You are on page 1of 23

‫كل الحروق قابلة للشفاء‬

‫عبد اللطيف السعيد‬

‫قد ال تصدق ما ستقرؤه‪....‬‬


‫ولكن‪ ....‬هي الحقيقة‬
‫‪1‬‬
‫قصة طبيب شعبي يعالج جميع أنواع‬
‫الحروق‬
‫والنتيجة الشفاء التام بإذن هللا تعالى‪.‬‬

‫إذا كان هناك أي استفسار يمكن الكتابة على العنوان التالي‪:‬‬


‫‪Sameer99@aloola.sy‬‬
‫وسيتم إن شاء هللا تعالى اإلجابة عن استفساراتكم بما يفيد‬

‫كل الحروق قابلة للشفاء‬


‫عبد اللطيف السعيد‬

‫التقيت به في أحد شوارع مدينة حمص‪ ،‬كان يمشي منتصب القامة‬


‫كهرم‪ ،‬لقد عرفته منذ أكثر من أربعين سنة‪ ،‬ولما رأيته يومها عادت بي‬
‫الذاكرة إلى الوراء‪...‬يا اهلل‪..‬ال أستطيع أن أتخيل أنه هو‪ ،‬هذا شخص آخر‬
‫غيره‪ ،‬مع ذلك اقتربت منه واستوقفته وسلمت عليه‪ ،‬فوجئ بهذه‬
‫المصادفة‪ ،‬ودعاني إلى بيته لزيارته‪ E،‬وقمت بزيارته فعالً وهناك‪ ،‬فوجئت‬
‫بأنه قد اختار في حياته طريقاً شاقاً جداً يحجم الكثيرون عن سلوكه‪،‬‬
‫ومن المهن اختار أكثرها حساسية ودقة‪ ،‬إنه يعالج الحروق‪..‬‬

‫‪2‬‬
‫سألته‪ :‬منذ متى وأنت تمارس هذه المهنة؟‬
‫فأجاب بصوته الهادئ‪ :‬منذ فترة بعيدة –أكثر من خمسة عشر‬
‫عاماً‪-‬تعرضت‪ E‬طفلة لي في عمر الورود إلى حرق بالماء الساخن‪ ،‬ففكرت‬
‫في أن أقوم بمعالجتها بنفسي‪ ،‬فقمت بمعالجتها بدواء من األعشاب‪ ،‬قمت‬
‫بتحضيره وتركيبه‪،‬وبعد أيام من العالج جف مكان اإلصابة ونما جلد‬
‫جديد بدالً من الجلد المحروق‪ E،‬وكان العالج موفقاً إلى درجة أنه لم‬
‫يترك أثراً للحرق‪ ،‬وقد فرحت بذلك كثيراً لسببين‪ :‬األول‪ :‬شفاء‬
‫طفلتي الغالية‪ ،‬والثاني‪ :‬نجاحي في تركيب تلك الوصفة الناجعة‪.‬‬
‫و منذ ذلك الحين قررت أن أتابع موضوع العالج باألعشاب‪ ،‬هذا‬
‫الذي بدأته بطفلتي‪ ،‬وقلت في نفسي‪ :‬صحيح بأن الحروق تحدث كحاالت‬
‫فردية‪ ،‬ولكنها أمر مهم جداً‪ ،‬ويوجد كثير من الناس تركت الحروق في‬
‫أجسادهم آثاراً ال تمحى‪ ،‬ومآسي يعاني منها أصحابها‪ ،‬نعم‪ ...‬موضوع‬
‫الحروق مهم جداً وال يمكن االستهانة به‪ ،‬أو غض النظر عنه‪.‬‬
‫سألته‪ :‬هل كنت تحب هذه المهنة‪ ،‬أقصد مهنة الطبابة؟‬
‫* ‪ -‬إنني ما زلت أذكر ذلك اليوم الذي قلب طفولتي رأساً على‬
‫عقب‪ ،‬إنه اليوم األول لدخولي المدرسة‪ ،‬لم أكن أعرف قبل ذهابي إلى‬
‫المدرسة بأنني أعشق الحرية إلى هذا الحد‪ ،‬وعندما قرع الجرس الذي‬
‫سمعت صوته ألول مرة في حياتي دخلنا إلى الصف بشكل عشوائي غير‬
‫منظم‪ ،‬فدخلت إلى غرفة الصف وسط جموع األطفال الذين كانوا‬
‫يصدرون أصواتاً عالية تصم اآلذان‪ ،‬وكأنهم يتنافسون في إصدار هذه‬
‫األصوات‪ ،‬وبدأ االزدحام على المقاعد األمامية وعمت الفوضى داخل الصف‬
‫وأنا صامت أنظر حولي وأتساءل‪ :‬لماذا كل هذا الضجيج؟ هل هؤالء‬
‫الصغار فرحين إلى هذه الدرجة؟ ومشيت في الممر بين صفوف المقاعد‪،‬‬
‫وقد قررت أن اجلس في المقعد األخير الذي يستند إلى جدار الغرفة‪،‬‬
‫وكنت أترنح من لكمات التالميذ الذين يقفزون ويثرثرون وكأنهم‬
‫وجدوا لعبة جديدة يتسلون بها‪ ،‬وشعرت ألول مرة بالغربة‪ E،‬وضاقت بي‬

‫‪3‬‬
‫الدنيا على رحبها‪،‬وأحسست باالختناق‪ ،‬وفجأة دخل األستاذ (الذي عرفت‬
‫فيما بعد أن اسمه سعيد) دخل إلى غرفة الصف بسرعة فوجد بعض‬
‫التالميذ يعبثون بالسبورة‪ ،‬ويرسمون عليها بالطبشور خطوطاً متداخلة‪،‬‬
‫وبلحظة واحدة استطاع األستاذ سعيد أن يلطم اثنين من التالميذ كان‬
‫أقرب التالميذ إليه‪ ،‬بينما الذ الباقون بالفرار إلى مقاعدهم ليستقروا‬
‫عليها‪ ،‬وصاح األستاذ سعيد بصوت قوي‪ :‬قيام‪ ،‬فمن عرف ما تعني تلك‬
‫الكلمة وقف منتصب القامة‪ ،‬ومن لم يعرف ما تعنيه هذه الكلمة تأخر‬
‫قليالً ثم وقف‪ ،‬وحذا حذو زمالئه‪ ،‬وقد وقف الجميع بمن فيهم أنا‪ ،‬وهنا‬
‫وضع األستاذ سعيد يديه وراء ظهره‪ ،‬وأخذ يحملق بنا جميعاً بنظرات‬
‫غاضبة يوحي إلينا من خاللها أنه مرهوب الجانب‪ ،‬وال يحب الفوضى‪ ،‬وبعد‬
‫أكثر من دقيقة‪ ،‬والصمت يلف غرفة الصف‪ ،‬وخالل ذلك كانت تتسلل‬
‫إلى أنفي رائحة عطر نفاذة تأتي من قبل األستاذ سعيد‪ ،‬وقد شعرت بعدم‬
‫االرتياح لألستاذ سعيد‪ ،‬وكرهت رائحة العطر تلك على رغم طيب هذه‬
‫الرائحة ألنني صرت أعتبر كلما شممتها أنها تقترن بذلك المعلم قاسي‬
‫القلب‪،‬وبعد تلك الفترة من الصمت طلب منا الجلوس‪ ،‬وخرج من الصف‬
‫دون أن يتفوه بكلمة واحدة‪ ،‬فتنفست الصعداء وارتاحت‪ E‬نفسي قليالً‪،‬‬
‫فتذكرت البيت ودجاجات أمي‪ ،‬وقلت في نفسي‪ :‬من سيجمع محصول هذا‬
‫اليوم من البيض؟ لماذا أحس بالغربة‪ E‬إلى هذا الحد؟ ولم أدرِ يومها أن‬
‫سبب ذلك كله هو عشقي للحرية‪ ،‬تلك الحرية التي تفوق كل العلوم‬
‫وتتجاوز‪ E‬كل جدران المدارس ومقاعد الدراسة‪ ،‬وبعد قليل دخل غرفة‬
‫الصف أستاذ‪ ،‬ممتلئ الجسم‪ ،‬متوسط القامة‪ ،‬تبدو عليه الرصانة والهدوء‪،‬‬
‫فوقفنا جميعاً دون أن نعطى أمراً بذلك‪ ،‬فأشار لنا بالجلوس‪ ،‬ثم راح‬
‫يقلب نظره في التالميذ‪ ،‬وبعد هنيهة قال لنا‪ :‬اسمعوا يا أبنائي! أنتم أيها‬
‫التالميذ أتيتم إلى المدرسة كي تتعلموا‪ ،‬فالعلم نور يضيء لكم طريق‬
‫المستقبل‪ ،‬وستكبرون وتصبحون رجاالً مثلي‪ ،‬فكونوا مجدين‪ ،‬وأقبلوا على‬

