Professional Documents
Culture Documents
إهداء
إلى حضرة النبي املصطفى صلى هللا عليه وآله وسلم.
ثم إلى مربي أرواحنا فضيلة العالم الرباني الولي الصالح التقي النقي الشيخ
سعد سعد رزق جاويش الكفراوي األزهري الحسيني.
ثم إلي مشايخنا الكرام الذين أخذنا منهم العلم واألخالق حفظهم هللا تعالى
ورض ي عنهم.
وإلى أبي وأمي الكريمين حفظهما هللا من كل مكروه وسوء.
وإلى أشقائي وإخواني في هللا جميعهم أهدي إليهم كتابي :
إتحاف الدراويش
بترجمة الشيخ سعد جاويش
i
إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش
ii
إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش
هللا عليه وسلم« :يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالبين
وانتحال املبطلين وتأويل الجاهلين» ،لقد ملس كثير من طالب العلم تلك الفضائل
والشمائل الزكية في شيخهم العالم األزهري الجليل واملحدث املسند األستاذ
الدكتور سعد سعد رزق جاويش رحمه هللا ورض ي عنه ،كما شهد له بالفضل
واألدب العالي والنبل ،والحب الشديد لسنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم،
والتفاني في الدفاع عنها كوكبة من علماء عصره وأقرانه.
وهذه الترجمة املباركة (إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش) قد
طوفت بنا في جوانب من حياة الشيخ ،والتقطت للقراء ملحات من شخصيته
العلمية وجهاده وجهوده العلمية ،ومبادئه وقيمه التي لم يحد عنها طيلة حياته،
وأخالقه وسجياه التي الزمته فكانت كأنها تجري فيه مجرى الدم على نحو ما قال
سيدنا حسان بن ثابت رض ي هللا عنه:
سجية تلك منهم غير محدثة *** إن الخالئق فاعلم شرها البدع
وقد قام بهذه الترجمة املنورة أحد طالبه املنورين ،وواحد من مريديه
املباركين الفقير إلى عفو ربه تعالى عدي الجاوي ،وكما كان يالطفه الشيخ فيذكره
بالصحابي الجليل فيقول عدي بن حاتم الطائي رض ي هللا عنه ،وكان يثني عليه خيرا
فأحسن هللا جزاءه وكتب ذالك في ميزان حسناته ووفقنا جميعا ملا يحبه ويرضاه.
وصلى هللا على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن وااله في مبدأ كل أمر
ومنتهاه.
iii
إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش
iv
إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش
املقدمة
بسم هللا الرحمن الرحيم
الحمد هلل رب العاملين والصالة والسالم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين.
أما بعد؛
فإن من أحب األعمال إلى هللا ذكر عباده الصالحين ومن سار بسيرهم هذا،
وقد مثل لنا القرآن الكريم ذلك بذكره لقصص األنبياء (عليهم الصالة والسالم)
فنزداد بها إيمانا وننهض بها همما ،كما قص علينا أخبار الصالحين غير األنبياء
الذين لهم يد عليا في نشر دين هللا عز وجل.
ومن هنا ،اهتم العلماء بهذا األمر اهتماما كبيرا ،وحرصوا على معرفة أي
حال ما كان في حياة الصالحين ،فذكروا سيرهم في مؤلفاتهم حتى يستفيد الناس
بحياتهم ويقتبسوا من أنوارهم ويعيشوا على ضروبهم .وقال اإلمام الجنيد 1لتالميذه:
تعالوا بنا نذكر الصالحين فبذكرهم تنزل البركة! فقال بعض تالميذه :يا سيدي ،إذا
ذكرنا الصالحين تنزل البركة فماذا إذا ذكرنا هللا تعالى؟ فطرق الشيخ قليال ،ثم رفع
رأسه فقال :إذا ذكرنا هللا نزلت الطمأنينة في القلوب ﴿أال بذكر هللا تطمئن
القلوب﴾.2
1كان أبوه يبيع الزجاج فلذلك يقال له القواريري ،أصله من نهاوند مولده ومنشؤه بالعراق وكان فقيها يفتي الناس على
مذهب أبي ثور صاحب اإلمام الشافعي وراوي مذهبه القديم.
صحب خاله السري السقطي والحارث املحاسبي ومحمد بن علي القصاب وكان من كبار أئمة القوم وسادتهم وكالمه
مقبول على جميع األلسنة .مات رض ي هللا عنه يوم السبت سنة سبع وتسعين ومائتين وقبره ببغداد طاهر يزوره
الخاص والعام( .طبقات الشعراني . )84 :
2سورة الرعد .28 :
1
إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش
وسألني بعض األصدقاء الكرام (حفظهم هللا تعالى) أن أكتب ترجمة موجزة
لشيخنا موالنا العالمة الولي الصالح املحدث الكبير املسند الشيخ سعد سعد رزق
جاويش الحسيني شيخ الحديث باألزهر الشريف ومسنده رحمه هللا رحمة واسعة،
مما شاهدت وخبرت وتعلمت من فضيلته العلم واألخالق الكريمة وحب الحياة
وحب الخلق أجمعين .وما كتبت هنا إال قليال من كثير وقطرة من غزير ،وقد حاولت
أن أجمع كتاباتي وتسجيالتي في دروسه العامرة شهرا قبل ذكرى العام لوفاته،
واستخرت هللا تعالى لها ،فلما انشرح لذلك صدري شرعت في كتابة هذه الترجمة
املوجزة راجيا من املولى عز وجل جزيل األجر والثواب.
وهذه الترجمة اللطيفة كتبها الفقير إلى عفو ربه أدي رزال كونتشورو
اإلندونيس ي .ومهما تكلمنا عن هذا الولي الصالح فلن نوفيه حقه فسيرته الحميدة
يشهد بها الجميع وال يمكن أن تنس ى ،وسميت هذه الترجمة اللطيفة إتحاف
الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش ،بعد أن استشرت فيه إلى ولده النجيب
الشيخ الدكتور أحمد سعد جاويش حفظه هللا تعالى فأشارني إلي هذا االسم الجميل
املبارك؛ تذكرة لحب شيخنا للدراويش الصوفيين الذين يزهدون فيما ملك من
الدنيا ويفتقرون إلى هللا حق االفتقار كما قال السادة :االفتقار إلى هللا هو أقرب
باب الوصول إليه تعالى فجزاهم هللا خير الجزاء.
وقد تجلت لشيخنا مكانة عالية في العلم ،وخصوصا في الحديث النبوي
الشريف وعلومه ،فتخرج على يديه خلق كثيرون من العلماء حتى لقب بشيخ
الشيوخ في الحديث ومسنده وأثبت له أنه قمين بأستاذية الحديث باألزهر الشريف
وخارجه .وقد ساد الشيخ مجالس الحديث في إقرائه وإسناده في مصر وخارجها
وحافظ على جوهر الحديث النبوي ،والذب عنه وتنقيته من كل ما أدخل عليه من
الشبهات.
2
إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش
1هو اإلمام الفقيه املحدث الشاعر ،بقية السلف الصالح :محمد زكي إبراهيم ،رائد العشيرة املحمدية ،اسمه :
محمد ،ولقبه :زكي الدين ،وكنيته :أبو البركات ،شريف حسيني أبا وأما،
ومــولــده ون ـشــأتــه:
ولد في القاهرة بمنزل والده بحي بوالق أبو العال ،وتاريخ مولده 1916/8/22م ،فيكون قد قضـى من العمر في هذه
الحياة الدنيا 82عاما.ووالد الشيخ هو العالم األزهري الشيخ إبراهيم الخليل بن علي الشاذلي ،صاحب الكتاب
املرجع :معالم املشروع واملمنوع من ممارسات التصوف.أما جد الشيخ ألمه فهو الشيخ محمود أبو عليان من تالميذ
الشيخ عليش شيخ مالكية عصره ،وقد ترجم له الدكتور عبد املنعم خفاجي في كتابه عن التصوف ( .ترجمة موجزة
وتعريف بفضيلة اإلمام الرائد محمد زكي إبراهيم ص 4-3 :للشيخ محي الدين حسين يوسف اإلسنوي).
2ديوان املثاني لفضيلة موالنا اإلمام الشيخ محمد زكي إبراهيم.
3
إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش
4
إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش
الفصل األول
الشيخ سعد جاويش؛
اسمه ونسبه وذريته
اسمه ونسبه
هو الشريف سعد بن الشريف سعد بن الشريف رزق بن الشريف عبد
الرحمن بن عبد العال بن إبراهيم بن محمد بن علي بن حمد امللقب بجاويش بن
غانم بن أبو زيد بن عبد املؤمن بن أحمد بن محمد بن سيدي سليم أبو مسلم
العراقي بن يوسف الهمذاني بن أيوب بن محمد صدر الدين بن الحسين جالل
الدين بن علي أبو املؤيد بن جعفر أبو الحرث بن محمد بن محمود بن أحمد بن
عبد هللا املنتخب بن علي املختار بن جعفر الزكي بن علي الهادي بن محمد الجواد
بن علي الرضا بن ابن موس ى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن اإلمام
علي زين العابدين بن اإلمام الحسين بن اإلمام علي بن أبي طالب والسيدة فاطمة
الزهراء بنت سيدنا محمد صلى هللا عليه وسلم.
ذريته
وقد أنجب من السيدة فيروز حفظها هللا تعالى أوالدا وهم:
.1أحمد سعد جاويش وتوفي بعد والدته
.2أحمد سعد جاويش متخرج الدكتوراه في كلية اللغة العربية بجامعة
األزهر الشريف
.3إيمان سعد جاويش وتوفيت بعد والدتها
.4إيمان سعد جاويش
.5محمد سعد جاويش
5
إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش
6
إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش
الفصل الثاني
مولده ونشأته
مولده ونشأته
ولد هذا الولي الصالح في شهر أبريل سنة ( 1941م املوافق بربيع األول
سنة 1360ه) ،في قرية صغيرة ذات األرياف اسمها رزق جاويش التابعة ملركز
سيدي سالم بمحافظة كفر الشيخ بجمهورية مصر العربية .واسم قرية (رزق
جاويش) مأخوذ من اسم جده ألنه الذي عمرها.1
نشأ الشيخ في بيئة علمية قرآنية ،وكان أبوه الذي يربيه إماما وشيخا
لبلدته ،تعلم منه األخالق الكريمة وحب النبي وآله األطهار وصحابته األخيار عليهم
السالم.
وقد حكى الشيخ عن والده وكتبه في ضمن ترجمة أشياخه أنه كان سليم
الصدر ذا قلب رقيق ،دائم الحزن عند قراءة سيرة األنبياء وآل البيت والصحابة
والصالحين ،وهو الذي يعلمه حب النبي (صلى هللا عليه وسلم) والصالحين وقد تأثر
به وورث أوصافه.
