Professional Documents
Culture Documents
في مقدور البشرية من قبل أن تصل إليها ،وتأتي هذه الحقائق مطابقة لخبر وارد في القرآن الكريم أو السنة
.النبوية المطهرة
ومن المعلوم أن هذا الدين اإلسالمي الذي ختم هللا سبحانه وتعالى به الديانات واجه كثيراً من التحديات فتغلب
على صعابها وبين باطلها من صوابها .واجه هذا الدين تحدي إبادة وهو ناشئ عن تحدي االستفزاز من
األرض قال تعالى( :وإن كادوا ليستفزونك من األرض ليخرجوك منها وإذا ال يلبثون خالفك إال قليالً ) اإلسراء
)76.
لكن محاولة محو هذا الدين من األرض كانت تراود نفوس أعدائه إال أن هللا سبحانه وتعالى ق ّيض لهذا الدين
أتباعا ً أمدّ هم بعونه وقوته حتى هيأوا في أقل من قرن حيزاً جغرافيا ً من المحيط الى الخليج يكفل وإلى األبد
.بقاء هذا الدين
التحدي الثاني :كان تحدي الديانات السماوية وغير السماوية فجادلها هذا الدين بالحسنى وبالحجة البالغة
.والبرهان الساطع توحيداً ال شرك فيه ،وتشريعا ً ال حيف فيه ومساواة كاملة بين أبنائه
التحدي الثالث :الفلسفات وبخاصة اليونانية فواجهها علماء هذا الدين بالعقل المؤيد بالوحي فكشفوا زيفها
كأبي حامد الغزالي وابن تيمية وابن رشد على اختالف فيما بينهم إال أنهم جميعا ً استضاءوا بنور الوحي
فوقفوا سداً منيعا ً دون األخطاء القاتلة للفلسفة وأدمجوا عناصرها اإليجابية وأخذوا وأعطوا ،ولذا فإن
الفالسفة المتنورين في الغرب قد أفادوا من فالسفة اإلسالم وظهر دين الحق على كل من ناوأه بالحجة
.والبرهان
.وفي هذا القرن واجهت الديانات وبخاصة اإلسالم وما زالت تحدي العلم
لقد كانت آيات هللا تعالى بالمرصاد لكل تح ٍد بمختلف أوجهه ومجاالته في التشريع والتوجيه واألخالق وكذلك
.العلم
وهكذا تضاعف غم الذين كانوا يعولون على العلم كأداة هدم ال تقهر لقلعة الدين عندما شاهدوه يتحول إلى
.قلعة من قالع الدين ال تغلب حينما اكتشف العلم نفسه في نصوص الكتاب والسنة
وتتابعت اعترافات بعض قمم العلم في هذا العصر بأن النصوص الدينية اإلسالمية ليست كغيرها من النصوص
الدينية التي تدخل فيها يد اإلنسان بالتحريف والتبديل فعارضت العلم واعترض عليها لكنه لم يستطع أن يفند
أي حرف من القرآن الكريم كما يجزم به الطبيب الفرنسي موريس بوكاي بعبارة قريبة من هذا ،بينما أظهر
في كتابه تعارض العلم والكتب السماوية األخرى .ونعتقد أن ذلك نتيجة التحريف والتبديل ألن القرآن وحده
.وحي هللا المحفوظ الشاهد لنفسه والبرهان على صدق رسوله الخاتم سيدنا محمد صلى هللا عليه وسلم
العلم يقوم اليوم شاهداً بالمعجزة وعالمة على صدق الرسول المصطفى صلى هللا عليه وسلم وسنحاول أن
نقول كلمة عن تأصيل اإلعجاز العلمي وقبل ذلك ينبغي أن نتحدث عن األلفاظ والمصطلحات ذات العالقة
. باإلعجاز :المعجزة ،والعالمة ،واآلية
.فالمعجزة مشتقة من العجز وهو عجز الخصم أمام البرهان ليقر بالقضية الدعوى
عرفها بعضهم بأنها ( :أمر خارق للعادة Vمقرون بالتحدي سالم من المعارضة )
