You are on page 1of 3

‫تلخيص محاضرة ‪:‬فقه اإلئتالف وأدب االختالف‬

‫"العالمة عصام احمد البشير"‬


‫نظمتها مؤسسة الفرقان للتراث اإلسالمي بالتنسيق مع مختبر الدراسات الشرعية‬
‫والعمران البشري‬

‫الحمد هلل رب العالمين والصالة والسالم على اشرف المرسلين‬


‫بادىء ذي بدء ينبغي ان نبسط القول في معاني المصطلحات ودالالت‬
‫الكلمات ٲلن ما يشيع البلبلة بين أبناء االمة‪ :‬اختالط المعاني إما فهما أو تصورا‬
‫‪-1‬الفقه ‪:‬العلم واإلدراك وفقه ‪ :‬بفتح الفاء وضم القاف إذا صار الفقه سجيته‪ ،‬والفقه‬
‫فهم بعلم خفي يتوصل إليه بالتأمل والنظر واإلدراك وهذه الكلمة وردت في القرآن‬
‫في نحو عشرين موضعا قال تعالى‪ ":‬قالوا ياشعيب مانفقه كثيرا مما تقول‪ "..‬وقال‬
‫ايضا ‪":‬انظر كيف نصرف اآليات لعلهم يفقهون"‪......‬إذن‪ J‬هو معنى ٲوسع مما‬
‫اصطلح عليه العلماء المتأخرين‪ ،‬حتى اآلية التي جاءت تتكلم على النفير تحدثت عن‬
‫الدين كل الدين"فلوال نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين‪ .‬وقول النبي‬
‫"من يرد هللا به خيرا يفقهه في الدين" وكذلك دعاء النبي صلى هللا عليه وسلم البن‬
‫العباس رضي هللا عنه‪ ":‬اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل " وقد أورد اإلمام‬
‫الغزالي في مقدمة كتابه "إحياءعلوم الدين" ‪ :‬كان الفقه يطلق على علم طريق‬
‫اآلخرة‪ ،‬وعلم آفات النفوس وعللها ثم علم الكتاب والسنة‪ ،‬ثم ذكر ان رجال جاء‬
‫يسٲل حسن بن علي رضي هللا عنهماعن مسألة فلما أجابه قال‪ :‬لكن الفقهاء يخالفونك‬
‫قال ‪ :‬ويحك وهل رأيت فقيها بعينك إنما الفقيه الزاهد في الدنيا الراغب إلى هللا‬
‫البصير بدينه الكافي نفسه عن أعراض المسلمين والناصح لجماعتهم "فقال الغزالي‪J‬‬
‫معلقا ‪ :‬لم يقل له الحافظ لفروع الفتاوى الن ذلك يأتي بطريق التتبع‪ .‬ومما تحرى‬
‫لي من هذه النصوص السالف ذكرها أن الفقه فقهان ‪ :‬فهم عن هللا فيما شرع هللا‬
‫وهذا فهم اآليات التشريعية وفهم اآليات الكونية الفهم عن هللا فيما خلق "الوحي‬
‫والكون "‪ ،‬الكتاب المقروء والكتاب المنظور‪ ،‬فمن تم يتأسس فقه في عالم التسخير‬
‫‪ ":‬وسخر لكم ما في االرض‪ "...‬ثم فقه التعمير ‪" :‬قال ياقوم اعبدوا هللا ما لكم من‬
‫إاله غيره هو انشأكم من االرض واستعمركم فيها‪ " ...‬هذا الربط يفضي إلى فقه‬
‫المحبة ‪" :‬احد جبل يحبنا ونحبه " ثم التراحم بيننا وبين هذا الكون ألنه فيه عالم‬
‫المسبحات ‪" :‬إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي واإلشراق والطير محشورة كل‬
‫له أواب" يسبحون بالتسخير ونحن نسبح بالتخيير‪ ،‬هذا كله يفضي بنا من عالم‬
‫التسخير‪ ،‬إلى عالم التعمير‪ ،‬إلى عالم التثمير ‪":‬أنظروا إلى ثمره إذا أثمر‪J"...‬‬
‫‪ :2‬اإلئتالف‪ :‬ائتلف الشيء إلى الشيء إذا انظم إليه‪ ،‬وهو محاولة جمع شتات األمة‬
‫على أرضية مشتركة تجعل بيننا تناغما وتكامال‪ ،‬ألن العامل اإلنساني والعامل‬
‫الحضاري يجعل بين المختلفين جوامعا مشتركة سواء كانت األمة ‪ ":‬أمة الدعوة أو‬
‫أمة اإلجابة" ألن أخوة اإلنسانية تجمعنا‪ ،‬فإعمال أخوة اإلنسانية أولى من إهمالها‬
‫‪،‬حتى وإن كان االختالف اختالفا دينيا ولغويا وحضاريا‪ J...‬والمجادلة بالتي هي‬
‫أحسن والدفع بالتي هي أحسن المحالة سيفضيان للتي هي أحسن‪.‬‬
‫‪ :3‬االختالف متأسس على قاعدتين‪ ،‬اإليمان بوحدانية الخالق وتعددية الخلق ‪":‬لكم‬
‫دينكم ولي دين"‪ ،‬والمقصود‪ J‬هواالنتقال من عالم التضاد إلى عالم التعاضد‪ ،‬أي‬
‫اختالف التنوع الذي يشكل خصوبة في الفكر ‪،‬اليمكن أن نحمل الناس على رأي‬