وقد ربي الشيخ في هذه البيئة الطيبة في جو العلم واألخالق ،حتى خرج منها
ولد صالح من األب الصالح .فقد صح من قال :إن ثمرة الشجر ال تسقط بعيدة
عنها ،وكذلك االبن الصالح ال يبعد عن أبيه في العلم والطبيعة واألخالق .ومن هنا
عرفنا أن للوالدين دورا مهما في تربية أبنائهم.
7
إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش
8
إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش
الفصل الثالث
رحالته العلمية
أوال :رحلته مع القرآن الكريم
بدأ الشيخ في أول رحلته العلمية بحفظ كتاب هللا تعالى وتجويده في مبدأ
علمه .فبدأ حفظ القرآن الكريم في مقتبل طفولته على يد الشيخ حسن سالمة
وأخيه الشيخ محمد سالمة ،وكانا محفظي القرآن بكتاب قرية صيفر البلد (وهي
قرية أمه-إحدى القرى التابعة ملركز دسوق بمحافظة كفر الشيخ في جمهورية
مصر العربية).
و قد كان الشيخ شديد الحرص على أبنائه في حفظ كتاب هللا مهما كلفه ذلك
األمر من توعية للعقل أو ضربا للجسد ،وقد ذكر لي ابنه النبيل السيد أحمد سعد:
أن السيد الوالد قد أراه عالمة من ضرب شيخه في كتفه ،وال تزال آثارها باقية في سن
كباره وقال :إن هذه العالمة من أثار تربية شيخه في حفظ القرآن الكريم ،ثم دعا
لشيخه الذي حفظه القرآن بالرحمة واملغفرة.
ثم استمر حفظه القرآن في القرية التي سكنت فيها أخته الكبرى وهي قرية
بياض ،1وفيها الكتاب لعائلة سادات جاويش ،واسم شيخ الكتاب هو الشيخ فتح
هللا جاويش .وفي هذا الكتاب الثاني اشتدت همته ،مجاهدا في حفظ كالم هللا تعالى
ليال ونهارا ،وبصدق نيته وجهده الكبير أتم حفظه على هذا الشيخ الجليل في مدة
قصيرة من الوقت .وهكذا كانت حياة شيخنا مع القرآن الكريم ،نعده من أهل
القرآن والخير ،أتم حفظ القرآن صغيرا قبل التحاقه باملعهد الديني سنة ( 1953م
وعمره 12عاما).
1البياض ،عزبة تابعة لقرية أبو مندور ،التابعة ملركز دسوق ،والتابع ملحافظة كفر الشيخ في جمهورية مصر
العربية (مأخوذة من كالم الشيخ أحمد سعد جاويش).
9
إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش
وبعد أن أتم حفظ القرآن وتجويده راجعه على أبيه ،وكان أبوه من حفاظ
القرآن ،وكان يكثر قراءة القرآن ليال ونهارا ،وهذه فرصة ذهبية ال يتركها تذهب
سدى .انتهز فرصته وقرأ على أبيه وراجع عليه حفظه كامال ،وكان من عادته إذا
ذهب إلى املزرعة ليصاحب أباه قرأ عليه ربع الجزء أو نصفه في الطريق حتى ال
يضيع وقته هباء.
10
إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش
كما اآلن ،فكانت الطرق العامة في قريته ترابية واملواصالت نادرة ،وكان الشيخ إذا
لم يجد املواصلة التي توصله إلى قريته يركب الحمار أو يمش ي بقدميه ،وقد كانت
الحالة في تلك األيام صعبة لبعده عن البيت واألسرة ،مما احتاج إلى همة عالية
ملواصلة الطريق.
و في آخر يوم من كل األسبوع كان الشيخ يرجع إلى بيته ليأخذ نفقته من
أبيه .وكان أبوه ينفقه ربع جنيه (أي 25قرشا) لقضاء حوائجه األسبوعية .وقد دام
هذا األمر من أول التحاقه باملعهد إلى حصوله على اإلجازة الثانوية.
فلم تثن املشقة الشيخ عن مواصلة طريقه ،فقد وهب نفسه للجهاد في
سبيل العلم ،فقوي بذلك عزمه وعلت همته في طلب العلم منذ صغره بفضل تربية
أبيه وحسن تأديبه .كما كان من عاداته في فصل الصيف شراء الكتب الخارجية
مشتركا مع زمالئه في شرائها وقراءتها.
11
إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش
عليها ال نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى)) والصبر على التلقي عن العلماء
والجلوس بين أيديهم والتعلم منهم والتواضع لهم .1
بدأ الشيخ في هذه املرحلة الجامعية في األزهر الشريف بالقاهرة سنة
( 1962م) ،بعد أن أتم دراسته في معهد دسوق الديني .والتحق بكلية أصول الدين
بعد أن استخار ربه تعالى ليرشده إلى الطريق األصوب في طلب العلم ،وفي هذه
املرحلة النفيسة ال يستغرق الشيخ وقته إال للعلم والعبادة .وقد بشر هللا سر
نجاحه منذ بداية رحلته العلمية ،ثم حصل على شهادة ليسانس من جامعة األزهر
( 1967/ 1966م).
12
إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش
النبوي أنه ال يرض ى لنفسه أن يقرأ الحديث النبوي الشريف إال وهو طاهر ،وإذا
أحدث توضأ إجالال لصاحب الحديث صلى هللا عليه وسلم.
وفي مجلسه الخاص لقراءة صحيح البخاري في بيته ،أنه ال يحب أن يجلس
تالميذه على األرض وقال :هذا إحتراما لكتاب صحيح البخاري ،فهيأ لهم الكراس ي
ليجلسوا عليها تعظيما ألحاديث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم.
كما كان الشيخ يحب الترتيل في قراءة الحديث ،وكذلك أمر تالميذه بالترتيل
في قراءة الحديث تدبرا ملعانيه ورجاء لبركاتها .فالشيخ والسنة النبوية جزء ال يتجزأ
وقد عايش الحديث وعلومه طول حياته ،وقد أثبت بأنه قمين بأستاذية الحديث
النبوي الشريف .وقد ظهر من مؤلفاته القيمة دفاعه عن الحديث النبوي الشريف
ضد خصومه .أنفق كل عمره في إحياء هذه السنة املطهرة ،من إقراء وإسناد الكتب
الستة وغيرها من الكتب الحديثية بجامع األزهر الشريف وخارجه.
13
إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش
وملا انتقل مقره إلى الحي السابع بمدينة نصر ،خطب الشيخ في مسجد نور
الخطاب في أول الشارع للحي السابع وهو أول مسجد خطب فيه وكذا املساجد
املجاورة لبيته.
ومن عاداته يوم الخميس الخلوة بغرفته الخاصة استعدادا لخطبته يوم
الجمعة ،وفي هذا اليوم الخاص ال يحب أن يدخل عليه أحد إال لحاجة ضرورية،
والشيخ يحب أن يكتب ما أعده من مواد خطبته في األوراق حتى ال ينس ى ما حفظ
من مواد الخطبة.
وفي صبيحة الجمعة راجعها وأتقنها ،وكذا في طريقه إلى املسجد .وإذا جاء
املسجد لفف األوراق وأدخلها في الجيب .والحمد هلل أوراق خطبته محفوظة إلى
اآلن في بيته ،وقد أعطاها لبعض أبنائه وتالميذه لخطبتهم .ففي آخر حياته شكى إلى
أبنائه وطالبه أنه نس ي كثيرا مما قد حفظ لكبر سنه ولكن فتح هللا عليه بمعلومات
أخرى خطرت بباله.
ومن هللا على الشيخ زيارة الكعبة املشرفة مرات عديدة ،ومن دعائه في
امللتزم أنه دعا هللا تعالى ألن يدرس ويخطب في منبر الحرم املكي .وقد سمع هللا
دعاءه ،وبعد ذلك عين مدرسا بالحرم املكي ودرس فيه سنة واحدة في الحديث
النبوي الشريف.
وقد خطب الشيخ بالجامع األزهر الشريف خطبة فريدة ،وألقى فيها عن
اإلسراء واملعراج وفضائله وأسراره في التاريخ 29مارس سنة ( 2019م) واملوافق
بالتاريخ ( 22من رجب 1440ه) .1
14
إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش
15
إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش
تعالى ببركة دعاء والده الصالح استجاب هللا دعاءه وقض ى ستة أشهر في الجيش
وترك بقية فترة الخدمة في التداوي والراحة ملرضه .وهذه القصة تعد من كرمات
والد الشيخ سعد رحمهما هللا تعالى.1
بجامعة األزهر .فاستخار ربه تعالى ،واستشار كثيرا من مشايخه الستشارته لقبول
العمل الثاني أم ال ،فقال له أحد مشايخه الكبار :يا ولدي إن هللا يحب معالي
األمور ،ملاذا تشك بهذا ؟ وهذا من معالي األمور ،اذهب واعمل بمقتض ى هذا
الخطاب ومن املمكن أن تحاوي هذين األمرين في الوعظ واملدرس بجامعة األزهر،
وكأن اإلجابة لم تقنعه ،ثم فكر في هذا األمر.
ثم استشار عمه وهو الشيخ عبد الكريم جاويش في هذا األمر ،وقال له
عمه مؤكدا له :أنت تستشيرني في هذا األمر؟ إن هذا األمر ينبغي أن ينفذ ،اذهب إلى
الكلية وتسلم عملك .وبعد أن سمع هذه النصيحة القيمة من عمه تأكدت العزيمة
16
إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش
ألخذ هذا العمل بعد أن بذل جهده في الوعظ مدة سنتين ،ثم انتقل إلى الكلية
ودرس فيها إلى آخر حياته.
وفي هذه املرحلة من هللا عليه بالجلوس بين العلماء واألكابير وسمع وحفظ
من دروسهم القيمة ،و تردد عليهم في حلقاتهم العلمية بجامع األزهر الشريف
وخارجه ،وقد ذكر بعض شيوخه في كتابه (تذكرة املحبين بأسانيدي إلى خاتم
النبيين) ،وسأذكرهم أيضا هنا في مبحث يتعلق بشيوخه في رحلته العلمية.
وفي سنة ( 1971م) ،أتم الشيخ رسالته العلمية في املاجستير بعد فترة
قصيرة ،وتزوج في هذه السنة من بنت عمه الصالحة ،فأنجب ولدا عام( 73م)؛
ولكن كل أمر بالقضاء والقدر وكل مقدور فما عنه مفر ،توفي هذا الولد األول،
وحزن الشيخ حزنا شديدا لهذا ولكن بصبره الجميل على االمتحان الشاق رض ي
الشيخ بما جرت عليه من قدر ربه تعالى ،منفتح الصدر وبارع الصبر.