وقد ّ
أما الدليل :فقد استعمل جمعه دالئل وهو جمع على غير قياس كرهين ورصيد ،وقد استعمله البعض كأبي نعيم
.والبيهقي في دالئل النبوة
أما اآلية :فهو اللفظ القرآني وهو يرادف العالمة لغة واستعماالً ألنه عالمة على صدق النبي صلى هللا عليه
ت إلى فرعون وقومه.) وسلم في دعواه قال تعالى عن سيدنا موسى .صلى هللا عليه وسلم ( .في تسع ءايا ٍ
( فلما جاءتهم ءاياتنا مبصرة ) وقال تعالى عن البيت الحرام ( :فيه ءايات بينات مقام إبراهيم ) وهي عالمات
تدل على اصطفاء هذا المكان للعبادة مقام إبراهيم وبئر زمزم الذي ال يزال ماؤه جارياً .ووصف القرآن الكريم
بأنه آيات ( :الر* تلك ءايات الكتاب وقرءان مبين)
أما العالمة فقد أطلقها بعضهم كاإلمام البخاري في صحيحه ( :باب عالمات النبوة في اإلسالم ) وعلق عليه
= l. ;l ;.الحافظ ابن حجر بأن
والكرامة .وقد بين فيما بعد العالمات :منها ( ما وقع التحدي به ومنها ما وقع داال على صدقه من غير سبق
.تح ٍد ) فيفهم من هذا أن العالمة أعم إذ كل معجزة عالمة وليس كل عالمة معجزة
جعل ابن خلدون المعجزة مركبة من الخارق والتحدي إذ يقول في مقدمة تاريخ العبر ( :ومن عالماتهم
( األنبياء ) أيضا ً وقوع الخوارق لهم شاهدة بصدقهم وهي أفعال يعجز البشر عن فعل مثلها فسميت بذلك
معجزة وليست من جنس مقدور العباد وإنما تقع في غير محل قدرتهم ...فالمعجزة دالة بمجموع الخارق
.والتحدي وبذلك كان التحدي جزءاً منها )
ووصف هللا تعالى إتيان النبي األمي – عليه صلوات هللا وسالمه – بالقرآن بأنه آية ( وما كنت تتلو من قبله
.من كتاب وال تخطه بيمينك إذاً الرتاب المبطلون * بل هو ءايات بينات في صدور الذين أوتوا العلم)
ووصف اعتراف أهل الكتاب بالقرآن الكريم بناء على م وجدوه في كتبهم من وصفه بكونه آية ( أولم يكن لهم
ً
ءاية أن تعلمه علماؤا بني إسراءيل * ولو نزلناه على بعض األعجمين * فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنون)
.الشعراء 199-197
وهكذا فإن القرآن آيات بينات والقرآن الكريم هو معجزة النبي –عليه الصالة والسالم – الكبرى الباقية ما
بقي الزمان شاهداً ألهل كل زمان يشهدون منها ما يدفعهم إلى اإليمان حسب ما سبق في علمه –جل وعلى-
من هدايتهم على حد قوله –صلى هللا عليه وسلم ( :-ما من األنبياء نبي إال أعطي من اآليات ما مثله آمن
عليه البشر وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه هللا إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا ً يوم القيامة) رواه
. البخاري ومسلم
وكان الحديث يشير إلى الديمومة الزمنية للوحي التي تستقطب األتباع وهي التي تميز القرآن الكريم عن سائر
معجزات األنبياء ،وكذلك عن معجزاته –صلى هللا عليه وسلم – الكثيرة األخرى ،إذ إن تلك المعجزات ثابتة
بالمشاهدة لمن شهد وقوع الحدث في عصر النبوة وبالسماع فقط لمن سواهم ،فطريق معرفتنا لشق الصدر
