You are on page 1of 12

‫تلخيص كتاب شروط النهضة لمالك بن نبي‬

‫لقد ظل العالم العربي خارج التاريخ دهرال طويلل كأن لم يكن له هدف ‪ ،‬فاستسلم‬
‫المريض للمرض ‪ ،‬وفقد شعوره باللم حتى كأن المرض صار يؤلف جزءال من‬
‫كيانه ‪.‬‬
‫وقبل ميلد القرن العشرين سمع من يذكره بمرضه ‪ ،‬ومن يحدثه عن العناية‬
‫اللهية التي استقرت على وسادته ‪ ،‬فلم يلبث أن خرج من سباته العميق ولديه‬
‫الشعور باللم ‪ .‬وبهذه الصحوة الخافتة تبدأ بالنسبة للعالم السلمي والعربي‬
‫حقبة تاريخية جديدة يطلق عليها ‪ :‬النهضة ‪.‬‬
‫ولكن ما مدلول هذه الصحوة ؟ إن من الواجب أن نضع نصب أعيننا )المرض(‬
‫بالمصطلح الطبي لكي تكون لدينا عنه فكرة سليمة ‪ ،‬فإن الحديث عن المرض أو‬
‫الشعور به ل يعني بداهة )الدواء) ‪.‬‬
‫ونقطة النطلق هي أن الخمسين عاما ل الماضية تفسر لنا الحالة الراهنة التي‬
‫يوجد فيها العالم العربي اليوم ‪ ،‬والتي يمكن أن تفسر بطريقتين متعارضتين ‪:‬‬
‫فهي من ناحية ‪ :‬النتيجة الموفقة للجهود المبذولة طوال نصف قرن من الزمان‬
‫من أجل النهضة ‪.‬‬
‫وهي من ناحية أخرى ‪ :‬النتيجة الخائبة لتطور استمر خلل هذه الحقبة دون أن‬
‫تشترك الراء في تحديد أهدافه أو اتجاهاته ‪.‬‬
‫ومن الممكن أن نفحص الن سجلت هذه الحقبة ‪ ،‬ففيها كثير من الوثائق‬
‫والدراسات ومقالت الصحف والمؤتمرات التي تتصل بموضوع النهضة هذه‬
‫الدراسات تعالج الستعمار والجهل هنا ‪ ،‬والفقر والبؤس هناك ‪ ،‬وانعدام التنظيم‬
‫واختلل القتصاد أو السياسة في مناسبة أخرى ‪ ،‬ولكن ليس فيها تحليل منهجي‬
‫للمرض ‪ ،‬أعني دراسة مرضية للمجتمع العربي ‪ ،‬دراسة ل تدع مجالل للظن‬
‫حول المرض الذي يتألم منه منذ قرون ‪.‬‬
‫ففي الوثائق نجد أن كل مصلح قد وصف الوضع الراهن تبعا ل لرأيه أو مزاجه أو‬
‫مهنته ‪ .‬فرأى رجل سياسي كجمال الدين الفغاني أن المشكلة سياسية تحل‬
‫بوسائل سياسية ‪ ،‬بينما قد رأى رجل دين كالشيخ محمد عبده أن المشكلة ل‬
‫تحل إل بإصلح العقيدة والوعظ ‪...‬الخ ‪ ...‬على حين أن كل هذا التشخيص ل‬
‫يتناول في الحقيقة المرض بل يتحدث عن أعراضه ‪.‬‬
‫وقد نتج عن هذا أنهم منذ مائة عام ل يعالجون المرض ‪ ،‬وإنما يعالجون‬
‫العراض ‪ ،‬وكانت النتيجة قريبة من تلك التي يحصل عليها طبيب يواجه حالة‬
‫مريض بالسل ‪ ،‬فل يهتم بمكافحة الجراثيم ‪ ،‬وإنما يهتم بهيجان الحمى عند‬
‫المريض ‪.‬‬
‫والمريض نفسه يريد ‪ -‬ومنذ مائة عام ‪ -‬أن يبرأ من آلم كثيرة ‪ :‬من الستعمار‬
‫ونتائجه ‪ ،‬من المية بأشكالها ‪ ،‬من الفقر رغم غنى البلد بالمادة الولية ‪ ،‬من‬
‫الظلم والقهر والستعباد ‪ ،‬من ومن ‪ ،‬ومن ‪ ،‬وهو ل يعرف حقيقة مرضه ولم‬
‫يحاول أن يعرفه ‪ ،‬بل كل ما في المر أنه شعر باللم ‪ ،‬ول يزال اللم يشتد ‪،‬‬
‫فجرى نحو الصيدلية ‪ ،‬يأخذ من آلف الزجاجات ليواجه آلف اللم ‪.‬‬
‫وليس في الواقع سوى طريقتين لوضع نهاية لهذه الحالة المرضية ‪ ،‬فإما‬
‫القضاء على المرض وإما إعدام المريض ‪ .‬لكن هناك من له مصلحة في‬
‫استمرار هذه الحالة المرضية سوالء أكان ممن هم في الخارج أو ممن يمثلونهم‬
‫في الداخل ‪.‬‬
‫لقد دخل المريض إلى صيدلية الحضارة الغربية طالبا ل الشفاء ‪ ،‬ولكن من أي‬
