Professional Documents
Culture Documents
الفصل األول
جزء تبارك
من سورة القيامة إلى سورة االمرسالت
1
سورة القيامة
مقدمة السورة :
هذه السورة القصيرة تحشد على القلب البشري Cمن الحقائق والمؤثرات والصور Cوالمشاهد ،واإليقاعات واللمسات ،
ما ال قبل له بمواجهته وال التفلت منه ..تحشدها بقوة ،في أسلوب خاص ،يجعل لها طابعا قرآنيا مميزا .
إنها تبدأ في اآليتين األوليين منها بإيقاع عن القيامة ،وإ يقاع عن النفس ( :ال أقسم بيوم القيامة وال أقسم بالنفس
اللوامة ) ..ثم يستطرد الحديث فيها متعلقا بالنفس ومتعلقا بالقيامة ،من المطلع إلى الختام ،تزاوج بين النفس وبين
القيامة حتى تنتهي .وكأن هذا المطلع إشارة إلى موضوع السورة .
من تلك الحقائق الكبيرة التي تحشدها هذه السورة في مواجهة القلب البشري .. Cحقيقة الموت القاسية الرهيبة التي
تواجه كل حي ،فال يملك لها ردا ..وهي تتكرر Cفي كل لحظة ،ويواجهها الكبار والصغار ..واألقوياء والضعاف، C
ويقف الجميع منها موقفا واحدا ..ال حيلة .وال وسيلة .وال قوة .وال شفاعة .وال دفع .وال تأجيل ..مما يوحي
بأنها قادمة من جهة عليا ال يملك البشر معها شيئا (..كال ! إذا بلغت التراقي ،وقيل :من راق ؟ وظن أنه الفراق .
والتفت الساق بالساق ..إلى ربك يومئذ Cالمساق ) ..
ومن تلك الحقائق الكبيرة التي تعرضها السورة ،حقيقة النشأة األولى ،وداللتها على صدق الخبر بالنشأة األخرى ،
وعلى أن هناك تدبيرا في خلق هذا اإلنسان وتقديرا .. Cوهي حقيقة يكشف اهلل للناس عن دقة أدوارها Cوتتابعها في صنعة
مبدعة ،ال يقدر عليها إال اهلل ،وال يدعيها أحد ممن يكذبون باآلخرة ويتمارون فيها ( :أيحسب اإلنسان ألن نجمع
عظامه ؟ ) ثم تقول في آخرها ( :أيحسب اإلنسان أن يترك سدى ؟ ألم يك نطفة من مني يمنى ؟ ثم كان علقة فخلق
فسوى C؟ فجعل منه الزوجين :الذكر واألنثى ؟ أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى ؟ )
ومن المشاهد المؤثرة التي تحشدها السورة ،وتواجه بها القلب البشري مواجهة قوية ..مشهد يوم القيامة وما يجري
فيه من انقالبات كونية ،ومن اضطرابات نفسية ،ومن حيرة في مواجهة األحداث الغالبة حيث يتجلى الهول في صميم
الكون ،وفي Cأغوار النفس ..وذلك ردا على تساؤل اإلنسان عن يوم القيامة في شك واستبعاد ليومها المغيب ..فيجيء
الرد (:بل يريد اإلنسان ليفجر أمامه .يسأل :أيان يوم القيامة ؟ فإذا برق البصر ،وخسف القمر ،وجمع الشمس
والقمر ،يقول اإلنسان يومئذ :أين المفر ؟ كال ! ال وزر ،إلى ربك يومئذ Cالمستقر ،ينبأ اإلنسان يومئذ Cبما قدم وأخر)
..
ومن هذه المشاهد مشهد المؤمنين المطمئنين إلى ربهم ،المتطلعين إلى وجهه الكريم في ذلك الهول .ومشهد Cاآلخرين
المقطوعي الصلة باهلل ،وبالرجاء Cفيه ،المتوقعين Cعاقبة ما أسلفوا من كفر ومعصية وتكذيب (:كال ! بل تحبون
العاجلة ،وتذرون اآلخرة .وجوه يومئذ ناضرة ،إلى ربها ناظرة .ووجوه يومئذ Cباسرة ،تظن أن يفعل بها فاقرة ! )
..
وفي Cثنايا السورة وحقائقها تلك ومشاهدها Cتعترض أربع آيات تحتوي توجيها Cخاصا للرسول وتعليما له في شأن تلقي
هذا القرآن .ويبدو Cأن هذا التعليم جاء بمناسبة حاضرة في السورة ذاتها .إذ كان الرسول يخاف أن ينسى شيئا مما
يوحى إليه ،فكان حرصه على التحرز من النسيان يدفعه إلى استذكار الوحي فقرة فقرة في أثناء تلقيه ؛ وتحريك لسانه
به ليستوثق Cمن حفظه .فجاء هذا التعليم ( :ال تحرك به لسانك لتعجل به ،إن علينا جمعه وقرآنه ،فإذا قرأناه ،
فاتبع قرآنه ،ثم إن علينا بيانه ) ..جاءه هذا التعليم ليطمئنه إلى أن أمر هذا الوحي ،وحفظ هذا القرآن ،وجمعه ،
2
وبيان مقاصده ..كل أولئك موكول Cإلى صاحبه .ودوره هو ،هو التلقي والبالغ .فليطمئن باال ،وليتلق Cالوحي كامال
،فيجده في صدره منقوشا ثابتا ..وهكذا كان .
***
وهكذا يشعر القلب -وهو يواجه هذه السورة -أنه محاصر ال يهرب .مأخوذ بعمله ال يفلت .ال ملجأ له من اهلل وال
عاصم .مقدرة نشأته وخطواته في علم اهلل وتدبيره ،في النشأة األولى وفي النشأة اآلخرة سواء ،بينما هو يلهو ويلعب
ويغتر Cويتبطر ( : Cفال صدق وال صلى ولكن كذب وتولى .ثم ذهب إلى أهله يتمطى ) ..
وفي Cمواجهة تلك الحشود من الحقائق والمؤثرات واللمسات واإليحاءات يسمع التهديد الملفوف ( :أولى لك فأولى .
ثم أولى لك فأولى ) فيكون له وقعه ومعناه !
وهكذا تعالج السورة عناد هذا القلب وإ عراضه وإ صراره ولهوه .وتشعره بالجد الصارم الحازم في هذا الشأن ،شأن
القيامة ،وشأن الحياة المقدرة بحساب دقيق .ثم شأن هذا القرآن الذي ال يخرم منه حرف ،ألنه من كالم العظيم الجليل
،الذي تتجاوب جنبات الوجود بكلماته ،وتثبت في سجل الكون الثابت ،وفي Cصلب هذا الكتاب الكريم .
الدرس األول
من مشاهد يوم القيامة
اآليات من ( )15 : 1
ي ين َعلَى أَن ُّن َ
س ِّو َ ام ُه َ 3بلَى قَ ِاد ِر َ ظَان أَلَّن َن ْج َم َع ِع َنس ُ ب اإْلِ َسُ امة 2أ ََي ْح َ
س اللَّ َّو ِ
َ
ِ
ْسم ِب َّ
الن ْف ِ امة َ 1واَل أُق ُ
ْسم ِبيوِم ا ْل ِقي ِ
ََ
ِ
{ اَل أُق ُ َ ْ
س ف ا ْلقَ َم ُر َ 8و ُج ِم َع َّ
الش ْم ُ سَ ص ُر َ 7و َخ َ ام ِة 6فَِإ َذا َب ِر َ
ق ا ْل َب َ
ِ
َّان َي ْو ُم ا ْلق َي َ
سأَ ُل أَي َ
ام ُه َ 5ي َْم َ
يد اإْلِ نس ُ ِ
ان ل َي ْف ُج َر أ َ َ َب َنا َن ُه َ 4ب ْل ُي ِر ُ
ٍِ ٍِ ٍِ
ان َي ْو َمئذ ِب َما قَد َ
َّم ستَقَُّر ُ 12ي َن َّبأُ اإْلِ َ
نس ُ ان َي ْو َمئذ أ َْي َن ا ْل َمفَُّر َ 10كاَّل اَل َو َزَر 11إِلَى َر ِّب َك َي ْو َمئذ ا ْل ُم ْ َوا ْلقَ َم ُر َ 9يقُو ُل اإْلِ َ
نس ُ
ِ ِِ ِ
يرهُ } 15 يرةٌ َ 14ولَ ْو أَْلقَى َم َعاذ َ ان َعلَى َن ْفسه َبص َ َخ َر َ 13ب ِل اإْلِ َ
نس ُ َوأ َّ
-3أن يبين الدارس خصائص النفس البشرية الضالة كما وضحتها اآليات .
-4أن يصور الدارس مشاهد وأحداث يوم القيامة كما جاءت في اآليات .
-5أن يصور الدارس حال اإلنسان يوم القيامة كما صورته اآليات .
-6أن يعيش الدارس هذه المشاهد واألهوال بعقله ووجدانه ومشاعره .
-8أن يحاسب نفسه أوالَ بأول علي الصغيرة قبل الكبيرة 0
-ب ِر َ
ق :حار ولم يستقر َ
3
– المستقر :المرجع والمصير
***************************************
( ال أقسم بيوم القيامة ،وال أقسم بالنفس اللوامة) ..
هذا التلويح بالقسم مع العدول عنه أوقع في الحس من القسم المباشر .. Cوهو يتم أحسن تمام بهذا األسلوب الخاص ..ثم
تبرز من ورائه حقيقة القيامة وحقيقة النفس اللوامة ..فأما النفس اللوامة ففي التفسيرات المأثورة أقوال متنوعة عنها..
وقال جرير :وكل هذه األقوال متقاربة المعنى ،واألشبه بظاهر التنزيل أنها التي تلوم صاحبها Cعلى الخير والشر ،
وتندم Cعلى ما فات .
ونحن نختار في معنى ( النفس اللوامة ) قول الحسن البصري " : Cإن المؤمن واهلل ما تراه إال يلوم نفسه :ما أردت
بكلمتي ؟ ما أردت بأكلتي ؟ ما أردت بحديث نفسي ؟ وإ ن الفاجر يمضي قدما ما يعاتب نفسه " ..
فهذه النفس اللوامة المتيقظة التقية الخائفة المتوجسة التي تحاسب نفسها ،وتتلفت حولها ،وتتبين حقيقة هواها ،وتحذر
خداع ذاتها هي النفس الكريمة على اهلل ،حتى ليذكرها مع القيامة .
( ال أقسم بيوم القيامة ،وال أقسم بالنفس اللوامة ) ..على وقوع Cهذه القيامة .
ولكنه لما عدل عن القسم ،عدل عن ذكر المقسم به ،وجاء به في صورة أخرى كأنها ابتداء لحديث بعد التنبيه إليه بهذا
المطلع الموقظ :
( أيحسب اإلنسان أن لن نجمع عظامه ؟ بلى قادرين على أن نسوي بنانه ) ..
وقد Cكانت المشكلة الشعورية عند المشركين هي صعوبة تصورهم Cلجمع العظام البالية ،الذاهبة في التراب ،المتفرقة
في الثرى ،إلعادة بعث اإلنسان حيا ! ولعلها ال تزال كذلك في بعض النفوس إلى يومنا هذا ! والقرآن يرد على هذا
الحسبان بعدم جمع العظام مؤكدا وقوعه ( :بلى ! قادرين على أن نسوي بنانه ) ..والبنان أطراف Cاألصابع ؛
والنص يؤكد عملية جمع العظام ،بما هو أرقى Cمن مجرد جمعها ،وهو تسوية البنان ،وتركيبه في موضعه كما كان !
وهي كناية عن إعادة التكوين اإلنساني Cبأدق ما فيه ،وإ كماله بحيث ال تضيع منه بنان ،وال تختل عن مكانها ،بل
تسوى Cتسوية ،ال ينقص معها عضو وال شكل هذا العضو ،مهما صغر ودق !
ويكتفي هنا بهذا التقرير المؤكد ..إنما يخلص هنا إلى الكشف عن العلة النفسية في هذا الحسبان ،وتوقع عدم جمع
العظام ..إن هذا اإلنسان يريد أن يفجر ،ويمضي Cقدما في الفجور ،وال يريد أن يصده شيء عن فجوره ،وال أن
يكون هناك حساب عليه وعقاب .ومن ثم فهو يستبعد Cوقوع البعث ،ويستبعد Cمجيء يوم القيامة :
( بل يريد اإلنسان ليفجر أمامه .يسأل أيان يوم القيامة ؟ ) ..
4
ومن ثم كان الجواب على التهكم بيوم القيامة واستبعاد Cموعدها ،سريعا خاطفا حاسما ..وكان مشهدا من مشاهد القيامة
تشترك Cفيه الحواس والمشاعر اإلنسانية ،والمشاهد Cالكونية :
( فإذا برق البصر .وخسف القمر ،وجمع الشمس والقمر .يقول اإلنسان يومئذ أين المفر ؟ ) .
فالبصر يخطف ويتقلب سريعا سريعا Cتقلب البرق وخطفه .والقمر يخسف ويطمس Cنوره .والشمس تقترن بالقمر بعد
افتراق . Cويختل نظامهما الفلكي المعهود ،حيث ينفرط ذلك النظام الكوني الدقيق .. Cوفي وسط هذا الذعر واالنقالب ،
يتساءل اإلنسان المرعوب ( :أين المفر ؟ ) .
..وال ملجأ وال وقاية ،وال مفر من قهر اهلل وأخذه ،والرجعة إليه ،والمستقر عنده ؛ وال مستقر غيره :
( كال ! ال وزر .إلى ربك يومئذ المستقر ) ..
وما كان يرغب فيه اإلنسان من المضي في الفجور بال حساب وال جزاء ،لن يكون يومئذ ، Cبل سيكون كل ما كسبه
محسوبا ، Cوسيذكر به إن كان نسيه ،وسيؤخذ Cبه بعد أن يذكره ويراه حاضرا: C
( ينبأ اإلنسان يومئذ بما قدم وأخر ) ..بما قدمه من عمل قبل وفاته ،وبما أخره وراءه من آثار هذا العمل خيرا كان
أم شرا .
ومهما اعتذر اإلنسان بشتى المعاذير Cعما وقع منه ،فلن يقبل منها عذر ،ألن نفسه موكولة إليه ،وهو موكل بها ،
وعليه أن يهديها إلى الخير ويقودها . Cفإذا انتهى بها إلى الشر فهو مكلف بها وحجة عليها :
( بل اإلنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره ) ..
بعض ما ترشد إليه اآليات :
-1النفس اللوامة المتيقظة التقية الخائفة التي تحاسب نفسها ،وتتبين حقيقة هواها ،وتحذر خداع ذاتها هي
النفس الكريمة على اهلل ،حتى ليذكرها مع القيامة .
-2ال ملجأ وال وقاية ،وال مفر من قهر اهلل وأخذه ،والرجعة إليه ،والمستقر عنده ؛ فيجب أن نستعد
لذلك .
-3حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ( ... Cبل اإلنسان على نفسه بصيرة ) ..
التقويم
ّ -3بين خصائص النفس البشرية الضالة كما وضحتها اآليات .
5
" -9بل اإلنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره " ما وقع هذه اآلية على نفسك ؟
الدرس الثاني
" توجيه الرسول في شأن الوحي "
" من مشاهد القيامة ..ومشهد االحتضار "
اآليات من ( ) 30 : 16
سا َن َك ِلتَ ْع َج َل ِب ِه 16إِ َّن َعلَ ْي َنا َج ْم َع ُه َوقُْرآ َن ُه َ 17فِإ َذا َقرأْ َناهُ َفاتَِّب ْع قُْرآ َن ُه 18ثَُّم إِ َّن َعلَ ْي َنا َب َيا َن ُه َ 19كاَّل ِِ
{ اَل تُ َحِّر ْك ِبه ل َ
َ
اظرةٌ 23ووجوهٌ يوم ِئ ٍذ ب ِ ِ ٍِ ِ ُّون ا ْلعا ِجلَ َة 20وتَ َذر َ ِ ِ
اس َرةٌ 24 َ ُ ُ َْ َ َ ون اآْل خ َرةَ ُ 21و ُجوهٌ َي ْو َمئذ َّناضَرةٌ 22إِلَى َر ِّب َها َن َ َ ُ َب ْل تُحب َ َ
السا ِ
ق اق ِب َّ
الس ُاق َ 28وا ْلتَفَّ ِت َّ ظ َّن أ ََّن ُه ا ْل ِف َر ُ
ق َ 27و َ اق َرةٌ َ 25كاَّل إِ َذا َبلَ َغ ْت التََّر ِاقي َ 26و ِقي َل َم ْن َرا ٍ
َ
تَظُ ُّن أَن ي ْفع َل ِبها فَ ِ
ُ َ َ
ٍِ
اق } 30 س ُ 29إِلَى َر ِّب َك َي ْو َمئذ ا ْل َم َ
األهداف اإلجرائية السلوكية :
-1أن يصف الدارس حرص رسول اهلل على ضبط وحفظ القرآن .
-2أن يبين الدارس تكفل اهلل عز وجل بالقرآن حفظاً وبياناً على مر العصور واألزمان .
– تظن :تستيقن
**********************************************
تجيء اآليات األربع الخاصة بتوجيه الرسول في شأن الوحي وتلقي هذا القرآن :
( ال تحرك به لسانك لتعجل به .إن علينا جمعه وقرآنه .فإذا قرأناه فاتبع قرآنه .ثم إن علينا بيانه ) ..
6
وباإلضافة إلى ما قلناه في مقدمة السورة عن هذه اآليات ،فإن اإليحاء الذي تتركه في النفس هو تكفل اهلل المطلق بشأن
هذا القرآن :وحيا وحفظا وجمعا وبيانا C؛ وإ سناده إليه سبحانه وتعالى Cبكليته .ليس للرسول من أمره إال حمله وتبليغه
.
ثم يمضي سياق السورة في عرض مشاهد القيامة وما يكون فيها من شأن النفس اللوامة ،فيذكرهم Cبحقيقة نفوسهمC
وما يعتلج فيها من حب للدنيا وانشغال ، Cومن إهمال لآلخرة وقلة احتفال ( :كال .بل تحبون العاجلة ،وتذرون اآلخرة
) ..
( وجوه يومئذ ناضرة .إلى ربها ناظرة ) ..
إن هذا النص ليشير إشارة سريعة إلى حالة تعجز الكلمات عن تصويرها . .ذلك حين يعد الموعودين السعداء بحالة
من السعادة ال تشبهها حالة .حتى لتتضاءل إلى جوارها الجنة بكل ما فيها من ألوان النعيم ..هذه الوجوه الناضرة ..
نضرها Cأنها إلى ربها ناظرة ..فأي مستوى Cمن الرفعة هذا ؟ أي مستوى Cمن السعادة ؟
إن روح اإلنسان لتستمتع أحيانا بلمحة من جمال اإلبداع اإللهي في الكون أو النفس ..فتغمرها Cالنشوة ،وتفيض
بالسعادة ..وتتوارى عنها أشواك الحياة ،وما فيها من ألم وقبح ..وصراع Cشهوات وأهواء ..فكيف ؟ كيف بها وهي
تنظر -ال إلى جمال صنع اهلل -ولكن إلى جمال ذات اهلل ؟ ومالها ال تتنضر Cوهي إلى جمال ربها تنظر ؟
( ووجوه يومئذ باسرة ،تظن أن يفعل بها فاقرة ) .وهي الوجوه الكالحة المتقبضة التعيسة ..وهي التي يشغلها
ويحزنها ويخلع عليها البسر والكلوحة توقعها Cأن تحل بها الكارثة القاصمة للظهر ،المحطمة للفقار ..الفاقرة ..
وإ ذا كانت مشاهد القيامة ..تستمد قوتها وإ يقاعها في النفس ،من قوة الحقيقة الكامنة فيها ،وقوة األداء القرآني الذي
يشخصها Cويحييها ،فإن السورة بعد عرض تلك المشاهد تقرب وتقرب حتى تلمس حس المخاطبين بمشهد آخر حاضرC
واقع ..إنه مشهد الموت .الموت الذي ينتهي إليه كل حي ،والذي ال يدفعه عن نفسه وعن غيره حي ..الموت الذي
ال حيلة للبشر فيه وهم مع هذا ال يتدبرون القوة القاهرة التي تجريه :
( كال ! إذا بلغت التراقي ،وقيل :من راق ؟ وظن أنه الفراق ،والتفت الساق بالساق .إلى ربك يومئذ المساق
) ..
إنه مشهد االحتضار ،يواجههم به النص القرآني كأنه حاضر (.. Cكال إذا بلغت التراقي ) ..وحين تبلغ الروح
التراقي Cيكون النزع األخير ،وتكون السكرات المذهلة ،ويكون الكرب الذي تزوغ Cمنه األبصار ..ويتلفت الحاضرون
حول المحتضر يتلمسون حيلة أو وسيلة الستنقاذ الروح المكروب ( :وقيل :من راق ؟ ) لعل رقية تفيد ! ..
وتلوى Cالمكروب من السكرات والنزع ( ..والتفت الساق بالساق .. ) Cوبطلت كل حيلة ،وعجزت كل وسيلة ،
وتبين الطريق الوحيد الذي يساق إليه كل حي في نهاية المطاف ( :إلى ربك يومئذ Cالمساق ) ..
إن المشهد ليكاد يتحرك وينطق .وكل آية ترسم Cحركة .وكل فقرة تخرج لمحة .وحالة االحتضار ترتسم CويرتسمC
معها الجزع والحيرة واللهفة ومواجهة الحقيقة القاسية المريرة ،التي ال دافع لها وال راد ..ثم تظهر النهاية التي ال مفر
منها ( ..إلى ربك يومئذ المساق ).
-1تكفل اهلل المطلق بشأن هذا القرآن :وحيا وحفظا وجمعا وبيانا .
7
-2حقيقة النفس البشرية وما يعتلج فيها من حب للدنيا وانشغال بها ،ومن إهمال لآلخرة وقلة احتفال بها ..وما
يجب علينا حيال ذلك من مجاهدة النفس وحسن تهذيبها وانشغال Cباآلخرة واالستعداد لها .
-3ما يجب أن يسعى إليه المسلم في هذه الحياة أن يحقق غايته ..الفوز بالجنة والنظر Cإلي وجه اهلل الكريم 0
التقويم :
ّ -2بين تكفل اهلل عز وجل بالقرآن حفظاً وبياناً على مر العصور Cواألزمان .
" -7إن للموت لسكرات " .وضح ذلك في ضوء اآليات .
الدرس الثالث
اآليات من ( ) 40 : 31
َهِل ِه َيتَ َمطَّى 33أ َْولَى لَ َك فَأ َْولَى 34ثَُّم أ َْولَى لَ َك صلَّى َ 31ولَ ِكن َك َّذ َب َوتََولَّى 32ثَُّم َذ َه َب إِلَى أ ْ َّق َواَل َ صد َ{ فَاَل َ
س َّوى 38 ق فَ َ س ًدى 36أَلَ ْم َي ُك ُن ْطفَ ًة ِّمن َّم ِن ٍّي ُي ْم َنى 37ثَُّم َك َ
ان َعلَقَ ًة فَ َخلَ َ ان أَن ُيتَْر َك ُ ب اإْلِ َ
نس ُ سُ فَأ َْولَى 35أ ََي ْح َ
س َذِل َك ِبقَ ِاد ٍر َعلَى أَن ُي ْح ِي َي ا ْل َم ْوتَى } 40 َّ َف َج َع َل ِم ْن ُه َّ
الز ْو َج ْي ِن الذ َك َر َواأْل ُنثَى 39أَلَ ْي َ
األهداف اإلجرائية السلوكية :
*****
وفي Cمواجهة المشهد المكروب الملهوف Cالجاد الواقع يعرض مشهد الالهين المكذبين ،الذين ال يستعدون بعمل وال
طاعة ،بل يقدمون المعصية والتولي ، Cفي عبث ولهو ،وفي Cاختيال بالمعصية والتولي ( : Cفال صدق وال صلى ،ولكن
كذب وتولى ،ثم ذهب إلى أهله يتمطى ) ..
وقد Cورد أن هذه اآليات تعني شخصا معينا بالذات ،قيل هو أبو جهل "عمرو بن هشام" ..وكان يجيء أحيانا إلى
رسول اهلل يسمع منه القرآن .ثم يذهب عنه ،فال يؤمن وال يطيع ،وال يتأدب وال يخشى ؛ ويؤذي Cرسول اهلل بالقول ،
ويصد Cعن سبيل اهلل ..ثم يذهب مختاال بما يفعل ،فخورا بما ارتكب من الشر ،كأنما فعل شيئا يذكر ..والتعبيرC
القرآني يتهكم به ،ويسخر منه ،ويثير السخرية كذلك ،وهو يصور حركة اختياله بأنه ( يتمطى ! ) يمط في ظهره
ويتعاجب تعاجبا ثقيال كريها !
وكم من أبي جهل في تاريخ الدعوة إلى اهلل ،يسمع ويعرض ،ويتفنن في الصد عن سبيل اهلل ،واألذى Cللدعاة ،ويمكر
مكر السيئ ،ويتولى وهو فخور Cبما أوقع من الشر والسوء ،وبما أفسد في األرض ،وبما صد عن سبيل اهلل ،وبما
مكر لدينه وعقيدته وكاد !
والقرآن يواجه هذه الخيالء الشريرة بالتهديد والوعيد :
( أولى لك فأولى .ثم أولى لك فأولى ) ..
وهو تعبير اصطالحي Cيتضمن التهديد والوعيد ،وقد أمسك رسول اهلل بخناق أبي جهل مرة ،وهزه ،وهو يقول له :
( أولى لك فأولى . Cثم أولى لك فأولى .. ) Cفقال عدو اهلل :أتوعدني يا محمد ؟ واهلل ال تستطيع أنت وال ربك شيئا .
وإ ني ألعز من مشى بين جبليها !! فأخذه اهلل يوم بدر بيد المؤمنين بمحمد وبرب محمد القوي القهار المتكبر ..
وكم من أبي جهل في تاريخ الدعوات يعتز بعشيرته وبقوته وسلطانه ؛ ويحسبها شيئا ؛ وينسى اهلل وأخذه .حتى يأخذه
أهون من بعوضة ،وأحقر من ذبابة ..إنما هو األجل الموعود ال يستقدم لحظة وال يستأخر. C
وفي Cالنهاية يمس القلوب بحقيقة أخرى واقعية في حياتهم ،لها داللتها على تدبير اهلل وتقديره لحياة اإلنسان .ولها
داللتها كذلك على النشأة األخرى التي ينكرونها أشد اإلنكار .وال مفر من مواجهتها ، Cوال حيلة في دفع داللتها :
( أيحسب اإلنسان أن يترك سدى ؟ ألم يك نطفة من مني يمنى ؟ ثم كان علقة فخلق فسوى ؟ فجعل منه الزوجين :
الذكر واألنثى ؟ أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى ؟ ) ..
وهذا المقطع األخير العظيم اإليقاع ،يشتمل على لفتات عميقة إلى حقائق كبيرة ..وأولى هذه اللفتات تلك اللفتة إلى
التقدير والتدبير Cفي حياة اإلنسان :
( أيحسب اإلنسان أن يترك سدى ) ..
9
فلقد كانت الحياة في نظر القوم حركة ال علة لها وال هدف وال غاية ..أرحام تدفع وقبور Cتبلع ..وبين هاتين لهو
ولعب ،وزينة وتفاخر ،ومتاع قريب من متاع الحيوان ..فأما أن يكون هناك ناموس ،وراءه هدف ،ووراء الهدف
حكمة ؛ وأن يكون قدوم Cاإلنسان إلى هذه الحياة وفق قدر يجري إلى غاية مقدرة ،وأن ينتهي إلى حساب وجزاء ،وأن
تكون رحلته على هذه األرض ابتالء ينتهي إلى الحساب والجزاء ..أما هذا فكان أبعد شيء عن تصور الناس
ومداركهم ،في ذلك الزمان .
وهذا هو التصور الكبير الذي نقل القرآن الناس إليه منذ ذلك العهد البعيد ،نقلة هائلة بالقياس إلى التصورات السائدة إذ
ذاك وما تزال هائلة بالقياس إلى سائر التصورات Cالكونية التي عرفتها الفلسفة قديما Cوحديثا .
وفي Cغير تعقيد وال غموض يأتي بالدالئل الواقعة البسيطة التي تشهد بأن اإلنسان لن يترك سدى ..إنها دالئل نشأته
األولى :
( ألم يك نطفة من مني يمنى ؟ ثم كان علقة فخلق فسوى ؟ فجعل منه الزوجين الذكر واألنثى ؟ ) .
فما هذا اإلنسان ؟ مم خلق ؟ وكيف Cكان ؟ وكيف صار ؟
ألم يك نطفة صغيرة من الماء ،من مني يمنى ويراق C؟ ألم تتحول هذه النطفة من خلية واحدة صغيرة إلى علقة ذات
وضع خاص في الرحم ،تعلق بجدرانه لتعيش وتستمد الغذاء ؟ ..ثم من ذا الذي خلقها بعد ذلك جنينا معتدال منسق
األعضاء ؟ ..ثم في النهاية .من ذا الذي جعل من الخلية الواحدة ..الذكر واألنثى C؟ ..
وأمام هذه الحقيقة التي تفرض نفسها فرضا على الحس البشري ، Cيجيء اإليقاع الشامل لجملة من الحقائق التي تعالجها
السورة :
( أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى ؟ ) ..بلى ! سبحانه ! فإنه لقادر على أن يحيي الموتى !
التقويم :
-3دلل علي قدرة اهلل علي البعث والنشور Cمن خالل اآليات .
10
سـورة اإلنسـان
أخرج مسلم عن ابن عباس – رضي اهلل عنهما – أن رسول اهلل كان يقرأ في صالة الصبح يوم الجمعة " ألم تنزيل "
السجدة و " هل أتي علي اإلنسان " اإلنسان .
مقدمة السورة
السورة في مجموعها هتاف رخي ندي إلى الطاعة ،وااللتجاء إلى اهلل ،وابتغاء رضاه ،وتذكر Cنعمته ،
واإلحساس Cبفضله ،واتقاء عذابه ،واليقظة البتالئه ،وإ دراك Cحكمته في الخلق واإلنعام Cواالبتالء واإلمالء ..
وهي تبدأ بلمسة رفيقة للقلب البشري :أين كان قبل أن يكون ؟ من الذي أوجده ؟ ومن الذي جعله شيئا مذكورا في هذا
الوجود C؟ بعد أن لم يكن له ذكر وال وجود ( : Cهل أتى على اإلنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ؟ ) ..
تتلوها لمسة أخرى عن حقيقة أصله ونشأته ،وحكمة اهلل في خلقه ،وتزويده بطاقاته ومداركه ( :إنا خلقنا اإلنسان
من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا ) ..
ولمسة ثالثة عن هدايته إلى الطريق ، Cوعونه على الهدى ،وتركه بعد ذلك لمصيره الذي يختاره (:إنا هديناه السبيل إما
شاكرا وإ ما كفورا ).
وبعد هذه اللمسات الثالث الموحية ..تأخذ السورة في الهتاف لإلنسان وهو على مفرق الطريق Cلتحذيره من طريقC
النار ..وترغيبه في طريق الجنة ،بكل صور Cالترغيب ،وبكل هواتف الراحة والمتاع والنعيم Cوالتكريم ( : Cإنا
اعتدنا للكافرين سالسل وأغالال وسعيرا .إن األبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا .عينا يشرب بها عباد
اهلل يفجرونها تفجيرا ) ..
وقبل أن تمضي في عرض صور المتاع ترسم سمات هؤالء األبرار في عبارات كلها انعطاف ورقة وجمال وخشوعC
يناسب ذلك النعيم الهانئ الرغيد ..ثم تعرض جزاء هؤالء القائمين بالعزائم Cوالتكاليف ،الخائفين من اليوم العبوس
11
القمطرير ، Cالخيرين المطعمين على حاجتهم إلى الطعام ،يبتغون وجه اهلل وحده ،ال يريدون شكورا من أحد ،إنما
يتقون اليوم العبوس القمطرير .. Cتعرض جزاء هؤالء الخائفين الوجلين المطعمين المؤثرين .فإذا هو األمن والرخاء
والنعيم Cاللين الرغيد ( :فوقاهم اهلل شر ذلك اليوم ،ولقاهم نضرة وسرورا . )..
فإذا انتهى معرض النعيم اللين الرغيد المطمئن الهانئ الودود اتجه الخطاب إلى رسول اهلل لتثبيته على الدعوة -في
وجه اإلعراض والكفر والتكذيب -وتوجيهه إلى الصبر وانتظار Cحكم اهلل في األمر ؛ واالتصال Cبربه واالستمداد منه
كلما طال الطريق ( : Cفاصبر لحكم ربك وال تطع منهم آثما أو كفورا .واذكر اسم ربك بكرة وأصيال ،ومن الليل
فاسجد له وسبحه ليال طويال ) ..
ثم تذكيرهم باليوم Cالثقيل الذي ال يحسبون حسابه ؛ والذي يخافه األبرار ويتقونه ،والتلويح لهم بهوان أمرهم على
اهلل ،الذي خلقهم ومنحهم Cما هم فيه من القوة ،وهو قادر Cعلى الذهاب بهم ،واإلتيان بقوم آخرين ؛ لوال تفضله عليهم
بالبقاء ،لتمضي مشيئة االبتالء .ويلوح لهم في الختام بعاقبة هذا االبتالء ( :إن هؤالء يحبون العاجلة ويذرون
وراءهم يوما ثقيال .نحن خلقناهم وشددنا أسرهم وإ ذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديال .إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى
ربه سبيال .وما تشاءون إال أن يشاء اهلل ،إن اهلل كان عليما حكيما .يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم
عذابا أليما ) ..
الدرس األول
اآليات من ( ) 4: 1
اج َّن ْبتَِل ِ ان ِمن ُّن ْطفَ ٍة أ َْم َ ان ِح ٌ
يه َف َج َع ْل َناهُ ش ٍ ورا 1إِ َّنا َخلَ ْق َنا اإْلِ َ
نس َ َّه ِر لَ ْم َي ُكن َ
ش ْي ًئا َّم ْذ ُك ً ين ِّم َن الد ْ نس ِ { َه ْل أَتَى َعلَى اإْلِ َ
ين ساَل ِساَل وأَ ْغاَل اًل و ِ اكرا وإِ َّما َكفُورا 3إِ َّنا أ ْ ِ ِ الس ِبي َل إِ َّما َ ِ
يرا 2إِ َّنا َه َد ْي َناهُ َّ ِ ِ
يرا } 4 سع ً َ َ َ َعتَ ْد َنا ل ْل َكاف ِر َ َ ً ش ً َ يعا َبص ً
سم ً َ
األهداف االجرائية السلوكية :
أن يبين الدارس بداية خلق اإلنسان ( أطوار خلق اإلنسان ) كما بينتها اآليات . -1
المفردات :
-أمشاج :المشج والمشيج الشيء المختلط بعضه في بعض قال ابن عباس :ماء الرجل وماء المرأة إذا اجتمعا
واختلطا Cثم ينتقل بعد ذلك من طور Cإلي طور. C
– نبتليه :نختبره
12
******
( هل أتى على اإلنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ؟ ) ..
هذا االستفهام في مطلع السورة إنما هو للتقرير ؛ ولكن وروده في هذه الصيغة كأنما ليسأل اإلنسان نفسه :أال
يعرف أنه أتى عليه حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ؟ ثم أال يتدبر هذه الحقيقة ويتمالها C؟ ..إنها إيحاءات كثيرة
تنبض من وراء صيغة االستفهام في هذا المقام .
..ينتهي منها القلب إلى الشعور بالقصد والغاية والتقدير ،في المنشأ وفي الرحلة وفي Cالمصير .
فأما امتداد هذا اإلنسان بعد ذلك وبقاؤه فكانت له قصة أخرى :
( إنا خلقنا اإلنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا ) ..
واألمشاج :األخالط .وربما Cكانت هذه إشارة إلى تكون النطفة من خلية الذكر وبويضة األنثى بعد التلقيح .وربماC
كانت هذه األخالط تعني الوراثات الكامنة في النطفة ،والتي يمثلها ما يسمونه علميا "الجينات" وهي وحدات الوراثة
الحاملة للصفات المميزة لجنس اإلنسان أوال ولصفات الجنين العائلية أخيراً .وإ ليها يعزى سير النطفة اإلنسانية في
رحلتها لتكوين جنين إنسان ،ال جنين أي حيوان آخر .كما تعزى إليها وراثة الصفات الخاصة في األسرة ..ولعلها
هي هذه األمشاج المختلطة من وراثات شتى ..
خلقته يد القدرة هكذا من نطفة أمشاج ،ال عبثا وال جزافا Cوال تسلية ،ولكنه خلق ليبتلي ويمتحن ويختبر ..ومن ثم
جعله سميعا بصيرا Cأي زوده بوسائل اإلدراك ،ليستطيع التلقي واالستجابة .وليدرك األشياء والقيم ويحكم عليها
ويختار C.ويجتاز Cاالبتالء وفق Cما يختار ..
ثم زوده إلى جانب المعرفة ،بالقدرة على اختيار الطريق ، Cوبين له الطريق Cالواصل .ثم تركه ليختاره ،أو ليضل
ويشرد Cفيما وراءه من طرق ال تؤدي Cإلى اهلل :
( إنا هديناه السبيل :إما شاكرا وإ ما كفورا ) ..
وعبر عن الهدى بالشكر .ألن الشكر أقرب خاطر يرد على قلب المهتدي ..الشكر هو الخاطر األول الذي يرد على
قلب المؤمن في هذه المناسبة .فإذا لم يشكر فهو الكفور ..بهذه الصيغة الموغلة في الداللة على الكفران .
ومن ثم يأخذ في عرض ما ينتظر اإلنسان بعد االبتالء ،واختياره طريق Cالشكر أو طريق Cالكفران ..فأما ما ينتظر
الكافرين ،فيجمله إجماال:
( إنا أعتدنا للكافرين سالسل وأغالال وسعيرا ) ..سالسل لألقدام ،وأغالال لأليدي ،ونارا Cتتسعر يلقى فيها
بالمسلسلين المغلولين !
بعض مما ترشد إليه اآليات :
-1أن يتدبر اإلنسان حقيقة خلقه ويستشعر قدرة اهلل العظيمة عليه ..ينتهي منها القلب إلى الشعور بالقصد والغاية
وأنه في دار ابتالء .
-2أن يدرك نعمة اهلل علي اإلنسان أن زوده بوسائل المعرفة وبصره بالطريق الموصل إلي اهلل وأعطاه القدرة
علي اختيار الطريق0 C
التقويم :
-1أشارت اآليات األولي إلي شيء من االعجاز العلمي في خلق اإلنسان وضح ذلك 0
13
-2ما وسائل المعرفة التي زود اهلل بها اإلنسان ؟ وما مظاهر تكريم Cاهلل لإلنسان من خالل هذه السورة ؟
( -4اإلنسان ..خلقته يد القدرة هكذا من نطفة أمشاج ،ال عبثا وال جزافا Cوال تسلية ،ولكنه خلق ليبتلي ويمتحن
ويختبر ) ...هل تستشعر هذا المعنى في نفسك من خالل معايشتك Cلآليات ؟
الدرس الثاني
صفات األبرار ..وما أعده اهلل لهم من نعيم الجنة
اآليات من ( ) 22 : 5
ون ِب َّ
النذ ِ
ْر يرا ُ 6يوفُ َ ِ شرب ِبها ِعب ُ َّ ِ ْس َك َ ِ ون ِمن َكأ ٍ { إِ َّن اأْل َْب َر َار َي ْ
اد الله ُيفَ ِّج ُرو َن َها تَ ْفج ً ورا َ 5ع ْي ًنا َي ْ َ ُ َ َ اج َها َكافُ ً ان م َز ُ ش َر ُب َ
يرا 8إِ َّن َما ُن ْط ِع ُم ُك ْم ِل َو ْج ِه اللَّ ِه اَل ِ
يما َوأَس ً
ِ ون الطَّعام علَى ح ِّب ِه ِم ِ
سكي ًنا َو َيت ًْ ََ َ ُ يرا َ 7و ُي ْط ِع ُم َ ش ُّرهُ م ِ
ستَط ً ان َ ُ ْ ون َي ْو ًما َك َ َو َي َخافُ َ
ضَرةً اه ْم َن ْ ش َّر َذِل َك ا ْل َي ْوِم َولَقَّ ُ اه ُم اللَّ ُه َط ِر ًيرا 10فَ َوقَ ُ وسا قَ ْم َ ش ُكورا 9إِ َّنا َن َخ ُ ِ
اف من َّر ِّب َنا َي ْو ًما َع ُب ً يد من ُك ْم َج َزاء َواَل ُ ً
ُن ِر ُ ِ
ِ ِِ اهم ِبما صبروا ج َّن ًة وح ِريرا 12متَّ ِك ِئ َ ِ
يرا 13 سا َواَل َز ْم َه ِر ً ش ْم ًيها َ يها َعلَى اأْل ََرائك اَل َيَر ْو َن ف َ ين ف َ ُ ورا َ 11و َج َز ُ َ َ َ ُ َ َ َ ً س ُر ً َو ُ
ير ِمن يرا 15قَ َو ِ
ار َ ار َ اب َكا َن ْت قَ َو ِ آني ٍة ِّمن ِفض ٍ
َّة َوأَ ْك َو ٍـ ِ
اف َعلَ ْي ِهم ِب َ ط َُو َد ِان َي ًة َعلَ ْي ِه ْم ِظاَل لُ َها َو ُذلِّلَ ْت قُطُوفُ َها تَذِْلياًل َ 14و ُي َ
س ِبياًل َ 18و َيطُ ُ ِ وها تَ ْق ِديرا 16ويسقَو َن ِفيها َكأْسا َك َ ِ ِ ٍ
وف َعلَ ْي ِه ْم س ْل َس َّمى َ يها تُ َ نج ِبياًل َ 17ع ْي ًنا ف َ اج َها َز َ ان مَز ُ َ ً َُ ْ ْ ً َّر َ فضَّة قَد ُ
ِ ِ ِ ِ ان ُّم َخلَّ ُد َ
سند ٍ سُ اب ُ يرا َ 20عال َي ُه ْم ث َي ُ يما َو ُم ْل ًكا َك ِب ً
ورا َ 19وإِ َذا َرأ َْي َت ثَ َّم َرأ َْي َت َنع ً ون إِ َذا َرأ َْيتَ ُه ْم َحس ْبتَ ُه ْم لُ ْؤلُ ًؤا َّمنثُ ً ِو ْل َد ٌ
ورا ورا 21إِ َّن َه َذا َك َ ق وحلُّوا أَس ِ ِ ِ ٍ
ش ُك ً
س ْع ُي ُكمـ َّم ْ
ان َ
ان لَ ُك ْم َج َزاء َو َك َ ط ُه ً
ش َر ًابا َ
ُّه ْم َ
اه ْم َرب ُ
سقَ ُ
او َر من فضَّة َو َ َ ستَ ْب َر ٌ َ ُ
ضٌر َوإِ ْ
ُخ ْ
} 22
األهداف االجرائية السلوكية :
-1أن يوضح الدارس بعض صفات األبرار كما بينتها اآليات .
-2أن يتصف الدارس بصفات األبرار .
-3أن يصور الدارس النعيم الذى أعده اهلل في اآلخرة لألبرار .
-4أن يعيش الدارس هذا النعيم بمخيلته وأحاسيسه .
-5أن يسعى الدارس للفوز بهذا النعيم في اآلخرة .
معاني المفردات
– يفجرونها Cتفجيرا :أي يتصرفون فيها حيث شاءوا أو يقودونها Cحيث شاءوا والتفجير هو اإلتباع
– شره مستطيرا :أي منتشرا عاما علي الناس إال من رحم اهلل
– يطعمون الطعام علي حبه :علي حب اهلل واألظهر أن الضمير عائد علي الطعام
– عبوسا قمطريرا :تعبس فيه الوجوه من الهول – قمطريرا : Cتقلص الجبين وما بين العينين من الهول وقيل القمطرير
الشديد العصيب
– ذللت قطوفها Cتذليال :أي متى تعاطاه دنا القطف إليه تدلي من أعلي غصنه كأنه سامع طائع
14
– قوارير من فضة :أي بياض الفضة في صفاء الزجاج فهذه األكواب هي من فضة وهي مع هذا شفافة يري ما في
باطنها Cمن ظاهرها
– قدروها تقديرا :أي علي قدر ريهم ال تزيد عنه وال تنقص وعلى قدر الكف فهي مقدرة في القدر والريC
– كان مزاجها زنجبيال :فتارة يمزج لهم الشراب بالكافور Cوهو بارد وتارة بالزنجبيل وهو حار ليعتدل األمر وهؤالء
ثم :أي هناك يعني في الجنة
يمزج لهم من هذا تارة ومن هذا تارة – ّ
– السندس :وهو رفيع الحرير كالقمصان ونحوها مما يلي أبدانهم
– االستبرق : Cالحرير وهو ما فيه بريق ولمعان وهو مما يلي الظاهر
*****
يسارع Cالسياق إلى رخاء النعيم ( :إن األبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا .عينا يشرب بها عباد اهلل
يفجرونها تفجيرا ) ..
وهذه العبارة تفيد أن شراب األبرار في الجنة ممزوج بالكافور ، Cيشربونه في كأس تغترف Cمن عين تفجر لهم تفجيرا ،
في كثرة ووفرة .
ثم يعرف بهؤالء األبرار عباد اهلل الذين قسم لهم هذا المتاع :
( يوفون بالنذر ،ويخافون يوما كان شره مستطيرا ) ..
وهي صورة وضيئة شفافة لقلوب مخلصة جادة عازمة على الوفاء هلل بتكاليف العقيدة ( ..يوفون بالنذر ) فيفعلون ما
اعتزموا من الطاعات ،وما التزموا من الواجبات .فهم يأخذون األمر جدا خالصا ال يحاولون التفلت من تبعاته ..
وهذا معنى أنهم يوفون بالنذر .
( ويخافون يوما كان شره مستطيرا .. ) Cفهم يدركون صفة هذا اليوم ،الذي يتفشى شره ويصيب الكثيرين من
المقصرين والمسيئين .فيخافون أن ينالهم شيء من شره .
( ويطعمون الطعام -على حبه -مسكينا ويتيما وأسيرا ) ..
وهي تصور Cشعور البر والعطف والخير Cممثال في إطعام الطعام ،مع حبه بسبب الحاجة إليه ..ولكنها تؤثر به
المحاويج .
وكانوا Cيطعمون الطعام بأريحية نفس ،ورحمة قلب ،وخلوص نية .واتجاه إلى اهلل بالعمل ،يحكيه السياق من حالهم ،
ومن منطوق قلوبهم. C
( إنما نطعمكم لوجه اهلل ال نريد منكم جزاء وال شكورا .إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا ) ..
فهي الرحمة الفائضة من القلوب الرقيقة الرفيقة ،تتجه إلى اهلل تطلب رضاه .وال تبتغي بها جزاء من الخلق وال شكرا
،وال تقصد بها استعالء على المحتاجين وال خيالء .كما تتقي بها يوما عبوسا شديد العبوس ،تتوقعه وتخشاه ،وتتقيه
بهذا الوفاء .
ومن ثم كان ذلك التصوير Cالكريم لذلك الشعور Cالكريم (:فوقاهم اهلل شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا ) ..
