقل هو‬


‫الذي يركز على أعماله املباشرة والحالم هو من يستشرف املستقبل‪ ،‬أما‬
‫اليوم فقد أصبح العاقل هو من يستشرف املستقبل والحالم هو الذي‬
‫يركز على أعماله املباشرة‪.‬‬

‫إن التضحية باملاض ي‪ ،‬والتضحية بالحاضر‪ ،‬والتضحية‬


‫باملستقبل‪ ،‬هي ثالثة مظاهر ألزمة العالقة مع الزمن‪ .‬أما العالقة السوية‬
‫مع الزمن فتضع عينا لك على املاض ي‪ ،‬وعينا على املستقبل‪ ،‬ورجليك‬
‫في أرض الفعل في الحاضر‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪169‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫ََ‬ ‫ََ ّ‬
‫نت َملك لكي نت َموقع‬

‫تمنحنا الرساميل التي نتملكها مواقع في حقل التنافس والصراع‪،‬‬


‫وعلى قدر قوة رساميلنا (الكاريزما واملعرفة واملعلومة والعالقات واملال‬
‫والسلطة) تكون قوة مواقعنا‪ ،‬وعلى قدر قوة مواقعنا تكون قوة رساميلنا؛‬
‫قل ُ‬ ‫َّ ُ‬
‫مال ُه‪ ،‬وال َ‬ ‫ال َ‬
‫مجد ُه‪.‬‬ ‫مال في الدنيا ملن َّ‬ ‫مجد في الدنيا ملن قل‬

‫ورغم أن كل الرساميل مهمة إال أن املال والسلطة لهما مكانة‬


‫خاصة في األلعاب االجتماعية‪ ،‬فهما يتحكمان في صناعة املواقع أكثر من‬
‫غيرهما‪ ،‬كما أنهما يتبادالن االعتماد؛ املال يصنع السلطة ويحميها‪،‬‬
‫والسلطة تحمي املال وتضاعفه‪.‬‬

‫ولبناء نموذج تفسيري لعالقة الرساميل باملواقع يمكن تركيب‬


‫السلطة على محور أفقي واملال على محور عمودي فنحصل على نموذج‬
‫رباعي ملواقع الفاعلين حسب رساميلهم‪:‬‬

‫‪ ‬مربع املال والسلطة هو مربع املواقع الريادية التي تتيح التأثير‬


‫املزدوج عبر السلطة واملال‪.‬‬

‫‪ ‬مربع السلطة فقط‪ ،‬كسلطة املعرفة أو الخبرة أو املنصب‬


‫اإلداري‪ ،‬هو مربع مواقع الوكالء كالتقنقراط أو البيروقراط الذين‬
‫يمارسون التأثير من خالل سلطتهم‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪170‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ ‬مربع املال فقط‪ ،‬هو مربع رجال املال واألعمال‪ ،‬ومواقع التأثير‬
‫املالي‪.‬‬

‫‪ ‬مربع العبودية‪ .‬عندما ال نمتلك الوسائل التي تمنح الحرية وتحميها‬


‫ننزلق إلى مواقع التبعية والعبودية‪.‬‬

‫يفترض‪ ،‬من حيث املبدأ وفي الوضع الطبيعي‪ ،‬أن تعكس مواقعنا‬
‫مواردنا‪ ،‬لكن هذا ال يحدث دائما؛ ألن الوعي واإلرادة يتوسطان بينهما‬
‫وكأن مستوى الوعي وقوة اإلرادة يشكالن معا معامال للتحويل؛ لكي‬
‫تعكس مو اقعك مواردك يجب أن تتسلح بالعقل الناقد واإلرادة‬
‫الحرة‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪171‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫املو اقع متغيرة لكن املو اقف ثابتة‬

‫إذا كانت املوارد تحدد املواقع‪ ،‬فإن املواقع تحدد بدورها املواقف‪،‬‬
‫لكن على ثالث حاالت‪:‬‬

‫‪ ‬املاكرون‪ :‬يغيرون مواقفهم بتغير مواقعهم‪ ،‬لكن طبيعتهم تبقى‬


‫ثابتة‪ .‬املكر كاألفعى يغير جلده ال طبيعته‪.‬‬

‫‪ ‬الطيبون‪ :‬ال يميزون بين الثبات على املواقع والثبات على املواقف‪،‬‬
‫ً‬
‫فاملبدأ عندهم الثبات الدائم عليهما معا‪ .‬غباء تكتيكي!‬

‫‪ ‬الحازمون‪ .‬املبدأ عندهم الثبات في املواقف والتغيير في املواقع‪،‬‬


‫كالشجرة ُت ّ‬
‫غير أوراقها ال جذورها‪ .‬ذكاء تكتيكي!‬

‫إن الثبات الدائم في املواقع والتغيير املستمر في املواقف وجهان‬


‫ألزمة واحدة‪:‬‬

‫‪ ‬امللتزمون باملو اقع عاجزون عن فهم الحاجة التكتيكية إلى تغيير‬


‫املواقع‪.‬‬

‫‪ ‬املتالعبون باملو اقف عاجزون عن فهم الحاجة املبدئية للثبات‬


‫على املواقف‪.‬‬

‫عندما نغير املواقع يجب أال نغير املواقف‪ ،‬بل يجب أن نستمر في‬
‫خدمة نفس األهداف والغايات التي كنا نؤمن بها من مواقعنا الجديدة‪،‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪172‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫وأن نتفهم عجز امللتزمين باملواقع عن فهم الحاجة التكتيكية إلى تغيير‬
‫املواقع‪ .‬أما املعارضة األبدية فتتقن صناعة املو اقف فقط‪ ،‬أما‬
‫صناعة املو اقع فذلك فن ال يتقنه سفراء النوايا الحسنة‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪173‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫الفصل الرابع‪ :‬كيف أضبط و أنضبط؟‬


‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪174‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫الفصل الرابع‪ :‬كيف أضبط و أنضبط؟‬


‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪175‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫َ ْ‬ ‫ْ‬
‫الحزم َيطلب ق َي َمه‬ ‫من َيطلب‬
‫ُْ‬
‫للحزم ضرورات أخالقية‪ ،‬ال يتم كمال الحزم بدونها‪ ،‬فمن َيطلب‬
‫ُْ‬
‫الحزم َيطلب ِّق َي َمه ويعمل على نشرها‪ .‬بدون القيم ال نستطيع فهم الحزم‬
‫ومتطلباته وطرق تربيته وتعليمه‪.‬‬

‫القيم مصدر أساس ي للتربية على الحزم‪ ،‬وهي أيضا املصدر‬


‫األساس ي للمقاومة التي تواجه التحول نحو الحزم‪ .‬بدون الوعي بالقيم‬
‫وفهمها سنفشل في تربية الحزم‪ ،‬ألن تحدي الحزم مزدوج ال يكفي فيه‬
‫ً‬
‫املعرفة واملهارة على أهميتهما‪ ،‬بل البد أيضا من تحديد ملنظومة القيم‬
‫الخاصة بالحزم وتفعيلها‪.‬‬

‫القيم تحيط بنا من كل مكان‪ ،‬ورغم ذلك فنحن ال نراها بشكل‬


‫مباشر وال ندركها بسهولة‪ ،‬ألنها معقدة وعميقة والواعية‪.‬‬

‫ما القيم؟ القيم هي مجموعة من املثل العليا املشتركة بين أفراد‬


‫َ‬ ‫ُ ّ‬
‫جماعة بشرية‪ ،‬ت َع ِّل ُمها ألفرادها لحل املشاكل التي تواجههم مع التكيف‬
‫ُ‬
‫خارج الجماعة واالندماج داخلها‪ ،‬وت َح ِّّدد لهم طريقة التفكير "السليم"‬
‫والشعور "املناسب" والسلوك "الصحيح"‪ ،‬والكيفية التي يجب أن يكون‬
‫عليها العالم‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪176‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫القيم‪ ،‬في تعريف دقيق وواضح وبسيط وبدون فلسفة‪ ،‬مجرد‬


‫حاجات‪ ،‬فلكل جماعة بشرية حاجات تترجمها في قيم‪ ،‬والبشر يفهمون‬
‫ويريدون ويمتلكون في حدود قيمهم‪ ،‬أي في حدود حاجاتهم‪:‬‬

‫‪ ‬للجماهير قيم األمن والطمع والتوهم‪.‬‬

‫‪ ‬وللماكرين قيم الطموح والسلطة والعنف واالستبداد والكذب‪.‬‬

‫‪ ‬وللطيبين قيم املحبة والوداعة والقناعة والتعاطف‪.‬‬

‫‪ ‬وللحازمين قيم الشجاعة والقوة والحرية والعدل والرحمة‪.‬‬


‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪177‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫افهم قيمك وقيم اآلخرين‬

‫لكي تكون حازما يجب أن تفهم قيمك وقيم اآلخرين‪ ،‬وهذا الفهم‬
‫يتطلب منك الدخول إلى منطقة مظلمة في عالم الذات البشرية وعالقات‬
‫االعتماد املتبادل بين الذوات‪.‬‬

‫البشر تحركهم قيم مختلفة أهمها السلطة واملال واملكانة‬


‫االجتماعية واالنتقام واملحبة‪ ،‬وكل جماعة بشرية تختص بمجموعة‬
‫معينة من القيم تغلب عليها؛ للماكرين قيم الطموح والسلطة والعنف‬
‫واالستبداد والكذب‪ ،‬وللطيبين قيم املحبة والوداعة والقناعة والتعاطف‪،‬‬
‫وللحازمين قيم الشجاعة والقوة والحرية والعدل والرحمة‪ ،‬وللجماهير‬
‫ّ‬
‫قيم األمن والطمع والتوهم‪ .‬في كل مسرحية يوجد جالد وضحية ومنقذ‬
‫وجمهور‪.‬‬

‫عندما تنجح في فهم القيم التي تحركك ستفهم أفعالك وردود‬


‫أفعالك الفكرية والعاطفية والسلوكية؛ ال ُي َت َوقع مثال من شخص حاجته‬
‫ً‬
‫األساسية األمن أن يغامر بالهجرة إلى أرض هللا الواسعة بعيدا عن‬
‫مواقعه اآلمنة‪ ،‬ال يمكن للطاعم الكاس ي أن يدع دفء األمن ويرحل‪.‬‬

‫وعندما تنجح في فهم قيم َمن حولك ستنجح في التعامل معهم‪،‬‬


‫ألنك في هذه الحالة ستتعامل معهم بناء على طريقة تفكيرهم وإحساسهم‪.‬‬
‫إن املعرفة قوة‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪178‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫لكن كيف نفهم قيمنا وقيم اآلخرين؟‬

‫‪ ‬عندما نفكر في القيم‪ ،‬فإننا نفكر فيما نعتقد أنه مهم في الحياة؛‬
‫فكل واحد منا يعطي درجات متفاوتة من األهمية للقيم التي‬
‫تحركه‪ ،‬فالسلطة مثال التي يحترف املاكرون جمعها والحفاظ‬
‫عليها‪ ،‬ال يهتم الطيبون وسفراء النوايا الحسنة بها‪.‬‬

‫‪ ‬للقيم مظاهر متعددة‪ ،‬وتستطيع رصد قيمك وقيم اآلخرين من‬


‫خالل هذه املظاهر‪ :‬أفكارك‪ ،‬ومشاعرك‪ ،‬وتصرفاتك‪ ،‬وردود‬
‫أفعالك‪ ،‬وعاداتك‪ ،‬واختياراتك‪ ،‬وقراراتك‪ ،‬وأذواقك‪ ،‬ولباسك‪،‬‬
‫وعالقاتك‪ ،‬ونوعية األماكن التي ترتادها‪...‬‬

‫‪ ‬القيم مستويات هي من أسفل السلم إلى قمته‪ :‬قيم غريزة البقاء‪،‬‬


‫وقيم الحاجة إلى االرتباط والعالقات واالنتماء‪ ،‬وقيم تقدير‬
‫الذات‪ ،‬وقيم التغيير والتحول والبحث عن تجاوز الذات‪ ،‬وقيم‬
‫بناء التماسك واالنسجام الداخلي‪ ،‬وقيم التميز وصناعة الفرق‪،‬‬
‫وقيم العطاء وخدمة اآلخرين‪ .‬هرم ماسلو نموذج تجاوزه الزمن‪.‬‬

‫‪ ‬تتقابل القيم في شكل ثنائيات قطبية‪ ،‬وعليك أن تفهم أين تقع‬


‫ُ‬
‫منظومتك القيمية من هذا التجاذب‪ :‬هل ت َح ّ ِّركك قيم التغيير‬
‫كاالستقاللية والحرية أم قيم االستمرارية كاألمن والتقاليد؟ وهل‬
‫تستجيب أكثر لقيم إثبات الذات كالسلطة والنجاح واملتعة أم‬
‫لقيم تجاوز الذات الفردية والجماعية كالعطاء والعاملية؟‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪179‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫افهم طبيعة القيم‬

‫فهم القيم يحتاج أيضا إلى فهم طبيعتها‪ ،‬وللقيم ست خصائص‬


‫رئيسية تحدد طبيعتها‪:‬‬
‫ُ‬
‫‪ ‬القيم ذاتية‪ ،‬فهي مبادئ ت َو ِّ ّجه السلوك نابعة من داخل الذات‪،‬‬
‫ُ‬
‫على خالف القوانين التي ت َو ِّ ّجه السلوك أيضا لكنها نابعة من خارج‬
‫الذات‪ .‬وكونها ذاتية الينفي األصل االجتماعي لنشأتها‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ ‬القيم معتقدات ت َولد مشاعر؛ فاألشخاص الذين يعتقدون في‬
‫أهمية الحرية يوجدون دائما في حالة تأهب إذا كانت حريتهم‬
‫مهددة‪ ،‬ويصبحون في حالة يأس عندما يفشلون في الحفاظ على‬
‫حريتهم‪ ،‬ويكونون سعداء كلما مارسوا حريتهم‪.‬‬

‫‪ ‬القيم حو افز ت َح ّرك نحو األهداف املرغوب فيها‪ .‬إن األشخاص‬


‫الذين يعتبرون الحرية والعدل والرحمة من القيم األساسية لديهم‬
‫دوافع للعمل من أجل تحقيق هذه األهداف‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ ‬القيم مطلقة رغم أنها ت َو ِّ ّجه أفعاال ومواقف نسببة وخاصة؛‬
‫فقيمة الصدق مثال‪ ،‬هي قيمة مطلقة رغم أنها قد تكون ذات صلة‬
‫بفعل أو موقف خاص في العمل أو املدرسة أو األسرة أو مع‬
‫األصدقاء‪ .‬إن السلوك الصادق هو سلوك نسبي لكن قيمة‬
‫الصدق مطلقة‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪180‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫ُ‬
‫‪ ‬القيم معايير ت َو ِّ ّجه اختياراتنا وتقييمنا لألشخاص واألحداث‬
‫واألفكار‪ ،‬فمن خاللها نقرر ما هو جيد أو س يء‪ ،‬وما هو مسموح به‬
‫أو غير شرعي‪ ،‬وما يجب القيام به أو ينبغي تركه‪ .‬وتأثير القيم على‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫القرارات اليومية نادرا ما يكون واعيا‪ ،‬لكن يصبح هذا التأثير واعيا‬
‫عندما تكون نتيجة قيمة ما نحبها في تعارض مع قيمة أخرى نحبها‬
‫ً‬
‫أيضا‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫‪ ‬للقيم سلم؛ إذ يتم ترتيب القيم في ُسلم حسب األهمية بالنسبة‬
‫لبعضها البعض‪ .‬فقيم كل شخص أو جماعة تكون دائما ُم َرَّتبة‬
‫حسب األهمية أو األولوية‪ ،‬وهذا التسلسل الهرمي للقيم هو سمة‬
‫ذلك الشخص أو تلك الجماعة‪ .‬فالرجال مثال يمنحون غالبا‬
‫األولوية لقيمة العمل على قيمة األسرة‪ ،‬وذلك على عكس النساء‪.‬‬
‫كما نجد أنفسنا في الحياة في وضعية االختيار هل نعطي أهمية‬
‫أكبر للنجاح أم للسعادة‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪181‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫افهم االعتماد املتبادل بين القيم‬

‫ال تستقيم اللعبة بدون قيم تتبادل االعتماد؛ فلوال الوداعة ملا‬
‫كان عنف‪ ،‬ولوال الخوف ملا كان استبداد‪ ،‬ولوال الكذب ملا كان طمع‪ ،‬ولوال‬
‫التوهم ملا كانت هيبة‪.‬‬

‫واالعتماد املتبادل بين القيم صناعة وفن تجيده بمهارة مؤسسات‬


‫اجتماعية متخصصة مهمتها ضمان رد فعل محدد وثابت ودائم‪ ،‬يسري‬
‫بسرعة الضوء في كل خاليا الجسد عند الطلب‪ ،‬ويمنع أن تكون لخلية‬
‫واحدة في الجسد لحظة شجاعة نادرة تتجرأ فيها على مخالفة الطلب‪.‬‬

‫قيم الهيمنة كالسلطة‪ ،‬وقيم الخضوع كالوداعة وجهان لحقيقة‬


‫واحدة؛ الهيمنة من جهة السادة والخضوع من جهة العبيد‪ .‬وهما وجهان‬
‫لحقيقة واحدة‪ ،‬ألن السادة يهيمنون بتواطؤ من العبيد بشكل مثير‬
‫للسخرية‪ ،‬تواطؤ منهم وعليهم‪ .‬إن املقومات األساسية للهيمنة توجد في‬
‫قيم العبيد بقدر وجودها في قيم السادة‪ ،‬مثل الجمال ال يوجد في النساء‬
‫ً‬
‫فقط بل في أعين الرجال أيضا‪ ،‬ألن العنف الرمزي للجمال ال يشتغل إال‬
‫ً‬
‫بتواطؤ مع استعدادات العين‪ ،‬تماما مثلما يشتغل العنف الرمزي للجالد‬
‫بتواطؤ مع استعدادات الضحية‪ .‬وهذه اللعبة املاكرة التي تنطال على‬
‫العبيد هي ثمرة عمل اجتماعي تاريخي مستمر في الزمن‪ ،‬يجمع بين العنف‬
‫وإخفائه‪ ،‬وتساهم فيه مجموعة من املؤسسات املتخصصة في الترويض‬
‫على الخضوع كاألسرة واملدرسة والوظيفة‪ ،‬والبد من معرفة هذه‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪182‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫املؤسسات وطريقة اشتغالها واستراتيجيات مواجهتها أو إصالحها إذا أردنا‬


‫التحرر من قيم العبودية وتجنيب أبنائنا خطر السقوط فيها‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪183‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫افهم سلم القيم وسلم األولويات‬

‫يعتقد البعض خطأ أن الوسائل ال قيمة لها بذاتها‪ ،‬وأن الغايات‬


‫هي مناط الفعل‪ .‬ويركز بالتالي كامل اهتمامه وكل جهده على أهداف‬
‫الفعل ومقاصده وغاياته‪.‬‬

‫إن األهداف واملقاصد والغايات بدون وسائل مجرد عاطفة‬


‫مجنحة وطموحات وآمال‪ ،‬تفتقد إلى أحد أهم شروط الفعل‪ ،‬وهو وسائل‬
‫العمل‪ .‬ولذلك نحتاج إلى تطوير ما يمكن تسميته بـ "فقه الوسائل" أو‬
‫"ذكاء الوسائل"‪ .‬وهو الذكاء الذي يساعدنا على اكتساب الحرية في‬
‫الوسائل حتى نجعل تركيزنا بأكمله على األهداف واملقاصد والغايات‪.‬‬
‫وبتوفير وسائل ألهدافنا نتحرر من التفكير فيها وفي إكراهاتها وضغوطاتها‪.‬‬
‫وباكتساب هذه الحرية يتحرر الفاعل والفعل معا‪.‬‬
‫ُ‬
‫وإنه ألمر يثير العجب واالستغراب أن تجد شحا غير مبرر في‬
‫االهتمام بالوسائل في ثراتنا العلمي بالرغم من أهمية املوضوع وخطورته‪.‬‬
‫فالوسائل لم تحظ عند املتقدمين واملتأخرين بأي نصيب من البحث‬
‫املستقل‪ .‬وكان مبحث الوسائل يأتي دائما تابعا ال مستقال‪ ،‬ويذكر بشكل‬
‫عابر على سبيل اإلشارة واإليجاز دون تعميق النظر في أهمية الوسائل‬
‫وأنواعها وقواعدها وطرق تحصيلها واقتصادها لجعلها في خدمة األهداف‬
‫واملقاصد والغايات العليا‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪184‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫في ثراتنا العلمي يوجد فقه للمقاصد ولكن ال يوجد فقه‬


‫للوسائل! تحفظ ماذا وتحافظ على ماذا و أنت ال تملك وسائل !؟‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪185‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫افهم األصول االجتماعية للقيم‬

‫إن عالم القيم هو ساحة املواجهة الرئيسية بين الذات عندما‬


‫تسترجع وعيها وإرادتها وقدرتها وبين عفاريت العبودية املتعددة والخطيرة‬
‫ً‬
‫التي تحد من وعي اإلنسان وإرادته وقدرته‪ .‬إذا أردت أن تضع حدا لتخبط‬
‫الجسد عليك أن تواجه العفاريت التي تسكنه‪ .‬والذي يسكن الجسد هو‬
‫نظام تشغيله‪ ،‬أي قيمه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫إن وجود نظام تشغيل للجسد ُي َر ّو ُ‬
‫ضه ُوي َح ّ ِّوله من جسد بيولوجي‬ ‫ِّ‬
‫يخضع لقوانين الطبيعة إلى جسد اجتماعي تتحكم فيه اللعبة االجتماعية‬
‫وقواعدها ليس هواملشكلة؛ فهذا الترويض والتحويل ليس سوى عملية‬
‫التنشئة االجتماعية التي يحتاج إليها الجسد لإلندماج في محيطه‬
‫والتكيف معه‪ .‬إنما املشكلة في البرامج االجتماعية الخبيثة التي يسربها‬
‫عفاريت العبودية مع نظام تشغيل الجسد‪.‬‬

‫فمثال‪ ،‬ليس لقيم الطيبين كاألمن والوداعة والقناعة والتعاطف‬


‫ُ‬
‫من ذاتية سوى الجسد امل َر َّوض الذي ُو ِّض َعت بداخله‪ ،‬ورغباته الخائنة‬
‫املتواطئة مع من وضعها‪ .‬والوضع أشبه بعاداتنا االستهالكية التي ال تمت‬
‫لوعينا وقصدنا وإرادتنا بأي صلة‪ ،‬وإنما هي صناعة؛ فاملستهلك ال يخلق‬
‫عاداته االستهالكية بنفسه‪ ،‬وإنما صناعة االستهالك هي من تخلق‬
‫َ‬
‫املستهلك واملستهلك والعادات االستهالكية على حد سواء‪ ،‬وتصنع طفرة‬ ‫ِّ‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪186‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫ُ‬
‫اجتماعية ت َح ّ ِّول اإلنسان من إنسان باستعدادات عادية يستهلك ليعيش‬
‫إلى إنسان باستعدادات عبودية يعيش ليستهلك‪.‬‬
‫َ‬
‫إنها ليست قيمنا الذاتية‪ .‬إنها برامج خبيثة ت َس ّربت مع نظام‬
‫تشغيل الجسد‪ ،‬بتأثير من املؤسسات االجتماعية املتخصصة في‬
‫الترويض على الخضوع‪ ،‬كاألسرة الطيبة واملدرسة والوظيفة‪ ،‬وفي غفلة‬
‫من يقظة الوعي وحرية اإلرادة وقوة القدرة‪ .‬والتحدي املوجود أمام من‬
‫يطلب الحزم هو معرفة هذه املؤسسات وطريقة اشتغالها واستراتيجيات‬
‫مواجهتها أو إصالحها‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪187‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫األسرة تصنع القيم‬


‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫يولد اإلنسان أميرا‪ ،‬ثم يتحول بعد ذلك ملكا أو عبدا‪.‬‬
‫َ‬
‫بعد امليالد مباشرة‪ ،‬ينطلق األمير في سباق مع الزمن نحو ق َد ِّره‬
‫االجتماعي‪ ،‬في سباق للملوك أو سباق للعبيد‪.‬‬

‫يعتبر مستوى الوعي االجتماعي داخل األسرة‪ ،‬وقدرة األبوين على‬


‫املصاحبة‪ ،‬ودرجة نضج مشروع األسرة‪ ،‬واستراتيجيات األسرة في التعامل‬
‫مع التعليم النظامي‪ ،‬وموقفها من الوظيفة‪ ،‬عوامل حاسمة في تحديد نوع‬
‫السباق‪.‬‬

‫إنها قيم األسرة والشروط االجتماعية لوجودها التي تلعب دورا‬


‫حاسما في تحديد نوع السباق؛ فكل فئة خاصة من شروط الوجود يتولد‬
‫َ‬
‫عنها سباق خاص وقيم خاصة وق َدر خاص‪ ،‬فإما سباق للعبيد ُي َت َّوج‬
‫باستعدادات للعبودية‪ ،‬أو سباق للملوك ُي َت َّوج باستعدادات للحرية‪.‬‬

‫أوال‪ :‬سباق العبيد واستعدادات العبودية‬

‫يتولد عن غياب الوعي االجتماعي لدى األسرة‪ ،‬وعجز األبوين عن‬


‫املصاحبة‪ ،‬وغياب املشروع‪ ،‬سباق نحو العبودية‪ُ ،‬ي َع ّ ِّز ُزه التعليم املدرس ي‬
‫الفاشل في مرحلة ثانية‪ُ ،‬وي َّتوج هذا املسار في مرحلة ثالثة بعبودية‬
‫ُ‬
‫الوظيفة التي تعيد إنتاج عبودية العبيد‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪188‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫ثانيا‪ :‬سباق امللوك واستعدادات الحرية‬

‫يتولد عن وجود الوعي االجتماعي لدى األسرة‪ ،‬وقيام األبوين‬


‫بمتطلبات املصاحبة بكل أبعادها‪ ،‬ووجود مشروع أسري واضح وذكي‪،‬‬
‫ُ‬
‫سباق نحو الحرية‪ُ ،‬ي َع ّ ِّززه في مرحلة ثانية استثمار ذكي في التعليم املدرس ي‬
‫يأخذ منه أفضل ما لديه ويتجنب سلبياته ومخاطره‪ُ ،‬وي َّتوج هذا املسار في‬
‫ُ‬
‫مرحلة ثالثة بأعمال حرة ومشاريع واستثمارات تعيد إنتاج حرية األحرار‪.‬‬

‫هذا حظ الشروط االجتماعية للوجود‪ ،‬لكن إذا فاتك قطار‬


‫"املصاحبة واملشروع التربوي" في طفولتك املبكرة الكتساب قيم الحرية‬
‫والحزم‪ ،‬فعليك اللحاق بقطار "تربية العقل واإلرادة والقدرة" لبناء هذه‬
‫القيم من خالل العقل الناقد واإلرادة الحرة والقدرة القوية‪ ،‬فهو فرصتك‬
‫األخيرة‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪189‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫املدرسة تعيد إنتاج نفس القيم‬

‫كتب الكثير من علماء وخبراء الدراسات املستقبلية أن بعض‬


‫املؤسسات التي اخترعتها الرأسمالية الصناعية في القرن التاسع عشر‬
‫ستختفي في القرن الواحد والعشرين أو سيتم إعادة اختراعها في شكل‬
‫جديد (كتابات ألفين توفلر مثال)‪ ،‬وذكروا من هذه املؤسسات بشكل‬
‫خاص املدرسة‪ ،‬لكن يبدو أن األسر الطيبة في غفلة من هذه التحوالت‬
‫الجذرية الجارية‪ ،‬ومستمرون في التخطيط ملستقبل أبنائهم في القرن‬
‫الواحد والعشرين بحلول من القرن التاسع عشر‪ ،‬دون وعي منهم بأن‬
‫املدرسة العمومية املجانية في طريقها إلى االختفاء‪ ،‬وبأن قواعد اللعبة قد‬
‫تغيرت‪ ،‬وبأن املدرسة مؤسسة إيديولوجية (وراءها مصالح) مهمتها‬
‫اإلعداد للعبودية‪ ،‬ومهما تغيرت أشكال البنايات واملناهج والبرامج‬
‫واملخرجات والعالقة مع سوق الشغل وقواعد اللعب ستبقى اللعبة هي‬
‫نفسها‪ :‬اإلعداد للعبودية‪.‬‬

‫توجد في علم االقتصاد نظرية تسمى "نظرية العالمات الضعيفة"‬


‫تقول بأن التغييرات الكبرى التي تقع في املستقبل تدل عليها دائما عالمات‬
‫ضعيفة في الحاضر‪ ،‬فدعونا نجمع ونحلل بعض العالمات الضعيفة التي‬
‫بدأت تظهر في قطاع التعليم والتي تؤشر على شكل ومضمون مدرسة‬
‫املستقبل‪:‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪190‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ ‬سياسة اإلصالحات الفاشلة املتتالية‪ ،‬والتي نجحت في خلق حالة‬


‫من االرتباك والتأزيم واليأس من إمكانية إصالح املدرسة‬
‫العمومية‪.‬‬

‫‪ ‬سياسة التدريس بالكفايات القائمة على السميغ (الحد األدنى‬


‫لألجور) املعرفي‪ ،‬وهذا التوجه في هندسة املناهج والبرامج‬
‫التعليمية أنتج في النهاية مدرسة الحد األدنى للمعرفة واألشكال‬
‫الجديدة للجهل‪ ،‬واليأس من إمكانية أن تكون املدرسة العمومية‬
‫عامال للنجاح والتميز‪.‬‬

‫‪ ‬سياسة تقليص التمويل املوجه للمدرسة العمومية‪.‬‬

‫‪ ‬قانون إلغاء مجانية التعليم (بدأ في بعض الدول‪ ،‬وقادم ال محالة‬


‫في الدول األخرى)‪.‬‬

‫‪ ‬سياسة التخلص من الخبرات والكفاءات املوجودة في املدرسة‬


‫العمومية عن طريق تشجيع التقاعد املبكر أو النسبي ملوظفي‬
‫ً‬
‫التعليم‪ ،‬مما يوفر مجانا خبرات وكفاءات للمدارس الخصوصية‪.‬‬

‫‪ ‬سياسة التحول من التوظيف مدى الحياة إلى التوظيف‬


‫بالتعاقدات املؤقتة (بدأ في بعض الدول‪ ،‬وقادم ال محالة في الدول‬
‫األخرى)‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪191‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ ‬سياسة تشجيع ودعم التعليم األهلي الخصوص ي في شكل‬


‫إعفاءات ضريبية أو االستفادة من األراض ي اململوكة للدولة أو منح‬
‫مبالغ مالية على كل طالب‪.‬‬

‫‪ ‬االنتشار الواسع واملتزايد لالستثمارات األجنبية في التعليم‬


‫(املدارس األمريكية والبريطانية والكندية والفرنسية‪ )...‬وظاهرة‬
‫املدارس العاملية‪.‬‬

‫‪ ‬سياسة خصخصة التعليم الحكومي عن طريق تأجير األصول‬


‫اململوكة للدولة للقطاع الخاص أو لجهات أجنبية‪.‬‬

‫إن ما يعزز فرضية أن هذه العالمات تدل بالفعل على أن املدرسة‬


‫ّ‬
‫في طور إعادة التشكل في اختراع جديد يخدم مصالح الرأسمالية العاملية‬
‫املفترسة لكل ش يء‪ ،‬هو التوجه العاملي لهذه التحوالت‪ .‬أحيانا ال نحتاج إلى‬
‫مصادر خاصة للمعلومات لفهم ما يجري‪ ،‬وإنما نحتاج فقط إلى مجهود‬
‫تحليلي الستنتاج حقيقة ما يحدث‪.‬‬

‫إن توجه الدولة نحو االنسحاب من التعليم ومن الخدمات‬


‫االجتماعية بشكل عام هو توجه عاملي مرتبط بالسياسات الليبرالية‬
‫الجديدة وحاجات الليبرالية الجديدة واملتجددة‪ ،‬ويبدو أن مفهوم "الدولة‬
‫ً‬
‫االجتماعية" التي توظف مدى الحياة وتمنح تقاعدا وحماية صحية‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وتعليما مجانيا وتعويضات عن البطالة وعن األبناء ودعما للمواد‬
‫األساسية وغيرها من الخدمات االجتماعية في طريقه إلى االختفاء‪ ،‬وها‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪192‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫نحن أوالء نشهد كل يوم‪ ،‬وفي كل بالد الدنيا تقريبا‪ ،‬سياسات وقرارات‬
‫جديدة تؤشر على هذا التوجه نحو إعادة اختراع للدولة ولوظائفها بشكل‬
‫يلغي وجهها الجميل ويبقي فقط على وجهها البشع‪.‬‬

‫إن املدرسة العمومية املجانية في شكلها الحالي هي اختراع للقرن‬


‫التاسع عشر‪ ،‬ويبدو أن حاجات وطموحات الليبرالية الجديدة في عصر‬
‫الثورة الصناعية الرابعة تتعارض مع هذا االختراع‪ ،‬فحاجاتها اليوم وغذا‬
‫تختلف عن حاجاتها في عصور الثورات الصناعية الثالث السابقة‪ .‬إن‬
‫هذه الثورة الصناعية الرابعة تحتاج بنظر روادها إلى سياسات عمومية‬
‫ُ‬
‫جديدة ت َح ّ ِّول الخدمات االجتماعية إلى فرص استثمارية‪ ،‬وال يهم إن كانت‬
‫الفاتورة االجتماعية لهذه السياسات باهظة التكلفة‪.‬‬

‫إن توجه الرأسمالية العاملية املفترسة نحو إعادة اختراع املدرسة‬


‫ً‬
‫بما يخدم مصالحها ال يفرضه هاجس الربح املالي فقط‪ ،‬وإنما أيضا عجز‬
‫مدرسة القرن التاسع عشر عن أداء الوظائف االيديولوجية الجديدة التي‬
‫تحتاج إليها رأسمالية القرن الواحد والعشرين‪.‬‬

‫هذه هي مدرسة املستقبل‪ ،‬مدرسة رأسمالية متوحشة مفترسة‬


‫لتكافؤ الفرص ولحق األجيال الجديدة في االنعتاق والحرية‪ ،‬ألنها ستعيد‬
‫إنتاج عبودية الوظيفة في أشكال جديدة تالئم احتياجات رأسمالية القرن‬
‫الواحد والعشرين‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪193‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫َ‬
‫إنها تجربة نجاح آخر لذكاء املاكرين ون َف ِّسهم الطويل في املواجهة‬
‫َومضاء إرادتهم العابرة لألجيال‪ ،‬ويستطيع الطيبون مع هذا االنتصار‬
‫الجديد‪ ،‬ومع كل انتصار للرأسمالية املتوحشة املفترسة‪ ،‬أن يستنتجوا‬
‫بمجهود تحليلي بسيط حجم غبائهم في التخطيط وفشلهم في املواجهة‪.‬‬

