You are on page 1of 22

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪1‬‬

‫‪‬‬
‫احلمد هلل والصالة والسالم على رسول هللا وعلى آله‪ ،‬وصحبه‪ ،‬وبعد‪:‬‬

‫فهذا رد على كالم نشره حممد بن عبد الواحد‪ ،‬حياول فيه جعل املولد موافقا‬
‫ملذهب احلنابلة بطرق إبليسية‪ ،‬هداه هللا وأصلحه‪.‬‬

‫يقول محمد بن عبد الواحد أصلحه هللا‪:‬‬


‫مثال ن‬
‫يبي مسلك الفقهاء المخالف لما عليه (السلفية‬
‫المعارصة)‪ ،‬واألمثلة كثية جدا‪:‬‬

‫النب ﷺ كان إذا خرج إىل العيد خالف‬


‫روى جابر أن ي‬
‫الطريق‪ .‬رواه البخاري‪ ،‬ورواه مسلم من حديث ي‬
‫أب هريرة‪.‬‬

‫فهذا حكم ثابت بالنص‪.‬‬

‫قال فقهاؤنا كما جزم به ن يف المنتىه واإلقناع‪:‬‬

‫وكذا جمعة‪ :‬إذا ذهب إليها من طريق سن له العود من‬


‫أخرى‪ .‬قال ابن النجار ن يف رشح المنتىه‪ :‬وال يمتنع ذلك أيضا ن يف‬
‫البهوب ن يف رشح المنتىه‪.‬‬
‫ي‬ ‫غي الجمعة‪ .‬وجزم به‬

‫‪1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪2‬‬

‫فعدوا الحكم من العيد إىل الجمعة وغيها‪ ،‬واستحبوا‬


‫(وه عبادة) بالقياس‪ ،‬ولم يثبت فعلها عن‬
‫ي‬ ‫مخالفة الطريق‬
‫النب ﷺ وأصحابه‪.‬‬
‫ي‬
‫مقتض تأصيل السلفية المعارصة‪ :‬هذه بدعة‪ ،‬ولو‬ ‫‪-‬وعىل ن‬
‫المقتض ن‬
‫وانتف المانع ولم يفعله‬ ‫ن‬ ‫جد‬ ‫كان خيا لسبقونا إليه‪ُ ،‬‬
‫وو‬
‫ي‬
‫النب ﷺ والصحابة= فهو بدعة‪.‬‬ ‫ي‬
‫أقول تعليقا على هذا أولا‪:‬‬

‫أما القول أبن ذلك بدعة يف غري اجلمعة والعيدين؛ فنعم هو بدعة وليس فيه‬
‫نص عن أمحد أصال ونلتزم بذلك وال إشكال‪ ،‬وأما أنه هذا فهم حمقق من ابن‬
‫النجار‪ ،‬والبهويت‪ ،‬وغريه بل عكسه؛ دليل ذلك‪:‬‬

‫الوجه األول‪:‬‬

‫*أن اإلمام أمحد قال بسنية خمالفة الطريق يف يوم اجلمعة؛ ملا أخرجه‬
‫البخاري أن النيب ﷺ إذا كان يوم عيد خالف الطريق‪ ،‬ورجح اإلمام أمحد أنه‬
‫عن أيب هريرة‪ ،‬وقد ثبت من حديث أيب هريرة موقوفا كما رجحه الدارقطين أن‬
‫اجلمعة عيد فال جتعلوا يوم اجلمعة صياما‪ ،‬وثبت كذلك عن عثمان رضي هللا‬
‫عنه يف صحيح البخاري أنه قال‪ .... :‬اي أيها الناس إن هذا يوم قد اجتمع‬
‫لكم فيه عيدان‪ .‬فسمى اجلمعة عيدا= فدخل يوم اجلمعة يف عموم قوله إذا كان‬
‫يوم عيد خالف الطريق‪.‬‬

‫*فهذا استدالل ابلعموم وليس ابلقياس أصال‪ ،‬فلم يقس أمحد يف هذه‬

‫‪2‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪3‬‬

‫املسألة بل أخذ بعموم النص‪ ،‬فتومهوا أنه قاس‪ ،‬فذهبوا للبحث عن العلل وهذا‬
‫غلط‪ ،‬ونبه على مثل هذه األغالط عند أصحاب املذاهب البيهقي يف كذا‬
‫موطن وكذا أبو شامة الشافعي(‪665‬ت) رمحه هللا يف مقدمة كتابه "الفقه‬
‫اجلامع بني العلم واألثر واملطبوع ابسم " املؤمل للرد إىل األمر األول" ص ‪116‬‬
‫فقال‪ :‬مث إن املتصفني من أصحابنا ابلصفات املتقدمة من االتكال على‬
‫نصوص إمامهم‪ ،‬معتمدون عليها اعتماد األئمة قبلهم على األصلني الكتاب‬
‫والسنة‪ ،‬قد وقع يف مصنفاهتم خلل كثري ‪...‬انتهى‪ .‬أقول‪ :‬وقد نبه يف ابقي‬
‫كالمه على خللهم يف االستدالل لقول ذلك اإلمام فراجعه فهو كالم حمرر‪،‬‬
‫وهذا أحد أنواع اخللل فتومهوا أن اإلمام أمحد قاله قياساً‪ ،‬فذهبوا الستخراج‬
‫العلل فلزمهم من ذلك طردها‪ ،‬وهذا غلط قال يف قواعد األصول ومعاقد‬
‫الفصول‪ :190‬فإن نص يف مسألة على حكم‪ ،‬وعلله‪ :‬فمذهبه يف كل ما‬
‫وجدت فيه تلك العلة كذلك فإن مل يعلل‪ :‬مل خيرج إىل ما أشبهها‪.‬‬

‫أقول‪ :‬وكذلك هنا يف مسألتنا هذه‪ ،‬فاإلمام أمحد رمحه هللا مل يعلل هلا‪ ،‬ومل‬
‫يقس كما تقدم فبطل قوهلم‪.‬‬

‫الوجه الثاين‪:‬‬

‫*قال يف املبدع‪ :‬لكن الظاهر أن املخالفة فيه شرعت ملعىن خاص فال‬
‫يلتحق به غريه‪1٨٤/٣‬‬

‫*أقول‪ :‬هذا هو القول الثاين يف املذهب وذكره الشيخ منصور يف‬


‫الكشاف‪ ،‬فمنع صاحب املبدع من القياس‪ ،‬ومل يسلم ابلتعليالت الواردة أصال‪،‬‬
‫فال ندخل الصلوات اخلمس وزايرة املريض وغريها‪ ،‬فهل من منع خرج من‬