لسيدنا رسول هللا – صلى هللا عليه وسلم – وشق القمر له هو الخبر الوارد في الكتاب أو السنة فهي معجزات
انقضت مشاهدتها بلحظة وقوعها ،قال البوصيري ( :فشق من صدره وشق له البدر ومن شرط كل شرط
.جزء)
أما القرآن الكريم فإنه يحمل شهادة هللا – جل وعلى – التي ال تغيب ،وبيانه الذي ال يصعب فهمه لكل األقوام،
فهو بالغ للناس ( هذا بالغ للناس) أي كل الناس في كل زمان يبلغ إليه هذا الكتاب ( وأوحي إلي هذا القرءان
ألنذركم به ومن بلغ ) فكان القرآن رسالة وشهيداً ،مقدمة ونتيجة ،ودعوى وبرهانا ً تكفل البارئ بحفظه
برهانا ً على صدقه ،فالدالئل والعالمات واآليات والمعجزات ألفاظ متقاربة توصف بها الخصائص المميزة
.لشجرة النبوة التي ال تشبهها شجرات البشرية
فالناظرون وهم يشاهدون تلك الدوحة الناضرة السامقة ،الجنية الثمار ،الدانية القطوف ،فطفقوا يصفون
نورها وإشعاعها كل على قدر علمه وجده وقدرته ؛ فآمن بعضهم بمجرد مشهد شخص صاحب النبوة فكفاه
المظهر عن المخبر ،ففي حديث عبد هللا بن سالم( :لما رأيت وجه النبي – صلى هللا عليه وسلم – قلت :ما
هذا بوجه كذاب ،فأسلمت) وفي حديث الربيع بنت معوذ-رضي هللا عنهما( :إذا رأيته قلت الشمس طالعة)
ومنهم من جاوز المنظر إلى التأمل كحديث سلمان -رضي هللا عنه – وبعضهم طالب صاحب النبوة –عليه
الصالة والسالم -بالمعجزات المادية كطلب قريش بانشقاق القمر فانشق نصفين ظهر بينهما جبل حراء كما
ورد في الصحيح ،ومنهم من طالب بإحياء حيوان ميت ليشهد له وهو ذلك األعرابي من بني سليم في حديث
.الضب فأحياه هللا على يديه فشهد شهادة الحق
ومن هذا القبيل شهادة األشجار واألحجار وحنين الجذع بمحضر المأل من الصحابة ،وتكثير القليل من الطعام
والماء كما ورد في أحاديث بلغت حد التواتر ،ومنهم من رأى المعجزة في اإلخبار عن الغيوب في زمانه
.وبعده ،وهي أنباء تتابع ال تزيلها األيام وال يكذبها الزمان وال يأتيها الباطل من بين يديها وال من خلفها
ومن أهل الكتاب من آمن بسبب البشارات السابقة في الرساالت القديمة إذ لم يخل كتاب من وصفه باإلشارة
.أو بصريح العبارة حتى إن كتب الهندوس والبوذيين تنص على اسمه الكريم
ومنهم من رأى المعجزة فيما أخبر عنه من تزكية النفوس التي يصل إليها المرء بالذوق عندما يستجيب هلل
والرسول – صلى هللا عليه وسلم – ومن هؤالء أبو حامد الغزالي بعد أن تحدث عن معرفة النبي – صلى هللا
عليه وسلم .-بالمشاهدة والتواتر والتسامع ،قائالً( :فإنك إذا عرفت الطلب والفقه يمكنك أن تعرف الفقهاء
واألطباء بمشاهدة أحوالهم وسماع أقوالهم وإن لم تشاهدهم ) ..فكذلك إذا فهمت معنى النبوة فأكثرت النظر
في القرآن واألخبار يحصل لك العلم الضروري بكونه – صلى هللا عليه وسلم – على أعلى درجات النبوة،
وأعضد ذلك بتجربة ما قاله في العبادات وتأثيرها في تصفية القلوب وكيف صدق رسول هللا – صلى هللا عليه
وسلم ،-في قوله ( :من عمل بما علم ورثه هللا علم ما لم يعلم) إلى غير ذلك من اآليات البينات والمعجزات.
