نظمتها مؤسسة الفرقان للتراث اإلسالمي بالتنسيق مع مختبر الدراسات الشرعية والعمران البشري
الحمد هلل رب العالمين والصالة والسالم على اشرف المرسلين
بادىء ذي بدء ينبغي ان نبسط القول في معاني المصطلحات ودالالت الكلمات ٲلن ما يشيع البلبلة بين أبناء االمة :اختالط المعاني إما فهما أو تصورا -1الفقه :العلم واإلدراك وفقه :بفتح الفاء وضم القاف إذا صار الفقه سجيته ،والفقه فهم بعلم خفي يتوصل إليه بالتأمل والنظر واإلدراك وهذه الكلمة وردت في القرآن في نحو عشرين موضعا قال تعالى ":قالوا ياشعيب مانفقه كثيرا مما تقول "..وقال ايضا ":انظر كيف نصرف اآليات لعلهم يفقهون"......إذن Jهو معنى ٲوسع مما اصطلح عليه العلماء المتأخرين ،حتى اآلية التي جاءت تتكلم على النفير تحدثت عن الدين كل الدين"فلوال نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين .وقول النبي "من يرد هللا به خيرا يفقهه في الدين" وكذلك دعاء النبي صلى هللا عليه وسلم البن العباس رضي هللا عنه ":اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل " وقد أورد اإلمام الغزالي في مقدمة كتابه "إحياءعلوم الدين" :كان الفقه يطلق على علم طريق اآلخرة ،وعلم آفات النفوس وعللها ثم علم الكتاب والسنة ،ثم ذكر ان رجال جاء يسٲل حسن بن علي رضي هللا عنهماعن مسألة فلما أجابه قال :لكن الفقهاء يخالفونك قال :ويحك وهل رأيت فقيها بعينك إنما الفقيه الزاهد في الدنيا الراغب إلى هللا البصير بدينه الكافي نفسه عن أعراض المسلمين والناصح لجماعتهم "فقال الغزاليJ معلقا :لم يقل له الحافظ لفروع الفتاوى الن ذلك يأتي بطريق التتبع .ومما تحرى لي من هذه النصوص السالف ذكرها أن الفقه فقهان :فهم عن هللا فيما شرع هللا وهذا فهم اآليات التشريعية وفهم اآليات الكونية الفهم عن هللا فيما خلق "الوحي والكون " ،الكتاب المقروء والكتاب المنظور ،فمن تم يتأسس فقه في عالم التسخير ":وسخر لكم ما في االرض "...ثم فقه التعمير " :قال ياقوم اعبدوا هللا ما لكم من إاله غيره هو انشأكم من االرض واستعمركم فيها " ...هذا الربط يفضي إلى فقه المحبة " :احد جبل يحبنا ونحبه " ثم التراحم بيننا وبين هذا الكون ألنه فيه عالم المسبحات " :إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي واإلشراق والطير محشورة كل له أواب" يسبحون بالتسخير ونحن نسبح بالتخيير ،هذا كله يفضي بنا من عالم التسخير ،إلى عالم التعمير ،إلى عالم التثمير ":أنظروا إلى ثمره إذا أثمرJ"... :2اإلئتالف :ائتلف الشيء إلى الشيء إذا انظم إليه ،وهو محاولة جمع شتات األمة على أرضية مشتركة تجعل بيننا تناغما وتكامال ،ألن العامل اإلنساني والعامل الحضاري يجعل بين المختلفين جوامعا مشتركة سواء كانت األمة ":أمة الدعوة أو أمة اإلجابة" ألن أخوة اإلنسانية تجمعنا ،فإعمال أخوة اإلنسانية أولى من إهمالها ،حتى وإن كان االختالف اختالفا دينيا ولغويا وحضاريا J...