‫مرض ؟ وبأي دواء ؟ وبدهي أننا ل نعرف شيئا ل عن مدة علج كهذا ‪ ،‬ولكن‬
‫الحالة التي تطرد هكذا تحت أنظارنا منذ نصف قرن ‪ ،‬لها دللة اجتماعية يجب‬
‫أن تكون موضع تأمل وتحليل ‪ .‬وفي الوقت الذي نقوم به بهذا التحليل يمكننا أن‬
‫نفهم المعنى الواقعي لتلك الحقبة التاريخية التي نحياها ‪ ،‬ويمكننا أيضا ل أن نفهم‬
‫التعديل الذي ينبغي أن يضاف إليها ‪.‬‬
‫إن مشكلة النهضة تتحلل إلى ثلث مشكلت أولية ‪ :‬مشكلة النسان ‪ ،‬ومشكلة‬
‫التراب‪ ،‬ومشكلة الوقت ‪ ،‬فلكي نقيم بناء نهضة ل يكون ذلك بأن نكدس‬
‫المنتجات ‪ ،‬وإنما بأن نحل هذه المشكلت الثلث من أساسها ‪.‬‬
‫أولل ‪ :‬مشكلة النسان ‪...‬‬
‫ثانيا ل ‪ :‬مشكلة التراب ‪...‬‬
‫ثالثا ل ‪ :‬مشكلة الوقت ‪...‬‬
‫ل‪ -1‬النسان ‪:‬‬
‫إن المشروع الصلحي يبدأ بتغيير النسان ‪ ،‬ثم بتعليمه النخراط في الجماعة‬
‫ثم بالتنظيم فالنقد البناء ‪.‬‬
‫وتبدأ عملية التطور من النسان لنه المخلوق الوحيد القادر على قيادة حركة‬
‫البناء ‪ ،‬وتحقيق قفزات‬
‫نوعية ‪ ،‬تمهيدلا لظهور الحضارة ‪ .‬أما المادة فمهما يكن من أمرها تكديسا ل‬
‫وزيادة ‪ ،‬فإنها تبقى تجميع كمي ل يعطي معنى كيفيا ل نوعيا ل ‪ ،‬إل بسلمة‬
‫استخدام النسان له)‪. )201،200:8‬‬
‫فلكي يتحقق التغير في محيطنا يجب أن يتحقق أولل في أنفسنا وإل فإن العربي‬
‫لن يستطيع إنقاذ نفسه ول إنقاذ الخرين‪ ،‬ثم إذا كان منهج الرسالة يقتضي‬
‫التغيير ‪ ،‬والتغيير يقتضي تغيير ما في النفوس أولل ‪ ...‬لقوله تعالى "إن ا ل‬
‫يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" )سورة الرعد ‪ ،‬الية ‪ ، (11 :‬وعندها‬
‫يجب على العربي أن يحقق بمفرده شروطا ل ثلثة ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يعرف نفسه ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يعرف الخرين ‪ ،‬وأن ل يتعالى عليهم وأن ل يتجاهلهم )‪)59،58:8‬‬
‫‪ -3‬ويجب عليه في الشرط الثالث أن يعرف الخرين بنفسه ولكن بالصورة‬
‫المحببة ‪ ،‬بالصورة التي أجريت عليها كل عمليات التغيير بعد التنقية والتصفية‬
‫من كل رواسب القابلية للستعمار والتخلف وأصناف التقهقر ‪.‬‬
‫فالنسان هو الهدف وهو نقطة البدء في التغيير والبناء ‪ ،‬ومهما جرت محاولت‬
‫تحديثية بوساطة‬
‫الستعارة ‪ ،‬أو الشراء للمصنوعات ومنتجات التقنية ‪ ،‬فإن هذه المحاولت‬
‫ستكون عقيمة ‪ ،‬طالما أنها لم تبدأ من حيث يجب ‪ ،‬فالحل الوحيد منوط بتكوين‬
‫الفرد الحامل لرسالته في التاريخ ‪ ،‬والغني بأفكاره على حساب اشيائه‬
‫إن العلوم الخلقية والجتماعية والنفسية تعد اليوم أكثر ضرورة من العلوم‬
‫المادية فهذه تعتبر خطرلا في مجتمع مازال الناس يجهلون فيه حقيقة أنفسهم أو‬
‫يتجاهلونها ومعرفة إنسان الحضارة وإعداده ‪ ،‬أشق كثيرال من صنع محرك أو‬
‫تقنية متطورة ‪ ،‬ومما يؤسف له ان حملة الشهادات العليا في هذه الختصاصات‬
‫هم الكثر عددلا في البلدان المتخلفة لكنهم لم يكونوا إل حملة أوراق يذكر فيها‬
‫ل على مسيرة التنمية والصلح ‪ ،‬فهم‬ ‫اختصاصهم النظري ‪ ،‬فصاروا عبئا ل ثقي ل‬
‫القادة في المجتمعات المتخلفة على الرغم من عجزهم عن حل أبسط المشكلت‬