‫‪3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪4‬‬

‫طريقة الفقهاء عند هذا الفدم؟!‬

‫الوجه الثالث ‪:‬‬

‫أن هناك أكثر من علة مذكورة يف كتب املذهب واملصري إىل علة دون‬
‫أخرى حتكم بال دليل‪ ،‬وبعض العلل تفيد خصوصية للنيب ﷺ‪ ،‬فتعود على‬
‫العلة األخرى للقياس ابإلبطال‪.‬‬

‫الوجه الرابع‪:‬‬
‫أن هذه املسألة تعارض فيها مفهوم الشرط مع القياس‪ ،‬وحسب ما قرره ابن‬
‫النجار نفسه أن‪ :‬مفهوم الشرط هو أقوى أنواع املفاهيم قال ابن النجار‪ :‬وهو‬
‫أقوى منهما [أي من مفهوم الصفة ومفهوم التقسيم] ‪ ،506/٣‬فال يعارض‬
‫مفهوم خمالفة الشرط ابلقياس‪.‬‬

‫أقول‪ :‬وبيان ذلك أن لفظ احلديث‪ :‬كان النيب ﷺ إذا كان يوم عيد خالف‬
‫الطريق‪ .‬فمفهوم الشرط‪ :‬أنه إذا مل يوجد الشرط وهو‪ :‬أن يكون يوم عيد فال‬
‫يوجد املشروط‪ ،‬وهو خمالفة الطريق‪ ،‬وإذا وجد الشرط وجد املشروط‪ ،‬والقياس‬
‫أن يوم العيد وصف طردي ال أتثري له يف احلكم فيجري احلكم لكل مشي لكل‬
‫صالة ولكل طاعة= فهنا يقدم مفهوم خمالفة الشرط‪ ،‬وهو أنه اليشرع قصد‬
‫املخالفة يف الطريق لغري يوم عيد‪ ،‬قال يف املسودة‪ :‬احلكم إذا علق بشرط دل‬
‫على انتفائه فيما عداه‪.‬‬

‫أقول‪ :‬وهذا كقول أمحد يف اترك الصالة تكاسال قال الطويف يف اإلشارات‬
‫الزكاةَ فَِإخوانكم ِيف ِ‬
‫الدي ِن‬ ‫اإلهلية ص‪{ :٣12‬فَِإ ْن اتبوا َوأَقاموا َّ‬
‫الصالةَ َوآتَوا َّ‬
‫ْ ْ‬

‫‪4‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪5‬‬

‫ايت لَِق ْوم يَ ْعلَمو َن} (‪[ )11‬التوبة‪ ]11 :‬حيتج به من رأى تكفري‬
‫صل ْاْل ِ‬‫ون َف ِ‬
‫َ‬
‫اترك الصالة تكاسال‪ ،‬وهو مذهب أمحد‪ ،‬وتقريره أنه علق كوهنم إخواننا يف‬
‫الدين على إقامة الصالة وإيتاء الزكاة حبرف إن‪ ،‬واملعلق هبا عدم عند عدم ما‬
‫علق عليه عمال مبوجب مفهوم الشرط‪ ،‬فكوهنم إخواننا يف الدين منتف عند‬
‫انتفاء إقامتهم الصالة‪ ،‬وذلك يقتضي كفرهم؛ ألن املؤمنني إخواننا وهؤالء ليسوا‬
‫إخواننا انتهى‪.‬‬

‫أقول‪ :‬فاستدل اإلمام أمحد مبفهوم الشرط على التكفري‪ ،‬وال يكفر بقياس‬
‫الشبه وأمثاله‪ ،‬فدل على أن مفهوم الشرط كالنص يبطل به؛ ألنه مأخوذ من‬
‫داللة األلفاظ‪.‬‬

‫الوجه اخلامس‪:‬‬

‫أن أمحد يف رواية امليموين أعجبه قول الشافعي عن القياس أنه إمنا يصار له‬
‫عند الضرورة العدة‪ ،1٣٣6/٤‬وقال الشعيب‪ :‬القياس كامليتة إذا احتجت إليها‬
‫فشأنك هبا‪ ،‬وقد قرر ابن مفلح يف أصوله‪ 2٣5/1‬أن‪ :‬التأسي أن نفعل مثل ما‬
‫فعله على وجهه ألجل فعله‪ ،‬وكذلك الرتك‪ ،‬وقال ابن النجار يف‬
‫الكوكب‪ :196/2‬التأسي يف الرتك فهو أن ترتك ما تركه ألجل أنه تركه‪ ،‬وقال‬
‫اْلمدي يف اإلحكام ‪ :2٤6/1‬التأسي يف الرتك فهو‪ :‬ترك أحد الشخصني مثل‬
‫ما ترك اْلخر من األفعال على وجهه وصفته من أجل أنه ترك‪.‬‬

‫واألصل يف األشياء قبل ورود النص احلظر‬

‫أقول‪ :‬وعليه فرتك املخالفة يف الطريق يف غري يوم عيد سنة تركية علمناها‪،‬‬
‫وكذا إمجاع من الصحابة يف تركهم ‪-‬كما سيأيت مفصال يف مقدمات الرد على‬

‫‪5‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪6‬‬

‫القياس يف املولد فال حاجة للتكرار‪ ،-‬والقياس للضرورة فال يعمل ابلقياس‬
‫فيها؛ ألن القياس ال يصار إليه إال عند عدم العلم ابلسنة واإلمجاع‪ ،‬فنحن‬
‫نتأسى برتك ذلك؛ ألن النيب ﷺ مل يفعله يف غري يوم عيد والتأسي برتك النيب‬
‫سنة وبرتك الصحابة إمجاع وترك التأسي خالف للنص واإلمجاع‪ ،‬ويف ذلك‬
‫يقول ابن كثري يف تفسريه ‪ :٤01/٤‬وابب القرابت يقتصر فيه على النصوص‪،‬‬
‫وال يتصرف فيه أبنواع األقيسة واْلراء ‪.‬‬

‫الوجه السادس‪:‬‬

‫أهنا ال تصح نسبة موجب هذا القياس من ابن النجار‪ ،‬وال البهويت‪ ،‬وال‬
‫املرداوي وال غريهم إىل مذهب أمحد من وجهني‪:‬‬

