You are on page 1of 5

‫حتى نفهم المقصود‪ ,‬البد لنا من تعريف العمران عند ابن خلدون‪ ,‬وهو عنده‪:‬‬

‫"التساكن والتنازل في مصر أو حلة لألنس بالعشير‪ ,‬واقتضاء الحاجاتلما في طباعهم‬


‫من التعاون على المعاش"([‪]).5‬‬
‫إذاً‪ ,‬فكلمة (عمران) عند ابن خلدون تعني القضايا الديمغرافية واالقتصادية‪,‬‬
‫والنشاطات االجتماعية والسياسية‪ ,‬والثقافية‪ ...‬أي كل ما يتعلق باإلنسان‪ .‬فلذلك هو‬
‫يريد البحث في طبيعة العمران للخليقة‪ ,‬و"ما يعرض فيها‪ ,‬من البدو‪ ,‬والحضر‪,‬‬
‫والتغلب‪ ,‬والكسب‪ ,‬والمعاش‪ ,‬والصنائع‪ ,‬ونحوها‪ ,‬وما لذلك من العلل‬
‫واألسباب"([‪]).6‬‬
‫وفي مقدمة ابن خلدون نجد أنه يشير في عدة مواقع إلى طبيعة الملك‪ ,‬وطبيعة‬
‫العصبية‪ ,‬وطبائع األكوان‪ ,‬وطبيعة الوجود‪ .‬فطبيعة العمران لديه هي تعليل جميع‬
‫أحوال العمران بأسباب طبيعية‪ ,‬وقوانين حتمية‪ .‬أي إن الظواهر اإلنسانية لدى ابن‬
‫خلدون مقيدة بقوانين طبيعة كغيرها من ظواهر الطبيعة‪.‬‬
‫أ ـ العمران البدوي‪:‬‬
‫هو الذي يكون في الضواحي والجبال‪ ,‬والحلل المنتجة من القفار‪ ,‬وأطراف‬
‫الرمال([‪ .)]7‬والذي يهمنا في العمران البدوي هو العصبية‪ .‬نحن نعلم تماما ً أن‬
‫شرح شروحا ً كثيرة عند المؤرخين‪ ,‬فبعضهم فسرها بالنبل‪,‬‬ ‫معنى العصبية قد ُ‬
‫وبعضهم فسرها بالفضيلة‪ ,‬وبعضهم أيضا ً فسرها بالتعصب القبلي‪....‬أما ابن خلدون‬
‫فقد فسرها بمعنى آخر‪ ,‬وشرطها األساسي عنده هو وجود البنى القبلية‪" :‬إن سكنى‬
‫البدو ال يكون إال للقبائل أهل العصبية‪ ,‬إن العمران البدوي يصون العصبية‪ ,‬ويحفظ‬
‫اتجاه تأثير الترف الموهن‪ ,‬وإن العصبية إنما تكون من االلتحام بالنسب‪ ,‬ومن‬
‫صلتها النعرة على ذوي القربى وأهل األرحام أن ينالهم ضيم أو تصيبهم هلكة‪ ..‬فإذا‬
‫كان النسب المتواصل بين المتناصرين قريبا ً جدا ً بحيث حصل به االتحاد وااللتحام‬
‫كانت الوصلة ظاهرة"([‪]).8‬‬
‫إذا ً هو يريد القول أن العصبية هي نزعة طبيعية في البشر تؤدي إلى االتحاد‬
‫وااللتحام والتعاضد بين أفراد النسب الواحد‪ ,‬وترجع إلى صلة الرحم‪ .‬وأهل النسب‬
‫يتعاونون على دفع العدوان عن أنفسهم فكلما كانت القرابة أدنى كانت العصبية‬
‫أقوى‪.‬‬
‫أما في النشاطات الحربية فتعبر العصبية من خاللها عن تماسك الفئة القبلية‪ ,‬لكن‬
‫التخلي عن النشاطات الحربية يسبب زوال العصبية‪" :‬وأما العدوان من الذي خارج‬