إال أنه ال يختلف في أن معجزته الباقية وآيته الخالدة هي هذا الكتاب العزيز والذكر الحكيم والقرآن المجيد فهو
المعجزة التي تخاطب أجيال البشرية المتعاقبة لتهديها إلى البارئ – جل وعلى – وإلى سبيل النجاة والخلود
.في الدار اآلخرة ولتعريف اإلنسان على حكمة خلقه
وانطالقا ً من ذلك فإن كل جيل سيجد في كتاب هللا من البينات ما يقيم عليه الحجة (ليهلك من هلك عن بينة
ويحيا من حي عن بينة) ومعنى ذلك أن باب التفسير سيظل مفتوحا ً أمام األجيال في نطاق احترام ثوابت
:التفسير وهي
.المأثور عن النبي –صلى هللا عليه وسلم 1-
.المأثور عن أصحابه – عليهم رضوان هللا2-
.مقتضيات اللغة العربية3-
فإذا احترمت هذه الثوابت فال حرج – إن شاء هللا – على المفسر ،ولعله ال يدخل تحت طائلة الوعيد في
الحديث الذي رواه أبو داود والترمذي والنسائي عنه – عليه الصالة والسالم ( :من تكلم في القرآن برأيه
.فأصاب فقد أخطأ)
"و َفا ِك َه ٌة َوأَ ًّبا" فقال( :أي أرض تقلني وأي
وقول الصديق – رضي هللا عنه – وقد سئل عن قوله تعالىَ :
سماء تظلني إذا قلت في القرآن برأي ؟)
فكل األدلة تشير إلى أن شخصا ً قد يفتح له بفهم في كتاب هللا لم يكن معروفا ً لغيره وهذا ما يشير إليه دعاء
النبي – صلى هللا عليه وسلم – البن عباس ( :اللهم فقه في الدين وعلمه التأويل ،) واتفق العلماء على أنه
تأويل القرآن ،وقول أمير المؤمنين علي – رضي هللا عنه وأرضاه – لما قال له أبو جحيفة :هل عندكم شيء
من الوحي ليس في كتاب هللا ؟ فقال ( :ال والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما عندنا إال ما في القرآن إال فهما ً
.يعطيه هللا رجالً في القرآن )
فهذا الفهم هو الذي نعتمد عليه في تعاملنا مع القرآن بالعلوم V،وقد قال الفخر الرازي ( :إن المتقدمين إذا
ذكروا وجها ً في تفسير اآلية فذلك ال يمنع المتأخرين من استنباط وجه آخر في تفسيرها ) هذا في التفسير بما
لم ينقل عن السلف بصفة خاصة ،أما فيما يتعلق بالتفسير العلمي فقد اختلفت أنظار العلماء ،ولعل أقرب ذلك
إلى الصواب ما قاله ابن عاشور في التحرير والتنوير حيث يقول .. ( :إن بعض مسائل العلوم قد تكون أشد
تعلقا ً بتفسير أي قرآن … ..فقوله تعالى ( :أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من
فروج ) فإن القصد منه االعتبار بالحالة المشاهدة فلو زاد المفسر ففصل تلك الحالة وبين أسرارها وعللها بما
.هو مبين في علم الفلك سيكون قد حقق إنجازا متميزا في تفسير اآلية
وذلك على سبيل التوفيق بين المعنى القرآني وبين المسائل الصحيحة من العلم حيث يمكن الجمع ،كما يؤخذ
من قوله تعالى ( :ويوم نسير الجبال ) أن فناء األرض بالزالزل ،ومن قوله تعالى ( :إذا الشمس كورت.. )
اآلية أن نظام الجاذبية يختل عند فناء العالم ) واستطرد ابن عاشور حيث نقل عن ابن رشد الحفيد قوله:
( أجمع المسلمون على أنه ال يجب أن تحمل ألفاظ الشارع كلها على ظاهرها وال أن تخرج كلها عن ظاهرها
.بالتأويل ،والسبب في ورود الشرع بظاهر وباطن هو اختالف نظر الناس وتباين فهومهم
.فالتفسير العلمي هو التوفيق بين المعنى القرآني وبين المسائل الصحيحة من العلم
أما اإلعجاز العلمي :فهو الذي تكون وسيلة كشفه العلوم المعاصرة ،ومعنى ذلك أن مستقر النبأ يجئ عن