15
يعجل السياق بذكر وقايتهم Cمن شر ذلك اليوم الذي كانوا يخافونه ،ليطمئنهم Cفي الدنيا وهم يتلقون هذا القرآن
ويصدقونه ! ويذكر Cأنهم تلقوا من اهلل نضرة وسرورا .. Cجزاء وفاقا Cعلى خشيتهم وخوفهم ،وعلى نداوة قلوبهم
ونضرة مشاعرهم .
ثم يمضي بعد ذلك في وصف مناعم الجنة التي وجدوها: C
( وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا ) ..جنة يسكنونها وحريرا Cيلبسونه .
( متكئين فيها على األرائك ال يرون فيها شمسا وال زمهريرا ) ..فهم في جلسة مريحة مطمئنة والجو حولهم رخاء
ناعم دافئ في غير حر ،ندي في غير برد .فال شمس تلهب النسائم ،وال زمهرير Cوهو البرد القارس .
( ودانية عليهم ظاللها .وذللت قطوفها تذليال ) ..وإ ذا دنت الظالل ودنت القطوف فهي الراحة واالسترواح على
ثم تأتي تفصيالت المناعم والخدمات .. أمتع ما يمتد إليه الخيال .
( ويطاف عليهم بآنية من فضة ،وأكوابـ كانت قوارير ،قوارير من فضة قدروها تقديرا .ويسقون فيها كأسا كان
مزاجها زنجبيال .عينا فيها تسمى سلسبيال ) ..
فهم في متاعهم ..يطاف عليهم بأشربة في آنية من فضة ،وفي أكواب من فضة كذلك ،ولكنها شفة كالقوارير ،
مما لم تعهده األرض في آنية الفضة .وهي بأحجام مقدرة تقديرا يحقق المتاع والجمال .ثم هي تمزج بالزنجبيل Cكما
مزجت مرة بالكافور . Cوهي كذلك تمأل من عين جارية تسمى سلسبيال ،لشدة عذوبتها واستساغتها Cلدى الشاربين !
وزيادة في المتاع فإن الذين يطوفون بهذه األواني واألكواب بالشراب هم غلمان صباح الوجوه ،ال يفعل فيهم الزمن
،وال تدركهم Cالسن ؛ فهم مخلدون في سن الصباحة والصبا Cوالوضاءة .وهم هنا وهناك كاللؤلؤ Cالمنثور :
( ويطوف عليهم ولدان مخلدون ،إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا ) ..
ثم يجمل السياق خطوط Cالمنظر ،ويلقي عليه نظرة كاملة تلخص وقعه في القلب والنظر: C
( وإ ذا رأيت -ثم -رأيت نعيما وملكا كبيرا ) ..نعيما وملكا كبيرا .هو الذي يعيش فيه األبرار المقربون عباد اهلل
هؤالء ،على وجه اإلجمال والعموم .ثبت في الصحيح أن اهلل تعالي يقول آلخر أهل النار خروجا منها وآخر أهل
الجنة دخوال إليها " :إن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها "
ثم يخصص مظهرا من مظاهر النعيم والملك الكبير ؛ كأنه تعليل لهذا الوصف وتفسير: C
( عاليهم ثياب سندس خضر وإ ستبرق ،وحلوا أساور من فضة وسقاهم ربهم شرابا طهورا ) ..
والسندس Cالحرير الرقيق ،واإلستبرق Cالحرير السميك المبطن ..وهم في هذه الزينة وهذا المتاع ،يتلقونه كله من
( ربهم ) فهو عطاء كريم من معط كريم .وهذه تضاف Cإلى قيمة ذلك النعيم !
ثم يتلقون عليه الود والتكريم ( :إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا ) ..يتلقون هذا النطق من المأل األعلى .
وهو يعدل هذه المناعم كلها ،ويمنحها Cقيمة أخرى فوق Cقيمتها .
بعض ما ترشد إليه اآليات :
-1أن نحرص على االتصاف بصفات األبرار ( الوفاء بالنذر – الخوف من عذاب اآلخرة – إطعام الطعام –
إخالص العمل هلل عز وجل ) ... -
16
-2أن نذكر الجنة وما أعده اهلل من نعيم لألبرار ونعايش ذلك بمشاعرنا وأحاسيسنا Cفنتشبه بصحابة رسول اهلل
صلى اهلل عليه وسلم فكأنهم كانوا كمن يرى الجنة والنار Cرأي العين ..وما لذلك من أثر على سلوكنا Cوحياتنا
كلها .
القرآن يؤكد في مواضع شتى العالقة الوثيقة بين اإليمان والدور Cاالجتماعي للمؤمن " ويخافون Cيوما ... -3
ويطعمون الطعام ...إنا نخاف من ربنا 0 " ...
التقويم :
الدرس الثالث
توجيهات للنبي صلى اهلل عليه وسلم ...وتذكرة لنا
اآليات من ( ) 31 : 23
ِ ِ ِ ِ ِ { إِ َّنا َن ْح ُن َنَّز ْل َنا َعلَ ْي َك ا ْلقُْر َ
ورا َ 24وا ْذ ُك ِر ْ
اس َم َر ِّب َك ُب ْك َرةً اص ِب ْر ل ُح ْكم َر ِّب َك َواَل تُط ْع م ْن ُه ْم آث ًما أ َْو َكفُ ً
نزياًل 23فَ ْ آن تَ ِ
اءه ْم َي ْو ًما ثَ ِقياًل 27 ون َو َر ُ اجلَ َة َو َي َذ ُر َ ط ِوياًل 26إِ َّن َه ُؤاَل ء ُي ِحب َ
ُّون ا ْل َع ِ س ِّب ْح ُه لَ ْياًل َ َوأَصياًل َ 25و ِم َن اللَّْي ِل فَ ْ
اس ُج ْد لَ ُه َو َ
ِ
ِ ش َد ْد َنا أَسر ُهم وإِ َذا ِش ْئ َنا ب َّد ْل َنا أَمثَالَهم تَ ْب ِدياًل 28إِ َّن َه ِذ ِه تَذ ِ
س ِبياًل َ 29و َما شاء اتَّ َخ َذ إِلَى َر ِّبه َ ْك َرةٌ فَ َمن َ ْ ُْ َ َْ ْ َ اه ْم َو َ َن ْح ُن َخلَ ْق َن ُ
ِ شاء ِفي َر ْح َم ِت ِه َوالظَّ ِال ِم َ يما ُ 30ي ْد ِخ ُل َمن َي َ ِ شاء اللَّ ُه إِ َّن اللَّ َه َك َ ِ ون إِاَّل أَن َي َ
يماَع َّد لَ ُه ْم َع َذ ًابا أَل ً
ين أ َ يما َحك ً ان َعل ً اؤ َ شُ تَ َ
} 31
األهداف االجرائية السلوكية :
-1أن يبين الدارس توجيهات اهلل عز وجل لرسوله في مواجهة الكافرين .
-3أن يوضح الدارس الزاد الذي وجه اهلل عز وجل رسوله إليه
-5أن يبين هوان أهل الباطل على اهلل " وإ ذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديال "0
-6أن يبرأ الدارس من حوله وقوته ويرد كل شيء إلي مشيئة اهلل المطلقة .
17
المفردات
– وشددنا Cأسرهم :يعني خلقهم واهلل وحده هو الذي أعطاهم القوة 0
******
وبعد انتهاء هذا الهتاف إلى الجنة ونعيمها الهنيء الرغيد ،يعالج حالة المشركين المصرين على العناد والتكذيب :
( إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيال .فاصبر لحكم ربك وال تطع منهم آثما أو كفورا .واذكر اسم ربك بكرة وأصيال
.ومن الليل فاسجد له وسبحه ليال طويال ) ..
لقد كان رسول اهلل يواجه المشركين بالدعوة إلى اهلل وحده .وهو لم يكن يواجه في نفوسهم مجرد عقيدة ..إنما كانت
المالبسات التي تحيط بالعقيدة وبالموقف هي التي تقود إلى تلك المعارضة العنيدة ..كانت المكانة االجتماعية ،
واالعتزاز Cبالقيم السائدة في البيئة ،وما يتلبس بها كذلك من مصالح مادية ..هي العنصر األول الذي يقود إلى التشبث
بالعقيدة الواهية الظاهرة البطالن ،في وجه العقيدة القوية الظاهرة االستقامة ،ثم كانت صور Cالحياة الجاهلية ومتاعها
ولذائذها Cوشهواتها Cإلى جانب ذلك تزيد المقاومة والعناد والتأبي Cعلى العقيدة الجديدة .
وهذه األسباب ..كانت قائمة في وجه الدعوة األولى ،وهي هي قائمة في وجه الدعوة في كل أرض وفي كل جيل .
وهي تمثل العناصر الثابتة في معركة العقيدة ،التي تجعلها معركة عنيدة ال تنتهي من قريب ؛ وتجعل مشاقها Cوتكاليفها
والثبات عليها من أعسر التكاليف .
لقد تلقى رسول اهلل التكليف من ربه لينذر ..فلما أن نهض بالتكليف Cواجهته تلك العوامل واألسباب التي تصد القوم عن
الدعوة الجديدة .. ،وتقودهم Cإلى العناد الشديد ،ثم إلى الدفاع العنيد عن معتقداتهم وأوضاعهم Cومكانتهم Cومصالحهم.. C
ولذائذهم Cوشهواتهم .. Cوأخذ هذا الدفاع العنيد صورا Cشتى ،في أولها إيذاء القلة المؤمنة التي استجابت للدعوة الجديدة
،ومحاولة فتنتها عن عقيدتها ..ثم تشويه هذه العقيدة وإ ثارة الغبار حولها وحول نبيها بشتى التهم واألساليب ..وفي
الوقت ذاته راحوا يحاولون مع صاحب الدعوة طرقا شتى من اإلغراء – إلى جانب التهديد واإليذاء – ليلتقي بهم في
منتصف Cالطريق ..ويصالحهم ويصالحونه على شيء يرتضيه ويرتضونه ..وهذه الوسائل ذاتها أو ما يشبهها هي
التي يواجهها صاحب الدعوة إلى اهلل في كل أرض وفي كل جيل .
والنبي ولو أنه رسول ،حفظه اهلل من الفتنة ،وعصمه من الناس ..إال أنه بشر يواجه الواقع الثقيل في قلة من
المؤمنين وضعف . Cواهلل يعلم منه هذا ،فال يدعه وحده ،وال يدعه لمواجهة الواقع الثقيل بال عون ومدد وتوجيه إلى
معالم الطريق. C
وهذه اآليات تتضمن حقيقة هذا العون والمدد والتوجيه :
( إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيال ) .وهي اللفتة األولى إلى مصدر التكليف بهذه الدعوة ،وينبوع حقيقتها ..إنها
من اهلل .هو مصدرها Cالوحيد .وهو الذي نزل بها القرآن .فليس لها مصدر Cآخر ..وكل ما عدا هذا المصدر ال يتلقى
عنه ،وال يستمد منه ..وال يخلط بها منه شيء ..ثم إن اهلل الذي نزل هذا القرآن وكلـف بهذه الدعوة لن يتركها . Cولن
يترك الداعي إليها ،وهو كلفه ،وهو نزل القرآن عليه .
ولكن الباطل يتبجح ..والصد عن سبيل اهلل يملكه أعداء الدعوة ويقومون به ويصرون عليه ..ثم هم يعرضون
المصالحة ..واإللتقاء في منتصف Cالطريق ..وهو عرض يصعب رده ورفضه في مثل تلك الظروف العصيبة !
هنا تجيء اللفتة الثانية ( :فاصبر لحكم ربك ،وال تطع منهم آثما أو كفورا ) ..
18
إن األمور مرهونة بقدر اهلل .وهو يمهل الباطل ،ويملي للشر ،ويطيل أمد المحنة على المؤمنين واالبتالء والتمحيص
..كل أولئك لحكمة يعلمها ،يجري بها قدره ،وينفذ بها حكمه ( ..فاصبر لحكم ربك ) ..حتى يجيء موعده
المرسوم ..اصبر على األذى والفتنة .واصبر Cعلى الباطل يغلب ،والشر ينتفخ .ثم اصبر أكثر على ما أوتيته من
الحق الذي نزل به القرآن عليك .اصبر وال تستمع لما يعرضونه من المصالحة وااللتقاء في منتصف Cالطريق على
حساب العقيدة ( :وال تطع منهم آثما أو كفورا ) ..فإنه ال لقاء بينك وبينهم .. Cاصبر ولو طال األمد ،واشتدت
الفتنة وقوي Cاإلغراء ،وامتد الطريق. C
ولكن الصبر شاق ،وال بد من الزاد والمدد المعين :
( واذكر اسم ربك بكرة وأصيال ،ومن الليل فاسجد له وسبحه ليال طويال ) .
هذا هو الزاد .اذكر اسم ربك في الصباح والمساء ،واسجد Cله بالليل وسبحه طويال ..إنه االتصال بالمصدر الذي
نزل عليك القرآن ،وكلفك الدعوة ،هو ينبوع القوة ومصدر الزاد والمدد ..االتصال به ذكرا وعبادة ودعاء وتسبيحاC
..ليال طويال ..فالطريق طويل ،والعبء ثقيل .وال بد من الزاد الكثير والمدد الكبير .
وهذا هو المدد الذي يعلم -سبحانه -أنه هو الزاد الحقيقي الصالح لهذه الرحلة المضنية في ذلك الطريق الشائك ..
وهو هو زاد أصحاب الدعوة إلى اهلل في كل أرض وفي كل جيل .
ثم يمضي السياق في توكيد االفتراق Cبين منهج الرسول ومنهج الجاهلية .بما يقرره من غفلتهم عن رؤية الخير
ألنفسهم ،ومن تفاهة اهتماماتهم ،وصغر تصوراتهم .. Cيقول :
( إن هؤالء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيال ) ..
إن هؤالء الصغار Cالزهيدين الذين يستغرقون في العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيال .ثقيال بتبعاته .ثقيال بنتائجه .
ثقيال بوزنه في ميزان الحقيقة ..إن هؤالء ال يطاعون في شيء ..وال يؤبه لما هم فيه من هذه العاجلة ،من ثراء
وسلطان ومتاع ،فإنما هي العاجلة ،وإ نما هو المتاع القليل .
يتلو ذلك التهوين من أمرهم عند اهلل الذي أعطاهم ما هم فيه من قوة وبأس ،وهو قادر على الذهاب بهم وتبديل غيرهم
منهم .ولكنه يتركهم لحكمة يجري بها قدره القديم :
( نحن خلقناهم وشددنا أسرهم ،وإ ذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديال ) ..
وهذه اللفتة تذكر هؤالء الذين يعتزون بقوتهم ،بمصدر Cهذه القوة ،بل مصدر Cوجودهم Cابتداء .ثم تطمئن الذين آمنوا
-وهم في حالة الضعف والقلة -إلى أن واهب القوة هو الذي ينتسبون إليه وينهضون بدعوته .كماتقرر في نفوسهمC
حقيقة قدر اهلل وما وراءه من حكمة مقصودة ،هي التي تجري وفقها األحداث حتى يحكم اهلل وهو خير الحاكمين .
( وإ ذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديال ) ..فهم ال يعجزون اهلل بقوتهم ،وهو خلقهم وأعطاهم إياها .وهو قادر على أن
يخلق أمثالهم في مكانهم ..فإذا أمهلهم ولم يبدل أمثالهم فهو فضله ومنته وهو قضاؤه وحكمته .
ثم يوقظهم Cإلى الفرصة المتاحة لهم ،والقرآن يعرض عليهم ،وهذه السورة تذكرهم: C
( إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيال ) ..
ويعقب على هذه اللفتة بإطالق Cالمشيئة ،ورد كل شيء إليها ،ليكون االتجاه األخير إليها ،واالستسالم Cاألخير لحكمها
؛ وليبرأ اإلنسان من قوته إلى قوتها ،ومن حوله إلى حولها ..وهو اإلسالم في صميمه وحقيقته :
( وما تشاءون إال أن يشاء اهلل إن اهلل كان عليما حكيما ) ..
19
ذلك كي تعلم قلوب البشر أن اهلل هو الفاعل المختار ،المتصرف Cالقهار ،فتتعلم كيف تتجه إليه وتستسلم Cلقدره ..وهذا
هو مجال هذه الحقيقة الذي تجري فيه في مثل هذه النصوص .مع تقرير ما شاءه اهلل لهم من منحهم القدرة على إدراك
الحق والباطل ؛ واالتجاه إلى هذا أو ذاك وفق مشيئة اهلل ،العليم بحقيقة القلوب .من ثم فهو :
( يدخل من يشاء في رحمته ،والظالمين أعد لهم عذابا أليما ) ..فهي المشيئة المطلقة تتصرف بما تريد .ومن
إرادتها أن يدخل في رحمته من يشاء ،ممن يلتجئون إليه ،يطلبون عونه على الطاعة ،وتوفيقه إلى الهدى ..
( والظالمين أعد لهم عذابا أليما ) .وقد أملى لهم وأمهلهم Cلينتهوا إلى هذا العذاب األليم !
بعض ما ترشد إليه اآليات :
-1يؤكد القرآن أن مصدر التكليف بهذه الدعوة هو اهلل سبحانه الذي نزل القرآن وكل ما عدا هذا المصدر ال يستمد
منه وال يخلط بها منه شيء 0
-2أن نتزود Cمن الزاد الذى أعد اهلل به رسوله صلى اهلل عليه وسلم على طريق الدعوة - :الصبر – ذكر اهلل
كثيرا – قيام الليل طويال – أي دوام االتصال باهلل سبحانه وتعالي0 C
-3يؤكد القرآن كثيرا أن طبيعة المعركة مع أعداء اإلسالم هي في حقيقتها مع اهلل ال مع أصحاب الدعوة ولكن اهلل
يمهلهم وال يهملهم " وإ ذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديال "0
-4المؤمن دائما يبرأ من حوله وقوته ويرد Cكل شيء إلي مشيئة اهلل المطلقة واهلل عليم حكيم ومن هذا تتعلم القلوب
كيف تستسلم لقدر اهلل وهي علي يقين أنه هو الخير 0
التقويم :
-5بين هوان أهل الباطل على اهلل " وإ ذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديال "0
-6طريق Cالدعوة كثير العقبات يحتاج زادا كبيرا اذكر أنواع الزاد مبينا أهمية دوام الصلة باهلل 0
-7ما المصدر الذي يتلقي منه المؤمن كل تكاليف الدعوة ؟ وضح ضرورة االرتباط به وعدم قبول أي مصادر
أخرى 0
" -8فذرني Cومن يكذب بهذا الحديث " اآلية تشير إلي حقيقة هامة وضحها Cفي ضوء فهمك لآليات األخيرة من
سورة اإلنسان 0
-9اإليمان بالمشيئة المطلقة هلل سبحانه وتعالي Cحقيقة إيمانية هامة وضح ذلك من خالل دراستك للسورة 0
سورة المرسالت
20
مناسبة النزول :روي البخاري عن عبد اهلل بن مسعود – رضي Cاهلل عنه – قال :بينما نحن مع رسول اهلل في غار
بمنى إذ نزلت عليه " والمرسالت " Cفإنه ليتلوها وإ ني ألتلقاها من فيه وإ ن فاه لرطب بها إذا وثبت علينا حية فقال النبي
" اقتلوها " فابتدرناها فذهبت فقال النبي " وقيت شركم كما وقيتم شرها " ورواه مسلم من طريق األعمش به روي عن
أبي هريرة " إذا قرأ " والمرسالت عرفا " فقرأ " فبأي حديث بعده يؤمنون " فليقل :آمنت باهلل وبما أنزل .
الدرس األول
مشاهد يوم الفصل
اآليات من ( ) 15 : 1
ات ِذ ْك ًرا ُ 5عذ ًْرا أ َْو ُنذًْرا 6
ات َفرقًا َ 4فا ْلم ْل ِقي ِ
ُ َ ارقَ ْ
شرا 3فَا ْلفَ ِ ِ ات عصفًا 2و َّ ِ ِ
الناش َرات َن ْ ً َ
ِ ِ
ساَل ت ُع ْرفًا َ 1فا ْل َعاصفَ َ ْ
{ وا ْلمر ِ
َ ُْ َ
س ُل أُقِّتَ ْت 11أِل ِّ
َي الس َماء فُ ِر َج ْت َ 9وإِ َذا ا ْل ِج َبا ُل ُن ِسفَ ْت َ 10وإِ َذا ُّ
الر ُ س ْت َ 8وإِ َذا َّ ِ
وم طُم َ ِ ُّ إِ َّنما تُوع ُد َ ِ
ون لَ َواقعٌ 7فَإ َذا الن ُج ُ َ َ
ِّ ٍ ِ
ص ِل َ 14و ْي ٌل َي ْو َمئذ لِّ ْل ُم َكذ ِب َ ِ
ين } 15 ص ِل َ 13و َما أ َْد َرا َك َما َي ْو ُم ا ْلفَ ْ ُجلَ ْت 12ل َي ْوِم ا ْلفَ ْ
َي ْوٍم أ ِّ
-1أن يبين الدارس تأكيد اهلل عز وجل على أن القيامة حق وأن العذاب والهالك واقع بالكافرين .
-3أن يثق الدارس أن وعد اهلل بيوم الفصل واقع ال محالة .
المفردات :
-المرسالت والعاصفات والناشرات : Cاألظهر هي الرياح يقال :عصفت الرياح إذا هبت بتصويت Cوالناشرات هي
الرياح التي تنشر السحاب في آفاق السماء كما يشاء اهلل عز وجل .
– فالفارقات Cفرقا فالملقيات ذكرا عذرا أو نذرا :هي المالئكة فإنها تنزل بأمر اهلل علي الرسل لتفرق بين الحق والباطل
وتلقي إلي الرسل وحيا فيه إعذار إلي الخلق وإ نذار لهم .
– أقتت :جمعت أو أجلت .
*******
( والمرسالت عرفا .فالعاصفات عصفا .والناشرات نشرا .فالفارقات فرقا .فالملقيات ذكرا :عذرا أو نذرا .إن
ما توعدون لواقع )
القضية قضية القيامة التي كان يعسر على المشركين تصور Cوقوعها ؛ والتي أكدها لهم القرآن الكريم بشتى
المؤكدات في مواضع منه شتى .وكانت عنايته بتقرير هذه القضية في عقولهم ..وإ قرار حقيقتها في قلوبهم مسألة
ضرورية ال بد منها لبناء العقيدة في نفوسهم Cعلى أصولها ،ثم لتصحيح موازين القيم في حياتهم جميعا .
22
واهلل سبحانه يقسم في مطلع هذه السورة على أن هذا الوعد باآلخرة واقع .وصيغة القسم توحي ابتداء بأن ما يقسم
اهلل به هو من مجاهيل الغيب ،وقواه المكنونة ،المؤثرة في هذا الكون وفي حياة البشر .وقد Cاختلف السلف في حقيقة
مدلولها . Cفقال بعضهم : Cهي الرياح إطالقا .وقال بعضهم هي المالئكة إطالقا .وقال بعضهم :إن بعضها يعني
الرياح وبعضها يعني المالئكة .
( والمرسالت Cعرفا ) ..عن أبي هريرة أنها المالئكة [ ..والمعنى Cحينئذ هو القسم بالمالئكة المرسلة أرساال متوالية
،كأنها عرف الفرس في إرسالها Cوتتابعها ] ..وهكذا قال أبو صالح في العاصفات والناشرات والفارقات Cوالملقيات ..
إنها المالئكة .
وروي عن ابن مسعود .. Cالمرسالت عرفا .قال :الريح [ .والمعنى على هذا أنها المرسلة متوالية كعرف الفرس
في امتدادها وتتابعها ] Cوكذا قال في العاصفات عصفا والناشرات نشرا .وكذلك قال ابن عباس ومجاهد وقتادة.
وعن ابن مسعود ( :فالفارقات Cفرقا فالملقيات ذكرا ،عذرا أو نذرا ) يعني المالئكة .وكذا قال :ابن عباس
ومسروق Cومجاهد وقتادة والربيع Cبن أنس والسدي والثوري بال خالف .فإنها Cتنزل بأمر اهلل على الرسل ،تفرق بين
الحق والباطل .وتلقي إلى الرسل وحيا فيه إعذار إلى الخلق وإ نذار. C
بعد ذلك تجيء الهزة العنيفة بمشاهد الكون المتقلبة في يوم الفصل الذي هو الموعد المضروب للرسل لعرض حصيلة
الرسالة في البشرية جميعا :
( فإذا النجوم طمست ،وإ ذا السماء فرجت ،وإ ذا الجبال نسفت ،وإ ذا الرسل أقتت .ألي يوم أجلت ؟ ليوم الفصل .
وما أدراك ما يوم الفصل ؟ ويل يومئذ للمكذبين ) ..
يوم تطمس النجوم فيذهب نورها ، Cوتفرج السماء أي تشق ،وتنسف Cالجبال فهي هباء ..وكلها توحي بانفراط عقد
هذا الكون المنظور ، Cانفراطا مصحوبا Cبقرقعة ودوي Cوانفجارات هائلة ،ال عهد للناس بها فيما يرونه من األحداث
الصغيرة التي يستهولونها ويرعون بها من أمثال الزالزل والبراكين والصواعق. C
وإ لى جانب هذا الهول في مشاهد الكون ،تعرض السورة أمرا عظيما آخر مؤجال إلى هذا اليوم ..فهو موعد
الرسل لعرض حصيلة الدعوة .دعوة اهلل في األرض طوال األجيال ..فالرسل قد أقتت لهذا اليوم وضرب Cلها الموعد
هناك ،لتقديم الحساب الختامي عن ذلك األمر العظيم الذي يرجح السماوات واألرض والجبال :
( وإ ذا الرسل أقتت .ألي يوم أجلت ؟ ليوم الفصل .وما أدراك ما يوم الفصل ؟ ) ..
فإذا وصل هذا اإليقاع إلى الحس بروعته وهوله ،الذي يرجح هول النجوم المطموسة والسماء المشقوقة والجبال
المنسوفة .ألقى باإليقاع الرعيب ،واإلنذار المخيف ( :ويل يومئذ للمكذبين ! ) ..
التقويم :
-1بين " تأكيد اهلل عز وجل على أن القيامة حق وأن العذاب والهالك واقع بالكافرين " وِل َم كان هذا التأكيد ؟
-5أذكر مناسبة نزول السورة واذكر Cالدعاء الذي نقول عند ختام قراءتها 0
23
ِ -6ل َم ربط القرآن بين االنقالبات الكونية ليوم الفصل وتأجيل الرسل لهذا اليوم ؟
الدرس الثاني
مصارع الغابرين ..والنشأة األولى ..وجولة في األرض
اآليات من ( ) 28 : 16
ين 19أَلَ ْم َن ْخلُ ُّ
قكم ِّمن ين َ 18و ْي ٌل َي ْو َم ِئ ٍذ لِّ ْل ُم َك ِّذ ِب َ ين َ 17ك َذِل َك َن ْف َع ُل ِبا ْل ُم ْج ِر ِم َ ين 16ثَُّم ُنتْ ِب ُع ُه ُم اآْل ِخ ِر َ
{ أَلَ ْم ُن ْهِل ِك اأْل ََّوِل َ
ين 24أَلَ ْم ون َ 23و ْي ٌل َي ْو َم ِئ ٍذ لِّ ْل ُم َك ِّذ ِب َ وم َ 22فقَ َد ْر َنا فَ ِن ْع َم ا ْلقَ ِاد ُر َ ين 21إِلَى َق َد ٍر َّم ْعلُ ٍ ين 20فَ َج َع ْل َناهُ ِفي قََر ٍار َّم ِك ٍ َّماء َّم ِه ٍ
َسقَ ْي َنا ُكمـ َّماء فَُراتًا َ 27و ْي ٌل ْيو َم ِئ ٍذ اسي َ ِ ٍ
شام َخات َوأ ْ
ِ ِ ض ِكفَاتًا 25أ ْ َن ْج َع ِل اأْل َْر َ
يها َر َو َ َح َياء َوأ َْم َواتًا َ 26و َج َع ْل َنا ف َ
ين } 28 لِّ ْل ُم َك ِّذ ِب َ
األهداف اإلجرائية السلوكية :
-3أن يحدد الدارس مراحل خلق اإلنسان كما جاءت باآليات .
-5أن يتدبر الدارس في دالئل قدرة اهلل عز وجل في نفسه وفي األرض التي يدب عليها .
-6أن يشكر الدارس نعمة اهلل عليه في خلقه وفي تسخير الكون له 0
المفردات :
*******
ويعود Cبهم من هذه الجولة في أهوال يوم الفصل ،إلى جولة في مصارع الغابرين :األولين واآلخرين (..ألم نهلك
األولين ؟ ثم نتبعهم اآلخرين ؟ كذلك نفعل بالمجرمين .ويل يومئذ للمكذبين ! ) .هكذا في ضربة واحدة تتكشف
مصارع Cاألولين وهم حشود . Cوفي ضربة واحدة تتكشف Cمصارع اآلخرين وهم حشود ..وأمامها ينطلق الوعيد ناطقا
بسنة اهلل في الوجود ( :كذلك نفعل بالمجرمين ) ..وبينما Cالمجرمون يتوقعون مصرعا كمصارع Cاألولين واآلخرين
،يجيء الدعاء بالهالك ،ويجيء الوعيد بالثبور ( : Cويل يومئذ Cللمكذبين ) ..
ومن الجولة في المصارع واألشالء ،إلى جولة في اإلنشاء واإلحياء ،مع التقدير والتدبير ، Cللصغير Cوالكبير :
24
( ألم نخلقكم من ماء مهين ؟ فجعلناه في قرار مكين ؟ إلى قدر معلوم ؟ فقدرنا فنعم القادرون .ويل يومئذ للمكذبين
) ..
وهي رحلة مع النشأة الجنينية طويلة عجيبة ،يجملها هنا في لمسات معدودة .ماء مهين .يودع في قرار Cالرحم
المكين .إلى قدر معلوم وأجل مرسوم .وأمام Cالتقدير الواضح في تلك النشأة ومراحلها الدقيقة يجيء التعقيب الموحي
بالحكمة العليا التي تتولى كل شيء بقدرة في إحكام جميل ( :فقدرنا فنعم القادرون ) وأمام التقدير الذي ال يفلت منه
شيء يجيء الوعيد المعهود ( :ويل يومئذ للمكذبين ).
ثم جولة في هذه األرض ،وتقدير اهلل فيها لحياة البشر ،وإ يداعها الخصائص الميسرة لهذه الحياة :
( ألم نجعل األرض كفاتا ؟ أحيانا وأمواتا ؟ وجعلنا فيها رواسي شامخات وأسقيناكمـ ماء فراتا ؟ ويل يومئذ للمكذبين )
..ألم نجعل األرض كفاتا تحتضن بنيها أحياء وأمواتا ( .وجعلنا فيها رواسي Cشامخات ) ثابتات سامقات ،تتجمع
على قممها السحب ،وتنحدر Cعنها مساقط الماء العذب .أفيكون هذا إال عن قدرة وتقدير ،وحكمة وتدبير C؟ أفبعد هذا
يكذب المكذبون ؟( ويل يومئذ Cللمكذبين ! )
التقويم
وضح سنن اهلل في المكذبين والمجرمين علي مدار التاريخ -واذكر نمازج منها -وماذا تستفيد من ذلك ؟ -1
التدبر والتفكير فريضة إسالمية وضح ذلك من خالل دراستك Cللسورة خاصة ما يتصل بالجنين وخصائصC -3
األرض 0
الدرس الثالث
األهوال التي يالقيها المكذبون يوم القيامة
اآليات من ( ) 40 : 29
يل َواَل ُي ْغ ِني ِم َن اللَّ َه ِب 31إِ َّن َها ظِل ٍ
ش َع ٍب 30اَل َ طِلقُوا إِلَى ِظ ٍّل ِذي ثَاَل ِث ُ ون 29ان َ طِلقُوا إِلَى َما ُكنتُم ِب ِه تُ َك ِّذ ُب َ { ان َ
ين َ 34ه َذا يوم اَل ي ِ ص ْفٌر َ 33و ْي ٌل َي ْو َم ِئ ٍذ لِّ ْل ُم َك ِّذ ِب َ ص ِر َ 32كأ ََّن ُه ِج َمالَ ٌ تَْر ِمي ِب َ
ون َ 35واَل ُي ْؤ َذ ُن لَ ُه ْم نطقُ َ َْ ُ َ ت ُ ش َر ٍر َكا ْلقَ ْ
ون َ 39و ْي ٌل يد ِان لَ ُك ْم َك ْي ٌد فَ ِك ُ
ين 38فَِإن َك َ ص ِل َج َم ْع َنا ُك ْـم َواأْل ََّوِل َ ين َ 37ه َذا َي ْو ُم ا ْلفَ ْ ون َ 36و ْي ٌل َي ْو َم ِئ ٍذ لِّ ْل ُم َك ِّذ ِب َ فَ َي ْعتَِذ ُر َ
ين } 40 َي ْو َم ِئ ٍذ لِّ ْل ُم َك ِّذ ِب َ
األهداف االجرائية السلوكية :
-1أن يصور Cالدارس األهوال المادية التي يالقيها المكذبون يوم القيامة .
-2أن يصور Cالدارس األهوال النفسية التى يالقيها Cالمكذبون يوم القيامة .
المفردات :
25
-ظل :دخان جهنم .
– جمالة صفر :ابل سود وتسمي صفر لكثرتها وتتابعها Cوسرعة حركتها. C
********
وعندئذ ..ينتقل السياق فجأة إلى موقف Cالحساب والجزاء .فنسمع Cاألمر الرهيب للمجرمين المكذبين ( انطلقواـ إلى
ما كنتم به تكذبون .انطلقوا إلى ظل ذي شعب ثالث .ال ظليل وال يغني من اللهب .إنها ترمي بشرر كالقصر .كأنه
جمالة صفر .ويل يومئذ للمكذبين )
اذهبوا ..ولكن إلى أين ؟ ( انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون ) ..فها هو ذا أمامكم حاضر مشهود ( Cانطلقوا إلى ظل ذي
ثالث شعب ) ..إنه ظل لدخان جهنم تمتد ألسنته في ثالث شعب .ولكنه ظل خير منه الوهج ( :ال ظليل وال يغني
من اللهب ) ..إنه ظل خانق حار الفح ..انطلقوا .وإ نكم لتعرفون إلى أين ! وتعرفونها هذه التي تنطلقون إليها .فال
حاجة إلى ذكر اسمها (..إنهاترمي بشرر كالقصر .كأنه جمالة صفر ) ..فالشرر يتتابع في حجم البيت من الحجر .
[ وقد كان العرب يطلقون كلمة القصر على كل بيت من حجر ] فإذا تتابع بدا كأنه جمال صفر ترتع هنا وهناك ! هذا
هو الشرر فكيف بالنار التي ينطلق منها الشرر ؟ وفي Cاللحظة التي يستغرق Cفيها الحس بهذا الهول ،يجيء التعقيب
المعهود ( : Cويل يومئذ Cللمكذبين ! ) .
ثم يأخذ في استكمال المشهد بعد عرض الهول المادي في صورة جهنم ،بعرض الهول النفسي الذي يفرض الصمت
والكظم.. C
( هذا يوم ال ينطقون .وال يؤذن لهم فيعتذرون ) ..فالهول هنا يكمن في الصمت الرهيب ،والكبت الرعيب ،
والخشوع Cالمهيب ،الذي ال يتخلله كالم وال اعتذار .فقد انقضى وقت الجدل ومضى وقت االعتذار (:ويل يومئذC
للمكذبين ).
( هذا يوم الفصل جمعناكم واألولين .فإن كان لكم كيد فكيدون .ويل يومئذ للمكذبين ! ) ..هذا يوم الفصل ال يوم
االعتذار .وقد جمعناكم Cواألولين أجمعين .فإن كان لكم تدبير فدبروه ،وإ ن كان لكم قدرة على شيء فافعلوه ! وال
تدبير وال قدرة .إنما هو الصمت الكظيم ،على التأنيب األليم (..ويل يومئذ Cللمكذبين ! ).
التقويم :
-3عبر عن مشاعرك عند معايشتك لهذه األهوال التي يالقيها Cالمكذبون يوم القيامة في مخيلتك .
الدرس الرابع
26
ما أ ِ
ُع َد للمتقين في اآلخرة ..وما عليه حال المكذبين في الدنيا
اآليات من ( ) 50 : 41
ون 43إِ َّنا َك َذِل َك يئا ِب َما ُكنتُ ْم تَ ْع َملُ َ ش َر ُبوا َه ِن ًون ُ 42كلُوا َوا ْ شتَ ُه َ اك َه ِم َّما َي ْ ون 41وفَو ِ
َ َ ين ِفي ِظاَل ٍل َو ُع ُي ٍ { إِ َّن ا ْل ُمتَّ ِق َ
ين َ 47وإِ َذا ون َ 46و ْي ٌل َي ْو َم ِئ ٍذ لِّ ْل ُم َك ِّذ ِب َ ين ُ 45كلُوا َوتَ َمتَّ ُعوا َقِلياًل إِ َّن ُكم ُّم ْج ِر ُم َ نين َ 44و ْي ٌل َي ْو َم ِئ ٍذ لِّ ْل ُم َك ِّذ ِب َ َن ْج ِزي ا ْل ُم ْح ِس َ
يث َب ْع َدهُ ُي ْؤ ِم ُن َ َي ح ِد ٍ ون َ 48و ْي ٌل َي ْو َم ِئ ٍذ لِّ ْل ُم َك ِّذ ِب َ ِقي َل لَ ُه ُم ْار َك ُعوا اَل َي ْر َك ُع َ
ون } 50 ين 49فَ ِبأ ِّ َ
األهداف اإلجرائية السلوكية
-1أن يصف الدارس النعيم الذي أعده اهلل للمتقين يوم القيامة .
-2أن يربط الدارس بين خواتيم السورة ومقدمتها بالنسبة للمكذبين .
*********
فإذا انتهى مشهد التأنيب للمجرمين ،اتجه الخطاب بالتكريم Cللمتقين :
( إن المتقين في ظالل وعيون ) ..
إن المتقين في ظالل ..ظالل حقيقية في هذه المرة ..وفي عيون من ماء (..وفواكه مما يشتهون ) ..وهم
يتلقون فوق Cهذا النعيم الحسي التكريم Cالعلوي على مرأى ومسمع من الجموع ( :كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم
تعملون .إنا كذلك نجزي المحسنين ) ويا لطف هذا التكريم Cمن العلي العظيم ( ويل يومئذ للمكذبين ! ) ..يقابل
هذا النعيم والتكريم! C
( كلوا وتمتعوا قليال إنكم مجرمون .ويل يومئذ للمكذبين ! ) ..وهكذا تختلط الدنيا باآلخرة في فقرتين متواليتين ،
وفي Cمشهدين معروضين كأنهما حاضران في أوان ..فبينما كان الخطاب موجها للمتقين في اآلخرة ،إذا هو موجه
للمجرمين في الدنيا .وكأنما ليقال لهم :اشهدوا الفارق بين الموقفين ..وكلوا وتمتعوا قليال في هذه الدار ،لتحرمواC
وتعذبوا طويال في تلك الدار ( ..ويل يومئذ للمكذبين ! ) .
ثم يتحدث معجبا من أمر القوم وهم يدعون إلى الهدى فال يستجيبون ( : Cوإ ذا قيل لهم اركعواـ ال يركعون .ويل يومئذ
للمكذبين ! ) ..
مع أنهم يبصرون هذا التبصير ،وينذرون هذا النذير ( ..فبأي حديث بعده يؤمنون ؟ ) ..والذي ال يؤمن بهذا
الحديث الذي يهز الرواسي ، Cوبهذه الهزات التي تزلزل الجبال ،ال يؤمن بحديث بعده أبدا .إنما هو الشقاء والتعاسة
والمصير البائس ،والويل المدخر لهذا الشقي المتعوس !
التقويم :
-1صف النعيم الذي أعده اهلل للمتقين يوم القيامة .
-2ما العالقة بين خواتيم Cالسورة ومقدمتها بالنسبة للمكذبين .
-3وضح أسلوب الترهيب والترغيب من خالل دراستك Cللسورة 0
ما واجب اإلنسان حين يدعى لإليمان ؟ وما مصيره إذا لم يجب ؟ -5
27
الفصل الثاني
الحديث الشريف
من الحديث الخامس والثالثين إلى الحديث الثاني واألربعين من األربعين النووية
28
"ال تدابروا" :ال تتدابروا ،والتدابر :المصارمة والهجران.
"ال يخذله" :ال يترك نصرته عند قيامه باألمر بالمعروف Cأو نهيه عن المنكر ،أو عند مطالبته بحق من الحقوق ،بل
ينصره ويعينه ويدفع عنه األذى ما استطاع.
"ال يكذبه" :ال يخبره بأمر على خالف الواقع.
"ال يحقره" :ال يستصغر شأنه ويضع من قدره.
"بحسب امرئ من الشر" :يكفيه من الشر أن يحقر أخاه ،يعني أن هذا شر عظيم يكفي فاعله عقوبة هذا الذنب.
"وعرضه" :العرض هو موضع المدح والذم من اإلنسان.
المعنى العام:
النهي عن الحسد:
ق ذميم
تعريفه :الحسد لغة وشرعاً :تمني زوال نعمة المحسود ،وعودها إلى الحاسد أو إلى غيره .وهو ُخلُ ٌ
مركوز Cفي طباع البشر ،ألن اإلنسان يكره أن يفوقه أحد من جنسه في شيء من الفضائل.
حكمه :أجمع الناس من المشرعين وغيرهم على تحريم الحسد وقبحه.
حكمة تحريمه :أنه اعتراض على اهلل تعالى ومعاندة له ،حيث أنعم على غيره ،مع محاولته نقض فعله تعالى
وإ زالة فضله.
النهي عن النجش:
تعريفه :تضمن الحديث النهي عن النجش ،وهو أن يزيد في ثمن سلعة ينادى عليها في السوق ونحوه ،وال
رغبة له في شرائها ،بل يقصد أن يضر غيره.
وحكمه :حرام إجماعاً على العالم بالنهي ،سواء كان بمواطأة البائع أم ال ،ألنه غش وخديعة ،وهما محرمان،
وألنه ترك للنصح الواجب ،قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم" :من غشنا فليس منا" ،وفي Cرواية":من َّ
غش "[ .رواه
مسلم].
النهي عن التباغض:
تعريفه :البغض هو النفرة من الشيء لمعنى فيه مستقبح ،ويرادفه الكراهة .وقد Cنهى النبي صلى اهلل عليه وسلم
ون إِ ْخ َوةٌ}
المسلمين عن التباغض بينهم في غير اهلل تعالى ،فإن المسلمين إخوة متحابون ،قال اهلل تعالى{ :إِ َّن َما ا ْل ُم ْؤ ِم ُن َ
[الحجرات.]10 :
حكمه :وهو لغير اهلل حرام.
النهي عن التدابر :التدابر هو المصارمة والهجران ،وهو حرام إذا كان من أجل األمور Cالدنيوية ،وهو المراد
بقوله صلى اهلل عليه وسلم _ في البخاري ومسلم Cعن أبي أيوب _ "ال َي ِح ُّل لمسلم أن َي ْه ُج َر أخاه فوق ثالث ،يلتقيان
فيصد Cهذا ويصد Cهذا ،وخيرهما الذي يبدأ بالسالم".
أما الهجران في اهلل ،فيجوز أكثر من ثالثة أيام إذا كان من أجل أمر ديني ،وقد Cنص عليه اإلمام أحمد ،ودليله
قصة الثالثة الذين ُخلِّفوا في عزوة تبوك ،وأمر النبي صلى اهلل عليه وسلم بهجرانهم Cخمسين يوماً ،تأديباً لهم على
تخلفهم ،وخوفاً Cعليهم من النفاق .تنظر Cالقصة كاملة في السيرة.
29
كما يجوز هجران أهل البدع المغلظة والدعاة إلى األهواء والمبادئ Cالضالة .ويجوز Cهجران الوالد لولده ،والزوج
لزوجته ،وما كان في معنى ذلك تأديباً ،وتجوز فيه الزيادة على الثالثة أيام ،ألن النبي صلى اهلل عليه وسلم هجر نساءه
شهراً.
النهي عن البيع على البيع :وقد ورد النهي عنه كثيراً في الحديث ،وصورته أن يقول الرجل لمن اشترى Cسلعة
في زمن خيار المجلس أو خيار الشرط :افسخ ألبيعك خيراً منها بمثل ثمنها ،أو مثلها بأنقص ،ومثل ذلك الشراء على
الشراء ،كأن يقول للبائع :افسخ البيع ألشتري Cمنك بأكثر ،وقد Cأجمع العلماء على أن البيع على البيع والشراء على
الشراء حرام.
قال النووي :وهذا الصنيع في حالة البيع والشراء ،صنع آثم ،منهي عنه.
األمر بنشر التآخي :يأمر النبي صلى اهلل عليه وسلم بنشر التآخي بين المسلمين فيقول" :وكونوا عباد اهلل إخواناً
" ،أي اكتسبوا ما تصيرون به إخواناً من ترك التحاسد والتناجش والتباغض والتدابر وبيع بعضكم Cعلى بعض ،وتعاملوا
فيما بينكم معاملة اإلخوة ومعاشرتهم في المودة والرفق Cوالشفقة والمالطفة والتعاون في الخير مع صفاء القلوب .وال
تنسوا أنكم عباد اهلل ،ومن صفة العبيد إطاعة أمر سيدهم بأن يكونوا Cكاإلخوة متعاونين في إقامة دينه وإ ظهار شعائره،
ص ِر ِه َو ِبا ْل ُم ْؤ ِم ِن َ
ين * َوأَلَّ َ
ف َب ْي َن وهذا ال يتم بغير ائتالف القلوب وتراص الصفوف ،قال تعالىُ { :ه َو الَِّذي أَي َ
َّد َك ِب َن ْ
ُقلُو ِب ِه ْم} [األنفال.]63-62 :
واجبات المسلم نحو أخيه:
تحريم ظلمه :فال ُيدخل عليه ضرراً في نفسه أو دينه أو عرضه أو ماله بغير إذن شرعي ،ألن ذلك ظلم
محرمة تنافي Cأخوة اإلسالم.
وقطيعة َّ
تحريم خذالنه :الخذالن للمسلم محرم شديد التحريم ،ال سيما مع االحتياج واالضطرار قال اهلل تعالىَ { :وإِ ْن
ص ُر} [األنفال ]72 :وروى Cأبو داود" :ما من امرئ مسلم يخذل امرأ مسلماً في موضع الن ْ نص ُرو ُك ْم ِفي الد ِ
ِّين فَ َعلَ ْي ُك ْـم َّ استَ َ
ْ
تنتهك فيه حرمته وينتقص من عرضه إال خذله اهلل في موضع يحب نصرته".
والخذالن المحرم يكون دنيوياً ،كأن يقدر على نصرة مظلوم Cودفع ظالمه فال يفعل .ويكون دينياً ،كأن يقدر على
نصحه عن غيه بنحو وعظ فال يفعل.
تحريم الكذب عليه أو تكذيبه :ومن حق المسلم على المسلم أن يصدق معه إذا حدثه ،وأن يصدقه إذا سمع
حديثه ،ومما ُي ِخ ّل باألمانة اإلسالمية أن يخبره خالف الواقع ،أو يحدثه بما يتنافى Cمع الحقيقة.