‫المدينة‪ ,‬فيدفعه سياج األسوار عند الغفلة أو العزة ليالً أو العجز عن المقاومة‬
‫نهاراً‪....‬وأما حللهم فإنما يذود عنها من خارج حامية الحي من أنجادهم وفتيانهم‬
‫المعروفين بالشجاعة فيهم‪ ,‬وال يصدق دفاعهم وديارهم إال إذا كانوا عصبية وأهل‬
‫نسب واحد‪ ,‬ألنهم بذلك تشتد شوكتهم‪ ,‬ويخشى جانبهم‪]).9[(.‬‬
‫ويتابع قوله‪" :‬إن المذلة واالنقياد كاسران لسورة العصبية وشدتها‪ ,‬فإن انقيادهم‬
‫ومذلتهم دليل على فقدانها‪ ,‬فما رئموا للمذلة حتى عجزوا عن المدافعة‪ ,‬ومن عجز‬
‫عن المدافعة‪ ,‬فأولى أن يكون عاجزا ً عن المقاومة والمطالبة‪ ,‬وإذا كانت الدولة من‬
‫القوة بحيث ال يطمع أحد في انتزاعها أذعن ذلك القبيلة لواليتها‪ ,‬والقنوع بما‬
‫يسوغون من نعمتها‪ ,‬ويشركون من جبايتها"([‪]).10‬‬
‫إذاً‪ ,‬من كل ما تقدم نستطيع القول أن المقاطع السابقة تدلنا على صفات هامة جدا ً‬
‫يتمتع بها هؤالء البدو اهل العصبية‪ ,‬وأول صفة هي‪ :‬الخير‪ ,‬وهذا واضح من خالل‬
‫التضامن بينهم‪ .‬والثانية‪ :‬الشجاعة‪ .‬ويتحدث لنا عن أمر هام جدا ً وهو تضامن القبيلة‬
‫الحربي‪ ,‬فهو شرط أساسي للعصبية‪ ,‬لكنه ليس كافياً‪ ,‬فال بد من وجود رئيس‪ ,‬هذا‬
‫الرئيس يجب أن يكون له دور قيادي يقود القبيلة من خالله‪ ,‬وتدعمه عائلته‪ .‬إذاً‪,‬‬
‫العصبية بنظر ابن خلدون‪ ,‬سياسية([‪]).11‬‬
‫ويقول ابن خلدون‪" :‬العصبية تكون بها المقاومة والحماية والمطالبة‪ ,‬وال بد أن‬
‫يكون متغلبا ً عليهم بتلك العصبية‪ ,‬ألن الرئاسة هي سؤدد‪ ,‬وصاحبها متبوع‪ ,‬وال يتم‬
‫اقتدارها عليه إال بالعصبية‪ ,‬التي يكون بها متبوعاً‪ ,‬فالتغلب الملكي غاية للعصبية‪".‬‬
‫من المقطع السابق نستطيع القول‪ :‬إن العصبية لكي تتطور يجب لها أن تقوم في قلب‬
‫القبيلة‪ ,‬وهذا ما يسميه ابن خلدون بالرئاسة‪ ,‬التي هي قوة الواقع‪ ,‬ال قة استقراطية‬
‫ما‪ ,‬أي قوة عائلة كبيرة ذات قوة فعلية ضمنية‪ ,‬أما غاية العصبية فهو الملك‪ .‬إذاً‪ ,‬ال‬
‫عصبية بدون ملك‪ ,‬وال رئاسة‪ ,‬فهما األساس‪ ,‬وبدنهما ال توجد عصبية‪.‬‬
‫ويقول ابن خلدون‪" :‬إذا تمكن سيد القوم من فرض الطاعة ألوامره فإنه يدخل سبيل‬
‫السيطرة واستخدام الضغط‪...‬وألجل بلوغ هدفه يستند على تابعية الدين‪ ,‬بواسطتهم‬
‫حقق إخضاع شعبه‪ .‬إن تأثير العصبية يؤدي إلى االستيالء على الدولة والقبيلة التي‬
‫يسيطر عليها هذا الشعور‪ ,‬وتستولي على الحكم‪ ,‬سواء عن طريق الفتح‪ ,‬أم عن‬
