Professional Documents
Culture Documents
يلخص هذا الكتاب الغني في أسطر ،أو في قراءة مهما كانت وال يمكن أن ّ
ذكية ،إال أن الحاجة إلى تقديمه للقراء ;،لتكون لهم نظرة ولو قاصرة عنه لكنها
تفتح شهيتهم في اإلطالع عليه ،جعلتنا ننشر قراءتين له ،كل منهما تنظر إليه
.من زاوية مختلفة
تركيا تو َّدع األطراف وتستقر في مركز األحداث :الصادق الفقيه
ش ّد القوس إلى الشرق يطير السهم أبعد نحو الغرب :الحواس تقية
إن السبب في تراجع تركيا خالل الحقبة الماضية يعود إلى سياسة القطيعة،
التي سعت لفصل ماضي تركيا العثمانية وعمقها اإلستراتيجي عن حاضر
الجمهورية الكمالية ومحيطها اإلقليمي ،والتي عمقت أيضا ً االنقسام بين
"التيارات العلمانية" و"الجماعات اإلسالمية" ،وغلبت األمن على الحرية،
وأحدثت أزمة هوية طاحنة في أوساط النخب التركية .ويُرْ ِجع بعض
المراقبين الفضل في صعود التركي الجديد لجملة من التحوالت الثقافية
والسياسية واالجتماعية المهمة .ولعدد من النظريات المحفزة للتغيير ،التي
صاغها الدكتور أحمد داود أوغلو ،عندما كان أستاذا للعالقات الدولية
بالجامعات; التركية ،خاصة نظرية "العمق اإلستراتيجي" ،والتي أودعها في
سِ ْف ر ضخم ،وعبر عنها بكلمات موجزة ،عند توليه حقيبة وزارة الخارجية،
بعد أن كان مستشارا لرئيس الوزراء رجب طيب أردوغان ،فقال" :إن تركيا
لديها اآلن رؤية سياسة خارجية قوية نحو الشرق األوسط والبلقان ومنطقة
".القوقاز .سنسعى لدور إقليمي أكبر ،ولم نعد بلد رد فعل
ومفاد الثانية هو أنه كي تكون ناجحاً; في إدارة العالقات الدولية يتعين عليك
مراعاة "التوازن" الدقيق بين قوة األمر الواقع ،وقوة الحق األصيل ،وأنه ال
يجوز المغامرة بمواجهة قوة األمر الواقع دون استعداد كاف ،كما ال يجوز
التفريط في قوة الحق الثابت األصيل ،وأنه يمكن إنجاز الكثير في المسافة
القائمة بين "قوة األمر الواقع" ،و"قوة الحق األصيل" في ضوء موازين القوى
.التي تتحرك باستمرار وال تعرف السكون أو الجمود
ونجمل في لمحات; أهم المحاور التي عالجها أغلو في األقسام الثالثة من
كتابه ،الذي صدرت طبعته التركية األولى عام ،2001وبلغت عدد طبعاته
.حتى شهرنا الحالي 46طبعة ،منها أربعة عشر طبعة خالل هذا العام
فالباب; األول ،الذي جاء بعنوان "اإلطار المفاهيمي والتاريخي" ،يشتمل ثالثة
فصول تناولت مقاييس القوة والتخطيط اإلستراتيجي ،وشرحا لمعادلة القوة
وعناصرها الثابتة والمتغيرة ،والعنصر البشري وتأثيره البالغ في صنع
اإلستراتيجية ،وإعادة تحليل لعناصر القوة التركية ،وبيانا ألوجه قصور
النظرية اإلستراتيجية التركية والنتائج المترتبة عليها ،وعرضا ً لإلرث
التاريخي والبنية التحتية للثقافة السياسية التركية ،وتطوراتها بعد انتهاء
.الحرب الباردة
فقد كانت تركيا ،كما وصفها أوغلو ،إحدى أهم ركائز حلف الناتو خالل فترة
الحرب; الباردة ،باعتبارها إحدى دولتين في الحلف تمكنتا من احتواء
الشيوعية ،وكانت ،هي والنرويج ،موضع ثقة الغرب قاطبة .حيث كان هذا
الوالء للغرب ،ذو الطابع العسكري ،يتسق مع تطلعات النخب; الحاكمة في
الحقبة الكمالية ،الذين حولوا تركيا إلى حارس أمين للمنطقة الجنوبية الشرقية
.ألوروبا من خطر التمدد الشيوعي األحمر