وفي سنة ( 1976م) أتم الشيخ رسالته في الدكتوراه ومنح فيها مرتبة
الشرف األولى من الكلية وأوصت بطبع رسالتها.
17
إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش
وأحب أن أقول عن الشيخ كما قال اإلمام الشاذلي رض ي هللا عنه" :لكل ولي
حجاب أي ستر يحجبه عن اعتقاد الناس فيه وأنا حجابي األسباب" .1وهذا حجاب
والية شيخنا عن الناس حتى ظن الناس أنه من الرجل العادي ،يحب العمل ويتقنه
ويأخذ عوائده ولكن هذا ظاهره وأما باطنه مقبل على هللا قلبا وقالبا.
ومن أمثلة أخذه باألسباب ،فتح الشيخ مكتبة بجوار بيته وسماها مكتبة
فتح الباري ،2وباع فيها تجهيزات املدرسة من القلم والكراسة ،وباع فيها أيضا كتبه
القيمة .وأمر أبناءه أن يرسل مؤلفاته في بعض املكتبات خلف الجامع األزهر ،وأخذ
عائد مبيعات كتبه ،وهذا من وسائل الشيخ التي توصله إلى رضا ربه تعالى وتتيح
نوعا من االكتفاء الذاتي ،وقد علم أبناءه وتالميذه األخذ باألسباب والغنى عن
الناس والجد في التعلم لحصول النجاح.
وهذه من شيماته في العمل قد أحب عمله وأتقنه وجد فيه طالب رضا هللا
تعالى ،وقد رفض الدنيا الغرور وزينتها وزهرتها ،ولكن علمنا حب الحياة وحب
العمل والجد فيه وإتقانه لآلخرة وهذا أمر مطلوب في دين اإلسالم.
1ص 73 :من كتاب (قطب الغيث سيدنا أبو الحسن الشاذلي) ط :دار األنصار القاهرة ،تأليف اإلمام األكبر الشيخ
عبد الحليم محمود – شيخ األزهر األسبق.
2بجوار بيته بالحي السابع مدينة نصر.
18
إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش
يستحيي أن يجلس تحت أقدام العلماء وكان حريصا على حضور مجالس األولياء
فهو آية في العلم واألخالق.
وهو املحدث الكبير والعالم الرباني يربي أبناءه وطالبه ببصيرته وأخالقه.
ومن أكبر تقدير من علماء عصره له أن كثيرين منهم كانوا طالبا له ،وإن لم يكن
طالبا كان محبا له ،ساعيا على لقائه وحضور دروسه العامرة في كثير من األماكن.
وبعد التحاقه باألزهر الشريف وتتلمذه على علمائه الفضالء فجد واجتهد في
التحصيل وسهر الليالي ،حتى برز في الحديث وعلومه وبرع واشتهر في شتى العلوم
الشرعية وأجازه مشايخه بالتدريس.
وقد كتب في كتابه ( تذكرة املحبين بأسانيدي إلى خاتم النبين) الجامع
ألسانيده العالية في علم الحديث وغيره مما أخذه عن شيوخه في رحلته وقت طلب
العلم ،فأحببت أن أذكر بعضهم هنا تبركا بذكرهم حتى يتغمدنا هللا برحماته
وأمداده آمين.
1مسند الوقت العالم املحدث املربي ،هو أبو الفيض علم الدين محمد ياسين بن محمد عيس ى الفاداني ،األندونيس ي
أصال ،املكي والدة ونشأة الشافعي وفادان أبو بادان إقليم في أندونيسيا ،ولد بمكة املكرمة .وكان ابتداء تحصيله
العلمي على والده وعمه الشيخ محمود .ثم التحق باملدرسة الصولتية الهندية ...ودرس على علماء كثيرين في عصره.
باشر التدريس بدار العلوم الدينية بمكة املكرمة عام 1356هـ ،وكان يلقي دروسا مختلفة باملسجد الحرام ،وكذا في
منزله ومكتبه الخاص .وكان له اهتمام بتعليم البنات ،حتى أنشأ في عام 1377هـ.
ص - 563كتاب تكملة معجم املؤلفين -محمد ياسين بن محمد عيس ى الفاداني -
19
إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش
الكبيرة في جزيرة سومطرا الغربية إندونيسيا ،وقد كتب الشيخ في ذكر أسانيد
مشايخه أنه ذكر أن الشيخ ياسين الفاداني شيخ الحديث واإلسناد بدار
العلوم الدينية بمكة املكرمة.
.2العالمة املحدث الشيخ مصطفى أمين التازي الحسيني من علماء الحديث
باألزهر الشريف واألستاذ بكلية أصول الدين بالقاهرة ،وقد تردد عليه لقراءة
الكتب الستة في بيته كما ذكر في كتابه1.
.3العالمة الكبير العارف باهلل املحدث الشيخ محمد حافظ التيجاني شيخ
الطريقة التيجانية 2بالديار املصرية .والعالمة الحافظ التيجاني كما ال تخفى
فضائله بين أهل العلم ومريديه أنه موسوعة في العلم واملعرفة صاحب
األخالق الكريمة ،ونسله نسل مبارك من نسل سيدنا اإلمام الحسين رض ي هللا
عنه .وقد قرأ الشيخ عليه عدة كتب في الحديث.3
1العالمة الشيخ مصطفى أمين إبراهيم عمر طالب التازي األزهري ،الحسني نسبا ،القاهري مولدا املغربي أصال
الشافعي مذهبا .أحد علماء األزهر الشريف ،درس زمنا طويال في كلية أصول الدين ،وكأنه كان صاحب يسار وسعة،
فقد سمعت مشايخي يذكرون أنه كان يقيم في حلوان في قصر تزيد حجراته على األربعين حجرة ،ومن مؤلفاته
(مقاصد الحديث في القديم والحديث) ،و(الرسالة الجامعة البذيعة في بيان الشفاعة في الشريغة) و(رسالة تفسير
البسملة) وقد ترجم له شيخنا العالمة محمد محمود أحمد بكار ترجمة وجيزة في أسطر ،أوائل كتابه (بلوغ اآلمال ،في
مصطلح الحديث وارجال).
يروي عن العالمة الشيخ محمد حبيب هللا الشنقيطي بما في أثباته ( :ظهير املحدثين ،باتصال أسانيد كتب العشرة
املجتهدين) و( املقدمة العلمية في ذكر األسانيد العلية ،وفوائد العلوم السنية) و( الجامع األثبات املتأخرين .ص:
348-347كتاب أسانيد املصريين للعالمة املحدث الشيخ أسامة السيد األزهري.
2الطريقة التيجانية :تنسب للشيخ إمام العارفين وأحد أفراد وأكابر األولياء املقربين ،خليفة الشيخ أحمد إدريس
وهو الشيخ أبو العباس أحمد التيجاني قدس هللا سرهما.
ص 135 :من كتاب السيرة املرضية في ترجمة مؤسس ي الطرق الصوفية للدكتور يوسف خطار محمد.
3العالمة املحدث الصالح التقي الشيخ محمد الحافظ بن عبد اللطيف ب ن سالم التيجاني املالكي الحسيني .ولد في
شهر ربيع الثاني من سنة 1315ه ،وتوفي إلى رحمة هللا تعالى ليلة اإلثنين 29جمادى اآلخر سنة 1398ه..
20
إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش
= قرأ القرآن على الشيخ عبد هللا حمادة ،والشيخ سليمان البنا ،وقرأ بعضه على العالمة الشيخ خليل الجنايني ،ثم
حبب إليه العلم ،فأخذ عن جماعة من األكاب ،فحضر على العالمة الشيخ يوسف الكومي في علوم العربية ،وحضر
على العالمة الشيخ عبد املنعم قاسم في فقه السادة املالكية ،وحضر على العالمة الشيخ يوسف الدجوي في التفسير
وفي فقه املالكية ،وحضر في علم األصول على العالمة الشيخ محمد ماض ي والزم العالمة العارف باهلل الشيخ سالمة
العزامي.
ص 703-702 :من كتاب أسانيد املصريين للعالمة املحدث الشيخ أسامة السيد األزهري.
1العالمة املحدث املسند السيد محمد علوي املالكي ،الحسني ،سليل بيت العلم والشرف ومن كبار علماء الحجاز.
نشأ في كنف أبيه العالمة الجليل السيد علوي بن عباس امل الكي ،وتعلم في حلقات العلم بالسجد الحرم ،ثم التحق
باألزهر الشريف حتى حصل على املاجستير والدكتوراه من كلية أصول الدين باألزهر الشريف .وعين مدرسا في كلية
الشريعة بمكة املكرمة ،ومدرسا في املسجد الحرام ،وانتخب رئيسا للجنة التحكيم الدولية ملسابقة القرآن الكريم
سنة 1399ه وسنوات بعدها ،وكان أول رئيس لها ،ومنحته جامعة األزهر الشريف درجة األستاذية الفخرية سنة :
1421ه.
وكان رحمه هللا تعالى نمطا فريدا في فضائله وثباته على الحق ،وقد واجهته تيرات الترف بالتكفير والعداوة فصبر وثبت
حتى حفظ هللا به منهج أهل السنة والجماعة ،وكان بيته معمورا بالدروس ومجالس الذكر آناء الليل وأطراف النهار،
وكثر تالمذته في الديار اإلسالمية من املغرب إلى املاليو ،واستجاز منه األكابر واألصاغر ،واملوافق واملخالف ،التساع
دائرة روايته وأسانيده وتوفي فجأة ،وشيعت جنازته من الحرم الشريف فكانت حافلة بألوف مؤلفة من البشر ،في
مشهد مهيب يشهد ملكانته في القلوب.
ص 628 :من كتاب جمهرة األزهريين الوسطى للدكتور أحمد نبوي األزهري وهو إختصار وتهذيب لكتاب " جمهرة
األعالم األزهر الشريف" لسيدنا الشيخ أسامة السيد األزهري
21
إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش
.5العالمة الحافظ املحدث السيد عبد هللا بن الصديق الغماري الحسني :وقد
ذكر الشيخ في كتابه أنه التقى بحضرته بالجامع األزهر الشريف وأيضا في كلية
أصول الدين.1
.6العالمة العارف باهلل الشيخ محمد خليل خطيب.