تحريم تحقيره :حرم على المسلم أن يستصغر Cشأن أخيه المسلم وأن يضع من قدره ،ألن اهلل تعالى لما خلقه لم
يحقره بل كرمه ورفعه وخاطبه وكلفه.
التقوى مقياس التفاضل وميزان الرجال :التقوى هي اجتناب عذاب اهلل بفعل المأمور Cوترك المحظور C،واهلل
سبحانه وتعالى إنما يكرم اإلنسان بتقواه وحسن طاعته ،ال بشخصه أو كثرة أمواله .فالناس يتفاوتون عند اهلل في
منازلهم Cحسب أعمالهم ،وبمقدار Cما لديهم من التقوى.
ش َع ِائ َر اللَّ ِه فَِإ َّن َها ِم ْن تَ ْق َوى ا ْل ُقلُ ِ
وب} [ الحج .]32 :وإ ذا كانت ومكان التقوى :القلب ،قال تعالىَ { :و َم ْن ُي َعظِّ ْم َ
التقوى في القلوب فال يطلع أحد على حقيقتها إال اهلل .كما أن األعمال الظاهرة ال تحصل بها التقوى ،إنما تحصل بما
يقع في القلب من عظيم خشية اهلل ومراقبته.
30
فقد يكون كثير ممن له صورة حسنة أو مال أو جاه أو رياسة في الدنيا قلبه خراب من التقوى ،ويكون من ليس
له شيء من ذلك قلبه مملوء من التقوى ،فيكون أكرم عند اهلل تعالى ،ولذلك كان التحقير جريمة كبرى ،ألنه اختالل في
ميزان التفاضل وظلم Cفادح في اعتبار المظهر ،وإ سقاط التقوى التي بها يوزن الرجال.
حرمة المسلم :للمسلم حرمة في دمه وماله وعرضه ،وهي مما كان النبي صلى اهلل عليه وسلم يخطب بها في
المجامع العظيمة ،فإنه خطب بها في حجة الوداع :يوم النحر ،ويوم عرفة ،ويوم الثاني من أيام التشريق وقال" :إن
أموالكم ودماءكم Cوأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم Cهذا في شهركم Cهذا في بلدكم هذا ."...
وهذه هي الحقوق اإلنسانية العامة التي يقوم عليها بناء المجتمع المسلم اآلمن ،حيث يشعر المسلم بالطمأنينة
على ماله ،فال يسطو Cعليه لص أو يغتصبه غاصب ،والطمأنينة على عرضه ،فال يعتدي عليه أحد ،وحفاظاً على ذلك
كله شرع اهلل تعالى القصاص في النفس واألطراف ،وشرع قطع اليد للسارق ،والرجم أو الجلد للزاني األثيم.
ومن كمال الحفاظ على حرمة المسلم عدم إخافته أو ترويعه.
ما يستفاد من الحديث:
-أن اإلسالم ليس عقيدة وعبادة فحسب ،بل هو أخالق ومعاملة أيضاً.
-األخالق المذمومة في شريعة اإلسالم جريمة ممقوتة.
-النية والعمل هي المقياس الدقيق Cالذي يزن اهلل به عباده ،ويحكم عليهم بمقتضاه.
-القلب هو منبع خشية اهلل والخوف Cمنه.
-النهي عن التحاسد والتناجش والتباغض والهجر. C
-تحريم Cظلم المسلم وخذالنه واحتقاره وسفك دمائه وأكل ماله والتعدي Cعلى عرضه .
التقويم :
-1بين أهمية هذا الحديث فى تأليف القلوب .
-2وضح األمور المنهي عنها فى الحديث .
-3بين واجبات المسلم نحو أخيه المسلم .
-4بين مقياس التفاضل وميزان الرجال كما بينه الحديث .
-5بين حرمة المسلم .
قوم Cمدى التزامك بالواجبات واآلداب التي حث عليها الحديث الشريف .
ِّ -6
33
يرتدع من الناس ،وجب رفع الحالة إلى ولي األمر حتى يؤدبه بما يترتب على فسقه من عقوبة شرعية ،ألن الستر عليه
يجعله وأمثاله يطمعون في مزيد من المخالفة ،فيعيثون Cفي األرض فساداً ،ويجرون على األمة الشر المستطير.
-الشفاعة لمن وقعت منه معصية :إذا وقعت من المسلم زلة ،وكان مستور Cالحال ،معروفاً Cبين الناس باالستقامة
والصالح ،ندب للناس أن يستروه وال يعزروه على ما صدر منه ،وأن يشفعوا له ويتوسطوا Cله لدى من تتعلق زلته به
إن كانت تتعلق بأحد ،فقد قال صلى اهلل عليه وسلم " :أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم " رواه أبو داود .أي تغاضوا Cعن
زالت من عرفوا باالستقامة والرشد.
-التعاون بين المسلمين وعون اهلل عز وجل لهم :إن المجتمع لن يكون سوياً قويماً ،ولن يكون قوياً متماسكاً إال إذا
قام على أساس من التعاون والتضامن والتكافل Cفيما بين أفراده ،فسعى Cكل منهم في حاجة غيره ،بنفسه وماله وجاهه،
حتى يشعر الجميع أنهم كالجسد الواحد ،وقال صلى اهلل عليه وسلم " :إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً "
متفق عليه.
وال شك أن أعظم ثمرة يجنيها المسلم من إعانته ألخيه هي ذاك العون والمدد من اهلل تبارك وتعالى " :واهلل في عون
العبد ما دام العبد في عون أخيه " [رواه مسلم ].وكيف Cال وال حول لإلنسان وال قوة إال باهلل عز وجل؟ وهو سبحانه
المحرك الحقيقي لهذا الكون ،وهو المعطي والمانع ،ومنه الصحة والمرض ،ومنه القوة والضعف ،والغنى والفقر.
-2العلم طريق الجنة :إن اإلسالم شرط النجاة عند اهلل عز وجل ،واإلسالم ال يقوم وال يكون إال بالعلم ،فال طريقC
إلى معرفة اهلل تعالى والوصول إليه إال بالعلم ،فهو الذي يدل على اهلل سبحانه من أقرب طريق ،فمن سلك طريقه ولم
يعوج عنه بلغ الغاية المنشودة ،فال عجب إذن أن يجعل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم طلب العلم طريق Cالجنة ،ويبين
أن كل طريق يسلكه المسلم يطلب فيه العلم يشق به طريقاً سالكة توصله إلى الجنة" :من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً
سهل اهلل له به طريقاً إلى الجنة" وليس أدل على ما نقول من أن اهلل تعالى جعل فاتحة الوحي إلى رسوله صلى اهلل عليه
وسلم أمراً بالعلم وبوسائل Cالعلم ،وتنبيهاً إلى نعمة العلم وشرفه وأهميته في التعرف على عظمة الخالق جل وعال
ان ِم ْن ق اإِ َ
نس َ اسِم َر ِّب َك الَِّذي َخلَ َ
ق * َخلَ َ وإ دراك Cأسرار الخلق ،وإ شارة إلى حقائق علمية ثابتة ،فقال سبحانه{ :اقَْرأْ ِب ْ
ان َما لَ ْم َي ْعلَ ْم} [ العلق.] 5-1: نس َ ُّك األَ ْك َر ُم * الَِّذي َعلَّ َم ِبا ْل َقلَِم * َعلَّ َم ِ
اإل َ َعلَ ٍ
ق * اقَْرأْ َو َرب َ
-اإلخالص في طلب العلم وترك المباهاة والمباراة به :على طالب العلم والعالم أن يخلص في طلبه وعلمه هلل تعالى،
وال يقصد من ذلك إال حفظ دينه وتعليمه للناس ونفعهم به ،فال يكون غرضه من تعلم العلم وتعليمه نيل منصب أو مال
أو سمعة أو جاه ،أو ليقال عنه إنه عالم ،أو ليتعالى بعلمه على خلق اهلل عز وجل ،ويجادل به أقرانه ويباريهم ،فكل ذلك
مذموم Cيحبط عمله ،ويوقعه في سخط اهلل تبارك وتعالى.
وروى الترمذي Cوغيره " :من طلب العلم ليجاري Cبه العلماء ،أو ليماري به السفهاء ،ويصرف Cبه وجوه الناس إليه،
أدخله اهلل النار" .
" -ال أدري" نصف العلم :من عالئم اإلخالص في طلب العلم وتعليمه أن ال يأنف طالب العلم من أن يقول :ال أدري،
فيما ال علم له به ،وكثيراً Cما كان العلماء يسأل أحدهم عن عديد من المسائل ،فيجيب عن بعضها بما يعلم ،ويجيب عن
أكثرها بال أدري ،حتى قيل :ال أدري نصف العلم ،ألنها عالمة على أن قائلها متثبت مما يقول.
34
إن ذكر اهلل عز وجل من أعظم العبادات ،وذلك أن ذكر اهلل عز وجل يحمل اإلنسان على التزام شرعه في كل
شأن من شؤونه ،ويشعره برقابة اهلل تعالى عليه فيكون له رقيب من نفسه ،فيستقيم سلوكه ويصلح حاله مع اهلل تعالى
آم ُنوا ا ْذ ُك ُروا اللَّ َه ُّها الَِّذ َ
ين َ
ِ
ومع الخلق ،ولذا أُمر المسلم بذكر اهلل تبارك تعالى في كل أحيانه وأحواله ،قال سبحانهَ { :ياأَي َ
ومساء ،والمراد :في كل األوقات. َصيال} [األحزاب .]42-41 :أي صباحاً ِذ ْكرا َك ِثيرا * وس ِّبحوهُ ب ْكرةً وأ ِ
ً َ َ ُ ُ َ َ ً ً
-خير ذكر كتاب اهلل تعالى :وخير ما يذكر به اهلل عز وجل كالمه المنزل على المصطفى صلى اهلل عليه وسلم لما
فيه-إلى جانب الذكر -من بيان لشرع اهلل تعالى ،وما يجب على المسلم التزامه ،وما ينبغي عليه اجتنابه.
-عمارة المساجد :وخير األماكن لذكر اهلل عز وجل وتالوة القرآن وتعلم العلم إنما هي المساجد بيوت اهلل سبحانه،
يعمرها في أرضه المؤمنون ،وعمارتها الحقيقية إنما تكون بالعلم والذكر إلى جانب العبادة من صالة واعتكاف
اآلص ِ ِ ِ وت أ َِذ َن اللَّ ُه أ ْ
ونحوها ،قال تعالىِ { :في بي ٍ
ال * ِر َجا ٌل ال تُ ْل ِهي ِه ْم يها ِبا ْل ُغ ُد ِّو َو َ
س ِّب ُح لَ ُه ف َ
اس ُم ُه ُي َ
يها ْ َن تُْرفَ َع َو ُي ْذ َك َر ف َ ُُ
ص ُار * ِل َي ْج ِز َي ُه ْم اللَّ ُهوب َواأل َْب َ
ون يوما تَتَ َقلَّ ِ ِ
ب فيه ا ْل ُقلُ ُ ُ
اء َّ ِ
الز َكاة َي َخافُ َ َ ْ ً
الة وإِيتَ ِِتجارةٌ وال ب ْيع ع ْن ِذ ْك ِر اللَّ ِه وإِقَ ِام َّ ِ
الص َ َ ََ َ َ ٌ َ
س ٍ ِ ضِل ِه َواللَّ ُه َي ْر ُز ُ
يد ُه ْم ِم ْن فَ ْ
س َن َما َع ِملُوا َو َي ِز َ
اب}[النور.]38-36 : اء ِب َغ ْي ِر ح َ
ش ُق َم ْن َي َ َح َ
أْ
-عبادة منفردة وشافع مشفع :فتالوة القرآن بذاتها عبادة مأمور Cبها ،ويثاب عليها المسلم ،وتكون وسيلة لنجاته يوم
القيامة ونيل مرضاة ربه جل وعال ،حيث يشفع القرآن لتاليه عند ربه.
وروى مسلم عن أبي أمامة الباهلي رضي Cاهلل عنه قال :سمعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول " :اقرؤوا القرآن،
فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً ألصحابه ".
وال يقل فضل السماع للقرآن عن فضل تالوته ،بل إن االستماع واإلنصات لقراءته سبب لنيل مغفرة اهلل تعالى ورحمته.
وروى األمام أحمد في مسنده :أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال " :من استمع إلى آية من كتاب اهلل كتبت له حسنة
مضاعفة ،ومن تالها كانت له نوراً يوم القيامة ".
-نور على نور :ويزداد Cاألجر ويعظم الثواب ويكثر الفضل إذا ضم إلى التالوة واالستماع والفهم والتدبير Cوالخشوع،
آي ِات ِه َوِل َيتَ َذ َّك َر أ ُْولُوا ِ
َنز ْل َناهُ إِلَ ْي َك ُم َب َار ٌك ل َيدَّب َُّروا َ
اب أ َ ِ
فيجتمع نور على نور ،ومكرمة إلى مكرمة .قال اهلل تعالى{ :كتَ ٌ
اب} [ ص. ]29 :األَْل َب ِ
-فضل االجتماع فى بيت من بيوت اهلل على ذكر اهلل :
أ" -نزلت عليهم السكينة":
آم ُنوا َوتَ ْط َم ِئ ُّن وبهذه السكينة يطمئن القلب ،وتهدأ النفس ،وينشرح الصدر ،ويستقر Cالبال والفكر ،وقال تعالى{:الَِّذ َ
ين َ
ِ ِ ِ ِ ِ
وب ُه ْم ِبذ ْك ِر اللَّه أَال ِبذ ْك ِر اللَّه تَ ْط َمئ ُّن ا ْل ُقلُ ُ
وب} [ الرعد.]28 : ُقلُ ُ
والخسارة كل الخسارة ألولئك الذين خوت قلوبهم Cفغفلوا عن اهلل تعالى وذكره ،فعاشوا في مقت وكرب وضياع Cفي
دنياهم ،وكان لهم الهالك والخلود في جهنم في أخراهم ،قال تعالى:
ام ِة أ ْ
َع َمى} [طه.]124 : ِ
ش ُرهُ َي ْو َم ا ْلق َي َ
ضن ًكا َو َن ْح ُ
ش ًة َ ض َع ْن ِذ ْك ِري فَِإ َّن لَ ُه َم ِعي َ َع َر َ
{ َو َم ْن أ ْ
ض ٍ
الل ُم ِب ٍ
ين} [الزمر. ]22: وب ُه ْم ِم ْن ِذ ْك ِر اللَّ ِه أ ُْولَ ِئ َك ِفي َ ِ ِ ِ
وقال سبحانه{ :فَ َو ْي ٌل ل ْلقَاس َية ُقلُ ُ
ب" -غشيتهم الرحمة":
فطوبى لهؤالء الذين قربت منهم الرحمة فكانت تالوتهم Cلكتاب اهلل عز وجل ومدارستهم Cله عنواناً على أنهم من
ين} [األعراف.]56 : يب ِم َن ا ْل ُم ْح ِس ِن َ ِ
المحسنين{ :إِ َّن َر ْح َم َة اللَّه قَ ِر ٌ
35
ج" -حفتهمـ المالئكة":
فلما كثر القارئون كثرت المالئكة حتى تُحيط بهم من كل جانب .
ولعل خير ثمرة لهذه المكرمة أن يكون هؤالء المالئكة سفراء بين عباد الرحمن هؤالء وبين خالقهم جل وعال ،يرفعون
إليه سبحانه ما يقوم به هؤالء المؤمنون من ذكر اهلل عز وجل ومدارسة لكتابه ،وما انطوت عليه نفوسهم Cمن رغبة في
نعيم اهلل عز وجل ورضوانه ،ورهبة من سخطه وإ شفاق من عقابه ،فيكون ذلك سبباً للمغفرة ،وباباً للفوز والنجاة.
د" -ذ َك َرهم اهلل فيمن عنده":
أذكركم واش ُكروا لي وال تَ ْكفرون} [ البقرة .]152 :فإذا ذكر العبد المؤمن ربه،
قال عز وجل{ :فاذ ُكروني ْ
بتالوة كتابه وسماع آياته ،قابله اهلل عز وجل على فعله من جنسه فذكره سبحانه في عليائه ،وشتان ما بين الذاكرين،
ففي ذكر اهلل تعالى لعبده الرفعة ،والمغفرة والرحمة ،والقبول والرضوان.
وخالصة القول :لقد ربحت تجارة هؤالء الذين أقبلوا على كتاب اهلل عز وجل تالوة ودرساً Cوتعلماً وعمالً والتزاماً،
اهم ِس ًّرا وع ِ ِ َّ ِ ين ي ْتلُ َ ِ ِ
ون
الن َي ًة َي ْر ُج َ َ َ الصالةَ َوأَ ْنفَقُوا م َّما َرَز ْق َن ُ ْ
اموا َّ اب الله َوأَقَ ُ ون كتَ َ وصدق Cاهلل العظيم إذ يقول{ :إِ َّن الَّذ َ َ
يد ُهم ِم ْن فَ ْ ِ ِ ِ ِ
ور} [فاطر.]30-29 : ش ُك ٌ ضله إِ َّن ُه َغفُ ٌ
ور َ ور ُه ْم َو َي ِز َ ْ
ُج َور * ل ُي َوفِّ َي ُه ْم أ ُ
ت َج َارةً لَ ْن تَُب َ
-4التقوى والعمل الصالح طريق الوصول إلى اهلل عز وجل :لقد قرر Cاإلسالم وحدة اإلنسانية ،ورسخ المساواة بين
أفراد البشرية من حيث المولد ،فالجميع مخلوقون من نفس واحدة ،وال فرق Cبين أبيض وأسود ،وال فضل لعربي على
ساس اتَّقُوا َر َّب ُك ْم الَِّذي َخلَقَ ُك ْـم ِم ْن َن ْف ٍ ُّها َّ
الن ُ أعجمي ،وال امتياز لشريف على وضيع في أصل الخلقة والمنشأَ { :ياأَي َ
ِ َّ ِ اح َد ٍة و َخلَ َ ِ و ِ
اء} [النساء .]1 :وكانت العدالة اإللهية في اإلسالم حيث جعل س ً يرا َو ِن َ
ق م ْن َها َز ْو َج َها َو َبث م ْن ُه َما ِر َجاال َكث ً َ َ
ُّها
التفاضل بين الناس بالعمل الصالح ،وطريق Cالقرب من اهلل تعالى تقواه ،دون النظر إلى من انحدر من اآلباءَ { :يا أَي َ
ِ َّ ِ ِ َّ ِ ِ ِ ِ اس إِ َّنا َخلَ ْق َنا ُك ْم ِم ْن َذ َك ٍر َوأُنثَى َو َج َع ْل َنا ُك ْم ُ َّ
يم َخ ِب ٌ
ير} وبا َوقَ َبائ َل لتَ َع َارفُوا إ َّن أَ ْك َر َم ُك ْم ع ْن َد الله أَتْقَا ُك ْـم إ َّن الل َه َعل ٌ
ش ُع ً الن ُ
[الحجرات .]13 :فال يضير Cاإلنسان عند اهلل عز وجل ضعة نسبه ،فإن اهلل تعالى رتب الجزاء على األعمال ال على
األنساب.
النبي أن يبدأ بتبليغ أهله فيقول له {:وأ ِ
َنذ ْر ولذا نجد القرآن الكريم يحذر الناس من أن يعتمدوا Cعلى األنساب ،فيأمرَّ C
َ
ين} [الشعراء، ]214:ونجد المصطفى صلى اهلل عليه وسلم ينادي فيقول ":يا فاطمة بنت محمد -صلى يرتَ َك األَقَْر ِب َ ِ
َعش َ
اهلل عليه وسلم -سليني ما شئت من مالي ،ال أغني عنك من اهلل شيئاً " متفق عليه.
36
وقال":في كل كبد رطبة أجر" متفق عليه.
-4الحذر من تطرق الرياء في طلب العلم ،ألن تطرقه في ذلك أكثر من تطرقه في سائر األعمال ،فينبغي Cتصحيح
النية فيه واإلخالص كي ال يحبط األجر ويضيع Cالجهد .
-5طلب العون من اهلل تعالى والتيسير ،ألن الهداية بيده ،وال تكون طاعة إال بتسهيله ولطفه ،ودون ذلك ال ينفع علم
وال غيره .
-6مالزمة تالوة القرآن واالجتماع Cلذلك ،واإلقبال على تفهمه وتعلمه والعمل به ،وأن ال يترك ليقرأ في بدء
االحتفاالت والمناسبات ،وفي المآتم وعلى األموات.
ار ُعوا إِلَى َم ْغ ِف َر ٍة ِم ْن َر ِّب ُك ْم َو َج َّن ٍة َع ْر ُ
ض َها سِ -7المبادرة إلى التوبة واالستغفار Cوالعمل الصالح ،قال اهلل تعالى َ {:و َ
اس َواللَّ ُهالن ِين َع ْن َّ اف َ ظ وا ْلع ِ اظ ِم َ
اء وا ْل َك ِ
اء والض َّ ِ
ون ِفي َّ ِ ين ُي ْن ِفقُ َ
ين * الَِّذ َ
َّت ِل ْل ُمتَّ ِق َ ضأِ
ين ا ْل َغ ْي َ َ َ َّر َ الس َّر َ ُعد ْ ات َواأل َْر ُ
الس َم َاو َُّ
ين} [آل عمران. ]134-133 : ب ا ْل ُم ْح ِس ِن َ
ُي ِح ُّ
التقويم :
-1عدد واجبات المسلم على أخيه المسلم التى وردت فى الحديث .
-2وضح واجبات المسلم على أخيه المسلم .
-3بين كيف أن العلم طريق Cالجنة .
-4وضح فضل االجتماع فى بيوت اهلل على تالوة كتاب اهلل وتدارسه .
-5بين عدالة اإلسالم ووالية اإليمان والعمل ال والية الدم والنسب .
قوم Cمدى التزامك بالواجبات التى حث عليها الحديث الشريف .
ِّ -6
الحديث السابع والثالثون
ضلُ ُه وقُدرتُه عد ُل ِ
اهلل تَعالى َوفَ ْ َ
بارك وتعالى قال: ويه عن َر ِّب ِه تَ َ اهلل صلى اهلل عليه وسلم فيما ير ِ
َْ
رسول ِِ َّاس رضي اهللُ عنهما ،عن ابن عب ٍ عن ِ
كاملَةً ،وإ ْن َه َّم بها فَ َع ِملها
َّن :فَم ْن َه َّم ِبحس َن ٍة َفلَم يعملها َكتَبها اهلل ِع ْن َدهُ حسن ًة ِ
َ َ ُ ْ ََْ َ َ َ َ
َّ ِ
والس ِّيئات ثَُّم َبي َ َ
"إن اهلل َكتَب الحس ِ
نات َّ َ َ َ َ
ٍ ف إلى ْ ٍ ضع ٍِ ِ ِ شر ح ٍ
س َن ًة ثير ٍة ،وإ ن َه َّم َ
بس ِّي َئة َفلَ ْم َي ْع َم ْلها َكتَبها اهللُ ع ْن َدهُ َح َ أضعاف َك َ س ْب ِع م َئة ْ
سنات إلى َ َكتََبها اهللُ ع ْن َدهُ َع ْ َ َ َ
سلم في صحيحيهما بهذه الحروف. ِ ِ ِ
وم ٌ سي ّئ ًة واح َدة" .رواهُ البخاري ُ كاملَةً ،وإ ن َه َّم بها َف َعملها َكتََبها اهللُ َ
األهداف اإلجرائية السلوكية :
-1أن يبين الدارس جزاء عمل الحسنات .
-2أن يبين الدارس جزاء عمل السيئات .
الهم بالحسنات وجزاءه .
-3أن يشرح الدارس ّ
الهم بالسيئات وجزاءه .
-4أن يشرح الدارس ّ
-5أن يستشعر الدارس فضل اهلل تعالى على عباده .
مفردات الحديث:
"كتب الحسنات والسيئات" :أمر المالئكة الحفظة بكتابتهما _ Cكما في علمه _ على َوفق الواقع.
37
" َه َّم" :أراد وقصد.
"بحسنة" :بطاعة مفروضة أو مندوبة.
"ضعف" :مثل.
"سيئة" :بمعصية صغيرة كانت أو كبيرة.
المعنى العام:
تضمن الحديث كتابة الحسنات والسيئات ،والهم بالحسنة والسيئة ،وفيما يلي األنواع األربعة:
عمل الحسنات :كل حسنة عملها العبد المؤمن له بها عشر حسنات ،وذلك ألنه لم يقف بها عند الهم والعزم ،بل
ش ُر أ َْمثَ ِال َها} [األنعام .]160 :وأما س َن ِة َفلَ ُه َع ْ
اء ِبا ْل َح َ
أخرجها إلى ميدان العمل ،ودليل ذلك قوله تعالىَ { :م ْن َج َ
يل اللَّ ِه
س ِب ِ ِ
ون أ َْم َوالَ ُه ْم في َ
ين ي ِ
نفقُ َ ِ
المضاعفة على العشر لمن شاء اهلل أن يضاعف له ،فدليله قول اهلل تعالىَ { :مثَ ُل الَّذ َ ُ
ِ ِ ش ُ َّ ف ِل َم ْن َي َ ض ِ َّة أَ ْنبتَ ْت س ْبع س َنا ِب َل ِفي ُك ِّل س ْنبلَ ٍة ِم َائ ُة حب ٍ
َّة َواللَّ ُه ُي َ ٍ
يم} [البقرة.]261 : اء َوالل ُه َواسعٌ َعل ٌ اع ُ َ ُُ َ َ َ َك َمثَ ِل َحب َ
روى Cمسلم عن ابن مسعود قال" :جاء رجل بناقة مخطومة فقال :يا رسول اهلل هذه في سبيل اهلل ،فقال :لك بها يوم
القيامة َس ْبعُ ِمَئ ِة ناقة".
ومضاعفة الحسنات زيادة على العشر إنما تكون بحسب حسن اإلسالم ،وبحسب كمال اإلخالص ،وبحسب
فضل العمل وإ يقاعه في محله المالئم.
الس ِّي َئ ِة فَال
اء ِب َّ
عمل السيئات :وكل سيئة يقترفها Cالعبد تكتب سيئة من غير مضاعفة ،قال تعالىَ { :و َم ْن َج َ
ون} [األنعام ،]160 :لكن السيئة تعظم أحياناً بسبب شرف الزمان أو المكان أو الفاعل: ُي ْج َزى إِال ِمثْلَ َها َو ُه ْم ال ُي ْظلَ ُم َ
فالسيئة أعظم تحريماً عند اهلل في األشهر الحرم ،لشرفها عند اهلل.
والخطيئة في الحرم أعظم لشرف المكان.
والسيئة من بعض عباد اهلل أعظم ،لشرف فاعلها وقوة معرفته باهلل وقربه منه سبحانه وتعالى.
الهم بالحسنات :ومعنى Cالهم اإلرادة والقصد ،والعزم Cوالتصميم ،ال مجرد الخاطر ،فمن هم بحسنة كتبها اهلل
عنده حسنة واحدة ،وذلك ألن الهم بالحسنة سبب وبداية إلى عملها ،وسبب الخير خير ،وقد ورد تفسير الهم في حديث
أبي هريرة عند مسلم "إذا تحدث عبدي بأن يعمل حسنة فأنا أكتبها له حسنة".
الهم بالسيئات :وإ ذا هم العبد بسيئة ولم يعملها ،كتبت له حسنة كاملة ،وفي Cحديث البخاري" Cوإ ن تركها من
أجلي" وهذا يدل على أن ترك العمل مقيد بكونه هلل تعالى ،والتارك يستحق Cالحسنة الكاملة ،ألنه قصد Cعمالً صالحاً،
وهو إرضاء اهلل تعالى بترك العمل السيء .أما من ترك السيئة بعد الهم بها مخافة من المخلوقين أو مراءاة لهم ،فإنه ال
يستحق Cأن تكتب له حسنة.
وقال الخطابي :محل كتابة الحسنة على الترك أن يكون التارك قد قدر على الفعل ثم تركه ،ألن اإلنسان ال
يسمى تاركاً إال مع القدرة ويدخل فيه من حال بينه وبين حرصه على الفعل مانع ،كأن يمشي إلى مكان يرتكب فيه
المنكر فيجد الباب مغلقاً ويتعسر فتحه.
أن رحمة اهلل بعباده المؤمنين واسعة ،ومغفرته شاملة ،وعطاءه غير محدود.
ال يؤاخذ اهلل تعالى على حديث النفس والتفكير بالمعصية إال إذا صدق ذلك العمل والتنفيذ.
على المسلم أن ينوي فعل الخير دائماً وأبداً ،لعله يكتب له أجره وثوابه ،ويروض Cنفسه على فعله إذا تهيأت له
األسباب.
38
اإلخالص في فعل الطاعة وترك Cالمعصية هو األساس في ترتب الثواب ،وكلما عظم اإلخالص كلما تضاعف
األجر وكثر Cالثواب.
التقويم :
-1بين جزاء عمل الحسنات .
-2بين جزاء عمل السيئات .
الهم بالحسنات .
-3اشرح جزاء ّ
الهم بالسيئات .
-4اشرح جزاء ّ
-5هل تستشعر Cالدارس فضل اهلل تعالى على عباده من خالل هذا الحديث – عبِّر عن مشاعرك .
39
أولياء اهلل تعالى :هم ُخلَّص عباده القائمون بطاعاته المخلصون له ،وقد Cوصفهم اهلل سبحانه وتعالى Cفي كتابه
آم ُنوا ون * الَِّذ َ
ين َ اء اللَّ ِه ال َخ ْو ٌ
ف َعلَ ْي ِه ْم َوال ُه ْم َي ْح َز ُن َ الكريم بصفتين هم اإليمان والتقوى ،فقال تعالى{ :أَال إِ َّن أ َْوِل َي َ
ون} [يونس ،]63-62 :فالركن األول للوالية هو اإليمان باهلل ،والركن الثاني لها هو التقوى ،وهذا يفتح َو َكا ُنوا َيتَّقُ َ
الباب واسعاً وفسيحاً أمام الناس ليدخلوا إلى ساحة الوالية ،ويتفيؤوا ظالل أمنها وطمأنينتها.
وأفضل Cأولياء اهلل تعالى هما األنبياء والرسل ،المعصومون عن كل ذنب أو خطيئة ،المؤيدون بالمعجزات من
عند اهلل سبحانه وتعالى ،وأفضل Cاألولياء بعد األنبياء والرسل أصحاب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،الذين عملوا
بكتاب اهلل وسنة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،ومن جاء بعدهم من القرون حتى أيامنا هذه ممن ينسب إلى الوالية،
وال يكون ولياً هلل حقاً إال إذا تحقق في شخصه اإليمان والتقوى ،واتبع رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم واهتدى بهديه
واقتدى به في أقواله وأفعاله.
معاداة أولياء اهلل تعالى :إن كل من يؤذي مؤمناً تقياً ،أو يعتدي عليه في ماله أو نفسه أو عرضه ،فإن اهلل
تعالى يعلمه أنه محارب له ،وإ ذا حارب اهلل عبداً أهلكه ،وهو يمهل وال يهمل ،ويمد للظالمين مداً ثم يأخذهم أخذ عزيز
مقتدر ،وقد وقع في بعض روايات الحديث أن معاداة الولي وإ يذاءه محاربةٌ هلل ،ففي حديث عائشة رضي Cاهلل عنها في
المسند "من آذى ولياً فقد استحل محاربتي".
أفضل األعمال وأحبها إلى اهلل تعالى أداء الفرائض :وهذه الفائدة صريحة في قول اهلل تعالى في هذا الحديث:
إلي مما افترضت Cعليه". إلي عبدي بشيء َّ
أحب َّ "ما تقرب َّ
ومن الفرائض المقربة إلى اهلل تعالى َع ْد ُل الراعي في رعيته سواء كانت رعية عامة كالحاكم ،أو رعية خاصة،
كعدل آحاد الناس في أهله وولده ،ففي الترمذي Cعن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى اهلل عليه وسلم قال" :إن أحب
العباد إلى اهلل يوم القيامة وأدناهم Cإليه مجلساً إمام عادل".
من أداء الفرائض ترك المعاصي :ألن اهلل تعالى افترض على عباده ترك المعاصي ،وأخبر سبحانه أن من
تعدى حدوده وارتكب معاصيه ،كان مستحقاً للعقاب األليم في الدنيا واآلخرة ،وبهذا يكون ترك المعاصي Cمن هذه
إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه".
الناحية داخالً تحت عموم قوله" :وما تقرب َّ
التقرب إلى اهلل تعالى بالنوافل :وال يحصل هذا التقرب والتحبب إال بعد أداء الفرائض ،ويكون باالجتهاد في
نوافل الطاعات ،من صالة وصيام Cوزكاة وحج ،...وكف النفس عن دقائق المكروهات Cبالورع ،وذلك يوجب للعبد
محبة اهلل ،ومن أحبه اهلل رزقه طاعته واالشتغال Cبذكره وعبادته.
ومن أعظم ما يتقرب به العبد إلى اهلل تعالى من النوافل كثرة تالوة القرآن وسماعه بتفكر وتدبر وتفهم ،ومن
أذكركم} [البقرة.]152 :
فاذكروني ْ أعظم النوافل كثرة ذكر اهلل ،قال تعالىُ { :
أثر محبة اهلل في وليه :يظهر أثر محبة اهلل في وليه بما ورد في الحديث "فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به،
وبصره الذي يبصر به ،ويده التي يبطش بها ،ورجله التي يمشي بها" وفي بعض الروايات "وقلبه الذي يعقل به ،ولسانه
الذي ينطق به" .
ورقَّاه من درجة
قال ابن رجب :والمراد Cمن هذا الكالم أن من اجتهد بالتقرب إلى اهلل بالفرائض ثم بالنوافل قََّربه إليه َ
اإليمان إلى درجة اإلحسان ،فيصير Cيعبد اهلل على الحضور Cوالمراقبة كأنه يراه ،فيمتلئ Cقلبه بمعرفة اهلل تعالى ومحبته
وعظمته ،وخوفه ومهابته ،واألنس به والشوق إليه ،حتى يصير Cالذي في قلبه من المعرفة مشاهداً له بعين البصيرة.
40
ومتى امتأل القلب بعظمة اهلل تعالى محا ذلك من القلب كل ما سواه ،ولم يبق للعبد شيء من نفسه وهواه ،وال
إرادة إال لما يريده منه مواله ،فحينئذ Cال ينطق العبد إال بذكره ،وال يتحرك إال بأمره ،فإن نطق نطق باهلل ،وإ ن سمع سمع
به ،وإ ن نظر نظر به ،وإ ن بطش بطش به .فهذا هو المراد بقوله " :كنت سمعه الذي يسمع به ."...
وقد Cذهب الشوكاني إلى أن المراد :إمداد الرب سبحانه لهذه األعضاء بنوره الذي تلوح به طرائق Cالهداية
الغ َواية.
وتنقشع عنده سحب َ
الولي مجاب الدعوة :ومن تكريم اهلل لوليه أنه إذا سأله شيئاً أعطاه ،وإ ن استعاذ به من شيء أعاذه منه ،وإ ن
دعاه أجابه ،فيصير مجاب الدعوة لكرامته على اهلل تعالى ،وقد Cكان كثير من السلف الصالح معروفاً بإجابة الدعوة،
كالبراء بن مالك ،والبراء بن عازب ،وسعد Cبن أبي وقاص ..وغيرهم ،وربما دعا المؤمن المجاب الدعوة بما يعلم اهلل
الخيرة له في غيره ،قال :فال يجيبه إلى سؤاله ويعوضه بما هو خير له ،إما في الدنيا أو في اآلخرة ،فقد أخرج أحمد
والبزار Cوأبو يعلى بأسانيد Cجيدة ،أن النبي صلى اهلل عليه وسلم قال" :ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم وال قطيعة
رحم ،إال أعطاه اهلل بها إحدى ثالث :إما أن يعجل له دعوته ،وإ ما أن يدخرها له في اآلخرة ،وإ ما أن يصرف Cعنه من
السوء مثلها".
ما يستفاد من الحديث
ِع َ
ظم قدر الولي ،لكونه خرج من تدبير نفسه إلى تدبير ربه تعالى ،ومن انتصاره لنفسه إلى انتصار Cاهلل له،
وعن حوله وقوته بصدق توكله.
أن ال يحكم إلنسان آذى ولياً ثم لم يعاجل بمصيبة في نفسه أو ماله أو ولده ،بأنه يسلم من انتقام اهلل تعالى له ،فقد
تكون مصيبته في غير ذلك مما هو أشبه عليه ،كالمصيبة في الدين مثالً.
التقويم :
-1من هم أولياء اهلل تعالى .
-2اشرح خطورة معاداة أولياء اهلل عز وجل .
-3بين أفضل األعمال وأحبها إلى اهلل تعالى .
-4بين أفضل الوسائل للتقرب إلى اهلل تعالى .
-5وضح أثر محبة اهلل تعالى ألوليائه .
-6عبر عما تجد فى نفسك من أثر حين تتقرب إلى اهلل تعالى بالطاعات .
قوم Cنفسك على ماورد Cفى الحديث من توجيهات .
ّ -7
اقتضت حكمة اهلل عز وجل :أن ال يؤاخذ فرداً من هذه األمة إال إذا تعمد العصيان ،وقصد قلبه المخالفة وتركC
االمتثال ،عن رغبة وطواعية .والعفو عن ذلك _ أي عن إثم الخطأ والنسيان واإلكراه _ هو مقتضى الحكمة والنظر،
مع أنه تعالى لو آخذ بها لكان عادالً.
قتل الخطأ :من قصد Cإلى رمي صيد أو عدو فأصاب مسلماً أو معصوم Cالدم فإنه ال إثم عليه وال ذنب ،وإ ن كان
هذا ال يعفيه من المطالبة بالدية والكفارة.
تأخير الصالة عن وقتها :من أخر الصالة عن وقتها Cبعذر كنوم أو نسيان فإنه ال يأثم ،ولكنه يطالب بالقضاء
فور Cاالستيقاظ أو التذكر.
42
تفصيل القول في حكم الخطأ والنسيان:
أوالً:
إن َوقَ َع الخطأ أو النسيان في ترك مأمور به لم يسقط ،بل يجب تداركه .ومثال ذلك في الخطأ :ما لو دفع زكاة
ماله إلى من ظنه فقيراً ،فبان غنياً ،لم تجزئ عنه ،ووجب عليه دفعها للفقير ،وله أن يرجع بها على الغني.
ثانياً:
إن وقع الخطأ أو النسيان في فعل منهي عنه ،ليس من باب اإلتالف ،فال شيء عليه .ومثاله في الخطأ :من
شرب خمراً ،ظاناً أنها شراب غير مسكر ،فال حد عليه وال تعزيز ،وفي النسيان :ما لو تطيب المحرم أو لبس مخيطاً
ونحو Cذلك ،ناسياً فال شيء عليه.
ثالثاً:
إن وقع الخطأ أو النسيان في فعل منهي عنه ،هو من باب اإلتالف ،لم يسقط الضمان ،ومثاله :ما لو قُ ِّدم له
طعام مغصوب ضيافة ،فأكل منه ناسياً أنه مغصوب أو ظناً منه أنه غير مغصوب ،فإنه ضامن ،ومثله لو قتل صيداً
وهو محرم ،ناسياً إلحرامه أو جاهالً للحكم ،فعليه الفدية.
ماال يعذر به الناسي :ما سبق من القول من رفع المؤاخذة عما وقع من تصرف Cنسياناً إنما هو في الناسي الذي
لم يتسبب في نسيانه ،أما من تسبب في ذلك كأن ترك التحفظ وأعرض عن أسباب التذكر ،فإنه قد يؤاخذ عن تصرفه
ولو وقع منه نسياناً ،وذلك :كمن رأى نجاسة في ثوبه فتباطأ Cعن إزالتها حتى صلى بها ناسياً لها ،فإنه يعد مقصراً مع
وجوب القضاء عليه.
المكره :تختلف األحكام المترتبة على فعل المكره حسب درجة اإلكراه ،وطبيعة الفعل
َ ما يترتب على فعل
المكره عليه:
فقد يكون اإلكراه ملجئاً :بمعنى أن المكره يصبح في حالة ال يكون له اختيار في فعل ما أُكره عليه بالكلية وال
وح ِم َل كرهاً ،وأُدخل إلى مكان حلف على االمتناع من دخوله ،فال إثم
قدرة لديه على االمتناع منه ،وذلك :كمن ُربِط ُ
عليه باالتفاق ،وال يترتب عليه حنث في يمينه عند الجمهور.
ٍ
ملجئ :بمعنى أن المكره يستطيع أن يمتنع عن فعل ما أكره عليه ،فإذا كان المكره على هذه وقد Cيكون اإلكراه غير
الحال فإن فعله يتعلق به التكليف ،وذلك :كمن أكره بضرب أو غيره حتى فعل ،فإن كان يمكنه أن ال يفعل فهو مختار
لفعله ،لكن ليس غرضه نفس الفعل ،بل دفع الضرر عنه ،فهو مختار من وجه ،وغير مختار من وجه آخر ،ولهذا
اختلف فيه :هل هو مكلف أم ال ؟[انظر الفقه :كتاب اإلكراه].
التقويم :
-1بين فضل اهلل تعالى على هذه األمة ورفع الحرج عنها .
-2أذكر أمثلة تبين كيف أن اهلل عز وجل رفع الحرج عن األمة .
-3أذكر األحكام المترتبة على الخطأ والنسيان وفعل المكره .
الحديث األربعون
ِ
للفوز باآلخرة اغتنام الدُّنيا
ُ
43
كأن َك اهلل صلى اهلل عليه وسلم ِب َم ْن ِك َب َّي فقال ُ " :ك ْن في ُّ
الد ْنيا َّ ابن عمر رضي اهلل عنهما قال :أَ َخ َذ رسول ِ
ُ ُ عن ِ ُ َ َ
عابر س ِبيل".
يب ،أو َُغ ِر ٌ
ِ
مساء ،و ُخ ْذأص َب ْح َت فال تَ ْنتَظ ِر الَ َ س ْي َت فال تَ ْن ِ
تظر الصبَّاح ،وإ ذا ْ أم َ
ابن ُع َم َر َرضي اهللُ عنهما يقو ُل :إذا ْ وكان ُ
َ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ
البخاري.م ْن صحَّتك ل َمرضك ،و ِم ْن َحياتك ل َم ْو ِت َكَ .رواهُ ُ
44
الدنيا معبر وطريق لآلخرة :والمؤمن إما غريب فيها أو عابر سبيل ،فهو ال يركن إليها ،وال ُي ْش َغل بزخرفها
ويخدع Cبما فيها ،إنما يستشعر Cالمؤمن في نفسه وقلبه دائماً وأبداً ،أن يعيش في هذه الدنيا عيش الغريب عن وطنه ،البعيد
عن أهله وعياله ،فهو دائماً وأبداً ،في شوق Cإلى الوطن ،وفي Cحنين إلى لقيا األهل والعيال واألحباب ،وال يزال قلبه
يتلهف إلى مفارقته فهو ال يشيد فيه بناء ،وال يقتني فراشاً Cوال أساساً ،بل يرضى Cبما تيسر له ،ويدخر Cمن دار الغربة،
ويجمع من الهدايا والتحف ،ما يتنعم به في بلده ،بين األهل وذوي القربى ،ألنه يعلم أن هناك المقام والمستقر ،وهكذا
الد ْنيا ِفي ِ
اآلخ َر ِة إِال ِ
المؤمن يزهد في الدنيا ،ألنها ليست بدار مقام ،بل هي لحظات بالنسبة لآلخرة {فَ َما َمتَاعُ ا ْل َح َياة ُّ َ
اآلخ َرةَ ِهي َد ُار ا ْلقََر ِ
ار} [غافر.]39 : َقِلي ٌل} [التوبة{ ]38 :وإِ َّن ِ
َ
َ
بل إن المؤمن يعيش في هذه الدنيا ويستقر أقل مما يعيشه الغريب عن بلده ويقيم ،فإن الغريب ربما طاب له
المقام ،واتخذ المسكن واألهل والعيال ،وليس هذا حال المؤمن في الدنيا ،بل هو كالمسافر Cفي الطريق ،يمر َم ّر الكرام،
ونفسه تتلهف إلى الوصول Cلموطنه ومستقره ،والمسافر ال يتخذ في سفره المساكن بل يكتفي من ذلك بالقليل ،قدر ما
يؤنسه لقطع مسافة عبوره ،ويساعده على بلوغ غايته وقصده.
وهكذا المؤمن في الدنيا يتخذ من مساكنها ومتاعها ما يكون عوناً في تحقيق مبتغاه في اآلخرة من الفوز برضوان اهلل
الء َي ْو َم ِئ ٍذ َب ْع ُ
ض ُه ْم ِ
تعالى ويتخذ Cمن الخالن من يدله على الطريق ،ويساعده على الوصول Cإلى شاطئ Cالسالمة {األَخ ُ
ين} [الزخرف ]67 :ويكون َح ِذراً فيها من اللصوص وقُطَّاع الطرق Cالذين يبعدونه عن اهلل عز ض َع ُد ٌّو إِال ا ْل ُمتَّ ِق َ
ِل َب ْع ٍ
س ِبيال * َيا ول َ س ِ الر ُ ْت َم َع َّض الظَّ ِال ُم َعلَى َي َد ْي ِه َيقُو ُل َيا لَ ْيتَِني اتَّ َخذ ُ وجل وطاعته ،كحال المسافر Cفي الصحراء { َو َي ْو َم َي َع ُّ
ان َخ ُذوال} [الفرقان-27 : نس ِ
إل َ ان ِل ِ
ط ُ ان َّ
الش ْي َ اء ِني َو َك َ ِّ
َضلَّني َع ْن الذ ْك ِر َب ْع َد إِ ْذ َج َ
و ْيلَ ِتي لَ ْيتَِني لَم أَتَّ ِخ ْذ فُال ًنا َخِليال * لَقَ ْد أ َ ِ
ْ َ
الزاد التَّقوى ،واتَّ ِ
قون فإن خير ِ
وتزو ُدوا َّ َ .]29والمسافر يتزود Cلسفره ،والمؤمن يتزود Cمن دينه آلخرته قال اهلل تعالىَّ {:
يا أُولي األلباب} [البقرة .]197 :
على المسلم أن يبادر إلى فعل الخير ،واإلكثار Cمن الطاعات والمبرات ،فال يهمل وال يمهل ،على أمل التدارك
في المستقبل ،ألنه ال يدري متى ينتهي أجله.
ما يستفاد من الحديث:
على المسلم أن يغتنم المناسبات والفرص ،إذا سنحت له ،وقبل أن يفوت األوان ( .قصر Cاألمل واإلسراع Cفى
التوبة إلى اهلل عز وجل )
وفي Cالحديث حث على الزهد في الدنيا ،واإلعراض من مشاغلها ،وليس معنى ذلك ترك العمل والسعي
والنشاط C،بل المراد عدم التعلق بها واالشتغال Cبها عن عمل اآلخرة.
شأن المسلم أن يجتهد في العمل الصالح ،ويكثر Cمن وجوه الخير ،مع خوفه وحذره دائماً من عقاب اهلل سبحانه
وتعالى ،فيزداد Cعمالً ونشاطاً ،شأن المسافر الذي يبذل جهده من الحذر والحيطة ،وهو يخشى االنقطاع في الطريق،
وعدم الوصول إلى المقصد ،ويستعد دائماً للموت .
