You are on page 1of 68

‫إتحاف الدراويش‬

‫بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫بقلم‪ /‬أدي رزال كونتشورو املاديوني الندونيس ي‬


‫الطالب باألزهرالشريف بالقاهرة‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫إهداء‬
‫إلى حضرة النبي املصطفى صلى هللا عليه وآله وسلم‪.‬‬
‫ثم إلى مربي أرواحنا فضيلة العالم الرباني الولي الصالح التقي النقي الشيخ‬
‫سعد سعد رزق جاويش الكفراوي األزهري الحسيني‪.‬‬
‫ثم إلي مشايخنا الكرام الذين أخذنا منهم العلم واألخالق حفظهم هللا تعالى‬
‫ورض ي عنهم‪.‬‬
‫وإلى أبي وأمي الكريمين حفظهما هللا من كل مكروه وسوء‪.‬‬
‫وإلى أشقائي وإخواني في هللا جميعهم أهدي إليهم كتابي ‪:‬‬

‫إتحاف الدراويش‬
‫بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫‪i‬‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫كلمة فضيلة الشيخ املحدث‬


‫الدكتور أحمد سعد رزق جاويش ‪-‬حفظه هللا تعالى‪-‬‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬


‫الحمد هلل رب العاملين‪،‬الرحمن الرحيم‪ ،‬والصالة والسالم على النبي األمي‬
‫األمين‪ ،‬سيدنا محمد املبعوث رحمة للعاملين‪ ،‬إمام األولياء واملتقين‪ ،‬وسيد األولين‬
‫واآلخرين‪ ،‬وعلى آله الطيبين الطاهرين‪ ،‬وأصحابه األبرار املقربين‪ ،‬ومن تبعهم‬
‫بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬
‫أما بعد؛‬
‫فيقول هللا عز وجل‪﴿ :‬أولئك الذين هدى هللا فبهداهم اقتده﴾ ويقول‬
‫سبحانه وتعالى‪﴿ :‬لقد كان لكم في رسول هللا أسوة حسنة ملن كان يرجو هللا واليوم‬
‫اآلخر﴾‪ ،‬فقد أمرنا باالقتداء بمن هداهم هللا من عباده الصالحين وفي مقدمتهم‬
‫أنبياء هللا ورسله عليهم الصالة والسالم‪ ،‬وعلى أشرف درجاتهم سيدنا محمد صلى‬
‫هللا عليه وسلم‪ ،‬وإذا كان قد جاءنا في الخبر عنه صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬أنه قال‪:‬‬
‫«العلماء ورثة األنبياء‪ ،‬وإن األنبياء لم يورثوا دينارا وال درهما‪ ،‬ولكن ورثوا العلم‪،‬‬
‫فمن أخذه فقد أخذ بحظ وافر» ‪ -‬أو كما قال صلى هللا عليه وسلم – فإن لنا في‬
‫علماء أمتنا األعالم‪ ،‬ال سيما علماء الحديث الشريف والسنة النبوية املطهرة‪ ،‬لنا‬
‫فيهم نماذج تحتذى ومثل عليا وبخاصة من كان منهم داعيا إلى هللا تعالى يدعو إلى‬
‫هللا على بصيرة‪ ،‬ومن عاش بين طالبه ومريديه على سمت املرشد املربي‪ ،‬واألب البر‬
‫بأوالده الرحيم بهم الحريص على هدايتهم وإرشادهم‪ ،‬ثم هو يعظم شأن السنة‬
‫النبوية املشرفة‪ ،‬ويجل حديث سيدنا رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬ويذب عنه ما‬
‫يثيره األعداء واملغرضون والحاقدون من شبهات وأباطيل‪ ،‬فيصدق عليه قوله صلى‬

‫‪ii‬‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫هللا عليه وسلم‪« :‬يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالبين‬
‫وانتحال املبطلين وتأويل الجاهلين»‪ ،‬لقد ملس كثير من طالب العلم تلك الفضائل‬
‫والشمائل الزكية في شيخهم العالم األزهري الجليل واملحدث املسند األستاذ‬
‫الدكتور سعد سعد رزق جاويش رحمه هللا ورض ي عنه‪ ،‬كما شهد له بالفضل‬
‫واألدب العالي والنبل‪ ،‬والحب الشديد لسنة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪،‬‬
‫والتفاني في الدفاع عنها كوكبة من علماء عصره وأقرانه‪.‬‬
‫وهذه الترجمة املباركة (إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش) قد‬
‫طوفت بنا في جوانب من حياة الشيخ‪ ،‬والتقطت للقراء ملحات من شخصيته‬
‫العلمية وجهاده وجهوده العلمية‪ ،‬ومبادئه وقيمه التي لم يحد عنها طيلة حياته‪،‬‬
‫وأخالقه وسجياه التي الزمته فكانت كأنها تجري فيه مجرى الدم على نحو ما قال‬
‫سيدنا حسان بن ثابت رض ي هللا عنه‪:‬‬
‫سجية تلك منهم غير محدثة *** إن الخالئق فاعلم شرها البدع‬

‫وقد قام بهذه الترجمة املنورة أحد طالبه املنورين‪ ،‬وواحد من مريديه‬
‫املباركين الفقير إلى عفو ربه تعالى عدي الجاوي‪ ،‬وكما كان يالطفه الشيخ فيذكره‬
‫بالصحابي الجليل فيقول عدي بن حاتم الطائي رض ي هللا عنه‪ ،‬وكان يثني عليه خيرا‬
‫فأحسن هللا جزاءه وكتب ذالك في ميزان حسناته ووفقنا جميعا ملا يحبه ويرضاه‪.‬‬
‫وصلى هللا على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن وااله في مبدأ كل أمر‬
‫ومنتهاه‪.‬‬

‫كتبه الفقير إلى هللا‬


‫الدكتور أحمد سعد سعد جاويش‬

‫‪iii‬‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫‪iv‬‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫املقدمة‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬
‫الحمد هلل رب العاملين والصالة والسالم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين‪.‬‬
‫أما بعد؛‬
‫فإن من أحب األعمال إلى هللا ذكر عباده الصالحين ومن سار بسيرهم هذا‪،‬‬
‫وقد مثل لنا القرآن الكريم ذلك بذكره لقصص األنبياء (عليهم الصالة والسالم)‬
‫فنزداد بها إيمانا وننهض بها همما‪ ،‬كما قص علينا أخبار الصالحين غير األنبياء‬
‫الذين لهم يد عليا في نشر دين هللا عز وجل‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬اهتم العلماء بهذا األمر اهتماما كبيرا‪ ،‬وحرصوا على معرفة أي‬
‫حال ما كان في حياة الصالحين‪ ،‬فذكروا سيرهم في مؤلفاتهم حتى يستفيد الناس‬
‫بحياتهم ويقتبسوا من أنوارهم ويعيشوا على ضروبهم‪ .‬وقال اإلمام الجنيد‪ 1‬لتالميذه‪:‬‬
‫تعالوا بنا نذكر الصالحين فبذكرهم تنزل البركة! فقال بعض تالميذه‪ :‬يا سيدي‪ ،‬إذا‬
‫ذكرنا الصالحين تنزل البركة فماذا إذا ذكرنا هللا تعالى؟ فطرق الشيخ قليال‪ ،‬ثم رفع‬
‫رأسه فقال‪ :‬إذا ذكرنا هللا نزلت الطمأنينة في القلوب ﴿أال بذكر هللا تطمئن‬
‫القلوب﴾‪.2‬‬

‫‪ 1‬كان أبوه يبيع الزجاج فلذلك يقال له القواريري‪ ،‬أصله من نهاوند مولده ومنشؤه بالعراق وكان فقيها يفتي الناس على‬
‫مذهب أبي ثور صاحب اإلمام الشافعي وراوي مذهبه القديم‪.‬‬
‫صحب خاله السري السقطي والحارث املحاسبي ومحمد بن علي القصاب وكان من كبار أئمة القوم وسادتهم وكالمه‬
‫مقبول على جميع األلسنة‪ .‬مات رض ي هللا عنه يوم السبت سنة سبع وتسعين ومائتين وقبره ببغداد طاهر يزوره‬
‫الخاص والعام‪( .‬طبقات الشعراني ‪. )84 :‬‬
‫‪ 2‬سورة الرعد ‪.28 :‬‬

‫‪1‬‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫وسألني بعض األصدقاء الكرام (حفظهم هللا تعالى) أن أكتب ترجمة موجزة‬
‫لشيخنا موالنا العالمة الولي الصالح املحدث الكبير املسند الشيخ سعد سعد رزق‬
‫جاويش الحسيني شيخ الحديث باألزهر الشريف ومسنده رحمه هللا رحمة واسعة‪،‬‬
‫مما شاهدت وخبرت وتعلمت من فضيلته العلم واألخالق الكريمة وحب الحياة‬
‫وحب الخلق أجمعين‪ .‬وما كتبت هنا إال قليال من كثير وقطرة من غزير‪ ،‬وقد حاولت‬
‫أن أجمع كتاباتي وتسجيالتي في دروسه العامرة شهرا قبل ذكرى العام لوفاته‪،‬‬
‫واستخرت هللا تعالى لها‪ ،‬فلما انشرح لذلك صدري شرعت في كتابة هذه الترجمة‬
‫املوجزة راجيا من املولى عز وجل جزيل األجر والثواب‪.‬‬
‫وهذه الترجمة اللطيفة كتبها الفقير إلى عفو ربه أدي رزال كونتشورو‬
‫اإلندونيس ي‪ .‬ومهما تكلمنا عن هذا الولي الصالح فلن نوفيه حقه فسيرته الحميدة‬
‫يشهد بها الجميع وال يمكن أن تنس ى‪ ،‬وسميت هذه الترجمة اللطيفة إتحاف‬
‫الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‪ ،‬بعد أن استشرت فيه إلى ولده النجيب‬
‫الشيخ الدكتور أحمد سعد جاويش حفظه هللا تعالى فأشارني إلي هذا االسم الجميل‬
‫املبارك؛ تذكرة لحب شيخنا للدراويش الصوفيين الذين يزهدون فيما ملك من‬
‫الدنيا ويفتقرون إلى هللا حق االفتقار كما قال السادة‪ :‬االفتقار إلى هللا هو أقرب‬
‫باب الوصول إليه تعالى فجزاهم هللا خير الجزاء‪.‬‬
‫وقد تجلت لشيخنا مكانة عالية في العلم‪ ،‬وخصوصا في الحديث النبوي‬
‫الشريف وعلومه‪ ،‬فتخرج على يديه خلق كثيرون من العلماء حتى لقب بشيخ‬
‫الشيوخ في الحديث ومسنده وأثبت له أنه قمين بأستاذية الحديث باألزهر الشريف‬
‫وخارجه‪ .‬وقد ساد الشيخ مجالس الحديث في إقرائه وإسناده في مصر وخارجها‬
‫وحافظ على جوهر الحديث النبوي‪ ،‬والذب عنه وتنقيته من كل ما أدخل عليه من‬
‫الشبهات‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫وأكبر تقدير لشيخنا أن كثيرين من أساتذة الجامعة وشيوخ جامع األزهر‬


‫كانوا من تالميذه‪ ،‬ويقدرونه ويعظمونه‪ ،‬ولكن بحسن تواضعه وجميل خلقه ال‬
‫يلتفت الشيخ إلى هذه األشياء‪ ،‬بل يريد صلة املحبة واملصاحبة بينهم ألنها أوثق‬
‫وأصدق‪.‬‬
‫وهذه املحامدة كلها أخالقه وأنواره‪ ،‬وهي من ورثة جده عليه وعلى آله‬
‫وصحبه (أفضل الصالة والسالم)‪ ،‬حتى يسعد الناس برؤيته ويطمئن الطالب‬
‫بكالمه‪ .‬وكان أشرق الوجه دائم البشاشة ال يرى منه إال البشر واالبتسامة ال تكاد‬
‫تفارق وجهه املنير‪ .‬وفي الحقيقة أن شيخنا حي بيننا ألن موت األولياء حياتهم كما‬
‫قال السادة (رض ي هللا عنهم أجمعين)‪ ،‬ومنهم موالنا اإلمام الرائد الشيخ محمد زكي‬
‫الدين إبراهيم ‪( 1‬رض ي هللا عنه) حين أنشد قائال‪:‬‬
‫*** إن رأيت النعش يلقى‬ ‫ال تقل قد مات شيخي‬
‫*** بينكم أرقى وأبقى‪2‬‬ ‫إنما موتي حياة‬

‫فرحم هللا تعالى شيخنا الجليل وأسكنه الفردوس األعلى مع النبيين‬


‫والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا‪.‬‬

‫‪ 1‬هو اإلمام الفقيه املحدث الشاعر‪ ،‬بقية السلف الصالح ‪ :‬محمد زكي إبراهيم‪ ،‬رائد العشيرة املحمدية‪ ،‬اسمه ‪:‬‬
‫محمد‪ ،‬ولقبه ‪ :‬زكي الدين‪ ،‬وكنيته ‪ :‬أبو البركات‪ ،‬شريف حسيني أبا وأما‪،‬‬
‫ومــولــده ون ـشــأتــه‪:‬‬
‫ولد في القاهرة بمنزل والده بحي بوالق أبو العال‪ ،‬وتاريخ مولده ‪ 1916/8/22‬م‪ ،‬فيكون قد قضـى من العمر في هذه‬
‫الحياة الدنيا ‪ 82‬عاما‪.‬ووالد الشيخ هو العالم األزهري الشيخ إبراهيم الخليل بن علي الشاذلي‪ ،‬صاحب الكتاب‬
‫املرجع‪ :‬معالم املشروع واملمنوع من ممارسات التصوف‪.‬أما جد الشيخ ألمه فهو الشيخ محمود أبو عليان من تالميذ‬
‫الشيخ عليش شيخ مالكية عصره‪ ،‬وقد ترجم له الدكتور عبد املنعم خفاجي في كتابه عن التصوف‪ ( .‬ترجمة موجزة‬
‫وتعريف بفضيلة اإلمام الرائد محمد زكي إبراهيم ص‪ 4-3 :‬للشيخ محي الدين حسين يوسف اإلسنوي)‪.‬‬
‫‪ 2‬ديوان املثاني لفضيلة موالنا اإلمام الشيخ محمد زكي إبراهيم‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫وأعتذر إليكم جميعا عن التقصير في هذه الترجمة اللطيفة‪ ،‬فما وجدتم‬


‫فيها من خير فهو من عند هللا تعالى‪ ،‬وما وجدتم دون ذلك فمن تقصيري‪ ،‬وهللا أسأل‬
‫تعالى أن ينفع بها األحباب ويبقى هللا وحده ولي التوفيق‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫الفصل األول‬
‫الشيخ سعد جاويش؛‬
‫اسمه ونسبه وذريته‬
‫اسمه ونسبه‬
‫هو الشريف سعد بن الشريف سعد بن الشريف رزق بن الشريف عبد‬
‫الرحمن بن عبد العال بن إبراهيم بن محمد بن علي بن حمد امللقب بجاويش بن‬
‫غانم بن أبو زيد بن عبد املؤمن بن أحمد بن محمد بن سيدي سليم أبو مسلم‬
‫العراقي بن يوسف الهمذاني بن أيوب بن محمد صدر الدين بن الحسين جالل‬
‫الدين بن علي أبو املؤيد بن جعفر أبو الحرث بن محمد بن محمود بن أحمد بن‬
‫عبد هللا املنتخب بن علي املختار بن جعفر الزكي بن علي الهادي بن محمد الجواد‬
‫بن علي الرضا بن ابن موس ى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن اإلمام‬
‫علي زين العابدين بن اإلمام الحسين بن اإلمام علي بن أبي طالب والسيدة فاطمة‬
‫الزهراء بنت سيدنا محمد صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬

‫ذريته‬
‫وقد أنجب من السيدة فيروز حفظها هللا تعالى أوالدا وهم‪:‬‬
‫‪ .1‬أحمد سعد جاويش وتوفي بعد والدته‬
‫‪ .2‬أحمد سعد جاويش متخرج الدكتوراه في كلية اللغة العربية بجامعة‬
‫األزهر الشريف‬
‫‪ .3‬إيمان سعد جاويش وتوفيت بعد والدتها‬
‫‪ .4‬إيمان سعد جاويش‬
‫‪ .5‬محمد سعد جاويش‬

‫‪5‬‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫‪ .6‬عبد هللا سعد جاويش‬


‫‪ .7‬أميمة سعد جاويش‬
‫‪ .8‬عبد الرحمن سعد جاويش‬

‫‪6‬‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫الفصل الثاني‬
‫مولده ونشأته‬
‫مولده ونشأته‬
‫ولد هذا الولي الصالح في شهر أبريل سنة (‪ 1941‬م املوافق بربيع األول‬
‫سنة ‪ 1360‬ه)‪ ،‬في قرية صغيرة ذات األرياف اسمها رزق جاويش التابعة ملركز‬
‫سيدي سالم بمحافظة كفر الشيخ بجمهورية مصر العربية‪ .‬واسم قرية (رزق‬
‫جاويش) مأخوذ من اسم جده ألنه الذي عمرها‪.1‬‬
‫نشأ الشيخ في بيئة علمية قرآنية‪ ،‬وكان أبوه الذي يربيه إماما وشيخا‬
‫لبلدته‪ ،‬تعلم منه األخالق الكريمة وحب النبي وآله األطهار وصحابته األخيار عليهم‬
‫السالم‪.‬‬
‫وقد حكى الشيخ عن والده وكتبه في ضمن ترجمة أشياخه أنه كان سليم‬
‫الصدر ذا قلب رقيق‪ ،‬دائم الحزن عند قراءة سيرة األنبياء وآل البيت والصحابة‬
‫والصالحين‪ ،‬وهو الذي يعلمه حب النبي (صلى هللا عليه وسلم) والصالحين وقد تأثر‬
‫به وورث أوصافه‪.‬‬
‫وقد ربي الشيخ في هذه البيئة الطيبة في جو العلم واألخالق‪ ،‬حتى خرج منها‬
‫ولد صالح من األب الصالح‪ .‬فقد صح من قال‪ :‬إن ثمرة الشجر ال تسقط بعيدة‬
‫عنها‪ ،‬وكذلك االبن الصالح ال يبعد عن أبيه في العلم والطبيعة واألخالق‪ .‬ومن هنا‬
‫عرفنا أن للوالدين دورا مهما في تربية أبنائهم‪.‬‬

‫‪ 1‬مأخوذة من كالم ابنه الشريف الشيخ د‪ .‬أحمد سعد جاويش‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫‪ .1‬توفيت أمه وهو صغير‬


‫وهذه حياة الشيخ‪ ،‬قد ركب األهوال منذ صغاره‪ .‬توفيت أمه‬
‫ولم يتجاوز عمره سن التمييز؛ لم يذق حالوة الرحمة من أمه‪ ،‬كما ذاق‬
‫األطفال في مرحلة الطفولة‪ .‬ولكن من هللا عليه أبا صالحا يربيه في سن‬
‫طفولته‪ ،‬ويرشده إلى املجالس العلمية في الكتاتيب ليحفظ فيها القرآن‬
‫والعلوم الشرعية‪ ،‬ويؤدبه أحسن تأديب ويوجهه إلى محاسن األخالق‪.‬‬
‫فخرج من تربيته ريعان الشباب في العلم واألخالق فاح منه مسك‬
‫األزهار والح فيه زهو األنوار‪ ،‬فنعم األب املربي‪.‬‬