‫‪4‬‬
‫العلم وأحبوه‪ ،‬وأطلب منكم أن تعتنوا بالنظافة‪ ،‬فالنظافة من اإليمان‪،‬‬
‫وليس من المهم أن يرتدي أحدكم ثياباً جديدة‪ ،‬بل المهم أن تكون ثيابه‬
‫نظيفة‪ ،‬ولو كانت متواضعة‪ ،‬ثم أدار لنا ظهره وأمسك بالممحاة‪ ،‬واخذ‬
‫يمسح السبورة‪ ،‬فقد بدأ الدرس األول‪.‬‬
‫وبعد انتهائه من مسح السبورة بالممحاة‪ ،‬كتب بالطبشور بعض‬
‫الحروف الهجائية‪ ،‬وأخذ يشرح كيفية لفظها‪ ،‬وطلب منا حفظها‪،‬فسررت‬
‫من الدرس‪ ،‬وأحببت ذلك المعلم‪ ،‬ويوماً بعد يوم تأقلمت مع الحياة‬
‫الجديدة‪ ،‬وصرت أذهب إلى المدرسة وأنا مسرور‪ E،‬ولكن شعوري بالغربة‬
‫لم يكن يفارقني كلما خرجت من البيت متوجهاً إلى المدرسة‪ ،‬وعلى رغم‬
‫ذلك فقد أصبحت متفوقاً في دروسي‪ ،‬وحققت ألهلي ما كانوا ينتظرونه‬
‫من ابنهم المدلل‪.‬‬
‫تابعت دراستي في مرحلة التعليم االبتدائي‪ E،‬ثم انتقلت إلى المرحلة‬
‫اإلعدادية‪ ،‬وكنت من الطالب األوائل‪،‬وبدأت بكتابة الشعر ونظمت أول‬
‫قصيدة بعنوان( دموع الهجر) وكنت أحب اللغة العربية كثيراً إلى‬
‫درجة العشق‪ ،‬وعلى رغم حبي للغة العربية فقد كان يراودني هاجس‬
‫أكبر من حبي للغة العربية‪ ،‬وأكبر من رغبتي في قرض الشعر‪ E،‬وذلك‬
‫الهاجس الذي أرقني هو أمنيتي في أن أصبح طبيباً‪ ،‬مع العلم بأنني كنت‬
‫أعتبر تلك األمنية ضرباً من الخيال‪ ،‬وحلماً يتبخر كلما استيقظت من‬
‫نومي ألنني تركت الدراسة بسبب ظروفي المادية‪،‬وانصرفت إلى العمل‬
‫ألكسب بعض المال إلعانة أهلي في تأمين لقمة العيش‪ .‬وكبرت وتمكنت‬
‫من توفير بعض المال الذي أعانني على الزواج من إحدى قريباتي‪E،‬‬
‫ورزقني اهلل تعالى بأوالد أراهم أمامي يمرحون‪ ،‬وتمأل ضحكاتهم هذا‬
‫العالم‪ ،‬كما أنهم يتعرضون للمرض شأنهم شأن بقية األطفال‪ ،‬وكنت‬
‫أمرض لمرضهم ألن اهتمامي بهم كبيراً‪ ،‬فهم فلذة أكبادنا‪ ،‬فعندما‬
‫يمرض أحدهم أسرع به إلى الطبيب‪ ،‬وعندما أشرح للطبيب حالة الطفل‬

‫‪5‬‬
‫المريض بدقة كان الطبيب يبتسم وهو يفحص الطفل‪ ،‬ويقول لي‪:‬‬
‫كأنك تشخص حالة هذا الطفل تماماً‪ ،‬ويثني عليّ لمعرفتي‪ E‬بحاالت‬
‫المرض ودقة مراقبة حالة الطفل‪.‬‬
‫وكنت أعمد أحياناً –عندما يكون المرض عارضاً بسيطاً‪-‬إلى إعطاء‬
‫الطفل المريض بعض األعشاب باجتهاد مني‪ ،‬فتمر الحالة بسالم‪ ،‬ويشفى‬
‫الطفل‪ ،‬وعندما كنت أذهب إلى أحد المشافي لزيارة أحد المرضى من‬
‫أقاربي أو أحد أصدقائي‪ ،‬وأرى الطبيب يقوم بواجبه نحو مرضاه كنت‬
‫أغبطه‪ ،‬وأقول في نفسي‪ :‬هنيئاً لهذا الطبيب‪ ،‬وكم هو سعيد بهذا العمل‬
‫اإلنساني النبيل‪ ،‬وكأنه أخ مخلص لكل هؤالء المرضى الذين يرقدون على‬
‫أسرتهم ينتظرون الشفاء على يد ذلك الطبيب الذي كرس كل وقته‬
‫لخدمتهم‪،‬وظل هذا الحلم يراودني مع أنني ال أستطيع فعل أي شيء‬
‫لتحقيق هذا الحلم‪ ،‬وممارسة هذه المهنة اإلنسانية‪ ،‬وتخفيف األلم عن‬
‫اآلخرين‪.‬‬
‫‪-‬لو سألتك‪ :‬هل كنت على اطالع ودراية بالتركيبة التي تستخدمها في‬
‫معالجة الحروق؟‬
‫*‪ -‬يبحث اإلنسان دائماً عن الطرق المناسبة في حل مشاكله‪،‬‬
‫والمصاعب التي تعترضه‪ ،‬فيحاول تذليلها‪ ،‬وعندما يستطيع التغلب عليها‬
‫يقول‪ :‬لقد وجدت الحل‪ ،‬وقد يكون ذلك الحل نتيجة جهد وعناء كبير‬
‫وتجارب مستمرة‪ ،‬ومنذ أن وجد اإلنسان على هذه األرض وحتى زماننا‬
‫هذا‪ ،‬وهو يتعرض لكثير من الحوادث والكوارث واألمراض وغيرها مما‬
‫يحدث خلالً في جسمه وبيئته فال يستطيع ممارسة حياته الطبيعية في‬
‫مواجهة مصاعب الحياة المختلفة‪ ،‬ومن هنا بدأ البحث عن عالج لكل حالة‬
‫يتعرض لها ضمن حدود إمكاناته‪ ،‬واستخدام عقله في المعرفة ليتوصل إلى‬
‫ما هو مفيد لحالة مرضية تعرض لها بشكل أو بآخر‪ E‬يبحث ويجرب‪ ،‬فمرة‬
‫يصيب؛ وأخرى يخطئ إلى أن يجد العالج الناجع‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫‪ -‬وهنا يحضرنا سؤال‪ :‬من هو ذلك اإلنسان الذي تخصص في البحث‬
‫والتفكير والتجريب‪ ،‬وسهر وعانى ليكتشف عالجا ً ألمراض اآلخرين؟‬
‫* ‪-‬إن الذين تصدوا لهذه المهمة اإلنسانية بحثوا وجابوا أطراف‬
‫األرض لتحقيق ما يبتغون‪ ،‬إنهم أناس مميزون حتماً وليسوا كأبناء‬
‫جنسهم من باقي البشر دفعتهم عقولهم الذكية ورغباتهم الالمحدودة في‬
‫أن يسلكوا هذا الطريق الشاق بال تردد‪ ،‬ليحققوا هدفاً نبيالً يسمو باإلنسان‬
‫وإنسانية اإلنسان‪.‬‬
‫وبناء على ذلك دعونا نطرق باباً غير الطب‪ ،‬وهي‪ E‬أبواب كثيرة‬
‫تقودنا إلى أن كثيراً من الناس قد حباهم اهلل أشياء تميزوا بها عن غيرهم‬
‫حتى اشتركوا في بناء وتكوين ثقافات العالم؛ قديمها وحديثها؛ غير آبهين‬
‫بأنفسهم فكانوا شموعاً تحترق ليضيئوا الطريق لغيرهم‪.‬‬
‫‪-‬كانت تلك هي البداية‪ ،‬بداية اكتشاف هذا المعالج الشعبي‪E‬‬
‫للحروق على مختلف أنواعها‪ ،‬أما االكتشاف الحقيقي فكان بعد لقائي به‬
‫وزيارته بحوالي الشهر تقريباً‪ ،‬يومها عدت إلى البيت وهناك فوجئت‬
‫بابنتي الصغيرة براءة وقد احترقت ساقها بعل انسكاب مادة سائلة حارة‬
‫عليها‪.‬‬
‫أعتذر منكم‪ ،‬قبل أن أكمل نسيت أن أخبركم بأنني على دراية‬
‫واسعة بمخاطر الحروق وطرق‪ E‬عالجها‪ ،‬وآالمها ألنني عانيت منها‬
‫شخصياً‪ ،‬ففي أحد أيام شهر نيسان عام ‪1976‬م انفجرت أسطوانة غاز في‬
‫بيت أخي في دمشق‪ ،‬وكنت أقطن معه‪ ،‬مما أدى إلى تهدم جزء من المنزل‪،‬‬
‫إضافة إلى إصابتي أنا وأخي وزوجته‪ E‬وثالث بنات من بناته بحروق‬
‫مختلفة‪ ،‬استمر عالجها حوالي شهر بالنسبة لي‪ ،‬وثالثة أشهر مع إجراء‬
‫عمليات تجميلية البنة أخي‪،‬وأدت إلى وفاة أخي وزوجته واثنتين من بناته‪،‬‬
‫وكتبت السالمة لي وإلحدى بنات أخي‪..‬‬