الحذر من صحبة األشرار ،الذين هم بمثابة قطاع الطرق ،كي ال ينحرفوا Cبالمسلم عن مقصده ،ويحولوا Cبينه
وبين الوصول إلى غايته.
العمل الدنيوي واجب لكف النفس وتحصيل Cالنفع ،والمسلمِّ C
يسخر ذلك كله من أجل اآلخرة وتحصيل Cاألجر عند
اهلل تعالى.
45
التقويم :
" -1كان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم معلماً ألصحابه ومربياً ،وقد Cسبق في تعليمه وتربيته لهم أحدث ما توصل
إليه علماء التربية الحديثة من طرق Cووسائل " وضح ذلك من خالل هذا الحديث الشريف. C
-2وضح ما يجب أن يكون عليه حال المؤمن مع الدنيا كما فى وصية رسول اهلل
-3بين حث الرسول على الزهد فى الدنيا واإلعراض عن مشاغلها .
-4هل تستعد للقاء اهلل عز وجل ؟ وبم تستعد ؟
قوم Cمدى استفادتك مما جاء فى هذا الحديث من توجيهات ووصايا .
ِّ -5
الحديث الحادي واألربعون
اإليمان اهلل تعالى ِع َم ُ
اد ِ شرع ِ ِ اتباعُ
بن عمرو ْب ِن ا ْلعاص رضي اهلل عنهما قال :قال رسو ُل ِ عن أبي َّ ٍ ِ
اهلل صلى اهلل عليه وسلم" :ال ُ َ محمد َعبد اهلل ِ َ
ت به".ون َهواهُ تََبعاً ِل َما ِج ْئ ُ ُيؤ ِم ُن َ
أح ُد ُك ْـم حتَّى ي ُك َ
صحيح.
ٍ َّة" بإس ٍ
ناد حديث ص ِحيح ،ر ِّويناهُ في "كتاب ا ْلحج ِ
ْ ُ ُ ٌ َ
األهداف اإلجرائية السلوكية :
-1أن يبين الدارس أن المسلم إنسان متكامل .
-2أن يشرح الدارس حقيقة الهوى وأنواعه .
-3أن يوضح الدارس خطورة إتباع الهوى .
-4أن يبين الدارس وجوب محبة اهلل ورسوله ودليل هذه المحبة .
-5أن يستشعر الدارس آثار محبة اهلل ورسوله فى نفسه ( آثار أن يكون هواه مع اهلل ورسوله ) .
يقوم الدارس مدى تحققه بما ورد فى الحديث من توجيه .
-6أن ِّ
مفردات الحديث:
"ال يؤمن" :ال يكمل إيمانه ،أو ال يصح.
"هواه" :ما تحبه نفسه ويميل إليه قلبه ويرغبه طبعه.
"تبعاً" :تابعاً له بحيث يصبح اتِّباعه كالطبع له.
"لما جئت به" :ما أرسلني اهلل تعالى به من الشريعة الكاملة.
المعنى العام:
المسلم إنسان متكامل :المسلم إنسان تتكامل فيه جوانب الشخصية المثالية ،فال تعارض بين قوله وفعله ،وال
تناقض بين سلوكه وفكره ،بل هو إنسان يتوافق Cفيه القلب واللسان مع سائر أعضائه ،كما يتناسق لديه العقل والفكر
والعاطفة ،وتتوازن عنده الروح والجسد ،ينطق لسانه بما يعتقد ،وتنعكس عقيدته على جوارحه ،فتُقَ ِّوم سلو َكه وتُ َس ِّدد
تصرفاته ،فال تتملكه الشهوة ،وال تطغيه بدعة ،وال تهوي به متعة ،منطلقه في جميع شؤونه وأحواله شرعُ اهلل تعالى
الحكيم ،وهذا ما يقرره رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عندما ينصب لنا العالمة الفارقة للمسلم المؤمن فيقول" :ال يؤمن
أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به".
46
حقيقة الهوى وأنواعه :قد يطلق الهوى ويراد به الميل إلى ِّ
الحق خاصة ،ومحبته واالنقياد إليه .ومنه ما جاء
في قول عائشة رضي Cاهلل عنها :ما أرى ربك إال يسارع في هواك.
وقد Cيطلق ويراد به الميل والمحبة مطلقاً ،فيشمل الميل إلى الحق وغيره ،وهذا المعنى هو المراد في الحديث.
وقد Cيطلق ويراد به مجرد إشباع شهوات النفس وتحقيق رغباتها ،وهذا المعنى هو المراد عند إطالق كلمة
الهوى ،وهو األكثر في االستعمال ،وهو المعنى الذي تضافرت نصوص الشرع على ذمه والتحذير منه والتنفير عنه،
إذ الغالب فيه أن يكون ميالً إلى خالف الحق ،وتحقيق مشتهيات الطبع دون مقتضيات الشرع ،فيكون سبيل الضالل
يل اللَّ ِه} [ص.]26 :
س ِب ِ ِ
والشقاء .قال اهلل تعالى مخاطباً داود عليه السالمَ { :وال تَتَِّب ْع ا ْل َه َوى فَ ُيضلَّ َك َع ْن َ
اتباع الهوى منشأ المعاصي والبدع واإلعراض عن الحق :فمن استرسل في شهواته ،وأعطى نفسه هواها،
جرته إلى المعاصي Cواآلثام ،وأوقعته في مخالفة شرع اهلل عز وجل ،وفي Cالحقيقة :ما انحرف المنحرفون ،وما ابتدع
المبتدعون ،وما أعرض الكافرون الفاسقون والمارقون ،عن المنهج القويم والحق المبين ،لعدم وضوح Cالحق أو عدم
المتََّبع ،قال تعالى{ :فَِإ ْن لَ ْم
اقتناعهم به _ كما يزعمون _ فالحق واضح أبلج ،والباطل ملتبس لجلج ،وإ نما بدافع الهوى ُ
َض ُّل ِم َّم ْن اتََّب َع َه َواهُ ِب َغ ْي ِر ُه ًدى ِم ْن اللَّ ِه} [القصص.]50 :
اء ُه ْم َو َم ْن أ َ
َه َو َ اعلَ ْم أ ََّن َما َيتَِّب ُع َ
ون أ ْ ستَ ِج ُ
يبوا لَ َك فَ ْ َي ْ
الهوى المتبع إله ُي ْع َبد من دون اهلل عز وجل :إن العبادة هي االنقياد والخضوع ،فمن انقاد لهواه وخضع
لشهواته فقد أصبح عبداً لها .وإ ن الهوى والشهوات ال تزال باإلنسان حتى تتمكن منه وتسيطر Cعليه ،فال يصدر Cفي
تصرفاتها Cإال عنها ،وال يأتمر إال بأمرها ،وإ ن خالف فكره وعقله ،وناقض معرفته وعلمه .وهكذا تجد َعَب َدة الهوى
يغمضون أعينهم عن رؤية الحق ،ويصمون آذانهم عن سماعه ،فال يعرفون استقامة وال يهتدون سبيالً .قال ابن عباس
رضي Cاهلل عنه :الهوى إله يعبد في األرض ،ثم تال{ :أ ََرأ َْي َت َم ْن اتَّ َخ َذ إِلَ َه ُه َه َواهُ} [الفرقان .]43 :وقال عليه الصالة
والسالم" :ما تحت ظل السماء إله يعبد أعظم عند اهلل تعالى من هوى متبع" .أعظم :أي أكثر إثماً ألنه أوسع شراً.
بمْل ِكه أن يخالف هواه ويسيطر على نوازعC ِ
واإلنسان بما ُمنح من القوة العاقلة وما أعطي من االختيار والقدرة َ
الشر ويكبتها ،ويجاهد Cنفسه ويحملها على السمو في درجات الخير والتقوى Cفيبوئها Cالمرتبة الالئقة بها من التكريمC
والتفضيل ،فإن هو فعل ذلك كان سلوكه عنوان قوته العقلية وبشريته المثالية وإ نسانيته المتكاملة ،وإ ن هو انهزم أمام
َس َّ
ف بكرامته ،فكان _ذا عنوان حماقته نوازع Cالشر واستسلم لهواه وانحدر Cفي دركات الرذيلة فقد انحط بإنسانيته ،وأ َ
اها} [الشمس .]10 - 9 :وقال عليه الصالة والسالم:
س َاب َم ْن َد َّ وضعفه ،قال اهلل تعالى{ :قَ ْد أَ ْفلَ َح َم ْن َز َّك َ
اها * َوقَ ْد َخ َ
نفسه هواهاَّ ،
وتمنى على اهلل األماني". أتبع َ
والعاجز من َ
ُC جاهد نفسه،
َ "المجاهد من
ُ
وأما مجاهدة النفس والتمرد على الهوى فهي نتيجة المعرفة الحقة باهلل عز وجل ،واستشعار Cعظمته وإ دراك
نعمته .وال يزال العبد يجاهد نفسه حتى ينسلخ كلياً من عبودية الهوى إلى العبودية الخالصة هلل عز وجل ،ويكتمل فيه
س اف مقَام َر ِّب ِه َو َن َهى َّ
الن ْف َ َما َم ْن َخ َ َ َ
اإليمان ،ويثبت لديه اليقين ،ويكون من الفائزين بسعادة الدارين ،قال اهلل تعالىَ { :وأ َّ
َع ْن ا ْل َه َوى * فَِإ َّن ا ْل َج َّن َة ِه َي ا ْل َمأ َْوى} [النازعات.]41 - 40 :
محبة اهلل تعالى ورسوله صلى اهلل عليه وسلم :حتى يتحقق لدى المسلم أصل اإليمان ،ويسير Cفي طريق بلوغ
كماله ،البد من أن يحب ما أحبه اهلل تعالى ،محبة تحمله على اإلتيان بما وجب عليه منه وما ندب إلى فعله ،وأن يكره ما
كرهه اهلل تعالى ،كراهة تحمله على الكف عما حرم عليه منه وما ندب إلى تركه ،وهذه المحبة لما أحبه اهلل تعالى
47
والكراهة لما كرهه ،ال تتحققان إال إذا أحب اهلل تعالى ورسوله صلى اهلل عليه وسلم حباً يفوق حبه لكل شيء ،بحيث
يضحي في سبيلهما بكل شيء ،ويقدمهما على كل شيء.
وروى البخاري Cومسلم عن أنس رضي Cاهلل عنه :قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم " :ال يؤمن أحدكم حتى
أكون أحب إليه من نفسه وولده وأهله والناس أجمعين".
عنوان المحبة الموافقة واالتباع :المحبة الصحيحة تقتضي متابعة المحب لمن أحب ،وموافقته فيما يحب
ويكره ،قوالً وفعالً واعتقاداً ،قال اهلل تعالىُ { :ق ْل إِ ْن ُك ْنتُ ْم تُ ِحب َ
ُّون اللَّ َه فَاتَِّب ُعو ِني ُي ْح ِب ْب ُك ْم اللَّ ُه[ }..آل عمران .]31 :فمن
ترك شيئاً مما يحبه اهلل عز وجل ورسوله صلى اهلل عليه وسلم ،وفعل شيئاً يكرهانه ،مع قدرته على فعل المحبوب
وترك Cالمكروه ،كان في إيمانه خلل ونقص ،عليه أن يسعى إلصالحه وتداركه ،وكانت محبته دعوى تحتاج إلى بينة.
االحتكامـ إلى شرع اهلل عز وجل والرضا بحكمه :من لوازم اإليمان أن يحتكم المسلم إلى شرع اهلل عز وجل في
خصوماته وقضاياه ،وال يعدل عنه إلى سواه.
النموذج المثالي :لقد كان أصحاب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم النموذج المثالي في صدق محبتهم هلل تعالى
ورسوله صلى اهلل عليه وسلم ،وحبهم ما يرضيهما Cوبغضهم Cما يسخطهما C،وتقديم محبتهما على كل شيء ،وتكييف
أهوائهم تبعاً لما جاء به رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،حتى بذلوا في سبيل ذلك نفوسهم وأرواحهم وأموالهم C،وقاتلواC
عليه آباءهم ،وهجروا أزواجهم Cوعشيرتهم وأوطانهم ،ألنهم كانوا أعرف بحقه وأدرك Cلفضله صلى اهلل عليه وسلم.
حالوة اإليمان :لإليمان أثر في النفوس ،وطعم Cفي القلوب ،أطيب لدى المؤمنين من الماء العذب البارد على
الظمأ ،وأحلى من طعم العسل بعد طول مرارة المذاق .وهذه المحبة وذاك الطيب ،ال يشعر بهما وال يجد لذتهما إال من
استكمل إيمانه ،وصدقت محبته هلل تعالى ولرسوله صلى اهلل عليه وسلم ،وأثمرت في جوانب نفسه ،فأصبح ال يحب إال
هلل ،وال يبغض إال هلل ،وال يعطي إال هلل ،وال يمنع إال هلل .روى البخاري Cومسلم :عن أنس رضي Cاهلل عنه ،عن النبي
صلى اهلل عليه وسلم قال" :ثالث من كن فيه وجد حالوة اإليمان :أن يكون اهلل ورسوله أحب إليه مما سواهما ،وأن
يحب المرء ال يحبه إال هلل ،وأن يكره أن يرجع إلى الكفر _ بعد أن أنقذه اهلل منه _ كما يكره أن يلقى في النار" .حالوة
اإليمان :معناها اللذة في الطاعة.
ما يستفاد من الحديث
أنه يجب على المسلم أن يعرض عمله على الكتاب والسنة ،ويسعى Cألن يكون موافقاً لهما.
ص َّدق شرع اهلل تعالى بقلبه وأقر Cبلسانه وخالف Cبفعله فهو فاسق ،ومن وافق بفعله وخالف في اعتقاده وفكره فهو
من َ
منافق ،ومن لبس لكل موقف لَُبوسه فهو زنديق مارق.
من لوازم Cاإليمان نصرة سنة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم والدفاع Cعن شريعته.
التقويم :
" -1المسلم إنسان متكامل ،واإليمان يجب أن يمأل عليه كيانه كله " وضح ذلك فى ضوء فهمك للحديث .
-2اشرح حقيقة الهوى وأنواعه .
-3وضح خطورة إتباع الهوى .
-4بين وجوب محبة اهلل ورسوله ودليل هذه المحبة .
-5هل استشعرت Cفى نفسك آثار محبة اهلل ورسوله ( آثار أن يكون هواك مع اهلل ورسوله ) ؟ أذكر مثاالً عملياً
عشته شخصياً .
48
قوم Cمدى تحققك بما ورد فى الحديث من توجيه ( أن يكون هواك وفقاً لما جاء به الرسول ) .
ِّ -6
50
يعجل له دعوته ،وإ ما أن يدخرها له في اآلخرة ،وإ ما أن يكشف عنه من السوء مثلها" .قالوا :إذاً نكثر ؟ قال" :اهلل
أكثر" .وعند الطبراني" :أو يغفر له بها ذنباً قد سلف" بدل قوله" :أو يكشف عنه عن السوء مثلها".
من آداب الدعاء :تحري األوقات الفاضلة _ .تقديم الوضوء والصالة _ .التوبة _ .استقبال القبلة ورفعC
األيدي _ .افتتاحه بالحمد والثناء والصالة على النبي صلى اهلل عليه وسلم_ .جعل الصالة في وسطه وختمه بها
وبآمين_ .ال يخص نفسه بالدعاء بل يعم_ .يحسن الظن باهلل ويرجو Cمنه اإلجابة _ .االعتراف بالذنب _ .خفض
الصوت.
االستغفار مهما عظمت الذنوب :إن ذنوب العبد مهما عظمت فإن عفو اهلل تعالى ومغفرته أوسع منها وأعظم،
فهي صغيرة في جنب عفو اهلل تعالى ومغفرته .أخرج الحاكم ،عن جابر رضي Cاهلل عنه" :أن رجالً جاء إلى النبي صلى
اهلل عليه وسلم وهو يقول :واذنوباه ،مرتين أو ثالثاً ،فقال له النبي صلى اهلل عليه وسلم :قل :اللهم مغفرتك أوسع من
ذنوبي ،ورحمتك Cأرجى عندي من عملي ،فقالها ،ثم قال به :عد ،فعاد ،ثم قال له :عد ،فعاد ،فقال له :قم ،قد غفر اهلل
لك".
االستغفار وعدم واإلصرار :في الصحيحين :عن أبي هريرة رضي Cاهلل عنه ،عن النبي صلى اهلل عليه وسلم:
"إن عبداً أذنب فقال :رب أذنبت ذنباً فاغفر لي ،قال اهلل تعالى :علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ Cبه ،غفرت
لعبدي ،ثم مكث ما شاء اهلل ،ثم أذنب ذنباً آخر ...فذكر مثل األول مرتين أخرين" .وفي Cرواية لمسلم أنه قال في الثالثة:
"قد غفرت لعبدي ،فليعمل ما شاء" .والمعنى :ما دام على هذا الحال ،كلما أذنب استغفر .والظاهر :أن مراده االستغفار
المقرون بعدم اإلصرار ،فاالستغفار Cالتام الموجب للمغفرة هو ما قارن عدم اإلصرار.
وأما االستغفار باللسان مع إصرار القلب على الذنب ،فهو دعاء مجرد ،إن شاء اهلل أجابه وإ ن شاء رده ،وقدC
يرجى له اإلجابة ،وال سيما إذا خرج عن قلب منكسر بالذنوب ،أو صادف ساعة من ساعات اإلجابة ،كاألسحار وعقب
األذان والصلوات Cالمفروضة ونحو ذلك .وقد يكون اإلصرار مانعاً من اإلجابة ،ففي المسند من حديث عبد اهلل مرفوعاًC
" :ويل للذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون".
توبة الكذابين :من قال :أستغفر اهلل وأتوب إليه ،وهو مصر بقلبه على المعصية ،فهو كاذب في قوله ،آثم في
فعله ألنه غير تائب ،فال يجوز له أن يخبر عن نفسه بأنه تائب وهو غير تائب ،واألشبه بحاله أن يقول :اللهم إني
أستغفرك فتب علي.
اإلكثار من االستغفار :في البخاري عن أبي هريرة رضي Cاهلل عنه ،عن النبي صلى اهلل عليه وسلم قال" :واهلل
إني ألستغفر اهلل وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة".
سيد االستغفار :يستحب أن يزيد في االستغفار على قوله :أستغفر اهلل وأتوب إليه ،توبة من ال يملك لنفسه نفعاً
وال ضراً ،وال موتاً وال حياة وال نشوراً.
روى Cالبخاري عن شداد بن أوس رضي اهلل عنه ،عن النبي صلى اهلل عليه وسلم قال " :سيد االستغفار أن يقول
العبد :اللهم أنت ربي ال إله إال أنت ،خلقتني وأنا عبدك ،وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت ،أعوذ بك من شر ما
علي وأبوء بذنبي فاغفر لي ،فإنه ال يغفر الذنوب إال أنت".
صنعت ،أبوء لك بنعمتك َّ
االستغفار لما جهله من الذنوب :من كثرت ذنوبه وسيئاته وغفل عن كثير منها ،حتى فاقت العدد واإلحصاء،
فليستغفر Cاهلل عز وجل مما علمه اهلل تعالى من ذنبه ،روى Cشداد بن أوس رضي Cاهلل عنه ،عن النبي صلى اهلل عليه
وسلم" :أسألك من خير ما تعلم وأعوذ بك من شر ما تعلم ،وأستغفرك لما تعلم ،إنك أنت عالم الغيوب".
51
من ثمرات االستغفار :في سنن أبي داود عن ابن عباس رضي اهلل عنه ،عن النبي صلى اهلل عليه وسلم قال:
"من أكثر من االستغفار جعل اهلل له من كل هم فرجاً ،ومن كل ضيق مخرجاً ،ورزقه من حيث ال يحتسب".
الخوف والرجاء :وال بد لتحقيق الرجاء من الخوف ،فيجب على الشخص أن يجمع بينهما ليسلم ،وال يقتصر
على أحدهما دون اآلخر ،ألنه ربما يفضي الرجاء إلى المكر والخوف Cإلى القنوط ،وكل منهما مذموم.
والمختار Cعند المالكية تغليب الخوف إن كان صحيحاً والرجاء إن كان مريضاً ،والراجح عند الشافعية
استواؤهما في حق الصحيح :بأن ينظر تارة إلى عيوب نفسه فيخاف ،وتارة ينظر إلى كرم اهلل تعالى فيرجو .وأما
المريض :فيكون رجاؤه أغلب من خوفه ،لقوله صلى اهلل عليه وسلم" :ال يموتن أحدكم إال وهو ُيحسن الظن باهلل
تعالى".
وقال اإلمام الشافعي Cرضي اهلل عنه في مرض موته:
لعفوك ُسلَّ َما
الر َجا مني ِ
جعلت َّ
ُ وضاقت مذاهبي
ْC ولما قَ َسا َقلبي
أعظما
َ كان عفوك
ك ربِّي َ فلما قرنتُــه ِ
بعفو َ مني Cذنبي َّ ظ َتَعا َ
ولعل هذه هي الحكمة في ختم هذه األحاديث المختارة بهذا الحديث وزيادته على األربعين.
التوحيد أساس المغفرة :من أسباب المغفرة التوحيد ،وهو السبب األعظم ،فمن فقده فقد المغفرة ،ومن جاء به
اء} [النساء :
ش ُون َذِل َك ِل َم ْن َي َ
ش َر َك ِب ِه َو َي ْغ ِف ُر َما ُد َ فقد أتى بأعظم أسباب المغفرة ،قال اهلل تعالى{ :إِ َّن اللَّ َه ال َي ْغ ِف ُر أ ْ
َن ُي ْ
.]116وإ ن الذنوب لتتصاغر أمام نور توحيد اهلل عز وجل ،فمن جاء مع التوحيد بقراب األرض خطايا لقيه اهلل عز
وجل بقرابها مغفرة ،على أنه موكول إلى مشيئة اهلل تعالى وفضله :فإن شاء غفر له ،وإ ن شاء أخذه بذنوبه.
النجاة من النار :إذا كمل توحيد Cالعبد وإ خالصه هلل فيه ،وقام بشروطه كلها ،بقلبه ولسانه وجوارحه ،أو بقلبه
ولسانه عند الموت ،أوجب ذلك مغفرة ما سلف من الذنوب كلها ومنعه من دخول النار بالكلية .قال صلى اهلل عليه وسلم
لمعاذ بن جبل رضي اهلل عنه" :أتدري Cما حق اهلل على العباد ؟ قال :اهلل ورسوله أعلم ،قال :أن يعبدوه وال يشركوا Cبه
شيئاً .أتدري ما حقهم عليه ؟ قال :اهلل ورسوله أعلم ،قال :أن ال يعذبهم" Cرواه البخاري وغيره .وفي المسند وغيره:
عن أم هانئ رضي Cاهلل عنها ،عن النبي صلى اهلل عليه وسلم قال" :ال إله إال اهلل ال تترك ذنباً وال يسبقها عمل".
التوحيد الخالص :من تحقق بكلمة التوحيد Cقلبه أخرجت منه كل ما سوى اهلل تعالى ،محبة وتعظيماً ،وإ جالالً
ومهابة ،وخشية ورجاء وتوكالً ،وحينئذ Cتحرق ذنوبه وخطاياه كلها ولو كانت مثل زبد البحر ،وربما Cقلبتها حسنات
وأحرق Cنور محبته لربه كل األغيار من قلبه" :ال يؤمن أحدكم حتى يكون اهلل ورسوله أحب إليه من سواهما" رواه
البخاري Cوغيره .ومحبة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم من محبة اهلل عز وجل.
التقويم :
-1بين كيف أن هذا الحديث الشريف أرجى حديث فى السنة .
-2أذكر أسباب مغفرة الذنوب .
-3بين شرائط Cإجابة الدعاء .
-4أذكر آداب الدعاء .
-5هل تحرص على أسباب مغفرة الذنوب ؟ أذكر موقف Cعملي عشته فى هذا الشأن .
-6هل تلتزم بآداب الدعاء ؟ عبر عما تستشعره في نفسك عند التزامك بهذه اآلداب .
52
-7هل تحرص على االستغفار مهما عظمت ذنوبك C؟ أذكر موقف عملي .
-8هل تكثر من االستغفار ؟ ( أذكر ورد االستغفار الذى تحافظ عليه ) .
-9بين ثمار االستغفار – وهل استشعرت فى نفسك شيئاً من هذه الثمار ..عبر عن ذلك إن وجد .
" التوحيد الخالص أساس المغفرة " وضح ذلك . -10
المصادر :
دار ابن كثير دمشق بيروت . الب َغا
د /مصطفى ُ -1الوافي فى شرح األربعين النووية
دار التوزيع والنشر Cاإلسالمية . -2شرح متن األربعين النووية لإلمام النووي
-3األربعون النووية وشرحها Cلإلمام محي الدين أبي زكريا يحي بن شرف النووي األندلس للنشر والتوزيعC
الفصل الثالث
غزوة مؤتة
األهداف اإلجرائية السلوكية :
.1أن يذكر الدارس سبب معركة مؤتة .
.2أن يذكر الدارس وصية النبي لجيش مؤتة .
.3أن يصف الدارس مدى شجاعة و إقدام الصحابه مستشهدا Cبيوم مؤتة .
.4أن يبرهن الدارس نبوغ خالد بن الوليد العسكري Cمستدال بخطته يوم مؤتة .
.5أن يصف الدارس حال النبي أثناء معركة مؤتة .
جهز عليه السالم في جمادى األولى جيشاً للقصاص ممن قتلوا الحارث بن عمير األزدي رسوله إلى أمير بصرى ،
وأمر عليهم زيد بن حارثة وقال لهم :إن أصيب فاألمير جعفر بن أبي طالب ،فإن أصيب فعبد اهلل بن رواحة ،وكان
ّ
عدة الجيش ثالثة آالف فساروا Cوشيعهم عليه السالم ،وكان فيما وصّاهم به ( اغزوا باسم اهلل فقاتلوا عدو اهلل وعدوكم
ّ
بالشام ،وستجدون فيها رجاالً في الصوامع معتزلين فال تتعرضوا Cلهم ،وال تقتلوا امرأة وال صغيراً Cوال بصيراً فانياً ،
وال تقطعوا شجراً وال تهدموا بناء ) .
ولم يزالوا سائرين حتى وصلوا مؤتة مقتل الحارث بن عمير ،وهناك وجدوا Cالروم قد جمعوا له جمعاً عظيماً
منهم من العرب المتنصرة ،فتفاوض رجال الجيش فيما يفعلونه :أيرسلون لرسول اهلل يطلبون منه مدداً أم يقدمون
على الحرب ؟؟ .
فقال عبد اهلل بن رواحة :يا قوم Cاهلل إن الذي تكرهون هو ما خرجتم Cله ،خرجتم تطلبون الشهادة نحن ما نقاتل
بقلة وال بكثرة ،ما نقاتل إال بهذا الدين الذي أكرمنا اهلل به ،فإنما هي إحدى الحسنين إما الظهور وإ ما الشهادة .
فقاتل زيد بن حارثة رضي اهلل عنه حتى فقال الناس :صدق واهلل ابن رواحة ومضوا للقتال ،فلقوا هذه الجموع المتكاثرة ،
استشهد ،فأخذ الراية جعفر بن أبي طالب وهو يقول :
54
كافرة بعيدة أنسابها والروم Cروم قد دنا عذابها
ثم اقتحم بفرسه المعمعة ولم يزل يقاتل رضي Cاهلل عنه حتى استشهد. C
فهمَّ بعض المسلمين بالرجوع إلى الوراء ،فقال لهم عقبة بن عامر يا قوم :يقتل اإلنسان مقبالً خيراً من أن
يقتل مدبراً فتراجعوا ، Cواصطلحوا على رجل منكم ،واتفقوا على تأمير الشهم الباسل خالد بن الوليد ،وبهمته ومهارته
لما أخذ الراية قاتل يومه قتاالً
الحربية حمى هذا الجيش من الضياع إذ ما تفعل ثالثة آالف بمائة وخمسين ألفاً ،فإنه ّ
شديداً ،وفي Cغده خالف العسكر فجعل الساقة مقدمة والمقدمة ساقة والميمنة ميسرة والميسرة ميمنة .
فظن الروم أن المدد جاء للمسلمين فرعبوا .ثم أخذ خالد الجيش وصار يرجع إلى الوراء حتى انحاز إلى مؤتة
ثم مكث يناوش األعداء سبعة أيام ثم تحاجز الفريقان ألن الكفار ظنوا أن األمداد تتوالى للمسلمين وخافوا أن يجروهم
إلى وسط الصحاري Cحيث ال يمكنهم التخلص وبذلك انقطع القتال .
وقد Cنعى النبي زيداً وجعفراً وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم فقال :أخذ الراية زيد
فأصيب ،ثم أخذها جعفر فأصيب ،ثم أخذها ابن رواحة فأصيب وكانت عينا رسول اهلل تذرفان ،ثم قال
:حتى أخذ الراية سيف من سيوف اهلل حتى فتح اهلل عليهم .
وجاءه رجال فقال :يا رسول اهلل إن نساء جعفر يبكين ،فأمره أن ينهاهن فذهب الرجل ثم أتى
فقال :قد نهيتهن فلم يطعن ! فأمره فذهب ثانياً ثم جاء فقال :واهلل غلبنا ،فقال له عليه السالم :أحث
في أفواههن التراب .
ولما أقبل الجيش إلى المدينة قابلهم Cالمسلمون يقولون لهم يا فرار ، Cفقال عليه السالم بل هم
الكرار ! ظن المقيمون بالمدينة إن انحياز خالد بالجيش هزيمة ،ولكن رسول اهلل أراهم أن ذلك من
مكايد الحرب وأثنى على خالد في مهارته .
نتائج معركة مؤتة :
كCانت معركة " مؤتة " معركة اسCتطالعية ع ّCرفت المسCلمين كثCيراً من خصCائص قCوات الCروم CوأسCاليب
قتالهم Cفاستفادوا Cمن هذه المعلومات للمعارك المقبلة .
تعتCC C Cبر معركة " مؤتة التجربة األولى " لخالد بن الوليد " بعد إسCC C Cالمه ،فCC C Cأثبت أن القيCC C Cادة العسCC C Cكرية
المسلمة قادرة على رسم الخطط ،وتنفيذها بنجاح ،وخطCةُ انسCحاب خالد أذهلت كبCCار قCواد CالCروم Cبعد ذلك
،مما جعل الروم يحسبون ألف حساب للمسلمين .
مقابلة ثالثة آالف مسCC C Cلم لمئCC C Cتي ألف من الCC C Cروم ، Cمن األدلة على أنهم لم يقCC C Cاتلوا إال لمبCC C Cدأ سCC C Cام ،
55
خبر مقاتلة المسلمين للروم بين القبائل المجاورة للشام ،مما ساعد على نشر اإلسالم .
ولهذا انتشر ُ
استطاع Cخالد بن الوليد أن ُينقذ الجيش اإلسالمي ـ بخدعته وبراعة تخطيطه ـ من اإلبادة ،فقد كCCانت
المعركة غير متكافئة تماماً إذ كانت نسبة المسلمين إلى الروم Cنسبة واحد إلى سبعين تقريباً .
سرية أبي عبيدة عامر بن الجراح إلى ساحل البحر لغزو قبيلة جهينة
وفي Cرجب أرسل عليه السالم أبا عبيدة عامر بن الجراح في ثالثمائة فارس لغزو قبيلة جهينة التي تسكن ساحل
البحر وزود Cعليه السالم هذا الجيش جراباً من التمر ،فساروا حتى إذا وصلوا Cالساحل أقاموا Cفيه نحو نصف شهر
ينتظرون العدو وقد فنى زادهم حتى أكلوا الخبط ( وهو ورق Cالسَُّمر ) يبلونه بالماء ويأكلونه إلى أن تقرحت أشداقهم. C
56
وكان في القوم الكريم ابن الكريم قيس بن عبادة فنحر Cلهم ثالث جزر في كل يوم جزور ، Cوفي Cاليوم الرابع
أراد أن ينحر ،فنهاه رئيسه أبو عبيدة ،ألن قيساً كان أخد تلك الجزر بدين على أبيه ،فخاف أبو عبيدة أن ال يفي له
أبوه بما استدان ،فقال قيس :أترى سعداً يقضي ديون الناس ويطعم Cفي المجاعة وال يقضي ديناً استدنته لقوم مجاهدين
في سبيل اهلل .
ولما يئسوا من لقاء عدوهم رجعوا Cإلى المدينة ،فقال قيس بن سعد ألبيه كنت في الجيش فجاعوا قال :انحر
قال نحرت قال :ثم جاعوا قال :انحر .قال :نحرت ،قال :ثم جاعوا ،قال :انحر .قال نحرت قال :ثم جاعوا قال
:انحر قال :نُهيت .
التقويم
-1اختر اإلجابة الصحيحة :وضع عليها عالمة ( )فيما يأتي :
( )1كانت معركة " مؤتة بين " ( المسلمين والفرس ـ المسلمين والروم ـ المسلمين واألحابيش ) .
( )2عند وصول Cالجيش اإلسالمي إلى الشام عسكر في( :مشارف ـ مؤتة ـ معان ـ الكرك ) .
كان عدد الروم Cقبل انضمام Cالقبائل العربية إليه ( مئة ألف ـ مئتي ألف ـ ثالثمئة ألف ) . (ج)
-2حدد من الغزوة ما يدل على الحقائق التالية :
( )1المجاهد المسلم يقاتل حتى آخر رمق من حياته .
( )2يجب النظر للمصلحة العليا دون المصلحة الشخصية .
الخبرة العسكرية لها دور في تغيير مسار المعركة . ()5
-3علل لما يأتي :
تشاور Cالمسلمين في قرية " معان " ()1
جميع الطعنات التي أصيب بها جعفر بن أبي طالب كانت من األمام . ()5
َّ
شكل خالد بن الوليد مؤخرة قوية للجيش اإلسالمي . (د)
-4أكمل ما يأتي :
(أ)عيَّن رسCC C C C C C C C C C C Cول اهلل ثالثة من القCC C C C C C C C C C C Cادة لمعركة " مؤتة " وهم على التCC C C C C C C C C C C Cوالي . . . . . . . :
و. . . . . . . . . . , . . . . . . . . . .
(ج) كانت معركة مؤتة في شهر . . . . . . . . . .من السنة . . . . . . . . .للهجرة
(د) كان مع هرقل . . . . . . .مقاتل ،وانضم إليه . . . . . . . .وهم من القبائل العربية المجاورة .
-5ضع المناسب من عالمة ( )أو عالمة ( )أمام العبارات األتية :
( )1من أسباب معركة مؤتة قتل قيصر Cللصحابي الجليل " الحارث بن عمير األزدي.
(ب) كان عدد الجيش اإلسالمي ثالثة آالف مجاهد مقابل ثالثمئة ألف من الروم .
(ج) تشاور المسلمون في مؤتة بسبب قلة العدد .
(د) خالد بن الوليد هو الذي أشار بمواجهة ا لروم. C
(هـ) يعتبر خالد منهزماً عندما انسحب بالجيش .
-6لغزوة مؤتة عدة نتائج اذكر ثالثاً منها .
57
-7من قائل هذه العبارات وما المناسبة التي قيلت فيها :
المناسبة القائل العبارة
فتح مكة
58
مسمع من رجل خزاعى ،فقام هذا وضربه فحرك ذلك كامن األحقاد وتذكر Cبنو بكر ثأرهم ،فشدواC
ٍ
العزيمة لحرب خصومهم واستعانوا بأوليائهم من قريش ،فأعانوهم سراً بالعدة والرجال ثم توجهوا إلى
خزاعة وهم آمنون فقتلوا منهم ما يربو على العشرين .
ولما رأى ذلك حلفاء السيد األمين أرسلوا منهم وفداً Cبرياسة عمرو بن سالم الخزاعي ليخبر رسول
حلوا بين يديه وأخبروه الخبر قال :واهلل ألمنعنكم مما أمنع نفسي
اهلل بما فعل بهم بنو بكر وقريش ، Cفلما ّ
منه .
أما قريش فإنهم لما رأوا أن ما عملوه نقض للعهود التي اتخذت عليهم ،ندموا على ما فعلوا
وأرادوا Cمداواة هذا الجرح ،فأرسلوا Cقائدهم أبا سفيان بن حرب إلى المدينة ليشدّ العقد ويزيد Cفي المدة ،
فركب راحلته وهو يظن أنه لم يسبقه أحد حتى إذا جاء المدينة نزل على أم المؤمنين أم حبيبة بنته وقدC
أراد أن يجلس على فراش رسول اهلل فطوته عنه ،فقال يا بنية :أرغبت به عني أم رغبت بي عنه ؟
فقالت :ما كان لك أن تجلس على فراش رسول اهلل وأنت مشرك نجس ،فقال لقد أصابك بعدي شر .
ثم خرج من عندها وأتى النبي في المسجد وعرض عليه ما جاء له ،فقال له عليه السالم :هل
كان من حدث ؟ قال :ال ،فقال عليه السالم :فنحن على مدتنا وصلحنا ،ولم يزد عن ذلك .
فقام أبو سفيان ومشى إلى كبائر المهاجرين من قريش علهم يساعدونه على مقصده ،فلم يجد منهم
معيناً وكلهم قالوا :جوارنا في جوار رسول اهلل ،فرجع إلى قومه ولم يصنع شيئاً ،فاتهموه بأنه خانهم
واتبع اإلسالم ،فتنسك عند األوثان لينفي عن نفسه هذه التهمة .
أما رسول اهلل فتجهز Cللسفر وأمر أصحابه بذلك ،وأخبر الصديق Cبالوجهة فقال له :يا رسول
اهلل أوليس بينك وبين قريش عهد ؟ قال :نعم ولكن غدروا ونقضوا. C
ثم استنفر عليه السالم األعراب الذين حول المدينة وقال :من كان يؤمن باهلل واليوم Cاآلخر
فليحضر رمضان بالمدينة ،فقدم جمع من قبائل أسلم وغفار ومزينة وأشجع وجهينة وطوى عليه السالم
األخبار عن الجيش كيال يشيع األمر فتعلم قريش فتستعد للحرب ،والرسول عليه السالم ال يريد أن يقيم
حرباً بمكة بل يريد انقياد أهلها مع عدم المساس بحرمتها ، Cفدعا مواله جل ذكره وقال ( :اللهم خذ
العيون واألخبار عن قريش حتى نبغتها في بلدها ) .
فقام حاطب بن أبي بلتعة أحد الذين شهدوا بدراً وكتب كتاباً لقريش يخبرهم Cبعض أمر رسول اهلل
وأرسله مع جارية لتوصله إلى قريش على عجل ،فأعلم اهلل رسوله ذلك ،فأرسل في أثرها علياً
والزبير Cوالمقداد ،وقال :انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ ،فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها ،
فانطلقوا Cحتى أتوا الروضة فوجدوا Cبها المرأة فقالوا لها :أخرجي الكتاب ،قالت :ما معي كتاب ! فقالوا
لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب ،فأخرجته من عقاصها ،فأتوا Cبه رسول اهلل فقال عليه السالم :يا
على ،إني كنت حليفاً لقريش ولم أكن من أنفسها ،وكان
ّ حاطب ماهذا ؟ قال :يا رسول اهلل ال تعجل
من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون أهليهم وأموالهم ، Cفأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن
أتخذ عندهم يداً يحمون بها قرابتي ، Cولم أفعله ارتداداً عن ديني وال رضاءً بالكفر بعد اإلسالم .
فقال عليه السالم :أما أنه قد صدقكم .
59
فقال عمر :دعني يا رسول اهلل أضرب عنق هذا المنافق ،فقال :إنه قد شهد بدراً وما يدريك
لعل اهلل اطّلع على من شهد بدراً ،فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم .
وفي Cذلك أنزل اهلل سورة الممتحنة ( يا أيها الذين آمنوا ال تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون
إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإ ياكم أن تؤمنوا باهلل ربكم إن كنتم
خرجتم جهاداً في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة أنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن
يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل )
(سورة الممتحنة )1
ثم سار عليه السالم بهذا الجيش العظيم في منتصف Cرمضان بعد أن ولّى على المدينة بن أم
مكتوم ، Cوكانت عدة الجيش عشرة آالف مجاهد ،ولما وصل األبواء لقيه اثنان كانا من أشد أعدائه وهما
ابن عمه أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب شقيق عبيدة بن الحارث شهيد بدر ،وصهره عبد اهلل بن
أبي أمية ابن المغيرة شقيق زوجه أم سلمة ،وكانا يريدان اإلسالم فقبلهما عليه السالم وفرح Cبهما شديد
. (يوسف )92
الفرح وقال ( :ال تثريب عليكم اليوم يغفر اهلل لكم وهو أرحم الراحمين )
ولما وصل عليه السالم الكديد رأي أن الصوم Cشق على المسلمين فأمرهم Cبالفطر وأفطر Cهو أيضاً ،وقدC
قابل عليه السالم في الطريق العباس بن عبد المطلب مهاجراً بأهله وعياله فأمره أن يعود إلى مكة ويرسل
عياله إلى المدينة .ولما وصل عليه السالم م ّر الظهران أمر بإيقاد عشرة آالف نار ،وكان قريش قد بلغهم أن
محمداً زاحف بجيش عظيم ال تدري وجهته ،فأرسلوا Cأبا سفيان بن حرب وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء Cيلتمسون
الخبر عن رسول اهلل ،فأقبلوا يسيرون حتى أتوا م ّر الظهران فإذا هم بنيران كأنها نيران عرفة فقال أبو سفيان :ما هذه
لكأنها نيران عرفة ،فقال بديل بن ورقاء : Cنيران بني عمرو ،فقال أبو سفيان :بنو عمرو أقل من ذلك .
فرآهم ناس من حرس رسول اهلل فأدركوهم ،فأخذوهم Cفأتوا بهم رسول اهلل فأسلم Cأبو سفيان ،فلما سار قال
خطْم الجبل حتى ينظر المسلمين ،فحبسه العباس فجعلت القبائل تمر كتيبة كتيبة على
للعباس :أحبس أبا سفيان عند َ
أبي سفيان ،وهو يسأل عنها ويقول ما لي ولها ،حتى إذا مرت به قبيلة األنصار وحامل رايتها سعد بن عبادة فقال سعد
:يا أبا سفيان اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الكعبة ،فقال أبو سفيان :يا عباس حبذا يوم الذِّمار ( الهالك ) .
ثم جاءت كتيبة وهي أقل الكتائب فيها رسول اهلل وأصحابه وحامل الراية الزبير بن العوام فأخبر Cأبو سفيان
رسول اهلل بمقالة سعد ،فقال عليه السالم :كذب سعد ولكن هذا يوم يعظِّم اهلل فيه الكعبة ويوم تكسى فيه الكعبة ،ثم أمر
(اسم جبل)
عليه السالم أن تركز رايته بالحجون
وأمر خالد بن الوليد أن يدخل من أسفل مكة من كدي (اسم جبل) ودخل هو من أعالها من كداء ،ونادى Cمناديه :
من دخل داره وأغلق بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن .
وهذه أعظم منّة له ،واستثنى Cمن ذلك جماعة عظمت ذنوبهم وآذوا اإلسالم وأهله عظيم األذى فأهدر دمهم وإ ن
تعلقوا بأستار الكعبة ،منهم عبد اهلل بن سعد بن أبي السرح الذي أسلم وكتب لرسول اهلل الوحي ثم ارتد وافترى Cالكذب
على األمين المأمون ،فكان يقول :إن محمداً كان يأمرني Cأن أكتب عليم حكيم فأكتب غفور رحيم ،فيقول كل جيد
ومنهم Cعكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية وهبار بن األسود Cوالحارث بن هشام ،وزهير Cبن أبي أمية ،وكعب بن
زهير ووحشي Cقاتل حمزة وهند بنت عتبة زوج أبي سفيان وقليل غيرهم ،ونهى عن قتل واحد سوى هؤالء إال من قاتل
.
60
فأما جيش خالد بن الوليد فقابله الذعر من قريش يريدون صدّه فقاتلهم وقتل منهم أربعة وعشرين وقتل من
جيشه اثنان ودخلها Cعنوة من هذه الجهة .
وأما جيش رسول اهلل فلم يصادف Cمانعاً وهو عليه السالم راكب راحلته منحن على الرحل تواضعاًC
اهلل وشكراً له على هذه النعمة حتى تكاد جبهته تمس الرحل ،وأسامة بن زيد رديفه وكان ذلك صبح يوم
الجمعة لعشرين خلت من رمضان حتى وصل إلى الحجون موضع رايته ،وقد Cنصبت له هناك قبة فيها
أم سلمة وميمونة ،فاستراح Cقليلاً ثم سار وبجانبه أبو بكر يحادثة وهو يقرأ سورة الفتح حتى بلغ البيت
وطاف Cسبعاً على راحلته واستلم الحجر بمحجنه ،وكان حول الكعبة إذ ذاك ثالثمائة وستون صنماً ،
فجعل عليه السالم يطعنها بعود في يده يقول :جاء الحق وزهق Cالباطل ،وما يبدئ الباطل وما يعيد ،ثم
أمر بها فأخرجت Cمن البيت وفيها صورة إسماعيل وإ براهيم في أيديهما األزالم فقال عليه السالم :قاتلهمC
اهلل لقد علموا ما استقسما بها قط !!
وهذا أول يوم طهرت فيه الكعبة من هذه المعبودات الباطلة ،وبطهارة الكعبة المقدسة عند جميع
العرب باديها وحاضرها Cمن هذه األدناس سقطت عبادة األوثان من جميع بالد العرب إال قليالً .ويوشك
أن نذكر للقارئ اختفاء آثارها ومحو Cعبادتها بالكلية .
ثم إن النبي دخل الكعبة وكبّر في نواحيها ،ثم خرج إلى مقام إبراهيم وصلى فيه ثم شرب من زمزم Cوجلس
في المسجد والناس حوله والعيون شاخصة إليه ينتظرون ما هو فاعل بمشركي قريش الذين آذوه وأخرجوه من بالده
وقاتلوه ،ولكن هنا تظهر مكارم Cاألخالق التي يلزم أن يتعلم منها المسلم أن يكون رضاه وغضبه هلل ال لهوى النفس ،
أخ كريم ،فقال عليه السالم :
أخ كريمُ وابن ٍ
فاعل بكم ؟ قالوا :خيراً ُ
ُ فقال عليه السالم :يا معشر قريش ما تظنون ّأني
اذهبوا فأنتم Cالطلقاء .
ويرحم Cاهلل اإلمام البوصيري حيث قال :
تساوى Cالتقريب واإلقصاء وإ ذا كان القطع والوصل هلل
من سره المالم واإلطراءC وسواء عليه فيما أتاه
ـس لدامت قطيعة وجفاء ولو أن انتقامه لهوى النفـ
منه تباين ووفاء قام هلل في األمور Cفأرضى Cاهلل
ــح إال بما حواه اإلناء فعله كله جميل وهل ينضـ
ثم خطب عليه السالم خطبة أبان فيها كثيراً من األحكام اإلسالمية منها :أن ال يقتل مسلم بكافر ، Cوال يتوارث
أهل ملتين مختلفتين ،وال تنكح المرأة على عمتها أو خالتها ،والبينة على من ادعى واليمين على من أنكر ،وال تسافرC
المرأة مسيرة ثالثة أيام إال مع ذي محرم ،وال صالة بعد الصبح والعصر ،وال يصام يوم األضحى ويوم Cالفطر .