‫بطريقة علمية عملية ‪ ،‬وإل لما تخلف مشروع النهضة حتى الوقت الحاضر ‪،‬‬
‫ونحن بحاجة إلى دروس في منهجية العمل في سائر مستويات عملنا ‪.‬‬
‫فلتبدأ المنهجية اولل في مستوى الحديث المجرد ‪ ،‬لن كل عمل اجتماعي يقتضي‬
‫تبادل أفكار بين عدد من الشخاص ‪.‬‬
‫إن الحوار هو أبسط صورة لتبادل الفكار ‪ ،‬وهو بذلك المرحلة التمهيدية‬
‫البسيطة لكل عمل مشترك فقواعد الحديث إذن ل تخص حسن الداب فقط ‪ ،‬بل‬
‫هي جزء رئيسي من تقنية العمل ‪ .‬ونحن نجد هذه الصلة ‪ ،‬بصورة رمزية ‪ ،‬في‬
‫العهد القديم عندما يقص علينا‪ :‬كيف اصبح عمل القوم مستحيلل في تشييد برج‬
‫بابل ‪ ،‬عندما اختلفت ألسنتهم ‪ ،‬ففي هذه القصة نرى كيف يتعطل العمل بمجرد‬
‫ما تعطل تبليغ الفكار بالكلم ‪.‬‬
‫فالقضية إذن ل تخص قواعد الحديث وحسن السلوك في المنتديات والمؤتمرات‬
‫والصالونات والمقاهي فحسب ‪ ،‬بل تخص مباشرة تقنية العمل من زاوية الفعالية‬
‫‪ ،‬فحيث ل يكون الحديث لمجرد التسلية ‪ ،‬يجب أن يخضع لقواعد العمل ‪ ،‬الذي‬
‫ليس في بداية ومرحلة تحضيرة ‪ ،‬سوى مشروع في محتوى بعض الكلمات‬
‫وبعض الفكار ‪ ،‬وفي هذا المستوى ‪ ،‬يتداخل الجانب الخلقي والجانب المنطقي‬
‫ليكونا معا ل العمل الفعال أو العمل التافه)‪ (40:8‬وأظن أننا ل نزال كأمة في‬
‫المستوى الثاني ‪.‬‬
‫فليس من الضروري ‪ -‬ول من الممكن ‪ -‬أن يكون لمجتمع فقير ‪ ،‬المليارات من‬
‫الذهب كي ينهض ‪ ،‬وإنما ينهض بالرصيد الذي ل يستطيع الدهر ان ينقص من‬
‫قيمته شيئلا‪ ،‬الرصيد الذي وضعته العناية اللهية بين يديه ‪ :‬النسان ‪ ،‬والتراب ‪،‬‬
‫والوقت)‪ ،(60:2‬فالثورة ل ترتجل ‪ ،‬إنها إطراد طويل ‪ ،‬يحتوى ما قبل الثورة‬
‫والثورة نفسها ‪ ،‬وما بعدها والمراحل الثلث هذه ل تجتمع فيه بمجرد إضافة‬
‫زمنية ‪ ،‬بل تمثل فيه نموال عضويا ل وتطورال تاريخيا ل مستمرال ‪ ،‬وإذا حدث أي خلل‬
‫في هذا النمو وفي هذا التطور فقد تكون النتيجة زهيدة تخيب المال)‬
‫‪. )12،11:2‬‬
‫فالثورة قد تتغير إلى "ل ثورة" بل قد تصبح "ضد الثورة" بطريقة واضحة‬
‫خفية‪ ،‬والمر الذي ل يجوز أن يغيب عن أذهاننا في هذا الصدد هو أن مجتمعا ل‬
‫ما بمقتضى طبيعته البشرية ينطوي على خمائر من روح ‪ -‬ما ضد الثورة ‪-‬‬
‫طبقا ل لمبدأ التناقض تناقضا ل مستمرال‪ .‬حتى في فترة ثورية نستطيع تتبع آثاره في‬
‫تاريخ كل الثورات ‪ .‬بحيث ل يغني أن ندفع عجلة الثورة في وطن ما ‪ ،‬بل يجب‬
‫أن نتتبع حركتها ورقابتها بعد ذلك)‪. )14،13:2‬‬
‫وطالما كانت الرادة الحضارية طوع الفكرة فإننا إزاء عصر التلقين المستبد‬
‫بتصوراتنا ومفاهيمنا نواجه انهيار هذه الرادة حتى ل تقوى على احتضان‬
‫المصير‪ ،‬والصراع الفكري يجد إطاره الوسع في البلد المحكومة بشبكة من‬
‫اليحاءات ‪ ،‬تدلي بها مراصد الستعمار ‪ ،‬لتصنع متقلب الحداث وسوء منقلبها‬
‫حيال كل نهضة فاعلة في عالمنا العربي والسلمي ‪.‬‬
‫فالمشكلة مشكلة أفكار في النهاية ‪ ،‬لننا بها ننظم خطانا في ثبات الديم ‪ ،‬وندفع‬
‫طاقتنا في مضاء العزيمة ‪ ،‬ونحشد وسائلنا في وثيق النجاز ‪.‬‬
‫إن لكل حضارة نمطها وأسلوبها وخيارها ‪ .‬وخيار العالم الغربي ذي الصول‬
‫الرومانية الوثنية قد جنح بصره إلى ما حوله مما يحيط به ‪ :‬نحو الشياء‪ ،‬بينما‬