‫أما املواجهة الذكية مع املدرسة فال تقوم على إلغائها أو التخلي‬


‫عن االستثمار فيها لخدمة مستقبل أبنائنا‪ ،‬وإنما تقوم على التدافع مع‬
‫جهود الرأسمالية املتوحشة في إعادة اختراع املدرسة بما يتالءم مع‬
‫مصالحها‪ ،‬بنضال ذكي ُي َع ّ ِّزز دورها في التحرير أو على األقل في تحسين‬
‫شروط اإلعداد للعبودية‪ ،‬مع تطوير "مكمالت غذائية للمدرسة"‪،‬‬
‫وتعزيز دور املصاحبة واملشروع الشخص ي من جهة األسرة‪ ،‬ودور‬
‫التجربة الشخصية ومدارس الحياة املتعددة من جهة األبناء‪ ،‬ودور‬
‫تربية العقل واإلرادة والقدرة في بناء سمو الوعي وحرية اإلرادة وقوة‬
‫القدرة في مواجهة اللعبة‪.‬‬

‫آن األوان لنعطي التعليم النظامي حجمه الطبيعي‪ ،‬ونرد االعتبار‬


‫ملدارس التعلم الفعال‪ :‬التربية األسرية القائمة على املصاحبة واملشروع‬
‫التربوي‪ ،‬ومدارس الحياة املتعددة‪ ،‬وتربية العقل واإلرادة والقدرة‪ .‬إننا‬
‫نعطي لألسف أهمية كبيرة للتعليم النظامي‪ ،‬مع أن الجزء األكبر مما‬
‫تعلمناه كان من خالل مدارس الحياة املتعددة كاملصاحبة والتجربة الحية‬
‫ومدرسة الخطأ‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪194‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫الوظيفة ت َع ّزز قيم العبودية‬


‫ّ‬
‫ما الفرق بين العبودية والوظيفة؟ وملاذا حلت الثانية محل‬
‫األولى؟ وملاذا يقبل الناس بقوة على عبودية الوظيفة؟‬
‫ً‬
‫قديما اختار الناس العبودية ألن البديل الوحيد عنها الذي كان‬
‫ً‬
‫متاحا أمامهم هو الجوع أو املوت‪ ،‬أما اليوم فيبدو أن امليل الطبيعي عند‬
‫ً‬
‫اإلنسان لألمن وغريزة الخوف من املجهول قد قادت الناس أيضا إلى نفس‬
‫االختيار‪ ،‬أي اختيار عبودية الوظيفة‪ ،‬ألن الناس تعتقد أن البديل عنها‬
‫هو الجوع أو املوت‪ ،‬لكن هل فعال البديل عن عبودية الوظيفة هو‬
‫الجوع أو املوت؟‬
‫ّ‬
‫إن اختيار الناس اليوم للوظيفة‪ ،‬التي َحلت محل العبودية‪ ،‬ال‬
‫يرجع إلى غريزة الخوف والبحث الغريزي عند االنسان عن األمن‪ ،‬وإنما‬
‫يرجع ملفعول السحر الذي تمارسه املدرسة بترويضها لألجساد والعقول‬
‫على استعدادات العبودية‪.‬‬
‫ً‬
‫لقد نسينا جميعا أن املدرسة في شكلها الحالي اخترعت في القرن‬
‫التاسع عشر‪ ،‬وأن اختراعها كان بهدف اإلعداد للوظيفة‪ ،‬وأن مفهوم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الوظيفة في ظل النظام الرأسمالي الصناعي الناش ئ كانت شكال جديدا‬
‫لعبودية سلفه النظام اإلقطاعي البائد‪ ،‬وأن سنوات التعليم األساس ي‬
‫"اإلجباري" ما هي إال الحد األدنى من السنوات الضرورية لترويض الجسد‬
‫على هذه العبودية الجديدة‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪195‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫لو كانت املدارس التجارية األنيقة‪ ،‬التي غزت عاملنا اليوم‪ ،‬موجودة‬
‫في بداية القرن التاسع عشر‪ ،‬فربما كان املرء سيتصور مادة تعليمية‬
‫واحدة على األقل ضمن املنهاج الدراس ي‪ ،‬حول تعليم القادة واملدراء‬
‫َْ‬
‫لجلد العامل للحصول منه على أقص ى جهد ممكن‬ ‫الطريقة الصحيحة‬
‫دون إلحاق الضرر باألصول‪ .‬إن هذه املمارسة املقرفة دون شك في عرف‬
‫الذوق الحضاري واملرفوضة بال جدل في قوانين حقوق اإلنسان‪ ،‬هي‬
‫بالضبط ما يمارس اليوم في مدارسنا التجارية بأشكال ُم َق َّن َعة وراقية‬
‫ومتحضرة‪ .‬إن مهمة املدارس التجارية اليوم هي تعليم طالبها ثقافة‬
‫الشركات الرأسمالية وقيمها‪ ،‬أي ترسيخ استعدادات بذل أقص ى جهد من‬
‫ّ‬
‫العامل لتحقيق أعلى نتيجة للشركة‪ ،‬إنها‪ ،‬بلغة مهذبة تتحاش ي جرح‬
‫ُ‬
‫مشاعر الطالب وتخفي حقيقة اللعبة‪ ،‬ما يسمى اليوم بأفضل املمارسات‬
‫العاملية والفعالية والكفاءة واألداء العالي والتميز‪ .‬أما العاملون فلهم راتب‬
‫يحميهم من الجوع أو املوت‪ ،‬وربطة عنق تجسد رمزيا العبودية الجديدة‪.‬‬
‫ّ‬
‫لقد حلت الوظيفة محل العبودية‪ ،‬بل إن العبودية لم تختف‬
‫ً‬
‫جديدا‪ ،‬وواهم ُوم ّ‬
‫غفل من يعتقد أن االسترقاق‪،‬‬ ‫وإنما اتخذت شكال‬
‫وغيره من أشكال العبودية‪ ،‬تراجع بشكل كبير نتيجة التقدم األخالقي‬
‫للبشر‪ .‬العبودية لم تتراجع وإنما تغيرت أشكالها‪ ،‬والتقدم األخالقي الذي‬
‫عرفه البشر تم مصادرته وسرقته باختراع أساليب جديدة "راقية‬
‫ومتحضرة" للعبودية‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪196‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫إن الحيل ال تعوز املاكرون؛ فأثناء الفترة االستعمارية مثال‬


‫استخدم املستعمرون حيل وذرائع مثل عبودية الدين‪ ،‬و"الحروب‬
‫العادلة" التي أجازت استعباداألعداء املأسورين كخيار أخالقي بديل عن‬
‫ذبحهم‪.‬‬
‫ً‬
‫وألن نظام العبودية مربح‪ ،‬فإنه من املستبعد جدا أن يختفي‬
‫بالحوافز األخالقية أو القانونية‪ .‬إن تاريخ صراع البشر ضد العبودية‬
‫يؤكد أن هذا النظام املاكر يملك قدرة رهيبة على الصمود؛ فكلما قضت‬
‫َ‬
‫عليه القوانين ُيغ ّير جلده ويتحول إلى شكل جديد بسبب إغراء ربحيته‪،‬‬
‫وما دامت حوافز العبودية قائمة (أي الربح)‪ ،‬فإن الجهود الرامية إلى‬
‫إنهائها ‪-‬تحت أي مسمى‪ -‬البد أن تستمر‪ ،‬ولعل الخيار الوحيد الذي ينبغي‬
‫أن نتجه إليه هو االعتماد على نفس الحوافز ملواجهته‪ ،‬أي مواجهة نظام‬
‫تحكمه حوافز السوق (عبودية الوظيفة) بنظام مناهض له تحكمه أيضا‬
‫ّ‬
‫حوافز السوق (حرية املشاريع الشخصية واألعمال الحرة)‪ .‬دلني على‬
‫ّ‬
‫السوق‪ ،‬فالحديد ال يفله إال الحديد‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪197‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫السوق ي َع ّزز قيم الحرية‬

‫الغايات السامية التي ال وسائل لها مجرد أحالم ُم َج َّنحة‪ ،‬واألجنحة‬


‫التي ال نطير بها ترهق ظهورنا فقط‪ ،‬فأين توجد الوسائل؟ وكيف‬
‫نكتسبها؟‬

‫الوسائل مكانها في السوق ال في الوظيفة (تسعة أعشار الرزق في‬


‫التجارة)‪ ،‬ألن السوق يمتاز بقدرته على تنشيط غريزة التنافس عند‬
‫البشر‪ ،‬بخالف الوظيفة التي تقتل هذه الغريزة‪ .‬إن مبدأ السوق هو ترك‬
‫الغريزة حرة وفسح املجال للتنافس ليلعب دوره في تعزيز الكسب‬
‫واإلنتاج‪ ،‬وتوظيف حب االمتالك كأساس نفس ي ثاني للدخول إلى السوق‪،‬‬
‫باإلضافة إلى حب التميز والبحث عن املكانة االجتماعية كأساس اجتماعي‬
‫لترسيخ قيم السوق‪ .‬إن السوق هو األصل في رحلة امتالك الوسائل وبناء‬
‫القدرة‪ ،‬أما الوظيفة فاستثناء نلجأ إليها بمقدار الحاجة والضرورة‬
‫الخاصة أو املؤقتة‪ ،‬واالستمرار فيها يعتبر أهم عائق أمام حرية اإلنسان‪،‬‬
‫بل هي العبودية نفسها‪.‬‬

‫البد من وسائل كافية وقوية لكل من يحمل غايات عليا‪ ،‬ومن فقه‬
‫للوسائل ُي ْب ِّرز أسبقية الوسائل على املقاصد ويدل على الطريق التي‬
‫توصل إليها‪ .‬إن الوسائل تمنح القوة ملن أرهقه العجز‪ ،‬واالستقاللية‬
‫ملن أتعبته التبعية‪ ،‬والسالم ملن أنهكته الحرب‪ .‬والسوق هو وسيلتنا‬
‫الوحيدة لصناعة هذه الوسائل التي تمنح الكفاية والقوة‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪198‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫ولنضرب لذلك مثال؛ إن الوسائل البشرية ذات ّ‬


‫الفعالية والكفاءة‬
‫العالية نادرا ما تصنعها الوظيفة‪ ،‬والتجربة تؤكد أن خريجي مدرسة‬
‫السوق أقدر على القيادة واإلدارة من خريجي مدرسة الوظيفة‪ ،‬إذا فقهوا‬
‫اللعبة وأدركوا معنى الحزم وتشربوا ِّق َي َمه‪ .‬من لم ي َج ّرب السوق ويصبر‬
‫على مخاطره‪ ،‬فهو ناقص الحزم‪ ،‬ليس له عزم!‬

‫وتزداد حاجة األجيال املقبلة إلى تربية السوق وركوب مخاطره‬


‫بشكل أكبر بسبب تسوق العالم وعاملية السوق‪ ،‬فقد أصبح العالم يعيش‬
‫حياة سوقية‪ ،‬ويتحرك بحوافز السوق‪ ،‬ويحسب حساب السوق‪،‬‬
‫وينضبط بضوابط السوق‪ ،‬فهل نركب املوجة؟ وكيف؟‬

‫دعونا نتساءل أوال ما السوق؟‬

‫السوق هو ميدان اإلنتاج والكسب‪ ،‬وهو املجال الحيوي لصرف‬


‫املنتجات للمستهلك‪ ،‬وهو ساحة التناقض بين املالك وغير املالك‪ ،‬بين‬
‫صاحب الشغل واألجير‪ .‬ويبدو بوضوح من هذه التعريفات الثالثة أن‬
‫مدرسة السوق هي مدرسة للحزم‪ :‬حزم اإلنتاج والكسب‪ ،‬وحزم التسويق‪،‬‬
‫وحزم التدافع بين امللكية والعمل؛ ّ‬
‫تسوق وتسويق وتساوق‪.‬‬

‫وللسوق وجهان في االعتبار‪ :‬حساب املصالح األنانية وفرصة‬


‫يغتنمها األقوى األدهى األغنى ليبتز حق األضعف األفقر‪ ،‬أو حساب‬
‫املصالح الشخصية وفرصة يغتنمها الشجاع الحازم الضابط ليبني القدرة‬
‫التي تمنحه الكفاية والقوة‪ .‬السوق مدرسة لتعلم املكر أو الحزم‪ ،‬أما‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪199‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫الطيبون فال مكان لهم في السوق‪ .‬لدخول السوق غايتان‪ :‬بناء الكفاية‬
‫والقوة التي تعطيك حرية‪ ،‬أو بناء السلطة والقوة الستعباد العالم‪.‬‬
‫ً‬
‫في السوق إذن تهديدان‪ :‬أن تصبح ذئبا يأكل ويتبادل األكل مع‬
‫ً‬
‫الذئاب‪ ،‬أو خروفا يبكي ويشتكي مع سفراء النوايا الحسنة‪ ،‬والسؤال هو‪:‬‬
‫كيف نربي الحزم في السوق وبحو افز السوق وحساب السوق‬
‫وضوابط السوق‪ ،‬دون السقوط في مخاطر الذئاب أو مساوئ‬
‫الخرفان؟ هذا هو التحدي‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪200‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫التربية الذاتية هي فرصتك األخيرة‬

‫إذا فاتك قطار املصاحبة واملشروع التربوي في طفولتك املبكرة‪،‬‬


‫فعليك بقطار تربية العقل واإلرادة والقدرة‪ ،‬فهو فرصتك األخيرة‪ .‬ولكي‬
‫تكون تربية العقل واإلرادة والقدرة فعالة ستحتاج إلى وضوح غايتها‬
‫ابتداء‪ ،‬وغايتها هي االستجابة املزدوجة لنداء القيم ومطلب الفعل‪.‬‬

‫ستحتاج إلى اكتشاف مصادر الفعالية املوجودة في تفاعل هذه‬


‫األنظمة الثالثة "الوعي واإلرادة والقدرة" مع نظام "الفعل" من جهة‪،‬‬
‫ونظام "القيم" من جهة أخرى‪ .‬إن فهم وظيفة كل نظام من هذه األنظمة‬
‫الخمسة‪ ،‬وطبيعة العالقات القائمة بينها‪ ،‬والتأثيرات التاريخية‬
‫واالجتماعية التي تطالها‪ ،‬وحدود سلطتها‪ ،‬هو شرط صحة للتربية على‬
‫الحزم‪.‬‬

‫ال يمكن ألي باحث في "الوعي واإلرادة والقدرة" أن يتجاهل ميدان‬


‫حروب الوعي‪ ،‬وساحة صراع اإلرادات‪ ،‬ومجال اختبار القدرات؛ أي‬
‫ساحة "الفعل"‪ ،‬و"القيم" املحركة له والضابطة التجاهه‪ ،‬فهما معا‬
‫يشكالن عاملنا؛ عالم األجسام واملصالح‪ ،‬وعالم الدوافع واملوانع‪ ،‬وعالم‬
‫العادات واألعراف‪ ،‬وعالم العداوات والصداقات‪ ،‬وعالم الحرب والسلم‪.‬‬
‫في "الفعل" و"القيم" توجد طاقة املصالح املحركة‪ ،‬وفيهما تكتسب الخبرة‬
‫اإلنجازية؛ لذلك نحتاج إلى مجاورة ومقابلة مفهومي "الفعل" و"القيم" مع‬
‫مفاهيم "العقل واإلرادة والقدرة" لتكتمل عندنا صورة الجهاز املفاهيمي‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪201‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫الحامل ملضمون معرفة الذات والعالم والعمل‪ ،‬وطبيعة العالقات‬


‫والتفاعالت املوجودة بين قطب الذات (العقل واإلرادة والقدرة) وقطب‬
‫السلطة (سلطة الفعل وسلطة القيم)‪.‬‬

‫ال وجود لوعي إال بإزاء وعي آخر منافس له‪ ،‬وال إلرادة إال بإزاء‬
‫إرادات أخرى متحدية لها‪ .‬وال لقدرة إال بإزاء قدرات أخرى مزاحمة لها‪.‬‬
‫ومجموع هذه العقول واإلرادات والقدرات املتحاورة‪ ،‬أو املتصارعة‪ ،‬أو‬
‫املتفاهمة ال تتنزل في فراغ‪ ،‬بل في واقع مادي اجتماعي تاريخي يوجد فيه‬
‫العبون تحكم أفعالهم قيم‪ ،‬وتحكم املواجهة فيما بينهم قواعد للعب‪.‬‬

‫إن قيم كل فرد وجماعة ما هي إال مرآة لوعيهم وإرادتهم وقدرتهم؛‬


‫مستوى الوعي يحدد مدى شمولية املشروع ونضج استراتيجية املواجهة‪،‬‬
‫ومستوى اإلرادة يحدد نوعية استعدادات املواجهة‪ ،‬ومستوى القدرة‬
‫يحدد حجم ونوعية الوسائل التي ستستخدم في املواجهة‪ .‬وعندما ُيخطئ‬
‫قطار املصاحبة واملشروع التربوي موعده معك يتبقى أمامك هذا القطار‬
‫ُ‬
‫األخير‪ :‬قطار تحرير سفن "الوعي واإلرادة والقدرة" لجعلها ت ْب ِّحر إلى عالم‬
‫"الفعل" ملواجهة قيم العبودية "بقيم"الحرية‪ .‬ودون هذا القطار األخير‬
‫سيستمر احتجاز سفن الوعي في مراس ي السذاجة واألحالم‪ ،‬وسفن اإلرادة‬
‫في مراس ي الرغبات وردود األفعال غير املنضبطة‪ ،‬وسفن القدرة في مراس ي‬
‫العجز والكسل‪ .‬إذا فاتك هذا القطار األخير فأهال بك في عالم‬
‫العبودية األبدية‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪202‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫تربية العقل واإلرادة والقدرة‬


‫التربية األسرية ّ‬
‫الفعالة تستهدف بناء "العقل واإلرادة والقدرة" من‬
‫خالل "املصاحبة واملشروع التربوي"‪ ،‬لكن يبدو أن جيوش األسر الطيبة‬
‫في غفلة من هذاالوعي‪ ،‬وهكذا يمر قطار تربية األسر الطيبة دون ّ‬
‫فعالية‪،‬‬
‫فما حل هذه املعضلة؟‬

‫الحل هو قطار التربية الذاتية‪ ،‬وهو فرصتك األخيرة‪ ،‬التي يقع‬


‫عليها واجب استدراك ما فشلت فيه التربية األسرية‪ ،‬لكن السؤال هو‪:‬‬
‫كيف؟‬

‫يميل الطيبون إلى املبالغة في استخدام البضاعة املتوفرة لديهم‬


‫وهي النوايا الحسنة‪ ،‬ويتوجسون من كل محاولة جادة لكسب الوعي‬
‫واإلرادة والقدرة‪ .‬وفي هذه املعركة بالضبط‪ ،‬معركة الوعي واإلرادة‬
‫ُ‬
‫والقدرة‪ ،‬تبدع األسر املاكرة ويبدع املاكرون‪ .‬املاكرون أصحاب وعي وإرادة‬
‫وقدرة‪ ،‬لكن بقيم ال أخالقية‪ ،‬والطيبون سفراء للنوايا الحسنة‪ ،‬أما‬
‫الحازمون فتنتظرهم رحلة طويلة وشاقة في تربية العقل الناقد واإلرادة‬
‫الحرة والقدرة الفعالة‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪203‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫تربية العقل الناقد‬

‫تستهدف التربية الذاتية تربية العقل الناقد أوال‪ ،‬وذلك وفق‬


‫املفهوم واملبادئ والقيم واألهداف واملؤشرات التالية‪:‬‬

‫‪ ‬تربية العقل هي تربية على العقالنية العلمية ال العقالنية‬


‫الفلسفية أو التفكير الخرافي‪.‬‬

‫‪ ‬القيم التي يجب ترسيخها هي الوعي وروح النقد والروح العلمية‪:‬‬


‫العلم النظري والعلم التقني‪ ،‬مع تنمية الوعي بطبيعة ووظيفة كل‬
‫منهما‪.‬‬

‫‪ ‬الهدف هو استقاللية العقل؛ أي القدرة على الفهم السريع‬


‫والصحيح بشكل مستقل‪ ،‬والقدرة على النقد‪.‬‬

‫‪ ‬نحتاج إلى تطوير القدرة على جمع ومعالجة املعلومات والتعامل‬


‫النقدي مع املعارف‪.‬‬

‫‪ ‬أثر بناء العقل يجب أن يظهر في القدرة على رصد العالمات خاصة‬
‫الضعيفة واتخاذ القرار وحل املشكالت‪.‬‬

‫‪ ‬في مجال التعلم نحتاج إلى تعزيز التعلم الذاتي‪ ،‬والتعلم من‬
‫مدارس متعددة وخاصة مدرسة الحياة‪ ،‬بدل التعلم من مدرسة‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪204‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫واحدة مدى الحياة‪ .‬فالتعلم في مدرسة واحدة غباء يترتب عنه‬


‫ضيق في الفهم والتجربة وأفق التفكير‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪205‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫تربية اإلرادة الحرة‬

‫تستهدف التربية الذاتية تربية اإلرادة الحرة ثانيا‪ ،‬وذلك وفق‬


‫املفهوم واملبادئ والقيم واألهداف واملؤشرات التالية‪:‬‬

‫‪ ‬تربية اإلرادة هي تربية على الفعالية العملية والنجاعة في الفعل‬


‫واملواجهة‪.‬‬

‫‪ ‬القيم التي يجب ترسيخها هي الشغف ووضوح الرؤية واملثابرة‬


‫واملسؤولية‪.‬‬

‫‪ ‬الهدف هو استقاللية اإلرادة؛ أي القدرة على االنتقال إلى الفعل‬


‫واملثابرة عليه حتى الوصول إلى الهدف بشكل مستقل‪.‬‬

‫‪ ‬نحتاج إلى مراقبة وتطوير نوعية حوافزنا التي تحركنا‪ ،‬وإلى‬


‫تجديدها بشكل مستمر‪.‬‬

‫‪ ‬اإلرادة لها ثالثة مكونات‪ :‬الشغف واملثابرة واملسؤولية‪.‬‬

‫‪ ‬التربية العاطفية شرط الزم لتربية اإلرادة‪.‬‬

‫‪ ‬في مجال التكسب املعيش ي نحتاج إلى تربية على التكسب من‬
‫أعمال حرة متعددة بدل التكسب من وظيفة واحدة مدى الحياة‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪206‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫فالعمل في وظيفة واحدة عجز يترتب عنه ضيق في التجربة‬


‫والعالقات والرزق‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪207‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫تربية القدرة الفعالة‬

‫تستهدف التربية الذاتية تربية القدرة الفعالة ثالثا‪ ،‬وذلك وفق‬


‫املفهوم واملبادئ والقيم واألهداف واملؤشرات التالية‪:‬‬

‫‪ ‬تربية القدرة هي تربية على طلب الكفاية والقوة في الوسائل وعلى‬


‫كسبها وتوفيرها للغايات العليا‪ .‬وتشير القدرة إلى حجم الوسائل‬
‫الالزمة لتحقيق ش يء ما‪.‬‬

‫‪ ‬القيم التي يجب ترسيخها هي العمل والفعالية والنجاعة‬


‫واالستقاللية والحرية والقوة والسرعة واالقتصاد والشراكة‪.‬‬

‫‪ ‬الهدف هو االستقاللية والحرية والقوة في الوسائل‪.‬‬

‫‪ ‬نحتاج إلى ترسيخ الوعي بأهمية الوسائل‪ ،‬وبأن الغايات السامية‬


‫بدون وسائل مجرد أحالم ُم َج َّنحة‪ ،‬وبأن الوسائل تسبق املقاصد‬
‫في الطلب‪.‬‬

‫‪ ‬الغايات بدون وسائل جوفاء‪ ،‬والوسائل بدون غايات عمياء‪.‬‬

‫‪ ‬الوسائل أنواع‪ :‬الوسائل البشرية واملعرفية واملادية والتقنية‬


‫واملالية واإلدارية‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪208‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ ‬الشراكات والتحالفات رافعتان أساسيتان للوسائل؛ ما ال نستطيع‬


‫القيام به بوسائلنا‪ ،‬يمكن أن نقوم به بوسائل شركائنا‪.‬‬

‫‪ ‬القدرة متناسبة مع الوعي واإلرادة؛ فاإلنسان يفهم في حدود‬


‫إرادته‪ ،‬ويريد في حدود فهمه‪ ،‬ويفهم ويريد في حدود قدرته‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪209‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫تربية متوازنة‬

‫إن التربية الفعالة بطبيعتها هي تربية متوازنة‪ ،‬تجمع بين العقل‬


‫واإلرادة والقدرة‪ ،‬لذلك يجب السعي إلى التوازن والحذر من املزالق الثالث‬
‫اآلتية‪:‬‬

‫‪ ‬النقص في العلم‪ ،‬والخطأ في الفهم‪ ،‬والرضا بأنصاف الوعي‪ .‬إن‬


‫نصف الوعي أخطر على الذات واملجتمع من الجهل والالوعي‪.‬‬

‫‪ ‬ضعف اإلرادة وعجزها وكسلها‪ .‬وعلى هذا املستوى يجب أن ننتبه‬


‫إلى أن اإلرادات الطيبة تنكمش وتتراجع كلما احتلت اإلرادات‬
‫املاكرة املزيد من املواقع‪ ،‬لذلك توجد في كل مرحلة حاجة ملحة إلى‬
‫مصادر جديدة لإلرادات‪.‬‬

‫‪ ‬النقص في القدرة‪ ،‬والخوف من كل محاولة لكسب القدرات‪،‬‬


‫وهذا الخوف هو دين املؤمن الضعيف‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪210‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫الوعي خمسة مستويات أعاله الوعي التاريخي‬

‫يمتلك اإلنسان من القيم بقدر ما يمتلك من الوعي‪ ،‬ونوعية قيمه‬


‫من نوعية وعيه‪.‬‬

‫الوعي ليس معرفة‪ ،‬وإن كان للمعرفة دور في بنائه‪ .‬الوعي هو‬
‫العالقة التي تقيمها الذات‪ ،‬بواسطة التجربة أو املعرفة‪ ،‬مع ذاتها والعالم‬
‫والعمل‪ .‬إنه مجموع التمثالت التي تحملها الذات عن ذاتها والعالم‬
‫والعمل‪.‬‬

‫وللوعي خمسة مستويات هي بالترتيب من أكثرها سطحية إلى‬


‫ً‬
‫أكثرها عمقا‪:‬‬

‫‪ ‬املستوى ‪ :9‬الوعي الساذج‪ .‬هو الوعي املنشغل بخصوصيات‬


‫األشخاص واألحداث وبالتعاطي مع كل حدث بشكل منفصل عن‬
‫أحداث أخرى ذات عالقة محتملة‪.‬‬

‫‪ ‬املستوى ‪ :5‬الوعي البسيط‪ .‬هو الوعي الذي ينشأ من مالحظة‬


‫العالقات السببية بين األحداث العامة‪ .‬وهو وعي بسيط ألن‬
‫العالقات بين األحداث ال تكسب معناها إالضمن مرجعية اللعبة‬
‫وقواعدها‪.‬‬

‫‪ ‬املستوى ‪ :5‬الوعي االجتماعي‪ .‬يرتبط الوعي في هذا املستوى بفهم‬


‫قوانين اشتغال حقل اجتماعي معين‪ ،‬أي بمعرفة الالعبين داخل‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪211‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫هذا الحقل ومشاريعهم واستراتيجياتهم وقواعد اللعب والحواجز‬


‫عند الدخول والخروج‪ ،‬والقدرة على قراءة األحداث والعالقات‬
‫ً‬
‫بينها على ضوء هذه املعرفة أو من خالل التجربة أوهما معا‪.‬‬

‫‪ ‬املستوى ‪ :4‬الوعي االجتماعي املتقدم‪ .‬التوسع في معرفة قوانين‬


‫اشتغال مختلف حقول العالم االجتماعي (الحقل السياس ي‪،‬‬
‫الحقل االقتصادي‪ ،‬الحقل االجتماعي‪ ،‬الحقل األكاديمي‪ ،‬الحقل‬
‫اإلعالمي‪ ،‬الحقل الفني‪ )...‬وتمييز الخصائص املشتركة بين كل‬
‫الحقول وخصوصيات كل حقل‪ ،‬والربط بين طرق اشتغال هذه‬
‫العوالم االجتماعية‪ ،‬واستنتاج قواعد اللعب العابر للحقول‬
‫واملجتمعات‪.‬‬

‫‪ ‬املستوى ‪ :3‬الوعي التاريخي‪ .‬االطالع الواسع على التاريخ وأحداثه‬


‫والعالقات السببية بين أحداثه وقوانين تطوره‪ ،‬وربط أحداث‬
‫الحاضر بأحداث املاض ي وبمسارات تطور األحداث في املستقبل‪،‬‬
‫واستنتاج قواعد اللعب العابر لألجيال والعصور‪ ،‬والقدرة على‬
‫بناء سيناريوهات املستقبل‪ ،‬واستخدام هذه السيناريوهات في‬
‫تخطيط املشاريع املستقبلية وفي صناعة القرارات االستراتيجية‪ .‬ال‬
‫وعي إال الوعي التاريخي‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪212‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫اإلرادة خمسة مستويات أعالها إرادة مشروع عابر لألجيال‬

‫لإلرادة موضوع‪ ،‬وال يمكن الحديث عن مستويات اإلرادة إال‬


‫ً‬
‫بارتباط مع موضوعها‪ .‬حدد موضوعا إلرادتك (مثال‪ :‬الذوق الرفيع‪ ،‬التميز‬
‫املعرفي‪ ،‬الحريةاملالية‪ ،‬تحقيق العدالة‪ ،‬استرجاع حق‪ ،‬الحفاظ على‬
‫البيئة‪ ،‬امتالك السلطة‪ ،)...‬وتابع على سلم مستويات اإلرادة مستوى‬
‫نضج إرادتك في هذا املوضوع‪ .‬يتكون سلم نضج اإلرادة من خمسة‬
‫مستويات‪ ،‬تتكامل مع املستويات الخمسة للوعي (ألن اإلنسان يريد في‬
‫حدود فهمه‪ ،‬ويفهم في حدود إرادته)‪ ،‬وهي بالترتيب‪:‬‬

‫‪ ‬املستوى ‪ :9‬اإلرادة الباردة‪ .‬املوضوع ال يمثل أي ش يء بالنسبة لك‪،‬‬


‫وال حاجة لديك إليه‪.‬‬

‫‪ ‬املستوى ‪ :5‬االهتمام‪ .‬املوضوع له مكان ما في حياتك وأنت مهتم‬


‫به بدرجة ما‪ .‬قد ال يليق باملوضوع وبك مجرد االهتمام‪ ،‬لكنه بداية‬
‫طيبة‪ .‬ويتجلى االهتمام من خالل مظاهر متعددة كمتابعة أخبار‬
‫املوضوع أو التعاطف معه أو األماني واألحالم املتعلقة به‪.‬‬

‫‪ ‬املستوى ‪ :5‬القضية‪ .‬املوضوع أصبح اآلن يمثل قضية في حياتك‪،‬‬


‫تعيش وتضحي من أجلها‪ .‬أنت اآلن تبذل من مواردك الكثير لخدمة‬
‫املوضوع (وقتك‪ ،‬جهدك‪،‬تفكيرك‪ ،‬املشاركة في املطالبات التي‬
‫تخدمه‪ .)...‬ومن أهم العالمات الدالة على أن املوضوع أصبح‬
‫قضية في حياتك هو التغيير الذي طال مشاعرك ومعتقداتك‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪213‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫وعاداتك بسبب ارتباطك باملوضوع‪ ،‬وتخصيصك لجزء من‬


‫مواردك لخدمته‪.‬‬

‫‪ ‬املستوى ‪ :4‬املشروع‪ .‬املوضوع اآلن ال يمثل فقط قضية في حياتك‬


‫تنتهي التزاماتك تجاهها بمنح بعض أو كل مواردك لها‪ .‬اإلرادة ال‬
‫يكفي فيها التركيز على املوارد‪ ،‬والفعل ال يكفي فيه توفير الوسيلة‪،‬‬
‫ً‬
‫بل البد أيضا من وضوح الرؤية والغاية واملراحل ومتطلبات كل‬
‫مرحلة وتحقيق نتائج‪ .‬إن تحويل القضية إلى مشروع ضرورة‬
‫عملية ومصيرية؛ عملية لتوجيه املوارد وتعزيز فعاليتها وكفاءتها‪،‬‬
‫ومصيرية ألن القضية تموت إذا لم تنضج اإلرادة وترق إلى مستوى‬
‫املشروع‪ .‬عندما تتقابل قضية مع مشروع يكون النصر دائما‬
‫ً‬
‫للمشروع‪ .‬إن القضية التي تواجه مشروعا ال يمكن أن تنتصر‬
‫عليه إال إذا تحولت هي أيضا إلى مشروع؛ ال يفل الحديد إال‬
‫الحديد‪.‬‬

‫‪ ‬املستوى ‪ :3‬املشروع العابر لألجيال‪ .‬بعض اإلرادات تتجاوز زمانها‬


‫ً‬
‫إذ يكون تخطيطها وعملها عابرا لألجيال‪ .‬واإلرادة العابرة لألجيال‬
‫هي اإلرادة التي تخطط وتنفذ وتحقق نتائج مستدامة عابرة‬
‫لألجيال‪ ،‬يحمل كل جيل من وعي وإرادة من قبله ملن بعده‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪214‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫عندما يتواجه مشروع غير عابر لألجيال مع مشروع عابر لألجيال‬


‫ّ‬
‫تكون الغلبة دائما للمشروع العابر لألجيال املسلح بالوعي التاريخي‪ .‬ال‬
‫إرادة إال إرادة املشاريع العابرة لألجيال‪ ،‬وال وعي إال الوعي التاريخي‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪215‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫القدرة خمسة مستويات أعالها الحرية في الوسائل‬

‫للفعل ثالثة أركان‪ :‬الوعي واإلرادة والقدرة‪ ،‬والنقص في أي منها‬


‫يؤثر على الفعل‪ .‬لكن معاناتنا اليوم من النقص في جانب القدرة‪ ،‬أكثر‬
‫مما نعاني من النقص في جانبي الوعي واإلرادة‪ .‬إن النقص في القدرات‬
‫يؤدي إلى دمار املشاريع‪ ،‬وفوق طاقتك تالم على عدم تعزيز قدرتك‪.‬‬

‫تشير القدرة إلى نوعية وحجم الوسائل الالزمة لتحقيق ش يء ما‪،‬‬


‫وهي نوعان‪:‬‬

‫‪ ‬املوارد بأنواعها‪ ،‬وهي الوسائل املادية التي تعزز تحسين األداء‬


‫وتطويره‪.‬‬

‫‪ ‬الكفايات أو املوارد البشرية‪ ،‬وهي املعارف واملهارات واالتجاهات‬


‫الالزمة الستخدام املوارد املادية‪.‬‬

‫وهما متكامالن؛ ال نستفيد من مواردنا بدون كفايات‪ ،‬وال تنفعنا‬


‫كفاياتنا بدون موارد‪ .‬املوارد بدون كفايات عمياء‪ ،‬والكفايات بدون‬
‫موارد جوفاء‪.‬‬

‫يتكون سلم نضج القدرة من خمسة مستويات‪ ،‬تتكامل مع‬


‫املستويات الخمسة للوعي واإلرادة (ألن اإلنسان يفهم ويريد في حدود‬
‫قدرته)‪ ،‬وهي بالترتيب‪ :‬الضغط ثم األمن ثم الراحة ثم االستقاللية ثم‬
‫الحرية‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪216‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫تبدأ رحلة البحث عن الحرية بالوعي باملصادر التي نحصل منها‬