‫‪7‬‬
‫من هنا أسرعت بطفلتي إلى بيت صديقي فألقى عليها نظرة وابتسم‪،‬‬
‫وكنت أحسب أن عالجها سيستغرق‪ E‬أكثر من شهر‪ ،‬ولكني فوجئت أن‬
‫العالج لم يتعد خمسة أيام‪ ،‬شفيت الطفلة تماماً‪ ،‬ليس هذا فحسب بل إن‬
‫الحروق لم تترك أثراً في ساقها‪ .‬تكررت زياراتي‪ E‬لصديقي حيث كنت‬
‫أراقبه عن كثب وكنت أستفسر منه عن كثير من الحاالت التي عالجها‪،‬‬
‫وعرضت عليه أن أدون ما رأيته فوافق‪ ،‬ومن هنا فقد طلبت منه أوالً أن‬
‫يتحدث عن نفسه‪ ،‬فاسترسل قائالً‪:‬‬
‫هذه قصتي‬
‫ولدت في أسرة فقيرة‪ ،‬أنا وأخي األكبر وأختي الوحيدة‪ ،‬وعشت في‬
‫كنف أهلي مدلالً لدرجة أن ذلك ترك تأثيراً كبيراً ظهرت نتائجه بعد‬
‫أن كبرت‪ ،‬وصرت أدرك الحياة بشكلها الصحيح‪ ،‬حيث تعرضت‪ E‬لعدة‬
‫وعكات صحية في صغري ما زلت أذكرها وقاومتها ( كالحصبة) التي‬
‫كادت أن تودي بحياتي‪ ،‬وكان مقدراً لي أن أعيش‪ ،‬فأصبحت عاطفياً‬
‫أكثر من المعتاد‪ ،‬وحساساً أكثر من المألوف‪ ،‬عاطفتي تسبق تفكيري‬
‫دائماً‪ ،‬وأعترف بأن ذلك خطأ‪ ،‬ولكن هذه هي الحقيقة التي يجب أن تقال‪.‬‬
‫وكبرت وازدادت رهافة حس حتى طبعني ذلك بطابع الحزن الدائم‪،‬‬
‫بحيث سيطر علي فصرت أخشى على نفسي من التعرض لحالة نفسية ال‬
‫يمكن التغلب عليها‪.‬‬
‫‪-‬هل استطعت بعد الخطوة األولى في معالجة حروق ابنتك أن تطور العالج‬
‫الذي اكتشفته؟‪M‬‬
‫*‪-‬رحت أعالج حاالت من الحروق‪ E‬على درجة بسيطة بالقياس إلى‬
‫غيرها من تلك الحروق التي يصعب السيطرة عليها‪ ،‬ولم أقف عند هذا‬
‫الحد‪ ،‬بل انتقلت إلى عالج الحروق‪ E‬من مختلف الدرجات‪ ،‬ووفقت في‬
‫التعامل معها والسيطرة عليها حتى اكتسبت خبرة ممتازة ال تقل أهمية‬
‫عن الدواء نفسه‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫وعندما علم الناس بأنني أعالج الحروق باألعشاب الطبيعية‪ ،‬صاروا‬
‫يأتون إلي بذويهم من المصابين من مختلف العمار‪ ،‬ورحت‪ E‬أعالجهم‪،‬‬
‫وكانت النتائج كلها مرضية جداً‪،‬وقد اكتسبت شهرة واسعة بين الناس‬
‫من خالل النتائج الممتازة لعالجي الحروق على مختلف درجاتها‪ .‬وقد‬
‫نجحت في السيطرة التامة على كل حاالت الحروق البسيطة والصعبة‬
‫والصعبة جداً‪ ،‬حتى تلك التي اعتذرت المستشفيات المتخصصة عن‬
‫استقبالها ناهيك عن عالجها‪،‬وكنت أنفق على شراء المواد األولية‬
‫ومستلزمات العالج من راتبي الشهري الذي ال أملك غيره‪،‬والذي ال يكاد‬
‫يكفي مصاريف البيت‪ ،‬ومصاريف مستلزمات العالج وتركيب الدواء‪.‬‬
‫‪-‬هل كنت واثقا ً من نفسك دائماً؟‬
‫* ‪-‬من حيث الروح المعنوية فإنني على ثقة كبيرة بما أقوم به‪،‬‬
‫وأثق تماماً بالدواء الذي أقوم بتركيبه وتحضيره‪ ،‬وكلما استلمت حالة‬
‫حرق من درجة عالية‪ ،‬كنت ألوم نفسي كثيراً‪ ،‬وأسأل نفسي‪ :‬من‬
‫أجبرني على عالج هذه الحالة الصعبة؟ وينتابني القلق‪ ،‬وقد أعاف الطعام‬
‫عدة أيام‪ ،‬عندما تكون حالة الحرق على درجة حساسة و عالية‪ ،‬لشدة قلقي‬
‫وأنا أنتظر نتيجة العالج التي تحتاج بالطبع إلى عدة أيام وأحياناً أسابيع‪،‬‬
‫وعندما تشفى مثل هذه الحالة الصعبة كنت أنسى كل ما عانيته؛ خاصة‬
‫عندما أرى الفرح على وجوه أهل المريض‪،‬وهم ال يعرفون بأن فرحي بهذه‬
‫النتيجة أكبر من فرحهم‪ ،‬خاصة عندما أحصل على قبلة يطبعها طفل‬
‫صغير على خدي في نهاية آخر جلسات العالج عندما يشفى تماماً‪.‬‬
‫‪-‬نسمع كثيراً عن مخاطر الحروق وحدوث وفيات كثيرة نتيجة اإلصابة بها‪،‬‬
‫فهل استطعت السيطرة على كل حاالت الحروق أم أن األمر يقف عند حد معين؟‬
‫*‪-‬مع مرور الزمن أصبح عالج الحروق‪ E‬عندي أمراً عادياً سهالً‬
‫مهما كانت اإلصابة بالغة‪ ،‬حتى تمكنت من السيطرة على الحاالت‬
‫المستعصية التي يرى آخرون أنها بحاجة إلى جراحة تجميلية‪ ،‬غير أنني –‬