‫الحضارة العربية السلمية عقيدة التوحيد المتصل بالرسل قبلها سبح خيارها‬
‫نحو التطلع الغيبي وما وراء الطبيعة ‪ :‬نحو الفكار ‪.‬‬
‫والنسان حينما ينظم شبكة علقاته الجتماعية بوحي الفكرة في انبثاقها ‪ ،‬فإنه‬
‫يتحرك في مسيرته عبر الشخاص والشياء المحيطة به فيتخذ العالم الثقافي‬
‫إطاره في إنجاز هذه المسيرة ويأخذ طابعه تبعا ل للعلقة بين العناصر الثلثة‬
‫المتحركة ‪ :‬الشياء‪ ،‬الشخاص ‪ ،‬الفكار ‪.‬‬
‫فهناك توازن لبد منه بين هذه العناصر الثلثة يسكب مزيجها في قوالب النجاز‬
‫الحضاري ‪ ،‬فإذا ما استبد واحد من هذه العناصر وطغى على حساب العنصرين‬
‫الخرين فثمة أزمة حقيقية في مسيرة الحضارة تلقي بها خارج التاريخ فريسة‬
‫طغيان الشيء أو طغيان الشخص ‪.‬‬
‫ففي بلد متخلف يفرض الشيء طغيانه بسبب ندرته ‪ ،‬تنشأ فيه عقد الكبت‬
‫والميل نحو التكديس الذي يصبح في الطار القتصادي إسرافا ل محضا ل ‪ .‬أما في‬
‫البلد المتقدم وطبقال لدرجة تقدمه ‪ ،‬فإن الشيء يسيطر بسبب وفرته وينتج نوعا ل‬
‫من الشباع ‪ ،‬إنه يفرض شعورال ل يحتمل من الشؤم البادي من رتابة ما يرى‬
‫حوله ‪ ،‬فيولد مي ل‬
‫ل نحو الهروب إلى المام الذي يدفع النسان المتحضر دائما ل‬
‫إلى تغيير إطار الحياة وفق صرعات الموضة في كل شيء حوله ‪.‬‬
‫لكن طغيان الشخص يؤدي إلى نتائج في الطار السياسي والجتماعي تهدم بنيان‬
‫الفكرة حينما تتجسد فيه ‪ .‬وكثيرلا ما تعمد مراصد الرقابة في حركة العالم الثالث‬
‫إلى دفع هذا التجاه المرضي إلى نهايته في عقول الجماهير لتحطم الفكرة‬
‫البناءة من وراء سقوط الشخاص الذين يمثلونها في النهاية ‪ ،‬وتدفع الجماهير‬
‫للبحث عن بديل للفكرة الصلية من الشرق والغرب عبر بطل جديد ‪.‬‬
‫فعدم التوازن في العناصر الثلثة يفضي بنا على انهيار المجتمع ‪ ،‬والمجتمع‬
‫العربي السلمي يعاني في الوقت الحاضر بصورة خاصة من هذه التجاهات ‪،‬‬
‫لن نهضته لم ييخطط لها ‪ .‬ولم ييفكر بها بطريقة تأخذ بإعتبارها عوامل التبديد‬
‫والتعويق سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي ‪ ،‬وعلى الغلب الثنين‬
‫معا ل ‪.‬‬

‫إن أهمية الفكار في حياة مجتمع معين تتجلى في صورتين ‪ :‬فهي إما ان تؤثر‬
‫بوصفها عوامل نهوض بالحياة الجتماعية ‪ ،‬وإما أن تؤثر على عكس ذلك‬
‫بوصفها عوامل ممرضة ‪ ،‬تجعل النمو الجتماعي صعبا ل أو مستحيلل ‪.‬‬
‫وهنالك فض ل‬
‫ل عن ذلك جانب آخر لهمية الفكار في العالم الحديث ‪ :‬ففي القرن‬
‫التاسع عشر كانت العلقات بين المم والشعوب علقات قوة ‪ ،‬وكان مركز المة‬
‫يقدر بعدد مصانعها‪ ،‬ومدافعها‪ ،‬واساطيلها البحرية‪ ،‬ورصيدها من الذهب‪ ،‬ولكن‬
‫القرن العشرين قد سجل في هذا الصدد تطورال معلوما ل ‪ ،‬هو أنه قد أعلى من‬
‫الفكرة باعتبارها قيمة قومية ودولية ‪ .‬هذا التطور لم تشعر به كثيرال البلدان‬
‫المتخلفة ‪ ،‬لن عقدة تخلفها ذاتها قد نصبت في طريقها ضربا ل من الغرام السقيم‬
‫بمقاييس القوة أي بالمقاييس القائمة على )الشياء') ‪.‬‬
‫فالنسان المتخلف وبسبب عقدة تخلفه يرد المسافة بين التقدم والتخلف إلى‬
‫نطاق )عالم الشياء( ‪ ،‬أو هو بتعبير آخر يرى أن تخلفه متمثل في نقص ماديه‬