‫على الوسائل‪ ،‬وعلينا منذ البداية أن ننتبه ونميز بين نوعين من املصادر‪:‬‬
‫املصادر التي تقود إلى الضغط أو األمن في أحسن الحاالت‪ ،‬واملصادر التي‬
‫تقود إلى االستقالل والحرية‪.‬‬

‫املستوى ‪ :9‬الضغط‬

‫عندما تولد بدون ملعقة من ذهب في فمك فستكون بدايتك من‬


‫أسفل السلم‪ :‬الضغط‪ .‬إنها أجمل البدايات‪ ،‬ألن النجاح الحقيقي يولد‬
‫من رحم الضغوطات‪ ،‬وبدون ضغوطات لن يوجد نجاح مستدام ولن‬
‫توجد حرية‪ ،‬بل إن الحرية ما هي إال قدرتنا على اختيار الضغوطات التي‬
‫سنخضع لها‪ .‬ومع أننا ال نختار في الغالب الضغوطات التي نخضع لها‪ ،‬وال‬
‫نتحمل قهرها‪ ،‬نبقى مدينين لهذه الضغوطات بالفضل في نجاحنا‪ .‬إن‬
‫الضغط تحدي يدعو إلى استجابة لتجاوزه‪ ،‬وقد يشكل عامل تحفيز‬
‫للذات أو تدمير لها حسب قدرة الشخص على التحمل ونوع استجابته هل‬
‫هي إيجابية أم سلبية‪ .‬إن الضغط وسيلة لالستعباد أو الحرية حسب‬
‫استجابتنا للتحدي الذي يمثله‪.‬‬

‫إن وظيفة الضغوط هي توسيع عاملنا ال تضييقه‪ ،‬وتطوير‬


‫شخصيتنا ال تدميرها‪ ،‬وزيادة قدرتنا ال االنتقاص منها‪ ،‬نحتاج فقط‬
‫لضمان ذلك أن نفهم أن الضغوط فرص‪ ،‬وأن نستجيب لتحدياتها بشكل‬
‫إيجابي‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪217‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫املستوى ‪ :5‬األمن‬

‫الضغط أفضل من األمن؛ ألن الضغط تحدي يدعو للمواجهة‪،‬‬


‫ُ ّ‬
‫واألمن دفئ يدعو للراحة‪ .‬األمن حاجة يحملها اإلنسان املقهور تولد لديه‬
‫الشعور بالتهديد الوجودي في حال التفكير‪ ،‬مجرد التفكير‪ ،‬في الخروج من‬
‫مربع الراحة واألمان‪ .‬الذي يبحث عن األمن يخاف من املبادرة ويتجنب‬
‫ً‬ ‫املواجهة‪ ،‬ويعتقد بأنه سوف يضيع إلى األبد إذا ّ‬
‫جرب شيئا ال يعرفه‪.‬‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫تحرر‪ ،‬فنحن جميعا نرجع عندما تسوء األحوال إلى مواقعنا اآلمنة‪.‬‬

‫إن األمن ال يستحق أن يكون هدفا؛ األمن للجبناء والطيبين‬


‫الذين يحاولون مواجهة املشاريع املتوحشة واالستراتيجيات املاكرة‬
‫املوجهة نحو الهيمنة الشمولية بالتمترس خلف املواقع اآلمنة‪ .‬الحرية‬
‫وحدها تستحق أن تكون هدفا‪ ،‬ألن املستقبل ملن يبحث عن الحرية ال ملن‬
‫يبحث عن األمان‪.‬‬

‫واألمن أنواع‪:‬‬

‫‪ ‬األمن األسري من خالل االستثمار في األبناء بناء على قاعدة "املزيد‬


‫من األبناء معناه املزيد من األمن"‪.‬‬

‫‪ ‬األمن الوظيفي من خالل االستثمار في املدرسة والوظيفة بناء على‬


‫ُ‬
‫قاعدة "أدرس بجد واحصل على درجات مرتفعة وستجد وظيفة‬
‫آمنة"‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪218‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ ‬األمن املالي من خالل االستثمار في املال واألعمال بناء على قاعدة‬


‫"األعمال الحرة تجلب املزيد من املال‪ ،‬واملزيد من املال يحقق املزيد‬
‫من األمن"‪.‬‬

‫املستوى ‪ :5‬الراحة‬

‫ال يمكن بلوغ الحزم بدون حد أدنى من الوسائل‪ ،‬أي بدون حد‬
‫أدنى من الراحة‪ ،‬لكن الراحة تقتل الحزم‪ ،‬لذلك يجب متابعة رحلة‬
‫تعزيز القدرة بالبحث عن االستقالل والحرية‪ ،‬البد من الخروج من‬
‫منطقة الراحة‪.‬‬

‫الراحة في الوسائل تشكل تهديدا للحزم ألنها تعزز الركون إلى‬


‫العادة وتفقدنا يقظة الحفاظ على املكتسبات وشغف متابعة الرحلة‪،‬‬
‫فهي ليست سندا صلبا للحزم وأهدافه‪ ،‬لذلك يجب متابعة الرحلة نحو‬
‫االستقالل والحرية‪ .‬لكن إذا كنت ممن يح ّب األمن والسالم فأوقف‬
‫الرحلة هنا‪.‬‬

‫املستوى ‪ :4‬االستقاللية‬

‫لالستقاللية بعدين‪ :‬استقاللية اإلرادة واستقاللية القدرة‪ ،‬ولكل‬


‫بعد حالتان‪ :‬أريد‪/‬ال أريد‪ ،‬وأقدر‪/‬ال أقدر‪ .‬وبتركيب البعدين والحالتين‬
‫نحصل على سلم لالستقاللية من خمسة مستويات‪:‬‬
‫‪ ‬ال أريد وال أقدر‪ .‬فئة ال ُهم في العير وال ُهم في َّ‬
‫النفير‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪219‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ ‬أريد لكن ال أقدر‪ .‬فئة ال تملك سوى نواياها الحسنة وإرادتها‬


‫الطيبة‪.‬‬
‫‪ ‬أقدر لكن ال أريد‪ .‬فئة معاندة‪ ،‬أو َتع َبت من َ‬
‫الع َبث فاختارت‬ ‫ِّ‬
‫االنسحاب من املواجهة‪.‬‬

‫‪ ‬أقدر وأريد لكن ليس دائما‪ .‬فئة ال تملك انتظاما في املمارسات‬


‫والنتائج‪.‬‬

‫‪ ‬أقدر وأريد دائما‪ .‬هذه هي االستقاللية في اكتمالها‪.‬‬

‫املستوى ‪ :3‬الحرية‬

‫الحرية صفة في اإلرادة قبل أن تكون صفة في القدرة‪ ،‬يحملها‬


‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اإلنسان املبادر واملثابر تدفعه إلى البحث الدائم عن كماله البشري‪ :‬كمال‬
‫الوعي‪ ،‬وكمال اإلرادة‪ ،‬وكمال القدرة‪.‬‬

‫في بداية الرحلة يولد اإلنسان أميرا‪ ،‬ثم يتحول بعد ذلك إلى ملك‬
‫أو عبد‪ .‬ولكي يتحول أميرنا إلى ملك يحتاج إلى الكثير من الشجاعة‬
‫واالشتغال على ذاته‪ ،‬وإلى الصبر واملثابرة في رحلة طويلة وشاقة‪ ،‬أولها‬
‫ضغط وآخرها حرية‪ .‬إن كل إنسان يملك مصيره بيده‪ ،‬وال يمكن للغير أن‬
‫يسلبه التحكم في مصيره إال اذاكان فقير الوعي أو جبان اإلرادة أو قليل‬
‫التجربة في الحياة أو ضعيف التحصيل لدروسها‪ .‬إن الحرية للشجعان‪،‬‬
‫واألمن للجبناء‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪220‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫الحرية رحلة طويلة وشاقة من العزم والحزم‪ ،‬نحتاج لتحقيقها إلى‬


‫الشروط الثالثة اآلتية‪:‬‬

‫‪ ‬املصاحبة‪ :‬الحرية ال يمكن أن تصل إليها لوحدك‪ .‬ال حرية‬


‫لإلنسان إال داخل تضامن اجتماعي يقيه طغيان الفئة املنافسة‬
‫واملناهضة‪ ،‬لكن ال يمكن أن تصل إلى الحرية مع أي كان‪ .‬اختر‬
‫الرفيق قبل الطريق‪.‬‬

‫‪ ‬الوعي االجتماعي‪ :‬بين الحرية والوعي االجتماعي اعتماد متبادل؛‬


‫فالوعي االجتماعي يعزز النزوع نحو طلب الحرية‪ ،‬والحرية تعمق‬
‫الوعي االجتماعي‪ .‬هكذا اإلنسان‪ ،‬يفهم في حدود إرادته‪ ،‬ويريد في‬
‫حدود فهمه‪.‬‬

‫‪ ‬قوة اإلرادة ومضاء العزيمة وشجاعة االقتحام وطول النفس‬


‫الذي يمكنك من متابعة الرحلة حتى النهاية‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪221‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫الفصل الخامس‪ :‬كيف أعمل؟‬


‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪222‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫الفصل الخامس‪ :‬كيف أعمل؟‬


‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪223‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫ال تلتفت‬
‫َ َ َ َّ‬ ‫ُ‬
‫تأكد أوال أن املنطلقات صحيحة والوجهة سديدة لئال تتشتت على‬
‫ض وال‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫سطح األحداث‪ ،‬فإذا تأكدت من صحة املنطلقات والوجهة‪ ،‬فام ِّ‬
‫ُْ‬
‫تلتفت فإن املل َت ِّفت اليصل‪.‬‬
‫ُْ‬
‫املل َت ِّفت ال يصل ألنه ال ثقة له بنفسه‪ ،‬وال يقين له في قصده‪ .‬لو‬
‫ُ‬
‫كان واثقا من نفسه ومقتنعا بأهدافه ما التفت‪ِّ .‬ال ِّت َفات ُه تعبير عن شك في‬
‫ُ َ َ‬
‫ما هو عليه‪ ،‬وتردد فيما َيسير إليه‪ِّ .‬ال ِّت َفات ُه تشتت في سيره وقصده‪،‬‬
‫ُ‬
‫وتشتيت لجهوده وإرادته‪ِّ .‬ال ِّت َفات ُه انشغال بأشخاص املاض ي وأحداثه عن‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫وعظاته‪ِّ .‬ال ِّت َفات ُه انشغال َبم ْد ِّح الناس َوذ ِّّم ِّه ْم عن إفادة‬
‫دروس املاض ي ِّ‬
‫ّ‬
‫الناس واالستفادة منهم‪ .‬وطاملا أن املاض ي قد تحكم في وعيه‪ ،‬وكالم الناس‬
‫تمكن من ّ‬ ‫ّ‬
‫همه‪ ،‬فلن ينعم ببلوغ أهدافه وغاياته‪ ،‬ألن في اإللتفات‬ ‫قد‬
‫تشتيت للعقل واإلرادة والقدرة‪.‬‬

‫إن االلتفات أنواع أخطرها االلتفات إلى املاض ي لطحن طحين‬


‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫مطحون أصال‪ ،‬وااللتفات مل ْد ِّح الناس َوذ ِّّم ِّه ْم الذي ال يقدم وال يؤخر‪.‬‬

‫ِّالتفاتك إلى أشخاص املاض ي وأحداثه بدل دروسه يقودك إلى‬


‫ضت‪ ،‬ولن يبق لك منها إذا التفت إليها‪ ،‬إال‬‫الحزن واألسف على تجارب َم َ‬
‫مشاعر سلبية ستواجهها وحدك وفي صمت‪ .‬يجب أن تتعامل مع تجارب‬
‫الفشل في املاض ي بإيجابية‪ ،‬ألن الحسرة ستستنزف طاقتك وتضيع وقتك‪،‬‬
‫اليصل‪ .‬ال ُت ّ‬‫َ‬ ‫ُ‬
‫ضيع وقتك في البحث عن أجوبة‬ ‫وامللتفت إلى املاض ي ِّ‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪224‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫لحسرتك‪ .‬الحسرة على ما ضاع براءة اختراع من يعيشون على أمل‬


‫تعويض ما ضاع منهم‪ .‬استخلص دروس التجربة وتابع مسيرتك في أرض‬
‫هللا الواسعة‪.‬‬
‫َ‬
‫أما االلتفات إلى َم ْد ِّح الناس َوذ ِّّم ِّه ْم فعالمة على الفراغ العاطفي‬
‫والبؤس الفكري والبطالة العملية‪ .‬الحازم يستوي عنده مدح الناس له‬
‫ُ‬
‫وذمهم‪ ،‬ويعي جيدا أن مدح الناس له ما هو إال لطف منهم وحسن ظن‪،‬‬
‫وأن االلتفات إلى هذا املدح فراغ وبؤس وبطالة‪ .‬بدل اإللتفات إلى كالم‬
‫الناس عليك التركيز على الفعل مع الناس وإحداث التغيير في الناس؛ في‬
‫َُ ْ ُ‬
‫اع َملوا" ال "وقل قولوا"‪.‬‬ ‫القرآن‪" :‬وق ِّل‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫والناس نوعان‪ِّ :‬قلة تصنع األحداث واألشخاص‪ ،‬وكثرة تؤلف كتب‬
‫ُ‬
‫في الصناعتين؛ فكن طبيبا يقيم جدار الجسد والعقل والروح إذا رآه يريد‬
‫ً‬
‫قاضيا ُي ْ‬
‫ص ِّدر أحكاما ال تقبل استئنافا وال نقضا‪.‬‬ ‫أن ينقض‪ ،‬ال‬

‫يوص ي السلوك الحازم‪ ،‬عند التعامل مع املاض ي‪ ،‬بااللتزام باملبادئ‬


‫اآلتية‪:‬‬
‫ً‬
‫‪ ‬انتقد ماضيك بقوة متى كان نقده ضروريا‪ ،‬لكن احترمه‪ ،‬فمن ال‬
‫يحترم ماضيه ال مستقبل له‪.‬‬

‫‪ ‬تذكر ماضيك لكي ال تكرر أخطاءك فيه‪ ،‬لكن انسه لكيال تعيشه‬
‫مرتين‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪225‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ ‬إذا لم يكن حاضرك في مستوى وعود ماضيك‪ ،‬فاجعل مستقبلك‬


‫في مستوى وعي حاضرك‪.‬‬
‫َ‬
‫كما يوص ي السلوك الحازم‪ ،‬عند التعامل مع َم ْد ِّح الناس َوذ ِّّم ِّه ْم‪،‬‬
‫بااللتزام باملبادئ اآلتية‪:‬‬

‫‪ ‬كالم الناس ال ُيقدم وال ُيؤخر‪.‬‬


‫ُ‬
‫‪ ‬مدح الناس لك لطف منهم وحسن ظن‪ ،‬أما التفاتك إليه فتعبير‬
‫عن فراغ عاطفي وبؤس فكري وبطالة عملية‪.‬‬

‫‪ ‬االلتفات إلى كالم الناس سطحية‪ ،‬لكن اإلنصات إلى نقدهم‬


‫ُ‬
‫نصف ُعمق‪.‬‬
‫امل ِّ‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪226‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫َ ْ َ‬
‫ال تشتك‬

‫الشكوى عندنا تمأل األماكن كلها‪ :‬يا لها من حياة! يا له من زمان! يا‬
‫لها من بالد! يا لها من حكومة! يا له من شعب! آه من قيدك أدمى‬
‫ً‬
‫منصفا ياسيدي القاض ي!‬ ‫معصمي! كن‬

‫لم يعد للشكوى عندنا مكان‪ ،‬ألنها أصبحت موجودة في كل مكان‪:‬‬


‫في بيوتنا وشوارعنا ومدارسنا وإداراتنا وشركاتنا وجمعياتنا واجتماعاتنا‬
‫َْ‬
‫وش ْعرنا ونثرنا ورواياتنا وأغانينا‪.‬‬‫وأحزابنا وحكوماتنا ِّ‬
‫ُ ّ‬
‫حتى طبقتنا السياسية املعارضة‪ ،‬التي كنا ن َع ِّلق عليها ما بقي من‬
‫آمال‪ ،‬احترفت الشكوى‪ ،‬وأمس ى فعلها في الواقع ال يتعدى الشكوى من‬
‫ُ‬
‫سياسات الحكومة‪ .‬وك ّت ُابنا‪ ،‬الذين ُي َع ّول عليهم في صناعة الوعي وتربية‬
‫اإلرادة‪ ،‬هم أيضا يشتكون من ألم الحياة وتجارب الفشل‪ ،‬لكن ً‬
‫شعرا‬
‫كمة ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وأدبا‪ .‬وعندما يتحررون من‬ ‫ونثرا‪ ،‬ويسمون احترافهم للشكوى ِّح‬
‫ً‬
‫واعتقادا‪ ،‬ويسمون‬ ‫ً‬
‫شعورا‬ ‫"الشكوى العاجزة" يحترفون "األمل الساذج"‬
‫ذلك إيجابية‪.‬‬

‫لقد احترفنا الشكوى كأمة منذ اليوم الذي فقدنا فيه الحزم‪ .‬الكل‬
‫يشتكي على إيقاع الشكوى العاجزة لصاحب حق لدى ظامله‪ .‬ورغم رتابة‬
‫زمن الشكوى وقسوته وعبثيته‪ ،‬فال أحد فيما يبدو َم ّل الشكوى‪.‬‬

‫ملاذا نشتكي؟‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪227‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫نشتكي ألننا نجد في شكاوانا عز ًاءا لشقائنا؛ الشكوى هي عزاء‬


‫ُ‬
‫األغبياء والعاجزين في شقائهم الذي صنعوه بأنفسهم‪ .‬وبعد أن نشبع‬
‫حاجتنا من الشكوى نرجع إلى مواقعنا اآلمنة‪ :‬الرضا بالقدر‪ ،‬والتسلح‬
‫بالصبر‪ ،‬وزرع بذور األمل‪ ،‬والتفكير اإليجابي‪ ،‬وسامح فأنت الرابح‪ .‬نرجع‬
‫ساملين غانمين بعد أن قضينا من الشكوى وطرا‪ ،‬ومعنا خمسون فكرة‬
‫ألجل التعايش اإليجابي وفن قبول اإلختالف‪.‬‬

‫أما الحازم فال يشتك أبدا؛ فهو إما سعيد بما يملك‪ ،‬أو جاد في‬
‫تحصيل ما ال يملك‪.‬‬
‫ْ‬
‫الحازم ال َيش َت ِّك‪ ،‬ألن الشكوى عاجزة‪ ،‬فهي براءة اختراع‬
‫َ‬
‫الشخصيات الساذجة في فهمها والعاجزة في إرادتها وفي صناعة ق َد ِّرها‪ .‬ال‬
‫تشتك من مصيرك وقد تركت صناعته لغيرك؛ فمن يمنح ظهره للركوب‪،‬‬
‫ال يحق له الشكوى من الراكب‪ .‬لكن الناس تفضل لألسف أن تشتكي من‬
‫الطاغية بدل أن تتساءل ملاذا تخضع له‪ ،‬وأن تشتكي من شطط السلطة‬
‫بدل إدانة استقالة السلطة املضادة‪.‬‬

‫شكوانا العاجزة األبدية ما هي إال بحث عن َع َزاء‪ ،‬وصدى التنفيس‬


‫عن حاالت غضبنا‪ ،‬ودليل عجز مزدوج‪ :‬عجز عن تحمل ما بداخلنا من‬
‫حزن‪ ،‬وعجز عن انتزاع ما لنا عند الغير من حق؛ ومع ذلك فنحن ال‬
‫نخجل من إظهار عجزنا بشكوانا‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪228‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫وشكوانا ليست دائما سافرة بدون قناع؛ فهي تلبس قناع الحكمة‬
‫واألدب واملعارضة والنقد عندما تقرر االختفاء‪ .‬الشكوى بقناع شكوى‬
‫َ‬
‫محترفة أ ْع َيت َم ْن يداويها‪ ،‬أما شكوى الهواة السافرة فعالجها بسيط‪.‬‬
‫شكوى املحترفين تستند إلى اللغة املحترفة وتتغذى منها‪ ،‬لغة الشعراء‬
‫ُ‬
‫عجب وال تؤثر‪ ،‬لغة محترفة لها‬‫والروائيين واإلعالميين والسياسيين التي ِّ‬
‫ت‬
‫مفعول السحر‪ُ ،‬ت ّ‬
‫حول رغبات محترفي الشكوى إلى أوهام‪.‬‬

‫هذه هي حقيقة شكوانا فكيف نتخلص منها؟‬

‫إن الحياة لعبة ممتدة بين أزواج ثنائية‪ ،‬وعلينا أن نفهم اللعبة‬
‫ُ‬
‫ونتحرر من قبضة ثنائياتها امل ْس َت ْق ِّط َبة؛ بين احتراف الشكوى العاجزة‬
‫والتمذهب لإليجابية الساذجة توجد أرض الحزم الواسعة‪ ،‬فمن يهاجر؟‬

‫لنتوقف عن الشكوى واحترافها‪ ،‬فالرد الوحيد الذي نتلقاه عندما‬


‫نشتكي هو صدى التنفيس عن غضبنا‪ ،‬واملكسب الوحيد الذي نحصل‬
‫عليه هو رفع عدد شكاوانا‪.‬‬

‫ولكي نتوقف عن الشكوى يوص ي السلوك الحازم بااللتزام باملبادئ‬


‫اآلتية‪:‬‬
‫‪ ‬إن الحياة ليست جائرة‪ ،‬فال تشتك من ظلم َّ‬
‫االيـام للناس‪ .‬الظلم‬
‫ما هو إال صناعة للماكرين والطيبين‪ ،‬أما الحياة فابتالء يفشل‬
‫فيه املاكرون ملكرهم والطيبون لسذاجتهم‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪229‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ ‬أصحاب املصائب الكبيرة حزنهم في قلوبهم وابتسامتهم على‬


‫وجوههم‪ ،‬وأصحاب املصائب الصغيرة يشتكون‪ .‬عندما تنقل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫حجرا فال تتحدث عن إنجازك وتفتخر به‪ ،‬فهناك من ينقل جبال‬
‫في صمت‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ ‬كن شخصا مسؤوال وال تشتك أبدا من اآلخرين‪ ،‬واعتبر نفسك‬
‫ُ‬
‫دائما أنك املخطئ‪ ،‬وبادر لحل مشكلتك بنفسك‪.‬‬

‫‪ ‬إذا كنت ممن يبحث عن السعادة فتوقف عن الشكوى واألمل‪،‬‬


‫فهو وصفة جيدة للسعادة‪.‬‬

‫‪ ‬تجنب البحث عن عزاء ملشاكلك وظروفك عند ميت‪ ،‬فهو أيضا‬


‫من بين مصادر الشكوى من األحياء‪.‬‬

‫‪ ‬الشكوى والغضب متالزمان‪ ،‬فاإلنسان يشتكي في العادة عندما‬


‫ّ‬ ‫َ َّ‬
‫يكون في حالة غضب‪ .‬تخلص من غضبك َلت َتخلص من عادتك في‬
‫الشكوى‪.‬‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫‪ ‬الشكوى واألمل متالزمان‪ ،‬فاإلنسان يشتكي ألنه ُيعلق آماال على‬
‫شخص أو تنظيم ميئوس منه‪ .‬توقف عن آمالك الساذجة وستجد‬
‫ّ‬
‫نفسك قد تخلصت من عادة الشكوى‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪230‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ُ ‬كن مباد ا وانتزع حقك بدل أن تشتكي؛ فالعاجز يتمنى ّ‬


‫حقه‪،‬‬ ‫ر‬
‫والحازم ينتزعه‪.‬‬

‫قدرت أنك في املكان الخطأ هاجر؛ فالتخلص من الشكوى‬ ‫‪ ‬إذا ّ‬


‫يقتض ي أحيانا الهجرة إلى أرض هللا الواسعة‪.‬‬

‫‪ ‬زمن االنسحاب من وقت آلخر للتأمل والتقييم مهم‪ ،‬فهو‬


‫يساعدك على تجنب الشكوى‪ .‬خذ لك سويعة عزلة شعورية مع‬
‫ّ‬
‫والتزود‪ ،‬ولتكن مثال يوميا‬ ‫ذاتك للتأمل والتقييم والنقد الذاتي‬
‫قبل النوم‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪231‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫ال تتعاطف‬

‫التعاطف هو القدرة على تجربة مشاعر شخص آخر واإلحساس‬


‫بما يشعر به‪ ،‬إنه الشعور بمشاعر اآلخرين بشكل عام‪ ،‬وهو يشمل‬
‫االهتمام بحياة اآلخرين الداخلية ومشاركتها والتفكير فيها‪ ،‬ويكون عادة‬
‫مع من يشبهوننا‪ ،‬ومع األشخاص الجذابين‪ ،‬والذين ال نشعر بالتهديد‬
‫منهم‪ ،‬واملألوفين لدينا‪ .‬ويعتقد الكثيرون أن التعاطف قيمة إيجابية‬
‫وسامية أساسية لحياتنا األخالقية‪ ،‬لكن هل فعال التعاطف قيمة‬
‫إيجابية؟ وهل من املفيد لنا التعبير عن تعاطفنا مع اآلخرين‪ ،‬أم أن‬
‫التعاطف يقتل صاحبه؟‬

‫دعونا أوال نؤكد على أن التعاطف من حيث املبدأ مغري بمظاهر‬


‫إيجابية كثيرة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫ً‬
‫‪ ‬عندما نعبر عن تعاطفنا مع األشخاص الذين يواجهون ظروفا‬
‫صعبة وحاالت من الحزن أو االكتئاب‪ ،‬فإننا بتعاطفنا هذا‬
‫نساعدهم على التخفيف من معاناتهم واسترجاع بعض الثقة‬
‫بأنفسهم‪.‬‬

‫‪ ‬الناس الذين يتصرفون انطالقا من التعاطف يحصلون أحيانا‬


‫على نوع من الراحة النفسية واألخالقية‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪232‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ ‬الذين يغلب على سلوكهم التعاطف ينمون حياة عاطفية ذاتية‬


‫تشبع لديهم حاجات عاطفية وتمأل فراغات عاطفية أو أخالقية في‬
‫حياتهم‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ ‬التعاطف يحفز املبادئ األخالقية ويجعلها أكثر تجسيدا وإلحاحا‪.‬‬

‫لكن رغم هذه املظاهر اإليجابية واإلغراء الذي يمارسه التعاطف‬


‫علينا‪ ،‬فإن له سلبيات بل مخاطر تقتض ي التخلي عنه واستبداله‬
‫بالرحمة‪ .‬فما هي مخاطره؟ وما الفرق بينه وبين الرحمة؟ وملاذا تمثل‬
‫فعاال ودون مخاطر للتعاطف؟‬ ‫الرحمة بديال أخالقيا ّ‬
‫ُ‬
‫إن التعاطف تجربة تكتنفها مخاطر تطال الذات املتعاطفة‪،‬‬
‫أهمها‪:‬‬
‫ً‬
‫‪ ‬العواطف عموما متقلبة وغير منطقية‪ ،‬وعلينا أن نخضعها‬
‫للعقل‪.‬‬

‫‪ ‬إن الشعور بمعاناة اآلخرين بشكل حاد جدا يؤدي إلى إنهاك الذات‬
‫وإرهاقها؛ فاألم التي تصاب بالذعر مع ابنتها املذعورة‪ ،‬واألب الذي‬
‫يغرق في القلق وهو يرعى ابنه القلق‪ ،‬يرهقان ذاتهما في تجربة‬
‫التعاطف‪ ،‬في حين أن إدراك حالة اآلخر وفهمها ومساعدته ال‬
‫تقتض ي بالضرورة إرهاق الذات باالشتراك في املشاعر‪ .‬إن املسافة‬
‫أمان‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪233‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ ‬التعاطف يقود إلى قرارات وتدخالت غير فعالة غالبا ألنها تقوم‬
‫على التعاطف العاطفي مع الحالة ال على الفهم اإلدراكي للحالة‪.‬‬

‫‪ ‬إن صانع القرار الجيد يبني قراراته باستخدام يقظة الدماغ‬


‫وموضوعية العقل ونزاهة األخالق‪ ،‬وهذه الشروط ال يوفرها‬
‫التعاطف‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ ‬إن املبدأ األخالقي الذي ينطلق منه التعاطف ابتداء يصبح مهددا‬
‫بعد ذلك كلما طغت قوة العاطفة على دقة املبدأ األخالقي؛ فعندما‬
‫نتعاطف مثال مع حالة فردية بدافع أخالق اإلحسان‪ ،‬قد نقع في‬
‫خطيئة عدم النزاهة والحياد تجاه حالة جماعية فنخرق بذلك‬
‫أخالق العدل‪.‬‬

‫‪ ‬املشاعر وحدها ال تبني الحياة األخالقية الفعالة واملتوازنة‪ ،‬إنها‬


‫ّ‬
‫تجعلنا فقط أشخاصا طيبين‪ ،‬أو ُسذج وأغبياء بتعبير يخلو من‬
‫املجامالت‪ ،‬أما أخالق اإلنسانية الفعالة واملتوازنة فتقتض ي الجمع‬
‫بين رحمة القلب وحكمة العقل‪.‬‬

‫الخالصة هي أن التعاطف عاطفي وغير منطقي وقصير النظر‬


‫ً‬ ‫ومرهق للذات وغير ّ‬
‫فعال‪ ،‬وقد يكون ال أخالقيا‪ ،‬وتكون له غالبا عواقب‬
‫كارثية‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪234‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫وباإلضافة إلى كل ما سبق‪ ،‬يبقى عيب التعاطف األكبر أنه يقوم‬


‫بالتركيز على حالة منفردة في خصوصية مظروفيتها الهنا واآلن‪ ،‬ويؤدي‬
‫بالتالي إلى اتخاذ مواقف وقرارات أخالقية قصيرة النظر وغير عادلة‬
‫ومنحازة‪.‬‬

‫ال يمكن لتعاطف فردي أن يخفف من املشاكل االجتماعية‪ .‬ال‬


‫يمكن مواجهة مشاريع وبرامج واستراتيجيات شمولية تستهدف كرامة‬
‫الناس وظروف عيشهم‪ ،‬بإضافة طبقة رقيقة من التعاطف الفردي‬
‫فوقها‪ .‬ال يمكن ملا تم تدميره اجتماعيا أن تتم مواساته عاطفيا‪ .‬ما ُد ِّّمر‬
‫بمشاريع واستراتيجيات اجتماعية ال يمكن أن يعالج إال من خالل مشاريع‬
‫واستراتيجيات اجتماعية مضادة‪ .‬ال ّ‬
‫يفل الحديد إال الحديد‪.‬‬

‫إن التعاطف ُمغري بأخالقياته الظاهرة‪ ،‬لكنه سلوك قصير‬


‫النظر‪ ،‬ومن غير تحكم يمكن أن يقتل صاحبه‪ ،‬ونحن أفضل حاال مع‬
‫الرحمة‪ ،‬وذلك لالعتبارات التالية‪.‬‬

‫‪ ‬الرحمة هي غير التعاطف؛ الرحمة هي رعاية اآلخرين دون الشعور‬


‫باأللم‪ ،‬أما التعاطف فهو االشتراك في الشعور باأللم‪.‬‬

‫‪ ‬الرحمة نابعة من الحب‪ ،‬أما التعاطف فنابع من الشفقة‪.‬‬

‫‪ ‬الرحمة سلوك عاطفي وأخالقي يتسم باالستقرار‪ ،‬أما التعاطف‬


‫فسلوك عاطفي يتسم بالتقلب‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪235‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ ‬الرحمة كسلوك تقترن دائما بالحكمة‪ ،‬أي أنها تعاطف عقالني‬


‫مصحوب ببعد نظر عقلي‪ ،‬يعزز صناعة قرارات رحيمة لكنها‬
‫حكيمة وأخالقية‪.‬‬

‫‪ ‬التعاطف يركز غالبا على الحاالت الفردية‪ ،‬لكن الرحمة تفتح‬


‫املجال باقترانها بالحكمة للمعالجة االجتماعية للحاالت الفردية‪.‬‬

‫‪ ‬الرحمة أكثر فعالية من التعاطف في تعزيز املبدأ وتحقيق األثر‪.‬‬

‫الخالصة‪ ،‬نحن أفضل حاال مع الرحمة‪ ،‬لذلك علينا أن نقول عن‬


‫وعي وبكل شجاعة‪ :‬ال للتعاطف‪ ،‬ونعم للرحمة‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪236‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫ال تنتقم‬

‫العفو عند املقدرة من أخالق الحازمين‪ ،‬فالشخص الحازم يسعى‬


‫َ‬
‫إلى التفاعل اإليجابي وعدم سحق اآلخر أو االنتقام منه‪ .‬إن ك ْس َب قلب‬
‫أهم من تسجيل موقف‪،‬لكن من يستطيع االرتقاء إلى هذا السمو األخالقي‪.‬‬
‫فمن السهل أن تنتقم‪ ،‬لكن من الصعب أن تسامح ما ال يقبل التسامح‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ت َح َّرر من رغبتك في االنتقام فهي ت َج ّ ِّر ُدك من شجاعتك وقناعاتك‬
‫َ‬ ‫ُّ‬
‫وثقتك وتجعل خصمك يسيطر كل ًيا على حياتك‪ .‬ت َح َّرر‪ ،‬فاالنتقام ينقلك‬
‫من مصيبة إلى أخرى أكبر منها‪ ،‬أقلها املعاناة النفسية التي تعيشها في‬
‫تجربة السعي إلى االنتقام‪.‬‬

‫إن املرء الذي يسعى وراء االنتقام ُيبقي جراحه يانعة‪ ،‬جراح كانت‬
‫َ‬
‫لتشفى لو أنه تصرف بطريقة أخرى‪ .‬ت َح َّرر‪ ،‬فنحن في أحسن الحاالت‬
‫نستمتع باالنتقام مرة واحدة فقط‪ ،‬لكن نستمتع بالتسامح بشكل‬
‫مستمر‪.‬‬

‫ما االنتقام؟‬

‫االنتقام رغبة قاتلة وسلوك ال إنساني‪.‬‬


‫ً‬
‫االنتقام هو أوال رغبة جامحة‪ ،‬قاتلة للطالب واملطلوب معا‪ ،‬ناتجة‬
‫عن حالة غضب تسكننا في لحظة ضعف عندما نتجرد من شجاعتنا‬
‫وقناعاتنا وثقتنا‪ .‬وقد تستمر هذه الرغبة في تلبس صاحبها بشكل دائم إذا‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪237‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫كانت شخصيته مهزومة أو حقيرة؛ فمتعة االنتقام ال نجدها إال عند‬