طريق العلوم العصرية ( لكل نب ٍأ مستقر ) مستقره يوم اكتشافه وهو أمر ال ينافي نصوص الشريعة وال
.مقاصدها
واإلعجاز العلمي مركب من لفظين أولهما :اإلعجاز وهو جعل اآلخر عاجزاً ،وثانيهما :العلم وهو كما يقول
.األصفهاني ( :إدراك الشيء على حقيقته)
والعلم هنا المراد به ما كشفته العلوم التجريبية من حقائق كونية بحقائق مقررة في القرآن الكريم أو السنة
:النبوية ،ووجه اإلعجاز يتركب من ثالثة عناصر
عنصر الزمان ،والرسول األمي – صلى هللا عليه وسلم – والكشف العلمي المتأخر ،وذلك أنه يستحيل عادة
في ذلك الزمان أي زمان الوحي إدراك هذه الحقيقة بالوسائل البشرية المتاحة ،ويستحيل في كل زمان أن
يدركها رجل أمي – صلى هللا عليه وسلم – لم يتعاط وسائل العلوم ومقدماتها الضرورية في كل زمان
. للوصول إلى نتائج معينة .أما العنصر الثالث فهو االكتشاف المتأخر لهذه الحقيقة
ولكن يجب أن يضبط ذلك بضوابط من شأنها أن تحدد اإلطار الشرعي للتعامل مع هذا الموضوع حتى ال
تتفرق السبل ويصبح موضوع اإلعجاز فوضى تشكل خطرا يصل إلى االفتراء والقول في كتاب هللا بال علم
والوقوع تحت طائلة الوعيد ( :من قال في كتاب هللا بغير علم فهو مخطئ ولو كان مصيبا ً )
الضابط األول :أن يكون معنى اللفظ الوارد في الكتاب والسنة والذي يقصد مطابقته للحقيقة العلمية مفسراً–
بتفسير نبوي عنه – عليه الصالة والسالم – أو مفسراً من قبل صحابي كتفسير ابن عباس – رضي هللا عنه
– ( للرتق ) في قوله تعالى ( :أولم ير الذين كفروا أن السماوات واألرض كانتا رتقا ً ) بكونها ملتصقتين فقد
.قال ابن عباس والحسن وعطاء والضحاك وقتادة :يعني أنها كانت شيئا ً واحداً ملتزقتين ) القرطبي
والكيفية التي كان عليها الجسم المرتوق قبل الفتق غير معروفة على سبيل التأكيد ،إال أن بعض قصص-
التراث تروي شيئا ً قد ال يكون بعيدا ُ عما تصوره القائلون بنظرية االنفجار الكبير التي ترى أن جسيما متناهيا
في الصغر من الطاقة الخالصة ذا كثافة وحرارة هائلة انفجرت فتناثرت أجزاؤه في شتى االتجاهات في شكل
سحب ) وقد عاد العلماء إلى هذه النظرية استناداً إلى معلومات القمر الصناعي األمريكي في أبريل 1992م،
أما القصة التي ذكرها العالمة الشيخ سيدي المختار الكنتي الشنقيطي من علماء القرن 12الهجري في
شرحه لمقصود وممدود ابن مالك ،قال :إن أول شيء خلقه هللا تعالى الذرة فجعلت تسيح ألف ألف عام حيث
ال أرض وال سماء ..فلما أراد ظهور األكوان نظر إليها بعين الجالل فتصدعت فانبجست منها العناصر
). الخمسة وهي الماء والريح والنور والظلمة والنار
الضابط الثاني :في غياب تفسير نبوي أو تفسير صحابي ؛ فالضابط أن يكون التفسير بمقتضيات اللغة العربية
بأن يكون إطالق اللفظ على المعنى من قبيل الحقيقة ( وهي استعمال اللفظ فيما وضعت له العرب
:وضعا ً ) ويتصور ذلك في مرتبتين
.مرتبة ( المفسر ) وهو اللفظ الذي يدل على معنى واحد ال يقبل التأويل
.مرتبة الظاهر :وهو لفظ احتمل أكثر من معنى إال أنه راجح في أحد معانيه
إذا لم يكن اللفظ مفسرا وال ظاهراً حقيقة بأي معنى من المعاني فإن عدل عن الحقيقة إلى المجاز وعن الظاهر
إلى المعنى المرجوح فإن األمر سيكون من قبيل التأويل الذي يجب أن ينضبط بضوابط التأويل التي تقتضي