‫في تربية أخته الكبرى‪1‬‬ ‫‪.2‬‬


‫وبعد وفاة أمه اعتنت به أخته الكبرى‪ ،‬ولهذا كان الشيخ‬
‫شديد الصلة بأخته؛ ألنها التي قامت على تربيته مع أبيه بعد وفاة أمه‬
‫صغيرا‪ ،‬وكان يسكن في بيت أخته في مرحلة الكتاب؛‪ 2‬ليجاور شيخه‬
‫الذي يسكن في تلك القرية‪ ،‬وقد دامت الصلة بينهما ولم تنقطع طيلة‬
‫حياتهما‪ .‬فقد كان كثيرا ما يقوم باالتصال بها والسفر إليها لزيارتها مما‬
‫يبين قوة العالقة بين الشيخ وأخته‪ .‬فكان بذلك قدوة ألبنائه وتالميذه‬
‫ومثاال في صلة الرحم‪.‬‬

‫‪ 1‬واسمها السيدة فاطمة‪.‬‬


‫‪2‬الكتاب (بضم الكاف) مدرسة صغيرة لتعليم الصبيان القراءة والكتابة وتحفيظ القرآن وتجويده‪ ،‬والجمع الكتاتيب ‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫الفصل الثالث‬
‫رحالته العلمية‬
‫أوال ‪ :‬رحلته مع القرآن الكريم‬
‫بدأ الشيخ في أول رحلته العلمية بحفظ كتاب هللا تعالى وتجويده في مبدأ‬
‫علمه‪ .‬فبدأ حفظ القرآن الكريم في مقتبل طفولته على يد الشيخ حسن سالمة‬
‫وأخيه الشيخ محمد سالمة‪ ،‬وكانا محفظي القرآن بكتاب قرية صيفر البلد (وهي‬
‫قرية أمه‪-‬إحدى القرى التابعة ملركز دسوق بمحافظة كفر الشيخ في جمهورية‬
‫مصر العربية)‪.‬‬
‫و قد كان الشيخ شديد الحرص على أبنائه في حفظ كتاب هللا مهما كلفه ذلك‬
‫األمر من توعية للعقل أو ضربا للجسد‪ ،‬وقد ذكر لي ابنه النبيل السيد أحمد سعد‪:‬‬
‫أن السيد الوالد قد أراه عالمة من ضرب شيخه في كتفه‪ ،‬وال تزال آثارها باقية في سن‬
‫كباره وقال‪ :‬إن هذه العالمة من أثار تربية شيخه في حفظ القرآن الكريم‪ ،‬ثم دعا‬
‫لشيخه الذي حفظه القرآن بالرحمة واملغفرة‪.‬‬
‫ثم استمر حفظه القرآن في القرية التي سكنت فيها أخته الكبرى وهي قرية‬
‫بياض‪ ،1‬وفيها الكتاب لعائلة سادات جاويش‪ ،‬واسم شيخ الكتاب هو الشيخ فتح‬
‫هللا جاويش‪ .‬وفي هذا الكتاب الثاني اشتدت همته‪ ،‬مجاهدا في حفظ كالم هللا تعالى‬
‫ليال ونهارا‪ ،‬وبصدق نيته وجهده الكبير أتم حفظه على هذا الشيخ الجليل في مدة‬
‫قصيرة من الوقت‪ .‬وهكذا كانت حياة شيخنا مع القرآن الكريم‪ ،‬نعده من أهل‬
‫القرآن والخير‪ ،‬أتم حفظ القرآن صغيرا قبل التحاقه باملعهد الديني سنة (‪ 1953‬م‬
‫وعمره ‪12‬عاما)‪.‬‬

‫‪ 1‬البياض‪ ،‬عزبة تابعة لقرية أبو مندور‪ ،‬التابعة ملركز دسوق‪ ،‬والتابع ملحافظة كفر الشيخ في جمهورية مصر‬
‫العربية (مأخوذة من كالم الشيخ أحمد سعد جاويش)‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫وبعد أن أتم حفظ القرآن وتجويده راجعه على أبيه‪ ،‬وكان أبوه من حفاظ‬
‫القرآن‪ ،‬وكان يكثر قراءة القرآن ليال ونهارا‪ ،‬وهذه فرصة ذهبية ال يتركها تذهب‬
‫سدى‪ .‬انتهز فرصته وقرأ على أبيه وراجع عليه حفظه كامال‪ ،‬وكان من عادته إذا‬
‫ذهب إلى املزرعة ليصاحب أباه قرأ عليه ربع الجزء أو نصفه في الطريق حتى ال‬
‫يضيع وقته هباء‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬التحاقه بمعهد دسوق الديني‬


‫وقال الشيخ سعد جاويش عن فضل البكور في طلب العلم‪ :‬ومما يعين على‬
‫طلب العلم البكور (أي البكور في العمر والبكور في الوقت)‪ .1‬وقد أرشده أبوه إلى‬
‫طريق العلم منذ صغره رجاء لبركة البكور‪ ،‬وعمال بحديث سيدنا رسول هللا صلى‬
‫هللا عليه وسلم‪( :‬اللهم بارك ألمتي في بكورها)‪.‬‬
‫وبعد أن أتم حفظ القرآن ومراجعته على أبيه‪ ،‬التحق الشيخ بمعهد دسوق‬
‫الديني‪ ،‬وذلك أول الخطوة في رحلته العلمية‪ .‬و في هذه املرحلة الغالية بذل الشيخ‬
‫جهده في طلب العلم‪ ،‬وقد كان لهذه املرحلة دورا مهما في حياته‪ ،‬حيث قرأ وتعلم‬
‫على كثير من شيوخ املعهد‪ ،‬وتدرج في العلوم سلما سلما من األدنى إلى األعلى‪ ،‬بإشارة‬
‫شيوخه فيما يقرأ ويطالع‪.‬‬

‫مشقته في طلب العلم‬


‫نشأ الشيخ في أسرة علمية طيبة‪ ،‬كان أبوه فالحا جادا بعيدا عن الترف‪،‬‬
‫وقد سد أبوه حوائجه املاسة كاألكل والشرب والكتب وغيرها‪ .‬والتحق الشيخ بمعهد‬
‫دسوق الديني سنة (‪ 1953‬م) وجاوره فيه تسع سنوات ولم تكن الشوارع ميسرة‬

‫‪ 1‬من محاضرته في الجامع األزهر الشريف‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫كما اآلن‪ ،‬فكانت الطرق العامة في قريته ترابية واملواصالت نادرة‪ ،‬وكان الشيخ إذا‬
‫لم يجد املواصلة التي توصله إلى قريته يركب الحمار أو يمش ي بقدميه‪ ،‬وقد كانت‬
‫الحالة في تلك األيام صعبة لبعده عن البيت واألسرة‪ ،‬مما احتاج إلى همة عالية‬
‫ملواصلة الطريق‪.‬‬
‫و في آخر يوم من كل األسبوع كان الشيخ يرجع إلى بيته ليأخذ نفقته من‬
‫أبيه‪ .‬وكان أبوه ينفقه ربع جنيه (أي ‪ 25‬قرشا) لقضاء حوائجه األسبوعية‪ .‬وقد دام‬
‫هذا األمر من أول التحاقه باملعهد إلى حصوله على اإلجازة الثانوية‪.‬‬
‫فلم تثن املشقة الشيخ عن مواصلة طريقه‪ ،‬فقد وهب نفسه للجهاد في‬
‫سبيل العلم‪ ،‬فقوي بذلك عزمه وعلت همته في طلب العلم منذ صغره بفضل تربية‬
‫أبيه وحسن تأديبه‪ .‬كما كان من عاداته في فصل الصيف شراء الكتب الخارجية‬
‫مشتركا مع زمالئه في شرائها وقراءتها‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬املرحلة الجامعية‬


‫وهذه املرحلة تعد من أهم املراحل في تكوين علم الشيخ وشخصيته‪ ،‬حيث‬
‫درس فيها الكتب النافعة وقرأ على العديد من العلماء الفضالء باألزهر الشريف‬
‫والتقى بزمالئه في الكلية‪ ،‬وقد كان مثاال لزمالئه في طلب العلم والذهاب إلى الدروس‬
‫العلمية ومصاحبة املشايخ‪ ،‬صابرا على كل ما يعوقه من مشقة‪ ،‬أو فقر‪ ،‬أو غير‬
‫ذلك‪.‬‬
‫فكان رحمه هللا تعالى يقول عن أهمية الصبر في طلب العلم ‪ :‬ومن مقومات‬
‫طالب العلم ‪ :‬هو الصبر‪ ،‬الصبر على طاعة هللا تعالى ((وأمر أهلك بالصالة واصطبر‬

‫‪11‬‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫عليها ال نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى)) والصبر على التلقي عن العلماء‬
‫والجلوس بين أيديهم والتعلم منهم والتواضع لهم ‪.1‬‬
‫بدأ الشيخ في هذه املرحلة الجامعية في األزهر الشريف بالقاهرة سنة‬
‫(‪ 1962‬م)‪ ،‬بعد أن أتم دراسته في معهد دسوق الديني‪ .‬والتحق بكلية أصول الدين‬
‫بعد أن استخار ربه تعالى ليرشده إلى الطريق األصوب في طلب العلم‪ ،‬وفي هذه‬
‫املرحلة النفيسة ال يستغرق الشيخ وقته إال للعلم والعبادة‪ .‬وقد بشر هللا سر‬
‫نجاحه منذ بداية رحلته العلمية‪ ،‬ثم حصل على شهادة ليسانس من جامعة األزهر‬
‫(‪ 1967/ 1966‬م)‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬حبه للسنة النبوية‬


‫قال رحمه هللا تعالى عن حقيقة تبعية النبي صلى هللا عليه وس لم ‪ :‬وتبعية‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم إنما تكون باتباع سنته وانتصار لها‪ ،‬ثم قال عن قصة‬
‫سيدنا سلمان الفارس ي رض ي هللا عنه بأنه عبد يباع ولكن تبعيته لحضرة النبي صلى‬
‫هللا عليه وسلم جعلته من أهل البيت‪« :‬سلمان منا أهل البيت»‪.2‬‬
‫وقال اإلمام النووي في شرحه على صحيح اإلمام مسلم‪ :‬قوله صلى هللا عليه‬
‫وسلم للذي سأله عن الساعة ‪« :‬ما أعددت لها؟» قال ‪ :‬حب هللا ورسوله‪ ،‬قال‪:‬‬
‫«أنت مع من أحببت»‪ .‬وفي روايات‪« :‬املرء مع من أحب‪ ».‬فيه فضل حب اَّلل ورسوله‬
‫صلى اَّلل عليه وسلم والصالحين وأهل الخير األحياء واألموات‪.3‬‬
‫وقد كان رحمه هللا حريصا على إحياء السنة النبوية قوال وعمال‪ ،‬وقد درس‬
‫لتالميذه كتب الحديث النبوي الشريف إلى آخر حياته‪ ،‬ومن أخالقه مع الحديث‬

‫‪ 1‬من محاضرته في الجامع األزهر الشريف‪.‬‬


‫‪ 2‬من محاضرته في الجامع األزهر الشريف‪.‬‬
‫‪ 3‬شرح النووي على مسلم ص‪ 492:‬املجلد الخامس ط‪ :‬دار الشعب‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫النبوي أنه ال يرض ى لنفسه أن يقرأ الحديث النبوي الشريف إال وهو طاهر‪ ،‬وإذا‬
‫أحدث توضأ إجالال لصاحب الحديث صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫وفي مجلسه الخاص لقراءة صحيح البخاري في بيته‪ ،‬أنه ال يحب أن يجلس‬
‫تالميذه على األرض وقال‪ :‬هذا إحتراما لكتاب صحيح البخاري‪ ،‬فهيأ لهم الكراس ي‬
‫ليجلسوا عليها تعظيما ألحاديث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫كما كان الشيخ يحب الترتيل في قراءة الحديث‪ ،‬وكذلك أمر تالميذه بالترتيل‬
‫في قراءة الحديث تدبرا ملعانيه ورجاء لبركاتها‪ .‬فالشيخ والسنة النبوية جزء ال يتجزأ‬
‫وقد عايش الحديث وعلومه طول حياته‪ ،‬وقد أثبت بأنه قمين بأستاذية الحديث‬
‫النبوي الشريف‪ .‬وقد ظهر من مؤلفاته القيمة دفاعه عن الحديث النبوي الشريف‬
‫ضد خصومه‪ .‬أنفق كل عمره في إحياء هذه السنة املطهرة‪ ،‬من إقراء وإسناد الكتب‬
‫الستة وغيرها من الكتب الحديثية بجامع األزهر الشريف وخارجه‪.‬‬

‫خامسا ‪ :‬الشيخ والخطابة‬


‫وهذه املوهبة من مواهبه الجلية حيث فاقت أهليته في الخطابة منذ‬
‫صغره‪ ،‬وقد ساد املنابر كما ساد األسد الغابة‪ ،‬ودعا الناس إلى سبيل هللا تعالى‬
‫بالحكمة واملوعظة الحسنة‪ .‬فأدى واجبه في الوعظ واإلرشاد والدعوة إلى هللا منذ‬
‫سن الفتوة‪ ،‬حتى رأى أصحابه ومشايخه تعلق روحه بالحديث الشريف ونضوجه‬
‫فيه منذ شبابه‪.‬‬
‫و قد ذكر لنا أنه يحب املنبر ويخطب في صالة الجمعة منذ شبابه في املرحلة‬
‫الثانوية باملعهد الديني‪ .‬وقد خطب في مساجد قريته في البلد وخارجها‪ ،‬وأول مسجد‬
‫في القاهرة خطب فيه الشيخ هو مسجد الرحمة في شبرا‪ .‬فخطب فيه سنوات طويلة‬
‫أكثر من ثالثين سنة منذ إنشاء هذا املسجد إلى سنة (‪ 2001‬م)‪ ،‬والزمه كل الجمعة‬
‫إال عند سفره أو عذره‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫وملا انتقل مقره إلى الحي السابع بمدينة نصر‪ ،‬خطب الشيخ في مسجد نور‬
‫الخطاب في أول الشارع للحي السابع وهو أول مسجد خطب فيه وكذا املساجد‬
‫املجاورة لبيته‪.‬‬
‫ومن عاداته يوم الخميس الخلوة بغرفته الخاصة استعدادا لخطبته يوم‬
‫الجمعة‪ ،‬وفي هذا اليوم الخاص ال يحب أن يدخل عليه أحد إال لحاجة ضرورية‪،‬‬
‫والشيخ يحب أن يكتب ما أعده من مواد خطبته في األوراق حتى ال ينس ى ما حفظ‬
‫من مواد الخطبة‪.‬‬
‫وفي صبيحة الجمعة راجعها وأتقنها‪ ،‬وكذا في طريقه إلى املسجد‪ .‬وإذا جاء‬
‫املسجد لفف األوراق وأدخلها في الجيب‪ .‬والحمد هلل أوراق خطبته محفوظة إلى‬
‫اآلن في بيته‪ ،‬وقد أعطاها لبعض أبنائه وتالميذه لخطبتهم‪ .‬ففي آخر حياته شكى إلى‬
‫أبنائه وطالبه أنه نس ي كثيرا مما قد حفظ لكبر سنه ولكن فتح هللا عليه بمعلومات‬
‫أخرى خطرت بباله‪.‬‬
‫ومن هللا على الشيخ زيارة الكعبة املشرفة مرات عديدة‪ ،‬ومن دعائه في‬
‫امللتزم أنه دعا هللا تعالى ألن يدرس ويخطب في منبر الحرم املكي‪ .‬وقد سمع هللا‬
‫دعاءه‪ ،‬وبعد ذلك عين مدرسا بالحرم املكي ودرس فيه سنة واحدة في الحديث‬
‫النبوي الشريف‪.‬‬
‫وقد خطب الشيخ بالجامع األزهر الشريف خطبة فريدة‪ ،‬وألقى فيها عن‬
‫اإلسراء واملعراج وفضائله وأسراره في التاريخ ‪ 29‬مارس سنة (‪ 2019‬م) واملوافق‬
‫بالتاريخ (‪ 22‬من رجب ‪ 1440‬ه) ‪.1‬‬

‫‪ 1‬والحمد هلل خطبته في األزهر مسجلة وموجودة في يوتيوب‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫سادسا ‪ :‬الشيخ وخدمة الجيش‪ ،‬وظهور كرامة أبيه‪.‬‬


‫وبعد أن أتم الشيخ املرحلة الجامعية وحصل على ليسانس من جامعة‬
‫األزهر الشريف التحق الشيخ بخدمة الجيش‪ ،‬واملعلوم أن فترة الخدمة في ذلك‬
‫الوقت سنة واحدة‪ ،‬ولكن ترتب األسباب على الجميع حتى قرر بزيادة وقت الخدمة‬
‫أكثر من سنة‪ ،‬استعدادا للحرب التي حدثت في ذلك الوقت‪ ،‬ولكن صبر الشيخ على‬
‫هذه الحاالت ش اكرا لربه تعالى‪.‬‬
‫ففي يوم من األيام رجع الشيخ من خدمة الجيش متعبا وبدى من جسمه‬
‫النحيف أن خدمة الجيش تتعبه كثيرا‪ ،‬حتى أمعن أبوه فيه النظر وقال‪ :‬يا بني‪ ،‬لم‬
‫لم تستأذن إلى رئيس الوحدة وتأخذ الراحة قليال من الوقت حتى تستريح مدة‬
‫قصيرة في البيت؟ فأجاب الشيخ‪ :‬يا والدي‪ ،‬ليس األمر كما تظن إنه ليس بسهل‪ ،‬ال‬
‫يمكن أن يسمح لي في هذا‪.‬‬
‫ثم عاد الشيخ إلى الجيش بحاله الكليل‪ ،‬فشعر بمرض في رجله وقد أوجعه‬
‫املرض؛ ألن تربية الجيش بنظامه الشديد املستقر يجعله يجري ويمش ي بعيدا ولم‬
‫يسترح إال في قليل من الوقت‪ .‬ثم راجع نصيحة أبيه وفكر فيها‪ ،‬وعزم على‬
‫االستئذان إلى رئيس الوحدة ليأخذ ما تيسر من الراحة حتى عادت الصحة كما‬
‫كانت‪.‬‬
‫وبعد أيام‪ ،‬استأذن الشيخ إلى رئيس الوحدة‪ ،‬وقال‪ :‬أريد أن أستأذن مدة‬
‫قليلة ألستريح؛ ألن رجلي توجعني ولم أعرف ما سبب الوجع‪ .‬فقال رئيس الوحدة‪:‬‬
‫إذن سنعرضك على كشف الطب‪ ،‬وبعد ذلك عرض على كشف الطب وقال‬
‫الطبيب‪ :‬هذا الجند أصابه الفالت فوت أي القدم املسطحة وهو ألم شديد في‬
‫القدم عند املش ي أو الوقوف لفترات طويلة‪ .‬فكتب الطبيب في القرار على هذا األلم‬
‫وأعطاه إلى رئيس الوحدة فلما نظر إليه‪ ،‬قال‪ :‬أنت معفو عن بقية فترة الخدمة‪،‬‬
‫وتعجب الشيخ لهذه الحادثة حيث أمره أبوه أن يستأذن في أول الوقت‪ ،‬وشاء هللا‬