‫* األول‪ :‬نقل احلسن بن حامد يف هتذيب األجوبة أن اخلالل‪ ،‬وغالم‬


‫اخلالل‪ ،‬وأيب علي‪ ،‬وإبراهيم‪ ،‬وسائر من شاهدهم من علماء احلنابلة مينعون من‬
‫نسبة املذهب إىل أمحد من حيث القياس‪ ،‬وخالف يف هذا األثرم واخلرقي‪،‬‬
‫فماذا يضري لو أن قائال قال بقول األصحاب املتقدمني فهل خرج هؤالء‬
‫األعالم بقوهلم عن كوهنم فقهاء بل عن كوهنم حنابلة؟ ووهللا ال أنت وال البهويت‬
‫وال املرداوي وال ابن النجار تصلون عند رتبة واحد منهم فكيف مبجموعهم؟!‪،‬‬
‫فكيف واإلمام مل ينص على علة‪ ،‬وقد قال يف املعاقد‪ :‬فإن مل يعلل[أي اإلمام]‪:‬‬
‫مل خيرج إىل ما أشبهها‪ ،‬فكيف وهو مل يستدل ابلقياس أصال كما تقدم؟‬

‫*الثاين‪ :‬أن احلسن بن حامد أنكر أن يتعدى ابلقياس يف املذهب مبسائل‬


‫األشبه هلا يف أصوله‪ ،‬وال يوجد عنه منصوص بىن عليه فذلك غري جائز‪ ،‬وليس‬
‫عن أمحد إال األخذ بعموم النص يف املسألة‪ ،‬فبطل أن ينسب إليه قول من قال‬

‫‪6‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪7‬‬

‫هبذا القول يف الصلوات اخلمس ويف غريها من الطاعات مذهباً‪ ،‬فالتخريج على‬
‫قول أمحد يف اجلمعة ابطل قال يف معاقد الفصول أيضا ص‪ :190‬وكذلك‪ :‬ال‬
‫ينقل حكمه يف مسألتني متشاهبتني كل واحدة إىل األخرى‪.‬‬

‫أما كونك تصطلح أنت وغريك على أن قول فالن وفالن مذهب فال‪ ،‬بل‬
‫حناكمك أنت وغريك إىل أصول التخريج ونسبة املذهب إىل أمحد‪.‬‬

‫====================‬

‫ثم قال محمد بن عبد الواحد ‪:‬‬


‫*وهذا المثال نف أمثلة كثية ن‬
‫يتبي بها المباينة ن‬
‫بي مسلك‬ ‫ي‬
‫ر‬
‫الفقهاء ومسلك هذه الشذمة‪.‬‬

‫*وبه تفهم أن من قاس االحتفال بالمولد عىل صوم‬


‫عاشوراء شكرا لنعمة هللا بنجاة موىس‬

‫ومن قاس االحتفال بغي الصوم عىل الصوم الثابت عن‬


‫النب ﷺ تعليله بأنه يوم ُولد فيه=لم يبعد عن جادة الفقهاء‪،‬‬
‫ي‬
‫ّ‬
‫وأنه أوىل بهم من المبدع‪ .‬وباهلل التوفيق‪.‬‬

‫أقول‪ :‬أما االستدالل ابلقياس على مولد النيب ﷺ قبل أن أشرع فيه فالبد أن أقدم‬
‫مبقدمات وممهدات مما هو يتعلق هبذا املوضوع‪:‬‬

‫‪7‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪8‬‬

‫املمهدات‬
‫السنة‪ :‬هي أقوال النيب ﷺ وأفعاله وتقريراته‪ ،‬وقال ابن النجار‪ :‬وإذا نقل‬
‫عن النيب ﷺ أنه ترك كذا‪ .‬كان أيضا من السنة الفعلية‪ .‬إذ الرتك أيضا من‬
‫السنة الفعلية‪.‬‬

‫وسبق أن الرتك من النيب يتأسى به من كالم األصحاب‪.‬‬

‫* قال ابن مفلح‪ :‬والتأسي‪ :‬أن نفعل مثل ما فعله على وجهه ألجل فعله‪،‬‬
‫وكذلك الرتك‪ .‬أصول ابن مفلح‪٣٣5/1‬‬

‫*وقال ابن النجار‪ :‬التأسي يف الرتك فهو أن ترتك ما تركه ألجل أنه تركه‬
‫‪196/2‬‬

‫ومن األمثلة على أن ترك النيب ﷺ نص وسنة عند األصحاب‪:‬‬

‫األول‪ :‬قال يف الفروع‪ :‬ويكره حضور املسجد ملن أكل بصال أو فجال‬
‫وحنوه حىت يذهب رحيه‪ ...‬إىل أن قال وترك النيب ﷺ املغرية يف املسجد وقد‬
‫أكل ثوما‪ ،‬وقال‪ :‬إن لك عذرا حديث صحيح رواه أمحد وأبو داود‪ ،‬واحتج به‬
‫الشيخ على أنه ال حيرم وظاهره أنه ال خيرج‪ .‬انتهى‬

‫أقول‪ :‬قد احتجوا برتك النيب ﷺ على مسألتني‪:‬‬

‫أوهلا‪ :‬عدم حرمة أكل الثوم وأنه مكروه‪.‬‬

‫اثنيها‪ :‬على أنه ال خيرج من املسجد؛ ألن النيب ﷺ ترك املغرية يف املسجد‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪9‬‬

‫الثاين‪ :‬قال اإلمام أمحد‪ :‬اجلهمية والرافضة ال يصلى عليهم‪ ،‬قد ترك النيب ﷺ‬
‫الصالة أبقل من هذا‪.‬‬

‫أقول‪ :‬استدل برتك النيب ﷺ الصالة على صاحب الدين‪ ،‬وقاس عليه قياس‬
‫أويل يف اجلهمية‪ ،‬وغريهم فجعل ترك النيب ﷺ نصا‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬قال يف اإلقناع‪ :‬والتلفظ هبا [أي النية]‪ ،‬ومبا نواه هنا ويف سائر‬
‫العبادات بدعة‪ ،‬واستحبه سرا مع القلب كثري من املتأخرين‪ ،‬ومنصوص أمحد‬
‫ومجع من احملققني خالفه‪ ،‬قال صاحب الكشاف تعليال لبدعيته‪ :‬قاله يف‬
‫الفتاوى املصرية‪ ،‬وقال مل يفعله النيب ﷺ وال أصحابه‪.‬‬

‫أقول‪ :‬صاحب اإلقناع جعل التلفظ ابلنية بدعة‪ ،‬وسبب ذلك بينه صاحب‬
‫الكشاف أبنه مل يفعله النيب ﷺ وال أحد من صحابته رضي هللا عنهم؛ فجعل‬
‫ترك النيب ﷺ حجة‪ ،‬وترك صحابة رسول هللا حجة كذلك‪ ،‬وهو منصوص‬
‫اإلمام أمحد أيضا‪.‬‬