وجود قرينة من نص آخر مع احتمال اللفظ للمعنى المرجوح احتماالً لغويا ً ال غبار عليه ،فـ (خضراً ) في قوله
تعالى ( :فأخرجنا منه خضراً ) هو الشيء األخضر هذا ظاهره إال أن حمله على اليخضور بالمصطلح العلمي
.أمر سهل الحتمال اللفظ ذلك احتماالً ال غبار عليه وتأكيد الحقيقة العلمية
إال أن الشيء الذي يجب االنتباه إليه أن التفسير العلمي قد يكون موافقا ً للحقيقة الوضعية لكنه يقابل مجازاً
درج المفسرون عليه مما يقتضي من الباحث التقصي عن عدم وجود تفسير نبوي وال صحابي ،فإن اطمأن
إلى ذلك أمكن حمل اللفظ على حقيقته الوضعية وبالتالي االلتقاء بين الحقيقة العلمية والحقيقة القرآنية كما في
آية( :وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس) إذا صحت الحقيقة التي وصل العالمان األمريكيان فولر
وزميله في الحديد .فيكون اإلنزال على حقيقته يوضح ذلك حديث( :إن هللا أنزل أربع بركات من السماء إلى
.األرض :الحديد والنار والماء والملح) عن القرطبي في تفسيره
.وقد فسر أكثر المفسرين (اإلنزال) بأنه استعارة لخلق معدن الحديد كما هي عبارة صاحب التحرير والتنوير
هذه هي الضوابط التي يجب على كل باحث أن يضعها في حسابه وهو يحاول أن يتعامل مع اإلعجاز العلمي
.في القرآن
اإلعجاز العلمي هو ذلك العلم الذي يبحث في معجزات القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة والتي لم تظهر
إال حديثا ً في عصر العلم .فاهلل تبارك وتعالى أنزل القرآن ليكون كتابا ً صالحا ً لكل زمان ومكان ،وأودع فيه من
.الحقائق العلمية ما يعجز البشر عن اإلتيان بمثله
فالقرآن يتميز بأسلوبه الرائع والمختصر في عرض الحقيقة العلمية ،وفي كلمات قليلة نجد حقائق علمية
غزيرة ،وهنا يكمن اإلعجاز .هذه الحقائق والتي تتجلى في عصرنا هذا لم تكن معروفة ألحد زمن نزول
القرآن .ولكن اكتشافات العلماء أظهرت هذه المعجزات .والبد أن يكون هناك ضوابط لهذا العلم لنبقى بعيدين
.عن األخطاء كما يحدث في بعض المقاالت التي نجد أصحابها يبالغون فيها ويبتعدون كثيراً عن معنى اآلية
:ومن أهم هذه الضوابط أو األسس
يجب أن نعلم ونستيقن لدى البحث في إعجاز القرآن من الناحية العلمية أن العلم تابع للقرآن ،وليس 1-
العكس .فالباحث في اإلعجاز العلمي ينبغي عليه أن يعطي ثقته لكتاب هللا أوالً ،ثم يبحث في كتب ومؤلفات
.وتجارب البشر عن حقائق علمية تتوافق مع الحقائق القرآنية
ينبغي أن ندرك بأن تفسير ودالالت آيات اإلعجاز العلمي تتطور مع تقدم العلوم دون أن تتناقض مع 2-
العلم ،وهذه معجزة بح ّد ذاتها أنك تجد الحقائق العلمية التي تحدث عنها القرآن مفهومة وواضحة لكل عصر
من العصور .بينما مؤلفات البشر تصلح لعصرها فقط .وهذا يدفعنا لمزيد من البحث عن دالالت جديدة آليات
.القرآن العظيم
بما أن هللا تعالى قد أنزل القرآن باللغة العربية فيجب علينا أال نخرج خارج معاني الكلمة في قواميس 3-
ّ
يسخر هللا اللغة ،وإذا لم نستطع التوفيق بين اآلية القرآنية وبين الحقيقة العلمية ،فنتوقف عن التدبر ،حتى
.لهذه اآلية من يتدبرها ويقدم لنا التفسير الصحيح والمطابق للعلم اليقيني
وهذا يدعونا إلى الحذر وعدم التسرع وأال نقول في كتاب هللا برأينا ،بل يجب أن نستند إلى التفسير واللغة