‫الشخصيات الضعيفة والشريرة‪.‬‬

‫تتولد الرغبة في االنتقام من دافع الشعور بالظلم‪ ،‬لكن األخطاء‬


‫ُ‬ ‫ُ‬
‫التي تثير الرغبة في االنتقام ال تولد كلها من اإلساءات الفردية‪ ،‬فاأللعاب‬
‫االجتماعية غير العادلة هي أيضا عامل رئيس ي‪ ،‬فكل الالعبين‪ ،‬الظالم‬
‫منهم واملظلوم‪ ،‬يصبحون ضحايا عندما تكون اللعبة غير عادلة‪ .‬لذلك من‬
‫ّ‬
‫الذكاء "االنتقام" بطرق بناءة اجتماعيا بتحويل غضبنا من السعي‬
‫لالنتقام من الالعبين إلى العمل على "االنتقام" من اللعبة‪ ،‬وتسخير هذا‬
‫الغضب لقضية تغيير اللعبة وقواعدها بدل االجترار العاطفي لرغبتنا‬
‫الشخصية في االنتقام الشخص ي‪.‬‬

‫واالنتقام هو أيضا سلوك ال إنساني‪ ،‬ففي االنتقام ش يء من التأله‬


‫الخفي والتوحش الظاهر؛ فاهلل عز وجل وحده من يتكفل بالعقاب‬
‫األخروي‪ ،‬والقوانين واملحاكم وحدها يحق لها أن تقتص في حال ثبوت‬
‫اإلساءة؛ فال يحق لنا شرعا وقانونا أن ننتقم‪.‬‬

‫هذه هي حقيقة االنتقام فكيف نتخلص منه؟‬

‫لكي نتحرر من هذه الرغبة القاتلة في االنتقام يوص ي السلوك‬


‫الحازم بااللتزام باملبادئ اآلتية‪:‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪238‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ ‬بدل أن تسع إلى االنتقام عليك أن تلوم نفسك على فشلك في‬
‫ّ‬
‫إدراك النصب واالحتيال الواقع عليك في وقت ُم َبكر وعدم يقظتك‬
‫ومتابعتك ألمورك بشكل حازم‪.‬‬

‫‪ ‬لو كان االنتقام ضروريا لوجب أن يكون من نفسك؛ أن تنتقم من‬


‫َُ‬
‫بالتؤ َدة‪،‬‬ ‫سطحيتك بالعلم‪ ،‬ومن فقرك بالعمل‪ ،‬ومن اندفاعك‬
‫ومن سذاجتك باليقظة‪ ،‬ومن أخطائك بتحمل مسؤوليتها‪.‬‬

‫‪ ‬عندما يكون االنتقام ضروريا‪ ،‬دع الحياة تتكفل باملهمة؛ فلكي‬


‫ُ‬
‫تنتقم من شخص‪ ،‬يكفيك أن تتجاهله أو تخرجه من حياتك‪،‬‬
‫وأفضل طريقة لالنتقام من شخص هي أال تشبهه‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ ‬االنهيار ليس خيارا‪ ،‬قرر أن تحرم خصمك من االستمتاع بنتيجة‬
‫ُ ّ‬
‫نصبه واحتياله‪ ،‬بجعله يراك ت َح ِّلق من نجاح آلخر؛ فعندما يبتسم‬
‫املنهزم لنجاحاته يفقد املنتصر لذة النصر بمكره‪ .‬الحازم عندما‬
‫يكون في موقع ضعف ال يستسلم‪ ،‬لكن عندما يصبح في موقع قوة‬
‫ال ينتقم‪.‬‬

‫‪ ‬اختر الصمت في لحظات غموض املوقف فهو الخيار الوحيد الذي‬


‫ال يمكن هزمه‪ ،‬واختر التحكم في ذاتك في لحظات الضعف‬
‫البشري فهو حليفك االستراتيجي‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪239‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫إن السؤال األساس الذي ينبغي لك أن تطرحه على نفسك في‬


‫لحظة ميالد الرغبة في االنتقام هو‪ :‬كيف يمكنني أن أصحح الخطأ‬
‫بطريقة مقبولة من الذات‪ ،‬أي بطريقة منسجمة مع قيمي وشخصيتي‬
‫ومستقبلي؟ وتأكد أن الجواب لن يكون بالتأكيد عن طريق االنتقام‪ .‬أثناء‬
‫سعينا الدؤوب لرد االعتبار‪ ،‬علينا أن نتفادى بشكل قطعي استرجاع‬
‫اإلساءة الفعلية‪ ،‬وخير لنا أال نفكر في رد االعتبار‪ ،‬وأن نتوجه إلى‬
‫االنتقام من اللعبة بدل االنتقام من الالعب‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪240‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫ال تمنح فرصة ثالثة‬

‫من الرحمة والتسامح منح فرصة ثانية‪ ،‬لكن من الغباء والسذاجة‬


‫منح فرصة ثالثة‪ .‬ما يقع مرة واحدة يمكن أال يتكرر مرة ثانية‪ ،‬لكن ما يقع‬
‫مرة ثانية سيتكرر دائما‪.‬‬

‫منح فرصة ثانية دليل قوة ألننا نمنحها ونحن تحت تأثير الصدمة‬
‫ُ‬
‫التي تجعلنا رهائن ملشاعرنا الغاضبة الثائرة؛ هنا غلبت قوة الحكمة‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫والتحمل قوة الصدمة والغضب‪ .‬أما منح فرصة ثالثة فدليل ضعف‬
‫وغباء وسذاجة ألنها تعطي لآلخر فرصة ليمسح بمكره كرامتك‪ ،‬ويقول‪:‬‬
‫مرتين‪ .‬اضرب عن َق فرصته الثالثة‪ ،‬فاملؤمن ال يلدغ من ج ْحر‬‫خدعته َّ‬
‫واحد مرتين‪.‬‬

‫أن تمنح اآلخر فرصة ثالثة معناه أن تمنحه فرصة أخرى ُليبقي‬
‫جراحك يانعة ويرقص عليها‪ .‬لكن سفراء النوايا الحسنة يفتقدون إلى هذا‬
‫الحس اليقظ وهذه السياسة الواقعية‪ ،‬فيلدغون من نفس الجحر في‬
‫عود أبدي ُي َع ِّّبر عن نقص شديد في عقلهم وإرادتهم وقدرتهم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ولكي تتحرر من هذه الطيبة امل َج َّن َحة والسذاجة امل ْس َت ْق َب َحة التي‬
‫قد ترتهنك في عود أبدي لنفس تجارب الفشل‪ ،‬يوص ي السلوك الحازم‬
‫بااللتزام باملبادئ اآلتية‪:‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪241‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ ‬راجع معتقداتك حول توازن القيم‪ .‬يجد سفراء النوايا الحسنة‬


‫صعوبة كبيرة في الجمع بين الرحمة والحزم‪ ،‬وينسون في غمرة‬
‫طيبتهم أن كل ش يء في هذا الوجود يولد من زوجين‪ :‬القيم‬
‫واملشاعر واألفكار واملفاهيم والحقائق واملعتقدات واملواقف‬
‫واملصالح والسلوك‪ .‬الثنائيات هي مصدر الحياة‪ ،‬ومصدر التوازن‬
‫في اآلراء واملواقف‪ .‬لكن اإلنسان الطيب يكون دائما أعزال من أي‬
‫دفاع يحميه من النظرة األحادية للقيم‪ ،‬ألنه محروم من الطريق‬
‫الثاني ومن الثنائية التي يمكن أن تمنحه التوازن‪ .‬السلوك الرحيم‬
‫بدون حزم مجرد عاطفة ُم َج َّنحة تعطي النشوة املخدرة لكن ال‬
‫أداء ّ‬
‫فعاال‪ .‬ال وقت عند الحازمين للتعاطف واألفكار املطلقة‬ ‫تعطي ً‬
‫الجميلة التي ال تقييد لها حسب الزمان واملكان والشخص‬
‫والحالة‪.‬‬

‫‪ ‬راجع مشاعرك حول التعاطف‪ ،‬وأوقف تعاطفك؛ فزمن القلوب‬


‫الطيبة مجرد غباء ال أكثر‪ .‬ال تمأل فراغاتك العاطفية واألخالقية‬
‫في حياتك بالعود األبدي ملبدأ "لنمنح عالقتنا فرصة جديدة"‪.‬‬
‫الفرصة الحقيقية ال تمنح إال مرة واحدة‪.‬‬

‫‪ ‬راجع استراتيجياتك في املواجهة واجعل الحزم أسلوبك فيها؛‬


‫َ‬
‫عندما يتواجه مكر "سكان األ َج َمة" مع يوتوبيا "سكان املدينة‬
‫الفاضلة" يكون النصر دائما للمكر املحترف‪ .‬لكن عندما يتقابل‬
‫َ‬
‫مكر "سكان األ َج َمة" مع حزم "سكان الضبط واالنضباط" يكون‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪242‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫ً‬
‫النصر لالستراتيجيات األكثر حزما؛ في استراتيجيات املواجهة ال‬
‫يوجد بديل عن الحزم‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪243‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫ال تبحث عن إرضاء كل الناس‬

‫من َي ْسع إلى إرضاء كل الناس‪ ،‬سيعطي بكل تأكيد األولوية إلشباع‬
‫حاجات اآلخر على حساب حاجاته‪ ،‬وخدمة أهداف اآلخر على حساب‬
‫أهدافه‪ ،‬وغالبا ُ‬
‫الي ْرض ي في النهاية أي أحد‪ ،‬وقد يجد نفسه في النهاية‬
‫ً‬
‫وحيدا عندما يحتاج إلى الناس‪.‬‬

‫ال تعمل على إرضاء كل الناس‪ ،‬وال تعمل على اإلرضاء بأي ثمن؛‬
‫فهما وجهان لحقيقة واحدة اسمها‪ :‬السذاجة‪ .‬ليس عليك إرضاء كل‬
‫ً‬
‫الناس‪ ،‬عليك فقط أال تؤذي أحدا‪ ،‬وأن تحرص على إرضاء مبادئك‬
‫وقناعتك‪ ،‬وتحقيق نتائج متوازنة لك ولكل األطراف ذات العالقة‪.‬‬

‫ولكي تتحرر من َه َوس هذا البحث املستمر عن إرضاء كل الناس‪،‬‬


‫يوص ي السلوك الحازم بااللتزام باملبادئ اآلتية‪:‬‬

‫‪ ‬ضع في ذهنك أوال أنك مهما فعلت في حياتك سيوجد دائما‬


‫أشخاص غير متفقين معك‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ ‬وضع في ذهنك أيضا أن هناك صنفا من البشر في هذا العالم ال‬
‫يعجبهم العجب وال يرضيهم الرضا‪.‬‬

‫‪ ‬إبدأ بمعرفة ماذا تريد بالضبط‪ .‬أغلب البشر يعرفون جيدا ما ال‬
‫يريدون‪ ،‬لكن ال يعرفون بوضوح وبدقة ما يريدون‪ِّ .‬اعرف بشكل‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪244‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫واضح ودقيق حاجاتك وأهدافك وأولوياتك‪ ،‬وال تقع في فخ السعي‬


‫إلرضاء اآلخرين على حسابها‪.‬‬

‫‪ ‬أحيانا نحتاج لكي ننجح أن نكون "أنانيين"‪ ،‬لكن أنانية سامية ال‬
‫وسخة‪ .‬األنانية نوعان‪ :‬أنانية وسخة تأخذ وال تعطي‪ ،‬وتسعى‬
‫لتحقيق األهداف الشخصية على حساب األهداف املشتركة‪.‬‬
‫وأنانية سامية تعطي لكن بتوازن‪ ،‬وتسعى لتحقيق األهداف‬
‫الشخصية بتكامل مع األهداف املشتركة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫‪ ‬تعلم أن تقول ال‪ ،‬وأن تضع حدودا وخطوطا حمراء‪ ،‬وأن تسمع‬
‫صوتك وآراءك ومواقفك مهما كانت غير ُمرضية لآلخرين‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ ‬ال تضع نفسك في موقع الدفاع وأنت ت َع ِّّبر عن أفكارك ومشاعرك‬
‫ومصالحك‪َ .‬ع ِّّبر بقوة لكن باحترام ألفكار اآلخرين ومشاعرهم‬
‫ومصالحهم‪.‬‬

‫‪ ‬حاول أن تجد صيغة ذكية وعملية وإنسانية ملشاريعك وأهدافك‬


‫تستوعب االختالف الفكري وتعارض املصالح بحيث تحترم آراء‬
‫اآلخرين ومواقفهم وتحفظ حقوق اآلخرين ومصالحهم‪ .‬وتأكد أنك‬
‫رغم ذلك لن تحقق رضا الجميع‪ ،‬وليس عليك إرضاء الجميع‪،‬‬
‫عليك فقط واجب تحقيق نتائج متوازنة‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪245‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ ‬اختر هوية منفتحة‪ .‬الهوية املنفتحة هي شعور إنساني وانشغال‬


‫فكري والتزام عملي مزدوج‪ ،‬باالنتماء وباملشترك بين البشر في نفس‬
‫الوقت‪ .‬إنها استجابة مزدوجة لواجب االنتماء ولنزعة إنسانية‬
‫وإرادة أخالقية في التواصل والتقاسم العابر للهويات واالنتماءات‪.‬‬
‫‪َ ‬ت َع َّلم بناء التفاهمات والتوافقات من خالل الحوار ّ‬
‫البناء‬
‫الفعال‪ ،‬فهما وسيلتان ّ‬
‫فعالتان إليجاد صيغ تفاهم‬ ‫والتفاوض ّ‬
‫وتوافق مرضية لكل األطراف‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪246‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫ال تكرر نفس الخطأ‬

‫التجربة الثانية هي انتصار األمل على التجربة األولى‪ ،‬أما التجربة‬


‫ً‬
‫الثالثة فهي انتصار الغباء على األمل والتجربة معا‪ .‬من الغباء تجريب‬
‫امل َج َّرب‪ ،‬وتكرار نفس الخطأ‪.‬‬

‫صحيح أن الحق في الخطأ هو أحد حقوق اإلنسان األساسية‪ ،‬وكل‬


‫الناس تستحق فرصة ثانية‪ ،‬لكن ال يحق لنا الخطأ في نفس األمر إال مرة‬
‫واحدة‪ ،‬ألن الخطأ عندما يتكرر ال يسمى خطأ‪ ،‬وإنما يسمى عادة سيئة‪.‬‬
‫إن ما يقع مرة واحدة يسمى "مدرسة الخطأ"‪ ،‬لكن ما يقع مرة ثانية يسمى‬
‫"عادة جارفة"‪ .‬الخطأ حق ولكن ملرة واحدة فقط‪ ،‬وإال سيتحول إلى‬
‫"واجب"‪.‬‬

‫غبي إذن من يرتكب الخطأ مرتين‪ .‬غبي وفاشل‪ ،‬ألن الفشل ما هو‬
‫إال سلسلة من األخطاء املتتالية‪ .‬وأخطر ما في الخطأ ليس الخطأ نفسه أو‬
‫نتائجه وتداعياته‪ ،‬وإنما الكيفية التي يستغل بها الناس أخطاء بعضهم‬
‫البعض‪ ،‬ويستخدمونها ضد بعضهم البعض‪ .‬وكلما كان اإلنسان من‬
‫أصحاب املشاريع الكبرى كان الخطأ منه مكلف أكثر مما هو مكلف للناس‬
‫العاديين‪.‬‬

‫ولكي تتحرر من مزلق العود األبدي لنفس األخطاء‪ ،‬يوص ي‬


‫السلوك الحازم بااللتزام باملبادئ اآلتية‪:‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪247‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫ً‬ ‫‪ ‬اعترف مع نفسك أنك أخطأت‪ّ ،‬‬


‫وقرر أال يتكرر معك أبدا نفس‬
‫الخطأ أو خطأ آخر من جنسه‪ ،‬لكن من غير عقدة مع الخطأ‪.‬‬
‫تؤكد "نظرية األجيال األمريكية"أن جيل األلفية ال عقدة لهم مع‬
‫الخطأ‪ ،‬فالخطأ بالنسبة لهم ش يء عادي‪ ،‬وال يهولون من الفشل‬
‫كما هو الشأن بالنسبة لجيل ‪( X‬جيل ما بين ‪ 1960‬و ‪)1980‬وجيل‬
‫‪( Y‬جيل ما بين ‪ 1980‬و ‪.)2000‬‬

‫‪ ‬اعترف دائما ودون شروط أنك أخطأت وأنك وحدك املسؤول عن‬
‫تحمل املسؤولية وتجنب إلقاء اللوم على شخص آخر‪ .‬إذا‬ ‫خطئك‪َّ .‬‬
‫ً‬
‫كنت ال تعترف بأخطائك‪ ،‬فلن تكون قادرا على التعلم منها‪ ،‬وستقع‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫من جديد في نفس األخطاء مرارا وتكرارا‪ .‬ال نتعلم أبدا من أخطائنا‬
‫التي ال نعترف بها‪.‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫‪ ‬ال ت َب ّ ِّرر‪ ،‬فالبارع في تبرير أخطائه‪ ،‬ال يكون بارعا في أي ش يء آخر‪.‬‬
‫ً ً‬
‫‪ ‬أي خطأ نقع فيه في الصغر يعتبر تعلما مهما بالنسبة لنا يجنبنا‬
‫الوقوع في خطأ أسوأ منه عند الكبر‪ ،‬لكن يجب أال نجتر أخطاءنا‬
‫معنا ونحن نتقدم في السن‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ ‬إن الخطأ‪ ،‬كالحقيقة‪ ،‬له "شهداؤه"‪ ،‬وهم مستعدون دائما للموت‬
‫من أجله‪ .‬و"شهداء" الرجوع األبدي لنفس األخطاء ثالثة أنواع‪:‬‬
‫ضحايا الجهل والسطحية واألفكار النمطية‪ ،‬وضحايا الرغبات‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪248‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫ُ‬
‫الجارفة واملشاعر امل َج َّنحة‪ ،‬وضحايا التجربة املحدودة جدا في‬
‫الحياة‪َ .‬ح ِّّدد مصادر الخطأ في حياتك‪ ،‬واعمل على عالجها‪.‬‬

‫‪ ‬ال تستعجل‪ ،‬فالعجلة أم األخطاء‪ .‬ال تستعجل النضج واالنتقال‬


‫من االستهالكية إلى اإلنتاجية‪ ،‬فبينهما مرحلة طويلة وشاقة من‬
‫االستثمار في الذات حتى تبلغ كمال نضجها‪ .‬وال تستعجل شيئا‬
‫تطلبه‪ ،‬فالتسرع أعمى ويؤدي إلى الضياع‪.‬‬

‫‪ ‬املعرفة سالحك األول ضد الخطأ‪ .‬اعرف ذاتك والعالم والعمل‪،‬‬


‫فاملعرفة تحميك من الوقوع في األخطاء‪.‬‬
‫َ َّ‬
‫‪ ‬التحكم العاطفي سالحك الثاني ضد الخطأ‪ ،‬ت َحكم في مشاعرك‪،‬‬
‫فمن يفقد التحكم في مشاعره وعواطفه يقع بكل تأكيد في الخطأ‪.‬‬
‫َ َّ‬
‫‪ ‬التجربة سالحك الثالث ضد الخطأ‪ .‬ت َعلم من مدارس الحياة‬
‫املتعددة لتنفتح أمامك آفاق واسعة في الفهم والفعل‪.‬‬

‫‪ ‬إلدارة مخاطر التجارب الجديدة َج ّ ِّرب دائما في دائرة محدودة قبل‬


‫التعميم الشامل‪ ،‬وانخرط بقدر محدود قبل االندماج الكلي‪ .‬ال‬
‫تمنح ثقتك دفعة واحدة وبالجملة‪ ،‬وال تضع مشاعرك ومصالحك‬
‫كلها في سلة واحدة‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪249‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ ‬اقتلع الخطأ من جذوره بتغيير استعداداتك‪ .‬إن إعادة تربية‬


‫استعداداتك الذاتية هو وسيلتك الفعالة لتجنب العود األبدي‬
‫لنفس األخطاء‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪250‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫تقبل النقد‬

‫يبدو االنفتاح وتقبل النقد كأنه يهدد هويتنا وانسجامنا الذاتي‪،‬‬


‫ُ‬
‫لذلك ت َج ِّّند الذات بشكل طبيعي كل دفاعاتها النفسية والفكرية والعملية‬
‫ُ‬
‫في وجهه‪ .‬لكن الحقيقة غير ذلك‪ .‬الذات ت َج ِّّند دفاعاتها وتتمترس خلفها‬
‫ألن النقد يفضح تحالف األفكار مع املصالح التي تقف خلفها‪ ،‬وتواطؤ‬
‫املعتقدات مع الرغبات التي تغذيها‪ ،‬ويكشف عن االنسياق مع تيار‬
‫َ ّ‬
‫األوهام بسبب اللغة املاكرة التي ت َتكل ُمنا‪.‬‬

‫ما أحوجنا في زمن الغيبوبات السعيدة إلى توسيع أفق ضاق بأهله‪.‬‬
‫انفتح ولو مرة واحدة في حياتك على محيطك‪ ،‬وأنصت ولو مرة واحدة في‬
‫ً‬
‫عمرك لغيرك‪َ .‬ج ّ ِّرب شيئا ال تعرفه تماما فقد يساعدك على تطوير ذاتك‬
‫لألفضل‪ ،‬وتحرر من االعتقاد الخاطئ بأنك سوف تضيع إلى األبد إذا‬
‫ً‬
‫شيئا عنده ال تعرفه‪ّ .‬‬
‫تحرر‪،‬‬ ‫انفتحت على الغير أو تقبلت نقده أو جربت‬
‫ً‬
‫جميعا نرجع عندما تسوء األحوال إلى مواقعنا اآلمنة‪ .‬انفتح ّ‬
‫وتقبل‬ ‫فنحن‬
‫لتكتشف الحياة الحقيقية كما خلقها هللا في تنوعها‪ .‬انفتح‪ ،‬فإن االنفتاح‬
‫يجعلنا ندرك بدقة ووضوح الفرق بين قوانين قبيلتنا وقوانين الطبيعة‪.‬‬

‫ملاذا يجب أن ننفتح ونتقبل النقد وننصت إليه ونعمل‬


‫بمقتضاه؟‬

‫النقد تربية ملن يريد تطوير ذاته لألفضل‪ ،‬فدقيقة نقد أفضل من‬
‫ً‬
‫حياة كاملة في الغيبوبة السعيدة‪ .‬صحيح أن النقد يمكن أن يكون مزعجا‪،‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪251‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫لكنه ضروري ومفيد‪ ،‬فهو كاأللم للجسم ينبهك إلى وجود ش يء غير صحي‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫إننا نصبح كبارا عندما ن ْن ِّصت لنقد الصغار‪ ،‬والحياة جميلة ألنها تتغير‬
‫وتتجدد في كل لحظة بنقد ذاتها وبشكل مستمر ومتجدد‪.‬‬

‫النقد ُي َم ّيز جوانب القصور في الذات‪ُ ،‬وي َن ّ ِّور العقول‪ ،‬ويشحذ‬


‫اإلرادات‪ُ ،‬وي َوجه الجهود‪ .‬وهو غير االنتقاد‪ .‬االنتقاد‪ ،‬على وزن افتعال‪،‬‬
‫مجرد ممارسة مفتعلة فارغة بدون أي أثر إيجابي‪ ،‬واملنتقد شخص بدون‬
‫عمل‪ ،‬أو شخص بدون إنصاف‪ .‬في اللغة‪ :‬نقد الدراهم أي ّميز جيدها من‬
‫رديئها‪ .‬النقد إنصاف‪ ،‬واإلنصاف بضاعة نادرة‪.‬‬

‫ولكي ننفتح على النقد ونستفيد منه‪ ،‬يوص ي السلوك الحازم‬


‫بااللتزام باملبادئ اآلتية‪:‬‬

‫‪ ‬تقبل النقد فاألنظمة املغلقة تنتهي إلى االنحالل من خالل عملية‬


‫التآكل الذاتي‪ ،‬واألنظمة املنفتحة تتطور وتنتشر‪ .‬هذا منطوق‬
‫ً‬
‫القانون الثاني للديناميكا الحرارية‪ .‬والتاريخ يمنحنا أيضا نفس‬
‫الدرس؛ ففي املجتمعات السكونية الراكدة يتعلم املرء صناعة ما‬
‫فيكسب تجربة وخبرة تغنيه مدى حياته عن تجديد ما تعلمه ألن‬
‫َ‬
‫التقنية ال تتغير‪ ،‬أما في عالم متحرك ُوم َتغ ِّّير فإن ضرورة التعلم‬
‫املستمر التي تواكب تحدي التجديد املستمر في نماذج األعمال‬
‫وأساليب اإلنتاج هي مسألة حياة أو موت‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪252‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ ‬تقبل النقد ال االنتقاد؛ فاالنصات إلى النقد وتقبله يساعدنا على‬


‫تطوير ذواتنا‪ ،‬أما االنتقاد فال تلتفت إليه‪ .‬الحازم يتقبل النقد‬
‫ً ّ ً‬
‫وبناءا‪.‬‬ ‫عندما يكون ُمنصفا‬

‫‪ ‬كن يقظا لدفاعات الذات تجاه النقد‪ .‬أمسك بعقليتك التبريرية‬


‫وهي متربصة برفض النقد ومقاومته‪ .‬كم هو جميل أن نقتحم‬
‫عقبات النفس ودفاعاتها ونتقبل النقد‪.‬‬

‫‪ ‬النقد من الخارج ضياع وقت‪ ،‬ألن الذات لها دفاعاتها النفسية‬


‫والفكرية والعملية‪ .‬لكن قد ينفع النقد من الخارج إذا كان للذات‬
‫ُ‬
‫نظامها املنفتح على املحيط واملتفاعل معه وامل َع ّ ِّزز إلعادة تنظيم‬
‫الذات بشكل أفضل من خالل تفاعل عمليتي االنفتاح والنقد‬
‫الذاتي‪ .‬عندما تهب رياح النقد‪ ،‬البعض يبني جدرانا تفصل بينه‬
‫وبينها‪ ،‬والبعض االخر يبني مزارع للرياح إلنتاج الطاقة‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪253‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫تغافل بحكمة‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ما كل حقيقة تقال وال كل حق ُيطلب‪ ،‬فتغافل‪ ،‬فإن التغافل ف ّن‬
‫من أذكى الفنون‪ .‬تغافل‪ ،‬فاإلنسان معدن الخطأ وال أحد يخلو من‬
‫نقصان‪ .‬تغافل‪ ،‬ليحبك الناس وتعيش في سالم وتربح عافيتك وتكسب‬
‫راحة البال‪ .‬تغافل وتجاهل وتغابى‪ ،‬فنصف الحكمة التغافل‪.‬‬

‫ما التغافل؟‬

‫التغافل مهارة فكرية وأخالقية‪ ،‬فهو سلوك ُي َع ِّّبر عن نضج مزدوج‪:‬‬


‫فكري وأخالقي‪ .‬قديما قالوا عن التغافل أنه تسعة أعشار رجاحة العقل‪،‬‬
‫وقالوا عنه أيضا أنه تسعة أعشار ُحسن الخلق؛ فال تغابي إال من ذكاء‪،‬‬
‫وال تغافل إال من سمو أخالقي‪ .‬التغابي ليس غباء والتغافل ليس غفلة‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫فكن متغابيا ال غبيا‪ ،‬ومتغافال ال غافال‪ .‬إن التغابي مهارة ال يجيدها إال‬
‫األذكياء‪ ،‬أما األغبياء فالتذاكي منهم ما يحتذى‪.‬‬

‫والتغافل حاالت وأنواع‪:‬‬

‫‪ ‬التغافل عن إساءة جرحت مشاعرك‪.‬‬


‫‪ ‬التغافل عن تجاوز ال أخالقي ّ‬
‫أضر بمصالحك‪.‬‬

‫‪ ‬التغافل عن تشويه مقصود أو غير مقصود ملواقفك‪.‬‬

‫‪ ‬التغافل عن وقاحة العود األبدي لكل ما سبق‪.‬‬


‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪254‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ ‬التغافل عن سوء فهم أو تفاهم عابر‪.‬‬

‫‪ ‬التغافل عن حيلة الضعيف‪ ،‬وشطارة املحتاج‪.‬‬


‫الخ ُلق العابر لظرف قاهر أو ّ‬
‫هم طارئ‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ ‬التغافل عن سوء‬
‫ُ‬ ‫ُ َ َّ‬
‫‪ ‬التغافل عن االستبداد الفكري املغلف بالعاطفة امل َج َّنحة‪.‬‬

‫‪ ‬التغافل عن الفراغ الفكري والسطحية املعرفية املصحوبة‬


‫بإغراءات التسويق وإغواءاته‪.‬‬

‫في الحياة نجد أنفسنا في مواقف كثيرة ومتنوعة أمام ضرورة‬


‫َ َ َ َّ‬
‫التغابي وحكمة التغافل‪ ،‬فكيف نتخلق بهذه املهارة الفكرية األخالقية؟‬

‫‪ ‬أوال تغافل عن كل ما ال يعنيك‪ ،‬فمن حسن إسالم املرء تركه ما ال‬


‫يعنيه‪.‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫‪ ‬كن يقظا‪ ،‬لكن تغافل عند الضرورة‪ .‬التغافل هو أن تسمع وترى‬
‫وتفهم‪ ،‬ثم تبدو للناس أنك ال سمعت وال رأيت وال فهمت‪.‬‬
‫الحبة ّ‬
‫قبة‪.‬‬ ‫‪ ‬تغافل عن سوء الفهم والتفاهم العابر‪ ،‬فال تجعل من ّ‬

‫‪ ‬ال تتواطئ مع ظلم الزمان على الضعيف واملحتاج؛ تغافل عن‬


‫حيلة الضعيف وشطارة املحتاج‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪255‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ ‬إذا أخطأ إنسان في حقك فانظر أوال هل هذا الخطأ نتيجة ظرف‬
‫قاهر أم طبع راسخ‪ .‬تغافل عن سوء الخلق العابر عندما يصدر‬
‫عن ظرف قاهر‪ ،‬وتحمل هذا الشخص إلى أن يزول ظرفه القاهر‬
‫ويرجع لطبيعته‪.‬‬

‫‪ ‬قابل اإلساءة باإلحسان‪ ،‬وتكرارها بالصبر والزمن‪.‬‬

‫‪ ‬عندما تكون املواجهة ضرورية‪ ،‬ال تصطدم بل تجاوز‪ ،‬فالحازم هو‬


‫من ينجح في تحقيق أهدافه بدون مواجهة‪.‬‬

‫‪ ‬تغافل‪ ،‬لكن دون أن تجعل من التغافل مذهبا في الطيبة الساذجة‬


‫وتضييع الحقوق‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪256‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫تحاور بذكاء‬

‫هل ينتمي الحوار إلى مجال الحزم؟ الجواب نعم‪ ،‬لكن علينا أن‬
‫نحدد بأي معنى؟‬

‫يشير مفهوم الحوار إلى نوع من التواصل بين أفراد أو جماعات في‬
‫وضعية اختالف فكري (وهو هنا يختلف عن التفاوض الذي يكون في‬
‫وضعية تعارض املصالح)‪ ،‬ويستخدم عقالنية التفكير االستراتيجي لإلقناع‬
‫أو كقناع‪ ،‬وأخالقية حق اآلخر في الوجود واالختالف لبناء التعايش‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫يمن في‬
‫املشترك من خالل التفكير بعقل جماعي‪ ،‬أو أخالقية حق امل ِّ‬
‫ه‬
‫الحفاظ على سلطته ألن السلطة بنظر مالكيها عدد أولي ال يقبل القسمة‬
‫إال على واحد أو على نفسه‪.‬‬

‫يمكن أن يمارس الحوار إذن بثالثة معاني‪:‬‬

‫‪ ‬حوار الطيبين الذين يتمذهبون بشكل مطلق وأبدي لكل قيمة‬


‫أخالقية‪ ،‬ويعتقدون‪ ،‬في غيبوبة سعيدة‪ ،‬أن الحوار هو فقط‬
‫لإلقناع والتعايش وقبول اإلختالف‪.‬‬

‫‪ ‬حوار املاكرين الذين يستخدمونه كسالح تكتيكي للحفاظ على‬


‫سلطتهم واستدامة هيمنتهم‪.‬‬

‫‪ ‬حوار الحازمين الذين يمارسونه بتوازن بين وظيفتين‪ :‬بناء‬


‫التعايش‪ ،‬وإدارة الصراع‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪257‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫في كثير من التجارب تقع فجوة بين التنظير واملمارسة‪ ،‬والحوار هو‬
‫إحدى التجارب التي تقع فيها هذه الفجوة بشكل كبير‪ .‬واحتمال وجود‬
‫فجوة يين التنظير للحوار والكيفيات التي يمارس بها يقودنا إلى التساءل‬
‫التالي‪ :‬هل التنظير ملبدأ الحوار واالجتهاد في التأسيس لثقافته هو‬
‫تمذهب للحوار أم تفعيل ألحد آليات إدارة الصراع؟‬

‫لإلجابة عن هذا السؤال علينا أوال أن نميز بين سلوك سكان‬


‫َ‬ ‫َ‬
‫األ َج َمة وسلوك سكان املدينة الفاضلة‪ .‬سكان األ َج َمة أصحاب مكر‬
‫يجعلون الحرب روح أساليبهم في املواجهة‪ ،‬وعندما تضطرهم الظروف‬
‫للنزول للحوار يستخدمونه كسالح تكتيكي ال كقيمة أخالقية‪ .‬إن القوة‬
‫بنظرهم ال تتجزأ‪ ،‬وال توجد حاجة للحوار‪ ،‬ألن سلطة املال واإلعالم‬
‫كفيالن بتحقيق "التعايش"‪ .‬أما سكان املدينة الفاضلة فأصحاب محبة‬
‫ونوايا حسنة‪ ،‬يجعلون الحوار أول خياراتهم وآخرها‪ ،‬ويمارسونه كقيمة‬
‫أخالقية مطلقة‪ .‬فهل من خيار ثالث بديل؟‬

‫الفعال عن عنف‬ ‫إن "الحوار الحازم" هو البديل اإلنساني و ّ‬


‫املاكرين وسذاجة الطيبين‪ .‬إنه وسيلتنا الوحيدة لتجنب العنف والحرب‪،‬‬
‫ً‬
‫ولتجنب التمذهب املطلق للحوار أيضا‪ .‬ليس الحوار بديال عن الصراع‪،‬‬
‫وإنما هو بديل عن الحرب والعنف‪ .‬ألن الحوار هو استمرار للصراع على‬
‫مستوى آخر‪ ،‬بقدر ما هو تعبير عن قبول اآلخر كما هو وإرادة التعايش‬
‫ً‬
‫معه‪ .‬الحوار هو آلية إلدارة الصراع بعيدا عن منطق الحرب‪ .‬إن الحوار‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪258‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫حاجة إنسانية‪ ،‬لكن الصراع قانون اجتماعي‪ ،‬وال ينبغي بالتالي أن تنسينا‬
‫الحاجة عن القانون‪.‬‬

‫ولكي نكتسب روح هذا "الحوار الحازم" يوص ي فقه الحزم بااللتزام‬
‫باملبادئ اآلتية‪:‬‬
‫ُ‬
‫‪ ‬حدد أوال طبيعة امل َح َاور وإرادته في الحوار‪ ،‬ثم استخدم املبادئ‬
‫املناسبة حسب طبيعة الهدف من الحوار هل هو بناء التعايش‬
‫املشترك أم إدارة الصراع‪.‬‬