‫من مدافع وطائرات ومصارف‪...‬الخ ‪.‬‬
‫وبذلك يفقد مركب النقص لديه فاعليته الجتماعية ‪ ،‬إذ ينتهي من الوجهة‬
‫النفسية إلى التشاؤم كما ينتهي من الوجهة الجتماعية إلى تكديس المشكلت ‪،‬‬
‫فلكي يصبح مركب النقص لديه ففععالل مؤثرال ينبغي أن يرد النسان تخلفه إلى‬
‫مستوى الفكار ل إلى مستوى الشياء ‪ ،‬فإن تطور العالم الجديد دائما ل يتركز‬
‫اعتماده على المقاييس الفكرية ‪.‬‬
‫ومشكلة الثقافة من الوجهة التربوية هي في جوهرها مشكلة توجيه الفكار ‪،‬‬
‫ولذلك كان علينا أن نحدد المعنى العام لفكرة التوجيه ‪ ،‬فهو بصفة عامة قوة في‬
‫الساس ‪ ،‬وتوافق في السير ‪ ،‬ووحدة في الهدف ‪ ،‬فكم من طاقات وقوى لم‬
‫يتستخدم؛ لننا ل نعرف كيف ينكعتلها ‪ ،‬وكم من طاقات وقوى ضاعت فلم تحقق‬
‫هدفها حين زحمتها قوى أخرى صادرة عن المصدر نفسه ‪ ،‬ومتجهة إلى الهدف‬
‫نفسه )‪(67:3‬‬
‫فالتوجيه هو تجنب السراف في الجهد وفي الوقت ‪ ،‬فهناك مليين السواعد‬
‫العاملة والعقول المفكرة في البلد السلمية صالحة لن تستخدم في كل وقت ‪،‬‬
‫والمهم هو أن ندير هذا الجهاز الهائل المكون من مليين السواعد والعقول ‪ ،‬في‬
‫أحسن ظروفه الزمنية والنتاجية‪ .‬وهذا الجهاز حين يتحرك يحدد مجرى التاريخ‬
‫نحو الهدف المنشود ‪.‬‬
‫فل يكفي مطلقا ل أن ننتج أفكارال ‪ ،‬بل يجب أن نوجهها طبقا ل لمهمتها الجتماعية‬
‫التي نريد تحقيقها)‪(67:3‬‬
‫إننا نرى في حياتنا اليومية جانبا ل كبيرال من الل فاعلية في أعمالنا ‪ ،‬إذ يذهب‬
‫جزء كبير منها في العبث وفي المحاولت الهازلة ‪.‬‬
‫وإذا ما أردنا حصرلا لهذه القضية فإننا نرى سببها الصيل في افتقادها الضابط‬
‫الذي يربط بين الشياء ووسائلها‪ ،‬وبين الشياء وأهدافها ‪ ،‬فثقافتنا ل تعرف‬
‫مثلها العليا وفكرتنا ل تعرف التحقيق ‪ ،‬وإن ذلك كله ليتكرر في كل عمل نعمله‬
‫وفي كل خطوة نخطوها )‪(87:3‬‬
‫إن الذي نقص العربي ليس منطق الفكرة‪ ،‬ولكن منطق العمل والحركة‪ ،‬وهو ل‬
‫يفكر ليعمل بل ليقول كلما ل مجردال ‪ ،‬بل إنه أكثر من ذلك يبغض أولئك الذين‬
‫يفكرون تفكيرال مؤثرال ويقولون كلما ل منطقيا ل من شأنه أن يتحول في الحال إلى‬
‫عمل ونشاط ‪.‬‬
‫أما في مستوى المجتمع الذي يعيش أزمة ثقافية فإننا نستطيع حصر العديد من‬
‫الملحظات ويكفينا لذلك أن نرى بالعين المجردة ما يدور في حياته القتصادية‬
‫والسياسية‪.‬‬
‫إننا لو وضعنا سلما ل للقيم الثقافية جنبا ل إلى جنب مع السلم الجتماعي لقررنا‬
‫مبدئي ال أن السلمين يتجهان في التجاه نفسه من السفل إلى العلى أي أن‬
‫المراكز الجتماعية تكون تلقائيا ل موزعة حسب الدرجات الثقافية ‪.‬‬
‫وهذه حقيقة نمارسها في حياة كل مجتمع ولو كان يواجه بعض الزمة الثقافية‬
‫على شرط أنها لم تبلغ درجة اللرجوع ‪ ،‬أما في المجتمع الذي بلغ هذه‬
‫الدرجة ‪ ،‬فإن السلمين ينعكسان ‪ ،‬الواحد بالنسبة للخر إنعكاسا ل تصبح معه‬
‫القاعدة الشعبية ‪ -‬على القل بمحافظتها على الخلق – أثرى ثقافيا ل من‬
‫قيادتها ‪ ،‬فمن يرقى درجات السلم ويأخذ مكانه ودوره الجتماعي في العالم‬
‫المتخلف ليس من أهل الدرجات العلمية الثقافية ‪ ،‬بل من يرضى عليه أولو المر‬
‫في السلطة)‪(94:3‬‬