‫‪9‬‬
‫وهلل الحمد‪-‬أتمكن من عالجها وتشفى‪ E‬بإذن اهلل تعالى بشكل نام دون إجراء‬
‫أية جراحة تجميلية‪.‬‬
‫‪-‬هل عالجت إصابات ألطفال صغار؟ وكيف كنت تتعامل معهم؟‬
‫*‪ -‬تمكنت من اكتساب خبرة اجتماعية ونفسية من خالل جلسات‬
‫العالج‪ ،‬ومن خالل عالجي لألطفال المصابين بالحروق‪ E،‬وقد تعاملت معهم‬
‫بخبرة ودراية بحيث أحاول التسلل إلى قلوبهم حتى الطفل الرضيع الذي‬
‫ال يفقه من أمور الحياة شيئاً‪ ،‬لكنه يتألم كالكبار‪ E،‬وكانت طريقتي في‬
‫التعامل مع األطفال تثير استغراب األهل ودهشتهم‪،‬وهنا أؤكد على‬
‫ضرورة التعامل مع األطفال بحذر ودراية كافية‪ ،‬حتى يصبح في حالة‬
‫نفسية مرضية؛ فيتمكن الطبيب من عالجه بشكل سليم ومريح‪ ،‬فالطفل‬
‫عادة ال يعرف إن كان الطبيب يريد معالجته أو معاقبته‪،‬أما عند الكبار فإن‬
‫األمر مختلف تماماً‪ ،‬فعالجهم يقوم على مبدأ التفاهم بن المريض‬
‫والطبيب‪.‬‬
‫‪ -‬هل بإمكانك أن تذكر لنا مثاالً على ذلك؟‬
‫*‪ -‬راجعني الطفل عبد الرحمن‪ ،‬وكان يشكو من حروق‪ E‬في معصم‬
‫اليد يمتد حتى نهاية المرفق‪ ،‬وكان هذا الطفل في بداية تعلمه النطق‪،‬‬
‫وهو يلفظ بعض الكلمات‪ ،‬وكان يتألم بشدة أثناء الضماد‪ ،‬ويبكي بكاء‬
‫شديداً‪،‬فبدأت أتقرب إليه وأالطفه حتى بدأ يشعر بأنني أحرص عليه وال‬
‫أريد معاقبته‪ ،‬فتجاوب معي‪ ،‬وكان في كل جلسة عالج يزداد هذا الشعور‬
‫عمقاً عنده‪ ،‬فيطمئن لي أكثر فأكثر‪ ،‬فكان تارة يبكي‪ ،‬و يسكت تارة‬
‫أخرى‪ ،‬وبعد عدة جلسات كان عندما تصحبه أمه إلى جلسة العالج‬
‫يتركها فوراً ويأتي‪ E‬إليّ ويجلس على ركبتي‪ ،‬ويتلفظ بكلمات لم أفهمها‬
‫في بداية األمر( كوكل) ‪ ،‬فلما سألت عنها أمه‪ ،‬ابتسمت خجلة‪ ،‬وقالت‪:‬‬
‫إنه يخبرك بأنه يريد أن يأكل‪ ،‬فكانت زوجتي‪ E‬تذهب وتحضر له بعض‬
‫الطعام وحبات سكاكر‪ ،‬فيأكل ويشرب‪ E،‬ثم أبدأ بتضميده فأالحظ مظاهر‬
‫األلم على وجهه‪ ،‬لكنه ال يبكي وال يتلفظ بألفاظ تنم عن ألمه‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫وبقيت أكسب مودة عبد الرحمن على هذا المنوال إلى أن تم الشفاء‪،‬‬
‫وعادت يد عبد الرحمن سليمة تماماً ليس فيها أي أثر للحروق‪ E،‬وكنت‬
‫أشد الناس فرحاً بشفاء (صديقي)‪.‬‬
‫‪-‬أرغب في ذكر بعض حاالت اإلصابات التي عالجتها‪ ،‬ونتيجة العالج‪ ،‬حتى‬
‫نستوفي الحديث عن هذه المهنة‪.‬‬
‫*‪ -‬هناك حاالت كثيرة يمكن أن أروي لك بعضها‪:‬‬
‫قصة محمود‪:‬‬
‫تعرض محمود لعدة حروق‪ E‬في يده ‪ ،‬وحرق‪ E‬آخر في خاصرته‬
‫اليمنى‪ ،‬فقد انسكب عليه إبريق الشاي كان قد أُنزل من فوق الموقد للتو‪.‬‬
‫أرسلت بمحمود إلى طبيب ليصف له مضادات االلتهاب‪ ،‬ويراقب‪ E‬حالته‬
‫العامة كي ال تحدث مضاعفات أخرى بسبب الحروق‪ E‬ألنها كانت تغطي‬
‫مساحة واسعة من جسده‪ ،‬وتشكل خطراً عليه‪ ،‬ويخشى في هذه الحال من‬
‫حدوث تجفاف‪ ،‬وقد أعطاه الطبيب مضادات االلتهاب وطلب من أهله‬
‫ضرورة مراجعته يومياً لالطمئنان عليه والوقوف على تطور حالته‪ ،‬وعاد‬
‫األهل من عند الطبيب‪ ،‬وأجريت له الضماد األول‪،‬وفي اليوم الثاني ذهبوا به‬
‫إلى الطبيب‪ ،‬فوجد أن جسم الطفل قد تعرض للتجفاف ألنه لم يذق طعاماً‬
‫وال شراباً منذ البارحة‪ ،‬فأعطاهم الطبيب وصفة لتعويض السوائل التي‬
‫فقدها الجسم‪ ،‬وبعد أن أجريت له الضماد الثاني قص علي األهل ما حدث‬
‫عند الطبيب‪ ،‬وفي اليوم الثالث جاؤوا إليّ بالطفل قبل أن يذهبوا إلى‬
‫الطبيب‪ ،‬فوجدت أن حاله ال تسر أبداً‪ ،‬وأخبروني‪ E‬بأنه رفض تناول الدواء‪،‬‬
‫فقلت لهم‪ :‬اذهبوا به إلى الطبيب قبل إجراء الضماد‪ ،‬فذهبوا به وأخبروا‬
‫الطبيب عن وضعه وأنه لم يذق طعاماً وال شراباً‪ ،‬فقال لهم الطبيب‪ :‬إنه‬
‫من الضروري أن يأخذ الدواء‪ ،‬ويتناول الطعام والشراب‪ E،‬على كل األحوال‬
‫حاولوا أن يأخذ ذلك هذه الليلة‪ ،‬فإذا رفض فأحضروه غداً صباحاً ألعلق‬
‫له السيروم( المصل)‪ ،‬ولما رجع األهل إليّ من عند الطبيب أخبروني بما‬
‫جرى معهم‪ ،‬فأعلمتهم بأنني سأقوم بتغيير الضماد‪ ،‬ولما شرعت في تغييره‬