‫‪ ‬مع الطيبين استخدم الحوار كآلية لبناء التعايش‪.‬‬

‫‪ ‬اعترف باآلخر وبهويته وبحقه في الوجود وفي االختالف‪.‬‬

‫‪ ‬في الحوار مهارتان أساسيتان‪ :‬فن اإلنصات وفن التحدث‪ ،‬واألولى‬


‫أصعب من الثانية‪.‬‬

‫‪ ‬مع املاكرين والحازمين استخدم الحوار كآلية إلدارة الصراع‪.‬‬

‫‪ ‬ال تضيع وقتك في محاورة الوكالء‪ ،‬حاور الالعبين األساسيين‪.‬‬

‫‪ ‬الحوار سالح تكتيكي‪ ،‬فأين استراتيجيتك؟ إذا لم تكن لك‬


‫استراتيجية فأنت خارج اللعبة‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪259‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ ‬بعد زمن الحوار يأتي وقت الحسم والقرار‪ ،‬فال تستخدم الحوار‬
‫غاية لذاته‪ ،‬وال تستغرق حياتك بالكامل تلهث وراء الحوار‬
‫والدعوة إليه واملطالبة به‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ ‬في الواقع‪ ،‬كما في السينما‪ ،‬يجب أن يكون الحوار قصيرا‪ ،‬ألن‬
‫القصص الناجحة تبنى بالفعل والحركة ال بالحوارات الطويلة‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪260‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫تفاوض بو اقعية‬

‫يجب أن نشجع ثقافة التفاوض حيثما وجد الصراع‪ ،‬وأن نعالج‬


‫صراع املصالح بالبحث عن تفاهمات مالئمة للجميع‪ ،‬وأن نعزز العمل‬
‫املشترك لتحقيق أوضاع مربحة لكل األطراف‪ .‬إن استراتيجيات الهيمنة‬
‫بإخضاع اآلخرين والفوز من خالل خسارة اآلخرين ليست هي الطريقة‬
‫املثلى للعيش املشترك‪.‬‬

‫لكن عن أي عيش مشترك تتحدث وعن أي تفاهم‪ ،‬في عالم لم يعد‬


‫يؤمن إال بالسيطرة والهيمنة واإلقصاء والقطب الوحيد‪ ،‬ومع جيل َّ‬
‫هده‬
‫اليأس من االختيار بين شرين‪ :‬مكر الثعالب العجوزة‪ ،‬وسذاجة سفراء‬
‫النوايا الحسنة‪.‬‬

‫صحيح أن النية الحسنة املتفتحة ال يمكن لها أن تصمد أمام‬


‫دهاء الثعالب العجوزة‪ ،‬لكن الحزم يمكنه أن يصمد ويواجه على املدى‬ ‫َ‬
‫البعيد‪ .‬فإذا قلنا بالبحث عن تفاهمات مالئمة للجميع فمن موقع الحزم‬
‫نتحدث ال من موقع الطيبة‪ ،‬والحازم هو من يبني التعايش ويدير الصراع‬
‫في نفس الوقت‪ ،‬فال تنسيه الحاجة اإلنسانية إلى التعايش القوانين‬
‫االجتماعية للصراع‪.‬‬
‫ً‬
‫وتأكيدا‬ ‫ً‬
‫انعكاسا ملوازين القوى‬ ‫إن أفضل االتفاقيات ليست سوى‬
‫لقانون التدافع؛ فالحق نصفه حقيقة ونصفه قدرة تفاوضية‪ ،‬والواقع‬
‫ليس هو الخريطة بل هو نتيجة تفاوضك على شكل حضورك وحدوده في‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪261‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫هذا العالم‪ .‬إن اإلنسان بطبيعته حريص على مصالحه‪ ،‬وال يمكن حرمانه‬
‫من حقه باملكر‪ ،‬لذلك يوص ي فقه الحزم باعتماد آلية التفاوض اإليجابي‬
‫الحازم إلدارة صراع املصالح‪ ،‬وبالبحث الدائم عن املشترك وعن تحقيق‬
‫الربح لكل األطراف‪ ،‬لكن السؤال هو‪ :‬كيف؟‬

‫دعونا أوال نتساءل‪ :‬ما التفاوض؟‬

‫التفاوض آلية للوصول إلى اتفاق ُمرض ي لكل األطراف عند حدوث‬
‫صراع مصالح‪ ،‬من خالل تقديم تنازل مقابل تنازل‪ .‬وهو أيضا فن اختبار‬
‫قدرات اآلخر وحدوده!‬

‫والتفاوض أنواع‪ ،‬يختلف باختالف الالعبين واللعبة وامللعب‪:‬‬


‫هناك ألعاب البحث عن أفضل تسوية مع اآلخر‪ ،‬وهناك ألعاب مناورة‬
‫اآلخر للقضاء عليه‪.‬‬

‫وتتم عملية التفاوض من خالل ثقافتين‪:‬‬


‫َ‬
‫بحت فأنا خاسر‪،‬‬ ‫‪ ‬ثقافة التفاوض السلبي‪ :‬وهي ثقافة إذا ر‬
‫وحصيلة التفاوض هنا إيجابية لطرف واحد فقط‪.‬‬

‫‪ ‬ثقافة التفاوض اإليجابي‪ :‬وهي ثقافة أنا رابح وأنت رابح والكل‬
‫رابح‪ ،‬وحصيلة التفاوض هنا إيجابية لكل األطراف‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪262‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫ولكي ننفتح على التفاوض اإليجابي الحازم‪ ،‬يوص ي فقه الحزم‬


‫بااللتزام باملبادئ اآلتية‪:‬‬

‫‪ ‬يمنحنا التفاوض فرصة تحقيق أهدافنا دون مواجهة‪ ،‬ونحتاج‬


‫ّ‬
‫الستغالل هذه الفرصة أن نكون أوال أذكياء عاطفيا‪ .‬تحكم في‬
‫مشاعرك‪ ،‬فمن يفقد التحكم العاطفي يخسر التفاوض‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ ‬األذكياء عاطفيا أصحاب رأي يجعلون املواجهة آخر خياراتهم‬
‫ويسعون ما أمكنهم ذلك إلى تحقيق أهدافهم بالتفاوض ودون‬
‫ً‬
‫مواجهة‪ ،‬أما األغبياء عاطفيا فأصحاب مواجهة يجعلون القتال‬
‫أول خياراتهم‪.‬‬

‫‪ ‬حدد أولويات تفاوضك‪ ،‬وما يجب تقديمه‪ ،‬وما يجب تأخيره‪ ،‬وما‬
‫يجب تهميشه‪ ،‬وما يجب السكوت عنه‪.‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫‪ ‬أدخل بمبدأ السقف األعلى‪ ،‬لكن كن مستعدا للتنازل وبناء‬
‫التوافقات على أساس قاعدة الكل رابح‪.‬‬

‫الح ّدي القائم على مبدأ "كل ش يء أو ال ش يء" هو العدو‬


‫‪ ‬التفكير َ‬
‫األول للتفاوض‪ .‬خذ وطالب‪.‬‬

‫‪ ‬ال تنظر إلى مكاسب الطرف اآلخر‪ ،‬أنظر فقط إلى مكاسبك التي‬
‫خرجت بها من عملية التفاوض‪ ،‬وهل أنت راض عنها‪ ،‬وهل تخدم‬
‫أهدافك ومشاريعك على املدى البعيد‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪263‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ ‬في التفاوض ينظر كل طرف لنفسه أنه الحل وللطرف اآلخر أنه‬
‫املشكلة‪ .‬كن أنت الحل مع الطيبين والحازمين واملشكلة مع‬
‫املاكرين‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪َ ‬ر ِّكز على مصالحك التي تفاوض من أجلها‪ ،‬ال على نجاحك في‬
‫عملية التفاوض‪.‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫‪ ‬كن يقظا وكفى‪ ،‬بعيدا عن التفكير التآمري لسوء الظن‪ ،‬والتفكير‬
‫الساذج لحسن الظن‪.‬‬
‫‪ ‬ابحث عن تحالفات ّ‬
‫جيدة لتعزيز موقفك التفاوض ي‪.‬‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫‪ ‬ركز على املصالح واملواقع واملواقف معا‪ .‬ال تقع في خطأ التركيز على‬
‫املصالح على حساب املواقع واملواقف؛ فالبشر في التفاوض‬
‫كاألرقام‪ ،‬تتحدد قوتهم التفاوضية في املواجهة بمواقعهم‬
‫ومواقفهم‪.‬‬

‫‪ ‬مع الطيبين والحازمين‪ ،‬حاول دائما أن تنتج وضعا ُم ْر ِّض ًيا لكل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫خصما‪.‬‬ ‫األطراف‪ ،‬وأن تتعامل مع اآلخر بصفته شريكا ال‬

‫‪ ‬مع الثعالب العجوزة‪ ،‬تفاوض كأنه ال توجد حرب‪ ،‬وحارب كأنه ال‬
‫يوجد تفاوض‪ ،‬وضع كمامة على فم الثعلب قبل التفاوض معه‪،‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪264‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫وحلل شخصيته وطريقة تفكيره واعرف إمكاناته‪ ،‬وادرس مشاريعه‬


‫واستراتيجياته وتكتيكاته في الحرب وفي التفاوض‪.‬‬
‫فتاكة‪ّ ،‬‬
‫تعرف عليها واستخدمها بذكاء‬ ‫‪ ‬للتفاوض سبعة أسلحة ّ‬
‫وانتبه الستخدام خصمك لها‪ :‬اللغة‪ ،‬واألسئلة‪ ،‬واإلنصات‪،‬‬
‫والصمت‪ ،‬والغموض‪ ،‬والوقت‪ ،‬واملشاعر‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪265‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫تحكم في مشاعرك‬

‫تبدأ املهرجانات العاطفية دائما باندفاع صادق لقلوب فارغة‪،‬‬


‫ُ‬
‫ت َع ّ ِّززه صور وهمية‪ُ ،‬ينتجها خيال عقل عاطل‪ ،‬كجواب على رتابة الحياة‪.‬‬
‫ثم تبدأ سيكولوجية الجماعة عملها بتفعيل الدعم النفس ي واالعتراف‬
‫االجتماعي املتبادل بين السكارى املشاركين في املهرجان‪ .‬وأخيرا يتقدم‬
‫الجميع بخطى ثابتة نحو املحطة األخيرة‪ :‬حقول األلغام العاطفية‪ ،‬حيث‬
‫َُّ‬
‫يصبح الثبات مطلبا حيويا والحركة تك ِّلف صاحبها حياته‪.‬‬

‫إن االستثمار الضخم في العاطفة ُيكلف دائما أصحابه تعطيل‬


‫فعالية العقل الناقد واإلرادة الحرة‪ ،‬وينتهي إلى سقوط الجميع رهائن في‬ ‫ّ‬
‫حقول األلغام العاطفية‪ .‬فال تشتر العبد إال والعصا معه‪ ،‬فالعاطفة‬
‫خدرة لكنها ال ُتعطي ّ‬ ‫ُ‬
‫امل ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ َّ‬
‫الفعالية‬ ‫املجنحة دون تحكم خ َبال‪ ،‬تعطي النشوة ِّ‬
‫ّ‬
‫والكفاءة‪ .‬تحكم في مشاعرك‪ ،‬وال تفقد السيطرة عليها أبدا ولو للحظة‪،‬‬
‫فمن يفقد التحكم ينساق مع تيار املهرجانات العاطفية‪ ،‬ويتورط في‬
‫حقول األلغام العاطفية‪ ،‬ويخسر املعركة‪.‬‬

‫لكن السؤال هو‪ :‬كيف نتحكم في مشاعرنا؟‬

‫دعونا أوال نتساءل‪ :‬ملاذا املشاعر خطيرة وتحتاج إلى تحكم؟‬

‫يوجد أكثر من سبب يجعل املشاعر خطيرة‪:‬‬


‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪266‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫ُ‬
‫‪ ‬املشاعر طاقة‪ ،‬والطاقة يصعب التحكم فيها‪ ،‬ومقاومتها تسبب‬
‫الكثير من األمراض‪ ،‬وما نحتاج إليه هو توجيهها وتهذيبها ال‬
‫ُ ّ‬
‫مقاومتها‪ ،‬لكن أين التربية العاطفية التي ت َع ِّلم توجيه طاقة‬
‫العاطفة وتهذيبها؟‬

‫‪ ‬إن مشاعرنا ال تنتج عن أشخاص وأحداث من خارج الذات‪ ،‬وإنما‬


‫عن قيمنا وأفكارنا ومعتقداتنا‪ ،‬فأصل املشاعر في ذواتنا ال في‬
‫األشخاص واألحداث من حولنا‪ ،‬لكن أغلب الناس تقوم بإدارة‬
‫مشاعرها بالتركيز على األشخاص واألحداث بدل التركيز على‬
‫عواملها الذاتية‪.‬‬

‫‪ ‬املشاعر عندما تنبثق وتتلبس الذات تصبح حقائق راسخة‪،‬‬


‫ويصعب دحضها بالبرهان العقلي أو التجربة العملية‪ .‬العشق مثال‬
‫عقيدة راسخة عند أصحابها‪ ،‬وال يمكن ألي حجة مهما بلغت قوتها‬
‫أن تقتلعها‪ ،‬ببساطة ألنها توجد في قلب صاحبها ال في عقله‪.‬‬

‫‪ ‬املشاعر تنبثق عن النشوة املخدرة وتستهدف تحقيق النشوة‬


‫املخدرة‪ .‬حلقة مفرغة!‬

‫إن املشاعر طاقة للبناء كما للهدم‪ .‬هي طاقة للبناء متى تحكمنا‬
‫فيها‪ ،‬وطاقة للهدم متى تحكمت فينا‪ .‬املشاعر بلجام تمنحنا طاقة‬
‫ٌَ‬
‫ٌم َح ّ ِّركة‪ ،‬لكن باألجنحة ال تمنح سوى النشوة املخ ِّّدرة‪ .‬لذلك يوص ي فقه‬
‫الحزم بالتحكم فيها من خالل االلتزام باملبادئ اآلتية‪:‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪267‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ ‬ال ترى العالم من خالل مشاعرك فقط‪ ،‬بل أنظر إليه من خالل‬
‫مشاعرك وأفكارك ومصالحك‪.‬‬

‫‪ ‬تحاور مع مشاعرك وأنصت إليها وافهمها‪ ،‬فما لم يتم فهمه ال يتم‬


‫التحكم فيه‪.‬‬
‫‪ّ ‬‬
‫تعرف على مشاعر اآلخرين وأنصت إليها وافهمها‪ .‬إذا لم تنجح في‬
‫فهم مشاعر اآلخرين‪ ،‬فلن تنجح في التعامل معهم‪.‬‬

‫‪ ‬املشاعر طاقة يجب أن تحسن استثمارها‪ .‬احتفظ بمشاعرك‬


‫للشخص املناسب‪ ،‬واملوضوع املناسب‪ ،‬واللحظة املناسبة‪.‬‬

‫‪ ‬ما كل شعور ُي َع َّبر عنه‪ ،‬وكفى باملرء غباء أن ُي َع َّبر عن كل شعور‪.‬‬

‫‪ ‬ال تنفخ في أفعالك شحنات عاطفية فقط‪ ،‬وإنما انفخ فيها أيضا‬
‫وعيا ساميا وإرادة حرة‪.‬‬

‫‪ ‬عندنا تقرر االنخراط في فعل ما‪ ،‬تأمل أوال مشاعرك التي حركتك‬
‫نحو هذا الفعل‪ ،‬فكلما تأملت وتساءلت كيف تولدت وملاذا‪ ،‬كلما‬
‫كنت سيدا على أفعالك‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ ‬بدون مشاعر يستحيل الفعل‪ ،‬ألن طاقة الفعل تستمد من‬
‫املشاعر‪ ،‬لكن باملشاعر فقط يكون الفعل في أسوأ حاالته‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪268‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ ‬حلل مشاعرك‪ ،‬لكن دون أن تبالغ في التحليل العقالني فتقتل‬


‫طاقة املشاعر؛ فبدون املشاعر يصبح الفعل غير ممكن‪ .‬إن أكثر‬
‫من نصف طاقتنا نستمدها من مشاعرنا‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪269‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫ضع معاييرك الشخصية‬

‫وجود معايير مرجعية ضمان للضبط واالنضباط‪ ،‬فضع لنفسك‬


‫معايير والتزم بها‪ .‬القواعد التالية قد تمنحك مرجعية معيارية للسلوك‬
‫الحازم‪:‬‬

‫‪ ‬أنت وحدك املسؤول عن أهدافك الشخصية‪.‬‬


‫ً‬
‫‪ ‬ال تطعن في أحد سعيا وراء أهداف شخصية‪.‬‬

‫‪ ‬ساعد اآلخرين على تحقيق أهدافهم الشخصية‪.‬‬

‫‪ ‬إفرح لنجاحات اآلخرين‪.‬‬

‫‪ ‬مسؤولية األهداف الجماعية مشتركة ومتقاسمة في حالتي النجاح‬


‫والفشل‪.‬‬

‫‪ ‬إدخر وسائلك لغاياتك العليا‪.‬‬

‫‪ ‬ساهم بجزء من مواردك الخاصة في خدمة املجتمع‪.‬‬


‫ً‬ ‫ُ‬
‫‪ ‬كن رحيما في عالقاتك اإلنسانية‪.‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫‪ ‬كن صارما في مواقفك الفكرية؛ في مجال الفكر ال توجد تنازالت أو‬
‫أنصاف الحلول‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪270‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ ‬تفاهم بواقعية في حالة تعارض املصالح‪ ،‬واعتمد مبدأ التنازالت‬


‫املتبادلة والربح املشترك‪.‬‬

‫ص ّحح أخطاءك‪.‬‬
‫‪َ ‬‬

‫‪ِّ ‬التزم بالقواعد دائما مهما كانت ظروفك‪.‬‬


‫َ‬
‫‪ ‬ط ّ ِّور معاييرك لألفضل بشكل دائم‪.‬‬

‫لكل إنسان معاييره الشخصية الخاصة به‪ ،‬لذلك قد ال تناسبك‬


‫كل هذه املعايير‪ ،‬لكن من املهم أن تكون لك معاييرك الخاصة‪ ،‬وأن تلتزم‬
‫بها‪ ،‬لتبقى منسجما مع نفسك وفي أعين الناس‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪271‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫احترم معايير اآلخرين‬

‫أنت اآلن تملك معاييرك الخاصة‪ ،‬ومن املؤكد أنك تحب أن‬
‫ً‬
‫يحترمها اآلخرون‪ .‬حسنا‪ ،‬إبدأ باحترام معاييرهم‪ .‬عندما نحترم معايير‬
‫اآلخرين‪ ،‬فإننا نفرض عليهم أن يحترموا معاييرنا‪ .‬واحترام معايير اآلخر ال‬
‫يعني تبنيها أو محبتها‪ .‬بإمكاننا دائما أن نختلف مع اآلخر ونرفض معاييره‬
‫بل وننتقدها مع احترامها‪.‬‬

‫يبدأ احترام معايير اآلخرين بفهم مبدأ االختالف الذي يقوم عليه‬
‫الوجود‪ .‬اآلخرون يمتلكون دائما معايير مختلفة عنا‪ ،‬وال يهم إن كانت‬
‫أفضل أو أسوأ من معاييرنا‪ ،‬املهم أنها مختلفة‪ ،‬فال تشغل نفسك هل هي‬
‫أفضل أو أسوأ‪.‬‬

‫إذا افترضت أن معايير غيرك أفضل من معاييرك فستشعر‬


‫بالنقص والضعف واإلحباط‪ ،‬وإذا افترضت أن معاييره أسوأ من معاييرك‬
‫فستشعر بالقلق والخوف والشك‪ ،‬لذلك افترض أنها مختلفة عن‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫معاييرك وكفى‪ ،‬وهذا سيبقيك يقظا ومتحفزا ومتفتحا ومتواصال وحذرا‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ومرنا وقادرا على التوقع‪ ،‬ويجنبك الطيبة الساذجة واملكر املخادع‪.‬‬

‫إن سر العالقات اإلنسانية الناجحة هو أن تقبل اآلخر كما هو‪،‬‬


‫أو تنسحب في هدوء إلى أرض هللا الواسعة‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪272‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫َع ّزز املعايير املشتركة‬

‫الحياة من طبيعتها الصراع‪ ،‬لكن هناك حاجة إلى التعايش‬


‫والتعارف والتعاون‪ ،‬لذلك تجد الحدود الفاصلة بين التعاون والتنافس‪،‬‬
‫وبين التعايش والصراع‪ ،‬متداخلة‪ .‬الصراع عامل إحياء‪ ،‬ولواله لكانت‬
‫ً‬
‫الحياة ركودا‪ ،‬لكن الصراع املفتوح ُي َد ِّّمر الفاعل واملفعول والفعل‪.‬‬

‫إن في تعزيز املعايير املشتركة تعظيم لثقافة االحترام املتبادل‬


‫ً‬
‫والتعايش املشترك وفرص التكامل والتعاون‪ ،‬لذلك تجد في الحزم توازنا‬
‫ً‬
‫عجيبا بين روح الصراع وروح التعاون‪ .‬التعاون بدون صراع غيبوبة‬
‫سعيدة‪ ،‬والصراع بدون تعاون تضييع للفرص‪ .‬إن الصراع قانون‬
‫اجتماعي‪ ،‬والتعاون ضرورة حياتية‪ ،‬وال ينبغي للضرورة أن تنسينا‬
‫القانون‪.‬‬

‫وألنه يوجد قانون للصراع نحتاج إلى تعزيز املعايير املشتركة‪ .‬وإذا‬
‫ُ‬
‫لم ن َع ّ ِّزز املعايير املشتركة عبر إخضاع الخالفات لضرورات التعايش‬
‫والتعاون‪ ،‬وبناء مرجعيات مشتركة بمنطق التنازل والتوافق‪ ،‬وتأطير‬
‫الخالفات داخلها‪ ،‬فال يمكن أن ننطلق نحو النجاح‪ .‬إن مناخ "الصراع‬
‫املفتوح" الذي ال مرجعية له‪ ،‬يؤدي إلى استقطابات من نوع حاد (إما‪...‬‬
‫وإما‪ ،...‬كل ش يء أو ال ش يء)‪ ،‬واالستقطاب الحاد يؤدي‪ ،‬غالبا‪ ،‬إلى‬
‫القطيعة أو الفشل‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪273‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫نمل من التأكيد أن سر العالقات اإلنسانية الناجحة هو أن‬ ‫لن ّ‬


‫تقبل اآلخر كما هو وتتعايش معه بمعايير مشتركة‪ ،‬أو تنسحب في هدوء‪،‬‬
‫إذا اقتنعت باستحالة التفاهم والتعايش‪ ،‬إلى أرض هللا الواسعة‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪274‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫انتبه للعالمات‬

‫العالمة معلومة َح ّية تناديك للمسارعة إلى فعل‪ ،‬لكن يبدو أنك‬
‫غافل عنها‪.‬‬

‫في الصحراء تحمل الريح أحيانا رائحة تدل على حدث في الجوار‪،‬‬
‫لكن أين من ينتبه للعالمة؟ والصدمة ما هي إال العالمة الضعيفة التي لم‬
‫تنتبه إليها حين ظهورها‪ ،‬فهال انتبهت في املرة املقبلة؟ والخيانة ما هي إال‬
‫ً‬
‫الضربة التي لم تكن تتوقعها‪ ،‬ألنك لم تكن تعرف قلبك جيدا‪ ،‬وال تدرك‬
‫أحالمه ورغباته‪ ،‬وال تعرف كيف تهتم بها وتتحكم فيها‪ ،‬فأقدم على‬
‫مفاجأتك وتوجيه ضربته إليك من حيث ال تدري‪ ،‬فهل تعلمت أخيرا من‬
‫غبائك العاطفي وقررت أن تنتبه إلى العالمات املوجودة في عواملك‬
‫الذاتية؟‬
‫ً‬
‫إن األحداث الكبرى في املستقبل تظهر دائما من خالل عالمات‬
‫ُ‬
‫ضعيفة في الحاضر‪ .‬إنها لغة العالمات املتأهبة على الدوام لتريك ما ال‬
‫تستطيع عيناك أن ترياه‪ ،‬فهل قررت أخيرا أن تكون لديك الحساسية‬
‫املفرطة والقدرة الدقيقة على اإلنصات واملالحظة واالنتباه للعالمات؟‬
‫تحدثنا في قواعد سابقة عن املعرفة‪ّ ،‬‬
‫ووضحنا أن الحازم يحتاج‬
‫إلى معرفة ذاته والعالم والعمل‪ .‬املعرفة قوتك األولى‪ ،‬أما العالمة فهي‬
‫قوتك الثانية التي تمكنك من إدراك الفرص لتستغلها والتحديات‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪275‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫لتتجنبها أو تحولها إلى فرص‪ .‬لكن أين نتعلم "فقه العالمات" ونطور‬
‫ملكة االنتباه اليقظ إليها؟‬

‫في هذا العصر نعيش الغباء بصور متعددة‪ ،‬أهمها غباء املدرسة‬
‫ّ‬
‫وغباء الوظيفة‪ .‬الغباء األول هو غباء االستثمار في نظام تعليمي ُي َع ِّلم‬
‫تحليل املفاهيم ونقدها (املعرفة امل َج َّردة)‪ ،‬وإبداع االستعارات وتذوقها‬
‫الح َّية)‪.‬‬‫(املعرفة امل َج َّنحة)‪ ،‬وال ُي َع ّلم االنتباه للعالمات وتحليلها (املعرفة َ‬
‫ِّ‬
‫أما الغباء الثاني فهو غباء االستثمار في بيئة الوظيفة البئيسة من حيث‬
‫تعدد العالمات وتنوعها‪ .‬أال ترى أن األمي الذي تعلم في مدارس الحياة‬
‫املتعددة أقدر على فهم الحياة ومواجهة تحدياتها من متعلم الوظيفة‬
‫الذي أفنى حياته بين بيئتين بئيستين‪ :‬مدرسة بمفهوم ضيق للتعلم‬
‫ووظيفة بمفهوم محدود للعمل‪.‬‬

‫تحتاج إلى تعلم "فقه العالمات" وتطوير ملكة االنتباه اليقظ‬


‫إليها‪ ،‬في مدارس الحياة املتعددة‪ ،‬وحقول العوالم االجتماعية املختلفة‪،‬‬
‫ورحلة التعلم هذه طويلة وشاقة‪ ،‬ألن العالمات مستويات هي بالترتيب من‬
‫ً‬
‫أكثرها بساطة إلى أكثرها عمقا وخطورة‪:‬‬

‫‪ ‬عالمات األشخاص‪ :‬توجد في السلوك والخطاب ولغة الجسد‪.‬‬

‫‪ ‬عالمات األحداث‪ :‬توجد في الفاعل واملفعول به والزمان واملكان‪.‬‬


‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪276‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ ‬عالمات العالقات السببية بين األحداث‪ :‬توجد في املبررات‬


‫الظاهرة والخفية لألحداث‪ ،‬وفي عالقة الحدث الحالي بأحداث‬
‫سابقة أو بأحداث مستقبلية محتملة‪ .‬أحيانا ال نحتاج إلى مصادر‬
‫خاصة للمعلومات لفهم ما يجري‪ ،‬وإنما نحتاج فقط إلى مجهود‬
‫تحليلي الستنتاج حقيقة ما يحدث‪.‬‬

‫‪ ‬عالمات اللعبة‪ .‬توجد في قوانين اللعبة ومشاريع الالعبين‬


‫واستراتيجياتهم‪.‬‬

‫وقواعد االنتباه للعالمات أربع‪:‬‬

‫‪ ‬انتبه للعالمة حين ظهورها‪.‬‬

‫‪ ‬حللها بشكل صحيح‪.‬‬

‫‪ ‬تأكد من صحة تحليلك للعالمة بعالمات إضافية‪.‬‬

‫‪ ‬تصرف بسرعة على ضوء نتيجة التحليل‪.‬‬

‫وألن االنتباه للعالمات مسألة حياة أو موت قالوا قديما في املثل‪:‬‬


‫"افتح عينيك قبل الزواج‪ ،‬أما بعد الزواج فأنت بحاجة إلى غلقهما"‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪277‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫إبحث عن الفرص‬

‫يقول الخيميائي أن الحياة مليئة بالكثير من الفرص‪ ،‬وهذا‬


‫صحيح‪ ،‬لكن ما ال يقوله هو أن الحياة مليئة أيضا بالكثير من عدم تكافؤ‬
‫الفرص في اقتناص الفرص؛ ال ألن الحياة غير عادلة‪ ،‬وإنما ألن اللعبة غير‬
‫عادلة‪ .‬اإلخفاء هو أحد مبادئ الفعالية‪ ،‬وهنا بالضبط تكمن خدعة‬
‫الخيميائي‪ .‬إنه الذكاء املاكر‪.‬‬

‫ولتعزيز مكره يدعو الخيميائي إلى "التفكير اإليجابي املطلق"؛‬


‫عندما ينتش ي العبد في غيبوبة التفاؤل املطلق تكون العبودية قد‬
‫استكملت دورتها بإخضاع العقول بعد أن تم إخضاع األجساد‪.‬‬

‫إن فكرة اإليجابية التي ترفع شعارا مطلقا تخفي نية السلبية‪.‬‬
‫التفكير اإليجابي في بعده الشخص ي وعندما يتم التمذهب له يبدو كأنه‬
‫وصفة لعالج ضعف الثقة بالنفس‪ ،‬لكن حقيقته أنه يقض ي على املرض‬
‫واملريض في نفس الوقت‪ .‬وفي بعده املؤسس ي هي االيديولوجية الجديدة‬
‫َ‬
‫للرأسمالية املهيمنة بأسلحتها الناعمة‪ .‬أمااملوقف الحازم منه فهو‪ :‬ن َعم‬
‫للتفكير اإليجابي‪ ،‬ال للتمذهب للتفكير اإليجابي‪.‬‬

‫أتحدث هنا عن التمذهب للتفكير اإليجابي لحاجتنا لتفكير‬


‫ً‬
‫متوازن حتى نستطيع رصد الفرص واملخاطر معا‪ .‬هناك فرق بين التفكير‬
‫االيجابي والتفاؤل‪ ،‬وبين التفكير السلبي والتشاؤم‪ .‬التفكير موقف فكري‬
‫ً‬
‫ال حالة نفسية‪ ،‬ورصد الفرص يحتاج إلى تقييم موضوعي للوقائع بعيدا‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪278‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫عن غيبوبة التفكير اإليجابي املطلق ومخاطر الغباء العاطفي‪ .‬ال أحد من‬
‫أصحاب املنطق السليم يقبل مثال بالدخول في لعبة ال ُيعرف لالعبين فيها‬
‫ً‬ ‫َّ‬
‫هوية واضحة وال ِّللعب رهان محدد‪ ،‬ورغم ذلك يوجد دائما الكثير من‬
‫املندفعين الذين ينخرطون بحماس منقطع النظير وراء الوهم‪ ،‬كلما تعلق‬
‫األمر بلعبة ُمغرية بالكسب الكبير واالغتناء السريع‪ .‬إنه إغراء الفرصة‬
‫ومشاعر الخوف من ضياعها‪ .‬وال يستفيق أصحاب الغيبوبات السعيدة‬
‫من غيبوبتهم إال عندما تنتهي اللعبة وتختفي طاولة اللعب ويتبخر‬
‫الالعبون‪ ،‬حينها فقط يستفيق أصحاب النوايا البريئة واآلمال الساذجة‪،‬‬
‫ويفتحون أعينهم على الحرائق وقد اشتعلت في منازلهم‪ ،‬فيسارعون إلى‬
‫شراء تأمين ضد الحرائق‪ ،‬وهل ينفع شراء عقد تأمين ضد الحرائق بعد‬
‫اشتعال النيران في املنزل!؟‬

‫وللتمذهب األعمى للفرص شكل آخر أكثر إغر ًاءا‪ ،‬هو مالحقة‬
‫الفرص املالية فقط‪ .‬إن الشركات العائلية عندنا تفشل في تأمين استدامة‬
‫نجاح أعمال العائلة عبر األجيال ألن هذا النجاح هو نجاح مالي قائم على‬
‫مالحقة الفرص املالية فقط وليس نجاحا في تصميم القيمة وتطويرها‬
‫وبناء نماذج األعمال املبتكرة وتصميم األنظمة اإلدارية والتقنية الذكية‪،‬‬
‫ُ‬
‫لذلك تجدها ال ت َع ِّّمر ألكثر من ثالثة أجيال في أحسن حاالتها‪ .‬أما‬
‫الشركات في البالد املتقدمة أو السائرة في طريق التقدم‪ ،‬فتمتلك هوية‬
‫وتتجنب الوقوع في فخ الركض وراء‬‫ّ‬ ‫واضحة وملتزمة باملحافظة عليها‪،‬‬
‫ّ‬
‫املتعددة املوجودة في السوق‪ ،‬وخاصة‬ ‫النمو العشوائي ومطاردة الفرص‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪279‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫في األماكن واملجاالت التي ليس لها فيها نصيب‪ .‬إن هذه الشركات تمتلك‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ ً‬
‫تصورا واضحا عن األشياء التي تجيدها تماما‪ ،‬وهي تعمل على تعزيز قيمة‬
‫تقدمها إلى عمالئها‪ ،‬كما تبني عوامل نجاحها وميزاتها‬ ‫املنتجات التي ّ‬
‫التنافسية لتساعدها في تحقيق أهدافها على املدى البعيد‪.‬‬
‫ً‬
‫بعيدا إذن عن الفرص الوهمية التي يدعو إليها الخيميائي عندما‬
‫يؤكد بأن الحياة مليئة بالكثير من الفرص‪ ،‬وذكائه املاكر الذي يوهم‬
‫ً‬
‫بوجود فرص خلف"التفكير اإليجابي املطلق"‪ ،‬وبعيدا عن َه َوس رجال‬
‫األعمال املزيفين باملال‪ ،‬الذين يالحقون دون كلل الفرص املالية فقط‪،‬‬
‫ُيطرح السؤال‪ :‬ما هي الفرص الحقيقية؟ وكيف نقتنصها بذكاء رغم أن‬
‫اللعبة غير عادلة؟‬

‫توجد فرصة حقيقية واحدة‪ ،‬وما سواها ملحقات تابعات‪ ،‬وهي أن‬
‫تصنع املستقبل في مجالك‪ ،‬بحيث تتحكم في اللعبة‪ ،‬وتضع قواعدها‪،‬‬
‫وتجعل اآلخرين يتبعون قواعدك‪ .‬إن الذين أسسوا مشاريعهم الشخصية‬
‫بمنطق الريادة املطلقة‪ ،‬ونجحوا في التحدي‪ ،‬وهيمنوا في مجالهم‪ ،‬وجعلوا‬
‫ً‬
‫من اآلخرين أتباعا‪ ،‬لم يبحثوا عن فرص على موائد اآلخرين‪ ،‬بل صنعوها‬
‫صناعة واخترعوها اختراعا وابتكروها ابتكارا‪.‬‬
‫َ‬
‫لكن إذا كنت عاجزا عن صناعة املستقبل فتعلم على األقل ف َّن‬
‫ركوبه‪ .‬إن ركوب املوجات هو الشكل الثاني للفرص‪ ،‬فتعلم فن ركوب‬
‫قطار اآلخرين وهو يمش ي‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪280‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫وللفرص مكان ثالث هو أرض هللا الواسعة‪ .‬إن "استراتيجية‬