‫لكن كيف نخلص النسان من الستعمار الثقافي ؟ والذي معناه استمرار‬
‫الستعمار السياسي والقتصادي إن النسان المطلوب تغييره من أجل تنشيط‬
‫عملية البناء الحضاري ل يمكن تغييره وتخليصه من الدونية باتجاه الخر‬
‫المستعمر ‪ ،‬إل إذا هيأنا له مناخا ل تربويا ل متحررال من النفوذ الستعماري وجوال‬
‫ثقافيا ل أصيلل ‪ .‬وشعورال متعاليا ل بالشخصية وعلى أي حال فإن الفرد منذ ولدته‬
‫في عالم من الفكار والشياء يعتبر معها في حوار دائم ‪ ،‬فالمحيط الثقافي‬
‫الداخلي الذي ينام النسان في ثناياه ويصحو ‪ ،‬والصورة التي تجري عليها‬
‫حياتنا اليومية يتفكعوين في الحقيقة إطارنا الثقافي الذي يخاطب كل تفصيل فيه‬
‫روحنا بلغة معلفزة ‪ ،‬ولكن سرعان ما تصبح بعض عباراتها مفهومة لنا‬
‫ولمعاصرينا ‪ ،‬عندما تفسرها لنا ظروف استثنائية تتصل مرة واحدة بعالم الفكار‬
‫وعالم الشياء وعالم العناصر ‪ ،‬فإذا بها تكشف عن مضمونها تماما ل كما كشفت‬
‫التفاحة لنيوتن عن سر الجاذبية )‪( 55:3‬‬
‫فالبداع والعطاء لن يكونا إل عندما نترك لعالم الفكار أن يحاول حل ل خفايا عالم‬
‫الشياء في هذه الحالة تتوالى الحلول تترى ‪ ،‬وبذلك تقوم النهضة العلمية في‬
‫مجتمع ما ‪ ،‬أما إذا كان عالم الفكار مستعارال فسيكون عنده قصور في الكشف ‪،‬‬
‫وتراوح المور العلمية مكانها ‪.‬‬
‫وإذا أردنا أن ننشئ ذاتا ل جديدة لنسان اليوم في العالم العربي والسلمي ‪،‬‬
‫فيقتضي ذلك قبل كل شيء تنقية المحيط السروي ‪ ،‬والمدرسي ‪ ،‬والجتماعي‬
‫العام ‪ ،‬من الستعارات التي تحمل في طياتها هدفا ل إستعماريا ل تخريبيا ل ‪ ،‬يحاول‬
‫زرع التفقير والتجهيل والنحراف في مجتمعاتنا بشتى الوسائل ‪ ،‬وأهمها‬
‫استغلل غفلتنا )‪(222:8‬‬
‫ويتحدد دور ومكانة الفرد في أمته تبعا ل لعلقة المجتمع بالشياء أم بالشخاص‬
‫أم بالفكار ‪ ،‬إذ يمكن الشارة إلى أوجه التشابه بين بعض مظاهر النمو العقلي‬
‫عند الفرد ‪ ،‬والتطور النفسي – الجتماعي للمجتمع ‪ ،‬وهذا الخير يمر هو أيضا ل‬
‫بالعمار الثلثة‬
‫‪-1‬مرحلة الشيء ‪.‬‬
‫‪-2‬مرحلة الشخص ‪.‬‬
‫‪-3‬مرحلة الفكرة ‪.‬‬
‫بيد أن النتقال هنا من مرحلة إلى مرحلة أخرى ليس بالوضوح الذي نراه عند‬
‫الفرد ‪ .‬فكل مجتمع مهما كان مستواه من التطور له عامله الثقافي المعقد ‪ ،‬ففي‬
‫نشاطه المتناغم هنالك تشابك بين العوالم الثلثة ‪ :‬الشياء والشخاص ‪،‬‬
‫والفكار‪ ،‬ولكن يظل هنالك دائما ل رجحان لحد هذه العوالم الثلثة ‪ ،‬وبهذا‬
‫الرجحان الذي يظهر في سلوك المجتمع وفكره يتميز كل مجتمع عن سواه من‬
‫المجتمعات)‪.(36:4‬‬
‫فالمجتمع المتخلف ليس موسوما ل حتما ل بنقص في الوسائل المادية )الشياء( ‪،‬‬
‫وإنما بافتقاره للفكار ‪ ،‬ويتجلى بصفة خاصة في طريقة استخدامه للوسائل‬
‫المتوفرة لديه ‪ ،‬بقدر متفاوت من الفاعلية ‪ ،‬وفي عجزه عن إيجاد غيرها ‪،‬‬
‫وعلى الخص في أسلوبه في طرح مشاكله أو عدم طرحها على الطلق ‪،‬‬
‫عندما يتخلى عن أي رغبة ولو مترددة بالتصدي لها ‪ ،‬أما حاله مع عالم‬
‫الشخاص ‪ ،‬فإنه يدور حول شخص الزعيم فيجعل منه وثنا ل ييعبد ‪.‬‬
‫ول خلص لمجتمع من تخلفه إل إذا كان عالم أشياءه وأشخاصه يدور حول‬
‫عالم الفكار‪ ،‬فالثورة حين تخشى أخطاءها ليست بثورة‪ ،‬وإذا هي اكتشفت خطأ‬