والدعاء بإخالص ،ألن كشف معجزات القرآن هو عطاء من هللا تعالى .ويجب أن يكون عملنا هذا خالصا ً لوجه
.هللا ال نبتغي به شيئا ً من عرض الدنيا
إذا توافقت نظرية ما مع القرآن فهذا يعني أن النظرية صحيحة ،وإذا خالفت هذه النظرية نص القرآن الكريم
فهذا يعني أن النظرية خاطئة ،أي أن القرآن هو الميزان ،وليست النظريات العلمية .ألننا نعلم في العلوم
التجريبية أنه ال توجد حقائق مطلقة أبداً .بل إنك تظن أحيانا ً أن هذه النظرية صحيحة مئة بالمئة ولكن بعد
سنوات يأتي من يكتشف أن هنالك نقص في أو خلل في بناء هذه النظرية .بينما في كتاب هللا عز وجل ،مهما
.تقدم الزمن ومهما تطور العلم فإنك ال تجد أي تناقض أو خلل أو نقص في البناء القرآني العلمي
أن تكون الحقيقة العلمية غير معروفة زمن نزول القرآن من قبل البشر .وأن القرآن قد سبق العلماء إلى 4-
الحديث عن هذه الحقيقة .وهنا تكون المعجزة أقوى ،ولكن ال يمنع أن نجد بعض الحقائق العلمية المذكورة
في القرآن والتي كان الناس يدركون شيئا ً منها قديماً ،مثل فوائد العسل ،فهذا األمر معروف منذ آالف السنين،
فجاء القرآن وأ َّك ده وهذا نوع من أنواع اإلعجاز ،إذ أن البشر في ذلك الزمن لم يكونوا قادرين على تحديد
الصواب من الخطأ ،والتمييز بين األسطورة والحقيقة .ولكن القرآن تحدث فقط عن الحقائق الصحيحة ،ولو
.كان القرآن كالم بشر المتزج فيه الحق بالباطل ،واختلطت األساطير بالحقائق
بالنسبة لإلعجاز العلمي في السنة النبوية ،فيجب أن يكون الحديث الشريف صحيحاً ،أو بمرتبة الحسن5- ،
وال يمكن االعتماد على األحاديث الضعيفة ،إال إذا توافقت مع العلم الحديث .فالحديث الضعيف ال يعني أنه غير
.صحيح! إنما هنالك احتمال قليل لصحته ،ولذلك يجب عدم إهماله في البحث العلمي
يجب أن يعلم من يبحث في إعجاز القرآن أن خير من يفسر القرآن هو القرآن نفسه ،ثم يأتي بعد ذلك 6-
أحاديث الرسول األعظم عليه الصالة والسالم ،ثم اجتهادات الصحابة والتابعين رضوان هللا عليهم ،ثم من
.تبعهم من العلماء واألئمة الثقات رحمهم هللا ورضي عنهم جميعا ً
كما ينبغي اإلحاطة بدالالت اآلية ومعانيها المتعددة وأال نخرج خارج قواعد اللغة العربية وال نضع تأويالت 7-
غير منطقية بهدف التوفيق بين العلم والقرآن ،بل يجب أن نعلم بأن المعجزة القرآنية تتميز بالوضوح
َ اب أ ُ ْح ِك َمتْ آَ َيا ُت ُه ُث َّم ُف ِّ
صلَتْ مِنْ لدُنْ والتفصيل التام ،وال تحتاج اللتفافات من أجل كشفها .يقول تعالى( :الر ِك َت ٌ
ير)[ هود]1 :ِيم َخ ِب ٍ
َ .حك ٍ
ينبغي أن نعلم بأن المعجزة العلمية هي هدف وليست غاية لحد ذاتها ،فهي هدف للتقرب من هللا تعالى 8-
(وإِ ْذ َقال َ إِ ْب َراهِي ُم َر ِّب أَ ِرنِي
وزيادة اليقين به وبلقائه .ونتذكر قصة سيدنا إبراهيم عليه السالم .يقول تعالىَ :
اج َع ْل ف ُت ْح ِيي ا ْل َم ْو َتى َقال َ أَ َولَ ْم ُت ْؤمِنْ َقال َ َبلَى َولَكِنْ لِ َي ْط َمئِنَّ َق ْل ِبي َقال َ َف ُخ ْذ أَ ْر َب َع ًة مِنَ ال َّط ْي ِر َف ُ
ص ْرهُنَّ إِلَ ْي َك ُث َّم ْ َك ْي َ
ٌ
اعل ْم أنَّ َ َع ِزيز َحكِي ٌم)[ البقرة]260 : هَّللا َ َ س ْع ًيا َو ْ َ ْ ُ ْ ْ ُ
َ . على كل ِّ َج َب ٍل ِمن ُهنَّ ُجز ًءا ث َّم ادْ ُع ُهنَّ َيأتِين َك َ َ