‫املحيط األزرق" هي خيار ذكي بحثا عن فرص في مجاالت غير محتكرة‪ ،‬أو‬
‫أسواق بكر‪ ،‬أو توسيع هوامش متاحة‪.‬‬

‫الحياة إذن مليئة بالكثير من الفرص كما يقول الخيميائي‪ ،‬وإن‬


‫كان كالمه ال يمثل إال نصف الحقيقة‪ ،‬وهي أنواع وأشكال‪ ،‬أهمها‪:‬‬

‫‪ ‬فرص صناعة املستقبل وابتكاره وفرض قواعد اللعب‪.‬‬

‫‪ ‬فرص ركوب املوجات وتسلق قطار اآلخرين وهو يمش ي‪.‬‬

‫‪ ‬فرص السبق إلى امتالك األراض ي البكر‪.‬‬

‫لكن كيف تقتنص هذه الفرص املتعددة في لعبة غير عادلة؟‬

‫الحياة مليئة بعدم تكافؤ الفرص ألن اللعبة غير عادلة‪ ،‬لكن رغم‬
‫ذلك بإمكاننا أن نغير قدرنا باستخدام املبادئ السبعة التالية‪:‬‬
‫َ‬
‫‪ ‬غ ّير استعداداتك لألفضل‪ :‬أثبتت الكثير من الدراسات‬
‫االجتماعية أن اختالف االستعدادات هو املسؤول األول عن‬
‫التفاوتات االجتماعية وعدم تكافؤ الفرص‪َ .‬ع ِّّدل استعداداتك‪،‬‬
‫وأول االستعدادات التي يجب تعديلها اإلفراط في الحذر والخوف‬
‫من املغامرة‪ .‬ال يجب أن تتعامل مع احتماالت الفشل في املستقبل‬
‫بقلق‪ ،‬ألن القلق يشل مبادرتك وحركتك‪ ،‬والخائف من املستقبل‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪281‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫ً‬
‫ال ُيبادر‪ .‬بادر إلى التقاط الفرصة‪ ،‬فنحن جميعا نرجع عندما‬
‫تسوء األحوال إلى مواقعنا اآلمنة‪ ،‬والشخص الذي ال يلتقط أي‬
‫ضل من بقايا اختيارات‬‫فرصة سيضطر في النهاية لالختيار مما َف ُ‬
‫اآلخرين‪ .‬إن الذين يبحثون عن األمن يرون في الحرية املزيد من‬
‫التهديد‪ ،‬أما الذين يبحثون عن الحرية فيرون فيها املزيد من‬
‫الفرص‪.‬‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫‪ ‬تعلم معارف ومهارات جديدة بشكل مستمر‪ :‬لم يعد مسموحا‬
‫لنا‪ ،‬في ظل مكتسبات الثورة املعرفية والثورة التواصلية‪ ،‬وأجواء‬
‫حروب الوعي وحروب املعرفة‪ ،‬أن نستمر في التخبط بمكتسبات‬
‫نظام تعليمي فاشل‪ .‬آن األوان لكي نتحول إلى التعلم املستمر‬
‫والفرص املتعددة التي يتيحها "التعلم الذاتي" و"التعلم‬
‫باملصاحبة"‪ .‬تعلم كل يوم معارف ومهارات جديدة‪.‬‬
‫َ‬
‫‪ ‬ط ّور قدرتك على التفكير النسقي‪ :‬التفكير النسقي هو نمط من‬
‫التفكير يعتمد املقاربة الكلية التي تهتم بالتفاعالت بين األجزاء بدل‬
‫االنغالق داخل كل جزء على حدة‪ ،‬واملقاربة الغائية التي تهتم‬
‫بأهداف املنظومة وغاياتها بدل البحث في األسباب‪ ،‬والتفكير في‬
‫املستقبل والنتائج بدل التوجه نحو املاض ي والعوامل‪ ،‬ويبحث عن‬
‫حاالت التوازن النسبي املمكنة للنسق بدل االنجرار مع إغراء‬
‫الخيارات املتطرفة واملطلقة‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪282‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫ص ّمم نظامك الشخص ي لجمع وتحليل املعلومات‪ :‬ال يمكن رصد‬ ‫‪َ ‬‬
‫فعال لجمع وتحليل‬ ‫الفرص وتقييمها بدون نظام شخص ي ّ‬
‫َ‬
‫املعلومات‪ .‬ط ّور نظامك البشري أوال في جمع (انتباه الدماغ)‬
‫وتحليل املعلومات (تحليل الدماغ)‪ ،‬ولكي يكون نظامك ّ‬
‫فعاال البد‬
‫أن تكون لك مصادرك الخاصة للمعلومات‪ .‬ثم مع هذا النظام‬
‫البشري وبعده ال بد أن يكون لك نظام يدوي وتقني لجمع وتحليل‬
‫املعلومات‪ .‬بدون أنظمة جمع وتحليل املعلومات ال يمكن أن ترى‬
‫الفرص‪ ،‬ألن الفرص في ما ال تراه العين‪ ،‬ال في ما تراه‪.‬‬
‫َ‬
‫‪ ‬ط ّور قدرتك على االستشراف والتوقع‪ :‬التوقع هو القدرة على‬
‫ً‬ ‫ً ً‬
‫رؤية الفرص املستقبلية‪ .‬والتوقع ليس وحيا منزال وال علما بالغيب‬
‫وال حاسة سادسة‪ ،‬وإنما هو ببساطة‪" :‬القدرة على رصد‬
‫َ‬
‫العالمات الضعيفة"‪ .‬ط ّ ِّور قدرتك على رصد العالمات الضعيفة‬
‫ففيها تسكن الفرص املستقبلية‪.‬‬

‫‪ ‬انفتح على العاملية‪ :‬ابحث عن الفرص على املستوى العاملي‬


‫فالفرص املحلية أفقها محدود‪ ،‬ونافس على املستوى العاملي‬
‫فاملنافسة املحلية ال مستقبل لها‪ ،‬وواجه على املستوى العاملي‬
‫فالالعبون املحليون مجرد وكالء‪.‬‬

‫‪ ‬أدخل في شراكات وتحالفات‪ :‬استغالل الفرص يحتاج دائما إلى‬


‫موارد‪ ،‬لكن املوارد الذاتية تكون أحيانا محدودة وقاصرة عن بلوغ‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪283‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫الفرصة واقتناصها‪ .‬هنا تأتي أهمية الشراكات والتحالفات التي‬


‫ُ‬
‫تغني مواردنا بموارد شركائنا وحلفائنا‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪284‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫َت َو ّقع التحديات َ‬


‫وح ّولها إلى فرص‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الصدمات التي تفاجئنا وت ْق ِّلقنا وتفقدنا توازننا‪،‬‬
‫التحديات‪ ..‬تلك ّ‬
‫غالبا بالرجوع إلى مواقعنا اآلمنة السترجاع توازننا‬ ‫فنستجيب لقهرها ً‬
‫األصلي‪ ،‬أو بالهجرة أحيانا إلى أرض هللا الواسعة بحثا عن توازن أفضل‪.‬‬

‫هي أنواع وأشكال‪ ،‬لكن االستجابات لها هي ثالث فقط‪:‬‬

‫‪ ‬الر َّحل الذين يتمسكون بالبقاء في صحرائهم القاحلة متنقلين بين‬


‫الصحارى بحثا عن واحة تروي عطشهم لألمن‪.‬‬

‫‪ ‬الطيور املهاجرة التي ترفض أن تقع إال على أشكالها‪.‬‬


‫ً‬
‫‪ ‬املهاجر في أرض هللا الواسعة بحثا عن َس َعة في العوالم‬
‫االجتماعية املختلفة وفي الفرص الجديدة املتعددة‪.‬‬

‫إنهم البشر في اختالفهم وتنوعهم؛ أكثرية تحلم بالعودة‪ ،‬وأقلية‬


‫تحلم بالرحيل‪.‬‬

‫عندما تتعرض لصدمة تفقدك توازنك لفترة تأكد أن استجابتك‬


‫ستكون واحدة من هذه االستجابات الثالث‪:‬‬

‫‪ ‬عاشق الصحارى القاحلة؛ يبحث عن واحة تروي عطشه لألمن‪.‬‬


‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪285‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪ ‬املهاجر امل َّزيف؛ يبحث عن بيئة ُمشابهة لبيئته األصلية للحفاظ‬


‫َ‬
‫على نمط َمعيشته األصلي‪.‬‬

‫‪ ‬املهاجر الحقيقي؛ يبحث عن بيئات مختلفة وفرص جديدة‪.‬‬

‫ضت املجتمعات‬ ‫دروس التاريخ تؤكد هذه القاعدة؛ فعندما َت َع َّر َ‬


‫العربية وشمال إفريقيا لتحدي‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫البدائية في منطقة جنوب شبه الجزيرة‬
‫تتمتع ّ‬
‫بجو ُمعتدل‬ ‫الجفاف في نهاية العصر الجليدي األخير‪ ،‬وقد كانت َّ‬
‫الصيد َ‬
‫والقنص‬ ‫وتعيش في أمن وأمان على َّ‬ ‫ُ‬ ‫َومراع شاسعة ومياه غزيرة‪،‬‬
‫أساليب ُمختلفة‪:‬‬
‫َ‬ ‫وجمع الثمار‪ ،‬استجابت لهذا التحدي الطبيعي بثالثة‬
‫وظل ً‬
‫وفيا‬ ‫قبائل تسعى ور َاء الكإل واملاء‪َّ ،‬‬
‫َ‬ ‫تحول "فريق الر َّحل" إلى‬
‫َّ‬ ‫‪‬‬
‫وفيا لحاجاتك الفيزيولوجية تحفظ‬ ‫لترحاله إلى يومنا هذا‪ .‬كن ًّ‬
‫بقاءك!‬

‫‪ ‬وانحدر "فريق الطيور املهاجرة" التي ال تقع إال على أشكالها إلى‬
‫االستوائية املُشابهة لبيئتهم السابقة‪َّ ،‬‬
‫وظل‬ ‫َّ‬ ‫الجنوب نحو املناطق‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ً ُ‬
‫َّ‬
‫البدائية السابقة إلى يومنا هذا‪.‬‬ ‫مط َمعيشته‬‫أيضا محا ِّفظا على ن ِّ‬
‫كن محافظا تعش في أمان!‬
‫ّ‬
‫فتحرك إلى ِّدلتا النيل وإلى منطقة ما بين‬ ‫‪ ‬أما "فريق املهاجرين"‬
‫ً‬ ‫حيث وجد ً‬‫ُ‬
‫عظيما (الحظ الفرق مع واحة صغيرة‬ ‫نهرا‬ ‫النهرين‪،‬‬
‫وسط صحراء قاحلة‪ ،‬أو مع بيئة مشابهة للبيئة األصلية)‪ ،‬فكافح‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪286‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫َّ‬
‫وسخرها ألغراضه‪ ،‬واكتشف الزراعة‪،‬‬ ‫عوائق البيئة الجديدة‪،‬‬
‫وأنشأ حضارات رائعة‪ :‬الحضارة الفرعونية وحضارات ما بين‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫النهرين‪ .‬فكر كمهاجر وت َح َّرك كمهاجر تعش ح ًّرا‪.‬‬

‫إنهم البشر في اختالفهم وتنوعهم؛ أكثرية تحلم بالبقاء واألمن‪،‬‬


‫وأقلية تحلم بالحرية‪.‬‬
‫ً‬
‫إن الحياة ال تتكون من فرص فقط‪ ،‬وإنما من تحديات أيضا‪،‬‬
‫ً َ‬
‫وهما معا ُيك ّ ِّونان في تعاقبهما تجربة الحياة بنجاحاتها وإخفاقاتها‪ ،‬لكن‬
‫كثيرا من الناس تتوقف الحياة عندها بمجرد تعرضها لتحدي‪ ،‬فال يصبح‬
‫أي ش يء يزعجها‪ ،‬فتنتظر فقط قدوم الوقت ومروره بال تحديات‪ .‬هؤالء‬
‫فقدوا إرادة الحياة وتحدي مخاطرها‪ ،‬فتوقفت الحياة بدورها عن‬
‫تحديهم وعن منحهم مخاطر وهزائم وأزمات ُي َح ّ ِّولونها إلى فرص‪ .‬إن كنت‬
‫من هؤالء فاعلم أن الوسيلة الوحيدة لجعل الحياة تتحداك هي أن‬
‫ُ‬
‫تتحداها متى سقطت بنهوضك من جديد‪ ،‬وتغالبها متى ركبك اليأس‬
‫بتجديد طموحك وإرادتك‪ ،‬وأن تتصرف خالف عاداتك الجارفة‪ ،‬وتتوقف‬
‫عن الحلم بالعودة إلى مواقعك اآلمنة‪ ،‬وتتحول إلى إنسان مهاجر‪ُ ،‬يفكر‬
‫كمهاجر‪ ،‬ويتحرك كمهاجر‪.‬‬

‫ما الحياة إال تحديات‪ ،‬وما اإلنسان إال استجابة‪ ،‬وأول‬


‫َ ّ‬
‫االستجابات لتحديات الحياة ت َوقعها واالستعداد لتحويلها إلى فرص‪ .‬ليس‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫الحا م ّ‬
‫قناص فرص فقط‪ ،‬بل هو أيضا ُم َر ّ ِّوض تحديات ُي َح ّ ِّولها إلى‬ ‫ز‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪287‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫فتخ ِّلف‬ ‫فرص‪ ،‬لكن أغلب الناس ال ت ْت ِّقن ف َّن ترويض التحديات‪،‬‬
‫َ‬
‫مواعدها مع الفرص‪ .‬هكذا يستمر الناس في انتظار فرص‪ ،‬ت ُم ّر بشكل‬
‫دوري أمام أعينهم‪ ،‬لكن ال ينتبهون إليها!‬

‫تحديات كثيرة ستعترض طريقك‪ ،‬أهمها املخاطر والهزائم‬


‫واألزمات‪ ،‬ولكل منها تأثير سلبي على طموحاتك ومشاريعك‪ ،‬لكن لكل منها‬
‫أيضا تأثير إيجابي على فهمك وإرادتك‪ .‬عش التحدي‪ ،‬وتأمله‪ ،‬واستخلص‬
‫دروسا منه لتاريخ مستأنف‪ ،‬فمن لم يشرب من بحر التحدي‪ ،‬يمت‬
‫عطشانا في صحراء الحياة‪ ،‬ومن الورد له من ركوب التحديات الصعبة‪،‬‬
‫ال وارد له من االستعدادات الذاتية القوية‪ ،‬وورود اإلمداد بحسب‬
‫االستعداد‪.‬‬

‫أول التحديات التي ستعترض طريقك املخاطر‪ ،‬والخطر هو‬


‫تحدي متوقع في املستقبل يهدد أمنك أو وجودك أو موقعك‪ .‬أما سالحك‬
‫في مواجهته فهو سحر االستراتيجيات الذكية الذي ُي َح ّ ِّول املخاطر إلى‬
‫فرص‪ .‬إن الحازمين ال يسعون إلى تجنب املخاطر‪ ،‬وإنما يفكرون ويعملون‬
‫على تحويلها إلى فرص‪.‬‬

‫ثاني التحديات الهزائم‪ ،‬والهزيمة هي انكسار إلرادتك‪ ،‬أو خسارة‬


‫ملواردك‪ ،‬أو إجبار لك على االنسحاب من أرض املواجهة‪ .‬إنها أيضا‬
‫فرصتك ! ال تنس أن اإلجابة الوحيدة على الهزيمة هي االنتصار‪ .‬ألم تكن‬
‫الهزيمة املذلة ألملانيا واليابان في الحرب العاملية الثانية هي فرصتهما لبناء‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪288‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫ً‬
‫اقتصاد قوي واالنتقام من الحلفاء في أقل من خمسين عاما بالعلم‬
‫والتقنية‪.‬‬

‫ثالث التحديات األزمات‪ ،‬واألزمة هي لحظة ضرورية لحدوث‬


‫التغيير النوعي وظهور األشكال الجديدة للوجود والحياة والوعي‪ .‬في فترات‬
‫األزمات تشتم رائحة واحدة فقط هي رائحة املوت بأشكاله املختلفة التي‬
‫تمأل األماكن كلها‪ .‬لكن لألسف نقض ي وقتا أطول في التركيز على املوت‬
‫لدرجة أننا ال ننتبه للحياة التي ستولد منه‪.‬‬
‫الحياة إذن مليئة بالتحديات‪ ،‬أي بالفرص‪ ،‬لكن ملن يتقن ّ‬
‫فن‬
‫ترويضها وتحويلها إلى فرص‪ .‬في الحياة ال يوجد إال شكل واحد للفشل هو‬
‫الفشل في تحويل تحدي إلى فرصة‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪289‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫َع ّزز تنظيمك الذاتي بتقليص الفوض ى‬


‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫يمثل اتجاه األنتروبيا لغزا ُم َح ِّّيرا وقانونا ُم ْر ِّعبا‪ :‬األنتروبيا‪ ،‬وهي‬
‫باختصار الفوض ى‪ ،‬في تزايد مستمر!‬
‫ُ‬
‫هذا اللغز امل َح ِّّير‪ ،‬املسمى في الفيزياء القانون الثاني للديناميكا‬
‫الحرارية‪ ،‬أو قانون االنتروبيا‪ ،‬يختزن أحد أسرار الوجود الكبرى ويحمل‬
‫أحد قواعد اللعب األساسية التي تتجاوز مجال الفيزياء لتشمل الوجود‬
‫بكل أبعاده‪ :‬الكون والحياة واملجتمع‪ .‬إنه قانون الوجود أو العدم‪ ،‬فإما أن‬
‫تكون أو ال تكون‪.‬‬

‫دعونا أوال نتساءل‪ :‬ما االنتروبيا؟‬

‫االنتروبيا هي الطاقة التي ال يمكن استخدامها إلنتاج عمل‪،‬‬


‫ُْ‬
‫والطاقة التي ال تستخدم إلنتاج عمل تن ِّتج الفوض ى‪ .‬االنتروبيا إذن هي‬
‫املؤشر الذي يقيس الفوض ى في النظام‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫واالنتروبيا‪ ،‬في أي نظام مغلق‪ ،‬ال تنخفض أبدا بل تكون دائما في‬
‫ازدياد‪ .‬إن األشياء تتحرك من النظام إلى الفوض ى‪ ،‬ومن الفوض ى إلى املزيد‬
‫ً‬
‫من الفوض ى؛ فالبيضة مثال يمكن تحويلها إلى أومليت‪ ،‬لكن ال يمكن أبدا‬
‫تحويل األومليت إلى بيضة مرة أخرى‪ .‬هنا بالضبط يكمن مصدر الرعب‬
‫ً‬
‫في هذا القانون‪ :‬االنتروبيا ال تنخفض أبدا‪ ،‬فكيف يمكن لنظام ما أن‬
‫يقلص من انتروبيته؟‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪290‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫توجد طريقتان لتقليص االنتروبيا‪ :‬الرفع من مستوى التنظيم‬


‫الذاتي وتصدير الفوض ى‪.‬‬

‫الطريقة األولى هي الرفع من مستوى التعقيد والتنظيم الذاتي‪ .‬إن‬


‫ً‬
‫التنظيم العالي جدا يسمح بإحداث طفرات في مستوى التعقيد ويعزز‬
‫االستخدام األقص ى للطاقة إلنتاج العمل‪ ،‬ويقلل بالتالي الفوض ى في‬
‫النظام‪.‬‬

‫أما الطريقة الثانية فهي تصدير الفوض ى؛ إذا كانت االنتروبيا‬


‫ً‬
‫الكلية لنظام ما في تزايد مستمر وال يمكن تخفيضها أبدا‪ ،‬فإن االنتروبيا‬
‫الخاصة بنظام فرعي يمكن تخفيضها عن طريق تصدير الفوض ى إلى فرع‬
‫آخر من النظام‪ .‬إنه قانون التوزيع الالمتكافئ لالنتروبيا‪ :‬إما أن تصدر‬
‫الفوض ى وتستورد التنظيم‪ ،‬أو تصدر التنظيم وتستورد الفوض ى‪،‬‬
‫وعليك أن تختار‪ ،‬ألن العالم ال يتسع للتنظيم في كل مكان‪.‬‬

‫النتيجة‪ :‬األذكياء يقلصون الفوض ى بتعزيز تنظيمهم الذاتي‪،‬‬


‫ص ِّّدرون الفوض ى‪ ،‬وسفراء النوايا الحسنة يمارسون الغباء‬ ‫واملاكرون ُي َ‬
‫املزدوج‪ :‬ينتجون الفوض ى لضعف تنظيمهم الذاتي‪ ،‬ويستوردون املزيد‬
‫منها لقلة حيلتهم في املواجهة‪ .‬كان هللا لسفراء النوايا الحسنة‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪291‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫ثق في شركائك لكن احتفظ بيقظتك‬

‫االستراتيجية رياضة جماعية‪ ،‬ومن الخطأ أن تلعب رياضة‬


‫جماعية لوحدك‪ .‬إن التعاون والشراكة والتحالف ضرورة استراتيجية‪،‬‬
‫خاصة في ظل محدودية املوارد املادية والبشرية‪ ،‬وشروط املنافسة‬
‫الشرسة‪ ،‬والحاجة إلى إدارة التوازنات الكبرى بذكاء من خالل الشراكات‬
‫والتحالفات‪ ،‬بما يتيح الوصول إلى األهداف املشتركة وتحقيق الرهانات‬
‫الخاصة من خاللها‪.‬‬

‫وتحتاج الشراكات لكي تحقق أهدافها إلى الثقة‪ ،‬تلك الرابطة‬


‫ُ‬
‫السحرية التي تجعل العالقات تنجح واملشاريع تنجز والفرق تفوز‪ .‬إنها‬
‫َ‬ ‫أساس كل عالقة إيجابية ومسؤولة ّ‬
‫وفعالة‪ .‬ف ِّثق في شركائك وفي‬
‫األشخاص املحيطين بك‪ ،‬لكن استبعد من محيطك األشخاص الذين ال‬
‫طور شراكاتك مع من يعطيك حلوال ال مشاكل‪ ،‬ويعزز عندك‬ ‫تثق فيهم‪ّ .‬‬
‫الثقة ال الشك‪.‬‬
‫ُ‬
‫الثقة رأس مالك األول‪ ،‬فاحذر أزمة الثقة؛ إنها ت َد ِّّمر العالقات‬
‫بالجملة ال بالتقسيط‪ .‬الثقة تكتسب بالقطرات وتفقد دفعة واحدة‪.‬‬

‫الثقة هي عالقة اعتماد متبادل بين طرفين‪ ،‬أساسها الشعور‬


‫باألمان من نوايا اآلخر وعدم الشك في وفائه بالتزاماته‪ .‬ال يمكن التحقق‬
‫ً‬
‫شعوريا من صدق الشعور بالثقة‪ ،‬ألن املشاعر ال تؤكدها املشاعر أو‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪292‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫تنفيها‪ .‬لكن يمكن التحقق من صدق املشاعر من خالل العالمات‬


‫الضعيفة التي يدركها العقل َ‬
‫الي ِّقظ‪.‬‬

‫ويمكن بناء الثقة املتبادلة عن طريق عدة دعامات‪ ،‬أهمها‪:‬‬

‫‪ ‬وضع مبادئ مرجعية‪ ،‬في شكل ميثاق مكتوب أو عرفي‪ ،‬آلليات‬


‫اتخاذ القرار وإدارة الخالف وتعارض املصالح والصراع مع‬
‫الشركاء‪.‬‬

‫‪ ‬االستخدام الفعلي إلمكانات كل طرف‪.‬‬

‫‪ ‬االعتراف املتبادل بتجارب وخبرات كل طرف‪.‬‬

‫إن الحزم هو أن تكون لك الثقة بنفسك وتمنح الثقة ملن حولك‪،‬‬


‫لكن من الحزم أيضا سوء الظن‪ ،‬ومن الغباء منح الثقة بدون تعاقدات‬
‫واضحة وبدون مراقبة؛ فالثقة ال تنفي املر اقبة‪.‬‬

‫إن التجربة تؤكد أن الصدمة ال تقع إال ملن يمنح ثقته بدون‬
‫شروط‪ ،‬ويحكي أسراره للجميع‪ ،‬ف ُكن ً‬
‫مؤدبا مع الجميع‪ ،‬لكن ال تحكي‬
‫ُ‬
‫أسرارك إال للقلة‪ ،‬واختر هذه القلة بعناية قبل أن تضع ثقتك فيها‪ .‬وكن‬
‫على مستوى عال من النضج األخالقي وسامح مرة ومرتين‪ ،‬لكن ال تكن على‬
‫مستوى عال من السذاجة فتمنح ثقتك مرة ثالثة‪ .‬ال تمنح فرصة ثالثة‬
‫أبدا‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪293‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫استمتع بعملك‬

‫العمل هو أبو املتعة‪ ،‬فالش يء أمتع منه‪ ،‬وال أكثر شمولية‬


‫واستدامة من متعته؛ فاستمتع بعملك! صحيح أن العمل فيه الكثير من‬
‫ُ‬
‫املشقة والتعب‪ ،‬لكن فيزياء الحزم ت َح ّ ِّول هذا التعب إلى متعة‪ .‬استمتع‬
‫حبه؛ فعمل بدون متعة جحيم ال يطاق‪،‬‬ ‫تحول إلى عمل آخر ُت ّ‬
‫بعملك‪ ،‬أو ّ‬
‫ألن متعة العمل هي وسيلتنا الوحيدة لتلطيف جدية العمل الذي ال بديل‬
‫ً‬
‫ممتعا‪ .‬إن الجحيم هو‬ ‫لنا عنها‪ ،‬واملهام تصبح سهلة عندما يكون العمل‬
‫العمل الذي ال تستمتع به‪ ،‬أو ال تجني منه املال الكثير‪.‬‬

‫السوي وأول عالمات الصحة النفسية؛‬‫إن العمل هو رمز اإلنسان ّ‬


‫فهو وسيلتنا للوصول إلى أعلى مستوى من اللياقة البدنية والعقلية‬
‫والنفسية‪ .‬أال ترى أن القلق يؤدي إلى العمل أو إلى االكتئاب؛ فاستمتع‬
‫بعملك يرحل عنك القلق‪ .‬والعمل هو ً‬
‫أيضا ترياق ضد امللل وروتين‬
‫الحياة‪ ،‬ألن الروتين ببساطة هو ما نفعله عندما ال نستمتع بعملنا‪ .‬إن‬
‫الحياة رائعة ما كان العمل ممتعا‪ ،‬لكنها تصبح عبودية ال تطاق عندما‬
‫يكون مفروضا‪.‬‬

‫العمل هو إكسير الحياة‪ ،‬ومن يستمتع بعمله يستمتع بحياته‪،‬‬


‫وال تصيبه شيخوخة العقل والنفس والروح‪ ،‬ألن العمل غذاء للعقول‬
‫اليقظة والنفوس الجادة واألرواح النبيلة‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪294‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫لكن من أين يستمد العمل متعته؟ وأي سحر هذا الذي ي َح ّول‬
‫الجهد واملشقة والتعب واإلرهاق إلى متعة؟‬

‫يستمد العمل متعته أوال من مشقته؛ فلوال مشقة العمل ملا‬


‫وجدنا متعة في الحكي عن عملنا‪ .‬الش يء أمتع من العمل‪ ،‬ألنه الش يء أمتع‬
‫من الحكي‪.‬‬

‫ومتعة العمل نابعة ثانيا من اإلرادة‪ ،‬فعندما نفتخر بعملنا فنحن‬


‫في الحقيقة نفتخر بإرادتنا‪ ،‬أي باستجابتنا لنداء نجحنا في فهمه‬
‫واالنضباط له‪ ،‬وتحدي نجحنا في التكيف معه أو تجاوزه‪.‬‬
‫ومتعة العمل نابعة ثالثا من حكم اآلخرين‪ ،‬ألن أعمالنا تكون ً‬
‫دائما‬
‫ً‬
‫جميعا‬ ‫موضوع حكم من طرف الغير‪ ،‬وهذا أيضا مصدر للمتعة؛ فنحن‬
‫نستمتع بانطباعات اآلخرين وأحكامهم عن أعمالنا‪.‬‬

‫إن أسعد اللحظات في حياة اإلنسان لحظتان‪ :‬لحظة إنجاز عمل‪،‬‬


‫ولحظة رؤية نتيجته‪ ،‬فكيف تجعل عملك ً‬
‫ممتعا؟‬

‫‪ ‬أوال تحتاج إلى إزالة الطابع اإللزامي للعمل؛ ال تقم بعملك كواجب‬
‫فقط‪ ،‬بل استمتع به كرياضة شبيهة بالسباحة والرماية وركوب‬
‫الخيل‪ ،‬يمكن ممارستها من خمس إلى سبع مرات في األسبوع‪،‬‬
‫بهدف زيادة التوازن والتناسق واملرونة‪ ،‬وتعلم التصويب نحو‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪295‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫ّ‬
‫هدف‪ ،‬وتقوية الصبر والتركيز والتحكم‪ .‬إنه العمل‪ ،‬نمارسه‬
‫كسباحة‪ ،‬ورماية‪ ،‬وركوب خيل‪.‬‬
‫‪ ‬ثانيا عش عملك‪ ،‬واستشعره‪ ،‬وأنصت له‪ ،‬وال تقاطعه عندما ُي ّ‬
‫عبر‬ ‫ِّ‬
‫عن نفسه‪ ،‬ومارسه كخبير ينضبط للقواعد واملعايير‪ ،‬وكفنان‬
‫يضع ملسته الشخصية‪.‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫‪ ‬ثالثا كن صادقا في عملك‪ ،‬واجعل متعتك في العمل نفسه ال في‬
‫النجاح الذي يترتب عنه‪ .‬ال تنشغل باملال والشهرة‪ ،‬فهما غالبا من‬
‫نصيب من يعمل بصدق‪ ،‬وانشغل بعملك؛ فاملتعة الحقيقية في‬
‫العمل ال في نتيجته‪.‬‬

‫‪ ‬رابعا واصل تعلمك بشكل مستمر‪ ،‬واعتبر عملك مدرسة للتعلم‪.‬‬


‫إن ممارسة العمل من أجل التعلم يجعلك تستمتع مرتين‪ :‬بمتعة‬
‫العمل وبمتعة التعلم‪.‬‬
‫‪ ‬خامسا ما س عملك كعمل حقيقي ال كبطالة ُم ّ‬
‫قنعة‪ ،‬فليس‬ ‫ر‬
‫العمل نقيض البطالة‪ .‬نقيض العمل هو عمل ال تستمتع به‪،‬‬
‫والعاطل هو من يقوم بعمل ال يستمتع به‪ ،‬فاحذر أن تكون‬
‫"عاطال في العمل"‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪296‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫اشتغل في صمت‬
‫ُ‬
‫يجب أن تبني مشاريعك في صمت؛ فاألعمال العظيمة ال تحدث‬
‫ضجيجا‪ ،‬والضجيج ال يصنع أعماال عظيمة‪ .‬الضجيج عالمة دالة على‬ ‫ً‬
‫السطحية‪ ،‬بل إن العمل السطحي الواحد ُيحدث من الضجيج أكثر مما‬
‫ُ‬
‫تحدثه مئات األعمال العميقة واملؤثرة‪ .‬إن كل ما في هذا الوجود ينمو‬
‫ُ‬
‫ويتطور في صمت‪ ،‬فاشتغل في صمت‪ .‬كن كالزمن في اندفاعه يتقدم في‬
‫صمت‪ ،‬وكالحياة في تطورها تنمو في صمت‪ ،‬وكالضوء في إشراقه ُيض يء في‬
‫صمت‪ ،‬وكالسيف في ِّح ّدته يقطع في صمت‪.‬‬
‫َ َّ‬
‫ت َعلم لغة الصمت؛ فالصمت هو أجمل لغة؛ إنه املوسيقى التي‬
‫َ َّ‬
‫تعزفها األعمال العميقة واملتكاملة واملستمرة وترقص على إيقاعاتها‪ .‬ت َعلم‬
‫لغة الصمت؛ فالصمت أبلغ من ثرثرة الجاهل‪ ،‬وأساس كل فكرة‪،‬‬
‫والصديق الوحيد الذي ال يخون أبدا‪.‬‬

‫إن العمق والتكامل واالستمرارية في العمل بحاجة إلى التوقف عن‬


‫الضجيج وإلى االشتغال في صمت‪ .‬أال ترى أن أخطر أنواع البشر هم‬
‫أولئك الذين يشتغلون في صمت‪ ،‬وأن السياسة تخش ى الصمت فتمأل‬
‫األماكن كلها بالضجيج‪ ،‬وأن الدجاجة تضع بيضة واحدة بخسة القيمة‬
‫بضجيج‪ ،‬في حين أن السمكة تضع آالف البيض الباهظ القيمة في صمت‪.‬‬

‫الضجيج مجرد كلمات بدون أفكار عميقة‪ ،‬وأفعال بدون نتائج‬


‫ُ‬
‫وأثر ملموس‪ .‬أما الصمت فنار هادئة تطبخ عليها األعمال العميقة‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪297‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫واملتكاملة واملستمرة‪ .‬لكن أن تعمل في صمت ليس معناه أن يكون‬


‫الصمت عملك‪ .‬عندما يتوقف ضجيج االختالف الفكري وتعارض املصالح‬
‫والصراعات الوجودية فانتظر الساعة‪ .‬إن الصراع وضجيجه هو املؤشر‬
‫الوحيد الدال على وجود الحياة والحرية‪ ،‬ومن يتسول في صمت‪َ ،‬يمت‬
‫جوعا في صمت‪.‬‬

‫ولكي تنجح في العمل في صمت تحتاج إلى معرفة مصادر الضجيج‬


‫ومواجهتها بيقظة وذكاء‪ .‬ومصادر الضجيج متعددة منها ما هو داخلي‬
‫كالرغبات واألوهام‪ ،‬ومنها ما هو خارجي كاإلعالم‪ .‬لكن مصادر الضجيج‬
‫الداخلية هي األخطر ألنها أصل كل أنواع الضجيج وأشكاله األخرى؛‬
‫فاحذر ضجيج الرغبات كالرغبة في الشهرة‪ ،‬وضجيج األوهام كوهم العمل‬
‫السهل والربح السريع‪.‬‬

‫أما من الناحية العملية اإلجرائية فالعمل في صمت‪َ ،‬بن َفس‬


‫مستمر وهادف‪ ،‬يقتض ي منك االلتزام باملبادئ والقيم اآلتية‪:‬‬

‫‪ ‬امتلك رؤية تعطي ألعمالك وجهة على املدى البعيد؛ التكتيك‬


‫بدون استراتيجية هي الضجة التي تسبق الهزيمة‪.‬‬

‫‪ ‬ال تجعل املال غايتك؛ فاملال مجرد وسيلة ال غاية‪ .‬وال تستعجل‬
‫صناعة ثروتك الشخصية‪ ،‬فالكسب السهل والسريع كالشهب‬
‫سريع التألق سريع اإلحتراق‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪298‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫ضجة سطحية تسببت في‬ ‫‪ ‬ال تجعل البذخ أسلوبك؛ فالبذخ ّ‬