ثم قال :يامعشر Cقريش إن اهلل قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها Cباآلباء ،والناس من آدم وآدم من تراب ثم تال
هذه اآلية ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكمـ شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكمـ عند اهلل أتقاكم إن اهلل
61
ثم شرع الناس يبايعون رسول اهلل على اإلسالم ،وممن أسلم في هذا اليوم معاوية بن أبى (الحجرات )13
عليم خبير )
سفيان وأبو قحافة والد الصدّيق و قد فرح الرسول كثيرا بإسالمه .
وجاء رجل يرتعد خوفاً Cفقال له عليه السالم ( :هون عليك فإني لست بملك إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت
تأكل القديد ) .
أما الذين أهدر رسول اهلل دمهم فقد ضاقت عليهم األرض بما رحبت ،فمنهم من حقت عليه كلمة العذاب فقتل ،
ومنهم Cمن أدركته عناية اهلل فأسلم . Cفعبد اهلل بن سعد بن أبي سرح لجأ إلى أخيه من الرضاع Cعثمان بن عفان طلب منه
أن يستأمن له رسول اهلل فغيبه عثمان حتى هدأ الناس ثم أتى به النبي وقال :يا رسول اهلل قد أمنته فبايعه ،فأعرض
عنه عليه السالم مراراً ثم بايعه ،فلما خرج عثمان وعبد اهلل قال عليه السالم :أعرضت عنه ليقوم إليه أحدكم
فيضرب Cعنقه فقالوا :هال أشرت إلينا ؟ فقال :ال ينبغي لنبي أن تكون له خائنة األعين .
وأما عكرمة بن أبي جهل فهرب فخرجت وراءه زوجته وبنت عمه أم حكيم بنت الحارث بن هشام وكانت قد
ّ
أسلمت قبل الفتح وقد أخذت له أماناً من رسول اهلل فلحقته وقد Cأراد أن يركب البحر فقالت :جئتك من عند أبر الناس
وخيرهم Cال تهلك نفسك وإ ني قد استأمنته لك ،فرجع ولما رآه عليه السالم وثب قائماً فرحاً به :مرحباً بمن جاءنا
مهاجراً مسلماً ،ثم أسلم رضي Cاهلل عنه وطلب من رسول اهلل أن يستغفر له كل عداوة عاداه إياها فاستغفر Cله ،وكان
رضي Cاهلل عنه بعد ذلك من خيرة المسلمين وأغيرهم على اإلسالم .
هبار بن األسود فهرب واختفى حتى إذا كان رسول اهلل بالجعرانة جاءه مسلماً وقال :يا رسول اهلل هربت
وأما َّ
عمن جهل عليك ،وكنا يا رسول اهلل أهل شرك فهداناC
منك وأردت اللحاق باألعاجم ثم ذكرت عائدتك وصلتك Cوصفحك ّ
اهلل بك وأنقذنا من الهلكة فاصفح الصفح الجميل .فقال عليه السالم :قد عفوت عنك .
وأما الحارث بن هشام وزهير بن أبي أمية المخزومي Cفأجارتهما أم هانئ بنت أبي طالب فأجاز عليه السالم
جوارها. C
ولما قابل رسول اهلل الحارث بن هشام مسلماً قال له :الحمد هلل الذي هداك ما كان مثلك يجهل اإلسالم وقد Cكان
بعد ذلك من فضالء الصحابة .
وأما صفوان بن أمية فاختفى وأراد أن يذهب ويلقي نفسه في البحر فجاء ابن عمه عمير بن وهب الجمحي وقال
:يا نبي اهلل إن صفوان سيد قومه وقد Cهرب ليقذف نفسه في البحر فأمنِّه فإنك قد أمنت األحمر واألسود ،فقال عليه
السالم :أدرك ابن عمك فهو آمن ،فقال :أعطني عالمة فأعطاه عمامته فأخذها Cعمير حتى إذا لقي صفوان قال له :
فداك أبي وأمي جئتك من عند أفضل الناس وأبر الناس وخير Cالناس وهو ابن عمك وعزه عزك وشرفه شرفك وملكه
ملكك ،قال صفوان :إني أخاف على نفسي ،قال :هو أحلم من ذلك وأكرم ،وأراه العمامة عالمة األمان فرجع إلى
رسول اهلل ،وقال له :إن هذا يزعم أنك أمنتني ؟ قال :صدق ، Cقال :أمهلني بالخيار شهرين ،قال :أربعة أشهر ،ثم
أسلم رضي اهلل عنه وحسن إسالمه .
وأما هند بنت عتبة فاختفت ثم أسلمت وجاءت إلى رسول اهلل فرحب بها وقالت له :واهلل يا رسول اهلل ما كان
أحب إلى أن يعزوا من
أحب إلى أن يذلوا من أهل خبائك ،ثم ما أصبح اليوم أهل خباء ّ
على ظهر األرض أهل خباء ّ
أهل خبائك .
وفود كعب بن زهير
62
وأما كعب بن زهير فلما ضاقت به األرض ولم يجد له مجيراً جاء المدينة بعد أن قدمها Cرسول اهلل من مكة
فأسلم Cوأنشد قصيدته التي تقول فيها :
ال ألهينك إني عنك مشغول وقال كل صديق كنت آمله
فكل ما قدر الرحمن مفعول فقلت خلوا سبيلي ال أبا لكم
يوماً على آلة حدباء محمول كل ابن أنثى وإ ن طالت سالمته
والعفو عند رسول اهلل مأمول أنبئت أن رسول اهلل أوعدني
ــقرآن فيها مواعيظ وتفصيل مهالً هداك الذي أعطاك نافلة ال ـ
وأما وحشي Cقاتل حمزة فكذلك أسلم وحسن إسالمه وقبله عليه الصالة والسالم Cوقد جاءه ابنا أبي لهب عتبة
ومعتب فأسلما Cوفرح بهما عليه السالم .
وكان من الذين اختفوا سهيل بن عمرو ،فاستأمن له ابنه عبد اهلل فأمنّه عليه السالم وقال :إن سهيالً له عقل
وشرف Cوما مثل سهيل يجهل اإلسالم ،فلما بلغت هذه المقالة سهيالً قال :كان واهلل براً صغيراً براً كبيراً ثم أسلم بعد
ذلك .
بيعة النساء
هذا ،ولما تمت بيعة الرجال بايعه النساء وكن يبايعن على أن ال يشركن باهلل شيئاً وال يسرقن وال يزنين وال
يقتلن أوالدهن وال يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن وال يعصين الرسول في معروف .
ثم أمر عليه السالم بالالً أن يؤذن على ظهر الكعبة ،وهذا بدء ظهور Cاإلسالم على ظهر البيت الكريم ،فال
عجب أن أتخذ المسلمون هذا اليوم عيداً يحمدون فيه اهلل حق حمده على هذه النعمة الكبرى والنصر العظيم ،وأقام عليه
السالم بمكة بعد فتحها تسعة عشر يوماً يقصر فيها الصالة وولى عليها عتاب بن أسيد وجعل رزقه كل يوم درهماً ،
فكان عتاب رضي اهلل عنه يقول :ال أشبع اهلل بطناً جاع على درهم كل يوم .
هدم العزى
وفي Cالخامس من مقامه عليه السالمة بمكة أرسل خالد بن الوليد في ثالثين فارساً لهدم هيكل العزى وهي أكبر
صنم لقريش وكان هيكلها ببطن نخلة فتوجه إليها خالد وهدمها. C
هدم سواع
وأرسل عليه السالم عمرو بن العاص لهدم سواع وهو أعظم صنم لهذيل وهيكله على ثالثة أميال من مكة
فذهب إليه وهدمه .
هدم مناة
ل وهو جبل
بالمشلّ ْ
وبعث سعد بن زيد األشهلي في عشرين فارساً لهدم مناة وهي صنم لكلب وخزاعة وهيكلها ُ
على ساحل البحر يهبط منه إلى قديد فتوجهوا إليها وهدموها .
63
نتائج الفتح األعظم :
انCCCدحرت قCCCريش وقضي عليها وتبCCCددت قوتها ، CوأصCCCيبت الوثنية بض CCربة قاص CCمة .فال شك أنه بعد -1
فتح مكة قضى على معقل الوثنية الحصCC C Cين الCC C Cذي كCC C Cانت تنطلق منه الجيCC C Cوش لحCC C Cرب المسCC C Cلمين ،
وانمحى Cالتض CCييق والح CCرج ال CCذي ك CCان يالقيه المؤمن CCون من كف CCار مكة ومن س CCلطانهم Cعلى النف CCوس ،
الوثنية في مكة ،ولهذا قال " : ال هجرة بعد حيث كانت أيديهم مطلقة في قمع كل خارج على
الفتح ولكن جه CCاد ونية وإ ذا اس CCتنفرتم ف CCانفروا " Cفأص CCبحت Cمكة دار إس CCالم كالمدينة ؛ فال ف CCرار منها
وال خروج إال نفرة للجهاد وإ عزاز كلمة اهلل سبحانه .
كان فتح مكة تصفية للعناصر الفعالة في المجتمع الجاهلي حيث أسلموا وخضعوا طواعية ،بل عن -2
حماسة للدين الجديد وانقلبCوا له أنصCاراً CوحمCاة ودعCاة ،فCازداد CبCأس المسCلمين قCوة على قCوة وإ قCداماً
على إقدام .
ك CCان ه CCذا الفتح س CCبباً في توحد الجزي CCرة ،حيث س CCارع الن CCاس في ال CCدخول في اإلس CCالم تبعCCاً لق CCريش -3
واقت CCداء بس CCادتهم ، Cوزال خ CCوف المستض CCعفين والمح CCبين للحق ،فأق CCدموا عليه س CCراعاً وقد Cأش CCار إلى
والفتح ورأيت النCCاس يCCدخلون في دين اهلل أفواجCاًC
ُ ذلك القCCرآن الكCCريم بقوله :إذا جCCاء نصر اهلل
فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا . )1(
جعل فتح مكة دولة اإلسالم دولة كبرى تضارع بجندها واستعدادها القوى الموجودة حينذاك على ظهر األرض
،بل تفوقها عزيمة وشCCجاعة وإ قCCداماً ولم يعد العCCرب تلك القبائل المتفرقة الCCتي تخضع لألهCCواء والشCCهوات ، Cبل توحCCدت
تحت قيادة راشدة حكيمة وسارت Cعلى دستور فيه الحق والخير والعدل اإللهي فسعدت وعزت .
دروس ِ
وع َبر من الفتح :
أما معنويات قريش فكانت متردية ومنهارة ،ودفعهم ذلك إلى هروب قادتهم Cواستسالم جندهم ودخولهم البيوت وإ غالقها
طلباً للنجاة .
التقويم :
أ "-كان للفتح األكبر نتائج متعددة ،اذكر اثنتين منها " .
ب "-لقد كان لفتح مكة دروس وعبر باقية " اشرح هذه العبارة باختصار. C
ج-من قائل هذه العبارات ،وفي أي مناسبة ؟
[ -ال تثريب عليكم اليوم ،يغفر اهلل لكم وهو أرحم الراحمين ] .
َج ْر ِت يا أ َُّم هانِئ ] .
َج ْرنا من أ َ
[ أَ -
مهند من سيوف Cاهلل المسلول -إن الرسول لسيف يستضاء به
66
غزوة حنين
األهداف اإلجرائية السلوكية :
.1أن يذكر الدرس سبب غزوة حنين .
.2أن يحدد الدارس األسباب التي أدت إلى انكشاف المسلمين فى بداية معركة حنين .
.3أن يرسم الدارس صورة لثبات النبي يوم حنين .
.4أن يستخلص الدارس الدروس المستفادة من غزوة حنين .
.5أن يوضح الدارس مقصد النبي بزيادة العطاء لحديثي العهد باإلسالم Cمن سبي هوازن .
.6أن يبين الدارس كيف عالج النبي غضب األنصار Cبسبب عطاياه لقريش من الغنائم .
.7أن يوضح الدارس حسن سياسة النبي لألمور مستشهداً Cبموقفه من رد سبي هوازن .
بهذا الفتح العظيم ( فتح مكة ) وسقوط Cدولة األوثان دانت لإلسالم جموع العرب ودخلوا فيه أفواجاً. C
حِمَّيُة الجاهلية واجتمع األشراف Cمنهم للشورى ،وقالوا :قد فرغ محمد من قتال
أما قبيلتنا هوازن وثقيف فأدركتهماَ C
النصْري ،
عنا ،فلنغزه قبل أن يغزونا ، Cفأجمعوا Cأمرهم على ذلك وولّوا رياستهم Cمالك بن عوف َّ
قومه وال ناهية له ّ
فاجتمع له من القبائل جموع كثيرة فيهم بنو سعد بن بكر الذين كان رسول اهلل مسترضعاً Cفيهم ،وكان في القوم دَُرْيد بن
الصمة المشهور Cبأصالة الرأي وشدة البأس في الحرب ،ولتقدم سنه لم يكن له في هذه الحرب إال الرأي .
ِّ
ثم إن مالك بن عوف أمر الناس أن يأخذوا معهم نساءهم وذراريهم Cوأموالهم ،فلما علم بذلك دريد سأل مالكاً
عن السبب فقال :سقت مع الناس أموالهم وذراريهم ونساءهم Cألجعل خلف كل رجل أهله وماله يقاتل عنه ،فقال دريد :
ضحت في أهلك ومالك ،فلم
وهل يردّ المنهزم شئ ،إن كانت لك لم ينفعك إال رجل بسيفه ورمحه ،وإ ن كانت عليك فُ ِ
يقبل مالك مشورته وجعل النساء صفوفاً Cوراء المقاتلة ووراءهم اإلبل ثم البقر ثم الغنم كيال يفر أحد من المقاتلين .
أما رسول اهلل فإنه لما بلغه أن هوازن وثقيف يستعدون لحربه ،أجمع رأيه على المسير إليهم ،
وخرج معه اثنا عشر ألف غاٍز ،منهم ألفان من أهل مكة ،والباقون هم الذين أتوا معه من المدينة ،
وخرج أهل مكة ركباناً Cومشاة حتى النساء يمشين من غير ضعف يرجون الغنائم .
وخرج في الجيش ثمانون من المشركين ،منهم صفوان بن أمية وسهيل ابن عمرو ،ولما قرب
الجيش من معسكر العدو صف عليه السالم الغزاة وعقد األلوية ،فأعطى لواء المهاجرين لعلي بن أبي
للحَباب بن المنذر ،ولواء األوس ألسيد بن حضير ، Cوكذلك أعطى ألوية لقبائل
طالب ،ولواء الخزرج ُ
العرب األخرى ،ثم ركب عليه السالم بغلته ولبس درعين والبيضة والمغفر .هذا ،وقد Cأعجب المسلمون
بكثرتهم ( Cحتى أن بعضهم قال :لن نغلب اليوم من قلة ) فلم ُتْغن عنهم شيئاً ، .فإن مقدمة المسلمين
توجهت جهة العدو فخرج لهم كمين كان مستتراً في شعاب الوادي ومضايقه ،وقابلهم Cبنبل كأنه الجراد
المنتشر ، Cفلووا Cأعنّة خيلهم متقهقرين ،ولما وصلوا إلى من قبلهم تبعوهم في الهزيمة لما لحقهم من
الدهشة .
أما رسول اهلل فثبت على بغلته في ميدان القتال وثبت معه قليل من المهاجرين واألنصار Cمنهم
أبو بكر وعمر وعلي والعباس وابنه الفضل وأبو سفيان بن الحارث وأخوه ربيعة بن الحارث ومعتِّب بن
67
آخذا بالركاب ،وكان عليه السالم ينادي :إلىّ
ً أبي لهب ،وكان لعباس آخ ًذ بلجام البغلة ،وأبو سفيان
أيها الناس وال يلوي عليه أحد وضاقت بالمنهزمين األرض بما رحبت .
أما رجال مكة الذين هم حديثوا عهد باإلسالم Cوالذين لم ينزعوا عنهم ر ِْبَقة الشرك فمنهم Cمن فرح
ومنهم Cمن ساءه هذا اإلدبار .فقال أبو سفيان بن حرب :ال تنتهي هزيمتهم Cدون البحر .وقال أخ
فض اهلل فاك ! واهلل ألن
ّ لصفوان بن أمية :اآلن بطل السحر ،فقال له صفوان وهو على شركة :أسكت
ُيَرَّبني رجل من قريش خير من أن ُيَرَّبني رجل من هوازن .ومرّ عليه رجل من قريش وهو يقول :
أبشر بهزيمة محمدِ وأصحابه فو اهلل ال يجبرونها أبداً ،فغضب صفوان وقال :ويلك أتبشرني Cبظهور
األعراب ؟ وقال عكرمة بن أبي جهل لذاك الرجل :كونهم Cال يجبرونها Cأبداً ليس بيدك ،األمر بيد اهلل
ب اليوم فإن العاقبة له غداً ،فقال سهيل بن عمرو :واهلل إن عهدك ِ
ليس إلى محمد منه شيء إن ُغل َ
كنا على غير شيء وعقولنا ذاهبة نعبد حجراً ال يضر وال ينفع بخالفه لحديث ،فقال له :يا أبا يزيد إنا ّ
.وبلغت هزيمة بعض الفارّين مكة ،كل هذا ورسول اهلل واقف Cمكانه يقول :
أنا ابن عبد المطلب أنا النبي ال كذب
ثم قال للعباس وكان جهوري Cالصوت :نادِ باألنصار يا عباس ،فنادى Cيا معشر األنصار Cيا أصحاب بيعة
الرضوان ،فأسمع من في الوادي وصار األنصار Cيقولون :لبيك لبيك ويريد Cكل واحد منهم أن يلوي عنان بعيره ،
فيمنعه من ذلك كثرة األعراب المنهزمين ،فيأخذ Cدرعه فيقذفها في عنقه ويأخذ Cسيفه ترسه وينزل عن بعيره ويخلي
سبيله ويؤمُّ Cالصوت ،حتى اجتمع حول رسول اهلل جمع عظيم منهم ،وأنزل اهلل سكينته على رسوله وعلى المؤمنين ،
وأنزل جنوداً لم يروها ،فكرَّ المسلمون على عدوهم يداً واحدة ،فانتكث فتل المشركين ،وتفرقوا في كل وجه ال يلوون
على شئ من األموال والنساء والذراري ، Cوتبعهم Cالمسلمون يقتلون ويأسرون ،فأخذوا النساء والذراري Cوأسروا Cكثيراً
ح في هذا اليوم خالد بن الوليد جراحات بالغة ،وأسلم ناس كثيرون من
من المحاربين ،وهرب من هرب ،وجُِر َ
رأوه من عناية اهلل بالمسلمين .
مشركي Cمكة لما ُ
هذا ،والذي حصل في هذه الغزوة درس مهم من دروس الحرب ،فإن هذا الجيش دخله أخالط كثيرون من
مشركيCن وأعراب وحديثي عهد باإلسالم ، Cهؤالء سيّان عندهم نصر اإلسالم وخذالنه ،ولذلك بادروا Cألول صدمة إلى
الهزيمة ،وكادت تتم الكلمة على المسلمين لوال فضل اهلل .
فال ينبغي أن يكون في الجيش إال من يقاتل خالصاً مخلصاً من قلبه ،ليكون مدافعا حقاً عن دينه ،فال تميل
نفسه إلى الفرار خشية ما أعده اهلل للفارين من أليم العقاب ،والدرس الهام أيضاً هو الذي ّنبه إليه القرآن الكريم في
سورة التوبة ( ويوم ٍ
حنين إذ أعجتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً وضقت عليكم ألرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ،ثم
أنزل اهلل سكينته على رسوله وعلى لمؤمنين وأنزل جنوداً لم تروها وعذّب الذين كفروا وذلك جزاء الكفرين ) فد ّل
ذلك على أنه من اعتمد على الدنيا -بكثرة العدد – فاته الدنيا والدين ،وخاصة الذين كانوا حديثي عهد باإلسالم .
ثم أمر عليه السالم بجمع السبي والغنائم ، Cوكانت نحو أربعة وعشرين ألف بعير ،وأكثر Cمن أربعين ألف شاة
وأربعة آالف أوقية من الفضة فجمع ذلك كله بالجعرَّانة .
أما المشركون فتفرقوا Cثالثة فرق :فرقة لحقت بالطائف ، Cوفرقة لحقت بنخلة ،وفرقة عسكرت بأوطاس. C
غزوة الطائف
وسار Cعليه الصالة والسالم بمن معه إلى الطائف ليجهز على بقية حياة ثقيف ومن تجمّع معهم من هوازن ،
وجعل على مقدمته خالد بن الوليد ،ومرّ عليه السالم بحصن لمالك بن عوف األنصاري فأمر Cبهدمة ،ومر ببستان
لرجل من ثقيف قد تمنع فيه ،فأرسل Cإليه أن اخرج وإ ال حرَّقنا عليك بستانك ،فامتنع الرجل الرجل فأمر عليه السالم
بحرقه .
ولما وصل المسلمون إلى الطائف وجدوا األعداء قد تحصّنوا به ،وأدخلوا معهم قوت سنتهم فعسكر Cالمسلمون قريب
الحصن ،فرماهم Cالمشركون بالنّبل رمياً شديداً حتى أصيب منهم كثيرون بجراحات منهم ،عبد اهلل بن أبي بكر وقد
طاوله جرحه حتى أماته في خالفة أبيه ،ومنهم أبو سفيان بن حرب فقئت عينه ،وقد مات بالجراحات اثنا عشر رجالً
من المسلمين .
ولما رأى رسول اهلل أن العدو متمكن من رميهم ارتفع إلى محل مسجد الطائف اآلن ،وضرب ألم سلمة
وزينب قبتين هناك ،واستمر Cالحصار ثمانية عشر يوماً ،كان فيها ينادي خالد بن الوليد بالبِراز فلم يجبه أحد ،وناداه
منا أحد ،ولكن نقيم في حصننا ،فإن فيه من الطعام ما يكفينا سنين ،فإن أقمت
عبد ياليل عظيم ثقيف ،ال ينزل إليك ّ
حتى يفنى هذا الطعام خرجنا إليك بأسيافنا جميعاً حتى نموت عن آخرنا .
ب ،ودخل جمع من األصحاب تحت دبابتين لينقبوا الحصن
ص َ
صب عليهم المنجنيق Cفنُ ِ
فأمر Cعليه السالم بأن ُيْن َ
،فأرسلت عليهم ثقيف سكك الحديد محماة بالنار حتى أرجعوهم. C
فأمر Cعليه السالم أن تقطع أعنابهم ونخيلهم ،فقطع المسلمون فيها قطعاً Cذريعاً ،فناداه أهل الحصن أن دعها هلل
بأن كل من ترك الحصن ونزل فهو آمن فخرج إليه بضعة عشر
وللرحم ، Cفقال :أدعها هلل وللرحم ،ثم أمر من ينادي ّ
رجالً .
لما رأى عليه السالم أن تمنُّع ثقيف شديد ،وأن الفتح لم يؤذن فيه استشار نوفل بن معاوية الديلي في الذهاب أم
المقام ،فقال :يا رسول اهلل ثعلب في جحر إن قمت أخذته وإ ن تركته لم يضرك ،فأمر عليه السالم بالرحيل ،وطلب
منه بعض الصحابة أن يدعو على ثقيف فقال ( :اللهم اهد ثقيفاُ وائت بهم مسلمين )
تقسيم السبي
ثم رجع عليه الصالة والسالم إلى الجعرانة حيث ترك السبي فأحصاه وخمسة ،وأعطى منه شيئاً كثيراً ألناس
ضعف إسالمهم يتألفهم بذلك وأعطى أناساً لم يسلموا ليحبب إليهم اإلسالم .ومن األوليّن أبو سفيان أعطاه أربعين أوقية
من الذهب ومائة من اإلبل ،وكذلك ابناه معاوية ويزيد فقال له :بأبي أنت وأمي ألنت كريم في السلم والحرب ،ومنهمC
حكيم بن حزام أعطاه كأبي سفيان فاستزاده فأعطاه مثلها ،وقال :يا حكيم ( إن هذا المال خضرة حلوة فمن أخذه
بسخاوة نفس بورك Cله فيه ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه وكان كالذي يأكل وال يشبع واليد العليا خير من اليد
السفلى ) رواه البخاري. C
69
أحدا بعدك شيئاً حتى أفارق
فأخذ حكيم المائة األولى وترك Cما عداها ،ثم قال :والذي بعثك بالحق ال أرزأ ً
الدنيا ،فكان الخلفاء بعد رسول اهلل يعرضون عليه العطاء الذي يستحقه من بيت المال فال يأخذه .
وأعطى عليه السالم عيينة بن حصن مائة من اإلبل ،وكذلك األقرع بن حابس ،والعباس بن مرداس ،وأعطى
صفوان بن أمية شعباً مملوءاً نعماً وشاه كان رآه يرمقه ،فقال له :هل يعجبك هذا ؟ قال نعم ،قال هو لك ،فقال
صفوان :ما طابت بمثل هذا نفس أحد وكان سبب إسالمه .
وكان عليه السالم يقصد من هذه العطايا تأليف القلوب وجمعها على الدين القويم وهذا ضرب من ضروبC
السياسة الدينية حتى جعل من الصدقات Cقسم للمؤلفة قلوبهم ،وقد عاد ذلك بفائدة عظمى فإن كثيرين ممن أعطوا في هذا
اليوم لم يكونوا أشربوا Cفي قلوبهم حب اإلسالم صاروا Cبعد من أجالء المسلمين وأعظمهم نفعاً كصفوان بن أمية
ومعاوية بن أبي سفيان والحارث بن هشام وغيرهم .
ثم أمر عليه السالم زيد بن ثابت فأحصى Cما بقي من الغنائم وقسمه على الغزاة بعد أن اجتمع إليه األعراب وصارواC
يقولون له :اقسم Cعلينا حتى ألجأوه إلى شجرة فتعلق رداؤه فقال ( :ردوا ردائي أيها الناس فو اهلل إن كان لي شجر
تهامة نعماً لقسمته عليكم ،ثم ما ألفيتموني بخيالً وال جباناً وال كذوباً ) روه البخاري ثم قام إلى بعيره وأخذ وبرة من سنامه
وقال ( :يا أيها الناس واهلل ما لي من غنيمتكم وال هذه الوبرة إال الخمس ،والخمس مردود عليكم ،فأدوا Cالخياط
،فصار Cكل من أخذ شيئاً من الغنائم رواه أحمد الغلول يكون على أهله عاراً وشناراً وناراً Cيوم القيامة )
والمخيط Cفإن ُ
خلسة يردّه ولو كان زهيداً .
ثم شرع يقسم فأصاب الرجل أربعة من اإلبل وأربعون شاة ،والفارس ثالثة أمثال ذلك ،فقال رجل من
المنافقين :هذه قسمة ما أريد بها وجه اهلل ،فغضب عليه السالم حتى احمرّ وجهه وقال ( :ويحك من يعدل إذا لم أعدل
؟!) فلم يؤده غضبه أن ينتقم لنفسه ،حاشاه عليه الصالة والسالم من ذلك بل لم يزد على أن نصح وحذر. C
وقال له عمر وخالد بن الوليد :دعنا يا رسول اهلل نضرب عنقه ،فقال ال ! لعله أن يكون يصلي ،فقال خالد :
وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه ! فقال عليه الصالة والسالم :إني لم ُأومر أن أنقب عن قلوب الناس وال
رواه البخاري أشق عن بطونهم )
ولما أعطى رسول اهلل ما أعطى من تلك العطايا لقريش وقبائل Cالعرب ،وترك األنصار Cغضب بعضهم حتى
قالوا :إن هذا لهو العجب يعطي قريشاً ويتركنا وسيوفنا Cتقطر من دمائهم !!! فبلغه ذلك فأمر بجمعهم وليس معه
غيرهم .
وعالة فأغناكم
ً فلما اجتمعوا قال :يا معشر األنصار Cما مقالة بلغتني عنكم ؟ ألم أجدكم ضالالً فهداكم Cاهلل بي ؟
وأعداء فألف اهلل بين قلوبكم بي ؟ إن قريشاً Cحديثو عهد بكفر ومصيبة ؟ وإ ني أردت أن أ ْجُبرهم وأتألًّفهم ،
ً اهلل بي ؟
أغضبتم يا معشر األنصار في أنفسكم لشيء قليل من الدنيا ألفت به قوماً Cليسلموا ،ووكلتكم Cإلى إسالمكم الثابت الذي ال
ُيزلزل ؟ اال ترضون يا معشر األنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير Cوترجعوا Cبرسول اهلل إلى رحالكم ؟ فو الذي نفس
شْعب األنصار ،
محمد بيده لوال الهجرة لكنت امرءاً من األنصار ، Cولو سلك الناس شعباً وسلك األنصار شعباً لسلكت ِ
اللهم ارحم األنصار وأبناء األنصار Cفبكى القوم حتى اخضلَّت لحاهم وقالوا :رضينا Cبرسول اهلل قسماً وحظاً ،ثم
انصرف Cعليه السالم وتفرقوا .
70
وفود هوازن
صرَْد وقالوا : Cيا رسول اهلل إن فيمن أصبتم
وبعد بضع عشرة ليلة جاءه وفد Cهوازن يرأسهم Cزهير بن ُ
ونرغب إلى اهلل وإ ليك يا رسول اهلل ،وقال زهير :إن في الحظائر عماتك وخاالتك وهن مخازي األقوام ،
ّ األمهات والعمّات والخاالت ،
وحواضنك الالتي كن يكفلنك ، Cثم قال أبياتاً يستعطفه بها :
فقال : إن أحب الحديث إلى أصدقه ،فاختاروا Cإحدى الطائفيتن إما السبي وإ ما المال ،وقد كنت
انتظرتكم حتى ظننت أنكم ال تقدمون ،فقالوا :ما كنا نعدل باألحساب شيئاً ،أردد علينا نساءنا وأبناءنا
فهو أحب إلينا ،وال نتكلم في شاة وال بعير .فقال : أما ما لي ولبني عبد المطلب فهو لكم ،فإذا أنا
صليت الظهر فقوموا وقولوا :نحن نستشفع برسول Cاهلل إلى المسلمين وبالمسلمين Cإلى رسول اهلل بعد أن
تظهروا Cإسالمكم وتقولوا نحن إخوانكم Cفي الدين ،ففعلوا .فقال ألصحابه ( :أما بعد فإن إخوانكم
هؤالء جاءوا تائبين وإ ني قد رأيت أن أرد عليهم سبيهم فمن أحب أن يطيب بذلك فليفعل ،ومن أحب
منكم أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه من أول ما يفئ اهلل علينا فليفعل ) فقال المهاجرون واألنصار :
ما كان لنا فهو لرسول اهلل .وامتنع من ذلك جماعة من األعراب كاألقرع بن حابس وعيينة بن حصن
والعباس بن مرداس ،فأخذه الرسول منهم قرضاً Cوأمر بأن تحبس عائلة مالك بن عوف النصري رئيس
تلك الحرب بمكة عند عمتهم أم عبد اهلل بن أمية .فقال له الوفد :أولئك سادتنا ، Cفقال : إنما أريد بهم
الخير ،ثم سأل عن مالك فقالوا :هرب مع ثقيف ،فقال :أخبروه أنه إن جاءني مسلماً رددت عليه أهله
خفية حتى أتى رسول اهلل بالجعرانة
وماله وأعطيته مائة من اإلبل ،فلما بلغ ذلك مالكاً نزل من الحصن ُ
فأسلم Cوأحرز ماله ،واستعمله عليه السالم على من أسلم من هوازن .
عمرة الجعرانة
ثم إن الرسول اعتمر فأحرم من الجعرانة ودخل مكة بليل فطاف Cواستلم الحجر ثم رجع من
ليلته ،وكانت إقامته بالجعرانة ثالث عشرة ليلة ،ثم أمر عليه الصالة والسالم بالرحيل فسار Cالجيش آمناً
مطمئناً Cحتى دخل المدينة لثالث بقين من ذي القعدة .
وغزوة حنين هي التي فرّق اهلل بها جموع الشرك ،وأذال دولته ،وأفقد سراة أهله ،فإن هوازن
لم تترك وراءها رجالً تمكنه الحرب إال ساقته ،ولم تترك لها بعيراً وال شاة إال جاءت به معها ،فأراد
اهلل إعزاز اإلسالم بخذالن أعدائه وأخذ أموالهم ،فانكسرت حدة المشركين ،ولم يبق فيهم من يمانع أو
يدافع ،ولذلك يمكننا أن نقول إن انكسار Cهوازن كان خاتمة لحروب العرب ،فلم يبق فيهم إال فئات قليلة
يسوقهم الطيش إلى شهر السالح ،ثم ال يلبثون أن يغمدوا السيوف Cحينما تظهر لهم قوة الحق الساطعة .
71
نتائجها :
كCCانت هCCذه الغCCزوة فتح Cاً مبين Cاً للقلCCوب والنفCCوس في الجزيCCرة العربية ،فلم يبق منهم من يطعن على
اإلسCCالم ،أو يCCؤذي CرسCCوله الكCCريم ، . .وما كCCانوا يظنCCون يومCاً أنهم يCCدينون لإلسCCالم ورسCCوله ،أو
يرضون اإلسالم ديناً .
Cود القبائل تُقبل على الرسCول الكCCريم تقCدم الطاعة بين يديه . .مثلما قCCدم وف ُCCد طيء وعلى بCCدأت وفCُ C
زيد الخيل .
رأسهم Cسيدهم ُ
أظهر رسCC C C Cو ُل اهلل من الحكمة وبعد النظر في قسCC C C Cمته للغنCC C C Cائم ،وعطايCC C C Cاه لبعض رجCC C C Cاالت مكة
وأش CC Cرافها ، Cما ك CC Cان له أثر عظيم . .ف CC Cإن كث CC Cيرين منهم لم يكون CC Cوا أُش CC Cربوا َّ
حب اإلس CC Cالم ،ف CC Cألّف
الرسو ُل القائد قلوبهم ،فصاروا Cمن أجالء المسلمين ،وأعظمهم نفعCاً . .كصCCفوان بن أمية ،ومعاوية
بن أبي سفيان ،والحارث بن هشام.
وحCCنين وقد CصCC Cاروا CأكCC Cبر قCC Cوة
عCC Cاد المهCC Cاجرون واألنصCC Cار Cمغتبطين لما حققCC Cوه من النصر في مكة ُC
وأكCCثر اتحCCاداً . .بعد المكاشCCفة النبوية لهم ..ومعCCرفتهم مكCCانتهم ،وإ دراكهم Cسياسة القائد الحكيمة . .
وأشد لرسول اهلل حباً ،وأكثر طاعة .ّ ووالء
ً فكانوا Cأعظم ثقة
في مكة ـ معلنة ج CCاءت ه CCوازن ـ ال CCتي ق CCاومت اإلس CCالم ،وأرادت القض CCاء عليه في قمة انتص CCاره
إسالمها ،وطاعتها .
ِعبرها :
الحذر من االعتداد بالقوة وحدها عند مواجهة األعداء .
والعدد مفتاح النصر بإذن اهلل .
ُ إن الثبات في القتال على قلة العدد
أثر في المعركة العسكرية .
للقوة المعنوية والتحريض على القتال ٌ
إن اهلل تعCC C C Cالى يؤيد المؤمCC C C Cنين الصCC C C Cابرين بجنCC C C Cود Cمن عنCC C C Cده ،والنصر Cيتحقق بأسCC C C Cباب من األرض
وأسباب من السماء .
ك يميز الخبيث من الطيب ،والمؤمنين من المنافقين . إن المحنة م َح ٌّ
َ
إن سياسة الرسول القائد وكياسته كانتا سبباً في إسالم ثقيف وهوازن وفتح قلوبهم لإلسالم .
ته CCدي إلى أهميتها البالغة في أثر الشCCCورى Cوحنكة الرسCCCول في اسCCCتثمارها CلCCCرد السCCCبايا إلى ه CCوازن
سياسة األمور .
التقويم :
-1اقCCرأ كل عبCCارة مما يCCأتي ،ثم ضع عالمة ( )أمCCام العبCCارة الCCتي تراها صCCحيحة ،وعالمة ( )أمCCام
العبارة التي تراها خطأ :
أ -اتخذ المسلمون في غزوة حنين أسلوب الدفاع ال الهجوم .
ب -إن مكاشفة رسول اهلل لألنصار Cفي أمر القسمة ،درس للحكام في األزمات .
ج -لقد فضل الرسول القائد بعض زعماء العشائر بالعطاء ألنهم أقرباؤه .
د -وقعت هزيمة المسلمين في الجولة األولى من حنين ،بعد مواجهة عنيفة بين الفريقين .
72
هـ -كCCان ثبCCات الرسCCول القائد ،وصCCيحة العبCCاس في المهCCاجرين واألنصCCار ،من أعظم أسCCباب االنتصCCار في
حنين .
-2اقرأ كل عبارة مما يأتي ،ثم ضع عالمة ( )أ مام الجملة الصحيحة من بين الجمل التي تليها :
أ -انهزم المسلمون في الجولة األولى بحنين :
الدرس العشرون
السرايا والوفود بعد غزوة الطائف
األهداف اإلجرائية السلوكية :
.1أن يعدد الدارس السرايا التي بعثها الرسول صلى اهلل عليه وسلم بعد غزوة الطائف .
73
.2أن يذكر الدارس أسماء الوفود Cالتي قدمت إلى رسول اهلل بعد غزوة االطائف .
.3أن يذكر الدارس سبب نزول قول اهلل " ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيراً لهم " .
.4أن يذكر الدارس سبب نزول قول اهلل تعالى " :يا أيها الذين أمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا
أن تصيبوا قوماً بجهالة " .
.5أن يذكر الدارس الحدث الذي قال فيه النبي ال طاعة لمخلوق في معصية الخالق .
.6أن يروى الدارس قصة إسالم عدي بن حاتم الطائي .
.7أن يبرز الدارس ما استفاده من حديث النبي لحاتم الطائي عند إسالمه .
.8أن يستخلص الدارس العبر والعظات من كل سرية .
صَداء باليمن
سرية قيس بن سعد إلى ُ
ولما رجع عليه السالم إلى المدينة أرسل قيس بن سعد في أربعمائة ليدعو صداء ( قبيلة تسكن اليمن ) إلى
اإلسالم ،فجاء إلى رسول اهلل رجل منهم ( هو زياد بن الحرث الصدائي ) فقال :يا رسول اهلل إني جئتك وافداً عمن
ورائي Cفاردد الجيش وأنا لك بقومي ،فأمر Cعليه السالم برد الجيش .
وفود صداء
وخرج الرجل إلى قومه فقدم بخمسة عشر رجالً منهم فنزلوا Cضيوفاً Cعلى سعد بن عبادة ،ثم بايعوا رسول اهلل
على اإلسالم ،وقالوا :نحن لك على من وراءنا من قومنا ، Cولما رجعوا Cفشا فيهم اإلسالم وقدم على رسول اهلل منهم
مائة في حجة الوداع .
سرية بشر بن سفيان العدوي إلى بني كعب بن خزاعة
ثم أرسل عليه السالم بشر بن سفيان العدوي إلى بني كعب بن خزاعة ألخذ صدقات أموالهم ،فمنعهم بنو تميم
ض عليهم ،فلما علم بذلك رسول اهلل أرسل إليهم عيينة بن حصن في خمسين فارساً من
المجاورن لهم من أداء ما ُفرِ َ
األعراب ،فجاءهم وحاربهم Cوأخذ منهم أحد عشر رجالً وإ حدى Cوعشرين امرأة وثالثين صبياً ،وتوجه بالكل إلى
المدينة ،فأمر Cعليه الصالة السالم بجعلهم في دار رملة بنت الحارث .
وفود تميم
فجاء في أثرهم وفد تميم فيه عُطارد بن حاجب والزبرقان Cبن بدر وعمرو بن األهتم ،فجلسوا ينتظرون الرسول ،
فلما أبطأ عليهم نادوا من وراء الحجرات بصوت جاف :يا محمد اخرج إلينا نفاخرك ،فإن مدحنا َزْين إن ذمّنا شين ،
فخرج إليهم عليه الصالة والسالم وقد تأذى من صياحهم ، Cوفيهم Cنزل أوائل سورة الحجرات ( إن الذين ينادونك من
وراء الحجرات أكثرهم ال يعقلون * ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيراً لهم واهلل غفور رحيم ) وكان الوقت
وقت الظهر ،فأذّن بالل ،ودخل النبي للصالة ،فتعلقوا به يقولون :نحن ناس من تميم جئنا بشاعرنا وخطيبنا Cنشاعرك
ونفاخرك ، Cفقال لهم عليه السالم ( :ما بالشعرُ Cبعثنا وال بالفخار ُأِمرْنا ) ثم صلى الظهر واجتمع حوله رجال الوفد
لمطاع في أنديته سيد في
يتفاخرون بمجدهم ومجد آبائهم ،وقد مدح عمرو بن األهتم الزبرقان بن بدر ،فقال :إنه ُ
لزِمنالمروءة ،
عشيرته ،فقال الزبرقان : Cحسدني يا رسول اهلل لشرفي Cوقد علم أفضل مما قال .فقال عمرو :إنه َ
ضيق الطعن 7لئيم الخال ،فرئي الغضب في وجه رسول اهلل الختالف قولي عمرو ،فقال :يا رسول اهلل لقد صدقت
زمن المروءة :ناقصها ،وضيق العطن :قليل إلبل ولعطن مباركها ،كناية عن ضيق الصدر وفقدان الحيلة في الشدائد . 7
74
في األولى ،وما كذبت في الثانية ،رضيت فقلت أحسن ما علمت ،وغضبت فقلت أسوأ ما علمت .فقال عليه الصالة
رواه البخاري ومسلم . والسالم ( إن من البيان لسحراً )
ثم أسلم القوم فردّ النبي عليه الصالة والسالم أسراهم وأحسن جائزتهم وأقاموا مدة يتعلمون فيها القرآن
ويتفقهون في الدين .
سرية الوليد بن عقبة ألخذ صدقات بني المصطلق
ثم بعث عليه الصالة والسالم الوليد بن عقبة بن أبي معيط ألخذ صدقات بني المصطلق ،فلما علموا بقدومه
خرج منهم عشرون رجالً متقلدين سالحهم احتفاالً بقدومه ومعهم Cإبل الصدقة ،فلما نظرهم Cظنّهم يريدون حربه لما كان
بينه وبينهم Cمن العداوة في الجاهلية ،فرجع مسرعاً إلى المدينة وأخبر Cالرسول أن القوم ارتدوا ومنعوا Cالزكاة ،فأرسل
لهم خالد بن الوليد الستكشاف الخبر .
فسار Cإليهم في عسكره خفية حتى إذا كان بناديهم سمع مؤذنهم يؤذن بالصبح ،فأتاهم خالد فلم ير منهم إال طاعة
،فرجع وأخبر الرسول ،فأرسل عليه الصالة والسالم لهم غير الوليد ألخذ الصدقات ، Cوفي Cالوليد نزل في أوائل
الحجرات ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين )
(الحجرات )6
75
الكرم ،فقال لها :ما ترين في أمر هذا الرجل ؟ فقالت :أرى أن تلحق به سريعاً ،فإن يكن نبياً فللسابق Cإليه فضل ،
وإ ن يكن ملكاً فأنت أنت .قال :واهلل هذا هو الرأي .
فخرج حتى جاء المدينة ولقي رسول اهلل فقال عليه الصالة والسالم :من الرجل ؟ قال :عدي بن حاتم ،فأخذه
إلى بيته وبينما هما يمشيان إذ لقيت رسول اهلل امرأة عجوز فاستوقفته ،فوقف Cلها طويالً تكلمه في حاجتها ،فقال عدي
:واهلل ما هو بملك .
ثم مضى رسول اهلل حتى إذا دخل بيته تناول وسادة من جلد محشوة ليفاً فقدمها إلى عدي وقال :اجلس على
هذه .فقال :بل أنت تجلس عليها ،فامتنع عليه السالم وأعطاها له وجلس هو على األرض .
ثم قال :يا عدي أسلم تسلم ،قالها ثالثاً ،فقال عدي :إني على دين ( وكان نصرانياً ، ) Cفقال له عليه السالم :
عدد له أشياء كان يفعلها اتباعاً لقواعد العرب
أنا أعلم بدينك منك ،فقال عدي :أأنت أعلم بديني مني ؟ قال :نعم .ثم ّ
وليست من دين المسيح في شيء ،كأخذه المرباع وهو ربع الغنائم .
ثم قال :يا عدي إنما يمنعك من الدخول في الدين ما ترى ،تقول إنما اتبعه ضعفة الناس ومن ال قدرة لهم ،
وقد Cرمتهم العرب مع حاجتهم ،فو اهلل ليوشكن المال أن يفيض فيهم حتى ال يوجد من يأخذه ،ولعلك إنما يمنعك من
ّ
ليتمن الدخول فيه ما ترى من كثرة عدوهم وقلة عددهم .أتعرف الحيرة ؟ قال :لم أرها وقد سمعت بها :قال :فو اهلل
هذا األمر حتى تخرج المرأة من الحيرة تطوف Cبالبيت من غير جوار أحد ،ولعلك إنما يمنعك من الدخول فيه أنك ترى
الملك والسلطان في غيرهم ،وأيم اهلل ليوشكنّ أن تسمع بالقصور Cالبيض من أرض بابل قد فتحت عليهم ،فأسلم عدي
رضي Cاهلل عنه وعاش حتى رأى كل ذلك.
التقويم :
.1عدد السرايا التي بعثها الرسول صلى اهلل عليه وسلم بعد غزوة الطائف .
.2أذكر أسماء الوفود Cالتي قدمت إلى رسول اهلل بعد غزوة الطائف – وماذا كان من شأنهم ؟
.3أذكر سبب نزول قول اهلل " ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيراً لهم " .
.4أذكر سبب نزول قول اهلل تعالى " :يا أيها الذين أمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا
قوماً بجهالة " .
) .5أذكر الحدث الذي قال فيه النبي ( : ال طاعة لمخلوق في معصية الخالق
.6أكمل :
-1ثم بعث عليه السالم الوليد بن عقبة بن أبي معيط ألخذ صدقات ، ................فلما علموا بقدومه
خرج منهم عشرون رجالً متقلدين سالحهم ..........ومعهم ، .............. Cفلما نظرهم Cظنّهم يريدون
..........لما كان بينه وبينهم Cمن العداوة في الجاهلية ،فرجع مسرعاً إلى المدينة وأخبر Cالرسول أن القوم
، ..................فأرسل لهم خالد بن الوليد الستكشاف الخبر .فسار Cإليهم في عسكره خفية ،حتى إذا
كان بناديهم سمع ، ...............فأتاهم خالد فلم ير منهم إال طاعة ،فرجع وأخبر Cالرسول ،فأرسل Cعليه
الصالة والسالم لهم غير الوليد ألخذ الصدقات ، Cوفي Cالوليد نزل قوله تعالى (:يا أيها الذين آمنوا
) .......................