‫‪15‬‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫تعالى ببركة دعاء والده الصالح استجاب هللا دعاءه وقض ى ستة أشهر في الجيش‬
‫وترك بقية فترة الخدمة في التداوي والراحة ملرضه‪ .‬وهذه القصة تعد من كرمات‬
‫والد الشيخ سعد رحمهما هللا تعالى‪.1‬‬

‫سابعا‪ :‬الشيخ ووعظ األزهر وحصوله على املاجستير والدكتوراه‬


‫وانتقل الشيخ إلى مرحلة املاجستير بجامعة األزهر الشريف بعد أن أكمل‬
‫خدمته في الجيش‪ ،‬ثم جاء إليه القرار من مكتب إدارة الوعظ لألزهر الشريف‪.‬‬
‫وبعد مرور األيام قد أحب الشيخ عمله هذا وتردد على املساجد في القاهرة‬
‫ليال ونهارا ونهيك عن الجمعة‪ ،‬ال تخلو أيام شبابه من العلم والعبادة واإلرشاد‬
‫للناس والدعوة لهم إلى طريق هللا تعالى‪ .‬وهذا منهج السلف الصالح ما يخلوا عنه‬
‫يوما‪ ،‬أو يرتضوا عنه بديال‪.‬‬
‫وسارت األيام سنتين وهو مصاحب عمله واعظ ا‪ ،‬إلى أن قرر تعيينه معيدا‪2‬‬

‫بجامعة األزهر‪ .‬فاستخار ربه تعالى‪ ،‬واستشار كثيرا من مشايخه الستشارته لقبول‬
‫العمل الثاني أم ال‪ ،‬فقال له أحد مشايخه الكبار‪ :‬يا ولدي إن هللا يحب معالي‬
‫األمور‪ ،‬ملاذا تشك بهذا ؟ وهذا من معالي األمور‪ ،‬اذهب واعمل بمقتض ى هذا‬
‫الخطاب ومن املمكن أن تحاوي هذين األمرين في الوعظ واملدرس بجامعة األزهر‪،‬‬
‫وكأن اإلجابة لم تقنعه‪ ،‬ثم فكر في هذا األمر‪.‬‬
‫ثم استشار عمه وهو الشيخ عبد الكريم جاويش في هذا األمر‪ ،‬وقال له‬
‫عمه مؤكدا له‪ :‬أنت تستشيرني في هذا األمر؟ إن هذا األمر ينبغي أن ينفذ‪ ،‬اذهب إلى‬
‫الكلية وتسلم عملك‪ .‬وبعد أن سمع هذه النصيحة القيمة من عمه تأكدت العزيمة‬

‫‪ 1‬مأخوذة من كالم ابنه الشيخ أحمد سعد جاويش‪.‬‬


‫‪ 2‬معيد‪ :‬من يتولى منصبا تعليميا في الجامعة قبل أن يحصل على منصب املدرس‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫ألخذ هذا العمل بعد أن بذل جهده في الوعظ مدة سنتين‪ ،‬ثم انتقل إلى الكلية‬
‫ودرس فيها إلى آخر حياته‪.‬‬
‫وفي هذه املرحلة من هللا عليه بالجلوس بين العلماء واألكابير وسمع وحفظ‬
‫من دروسهم القيمة‪ ،‬و تردد عليهم في حلقاتهم العلمية بجامع األزهر الشريف‬
‫وخارجه‪ ،‬وقد ذكر بعض شيوخه في كتابه (تذكرة املحبين بأسانيدي إلى خاتم‬
‫النبيين)‪ ،‬وسأذكرهم أيضا هنا في مبحث يتعلق بشيوخه في رحلته العلمية‪.‬‬
‫وفي سنة (‪ 1971‬م)‪ ،‬أتم الشيخ رسالته العلمية في املاجستير بعد فترة‬
‫قصيرة‪ ،‬وتزوج في هذه السنة من بنت عمه الصالحة‪ ،‬فأنجب ولدا عام(‪ 73‬م)؛‬
‫ولكن كل أمر بالقضاء والقدر وكل مقدور فما عنه مفر‪ ،‬توفي هذا الولد األول‪،‬‬
‫وحزن الشيخ حزنا شديدا لهذا ولكن بصبره الجميل على االمتحان الشاق رض ي‬
‫الشيخ بما جرت عليه من قدر ربه تعالى‪ ،‬منفتح الصدر وبارع الصبر‪.‬‬
‫وفي سنة (‪ 1976‬م) أتم الشيخ رسالته في الدكتوراه ومنح فيها مرتبة‬
‫الشرف األولى من الكلية وأوصت بطبع رسالتها‪.‬‬

‫ثامنا‪ :‬الشيخ والعمل‬


‫وكما كان رحمه هللا تعالى داعيا إلى هللا على بصيرة بالحكمة واملوعظة‬
‫الحسنة‪ ،‬كان يحث على السعي في العمل واألخذ باألسباب في طلب املعيشة وحب‬
‫العمل والجد فيه وإتقانه‪ ،‬ال يحب التعطل وقلة العمل‪ ،‬كان جوادا بما يملك‬
‫وكريما يكره البخل‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫وأحب أن أقول عن الشيخ كما قال اإلمام الشاذلي رض ي هللا عنه‪" :‬لكل ولي‬
‫حجاب أي ستر يحجبه عن اعتقاد الناس فيه وأنا حجابي األسباب"‪ .1‬وهذا حجاب‬
‫والية شيخنا عن الناس حتى ظن الناس أنه من الرجل العادي‪ ،‬يحب العمل ويتقنه‬
‫ويأخذ عوائده ولكن هذا ظاهره وأما باطنه مقبل على هللا قلبا وقالبا‪.‬‬
‫ومن أمثلة أخذه باألسباب‪ ،‬فتح الشيخ مكتبة بجوار بيته وسماها مكتبة‬
‫فتح الباري‪ ،2‬وباع فيها تجهيزات املدرسة من القلم والكراسة‪ ،‬وباع فيها أيضا كتبه‬
‫القيمة‪ .‬وأمر أبناءه أن يرسل مؤلفاته في بعض املكتبات خلف الجامع األزهر‪ ،‬وأخذ‬
‫عائد مبيعات كتبه‪ ،‬وهذا من وسائل الشيخ التي توصله إلى رضا ربه تعالى وتتيح‬
‫نوعا من االكتفاء الذاتي‪ ،‬وقد علم أبناءه وتالميذه األخذ باألسباب والغنى عن‬
‫الناس والجد في التعلم لحصول النجاح‪.‬‬
‫وهذه من شيماته في العمل قد أحب عمله وأتقنه وجد فيه طالب رضا هللا‬
‫تعالى‪ ،‬وقد رفض الدنيا الغرور وزينتها وزهرتها‪ ،‬ولكن علمنا حب الحياة وحب‬
‫العمل والجد فيه وإتقانه لآلخرة وهذا أمر مطلوب في دين اإلسالم‪.‬‬

‫تاسعا‪ :‬شيوخه وتالميذه‬


‫وقد ظهر نجاح الشيخ في علمه منذ شبابه‪ ،‬وجرى نشاطه على لسان‬
‫أصدقائه وصار مثاال لهم‪ ،‬الزم الشيوخ ومجالسهم العلمية وجالسهم وتردد عليهم؛‬
‫وهذا الحب العميق للعلم وأهله يجعله يعشق العلم ويحب املعرفة والرحلة في‬
‫سبيل املزيد‪ ،‬حتى صار من أعظم شيوخ الحديث في األزهر الشريف‪ ،‬ولكنه ال‬

‫‪ 1‬ص ‪ 73 :‬من كتاب (قطب الغيث سيدنا أبو الحسن الشاذلي) ط‪ :‬دار األنصار القاهرة‪ ،‬تأليف اإلمام األكبر الشيخ‬
‫عبد الحليم محمود – شيخ األزهر األسبق‪.‬‬
‫‪ 2‬بجوار بيته بالحي السابع مدينة نصر‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫يستحيي أن يجلس تحت أقدام العلماء وكان حريصا على حضور مجالس األولياء‬
‫فهو آية في العلم واألخالق‪.‬‬
‫وهو املحدث الكبير والعالم الرباني يربي أبناءه وطالبه ببصيرته وأخالقه‪.‬‬
‫ومن أكبر تقدير من علماء عصره له أن كثيرين منهم كانوا طالبا له‪ ،‬وإن لم يكن‬
‫طالبا كان محبا له‪ ،‬ساعيا على لقائه وحضور دروسه العامرة في كثير من األماكن‪.‬‬
‫وبعد التحاقه باألزهر الشريف وتتلمذه على علمائه الفضالء فجد واجتهد في‬
‫التحصيل وسهر الليالي‪ ،‬حتى برز في الحديث وعلومه وبرع واشتهر في شتى العلوم‬
‫الشرعية وأجازه مشايخه بالتدريس‪.‬‬
‫وقد كتب في كتابه ( تذكرة املحبين بأسانيدي إلى خاتم النبين) الجامع‬
‫ألسانيده العالية في علم الحديث وغيره مما أخذه عن شيوخه في رحلته وقت طلب‬
‫العلم‪ ،‬فأحببت أن أذكر بعضهم هنا تبركا بذكرهم حتى يتغمدنا هللا برحماته‬
‫وأمداده آمين‪.‬‬

‫ومن شيوخه ‪:‬‬


‫بعض شيوخه في اإلسناد‪:‬‬
‫‪ .1‬العالمة الكبير املحدث املتفنن مسند الدنيا سيدي أبو الفيض محمد ياسين‬
‫بن محمد عيس ى الفاداني املكي الشافعي‪ .1‬وفادان أو بدانج احدى املدن‬

‫‪ 1‬مسند الوقت العالم املحدث املربي‪ ،‬هو أبو الفيض علم الدين محمد ياسين بن محمد عيس ى الفاداني‪ ،‬األندونيس ي‬
‫أصال‪ ،‬املكي والدة ونشأة الشافعي وفادان أبو بادان إقليم في أندونيسيا‪ ،‬ولد بمكة املكرمة‪ .‬وكان ابتداء تحصيله‬
‫العلمي على والده وعمه الشيخ محمود‪ .‬ثم التحق باملدرسة الصولتية الهندية ‪ ...‬ودرس على علماء كثيرين في عصره‪.‬‬
‫باشر التدريس بدار العلوم الدينية بمكة املكرمة عام ‪ 1356‬هـ‪ ،‬وكان يلقي دروسا مختلفة باملسجد الحرام‪ ،‬وكذا في‬
‫منزله ومكتبه الخاص‪ .‬وكان له اهتمام بتعليم البنات‪ ،‬حتى أنشأ في عام ‪ 1377‬هـ‪.‬‬
‫ص‪ - 563‬كتاب تكملة معجم املؤلفين ‪ -‬محمد ياسين بن محمد عيس ى الفاداني ‪-‬‬

‫‪19‬‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫الكبيرة في جزيرة سومطرا الغربية إندونيسيا‪ ،‬وقد كتب الشيخ في ذكر أسانيد‬
‫مشايخه أنه ذكر أن الشيخ ياسين الفاداني شيخ الحديث واإلسناد بدار‬
‫العلوم الدينية بمكة املكرمة‪.‬‬
‫‪ .2‬العالمة املحدث الشيخ مصطفى أمين التازي الحسيني من علماء الحديث‬
‫باألزهر الشريف واألستاذ بكلية أصول الدين بالقاهرة‪ ،‬وقد تردد عليه لقراءة‬
‫الكتب الستة في بيته كما ذكر في كتابه‪1.‬‬

‫‪ .3‬العالمة الكبير العارف باهلل املحدث الشيخ محمد حافظ التيجاني شيخ‬
‫الطريقة التيجانية‪ 2‬بالديار املصرية‪ .‬والعالمة الحافظ التيجاني كما ال تخفى‬
‫فضائله بين أهل العلم ومريديه أنه موسوعة في العلم واملعرفة صاحب‬
‫األخالق الكريمة‪ ،‬ونسله نسل مبارك من نسل سيدنا اإلمام الحسين رض ي هللا‬
‫عنه‪ .‬وقد قرأ الشيخ عليه عدة كتب في الحديث‪.3‬‬

‫‪ 1‬العالمة الشيخ مصطفى أمين إبراهيم عمر طالب التازي األزهري‪ ،‬الحسني نسبا‪ ،‬القاهري مولدا املغربي أصال‬
‫الشافعي مذهبا‪ .‬أحد علماء األزهر الشريف‪ ،‬درس زمنا طويال في كلية أصول الدين‪ ،‬وكأنه كان صاحب يسار وسعة‪،‬‬
‫فقد سمعت مشايخي يذكرون أنه كان يقيم في حلوان في قصر تزيد حجراته على األربعين حجرة‪ ،‬ومن مؤلفاته‬
‫(مقاصد الحديث في القديم والحديث)‪ ،‬و(الرسالة الجامعة البذيعة في بيان الشفاعة في الشريغة) و(رسالة تفسير‬
‫البسملة) وقد ترجم له شيخنا العالمة محمد محمود أحمد بكار ترجمة وجيزة في أسطر‪ ،‬أوائل كتابه (بلوغ اآلمال‪ ،‬في‬
‫مصطلح الحديث وارجال)‪.‬‬
‫يروي عن العالمة الشيخ محمد حبيب هللا الشنقيطي بما في أثباته ‪( :‬ظهير املحدثين‪ ،‬باتصال أسانيد كتب العشرة‬
‫املجتهدين) و( املقدمة العلمية في ذكر األسانيد العلية‪ ،‬وفوائد العلوم السنية) و( الجامع األثبات املتأخرين‪ .‬ص‪:‬‬
‫‪ 348-347‬كتاب أسانيد املصريين للعالمة املحدث الشيخ أسامة السيد األزهري‪.‬‬
‫‪ 2‬الطريقة التيجانية ‪ :‬تنسب للشيخ إمام العارفين وأحد أفراد وأكابر األولياء املقربين‪ ،‬خليفة الشيخ أحمد إدريس‬
‫وهو الشيخ أبو العباس أحمد التيجاني قدس هللا سرهما‪.‬‬
‫ص‪ 135 :‬من كتاب السيرة املرضية في ترجمة مؤسس ي الطرق الصوفية للدكتور يوسف خطار محمد‪.‬‬
‫‪ 3‬العالمة املحدث الصالح التقي الشيخ محمد الحافظ بن عبد اللطيف ب ن سالم التيجاني املالكي الحسيني‪ .‬ولد في‬
‫شهر ربيع الثاني من سنة ‪ 1315‬ه‪ ،‬وتوفي إلى رحمة هللا تعالى ليلة اإلثنين ‪ 29‬جمادى اآلخر سنة ‪ 1398‬ه‪..‬‬

‫‪20‬‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫‪ .4‬محدث الحرمين الشريفين العالمة العارف باهلل السيد محمد بن علوي‬


‫املالكي‪ ،‬وكان الشيخ يحب السيد محمد حبا جما‪ ،‬ألنه زميله في الكلية وقد‬
‫تردد عليه لقراءة كتب الحديث في بيته بمكة املكرمة‪ ،‬وال أذكر بالتفصيل في‬
‫أي كتاب قرأ عليه‪ ،‬ولكن ذكر لي أنه سمع منه عديدا من الكتب الحديثية‬
‫وخصوصا في الكتب الستة ‪.1‬‬

‫= قرأ القرآن على الشيخ عبد هللا حمادة‪ ،‬والشيخ سليمان البنا‪ ،‬وقرأ بعضه على العالمة الشيخ خليل الجنايني‪ ،‬ثم‬
‫حبب إليه العلم‪ ،‬فأخذ عن جماعة من األكاب‪ ،‬فحضر على العالمة الشيخ يوسف الكومي في علوم العربية‪ ،‬وحضر‬
‫على العالمة الشيخ عبد املنعم قاسم في فقه السادة املالكية‪ ،‬وحضر على العالمة الشيخ يوسف الدجوي في التفسير‬
‫وفي فقه املالكية‪ ،‬وحضر في علم األصول على العالمة الشيخ محمد ماض ي والزم العالمة العارف باهلل الشيخ سالمة‬
‫العزامي‪.‬‬
‫ص‪ 703-702 :‬من كتاب أسانيد املصريين للعالمة املحدث الشيخ أسامة السيد األزهري‪.‬‬
‫‪ 1‬العالمة املحدث املسند السيد محمد علوي املالكي‪ ،‬الحسني‪ ،‬سليل بيت العلم والشرف ومن كبار علماء الحجاز‪.‬‬
‫نشأ في كنف أبيه العالمة الجليل السيد علوي بن عباس امل الكي‪ ،‬وتعلم في حلقات العلم بالسجد الحرم‪ ،‬ثم التحق‬
‫باألزهر الشريف حتى حصل على املاجستير والدكتوراه من كلية أصول الدين باألزهر الشريف‪ .‬وعين مدرسا في كلية‬
‫الشريعة بمكة املكرمة‪ ،‬ومدرسا في املسجد الحرام‪ ،‬وانتخب رئيسا للجنة التحكيم الدولية ملسابقة القرآن الكريم‬
‫سنة ‪ 1399‬ه وسنوات بعدها‪ ،‬وكان أول رئيس لها‪ ،‬ومنحته جامعة األزهر الشريف درجة األستاذية الفخرية سنة ‪:‬‬
‫‪ 1421‬ه‪.‬‬
‫وكان رحمه هللا تعالى نمطا فريدا في فضائله وثباته على الحق‪ ،‬وقد واجهته تيرات الترف بالتكفير والعداوة فصبر وثبت‬
‫حتى حفظ هللا به منهج أهل السنة والجماعة‪ ،‬وكان بيته معمورا بالدروس ومجالس الذكر آناء الليل وأطراف النهار‪،‬‬
‫وكثر تالمذته في الديار اإلسالمية من املغرب إلى املاليو‪ ،‬واستجاز منه األكابر واألصاغر‪ ،‬واملوافق واملخالف‪ ،‬التساع‬
‫دائرة روايته وأسانيده وتوفي فجأة‪ ،‬وشيعت جنازته من الحرم الشريف فكانت حافلة بألوف مؤلفة من البشر‪ ،‬في‬
‫مشهد مهيب يشهد ملكانته في القلوب‪.‬‬
‫ص‪ 628 :‬من كتاب جمهرة األزهريين الوسطى للدكتور أحمد نبوي األزهري وهو إختصار وتهذيب لكتاب " جمهرة‬
‫األعالم األزهر الشريف" لسيدنا الشيخ أسامة السيد األزهري‬