وقد ذكر لنا الشيخ أنه من أجل شيوخه و قد سمع منه في بيته بطنطا .وتأثر
كثيرا به في أخالقه وعلمه وذكره في ضمن مشايخه الفضالء .2وقد ذكر لنا
1حافظ املغرب ومحدثه :العالمة الحافظ املحدث السيد عبد هللا بن الصديق الغماري .طلب العلم في القرويين
وفاس ،وانتفع بأبيه وأخيه السيد أحمد أكبر االنتفاع ،ثم توجه إلى مصر بعد أن قطع في العلم شوطا بعيدا ،فجاور
في األزهر ،وتقدم لنيل الشهادة العاملية الخاصة بالغرباء ،وكانت في اثني عشر علما ،وهي األصول واملعاني والبيان
والبديع والنحو والصرف والتوحيد واملنطق والحديث واملصطلح والفقه والتفسير ،فنجح وأخذ شهادته وذلك سنة
1350ه.
وبعد ذلك نال شهادة العاملية األزهرية ،وكان االمتحان فيها في العلوم السابقة مضافا إليها :علم الوضع وعلم
العروض والقوافي وعلم األخالق أي التصوف ،فبلغت جملة العلوم خمسة عشر علما.
ص 576 :من كتاب جمهرة األزهريين الوسطى للدكتور أحمد نبوي األزهري وهو إختصار وتهذيب لكتاب " جمهرة
األعالم األزهر الشريف" لسيدنا الشيخ أسامة السيد األزهري
2شاعر رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،وشيخ العارفين األستاذ الشيخ محمد خليل خطيب ،النيدي الحسني الحنفي
الجنيدي .العالمة الجليل العارف باهلل.
نال العاملية وشهادة التخصص في اللغة العربية ثم عين مدرسا في املعهد األحمدي ،فصارت طنطا مقره إلى أن توفي،
فكانت إقامته فيها مدة نصف قرن ،وأبى أن يفارقها لترقيات أو بعثات إلى دول مختلفة .ومن تأليفه ( :الجامعة
الصرفية ،ألفية الخطيب في فن الصرف) و (أنوار الكهرباء في ترتيب وشرح حكم سيدي أحمد ابن عطاء هللا
السكندري) ،و( غاية املطالب بشرح ديوان أبي طالب) ،حيث جمع رحمه هللا أشعار أبي طالب من مختلف أمهات
الكتب على مدى عشر سنوات ثم قام بشرحه.
وكان الرئيس السادات يتبرك ،ويطلب دائما لقاءه كلما حضر إلى طنطا في الجامع األحمدي ،وقد بشر الرئيس
السادات بالنصر في حرب أكتوبر ،وشد أزره كثيرا لذلك ،وكان دائم الدعاء له ولجيش مصر العظيم بالنصر.
والذي يطلع أثر اإلمام الشيخ الخطيب على مدى خمسين سنة في طنطا ،وشبكة عالقاته بالشيخ عبد الحليم
محمود ،والشيخ الشعراوي ،والشيخ أحمد حجاب ،والسيد أحمد القصبي محافظ الغربية ،وسائر األعيان
واملسؤولين والوزراء واألكابر ،ويرى كيف كان رحمه هللا منارا من النور واألخالق والحب والتزكية ،والحال والشريف
22
إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش
ابنه الشيخ أحمد سعد جاويش :أن السيد الوالد قد رأى رؤية صالحة في
نومه ،أنه صاحب شيخه هذا في زيارة سيدنا رسول هللا صلى هللا عليه وسلم
ومعهما الشيخ عبد السالم أ بو الفضل وهو خليفة الشيخ محمد خليل
الخطيب ،وفي هذه الرؤيا رأى الشيخ أنه مش ى على مهلته وراء هذين الشيخين
الجليلين ،ورأى أمامهم قصرا عظيما وفتح للشيخ خليل خطيب باب القصر
ودخل فيه ويعقبه الشيخ عبد السالم أبو الفضل ،وملا جاء دوره سمع هاتفا
يناديه :توضأ ثم تعال.
.7العالمة الجليل الولي العارف املربي الشريف فضيلة الشيخ محمد زكي الدين
الحسيني( 1رائد العشيرة املحمدية ومن علماء األزهر الشريف مجدد التصوف
في عصره وخاتمة املحدثين في مصر) .وقد ذكر لي ابنه الحبيب الشيخ د .أحمد
سعد جاويش أن والده قد الزم الشيخ محمد زكي الدين إبراهيم منذ شبابه
وأحبه كثيرا وحضر في حلقات ذكره ويتبرك به وبمجالسه ،وقد تأثر في علمه
وأخالقه ،وله إجازة في كتب الشيخ.
.8العالمة العارف باهلل الشيخ نجم الدين محمد أمين الكردي اإلربلي
النقشبندي الشافعي الحسيني (املحدث الكبير والشيخ الكامل عالم متفنن
شيخ الشريعة والحقيقة ،شيخ الطريقة النقشبندية في عصره بمصر وقد
أنفق عمره في التدريس والتربية ونشر كتب والده ،وله تالميذ كثيرة من مصر
وخارجها) .وقد أخذ الشيخ عنه العلم والعهد الوثيق في الطريقة النقشبندية.2
=واألثر الجليل املحوط باإلكبار واإلجالل ،فإنه يدرك ما أكرم هللا تعالى به الشيخ الخطيب من القبول والحب
والوالية واألخالق والشريفة والجلية.
ص 544 :من كتاب جمهرة األزهريين الوسطى للدكتور أحمد نبوي األزهري وهو إختصار وتهذيب لكتاب " جمهرة
األعالم األزهر الشريف" لسيدنا الشيخ أسامة السيد األزهري.
1تقدمت ترجمته
2الطريقة النقشبندية وينتهي سندها إلى شيخ الفضالء وعلم النجباء محمد بهاء الدين نقشبند قدس هللا سره.
23
إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش
.9العالمة املحدث الشيخ محمد علي السماحي :صاحب كتاب (املنهج الحديث
في مصطلح الحديث) ،وهو شيخ الحديث بكلية أصول الدين كما ذكر الشيخ
في كتابه.1
.10اإلمام األكبر الشيخ عبد الحليم محمود :شيخ األزهر األسبق وهو شيخ فتاح
عالم الشريعة والحقيقة.
وقد ذكر لي فضيلته أن فضيلة اإلمام عالم متفنن يحب العقيدة والفلسفة
ولكن في آخر حياته يميل حبه إلى الحديث النبوي الشريف والتصوف
اإلسالمي .وقد أشاد بذكره في كتابه أن العالقة الوثيقة بينهما ال يفارقها
املوت ،فهو شيخه حيا ومنتقال.2
=ص 91 :من كتاب السيرة املرضية في ترجمة مؤسس ي الطرق الصوفية للدكتور يوسف خطار محمد.
1العالمة املحدث الشيخ محمد محمد السماحي ،نشأ في حجر والده الشيخ محمد السماحي من علماء األزهر وكان
إماما ومدرسا ومفتيا لبلدته ثم التحق بكلية الشريعة اإلسالمية في بداية إنشائها ،ونال أستاذية القرآن سنة 1945م
وهي أستاذية التي تؤهل للتدريس في الكلية ،فدرس في ذلك القسم ست سنوات كما أنها دراسته بالتخصص بقسم
التفسير والحديث بكلية أصول الدين ،إذا كان القانون يسمح ملن حصل على عالية الشريعة أن يلتحق بقسم
التفسير والحديث بكلية أصول الدين ،وحصل على اإلجازة العالية من كلية أصول الدين سنة 1935م ،ونال العاملية
منها سنة 1944م ،فحاز علوم كلية الشريعة ،مع علوم كلية أصول الدين ،ثم عين مدرسا للتفسير والحديث ،ثم
رئيسا لقسم الحديث بكلية أصول الدين .وابتعث إلى ليبيا والسعودية.
ص 532 -531 :من كتاب جمهرة األزهريين الوسطى للدكتور أحمد نبوي األزهري وهو إختصار وتهذيب لكتاب "
جمهرة األعالم األزهر الشريف" لسيدنا الشيخ أسامة السيد األزهري.
2شيخ اإلسالم ،اإلمام األكبر :الشيخ عبد الحليم محمود شيخ األزهر الشريف ،جاور في األزهر وحضر على كبار
شيوخه وعلمائه ،مدة عامين ،ثم افتتح افتتح معهد الزقازيق فانتقل إليه وكان شيخ املعهد في حينها هو الشيخ
إبراهيم الجبالي وقد نال الشهادة االبتدائية ،وكانت نظم الدراسة في األزهر حينئذ تسمح لطالب أن يتقدم للثانوية
من الخارج فتقدم لها سنة 1928وحصل على شهادتها ،فقفز قفزة واسعة من االبتدائية إلى الثانوية في سنة واحدة،
أثبت فيها أمام لجان االمتحان كفاءته ومقدرته العلمية.
ص 501 :من كتاب جمهرة األزهريين الوسطى للدكتور أحمد نبوي األزهري وهو إختصار وتهذيب لكتاب " جمهرة
األعالم األزهر الشريف" لسيدنا الشيخ أسامة السيد األزهري ،ومن أراد أن يستزيد فعليه بالرجوع إلى ترجمته للشيخ
أحمد عمر هاشم من تالميذ اإلمام.
24
إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش
وهذه تذكرة موجزة بذكر شيوخه األجالء ومن أراد أن يستزيد فعليه بالرجوع
إلى كتاب ( تذكرة املحبين بأسانيدي إلى خاتم النبيين) ،وبفضل هللا تعالى ومنه قد
طبعت بعض كتب الشيخ ،وتم نشرها في مكتبته بالحي السابع مدينة نصر وفي
مكتبة اإليمان داخل كلية أصول الدين وغيرها من املكتبات في مصر.
1األستاذ الدكتور الشيخ إبراهيم علي شعوط ،نال أستاذية التاريخ بدرجة ممتاز ،وعمل مدرسا بكلية اللغة العربية
وأستاذا للفلسفة ،وتولى رئاسة البعثة األزهرية في السعودية ،ومن أشهر مؤلفاته (أباطيل يجب أن تمحى من التاريخ)
وانتقده وناقشه األستاذ حسني شيخ عثمان في كتابه ( :أباطيل األباطيل).
من كتاب جمهرة األزهريين الوسطى للدكتور أحمد نبوي األزهري وهو إختصار وتهذيب لكتاب " جمهرة األعالم األزهر
الشريف" لسيدنا الشيخ أسامة السيد األزهري.
2أحد أركان املنهج األزهري :العالمة الجليل الشيخ محمد الصادق عرجون ،نال شهادة العاملية ،ثم درجة التخصص
القديم وعين مدرسا باألزهر الشريف فأستاذا بالكليات فشيخا للمعهد :دسوق وأسيوط واالسكندرية ثم مديرا
للتعليم االبتدائي باألزهر ثم وكيال للتعليم األزهري فعميدا لكلية أصول الدين.