‫من أخطائها ثم التفتت عنه فالمر أدهى وأمر ‪.‬‬
‫وفي هذا يقول ماركس ‪ :‬يجب دائما ل أن نكشف الفضيحة عندما نكتشفها حتى ل‬
‫تلتهمنا )‪. (16،15:2‬‬
‫‪ -‬فإن أي ثورة ‪ ،‬لن تستطيع تغيير النسان إن لم تكن لها قاعدة أخلقية قوية )‬
‫‪. (21:2‬‬
‫‪ -‬إن الحوار بين المسؤولين والجماهير يعيد الجسر الذي يصل الشعب بالدولة‪،‬‬
‫وليس غريب ال في هذا المناخ من الثقة المتبادلة أن تتحقق المعجزات ‪ ،‬ولو كان‬
‫ثمنها مزيدلا من التقشف لن الصعوبات ل تزال بين عشية وضحاها بعصا‬
‫سحرية )‪ ،(24،23:2‬وعلينا أن نقدم الواجب قبل أن نطالب بالحقوق ‪.‬‬
‫‪ -‬أما الحق ‪ ...‬فما أغراها من كلمة ! إنها كالعسل يجذب الذباب ويجتذب‬
‫النتفاعيين والوصوليين والنتفاعين النتهازيين بينما كلمة الواجب ل تجتذب‬
‫غير النافعين الذين يسعون حقا ل لنهضة مجتمعهم )‪ .(29:2‬فالفرد في المجتمع‬
‫المتخلف يطالب بحقوقه قبل أن يقوم بواجباته ‪ ،‬بينما أداء الواجب هو الكفيل‬
‫الوحيد بالحصول على الحقوق ‪ ،‬فإذا أردت أن تصلح أمر الدولة اصلح نفسك )‬
‫‪(34:2‬‬
‫‪-2‬التراب ‪ :‬وهو العنصر الثاني الذي يشكل الحضارة مع النسان والوقت في‬
‫فكر مالك ابن نبي ‪.‬‬
‫وحيث يتكلم عن التراب ل يبحث في خصائصه وطبيعته ‪ ،‬ولكن يتكلم عن‬
‫التراب من حيث قيمته الجتماعية ‪ ،‬وهذه القيمة الجتماعية للتراب مستمدة من‬
‫قيمة مالكيه ‪ ،‬فحينما تكون قيمة المة مرتفعة‪ ،‬وحضارتها متقدمة‪ ،‬يكون‬
‫التراب غالي القيمة ‪ ،‬وحيث تكون المة متخلفة – كما هو الحال اليوم ‪ -‬يكون‬
‫التراب على قدرها من النحطاط ‪ ،‬وذلك بسبب تأخر القوم الذين يعيشون عليه ‪،‬‬
‫فها هي رمال الصحراء تغزو بشراسة الحقول الخضراء على امتداد الوطن‬
‫العربي ‪ .‬فتترك أهلها يتامى بين يدي الصحراء المقفرة )‪(140:1‬‬
‫وبدهي أنه ل حل لهذه الزمة غير الشجرة ‪ ،‬لكن إذا كان النسان الزارع لهذه‬
‫الشجرة أو المؤتمن على رعايتها ‪ ،‬يعيش حالة تصحر داخلي ‪ ،‬فل أمل من‬
‫رؤية اللون الخضر مرة ثانية تحت نظر ويد إنسان كهذا ‪ .‬ولنا في سورية‬
‫تجربة لوقف التصحر يمكن أن نعتبرها متقدمة ‪ ،‬فسنويا ل يعلن المسؤولون أنه‬
‫تم غرس عشرات المليين من الغراس ‪ ،‬لكننا على يقين أن واقع الحال غير‬
‫ذلك سواء لعدم العناية المستمرة ‪ ،‬أو لعدم الدقة في الرقم الحصائي‪.‬‬
‫إن ترابنا العربي ل يزال بكرلا‪ ،‬رغم كل أشكال النهب التي مورست عليه في‬
‫السطح أو في العمق من قبل الخرين‪ ،‬وعلى الغلب بسبب إهمالنا له وبشكل‬
‫عدواني ‪.‬‬
‫‪ -3‬الوقت ‪ :‬وهو العنصر الثالث في تكوين الحضارة‬
‫إن الزمن نهر قديم يعبر العالم ‪ ،‬ويروي في أربع وعشرين ساعة الرقعة التي‬
‫يعيش فيها كل شعب؛ والحقل الذي يعمل به وهذه الساعات التي تصبح تاريخا لل‬
‫هنا و هناك ؛ قد تصير عدما ل إذا مرت فوق رؤوس ل تسمع خريرها ‪ ،‬وإذا‬
‫قسنا الزمن بمقياس الساعات التائهة فالقرون ل تساوي شيئا ل)‪(59:2‬‬
‫ولكنه نهر صامت حتى إننا ننساه أحيانا ل ‪ ،‬وتنسى الحضارات في ساعات الغفلة‬
‫أو نشوة الحظ قيمته التي ل تعوض)‪ ،(145:1‬وحينما ل يكون الوقت من أجل‬
‫الثراء أو تحصيل النعم الفانية ‪ ،‬أي حينما يكون ضروريا ل للمحافظة على‬