‫‪21‬‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫‪ .5‬العالمة الحافظ املحدث السيد عبد هللا بن الصديق الغماري الحسني‪ :‬وقد‬
‫ذكر الشيخ في كتابه أنه التقى بحضرته بالجامع األزهر الشريف وأيضا في كلية‬
‫أصول الدين‪.1‬‬
‫‪ .6‬العالمة العارف باهلل الشيخ محمد خليل خطيب‪.‬‬
‫وقد ذكر لنا الشيخ أنه من أجل شيوخه و قد سمع منه في بيته بطنطا‪ .‬وتأثر‬
‫كثيرا به في أخالقه وعلمه وذكره في ضمن مشايخه الفضالء‪ .2‬وقد ذكر لنا‬

‫‪ 1‬حافظ املغرب ومحدثه ‪ :‬العالمة الحافظ املحدث السيد عبد هللا بن الصديق الغماري‪ .‬طلب العلم في القرويين‬
‫وفاس‪ ،‬وانتفع بأبيه وأخيه السيد أحمد أكبر االنتفاع‪ ،‬ثم توجه إلى مصر بعد أن قطع في العلم شوطا بعيدا‪ ،‬فجاور‬
‫في األزهر‪ ،‬وتقدم لنيل الشهادة العاملية الخاصة بالغرباء‪ ،‬وكانت في اثني عشر علما‪ ،‬وهي األصول واملعاني والبيان‬
‫والبديع والنحو والصرف والتوحيد واملنطق والحديث واملصطلح والفقه والتفسير‪ ،‬فنجح وأخذ شهادته وذلك سنة‬
‫‪ 1350‬ه‪.‬‬
‫وبعد ذلك نال شهادة العاملية األزهرية‪ ،‬وكان االمتحان فيها في العلوم السابقة مضافا إليها ‪ :‬علم الوضع وعلم‬
‫العروض والقوافي وعلم األخالق أي التصوف‪ ،‬فبلغت جملة العلوم خمسة عشر علما‪.‬‬
‫ص ‪ 576 :‬من كتاب جمهرة األزهريين الوسطى للدكتور أحمد نبوي األزهري وهو إختصار وتهذيب لكتاب " جمهرة‬
‫األعالم األزهر الشريف" لسيدنا الشيخ أسامة السيد األزهري‬
‫‪ 2‬شاعر رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وشيخ العارفين األستاذ الشيخ محمد خليل خطيب‪ ،‬النيدي الحسني الحنفي‬
‫الجنيدي‪ .‬العالمة الجليل العارف باهلل‪.‬‬
‫نال العاملية وشهادة التخصص في اللغة العربية ثم عين مدرسا في املعهد األحمدي‪ ،‬فصارت طنطا مقره إلى أن توفي‪،‬‬
‫فكانت إقامته فيها مدة نصف قرن‪ ،‬وأبى أن يفارقها لترقيات أو بعثات إلى دول مختلفة‪ .‬ومن تأليفه ‪ ( :‬الجامعة‬
‫الصرفية‪ ،‬ألفية الخطيب في فن الصرف) و (أنوار الكهرباء في ترتيب وشرح حكم سيدي أحمد ابن عطاء هللا‬
‫السكندري)‪ ،‬و( غاية املطالب بشرح ديوان أبي طالب)‪ ،‬حيث جمع رحمه هللا أشعار أبي طالب من مختلف أمهات‬
‫الكتب على مدى عشر سنوات ثم قام بشرحه‪.‬‬
‫وكان الرئيس السادات يتبرك‪ ،‬ويطلب دائما لقاءه كلما حضر إلى طنطا في الجامع األحمدي‪ ،‬وقد بشر الرئيس‬
‫السادات بالنصر في حرب أكتوبر‪ ،‬وشد أزره كثيرا لذلك‪ ،‬وكان دائم الدعاء له ولجيش مصر العظيم بالنصر‪.‬‬
‫والذي يطلع أثر اإلمام الشيخ الخطيب على مدى خمسين سنة في طنطا‪ ،‬وشبكة عالقاته بالشيخ عبد الحليم‬
‫محمود‪ ،‬والشيخ الشعراوي‪ ،‬والشيخ أحمد حجاب‪ ،‬والسيد أحمد القصبي محافظ الغربية‪ ،‬وسائر األعيان‬
‫واملسؤولين والوزراء واألكابر‪ ،‬ويرى كيف كان رحمه هللا منارا من النور واألخالق والحب والتزكية‪ ،‬والحال والشريف‬

‫‪22‬‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫ابنه الشيخ أحمد سعد جاويش‪ :‬أن السيد الوالد قد رأى رؤية صالحة في‬
‫نومه‪ ،‬أنه صاحب شيخه هذا في زيارة سيدنا رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫ومعهما الشيخ عبد السالم أ بو الفضل وهو خليفة الشيخ محمد خليل‬
‫الخطيب‪ ،‬وفي هذه الرؤيا رأى الشيخ أنه مش ى على مهلته وراء هذين الشيخين‬
‫الجليلين‪ ،‬ورأى أمامهم قصرا عظيما وفتح للشيخ خليل خطيب باب القصر‬
‫ودخل فيه ويعقبه الشيخ عبد السالم أبو الفضل‪ ،‬وملا جاء دوره سمع هاتفا‬
‫يناديه ‪ :‬توضأ ثم تعال‪.‬‬
‫‪ .7‬العالمة الجليل الولي العارف املربي الشريف فضيلة الشيخ محمد زكي الدين‬
‫الحسيني‪( 1‬رائد العشيرة املحمدية ومن علماء األزهر الشريف مجدد التصوف‬
‫في عصره وخاتمة املحدثين في مصر)‪ .‬وقد ذكر لي ابنه الحبيب الشيخ د‪ .‬أحمد‬
‫سعد جاويش أن والده قد الزم الشيخ محمد زكي الدين إبراهيم منذ شبابه‬
‫وأحبه كثيرا وحضر في حلقات ذكره ويتبرك به وبمجالسه‪ ،‬وقد تأثر في علمه‬
‫وأخالقه‪ ،‬وله إجازة في كتب الشيخ‪.‬‬
‫‪ .8‬العالمة العارف باهلل الشيخ نجم الدين محمد أمين الكردي اإلربلي‬
‫النقشبندي الشافعي الحسيني (املحدث الكبير والشيخ الكامل عالم متفنن‬
‫شيخ الشريعة والحقيقة‪ ،‬شيخ الطريقة النقشبندية في عصره بمصر وقد‬
‫أنفق عمره في التدريس والتربية ونشر كتب والده‪ ،‬وله تالميذ كثيرة من مصر‬
‫وخارجها)‪ .‬وقد أخذ الشيخ عنه العلم والعهد الوثيق في الطريقة النقشبندية‪.2‬‬

‫=واألثر الجليل املحوط باإلكبار واإلجالل‪ ،‬فإنه يدرك ما أكرم هللا تعالى به الشيخ الخطيب من القبول والحب‬
‫والوالية واألخالق والشريفة والجلية‪.‬‬
‫ص‪ 544 :‬من كتاب جمهرة األزهريين الوسطى للدكتور أحمد نبوي األزهري وهو إختصار وتهذيب لكتاب " جمهرة‬
‫األعالم األزهر الشريف" لسيدنا الشيخ أسامة السيد األزهري‪.‬‬
‫‪ 1‬تقدمت ترجمته‬
‫‪ 2‬الطريقة النقشبندية وينتهي سندها إلى شيخ الفضالء وعلم النجباء محمد بهاء الدين نقشبند قدس هللا سره‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫‪ .9‬العالمة املحدث الشيخ محمد علي السماحي ‪ :‬صاحب كتاب (املنهج الحديث‬
‫في مصطلح الحديث)‪ ،‬وهو شيخ الحديث بكلية أصول الدين كما ذكر الشيخ‬
‫في كتابه‪.1‬‬
‫‪ .10‬اإلمام األكبر الشيخ عبد الحليم محمود ‪ :‬شيخ األزهر األسبق وهو شيخ فتاح‬
‫عالم الشريعة والحقيقة‪.‬‬
‫وقد ذكر لي فضيلته أن فضيلة اإلمام عالم متفنن يحب العقيدة والفلسفة‬
‫ولكن في آخر حياته يميل حبه إلى الحديث النبوي الشريف والتصوف‬
‫اإلسالمي‪ .‬وقد أشاد بذكره في كتابه أن العالقة الوثيقة بينهما ال يفارقها‬
‫املوت‪ ،‬فهو شيخه حيا ومنتقال‪.2‬‬

‫=ص‪ 91 :‬من كتاب السيرة املرضية في ترجمة مؤسس ي الطرق الصوفية للدكتور يوسف خطار محمد‪.‬‬
‫‪ 1‬العالمة املحدث الشيخ محمد محمد السماحي‪ ،‬نشأ في حجر والده الشيخ محمد السماحي من علماء األزهر وكان‬
‫إماما ومدرسا ومفتيا لبلدته ثم التحق بكلية الشريعة اإلسالمية في بداية إنشائها‪ ،‬ونال أستاذية القرآن سنة ‪1945‬م‬
‫وهي أستاذية التي تؤهل للتدريس في الكلية‪ ،‬فدرس في ذلك القسم ست سنوات كما أنها دراسته بالتخصص بقسم‬
‫التفسير والحديث بكلية أصول الدين‪ ،‬إذا كان القانون يسمح ملن حصل على عالية الشريعة أن يلتحق بقسم‬
‫التفسير والحديث بكلية أصول الدين‪ ،‬وحصل على اإلجازة العالية من كلية أصول الدين سنة ‪ 1935‬م‪ ،‬ونال العاملية‬
‫منها سنة ‪1944‬م‪ ،‬فحاز علوم كلية الشريعة‪ ،‬مع علوم كلية أصول الدين‪ ،‬ثم عين مدرسا للتفسير والحديث‪ ،‬ثم‬
‫رئيسا لقسم الحديث بكلية أصول الدين‪ .‬وابتعث إلى ليبيا والسعودية‪.‬‬
‫ص‪ 532 -531 :‬من كتاب جمهرة األزهريين الوسطى للدكتور أحمد نبوي األزهري وهو إختصار وتهذيب لكتاب "‬
‫جمهرة األعالم األزهر الشريف" لسيدنا الشيخ أسامة السيد األزهري‪.‬‬
‫‪ 2‬شيخ اإلسالم‪ ،‬اإلمام األكبر ‪ :‬الشيخ عبد الحليم محمود شيخ األزهر الشريف‪ ،‬جاور في األزهر وحضر على كبار‬
‫شيوخه وعلمائه‪ ،‬مدة عامين‪ ،‬ثم افتتح افتتح معهد الزقازيق فانتقل إليه وكان شيخ املعهد في حينها هو الشيخ‬
‫إبراهيم الجبالي وقد نال الشهادة االبتدائية‪ ،‬وكانت نظم الدراسة في األزهر حينئذ تسمح لطالب أن يتقدم للثانوية‬
‫من الخارج فتقدم لها سنة ‪ 1928‬وحصل على شهادتها‪ ،‬فقفز قفزة واسعة من االبتدائية إلى الثانوية في سنة واحدة‪،‬‬
‫أثبت فيها أمام لجان االمتحان كفاءته ومقدرته العلمية‪.‬‬
‫ص‪ 501 :‬من كتاب جمهرة األزهريين الوسطى للدكتور أحمد نبوي األزهري وهو إختصار وتهذيب لكتاب " جمهرة‬
‫األعالم األزهر الشريف" لسيدنا الشيخ أسامة السيد األزهري‪ ،‬ومن أراد أن يستزيد فعليه بالرجوع إلى ترجمته للشيخ‬
‫أحمد عمر هاشم من تالميذ اإلمام‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫وهذه تذكرة موجزة بذكر شيوخه األجالء ومن أراد أن يستزيد فعليه بالرجوع‬
‫إلى كتاب ( تذكرة املحبين بأسانيدي إلى خاتم النبيين)‪ ،‬وبفضل هللا تعالى ومنه قد‬
‫طبعت بعض كتب الشيخ‪ ،‬وتم نشرها في مكتبته بالحي السابع مدينة نصر وفي‬
‫مكتبة اإليمان داخل كلية أصول الدين وغيرها من املكتبات في مصر‪.‬‬

‫ومن شيوخه في العلم‪:‬‬


‫‪ .1‬الشيخ محمد حسين الذهبي األستاذ بكلية أصول الدين جامعة األزهر‬
‫الشريف‪.‬‬
‫‪ .2‬الشيخ إبراهيم علي شعوط‪ :‬األستاذ بكلية أصول الدين جامعة األزهر‬
‫الشريف و أخذ عنه علم الفقه وغيره‪.1‬‬
‫‪ .3‬الشيخ أبو الروس‪ :‬من أساتذة جامعة األزهر الشريف‪.‬‬
‫‪ .4‬الشيخ محمد البهي‪ :‬أستاذ العقيدة بجامعة األزهر الشريف وقد أخذ شيخنا‬
‫عنه علم العقيدة‪.‬‬
‫‪ .5‬الشيخ محمد صادق عرجون‪ :‬األستاذ بكلية أصول الدين جامعة األزهر‬
‫الشريف وأخذ الشيخ عنه علم الحديث والتفسير‪.2‬‬

‫‪ 1‬األستاذ الدكتور الشيخ إبراهيم علي شعوط‪ ،‬نال أستاذية التاريخ بدرجة ممتاز‪ ،‬وعمل مدرسا بكلية اللغة العربية‬
‫وأستاذا للفلسفة‪ ،‬وتولى رئاسة البعثة األزهرية في السعودية‪ ،‬ومن أشهر مؤلفاته (أباطيل يجب أن تمحى من التاريخ)‬
‫وانتقده وناقشه األستاذ حسني شيخ عثمان في كتابه ‪( :‬أباطيل األباطيل)‪.‬‬
‫من كتاب جمهرة األزهريين الوسطى للدكتور أحمد نبوي األزهري وهو إختصار وتهذيب لكتاب " جمهرة األعالم األزهر‬
‫الشريف" لسيدنا الشيخ أسامة السيد األزهري‪.‬‬
‫‪ 2‬أحد أركان املنهج األزهري ‪ :‬العالمة الجليل الشيخ محمد الصادق عرجون‪ ،‬نال شهادة العاملية‪ ،‬ثم درجة التخصص‬
‫القديم وعين مدرسا باألزهر الشريف فأستاذا بالكليات فشيخا للمعهد ‪ :‬دسوق وأسيوط واالسكندرية ثم مديرا‬
‫للتعليم االبتدائي باألزهر ثم وكيال للتعليم األزهري فعميدا لكلية أصول الدين‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫‪ .6‬العالمة الداعية الشيخ محمد الغزالي‪ :‬املفكر العظيم ومن علماء األزهر‬
‫الشريف‪ ،‬قال ابنه د‪ .‬أحمد سعد جاويش أن والده قد قرأ على الشيخ محمد‬
‫الغزالي كتابه (هذا ديننا) وما زالت النسخة القديمة موجودة ومحفوظة وعليها‬
‫خط شيخنا حينما يكون طالبه في الجامعة‪.1‬‬
‫‪ .7‬العالمة الكبير الشيخ أبو شهبة‪ :‬صاحب كتاب الوسيط في علوم ومصطلح‬
‫الحديث‪.2‬‬
‫‪ .8‬الشيخ إبراهيم بن علي بديوي‪ :‬عالم متبحر وشاعر مشهور‪،‬صاحب القصيدة‬
‫املشهورة " قل للطبيب تخطفه يد الردى" وقد وهبه هللا الشعر اإليماني وقد‬

‫=ص‪ 518 :‬من كتاب جمهرة األزهريين الوسطى للدكتور أحمد نبوي األزهري وهو إختصار وتهذيب لكتاب " جمهرة‬
‫األعالم األزهر الشريف" لسيدنا الشيخ أسامة السيد األزهري‪.‬‬
‫‪ 1‬شيخ الدعاة والخطباء ‪ :‬الشيخ محمد الغزالي سقا‪ ،‬الحنفي‪ .‬العالم املفكر‪ ،‬الداعية الشهير‪ .‬نشأ في كنف أبيه الذي‬
‫كان رجال صوفيا صالحا‪ ،‬ثم التحق بكلية أصول الدين‪ -‬أيام أن كان شيخها العالمة الشيخ عبد املجيد اللبان‪ -‬ونال‬
‫شهادتها‪ .‬وعين عمل إماما وخطيبا في مسجد األوقاف‪ ،‬ثم تدرج في الوظائف حتى صار مديرا للدعوة واإلرشاد‪ ،‬ووكيال‬
‫لوزارة األوقاف‪ ،‬وتولى رئاسة املجلس العلمي لجامعة األمير عبد القادر الجزائري اإلسالمية بالجزائر ملدة خمس‬
‫سنوات وكانت آخر مناصبه‪ .‬وزار معظم الدول العربية‪ ،‬وعددا من الدول األفريقية واألوربية واألمريكية‪ ،‬للمشاركة‬
‫في األنشطة الدعوية‪.‬‬
‫ص‪ 591 :‬من كتاب جمهرة األزهريين الوسطى للدكتور أحمد نبوي األزهري وهو إختصار وتهذيب لكتاب " جمهرة‬
‫األعالم األزهر الشريف" لسيدنا الشيخ أسامة السيد األزهري‪.‬‬
‫‪ 2‬العالمة املحدث الشيخ أبو شهبة ‪ :‬التحق بكلية أصول الدين حتى حصل على اإلجازة العالية‪ ،‬ونال العاملية من‬
‫درجة أستاذ‪ ،‬وهو أول عميد لكلية أصول الدين في أسيوط‪ ،‬فتأسست الكلية على يديه‪ ،‬وابتعث إلى ‪ :‬السعودية‬
‫والعراق والسودان‪ ،‬ثم استقر في كلية الشريعة بمكة املكرمة التي أصبحت فيما بعد جامعة أم القرى‪.‬‬
‫ص ‪ 529 :‬من كتاب جمهرة األزهريين الوسطى للدكتور أحمد نبوي األزهري وهو إختصار وتهذيب لكتاب " جمهرة‬
‫األعالم األزهر الشريف" لسيدنا الشيخ أسامة السيد األزهري‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫ظهرت موهبته منذ صغره‪ .1‬وقد تتلمذ الشيخ على هذا الشاعر البارع حينما‬
‫يكون طالبه في املعهد دسوق الديني‪.‬‬

‫ومن تالميذه النجباء‪:‬‬


‫‪ .1‬ولده الحبيب الخلوق الشيخ الدكتور أحمد سعد جاويش وهو الذي قام‬
‫واستمر في دروس أبيه في قراءة كتب الحديث النبوي الشريف بمنزله كل يوم‬
‫الجمعة بعيد صالة املغرب‪.‬‬
‫‪ .2‬العالمة املحدث الشيخ أسامة السيد األزهري مستشار رئيس الجمهورية‬
‫للشؤون الدينية‪.‬‬
‫وقد ذكر فضيلته في كتابه أسانيد املصريين ترجمة موجزة لشيخنا وقال فيها‬
‫ص ‪:453‬‬
‫"العالمة الصالح التقي الشيخ سعد بن سعد بن رزق بن عبد الرحمن جاويش‬
‫الكفراوي األزهري الحسيني‪".‬‬
‫ولد في شهر أبريل سنة ‪ 1941‬سنة ‪ 1360‬ه‪ ،‬وهو العالم التقي الصالح آية في‬
‫نقاء السريرة‪ ،‬وسالمة الصدر مع صالح الظاهر‪ ،‬وكان والده رجال صالحا من‬
‫حفظة كتاب هللا وكان ربما قرأ سير الصالحين فيبكي بكاء شديدا‪ ،‬وقد نشأ‬
‫الشيخ بين يديه فكأنه ورث أوصافه‪.‬‬