25
إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش
.6العالمة الداعية الشيخ محمد الغزالي :املفكر العظيم ومن علماء األزهر
الشريف ،قال ابنه د .أحمد سعد جاويش أن والده قد قرأ على الشيخ محمد
الغزالي كتابه (هذا ديننا) وما زالت النسخة القديمة موجودة ومحفوظة وعليها
خط شيخنا حينما يكون طالبه في الجامعة.1
.7العالمة الكبير الشيخ أبو شهبة :صاحب كتاب الوسيط في علوم ومصطلح
الحديث.2
.8الشيخ إبراهيم بن علي بديوي :عالم متبحر وشاعر مشهور،صاحب القصيدة
املشهورة " قل للطبيب تخطفه يد الردى" وقد وهبه هللا الشعر اإليماني وقد
=ص 518 :من كتاب جمهرة األزهريين الوسطى للدكتور أحمد نبوي األزهري وهو إختصار وتهذيب لكتاب " جمهرة
األعالم األزهر الشريف" لسيدنا الشيخ أسامة السيد األزهري.
1شيخ الدعاة والخطباء :الشيخ محمد الغزالي سقا ،الحنفي .العالم املفكر ،الداعية الشهير .نشأ في كنف أبيه الذي
كان رجال صوفيا صالحا ،ثم التحق بكلية أصول الدين -أيام أن كان شيخها العالمة الشيخ عبد املجيد اللبان -ونال
شهادتها .وعين عمل إماما وخطيبا في مسجد األوقاف ،ثم تدرج في الوظائف حتى صار مديرا للدعوة واإلرشاد ،ووكيال
لوزارة األوقاف ،وتولى رئاسة املجلس العلمي لجامعة األمير عبد القادر الجزائري اإلسالمية بالجزائر ملدة خمس
سنوات وكانت آخر مناصبه .وزار معظم الدول العربية ،وعددا من الدول األفريقية واألوربية واألمريكية ،للمشاركة
في األنشطة الدعوية.
ص 591 :من كتاب جمهرة األزهريين الوسطى للدكتور أحمد نبوي األزهري وهو إختصار وتهذيب لكتاب " جمهرة
األعالم األزهر الشريف" لسيدنا الشيخ أسامة السيد األزهري.
2العالمة املحدث الشيخ أبو شهبة :التحق بكلية أصول الدين حتى حصل على اإلجازة العالية ،ونال العاملية من
درجة أستاذ ،وهو أول عميد لكلية أصول الدين في أسيوط ،فتأسست الكلية على يديه ،وابتعث إلى :السعودية
والعراق والسودان ،ثم استقر في كلية الشريعة بمكة املكرمة التي أصبحت فيما بعد جامعة أم القرى.
ص 529 :من كتاب جمهرة األزهريين الوسطى للدكتور أحمد نبوي األزهري وهو إختصار وتهذيب لكتاب " جمهرة
األعالم األزهر الشريف" لسيدنا الشيخ أسامة السيد األزهري.
26
إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش
ظهرت موهبته منذ صغره .1وقد تتلمذ الشيخ على هذا الشاعر البارع حينما
يكون طالبه في املعهد دسوق الديني.
1شيخ علماء اإلسكندري ة ودمنهور :الشيخ إبراهيم بدوي .العالمة الجليل والشاعر األزهري ،حصل على العاملية
وإجازة التدريس من كلية اللغة العربية سنة 1937وتعين مدرسا وشيخا لعدد من املعاهد األزهرية ،حتى صار شيخا
لعلماء اإلسكندرية ودمنهور.
ص 530 :من كتاب جمهرة األزهريين الوسطى للدكتور أحمد نبوي األزهري وهو إختصار وتهذيب لكتاب " جمهرة
األعالم األزهر الشريف" لسيدنا الشيخ أسامة السيد األزهري.
27
إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش
1مأخوذة من كالم ابنه الشيخ أحمد سعد جاويش حفظه هللا تعالى.
28
إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش
وقد درس في هذه الجامعة أربع سنوات واستفاد منه الطالب استفادة
كثيرة ،كما التقى في هذه الفترة القيمة بشيخه األول في اإلسناد العالمة املحدث
املسند الشيخ محمد ياسين الفاداني املكي الشافعي رحمه هللا.
لقاؤه بالعالمة الشيخ محمد ياسين الفاداني:
وقد ذكر لنا الشيخ قصته املؤثرة في لقائه مع شيخه هذا :ومن
حسن تواضعه أنه ذكر أن في ذلك الوقت كان الشيخ لم يهتم بمرويات
األحاديث وكتبه إلى أن جاور شيخه بمكة املكرمة ،ولم يعرف أنه سكن
مجاور بيت الشيخ ياسين الفاداني مسند العصر ولم يكن يعرفه جيدا
آنذاك.
ولحسن نيته أرشده هللا تعالى إلى طريق شيخه وجالسه وتردد
عليه في أوقات كثيرة في مكة املكرمة ،بعد أن وجد أحد طالبه
اإلندونيسين في جامعة أم القرى يحمل ورقة اإلجازة فسأله :أي ش يء
هذا؟ فقال :هذه إجازة في الحديث النبوي الشريف من شيخنا العالمة
الفاداني والسيد محمد بن علوي املالكي .فقال له الشيخ :فأما السيد
محمد بن علوي املالكي هو زميلي في كلية أصول الدين في األزهر الشريف،
ثم قال الشيخ لهذا التلميذ النجيب :خذني إليه! ثم تواعدا على اللقاء في
صالة العشاء بالحرم املكي .والتقى الشيخ بهذا الطالب اإلندونيس ي فركبا
سيارة كبيرة إلى حي العتيبية بجوار مسجد ابن امل ـلوح .وملا وصل بيت
شيخه ،تعجب الشيخ فقال :هنا عنوان بيتي ،واملسافة بين بيته وبيت
شيخه ال تبعد عن أربعة بيوت ،وهذا أول لقاء الشيخ بشيخه األول في
اإلسناد فضيلة العالمة الشيخ محمد ياسين الفاداني.
29
إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش
1ص )4( :ط :مكتبة اإليمان من كتاب تذكرة املحبين بأسانيدي إلى خاتم النبيين صلى هللا عليه وسلم.
30
إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش
31
إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش
32
إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش
33
إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش
قبل إقامته بالحي السابع مدينة نصر ،ثم عين بلجنة ترقية األساتذة
بجامعة األزهر الشريف.
34
إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش
35
إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش
36
إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش
علم الحديث النبوي الشريف وكذا في ترجمة األولياء الصالحين ،وعنايته في العلم
عظيمة وقد ألف كتبا قيمة منها:
السنن الزكية ( 4أجزاء).
السنة املشرفة وعلوم الحديث.
قضايا حديثية.
على طريق الهجرة.
ألقاب أهل هللا.
جبر الخاطر.
البكاؤون.
ناشئة الليل.
ضوء القمر.
37
إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش
في مصر وخارجها .وكان مشغوال بالتعليم والعبادة ،واإلقبال على هللا في الظاهر
والباطن ،ومن بعض البقاع التي جلس فيها الشيخ للتدريس:
.1الحرم املكي
وقد جلس في هذه البقعة املباركة سنة كاملة ،بعد أن جاء إليه
القرار من مجلس شؤون الحرم لتدريسه فيه ،وأعد له كرسيا خاصا يلقي
درسه في مادة الحديث النبوي الشريف وعلومه.
وهذا شرف عظيم من بركة دعائه املبارك في امللتزم ،وقد ذكر لنا
أنه أفتى الناس على مذهب اإلمام الشافعي فنبهه أحد مسؤولي الحرم
وأمره بأن يفتي على املذهب الحنبلي.
.2الجامع األزهر الشريف
وقد قام الشيخ بتدريس الحديث وعلومه بالجامع األزهر الشريف
بالظلة العثمانية وتارة في رواق الشراقوة.
وقد قرأ عديدا من الكتب في الحديث النبوي الشريف.
.3جامعة األزهر الشريف
وفي هذه الجامعة قام بخدمة العلم في مدرسته األولى ودرس فيها
الحديث وعلومه وأشرف على الرساالت العلمية واستفاد منه الطالب من
كل أقطار العالم.
38
إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش
1عبد هللا بن سعد بن أحمد بن أبي جمرة األندلس ي املرس ي ،القدوة الرباني ،من بيت كبير ،لهم تقدم ورياسة .قدم
مصر ،وله زاوية باملقس ى ،ذو تمسك باألثر ،واالعتناء بالعلم وآله ،وجمعية على العبادة ،وشهرة كبيرة باإلخالص،
واستعداد للموت ،وفرار من الناس ،وانجماع عنهم ،إال من الجمع .وتذكر له الكرمات.
واختصر قطعة من صحيح البخاري ،وشرحها بشرح بديع ،وفي آخرها تلك املراثي البديعة ،وقصته مع ابن الجاني
مشهورة.
مات في تسع عشر ذى القعدة ،سنة خمس وسبعين وستمائة ،وقد شاح .ودفن بالقرافة ،وقبره معروف يتبرك به.
_____________
ص 383 :من كتاب طبقات األولياء البن امللقن.
39
إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش
الفصل الرابع
عبادته وزهده وأخالقه
أوال :عبادته
وأحب أن أقول عن عبادته ما ينطبق عليه قول البوصيري لإلمام أبي
الحسن الشاذلي 1رض ي هللا عنه:
ألف النسك والتهجد وال *** خلوة طفال وهكذا النجباء
*** نشطت للعبادة األعضاء2 وإذا حلت الهداية قلبا
إن حياة األولياء الكمل لتسير على الشريعة والطريقة والحقيقة وكان
الشيخ قد سار على شريعته وسلك في طريقه وانغمس في حقيقته ،كان خاشعا
عابدا هلل تعالى منذ صغره شاهدا لوحدانيته وعظمته وجاللته ،وكل من رأى وجهه
املنير رأى منه أنوار اإليمان وانبثق منه أنوار العبادة والتقوى.