‫طريق القيام بخدمة الساللة الحاكمة"([‪]).12‬‬
‫إذاً‪ ,‬من خالل هذا المقطع يبين ابن خلدون كيف يصل السيد إلى السيطرة على‬
‫قومه‪ ,‬فهو يتخذ الدين كستار ليصل إلى مآربه السياسية التي هي األساس‪ ,‬ولعل هذا‬
‫األمر يذكرنا بالدولة العثمانية التي اتخذت من الدين ستارا ً لتحقيق أهدافها السياسية‪,‬‬
‫وليس السياسية فحسب بل االقتصادية واالجتماعية‪ ,‬وذلك أثناء حكمها للوطن‬
‫العربي‪.‬‬
‫ونستطيع القول أيضاً‪ ,‬إن دور الديمقراطية العسكرية واالرستقراطية القبلية هما‬
‫عامالن أساسيان‪ ,‬يشعالن العصبية‪ ,‬فالعمران البدوي هو شرط في وجود العصبية‪,‬‬
‫لكن هذه العصبية ال توجد عند سائر السكان الريفيين‪ ,‬لذلك فابن خلدون ميّز لنا بين‬
‫فئتين‪ :‬األولى‪ ,‬هي التي تكون العصبية فيها قادرة على جعلها مؤسسة امبراطورية‪,‬‬
‫والثانية‪ ,‬هم البدو الرحل‪ ,‬وهم غير قادرين على تأسيس دولة‪ ,‬أي أنهم ال يتمعتون‬
‫بعصبية([‪]).13‬‬
‫يقول ابن خلدون‪" :‬وهؤالء هم العرب‪ ,‬وفي معناهم ظعون البربر وزناتة المغرب‪,‬‬
‫إال أن العرب أبعد نجمة‪ ,‬وأشد بداوة‪ ,‬ألنهم مختصون بالقيام على اإلبل فقط‪,‬‬
‫والسبب في ذلك أنهم لخلق التوحش الذي فيهم‪ ,‬أصعب األمم انقيادا ً بعضهم لبعض‪,‬‬
‫للغلظة واألنفة‪ ,‬وبعد الهمة والمنافسة في الرياسة‪ ,‬فقلما تجتمع أهواؤهم‪ ....‬فاستغنوا‬
‫عن غيرهم فصعب انقياد بعضهم لبعض إليالفهم ذلك التوحش‪ ,‬فإن ملكوا أمة من‬
‫األمم جعلوا غاية ملكهم االنتفاع بأخذ ما في أيديهم‪ ,‬وتركوا ما سوى ذلك من‬
‫األحكام بينهم‪ ,‬وربما جعلوا العقوبات على المفاسد في األموال حرصا ً على تكثير‬
‫الجبايات‪ ,‬وتحصيل الفوائد‪ ,‬فال يكون وازعاً‪ ,‬وربما يكون باعثا ً بحسب األغراض‬
‫الباعثة على المفاسد‪ ,‬واستهانة ما يعطي من ماله في جانب غرضه‪ .‬فتنحو المفاسد‬
‫بذلك‪ ,‬ويقع تخريب العمران ‪ ....‬فتبقى الرعايات في ملكهم كأنها فوضى دون حكم‪.‬‬
‫والفوضى مهلكة للبشر‪ ....‬بما ذكرناه من أن وجود الملك خاصة طبيعة لإلنسان ال‬
‫يستقيم وجودهم واجتماعهم إال بها"([‪]).14‬‬
‫مرحلة العمران البدوي‪ ,‬نالحظ أن ابن خلدون قد ركز على مفهوم العصبية فيها‪,‬‬
‫فكان لها معنى إيجابياً‪ ,‬واعتبر العصبية أساسا ً لقيام القبيلة وقوتها‪ ,‬فرابطة الدم‬
‫والدين هامة لقيام العصبية‪ ,‬لكن األساس في قيام القبيلة هو دور الديموقراطية‬
‫العسكرية‪ ,‬واألرستقراطية القبلية‪ ,‬فهما عامالن أساسيان لوجود القبيلة‪ .‬وهذا يدلنا‬