‫البقاء ‪ ،‬أو لتحقيق الخلود والنتصار على الخطار ‪ ،‬يسمع الناس فجأة صوت‬
‫الساعات الهاربة ‪ ،‬ويدركون قيمتها التي ل تعوض ‪ ،‬ففي هذه الساعات ل تهم‬
‫الناس الثروة أو السعادة أو اللم ‪ ،‬وإنما الساعات نفسها ‪ .‬فيتحدثون حينئذ عن‬
‫)ساعات العمل( ‪ ،‬فهي العملة الوحيدة المصقلة التي ل تبطل ‪ ،‬ول تسترد إذا‬
‫ضاعت ‪ ،‬إن العملة الذهبية يمكن أن تضيع ‪ ،‬وأن يجدها المرء بعد ضياعها ‪،‬‬
‫ولكن ل تستطيع أي قوة في العالم أن تحطم دقيقة ‪ ،‬ول أن تستعيدها إذا مضت‬
‫)‪(146:1‬‬
‫وحظ الشعب العربي والسلمي من الساعات كحظ أي شعب متحضر ‪ ،‬ولكن‬
‫عندما يدق الناقوس مناديال الرجال والنساء والطفال إلى مجالت العمل في البلد‬
‫المتحضرة ‪ ...‬فأين يذهب الشعب ؟ تلكم هي المسألة المؤلمة ‪ ..‬فنحن في العالم‬
‫السلمي نعرف شيئال يسمى )الوقت(! ‪ .‬ولكنه الوقت الذي ينتهي إلى عدم ‪،‬‬
‫ولننا ل ندرك معناه ول تجزئته الفنية ؛ لننا ل ندرك قيمة أجزائه من ساعة‬
‫ودقيقة وثانية ‪ ،‬ولسنا نعرف إلى الن فكرة )الزمن( الذي يتصل اتصالل وثيقا ل‬
‫بالتاريخ )‪ (146:7‬وبتحديد فكرة الزمن يتحدد معنى التأثير والنتاج ‪ ،‬وهو‬
‫معنى الحياة الحاضرة الذي ينقصنا ‪ ،‬هذا المعنى الذي لم نكسبه بعد ‪ ،‬هو‬
‫مفهوم الزمن الداخل في تكوين الفكرة والنشاط ‪ ،‬في تكوين المعاني والشياء ‪.‬‬
‫فالتاريخ والحياة الخاضعان للتوقيت كان وما يزال يفوتنا قطارهما ‪ ،‬فنحن في‬
‫حاجة ملحة إلى توقيت دقيق ‪ ،‬وخطوات واسعة لكي نعوض تأخرنا ‪ .‬ويكون‬
‫ذلك بتحديد المنطقة التي ترويها ساعات معينة ‪ ،‬من الساعات الربع والعشرين‬
‫التي تمر على أرضنا يوميا ل )‪(147:1‬‬
‫إن وقتنا الزاحف صوب التاريخ ‪ ،‬ل يجب أن يضيع هباء ‪ ،‬كما يهرب الماء من‬
‫ساقية خربة‪ .‬ول شك أن التربية هي الوسيلة الضرورية التي تعلم الشعب‬
‫العربي السلمي تماما ل قيمة هذا المر ‪ .‬ولكن بأية وسيلة تربوية ؟‬
‫إنه من الصعب أن يسمع شعب ثرثار الصوت الصامت لخطى الوقت الهارب! )‬
‫‪(147:1‬‬
‫إن شعب ال هذه حاله أحوج ما يكون إلى قدوة‪ ،‬وطنية ‪ ،‬قيادية ‪ ،‬حازمة في تطبيق‬
‫القانون على الجميع ‪ ،‬ول تسمح لي انحراف عن مشروع النهضة التي تعلنه‬
‫ريثما يعتاد الفراد على هذا السلوك في حياتهم اليومية فتصبح ساعات العمل‬
‫حقيقية ومن خلل إنسان يستطيع استغلل الوقت على أكمل وجه نستطيع أن‬
‫نقول ‪ :‬أننا بدأنا نهضة عملية علمية حقيقية وفق خوارزميات التغيير الجتماعي‬
‫التي تناسبنا ‪ ،‬و النهضة ل تقوم إل بأيدي التقياء و الذكياء‪.‬‬
‫وقد أمعن مالك بن نبي في الحفر حول مشكلت التخلف المزمنة متجاوزا‬
‫الظواهر الطافية على السطوح إلى الجذور المتغلغلة في العماق‪،‬وباحثا عن‬
‫السنن والقوانين الكفيلة بتحول الشعوب من حالة العجز إلى القدرة والفعالية‪،‬‬
‫ومن مشكلة الستعمار إلى مرض القابلية للستعمار‪ ،‬ومن حالة تكديس الشياء‬
‫إلى حالة البناء‪ ،‬ومن المطالبة بالحقوق إلى القيام بالواجب أول‪ ،‬والنتقال من‬
‫عالم الشياء والشخاص إلى عالم الفكار التي بها نبدأ بحل مشكلة التخلف‪،‬‬
‫ويجب أن نصل إلى قناعة حتمية بأن مفاتيح حل المشكلت هي في الذات ل عند‬
‫الخر‬

You might also like