‫إفالس الكثير من األغنياء‪ّ ،‬‬
‫وعمقت مشاكل الكثير من الفقراء‪.‬‬

‫‪ ‬ال تجعل الشهرة هدفك؛ فالشهرة هدف الشخصيات السطحية‪.‬‬


‫إكتف بالعمل َو َد ْع اآلخرين يتكلمون‪َ ،‬وأ ْنجز عملك في صمت ْ‬
‫وار ِّو‬
‫الحكاية بعد تحقيق النجاح بحيوية‪.‬‬

‫‪ ‬تعامل بطريقة ذكية مع إغراء اإلعالم‪ .‬إصنع إعالمك بنفسك‪،‬‬


‫فهو وسيلتك الحقيقية لتتيح لنفسك قو َل ما تريد‪ .‬أما إذا‬
‫انخرطت في إعالم اآلخرين‪ ،‬فستقول ما يريدون منك ال ما تريد‬
‫أنت أن تقوله‪ ،‬وستجد نفسك‪ ،‬بوعي منك أو بدون وعي‪ ،‬تخدم‬
‫أهداف اآلخرين ال أهدافك‪.‬‬

‫‪ ‬تفاعل مع األحداث من حولك بمقدار الضرورة؛ فالحازم رجل‬


‫أفعال ال رجل ردود أفعال‪.‬‬
‫‪ ‬أنصت بشكل دائم لصمت ُ‬
‫العمق لتتعلم منه دروس النجاح‪،‬‬
‫ولضجيج السطحية لتتعلم منها دروس الفشل‪.‬‬

‫إن الصمت ع ْمق‪ ،‬وفضيلة أخالقية‪ ،‬وأحد األسرار الكبرى‬


‫للنجاح‪ ،‬وما أحوجنا إلى عاصفة من العمل في صمت تقتلع ضجيج‬
‫األشياء الفارغة واألعمال السطحية‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪299‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫ثابر حتى النهاية‬

‫الشغف واإللهام واملوهبة والعبقرية واإلبداع واإليجابية كلمات‬


‫ُ‬
‫سيئة عندما تستخدم كبديل عن قيم وضوح الهدف‪ ،‬وااللتزام به‪،‬‬
‫واالنضباط له‪ ،‬والعمل عليه‪ ،‬وبذل الجهد في سبيله‪ ،‬واملثابرة حتى‬
‫تحقيقه‪ .‬إن النجاح العظيم رحلة طويلة وشاقة‪ ،‬وثمرة التزام وانضباط‬
‫وصبر ومثابرة‪ ،‬أما هذه "الكلمات السحرية" النازلة من سماء األوهام‬
‫فيستخدمها الخيميائي لغرض واحد فقط هو تحويل ما بقي من ذهب‬
‫االستعدادات الطيبة إلى حجر‪.‬‬

‫من املهم أن يكون لك شغف‪ ،‬لكن من الخطير أن يكون لك‬


‫الشغف وحده‪ .‬الشغف وحده مجرد أحالم ُم َج َّنحة تعطي النشوة املخدرة‬
‫لكن ال تعطي النجاح‪ ،‬ألن الوصفة الحقيقية للنجاح ال تنزل من سماء‬
‫األحالم واإللهام‪ ،‬بل تنبث من أرض الصبر والزمن‪.‬‬

‫عندما تحاول مثال تعلم مهنة جديدة لتعيد بناء مسارك املنهي من‬
‫عمرا بأكمله في مسار منهي آخر‪ ،‬تكون رغبتك‬ ‫جديد‪ ،‬بعد أن قضيت ً‬
‫الجامحة في تطوير ذاتك وشغفك القوي بالتعلم مسألة ثانوية وجانبية‬
‫مقارنة بتحدي الرحلة الطويلة والشاقة التي تنتظرك‪ ،‬والعمل املثابر‬
‫واملسؤول الذي يالزمك‪ .‬إن النجاح العظيم هو ثمرة االلتزام ببذل جهد‬
‫كبير ومنتظم على مدى زمني طويل‪ ،‬أما "الكلمات السحرية" فتستخدم‬
‫لغرض واحد فقط هو تسويق الوهم وبيعه‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪300‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫الوعد بالنجاح حيلة تسويقية قديمة تخاطب في الشخص أخطر‬


‫ما فيه‪ :‬رغباته‪ ،‬وتجعله يقض ي عمره كله في البحث عن نجاحه وشغفه‬
‫وموهبته وعبقريته وإبداعه دون جدوى‪ ،‬وينس ى في غمرة الغيبوبة‬
‫السعيدة لنشوة الوعد أن النجاح له قانون واحد بسيط هو البداية‬
‫الصغيرة وبذل الجهد الحقيقي واملثابرة عليه والتركيز على الهدف وعدم‬
‫االلتفات عنه حتى بلوغ النهاية املشرقة‪.‬‬

‫إن النجاح‪ ،‬ككل األشياء املوجودة في هذا الكون‪ ،‬تبدأ صغيرة أو‬
‫عشوائية‪ ،‬ثم تنمو بالجهد واملثابرة والصبر والزمن‪ ،‬فتصبح على املدى‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً ً‬
‫البعيد إنجازا كبيرا ونجاحا عظيما‪ .‬إن الناس عموما تنس ى قانونا بسيطا‬
‫هو قانون التراكم الكمي والتراكم النوعي؛ فالتراكمات الكمية الصغيرة‬
‫عندما تمتد على مدى زمني طويل تؤدي إلى تغيرات نوعية عظيمة‪ .‬عندما‬
‫يصل التراكم الكمي القائم على الجهد واملثابرة والصبر والزمن إلى ذروته‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫تبدأ عملية التطور النوعي الذي نسميه إنجازا ونجاحا وتميزا‪.‬‬
‫لنكن جادين في التعلم‪ ،‬ولنضع َح ْرق املراحل والرغبة ّ‬
‫الطماعة‬
‫ً‬
‫والتعلق العاطفي جانبا‪ ،‬ولنبدأ بالبداية الصحيحة واملنهج الصحيح‪:‬‬
‫ً‬
‫الطموح العالي جدا من أول يوم بكل تأكيد‪ ،‬لكن ببداية صغيرة‪ ،‬مع العمل‬
‫والت َك َّيف َّ‬
‫الفعال‪ ،‬والبساطة‪.‬‬ ‫الشاق‪ ،‬واالندماج الكلي‪ ،‬واإلنجاز املثابر‪َ ،‬‬

‫إن النجاح العظيم ال أسرار له‪ ،‬وال توجد خلطة ّ‬


‫سرية‪ ،‬في كتاب‬
‫سري‪ ،‬ال يعرفها إال عدد قليل من حراس معبد سري‪ ،‬تشرح بطريقة‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪301‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫سرية‪ ،‬الكيفية السرية‪ ،‬لزيادة الثروة والصحة والسعادة‪ ،‬ببساطة ألن‬


‫تلك الكيفية بسيطة وواضحة ومعروفة لدى الجميع‪ ،‬وكل ما نفعله هو‬
‫التغاض ي عنها لكي نستمر في التعلق بأوهام الحيل التسويقية أو االنجراف‬
‫مع عادة الكسل‪ .‬وهذه الكيفية هي ببساطة االنخراط في عمل يضغطك‬
‫ويضطرك لترك الكثير من الرغبات املحببة لقلبك‪ ،‬واملثابرة في أنشطة‬
‫َّ‬
‫ُم ِّملة‪ ،‬وتكرار نفس املهام الروتينية ملئات أو آالف املرات‪.‬‬

‫يخطئ من يعتقد أن رحلة النجاح نزهة مريحة‪ ،‬بنشوة ممتعة‪،‬‬


‫وأحاسيس رقيقة‪ ،‬وإيقاعات جميلة‪ ،‬نتلذذ بها ونحن نتقدم وننجز‪.‬‬
‫ً‬
‫النجاح فعال مريح وممتع ورقيق وجميل‪ ،‬لكن رحلته مسار طويل وشاق‬
‫ََ‬
‫ومتعب‪ ،‬عبر محطات الجهد املستمر‪ ،‬وامللل املتربص‪ ،‬واإلحباط الذي‬
‫يفاجئك بين الحين واآلخر‪ .‬وعلى طول هذه الرحلة الطويلة الشاقة يمتد‬
‫اإللزام وااللتزام‪ ،‬والضبط واالنضباط‪ ،‬والدمج واالندماج‪ .‬والصبر‬
‫واملصابرة‪ ،‬لكنك رغم ذلك تتابع رحلتك‪ ،‬ال ألن املسار ممتع‪ ،‬بل ألن‬
‫النهاية مشرقة‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪302‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫حقق نتائج‬

‫في كل موسم حصاد‪ ،‬حيث تكون الدروس أكثر وضوحا‪ُ ،‬يطل‬


‫علينا األداء بخيل مؤشراته و َر ِّج ِّل مخرجاته ليذكرنا بأن األعمال بالنتائج‪،‬‬
‫لكن من يفهم هذا ويدركه ويعمل بمقتضياته قبل نهاية املوسم‪ .‬قبل‬
‫موسم الحصاد تنسينا الغيبوبة السعيدة لثقافة النوايا الحسنة أن بؤس‬
‫النية الصادقة والجهود الطيبة‪.‬‬ ‫النتائج ال يمكن أن ُتخفيه ّ‬

‫لكن ملاذا ننس ى دروس العود األبدي لنفس تجارب الفشل؟ أين‬
‫الخلل؟‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مشكلتنا ليست نقصا في النوايا الحسنة الصادقة‪ ،‬وال تقصيرا في‬
‫ً‬
‫الجهود الطيبة املباركة‪ ،‬وال ضعفا في الكفاءات املؤهلة‪ ،‬إنما املشكلة في‬
‫األداء‪ ،‬أي في النتائج‪ .‬وما جدوى نوايا حسنة وجهود وكفاءة نتيجتها أداء‬
‫ضعيف وممارسة بئيسة‪ ،‬ما جدوى أن تلعب تسعين دقيقة بصدق‬
‫وبروح قتالية وتخرج من املباراة بخسارة مدوية‪.‬‬

‫النوايا الحسنة كائن طيب ولطيف وظريف يفتقد إلى "التربية على‬
‫النتائج"‪ ،‬وإلى الفهم العميق ملنطق الحياة القائم على منطق األلعاب؛ في‬
‫الحياة املهم هو النتيجة وليس املشاركة‪.‬‬

‫في مقابل "ثقافة النوايا الحسنة" القائمة على االعتقاد بأن‬


‫االنسان مسؤول عن أعماله لكن غير مسؤول عن نتائجه‪ ،‬تبرز حاجتنا‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪303‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫ُ‬
‫امل ِّل ّحة بل املصيرية إلى"ثقافة املسؤولية" القائمة على االعتقاد بأن‬
‫االنسان مسؤول عن أعماله وعن نتائجه في نفس الوقت‪.‬‬

‫من املعتقدات الخاطئة بل الخطيرة التي ابتلينا بها االعتقاد بأن‬


‫االنسان مسؤول عن أعماله فقط وغير مسؤول عن نتائجه‪ .‬ويرسخ هذا‬
‫االعتقاد بقوة وبسهولة فهم ديني خاطئ للحديث النبوي‪" :‬إنما األعمال‬
‫بالنيات"‪.‬‬

‫إن هللا عز وجل بإحسانه ال يحاسبنا على النتائج‪ ،‬وإنما يحاسبنا‬


‫على النوايا فقط‪ ،‬وهذا ما يشير إليه حديث‪" :‬إنما األعمال بالنيات‪ ،‬وإنما‬
‫لكل امرئ ما نوى"‪.‬هذا مبدأ الحساب اإللهي للبشر في حالة اإلحسان‪،‬‬
‫وللحساب القائم على العدل اإللهي مكانه أيضا‪ .‬أما حساب البشر فيما‬
‫بينهم‪ ،‬وحساب البشر مع السنن والقوانين الكونية‪ ،‬الطبيعية‬
‫واالجتماعية‪ ،‬فاملبدأ فيه هو‪" :‬إنما األعمال بالنتائج"‪.‬‬

‫في سعي األفراد نحو مصيرهم االجتماعي‪ ،‬وسعي الجماعات نحو‬


‫مصيرهم السياس ي‪ ،‬وسعي األمم نحو مصيرهم التاريخي‪ ،‬يكون الحساب‬
‫بالنتائج‪ ،‬ومن ال نتائج له ال أداء له‪ ،‬وال مكان له تحت الشمس‪ ،‬حتى لو‬
‫كانت له أفعال في الواقع‪.‬‬

‫إن املصير بيد هللا‪ ،‬لكن تؤدي إليه أعمالنا‪ ،‬والعالقات بين البشر‬
‫تحكمها قواعد‪" :‬العقد شريعة املتعاقدين" و "املسلمون عند شروطهم"‪،‬‬
‫ُ‬
‫و "النية الصالحة ال تصلح العمل الفاسد"‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪304‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫حقق نتائج فالنيات الحسنة لن تشفع لك عندما يتعلق األمر‬


‫بالقاعدة املادية لتدافع املشاعر واألفكار واملصالح بين البشر‪ ،‬ودعك من‬
‫ثقافة الطيبين وتربيتهم‪ ،‬فحصيلة أداء سفراء النوايا الحسنة أصبحت‬
‫عنوانا ُلبؤس النتائج‪ ،‬وبراءة اختراع من ال يملكون سوى نواياهم الحسنة‪.‬‬

‫إن تحقيق نتائج هي مسألة حياة أو موت‪ ،‬وقضية أن تكون أو ال‬


‫تكون‪ ،‬فكيف نتحول من "ثقافة النوايا الحسنة" إلى "ثقافة‬
‫ّ‬
‫املسؤولية"؟ ونحقق نتائج؟‬

‫لتحقيق نتائج تحتاج‪ ،‬من الناحية العملية‪ ،‬إلى االلتزام باملبادئ‬


‫والقيم اآلتية‪:‬‬

‫‪ ‬إبدأ دائما وعينك على النتائج‪ ،‬وتابع مسيرتك وعينك على النتائج‪،‬‬
‫فرؤية النتائج تجعلك تحب عملك أكثر‪ ،‬وتحقق التوازن بين‬
‫املمارسات املتميزة والنتائج املتميزة‪.‬‬

‫‪ ‬إبدأ بداية صغيرة‪ ،‬لكن إجعل طموحك عظيما‪ ،‬واشتغل بإيقاع‬


‫سريع‪ .‬إن تتابع األعمال الصغيرة بإيقاع سريع‪ ،‬يصنع من تراكم‬
‫مفعوالتهما نتائج عظيمة‪.‬‬

‫‪ ‬ال تتحدث أبدا عن جهودك‪ ،‬وإنما تحدث عن نتائجك‪ ،‬أو أترك‬


‫نتائجك تتحدث عنك‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪305‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫ّ‬
‫‪َ ‬ر ِّكز على القيمة بدل املال أو الشهرة‪ .‬إن األشخاص واملنظمات‬
‫الذين يركزون على القيمة ويستثمرون في تصميمها وتطويرها‬
‫يحصلون في النهاية على أفضل النتائج‪.‬‬

‫‪ ‬ال للشعارات والوعود‪ .‬ال ترفع أبدا شعارات وال تقدم أبدا وعودا‪،‬‬
‫فهي العدو األول للنتائج‪.‬‬

‫‪ ‬اعمل بذكاء وبجهد‪ .‬النتائج ال تأتي أبدا ُمصادفة‪ ،‬إنما تأتي كنتيجة‬
‫طبيعية للجهد والذكاء‪ ،‬فالنتائج من جنس املقدمات‪ ،‬ومن ّ‬
‫صحت‬
‫صحت نتائجه‪.‬‬‫جهوده‪ّ ،‬‬

‫‪ ‬استثمر بشكل مستمر في تعزيز فهمك للعبة وتقوية إرادتك في‬


‫خوضها‪ ،‬فعاملنا الذي نصنعه هو نتيجة طبيعية لنضج فهمنا‬
‫للعبة وقواعدها والالعبين واستراتيجياتهم وقوة إرادتنا في اللعب‪.‬‬

‫‪ ‬لكي تحصل على نتائج استخدم الطرق امللكية التي تؤدي إليها‬
‫كالتقييم الذاتي‪ ،‬واملقارنات املرجعية مع أفضل املمارسات‪ ،‬وحل‬
‫املشكالت‪ ،‬واستغالل الفرص‪ ،‬والتحسين املستمر لألداء‪.‬‬

‫‪ ‬ال نتائج بدون قياس‪ ،‬فقم بقياس نتائجك بشكل مستمر‪ ،‬وتسلح‬
‫ألجل ذلك بأدوات القياس وثقافة القياس‪ .‬إلعب وعينك دائما على‬
‫الكرة‪ ،‬لكن راقب بشكل دوري سبورة النتائج‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪306‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ ‬ال تكن أحمقا فتفعل ذات الش يء مرة بعد أخرى وتتوقع نتيجة‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫مختلفة‪ .‬تعلم من أخطائك التي ارتكبتها‪ ،‬وغ ِّّير خططك ووسائلك‬
‫وأسلوبك لألفضل إذا أردت أن تحصل على نتائج متميزة‪.‬‬
‫َّ‬
‫‪ ‬ف ِّكر كرجل أعمال‪ ،‬واعمل كرجل أفكار‪ ،‬فتحقيق نتائج يحتاج إلى‬
‫التداخل بين الفكر والفعل‪.‬‬

‫‪ ‬دعك من عشق الوظيفة واللهث ورائها والتمسك بها‪ .‬إغراء‬


‫الوظيفة مصدره أنها النشاط الوحيد الذي ال يحتاج إلى مثابرة‬
‫َ‬
‫ون َفس طويل‪ ،‬فنتيجته تظهر بشكل سريع في نهاية كل شهر‪ .‬لكن‬
‫عندما تتحرر من الوظيفة وتنطلق إلى أرض هللا الواسعة ستنمو‬
‫نتائجك على كل املستويات‪ :‬املال والخبرة والعالقات ومتعة العمل‪.‬‬

‫‪ ‬إعمل بفريق ومن خالل شراكات وتحالفات فهذا يعطيك نتائج‬


‫أفضل‪ .‬النتائج تحتاج إلى العمل مع اآلخرين ومن خاللهم‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ ‬كن َم ِّرًنا فهذا يساعدك على التقدم نحو نتائجك وعلى تحقيق‬
‫نتائج مستدامة‪ .‬املرونة هي التفاعل املستمر بين أهداف خطتك‬
‫وإكراهات واقعك‪ ،‬والبحث املستمر عن توازن بينهما‪ ،‬ومن الغباء‬
‫التركيز الجامد على أهداف خطتك‪ ،‬أو الذوبان الغبي في إكراهات‬
‫واقعك‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪307‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫الخالصة‪ :‬النتائج ثم النتائج ثم النتائج‪ ،‬لكن دون أن تجعل‬


‫غاياتك تبرر وسائلك‪ .‬حقق نتائج‪ ،‬لكن ال تكن كاملستثمر ال يقرأ إال‬
‫التقرير املالي‪ ،‬وال يقرأ من التقرير املالي إال سطره األخير‪ .‬حقق نتائج‪ ،‬لكن‬
‫ال ترتبط بها‪ ،‬فالحكمة ال النتائج هي مالذك اآلمن‪ ،‬واالرتباط بالنتائج‬
‫فقط قد يكون سببا لبؤسك وشقائك‪ .‬حقق نتائج‪ ،‬لكن تجاوزها وال‬
‫تتعلق بها؛ فالنتائج نصنعها لنتجاوزها‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪308‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫َ‬
‫تقاسم األرباح‬

‫التحدي األكبر ال يتمثل في قدرتنا على تحقيق نتائج‪ ،‬وإنما في‬


‫استعدادنا لتقاسمها‪ .‬إننا نصنع نتائج لكي نتقاسمها‪ ،‬وال نستمتع بما‬
‫صنعنا من نتائج إال عندما نتقاسمها‪ ،‬وكلما تقاسمنا أكثر امتلكنا أكثر‪،‬‬
‫وعدم تقاسم أي ش يء ال وجود له إال في معجم البخالء‪ .‬لكن‪ ،‬مع اإلقرار‬
‫الصادق بكل ذلك‪ ،‬علينا أن نقف وقفة يقظة مع إغراء فكرة التقاسم‬
‫ُ‬
‫الالمشروط لكل ش يء‪ ،‬وخطر االندفاع العاطفي امل َج َّنح لسفراء النوايا‬
‫الحسنة الذين يهيمون في عطاء مطلق‪ ،‬وأن نتساءل‪ :‬ما التقاسم؟ وماذا‬
‫نتقاسم؟ وكيف؟‬

‫التقاسم على وزن تفاعل صيغة للعطاء واألخذ واالشتراك‬


‫والتبادل‪ ،‬وهو يحمل معنيين متناقضين في نفس الوقت‪ :‬تجزيء املوحد‬
‫وتوحيد املجزئ! فتقاسم البيت الواحد يحمل معنى تجزيئه إلى غرف‬
‫خاصة في إطار سكن جماعي مثال‪ ،‬كما يحمل معنى العيش املشترك‬
‫والتعايش‪.‬‬

‫فالتقاسم هو تفتيت لالحتكار لتعزيز التنوع واالختالف والتعدد‪،‬‬


‫وهو أيضا تحجيم لألنانيات الفردية والجماعية لتعزيز التعارف والتكامل‬
‫والوحدة‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪309‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫في فعل التقاسم نتقاسم بمعنيين‪ :‬نتقاسم مع اآلخرين معاناتهم‬


‫شعورا ً‬
‫واحدا‪ ،‬ونتقاسم معهم‬ ‫ً‬ ‫بدافع الرحمة فنجعل من مشاعر متعددة‬
‫ما نملك للتخفيف من معاناتهم فنجعل امللكية الواحدة ملكية متعددة‪.‬‬

‫إنه "ذكاء التقاسم" الذي يجعل صاحبه ُيدرك أن ال ِّغنى غير‬


‫ممكن في مجتمع يوجد فيه فقراء‪ ،‬فال يتقاسم مع الغير بعض ما يملك‪،‬‬
‫بل يتقاسم معه ما ال يملك ليستمتع بما يملك‪ .‬أن تتقاسم ليس هو أن‬
‫تعطي اآلخر بعضا مما عندك وتعيش في عاملك‪ ،‬وإنما أن تشارك اآلخر‬
‫عامله‪.‬‬

‫لكن املاكرين لهم في التقاسم مذهب آخر‪.‬‬

‫عندما ينخرط الطيبون بنواياهم الحسنة في إرجاع املال إلى‬


‫املجتمع عن طريق األعمال الخيرية يعكف املاكرون على تحويل الثروة إلى‬
‫سلطة‪ .‬الطيبون ال يدركون حاجة الثروة إلى السلطة لحمايتها ومضاعفتها‬
‫أو ال يملكون هذه الحاجة فهم منشغلون بحاجة أخرى هي حاجة فئات‬
‫واسعة من املجتمع إلى املساعدة‪ ،‬ويعتقدون في قدرة البذل والعطاء على‬
‫حماية الثروة ومضاعفتها‪ .‬أما املاكرون فيدركون جيدا حاجة املال إلى‬
‫سلطة تحميه ولديهم رغبة في السلطة وحاجة إلى التحكم في حقل الثروة‬
‫وذلك بوضع حواجز عند الدخول إليه وفرض قواعد اللعب فيه ومراقبة‬
‫استراتيجات الفاعلين فيه‪ .‬وبين منطق الطيبين ومنطق املاكرين يوجد‬
‫منطق ثالث يحتاج إلى من َيدين به‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪310‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫إن السلطة ضرورية للثروة بل حيوية لها‪ .‬إنها مسألة حياة أو موت‬
‫الثروة‪ .‬السلطة تحمي الثروة وتضاعفها وتضع قواعد اللعب وتراقب حقل‬
‫الصراع‪ .‬لكن العطاء أيضا يحمي الثروة ويضاعفها‪ .‬العطاء قانون كوني‪.‬‬
‫فأي ش يء نمنحه لآلخرين سيعود حتما إلينا مضاعفا‪ .‬وبين قانون‬
‫التنافس والصراع الذي يقتض ي منا مراكمة السلطة‪ ،‬وقانون العطاء‬
‫الذي يقتض ي منا التقاسم‪ ،‬توجد مسافة تحتاج إلى من يحتلها‪ ،‬لكن‬
‫السؤال هو كيف؟‬

‫الطيبون تطوقهم طيبتهم وتمنعهم عن إدراك حقيقة العالم‬


‫االجتماعي القائمة على حكمة الصراع‪ .‬واملاكرون يطوقهم مكرهم الس يء‬
‫ويمنعهم عن إدراك حاجة العالم االجتماعي إلى رحمة التقاسم‪ ،‬وهكذا‬
‫تضيع فرصة الحزم الجامع بين حكمة الصراع ورحمة التقاسم‪.‬‬

‫أما السلوك الحازم فيوص ي‪ ،‬للخروج من مساوئ الطيبين‬


‫ومخاطر املاكرين‪ ،‬بااللتزام باملبادئ الثالثة اآلتية‪:‬‬

‫‪ ‬لكل مرحلة أرباحها وأصولها‪.‬‬

‫‪ ‬تقاسم األرباح فقط دون األصول‪.‬‬

‫‪ ‬تقاسم األصل عندما تمتلك أصال أعلى منه‪.‬‬


‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪311‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫خاتمة‬
‫ً‬
‫إن لدى املاكرين خططا واضحة وفعالة للمكر‪ ،‬أما الطيبون‬
‫فلديهم مهرجاناتهم العاطفية‪ ،‬وعواطفهم الجياشة‪ ،‬ونواياهم الحسنة‪،‬‬
‫وتسامحهم العذب‪.‬‬
‫ً‬
‫البد إذن من خيار ثالث بعيدا عن دهاء املاكرين وسذاجة‬
‫الطيبين‪ ،‬ومن إرساء لقواعد هذا الخيار الثالث على أسس صلبة من‬
‫العقل الناقد واإلرادة الحرة والقدرة القوية وقيم الشجاعة والقوة‬
‫َ‬
‫والحرية والعدل والرحمة‪ .‬البد من بديل‪ ،‬ألن الطيبة الساذجة خ َبال‪،‬‬
‫وألن علم املكر امليكيافيلي ال يمنحنا بديال إنسانيا عن هذه الطيبة‬
‫الساذجة‪.‬‬
‫ْ‬
‫لقد َع ِّملنا‪ ،‬على طول صفحات هذا الكتاب‪ ،‬على رسم مالمح هذا‬
‫البديل‪ ،‬من خالل نمذجة القيادة الحازمة في خمسة أبعاد ومائة وأربعة‬
‫قاعدة‪ ،‬لكن إلى أي حد يمكن للنماذج العلمية أن تصف الواقع املعقد‬
‫بدقة‪ ،‬وتحيط بكل أبعاده ومستوياته وتعقيداته؟ وهل تستطيع قواعد‬
‫السلوك حتى ولو كانت دقيقة وشمولية وعملية أن تصنع السلوك‬
‫املطلوب لوحدها؟‬

‫إن القيادة‪ ،‬ككل الظواهر اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬ظاهرة معقدة‪،‬‬


‫وال توجد مقاربة علمية تمنح الصورة الكلية للظواهر املعقدة‪ .‬لكن‬
‫بتركيب ذكي ملقاربات متعددة ومتكاملة في إطار تكامل املعرفة‪ ،‬وبتفعيل‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪312‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫قيمتي االنفتاح واإلنصاف‪ ،‬نستطيع أن نرى القيادة بشكل أفضل‪ .‬وقد‬