وقد قال رحمه هللا تعالى في أحد مجالسه عن فضائل خشوع القلب :إذا
خشع القلب خشعت كل الجوارح وخشوع القلب هو من املقام العالي.3
1هو الشيخ اإلمام حجة الصوفية ،وعلم املهتدين ،زين العارفين ،أستاذ األكابر ،واملنفرد في زمنه باملعارف السنية،
واملفاخر ،العالم باهلل ،الدال على هللا زمزم األسرا ،ومعدن األنوار ،القطب الغوث ،الجامع تقي الدين أبو الحسن
علي بن عبد هللا بن عبد الجبار بن تميم بن هرمذ بن حاتم بن قص ي بن يوسف بن يوشع بن ورد ابن بطل بن أحمد
بن محمد بن عيس ى بن محمد بن الحسن بن علي بن أبي طالب رض ي هللا عنه ،عرف بالشاذلي ،منشأه باملغرب
األقص ى ،ومبدأ ظهوره بشاذلة ،بلدة على القرب من تونس ،وإليها نسب له السياحات الكثيرة واملنازالت الجليلة
والعلوم الكثيرة لم يدخل في طريق هللا حتى كان يعد للمناظرة في العلوم الظاهرة ،وعلوم جمة.
ص 59 :من كتاب لطائف املنن في مناقب الشيخ أبي العباس املرس ي وشيخه الشاذلي أبي الحسن لسيدنا اإلمام ابن
عطاء هللا السكندري رض ي هللا عنه ،ط :كتاب -ناشرون بيروت لبنان.
2ص 167 :من كتاب نسق الخطاب على تحفة األحباب للدكتور سعيد أبو األسعاد.
3من محاضرته في الجامع األزهر الشريف.
40
إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش
كما كان قليل النوم قائم الليل دائم العبادة ال يدع عباداته ووظائفه مهما
كبر سنه وضعفت أحواله ،كما انشغل بذكر هللا والتفكر في خلقه إلى آخر حياته.
وقد كان من ورده اليومي صالة التهجد وقراءة القرآن ،وقد كان يقوم نصف الليل
ثم يصلي ما تيسر له من ظروفه الصحية وقد كان يقرأ القرآن يوميا بعد صالة
الفجر وقبل االستعداد للذهاب إلى الكلية.
وكان إذا فرغ من عمله فتح مصحفه وقرأ ما تيسر من القرآن ،وقد رأيناه
يقرأ القرآن في املواصالت ،حتى ال يمش ي الزمان دون فائدة .و كان الشيخ في آخر
حياته حريصا على تأدية صالته في املسجد قائما بقدميه؛ مهما كلفه ذلك من جهد
فلم يكن يصلي جالسا إال إذا اشتد عليه التعب.
ثانيا :زهده
كان رحمه هللا يقول عن الزهد في أحد مجالسه ،فيما معناه :والزهد
الحقيقي عند الشيخ هو الزهد في القلب وليس في اليد .الزهد ليس الترك ولكن
الزهد هو األخذ بال ترف واإلنفاق بال كبر .قد يزهد من ملك وقد يملك من زهد،
فاملعيار الحقيقي للزهد هو القلب.
وكان رض ي هللا عنه موصوفا بالزهد والقناعة؛ ال يريد الدنيا وال يلتفت إليها
وال يشتغل بها ،وال يحب الشهرة وال املنصب .وقد تأثر كثيرا بشخصية اإلمام
الشاذلي في غزير علمه وزهده ،وكان محبا ألهل العلم وحضور مجالسهم ومحبا
لألولياء الصالحين وقد كتب ترجمتهم وسيرهم الرشيدة في بعض مؤلفاته.
وقد عاش رحمه هللا تعالى راضيا بقضاء ربه ،ال يجعل أموره الدنيوية غايته
حتى ال تشغله عن ربه وهذا زهد العارفين .وقد رأيناه كثيرا يركب السيارة العامة في
غاية التواضع عند ذهابه إلى الكلية ،بغير حراسة وال مراقبة .وسأله أحد تالميذه
41
إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش
عن حاله هذا؛ ألن املسافة بعيدة ،والشوارع مزدحمة .فأجابه متبسما يقول :يا بني،
ال أريد أن أتعب أحدا ما دامت قدرتي باقية.
هكذا رأيناه في زهده وأخالقه كأن في قلبه ودا أنبته هللا وحفظه ،فأخرج منه
نورا يض يء أخالقه وقلوب محبيه ،كالمه حكمة وصمته دعوة ،ونصائحه قيمة
وأخالقه عبرة .وكان شاكرا لنعم هللا راضيا بقضائه ال يشكو على الناس مهما ضاقت
الحياة.
ثالثا :أخالقه
كان الشيخ آية في حسن الخلق وقال الشيخ أيمن الحجار مثنيا على شيخه:
هو أدب يمش ي على األرض .هذه العبارة ليست مبالغة بل هي حقيقة ،عاطف على
املحتاجين والسائلين ،وعاملهم برفق ولطف كأنهم زمالؤهم .وهذه شيمته في حسن
الخلق وقد قسمت إلى:
تواضعه:
و قد سمعنا شيخنا يقول عن أهمية التواضع لطالب العلم في
أحد مجالسه :طالب العلم يحتاج إلى التواضع،
قال تعالى ﴿وأن ال تعلوا على اَّلل﴾ كما في قصة سيدنا موس ى
عليه السالم :قال لسيدنا الخضر رض ي هللا عنه :هل أتبعك على أن
تعلمني مما علمت رشدا؟ وسيدنا موس ى عليه السالم هو من أولي العزم
من الرسل وهو كليم هللا ولكنه ال يعالي أن يقول لهذا الولي الصالح :هل
أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا.1
42
إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش
وقد عرف الشيخ بين أبنائه وطالبه بتواضعه الجم كان متواضعا
خاشعا وقد سار على نهج شيوخه الصالحين ،وتأثر بحسن أخالقهم
وتمثل بهم .وقد زينه جميل أخالقه ،وله فلسفة خاصة في تعامله مع غيره
وقد أحب الجميع ال يحابي أحدا في حسن معاملته ،وقال ألبنائه في ليلة
وفاته :أحب كل من قال ال إله إال هللا.1
وهذا حسن تواضع شيخنا ،مع أنه قد وصل من تربيته عشرات
من العلماء يقدرونه بجاللة علمه وعلو مقامه فما زال تواضعه باقيا إلى
آخر حياته ،يحمله إلى كل مكان كأنه ثيابه ،يزينه ويتحلى به كان نجما في
التواضع ومسكا في األخالق.
كان إذا تكلم أغمض عينيه وأخشع صوته ،وخاطب السامعين
بلطف بال تعسف؛ لقد تعلمنا منه راحة الصوت وهدوء النفس .إذا تكلم
مع األعالم تجده أنه من كبارهم ،وإذا تكلم مع العوام تجده كأنه أبوهم،
يبين ويشرح لهم بكل صبر وتواضع إذا سأله أحد عن مسألة.
وأحب أن أقول عن تواضع الشيخ قول سيدنا أبي مدين الغوثي2
1من كالم ابنه السيد أحمد سعد جاويش حفظه هللا تعالى.
2هو شعيب بن الحسين القطينياني األندلس ي ،يكنى أبا مدين ،ويلقب بالغوث.
أصله من حصن (( قطينيانه)) من أحواز ((إشبيلية)) ،وقيل من (( منتوجي)) .خرج منها صغيرا عند وفاة أبيه ،هربا من
رعي أغنام إخوته ،إلى إشبيلية ،ثم شريس ،ثم الجزيرة الخضراء ،ثم طنجة ،ثم سبته حيث عمل أجيرا عند صيادي
السمك مدة قصيرة ،ثم سال ،ثم مراكش حيث انخرط في سلك الجندية ردحا من الزمن ،ثم فاس حيث تفرغ للعلم
والعبادة مدة طويلة ،ثم استقر به املقام في بجاية عندما سكنت لها نفسه ورآها معينة على طلب الرزق الحالل.
ومن بعض شيوخه :اإلمام أبو الحسن علي بن حرزهم ،اإلمام املربي ذو الكرمات أبو يعزى يلنور بن عبد الرحمن بن
أبي بكر األيالني ،الفقيه الحافظ أبو الحسن علي بن خلف بن غالب األنصاري األندلس ي وغيرهم من العلماء واألولياء.
_____________
ص 16من كتاب عنوان التوفيق لسيدنا اإلمام ابن عطاء هللا السكندري ،ط :دار الكتب العلمية بيروت.
43
إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش
*** وإن زاد جهل املرء زاد ترفعا إذا زاد علم املرء زاد تواضعا
وفي الفص من كل الثمار مثاله *** فإن يرعى من حمل الثمار تمتعا1
فبالتواضع يزيد علم املرء ،ويزيد نور قلبه ،وينبثق منه نور العلم
والهداية .فاإلنسان املتواضع كالشجر املثمرة؛ كلما زادت وثقلت ثمراته زاد
خضوعه إلى األرض .وكذلك اإلنسان املتواضع؛ كلما زادت علومه وأعماله
زاد في نفسه الخضوع واالنكسار إلى ربه تعالى .وهذا ما قد رأينا عليه
شيخنا؛ أنه لم ير نفسه أهال للتواضع وبهذا يزيد هذا االنخفاض من
االرتفاع في درجاته عند ربه تعالى.
أخالقه مع أسرته:
ومن محاسن أخالقه ،كان إذا دعا أبناءهم ألمر إلى غرفته
الخاصة بالدور األول من املنزل ،أعد الغرفة على غاية الجمال ،وحضر
لهم الطعام والشراب ،عطر املكان وكأنه يستقبل كبار الرجال أو
الضيوف.
وكان له أحفاد كثيرة ،وفي بعض األيام دعا الشيخ بعض أحفاده
إلى مجلس الحديث النبوي الشريف ،وطلب منهم واحدا واحدا لقراءة
الحديث؛ ومهما صعب في القراءة لصغر سنهم طلب منهم برفق وابتسامة.
هكذا كانت أخالقه مع أسرته وأقاربه حفظهم هللا ،عاملهم بإحسان
وأرشدهم بعرفان وال يجبرهم على حضور الدرس ولكن بحسب طاقاتهم في
الحضور.
1ص ،55من كتاب عنوان التوفيق لسيدنا اإلمام ابن عطاء هللا السكندري ط :دار الكتب العلمية بيروت.
44
إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش
أخالقه مع زمالئه:
قال العالمة الشيخ أحمد معبد عبد الكريم مثنيا عليه؛ لحسن
أخالق زميله الحبيب الشيخ سعد رزق جاويش عند رثاء وفاته :نعم
الصاحب في الصحبة ونعم الرفيق .فقد ظل الشيخ رجال خلوقا ولم يتخل
يوما عن أخالقه في تعامله ،وكان الشيخ إذا عامل زمالءه عاملهم كأنهم
شيوخه يعظمهم ويحسن إليهم ويعتبرهم مكانة شيوخه ،ومن عاداته
الطيبة أنه كان إذا أتم مجلسه في األزهر الشريف يحرص على لقاء زمالئه
العلماء في الجامع األزهر .ومن أمثالهم العالمة املحدث الشيخ أحمد طه
ريان حفظه هللا تعالى ،والعالمة املربي الشيخ محمد مهنا حفظه هللا تعالى،
والعالمة املحدث الشيخ أحمد معبد عبد الكريم حفظه هللا تعالى ،وغيرهم
من العلماء الفضالء.