‫‪11‬‬
‫كان الطفل يبكي من األلم والخوف‪ ،‬ولكنه سكت بعد االنتهاء من التغيير‪،‬‬
‫وراح ينظر إلي نظرة الخائف المستغيث‪ ،‬فقلت له‪ :‬يا محمود إذا تناولت‬
‫الطعام والشراب والدواء فسأعطيك لعبة جميلة غداً‪ ،‬وإذا لم تفعل‬
‫فسأعطيك إبرة مؤلمة من هذه الحقيبة المليئة باإلبر‪ ،‬فقال الطفل‪ :‬أريد‬
‫أن أشرب‪ ،‬أريد أن أشرب‪ ،‬فأسرعت وأحضرت له إبريقاً من الماء وآخر من‬
‫الشاي‪ ،‬ورحت أعطيه الشاي بعد مزجه بالماء بنسبة ‪ 1‬إلى ‪ ،4‬فشرب من‬
‫المزيج حتى ارتوى‪ ،‬ثم أعطيته برتقالة فأكلها وشرب الدواء وهو ينظر‬
‫إلى الحقيبة بجانبي‪ ،‬بين دهشة األهل وفرحهم‪ ،‬وأوصيت األهل أن يقدموا‬
‫له الغذاء والسوائل في البيت‪ ،‬ولما عادوا به في اليوم التالي كان الطفل‬
‫مليئاً بالنشاط والحيوية‪ ،‬وقد تحسنت حاله‪ ،‬ولما أخذوه إلى الطبيب‬
‫أخبروه بما حدث فضحك واستحسن هذا األمر‪ ،‬وتابعت‪ E‬عالج الطفل لمدة‬
‫عشرة أيام حيث تماثل للشفاء التام بإذن اهلل تعالى دون أن تترك الحروق‬
‫أي أثر في جسده‪.‬‬
‫فاتن وفاطمة‪:‬‬
‫صبيتان في ريعان الشباب تعرضتا لحروق بالغة غطت حوالي ‪%25‬‬
‫من مساحة الجسم‪ .‬ولنبدأ أوالً بقصة‬
‫فاتن‪:‬‬
‫تعرضت‪ E‬فاتن لحروق بالغة بالغاز‪ ،‬وعولجت لمدة خمسة عشر يوماً‬
‫دون أن يبدو عليها أي تحسن يذكر‪ ،‬وبعد هذه المدة جاؤوا بها إليّ‪،‬‬
‫وكنت أقوم بمعالجة عدد من األطفال الذين اصطحبتهم أمهاتهم‪،‬وقد دق‬
‫الجرس‪ ،‬ولما فتح الباب فوجئت بمجموعة من الرجال والنساء يقومون‬
‫بإنزال صبية من السيارة‪ ،‬كانت ترقد على فراش وقد غطيت بقطعة من‬
‫القماش‪ ،‬وقد حملها هؤالء بفراشها ووضعوها في إحدى الغرف عندي في‬
‫البيت‪ ،‬وكانت فاتن ترتجف من الخوف واأللم‪ ،‬ولما انصرف األطفال‬
‫الذين كنت أعالجهم‪ ،‬استفسرت عن موضوع فاتن وعرفت أنها تعرضت‪E‬‬
‫لحروق بالغاز‪ E،‬واقتربت منها وأزحت الغطاء عنها‪ ،‬لقد كان جسدها‬

‫‪12‬‬
‫مصاباً بحروق‪ E‬شديدة من الدرجة الرابعة‪ ،‬وقد غطت الحروق مساحة‬
‫كبيرة من جسدها‪،‬ولما رأيت ما وصلت إليه حال هذه المصابة اعتذرت عن‬
‫عالجها ألنها وصلت إلى درجة خطيرة‪ ،‬وأخشى أن يحدث لها مكروه‪ ،‬ولكن‬
‫أهلها ضحكوا لهذا االعتذار وقالوا‪ :‬نحن على ثقة أنها ستشفى بإذن اهلل‬
‫تعالى لذلك أتينا بها إليك‪ .‬وقد تواردت الخواطر على ذهني ورحت ألوم‬
‫نفسي إذا تركتها وأدى ذلك إلى حدوث مكروه لها‪،‬وهنا جلست عند‬
‫رأسها وسألتها عن اسمها‪ ،‬فغمغمت بصوت لم أفهم منه شيئاً‪ ،‬لقد اختفى‬
‫صوتها لشدة صراخها من شدة األلم عندما كانوا يقومون بتغيير الضماد‬
‫في األيام الماضية‪،‬وقد علمت من أختها التي ترافقها بأن اسمها فاتن‪،‬‬
‫وعلمت بأنها لم تذق طعم النوم منذ تعرضها لهذا المصاب‪ ،‬وطلبت من‬
‫فاتن أن تتعاون معي في العالج بالتزام الطمأنينة وعدم الخوف‪ ،‬وأخبرتها‬
‫بأنها ستشفى بإذن اهلل تعالى خالل أسبوعين‪ ،‬فأجهشت بالبكاء‪ ،‬وقد قمت‬
‫بتضميدها الضماد األول‪ ،‬وفي اليوم الثاني عندما قدم أهلها بها شاهدت‬
‫وجوههم مستبشرة ولما دخلوا بها ووضعوها ونظرت إليها سألتها عن‬
‫حالها فأغمضت عينيها وكأنها تخبرني أنها اليوم أفضل حاالً من األمس‪،‬‬
‫وعند حضورها إلجراء الضماد الرابع نزلت لوحدها من السيارة بدون‬
‫ودخلت ماشية دون مساعدة أحد‪ ،‬وقد ظهرت على وجهها ابتسامة‬
‫الرضا‪،‬وراحت‪ E‬فاتن تتحسن يوماً بعد يوم‪ ،‬وبعد ثالثة عشر يوماً كنت‬
‫أزيل عن جسدها الضماد األخير دون أن نضع آخر مكانه‪ ،‬لقد شفيت وعادت‬
‫إلى بلدها‪ ،‬وهناك لم يصدق أحد من أهل بلدها أنها عادت معافاة‪.‬‬
‫فاطمة‪:‬‬
‫فاطمة تلك الفتاة اليافعة التي لم تتجاوز الرابعة عشرة من عمرها‬
‫كانت تساعد أمها في الطبخ؛فانقلبت عليها القدر عليها لتسبح في بركة‬
‫من مرق الدجاج الذي كان يغلي‪ ،‬فأصبحت ال يمكن أن تفرقها عن الدجاج‬
‫الذي كان في القدر‪ ،‬على كل حال قرر أهلها أن يأتوا بها إلي‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫كشفت عن اإلصابة‪ ،‬لقد كانت قوية جداً‪ ،‬ومساحة الحروق‪ E‬كبيرة‬
‫بحيث كانت تغطي حوالي ‪ %30‬من جسمها‪ ،‬قمت بإجراء اإلسعافات‬
‫األولية‪ ،‬وكنت في األيام األولى أستعين بأحد األطباء لمراقبة حالتها‬
‫العامة ليقوم بإعطائها األمصال الالزمة لتعويض السوائل في الجسم‪،‬‬
‫وبقيت تعتمد على السوائل لمدة يومين‪ ،‬وكانت تتألم على رغم تناولها‬
‫مسكنات لأللم‪ ،‬وخالل عملية التضميد كنت أحاول التخفيف عنها بشتى‬
‫أنواع الحديث‪ ،‬وكانت تضحك تارة وتبكي تارة أخرى‪ ،‬بحيث كان‬
‫الضحك يمتزج بالبكاء‪ ،‬وكانت حالتها تتحسن يوماً بعد يوم حتى تم لها‬
‫الشفاء بإذن اهلل تعالى‪ ،‬وقد استغرق عالجها ثالثة وعشرين يوماً‪ ،‬وقد‬
‫رجتني كثيراً بأن أزورهم‪ E‬بعد انتهاء العالج‪.‬‬
‫قصة العم خضر‪:‬‬
‫يبلغ العم خضر الخامسة والسبعين من عمره‪ ،‬وفي أثناء دخوله إلى‬
‫الحمام في إحدى المرات‪ ،‬وبعد وضع إناء مملوء بالماء على موقد الغاز‪،‬‬
‫وقيامه بإشعال الغاز‪ ،‬ونظراً لضعف نظره‪ ،‬فلم يالحظ العم خضر أن‬
‫الموقد لم يشتعل‪ ،‬بل ظل الغاز يخرج منه دون أن يكون مشتعالً‪ ،‬وخرج‬
‫العم خضر لفترة من الزمن‪ ،‬وعاد ثانية ولمس الماء فوجد بارداً‪ ،‬وحاول‬
‫إشعال الغاز‪ ،‬وبمجرد أن أشعل عود الثقاب انفجر الغاز المتسرب الذي مأل‬
‫المكان‪،‬وفي‪ E‬لحظة واحدة وجد نفسه في وسط النيران‪ ،‬وقد أُصيب‬
‫بحروق بليغة خاصة في منطقة الفخذين‪ ،‬وبنتيجة االرتباك والحيرة‬
‫كشط الجلد المحروق بشكل كامل‪ ،‬وجاء إلي أحد أوالده واستدعاني‪،‬‬
‫فأخذت معي الدواء‪ ،‬وذهبت إلى بيت العم خضر‪ ،‬وهناك وجدته يرقد على‬
‫فراشه وهو يتألم ويندب حظه‪ ،‬فسلمت عليه وقلت له‪ :‬الحمد هلل يا عم‬
‫خضر على سالمتك‪ ،‬فانهال علي بسيل من الدعوات بالتوفيق‪ ،‬وراح يغني‬
‫شيئاً من العتابا الحزينة يتذكر بها أيام الشباب‪ ،‬ويبكي بكاء مراً‪ ،‬فتأثرت‬
‫بما أراه وقمت بتضميده‪ ،‬وتوقعت أن العم خضر سيحتاج إلى أكثر من‬