‫الرابع‪ :‬قال يف اإلقناع‪ :‬وال يستحب مسح عنق‪ ،‬قال يف املبدع‪ :‬ظاهر‬
‫كالمه أنه ال يسن مسح العنق‪ ،‬وهو الصحيح لعدم ثبوت ذلك يف احلديث‪،‬‬
‫وقال يف الشرح الكبري‪ :‬ال يستحب؛ ألن هللا تعاىل مل أيمر به وألن الذين حكوا‬
‫وضوء رسول هللا ﷺ عثمان‪ ،‬وعلي‪ ،‬وعبد هللا بن زيد‪ ،‬وابن عباس‪ ،‬مل يذكروه‪،‬‬
‫ومل يثبت فيه حديث‪.‬‬

‫أقول‪ :‬استدلوا أبنه ال يستحب وصرحوا ابلكراهة؛ ألن هللا مل أيمر به؛ وألن‬
‫الذي حكوا وضوء رسول هللا ﷺ مل يذكروه‪ ،‬فاستدلوا ابلرتك‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪10‬‬

‫اخلامس‪ :‬قال ابن قدامة يف املغين عند قول اخلرقي (بال أذان وال إقامة) ‪:‬‬
‫وال نعلم يف هذا خالفا ممن يعتد خبالفه‪ ،‬إال أنه روي عن ابن الزبري أنه أذن‬
‫وأقام‪ .‬وقيل‪ :‬أول من أذن يف العيد ابن زايد‪ .‬وهذا دليل على انعقاد اإلمجاع‬
‫قبله‪ ،‬على أنه ال يسن هلا أذان وال إقامة‪.‬‬

‫أقول‪ :‬أنظر كيف أن مستند اإلمجاع هو الرتك‪ ،‬فرتك النيب ﷺ وصحابته‬


‫إمجاع ال يصار إىل خالفه‪ ،‬ومل يقل ابلقياس مع أن العيد صالة كاجلمعة وغريها‬
‫من الصلوات‪.‬‬

‫السادس‪ :‬قال ابن قدامة يف املغين‪( :‬وال يرمل يف مجيع طوافه إال هذا) ومجلة‬
‫ذلك أن الرمل ال يسن يف غري األشواط الثالثة‪.‬‬

‫أقول‪ :‬مستنده يف ذلك أن النص جاء فقط يف األشواط الثالثة‪ ،‬والرتك يف‬
‫الباقي‪ ،‬فال يقال ابستحبابه؛ ألن الرتك نص= فلذلك ال يقال ابستحباب الرمل‬
‫يف الباقي مع أن العلة واحدة والعمل واحد‪ ،‬فال قياس مع النص‪.‬‬

‫السابع‪ :‬قال أبو يعلى يف التعليق الكبري‪ :‬والظاهر‪ :‬أنه مل يقعد يف الركعة‬
‫الرابعة لوجوه‪ :‬مث ذكرها‪ ،‬وأحد هذه الوجوه اليت ذكرها قال‪ :‬والثاين‪ :‬أنه لو قعد‬
‫دل على أنه مل يقعد‪.‬‬‫فيها‪ ،‬لنقل‪ ،‬وملا مل ينقل‪َّ ،‬‬

‫أقول‪ :‬فاستدل أبو يعلى أبنه مل ينقل عنه ﷺ أنه قعد‪ ،‬فدل على أنه مل‬
‫يقعد‪ ،‬فعدم النقل دليل على عدم الفعل وعدم الفعل ما هو إال ترك‪ ،‬فاستفدان‬
‫أنه إذا مل ينقل عن عنه ﷺ مع وجود املقتضي‪ ،‬وانتفاء املانع أن ذلك منه ترك‪.‬‬

‫الثامن‪ :‬قال أبو يعلى يف التعليق الكبري‪ :‬فإن قيل‪ :‬على املنقول يف هذا أن النيب‬

‫‪10‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪11‬‬

‫ﷺ خرج من املدينة لفتح مكة لعشرين مضني من شهر رمضان‪ ،‬وفتحها وأقام‬
‫يوما‪ ،‬ومعلوم أن العيد صادف مكة‪ .‬قيل له‪ :‬لو صادف مكة‬‫فيها عشرين ً‬
‫مسافرا‪ ،‬وإذا ثبت هبذا‬
‫ألقامها‪ ،‬ولو أقامها لنقل‪ ،‬فلما مل ينقل‪ ،‬علم أنه كان ً‬
‫اخلرب أن من شرطها االستيطان‪ ،‬وجب أن يكون من شرطها العدد‪.‬‬

‫أقول‪ :‬استدل بعدم وجود النقل عن النيب ﷺ أنه أقام صالة العيد يف مكة‪،‬‬
‫وعدم النقل دل على تركه إلقامتها وهو الشاهد هنا‪ ،‬مث علل الرتك‪.‬‬

‫نستنتج مما تقدم‪:‬‬

‫‪ -‬أن الرتك من النيب ﷺ فعل وأنه من السنة‪.‬‬

‫‪ -‬أن ترك الصحابة رضي هللا عنهم كذلك‪.‬‬

‫‪ -‬أن ترك النيب ﷺ وصحابته يعد إمجاعا كما تقدم‪.‬‬

‫‪ -‬عدم النقل عن النيب ﷺ صلى هللا عليه وسلم مع وجود املقتضي وانتفاء‬
‫املانع يدل على أنه تركه‪.‬‬

‫اثنيا صور األقيسة الواردة يف املسألة واجلواب عنها‬


‫أن النيب ﷺ صام يوم اإلثنني من كل أسبوع ومن كل شهر‪ ،‬وحكم صيام‬
‫شهر ربيع األول أو ال ‪ 12‬منه‪ ،‬غري منصوص عليه‪ ،‬فيقال‪ :‬النيب ﷺ صام يوم‬
‫االثنني ألنه ولد يف شهر ربيع األول؛ إذا فيستحب صوم شهر ربيع األول‬
‫كامال أو الثاين عشر منه‪ ،‬أو إمنا صامه لكونه عيدا‪ ،‬فنحتفل به يف شهر ربيع‬
‫كامال أوال‪ 12‬منه‪ ،‬واجلواب على ذلك من جهتني األوىل إمجالية‪ ،‬والثانية‬

‫‪11‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪12‬‬

‫تفصيلية‪.‬‬

‫اجلواب األول اإلمجايل‪:‬‬


‫• الوجه األول‪ :‬أنه كما سبق أن الرتك من النيب ﷺ فعل وأنه من السنة‪،‬‬
‫و أن ترك الصحابة رضي هللا عنهم كذالك‪ ،‬وأن ترك النيب ﷺ وصحابته يعد‬
‫إمجاعا كما تقدم فالقياس معارض للسنة واإلمجاع‪.‬‬