‫‪ 1‬شيخ علماء اإلسكندري ة ودمنهور ‪ :‬الشيخ إبراهيم بدوي‪ .‬العالمة الجليل والشاعر األزهري‪ ،‬حصل على العاملية‬
‫وإجازة التدريس من كلية اللغة العربية سنة ‪ 1937‬وتعين مدرسا وشيخا لعدد من املعاهد األزهرية‪ ،‬حتى صار شيخا‬
‫لعلماء اإلسكندرية ودمنهور‪.‬‬
‫ص‪ 530 :‬من كتاب جمهرة األزهريين الوسطى للدكتور أحمد نبوي األزهري وهو إختصار وتهذيب لكتاب " جمهرة‬
‫األعالم األزهر الشريف" لسيدنا الشيخ أسامة السيد األزهري‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫وذكر أيضا في كتابه (الحديث واملحدثون) في األزهر الشريف ص‪ 39 .‬في ذكر‬


‫ملحة ومؤلفات وجهود علماء األزهر في التصحيح والتضعيف في الحديث‬
‫النبوي الشريف‪.‬‬
‫العالمة املحدث الشيخ أيمن الحجار‪ :‬الباحث بمكتب إحياء التراث اإلسالمي‬ ‫‪.3‬‬
‫بمشيخة األزهر الشريف‪ ،‬وقد أثنى شيخنا عليه ثناء جميال في املجالس‬
‫العلمية بالجامع األزهر الشريف وخارجه‪.‬‬
‫فضيلة املحدث الشيخ د‪ .‬هانئ الطنطاوي‪ ،‬األستاذ بجامعة األزهر الشريف‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫فضيلة الشيخ عبد امللك الحلبي‪ :‬والشيخ عبد املالك الحلبي يعد من أقرب‬ ‫‪.5‬‬
‫تالميذه وأجلهم وقد الزمه مالزمة صادقة سنوات عديدة في بيته وخارجه‪.‬‬
‫الشيخ خالد الليبي (وهو من جل تالميذ شيخنا الحبيب)‪.‬‬ ‫‪.6‬‬
‫وغيرهم من أهل العلم من أنحاء العالم‪ ،‬وقد تتلمذ عليه خلق كثيرون من‬
‫أهل آسيا (إندونيسيا‪ ،‬ماليزيا‪ ،‬تيلند وغيرها) وانتهى إليه عالم عظيم من‬
‫الصلحاء‪ ،‬وتأدب بين يديه املشايخ والعلماء‪.‬‬

‫عاشرا ‪ :‬زياراته خارج مصر‬


‫أوال‪ :‬إعارته األولى ملكة املكرمة ( ‪ 1978-1983‬م)‪.1‬‬
‫رحل الشيخ إلى السعودية سنة (‪ 1404 -1399‬ه) املوافق بسنة (‪- 1978‬‬
‫‪ 1983‬م) بعد صدور قرار بإعارته ملكة املكرمة‪ ،‬للتدريس بجامعات أم القرى لتعليم‬
‫الحديث الشريف وعلومه‪.‬‬

‫‪ 1‬مأخوذة من كالم ابنه الشيخ أحمد سعد جاويش حفظه هللا تعالى‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫وقد درس في هذه الجامعة أربع سنوات واستفاد منه الطالب استفادة‬
‫كثيرة‪ ،‬كما التقى في هذه الفترة القيمة بشيخه األول في اإلسناد العالمة املحدث‬
‫املسند الشيخ محمد ياسين الفاداني املكي الشافعي رحمه هللا‪.‬‬
‫‪ ‬لقاؤه بالعالمة الشيخ محمد ياسين الفاداني‪:‬‬
‫وقد ذكر لنا الشيخ قصته املؤثرة في لقائه مع شيخه هذا‪ :‬ومن‬
‫حسن تواضعه أنه ذكر أن في ذلك الوقت كان الشيخ لم يهتم بمرويات‬
‫األحاديث وكتبه إلى أن جاور شيخه بمكة املكرمة‪ ،‬ولم يعرف أنه سكن‬
‫مجاور بيت الشيخ ياسين الفاداني مسند العصر ولم يكن يعرفه جيدا‬
‫آنذاك‪.‬‬
‫ولحسن نيته أرشده هللا تعالى إلى طريق شيخه وجالسه وتردد‬
‫عليه في أوقات كثيرة في مكة املكرمة‪ ،‬بعد أن وجد أحد طالبه‬
‫اإلندونيسين في جامعة أم القرى يحمل ورقة اإلجازة فسأله‪ :‬أي ش يء‬
‫هذا؟ فقال‪ :‬هذه إجازة في الحديث النبوي الشريف من شيخنا العالمة‬
‫الفاداني والسيد محمد بن علوي املالكي‪ .‬فقال له الشيخ‪ :‬فأما السيد‬
‫محمد بن علوي املالكي هو زميلي في كلية أصول الدين في األزهر الشريف‪،‬‬
‫ثم قال الشيخ لهذا التلميذ النجيب‪ :‬خذني إليه! ثم تواعدا على اللقاء في‬
‫صالة العشاء بالحرم املكي‪ .‬والتقى الشيخ بهذا الطالب اإلندونيس ي فركبا‬
‫سيارة كبيرة إلى حي العتيبية بجوار مسجد ابن امل ـلوح‪ .‬وملا وصل بيت‬
‫شيخه‪ ،‬تعجب الشيخ فقال‪ :‬هنا عنوان بيتي‪ ،‬واملسافة بين بيته وبيت‬
‫شيخه ال تبعد عن أربعة بيوت‪ ،‬وهذا أول لقاء الشيخ بشيخه األول في‬
‫اإلسناد فضيلة العالمة الشيخ محمد ياسين الفاداني‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫ومنذ ذلك الحين النفيس الزم الشيخ مجالس شيخه العالمة‬


‫الفاداني‪ ،‬وجالسه وسمع منه عدة كتب في الحديث‪ ،‬وال يترك مجالسه‬
‫العلمية في بيته إال اليسير‪ ،‬وأجازه بمروياته كما ذكر‪ .‬وما زال في ذكره ما‬
‫حدث‪ ،‬وكان كريما ولهذا كل من زاره وجد السماحة والحب واإلقبال‪.‬‬
‫وقد تأثر كثيرا بشيخه في علمه وأخالقه ووصفه بالعالمة‬
‫املتواضع وأثنى عليه ثناء عاطرا‪ ،‬ومن صدق حبه لشيخه بقاء املحبة في‬
‫أبناءه الوافدين من آسيا‪ .‬فكلما مر التلميذ األسيوي أمامه سأله متبسما‬
‫من أين أنت يا أخي؟ فإذا أجاب التلميذ من سومطرا‪ ،‬سأله الشيخ‪:‬‬
‫أعرفت مدينة فادنج؟ وهذا ملمح من حسن مالمحه الحسنة وعظيم‬
‫حب الشيخ لشيخه ولتالميذه الوافدين في األزهر الشريف‪.‬‬
‫وقد عزم قبل وفاته على زيارة مدينة فادنج في جزيرة سومطرا‬
‫الغربية (مدينة شيخه الجليل)‪ ،‬وسألني يوما‪ :‬هل ما زالت أسرته وتالميذه‬
‫موجودة هناك؟ ولكن شاءت إرادة هللا تعالى بوفاته بعد مدة أشهر‪.‬‬
‫وقد أثنى الشيخ كثيرا في كتابه تذكرة املحبين على سعة رواية‬
‫شيخه العالمة الفاداني‪:1‬‬
‫"والعالمة الشيخ محمد ياسين الفاداني واسع الرواية جدا‪ ،‬حتى‬
‫إن العالمة عبد هللا بن محمد بن الصديق الغماري الحسني كان يقول‬
‫عنه‪ :‬إنه مسند العصر بال منازع‪ .‬وقد جمع الشيخ محمود سعيد ممدوح‬
‫مائتين من شيوخه وترجم لهم في كتابه‪ :‬تشنيف األسماع لشيوخ اإلجازة‬
‫والسماع وهو مطبوع‪ ،‬وشيوخ الفاداني أكثر بكثير ربما بلغوا سبعمائة‬
‫شيخ‪".‬‬

‫‪ 1‬ص‪ )4( :‬ط‪ :‬مكتبة اإليمان من كتاب تذكرة املحبين بأسانيدي إلى خاتم النبيين صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫وهذه القصة نسمعها أكثر من مرة ألن الشيخ يحب أن يذكرها‬


‫كثيرا‪ ،‬تذكرة بذكرياته مع شيخه الجليل في ذلك الوقت الوسيم‪ ،‬حتى ال‬
‫يفوت ذكره في كثير من مجالسه العلمية‪ ،‬وهكذا شأن املحبين ال يغيب‬
‫عنه محبوبه ولو للحظة‪.‬‬
‫وفي هذه املناسبة النفيسة‪ ،‬التقى الشيخ بزميله في كلية أصول‬
‫الدين جامعة األزهر الشريف‪ ،‬وهو محدث الحجاز العالمة العارف باهلل‬
‫السيد محمد بن علوي املالكي وقد تشرف لزيارته كثيرا‪.‬‬
‫وكان الشيخ يحبه وذريته حبا صادقا‪ ،‬وذكر لنا أيضا أنه كان‬
‫للسيد محمد مجلسان في كل األسبوع بالحرم املكي في ليلة األحد واألربعاء‬
‫ويحضره آالف الطالب من كل آفاق الدنيا وقد سمع منه أغلب األحاديث‬
‫من الكتب الستة‪.‬‬
‫وقد ذكر الشيخ في كتابه تذكرة املحبين مثنيا عليه بقوله‪ :‬كان‬
‫كريما مفضاال واسع األفق غزير العلم‪ ،‬ولم تنقطع الصلة بينهما ولو‬
‫بعدت املسافة وطالت األزمنة‪ .‬وقد حضر الشيخ في مناقشة الدكتوراه‬
‫البنه وخليفته في التدريس السيد أحمد بن محمد بن علوي املالكي وكانت‬
‫املناقشة يوم األحد من ذي القعدة (‪ 1439‬ه) املوافق ب (‪ 22‬يوليو‬
‫‪ .)2018‬وحضر فيها كبار علماء الحديث باألزهر الشريف ومنهم شيخنا‬
‫الجليل والشيخ أحمد عمر هاشم حفظه هللا تعالى وحضر أيضا طالب‬
‫األزهر الشريف وملئت القاعة بالبركات واألنوار‪.‬‬
‫وفي هذه الفترة التقى الشيخ بزميله الحميم وقت دراسته في‬
‫األزهر الشريف‪ ،‬وهو العالمة البالغي أ‪.‬د‪ .‬محمد محمد أبو موس ى شيخ‬
‫البالغيين بالجامع األزهر الشريف وقد كان أكبر من شيخنا عمرا‪ .‬وكان‬
‫محاضرا في نفس الجامعة مع شيخنا ولكنه درس البالغة في تلك الفترة‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫ومن عادات شيخنا فترة أسبوع اإلجازة أن يسافر إلى املدينة‬


‫املنورة ويقض ي فيها أسبوعا أو أسبوعين؛ يزور فيها سيدنا رسول هللا صلى‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬ويأخذ أسرته في الزيارة‪ ،‬يتنفسون فيها بريقان‬
‫مدد املصطفى وصحابته العظماء‪ .‬ويصلي في الحرم النبوي الشريف‬
‫ويجاورون فيه ويعتكفون طول أيام إجازتهم هناك‪.‬‬
‫وبعد انتهاء فترة اعارته ملكة املكرمة‪ ،‬عاد إلى وطنه الحبيب‬
‫(‪ 1984‬م املوافق ب ‪ 1404‬ه)‪ ،‬ودرس في مدرسته األولى وهي األزهر‬
‫الشريف وفي األماكن األخرى خدمة للدين والعلم والوطن‪ .‬ومكث في‬
‫القاهرة مع أسرته أربع سنوات إلى أن جاءته الدعوة الثانية إلعارته ملدينة‬
‫الرياض (‪1408‬ه ‪1988 /‬م)‪.‬‬

‫‪ ‬إعارته الثانية للرياض (ه‪ / 1408‬م‪)1988‬‬


‫رحل الشيخ إلى السعودية (‪ 1988‬م املوافق ب ‪ 1408‬ه) في‬
‫الرئاسة العامة لتعليم البنات في كلية التربية بمدينة الرياض‪.‬‬
‫وفي هذه الفترة التقى الشيخ بزميله في الكلية وهو محدث الديار‬
‫املصرية العالمة أ‪.‬د أحمد معبد عبد الكريم حفظه هللا وكان أستاذا في‬
‫جامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية‪.‬‬
‫وكان الشيخ يسكن مجاورا لزميله في نفس الشارع والعنوان‪ .‬وذكر‬
‫ابنه الحبيب الشيخ أحمد سعد‪ :‬في هذه الفترة اجتمع شيخنا بزمالئه‬
‫الفضالء منهم‪ :‬الشيخ أحمد معبد عبد الكريم حفظه هللا و الشيخ الراحل‬
‫عبد الحكم عتلم رحمه هللا‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫وفي ذلك الوقت حدثت حرب الخليج (‪ 1991 -1990‬م) أو تسمى‬


‫"عملية عاصفة الصحراء"‪ .‬وقد دخلت الصواريخ في مدينة الرياض وكانت‬
‫صافرات اإلنذار تسمع في كثير من األوقات‪.‬‬
‫وقد ترك بعض الناس مدينة الرياض حماية من أنفسهم من‬
‫الحرب وكذا بعض أساتذة الجامعة سافروا إلى مكة واملدينة‪ ،‬ولكن لم‬
‫يترك الشيخ مدينة الرياض واثقا بربه‪ ،‬وهو يقول‪ :‬لن يغير قضاء هللا‬
‫بش يء‪.‬‬
‫وقض ى الشيخ في هذه الفترة الثانية خمس سنوات‪ ،‬وكان يزور‬
‫مكة إذا سمح له الحال؛ ليحج ويعتمر ويزور شيخه الجليل العالمة‬
‫الفاداني وأيضا زمالءه الفضالء في مكة‪ .‬وبعد انتهاء فترة إعارته الثانية‪،‬‬
‫عاد الشيخ إلى مصر‪ ،‬إلى أن جاءت دعوة إعارته الثالثة لجدة (‪ 2001‬م)‪.‬‬

‫‪ ‬إعارته الثالثة لجدة‬


‫وفي سنة ‪ 2001‬م‪ ،‬سافر الشيخ إلى السعودية إلعارته األخيرة‪،‬‬
‫وكان مدرسا ب جامعة امللك عبد العزيز في جدة‪ .‬وفي هذه الفترة األخيرة ترك‬
‫الشيخ أسرته في مصر‪ ،‬وقض ى فيها سنة كاملة‪.‬‬
‫و في هذه السنة‪ ،‬دعا ابنه الشيخ أحمد سعد جاويش إلى الحج‬
‫مصاحب أبيه في الحج‪ .‬ومن هذه األعمال في السعودية أتاه هللا تعالى رزقا‬
‫واسعا حيث بنى مسجدا على أرضه الخاصة في قريته بكفر الشيخ أيام‬
‫إعارته للرياض في التسعينات‪ ،‬وأمر أخاه أن يتولى أمر بناء وتشييد‬
‫املسجد‪ ،‬واملسجد ال يزال موجودا وسماه باسمه (مسجد سعد جاويش)‪.‬‬
‫وبعد إعارته األخيرة بجدة‪ ،‬عاد إلى مصر وسكن في شبرا فترة من الوقت‬

‫‪33‬‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫قبل إقامته بالحي السابع مدينة نصر‪ ،‬ثم عين بلجنة ترقية األساتذة‬
‫بجامعة األزهر الشريف‪.‬‬

‫‪ ‬ثانيا‪ :‬زيارته إلى ماليزيا (‪2007‬م )‬


‫زار فضيلة الشيخ سعد جاويش ماليزيا عدة مرات‪ :‬فالزيارة األولى‬
‫كانت يوم الجمعة (‪ 16‬نوفمبر سنة ‪ 2007‬م)‪ ،‬واستمرت إلى ثالثة أيام‪،‬‬
‫والتقى فيها بكبار علماء ماليزيا وخارجها‪ ،‬وكانت الزيارة مليئة بالعلوم‬
‫واألنوار‪.‬‬
‫وفي اليوم األول بدأ املجلس العلمي بقراءة الورد اللطيف لإلمام‬
‫الحداد‪ ،‬واملحاضر األول فيه فضيلة الشيخ محمد فؤاد كمال الدين‬
‫املالكي‪ ،‬ويعقبه وفد من علماء ماليزيا‪ ،‬ثم يعقبه الشيخ سعد رزق جاويش‬
‫رمزا لعلماء األزهر الشريف‪ ،‬ويعقد البرنامج في غاية الهدوء والكرم‬
‫بمسجد الفالح بسوبنج جايا سيالنجور ماليزيا‪.‬‬
‫وفي اليوم الثاني بعد صالة الفجر ألقى الشيخ درسه بمسجد دار‬
‫اإلحسان سوبنج جايا سيالنجور ماليزيا‪ .‬وقد حضر في هذا املجلس العلمي‬
‫مئات الطالب من املعاهد الدينية ليستفيدوا منه العلم‪ ،‬وبعد ذلك غادر‬
‫الشيخ مدينة سيالنجور متوجها إلى مدينة كواالملبور؛ ليحاضر في الندوة‬
‫العلمية التي تعقد بمسجد أمان في شارع دامي كواالملبور ماليزيا‪ ،‬وقد‬
‫حضر فيها مئات من طالب املعاهد الدينية ماليزيا‪ ،‬و كذلك قد حضر فيها‬
‫أكابر العلماء منهم‪ :‬الشيخ محمد حافظ سالمة‪ ،‬والشيخ عبد الرحمن‬
‫باعباد الحضرمي‪ ،‬والشيخ عفيف الدين الغيالني البغدادي‪ ،‬والشيخ‬
‫سعد سعد رزق جاويش‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫وفي اليوم الثالث من زيارته األولى ملاليزيا صباح األحد‪ ،‬عقدت‬


‫الجلسة الروحية في بيت أحد علماء ماليزيا وهو السيد عبد الرحمن‬
‫الحداد املسؤول عن هذا البرنامج املبارك بكواالملبور‪ ،‬وألقى بعض من‬
‫علماء ماليزيا فيها دروسا ليستفيد بعضهم من بعض‪ ،‬وأنشد املنشدون‬
‫فيها وقد عقب ذلك املجلس بالغداء الجماعي‪.‬‬
‫واستمر البرنامج في مساء األحد بمسجد البخاري كالنج كواالملبور‪.‬‬
‫وحضر فيه جماهير علماء ماليزيا وخارجها‪ ،‬واملحاضر األول هو الشيخ‬
‫نجم الدين الكردي ثم وفد من علماء ماليزيا ثم ختمه شيخنا‪ .‬وقد تأثر‬
‫الحاضرون بجميل أخالق الشيخ وبديع كالمه‪ ،‬وقد أخذ بقلوب‬
‫السامعين‪ ،‬حتى أثنوا عليه ثناء جميال عاطرا‪.‬‬