‫‪14‬‬
‫شهرين حتى يشفى تماماً نظراً لكبر سنه‪ ،‬وخانتني التوقعات هذه المرة‪،‬‬
‫إذا أنه تماثل للشفاء بعد ثالثة عشر يوماً فقط‪ ،‬حيث كان يقف على‬
‫رجليه بعدها وليس فيهما أي أثر للحروق‪ E،‬وقد زارني العم خضر بعد‬
‫شفائه بعدة أيام يقدم لي الشكر على ما قدمته له من عالج واهتمام‪ ،‬وقال‬
‫لي‪ :‬سلمت يداك وإنني أعتبرك واحداً من أوالدي‪ ،‬وقلت له‪ :‬سلمت يا عم‬
‫خضر‪ ،‬ولكن لي عندك طلب‪ ،‬وهو ان تغني لي شيئاً من غنائك‪ ،‬فلم يتردد‬
‫وغنى لي غناء بسيطاً وجميالً شعرت من خالله بدفء يتسرب إلى كياني‬
‫ويحلق بي بعيداً حيث السماء الصافية‪ ،‬والحلم الواسع‪ ،‬واألماني العذبة‪.‬‬
‫قصة أم أحمد‪:‬‬
‫أم أحمد عندها تسع بنات بأعمار مختلفة‪ ،‬تعرضت أصغرهن روان‬
‫لحروق بالغة‪ ،‬حيث وقعت‪ E‬في وعاء حليب يغلي‪،‬وكانت روان توءم مع‬
‫أخت لها ال تكاد تفرق بينهما حيث تشبهان بعضهما بعضاً‪ ،‬وقد جاءت أم‬
‫أحمد تحمل ابنتها‪ ،‬وكان بكاؤها يمتزج ببكاء روان الصغيرة‪ ،‬وكانت‬
‫إصابتها خطيرة ويخشى من حدوث مضاعفات‪ ،‬فهي بحاجة إلى مراقبة في‬
‫المستشفى‪ ،‬خوفاً من نفاذ الحرق إلى داخل جسم الطفلة‪ ،‬فقلت لألم‪ :‬هذه‬
‫الطفلة بحاجة إلى مستشفى حالياً لوضعها تحت المراقبة‪،‬فخذيها بسرعة‬
‫إلى المستشفى وال تتأخري دقيقة واحدة‪ ،‬فصاحت أم أحمد وهي تبكي‪:‬‬
‫معنى ذلك أن إصابتها خطيرة ومميتة‪ ،‬فقلت لها‪ :‬إنها قد تحتاج إلى‬
‫أمصال لتعويض السوائل‪ ،‬فذهبت بها على المستشفى وبقيت الطفلة تحت‬
‫المراقبة لمدة خمسة أيام‪ ،‬خرجت بعدها وجاءت بها أمها وأخبرتني أنها‬
‫أدخلتها المستشفى‪ ،‬وها هي اآلن بين يدي‪،‬فأفهمتها بأن مراجعة المستشفى‬
‫أمر ضروري‪ E‬في مثل هذه الحالة في بداية العالج حتى نتجنب المضاعفات‬
‫التي يمكن أن تحدث‪،‬وحتى‪ E‬يزول الخطر وكل ذلك من أجل سالمة‬
‫الطفلة المصابة‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫باشرت بعالج الطفلة روان‪ ،‬وكانت الطفلة الشقراء ذات العينين‬
‫الزرقاوين ذات مظهر رزين‪ ،‬ومتجاوبة للعالج وقد كتب اهلل تعالى لها‬
‫الشفاء في مدة عشرة أيام‪.‬‬
‫ولكن شر البلية ما يضحك فبعد أقل من شهر من شفاء روان جاءت‬
‫أم أحمد مسرعة تحمل طفلتها بين ذراعيها‪ ،‬ولما رأيتها أصابتني الدهشة‬
‫وسألت أم أحمد‪ :‬ماذا هل أصيب روان بحروق مرة ثانية؟‪ ،‬فانخرطت أم‬
‫أحمد بالبكاء وقالت‪ E:‬إن هذه ليست روان هذه أختها التوءم بتول‪ ،‬لقد‬
‫كانت تشبه أختها إلى حد بعيد‪ ،‬وطمأنت أم أحمد وبدأنا رحلة العالج التي‬
‫دامت أحد عشر يوماً شفيت بتول بعدها تماماً‪.‬‬
‫انتظروا قليالً لم ننته بعد من قصة أم أحمد‪ ،‬فبعد شهر ونصف من‬
‫شفاء بتول عادت أم أحمد مرة ثالثة تحمل طفلة‪ ،‬وهي‪ E‬أكبر من روان‪،‬‬
‫وقد تعرضت‪ E‬لحروق بالغة غطت حوالي ‪ %20‬من مساحة جسمها‪،‬ولما‬
‫سألت أم أحمد‪ :‬لمن هذه الطفلة؟ انفجرت بالبكاء وأخذت تندب حظها‬
‫وقالت‪ :‬هي ابنتي‪ ،‬وبشكل عفوي قلت ألم أحمد‪ :‬أال تخافين اهلل هذا هو‬
‫اإلهمال بعينه‪ ،‬هل من المعقول أن تتعرض ثالث بنات لحروق‪ E‬في أقل من‬
‫ثالثة أشهر؟ فأخذت تبكي وتقول لي‪ :‬أرجوك عالج هذه الطفلة فال أريد‬
‫أن اذهب بها إلى المستشفى‪ ،‬فقلت لها‪ :‬سأعالجها ولكن بشرط أن يتولى‬
‫أحد األطباء اإلشراف على مراقبة حالتها العامة‪ ،‬وأن تأخذ الدواء بانتظام‪،‬‬
‫وتكثر‪ E‬من تناول السوائل بكميات كافية‪ ،‬فوافقت أم أحمد على هذا‬
‫الشرط‪ ،‬وبدأت رحلة عالج نور‪ ،‬وقد تماثلت للشفاء بعد أسبوعين من‬
‫العالج‪ ،‬حيث لم يبق هناك أي أثر للحروق في جسمها‪.‬‬
‫قصة الشاب غالب‪:‬‬
‫غالب شاب في الثالثة والعشرين‪ E‬من عمره‪ ،‬يعمل سائقاً لسيارة شحن‬
‫يملكها والده‪ ،‬وكانت السيارة تحمل عدة رؤوس من البقر لتنقلها من‬
‫محافظة إلى أخرى‪ ،‬وفي مدخل المدينة التي ينقل إليها هذه األبقار فوجئ‬