76
-2وأمّر عليهم ....................وكان فيه دعابة فأوقد لهم في الطريق ناراً ،وقال لهم :ألستم
مأمورين بطاعتي ؟ قالوا :نعم ،قال :عزمت عليكم إال ما تواثبتم في هذه النار ،فقال بعضهم: C
،...............وهمَّ بذلك بعضهم فـ ، ................وقال :كنت مازحاً ! فلما ذكروا ذلك لرسول اهلل
قال . ) .......................... ( :
.7كان من سنن الرسول أن يكرم الكرام – اشرح موقفه مع سفّانة بنت حاتم طيء وما كان لذلك من أثر في
إسالم عدي بن حاتم .
.8أرو قصة إسالم عدي بن حاتم الطائي .
.9ما الذي استفدته من حديث النبي لحاتم الطائي عند إسالمه .
الدرس الحادي والعشرين :
السنة التاسعـــة
غزوة تبوك
األهداف اإلجرائية السلوكية :
أن يذكر الدرس سبب غزوة تبوك . .6
أن يبين الدارس ما كان من بذل الصحابة وتسابقهم لإلنفاق في سبيل اهلل للخروج لتبوك . .7
أن يقارن الدارس بين موقف Cالصادقين و المنافقين عند الخروج لتبوك . .8
أن يوضح الدارس كيف يقتدى بأبو خيثمة عند تخلفه عن النبي في تبوك . .9
أن يحرص الدارس على االستعداد للجهاد دائماً .10
أن يحدد الدارس نتائج غزوة تبوك . .11
أن يعلل الدارس لماذا هدم النبي مسجد الضرار. C .12
أن يستخلص الدارس العبر والدروس من غزوة تبوك . .13
77
وطلحة بمال كثير .وتصدق عاصم بن عدي بسبعين وسقاً من تمر ،وأرسلت النساء بكل ما يقدرن عليه
حليهن .
من ّ
وجاءه سبعة أنفس من فقهاء الصحابة يطلبون إليه أن يحملهم ،فقال ال أجد ما أحملكم عليه ،
فتولوا Cوأعينهم تفيض من الدمع حزناً ألن ال يجدوا ما ينفقون .فجهز Cعثمان ثالثة منهم ،وجهز العباس
اثنين وجهز Cيامين بن عمير اثنين .
ولما اجتمع الرجال خرج بهم رسول اهلل وهم ثالثون ألفاً ،وولى على المدينة محمد بن مسلمة ،
وعلى أهله على بن أبي طالب ،وتخلف كثير من المنافقين يرأسهم عبد اهلل بن أبيّ ،وقال :يغزو محمد
بني األصفر مع جهد الحال والحر والبلد البعيد !.
78
عباد بن بشر ،وكان أبو بكر يصلي بالجيش ولما وصلوا Cإلى تبوك
وكان مستعمالً على حرس الجيش ّ
وكانت أرضاً ال عمارة فيها ،قال الرسول لمعاذ ابن جبل :يوشك إن طالت بك حياة أن ترى ما هنا ملئ
بساتين ،وقد Cكان .
موقف أبو خيثمة :
ولما استراح الجيش لحقه أبو خيثمة ،وكان من خبر مجيئه أن دخل على أهله في يوم حار ،فوجد امرأتين له في
عريشتين لهما في بستان قد رشت كل منهما عريشتها وبردت فيها ماء ،وهيأت طعاماً ،وكان يوماً شديد الحر ،فلما
نظر ذلك قال :يكون رسول اهلل في الحر وأبو خيثمة في ظل بارد وماء مهيأ وامرأة حسناء ! ما هذا بالنَّّ َ
صف ،ثم قال
:واهلل ال أدخل عريشة واحدة منكما حتى ألحق برسول Cاهلل فهيئا لي زاداً ففعلتا .ثم ركب بعيره وأخذ سيفه ورمحه ،
وخرج يريد رسول اهلل فصادفه حين نزل بتبوك .
وفود صاحب ايلة
هذا ،ولم ير بتبوك جيشاً كما كان قد سمع فأقام Cهناك أياماً جاءه في أثناءها يوحنا صحاب أيلة
وأهل ميناء ،فصالح يوحنا رسول اهلل على إعطاء الجزية ولم يسلم ، 10
وصحبته أهل جرباء 9وأهل أذرح
وكتب له الرسول كتاباً هذه صورته .
79
،فحلفوا باهلل إن أردنا إال الحسنى واهلل يشهد إنهم لكاذبون ،فأمر عليه السالم جماعة من أصحابه لينطلقوا إليه ويهدموه
ففعلوا .
تخلفوا يعتذرون Cكذباً ،فقبل منهم عليه
هذا ولما استقر عليه الصالة والسالم بالمدينة جاءه جماعات من الذين ّ
الصالة والسالم عالنيتهم ،ووكل ضمائرهم Cإلى اهلل واستغفر لهم .
نتائج غزوة تبوك :
-1أدت إلى كسب ع CC C Cدد من القبائل العربية ،القاطنة في جن CC C Cوب الش CC C Cام ،فقد انض CC C Cمت إلى ج CC C Cانب الدولة
اإلسالمية ،وقطعت Cعالقاتها Cبالروم .
-2ش CCعرت القبائل األخ CCرى بق CCوة المس CCلمين ،وامت CCداد نف CCوذهم إلى القبائل ال CCتي ك CCانت تعمل لص CCالح ال CCروم، C
وتقاوم Cامتداد اإلسالم من الشمال .
-3ضربت السيادة البيزنطية ضربة قاصمة ،وأضعفت مركزها Cاألدبي .
-4كسCC Cرت جCC Cدار الخCC Cوف العCC Cربي من القCC Cوة البيزنطية ،ومكنت المسCC Cلمين بعد سCC Cنين قليلة من الفتوحCC Cات
العظيمة في عصر الخلفاء الراشدين .
-5كشفت المنافقين ،وقد Cأمر اهلل بالشدة معهم ،فخافوا ، Cوانهارت CقCCواهم ، Cولم يبق فيهم إال من أخلص
هلل ورسوله.
-6ش CCعر الع CCرب في قلب الجزي CCرة العربية وأطرافها Cباإلس CCالم Cف CCأقبلت وف CCودهم Cإلى المدينة تعلن إس CCالمها ،
وتقدم طاعتها ووالءها للمسلمين .
الع َبر المستفادة من غزوة تبوك :بعض ِ
-1حب الصحابة وتقديرهم ، Cواالقتداء Cبهم في التضحية بالنفس والمال ،في سبيل إعالء كلمة اهلل .
-2اليقين بأن اهلل مع المؤمنين الصادقين ،يؤيدهم Cوينصرهم Cويلقي الرعب والفزع في قلوب أعدائهم .
-3كراهية النفاق والمنافقين ،والحذر Cمنهم ،والعمل على تنقية صفوف المسلمين منهم.
-4التحلي بالصدق Cفي القول والعمل والنية .
-5المبادرة بالتوبة من المعاصي ،والتكفير عن الذنوب باألعمال الصالحة.
-6االستعداد الدائم للجهاد في سبيل اهلل .
التقويم
-1ما سبب غزوة تبوك ؟ ومتى وقعت ؟
-2علل لما يأتي :
إعالن الرسول وجهته في غزوة تبوك .
انسحاب الروم عند علمهم بتوجه الرسول إليهم .
-3حققت غزوة تبوك مكاسب عظيمة للمسلمين اذكر ثالثة منها .
-4حدد صفتين تحب أن تتحلى بهما بعد دراستك لغزوة تبوك .
-5ضع عالمة ( )أمام ما تراه صحيحاً ،وعالمة ( )أمام ما تراه خطأ مما يأتي:
80
اتبع الرسول في غزوة تبوك أسلوب الدفاع .
الحديث عن غزوة تبوك يوجد في سورة األنفال .
الحديث عن مسجد الضرار يوجد في سورة التوبة .
بعض المتخلفين عن تبوك لحقوا بالجيش في الطريق. C
اللواء األعظم في جيش المسلمين إلى تبوك كان مع أبي بكر الصديق. C
في غزة تبوك تبرع عمر بن الخطاب بكل ماله .
-6اكتب نبذة مختصرة عن النفاق وخطورته على المسلمين ،مستعيناً بمواقفهم في غزوة تبوك .
وجاءه كعب بن مالك الخرجي ومرارة بن الربيع وهالل بن أمية األوسيان مقرين بذنوبهم ،فلما دخل عليه كعب تبسم (
خلفك ؟ فقال :يا رسول اهلل لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا
الرسول ) تبسم الغضب وقال :ما ّ
لرأيت أن سأخرج من سخطه بعذر ،ولقد أوتيت جدالً ولكني واهلل لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث
عنى ،ليوشكنّ اهلل أن يسخط علىّ فيه ،ولئن حدثتك حديث صدق تغضب عليّ فيه ،إني ألرجو فيه
كذب ترضي به ّ
عفو اهلل ،واهلل ما كان لي من عذر .
فقال عليه السالم :أما هذا فقد صدق فقم حتى يقضي اهلل فيك .وقال صاحباه مثل قوله ،فقال لهما عليه
الصالة والسالم كما قال لكعب ،ونهى المسلمين عن كالمهم فاجتنبهم Cالناس ،وأمرهم أن يعتزلوا نساءهم ،واستأذنت
زوج هالل بن أمية في خدمة زوجها Cألنه شيخ ضائع ليس له خادم فأذن لها ،ولم يزالوا كذلك حتى ضاقت عليهم
األرض بما رحبت ،وضاقت Cعليهم أنفسهم ،وظنوا أن ال ملجأ من اهلل إال إليه ،ثم تاب عليهم فأرسل لهم عليه الصالة
والسالم من يبشرهم بهذه النعمة الكبرى ،فتلقاهم الناس أفواجاً Cيهنئونهم بتوبة اهلل .
فلما دخل كعب المسجد تلقاه رسول اهلل مسروراً ، Cفقال أبشر يا كعب بخير يوم يمر عليك منذ ولدتك أمك ،فقال
:من عندك يا رسول اهلل أم من عند اهلل ؟ قال :بل من عند اهلل .
فقال كعب :يا رسول اهلل أن من توبتي Cأن أنخلع من مالي صدقة هلل ولرسوله ،فقال عليه الصالة والسلام :
أمسك عليك بعض مالك فهو خير .ثم قرأ عليه الصالة والسالم اآليات التي فيها توبته هو وصاحبه في سورة براءة
( وعلى الثالثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم األرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهمـ وظنوا أن ال ملجأ من اهلل
(التوبة )118
إال إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن اهلل هو التواب الرحيم )
81
وفود ثقيف
.1أن يوضح الدرس كيف تعامل الرسول مع وفد ثقيف .
.2أن يحدد الدارس عناصر خطاب النبي إلى أهل الطائف .
لما رجعو إليهم وما داللة ذلك .
.3أن يوضح الدارس كيف تعامل وفد ثقيف مع قومهم ّ
.4أن يروى الدارس ما كان في حج أبي بكر بالناس ونزول Cأوائل سورة براءة .
.5أن يوضح الدارس كيف تعامل النبي مع حادثة موت رأس النفاق ابن سلول .
وعقب مقدمه عليه الصالة والسالم من تبوك وفد عليه وفد ثقيف ،وكان من خبرهم أنه لما انصرف رسول اهلل من
محاصرتهم تبع أثره عروة بن مسعود الثقفي حتى أدركه قبل أن يصل المدينة ،فأسلم وسأله أن يرجع إلى قومه
ويدعوهم Cإلى اإلسالم ،فقال له :إنهم قاتلوك فقال :يا رسول اهلل أنا أحب إليهم من أبكارهم .
فخرج إلى قومه يرجو Cمنهم طاعته لمرتبته فيهم ألنه كان فيه محبباً مطاعاً ،فلما جاء الطائف وأظهر Cلهم ما
جاء به رموه بالنبل فقتلوه .وبعد شهر من مقتله ائتمروا فيما بينهم ورأوا Cأنه ال طاقة لهم بحرب من حولهم من العرب
،فأجمعوا أمرهم على أن يرسلوا لرسول اهلل رجالً منهم بكلمة ،وطلبوا من عبد ياليل بن عمرو أن يكون ذلك الرجل ،
فأبى وقال :لست فاعالً حتى ترسلوا Cمعي رجاالً ،فبعثوا Cمعه خمسة من أشرافهم Cفخرجوا Cمتوجيه إلى المدينة ،ولما
قابلوا Cرسول اهلل ضرب لهم قبة في ناحية المسجد ليسمعوا القرآن ويروا الناس إذا صلوا ،وكانوا يغدون إلى رسول الله
كل يوم ويخلفون في رحالهم أصغرهم Cسناً عثمان بن أبي العاص ،فكان إذا رجعوا ذهب للنبي واستقرأه القرآن وإ ذا
رآه نائماً استقرأ أبا بكر حتى حفظ شيئاً كثيراً من القرآن وهو يكتم ذلك عن أصحابه .
ثم أسلم القوم وطلبوا أن يعيّن لهم من يؤمُّهم فأمَّر عليهم عثمان بن أبي العاص ،لما رآه من حرصه على
اإلسالم وقراءة القرآن وتعلم الدين .
كتاب أهل الطائف
ثم كتب لهم كتاباً من جملته ( بسم اهلل الرحمن الرحيم من محمد نبي ورسول اهلل إلى المؤمنين إن عضاه 11وجَّ
وصيده حرام ،ال يعضد 12شجرة ومن وجد يفعل شيئاً من ذلك فإنه يجلد وتنزع ثيابه ) ثم سالوا رسول اهلل أن يؤجل
هدم صنمهم شهراً حتى يدخل اإلسالم في قلوب القوم وال يرتاع السفهاء من النساء من هدمه ،فرضي Cبذلك عليه
الصالة والسالم ،ولما خرجوا Cمن عنده قال لهم رئيسهم C:أنا أعلمكم بثقيف اكتموا عنهم إسالمكم وخوفوهم الحرب
والقتال ،وأخبروهم أن محمداً طلب أموراً عظيمة أبيناها عليه ،سألنا أن نهدم الطاغية ،وأن نترك الزنا وشرب الخمر
حلوا بالدهم جاءتهم ثقيف فقال الوفد :جئنا رجالً فظاً غليظاً قد ظهر السيف ودان الناس له ،فعرض
والربا ، Cفلما ّ
علينا أموراً شديدة ..وذكروا ما تقدم .
فقالوا :واهلل ال نطيعه أبداً فقالوا لهم :أصلحوا Cسالحكم ورموا حصونكم واستعدوا للقتال ،فأجابوا واستمروا على ذلك
يومين أو ثالثة ،ثم ألقى اهلل الرعب في قلوبهم فقالوا :واهلل ما لنا بحربه من طاقة ،ارجعوا إليه وأعطوه ما سأل ،فقال
الوفد : Cقد قاضيناه وأسلمنا ،فقالوا :لم كتمتم علينا ذلك ؟ قالوا :حتى تذهب عنكم نخوة الشيطان ،فأسلموا. C
عضاه :كشفاه ،كل شجر ذي شوك ،ووج :بلد بالطائف . 11
82
هدم الالت
ولما بلغ رسو Cاهلل إسالم ثقيف أرسل أبا سفيان والمغيرة بن شعبة الثقفي لهدم صنم ثقيف بالطائف CفتوجهواC
وهدموه حتى سووه باألرض .
حج أبي بكر
وفي Cأخريات ذي القعدة أرسل عليه الصالة والسالم أبا بكر ليحج الناس ،فخرج في ثالثمائة رجل من المدينة
ومعه الهدي عشرون بدنة أهداها رسول اهلل وساق Cأبو بكر خمس بدنات ،ولما سافر نزل على رسول اهلل أوائل سورة
براءة ،فأرسل بها علياً ليبلغها الناس في الحج األكبر ،وقال :ال يبلِّغ عني إال رجل منّي فلحق أبا بكر في الطريق. C
فقال الصديق :هل استعملك رسول اهلل على الحج ؟ قال :ال ولكن بعثني أقرأ أو أتلو براءة على الناس ،فلما
على ثالث عشرة آية من أول سورة براءة ،تتضمن نبذ العهود لجميع المشركين
اجتمعوا بمنى يوم النحر قرأ عليهم ّ
الذين لم يوفوا عهودهم وإ مهالهم Cأربعة أشهر يسيحون فيها في األرض كيف شاءوا ،وإ تمام Cعهد المشركين الذين لم
يظاهروا Cعلى المسلمين ولم يغدروا Cبهم إلى مدتهم ،ثم نادى ال يحج بعد العام مشرك وال يطوف Cبالبيت عريان ،وكان
علي يصلي في هذا السفر وراء أبي بكر رضي Cاهلل عنهما .
ّ
وفاة أم كلثوم
وفي Cهذه السنة توفيت أم كلثوم بنت رسول اهلل وزوج عثمان رضي اهلل عنهما .
-التقويم :
.1أرو قصة الثالثة الذين خلِّفوا .
.2أرو كيف تمت توبة هلل على كعب بن مالك .
.3استخلص الدروس المستفادة من موقف Cالثالثة الذى خلفوا .
وضح كيف تعامل الرسول مع وفد Cثقيف . .4
لما رجعو Cإليهم وماذا تتعلم من هذا الموقف ؟
وضح كيف تعامل وفد Cثقيف مع قومهمّ C .5
أرو ما كان في حج أبي بكر بالناس ونزول أوائل سورة براءة . .6
وضح كيف تعامل النبي مع حادثة موت رأس النفاق ابن سلول . .7
83
الدرس الثالث والعشرين
السنة العاشــرة
84
فأخبرهم أن اهلل فرض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة فإن أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن اهلل قد فرض عليهم
صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد Cعلى فقرائهم ،فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم Cفإنه
ليس بينها وبين اهلل حجاب ) وقد مكث معاذ باليمن حتى توفي Cرسول اهلل ،أما أبو موسى فقدم على الرسول في حجة
الوداع .
حجة الوداع
وفي Cالسنة العاشرة حج بالناس حجة ودع فيها المسلمين ولم يحج غيرها وخرج لها يوم السبت لخمس بقين
من ذي القعدة ،وولى على المدينة أبا دجانة األنصاري ، Cوكان مع الرسول جمع عظيم يبلغ تسعين ألفاً وأحرم Cللحج
حيث انبعثت به راحلته ثم لبى فقال ( :لبيك اللهم لبيك ،لبيك ال شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك ال شريك
لك ) ،ولم يزل سائراً حتى دخل مكة ضحى من الثنية العليا وهي ثنية كداء .
ولما رأى البيت قال :اللهم زده تشريفاً وتعظيماً Cومهابة وبراً ،ثم طاف بالبيت سبعاً واستلم الحجر األسودC
وصلى Cركعتين عند مقام إبراهيم ثم شرب من ماء زمزم ثم سعى بين الصفا والمروة سبعاً راكباً على راحلته ،وكان إذا
صعد الصفا يقول :ال إله إال اهلل اهلل أكبر ال إله إال اهلل وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم األحزاب وحده ،وفي
الثامن من ذي الحجة توجه إلى منى فبات بها .
خطبة الوداع
وفي Cالتاسع منه توجه إلى عرفة وهناك خطب خطبته الشريفة التي بين فيها الدين كله أسه وفرعه وهاك نصها
( الحمد هلل نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ Cبه من شرور Cأنفسنا ومن سيئات أعمالنا .من يهد اهلل
فال مضل له ومن يضلل فال هادي له ،وأشهد Cأن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له وأشهد Cأن محمداً عبده ورسوله
أوصيكم Cعباد اهلل بتقوى اهلل وأحثكم على طاعته واستفتح بالذي هو خير .
أما بعد أيها الناس اسمعوا مني أبين لكم فإني ال أدري لعلي ال ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا ،أيها الناس
إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ؟ أال هل بلغت ؟
اللهم فاشهد .فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها .إن ربا الجاهلية موضوع وإ ن أول ربا أبدأ به ربا
عمي العباس بن عبد المطلب ،وأن دماء الجاهلية موضوعة وأول دم أبدأ به دم عامر بن ربيعة بن الحارث ،وإ ن مآثر
الجاهلية موضوعة غير السدانة والسقاية .
والعمد قود Cوشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر وفيه مائة بعير .فمن زاد فهو من أهل الجاهلية .
أيها الناس إن الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم Cهذه ولكنه قد رضي Cأن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون
من أعمالكم .
أيها الناس إن النسئ زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً ليواطئوا عدة ما حرم
اهلل وإ ن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق اهلل السماوات واألرض وإ ن عدة الشهور عند اهلل اثنا عشر شهراً في كتاب
اهلل يوم خلق السماوات واألرض منها أربعة حرم ثالث متواليات وواحد Cفرد ذو القعدة وذو Cالحجة والمحرم ورجب
الذي بين جمادي وشعبان ،أال هل بغلت ؟ اللهم اشهد .
85
حقا ولكم عليهن حق أن ال يوطئن فرشكم غيركم وال يدخلن أحداً تكرهونه بيوتكمC
أيها الناس إن لنسائكم عليكم ً
إال بإذنكم Cوال يأتين بفاحشة ،فإن فعلن فإن اهلل أذن لكم أن تعضلوهن وتهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضرباً غير
مبرح ،فإن انتهين وأطعنكم فعليكم Cرزقهن وكسوتهن بالمعروف ،وإ نما النساء عندكم عوان ال يملكن ألنفسهن شيئاً
أخذتموهن بأمانة اهلل واستحللتم Cفروجهن بكلمة اهلل فاتقوا اهلل في النساء واستوصوا Cبهن خيراً ،أال هل بلغت ؟ اللهم
اشهد .
أيها الناس إنما المؤمنون إخوة وال يحل المرئ مال أخيه إال عن طيب نفس منه ،أال هل بلغت ؟ اللهم اشهد ،
فال ترجعن بعدي كفاراً يضرب بعضكم Cرقاب بعض فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لم تضلوا بعده كتاب اهلل ،أال
هل بلغت ؟ اللهم اشهد .
أيها الناس إن ربكم واحد وإ ن أباكم واحد كلكم آلدم وآدم ن تراب ،أكرمكم عند اهلل أتقاكم .ليس لعربي فضل
على أعجمي إال بالتقوى .أال هل بلغت ؟ اللهم اشهد ،فليبلغ الشاهد منكم الغائب .
أيها الناس إن اهلل قد قسم لكل وارث نصيبه من الميراث وال تجوز لوارث وصية وال تجوز Cوصية في أكثر من
الثلث .والولد للفراش وللعاهر الحجر .من ادعى إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه فعليه لعنة اهلل والمالئكة والناس
أجمعين ال يقبل منه صرف وال عدل ،والسالم Cعليكم ورحمة اهلل )
وفي Cهذا اليوم امتن اهلل على المؤمنين بقوله في سورة المائدة ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي
ورضيت Cلكم اإلسالم ديناً ) سورة المائدة 0 3فال غرابة أن اتخذه المسلمون عيداً ويوماً Cسعيداً يظهرون فيه شكر اهلل
على هذه النعمة الكبرى .
ثم إنه عليه السالم أدى مناسك الحج من رمي الجمار والنحر والحلق والطواف ،وبعد أن أقام بمكة عشرة أيام
قفل إلى المدينة ولما رآها كبر ثالثاً وقال " :ال إله إال اهلل وحده ال شريك له ،له الملك وله الحمد وهو على كل شئ
قدير ، Cآيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون ،صدق اهلل وعده ونصر Cعبده وهزم Cاألحزاب وحده " .
التقويم :
حدد السرايا والبعوث التي أرسلها النبي في العام العاشر من الهجرة . -1
أذكر وصية النبي لكل قائد من قواد Cهذه السرايا والبعوث. -2
عبر عن انطباعاتك عن وصايا Cالرسول لقواد السرايا والبعوث 0 -3
قارن بين ما تفعله الدول الغربية فى حروبها بالمسلمين وبين وصايا رسول اهلل لقواده0 -4
حدد عناصر خطبة النبي أثناء حجة الوداع . -5
لخص ما جاء في خطبة النبي أثناء حجة الوداع . -6
عبر عن انطباعاتك عن خطبة الوداع0 -7
أستخلص الدروس المستفادة من خطبة الوداع . -8
86
الوفود
األهداف اإلجرائية السلوكية :
.1أن يذكر الدارس أسماء الوفود Cالتي وفدت إليه .
.2أن يذكر الدارس األشخاص البارزين فى كل وفد ودورهم فيه 0
.3أن يروى الدارس األحداث والنقاشات التى دارت بين كل وفد Cورسول اهلل 0
.4أن يحدد الدارس النتائج التى أسفرت عنها زيارة كل وفد Cمن الوفود0 C
.5أن يحدد الدارس ما يحرص عليه الرسول عند مقابلته للوفود0C
.6أن يوضح الدارس ما تعنيه كثرة هذه الوفود 0
.7أن يتخلص الدارس بعض العبر من أحداث بعض الوفود 0
.8أن يعبر الدارس عن تصوراته وما الذى كان سيفعله لو كان يعيش فى عام الوفود 0
.9أن يبين الدارس ما الذى يجب أن يفعله كل فرد أو أسرة أو قبيلة اآلن إقتداء بما حدث فى عام الوفود0 C
في هذه السنة والتي قبلها كان وفود العرب إلى رسول اهلل ليبايعوه على اإلسالم وكانوا يقدمون أفواجاً ،ولما
في أخبار هذه الوفود من التعاليم الحميدة التي يحتاج ذو األدب أن يعرفها رأينا أن نذكر لك منها ما يزيدك يقيناً وينير
بصيرتك Cفنقول :
وفود نجران
ومن الوفود : Cوفد نصارى Cنجران وكانوا Cستين راكباً دخلوا المسجد وعليهم ثياب الحيرة وأردية الحرير
مختمين بالذهب ومعهم Cبسط فيها تماثيل ومسوح جاءوا بها هدية للنبي فلم يقبل البسط وقبل المسوح .
ولما جاء وقت صالتهم Cصلوا في المسجد مستقبلين بيت المقدس ،ولما أتموا صالتهم دعاهم عليه السالم
لإلسالم فأبو Cوقالوا :كنا مسلمين قبلكم ،فقال عليه السالم :يمنعكم من اإلسالم ثالث ،عبادتكم لصليب ،أكلكم لحم
الخنزير ، Cوزعمكم أن هلل ولداً ،فمن مثل عيسى خلق من غير أب ،فأنزل اهلل في ذلك في سورة آل عمران ( :إن مثل
وليظهر Cاهلل لهم أنهم في 0
عيسى عند اهلل كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ) سورة آل عمران آية 59
شك من أمرهم أنزل ( :فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم
وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة اهلل على الكاذبين ) سورة آل عمران 61
فدعاهم لذلك فامتنعوا Cورضوا Cبإعطاء الجزية ،وهي ألف حلة في صفر وألف حلة في رجب مع كل حلة
أوقية من ذهب ،ثم قالوا :أرسل معنا أميناً فأرسل لهم أبا عبيدة عامر بن الجراح وكان لذلك يسمي أمين هذه األمة
وفود طئ
88
ومن الوفود Cوفد طئ وفيهم Cزيد الخيل رئيسهم Cوقد قال في حقه :ما ذكر لي رجل من العرب إال رأيته دون
ما قيل فيه إال زيد الخيل ،وسماه زيد الخير .
وفود كندة
ومنهم Cوفد كندة وفيهم Cاألشعث بن قيس وكان وجيهاً مطاعاً في قومه .ولما دخلوا على رسول اهلل خبأوا له
شيئاً وقالوا أخبرنا عما خبأناه لك فقال :سبحان اهلل إنما يفعل ذلك بالكاهن وإ ن الكاهن والتكهن في النار .
ثم قال :إن اهلل بعثني الحق وأنزل على كتاباً ال يأتيه الباطل من بين يديه وال من خلفه فقالوا أسمعنا منه فتال عليه
السالم ( والصافات صفا * فالزاجرات زجراً * فالتاليات ذكراً * إن إلهكم لواحد * رب السماوات واألرض وما
بينهما ورب المشارق ) سورة الصافات اآليات من ، 5 : 1ثم سكت وسكن ودموعه تجري على لحيته فقالوا :إنا
نراك تبكي ،أفمن مخافة من أرسلك تبكي ؟ قال :إن خشيتي منه أبكتني .بعثني على صراط مستقيم في مثل حد
السيف إن زغت عنه هلكت ،ثم تال ( ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ثم ال تجد لك به علينا وكيالً * إال رحمة
من ربك إن فضله كان عليك كبيراً ) ( سورة اإلسراء ) 87 – 86ثم قال لهم عليه السالم :ألم تسلموا ؟ قالوا بلى ،
قال :ما بال هذا الحرير في أعناقكم ؟ فعند ذلك شقوه وألقوه .
وفود أزدشنوءة
ومنهم Cوفد أزدشنوءة ورئيسهم صرد بن عبد اهلل األزدي فأسلموا وأمره عليهم وأمره أن يجاهد بمن أسلم من
كان يليه من أهل الشرك .
89
ثم إن مالك بن مرة الرهاوي قد حدثني أنك قد أسلمت من أول حمير وقتلت من المشركين فأبشر بخير وآمرك
بحمير خيراً وال تخونوا Cوال تخاذلوا Cفإن رسول اهلل هو مولى غنيكم وفقيركم ، Cوإ ن الصدقة ال تحل لمحمد وال ألهل بيته
إنما هي زكاة يزكى بها على فقراء المسلمين وابن السبيل .
وإ ن مالكاً قد بلغ الخبر وحفظ الغيب وآمركم به خيراً السالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته ) .
وفود همدان
ومنها وفد Cهمدان وفيهم مالك بن نمط ،وكان شاعراً مجيداً فلقوا رسول اهلل مرجعه من تبوك عليهم مقطعات من
الحبرات اليمنية والعمائم العدنية ،وقد Cأنشد مالك لرسول اهلل .
صوادر Cبالركبان من هضب قرددC حلفت برب الراقصات إلى منى
رسول أتى من عند ذي العرش مهتد بأن رسول اهلل فينا مصدق
أشد على أعدائه من محمد فما حملت من ناقة فوق رحلها
وقد Cأمره على من أسلم من قومه ،وقد Cقال الرسول فى حق همدان نعم الحى همدان ما أسرعها إلى
النصر وأصبرها على الجهد وفيهم أبدال وفيهم أوتاد 0
وفود تجيب
ومنها وفد Cتجيب قبيلة من كندة وفد على رسول ااهلل ثالثة عشر رجالً منهم ،معهم صدقات Cأموالهم التي فرض
اهلل عليهم فسر Cبهم عليه السالم وأكرم مثواهم ،وقالوا :يا رسول اهلل إنا سقنا إليك حق اهلل في أموالنا ،فقال عليه
السالم ( :ردوها Cفأقسموها على فقرائكم ) Cفقالوا :يا رسول اهلل ما قدمنا Cعليك إال بما فضل عن فقرائنا ،قال أبو بكر :
يا رسول اهلل ما قدم علينا من وفد من العرب مثل هذا .فقال عليه السالم :إن الهدى بيد اهلل فمن أراد به خيراً شرح
صدره لإليمان .
وجعلوا Cيسألونه عن القرآن فازداد Cرغبة فيهم ثم أرادوا الرجوع إلى أهليهم فقيل لهم :ما يعجلكم ؟ قالوا :
نرجع إلى من وراءنا فنخبرهم Cبرؤية رسول اهلل ولقائنا إياه وما رد علينا .
ثم جاءوا إلى رسول اهلل فودعوه فأجازهم بأفضل Cما كان يجيز به الوفود ثم قال لهم هل بقي منكم أحد ؟ قالوا :
غالم خلفناه في رحالنا وهو أحدثنا سناً ،قال :فأرسلوه إلينا فأرسلوه فأقبل الغالم وقال :يا رسول اهلل أنا من الرهط
الذين أتوك آنفاً فقضيت حاجتهم فاقض حاجتي .قال :وما حاجتك ؟ قال :تسأل اهلل أن يغفر لي ويرحمني ويجعل
غناي في قلبي .فقال عليه السالم :اللهم اغفر له وارحمه واجعل غناه في قلبه ،ثم أمر له بمثل ما أمر به لرجل من
أصحابه .
وفود ثعلبة
ومنها وفد Cثعلبة وفد على رسول اهلل أربعة منهم مقرين باإلسالم Cفسلموا عليه وقالوا :يا رسول اهلل إنا رسل من
خلفنا من قومنا ونحن مقرون باإلسالم Cوقد قيل لنا إنك تقول ال إسالم لمن ال هجرة له فقال عليه السالم ( :حيثما كنتم
90
واتقيتم اهلل فال يضركم ) Cثم قال لهم كيف بالدكم ؟ فقالوا مخصبون ،فقال الحمد هلل ثم أقاموا في ضيافته أياماً ،وحين
إرادتهم Cاالنصراف أجاز كل واحد منهم بخمس أواق من فضة .
91
ومنها وفد Cبني عذرة ووفد بني بلى ،ووفد Cبني مرة ووفد خوالن وهي قبائل باليمن ،وقد أمره عليه السالم
بالوفاء Cبالعهد وأداء األمانة وحسن الجوار لمن جاوروا Cوأن ال يظلموا أحداً فإن الظلم ظلمات يوم القيامة .
وفود غسان
ومنها وفد Cغسان ووفد بني عبس ووفد Cالنخع ،وكان عليه السالم يقابل هذه الوفود Cبما جبله اهلل عليه من البشاشة وكرم
األخالق ويجيزهم بما يرضيهم ، Cويعلمهم Cاإليمان والشرائع Cليعلموا من وراءهم وكانت هذه الوفود Cأعظم وصلة إلظهار
الدين بين األعراب في البوادي. C
-التقويم :
.1علل لماذا سمي العام العاشر عام الوفود. C
.2أذكر ما كان بين النبي ووفد Cنجران .
.3أذكر سبب قول النبي في حق ضمام بن ثعلبة فقه الرجل .
.4بين :على من قال النبي سيطلع عليكم من هنا ركب هم خير أهل المشرق …
.5عمن قال النبي أن بك خلتين يحبهما اهلل ورسوله :الحلم واإلناة .
.6برهن على بعد نظر النبي عند مقابلته مسيلمة الكذاب ضمن وفد Cبني حنيفة .
.7أذكر من الذي سماه النبي زيد الخير .
.8أذكر ما دار بين النبي ووفد كندة .
.9لخص ما جاء في خطاب النبي إلى ملوك حمير .
.10أذكر ما دار بين النبي وغالم وفد Cنجيب
.11وضح كيف يقتدي بغالم وفد Cنجيب .
.12أذكر مناسبة قول النبي " حيثما كنتم واتقيتم اهلل فال يضركم "
.13أن يذكر الدارس مناسبة قول النبي " أينما أسلمتم فانتم مسلمون "
.14وضح ما الذي استفدته من قول النبي " سيد القوم خادمهم. " C
.15حدد سبب نزول قول اهلل ( يمنون عليك أن أسلموا ) .
.16بين ما كان النبي يحرص عليه عن مقابلة الوفود .
-17أذكر األشخاص البارزين فى كل وفد ودورهم فيه 0
-18حدد النتائج التى أسفرت عنها زيارة كل وفد من الوفود 0
92
-19حدد ما حرص عليه الرسول عند مقابلته للوفود0
-20وضح ما تعنيه كثرة هذه الوفود0 C
-21بين ما الذى يجب أن يفعله كل فرد أو أسرة أو قبيلة اآلن إقتداء بما حدث فى عام الوفود0 C
التقويم :
وضح حكمة النبي فى اختيار أسامة لقيادة الجيش . -1
استخلص الدروس المستفادة من األحداث التى واكبت تولية أسامة قيادة الجيش . -2
صف مشاعر النبي و أبى بكر تجاه بعضهما Cأثناء مرض النبي الذي توفى فيه . -3
صور Cحال النبي في مرضه الذي توفى فيه . -4
. حدد وصايا النبي ألصحابه أثناء مرضه -5
حدد تاريخ لوفاة النبي . -6
95
وضح كيف كشفت حادثة وفاة النبي عن راجحة عقل وثبات أبي بكر . -7
عبر عن مشاعره تجاه وفاة الرسول 0 -8
وضح واجباته تجاه بعد وفاته 0 -9
ناقش حرص الصحابة على تحديد الخليفة ثم دفن النبي . -10
الفصل الرابع
أخذت نسمات الصباح تقبل من أطراف األفق البعيد فتهتز Cلها رءوس النخيل وأغصان األشجار فى حيطان ذلك
الحى من العرب وسط Cالجزيرة 00واستمع الدوسيون إلى صوت المنادى من قبل سيدهم ،فخرجوا Cمن بيوتهم
ومضاربهم Cيودعون سيدهم الطفيل بن عمرو ..الذي بدأ يلقى أوامره بأن تتجهز ركائبه وتشد أمتعته وبضائعه على
ظهور Cإبله ،استعداداً لبدء رحلته إلى مكة للتجارة ..
وقام Cالدوسيون يودعون سيدهم 00وساروا فى موكبه حتى بلغ ذا الكفين حيث طاف الطفيل به مرات فى مكاء
وتصديه ينشد فيها وده ،ويطلب حمايته ورعايته 00ومن ثم بدأ طريقه عبر الصحراء 00
وعند مشارف مكة كان سادة قريش يهرعون إلى استقباله ومن معه من سادة دوس ورجالها ،وكل همهم أن يعدلوا به
عن أى سبيل يلقى فيها محمداً 00وقال له أبو جهل بن هشام :يا طفيل :إنك قدمت بالدنا وهذا الرجل الذى بين
أظهرنا Cقد أعضل بيننا ،وفرق جماعتنا ،وشتت أمرنا ،وإ نما قوله كالسحر Cيفرق بين الرجل وبين أبيه ،وبين الرجل
وبين أخيه ،وبين الرجل وبين زوجته 00إنا نخشى عليك وعلى قومك Cمثل ما دخل علينا منه ،فال تكلمه وال تسمع
منه !!0
وما زال القرشيون بالطفيل يخوفونه ويروعونه حتى إنقلب شوقه إلى لقاء محمد خوفاً أن يراه محمد !!0فكان سيد
دوس يغدوا إلى المسجد الحرام وقد حشا أذنيه قطناً ،حتى إذا صادفه صاحب الدين الجديد فى طوافه ،ال تصل إليه
كلمة من قوله يكون فيها القضاء على وحدة دوس وشرفها Cبين القبائل !!00
وقرت Cعين قريش بما كان من أمر الطفيل واستيقنت نفسها أال تصل إلى أذنه أو أذان دوس منه جملة واحدة 00حتى
لقد أطلقت عليه اسماً هو " :ذو القطنتين " 00إلى أن كان ذلك اليوم الذى وقف فيه سيد دوس يصلى بصالته حول
الكعبة ،حيث جلس سيد عبد مناف فى حلقة من أصحابه 00وأخذ يفيض من معين الحكمة العلويه ما شاء اهلل له
أن يفيض 00فتركت معانى الخلود أذان الطفيل – على الرغم منه – فهزت أوصاله هزاً ،جعله يطيل فى صالته وهو
ال يدرى 00ليستزيد ويستزيد 00حتى صار فى أطراقه كخاشع الرهبان 00ومر الوقت الطويل كالبرق Cالخاطف 00
ورآه الرسول األعظم على تلك الحال ،فأحس من أمره ما أحس 00ثم قام من جلسته بين أصحابه ،وأخذ طريقه إلى
بيته بأجياد
97
وأسرع Cالطفيل بخطاه فى الطريق خلف رسول اهلل ،والناس ال يدور بخلدهم أنه يطلبه بحال ،فلم يعيروا Cلوجهته التفاتاً
00فقد كان الطفيل فى طلعته وهيبته يستعين بعينيه النافذتين ليستعيض بهما عن وقار Cمشيته فى متابعته حتى ال يضل
الطريق Cإلى بيته 00
وطرق سيد دوس باب رسول اهلل ،فخرج إليه وقد خرج النور من بين ثناياه ليختلط بمعانى الخلود فى تكريمC
الطفيل وإ يناسه فى ساحة الحق حين يبتغيه 00ولم يلبث عظيم دوس أن قال :يا محمد 00إن قومك Cقالوا لى ما قالوا
– ال أسمع لقولهم – ثم إن اهلل أبى إال أن يسمعنيه ،فسمعت قوالً حسناً ،فأعرض على أمرك 00وتفجرت ينابيع
الحكمة من قلب ابن عبد اهلل فقرأ عليه القرآن وعرض عليه اإلسالم ،والرجل من خالل ذلك الفيض مطرق Cخاشع يكاد
أن يغيب 00وما أن انتهى الرسول من قوله ،حتى بادره الطفيل فقال :ال واهلل :ما سمعت قوالً أحسن من هذا ،وال
أمراً أعدل منه :وإ نى أشهد أن ال إله إال اهلل وأنك رسول اهلل !!0
وامتألت جوانح الرسول بحب الطفيل وقد Cأشرق له وجهه ،فمسح بيده الشريفة على صدره ودعا له بخير 00ونظر
الطفيل إلى جبين رسول اهلل فى إطراقه ،وأمعن فيه البصر 00وكأنه يقرأ عليه صفحات من نور ،تسطرها معانى
الخلود فى المأل األعلى 00وما لبث أن قال :يا نبى اهلل 00إنى أمرؤ مطاع فى قومه ،وأنا راجع إليهم فداعيهم إلى
اإلسالم ،فأدع اهلل أن يكون لى عوناً عليهم فيما أدعوهم إليه 0
ورفع Cالنبى بصره إلى السماء 00وقال :اللهم أجعل له آية !!0
00ولم يلبث أن وقع نور من السماء كالمصباح ،فاستقر Cبين عينيه ،وأخذت روعة اآلية من سيد دوس بمجامع
الخوف ،أن يظن قومه أن النور فى وجهه ُمثلة أنزلها به إله دوس " ذو الكفين " لفراقه دين آبائه ومعتقدات أجداده 00
ولم يملك الطفيل أن رفع بصره إلى السماء متضرعاً يقول :اللهم فى غير وجهى ،فإنى أخشى أن يظنوا أنها مثلة
وقعت فى وجهى لفراق دينهم !! 0
ولم تكن إال لحظة حتى انتقل النور من بين عينيه ،واستقر فى طرف سوطه ،فجعل الحاضر يتراءون ذلك النور فى
ذلك السوط كالقنديل المعلق !!0
وآذنت الشمس باإلشراق ، Cونادى Cسيد دوس رفاقه فهرعوا إليه من خيامهم ،وشدوا أحمالهم فوق Cاإلبل 0وساروا
خلف الطفيل حتى ولجوا الحي بين استقبال دوس واحتفائهم 00كل تلك العيون متسلطة على السوط Cفى يد السيد
الدوسى ، Cتتساءل عن الدرة الفريدة المضيئة كالقنديل فى طرفه !! وما زادت عن الظن أنها جوهرة من نفائس عكاظ ،
قد ابتاعها السيد من رجال الغارات على القصور فى أرض فارس أو الروم0!! C
ودخل سيد دوس داره ،فاستقبله أهله فى فرح ولهفة ،وما كاد يجلس على فراشه حتى أتاه أبوه من حجرته ،فبادره
الطفيل فقال :إليك عنى يا أبتاه ،فلست منى ولست منك !! 0وقطب الشيخ جبينه ،وقد فغر فاه دهشة وغرابة ،وقال :
ولم يا بنى !؟ 0وأجابه الطفيل من فوره فقال :إنى أسلمت واتبعت دين محمد 00
وهزت روعة اإليمان أوصال الشيخ ،فهو لم يعهد فى ابنه غير خفض الجناح معه من قبل ،وإ ذن فال دافع لولده
غير الصدق حيث رآه فى دين محمد فلم يهادن فى سبيله حتى أباه 00ومن ثم لم يملك األب الشيخ إال أن ينصاع
للحق حين طرق باب قلبه 00ولم يلبث أن قال لولده :يا بنى 00دينى دينك ! فأعرضه على ،أسمع وأطع ! فقال له
الطفيل :اذهب واغتسل وطهر Cثيابك 0وعاد الشيخ مغتسالً طاهراً ،فقرأ عليه ما وعاه من آيات اهلل ،وعرض عليه
قواعد اإلسالم ،فأسلم 0
98
وأقبلت عليه زوجته تحمل ولده الحبيب عمراً ،فما ملك نفسه أن قال لها هى األخرى :إليك عنى ،فلست منك ولست
منى !! 0وتعثر Cلسان الزوجة الوفية وهى تنظر إليه فى عجب ،وتقول :ولم بأبي أنت !؟ 0وأجابها الطفيل على الفور
:قد فرق Cبيني وبينك اإلسالم ،إني أسلمت واتبعت دين محمد !! 0فطلبت منه أن يعرض عليها الدين الجديد 00فقال
لها :اذهبى إلى ماء ذى الثرى ،فتطهري منه 0وعادت الزوجة 00فقرأ عليها من القرآن ما شاء أن يقرأ ،ثم عرض
عليها اإلسالم ،فأسلمت 00وأسلم آل بيت الطفيل جميعاً 00
وانتشر Cفى أرجاء الحى نبأ إسالم سيد دوس ،فهالهم األمر وزلزل Cكيانهم 00فأسرعوا Cإليه زرافات Cووحداناً00 C
واجتمعوا Cبه شيباً وشباباً ،يحاولون صرفه عن عقيدته الجديدة ،ويهددون مكانته فيهم وسيادته عليهم 00وحسب
الطفيل أن العبء هين أول األمر ،فراح يصبر Cعلى نأيهم حيث يدعوهم إلى دين اهلل ،ولكنهم Cتكالبوا عليه ،وصارواC
يزدادون بمرور Cاأليام قسوة فى معاملته وشدة على أهل بيته الذين آمنوا معه 00وكلما أالن لهم جانبه ،كلما ازدادواC
عنتاً فى محاربته ،وتسفيهاً لرأيه ،حتى غدا ذلك البيت الرفيع القدر محطاً لسخرية دوس وتآمرها واضطهادها 0
وضاق Cالطفيل بقومه ذرعاً فبدأ يتحداهم ،ويعيب أصنامهم ،ويكفر من مضى من آبائهم وأسالفهم ، Cحتى كاد الدوسيون
أن يقتلوه ويقتلوا آل بيته جميعاً 0!! 00
وخرج الطفيل بليل يطلب رسول اهلل فى مكة ،ويلتمس عنده الرأى والعون والقوة 00وكان لقاء علوياً ،نسى
السيد الدوسى Cمن خالله كل إرهاق أصابه من قومه ،فقد كان سرور النبى به هو منتهى ما كان يأمله فى هذا الوجود 0
وسأله الرسول عن حال قومه معه 00فأجابه الطفيل فى اقتضاب وقال :يا رسول اهلل ،قد غلبتني دوس 00فادع
عليهم 0!!00
ولكن الرسول أخذ يهون عليه ما لقيه وما قد يلقاه منهم .