‫كان هذا منهجنا في هذا الكتاب‪ ،‬وأملنا أن يكون هذا النموذج الخماس ي‬
‫للقيادة الحازمة‪ ،‬وقواعد السلوك التابعة له‪ ،‬مع الكلمات الحادة التي‬
‫تجرح وتؤلم أحيانا‪ ،‬قد أنارت للباحثين عن الحزم طريقهم‪ ،‬وسط هذا‬
‫العالم الذي ال مجال فيه لألغبياء أمام األذكياء‪ ،‬وال للكسالى أمام‬
‫املج ّدين‪ ،‬وال للطيبين أمام املاكرين‪ ،‬وال لسفراء النوايا الحسنة أمام‬
‫ّ‬
‫صناع األلعاب‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪313‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫صدرللمؤلف‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪314‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫إضاءات التميزاملؤسس ي‬
‫ملخص الكتاب‬ ‫الجزء األول‬
‫االستراتيجية‬
‫عندما تغيب االستراتيجية ينتكس العمل إلى حريق يومي‬
‫يستنزف الجهود دون معنى‪ ،‬أو إلى نجاحات تكتيكية تعطي‬
‫النشوة املخدرة لكن دون وجهة‪ .‬إن العمل املرحلي اآلني من‬
‫غير عمل مستمر هادف مجرد نثار من األعمال ال تجمع‬
‫شتاته رؤية موحدة على املدى البعيد‪.‬‬
‫إن االستراتيجية مهمة ومصيرية‪ .‬مهمة من حيث أنها تخرجنا‬
‫من عزلتنا وتدفعنا نحو الغير ملواجهته والدخول في تنافس‬ ‫عدد الصفحات‪ 168 :‬صفحة‬
‫معه‪ ،‬ومن حيث أنها تحررنا من ضغط الضرورة أو‬ ‫الطبعة‪ :‬األولى ‪2015‬‬
‫االستعجال أو التجريب‪ .‬ومصيرية من حيث أنها تساعدنا على‬
‫إدارة املخاطر واستغالل الفرص‪ ،‬كما تعلمنا الضبط‬
‫واالنضباط‪ ،‬وحس املسؤولية‪ ،‬وتحفز جهود فرق العمل‬
‫وتوحدها حول رؤية واضحة للمستقبل‪.‬‬
‫لكن علينا أن نعترف بأن االستراتيجية هي على درجة كبيرة من‬
‫التعقيد‪ ،‬وتفترض الكثير من الذكاء والشجاعة‪ ،‬وهذا ما‬
‫دفعنا إلى تعميق االشتغال على هذا املوضوع بحثا وترجمة‬
‫وتأليفا وتدريبا واستشارة‪ .‬وهذا الكتاب‪ ،‬الذي جمعنا فيه‬
‫إضاءاتنا في موضوع االستراتيجية‪ ،‬هو امتداد ملساهماتنا‬
‫السابقة في هذا املجال‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪315‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫إضاءات التميزاملؤسس ي‬
‫ملخص الكتاب‬ ‫الجزء الثاني‬
‫القيادة‬
‫ثالث أزمات تفسر إخفاقات املاض ي‪ ،‬وتعمق جراحات‬
‫الحاضر‪ ،‬وتحاصر آمال املستقبل‪ :‬أزمة القيادة‪ ،‬وأزمة‬
‫االستراتيجية‪ ،‬وأزمة التنظيم‪ .‬ثالث أزمات تعاني منها اإلدارات‬
‫العامة والشركات الخاصة والجمعيات واملنظمات عندنا وال‬
‫تزال‪.‬‬
‫واألزمة األولى أعوص من الثانية والثالثة؛ فلنا من ترهل‬
‫القيادات وضعف أدائها ما يكفي لتأليف موسوعة في العود‬ ‫عدد الصفحات‪ 911 :‬صفحة‬
‫األبدي لتجارب الفشل‪ .‬لكن لدينا أيضا من نماذج القيادة‬ ‫الطبعة‪ :‬األولى ‪5191‬‬
‫الناجحة والفعالة ما يدعو للفخر واالعتزاز‪ ،‬ويوفر نماذج‬
‫حية للدراسة والتحليل‪.‬‬
‫كانت أزمة االستراتيجية هي الدافع األساس لي في ما ترجمت‬
‫من أدوات ومنهجيات في التشخيص والتخطيط واإلدارة‬
‫االستراتيجية‪ ،‬وفي ما كتبت من مقاالت في موضوع‬
‫االستراتيجية خالل السنوات املاضية‪ .‬وعندما نشرت كتابي‬
‫"فقه االستراتيجية" قمت بتوضيح الكثير من املفاهيم‪،‬‬
‫وضبط الكثير من املبادئ‪ ،‬وبناء الكثير من النماذج‪ .‬تحدثت‬
‫عن التفكير االستراتيجي‪ ،‬والفعل االستراتيجي‪ ،‬والحقل‬
‫االستراتيجي‪ ،‬والذكاء االستراتيجي‪ ...‬وحاولت جهد اإلمكان أن‬
‫أساهم في بناء مفاهيم ومبادئ وأدوات فقه االستراتيجية بما‬
‫يساعد كل من يهمه األمر للخروج من أزمة الرؤية وغموض‬
‫املشروع‪.‬‬
‫بعد "فقه االستراتيجية" أنتقل اآلن للكتابة عن القيادة‪ ..‬عن‬
‫"فقه القيادة"‪ .‬وأسأل هللا عز وجل أن يبارك في الوقت‬
‫والعمر للكتابة مستقبال عن "فقه التنظيم"‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪316‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫إضاءات التميزاملؤسس ي‬
‫ملخص الكتاب‬ ‫الجزء الثالث‬
‫التنظيم‬
‫يبدو موضوع "التنظيم" للباحثين واملمارسين‪ ،‬على خالف مواضيع‬
‫االستراتيجية والقيادة واألداء‪ ،‬موضوعا مألوفا وملموسا ويسهل‬
‫تدبيره‪ .‬فأغلبنا له تجاربه التنظيمية الشخصية في إدارة حكومية أو‬
‫شركة خاصة أو جمعية خيرية أو منظمة غير حكومية‪ ..‬ومن‬
‫السهل تصور مجموعة من األفراد حول طاولة واحدة يجتهدون في‬
‫تشكيل وهندسة بنية تنظيمية «فعالة»‪ .‬هذا اإلحساس بالبداهة‬
‫ّ‬
‫والسهولة في التعاطي مع موضوع التنظيم ُي َوِّلد لدى كل واحد منا‬
‫االعتقاد بأنه "خبير تنظيم" بالفطرة‪ .‬والنتيجة املترتبة عن هذه‬
‫عدد الصفحات‪ 555 :‬صفحة‬
‫الغيبوبة التنظيمية السعيدة وهذه الصناعة التنظيمية التقليدية‬
‫الطبعة‪ :‬األولى ‪5191‬‬
‫بنيات تنظيمية وثقافات تنظيمية تفتقد إلى الفعالية والكفاءة‬
‫وتشكل أحد أهم مصادر الهدر وعدم الفعالية في أداء منظماتنا‪.‬‬
‫للمساهمة في الخروج من هذا الواقع يأتي هذا العمل «إضاءات‬
‫التنظيم» النابع من تحقيق وتدقيق علمي ملفاهيم ومبادئ‬
‫وممارسات وأدوات هندسة التنظيم‪ ،‬ومن خبرة عملية في املجال‪.‬‬
‫إن النموذج العلمي الذي نقدمه في هذا الكتاب هو نموذج مصمم‬
‫بشكل دقيق وفعال‪ ،‬ويشكل وسيلة عملية للفهم العميق لواقع‬
‫املنظمة والفعل املؤثر فيها‪ .‬ويتأسس هذا النموذج على مقاربة‬
‫التنظيم من خالل أربعة أبعاد هي‪ :‬الفاعلية التنظيمية‪ ،‬وضبط‬
‫البنية التنظيمية‪ ،‬وانسجام التنظيم مع محيطه الخارجي‪ ،‬وحركية‬
‫تطور التنظيم‪.‬‬
‫وانطالقا من هذه األبعاد األربعة وضعنا نموذجنا الرباعي ألبعاد‬
‫التنظيم‪:‬‬
‫‪ -‬البعد األول‪ :‬الفاعلية التنظيمية‪.‬‬
‫‪ -‬البعد الثاني‪ :‬بنية التنظيم‪.‬‬
‫‪ -‬البعد الثالث‪ :‬محيط التنظيم‪.‬‬
‫‪ -‬البعد الرابع‪ :‬حركية التنظيم‪.‬‬
‫كم َح ّ ِّوالت الطاقة‪ ،‬نوعان رئيسيان‪ :‬رافعات‬
‫إن التنظيمات‪ُ ،‬‬
‫للطاقات البشرية أو خافضات لها‪ ،‬ولنا أن نختار بين االحترافية في‬
‫تصميم التنظيم وإدارته للرفع من األداء أو التجريب الذي يقود إلى‬
‫ضعف األداء‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪317‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫إضاءات التميزاملؤسس ي‬
‫ملخص الكتاب‬ ‫الجزء الرابع‬
‫األداء‬
‫النموذج الرباعي للتميز املؤسس ي" هو مشروع علمي‪ ،‬موضوعه "التميز‬
‫املؤسس ي"‪ ،‬ومنهجه "البحث التدخلي"‪ ،‬وهدفه اكتشاف مبادئ وأبعاد‬
‫ودعامات وأدوات وممارسات التميز املؤسس ي‪.‬‬
‫ينطلق هذا املشروع العلمي من خصوصيات وحاجات منظماتنا العربية‬
‫ومن التجارب والنماذج العاملية‪ ،‬ورسالته هي خدمة أداء منظماتنا‬
‫العربية بكل أنواعها من إدارات حكومية وشركات خاصة وجمعيات خيرية‬
‫ومنظمات غير حكومية‪ .‬أما دوافعه فمتعددة‪:‬‬
‫‪ -‬أوال ألن إخفاقات املاض ي‪ ،‬وجراحات الحاضر‪ ،‬وآمال املستقبل مرتبطة‬
‫بتقديرنا بأربع أزمات هي أزمة القيادة‪ ،‬وأزمة االستراتيجية‪ ،‬وأزمة‬ ‫عدد الصفحات‪ 931 :‬صفحة‬
‫التنظيم‪ ،‬وأزمة األداء‪ .‬وبالتالي فإن عوامل التمكين والتميز املؤسس ي هي‬
‫الطبعة‪ :‬األولى ‪5191‬‬
‫أربعة‪ :‬االستراتيجية والقيادة والتنظيم واألداء‪.‬‬
‫‪ -‬ثانيا ألن األداء العالي واملنتظم يحتاج إلى قيادة حازمة واستراتيجية‬
‫شاملة وتنظيم عقالني‪ .‬لكن "سفراء النوايا الحسنة" الذين يجسدون‬
‫بالنموذج الحي واقعنا ال يملكون سوى قيادات طيبة‪ ،‬وعموميات راقية‪،‬‬
‫وتنظيمات عاطفية‪ .‬وال يحققون بمشاعرهم الصادقة الجياشة سوى‬
‫نتائج عادية في أحسن الحاالت‪.‬‬
‫‪ -‬ثالثا ألن املشاعر الصادقة الجياشة ال تنقصنا‪ ،‬ولكن ينقصنا الحزم في‬
‫القيادة‪ ،‬والشمولية في التخطيط‪ ،‬والعقالنية في التنظيم‪ ،‬والتميز في‬
‫األداء‪.‬‬
‫ويتكون هذا املشروع العلمي من أربعة أبعاد‪:‬‬
‫‪ -‬القيادة‬
‫‪ -‬االستراتيجية‬
‫‪ -‬التنظيم‬
‫‪ -‬األداء‬
‫قدمنا في األجزاء الثالثة السابقة من هذه السلسلة إضاءات القيادة‬
‫واالستراتيجية والتنظيم‪ ،‬ونقدم في هذا الجزء الرابع إضاءات األداء‪.‬‬
‫إن "النموذج الرباعي للتميز املؤسس ي" هو مشروع بحثي تخصص ي أصيل‪،‬‬
‫يقوم على قاعدة منهجية وعلمية صلبة ودقيقة‪ ،‬وتجربة وخبرة عملية‬
‫واسعة ومتنوعة‪ ،‬ويسعى إلى دعم جهود التطوير املؤسس ي وتسليحها‬
‫بسند علمي وعملي ُم َح َّرر على شروط أدق املعايير العلمية وأفضل‬
‫النماذج العملية العاملية‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪318‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫فقه االستراتيجية‬
‫ملخص الكتاب‬ ‫الجزء األول‬
‫املفاهيم واملبادئ‬
‫إن االستراتيجية قضية مهمة بل مصيرية‪ .‬مهمة من حيث أنها‬
‫تخرجنا من ذواتنا وتدفعنا نحو الغير ملواجهته والدخول في تنافس‬
‫معه؛ ومن حيث أنها تحررنا من ضغط الضرورة أو االستعجال أو‬
‫التجريب‪ .‬ومصيرية من حيث أنها تساعدنا على إدارة املخاطر‬
‫واستغالل الفرص كما تعلمنا الضبط واالنضباط وحس املسؤولية؛‬
‫ومن حيث أنها تحفز جهود فرق العمل وتوحدها حول رؤية واضحة‬
‫للمستقبل‪.‬‬
‫ومن ثم ينبغي لكل من يريد أن يؤدي رسالته بفعالية وكفاءة‪ ،‬وأن‬
‫يرتقي بأدائه نحو التميز‪ ،‬وأن يساهم عمليا في صناعة التاريخ‪،‬‬
‫أفرادا ومؤسسات‪ ،‬ينبغي له أن يفكر بطريقة استراتيجية وأن يقود‬
‫بطريقة استراتيجية‪ ،‬لكن ما االستراتيجية؟‬
‫هذا الكتاب يقدم إجابة عن هذا السؤال من خالل استعراض‬
‫مفاهيم ومبادئ ونماذج فقه االستراتيجية‪.‬‬ ‫عدد الصفحات‪ 954 :‬صفحة‬
‫على مستوى الجهاز املفاهيمي لفقه االستراتيجية كانت فقرات هذا‬ ‫الطبعة‪ :‬األولى ‪ - 5195‬الثانية ‪5194‬‬
‫الكتاب فرصة لضبط دالالت عشرات املفاهيم وعلى رأسها مفهوم‬
‫االستراتيجية نفسه‪.‬‬
‫وعلى مستوى املبادئ استعرضنا أيضا عشرات املبادئ املؤسسة‬
‫للتفكير والفعل االستراتيجيين‪.‬‬
‫وأخيرا على مستوى النماذج اعتمدنا أربعة نماذج تأسيسية شكلت‬
‫مجتمعة نسقا كامال ومتكامال لبناء الفهم وتوجيه اإلرادة‪ .‬وهذه‬
‫النماذج هي‪:‬‬
‫‪ -‬أوال نسق االستراتيجية ويتكون من التنظيم واملشروع واملنهج‬
‫والتقنية والظرفية‪.‬‬
‫‪ -‬ثانيا آلية الفعل االستراتيجي املكونة من الوسائل والغايات‬
‫واملنهج الذي يربط بينهما‪.‬‬
‫‪ -‬ثالثا الحقل االستراتيجي بأركانه الثالثة‪ :‬اإلطار املكاني والزماني‬
‫للفعل‪ ،‬وحدود الحقل وقواعد املواجهة‪ ،‬والغير‪.‬‬
‫‪ -‬رابعا الذكاء االستراتيجي بأركانه الخمسة‪ :‬االستشراف والتفكير‬
‫النسقي والرؤية املستقبلية والشراكة والقدرة على تحفيز العاملين‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪319‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫املستويات‬
‫ملخص الكتاب‬ ‫‪7‬‬
‫في القراءة‬
‫ما معنى "تعلم القراءة"؟‬
‫إن تعلم القراءة معناه أوال أن تجد متعة في القراءة؛ تلك املتعة التي‬
‫لم تبدأ في حياتنا باملفردات واملعاني والقواعد وتحليل الخطاب‬
‫والنقد‪ ،‬وإنما بدأت لحسن حظنا بأغاني الطفولة وحكاياتها‪.‬‬
‫وتعلم القراءة معناه ثانيا أن تجيد اختيار نوعية الكتب التي‬
‫تقرأها؛ فليس املهم عدد الكتب التي تقرأها‪ ،‬وليس من الذكاء أن‬
‫ً‬
‫تقرأ أنوار كتب املنبع على ضوء شروحات كتب املصب؛ ألن كتابا‬
‫ً‬
‫واحدا من املنبع ُيغني عن ألف كتاب من املصب‪ ،‬وأن تتحرر من‬
‫الرعب الذي تسببه كتب املنبع لدى املتمسكين بقراءة كتب املصب‪،‬‬
‫وأن تتوب من ذنب كتب املستنقعات التي تسرق من عمرك‪.‬‬
‫وتعلم القراءة معناه ثالثا أن تتقن استخدام املنهجيات املالئمة‬
‫للفهم الواضح والدقيق‪ .‬فالقراءة كالتفكير‪ ،‬بل هي التفكير عينه‪،‬‬ ‫عدد الصفحات‪ 947 :‬صفحة‬
‫تلك املعاناة الفكرية التي تقودنا إلى النهاية السعيدة‪ :‬الوضوح‬ ‫الطبعة‪ :‬األولى ‪ - 5193‬الثانية ‪5197‬‬
‫والدقة والبساطة‪.‬‬
‫وتعلم القراءة معناه أيضا أن تملك القدرة على القراءة السريعة؛‬
‫أي على قراءة وفهم كتاب من مائة صفحة في ساعة واحدة‪ ،‬لكن مع‬
‫الصبر على قراءة وإعادة قراءة ومقارنة وتمييز وتصنيف وتحليل‬
‫وتأمل فقرة من مائة حرف في ساعات متعددة وأيام‪.‬‬
‫وتعلم القراءة هو كذلك أن تملك مهارة القفز بين الخطابات‪،‬‬
‫والنقد الفعال والعملي لها‪.‬‬
‫وأخيرا تعلم القراءة هو التلقي من مستويات منطقية متعددة‪.‬‬
‫إن القصة التي يسردها هذا الكتاب هي قصة رحلة ممتعة وطويلة‬
‫وشاقة؛ قصة وجود خارطة طريق ألنواع ومستويات القراءة‪ .‬وهذه‬
‫القصة ال تتحدث عن القراءة فقط‪ ،‬وإنما عن عالقتنا بها أوال‪ .‬وإذا‬
‫ما اقتنعت بأن عالقتك بالقراءة تحتاج إلى إعادة نظر فأهال بك في‬
‫رحلة املستويات السبعة للقراءة‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪320‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫الذكاء املالي وصناعة الثروة‬


‫ملخص الكتاب‬
‫رؤية اجتماعية‬
‫هذا الكتاب هو الجزء األول من مشروع رؤية جديدة‬
‫متكاملة للذكاء املالي تنطلق من دراسة تحليلية نقدية‬
‫لكتابات الرواد األمريكيين أمثال نبليون هيل وروبرت‬
‫كيوزاكي الذين يختزلون الذكاء املالي في قوانينه‬
‫النفسية‪ ،‬وتستهدف نمذجة الذكاء املالي من منظور‬
‫متكامل‪ :‬نفس ي واقتصادي واجتماعي‪ ،‬مع التركيز على‬
‫املقاربة االجتماعية باعتبار أن تسعة أعشار قوانين‬
‫اشتغال املال واللعبة املالية هي قوانين اجتماعية‪.‬‬
‫الجزء األول يستعرض في ثالثة فصول املقاربات‬
‫عدد الصفحات‪ 959 :‬صفحة‬
‫الثالث للذكاء املالي‪ :‬املقاربة النفسية‪ ،‬واملقاربة‬
‫الطبعة‪ :‬األولى ‪5197‬‬
‫االقتصادية‪ ،‬واملقاربة االجتماعية‪.‬‬
‫أما األجزاء الثالثة القادمة فسيتم تخصيصها للقوى‬
‫االجتماعية الثالث التي تتحكم في صناعة الثروة‪:‬‬
‫‪ -‬الجزء الثاني‪ :‬االستعدادات‪.‬‬
‫سيستعرض قوة االستعدادات الذاتية التي ندخل بها‬
‫اللعبة املالية‪.‬‬
‫‪ -‬الجزء الثالث‪ :‬الرساميل‪.‬‬
‫سيستعرض قوة الرساميل املتعددة واملختلفة التي‬
‫يستخدمها الالعبون‪.‬‬
‫‪ -‬الجزء الرابع‪ :‬اللعبة املالية‪.‬‬
‫سيستعرض قوة اللعبة املالية وقواعدها التي يتصارع‬
‫الالعبون على وضعها من خالل مشاريعهم‬
‫واستراتيجياتهم‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪321‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫رحلة إلى عالم الجودة الشاملة‬


‫ملخص الكتاب‬
‫املفاهيم واملبادئ‬
‫ينطلق هذا الكتاب من هاجس البحث عن إجابة واضحة‬
‫ودقيقة وعملية إلشكال مهم وحيوي يرتبط به مصير‬
‫مجتمعاتنا في عصر التحوالت الكبرى والتغيرات السريعة‬
‫واملنافسة القوية وهو‪ :‬كيف يمكن كسب رهان جودة‬
‫منظماتنا؟‬
‫يتعلق األمر بسؤال الكيف؛ أي بسؤال عملي همه البحث عن‬
‫الكيفية العملية التي من شأن تبنيها واعتمادها أن يتيح‬
‫ملنظماتنا فرصة لكسب رهان الجودة‪.‬‬
‫ويتضمن جواب سؤال‪ :‬كيف‪ ،‬شقين‪:‬‬
‫‪ -‬الشق األول متعلق بضبط املفاهيم واملبادئ‪.‬‬
‫‪ -‬الشق الثاني متعلق بالطرق واألدوات‪.‬‬ ‫عدد الصفحات‪ 11 :‬صفحة‬
‫في هذا الجزء األول من رحلتنا إلى عالم الجودة الشاملة قمنا‬ ‫الطبعة‪ :‬األولى ‪5197‬‬
‫بضبط املفاهيم واملبادئ األساسية للجودة‪.‬‬
‫وقد اخترنا‪ ،‬عن قصد‪ ،‬لهذه الرحلة أسلوب التركيز واالختصار‬
‫الذي يجعل الرحلة سهلة وممتعة‪ ،‬دون أن يفقدها مطالب‬
‫الدقة والوضوح والعمق‪.‬‬
‫وقد سلكنا في رحلتنا مع املفاهيم واملبادئ األساسية للجودة‬
‫املحطات التالية‪:‬‬
‫‪ -‬املحطة األولى ملعرفة الحاجة إلى الجودة‪.‬‬
‫‪ -‬املحطة الثانية لتعريف الجودة وضبط مختلف دالالت‬
‫املفهوم‪.‬‬
‫‪ -‬املحطة الثالثة الستعراض موجزتاريخ الجودة‪.‬‬
‫‪ -‬املحطة الرابعة للوقوف على مبادئ الجودة ومعارفها‬
‫العميقة‪.‬‬
‫‪ -‬املحطة الخامسة ملعرفة املقاربات املختلفة إلدارة الجودة‪.‬‬
‫‪ -‬املحطة السادسة ملعرفة أبعاد الجودة واختالف مقارباتها‪.‬‬
‫‪ -‬املحطة السابعة واألخيرة ملعرفة شروط الجودة‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪322‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫ملاذا تفشل املنظمات‬


‫ملخص الكتاب‬ ‫في تطبيق الجودة؟‬
‫الشروط التربوية والثقافية والتنظيمية لنجاح إدارة الجودة‬
‫ينطلق هذا الكتاب من التساؤل عن السبب الذي‬
‫يجعل الكثير من جهود املنظمات في بناء أنظمة‬
‫الجودة تفشل‪ ،‬ويحاول اإلجابة عن هذا التساؤل من‬
‫خالل نموذج ثالثي يركز على تربية الجودة وثقافتها‬
‫وتنظيمها‪.‬‬
‫إن عوامل فشل أنظمة الجودة كثيرة‪ ،‬واملقاربة‬
‫اإلدارية التقنية للجودة التي تنشغل باملتطلبات‬
‫القيادية واإلدارية والعمليات واإلجراءات واملعايير‬
‫والطرق واألدوات غير كافية‪ ،‬وتحتاج املنظمات إلى‬
‫عدد الصفحات‪ 35 :‬صفحة‬
‫مقاربة تربوية ثقافية تنظيمية تعطي األولوية لتربية‬
‫الطبعة‪ :‬األولى ‪5195‬‬
‫الجودة وثقافتها وتنظيمها‪.‬‬
‫إن نظام الجودة يحتاج إلى فاعل هو إنسان الجودة‪،‬‬
‫وإلى بيئة داعمة هي ثقافة الجودة‪ ،‬وإلى أدوات‬
‫تنظيمية تمنح الفعالية والكفاءة في الفعل هي تنظيم‬
‫الجودة‪ .‬وهكذا تنجح خطط الجودة عندما تجتمع‬
‫هذه الشروط التأسيسية الثالثة‪:‬‬
‫• شرط في مواصفات الفاعل‪ :‬إنسان الجودة‪.‬‬
‫• شرط في البيئة الثقافية‪ :‬ثقافة الجودة‪.‬‬
‫• شرط في الوسيلة التنظيمية‪ :‬تنظيم الجودة‪.‬‬
‫إنه ال جودة بدون إنسان الجودة‪ ،‬وال يمكن بناء‬
‫إنسان الجودة بدون ثقافة الجودة وتنظيمها‪.‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪323‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫مدارس الفكراالستراتيجي‬
‫ملخص الكتاب‬
‫العميان العشرة والفيل‬
‫كل مدارس الفكر االستراتيجي عميان أمام هذا الفيل املسمى‬
‫ً‬
‫"االستراتيجية"‪ ،‬عميان ألن كل مدرسة تدرك جانبا منه فقط‪،‬‬
‫وتجهل جوانبه األخرى‪.‬‬
‫تستمد هذه املدارس مرجعياتها من مصدرين‪ :‬خبرة‬
‫املستشارين وعلم الجامعيين‪ .‬يميل املستشارون إلى رسم‬
‫لوحات ثالثية األبعاد لكن لحيوان جامد‪ ،‬ويعشق الجامعيون‬
‫رسم نفس الحيوان الجامد لكن في لوحات ثنائية األبعاد‪.‬‬
‫ورغم هذا التحنيط الذي طال الحيوان من طرف املستشارين‬
‫ً ً‬
‫والجامعيين‪ ،‬انتشرت االستراتيجيات ولقيت إقباال كبيرا‪ .‬لكن‬
‫رغم هذا اإلقبال لم تنجح االستراتيجيات في الغالب األعم‬
‫(بعض الدراسات تقول أن كل تسع خطط من أصل عشرة‬ ‫عدد الصفحات‪959 :‬صفحة‬
‫تفشل)‪ ،‬ألن قادة املنظمات ومديريها ُح ِّشروا في منظورات‬ ‫الطبعة‪ :‬األولى ‪5195‬‬
‫ضيقة مع عجائب التخطيط االستراتيجي وغرائب معاييره‪ ،‬وما‬
‫ً َ‬
‫كان لها إال أن تفشل ألن الفيل ُج ّزئ تجزيئا وت َح َّول إلى جسد‬
‫بدون روح‪.‬‬
‫إن االستراتيجية ال يمكن لها أن تنجح بالتخطيط االستراتيجي‬
‫وحده‪ ،‬أو بحدس القيادة وحده‪ ،‬أو بتعلم املنظمة وحده‪ ،‬أو‬
‫بأي جزء آخر من أجزاء االستراتيجية‪ .‬إن حاجة قادة‬
‫املنظمات ومديروها إلى معرفة أفضل املمارسات العاملية في‬
‫مجال االستراتيجية واالستفادة منها مهمة‪ ،‬من أجل املض ي‬
‫قدما نحو مدرسة شمولية ومتوازنة في الفكر االستراتيجي‪،‬‬
‫لكن كيف يمكن جمع شتات علم وفن االستراتيجية من خالل‬
‫نظرة نسقية تستفيد من منظورات العميان العشرة‪،‬‬
‫وتتجاوزها إلى نظرة شمولية ومتكاملة ومتوازنة وفعالة؟ هذا‬
‫هو السؤال‪.‬‬
ُ
324 | ‫إدريس أوهالل‬ ‫ دليلك إلى القيادة الحازمة‬:‫قواعد الحزم‬

‫للتواصل مع املؤلف‬

00212661167312

drissohlale@gmail.com

facebook.com/driss.ohlale

twitter.com/driss_ohlale

youtube.com/drissohlale

Driss Ohlale
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪325‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫الفهرس‬

‫‪9‬‬ ‫البداية ‪.....................................................................................................................................................................................................................................‬‬

‫‪11‬‬ ‫تمهيد ‪........................................................................................................................................................................................................................................‬‬

‫‪13‬‬ ‫مقدمات ‪.................................................................................................................................................................................................................................‬‬

‫‪14‬‬ ‫الصفات األربع للقيادة ‪...............................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬


‫ً‬ ‫ً‬
‫‪19‬‬ ‫‪ ‬بعيدا عن الطيبة‪ ،‬قريبا من الحزم‪....................................................................................................................................................‬‬

‫‪22‬‬ ‫ي للحزم ‪..........................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪ ‬النموذج الخماس‬


‫‪25‬‬ ‫منهجية الكتاب ‪.................................................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪37‬‬ ‫الفصل األول‪ :‬كيف أكون؟ ‪...................................................................................................................................................................................‬‬
‫ُ َّ ً‬ ‫ُ ُ ًّ‬
‫‪39‬‬ ‫كن محبا لذاتك‪ ،‬مط ِّورا لها ‪...................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫‪40‬‬ ‫كن ضابطا ومنضبطا ‪...................................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫‪42‬‬ ‫كن أصيال واحترم اآلخرين ‪.......................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫‪44‬‬ ‫كن مستقال في عقلك وإرادتك ‪..............................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫‪46‬‬ ‫كن طموحا في رؤيتك ‪....................................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫ُ َ ً‬
‫‪47‬‬ ‫كن م ِّرنا ‪...................................................................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫‪50‬‬ ‫كن متوازنا ‪.............................................................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫‪53‬‬ ‫كن صريحا ‪............................................................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫‪54‬‬ ‫كن شجاعا ‪...........................................................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫ُ َ ً‬
‫‪55‬‬ ‫كن م ِّرحا ‪.................................................................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫‪56‬‬ ‫كن شاهدا ‪............................................................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫‪57‬‬ ‫كن ِّمعطاء ‪............................................................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫‪59‬‬ ‫ال تكن طيبا ‪..........................................................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫‪62‬‬ ‫ال تكن عنيفا ‪.......................................................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫‪65‬‬ ‫ال تكن ماكرا ‪........................................................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪67‬‬ ‫ال تلعب األدوار الدرامية ‪...........................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪69‬‬ ‫ال تلعب دور الضحية ‪...................................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪71‬‬ ‫ال تلعب دور الجالد ‪........................................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪73‬‬ ‫ال تلعب دور املنقذ ‪.........................................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪326‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪75‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬ما الذي يجب أن أعرفه؟ ‪.................................................................................................................................................‬‬

‫‪77‬‬ ‫املعرفة العميقة األولى‪ :‬معرفة الذات ‪........................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬


‫‪79‬‬ ‫ِّاعرف استعداداتك وطورها ‪..................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪81‬‬ ‫‪‬‬
‫ِّاعرف مشاعرك وتحكم فيها ‪...................................................................................................................................................................‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫‪83‬‬ ‫وسحره وتجنب أسره ‪...................................................................................................................................................‬‬‫‪ِّ ‬اعرف الحب ِّ‬
‫‪85‬‬ ‫ِّاعرف التربية العاطفية لتتحكم في مشاعرك ‪...........................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪86‬‬ ‫ِّاعرف أوهامك وتخلص منها ‪...................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪88‬‬ ‫ِّاعرف التربية الفكرية لتتحكم في أوهامك ‪..................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪91‬‬ ‫ِّاعرف عاداتك واضبطها ‪............................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪93‬‬ ‫ِّاعرف التربية العملية لتتحكم في عاداتك ‪...................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪95‬‬ ‫ِّاعرف أخطاءك وتعلم منها ‪.......................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪96‬‬ ‫ِّاعرف حدودك والتزم بها ‪...........................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪98‬‬ ‫املعرفة العميقة الثانية‪ :‬معرفة العالم ‪.....................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪100‬‬ ‫ِّاعرف طرق معرفة العالم ‪........................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪102‬‬ ‫‪‬‬
‫ِّاعرف اللعبة ومعناها ‪..................................................................................................................................................................................‬‬
‫َُ ّ ُ‬
‫‪105‬‬ ‫‪ِّ ‬اعرف الصراع املح ِّرك للعبة ‪..................................................................................................................................................................‬‬

‫‪107‬‬ ‫ِّاعرف قواعد اللعبة ‪......................................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬


‫‪110‬‬ ‫ِّاعرف أحداث اللعبة ومستوياتها ‪.......................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪112‬‬ ‫ِّاعرف الالعبين ‪..................................................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪114‬‬ ‫ِّاعرف مصالح الالعبين ‪...............................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪117‬‬ ‫ِّاعرف مواقع الالعبين ‪..................................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪119‬‬ ‫ِّاعرف مشاريع الالعبين ‪..............................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪123‬‬ ‫ِّاعرف استراتيجيات الالعبين ‪................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪125‬‬ ‫ِّاعرف ألعاب الجوع وألعاب الخوف ‪................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪127‬‬ ‫ِّاعرف ألعاب اإلقصاء االجتماعي ‪.......................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪129‬‬ ‫ِّاعرف لعبة التميز االجتماعي ‪.................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪133‬‬ ‫ِّاعرف ألعاب الفكر ‪.......................................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪135‬‬ ‫ِّاعرف اللعبة السياسية ‪.............................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪137‬‬ ‫ِّاعرف اللعبة الديمقراطية ‪......................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪327‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪139‬‬ ‫املعرفة العميقة الثالثة‪ :‬معرفة العمل ‪.....................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬


‫‪140‬‬ ‫ِّاعرف ما العمل؟ ‪.............................................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪141‬‬ ‫ِّاعرف ما العائد من العمل؟ ‪...................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪142‬‬ ‫ِّاعرف من الفاعل؟ ‪........................................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪145‬‬ ‫ِّاعرف أهمية الشراكات والتحالفات ‪................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪147‬‬ ‫ِّاعرف كيف تضمن قيام الفاعل بالعمل ‪.....................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪149‬‬ ‫‪‬‬
‫ِّاعرف محركات التغيير وقوانينه ‪.........................................................................................................................................................‬‬

‫‪153‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬ماذا يجب أن أمتلك؟ ‪........................................................................................................................................................‬‬

‫‪155‬‬ ‫ِّامتلك الوسائل لغاياتك العليا ‪.............................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬


‫‪157‬‬ ‫ِّامتلك الكاريزما ‪.................................................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪158‬‬ ‫ِّامتلك املعرفة ‪....................................................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪160‬‬ ‫ِّامتلك املعلومة ‪..................................................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪162‬‬ ‫ِّامتلك العالقات ‪...............................................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪164‬‬ ‫ِّامتلك املال ‪...........................................................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪165‬‬ ‫ِّامتلك السلطة ‪..................................................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪167‬‬ ‫ِّامتلك عالقتك بالزمن ‪................................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫َََ ْ َ‬ ‫ََّ‬
‫‪169‬‬ ‫‪ ‬نتملك لكي نتموقع ‪..........................................................................................................................................................................................‬‬

‫‪171‬‬ ‫املواقع متغيرة لكن املواقف ثابتة ‪......................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬


‫‪173‬‬ ‫الفصل الرابع‪ :‬كيف أضبط وأنضبط؟ ‪..................................................................................................................................................‬‬

‫‪175‬‬ ‫َ َ ُْ َ َ‬ ‫َ ُْ ُ‬
‫‪ ‬من يطلب الحزم يطلب ِّقيمه ‪................................................................................................................................................................‬‬

‫‪177‬‬ ‫ِّافهم قيمك وقيم اآلخرين ‪.........................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬


‫‪179‬‬ ‫ِّافهم طبيعة القيم ‪..........................................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪181‬‬ ‫ِّافهم االعتماد املتبادل بين القيم ‪.......................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪183‬‬ ‫ِّافهم سلم القيم وسلم األولويات ‪......................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪185‬‬ ‫ِّافهم األصول االجتماعية للقيم ‪..........................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪187‬‬ ‫األسرة تصنع القيم ‪........................................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪189‬‬ ‫املدرسة تعيد إنتاج نفس القيم ‪..........................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫‪194‬‬ ‫‪ ‬الوظيفة تع ِّزز قيم العبودية ‪...................................................................................................................................................................‬‬

‫‪197‬‬ ‫َُّ‬
‫‪ ‬السوق يع ِّزز قيم الحرية ‪...........................................................................................................................................................................‬‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪328‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪200‬‬ ‫التربية الذاتية هي فرصتك األخيرة ‪...................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬


‫‪202‬‬ ‫تربية العقل واإلرادة والقدرة ‪..................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪203‬‬ ‫تربية العقل الناقد ‪.........................................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪205‬‬ ‫تربية اإلرادة الحرة ‪..........................................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪207‬‬ ‫تربية القدرة الفعالة ‪.....................................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪209‬‬ ‫تربية متوازنة ‪.......................................................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪210‬‬ ‫الوعي خمسة مستويات أعاله الوعي التاريخي ‪..........................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪212‬‬ ‫اإلرادة خمسة مستويات أعالها إرادة مشروع عابر لألجيال ‪.......................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪215‬‬ ‫القدرة خمسة مستويات أعالها الحرية ‪.......................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪221‬‬ ‫الفصل الخامس‪ :‬كيف أعمل؟ ‪.........................................................................................................................................................................‬‬

‫‪223‬‬ ‫ال تلتفت ‪.................................................................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬


‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫‪226‬‬ ‫‪ ‬ال تشت ِّ‬
‫ك ‪.................................................................................................................................................................................................................‬‬

‫‪231‬‬ ‫ال تتعاطف ‪...........................................................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬


‫‪236‬‬ ‫ال تنتقم ‪...................................................................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪240‬‬ ‫ال تمنح فرصة ثالثة ‪.......................................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪243‬‬ ‫ال تبحث عن إرضاء كل الناس ‪..............................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪246‬‬ ‫ال تكرر نفس الخطأ ‪......................................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪250‬‬ ‫تقبل النقد ‪...........................................................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪253‬‬ ‫تغافل بحكمة ‪.....................................................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪256‬‬ ‫تحاور بذكاء ‪..........................................................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪260‬‬ ‫تفاوض بواقعية ‪...............................................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪265‬‬ ‫تحكم في مشاعرك ‪..........................................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪269‬‬ ‫ضع معاييرك الشخصية ‪...........................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪271‬‬ ‫ِّاحترم معايير اآلخرين ‪...................................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪272‬‬ ‫‪ ‬ع ِّزز املعايير املشتركة ‪....................................................................................................................................................................................‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫‪274‬‬ ‫‪ ‬انتبه للعالمات ‪...................................................................................................................................................................................................‬‬

‫‪277‬‬ ‫‪‬‬
‫إبحث عن الفرص ‪...........................................................................................................................................................................................‬‬
‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫‪284‬‬ ‫‪ ‬توقع التحديات وح ِّولها إلى فرص ‪.......................................................................................................................................................‬‬

‫‪289‬‬ ‫‪ ‬ع ِّزز تنظيمك الذاتي بتقليص الفوض ى ‪.........................................................................................................................................‬‬


‫َّ‬
‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪329‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫‪291‬‬ ‫ِّثق في شركائك لكن احتفظ بيقظتك ‪..............................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬


‫‪293‬‬ ‫استمتع بعملك ‪..................................................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪296‬‬ ‫ِّاشتغل في صمت ‪..............................................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪299‬‬ ‫ثابر حتى النهاية ‪.................................................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪302‬‬ ‫حقق نتائج ‪............................................................................................................................................................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪308‬‬ ‫‪ ‬تقاسم األرباح ‪.....................................................................................................................................................................................................‬‬
‫َ‬
‫‪311‬‬ ‫خاتمة ‪.......................................................................................................................................................................................................................................‬‬

‫‪313‬‬ ‫صدر للمؤلف ‪.....................................................................................................................................................................................................................‬‬


‫ُ‬
‫إدريس أوهالل | ‪330‬‬ ‫قواعد الحزم‪ :‬دليلك إلى القيادة الحازمة‬

‫هذا الكتاب‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫هذا كتاب في قواعد الحزم‪ ،‬بعيدا عن الطيبة وبعيدا عن‬
‫ً‬
‫املكر‪ ،‬يحاول أن يسد نقصا واضحا في املكتبة العربية في مجال‬
‫السلوك الحازم والقيادة الحازمة‪ ،‬ويسعى إلى املساهمة في رفع فن‬
‫القيادة الحازمة إلى مستوى العلم الذي تحكمه قواعد واضحة‪.‬‬
‫فكرة هذا الكتاب نابعة من الحاجة إلى التنظير والتخطيط‬
‫للقيادة الحازمة بعيدا عن النموذجين السائدين‪ :‬القيادة الطيبة‬
‫والقيادة املاكرة‪ .‬وهو يتأسس على فرضية أن أزمتنا في القيادة هي‬
‫غياب نموذج القيادة الحازمة‪.‬‬
‫وقد قمنا بنمذجة صفة الحزم في القيادة من خالل خمسة‬
‫أسئلة‪ ،‬تغطي األبعاد الخمسة لشخصية القائد‪ ،‬وهي‪ :‬اإلرادة‬
‫واملعرفة والقدرة والقيم والفعل‪ .‬إن مطلب الحزم يتحقق بالتوازن‬
‫بين متطلبات هذه األبعاد الخمسة‪.‬‬
‫عجل بإخراج هذا الكتاب مقال تهنئة بمناسبة سنة‬ ‫وقد ّ‬
‫جديدة؛ اعتاد الناس أن ُيقال لهم على رأس كل سنة‪" :‬كل سنة‬
‫طيبون"‪ ،‬لكن املقال جاء يحمل تهنئة غير عادية‪" :‬كل سنة‬ ‫وأنتم ّ‬
‫وأنتم حازمون"‪ .‬ومباشرة بعد نشر املقال جاءتني رسائل واتصاالت‬
‫ً‬
‫تسأل‪ :‬كيف أكون حازما؟‬
‫لكل هؤالء الذين سألوا‪ ،‬ولكل الذين هرموا في فهم وحفظ‬
‫نفس تجارب املكر لسكان األجمة‪ ،‬ونفس تجارب الطيبة لسكان‬
‫املدينة الفاضلة‪ ،‬ولكل الذين يبحثون عن طريق نحو الحزم في‬
‫زمن ضاع فيه كل ش يء بين سذاجة الطيبين ومكر املاكرين‪ ،‬هذه‬
‫هي قواعد الحزم‪.‬‬

You might also like