‫‪16‬‬
‫بسيارة تمر أمامه فجأة‪ ،‬فارتبك وحاول تفادي االصطدام بها‪ ،‬فأخذ يدير‬
‫المقود يميناً وشماالً فتأرجحت سيارته وانقلبت‪ ،‬واشتعلت النيران بكبينة‬
‫السائق وكان ما يزال في داخلها‪ ،‬وكان قد فقد وعيه عند انقالبها‪،‬وقد‬
‫أُخرج من السيارة بعد محاوالت مضنية وقد أُصيب بحروق‪ E‬من الدرجة‬
‫الثالثة نٌقل على إثرها إلى المستشفى‪ ،‬وأُجريت له اإلسعافات األولية‬
‫الالزمة‪ ،‬وعندما علم أهل الشاب غالب بالحادث ذهبوا إلى المستشفى الذي‬
‫يعالج فيه‪ ،‬وأخرجوه ونقلوه إلى بيت أهله في محافظة حمص‪.‬‬
‫حضر والده إليّ وطلب مني مرافقته لالطالع على حالة غالب‪،‬‬
‫فذهبت إليه وكان يرقد في فراشه وحوله عدد كبير من الزائرين الذين‬
‫يعودونه‪ ،‬وكان ما يزال يعاني من أثر الصدمة نتيجة الحادث فجلست‬
‫بقربه دون أن أحادثه لعدم تمكنه من الكالم‪ ،‬ذلك أنه أصيب بجرح في‬
‫لسانه تمت خياطته؛ ومنعه ذلك من التكلم‪ ،‬قمت بمعاينة أمكنة الحروق‪،‬‬
‫على الرغم من كونها مغطاة بالشاش‪ ،‬فوجدت أن هذه الحروق‪ E‬لم تصب –‬
‫وهلل الحمد‪ -‬أماكن حساسة في الجسم‪ ،‬وكانت الحروق‪ E‬من درجات عالية‪،‬‬
‫وقد غطت مساحة كبيرة من الجسم إال أنها كلها في أماكن أمينة‪ ،‬وقد‬
‫أعلمت والده بذلك‪ ،‬وأنا أغادر بيت المصاب‪.‬‬
‫وبعد خروجي‪ E‬من بيت المصاب حضر بعض أقاربه وأعلموا والد‬
‫غالب أنهم يريدون نقله إلى مشفى خاص بدمشق ألن حالته ال تطمن‪ ،‬فلم‬
‫يوافق على طلبهم‪ ،‬وشكرهم على اهتمامهم وأعلمهم أنه قرر معالجته في‬
‫البيت‪ ،‬وقد أنكروا أن أقوم بمعالجته دون وجود مستشفى‪ ،‬وقد رد والده‬
‫عليهم بأنه يعرفني جيداً وقد عالجت في مرة سابقة شقيق المصاب‬
‫األكبر؛ وكان قد أُصيب بحروق‪ E‬في وجهه بحروق‪ E‬بالغة‪ ،‬وها هو أخوه‪،‬‬
‫هل ترون في وجهه أي أثر للحروق؟‪.‬‬
‫وفي اليوم التالي حضر والد غالب‪ ،‬وذهبت معه إلجراء الضماد األول‪،‬‬
‫وقد أخبرني بما دار بينه وبين بعض أقاربه في اليوم السابق‪ ،‬وفي اليوم‬

‫‪17‬‬
‫الحادي والعشرين من اإلصابة نزعت عنه الضماد األخير‪ ،‬وقد شفي تماماً‪،‬‬
‫وال تسل عن فرحة األهل التي ال تعادلها إال فرحتي بشفاء غالب‪.‬‬
‫ما هي قصة حال؟‬
‫حال طفلة شرسة كهرة برية تغرس مخالبها في كل شيء‪ ،‬ولكن‪:‬‬
‫من يعاشر الهر عليه أن يتحمل ( خرمشة أظافره)‪.‬‬
‫هي طفلة في الخامسة من عمرها‪ ،‬دخلت المطبخ بدون علم أمها‬
‫لتسكب صحناً من الرز بحليب‪ ،‬الذي ما زال على الموقد؛ وقد أوشك على‬
‫النضج‪ ،‬غير أن حرارة القدر الذي ما زال على النار‪ ،‬إضافة إلى بخار‬
‫الحليب المتصاعد والذي كان يحيط بها من كل جانب‪ ،‬وقد أدخلت‬
‫الملعقة في القدر فشعرت بحرارة قوية فسحبت يدها بسرعة‪ ،‬فانسحبت‬
‫القدر معها فانسكب الرز بحليب على رجلها‪ ،‬فأصيبت بحروق‪ E‬بالغة‪ ،‬نفذت‬
‫إلى داخل الجلد‪ ،‬وقد أسرع أهلها بها إليّ‪ ،‬والحظت أن حال شرسة جداً‪،‬‬
‫وال تتعاون معي في العالج‪ ،‬إضافة إلى قلة صبرها على تحمل األلم‪،‬إلى‬
‫درجة أنه إذا هبت نسمة هواء باردة على مكان الحرق فإنها تقيم الدنيا‬
‫وتقعدها‪.‬‬
‫بدأت بعالج حال‪ ،‬وكنت أعاني صعوبة في تغيير الضماد‪ ،‬حتى أن‬
‫والديها كان يمسكان بها بإحكام في كل مرة‪ ،‬وكانت كثيراً ما تستغل‬
‫الفرصة لتركلني على وجهي أو صدري برجلها الثانية السليمة‪ ،‬وحينما‬
‫أنتهي من الضماد تسكت فجأة وكأن شيئاً لم يكن‪ ،‬إن هذا األمر غريب‪،‬‬
‫إنني واثق من أنها تتألم‪ ،‬ولكن لماذا تسكت بهذه السرعة بعد انتهاء‬
‫الضماد‪،‬لقد كان خوفها أكبر مما يستوجبه األلم الذي يمكن أن تحس به‪،‬‬
‫وقد كنت أقدم لها كوبين أو ثالثة من الشاي‪ ،‬وكوباً من الماء ألنها‬
‫بحاجة إلى تناول كثير من السوائل لتعويض ما تفقده منها من خالل‬
‫مكان اإلصابة‪ ،‬وعلى رغم شراسة حال فقد كانت تعتذر عما يبدر منها بعد‬

‫‪18‬‬
‫انتهاء جلسة الضماد من ركالت الجزاء التي توجهها إلي‪ ،‬والتي تتمكن من‬
‫تسجيل أهداف لم يستطع حارس المرمى‪ -‬الذي هو أنا‪ -‬من صدها‪.‬‬
‫وكانت أحياناً تقوم بخطف المناديل الورقية التي أستعملها‬
‫لتجفيف المكان المصاب بعد تعقيمه‪ ،‬حيث تخطفها بسرعة البرق‬
‫وتحتفظ بها كي ال ألمس مكان الحرق‪ ،‬فأتناول غيرها فتخطفه مرة‬
‫أخرى من يدي‪ ،‬وهكذا حتى انتهاء عملية الضماد‪ ،‬وكنت على رغم هذه‬
‫المعاناة أتعامل مع تلك الطفلة بكثير من الهدوء والصبر‪ ،‬وكانت حال‬
‫تتماثل للشفاء يوماً بعد يوم حتى شفيت تماماً خالل شهر‪ ،‬أتقنت خاللها‬
‫رمي ضربات الجزاء نحو الهدف‪ ،‬ومع ذلك أصبحنا صديقين يجمعنا‬
‫ملعب اإلنسان وإنسانية اإلنسان‪.‬‬
‫‪-‬هل صادفت بعض المتاعب في خالل هذه الرحلة الطويلة؟‬
‫*‪ -‬نعم ال يخلو األمر من بعض ذلك فممارسة المهنة يلزمها شهادة‪،‬‬
‫فعلى رغم كل ما اكتسبته من خبرة في عالج الحروق‪ ،‬وعلى رغم‬
‫تركيبة الدواء التي ال تترك أي أثر لندوب أو غيرها من آثار الحروق‪E‬‬
‫بعد شفائها‪ ،‬وعلى رغم الحاالت الكثيرة التي عالجتها‪ ،‬فإن حيازة شهادة‬
‫لممارسة هذه المهنة ضرورية جداً‪ ،‬فهذه الشهادة تجعل المرضى وذويهم‬
‫يصدق كل ما يقوله حاملها ولو كان في قوله شيء من المغالطة أحياناً‪،‬‬
‫التي ال تظهر أحياناً إال بعد فوات األوان‪.‬‬
‫ومما يؤيد ما أذهب إليه قصة المريضة سحر‪:‬‬
‫سحر صبية في مقتبل العمر أُصيبت بحروق‪ E‬في القدمين نتيجة‬
‫انفجار أنبوب الغاز‪ ،‬وبسبب شدة الحرارة التي تعرض لها قدما هذه الصبية‬
‫فقد أثرت على أعصابها‪ ،‬وقد عالجت اإلصابة إلى أن شُفيت تماماً‪ ،‬ومع‬
‫ذلك فإنها لم تكن قادرة على المشي بشكل طبيعي‪ ،‬وأنا أعرف السبب‬
‫تماماً‪ ،‬وكنت أشرحه لألهل‪ ،‬فكانوا يظنون أنني أبرر لهم حالة عجزت عن‬
‫السيطرة عليها‪ .‬وكنت أقول لهم بأن أعصاب سحر تأثرت إلى حد كبير‬