‫‪ ‬زيارته الثانية ملاليزيا (‪ 2011‬م)‬


‫وفي تاريخ (‪ 1‬أكتوبر ‪ 2011‬م) زار الشيخ سعد جاويش بالد ماليزيا‬
‫مرة ثانية‪ ،‬بعد أن جاءت إليه الدعوة من حكومة باهنج ماليزيا لحضور‬
‫الندوة العلمية بجامعة باهنج ماليزيا‪.‬‬
‫وحاضر في املحاضرة األولى تحت موضوع "بناء اإلنسان"‪ ،‬وفي‬
‫الثانية "إسهام اإلسالم في الحضارة"‪ ،‬مع مشاركة بعض أساتذة وطالب‬
‫الجامعة‪ ،‬وقض ى في هذه الزيارة الثانية ستة أيام من (‪ 1‬أكتوبر إلى ‪6‬‬
‫أكتوبر ‪ 2011‬م)‪.‬‬

‫‪ ‬زيارته الثالثة ملاليزيا وهي األخيرة ‪ 2016( :‬م)‬


‫يوم الخميس (‪ 16‬يونيو سنة ‪ 2016‬م) كان زيارته األخيرة ملاليزيا‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫‪ ‬ثالثا‪ :‬زيارته لسنغافورة (‪ 2007‬م)‬


‫وقد زار الشيخ بالد سنغافورة في التاريخ (‪ 8-15‬نوفمبر ‪ 2007‬م)‬
‫ليلقي فيها ندوة علمية‪.‬‬

‫حادي عشر ‪ :‬وظائفه‬


‫وقد تولى شيخنا عددا من املناصب ومنها‪:‬‬
‫‪ ‬عضو اللجنة العلمية لترقية األساتذة بجامعة األزهر الشريف‪.‬‬
‫‪ ‬أستاذ الحديث بجامعة األزهر الشريف‪.‬‬
‫‪ ‬مدرس بالجامع األزهر الشريف‪.‬‬
‫‪ ‬مدرس بالعشيرة املحمدية‪.‬‬
‫‪ ‬مدرس بأكاديمية أهل الصفة باملقطم‪.‬‬
‫‪ ‬مدرس بمعهد مجد اإلسالم إلعداد الدعاة بشبرا‪.‬‬
‫‪ ‬مدرس بدار األرقم بالحي الثامن مدينة نصر‪.‬‬
‫‪ ‬مدرس بمعهد الدراسات اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ ‬خطيب في بعض املساجد بالقاهرة وخارجها‪.‬‬

‫ثاني عشر‪ :‬مؤلفاته‬


‫وفي أواخر حياته قد بذل جهده في التأليف أكثر مما سبق‪ ،‬كأنه قد شعر‬
‫بقرب وفاته‪ ،‬فاجتهد في التأليف‪ ،‬وأعطى لهذا كثيرا من أوقاته‪ .‬ووقت الصباح هو‬
‫وقته للتأليف‪ ،‬بعد أداء ورده اليومي للقرآن الكريم‪ ،‬وللشيخ سعد جاويش تآليف في‬

‫‪36‬‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫علم الحديث النبوي الشريف وكذا في ترجمة األولياء الصالحين‪ ،‬وعنايته في العلم‬
‫عظيمة وقد ألف كتبا قيمة منها‪:‬‬
‫‪ ‬السنن الزكية (‪ 4‬أجزاء)‪.‬‬
‫‪ ‬السنة املشرفة وعلوم الحديث‪.‬‬
‫‪ ‬قضايا حديثية‪.‬‬
‫‪ ‬على طريق الهجرة‪.‬‬
‫‪ ‬ألقاب أهل هللا‪.‬‬
‫‪ ‬جبر الخاطر‪.‬‬
‫‪ ‬البكاؤون‪.‬‬
‫‪ ‬ناشئة الليل‪.‬‬
‫‪ ‬ضوء القمر‪.‬‬

‫وكتب تحت الطبع‬


‫‪ ‬كشف الهوى‪.‬‬
‫‪ ‬املسحة املحمدية‪.‬‬
‫‪ ‬شبهات حول السنة وردود‪.‬‬
‫‪ ‬شواهد اإليمان (الجزء الثاني)‪.‬‬

‫ثالث عشر‪ :‬دروسه ومجالسه وحلقاته العلمية‬


‫وكانت دروسه ومجالسه مظهرا من مظاهر الهيبة والجالل‪ ،‬واألنس‬
‫والجمال‪ ،‬وحضر فيها أكابر العلماء والصالحين‪ .‬وقد درس الشيخ في أماكن مباركة‬

‫‪37‬‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫في مصر وخارجها‪ .‬وكان مشغوال بالتعليم والعبادة‪ ،‬واإلقبال على هللا في الظاهر‬
‫والباطن‪ ،‬ومن بعض البقاع التي جلس فيها الشيخ للتدريس‪:‬‬

‫‪ .1‬الحرم املكي‬
‫وقد جلس في هذه البقعة املباركة سنة كاملة‪ ،‬بعد أن جاء إليه‬
‫القرار من مجلس شؤون الحرم لتدريسه فيه‪ ،‬وأعد له كرسيا خاصا يلقي‬
‫درسه في مادة الحديث النبوي الشريف وعلومه‪.‬‬
‫وهذا شرف عظيم من بركة دعائه املبارك في امللتزم‪ ،‬وقد ذكر لنا‬
‫أنه أفتى الناس على مذهب اإلمام الشافعي فنبهه أحد مسؤولي الحرم‬
‫وأمره بأن يفتي على املذهب الحنبلي‪.‬‬
‫‪ .2‬الجامع األزهر الشريف‬
‫وقد قام الشيخ بتدريس الحديث وعلومه بالجامع األزهر الشريف‬
‫بالظلة العثمانية وتارة في رواق الشراقوة‪.‬‬
‫وقد قرأ عديدا من الكتب في الحديث النبوي الشريف‪.‬‬
‫‪ .3‬جامعة األزهر الشريف‬
‫وفي هذه الجامعة قام بخدمة العلم في مدرسته األولى ودرس فيها‬
‫الحديث وعلومه وأشرف على الرساالت العلمية واستفاد منه الطالب من‬
‫كل أقطار العالم‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫مضيفة الشيخ إسماعيل صادق العدوي‬ ‫‪.4‬‬


‫وقد قرأ مختصر البخاري لإلمام ابن أبي جمرة األندلس ي‪ 1‬في هذه‬
‫البقعة املباركة‪ ،‬وكان يذكر قصة مؤثرة في أول لقائه في هذا املكان عن‬
‫جميل أخالق اإلمام ابن أبي جمرة األندلس ي لشدة تعلقه بأخالق صاحب‬
‫هذا الكتاب املبارك‪.‬‬
‫العشيرة املحمدية‬ ‫‪.5‬‬
‫وقد درس الشيخ في هذا املكان املشرف سيرة الرسول صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وكان حبه للرسول صلى هللا عليه وسلم حبا صادقا‪ ،‬وكأنه ورثه من‬
‫أبيه‪.‬‬
‫أكاديمية أهل الصفة باملقطم‬ ‫‪.6‬‬
‫وللشيخ ارتباط وثيق بمؤسس هذه األكاديمية املباركة فضيلة املربي‬
‫الشريف الشيخ محمد عبد الصمد مهنا الحسيني حفظه هللا تعالى‪ ،‬وكان‬
‫الشيخ وكيال له فيها‪ ،‬ودرس فيها مادة الحديث النبوي الشريف‪.‬‬
‫ودرس أيضا في بعض املساجد املجاورة لبيته‪ ،‬مثل مسجد عباد الرحمن‬ ‫‪.7‬‬
‫ومعهد الدراسات اإلسالمية واألماكن األخرى‪.‬‬

‫‪ 1‬عبد هللا بن سعد بن أحمد بن أبي جمرة األندلس ي املرس ي‪ ،‬القدوة الرباني‪ ،‬من بيت كبير‪ ،‬لهم تقدم ورياسة‪ .‬قدم‬
‫مصر‪ ،‬وله زاوية باملقس ى‪ ،‬ذو تمسك باألثر‪ ،‬واالعتناء بالعلم وآله‪ ،‬وجمعية على العبادة‪ ،‬وشهرة كبيرة باإلخالص‪،‬‬
‫واستعداد للموت‪ ،‬وفرار من الناس‪ ،‬وانجماع عنهم‪ ،‬إال من الجمع‪ .‬وتذكر له الكرمات‪.‬‬
‫واختصر قطعة من صحيح البخاري‪ ،‬وشرحها بشرح بديع‪ ،‬وفي آخرها تلك املراثي البديعة‪ ،‬وقصته مع ابن الجاني‬
‫مشهورة‪.‬‬
‫مات في تسع عشر ذى القعدة‪ ،‬سنة خمس وسبعين وستمائة‪ ،‬وقد شاح‪ .‬ودفن بالقرافة‪ ،‬وقبره معروف يتبرك به‪.‬‬
‫_____________‬
‫ص ‪ 383 :‬من كتاب طبقات األولياء البن امللقن‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫الفصل الرابع‬
‫عبادته وزهده وأخالقه‬
‫أوال‪ :‬عبادته‬
‫وأحب أن أقول عن عبادته ما ينطبق عليه قول البوصيري لإلمام أبي‬
‫الحسن الشاذلي‪ 1‬رض ي هللا عنه‪:‬‬
‫ألف النسك والتهجد وال *** خلوة طفال وهكذا النجباء‬
‫*** نشطت للعبادة األعضاء‪2‬‬ ‫وإذا حلت الهداية قلبا‬

‫إن حياة األولياء الكمل لتسير على الشريعة والطريقة والحقيقة وكان‬
‫الشيخ قد سار على شريعته وسلك في طريقه وانغمس في حقيقته‪ ،‬كان خاشعا‬
‫عابدا هلل تعالى منذ صغره شاهدا لوحدانيته وعظمته وجاللته‪ ،‬وكل من رأى وجهه‬
‫املنير رأى منه أنوار اإليمان وانبثق منه أنوار العبادة والتقوى‪.‬‬
‫وقد قال رحمه هللا تعالى في أحد مجالسه عن فضائل خشوع القلب‪ :‬إذا‬
‫خشع القلب خشعت كل الجوارح وخشوع القلب هو من املقام العالي‪.3‬‬

‫‪ 1‬هو الشيخ اإلمام حجة الصوفية‪ ،‬وعلم املهتدين‪ ،‬زين العارفين‪ ،‬أستاذ األكابر‪ ،‬واملنفرد في زمنه باملعارف السنية‪،‬‬
‫واملفاخر‪ ،‬العالم باهلل‪ ،‬الدال على هللا زمزم األسرا‪ ،‬ومعدن األنوار‪ ،‬القطب الغوث‪ ،‬الجامع تقي الدين أبو الحسن‬
‫علي بن عبد هللا بن عبد الجبار بن تميم بن هرمذ بن حاتم بن قص ي بن يوسف بن يوشع بن ورد ابن بطل بن أحمد‬
‫بن محمد بن عيس ى بن محمد بن الحسن بن علي بن أبي طالب رض ي هللا عنه‪ ،‬عرف بالشاذلي‪ ،‬منشأه باملغرب‬
‫األقص ى‪ ،‬ومبدأ ظهوره بشاذلة‪ ،‬بلدة على القرب من تونس‪ ،‬وإليها نسب له السياحات الكثيرة واملنازالت الجليلة‬
‫والعلوم الكثيرة لم يدخل في طريق هللا حتى كان يعد للمناظرة في العلوم الظاهرة‪ ،‬وعلوم جمة‪.‬‬
‫ص‪ 59 :‬من كتاب لطائف املنن في مناقب الشيخ أبي العباس املرس ي وشيخه الشاذلي أبي الحسن لسيدنا اإلمام ابن‬
‫عطاء هللا السكندري رض ي هللا عنه‪ ،‬ط‪ :‬كتاب‪ -‬ناشرون بيروت لبنان‪.‬‬
‫‪ 2‬ص ‪ 167 :‬من كتاب نسق الخطاب على تحفة األحباب للدكتور سعيد أبو األسعاد‪.‬‬
‫‪ 3‬من محاضرته في الجامع األزهر الشريف‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫كما كان قليل النوم قائم الليل دائم العبادة ال يدع عباداته ووظائفه مهما‬
‫كبر سنه وضعفت أحواله‪ ،‬كما انشغل بذكر هللا والتفكر في خلقه إلى آخر حياته‪.‬‬
‫وقد كان من ورده اليومي صالة التهجد وقراءة القرآن‪ ،‬وقد كان يقوم نصف الليل‬
‫ثم يصلي ما تيسر له من ظروفه الصحية وقد كان يقرأ القرآن يوميا بعد صالة‬
‫الفجر وقبل االستعداد للذهاب إلى الكلية‪.‬‬
‫وكان إذا فرغ من عمله فتح مصحفه وقرأ ما تيسر من القرآن‪ ،‬وقد رأيناه‬
‫يقرأ القرآن في املواصالت‪ ،‬حتى ال يمش ي الزمان دون فائدة‪ .‬و كان الشيخ في آخر‬
‫حياته حريصا على تأدية صالته في املسجد قائما بقدميه؛ مهما كلفه ذلك من جهد‬
‫فلم يكن يصلي جالسا إال إذا اشتد عليه التعب‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬زهده‬
‫كان رحمه هللا يقول عن الزهد في أحد مجالسه‪ ،‬فيما معناه‪ :‬والزهد‬
‫الحقيقي عند الشيخ هو الزهد في القلب وليس في اليد‪ .‬الزهد ليس الترك ولكن‬
‫الزهد هو األخذ بال ترف واإلنفاق بال كبر‪ .‬قد يزهد من ملك وقد يملك من زهد‪،‬‬
‫فاملعيار الحقيقي للزهد هو القلب‪.‬‬
‫وكان رض ي هللا عنه موصوفا بالزهد والقناعة؛ ال يريد الدنيا وال يلتفت إليها‬
‫وال يشتغل بها‪ ،‬وال يحب الشهرة وال املنصب‪ .‬وقد تأثر كثيرا بشخصية اإلمام‬
‫الشاذلي في غزير علمه وزهده‪ ،‬وكان محبا ألهل العلم وحضور مجالسهم ومحبا‬
‫لألولياء الصالحين وقد كتب ترجمتهم وسيرهم الرشيدة في بعض مؤلفاته‪.‬‬
‫وقد عاش رحمه هللا تعالى راضيا بقضاء ربه‪ ،‬ال يجعل أموره الدنيوية غايته‬
‫حتى ال تشغله عن ربه وهذا زهد العارفين‪ .‬وقد رأيناه كثيرا يركب السيارة العامة في‬
‫غاية التواضع عند ذهابه إلى الكلية‪ ،‬بغير حراسة وال مراقبة‪ .‬وسأله أحد تالميذه‬

‫‪41‬‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫عن حاله هذا؛ ألن املسافة بعيدة‪ ،‬والشوارع مزدحمة‪ .‬فأجابه متبسما يقول‪ :‬يا بني‪،‬‬
‫ال أريد أن أتعب أحدا ما دامت قدرتي باقية‪.‬‬
‫هكذا رأيناه في زهده وأخالقه كأن في قلبه ودا أنبته هللا وحفظه‪ ،‬فأخرج منه‬
‫نورا يض يء أخالقه وقلوب محبيه‪ ،‬كالمه حكمة وصمته دعوة‪ ،‬ونصائحه قيمة‬
‫وأخالقه عبرة‪ .‬وكان شاكرا لنعم هللا راضيا بقضائه ال يشكو على الناس مهما ضاقت‬
‫الحياة‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬أخالقه‬
‫كان الشيخ آية في حسن الخلق وقال الشيخ أيمن الحجار مثنيا على شيخه‪:‬‬
‫هو أدب يمش ي على األرض‪ .‬هذه العبارة ليست مبالغة بل هي حقيقة‪ ،‬عاطف على‬
‫املحتاجين والسائلين‪ ،‬وعاملهم برفق ولطف كأنهم زمالؤهم‪ .‬وهذه شيمته في حسن‬
‫الخلق وقد قسمت إلى‪:‬‬
‫‪ ‬تواضعه‪:‬‬
‫و قد سمعنا شيخنا يقول عن أهمية التواضع لطالب العلم في‬
‫أحد مجالسه‪ :‬طالب العلم يحتاج إلى التواضع‪،‬‬
‫قال تعالى ﴿وأن ال تعلوا على اَّلل﴾ كما في قصة سيدنا موس ى‬
‫عليه السالم‪ :‬قال لسيدنا الخضر رض ي هللا عنه‪ :‬هل أتبعك على أن‬
‫تعلمني مما علمت رشدا؟ وسيدنا موس ى عليه السالم هو من أولي العزم‬
‫من الرسل وهو كليم هللا ولكنه ال يعالي أن يقول لهذا الولي الصالح‪ :‬هل‬
‫أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا‪.1‬‬

‫‪ 1‬من محاضرته بالجامع األزهر الشريف‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫وقد عرف الشيخ بين أبنائه وطالبه بتواضعه الجم كان متواضعا‬
‫خاشعا وقد سار على نهج شيوخه الصالحين‪ ،‬وتأثر بحسن أخالقهم‬
‫وتمثل بهم‪ .‬وقد زينه جميل أخالقه‪ ،‬وله فلسفة خاصة في تعامله مع غيره‬
‫وقد أحب الجميع ال يحابي أحدا في حسن معاملته‪ ،‬وقال ألبنائه في ليلة‬
‫وفاته‪ :‬أحب كل من قال ال إله إال هللا‪.1‬‬
‫وهذا حسن تواضع شيخنا‪ ،‬مع أنه قد وصل من تربيته عشرات‬
‫من العلماء يقدرونه بجاللة علمه وعلو مقامه فما زال تواضعه باقيا إلى‬
‫آخر حياته‪ ،‬يحمله إلى كل مكان كأنه ثيابه‪ ،‬يزينه ويتحلى به كان نجما في‬
‫التواضع ومسكا في األخالق‪.‬‬
‫كان إذا تكلم أغمض عينيه وأخشع صوته‪ ،‬وخاطب السامعين‬
‫بلطف بال تعسف؛ لقد تعلمنا منه راحة الصوت وهدوء النفس‪ .‬إذا تكلم‬
‫مع األعالم تجده أنه من كبارهم‪ ،‬وإذا تكلم مع العوام تجده كأنه أبوهم‪،‬‬
‫يبين ويشرح لهم بكل صبر وتواضع إذا سأله أحد عن مسألة‪.‬‬
‫وأحب أن أقول عن تواضع الشيخ قول سيدنا أبي مدين الغوثي‪2‬‬