ورجع السيد الدوسى Cإلى قومه وقد امتأل قوة وأمالً ،وازداد Cعزة وبأساً ، Cفأخذ يدعوهم ويتحبب إليهم 00لكن أنى
للقلوب المشحونة بالشرك Cوالجهالة أن تثوب من قريب 00وهكذا مضت السنون ،والطفيل يكافح ويجاهد ويجالد00 C
ويصبر ويعفو ويحتسب ،حتى يئس منه القوم 00وبدأ البعض يفكر فى األمر ملياً ،حيث راعه نور الحق يمأل قلب
سيد دوس فأحاله شيئاً آخر ،أقرب إلى المالئكة فى صفاء الروح ،وعلو النفس ،ونقاء السريرة 0
وكان ال بد للدعوة الصادقة وهى تصدر Cعن القلب الكبير الصابر Cأن تجد آخر األمر تربتها Cالصالحة فى قلوب الذين
كتب اهلل لهم الهداية من خلقه ،فبدأت أبيات من دوس تدخل فى اإلسالم سراً
وأذن اهلل لرسوله والذين آمنوا معه بالهجرة إلى المدينة ،وهناك لقيت دعوة اإلسالم ما تصبو إليه من عزة ومنعة
واستقرار0 C
وخرج المسلمون إلى بدر ،فسطروا أعظم الصفحات فى سجل الخلود ،ثم مضوا إلى أحد والخندق 00فجاهدوا جهاد
األبرار الخالدين 00وفات الطفيل بن عمرو سيد دوس شرف الخروج إلى تلك الغزوات الثالث 00حتى إذا ما كان
الرسول األعظم وأصحابه فى طريقهم إلى خيبر ،كان الطفيل بن عمرو يشق طريقه نحو المدينة ،ومن خلفه ثمانون
بيتاً من دوس قد آمنوا باهلل ورسوله ،على رأسهم ذلك الشاب ذو البأس عمرو بن الطفيل 0
ولم يستطع سيد دوس أن يمكث بالمدينة ساعة من نهار ،فلقد دفعه شوقه لنصرة اهلل وجهاد أعدائه إلى المضى
حيث يحاصر Cرسول اهلل آخر قلعة لليهود وأقواها بالجزيرة 0
وبينما Cالمسلمون يدكون القلعة بدباباتهم ، Cويقذفون Cبالمنجنيق جحافل الشرك من أعالها 00والحرب يومئذ سجال ،
تكتنفها حرارة النضال بين الفريقين هجوماً ودفاعاً 00إذ دوت فى اآلفاق Cأصوات دوس بالتكبير ،وهم يقبلون سراعاً
99
خلف سيدهم الطفيل وولده عمرو ،ويلوحون بسيوفهم Cورماحهم Cفى الفضاء 00ونظر Cالرسول إلى أصحابه وهم
يتساءلون عن أمر القوم ،وما لبث أن أعلمهم أنها دوس قد أقبلت لتدفع ضريبة الوفاء لإليمان 0
ودارت رحى الحرب شديدة طاحنة ،والدوسيون يسطرون صحائف إخالصهم Cجهاداً واستبساالً 00ومن خالل
الوطيس الحامى رأى الطفيل ابن عمرو شدة أهل خيبر واستعصاءهم على التسليم ،وبخاصة ذلك الركن الجنوبى Cمن
القلعة ،فقد كان من الكثرة والمنعة بحيث عطل النصر على المسلمين 00فتقدم إلى رسول اهلل وقال :يا رسول اهلل ،
اجعلنا ميمنتك ،واجعل شعارنا " Cمبرور " !! 0ولمح الرسول األعظم نور البر بالعقيدة يشرق Cمن وجه سيد دوس ،
فأقره على ما طلب 00ثم نظر إلى ولده الحبيب عمرو بن الطفيل وقد Cأكبر فيه شدة بأسه وحرصه على الشهادة 00
ورأى Cأن يبقى عليه ليكون درع الدعوة فى دوس بعد أبيه لو نال الشهادة 00وطلب منه أن يعود إلى قومه يستحثهمC
ويستمدهم ،ولكن السيد الشاب قال :وقد Cنشب القتال يا رسول اهلل تغيبنى عنه !؟ 0فأشرق وجه الرسول بالسرور ،
ومسح صدره وقال :أما ترضى أن تكون رسول رسول اهلل !؟ 0ونزلت الكلمات السامية بالسكينة على قلب الشاب
فقال :يا رسول اهلل ،سمعاً وطاعة 00
ووقفت دوس خلف سيدها يواجهون ذلك السيل المتدفق من رماح األعداء وسهامهم Cونبلهم ،بصدور Cملؤها الصبر
والصدق Cواإليمان ،ويردون عليهم بضربات Cال تعرف الهوادة أو الضعف 00ولم تكن إال ساعة حتى انخذل اليهود
عن مواصلة القتال ،ورفعوا راية التسليم 00وانتهى أمرهم إلى الجالء عن الجزيرة كلها 00ولكن بعد أن دفع
المسلمون ثمن النصر جراحاً واستشهاداً 00 Cوبعد أن دفعت دوس من دمائها وأرواحها هى األخرى ضريبة الكفاح
الخالص والنضال Cالرهيب ،فى أول موطن من مواطن البر والوفاء 0
وبينما Cالرسول ينظم جيشه إلخضاع هوازن وثقيف ،إثر الفتح ،وقريش Cكلها تسير فى ركابه حيث يريد ،كان سيد
دوس يطلب إليه أن يأذن له فى اللحاق بقومه ،ليحرق صنمهم " ذى الكفين " ويأتى بهم جميعاً إلى حلبة اإليمان .
ومكث الطفيل فى قومه تسعة أشهر ،عاد بعدها مع ابنه اليافع عمرو بن طفيل ،ليكونا إلى جوار رسول اهلل فى
المدينة ،وليعيشا Cفى كنفه ما شاء اهلل لهما أن يعيشا ،وليظال رهن إشارته وطوع بنانه حيال كل أمر وحال 00ولم
تطل اإلقامة عند مشرق Cالنور ،فقد قضت إرادة اهلل أن تستأثر بالنبى األعظم إلى الرفيق Cاألعلى ،بعد أن دخلت
الجزيرة كلها فى حوزة اإلسالم 00فبكاه الطفيل وابنه مع المسلمين أشد البكاء 0ثم لم يلبثوا أن رأوا رايات الشرك
والكفران ترفع من جديد 00فارتدت Cبعض القبائل الضاربة فى نجد واليمن ،وأوغلت فى العداء وطردت من ديارها
سفراء اإلسالم وجباة الزكاة 00ومن ثم أعلنت حربها على أهل التوحيد ، Cوكتلت قواها للقضاء على المسلمين ،
وسارت Cفى ركابها شتى القبائل جرأة على أنصار Cاهلل بعد موت رسول اهلل 0وكانت محنة عظمى ،تقلصت معها
رقعة اإلسالم وانكمشت ،حتى لم تعد تتعد المدينة ومكة والطائف وعبد القيس !!0
ونادى Cخليفة رسول اهلل أبو بكر بالخروج Cإلى حرب المرتدين ،فاجتمع له أحد عشر جيشاً 00كان الطفيل بن عمرو
وابنه عمرو بن الطفيل على رأس دوس فى المقدمة من أخطرها وجهة وأشقها طريقاً 00حيث التحم بجحافل الوثنية ،
وعلى رأسها طليحة األسدى ،فألقوا عليها درساً علوياً فى سجل النصر ،فانكسرت شوكتها ، Cوعاد من بقى منها إلى
اإلسالم راضياً Cأو صاغراً ليعصم دماءه ،بعد أن حز المسلمون رأس طليحة !! وجاهد الطفيل وابنه عمرو خالل
المعركة الضارية جهاد األبطال األوفياء ،وحرصاً Cعلى الشهادة فلم يناالها 0ومن ثم اتجها على رأس الجيش الرهيب
إلى نجد ،فأخضعوا Cقبائلها وأعادوها كلها إلى حظيرة اإلسالم 00ثم واصال طريق النصر فى مقدمة الجيش نفسه نحو
100
اليمامة ،حيث اجتمعت فيها رءوس الكفر فى أضخم جيش واجهه المسلمون فى حروب الردة 00وكانت محنة أخرى
قضى Cفيها من قضى ،ولما يأت النصر رغم القتال البئيس والصمود Cالعنيد 00ليل نهار !!00
وجاءت ليلة لم يستطع الفريقان المتباينان عدداً وعتاداً مواصلة الحروب 00المسلمون فى قلتهم وغربتهم 00
وأعداؤهم فى كثرتهم Cومنعتهم ،فنام الجيشان من فرط Cالجهد استعداداً لمعركة الصباح 0
ووقفت ربيئة من المسلمين تحرس جند اإلسالم فى جنح الظالم 00وغفا الطفيل من بينهم إغفاءة يسيرة ،قام على
إثرها مكبراً مهلالً يقول لمن حوله :إنى رأيت رؤيا ، Cفاعبروها 00 Cإنى رأيت رأسى حلق ،وأنه خرج من فمى طائر
،وأنه لقيتنى امرأة فأدخلتنى فى فرجها 00 Cورأيت ابنى عمراً يطلبنى طلباً حثيثاً ،ثم رأيته حبس عنى !! ونظر Cالقوم
بعضهم Cإلى بعض ،وفهموا Cمن الرؤيا معانى شتى 00ولم يملكوا إال أن يقولوا للطفيل بلسان واحد :إنها رؤيا خير إن
شاء اهلل 0ولكن الطفيل قد ابتسم ،ونظر Cإلى أصحابه وقال :أما أنا فقد أولتها 00أما حلق رأسى فقطعها ،وأما
الطائر فروحى ،وأما المرأة التى أدخلتنى فى فرجها Cفاألرض تحفر لى فأغيب فيها 00وأما طلب ابنى لى ثم حبسه
عنى ،فإنى أراه سيجتهد أن يصيبه ما أصابنى !!0
وأقبلت نسمات السحر ،واستيقظ Cالمسلمون من نومهم بين ذكر وصالة واستغفار ،وانتظمت الصفوف ،واشتبك
جند اهلل مع بنى حنيفة فى أشد وقعة وأعنف ميدان 00وتخطى سيد دوس مقدمة المسلمين ومن خلفه ولده عمرو 00
وظال يقاتالن فى بأس واستماتة يطلبان من خاللها نعمة الشهادة 0وما لبث السيد الدوسى Cوهو يطيح برقاب الشرك
يميناً وشماالً أن رماه رجل بسيفه المصلت رمية غادرة وهو يفر من أمام الطفيل يأساً ،فقطع منه العنق فخر شهيداً 00
أما ابنه فقد ألهبته شهادة أبيه شدة فوق شدة ،فصار يطلب الشهادة لنفسه ولكنه ال ينالها 00فهو لم يجد أمامه من يقف
من أعداء اهلل فى سبيله وهو يحصد رقابهم حصداً ،حتى اجتمعت عليه فى النهاية قوة من األعداء ،ظل يكافحها Cوحده
،حتى قطعت يده !!0
وانجلت المعركة الحامية عن ذبح زعيم الشرك مسيلمة ،وقتل الجانب العظيم من قواته ،بعد فرار من استطاع Cمنها أن
يفر 00وتم النصر للمسلمين 00
وانتقل خليفة رسول اهلل إلى دار البقاء ،وانتقلت الخالفة إلى عمر بن الخطاب 00وأذن مؤذن الخليفة فى الناس
يطلب المدد ممن بقى من أهل المدينة وما حولها ،لموافاة أبى عبيدة بن الجراح باليرموك من أرض الروم 00 Cوعمرو
بن الطفيل من خالل ذلك يخاف أال يأذن له أمير المؤمنين بالخروج !00
وبينما Cهو فى بيته إذ دعاه رسول الخليفة فوافاه ابن الطفيل على الفور فى داره ،فوجد Cعنده رجاالً من األنصار
يقتربون من طعام ،وما أن شاهده عمر حتى أفسح له بجواره ،ولكن ابن الطفيل لم يشأ أن يأكل 00فلقد كان يحب أن
يدعوه الخليفة إلى القتال ال إلى الكراع 00وألح عليه الخليفة ليأكل ،فجلس كارهاً إلى جواره من ناحية يده المبتورة ،
ولم يلبث أن تنحى عن الطعام 00فقال له الخليفة :مالك !؟ لعلك تنحيت لمكان يدك !0؟ فأجابه ابن الطفيل وقال :أجل
يا أمير المؤمنين 00فنظر Cإليه عمر بن الخطاب بجسده كله ،وقال :واهلل ال أذوقه حتى تسوطه بيدك ،فواهلل ما فى
القوم أحد بعضه فى الجنة غيرك !!00
ونزلت الكلمة الكريمة على قلب ابن الطفيل ،فغمرته باألمل فى أن يخرج مع المسلمين إلى اليرموك 00وشعر ابن
الخطاب بإحساس ابن الطفيل نحو الجهاد ،فأذن له بالخروج 00
وانطلق Cسيد شباب دوس انطالق األسد من غل األسر 00فكان فى مقدمة الصفوف 00والتقى المسلمون بالروم فى
حرب ضروس ،خر من خاللها آالف وآالف من الفريقين 00وازداد هجوم األعداء شدة ،وصمد المسلمون على
101
قتلهم ،وبدأوا يتساقطون واحداً إثر واحد 00ثم جاءت الريح ألنصار Cاهلل ورسوله 00فانقلب ميزان المعركة ،وتم
ودفع المسلمون ثمن النصر غالياً من النصر ،وارتفعت رايات اإلسالم على أرض الشام كلها 00
أرواح شهدائهم !0 Cوكان من بين أولئك الشهداء األوفياء 00 Cفتى دوس وابن سيدهم 00عمرو بن الطفيل سطور
مضيئة :
الطفيل بن عمرو بن طريف Cبن العاص الدوسي األزدي 0
أحد األشراف فى الجاهلية واإلسالم0 C
كان شاعراً فحالً من شعراء العرب 0
نشأ بين أسرة شريفة كريمة فى أرض دوس 0
كان كثير الضيافة 0
كان مطاعاً فى قومه 0
فى سوق Cعكاظ حيث يجتمع الشعراء واألدباء بمكة حذرته قريش من سماع الرسول وألحوا عليه
وضع فى أذنه قطناً Cلئال يسمع ،ولكن شاء اهلل له أن يسمع ويعجب بالقرآن ،ويسلم Cعلى النبى ويطلب منه أن
يجعل له آية فى قومه حتى يهديهم اهلل ،فدعا له النبى 0
دعا أباه وأمه وزوجته فأسلموا جميعاً ،وأسلم أبو هريرة من القبيلة ،ورفضت القبيلة اإلسالم 0
عاد إلى رسول اهلل يطلب منه أن يدعوعليهم فدعا لهم وقال :اللهم اهد دوساً Cوآت بهم مسلمين ،وأوصاه
الرسول بالرفق Cمعهم 0
أسلمت القبيلة كلها وعددها ثمانين أسرة ،وبعد فتح خيبر جاءوا إلى الرسول
فى فتح مكة ذكر إن عمرو بن حممة الذى كان ينزل الطفيل ضيفاً عنده كان له صنماً يدعى ذا الكفين ،فاستأذن
النبى أن يحرقه ،فأذن له فكان يضرم Cفيه النار ويقول :
ميالدنا أقدم من ميالدك يا ذا الكفين لست من عبادك
إنى حشوت النار فى فؤادك
قال ألصحابه يوماً :إني رأيت رؤيا فاعبروها 0 Cإني رأيت رأسي حلقاً وأنه خرج من فمى طائر وأنه لقيتني
امرأة فأدخلتني فرجها ، Cوأرى Cابني عمراً يطلبني Cطلباً حثيثاً ثم رأيته حبس عنى 0فقالوا له :خيراً 0وقال :أما أنا فقد
أولتها ،أما حلق رأسي فقطعه وأما الطائر فروحي وأما المرأة التي أدخلتني في فرجها فاألرض تحفر لي فأغيب فيها ،
وأما طلب ابني ثم حبسه عنى فإنى أراه سيجهد أن يصيبه ما أصابني 00Cفقتل الطفيل باليمامة شهيداً وجرح ابنه عمرو
ثم عوفي وتوفى Cواستشهد Cعام اليرموك 0
استشهد Cفى موقعة اليمامة سنة 11هـ 0
التقويم :
-1صف حياة الطفيل بن عمرو في قومه قبل إسالمه .
-2اسرد قصة إسالم الطفيل .
-3بين دور الطفيل بن عمرو في إسالم قبيلته .
-4بين دور الطفيل في غزوة خيبر .
-5صف ما فعله الطفيل في قومه بعد غزوة خيبر لتجمعهم على اإلسالم .
102
-6صف دور الطفيل في حروب الردة .
-7أذكر اآليات التي رأها الطفيل في منامه أثناء حرب اليمامة ومدى Cتحققها .
-8صف حال ابن الطفيل بعد استشهاد والده .
-9صف كيف نال بن الطفيل الشهادة مثل أبيه .
صف مشاعرك تجاه الطفيل بن عمرو. -10
وضح ما الذي تعلمته من قراءة قصة حياة واستشهاد الطفيل بن عمرو. -11
عبر عما تنوي عمله بعد دراستك Cلقصة الطفيل بن عمرو. -12
الحســــن البصـــــــري
َ
قوم فيهم ِمث ُل الحسن البصــري ؟! " " كيف ُّ
يضل ُ
جاء البشير ُيبشر زوج النبي " أُم سلمة " بأن موالتها " Cخيرة " قد وضعت حملها وولدت ُغالماً .
وبادرت Cفأرسلت رسوالً Cليحمل إليها الوالدة ومولودها ، Cلتقضي فترة النفاس في بيتها.
.
آخر من
بيت ُ
لكن الفرحة بالحسن لم تقتصر على بيت أُم المؤمنين أ ُِّم سلمة رضوان اهلل عليها ،وإ نما شاركها Cفيها ُ
ُبيوت المدينة .هو بيت الصحابي الجليل زيد بن ثابت كاتب وحي رسول اهلل . r
كما كانت من أوسع زوجات الرسول الكريم rعلماً ،وأكثرهن رواية عنه .حيث روت عن النبي صلوات اهلل عليه
ثالثمئة وسبعة وثمانين حديثاً .وكانت إلى ذلك ُكله من النساء القليالت النادرات اللواتي يكتُبن في الجاهلية .
َّبي المحظوظ بأ ُِّم المؤمنين " أ ُِّم سلمة " عند هذا الحد .وإ نما امتدت إلى أبعد من ذلك . .
ولم تقف صلة الص ِّ
الرضيعُ يبكي من
تخر ُج من البيت لقضاء بعض حاجات أُم المؤمنين ،فكان الطفل َّ خيرةُ " أ ُُّم الحسن ُفكثيراً Cما كانت " َ
ُم ِه . .فكانت لشدة
عن غياب أ ِّ
()18
لقمه ثديها ؛ لتُصب َِّرهُ به وتُعللهُ
بكاؤهُ فتأخذه أ ُُّم سلمة إلى حجرها ،وتُ ُ
ُجوعه ،ويشتد ُ
ت عليه . فيرضعهُ الصَّبي ويس ُك ُ
ُ ثديها لبناً سائغاً في فمه
يد ُّر ُ
ُحبِّها إيَّاه ُ
ُماً للحسن من جهتين :
وبذلك غدت أ ُُّم سلمة أ َّ
الصالت الواشجة بين أمهات المؤمنين ،وقُرب Cبيوت بعضهن من بعض للغالم السعيد أن يتردد على هذه
ُ وقد Cأتاحت
ث عن نفسه ـ يمأل جميعاً .وأن يهتدي بهديهن . . . .وقد كان ـ كما ُي ِّ
حد ُ
()19
البيوت كلها .وأن يتخلق بأخالق رباتهاC
ترعها بلعبه النشيط . . .
وي ُهذه البيوت بحركته الدائبة ُ ،
حتى إنه كان ينال ُسقُوف بيوت أُمهات المؤمنين بيديه وهو يقفز فيها قفزاً .
من آثر الناس عنده :من أعز الناس وأكرمهم عنده . )(17
تُ َغلّله :تشغله . )(18
رباتها :صاحباتها . )(19
104
لكنه أُوِل َع أكثر ما أُوِل َع بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي اهلل عنه .
وحكمته البالغة ،وأقواله الجامعة ،وعظاته التي تهز القلوب هزاً .فتخلق بأخالقه في التُّقى والعبادة . .ونسج على
منواله في البيان والفصاحة .ولما بلغ الحسن أربعة عشر ربيعاً من ُع ُم ِره ،ودخل في مداخل ِّ
الرجال انتقل مع أبويه
إلى " البصرة " واستقر فيها مع أسرته .
عل ِه . .إذا أمر بمعروف كان أعمل الناس به . .وإ ذا نهى عن منكرفقلت :إنه امر ُؤ سريرتُه كعالنيته . .وقولُه َك ِف ِ
ُ ُ ُُ ُ
كان أترك الناس له . .ولقد رأيته مستغنياً Cعن الناس ؛ زاهداً مما في أيديهم . .ورأيت الناس ُمحتاجين إليه ؛ طالبين
ما عنده .
ُّ
يضل قوم فيهم مثل هذا ؟ !. فقال َم ْسلَ َمةُ َ :ح ْسُبك يا خالد حسبك !! .كيف
ولما ولى الحجاج بن يوسف الثقفي " العراق " ،وطغى Cفي واليته وتجب ََّCر . . .
كان الحسن البصري Cأحد الرجال القالئل الذين تصدوا لطغيانه وجهروا Cبين الناس بسوء أفعاله ،وصدعوا Cبكلمة الحق
في وجهه .
حسبك
حسبك يا أبا سعيد ُ .. .
ومضى Cيتدفق على هذا المنوال حتى أشفق عليه أحد السامعين من نقمة الحجاج فقال له ُ :
.فقال له الحسن :لقد أخذ اهلل الميثاق على أهل العلم ُليَبيُِّنَّنهُ للناس وال يكتمونه . . .
وسحقاً . . وفي Cاليوم التالي دخل الحجاج إلى مجلسه وهو يتمي َُّز من الغيظ وقال َّ
لجالسه :تبَّا لكم ُ
ُ
يجد فيكم من يرده أو ُينكر عليه !! . . .واهلل
عبد من عبيد أهل " البصرة " ويقول فينا ما شاء أن يقول ،ثم ال ُ
يقوم ُ
. . .فأُحضرا . . . ()24
الجبناء .ثم أمر بالسيف Cوالنطع
ألسقينكم من دمه يا معشر ُ
ودعا بالجالد ؛ فمثل واقفاً بين يديه .ثم وجَّه إلى الحسن بعض ُش َر ِط ِه . .وأمرهم Cأن يأتوه به . . .
القلُوب .
وما هو إال قليل حتى جاء الحسن ،فشخصت Cنحوه األبصار ، Cووجفت عليه ُ
المسلم حرك شفتيه ،ثَُّم أقبل على الحجاج وعليه جالل المؤمن َّ ،
وعزةُ ُ ف َّ
والنطع والجالد َّ ، الحسن الس َّْي َ
ُ فلما رأى
الداعية إلى اهلل .فلما رآه الحجاج على حاله هذه ؛ هابه أ َش َّد الهيبة وقال له :ها ُهنا يا أبا سعيد . . .ها ُهنا .. .
ووقار َّ
ثم ما زال ُيوسِّعُ له ويقول :ها ُهنا . . .والناس ينظرون إليه في دهشة واستغراب حتى أجلسه على فراشه .
ولما أخذ الحسن مجلسه التفت إليه الحجاج ،وجعل يسأله عن بعض أُمور الدين ،والحسن ُيجيبه عن كل مسألة
بجنان ثابت ،وبيان ساحر ،وعلم واسع .
ولقد كثرت مواقف Cالحسن البصري هذه مع الوالة واألمراء فكان يخرج من كل منها عظيماً في أعين ذوي السلطان
مر بن عبد العزيز إلى جوار ربه وآلت الخالفة إلى يزيد بن عبد الملك ،
من ذلك أنه بعد أن انتقل الخليفة الزاهد ُع ُ
ولَّى على " العراق " ُعمر بن ُهبيرة الفزاري..
فدعا ُعمر بن ُهبيرة ُكالَّ من الحسن البصري ، Cوعامر بن ُشراحبيل المعروف Cبالشعبي وقال لهما :
َّ
إن أمير المؤمنين يزيد بن عبد الملك قد استخلفه اهلل على عباده ،وأوجب طاعته على الناس .
وقد Cوالني ما ترون من أمر " العراق " ثم زادني فوالني " فارس ".
يأم ُرني فيها بإنفاذ ما ال أطمئن إلى عدالته .فهل تجدان لي في ُمتابعتي إياه وإ نفاذ أوامره
إلي أحياناً ُكتُباً ُ
وهو ُيرس ُل َّ
ومسايرة للوالي .والحسن ساكت .
مخرجاً في الدين ؟ .فأجاب الشعبي جواباً فيه مالطفة للخليفة ُ ،
مر بن هبيرة إلى الحسن وقال :وما تقول أنت يا أبا سعيد ؟.
فالتفت ُع ُ
فقال :يا بن ُهبيرة َخ ِ
ف اهلل في يزيد ؛ وال تخف يزيد في اهلل . . .
واعلم يا بن ُهبيرة أنه ال طاعة لمخلوق كائناً من كان في معصية الخالق عز وجل .
عبي إلى الحسن . .وبالغ في إعظامه وإ كرامه . .فلما فبكى ُعمر بن ُهبيرة حتى بلَّلت ُدموعه لحيتهُ . .ومال عن َّ
الش ِّ ُ ُ
اس ،وجعلوا Cيسألونهما Cعن خبرهما مع أمير " العراقين " .
()26
خرجا من عنده توجها إلى المسجد ،فاجتمع عليهما َّ
الن ُ
فالتفت الشعبي إليهم وقال :أيها الناس من استطاع Cمنكم أن يؤثر Cاهلل عز وجل على خلقه في كل مقام فليفعل ،
أردت فيما ُقلتُهُ وجه ابن ُهبيرة ،وأراد فيما قاله
ُ مر بن ُهبيرة قوالً أجهلُهُ ،ولكني
لع َ
الحسن ُ
ُ فوالذي Cنفسي بيده ما قال
وجه اهلل ،فأقصاني Cاهلل من ابن ُهبيرة وأدناه منه وحبَّبهُ إليه .
وقد عاش الحسن البصري نحواً من ثمانين عاماً مأل الدُّنيا خاللها علماً وحكم ًة وفقها.
وكان من أجل ماورثه لألجيال رقائقُهُ التي ظلت على األيام ربيعاً للقلوب .ومواعظُهُ التي هزت وما زالت تهُُّز األفئدة
الجمعة من ُغ َّر ِة رجب سنة مئة وعشر ،لبَّى الحسن البصري Cنداء ربِّه. . .
وفي Cليلة ُ
نعيه ؛ ارتجت " البصرة " لموته رجًّا . . .
فلما أصبح الناس وشاع فيهم ُ
ومعلِّماً ،وداعياً إلى اهلل .ثم تبع َّ ِّ
وصلي Cعليه بعد الجمعة في الجامع الذي قضى في رحابه ُجل حياته عالماً ُفغ ِّس َل و ُكفِّن ُ
ُ
الناس جميعاً جنازته .فلم تقم صالة العصر في ذلك اليوم في جامع " البصرة " .ألنه لم يبق فيه أحد يقيم الصالة .وال
المسلمون إال في ذلك اليوم .يوم انتقال الحسن البصري يعلم الناس أن الصالة ُعطِّلَ ْ
ت في جامع " البصرة " ُم ْن ُذ ابتناه ُ
إلى جوار ربه
سطور مضيئة :
-الحسن بن يسار البصري ، Cوكنيته أبو سعيد .
-ولد في المدينة سنة 21هـ ،ولد في خالفة عمر بن الخطاب وحنكه عمر بيده .
-كان أبوه مولي لزيد بن ثابت وأمه خيرة موالة ألم المؤمنين أم سلمة رضي اهلل عنها.
-حفظ القرآن في خالفة عثمان وكان إمام أهل البصرة ،وكان فصيحاً بليغاً تنصب الحكمة من فمه .
-كان كثير الغزو والجهاد Cفي سبيل اهلل ،وشارك Cفي غزوة إلى خراسان .
التقويم :
-1أذكر نسب الحسن البصري .
-2وضح جوانب من طفولة الحسن البصري. C
-3بين طلب الحسن البصري العلم .
-4علل نبوغ الحسن البصري .
-5وضح جوانب من فقه الحسن البصري Cوزهده وورعه وشجاعته في الحق .
" -6كان من أجل ماورثه الحسن البصري لألجيال رقائقُهُ التي ظلت على األيام ربيعاً للقلوب .ومواعظُهُ التي
هزت وما زالت تهُُّز األفئدة ،وتُنبِّهُ ِّ
الغارين الغافلين " أذكر بعضاً مما أثر فيك من مواعظه وأقواله – مبيناً فيم
كان التأثير .
( -7كثرت مواقف الحسن البصري Cمع الوالة واألمراء فكان يخرج من كل منها عظيماً في أعين ذوي السلطان ،
عزيزاً باهلل ،محفوظاً بحفظه ) أذكر أحد هذه المواقف Cالتى تأثرت بها ،وماذا تعلمت من هذا الموقف. C
109
سعيد بن المسيب
عقد أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان العزم على حج بيت اهلل الحرام . .وزيارة ثاني الحرمين الشريفين
المنورة من غير فر من كبار رجال دولته . .وبعض أوالده . .ومضى الركب في طريقه من " دمشق " إلى المدينة ُ ون ٌ
وع ِقدت لهم مجالس العلم والتذكرة شُ ، ريث وال عجل . .فكانواُ Cكلَّما نزلوا منزالً ُنصبت لهم الخيام ،وفُرشت لهم الفُُر ُ
ونفُوسهم بالحكمة والموعظة الحسنة .ولما بلغ الخليفة المدينة المنورة َّ ،أم ؛ ليزدادوا تفقهاً في الدين .ويتعهدواُ Cقلُوبهم ُ
وس ِع َد بالصالة في ٍ
حرمها الشريف . . Cوتشرف بالسالم على ساكنها ُمحمد عليه أفضل الصالة وأزكى التسليم َ ،
الغراء .
المطهرة َّ
الروضة ُ
َّ
فوقف غير بعيد من الحلقة ،وأشار Cللشيخ بإصبعه . .فلم يلتفت إليه الشيخ ،ولم يأبه له .
فاقترب منه وقال :ألم تر ِّأني أ ِ
ُش ُير إليك ؟! .
إن من يبغي شيئاً يأتي إليه . . .وإ َّن في حلقة المسجد متسعاً له إذا كان راغباً في ذلك .
فقال الشيخ َّ :
فقال له أخوه األكبر :الحق أنني ال أعرف شيئاً من خبرها ،وخبره معها . . .
تعلم ـ أُالزم مسجد رسول اهلل طلباً للعلم . الر ُج ُل َ :ح َّدثني ُأبو وداعة قال ُ :ك ُ
نت ـ كما ُ فقال َّ
وعقد لي على ابنته ،وجعل مهرها درهمين اثنين . . .فقُمت وأنا ال أدري ما أقو ُل من َّ
الدهشة والفرح . .
نت يومئذ صائماً ؛ فنسيت صومي وجعلت أقو ُل :ويحك يا أبا وداعة . . .
ثم قصدت بيتي ،و ُك ُ
وظللت على حالي هذه حتى أ ُِّذن للمغرب
ُ ب المال ؟! .تستدين ؟ ! . .وممن تطلُ ُ
ُ ممنما الذي صنعت بنفسك ؟ ! َّ . .
. .فأديت المكتوبة ،وجلست إلى فُطُوري ،وكان ُخبزاً ،وزيتاً . . Cفما إن تناولت منه لُقمةً أو لُقمتين حتى سمعت
فقلت :من الطارق C؟ .فقال :سعيد . . .
الباب ُي َقرعُ ُ .
المسيب . . . اسمهُ سعيد ِ ُّ
أعرفُهُ إال سعيد بن ُ فواهلل لقد َم َّر بخاطريُ Cكل إنسان ُ
المسيب . . .
ذلك ألنه لم ُي َر منذ أربعين سنةً إال بين بيته والمسجد . Cففتحت الباب ،فإذا بي أمام سعيد بن ُ
فظننت أنه قد بدا له في أمر زواجي Cمن ابنته شيء . . .
الضحى .
الغداة ُ : )(36
مشدوها :ذاهالً حائ اًر . )(37
112
ُمي ،فهي بعيدة َّ
الدار .فقالت عجوز منهن :ويحك أتدري ما تقول ؟ ! . . أدع َو أ ِّ
آنسوها حتى ُ
فتعالواُ C
ض َّن بها على الوليد بن عبد الملك !!.
المسيب بنفسه ؟ ! . .وهو الذي َ
أزوجك Cسعيد بن ُ
َّ
لت :نعم . .وها هي ذي عندي في بيتي ،فهَلُ ُّموا Cإليها ،وانظروها. C
فق ُ
ُ
فتوجه الجيران إلى البيت ،وهم ال يكادون ُيصدقونني ،ورحَّبوا Cبها ،وآنسوا وحشتها. . . C
علي السالم ،ولم ُيكلمني. أتيت حلقة الشيخ في المسجد ؛ فسلَّمت عليه َّ ،
فرد َّ ثم إني ُ
فلما انفض المجلس ،ولم يبق غيري قال :ما حا ُل زوجتِك يا أبا وداعة ؟.
َّ
زوج ابنتك من رجل من عامة المسلمين ؟ ! . ولقد سأله بعض أصحابه فقال :أتَُر ُّد ُخ َ
طبةَ أمير المؤمنين وتُ ُ
صالح ِ
أمر َها .فقيل له :وكيف ؟ ! . َ تحريت فيما صنعتُهُ لها
ُ فقال إن ابنتي أمانة في ُعُنقي ،وقد
وتتلمذ Cعلى يدي زيد بن ثابت ،وعبد اهلل بن عباس ،وعبد اهلل بن ُع َم َر . .وسمع من ُعثمان وعلي ،وصهيب ،
وغيرهم من صحابة النبي الكريم . وتخلق بأخالقهم . Cوتحلى بشمائلهم . . .
اد نفسها بمثل طاعة اهلل . وكأنها Cشعار له ،وهي قولُه :ما أع َّز ِت ِ
العَب ُ ولقد كانت له كلمة ُي َر ِّد ُدها على َّ
الدوام حتى غدت َّ
َ ُ
.
وال أهانت نفسها بمثل معصيته
سطور مضيئة :
-سعيد بن المسيب بن حزم ابن أبي وهب وكنيته أبو محمد .
-ولد سنة 15هجرية .
-جمع بين الحديث والفقه والزهد والعبادة والورع وكان كثير الصوم ،وكان يقال له فقيه الفقهاء .
-يقول عن نفسه :ما بقي أحد أعلم بقضاء قضاه رسول اهلل وأبو بكر وعمر مني .
-تزوج من ابنة أبي هريرة ليكون قريباً منه يأخذ عنه علم رسول اهلل وسنته .
-تتلمذ على يد زيد بن ثابت وعبد اهلل بن عباس وعبد اهلل بن عمر وسمع الحديث من عثمان وعلي وصهيب
وغيرهم .
-كان يفتي في المدينة والصحابة أحياء فقد كان من فقهاء المدينة السبعة .
-من أقواله " :ما أعزت العباد نفسها بمثل طاعة اهلل وما أذلت نفسها بمثل معصيته " .
-توفى Cبالمدينة سنة 94هجرية .
التقويم :
-1أذكر مواقف Cلسعيد بن المسيب في خدمة اإلسالم والمسلمين .
-2دلل على فقهه وورعه وعلمه .
-3وضح قصة زواج ابنة سعيد بن المسيب وما فيها من عبر .
-4وضح الدروس المستفادة من دراستك Cلشخصية سعيد بن المسيب .
-5ما المواقف العملية التى تعلمتها شخصياً من دراستك للتابعي الجليل سعيد بن المسيب .
الفصل الخامس
114
العقيدة
من وسائل االرتقاء االيماني
حديث صحيح رواه احمد وأبو داود والترمذى والنسائى وبن ماجه والحاكم فى المسند وصححه الحاكم وااللبانى فى صحيح 41
الجامع ( )6405
115
ومن هذه األوقات الفاضلة وقت البكور بعد صالة الفجر :فعن انس رضى اهلل عنه قال :قال رسول اهلل " من -
صلى الفجر فى جماعة ثم قعد يذكر اهلل تعالى حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت كأجر حجة وعمرة تامة
42
تامة "
ومن هذه األوقات الفاضلة وقت السحر :وقد Cسبق الكالم عنه فى قيام الليل 0 -
التقويم :
أ -حدد المقصود باألوقات Cالفاضلة ومواسم Cالخيرات – وما المطلوب فيها .
قوم مدى اغتنامك األوقات الفاضلة فى طاعة اهلل .
بِّ -
************************
-1أهمية الصيام :
إسناده صحيح على شرط مسلم رواه بن حيان واحمد والنسائى والطبرانى وعبد الرازق 44
116
التقويم :
-1وضح أهميه الصيام .
-2وضح فوائد الصيام .
-3أذكر أثراً من آثار الصيام استشعرته بنفسك عند أداء هذه الطاعة هلل .
ثالثاً :التفكر
األهداف اإلجرائية السلوكية :
-1أن يوضح أهمية التفكر .
-2أن يوضح مجاالت التفكر .
************
-1أهمية التفكر :
يقول االمام الغزالى :إن الطريق Cإلى معرفة اهلل سبحانه وتعالى Cوالتعظيم Cله فى مخلوقاته والتفكر فى عجائب
مصنوعاته وفهم Cالحكمة فى أنواع مبتدعاته فيكون ذلك هو السبب فى رسوخ اليقين .وقد أمر اهلل عز وجل اإلنسان أن
سئل أبو الدرداء :أترى التفكر عمال من 47
يتفكر فى أصله ونشاته " فلينظر اإلنسان مم خلق 0خلق من ماء دافق "
األعمال ،قال :نعم هو اليقين" .وقال الحسن :تفكر ساعة خير من قيام ليلة .
ب -مجاالت التفكر :
48
-وأن يتفكر اإلنسان فى نفسه " :وفى أنفسكم أفال تبصرون "
" ولقد خلقنا اإلنسان من ساللة من طين 0ثم جعلناه نطفة فى قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقه فخلقنا العلقه
.فانظر إلى 49
مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك اهلل احسن الخالقين "
النطفة وهى قطرة من ماء مهين ضعيف Cمستقذر ،ولو مرت بها ساعة من الزمان فسدت وأنتنت ،كيف استخرجها Cرب
األرباب العليم القدير من بين الصلب والترائب منقادة لقدرته ،مطيعة لمشيئته ،وكيف Cجمع سبحانه بين الذكر واألنثى،
وألقى المحبة بينهما وكيف قادهما Cبسلسلة الشهوة والمحبة إلى اإلجتماع الذى هو سبب تخليق الولد وتكوينه ،وكيف
قدر اجتماع ذينك الماءين مع بعد كل منهما عن صاحبه ،وساقهما Cمن أعماق العروق Cواألعضاء وجمعهما Cفى موضع
واحد جعل لهما قرارCاً مكينا ،ال يناله هواء يفسده ،وال برد يجمده ،وال عارض يصل إليه ،وال آفة تتسلط عليه ،ثم
قلب تلك النطفة البيضاء المشرقة علقة حمراء تضرب إلى السواد ،ثم جعلها مضغة لحم مخالفة للعلقة فى لونها
وحقيقتها وشكلها ،ثم جعلها عظاما مجردة ال كسوة عليها ،مباينة للمضغة فى شكلها وهيئتها وقدرها وملمسها Cولونها0
وانظر Cكيف قسم كل األجزاء المتشابهة المتساوية إلى األعصاب والعظام والعروق واألوتار واليابس واللين ،وبيَّن
ذلك ،ثم كيف ربط بعضها ببعض أقوى Cرباط وأشده وأبعده عن اإلنحالل وكيف Cكساه لحما ركبه عليها وجعله وعاء
وغشاء وحافظاً وجعلها حاملة له مقيمة له ،فاللحم قائم بها وهى محفوظة به ،وكيف صورها Cفأحسن صورها وشقC
ً لها
لها السمع والبصر Cوالفم واألنف Cوسائر المنافذ Cومد اليدين والرجلين وبسطهما Cوقسم رؤوسهما Cباألصابع ثم قسمها
117
باألنامل وركب األعضاء الباطنة من القلب والمعدة والكبد والطحال والرئة والرحم Cوالمثانة واألمعاء كل واحد منها له
قدر يخصه ومنفعة تخصه .صنع الرب الحكيم وتقدير العزيز العليم فى قطرة من ماء مهين ،فويل للمكذبين وبعدا
للجاحدين0
ومن عجائب خلقه ما فيه من االمور الباطنه التى ال تشاهد ،كالقلب والكبد والطحال والرئة واألمعاء والمثانة وسائر
ما فى بطنه من اآلال ت العجيبة والقوى المتعددة المختلفة المنافع 0
والمقصود Cالتنبيه على أقل القليل من وجوه الحكمة التى فى خلق اإلنسان ،واألمر أضعاف Cما يخطر بالبال ،أو
يجرى فيه المقال.
50
-وكذلك فعلى المؤمن أن يتفكر فى الكون من حوله " :قل انظروا ماذا فى السموات واألرض "
فلينظر Cفى ملكوت السموات وعلوها وسعتها Cواستدارتها C،وعظم خلقها ،وحسن بنائها ،وعجائب شمسها وقمرها
وكواكبها ،ومقاديرها ،واشكالها ،وتفاوت مشارقها ومغاربها ،فال ذرة فيها تنفك عن حكمة ،بل هى أحكم خلقا واتقن
صنعا وأعجب للعجائب من بدن اإلنسان بل ال نسبة لجميع ما فى األرض إلى عجائب السماوات قال اهلل تعالى " :أأنتم
أشد خلقا أم السماء بناها رفع سمكها فسواها " ،51وقال تعالى " :إن فى خلق السموات واألرض واختالف الليل
والنهار والفلك التى تجرى فى البحر بما ينفع الناس " إلى قوله " :آليات لقوم يعقلون " ،52فبدأ بذكر خلق السموات
وقال تعالى " :إن فى خلق السموات واختالف اليل والنهار آليات ألولى األلباب " 53وهذا كثير فى القرآن ،فاألرض
والبحار Cوالهواء ،وكل ما تحت السموات ـ باإلضافة إلى السموات ـ كقطرة فى بحر ولهذا َق َّل أن تجئ سورة فى القرآن
إال وفيها Cذكرها ،إما إخباراً عن عظمتها وسعتها ،وإ ما إقساماً بها وإ ما دعاء إلى النظر فيها ،وإ ما ارشادا للعباد أن
يستدلوا Cبها على عظمة بانيها ورافعها ، Cوإ ما استدالال منه سبحانه بخلقها على ما أخبر به من المعاد والقيامة ،واما
أستدالال بربوبيته على وحدانيته وانه اهلل الذى ال إله إال هو وإ ما استدالال منه بحسنها واستوائها Cوالتئام أجزائها وعدم
الفطور فيها على تمام حكمته وقدرته 0
فأرجع Cالبصر إلى السماء ،وانظر Cفيها وفى كواكبها Cودورانها Cوطلوعها وغروبها Cوشمسها وقمرها واختالفC
مشارقها ومغاربها ودؤوبها Cفى الحركة على الدوام من غير فتور فى حركتها وال تغير فى سيرها ،بل تجرى فى
منازل قد رتبت لها بحساب مقدر اليزيد وال ينقص إلى أن يطويها فاطرها Cوبديعها ثم انظر إلى مسير الشمس فى فلكها
،ثم هى فى كل يوم تطلع وتغرب بسير سخرها له خالقها ال تتعداه وال تقصر عنه ولوال طلوعها وغروبها لما عرف
الليل والنهار Cوال المواقيت ،وال طبق الظالم على العالم أو الضياء ،ولم يتميز وقت المعاش عن وقت السبات والراحة
0
وانظر Cإلى القمر وعجائب آياته كيف يبديه اهلل كالخيط الدقيق ثم يتزايد نوره ويتكامل شيئا فشيئا Cكل ليلة حتى ينتهى
إلى إبداره وكماله وتمامه ،ثم ياخذ فى النقصان حتى يعود إلى حالته األولى ليظهر من ذلك مواقيت العباد فى معاشهم
118
وعبادتهم Cومناسكهم ، Cفتميزت Cبه األشهر والسنون ،وقام به حساب العالم مع ما فى ذلك من الحكم واآليات والعبر Cالتى
ال يحصيها Cإال اهلل 0
ثم يقول ابن القيم :ـ ولو أردنا ان نستوعب ما هى آيات اهلل المشهورة من العجائب والدالالت المشاهدة هلل بأنه اهلل الذى
ال إله إال هو ،الذى ليس كمثله شئ وأنه الذى ال أعظم منه وال أكمل منه وال أبر وال ألطف :لعجزنا نحن واألولونC
واآلخرون عن معرفة أدنى عشر معشار Cذلك ،ولكن ما ال يدرك جميعه ال ينبغى تركه البتة والتنبيه على بعض ما
54
يستدل به على ذلك
فهذه أمثلة للتفكر فى خلق اهلل ،علينا أن نحذو حذوها فى سائر ما يحيط بنا من آيات فنتفكر فى الليل والنهار ، Cكما قال
تعالى " :اهلل الذى جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا " 55وفى الدواب بأنواعها " :أفال ينظرون إلى اإلبل
كيف خلقت " ،56وفى الجبال والبحار واألنهار Cوالنبات والهواء وسائر المخلوقات ، Cونقرن ذلك باألذكار Cالمناسبة من
تسبيح وتهليل .
57
ومن تفكر فى خلق السماوات األرض ال بد وأن يخاطب ربه " ربنا ما خلقت هذا باطال سبحانك فقنا عذاب النار"
يقول النبى تفكروا في آالء اهلل وال تفكروا في ذات اهلل " 58فإن التفكر فى آالء اهلل هداية وأما التفكر فى ذات اهلل هلكة
59
يقول النبى " يأتى الشيطان أحدكم فيقول من خلق كذا حتى يقول من خلق ربك ؟ فإذا بلغه فليستعذ Cباهلل ولينته "
وفى Cالحديث يعلمنا النبى كيف نتفكر وإ لى أى حد ينتهى وعلى المرء أن يتفكر فى قصص األمم السابقة فإن لنا فيها
العظة وألهمية هذا األمر فقد قصها اهلل عز وجل على نبيه تثبيتا له وتوضيحا Cله أنه حلقه فى هذه السلسلة المباركة "
60
وأن هذه أمتكمـ أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون "
فال بد أن تكون لك ساعات تخرج فيها لتنظر إلى صفحة الكون المشهود Cفتنظر إلى خلق اهلل الشمس مثال وتتفكر
فى خلقها وإ بداعها ورقة صنعها وكيف Cيدلك على وجود Cاهلل ووحدانيته ففى خلقها عظيم النعم علينا.
التقويم :
حديث حسن رواه أبو الشيخ والصبرانى أورده االلبانى فى صحيح الحاكم 975 58
119
رابعاً :المبادرة إلى الطاعات واإلكثار من الخيرات -:
األهداف اإلجرائية السلوكية :
-1أن يذكر بعض أبواب الخير .
-2أن يوضح أبواب الخير وفضل Cكل باب منها .
-3أن يحرص على المبادرة إلى الخير وأن يكثر من الطاعات .