‫على أن العصبية معناها سياسي‪ .‬وبما أن ابن خلدون كان رجل دولة وسياسة‪,‬‬
‫فمفهومه للعصبية يفسر لنا معنى اهتماماته السياسية‪.‬‬
‫وهذا المفهوم قائم إلى يومنا هذا‪ ,‬إال أنه يتخذ أسلوبا ً جديداً‪ .‬إذاً‪ ,‬فمرحلة العمران‬
‫البدوي تضم البدو وسكان الريف أيضاً‪ ,‬فالعصبية ال تقوم دون ملك أو رياسة‪,‬‬
‫والملك هو غاية العصبية‪.‬‬
‫ب ـ مرحلة العمران الحضري والحضارة‪:‬‬
‫العمران الحضري عند ابن خلدون هو الذي يكون باألمصار والمدن لالعتصام بها‪,‬‬
‫والتحصن بجدرانها‪.‬‬
‫يقول ابن خلدون‪" :‬إذا استقرت الرئاسة في أهل النصاب المخصوص بالملك في‬
‫الدولة وتوارثوه واحدا ً بعد آخر في أعقاب كثيرين‪ ,‬ودول متعاقبة‪ ,‬نسيت النفوس‬
‫شأن األولية‪ ,‬واستحكمت األصل ذلك النصاب صبغة الرئاسة‪ ,‬ورسخ في العقائد‬
‫دين االنقياد لهم والتسليم‪ ,‬وقاتل الناس معهم على أمرهم قتالهم على العقائد اإليمانية‪,‬‬
‫فلم يحتاجوا في أمرهم إلى كبير عصابة‪ ....‬ويكون استظهارهم حينئذ على سلطانهم‪,‬‬
‫ودولتهم المخصوصة‪ ,‬إما بالموالي والمصطفين الذين نشؤوا في ظل العصبية‬
‫وغيرها‪ ,‬وإما بالعصائب الخارجين عن نسبها‪ ,‬الداخلين في واليتها‪ ,‬فيكون صاحب‬
‫الدولة في هذا الطور‪ ,‬طور االستبداد على قومه‪ ,‬واالنفراد دونهم بالملك‪ ,‬وكبحهم‬
‫عن التطاول للمساهمة والمشاركة‪ ,‬ويكون صاحب الدولة في هذا الطور معنيا ً‬
‫باصطناع الرجال واتخاذ الموالي له‪ ,‬واالستكثار من ذلك لجدع أنف أهل عصبيته‬
‫وعشيرته المقاسمين له في نسبه‪ ...‬حتى يقر األمر في نصابه‪ ,‬ويفرد أهل بيته بما‬
‫يبني من مجده‪ ,‬فيعاني من مدافعتهم ومغالبتهم مثل ما عاناه األولون في طلب األمر‬
‫أو أشد"([‪]).16‬‬
‫يدلنا ابن خلدون هنا على األطوار الخمسة التي تمر بها الدولة‪ ,‬والتي تؤدي إلى‬
‫تهديم العصبية‪ ,‬وهي‪:‬‬
‫‪1‬ـ الظفر بالبغية‪ 2 ,‬ـ االنفراد بالمجد‪ 3 ,‬ـ الدعة والفراغ‪ 4 ,‬ـ طور القنوع‬
‫والمسالمة‪ 5 ,‬ـ طور اإلسراف والتبذير‪.‬‬
‫إذاً‪ ,‬نالحظ أن الدولة منذ الطور الثاني تبدأ بالتراجع‪ ,‬فهي تسير بنظام تدريجي‬
‫تحافظ عليه‪ ,‬وتتسع حتى تصل إلى أقصى حدودها‪ ,‬من ثم تأخذ بالتقلص والتضيق‬
‫حتى ينتهي ذلك بها إلى االنقراض([‪]).17‬‬
‫فالعصبية في العمران الحضري‪ ,‬لها معنى إيجابي أيضاً‪ ,‬فهي البنية االجتماعية‬
‫والسياسية التي تحدد االنتقال من العمران البدوي إلى العمران الحضري‪ .‬ويعتبر‬