وحسن أخالق الشيخ لزميله النجيب العالمة املحدث الشيخ
أحمد طه ريان حفظه هللا تعالى غاية في الكرم ،يقول الشيخ لتالميذه مثنيا
على الشيخ أحمد طه ريان :إن الشيخ أحمد طه ريان من بقية رجال
األزهر ،فاحرصوا على حضور درسه .وكان جدوالهما موافقين في يوم
األحد ،وإذا أنهى الشيخ درسه لتالميذه انطلق إلى درس زميله أو لقائه أمام
الرواق العباس ي ليلتقيا ويتصافحا.
وحب الشيخ ألخيه في هللا العالمة املربي الشيخ محمد عبد الصمد
مهنا حفظه هللا مثال وأية في املحبة ،وقد سألني الشيخ مرارا في أواخر
حياته عن أحوال أخيه الشيخ محمد مهنا حفظه هللا ،وأن أبلغه السالم
وكان يحبه ويمجده .وقال الشيخ محمد مهنا عنه :والذي يعرف مقام
45
إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش
الشيخ سعد جاويش هو هللا تعالى .كان الشيخ حريصا على حضور درس
أخيه ومجلس ذكره باملقطم ،وحينما جاء املجلس قال :جئت هنا أللتمس
البركة.
وأما أخالقه مع زميله العالمة الشيخ أحمد معبد عبد الكريم
حفظه هللا تعالى مثال فاضل لسعة أخالقهما ،كان بينهما مودة ورحمة
وإذا رأيتهما يجلسان في مجلس واحد تخيل كأنك ترى أجمل املناظر في
األخالق من كبار الرجال ،ك لقاء اإلمامين العظيمين في الحديث اإلمام
البخاري واإلمام مسلم .حينما قبل اإلمام مسلم رأس شيخه وقال كما
قال :وهذا ما رأينا من أخالق الشيخ مع زمالئه في العمر وغيرهم ،عاملهم
بغاية الحسن والكرم ال يوجد بينهم إال املودة واملحبة.
46
إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش
واشترط عليه أن ال يعتقده أنه شيخ ،بل مجرد املصاحبة واملذاكرة في
حلقة الدرس من غير تعظيم وال إجالل.
ومن هذه القصة تعجب الشيخ بوفاء أخالق اإلمام مع تلميذه ،مع
أنه وصل من تربيته مئات من العلماء واألولياء ،ولكن بجمال أخالقه
تواضع هلل وافتقر إليه طالبا مرضاته تعالى.
وأذكر قصة مؤثرة عن حسن معاملته مع تالميذه مهما أخطأ:
ذات يوم غضب الشيخ على أحد طالبه في الكلية؛ ألنه ال يهتم بدرسه ،وفي
ذلك اليوم تأخر كثير من الطالب الزدحام الشوارع ،فغضب أثناء الدرس.
ولكن كما عرفنا أنه ال يسب أحدا مهما غضب ،وال يحتقر إنسانا مهما
أخطأ ،وبعد هدوء غضبه قال لهذا التلميذ املغضوب متبسما :أستعفيك
يا أخي على هذا ،وذكر له الشيخ أن سبب غضبه زيادة ضغط دمه وشدة
تعبه في ذلك اليوم ،ولكن رض ي الشيخ عن خطأ طالبه وقال له بأن ال
يعيد هذا الخطأ مرة ثانية .ما أجمل هذا املنظر! يا شيخنا ،قد علمتنا
كيف نعامل أنفسنا عند الغضب حتى ال نؤذي غيرنا!
وكان رحمه هللا تعالى كريما على تالميذه ،وعنده مجلس خاص في
بيته بالحي السابع لقراءة كتب الحديث النبوي الشريف ،والشيخ قام على
ضيافتهم وإكرامهم حتى آخر حياته ،هيأ الكراس ي وحضر لهم الطعام
والشراب ،وفسح لهم املكان إلقراء الحديث الشريف ،تعظيما لصاحب
الحديث صلى هللا عليه وسلم وإكراما لضيوف سيدنا رسول هللا صلى هللا
عليه وسلم.
وهكذا أخالق الشيخ مع تالميذه ،فقد كان موصوفا بالصدق
والرقة والتواضع وحسن املعاملة ،وكان رقيقا مرهفا في تعاطيه مع زمالئه
والناس أجمعين ،عاملهم بحسن األخالق ،ال يحابي أحدا من تالميذه
47
إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش
والراغبين في حضور درسه بل قبل الجميع وأحبهم .وكان أبا ألبنائه ،ومربيا
ملريديه ،ومعلما وشيخا لتالميذه ،يساعدهم على ما يحتاجون إليه من كل
ش يء ويكرمهم ويجلهم غاية اإلجالل وكان يقول كثيرا لتالميذه :مرحبا
بوصية رسول هللا صلى هللا عليه وسلم.
أخالقه مع الضيوف:
ورده ورد املعاملة ،حبه لربه يجعله يحب جميع خلقه ،عاملهم
بإحسان واستقبلهم بفرح وسرور .قال الشيخ أحمد سعد عن حسن
أخالق أبيه مع الضيوف :إنني ال أذكر كم قال لي من محبيه أنهم قد دخلوا
وزاروا غرفة أبي ،واستقبلهم أحسن استقبال وقدم لهم الطعام
والشراب ،هذا من أخالقه الكريمة ،عامل الجميع بحسن وال يحابي أحدا.
أخالقه مع العمال:
انظر إلى جميل أخالقه وانظر إلى غزير علمه من هو وما هو! إنه
من كبار علماء الحديث هذا العصر ،وأحد رجال هللا من عباده ،ولكن
بعلو مقامه ورفعة منزلته اليزداد منه إال تواضعا وانكسارا لربه جل
جالله.
فحب الشيخ للعمل يجعله يحب أهله؛ ألن الرزق املبارك نبع من
العمل املبارك ،وعمل الرجل بيده هو من أحب األعمال إلى هللا تعالى ،وقد
أحبه رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،وكذا حسن معاملته مع الغير ال
يحد ،فقد أحسن املعاملة على أسرته وزمالئه وطالبه وضيوفه ،وهذا
األخير حسن معاملته مع العمال.
48
إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش
كان رحمه هللا تعالى خلوقا كريما؛ إذا جاء العمال إلى بيته ليصلح
شيئا ،أو يدهن جدرانه قام رحمه هللا تعالى في إكرامهم بنفسه ،حضر لهم
الشراب واألطعمة ،يحدثهم بكل بساطة وشفقة ،عاملهم كأنهم أصدقاؤه
حتى ال يفرق بينهم ش يء ،وال يوجد بينهم إال املحبة واملودة ،حدثهم كل ما
يحبون فيأنس العمال بحديثه وتأثروا .هكذا كان رجال هللا يعاملون
الخلق معاملة الحق.
49
إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش
الفصل الخامس
عقيدته ومذهبه ومشربه
وسمعت شيخنا العالمة الفقيه الشيخ عبد العزيز الشهاوي (شيخ
الشافعية) بالجامع األزهر الشريف يقول عن فضل التفقه في الدين وتصفية
القلوب من األدران األوزار ناقال عن قول اإلمام األعظم الشافعي رض ي هللا عنه:
فقيها وصوفيا فكن ليس واحدا *** فإني وحق اَّلل إياك أنصح
فذلك قاس لم يذق قلبه تقى *** وهذا جهول كيف ذو الجهل يصلح
كان الشيخ على عقيدة أهل السنة والجماعة ،وقد غرس في تالميذه
العقيدة الصحيحة التي عليها السلف الصالح من األمة ،وكان شافعي املذهب
ومتمسكا به ولكن اليتعصب له.
فقد كان يعظم أئمة املذاهب املجتهدين ،ومن تعظيمه لهم؛ كان إذا نقل
عن أقوالهم في فتاواه عن مسألة ،ذكر أسماءهم بالسيادة مثل "...عند سادات
األحناف ومالك كذا "،وكان واسع النظر في الفقه ،وقد أفتى بأقوال العلماء املعتبرين
في املذاهب األخرى حتى تتسع فكرة الطالب ومعرفتهم في آراء األئمة .وكان حريصا
على سهولة العبارة حتى يفهمها الكبير والصغير.
وقد نشأ الشيخ في بيئة روحانية عالية وعض بالنواجذ على خدمة مشايخه
وقت شبابه وظفر بالقبول واملدد املوصول ،وقد أحب التصوف وأهله منذ شبابه
وعاصر أئمة التصوف في عصره مثل :الشيخ نجم الدين الكردي ،والشيخ محمد
زكي الدين إبراهبم ،والشيخ صالح الجعفري ،والشيخ أحمد رضوان ،والشيخ محمد
خليل خطيب ،وغيرهم من األولياء الصالحين.
50
إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش
وقد الزمهم بالكمال ونهض في خدمتهم غاية اإلجالل .تربى على الرجال ونال
منهم الجمال والجالل .وقال اإلمام أبو مدين الغوثي في أحد أبياته من البحر الطويل
مبينا عن فضل خدمة الرجال:
وقدم الجد وانهض عند خدمته *** عساه يرض ى وحاذر أن يكون ضجرا
ففي رضاه رض ى الباري وطاعته *** يرض ى عليك وكن من تركه حذرا1
1ص 53 :ط :دار الكتب العلمية من كتاب عنوان التوفيق في آداب الطريق لسيدنا اإلمام الشيخ ابن عطاء هللا
السكندري رض ي هللا عنه.
51
إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش
الفصل السادس
ومن جواهركالمه ونصائحه
ال بد للمؤمن أن يكون له ورد يومي من القرآن الكريم.
القرآن الكريم أعلى مقامات الذكر هلل تعالى.
ذكر هللا تعالى مطلوب من العبد في كل وقت وحين.
ذكر هللا له أنواع متعددة؛ الصالة ذكر ،قال تعالى ﴿ :وأقم الصالة
لذكري﴾ أي لتذكرني بها أو ألذكرك بها ،فالصالة ذكر ،والتسبيح
والتحميد والتهليل كل ذلك من مقامات الذكر العظيمة املطلوبة من
اإلنسان.
املطلوب من اإلنسان أن يكون مع هللا باستمرار في خلوته وجلوته ،وفي كل
حال من أحواله أن يكون ذاكرا هلل تعالى.
الكمال في العبادة الجمع بين الخوف والرجاء.