‫واحد أو مذهب واحد‪ ،‬فالقرآن جاء بلغة العرب فيه المحكم والمتشابه والخاص‬
‫والعام ‪ ،‬واإلشارة وفحوى العبارة ‪ ،‬وهذا التفاوت تجلى في لين ابوبكر وشدة عمر‬
‫وشواذ ابن مسعود وعزائم ابن عمر رضي هللا عن الجميع ‪ ،‬وراينا الحسن والحسين‬
‫كل واحد منهما سلك طريقا مختلفا‪.‬‬
‫كما ان سبويه خدم اللغة والزمخشري خدم التفسير والبخاري خدم الحديث وابوحنيفة‬
‫خدم الفقه‪ ....‬وكلهم ليسوا من العرب‪ ،‬إذن الخالف اتسعت به اآلفاق وتقدمت به‬
‫االمة‪.‬‬
‫كان عطاء األمة في انتفاء العصبية الفاسدة ونفي التقديس ألي أحد الن العصمة‬
‫للرسول صلى هللا عليه وسلم عصمة حماية ‪ ":‬وهللا يعصمك من الناس" وعصمة‬
‫هداية‪" :‬وماينطق عن الهوى " وال عصمة أل حد من البشر بعده‪.‬‬
‫الحق قديم اليبطله شيء‪ ،‬فمراجعة الحق خير من االمتداد في الباطل‪ ،‬ونقد الفكرة‬
‫اليستلزم ان نطعن في مخالفنا ‪ ،‬ووجب أن نفرق بين نقد الفكرة وتجريح المخالف‬
‫وان ال نجعل الخطأ خطيئة ‪ ،‬ونجرد قلوبنا والنتبع الهوى ‪،‬والنخطأ من كان ليس‬
‫من مذهبنا أومن حزبنا وان كان على صواب‪ ،‬والنصوب من كان من مذهبنا او‬
‫حزبنا وإن كان على خطأ ‪ ،‬ولنا في السلف الصالح خير مثال‪ ،‬الشافعي اخذ العلم‬
‫على مالك وخالفه ‪ ،‬والف كتاب "اختالف مالك والشافعي" واحمد اخذ عن الشافعي‬
‫وخالفه وهو الذي قال لولده "مانمت ليلة إال دعوت للشافعي "وقال ابنه ‪ :‬يا أبت‬
‫أي رجل كان الشافعي حتى تدعوا له كل هذا الدعاء‪ .‬قال ‪ :‬يابني كان "الشافعي‬
‫كالشمس للدنيا والعافية للصحة ‪،‬فأنظريا بني هل لهذين من خلف؟" االختالف‬
‫واإلنشقاق هو الذي أضعف األمة وحولها من قائدة الى منقادة‪،‬‬
‫قال تعالى ‪":‬وتعاونوا على البر والتقوى وال تعاونوا على اإلثم والعدوان "هذه اآلية‬
‫جاءت في سياق توصية الحق سبحانه للصحابة لكي ال يحملهم شنئان قوم ان‬
‫صدوهم عن المسجد الحرام على الظلم والعدوان بل يوصيهم بالعدل والتسامح في‬
‫حق أعدائهم‪J.......‬‬
‫والرسول صلى هللا عليه وسلم قبل حلف الفضول وقال عنه بعد البعثة "لقد شهدت‬
‫في دار عبد هللا بن جدعان حلفا ماأحب ان لي به حمر النعم ‪،‬ولو دعيت به في‬
‫اإلسالم ألجبت"‬
‫ما أحوجنا اليوم لحلف فضول جديد‪ ،‬تضبط فيه المصطلحات وتحدد فيه المفاهيم‬
‫ليحسن تنزيلها تنزيال صحيحا ‪.‬فنحن اليوم وقفنا على طرفي نقيض ‪ :‬بين الجاثمين‬
‫على هذا التراث والجاحدين له والمقدسين والمدنسين ‪،‬النهون العظيم والنعظم‬
‫الهين ال إفراط وال تفريط‪ ،‬فنحن ضعنا بين المقدسين لهذا الثرات وإن بدى فيه‬
‫قصور البشر وبين المبخسين له وإن تجلى فيه روائع الهداية ‪.‬‬
‫قال ابن عبد البر‪":‬ليس‪ J‬أضر على العلم من قولهم ماترك األولون لألخرين بل‬
‫الصواب عندنا هو ‪ :‬كم ترك األولون لآلخرين ‪،‬وما أضر على العلم ليس باإلمكان‬
‫أن أبدع مما كان ولكن الصواب باإلمكان أن أبدع مما كان " بل الالحق يبني‬
‫على جهد السابق فليس من المعقول ان نستنيم إلى التراث‪ ،‬وال من المعقول أن‬
‫نهيل عليه التراب ‪.‬‬
‫والقاعدة تقول‪« :‬التخيرواإلنتقاء بعد التحصيل واالرتواء‪ "،‬نحصل ونرتوي من‬
‫تراث أمتنا‪ ،‬ثم نتخير أطايب هذه المعارف ونضيف لها من جهدنا واجتهاداتنا‬
‫ونبني على ما بين أيدينا دون تبخيس وال تقديس‪.‬‬
‫قال ابن مالك ‪ ":‬وإذا كانت العلوم منحا إالهية ومواهبا إختصاصية فغير مستبعد ان‬
‫يذخر للمتأخرين ما عسر عن المتقدمين " قال تعالى‪ ":‬ثلة من األولين وثلة من‬
‫اآلخرين "‬
‫والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬

You might also like