‫‪19‬‬
‫بالحرارة العالية التي تعرضت لها قدما الصبية‪ ،‬وإنها سوف تعود إلى‬
‫المشي بشكل طبيعي ولكن ذلك يتطلب وقتاً‪ ،‬وال خوف عليها‪.‬‬
‫وعلى رغم هذا الشرح الوافي كان أهل سحر يشكون فيما أخبرهم‬
‫به‪ ،‬وكنت أالحظ نظرات عدم الثقة ترتسم على وجوههم‪ ،‬وصرت أفكر‬
‫في كيفية حل هذه المشكلة‪ ،‬لتخليص نفسي من شيء ليس لي عالقة به‪،‬‬
‫فطلبت من والد الصبية بعد أن انتهى العالج إحضار الطبيب لينظر في‬
‫أمرها ألن دوري قد انتهى‪ ،‬فوافق والدها على ذلك‪ ،‬وتركتهم وعدت إلى‬
‫البيت‪ ،‬وبعد ساعة دق جرس الهاتف ليبلغني أهل سحر بأنهم قد أحضروا‬
‫الطبيب‪ ،‬وطلبوا م ني الحضور‪ ،‬فذهبت‪ ،‬وعندما دخلت رحبوا بي كثيراً‬
‫على غير العادة‪ ،‬وقدموا لي القهوة‪ ،‬والحظت وأنا أرشف فنجان القهوة بأن‬
‫نظرات عدم الثقة قد زالت‪ ،‬فأخبروني بان الطبيب يبلغني تحياته‪ ،‬ويشكر‬
‫لي جهودي في عالج سحر‪ ،‬وأنه اخبرهم بأن سبب عدم مشيها هو تأثر‬
‫األعصاب بالحرارة العالية التي نفذت في الجلد إلى أعماق كبيرة‪ ،‬وكما‬
‫أخبرتهم تماماً‪ ،‬فتنفست الصعداء وخرجت من بيتهم مسروراً جداً‪ ،‬وقد‬
‫عادت سحر إلى المشي فيما بعد‪.‬‬
‫‪-‬نسمع كثيراً عن حاالت ال يمكن السيطرة عليها‪ ،‬خاصة الحروق الناجمة‬
‫عن المواد الكيماوية وخاصة في قنابل الحروب‪ ،‬وما حدث مؤخراً في لبنان اكبر‬
‫دليل‪ ،‬فما رأيك؟‬
‫*‪ -‬كل حاالت الحروق يمكن السيطرة عليها‪ ،‬وعالجها وشفاؤها‬
‫مهما كانت درجتها‪ ،‬حتى تلك التي تحدث بسبب حروق‪ E‬مواد كيماوية‪،‬‬
‫وال يوجد أي نوع منها يستعصي‪ E‬على العالج‪ ،‬أقول لبك ذلك بفعل‬
‫تجربتي التي عايشتها‪.‬‬
‫‪-‬ال شك أن هناك كثيراً من األخطاء التي ترتكب عند اإلصابة بالحروق‬
‫نتيجة الجهل بها‪ ،‬فهل بإمكانك إفادتنا في هذا الجانب؟‬
‫*‪-‬نعم‪ ،‬هناك أخطاء كثيرة وكبيرة يقع فيها المصاب أو أهله إن‬
‫كان طفالً‪ ،‬وهي أخطاء تعقد عملية المعالجة وتؤخر الشفاء‪ ،‬فالناس‬
‫يتصرفون بأنواع خاطئة من السلوك عند اإلصابة بالحروق‪ ،‬فقد يعمد‬

‫‪20‬‬
‫بعضهم إلى دهن مكان اإلصابة بمعجون أسنان أحياناً‪ ،‬أو برب‬
‫البندورة( معجون الطماطم)‪ ،‬أو باللبن الرائب‪ ،‬اعتقاداً منهم أنها تخفف‬
‫من الشعور باأللم‪ E،‬وهو تصرف خاطئ تماماً‪.‬‬
‫‪-‬ب َم تنصح الناس عند وقوع أية إصابة نتيجة حدوث حروق من درجة ما؟‬
‫*‪ -‬إذا تعرض أحد األشخاص إلى حروق‪ E‬بالنار‪ ،‬أو بأي سائل حار أو‬
‫مواد كيماوية فيجب اإلسراع في صب الماء على المكان المصاب كعملية‬
‫إسعافية سريعة وآنية‪ ،‬لحظة حدوث اإلصابة‪ ،‬ثم ننزع الثياب عن مكان‬
‫اإلصابة بلطف حتى ال نتسبب بكشط الجلد‪ ،‬ثم يترك األمر بعد ذلك‬
‫للطبيب‪.‬‬
‫‪-‬كيف يمكن تجنب حدوث حريق ما؟‬
‫*‪-‬إن األشياء التي تسبب اإلصابة بالحروق‪ E‬كثيرة‪ ،‬منها الغاز‪ ،‬لذلك‬
‫يجب تركيب منظم للغاز في كل أسطوانة ليصل إلى الموقد بشكل‬
‫صحيح‪ ،‬والتأكد من سالمة األنبوب الذي يصل أسطوانة الغاز بالموقد‪.‬‬
‫‪-‬إذا دخلنا إلى المطبخ أو أي مكان ووصلت إلى أنوفنا رائحة الغاز‬
‫يجب فنح النوافذ كلها‪ ،‬وتجنب إشعال مفاتيح الكهرباء ألن شرارتها تصل‬
‫إلى الغاز فيشتعل‪.‬‬
‫‪-‬إبعاد األطفال عن المطبخ عند انشغال األم بإعداد الطعام حتى ال‬
‫تنسكب محتوياته على أجسادهم‪.‬‬
‫‪-‬مراقبة األطفال بعدم تركهم يعبثون بمفاتيح الكهرباء ومقابسها‬
‫ألنها ال تسبب الحروق‪ E‬فقط بل قد تصعقهم‪.‬‬
‫‪-‬إبعاد األطفال عن اللعب بأعواد الثقاب وإشعال الورق‪.‬‬
‫‪-‬عدم لعب األطفال بالمفرقعات ألنها خطرة وتسبب‪ E‬الحروق‬
‫واإلصابات‪.‬‬
‫‪-‬إذا حاولنا إطفاء حريق ناجم عن مواد بترولية يجب تجنب صب‬
‫الماء على النار ألن األكسجين الموجود في الماء يساعد على االشتعال‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫‪-‬عدم السباحة في البحر تحت أشعة الشمس الساطعة لساعات طويلة؛‬
‫خاصة عند الظهيرة ألن حرارة الشمس والملوحة والرطوبة العالية تسبب‬
‫الحروق‪.‬‬
‫‪-‬عدم الوقوف تحت أشعة الشمس ألنها أيضاً تسبب الحروق‪ E‬في‬
‫الوجه واألعضاء المكشوفة من الجسم‪.‬‬
‫‪-‬عند تعرض أحد األشخاص لحروق من درجة عالية جم عنه‬
‫مشاكل كبيرة لألعضاء الداخلية في الجسم‪.‬‬
‫صور لبعض الحاالت الصعبة التي تمت معالجتها‪:‬‬

‫بعد العالج‬ ‫قبل العالج‬

‫‪22‬‬
‫بعد العالج‬ ‫قبل العالج‬

‫قبل العالج‬

‫‪23‬‬

You might also like