‫في أحد أبياته من البحر الطويل‪:‬‬

‫‪ 1‬من كالم ابنه السيد أحمد سعد جاويش حفظه هللا تعالى‪.‬‬
‫‪ 2‬هو شعيب بن الحسين القطينياني األندلس ي‪ ،‬يكنى أبا مدين‪ ،‬ويلقب بالغوث‪.‬‬
‫أصله من حصن (( قطينيانه)) من أحواز ((إشبيلية))‪ ،‬وقيل من (( منتوجي))‪ .‬خرج منها صغيرا عند وفاة أبيه‪ ،‬هربا من‬
‫رعي أغنام إخوته‪ ،‬إلى إشبيلية‪ ،‬ثم شريس‪ ،‬ثم الجزيرة الخضراء‪ ،‬ثم طنجة‪ ،‬ثم سبته حيث عمل أجيرا عند صيادي‬
‫السمك مدة قصيرة‪ ،‬ثم سال‪ ،‬ثم مراكش حيث انخرط في سلك الجندية ردحا من الزمن‪ ،‬ثم فاس حيث تفرغ للعلم‬
‫والعبادة مدة طويلة‪ ،‬ثم استقر به املقام في بجاية عندما سكنت لها نفسه ورآها معينة على طلب الرزق الحالل‪.‬‬
‫ومن بعض شيوخه ‪ :‬اإلمام أبو الحسن علي بن حرزهم‪ ،‬اإلمام املربي ذو الكرمات أبو يعزى يلنور بن عبد الرحمن بن‬
‫أبي بكر األيالني‪ ،‬الفقيه الحافظ أبو الحسن علي بن خلف بن غالب األنصاري األندلس ي وغيرهم من العلماء واألولياء‪.‬‬
‫_____________‬
‫ص ‪ 16‬من كتاب عنوان التوفيق لسيدنا اإلمام ابن عطاء هللا السكندري‪ ،‬ط‪ :‬دار الكتب العلمية بيروت‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫*** وإن زاد جهل املرء زاد ترفعا‬ ‫إذا زاد علم املرء زاد تواضعا‬
‫وفي الفص من كل الثمار مثاله *** فإن يرعى من حمل الثمار تمتعا‪1‬‬

‫فبالتواضع يزيد علم املرء‪ ،‬ويزيد نور قلبه‪ ،‬وينبثق منه نور العلم‬
‫والهداية‪ .‬فاإلنسان املتواضع كالشجر املثمرة؛ كلما زادت وثقلت ثمراته زاد‬
‫خضوعه إلى األرض‪ .‬وكذلك اإلنسان املتواضع؛ كلما زادت علومه وأعماله‬
‫زاد في نفسه الخضوع واالنكسار إلى ربه تعالى‪ .‬وهذا ما قد رأينا عليه‬
‫شيخنا؛ أنه لم ير نفسه أهال للتواضع وبهذا يزيد هذا االنخفاض من‬
‫االرتفاع في درجاته عند ربه تعالى‪.‬‬

‫‪ ‬أخالقه مع أسرته‪:‬‬
‫ومن محاسن أخالقه‪ ،‬كان إذا دعا أبناءهم ألمر إلى غرفته‬
‫الخاصة بالدور األول من املنزل‪ ،‬أعد الغرفة على غاية الجمال‪ ،‬وحضر‬
‫لهم الطعام والشراب‪ ،‬عطر املكان وكأنه يستقبل كبار الرجال أو‬
‫الضيوف‪.‬‬
‫وكان له أحفاد كثيرة‪ ،‬وفي بعض األيام دعا الشيخ بعض أحفاده‬
‫إلى مجلس الحديث النبوي الشريف‪ ،‬وطلب منهم واحدا واحدا لقراءة‬
‫الحديث؛ ومهما صعب في القراءة لصغر سنهم طلب منهم برفق وابتسامة‪.‬‬
‫هكذا كانت أخالقه مع أسرته وأقاربه حفظهم هللا‪ ،‬عاملهم بإحسان‬
‫وأرشدهم بعرفان وال يجبرهم على حضور الدرس ولكن بحسب طاقاتهم في‬
‫الحضور‪.‬‬

‫‪ 1‬ص ‪ ،55‬من كتاب عنوان التوفيق لسيدنا اإلمام ابن عطاء هللا السكندري ط‪ :‬دار الكتب العلمية بيروت‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫‪ ‬أخالقه مع زمالئه‪:‬‬
‫قال العالمة الشيخ أحمد معبد عبد الكريم مثنيا عليه؛ لحسن‬
‫أخالق زميله الحبيب الشيخ سعد رزق جاويش عند رثاء وفاته‪ :‬نعم‬
‫الصاحب في الصحبة ونعم الرفيق‪ .‬فقد ظل الشيخ رجال خلوقا ولم يتخل‬
‫يوما عن أخالقه في تعامله‪ ،‬وكان الشيخ إذا عامل زمالءه عاملهم كأنهم‬
‫شيوخه يعظمهم ويحسن إليهم ويعتبرهم مكانة شيوخه‪ ،‬ومن عاداته‬
‫الطيبة أنه كان إذا أتم مجلسه في األزهر الشريف يحرص على لقاء زمالئه‬
‫العلماء في الجامع األزهر‪ .‬ومن أمثالهم العالمة املحدث الشيخ أحمد طه‬
‫ريان حفظه هللا تعالى‪ ،‬والعالمة املربي الشيخ محمد مهنا حفظه هللا تعالى‪،‬‬
‫والعالمة املحدث الشيخ أحمد معبد عبد الكريم حفظه هللا تعالى‪ ،‬وغيرهم‬
‫من العلماء الفضالء‪.‬‬
‫وحسن أخالق الشيخ لزميله النجيب العالمة املحدث الشيخ‬
‫أحمد طه ريان حفظه هللا تعالى غاية في الكرم‪ ،‬يقول الشيخ لتالميذه مثنيا‬
‫على الشيخ أحمد طه ريان‪ :‬إن الشيخ أحمد طه ريان من بقية رجال‬
‫األزهر‪ ،‬فاحرصوا على حضور درسه‪ .‬وكان جدوالهما موافقين في يوم‬
‫األحد‪ ،‬وإذا أنهى الشيخ درسه لتالميذه انطلق إلى درس زميله أو لقائه أمام‬
‫الرواق العباس ي ليلتقيا ويتصافحا‪.‬‬
‫وحب الشيخ ألخيه في هللا العالمة املربي الشيخ محمد عبد الصمد‬
‫مهنا حفظه هللا مثال وأية في املحبة‪ ،‬وقد سألني الشيخ مرارا في أواخر‬
‫حياته عن أحوال أخيه الشيخ محمد مهنا حفظه هللا‪ ،‬وأن أبلغه السالم‬
‫وكان يحبه ويمجده‪ .‬وقال الشيخ محمد مهنا عنه‪ :‬والذي يعرف مقام‬

‫‪45‬‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫الشيخ سعد جاويش هو هللا تعالى‪ .‬كان الشيخ حريصا على حضور درس‬
‫أخيه ومجلس ذكره باملقطم‪ ،‬وحينما جاء املجلس قال‪ :‬جئت هنا أللتمس‬
‫البركة‪.‬‬
‫وأما أخالقه مع زميله العالمة الشيخ أحمد معبد عبد الكريم‬
‫حفظه هللا تعالى مثال فاضل لسعة أخالقهما‪ ،‬كان بينهما مودة ورحمة‬
‫وإذا رأيتهما يجلسان في مجلس واحد تخيل كأنك ترى أجمل املناظر في‬
‫األخالق من كبار الرجال‪ ،‬ك لقاء اإلمامين العظيمين في الحديث اإلمام‬
‫البخاري واإلمام مسلم‪ .‬حينما قبل اإلمام مسلم رأس شيخه وقال كما‬
‫قال‪ :‬وهذا ما رأينا من أخالق الشيخ مع زمالئه في العمر وغيرهم‪ ،‬عاملهم‬
‫بغاية الحسن والكرم ال يوجد بينهم إال املودة واملحبة‪.‬‬

‫‪ ‬حسن معاملته مع تالميذه‪:‬‬


‫وقد ذكرت قبل هذا‪ ،‬أخالق الشيخ مع زمالئه‪ ،‬واآلن أحب أن‬
‫أذكر حسن معاملته مع تالميذه‪ ،‬كان يعامل تالميذه في غاية الحسن‬
‫والجمال كأنهم زمالؤه‪ ،‬اليرى في نفسه الرفعة‪ ،‬ولكن عاملهم بجمال الخلق‬
‫والتواضع‪ ،‬وإذا أخطأ التلميذ نبهه بالحسنى حتى ال يؤذيه‪.‬‬
‫ومن أجمل معاملة الشيخ مع تالميذه أنه يحب أن يالطف‬
‫تالميذه‪ ،‬ويسألهم عن أخبارهم ويسألهم إذا غاب أحد منهم في مجلسه‪.‬‬
‫كان محبا لتالميذه و قد تأثر كثيرا بحسن أخالق اإلمام ابن أبي جمرة‬
‫رض ي هللا عنه‪ ،‬في قصته مع اإلمام ابن الحاج وهو تلميذه‪ ،‬حينما أراد أن‬
‫يتعلم ويقرأ عليه الحديث‪ ،‬وبعد استفسار طويل‪ ،‬قبل الشيخ التلميذ‬

‫‪46‬‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫واشترط عليه أن ال يعتقده أنه شيخ‪ ،‬بل مجرد املصاحبة واملذاكرة في‬
‫حلقة الدرس من غير تعظيم وال إجالل‪.‬‬
‫ومن هذه القصة تعجب الشيخ بوفاء أخالق اإلمام مع تلميذه‪ ،‬مع‬
‫أنه وصل من تربيته مئات من العلماء واألولياء‪ ،‬ولكن بجمال أخالقه‬
‫تواضع هلل وافتقر إليه طالبا مرضاته تعالى‪.‬‬
‫وأذكر قصة مؤثرة عن حسن معاملته مع تالميذه مهما أخطأ‪:‬‬
‫ذات يوم غضب الشيخ على أحد طالبه في الكلية؛ ألنه ال يهتم بدرسه‪ ،‬وفي‬
‫ذلك اليوم تأخر كثير من الطالب الزدحام الشوارع‪ ،‬فغضب أثناء الدرس‪.‬‬
‫ولكن كما عرفنا أنه ال يسب أحدا مهما غضب‪ ،‬وال يحتقر إنسانا مهما‬
‫أخطأ‪ ،‬وبعد هدوء غضبه قال لهذا التلميذ املغضوب متبسما‪ :‬أستعفيك‬
‫يا أخي على هذا‪ ،‬وذكر له الشيخ أن سبب غضبه زيادة ضغط دمه وشدة‬
‫تعبه في ذلك اليوم‪ ،‬ولكن رض ي الشيخ عن خطأ طالبه وقال له بأن ال‬
‫يعيد هذا الخطأ مرة ثانية‪ .‬ما أجمل هذا املنظر! يا شيخنا‪ ،‬قد علمتنا‬
‫كيف نعامل أنفسنا عند الغضب حتى ال نؤذي غيرنا!‬
‫وكان رحمه هللا تعالى كريما على تالميذه‪ ،‬وعنده مجلس خاص في‬
‫بيته بالحي السابع لقراءة كتب الحديث النبوي الشريف‪ ،‬والشيخ قام على‬
‫ضيافتهم وإكرامهم حتى آخر حياته‪ ،‬هيأ الكراس ي وحضر لهم الطعام‬
‫والشراب‪ ،‬وفسح لهم املكان إلقراء الحديث الشريف‪ ،‬تعظيما لصاحب‬
‫الحديث صلى هللا عليه وسلم وإكراما لضيوف سيدنا رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫وهكذا أخالق الشيخ مع تالميذه‪ ،‬فقد كان موصوفا بالصدق‬
‫والرقة والتواضع وحسن املعاملة‪ ،‬وكان رقيقا مرهفا في تعاطيه مع زمالئه‬
‫والناس أجمعين‪ ،‬عاملهم بحسن األخالق‪ ،‬ال يحابي أحدا من تالميذه‬

‫‪47‬‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫والراغبين في حضور درسه بل قبل الجميع وأحبهم‪ .‬وكان أبا ألبنائه‪ ،‬ومربيا‬
‫ملريديه‪ ،‬ومعلما وشيخا لتالميذه‪ ،‬يساعدهم على ما يحتاجون إليه من كل‬
‫ش يء ويكرمهم ويجلهم غاية اإلجالل وكان يقول كثيرا لتالميذه‪ :‬مرحبا‬
‫بوصية رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬

‫‪ ‬أخالقه مع الضيوف‪:‬‬
‫ورده ورد املعاملة‪ ،‬حبه لربه يجعله يحب جميع خلقه‪ ،‬عاملهم‬
‫بإحسان واستقبلهم بفرح وسرور‪ .‬قال الشيخ أحمد سعد عن حسن‬
‫أخالق أبيه مع الضيوف‪ :‬إنني ال أذكر كم قال لي من محبيه أنهم قد دخلوا‬
‫وزاروا غرفة أبي‪ ،‬واستقبلهم أحسن استقبال وقدم لهم الطعام‬
‫والشراب‪ ،‬هذا من أخالقه الكريمة‪ ،‬عامل الجميع بحسن وال يحابي أحدا‪.‬‬

‫‪ ‬أخالقه مع العمال‪:‬‬
‫انظر إلى جميل أخالقه وانظر إلى غزير علمه من هو وما هو! إنه‬
‫من كبار علماء الحديث هذا العصر‪ ،‬وأحد رجال هللا من عباده‪ ،‬ولكن‬
‫بعلو مقامه ورفعة منزلته اليزداد منه إال تواضعا وانكسارا لربه جل‬
‫جالله‪.‬‬
‫فحب الشيخ للعمل يجعله يحب أهله؛ ألن الرزق املبارك نبع من‬
‫العمل املبارك‪ ،‬وعمل الرجل بيده هو من أحب األعمال إلى هللا تعالى‪ ،‬وقد‬
‫أحبه رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وكذا حسن معاملته مع الغير ال‬
‫يحد‪ ،‬فقد أحسن املعاملة على أسرته وزمالئه وطالبه وضيوفه‪ ،‬وهذا‬
‫األخير حسن معاملته مع العمال‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫كان رحمه هللا تعالى خلوقا كريما؛ إذا جاء العمال إلى بيته ليصلح‬
‫شيئا‪ ،‬أو يدهن جدرانه قام رحمه هللا تعالى في إكرامهم بنفسه‪ ،‬حضر لهم‬
‫الشراب واألطعمة‪ ،‬يحدثهم بكل بساطة وشفقة‪ ،‬عاملهم كأنهم أصدقاؤه‬
‫حتى ال يفرق بينهم ش يء‪ ،‬وال يوجد بينهم إال املحبة واملودة‪ ،‬حدثهم كل ما‬
‫يحبون فيأنس العمال بحديثه وتأثروا‪ .‬هكذا كان رجال هللا يعاملون‬
‫الخلق معاملة الحق‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫الفصل الخامس‬
‫عقيدته ومذهبه ومشربه‬
‫وسمعت شيخنا العالمة الفقيه الشيخ عبد العزيز الشهاوي (شيخ‬
‫الشافعية) بالجامع األزهر الشريف يقول عن فضل التفقه في الدين وتصفية‬
‫القلوب من األدران األوزار ناقال عن قول اإلمام األعظم الشافعي رض ي هللا عنه‪:‬‬
‫فقيها وصوفيا فكن ليس واحدا *** فإني وحق اَّلل إياك أنصح‬
‫فذلك قاس لم يذق قلبه تقى *** وهذا جهول كيف ذو الجهل يصلح‬

‫كان الشيخ على عقيدة أهل السنة والجماعة‪ ،‬وقد غرس في تالميذه‬
‫العقيدة الصحيحة التي عليها السلف الصالح من األمة‪ ،‬وكان شافعي املذهب‬
‫ومتمسكا به ولكن اليتعصب له‪.‬‬
‫فقد كان يعظم أئمة املذاهب املجتهدين‪ ،‬ومن تعظيمه لهم؛ كان إذا نقل‬
‫عن أقوالهم في فتاواه عن مسألة‪ ،‬ذكر أسماءهم بالسيادة مثل "‪...‬عند سادات‬
‫األحناف ومالك كذا‪ "،‬وكان واسع النظر في الفقه‪ ،‬وقد أفتى بأقوال العلماء املعتبرين‬
‫في املذاهب األخرى حتى تتسع فكرة الطالب ومعرفتهم في آراء األئمة‪ .‬وكان حريصا‬
‫على سهولة العبارة حتى يفهمها الكبير والصغير‪.‬‬
‫وقد نشأ الشيخ في بيئة روحانية عالية وعض بالنواجذ على خدمة مشايخه‬
‫وقت شبابه وظفر بالقبول واملدد املوصول‪ ،‬وقد أحب التصوف وأهله منذ شبابه‬
‫وعاصر أئمة التصوف في عصره مثل‪ :‬الشيخ نجم الدين الكردي‪ ،‬والشيخ محمد‬
‫زكي الدين إبراهبم‪ ،‬والشيخ صالح الجعفري‪ ،‬والشيخ أحمد رضوان‪ ،‬والشيخ محمد‬
‫خليل خطيب‪ ،‬وغيرهم من األولياء الصالحين‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫وقد الزمهم بالكمال ونهض في خدمتهم غاية اإلجالل‪ .‬تربى على الرجال ونال‬
‫منهم الجمال والجالل‪ .‬وقال اإلمام أبو مدين الغوثي في أحد أبياته من البحر الطويل‬
‫مبينا عن فضل خدمة الرجال‪:‬‬
‫وقدم الجد وانهض عند خدمته *** عساه يرض ى وحاذر أن يكون ضجرا‬
‫ففي رضاه رض ى الباري وطاعته *** يرض ى عليك وكن من تركه حذرا‪1‬‬

‫سلك ا لشيخ في الطريقة النقشبندية حيث أخذها عن اإلمام املحدث الكبير‬


‫املرشد القدير العارف باهلل الشيخ نجم الدين محمد أمين الكردي النقشبندي‪،‬‬
‫وهو من أئمة التصوف في عصره‪ .‬وقد تردد عليه وجالسه في مجالسه في شبرا‬
‫ليسمع منه الدرس ويشهد منه األخالق‪.‬‬
‫وكان الشيخ يسير على حق واستقامة ويسلك طريق القوم في حسن‬
‫املسالك‪ ،‬وقد استفاد منه العلوم النافعة واألخالق الكريمة حتى ظل الشيخ عالمة‬
‫خلوقا رؤوفا باملؤمنين محبا للتصوف وأهله كما سار العلماء والزاهدون‪.‬‬