والمجادلة بالتي هي أحسن والدفع بالتي هي أحسن المحالة سيفضيان للتي هي أحسن. :3االختالف متأسس على قاعدتين ،اإليمان بوحدانية الخالق وتعددية الخلق ":لكم دينكم ولي دين" ،والمقصود Jهواالنتقال من عالم التضاد إلى عالم التعاضد ،أي اختالف التنوع الذي يشكل خصوبة في الفكر ،اليمكن أن نحمل الناس على رأي واحد أو مذهب واحد ،فالقرآن جاء بلغة العرب فيه المحكم والمتشابه والخاص والعام ،واإلشارة وفحوى العبارة ،وهذا التفاوت تجلى في لين ابوبكر وشدة عمر وشواذ ابن مسعود وعزائم ابن عمر رضي هللا عن الجميع ،وراينا الحسن والحسين كل واحد منهما سلك طريقا مختلفا. كما ان سبويه خدم اللغة والزمخشري خدم التفسير والبخاري خدم الحديث وابوحنيفة خدم الفقه ....وكلهم ليسوا من العرب ،إذن الخالف اتسعت به اآلفاق وتقدمت به االمة. كان عطاء األمة في انتفاء العصبية الفاسدة ونفي التقديس ألي أحد الن العصمة للرسول صلى هللا عليه وسلم عصمة حماية ":وهللا يعصمك من الناس" وعصمة هداية" :وماينطق عن الهوى " وال عصمة أل حد من البشر بعده. الحق قديم اليبطله شيء ،فمراجعة الحق خير من االمتداد في الباطل ،ونقد الفكرة اليستلزم ان نطعن في مخالفنا ،ووجب أن نفرق بين نقد الفكرة وتجريح المخالف وان ال نجعل الخطأ خطيئة ،ونجرد قلوبنا والنتبع الهوى ،والنخطأ من كان ليس من مذهبنا أومن حزبنا وان كان على صواب ،والنصوب من كان من مذهبنا او حزبنا وإن كان على خطأ ،ولنا في السلف الصالح خير مثال ،الشافعي اخذ العلم على مالك وخالفه ،والف كتاب "اختالف مالك والشافعي" واحمد اخذ عن الشافعي وخالفه وهو الذي قال لولده "مانمت ليلة إال دعوت للشافعي "وقال ابنه :يا أبت أي رجل كان الشافعي حتى تدعوا له كل هذا الدعاء .قال :يابني كان "الشافعي كالشمس للدنيا والعافية للصحة ،فأنظريا بني هل لهذين من خلف؟" االختالف واإلنشقاق هو الذي أضعف األمة وحولها من قائدة الى منقادة، قال تعالى ":وتعاونوا على البر والتقوى وال تعاونوا على اإلثم والعدوان "هذه اآلية جاءت في سياق توصية الحق سبحانه للصحابة لكي ال يحملهم شنئان قوم ان صدوهم عن المسجد الحرام على الظلم والعدوان بل يوصيهم بالعدل والتسامح في حق أعدائهمJ....... والرسول صلى هللا عليه وسلم قبل حلف الفضول وقال عنه بعد البعثة "لقد شهدت في دار عبد هللا بن جدعان حلفا ماأحب ان لي به حمر النعم ،ولو دعيت به في اإلسالم ألجبت" ما أحوجنا اليوم لحلف فضول جديد ،تضبط فيه المصطلحات وتحدد فيه المفاهيم ليحسن تنزيلها تنزيال صحيحا .فنحن اليوم وقفنا على طرفي نقيض :بين الجاثمين على هذا التراث والجاحدين له والمقدسين والمدنسين ،النهون العظيم والنعظم الهين ال إفراط وال تفريط ،فنحن ضعنا بين المقدسين لهذا الثرات وإن بدى فيه قصور البشر وبين المبخسين له وإن تجلى فيه روائع الهداية . قال ابن عبد البر":ليس Jأضر على العلم من قولهم ماترك األولون لألخرين بل الصواب عندنا هو :كم ترك األولون لآلخرين ،وما أضر على العلم ليس باإلمكان أن أبدع مما كان ولكن الصواب باإلمكان أن أبدع مما كان " بل الالحق يبني على جهد السابق فليس من المعقول ان نستنيم إلى التراث ،وال من المعقول أن نهيل عليه التراب . والقاعدة تقول« :التخيرواإلنتقاء بعد التحصيل واالرتواء "،نحصل ونرتوي من تراث أمتنا ،ثم نتخير أطايب هذه المعارف ونضيف لها من جهدنا واجتهاداتنا ونبني على ما بين أيدينا دون تبخيس وال تقديس. قال ابن مالك ":وإذا كانت العلوم منحا إالهية ومواهبا إختصاصية فغير مستبعد ان يذخر للمتأخرين ما عسر عن المتقدمين " قال تعالى ":ثلة من األولين وثلة من اآلخرين " والحمد هلل رب العالمين.