‫ابن خلدون أن انهيار العصبية سببه سكان الحواضر‪ ,‬وذلك بسبب انغماسهم بالترف‪,‬‬
‫الذي يؤدي إلى انهيار العصبية‪ ,‬وهو يرى أن كمال الحضارة يكون عند نهاية الدولة‬
‫في استفحالها‪ ,‬لذلك فهو يقول‪" :‬إن كمال الحضارة إنما يكون عند نهاية الدولة في‬
‫استفحالها‪ ,‬واإلعصار بطولها‪ ,‬وانفساح أمدها‪ ,‬وتكرار أمثالها‪ .‬تزيدها "أي‬
‫الحضارة" استكماالً ورسوخاً‪ .‬إن الدولة لها أعمار طبيعية كما لألشخاص‪ ...‬فهذا‬
‫كما تراه ثالثة أجيال فيها يكون عمر الدولة‪ ...‬وهذه األجيال الثالثة عمرها مائة‬
‫وعشرون سنة على ما قرب‪ ,‬وال تعدو الدول في الغالب هذا العمر‪ ,‬بتقريب قبله أو‬
‫بعده"([‪]).18‬‬
‫لقد أدرك ابن خلدون تماما ً أن العصبية ال بد لها من الزوال حتى تفسح المجال‬
‫للسلطة الملكية بالظهور‪ .‬وقد شرح لنا ذلك في مقدمته (ص ‪ 311‬ـ ‪ .)381‬لقد كان‬
‫هدفه‪ ,‬أو باألحرى كان يحلم بقيام دول مستقرة‪ ,‬قوية‪ ,‬يوجد فيها ملك يمسك بزمام‬
‫األمور ضد كل أنواع الطامعين‪ ,‬لقد شهد انهيار الدول‪ ,‬فكان حلمه بإقامة دولة‬
‫واحدة توحد المغرب‪ ,‬لكن كان له مآخذ على سكان إفريقيا الشمالية القروسطية‪,‬‬
‫وهو أنهم لم يشكلوا بورجوازية‪ ,‬وهو أيضا ً لم يشكل هذا المفهوم لكنه أشار إليه‪ .‬لقد‬
‫أدرك تماما ً الفروق القائمة بين العمران البدوي والعمران الحضري‪ ,‬بل بين صفات‬
‫البدو وصفات أهل المدن‪ ,‬فأوضح لنا تلك الصفات‪ ,‬والعالقة القائمة بين الطرفين‪,‬‬
‫أي كيفية التطور التدريجي من العمران البدوي إلى العمران الحضري‪ .‬لقد كان‬
‫هدفه الرئيس البحث عن األسباب العميقة لألحداث التاريخية في تطور البنى‬
‫االجتماعية‪ ,‬وذلك يبدو لنا واضحا ً من خالل ما عرضه ابن خلدون في مقدمته في‬
‫(ص ‪ )6‬عندما قال‪" :‬وسلكت في تربيته وتبويبه مسلكا ً غريباً‪ ,‬واخترته من بين‬
‫المناحي مذهبا ً عجيباً‪ ,‬وطريقة مبتدعة‪ ,‬وأسلوباً‪ ,‬وشرعت فيه من أحوال العمران‬
‫والتمدن‪ ,‬وما يعرض في االجتماع اإلنساني من العوارض الذاتية‪ ,‬ما يمتعك بعلل‬
‫الكوائن وأسبابها‪ ,‬ويعرفك كيف دخل أهل الدول من أبوابها‪".‬‬
‫لقد أدرك ابن خلدون تماما ً أن أصالة مفهومه للتاريخ تكمن بين دراسة العمران‪,‬‬
‫وبين األحداث السياسسية والعسكرية‪ ,‬ولفت نظرنا إلى أمر ج ّد هام هو مسألة‬
‫التخلف‪ ,‬التي يعاني منها مجتمعنا حتى وقتنا الحاضر([‪]).19‬‬

You might also like