‫• الوجه الثاين‪ :‬أن النيب ﷺ كما عند البخاري وأمحد واللفظ له قال‪:‬‬
‫"ال تطروين كما أطرت النصارى عيسى ابن مرمي‪ ،‬فإمنا أان عبد‪ ،‬فقولوا‪ :‬عبده‬
‫ورسوله"‪ ،‬وهذا احلديث له سبب وهو اإلطراء ابلقول‪ ،‬والعربة بعموم اللفظ ال‬
‫خبصوص السبب‪ ،‬قال أبو يعلى يف العدة‪ :609/٣‬ألن العام إمنا خيص مبا‬
‫يعارضه وينفيه‪ ،‬والسبب الوارد عليه اللفظ مماثل له ومطابق له يف حكمه؛ فال‬
‫جيوز ختصيصه‪ .‬وألن اخلطاب قد ورد يف مكان وزمان‪ ،‬مث ال يقتصر به على‬
‫املكان والزمان؛ كذلك ال يقتصر به على السب‪ .،‬وقد قال السخاوي يف الترب‬
‫املسبوك ص‪ :1٤‬وإذا كان أهل الصليب قد اختذوا ليلة مولد نبيهم عيدا أكرب‬
‫فأهل اإلسالم أوىل ابلتكرمي وأجدر‬

‫أقول‪ :‬ووجه االستدالل‪ :‬أن النيب ﷺ هنى عن كل إطراء كإطراء النصارى‬


‫لعيسى عليه السالم فنهى عن صورة إطراء النصارى سواء ابلقول أو الفعل أو‬
‫االعتقاد أو غريه‪ ،‬ومن إطراء النصارى لعيسى عليه السالم االحتفال مبولده‬
‫فدخل يف عموم املنهي عنه بعموم اللفظ‪ ،‬وما عمل املولد للنبيني الكرميني‬
‫عليهما السالم إال لإلطراء عليهما‪ ،‬فدخل حكم املولد يف عموم النص فبطل‬
‫القياس لوجود النص‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪13‬‬

‫ومن األمثلة عند األصحاب يف األخذ بعموم اللفظ دون خصوص السبب‬
‫ما يلي‪:‬‬

‫• قال صاحب الشرح الكبري‪ :‬أن اليمني حممولة على العموم؛ ألن أمحد‬
‫سئل عن رجل حلف ال يدخل بلدا‪ ،‬لظلم رآه فيه‪ ،‬فزال الظلم‪ .‬فقال‪ :‬النذر‬
‫يوىف به‪ .‬يعين ال يدخله‪ .‬ووجه ذلك أن لفظ الشارع إذا كان عاما لسبب‬
‫خاص‪ ،‬وجب األخذ بعموم اللفظ ال خبصوص السبب‪ ،‬كذلك ميني احلالف‪.‬‬

‫• قال يف املبدع‪ :‬قال ابن عبد الرب أمجعوا على فساد صالة من ترك ثوبه‬
‫وهو قادر على االستتار به أو صلى عرايان لقوله تعاىل {خذوا ِزينَ تَك ْم ِعْن َد ك ِل‬
‫َم ْس ِجد} [ألعراف‪ ]٣1 :‬ألهنا وإن كانت نزلت بسبب خاص فالعربة بعموم‬
‫اللفظ ال خبصوص السبب‪ ،‬وأقره‪.‬‬

‫• الوجه الثالث‪:‬‬

‫أن النيب صلى هللا عليه وسلم هنى عن اإلطراء ابلقول‪ ،‬فثبت ذلك لإلطراء‬
‫ابلفعل من طريق التنبيه فهو مفهوم اخلطاب وفحواه‪ ،‬وليس بقياس عندان نص‬
‫على ذلك يف العدة ‪.1٣٣٣/٤‬‬

‫• الوجه الرابع‪:‬‬

‫أخرج أبو داود يف سننه إبسناده وسكت عنه أن النيب ﷺ قال‪ :‬من تشبه‬

‫‪13‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪14‬‬

‫بقوم فهو منهم‪ .‬أقول‪ :‬فدل بعمومه على حترمي أي تشبه‪ ،‬وهذا إمنا فعلوه يف‬
‫األصل مضاهاة للنصارى فابتدعوا هذه البدعة وهذا بني‪ ،‬فحرم هذا املولد‬
‫الذي يدعون إليه للتشبه‪ ،‬ولذلك قال السخاوي يف الترب املسبوك ص‪ :1٤‬وإذا‬
‫كان أهل الصليب قد اختذوا ليلة مولد نبيهم عيدا أكرب فأهل اإلسالم أوىل‬
‫ابلتكرمي وأجدر‬

‫• الوجه اخلامس‪:‬‬

‫استصحاب األصل‪ ،‬وهو براءة ذمة املكلف من التكليف‪ ،‬فال يصار‬


‫للقول ابالستحباب أو الوجوب بصيام يوم أو شهر‪.‬‬

‫• الوجه السادس‪:‬‬

‫أن األصل املنع من األعياد غري الواردة يف الشرع‪ ،‬فنستصحب املنع من‬
‫ِ‬
‫وجوب يوم عيدا‪.‬‬ ‫ذلك فال يصار إىل القول ِ‬
‫بندب أو‬

‫اجلواب الثاين التفصيلي يف مناقشة القياس‪:‬‬


‫الوجه األول يف مناقشة العلة‪: -‬‬

‫أن أصل العلل اليت ذكروها فاسد من أربع جهات بيان ذلك‪:‬‬

‫‪ -‬اجلهة األوىل‪ :‬أن الشهور اليت نقل استحباب صيامها‪ ،‬أو االحتفال‬
‫فيها حمصورة‪ ،‬وبقية الشهور ليس يف صيامها استحباب‪ ،‬وال ندب وال عيد‪ ،‬وال‬
‫اليوم ال‪12‬منها‪ ،‬وشهر ربيع األول شهر‪ ،‬وكذلك اليوم ‪ 12‬منه ‪،‬ومل ينقل فيه‬
‫كذلك فيه شي‪ ،‬فليس يف صوم الشهر وال صوم يوم ال‪ 12‬منه‪ ،‬وال االحتفال‬

‫‪14‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪15‬‬

‫به استحباب جبامع أنه شهر ويوم منه مل ينقل فيه شيء كمثل ابقي الشهور‪.‬‬

‫‪ -‬صورة القياس‪ :‬أن ربيع األول وال‪ 12‬منه كباقي الشهور وال‪ 12‬منها‪،‬‬
‫اليت مل يرد فيها نص مبزية= فال عيد فيها وال صيام مستحب؛ جبامع أنه شهر‬
‫واليوم الذي يف ال‪ 12‬منه مل يرد فيه شيء‪.‬‬