إفراط الرجاء يورث طول األمل وإفراط الخوف يورث اليأس.
القلب هو موضع نظر الرب تعالى.
في أية ﴿ :يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من
قبلكم لعلكم تتقون﴾ هذا نداء خاص للمؤمنين ،وثمرات الصوم هو
التقوى ،والتقوى هو أن تجعل بينك وبين غضب هللا تعالى وقاية ،كما قال
بعضهم:
52
إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش
وتبعية النبي صلى هللا عليه وسلم إنما تكون باتباع سنته قال تعالى﴿ :فمن
تبعني فإنه مني﴾.
العلم نور يقذفه هللا تعالى في قلب العبد ،عن معاوية رض ي هللا عنه قال
سمعت النبي صلى هللا عليه وسلم يقول« :من يرد اَّلل به خيرا
يفقهه في الدين »...وهللا جل جالله هو الذي يفقه في الدين.
العلم رزق من عند هللا تعالى.
من مقومات طالب العلم :العمل بالعلم.
املحافظة على العبادة سبيل لثبات العلم ونور البصر والبصيرة.
إذا أغلقت عليك مسألة من املسائل ،فقم وتوضأ وصل هلل ركعتين ،وإن
كنت متعبا فاسترح ثم اقرأ هذه املسألة بانكسار وتواضع يفسح هللا لك
طلب العلم ،واملسائل تحتاج إلى املراجعة.
ومما يعين في طلب العلم طلب الدعاء من الصالحين ،وأول من تطلب
الدعاء هم أبواك.
العلم هو ميراث النبوة.
يتقدم الناس ويرقون عند هللا بالعلم واملعرفة.
53
إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش
54
إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش
الفصل السابع
قالوا عن الشيخ 1
1وهذه األقوال كلها مأخذة من حفل التأبين للشيخ سعد جاويش بزاوية البيت املحمدي باملقطم ( 2019/9/5م).
55
إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش
العالمة الفقيه الشيخ عبد العزيز الشهاوي :وللشيخ سعد جاويش بشرى
وله بشارة عظيمة وهي :قراءة صحيح اإلمام البخاري ،قام رحمه هللا تعالى
بحفظ الوحي الثاني وهو السنة املطهرة ،قال تعالى﴿ :وما ينطق عن الهوى
إن هو إال وحي يوحى﴾ بحفظه للوحي الثاني وكتاب هللا تعالى وبختام حياته
بصحيح البخاري ،قال العلماء :قراءة البخاري هو شفاء وقال العلماء في
فضل قراءة كتاب الشفا للقاض ي عياض :من لم يقرأ الشفا لم يعرف
حقوق املصطفى ،وقراءة الشفا أيضا شفاء .والشفاء يكون من األمراض
والتطهير وإزالة لكل األمراض الحسية واملعنوية .وهللا سبحانه وتعالى كرم
له رحمه هللا وأراد له الخير بأن يختم حياته بقراءة صحيح اإلمام البخاري
ليكون له شفاء وتطهيرا لباطنه.
وقال حفظه هللا للفقير عن الشيخ في مناسبة أخرى :إن الشيخ سعد
جاويش رحمه هللا تعالى رجل طيب.
العالمة الشيخ إبراهيم الهدهد :كان الشيخ الولي من الصالحين لذا جعل
هللا له هذا الود ،وهو من البشرى قال تعالى﴿ :لهم البشرى في الحياة
الدنيا﴾ أي كل البشرى وهي البشرى الحقيقية بأن يبشر الرجل في
خاتمته ،أحسبه رض ي هللا عنه قد لقي هللا تعالى بقلب سليم ،وأنه من
أصحاب القلوب السليمة وهم في األمة نادرون قلة.
وأحسب هذا الرجل كان هللا يسكن قلبه أي رحمته ،وإذا سكن هللا قلب
عبد فإن قلب العبد ال يتسع ألحد بعد هللا ،كان يمش ي بين الناس وال يرى
الناس ،وال يرى هذه الدنيا ،وال يلتفت لش يء فيها ،وكان أحرص الناس على
القيام بواجبه ،ويقوم بحق الواجب.
56
إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش
ويبدو أنه يكثر كثيرا من دعوة القرآن قال تعالى في دعاء سيدنا إبراهيم
عليه السالم ﴿واجعل لي لسان صدق في اآلخرين﴾.
وكان نورا يوشع في وجه كل من رآه وال يرى نور الصالحين إال من كان
صالحا ،فرحمه هللا إن شاء هللا عند مقعد صدق عند مليك مقتدر .وكان
رحمه هللا تعالى عاش حياته يصدق كل أحد وال يكذب أحدا ،والناس
جميعا عنده صادقون ،كل من قال له شيئا إما أن يؤمن على كالمه أو أن
يسكت ،وهذا ش يء عجيب ليس كطبائع أنفس البشر.
الشيخ محمد عبد الصمد مهنا :والشيخ سعد جاوش رحمه هللا تعالى هو
العالم العابد الولي الصالح التقي النقي مهموم القلب ،وقد بارك هللا له في
عمره آمادا وأمدادا ،ورزقه التوفيق في استعمال األوقات في األعمال
الصالحات ،والرياضات واملجاهدات ،كان رحمه هللا تعالى قليل الكالم،
طويل الصمت ،دائم الفكر ،كما قال اإلمام ابن عطاء هللا السكندري :ما
نفع القلب ش يء مثل عزلة يدخل بها ميدان فكرة ،وهذا شأن أهل هللا.
وقد شاء هللا تعالى أن يمد في عمره حتى يختم صحيح اإلمام البخاري وقد
كان كما سأل وهذا من دليل قبوله .وكان رحمه هللا تعالى معرضا عن دنيا
الناس مشغوال بأمر نفسه ،له من أمره مع ربه شأن يغنيه ،كما قالوا :إن
أردت أن يكون لك عز ال يفنى ،فال تستعزن بعز يفنى ،و العطاء من الخلق
حرمان ،واملنع من هللا إحسان .وكلنا نعلم كم كان رحمه هللا تعالى من
األخفياء ،الذين ال يعرفهم إال أهل الباطن والبصيرة ،فمن وفقه هللا تعالى
إلى طلبه ومعرفته والوصول للعلم به وألوليائه كما قال سيدي ابن عطاء
هللا السكندري :سبحان من لم يجعل الدليل على أوليائه إال من
حيث الدليل عليه ولم يوصل إليهم إال من أراد أن يوصله إليه ،وكان رحمه
57
إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش
58
إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش
الفصل الثامن
وفاته
وتوفي هذا الولي الصالح صباح يوم األحد 15من سبتمبير 2019م املوافق
بـ 16من املحرم 1441ه في بيته بالحي السابع ،مدينة نصر ،القاهرة عن عمر
يناهز 79سنة بعد أن ختم صحيح البخاري كامال مع تالميذه قبل أيام وفاته
بأسبوعين.
وبعد أيام من فراغه لقراءة صحيح اإلمام البخاري عقد حفلة الختام
وحضر فيها العالمة الشيخ أحمد معبد عبد الكريم وابنه الشيخ محمد أحمد معبد
وعشرات من طالبه من مصر وخارجها وقام على ضيافتهم بنفسه ،وفي نهاية الجلسة
شعر الشيخ بمرض شديد يمنعه عن حضور املجلس وطلب إلى زميله الشيخ أحمد
معبد عبد الكريم أن يستقبل الحاضرين ،ويجيزهم في كتاب الصحيح البخاري
ويطلب منهم الدعاء لشفائه ،إال أنه قد وافته املنية فانتقل إلى جوار ربه.
وقد شيعه اآل الف من املحبين وطلبة العلم في الجامع األزهر الشريف ،وقد
بكى طالبهم بكاء الحبيب لفراق محبوبه ،فرحم هللا شيخنا رحمة واسعة وأسكنه
فسيح جناته ،ورفع درجته وجعله مع الذين أنعم هللا عليهم من النبيين والصديقين
والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
59
إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش
في رثاء سيدي األستاذ الدكتور سعد جاويش رحمه هللا ورض ي عنه للشيخ محمد
محمود علي األزهري
*** بحديث خير األنبياء مبشرا ال زال صوتك في املدائن والقرى
فاسق القلوب بقول أحمد يشفنا *** قال البخاري وابن حنبل أخبرا
*** يحى ينقح واملديني فسرا أهل الحديث مصونة أعراضهم
*** سلم املداد وكل شيخ سطرا ماتوا وعاش الناس يرووا قولهم
*** وابن املبارك للخوافي أظهرا عني ابن ماجة بالحديث وبالكنى
*** عذبا ذالال بالعبير تبخرا ومعاذ يروي من حديث محمد
*** ياسعد صوتا كالليوث مذمجرا واقرأ موطأ مالك وارفع به
*** يا خير من خدم النبي فنورا وهللا يا أهل الحديث نحبكم
*** من نور وجهك نوره قد فجرا اقبل رسول هللا سعدا إنه
*** ومن املآذن صوت ثكلى لو جرى جدران أزهرنا تصيح بحرقة
*** نحظى بكأس من صفاء قدرا يا سعد غن لنا حديثا علنا
*** إنا الحديث لنعم نعم املشترى يا سعد فزت بلفظ قال محمد
60
إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش
الخاتمة
ويقول العبد الفقير املعترف بالذنب والتقصير أدي رزال كونتشورو ناقال
عن قول اإلمام أبي مدين الغوثي رض ي هللا عنه:
من لي وأني ملثلي أن يزاحمهم *** على موارد لم آلف بها كدرا
*** بمهجتي وخصوصا منهم نفرا أحبهم وأدارهم وأوثرهم
61
إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش
فهرس املوضوعات
إهداء ....................................................................................................................................أ
كلمة الدكتور أحمد سعد رزق جاويش -حفظه هللا تعالى........................................ -ب
املقدمة 1 ........................................................................................................
الفصل األول :الشيخ سعد جاويش؛ اسمه ونسبه وذريته 5 ................................
الفصل الثاني :مولده ونشأته 7 ........................................................................
الفصل الثالث :رحالته العلمية 9 .....................................................................
الفصل الرابع :عبادته وزهده وأخالقه 40.........................................................
الفصل الخامس :عقيدته ومذهبه ومشربه 50..................................................
الفصل السادس :ومن جواهر كالمه ونصائحه 52.............................................
الفصل السابع :قالوا عن الشيخ 55.................................................................
الفصل الثامن :وفاته 59..................................................................................
في رثاء سيدي األستاذ الدكتور سعد جاويش رحمه هللا ورض ي عنه للشيخ محمد
محمود علي األزهري 60....................................................................................
الخاتمة 61......................................................................................................