‫‪ 1‬ص ‪ 53 :‬ط‪ :‬دار الكتب العلمية من كتاب عنوان التوفيق في آداب الطريق لسيدنا اإلمام الشيخ ابن عطاء هللا‬
‫السكندري رض ي هللا عنه‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫الفصل السادس‬
‫ومن جواهركالمه ونصائحه‬
‫ال بد للمؤمن أن يكون له ورد يومي من القرآن الكريم‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫القرآن الكريم أعلى مقامات الذكر هلل تعالى‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫ذكر هللا تعالى مطلوب من العبد في كل وقت وحين‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫ذكر هللا له أنواع متعددة؛ الصالة ذكر‪ ،‬قال تعالى ‪﴿ :‬وأقم الصالة‬ ‫‪‬‬
‫لذكري﴾ أي لتذكرني بها أو ألذكرك بها‪ ،‬فالصالة ذكر‪ ،‬والتسبيح‬
‫والتحميد والتهليل كل ذلك من مقامات الذكر العظيمة املطلوبة من‬
‫اإلنسان‪.‬‬
‫املطلوب من اإلنسان أن يكون مع هللا باستمرار في خلوته وجلوته‪ ،‬وفي كل‬ ‫‪‬‬
‫حال من أحواله أن يكون ذاكرا هلل تعالى‪.‬‬
‫الكمال في العبادة الجمع بين الخوف والرجاء‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫إفراط الرجاء يورث طول األمل وإفراط الخوف يورث اليأس‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫القلب هو موضع نظر الرب تعالى‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫في أية ‪ ﴿ :‬يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من‬ ‫‪‬‬
‫قبلكم لعلكم تتقون﴾ هذا نداء خاص للمؤمنين‪ ،‬وثمرات الصوم هو‬
‫التقوى‪ ،‬والتقوى هو أن تجعل بينك وبين غضب هللا تعالى وقاية‪ ،‬كما قال‬
‫بعضهم‪:‬‬

‫‪52‬‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫*** وكبيرها فهو التقى‬ ‫خل الذنوب صغيرها‬


‫*** ض الشوك يحذر ما يرى‬ ‫كن فوق ماش فوق أر‬
‫*** إن الجبال من الحص ى‬ ‫ال تحقرن صغيرة‬

‫وتبعية النبي صلى هللا عليه وسلم إنما تكون باتباع سنته قال تعالى‪﴿ :‬فمن‬ ‫‪‬‬
‫تبعني فإنه مني﴾‪.‬‬
‫العلم نور يقذفه هللا تعالى في قلب العبد‪ ،‬عن معاوية رض ي هللا عنه قال‬ ‫‪‬‬
‫سمعت النبي صلى هللا عليه وسلم يقول‪« :‬من يرد اَّلل به خيرا‬
‫يفقهه في الدين‪ »...‬وهللا جل جالله هو الذي يفقه في الدين‪.‬‬
‫العلم رزق من عند هللا تعالى‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫من مقومات طالب العلم‪ :‬العمل بالعلم‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫املحافظة على العبادة سبيل لثبات العلم ونور البصر والبصيرة‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫إذا أغلقت عليك مسألة من املسائل‪ ،‬فقم وتوضأ وصل هلل ركعتين‪ ،‬وإن‬ ‫‪‬‬
‫كنت متعبا فاسترح ثم اقرأ هذه املسألة بانكسار وتواضع يفسح هللا لك‬
‫طلب العلم‪ ،‬واملسائل تحتاج إلى املراجعة‪.‬‬
‫ومما يعين في طلب العلم طلب الدعاء من الصالحين‪ ،‬وأول من تطلب‬ ‫‪‬‬
‫الدعاء هم أبواك‪.‬‬
‫العلم هو ميراث النبوة‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫يتقدم الناس ويرقون عند هللا بالعلم واملعرفة‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪53‬‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫‪ ‬العمل بالنية له ثالث درجات‪:‬‬


‫‪ .1‬العمل خوفا من هللا‪ :‬عمل العبيد‬
‫‪ .2‬العمل طلبا لثواب هللا تعالى‪ :‬عمل التجار‬
‫‪ .3‬العمل هلل تعالى ألنه أهل ألن يعبد‬
‫‪ ‬النية هي معيار العمل وهي امليزان ألعمالك‪ ،‬هل لها قيمة أم هي فارغة عنها‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫الفصل السابع‬
‫قالوا عن الشيخ ‪1‬‬

‫‪ ‬فضيلة العالمة املحدث الشيخ أحمد معبد عبد الكريم‪:‬‬


‫درست معه سنتين في مرحلة املاجستير بعد أن حصلت على املاجستير في‬
‫التفسير وعلومه‪ ،‬هذه الصحبة ال يتسع الكالم عنها ألنه رجل يعبر عن‬
‫نفسه بأفعاله ال بأقواله‪ .‬والكالم في شأنه نحن مأمورون به في حديثه‬
‫صلى هللا عليه وسلم ‪« :‬أذكروا محاسن موتاكم‪ ،‬كلنا وكالمنا واجتماعنا‬
‫منطلق من هذا الحديث‪».‬‬
‫ويقول عنه أيضا في رثائه‪:‬‬
‫كان الرجل نعم الصديق ونعم الصاحب ونعم العالم‪ ،‬الذي جمع بين‬
‫العلم والخلق والعبادة والصالح‪ ،‬وهو رحمه هللا ترك فراغا ال يسده غيره‪.‬‬
‫‪ ‬العالمة اللغوي الشيخ فتحي عبد الرحمن الحجازي‬
‫الشيخ سعد كان ال يتكلم كثيرا وإنما يقول على قدر ما يقول وكان رحمه‬
‫هللا تعالى ساكنا‪ ،‬وسمعت الشيخ صالح الجعفري يقول‪ :‬هؤالء الرجال ال‬
‫يتكلمون كثيرا بلسانهم‪ ،‬بل يتكلمون بإشاراتهم‪.‬‬
‫وقال لي أحد‪ :‬أن الشيخ سعد كان إذا مش ى كأنك ال ترى أحدا لسكوته‬
‫وهدوئه‪ ،‬مع حمله لنور رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬ألن كالم النبي‬
‫صلى هللا عليه وسلم نور‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬قد جاءكم من اَّلل نور وكتاب‬
‫مبين﴾ ومعنى هذا كان رحمه هللا تعالى يحمل نور رسول هللا في كالمه‬
‫ويحمل نور بيان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم في صدره‪ ،‬وترى هذا منه‬
‫على لسانه في كل مقال‪.‬‬

‫‪ 1‬وهذه األقوال كلها مأخذة من حفل التأبين للشيخ سعد جاويش بزاوية البيت املحمدي باملقطم (‪ 2019/9/5‬م)‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫‪ ‬العالمة الفقيه الشيخ عبد العزيز الشهاوي‪ :‬وللشيخ سعد جاويش بشرى‬
‫وله بشارة عظيمة وهي‪ :‬قراءة صحيح اإلمام البخاري‪ ،‬قام رحمه هللا تعالى‬
‫بحفظ الوحي الثاني وهو السنة املطهرة‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬وما ينطق عن الهوى‬
‫إن هو إال وحي يوحى﴾ بحفظه للوحي الثاني وكتاب هللا تعالى وبختام حياته‬
‫بصحيح البخاري‪ ،‬قال العلماء‪ :‬قراءة البخاري هو شفاء وقال العلماء في‬
‫فضل قراءة كتاب الشفا للقاض ي عياض‪ :‬من لم يقرأ الشفا لم يعرف‬
‫حقوق املصطفى‪ ،‬وقراءة الشفا أيضا شفاء‪ .‬والشفاء يكون من األمراض‬
‫والتطهير وإزالة لكل األمراض الحسية واملعنوية‪ .‬وهللا سبحانه وتعالى كرم‬
‫له رحمه هللا وأراد له الخير بأن يختم حياته بقراءة صحيح اإلمام البخاري‬
‫ليكون له شفاء وتطهيرا لباطنه‪.‬‬
‫وقال حفظه هللا للفقير عن الشيخ في مناسبة أخرى‪ :‬إن الشيخ سعد‬
‫جاويش رحمه هللا تعالى رجل طيب‪.‬‬
‫‪ ‬العالمة الشيخ إبراهيم الهدهد‪ :‬كان الشيخ الولي من الصالحين لذا جعل‬
‫هللا له هذا الود‪ ،‬وهو من البشرى قال تعالى‪﴿ :‬لهم البشرى في الحياة‬
‫الدنيا﴾ أي كل البشرى وهي البشرى الحقيقية بأن يبشر الرجل في‬
‫خاتمته‪ ،‬أحسبه رض ي هللا عنه قد لقي هللا تعالى بقلب سليم‪ ،‬وأنه من‬
‫أصحاب القلوب السليمة وهم في األمة نادرون قلة‪.‬‬
‫وأحسب هذا الرجل كان هللا يسكن قلبه أي رحمته‪ ،‬وإذا سكن هللا قلب‬
‫عبد فإن قلب العبد ال يتسع ألحد بعد هللا‪ ،‬كان يمش ي بين الناس وال يرى‬
‫الناس‪ ،‬وال يرى هذه الدنيا‪ ،‬وال يلتفت لش يء فيها‪ ،‬وكان أحرص الناس على‬
‫القيام بواجبه‪ ،‬ويقوم بحق الواجب‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫ويبدو أنه يكثر كثيرا من دعوة القرآن قال تعالى في دعاء سيدنا إبراهيم‬
‫عليه السالم ﴿واجعل لي لسان صدق في اآلخرين﴾‪.‬‬
‫وكان نورا يوشع في وجه كل من رآه وال يرى نور الصالحين إال من كان‬
‫صالحا‪ ،‬فرحمه هللا إن شاء هللا عند مقعد صدق عند مليك مقتدر‪ .‬وكان‬
‫رحمه هللا تعالى عاش حياته يصدق كل أحد وال يكذب أحدا‪ ،‬والناس‬
‫جميعا عنده صادقون‪ ،‬كل من قال له شيئا إما أن يؤمن على كالمه أو أن‬
‫يسكت‪ ،‬وهذا ش يء عجيب ليس كطبائع أنفس البشر‪.‬‬
‫‪ ‬الشيخ محمد عبد الصمد مهنا‪ :‬والشيخ سعد جاوش رحمه هللا تعالى هو‬
‫العالم العابد الولي الصالح التقي النقي مهموم القلب‪ ،‬وقد بارك هللا له في‬
‫عمره آمادا وأمدادا‪ ،‬ورزقه التوفيق في استعمال األوقات في األعمال‬
‫الصالحات‪ ،‬والرياضات واملجاهدات‪ ،‬كان رحمه هللا تعالى قليل الكالم‪،‬‬
‫طويل الصمت‪ ،‬دائم الفكر‪ ،‬كما قال اإلمام ابن عطاء هللا السكندري ‪ :‬ما‬
‫نفع القلب ش يء مثل عزلة يدخل بها ميدان فكرة‪ ،‬وهذا شأن أهل هللا‪.‬‬
‫وقد شاء هللا تعالى أن يمد في عمره حتى يختم صحيح اإلمام البخاري وقد‬
‫كان كما سأل وهذا من دليل قبوله‪ .‬وكان رحمه هللا تعالى معرضا عن دنيا‬
‫الناس مشغوال بأمر نفسه‪ ،‬له من أمره مع ربه شأن يغنيه‪ ،‬كما قالوا ‪ :‬إن‬
‫أردت أن يكون لك عز ال يفنى‪ ،‬فال تستعزن بعز يفنى‪ ،‬و العطاء من الخلق‬
‫حرمان‪ ،‬واملنع من هللا إحسان‪ .‬وكلنا نعلم كم كان رحمه هللا تعالى من‬
‫األخفياء‪ ،‬الذين ال يعرفهم إال أهل الباطن والبصيرة‪ ،‬فمن وفقه هللا تعالى‬
‫إلى طلبه ومعرفته والوصول للعلم به وألوليائه كما قال سيدي ابن عطاء‬
‫هللا السكندري ‪ :‬سبحان من لم يجعل الدليل على أوليائه إال من‬
‫حيث الدليل عليه ولم يوصل إليهم إال من أراد أن يوصله إليه‪ ،‬وكان رحمه‬

‫‪57‬‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫هللا من أهل الخشية من العلماء‪ ،‬قال هللا تعالى‪﴿ :‬إنما يخش ى‬


‫اَّلل من عباده العلماء﴾‪ ،‬وكان رحمه هللا متواضعا ليس تواضعه لرؤية‬
‫الناس لنفسه وإنما هو عن شهود ربه‪ ،‬وكان في تواضعه يرى نفسه دون ما‬
‫تواضع عنه‪ ،‬وهكذا كان رحمه هللا ليس لنفسه حظوظ وإنما موافقة ربه‬
‫في املشهد واملغيب والكالم عنه يطول فرحمه هللا تعالى رحمة واسعة‪.‬‬
‫‪ ‬الشيخ يسري جبر الحسني‪ :‬وكان يتصف رحمه هللا تعالى بالحلم واألناة وال‬
‫يجادل أحدا مهما اختلف معه في الرأي‪ ،‬ويتركه بأدب وال يماري كثيرا‪،‬‬
‫يعرف الحق دون اإللحاح وهذه من الصفات اللطيفة التي جعلت أعداءه‬
‫قليلة‪ ،‬أي ال تجد له األعداء حتى من خالفوه في الرأي‪ ،‬فتصور حين تلقى‬
‫هللا وليس بينك وبين أحد شحنة فهذه كرامة فوق كرامة العلم‪ ،‬وكان‬
‫يتصف بهذه الصفة ال يحب التشاحن وال التباغض ولو كان على الحق‪،‬‬
‫تعلمنا منه الصوت الخفيت وعدم حب الكالم‪ ،‬فهذه الصفات من الورثة‬
‫النبوية الشريفة‪ ،‬وكان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يحب ذلك‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫الفصل الثامن‬
‫وفاته‬
‫وتوفي هذا الولي الصالح صباح يوم األحد ‪ 15‬من سبتمبير ‪ 2019‬م املوافق‬
‫بـ ‪ 16‬من املحرم ‪ 1441‬ه في بيته بالحي السابع‪ ،‬مدينة نصر‪ ،‬القاهرة عن عمر‬
‫يناهز‪ 79‬سنة بعد أن ختم صحيح البخاري كامال مع تالميذه قبل أيام وفاته‬
‫بأسبوعين‪.‬‬
‫وبعد أيام من فراغه لقراءة صحيح اإلمام البخاري عقد حفلة الختام‬
‫وحضر فيها العالمة الشيخ أحمد معبد عبد الكريم وابنه الشيخ محمد أحمد معبد‬
‫وعشرات من طالبه من مصر وخارجها وقام على ضيافتهم بنفسه‪ ،‬وفي نهاية الجلسة‬
‫شعر الشيخ بمرض شديد يمنعه عن حضور املجلس وطلب إلى زميله الشيخ أحمد‬
‫معبد عبد الكريم أن يستقبل الحاضرين‪ ،‬ويجيزهم في كتاب الصحيح البخاري‬
‫ويطلب منهم الدعاء لشفائه‪ ،‬إال أنه قد وافته املنية فانتقل إلى جوار ربه‪.‬‬
‫وقد شيعه اآل الف من املحبين وطلبة العلم في الجامع األزهر الشريف‪ ،‬وقد‬
‫بكى طالبهم بكاء الحبيب لفراق محبوبه‪ ،‬فرحم هللا شيخنا رحمة واسعة وأسكنه‬
‫فسيح جناته‪ ،‬ورفع درجته وجعله مع الذين أنعم هللا عليهم من النبيين والصديقين‬
‫والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫في رثاء سيدي األستاذ الدكتور سعد جاويش رحمه هللا ورض ي عنه للشيخ محمد‬
‫محمود علي األزهري‬

‫*** بحديث خير األنبياء مبشرا‬ ‫ال زال صوتك في املدائن والقرى‬
‫فاسق القلوب بقول أحمد يشفنا *** قال البخاري وابن حنبل أخبرا‬
‫*** يحى ينقح واملديني فسرا‬ ‫أهل الحديث مصونة أعراضهم‬
‫*** سلم املداد وكل شيخ سطرا‬ ‫ماتوا وعاش الناس يرووا قولهم‬
‫*** وابن املبارك للخوافي أظهرا‬ ‫عني ابن ماجة بالحديث وبالكنى‬
‫*** عذبا ذالال بالعبير تبخرا‬ ‫ومعاذ يروي من حديث محمد‬
‫*** ياسعد صوتا كالليوث مذمجرا‬ ‫واقرأ موطأ مالك وارفع به‬
‫*** يا خير من خدم النبي فنورا‬ ‫وهللا يا أهل الحديث نحبكم‬
‫*** من نور وجهك نوره قد فجرا‬ ‫اقبل رسول هللا سعدا إنه‬
‫*** ومن املآذن صوت ثكلى لو جرى‬ ‫جدران أزهرنا تصيح بحرقة‬
‫*** نحظى بكأس من صفاء قدرا‬ ‫يا سعد غن لنا حديثا علنا‬
‫*** إنا الحديث لنعم نعم املشترى‬ ‫يا سعد فزت بلفظ قال محمد‬

‫‪60‬‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫الخاتمة‬
‫ويقول العبد الفقير املعترف بالذنب والتقصير أدي رزال كونتشورو ناقال‬
‫عن قول اإلمام أبي مدين الغوثي رض ي هللا عنه‪:‬‬
‫من لي وأني ملثلي أن يزاحمهم *** على موارد لم آلف بها كدرا‬
‫*** بمهجتي وخصوصا منهم نفرا‬ ‫أحبهم وأدارهم وأوثرهم‬

‫فرض ي هللا عن األولياء الصالحين والعلماء العاملين وعن شيخنا الشيخ‬


‫سعد رزق جاويش الحسيني‪ ،‬وهللا أسأل أن يتقبل هذا العمل ويجعله خالصا‬
‫لوجهه سبحانه‪ ،‬اللهم توفنا مسلمين‪ ،‬وأحينا مسلمين‪ ،‬وألحقنا بالصالحين‪ ،‬وصلى‬
‫هللا على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وأمته‪.‬‬

‫الفقير إلى عفو مواله الغني‬


‫أدي رزال كونتشورو املاديوني اإلندونيس ي‬

‫‪61‬‬
‫إتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش‬

‫فهرس املوضوعات‬

‫إهداء ‪ ....................................................................................................................................‬أ‬
‫كلمة الدكتور أحمد سعد رزق جاويش ‪-‬حفظه هللا تعالى‪........................................ -‬ب‬
‫املقدمة ‪1 ........................................................................................................‬‬
‫الفصل األول‪ :‬الشيخ سعد جاويش؛ اسمه ونسبه وذريته ‪5 ................................‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬مولده ونشأته ‪7 ........................................................................‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬رحالته العلمية ‪9 .....................................................................‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬عبادته وزهده وأخالقه ‪40.........................................................‬‬
‫الفصل الخامس‪ :‬عقيدته ومذهبه ومشربه ‪50..................................................‬‬
‫الفصل السادس‪ :‬ومن جواهر كالمه ونصائحه ‪52.............................................‬‬
‫الفصل السابع‪ :‬قالوا عن الشيخ ‪55.................................................................‬‬
‫الفصل الثامن‪ :‬وفاته ‪59..................................................................................‬‬
‫في رثاء سيدي األستاذ الدكتور سعد جاويش رحمه هللا ورض ي عنه للشيخ محمد‬
‫محمود علي األزهري ‪60....................................................................................‬‬
‫الخاتمة ‪61......................................................................................................‬‬

You might also like