‫‪ -‬فعلة استحباب الصيام‪ ،‬أو استحباب اختاذه عيدا‪ ،‬أو وجوبه انقضتها‬
‫علة اقتضت نقيض حكم هذه العلة= ففسدت هذه العلة‪ ،‬فهي علة فاسدة؛‬
‫ألن املصيب واحد‪.‬‬

‫اجلهة الثانية‪ :‬أن ميالد عيسى بن مرمي عليه السالم معلوم‪ ،‬وقد أمجع‬
‫الفقهاء على حترمي االحتفال به فضال عن صيامه والتهنئة به= وكذلك حيرم‬
‫اختاذ مولد نبينا ﷺ عيدا حيتفل به فضال عن أن يصام؛ جبامع أن كليهما نيب‬
‫وكليهما هلما يوم ولد‪.‬‬

‫اجلهة الثالثة‪ :‬علل بعضهم أبنه يوم عيد احتفل فيه ابلصيام‪ ،‬فحرم صيام‬
‫يوم مولده‪ ،‬وهذه عادت على أصلها ابإلبطال فأبطلوا أن يصام ما هو مشروع‬
‫بنص السنة ابلقياس وهو بني‪ .‬قال اإلمام أمحد رمحه هللا يف رواية أمحد بن‬
‫"إمنا القياس أن يقيس الرجل على أصل‪ ،‬فأما أن جييء إىل‬ ‫احلسني بن حسان‪َّ :‬‬
‫أصل فيهدمه فال"‪.‬‬

‫اجلهة الرابعة‪ :‬أن النيب ﷺ صام يوم مولده‪ ،‬فبطل تعليلك بكونه عيداً؛‬
‫ألنه يوم العيد حيرم صومه والنيب ﷺ صامه‪ ،‬وهذا بني أيضا‪.‬‬

‫اجلهة اخلامسة‪ :‬أن النيب ﷺ تويف يف شهر ربيع يف اليوم الثاين عشر منه‬

‫‪15‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪16‬‬

‫ابالتفاق‪ ،‬والفرح يف بيوم موته حماربة هلل ورسوله= فحرم االحتفال يف ال ‪12‬‬
‫من ربيع األول؛ جبامع حرمة السرور مبوته ﷺ‪.‬‬

‫*فعلة استحباب الصيام أو استحباب اختاذه عيدا أو وجوبه انقضتها علة‬


‫اقتضت نقيض حكم هذه العلة وهو التحرمي= ففسدت هذه العلة‪ ،‬فهي علة‬
‫فاسدة؛ ألن املصيب واحد‪ ،‬وهي علة عارضتها علة تقتضي نقيض حكمها‬
‫فحكم بفسادها‪.‬‬

‫الوجه الثاين إيراد القوادح على هذا القياس‪:‬‬

‫‪ -‬اجلهة األوىل‪ :‬أن هذا قياس فاسد االعتبار وبيان ذلك‪:‬‬

‫أن شهر ربيع األول‪ ،‬واليوم الثاين عشر منه منصوص على عدم استحباب‬
‫صيامه كامال فضال عن اختاذه عيدا من فعل النيب ﷺ‪ ،‬فنحن نعلم ترك النيب‬
‫لصيامه واختاذ عيد فيه‪ ،‬وترك الصحابة صيامه فلم يستحبوا صيامه‪ ،‬أو إحداث‬
‫عيد فيه فكان إمجاعا‪ ،‬فال يصح القياس مع وجود النص وال مع وجود اإلمجاع‪،‬‬
‫وملا علمنا أن النيب ﷺ مل يصمهما ومل يتخذمها عيدا وال صحابته علمنا أنه مل‬
‫يكن وقتا مستحبا للصيام وال وقتا للعيد‪ ،‬فال يصح القياس مع النص‬
‫واإلمجاع= فبطل نقل احلكم من األصل إىل الفرع؛ ملخالفته النص واإلمجاع‪.‬‬

‫‪-‬اجلهة الثانية‪ :‬املعارضة من كون مولده فقط سببا لصيامه بيان ذلك‪:‬‬

‫‪ -‬أنه قد أخرج اإلمام أمحد من حديث أسامة بن زيد قال‪ :‬إن رسول هللا‬
‫ﷺ كان يصوم االثنني واخلميس‪ ،‬فقلت‪ :‬اي رسول هللا‪ ،‬مل تصوم االثنني‬
‫واخلميس؟ قال‪ :‬إن األعمال تعرض يوم االثنني ويوم اخلميس‪ ،‬وأخرجه مسلم‬

‫‪16‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪17‬‬

‫كذلك يف صحيحه بلفظ‪ :‬تعرض األعمال يف كل يوم مخيس واثنني‪ ،‬وعند‬


‫الرتمذي إبسناده أن النيب ﷺ قال‪ :‬تفتح أبواب اجلنة يوم االثنني واخلميس‬
‫فيغفر فيهما ملن ال يشرك ابهلل شيئا ‪ ...‬احلديث‪ .‬وقال الرتمذي‪ :‬حديث‬
‫حسن صحيح‪.‬‬

‫أقول‪ :‬ففي صوم يوم االثنني ً‬


‫معىن يقتضي احلكم غري املعىن الذي ذكروه‪،‬‬
‫فصيام يوم االثنني؛ ألجل أنه فيه ولد ﷺ؛ وألجل أنه يوم تعرض فيه األعمال‬
‫على هللا؛ وألجل أنه تفتح فيه أبواب اجلنة‪ ،‬وقوله هذا ترجيح بال مرجح فبطل‬
‫القياس‪.‬‬

‫‪ -‬اجلهة الثالثة‪ :‬أن هذا قياس فاسد الوضع بيان ذلك‪:‬‬

‫‪ -‬أن العلة عندك هي أنه ولد النيب ﷺ يوم االثنني‪ ،‬وقد صام النيب كل‬
‫اثنني يف كل شهر‪ ،‬فالعلة مؤثرة يف كل اثنني يف كل شهر‪ ،‬فجعلتها مؤثرة يف‬
‫شهر ربيع األول ‪ ،‬وصيام االثنني ألجل مولده علة موجودة يف كل شهر‪ ،‬فهي‬
‫مؤثرة يف كل شهر‪ ،‬فاقتضت نقيض حكمك يف ختصيص شهر ربيع األول‬
‫ابستحباب الصيام‪ ،‬وكذلك يف ال‪ 12‬منه دون ابقي شهور السنة‪.‬‬

‫‪ -‬كما مننع علة القياس اليت يف صيام االثنني من كل أسبوع‪-‬من مولده‬


‫وعرض األعمال وتفتح أبواب اجلنان‪ -‬أن تكون يف كامل الشهر فضال عن‬
‫كوهنا يف ال‪ 12‬منه‪.‬‬

‫‪ -‬اجلهة الرابعة‪ :‬االعرتاض ابلتقسيم وبيانه‪:‬‬

‫‪ -‬سلمنا أنه من أجل مولده فقط‪ ،‬فإنكم تقولون أن النيب ﷺ ولد من‬

‫‪17‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪18‬‬

‫أنوار قبل خلق الكون وأن الكون احلادث إمنا هو من نوره‪ ،‬يقول البصريي يف‬
‫الربدة‪ :‬فإن من جودك الدنيا وضرهتا*** ومن علومك عل م اللوح والقل ِم‪ ،‬فقوله‪:‬‬
‫يوم ولدت فيه مننع من أن مولده له شهر أو سنة؛ ألن مولده املعين به قبل أن‬
‫تكون هناك أشهر أو سنني وذلك يف عامل األنوار قبل الكائنات؛ فلذلك صامه‬
‫يف كل أسبوع النتفاء الشهر والسنة آنذاك‪ ،‬فبطل استحباب صيامه واختاذه‬
‫عيدا يف كل شهر فضال عن جعله يف ربيع األول فضال عن جعله يف ال‪12‬‬
‫منه‪.‬‬

‫تنبيه‪ :‬وال أدين هلل هبذا القول الفاسد؛ ولكنه إلزام للخصم مبا يدين‪.‬‬

‫‪ -‬اجلهة اخلامسة‪ :‬االعرتاض ابملطالبة بيان ذلك‪:‬‬

‫‪ -‬ذهب بعضهم أنه إمنا صامه لكونه عيدا حيتفل به كما سبق‪ ،‬فنطالب‬
‫ابلدليل على أنه إمنا صامه لكونه عيدا‪ ،‬وكيف ألغى العلل الواردة املنصوص‬
‫عليها يف األحاديث؟‪ ،‬وهي تعود على أصلها ابإلبطال كما سبق‪.‬‬

‫‪ -‬اجلهة السادسة‪ :‬االعرتاض ابلنقض بيان ذلك‪:‬‬

‫‪ -‬أن كل ما قلتم من التعليالت مل تطردوه يف ابقي الشهور‪ ،‬وال يف ابقي‬


‫أايم شهر ربيع األول‪ ،‬فقد وجدت العلة ومل يوجد احلكم‪ ،‬فبطل كون تعليالتكم‬
‫موجبة الستحباب الصيام فضال عن اختاذه عيدا لتخلفها‪.‬‬

‫‪ -‬فمن قال ابلصيام أو االحتفال يف كل شهر لربيع األول= يلزمه يف ابقي‬


‫الشهور؛ لتكرر االثنني يف ابقي األسابيع من الشهور األخرى‪ ،‬وكذلك من قال‬
‫به يف ال‪ 12‬منه يلزمه القول به يف بقية ربيع ‪ ،‬فتخلف احلكم مع وجود العلة‬

‫‪18‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪19‬‬

‫فانتقض القياس‪ ،‬قال أمحد ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬يف رواية أمحد بن احلسني بن‬
‫أدبرت‬
‫فأقبلت به و َ‬
‫َ‬ ‫حسان فقال‪ " :‬فإذا كان [أي القياس] مثله يف كل أحواله‬
‫به‪ ،‬فليس يف نفسي منه شيء‪ ،".‬فإذا مل تطرد مل تقبل‪.‬‬

‫أقول‪ :‬وما قيل يف القياس على صوم االثنني يقال يف صيام يوم عاشورا فال‬
‫حاجة للتكرار‪.‬‬

‫وأما قوله‪ :‬أبن هذه طريقة الفقهاء ومن قاس أوىل بطريقة الفقهاء‪.‬‬

‫أقول‪ :‬هذا كالم ساقط تبني بطالنه مبا سبق‪ ،‬فإن املعرتض على من قاس‬
‫عارضه بقياس وعلل أخرى تقدح يف قياسه وأصل علته‪ ،‬وعارضه بنصوص و‬
‫القائل أن‬
‫إمجاعات‪ ،‬وأنتم جممعون معنا فيها‪ ،‬وهي تبطل ذلك القياس ‪ ،‬ويلزم َ‬
‫ابن تيمية ال يعلم طريقة الفقهاء وهو أشهر القائلني ابلتحرمي ‪،‬وقد نقل الفتوحي‬
‫يف شرح الكوكب املنري‪ 570/٤‬قول املرداوي مقرا حينما كان يتكلم عن عدم‬
‫وجود جمتهدين بعد سنة كذا فقال معرتضا‪ :‬فإنه وجد من اجملتهدين بعد ذلك‬
‫مجاعة‪ ،‬منهم الشيخ تقي الدين ابن تيمية‪ ..‬انتهى‪ ،‬فال أعلم كيف يصبح املرء‬
‫جمتهدا وهو ال يعلم طريقة الفقهاء اليت تتكلم عنها كما زعمت‪ ،‬كما أنه قد‬
‫نقل التحرمي عن مجاعات من فقهاء املذاهب األخرى ال حاجة لإلطناب‬
‫بذكرهم‪.‬‬

‫وجيب على أصول حممد بن عبد الواحد أن يقول ابلتحرمي؛ ألنه مقلد‪ ،‬فابن‬
‫تيمية رمحه هللا معلوم قوله بتحرمي املولد وأنه بدعة‪ ،‬وليس هناك نص خبالفه من‬
‫جمتهدي املذهب‪ ،‬وعند فقد الرواية واملنصوص فقد عمد املتأخرين إىل جعل‬
‫قول ابن تيمية هو املذهب والدليل على ذلك‪:‬‬

‫‪19‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪20‬‬

‫قال يف منتهى اإلرادات‪ :‬واحلوالة على ماله يف الديوان‪ ،‬إذن يف االستيفاء‪،‬‬


‫فقال البهويت معقبا يف الشرح‪ :‬قاله الشيخ تقي الدين‪ ،‬فليس هناك نص يف‬
‫املذهب إال قول ابن تيمية فعدوه هو املذهب‪.‬‬

‫قال يف املنتهى‪ :‬وحيتاط إن خيف هروبه مبالزمته أو كفيل‪ ،‬أو ترسيم‪ ،‬قال‬
‫يف املعونة قاله الشيخ تقي الدين‪ ،‬فلعدم النص من أمحد أو من جمتهدي‬
‫املذهب جعلوا قول ابن تيمية هو املذهب‪ ،‬وغريه كثري‪.‬‬

‫فمن تصرفات األصحاب جيب أن يكون قول ابن تيمية هو املذهب‪،‬‬


‫ويلزمك تقليده‪ ،‬كما قلده ابن النجار يف كذا موطن‪ ،‬وكذا صاحب اإلقناع؛‬
‫لعدم النص‪.‬‬

‫فإن أىب إال أن يقول أبنه مكروه يف أقل األحوال‪ ،‬أو مباح بعد ما سبق‪ ،‬فيضاف إىل‬
‫ذلك وجها‪:‬‬

‫للمحرم‪ ،‬فاملوالد تشتمل على الكثري من املنكرات‬


‫َّ‬ ‫أنه حيرم املولد؛ ألنه ذريعة‬
‫اليت طمت وعمت يف كل حدب وصوب‪ ،‬من اعتقاد حلضور النيب اجملالس‪،‬‬
‫والرقص والسماع‪ ،‬واالختالط وغريه‪ ،‬وقد أخذ األصحاب ابلتحرمي سدا للذرائع‬
‫يف العديد من املسائل بعضها أيسر من مسألتنا هذه أذكر أمثلة منها‪:‬‬

‫األول‪ :‬يف مسألة الرتخيص يف بيع العرااي‪ ،‬وأنه البد أن أيكلها أهلها رطبا فإن‬
‫سدا‬
‫تركها أهلها لعذر مل جيز قال الزركشي‪ :‬وال فرق بني الرتك لعذر أو غريه ً‬
‫للذريعة‪.‬‬

‫أقول‪ :‬مل يلتفت إىل حسن املقصد وال عذرهم‪ ،‬مع أهنا يف األصل جائزة هلم‬

‫‪20‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪21‬‬

‫سدا للذريعة ومل يعترب بكون الذريعة متحققة اإلفضاء وهو واضح‪.‬‬

‫الثاين‪ :‬مسألة بيع الثمرة قبل بدو صالحها‪ ،‬فإن البيع يف أصله مباح لقول‬
‫هللا‪ :‬وأحل هللا البيع‪ ،‬ولكن حرموه قال الزركشي‪ :‬سدا للذريعة لئال يتخذ ذلك‬
‫حيلة ملا هو ممنوع منه شرعا‪.‬‬

‫أقول‪ :‬مل يلتفت حلسن القصد‪ ،‬وال ألصل احلل‪ ،‬وال غريه سدا للذريعة‪ ،‬مع أن‬
‫هذه الذريعة ليست مبتحققة‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬قال اخلرقي‪ :‬والقاتل ال يرث املقتول ً‬


‫عمدا كان القتل أو خطأ‪ ،‬قال‬
‫الزركشي‪ ،‬عام يف كل قتل‪ ،‬سواء تعلق به مأمث كقتيل العامد‪ ،‬والباغي العادل‪،‬‬
‫أو مل يتعلق به مأمث كقتيل اخلطأ‪ ....‬وقتل العادل الباغي‪ ،‬والباغي العادل‪ ،‬إن‬
‫سدا للذريعة وطلبًا للتحرز عنه‪.‬‬
‫كان خطأ‪ ،‬ال أمث فيه ً‬
‫أقول‪ :‬قتل العادل للباغي‪ ،‬وإن كان ال إمث فيه‪ ،‬بل هو مشروع أبصل الشرع‪،‬‬
‫وإمنا فعل ما أمره الشارع به‪ ،‬كما أنه يف أصل الشارع من الوارثني‪ ،‬لكنهم منعوه‬
‫من اإلرث سدا للذريعة‬

‫الرابع‪ :‬وإذا اشرتط اجلماعة يف سرقة قيمتها ثالثة دراهم قطعوا قال الزركشي‪:‬‬
‫‪ ...‬فكما أن يف األنفس يقتل اجلماعة ابلواحد سدًّا للذريعة‪ ،‬فكذلك يف‬
‫األموال‪.‬‬

‫أقول‪ :‬استباح قطع أيديهم مجيعا‪ ،‬مع أنه لو وزع املال عليهم ملا بلغ واحد‬
‫منهم النصاب‪ ،‬ومع أنه األصل حرمة املسلم‪ ،‬وكان ذلك سدا للذريعة‪ ،‬وأشار‬
‫إىل قتل اجلميع ابلواحد مع أن الواحد منهم فعله ال يقتل‪ ،‬سدا للذريعة كذلك‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪22‬‬

‫وبناء على ما سبق‪:‬‬

‫فقد استبحنا دماء أانس وأبداهنم‪ ،‬وحرمناهم من أموال يرثوهنا‪ ،‬ومنعناهم من‬
‫معامالت األصل فيها احلل‪ ،‬وأبطلنا بيوعهم بسد الذرائع= فاملصري إىل القول‬
‫بتحرمي املولد سدا للذرائع أوىل وآكد‪.‬‬

‫ختاما‪:‬‬
‫أقول‪ :‬إذا عرف هذا‪ ،‬عرف أن من استدل برتك النيب ﷺ والصحابة‬
‫والتابعني واتبعيهم واتبعيهم فقد أتسى والتأسي واجب وخمالفته حرام وابتداع‬
‫واحنياز وبعد عن طريقة األئمة احملدثني الفقهاء‪ ،‬وهو خمالف إلمجاعهم كما‬
‫سبق‪.‬‬

‫ني لَه ا ْهل َد ٰى َويَتَّبِ ْع َغ ْ َري َسبِ ِيل‬ ‫الرس َ ِ ِ‬ ‫قال هللا‪َ :‬وَمن ي َشاقِ ِق َّ‬
‫ول من بَ ْعد َما تَبَ َّ َ‬
‫تمِ‬
‫ص ًريا‬ ‫الْم ْؤِمنِني ن ولِِه ما تَوَّ ٰىل ون ِ ِ‬
‫صله َج َهن ََّم ۖ َو َساءَ ْ َ‬‫َ َ َ َ َ ْ‬
‫*قال مالك‪ :‬من ابتدع يف اإلسالم بدعةً يراها حسنة‪ ،‬فقد زعم أن حممداً‬
‫ﷺ خان الرسالة‪.‬‬

‫وعلم مما تقدم أن الكالم الذي ذكره حممد بن عبد الواحد ال أصل له يف‬
‫كالم أمحد‪ ،‬وال دليل عليه‪ ،‬ال من صحيح نقل وال صحيح قياس‪ ،‬بل أحد‬
‫أساطني املذهب قائل خبالفه‪ ،‬وصلى هللا حممد وآله وسلم‪.‬‬

‫كتبه‪ /‬عبد هللا بن مسفر بن عبد هللا آل عبد هللا الشمراين‬

‫‪22‬‬

You might also like