أبواب الخيرات كثيرة واإلكثار من ولوجها مما يزيد اإليمان نذكر منها :
120
عن ابن عمر وعائشة رضى اهلل عنهما قاال :قال رسول اهلل " واهلل ال يؤمن واهلل ال يؤمن واهلل ال يؤمن قيل من
يا رسول اهلل ؟ قال من ال يأمــن جاره بوائقـه ،68 " 67عن أبى ذر رضى اهلل عنه قال :قال رسول اهلل " : يا أبا ذر إذا
69
طبخت مرقة فأكثر Cماءها وتعاهد Cجيرانك"
* الزيارة فى اهلل :
70
عن أبى هريرة رضى Cاهلل عنه عن النبى " أن رجال زار أخا في قرية أخرى فارصد اهلل تعالى على مدرجته
ملكا فلما أتى عليه قال أين تريد قال أريد أخا لي في هذه القرية قال هل لك من نعمة تربها 71عليه ؟ قال :ال غير أنى
72
أحببته في اهلل تعالى ،قال فإني رسول اهلل إليك ألن اهلل قد أحبك كما أحببته فيه"
وعنه قال :قال رسول اهلل " : من عاد مريضا Cاو زار أخا له فى اهلل ناداه مناد بأن طبت وطاب ممشاك وتبوأت
73
من الجنة منزال"
شـروره 67
طريقه 70
121
* مداومة اإلنفاق فى سبيل اهلل :
إن اإلنفاق فى سبيل اهلل دليل عملى وبرهان على اإليمان كما أخبرنا الحبيب المصطفى فى الحديث الشريف:
"والصالة نور والصدقة برهان والصبر Cضياء والقرآن حجة لك أو عليك" ،76ذلك أن النفس مجبوله على حب المال "
وتحبون المال حبا جما " ،77وهى شهوة تنمو مع المرء وال تفارقه ،كما قال الصادق األمين " لو كان ال بن آدم
وألن الشح مفتاح كل شر 78
واديان من ذهب البتغى ثالثا وال يمأل جوف ابن آدم إال التراب ويتوب اهلل على من تاب"
فقد أمر اهلل عز وجل عباده بالتطهر منه فقال " :وانفقوا خيرا ألنفسكمـ ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ،79
وقال" :وأنفقوا فى سبيل اهلل وال تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن اهلل يحب المحسنين " ،80قال الحسن البصرىC
فى تفسير اآلية :هو البخل .
والصدقة وسيلة لتزكية النفس والتطهر فقد صدر التوجيه من اهلل إلى حبيبه ومصطفاه محمد " خذ من أموالهم
صدقة تطهرهم وتزكيهم بها " ،81والتزكية والتطهر من المهام األساسية للرسالة المحمدية " :كما أرسلنا فيكم رسوال
يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكمـ الكتاب والحكمة " .82
83
والمرء يجد نفسه بين داعى النفس والشيطان اللذين يخوفانه الفقر " :الشيطان يعدكمـ الفقر ويأمركم بالفحشاء"
وداعى اإليمان الذى يرغبه فيما عند اهلل " :مثل الذين ينفقون أموالهمـ فى سبيل اهلل كمثل حبة أنبتت سبع سنابل فى
والمرء يظل بين مد وجذر Cوشد وجذب يبخل أم 84
كل سنبلة مائة حبة واهلل يضاعف لمن يشاء واهلل واسع عليم "
ينفق ويصف الحبيب المصطفى حال البخيل وحال المنفق فى سبيل اهلل فى حديثه الذى رواه أبى هريرة قال " :مثل
البخيل والمتصدق Cكمثل رجلين عليهما جنتان من حديد أى درعان من حديد قد اضطرت أيدهما إلى ثدييهما وتراقيهماC
فجعل المتصدق Cكلما تصدق Cبصدقة انبسطت عنه وجعل البخيل كلما هم بصدقة قلصت وأخذت كل حلقة بمكانها "، 85
ويوضح Cالحديث حال البخيل وحال الذى يدرب نفسه على اإلنفاق برجلين كل منهما يلبس درعا من الحديد ليس له
أكمام او منافذ لخروج اليدين وقد Cشدت يدا كل منهما إلى ثديين وترقوتين فيما يشبه الغل ( القيد ) فكلما تصدقC
المتصدق Cبصدقة انبسطت منه حلقات الدرع شيئا فشيئا حتى تحررت اليدان تماما أما اآلخر كلما هم ولم يفعل عادت
الحلقات محكمة على صدره وال زالت يداه مغلولتين0
أخى الحبيب أى الشخصين تحب أن تكون ؟
122
ال أظن أن أحدا يحب أن يكون ذلك المقيد المغلول بشحه إذن فلتجعل لك صدقة يومية مهما قلت واستجب لقوله تعالى :
86
" لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه اهلل "
87
كن كأبى مرثد ال يخطئه يوم إال تصدق فيه بشئ ولو كعكة أو بصلة
فإن التصدق سوف Cيزيد اإليمان واإليمان يزيد بالتصدق Cوهكذا حتى تقتحم العقبة الكئود فى طريق Cتزكية النفس وزيادة
اإليمان وهى الشح " فال اقتحم العقبة * وما أدراك ما العقبة * فك رقبة * أو إطعام فى يوم ذى مسغبة * يتيما ذا
مقربة * أو مسكينا ذا متربة " 88فإذا انطلق المرء على طريق Cاإليمان انبسطت يده وانفق مما يحب " لن تنالوا البر
حتى تنفقوا مما تحبون " ،89تلك اآلية التى سمعها أبو طلحه فتصدق بأحب ماله إليه وهى ( نخل بيرحاء ) قائال للنبى
" : بخ ذاك مال رابح " :إنها صدقة أرجو برها وذخرها عند اهلل فضعها يا رسول اهلل حيث شئت ،فقال رسول اهلل
وقد كان صحابه النبى يتنافسون فى هذا الميدان ،قال عمر بن الخطاب رضى Cاهلل عنه " 90
،بخ ذاك مال رابح "
أمرنا رسول اهلل يوما أن نتصدق Cفوافق Cذلك ماال عندى فقلت اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما ،فجئت بنصف Cمالى
فقال رسول اهلل : ما أبقيت ألهلك؟ فقلت :مثله ،قال وأتى أبو بكر بكل ما عنده فقال رسول اهلل :ما أبقيت ألهلك؟
91
قال :أبقيت لهم اهلل ورسوله ،قلت :ال أسابقك لشئ أبدا "
والصدقة أخى الحبيب حجاب لصاحبها Cمن النار وهى ظل لصاحبها Cيوم القيامة وفى الدنيا دواء للمرض وتدفع Cالبالء
وتيسر Cاألمور وتجلب الرزق وتقى مصارع Cالسوء وتطفئ غضب الرب أعاننا اهلل واياك على اقتحام العقبة والمداومة
على اإلنفاق فى سبيل اهلل 0
صحيح رواه أحمد وابن خزيمة وابن حبان والحاكم 0 87
123
.8هل لك ورد قرآنى Cتلتزم به ؟
.9
هل ترتب على نفسك قدرا من الحفظ ـ حتى ولو آية فى اليوم ـ ليكون معك
القرآن؟
.10هل تتدبر آيات القرآن وتسعى لفهم ما أشكل عليك من معانيه ؟
.11هل تحاسب نفسك يوما بيوم ؟
.12هل تراقب اهلل وتعلم أنه مطلع عليك وناظر اليك وشاهدك ؟
.13هل إذا أساء اليك زميل لك تكظم غيظك وتعفوا عنه ؟
.14هل أنت من الذاكرين اهلل كثيرا ؟
.15هل تقوم من الليل ولو مرة فى األسبوع Cوحدك ؟
.16هل أنت من المحافظين على الصالة فى أوقاتها C؟
.17هل تجاهد نفسك لتعمل المعروف Cوتبعد عن المنكر ؟
.18هل لك ورد من الصيام ثالثة أيام من كل شهر ؟
فإن وجدت ( نسبة أدائك ) %فى كل نقطة مرضية فاحمد Cاهلل واطلب المزيد 00وإ ن وجدت غير ذلك فاستغفر Cاهلل
وابحث عن عالج ذلك الخلل مستعيناً باهلل ثم بإخوانك 00واسأل اهلل دوماً ان تكون للمتقين أماما0
التقويم :
-1أذكر بعض أبواب الخير .
-2وضح فضل كل مما يأتي ( :عيادة المريض – السعي فى قضاء حوائج الناس )..... -
قوم Cمدى حرصك على المبادرة إلى الخير ( استعن باالستبانة السابقة )
ِّ -3
124
الفصل السادس
النصيحة
الهدف العام :أن يستمع إلى النصيحة و يعرف قيمة سالمة الصدر و حسن الظن
النصيحة ليست كلمة عابرة يلقى بها أحدنا إلى األخر ،ظانا بذلك أنه قد فعل ما يأمره به دينه ،وأنه قد أتم ما يمليه
عليه الحق نحو أخيه .كما أن النصيحة ليست كلمات نقولها تفضال من عند أنفسنا أو ال نقولها ،نسمع لها أو ال
نسمع .
إنما النصيحة أدب إسالمى له أهميته الكبرى على مستوى الفرد واألسرة والمجتمع .
-1النصيحة وظيفة الرسل واألنبياء :
فقال اهلل تعالى على لسان نوح عليه السالم ":وأنصح لكم وأعلم من اهلل ما ال تعلمون " األعراف 62
وقال على لسان هود عليه السالم ":وأنا لكم ناصح أمين " األعراف 68
وعلى لسان صالح عليه السالم ":ونصحت لكم ولكن ال تحبون الناصحين " األعراف 79
96
فالنصيحة كما تبين اآليات وظيفة األنبياء والمرسلين ،وسبيلهم إلى اإلصالح واإلرشاد .
126
97
ويؤكد Cصاحب الظالل على هذه الوظيفة فيقول " وقال كل رسول لقومه :إنى لكم ناصح أمين "
-2النصيحة نوع من الجهاد :
يقول اهلل عز وجل فى محكم التنزيل " ليس علىالضعفاء وال على المرضى وال على الذين ال يجدون ما ينفقون حرج
إذا نصحوا هلل ورسوله" 98.أى ال حرج وال سبيل على هؤالء الضعفاء والمرضى Cوالذين ال يجدون ما ينفقون فى سبيل
اهلل من أجل الجهاد مع النبى صلي اهلل عليه وسلم وال يجد النبى صلي اهلل عليه وسلم ما يحملهم عليه من دابة حتى
يخرجوا Cمعه .
الحرج عليهم نعم فى حالة واحدة هى أن ينصحوا Cهلل وللرسول .
فكأن اهلل تبارك وتعالى Cيعفو عنهم ويتجاوز Cعن تقصيرهم فى الجهاد بسبب ضعفهم وضيق ذات اليد ولكنه تبارك
99
وتعالى Cال يعفيهم من النصح هلل ولرسوله.
يقول ابن رجب الحنبلى " :يعنى أن من تخلف عن الجهاد لعذر فال حرج عليه بشرط أن يكون ناصحا هلل ورسوله فى
100
تخلفه".
-3النصيحة من أحب األعمال إلى اهلل :
101
قال رسول اهلل صلي اهلل عليه وسلم :قال اهلل عز وجل " أحب ما تعبدنى به عبدى النصح لى ".
وقال ابن علية فى قول أبى بكر المزنى :ما فاق أبو بكر رضى Cاهلل عنه أصحاب محمد صلي اهلل عليه وسلم بصوم Cوال
102
صالة ولكن بشئ فى قلبه ،قال :الذى كان فى قلبه الحب هلل عز وجل والنصيحة فى خلقه .
-4القائمون بالنصيحة من أحب الخلق إلى اهلل :
قال الحسن البصرى :قال بعض أصحاب النبي صلي اهلل عليه وسلم :والذي نفسي بيده إن شئتم ألقسمن لكم باهلل
إن أحب عباد اهلل إلى اهلل الذين يحببون اهلل إلى عباده ويحببون عباد اهلل إلى اهلل ،ويسعون Cفي األرض بالنصيحة .
ولقد تواترت اآلثار الدالة على وجوب التناصح بين المسلمين .فعن قيس عن جرير بن عبد اهلل قال :بايعت رسول اهلل
صلي اهلل عليه وسلم على إقامة الصالة وإ يتاء الزكاة والنصح لكل مسلم . 107
وعن أبي رقية تميم بن أوس الداري رضي Cاهلل عنه أن النبي صلي اهلل عليه وسلم قال " :الدين النصيحة ،قلنا لمن ؟
. 108
قال :هلل ولكتابه ولرسوله وألئمة المسلمين وعامتهم"
وفى Cحديث آخر عن أبى هريرة رضى اهلل عنه جعل النبى صلى اهلل عليه وسلم النصح حقاً من حقوق المسلم على أخيه
109
،فقال صلى اهلل عليه وسلم " :حق المؤمن على المؤمن ست … وإ ذا استنصحك فانصح له "
110
عن أبي يزيد عن أبيه عن النبي صلي اهلل عليه وسلم قال " :إذا استنصح أحدكم أخاه فلينصح له "
وجاء في دليل الفالحين الجزء الثاني " :والنصيحة فرض يجزئ من قام به ويسقط عن الباقين :وهي الزمة على قدر
الحاجة إذا علم الناصح أنه يقبل نصحه ويطاع Cأمره وأمن على نفسه المكروه ،فإذا خشي أذى فهو في سعة " .111
كل هذه النصوص تبين وتؤكد Cأن التناصح بين الناس أمر واجب على كل مسلم حسب استطاعته .
وال تقف األدلة على وجوب التناصح عند تلك األدلة النقلية فحسب ،ولكنها تمتد لتشمل كثيراً من األدلة العقلية .
" ولعل أولى هذه األدلة :بشريتنا وطبيعتها المجبولة على النسيان والغفلة مما يجعلنا فى حاجة إلى من يذكرنا Cإذا غفلنا
وينبهنا Cإذا سهونا ، Cفنحن بشر وكلنا نقص وعيوب ،وواجب المسلمين أن يبصر Cبعضهم بعضاً بما فيهم من نقص أو
عيوب ،فالمؤمن مرآة أخيه ،ومن صفات المؤمنين أنهم يتواصون بالحق ،ويتواصون بالصبر ،فالواجب أال يحول
112
شيىء دون تبادل النصيحة "
فالتناصح Cبين المسلمين ضرورة إجتماعية وفريضة شرعية يؤكد وجوبها Cالنقل والعقل .
113
111
الحقوق اإلسالمية ص . 277
128
ثالثاً -أن يوضح مجاالت وميادين النصيحة -:
األهداف اإلجرائية السلوكية :
-1أن يحدد مجاالت وميادين النصيحة .
-2أن يوضح مجاالت وميادين النصيحة .
**********************************************
عن أبي رقية تميم بن أوس الداري رضي اهلل عنه أن النبي صلي اهلل عليه وسلم قال " :الدين النصيحة ،قلنا :لمن ؟
.ولقد أوتى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم جوامع الكلم 114
قال :هلل ولكتابه ولرسوله وألئمة المسلمين وعامتهم "
فجمع فى هذا الحديث الشريف Cقواعد التعامل وأسس الشورى ، Cولذلك أجمع العلماء على أنه مدار اإلسالم . 115وجاء
هذا الحديث الشريف Cليبين أركان النصيحة وميادين التطبيق فيها :
الميدان األول ( :هلل)
أخرج اإلمام أحمد من حديث أبي أمامة عن النبي صلي اهلل عليه وسلم قال :قال اهلل عز وجل " :أحب ما تعبدني به
116
عبدي النصح لي "
قال الحواريون لعيسى عليه السالم :ما الخالص من العمل؟ قال :ما ال تحب أن يحمدك الناس عليه ،قالوا :فما
النصح هلل ؟ قال :أن تبدأ بحق اهلل قبل حق الناس ،وإ ن عرض لك أمران أحدهما هلل تعالى واآلخر للدنيا ،بدأت بحق
117
اهلل تعالى "
سئل ابن المبارك أي العمل أفضل قال :النصح هلل .
معناها :
الدين النصيحة هلل وليس اهلل تبارك وتعالى Cفي حاجة إلى إشارة خلقه ومعونتهم { ما أشهدتهم Cخلق السموات
. 118
واألرض وال خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا }
وإ نما تكون النصيحة هلل تبارك وتعالى باإليمان به والتصديق بكماالته وتنزيهه ومحبته ،والحب في اهلل و البغض في
اهلل ،وامتثال أمره واجتناب نهيه .119
وقد Cزاد اإلمام النووي Cفي شرحه لمسلم النصيحة هلل " :اإليمان به ونفي الشرك عنه ،وترك اإللحاد في صفاته
ووصفه بصفات الكمال والجالل كلها ،وتنزيهه سبحانه من جميع النقائص ،والقيام بطاعته واجتناب معصيته ،والحب
فيه والبغض فيه ،ومواالة من أطاعه ومعاداة من عصاه ،وجهاد Cمن كفر به واالعتراف بنعمته وشكره عليها ،
114
رواه مسلم ( )36 /1برقم ( )55ك اإليمان .
د /عدنان النحوى الشورى وممارساتها اإليمانية 115
116
سيق تخريجه .
117
جامع العلوم والحكم ص . 80
118
الكهف :آية . 51
119
نظرات في السنة ص . 81
129
واإلخالص في جميع األمور Cوالدعاء إلى جميع األوصاف المذكورة والحث عليها والتلطف في جمع الناس أو من أمكن
منهم عليها . 120
الميدان الثاني ( :لكتابه)
يعنى بذلك اإلكثار من تالوة القرآن واإلقبال على مدارسته وبذل الجهد في تفهمه ،والعمل بأحكامه وتحري أفضل
السبل لنشر دعوته ،وإ عالء كلمته وتحقيق غايته . 121
ويعنى Cبها أيضا اإليمان أنه كالم اهلل تعالى وتنزيله ،ال يشبهه شيء من كالم الخلق ،وال يقدر على مثله أحد من الخلق
،ثم تعظيمه وتالوته حق التالوة ،والذب عنه من تأويل المحرفين وتعرض الطاعنين ،والتصديق Cبما فيه ،والعمل
بمحكمه والتسليم بمتشابهه ،والبحث عن عمومه وخصوصه ،وناسخه ومنسوخه ونشر علومه ،والدعاء إليه وإ لى ما
ذكرنا من نصيحة .122
الميدان الثالث (لرسوله) :
أما النصح للرسول صلي اهلل عليه وسلم في حياته فقد كان ذلك ببذل النفس والنفيس في طاعته ومرضاته وتحري
الحق في مشاورته كما فعل سلمان في غزوة الخندق ،وكما فعل الحباب في غزوة بدر رضي Cاهلل عنهم .
وأما بعد أن اختار اهلل نبيه فالنصيحة له صلي اهلل عليه وسلم تكون بمحبته ومتابعته وتحري Cسنته { قل إن كنتم تحبون
اهلل فاتبعوني يحببكم اهلل } ،123والذود عن شريعته ومدارسة حديثه والنزول على أوامره صلي اهلل عليه وسلم .124
والنصيحة لرسوله أيضا تصديقه على الرسالة واإليمان بجميع ما جاء به وطاعته في أوامره ونهيه ونصرته حيا
عاداه ومواالة من وااله وإ عظام حقه وتوقيره وإ حياء سنته وبث دعوته ونشر شريعته والدعاء إليها وميتا ومعاداة من
والتلطف Cفي تعلمها وتعليمها ،والتخلق بأخالقه والتأدب بآدابه ومحبة أهله وأصحابه ،ومجانبة من ابتدع في سنته أو
تعرض ألحد من أصحابه ونحو ذلك .125
الميدان الرابع (ألئمة المسلمين) :
عن جبير بن مطعم رضي Cاهلل عنه عن النبي صلي اهلل عليه وسلم قال في خطبته بالحيف من منى " :ثالث ال َّ
يغل
عليهن قلب امرئ مسلم :إخالص العمل هلل ،ومناصحة والة األمر ،ولزوم جماعة المسلمين " .
ومن النصيحة ألئمة المسلمين ( خلفاء ،ملوك ،زعماء ،قادة ،أمراء ،رئيس عمل ) وكل رئيس في عمل إمام فيه ،
وعلى أهل الخبرة بشأنه أن يمحضوه النصح وأن يقدموا له سبل اإلرشاد ما كان لذلك سبيال ،والمرء قليل بنفسه كثير
بإخوانه .
وصاحب الرياسة في حاجة إلى عيون ناقدة تعضدها قلوب ذكية وأفئدة طاهرة مخلصة ،ليطلع بذلك على ما أخفاه عنه
منصبه من شئون رعيته وأحوال واليته ،وكلكم راع وكل مسئول عن رعيته .126
120
نظرات في السنة ص. 81
121
المصدر السابق .
122
صحيح مسلم شرح النووي (. )39 /1
123
آل عمران . 31 :
124
نظرات في السنة ص . 82
125
صحيح مسلم شرح النووي (. )1/38
126
نظرات في السنة بتصرف .
130
ومن النصيحة لهم معاونتهم Cعلى الحق وطاعتهم Cفيه ،وأمرهم Cبه وتفهيمهم Cوتذكيرهم Cبلطف ورفق ، Cوإ عالمهم بما
غفلوا عنه ولم يبلغهم من حقوق المسلمين وترك Cالخروج عليهم ،وتأليف قلوب الناس لطاعتهم .
قال الخطابي " :ومن النصيحة لهم الصالة خلفهم والجهاد معهم ،وأداء الصدقات Cإليهم وترك Cالخروج بالسيف عليهم
إذا ظهر منهم حيف أو سوء عشرة ،وأال يغلو بالثناء الكاذب عليهم وأن يدعو لهم بالصالح .127
قال الخطابي " :والمراد بأئمة المسلمين الخلفاء وغيرهم ،وقد Cيتناول ذلك على األئمة الذين هم علماء الدين ،وأن من
نصيحتهم Cقبول ما رووه ،وتقليدهم في األحكام وإ حسان الظن بهم ".128
ولذلك لما سئل ابن عباس رضي Cاهلل عنه عن أمر السلطان بالمعروف Cونهيه عن المنكر قال :إن كنت فاعال وال بد
ففيما بينك وبينه .129
الميدان الخامس (لعامتهم) :
ومن الدين النصيحة لعامة المسلمين على القاعدة الشرعية ( توقر Cكبيرهم وتشفق على صغيرهم ، Cوتسلك في سبيل ذلك
كله الحكمة والموعظة الحسنة ،وإ نما المؤمن مرآة أخيه ) .130
ومن النصيحة لعامة المسلمين :إرشادهم لمصالحهم Cفي دنياهم وآخرتهم ،وكف األذى عنهم فيعلمهم Cما يجهلونه من
دينهم ،ويعينهم عليه بالقول والفعل وستر عوراتهم وسد خالتهم ،ودفع المضار Cعنهم وجلب المنافع لهم ،وأمرهم
بالمعروف ونهيهم Cعن المنكر برفق وإ خالص والشفقة عليهم وتوقير Cكبيرهم ورحمة صغيرهم ، Cوتخولهم بالموعظة
الحسنة وترك Cغشهم وحسدهم ، Cوأن يحب لهم ما يحب لنفسه من الخير ويكره لهم ما يكرهه لنفسه من المكروه والذب
عن أموالهم وأعراضهم Cوغير ذلك من أحوالهم بالقول والفعل .131
رابعاً -أن يوضح شروط وآداب النصيحة :
األهداف اإلجرائية السلوكية :
-1أن يحدد شروط وآداب النصيحة .
-2أن يوضح شروط وآداب النصيحة .
*********************************************
127
مسلم (. )1/39
128
مسلم (. )1/39
129
جامع العلوم والحكم ص. 83
130
نظرات في السنة ص 84بتصرف .
131
صحيح مسلم شرح النووي ( )1/39بتصرف .
131
فسالمة الصدر :نعنى به أن يعيش المسلم سليم القلب مبرأ من وساوس Cالضغينة وثوران األحقاد إذا رأى نعمة تساق
إلى أحد من خلق اهلل رضى Cبها وأحس فضل اهلل عليه فيها وفقر عباده إليها وإ ذا رأى أذى يلحق أحداً من خلق اهلل رثى
له ورجا اهلل أن يفرج كربه ويغفر ذنبه وبذلك يحيا المسلم ناصع الصفحة راضيا Cعن اهلل وعن الناس مستريح النفس
من نزعات الحقد األعمى فإن فساد Cالقلب بالضغائن داء عياء وما أسرع أن يتسرب االيمان من القلب المغشوش كما
يتسرب السائل من االناء المثلوم .
132
والقرآن الكريم والسنة المطهرة تحث على هذا األدب بين المسلمين .فالحق Cسبحانه وتعالى Cيقول واصفاً
المؤمنين":والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا وإلخواننا الذين سبقونا باإليمان وال تجعل فى قلوبنا غالً
133
للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم ".
وعن عبد اهلل بن عمرو قيل يا رسول اهلل أى الناس أفضل قال "صلي اهلل عليه وسلم كل مخموم القلب صدوق اللسان
134
قيل صدوق اللسان نعرفه فما مخموم Cالقلب ؟قال هو التقى النقى الإثم فيه وال بغى وال غل وال حسد".
بل إن االسالم أمر صاحب الحق أن يلين وأن يقبل المعذرة عندما يجئ أخوه معتذرا ومستغفرا Cورفض االعتذار
خطأ كبير وفى Cالحديث " :من اعتذر إلى أخيه المسلم فلم يقبل منه كان عليه مثل خطيئة صاحب مكس".135
إن سالمة الصدر تفرض على المؤمن أن يتمنى الخير للناس إن عجز عن سوقه إليهم بيده .
وقد Cكان النبى صلي اهلل عليه وسلم ينهى أن يبلغ عن أصحابه ما يسوءه ،قال صلي اهلل عليه وسلم " :ال يبلغن أحد
منكم عن أحد من أصحابى شيئا فإنى أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر".
وعن أنس بن مالك قال :كنا جلوساً عند النبى صلي اهلل عليه وسلم " فقال يطلع عليكم رجل من أهل الجنة فطلع رجل
من األنصار Cتقطر لحيته من وضوئه ،قد علق نعليه بيده الشمال .فلما كان الغد قال النبى مثل ذلك ،فطلع ذلك الرجل
مثل المرة األولى ،فلما كان اليوم الثالث قال النبى مثل مقالته أيضا ،فطلع ذلك الرجل على مثل حاله األولى .فلما قام
النبى ،تبعه عبد اهلل بن عمر فقال :إنى الحيت 136أبى ،فأقسمت Cأال أدخل عليه ثالثا .فإن رأيت أن تؤوينى إليك حتى
تمضى فعلت ،قال نعم قال أنس فكان عبد اهلل يحدث أنه بات معه تلك الثالث ليالى فلم يره يقوم من الليل شيئا ،غير
أنه إذا تعار ذكر اهلل عز وجل حتى ينهض لصالة الفجر .قال عبد اهلل :غير أنى لم أسمعه يقول إال خيرا .فلما مضت
الليالى الثالث وكدت أحتقر عمله .قلت يا عبد اهلل لم يكن بينى و بين أبى غضب وال هجره ولكنى سمعت رسول اهلل
صلي اهلل عليه وسلم يقول لك ثالث مرات يطلع عليكم اآلن رجل من أهل الجنة ،فطلعت أنت الثالث مرات فأردت أن
آوى إليك ،فأنظر ما عملك فأقتدى Cبك ،فلم أرك عملت كبير عمل ،فما الذى بلغ بك ما قال رسول اهلل ؟ قال ما هو إال
ما رأيت .قال عبد اهلل فلما وليت دعانى فقال :ما هو إال ما رأيت ،غير أنى ال أجد فى نفسى ألحد من المسلمين غشا
137
وال أحسد أحد ا على خير أعطاه اهلل إياه .فقال عبد اهلل هذه هى التى بلغت بك ".
. وفى Cرواية ما هو إال ما رأيت يا ابن أخى ،إال أنى لم أبت ضاغنا على مسلم
132
وعن أبى ذر أن رسول اهلل صلي اهلل عليه وسلم قال " :قد أفلح من أخلص قلبه لإليمان وجعل قلبه سليما ولسانه صادقاC
138
ونفسه مطمئنة وخليقته مستقيمة "
- 2حسن الظن :
على المسلم أن يحسن الظن بالمسلمين جميعا وأن ال يبنى أحكامه فيهم على الظاهر ويكل أمر السرائر إلى اهلل ،وعلى
الناصح أن يبنى نصيحته على التثبت واليقين ال على الظن والتخمين ،حتى ال تتحول النصيحة إلى اتهام وافتراء Cوظلم
واعتداء .
. 139
قال اهلل تعالى " :يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم "
ينهى اهلل تعالى عباده عن ٍ
كثير من الظن ،وهو التهمة والتخون لألهل واألقارب والناس في غير محله ،ألن بعض ذلك
إثم محض فليتجنب كثيراً منه احتياطا.140 C
وفى Cالحديث الشريف Cعن أبى داود قال :قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم " :حسن الظن من حسن العبادة " ( .سنن
أبى داود رقم . )4993
،والمراد Cالنهي عن الظن السيئ . 141
وفي Cالحديث الشريف " Cإياكم والظن ،فإن الظن أكذب الحديث "
وعن أمير المؤمنين عمر رضي اهلل عنه قال " :وال تظن بكلمة خرجت من أخيك إال خيرا وأن تجد لها في الخير
. 142
محمال "
فال يجوز أن يبنى النصح على الظن والشك ،قال رسول اهلل صلي اهلل عليه وسلم " :إياكم والظن فإن الظن أكذب
143
الحديث ".
-3إخالص النية :
يقول اإلمام البنا " :ومن واجبنا أن نجعل النصيحه خالصة لوجه اهلل ،و مهذبة ..فيجب يا أخى أن تخلص
144
النصيحة هلل وتعين أخاك على قبولها Cوتظهر الشفقة والحنان والمحبة واللين ".
فالنصيحة يجب أن ال يخالطها شئ من هوى النفس أو حب التشفى أو التحقير أو التوبيخ وما على شاكلة ذلك من
145
مقاصد ذميمة .
-4تحرى األسلوب السليم :
أ -أن يستر على الناس عيوبهم :
يقول الحق سبحانه وتعالى فى كتابه العزيز " :إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة فى الذين آمنوا لهم عذاب أليم فى
146
الدنيا واآلخرة واهلل يعلم وأنتم ال تعلمون "
133
وجاء فى الحديث الشريف Cقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم " :ال يستر عبد عبداً فى الدنيا إال ستره اهلل يوم القيامة
وقال أيضاً عليه الصالة 148
.وقوله صلى اهلل عليه وسلم " :من ستر على مؤمن عورة فكأنما Cأحيا موؤدة ". 147
"
والسالم " : Cمن علم من أخيه سيئة فسترها Cستر اهلل عليه يوم القيامة"149.وقال Cالفضيل بن عياض رحمه اهلل "المؤمن
يستر و ينصح والفاجر يهتك ويعير".
فالداعية مثل الطبيب فى مهنته قد يطلع على بعض العورات ليعالجها فيجب عليه سترها وعدم فضح صاحبها . 150
ب -ينصحه على انفراد :
ألن ذلك أوقع فى نفسه وأحوط من دخول الشيطان إليه وصدق Cعلى بن أبى طالب حيث يقول " :النصح بين المأل
تقريع ".
ج -ينصحه بأدب ورفق ولين :
فيختار Cالكلمة الطيبة فكم من كلمة لم يلق قائلها لها باال أورثت أحقاداً وعداءات.
د -يتجنب الغلظة والفظاظة :
151
التى تغلق القلوب وتصم اآلذان قال تعالى " :ولو كنت فظاً غليظ القلب النفضوا من حولك ".
هـ -يتخير المكان والزمان والمناسبة :التى يرى فيها نصحه وإ رشاده تماما .
و -التواضع والتماس العذر لآلخرين :والعلم بأن ما عنده يحتمل الخطأ وإ ن ظن أنه صواب وأن ما عند غيره يحتمل
الصواب وإ ن ظنه خطأ .
-5تحرى الموضوعية :
بالدليل الشرعى والنقاش الجيد والرجوع إلى من هو أعلم باألمر لقول الحق سبحانه وتعالى" : Cوإ ذا جاءهم أمر من
األمن أو الخوف
أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإ لى أولى األمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولوال فضل اهلل عليكم ورحمته
152
التبعتم الشيطان إال قليال".
-6الصبر:
فال يتقاعس الناصح أو يثبط عزمه إذا وجد عدم استجابة من المنصوح ألن األمر يحتاج إلى صبر وقد Cال تلقى نصيحته
قبوال ،قال تعالى على لسان نبى اهلل سيدنا صالح عليه السالم " :لقد أبلغتكم رسالة ربى ونصحت لكم ولكن ال تحبون
153
الناصحين ".
-7القدوة الحسنة :
الطبرانى 148
الطبرانى 149
134
أى العمل بما ينصح به واستقامة سلوكه .إن القدوة الحسنة زاد ال غنى عنه للناصح ،فتلك القدوة فى حد ذاتها نصح
ودعوة للخير .إن الرجل الذى ينصح غيره وهو مفتقر إلى ذلك النصح رجل فى عقله شىء ؛ إذ أنه يدل غيره إلى
طريق Cالصالح والجنة ويصر هو على السير فى طريق الضالل إلى النار .فإنه ال خير فى علم بدون عمل ،وإ ن من
أخطر ما يصاب به الناصح انفصال علمه عن عمله قال اهلل تعالى " :يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ماال تفعلون كبر
154
مقتا عند اهلل أن تقولوا ما ال تفعلون ".
يقول الشيخ محمد الغزالى رحمه اهلل " :إن صالح المؤمن هو أبلغ خطبة تدعو الناس إلى اإليمان ،وخلقه الفاضل هو
. 155
السحر الذى يجذب إليه األفئدة ،ويجمع عليه القلوب "
خامساً -أن يجاهد نفسه على قبول النصيحة والعمل بها :
األهداف اإلجرائية السلوكية :
أن يوضح أهمية طلب النصيحة . -1
أن يوضح أهمية قبول النصيحة والعمل بها . -2
***************************************************************
أ -أهمية طلب النصيحة :
الحرص على النصيحة وطلبها يورث أمور كبيرة حسنة فى قلب المسلم :
-فهو لم يغفل عن نفسه وشرورها وشحها فعلم أن فيها معايب يجب أن تعالج .
يغير ما يعلمه من عيب فى نفسه ما دام مقّراً به عالما .
-وهو مستعد ألن ّ
-ثم إنه شغل بنفسه عن النظر إلى عيوب الناس ،ومن شغل بنفسه نجا ،ومن انشغل بالنظر إلى معايب الناس هلك .
156
وقد Cحذر الرسول صلي اهلل عليه وسلم فى الحديث " :يبصر Cأحدكم القذاة فى عين أخيه وينسى الجذع فى عين نفسه "
يقول السرى السقطى رحمه اهلل "من عالمة االستدراج للعبد عماه عن عيبه واطالعه على عيوب الناس "157
* وبعد أن عرفت قيمة النصيحة فى ديننا ،فاحرص على طلبها وقبولها Cبل وشكر صاحبها Cوالعمل بها لعل فى ذلك
الخير لك .
ب -أهمية قبول النصيحة والعمل بها :
-وطلب النصيحة إنما يكون لقبولها ،فالقبول ليس أدنى أهمية من طلب النصيحة ،بل هو الثمرة ،واالستجابة
أن فيه
لحرص النفس على معالجة عيوبها ،فمن عرف نفسه واشتغل بالنظر Cإليها عن النظر إلى عيوب الناس ،أدرك ّ
من المعايب ما يجعله يصرف Cهمه للبحث عن النصحاء ليدلوه عليها ويعينوه على تالفيها .
158
-يقول عمر بن عبد العزيز " :من وصل أخاه بنصيحة فى دينه ونظر له فى صالح دنياه فقد أحسن صلته وأدى
واجب حقه ".
135
-وجعله الحارث المحاسبى دليل الحب فقال " :واعلم أن من نصحك فقد أحبك ومن داهنك فقد غشك ومن لم يقبل
نصيحتك فليس بأخ لك ".
فالمؤمن مرآة أخيه يرى فيه عيوبه فيصححها و يقومها كما قال الحسن البصرى " :المؤمن شعبة من المؤمن
وهو مرآة أخيه إن رأى منه مايعيبه سدده وقومه ونصحه بالسر والعالنية "
-والصادق يفرح بالنصيحة وأنسها Cويحس كأنه حاز على كنز ثمين .أما الكاذب فيبغض النصيحة وقد Cوصف اهلل
تعالى الكذابين فى كتابه ببغضهم للنصيحة " :ولكن ال تحبون الناصحين " األعراف . 79
عزة تأبى عليه أن يقبل نصيحة الناصح ويرد كلمة الحق ،و قد بين
-وال رفض أحد النصيحة إال لكبر فى نفسه ،أو ّ
الرسول صلي اهلل عليه وسلم فى الحديث أن رد الحق وعدم قبوله هو الكبر ،عن عبد اهلل بن مسعود رضي Cاهلل عنه
إن الرجل
عن النبى صلي اهلل عليه وسلم أنه قال " :ال يدخل الجنة من كان فى قلبه مثقال ذرة من كبر " .قال رجل ّ :
. 159
يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا؟ قال :إن اهلل جميل يحب الجمال ،الكبر بطر الحق ،وغمط الناس "
والمتكبر Cيرى انه متميز على غيره بفضيلة العلم أو العمل أو المال أو الجاه أو الصالح أو القوة أو الجمال أو غير ذلك
من النعم الظاهرة فيصرفه ذلك عن إصالح نفسه وعن االلتفات إلى نصيحة غيره ،وبذلك يتعطل نشاطه عن التقدم
والرقى . 160وقد Cوصف اهلل عز وجل المتكبرين وعدم قبولهم للحق بقوله عز وجل " :وإ ذا قيل له اتق اهلل أخذته
. 161
العزة باإلثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد "
ّ
-النصيحة ُمرّة قلّ من يتقبلها و لذلك وجب على المنصوح أن يوطن نفسه على قبولها Cواالنتفاع بها لعلها تكون فيها
نجاته ،وهذا األمر يحتاج إلى أطر النفس على الحق أطراً والصبر عليها حتى يسلس قيادها. C
إلى
-اعتبر أن النصيحة هدية فال ترفضها كما قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي اهلل عنه " :رحم اهلل امرءاً أهدى ّ
عيوبى .
سادساً -أن يتدرب على أداء النصيحة :
األهداف اإلجرائية السلوكية :
-1أن يوضح الدارس كيف تكون النصيحة .
-2أن يذكر نماذج من سيرة السلف الصالح فى أداء وقبول النصيحة .
ج -أن يذكر الدارس بعض األمور المعينة على أداء النصيحة .
*********************************************************
.1أن يوضح الدارس كيف تكون النصيحة :
-على من أراد أن يقدم نصيحة ألخيه أن يقدمها فى طبق شهى ال فى صورة كريهة .
-عليك أال تظهر األستاذية عليه أو أنك أفضل منه فتضطره إلى اإلعراض عنك ورد النصيحة .
-عليك بالتعريض أو طرق الموضوع بصورة غير مباشرة فقد كان رسول اهلل صلي اهلل عليه وسلم إذا أتى أحد فى
مجلسه شيئا منافيا Cيقول " :ما بال أقوام يقولون كذا أويفعلون كذا ،ويعطون كذا "..
136
وكما فعل الحسن والحسين حينما رأيا رجالً كبيراً ال يحسن الوضوء Cفجاءاه كأنهما اختلفا على الوضوء ، Cأحدهما
يحسن الكيفية واألخر ال يحسن فعرف أنه أخطأ وصحح وضوءه . 162
-النصيحة مرة قل من يتقبلها و لذلك على الداعى أن يكون حكيما فى نصحه ويتبع سبيل الموعظة الحسنة قال تعالى "
163
ادع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة ".
ّ -بين ألخيك حرصك عليه ومحبتك له ورغبتك فى نفعه وزهدك Cفيما عنده من دنيا ،فإن الناس إذا رأوا منك طمعا
ومن ثم قال اهلل تعالى ":أم تسألهم أجرا فيما فى أيديهم وحرصاً على دنياهم نفروا منك وزهدوا Cفيك وفى قولك .
164
166
وقال تعالى " :قل ما سألتكم عليه من أجر فهو لكم ". 165
فهم من مغر م مثقلون ".
-القراءة فى سير الصحابة والصالحين ورجال الدعوة .وحتى Cتقف على هذه الصورة المشرفة لرجال األمة ،الذين
167
لم يخلو منهم جيل .فقد كان الصحابة رضوان اهلل عليهم يتناصحون فيما بينهم ويبايعون النبى على هذا التناصح .
ب -والحقيقةـ أن سيرة السلف الصالح من أمتنا مليئة بالنماذج الرائعة التى تجسد لنا أدب النصيحة :
من ذلك ما حكاه ابن العربى عن محمد بن القاسم العثمانى أنه حضر مجلس الشيخ أبى الفضل الجوهرى ، Cفكان مما قال
فى درسه إن النبى صلي اهلل عليه وسلم طلق ،وظاهر ، Cوآلى .
قال العثمانى :فلما خرج تبعته ،فقلت له :حضرت مجلسك اليوم متبركا Cبك وسمعتك Cتقول :آلى رسول اهلل صلي اهلل
عليه وسلم وصدقت ،وطلق رسول اهلل صلي اهلل عليه وسلم وصدقت ،وقلت :وظاهر رسول اهلل صلي اهلل عليه وسلم
وهذا لم يكن وال يصح أن يكون ،ألن الظهار منكر من القول وزور ،وذلك ال يجوز أن يقع من الرسول صلي اهلل
وقبل رأسى :وقال لى أنا تائب من ذلك جزاك اهلل عنى من علم خيراً .وفى اليوم
عليه وسلم .قال :فضمنى إلى نفسه ّ
التالى نادى عليه من بين الناس ودعاه إلى المنبر حتى رآه الناس ،وقال لهم أنا معلمكم ،وهذا معلمى ،ثم حكى لهم ما
حدث باألمس .
168
137
-اإلمام البنا والتطبيق العملى للنصيحة :
تالميذ االمام على الدرب لقد غرس فيهم روح النصيحة فتقدموا Cبالنصيحة ،وما يوم االسماعيلية عنا ببعيد حين وقف
األستاذ /عمر التلمسانى وتقدم بالنصيحة فى أدب جم لرئيس الدولة ،فلنواصل المسيرة بحسن الصلة باهلل ودعاء
السحر وسهام Cالقدر170.روى الشيخان عن جرير بن عبد اهلل رضي Cاهلل عنه يقول بايعت الرسول صلي اهلل عليه وسلم
على إقامة الصالة وإ يتاء الزكاة و النصح لكل مسلم .فكان الرجالن إذا التقيا لم يتفرقا حتى يقرأ أحدهما على األخر
سورة العصر ثم يسلم أحدهما على األخر ،فكانا يتعاهدان على اإليمان والعمل الصالح والتواصى Cبالحق والتواصىC
171
بالصبر. C
ج -وإ ليك أخى المسلم بعض األمور المعينة على أداء النصيحة :
-تذكره بما فيه من محاسن أثناء النصيحة ،فمثال تقل له يا هذا عهدناك تفهم ونعرف عنك الفضل والذكاء ولكنك فى
هذه المسألة ابتعدت شيئا ما عن الصواب… لعلك متعب …
لعلك مرضت … لعلك………،..وذلك حتىتسمح له بالتفكير أو إعادة النظر…
فانظر Cإلى قوله تعالى " :إن إبراهيم لحليم أواه منيب ".هود 75ثم قال اهلل تعالى بعدها " :ياإبراهيم أعرض عن هذا
".هود 76
وكذلك قوله تعالى لرسول اهلل صلي اهلل عليه وسلم " :عفا اهلل عنك لم أذنت لهم ".التوبة 43فإذا فعل صاحبك شيئاً ال
تريده فقل له عفا اهلل عنك لم صنعت كذا … فإذا فعلت ذلك هيأته لما تريد أن تقوله ،وأدخلت الثقة فى نفسه وحملته
172
على اإلصالح .
التطبيق :
القدوة فى إبداء النصيحة وقبول النصيحة ،ألنه قد طغت األقوال على األفعال و أصبح الناصح غير منصوح فى حد
ذاته وقد Cحذرنا اهلل تعالى من ذلك " :أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكمـ " البقرة 44
فمثل هؤالء يقال لهم قول القائل :
هال لنفسك كان ذا التعليم أال أيها الرجل المعلـ ــم غيره
فإذا انتهت عنه فأنت حكيم فأبدأ بنفسك فانهها عـ ــن غيها
كيما تصح به وأنت سقيــم تصف الدواء لذى السقام وذى الضنا
عار عليك إذا فعلت عظيـم ال تنه عن خلق وتأت بمثل ـ ــه
-ومما يعينك على النصيحة القرب من المنصوح والحرص على خدمته ما استطعت إلى ذلك سبيال ومعاونته إذا
احتاج إلى عونك .
173
-المساهمة فى حل مشاكل الناس فى جو من الصدق و إخالص التوجه هلل .
-أعط النصيحة على أجمل وجه ،و اقبلها على أى وجه .وتذكر Cرحم اهلل امرءاً أهدى إلى عيوبى
138
-احرص على سالمة الصدر وتنقية القلب من الحقد والحسد والبغضاء Cو الشحناء ،و تذكر أن أقل مراتب األخوة
سالمة الصدر وأعالها اإليثار .واألخ الصادق يرى إخوانه أولى بنفسه من نفسه ألنه إن لم يكن بهم فلن يكون بغيرهم
174
وهم إن لم يكونوا Cبه كانوا بغيره .
التقويم
.1اذكر معنى النصيحة فى اللغة .
.2وضح تعريف النصيحة فى كالم العلماء .
.3وضح أهمية النصيحة .
.4وضح وجوب النصيحة .
.5حدد مجاالت وميادين النصيحة .
.6وضح مجاالت وميادين النصيحة .
.7حدد شروط وآداب النصيحة .
.8وضح شروط وآداب النصيحة .
قوم Cمدى التزامك الشخصى بشروط وآداب النصيحة – محدداً نقاط الخلل والعالج .
ِّ .9
اذكر مواقف Cعملية مررت بها شخصياً استخدمت فيها النصيحة بآدابها وما تأثير ذلك على المنصوح . .10
اذكر مواقف Cشخصية فى قبولك Cلنصيحة قدمت إليك -وما الذى ساعد على قبولها ؟ .11
وضح أهمية طلب النصيحة . .12
وضح أهمية قبول النصيحة والعمل بها . .13
وضح كيف تكون النصيحة . .14
اذكر نماذج من سيرة السلف الصالح فى أداء وقبول النصيحة . .15
اذكر نماذج عايشتها وتأثرت بها فى ( طلب – قبول – أداء ) النصيحة . .16
اذكر بعض األمور Cالمعينة على أداء النصيحة . .17
اذكر من خالل تجاربك Cالشخصية بعض األمور Cالمعينة على ( أداء – قبول ) النصيحة . .18
139
** استبانة يستعين بها الدارس فى تقويم مدى تحقيقه لشروط وآداب النصيحة ومدى قبوله لها :
غالباً أحيانا نادراً دائماً السلوك ( سالمة الصدر وحسن الظن وآداب النصيحة )
1 ً 3 4 الدرجة العظمى = * 4عدد البنود
2
-حسن الظن :
( الدرجة العظمى 72درجة )
-1أحرص على أال يتغير قلبى تجاه أخي بسبب عيب وقع فيه .
-2ال أنتقص من مكانته فى نفسى .
-3أبنى نصيحتى على التثبت واليقين ال على الظن والتخمين .
-4ال أظن بكلمة خرجت من أخي إال خيرا وأحرص على أن أجد لها في
الخير محمال .
-5ال أتقاعس إذا وجدت عدم استجابة من المنصوح .
-سالمة الصدر :
-6أجعل النصيحه خالصة لوجه اهلل .
-7أحرص على أن أظهر للمنصوح الشفقة والحنان والمحبة واللين .
-8أحرص فى النصيحة أن ال يخالطها شئ من هوى النفس أو حب التشفى
أو التحقير .
أبين ألخي حرصى عليه ومحبتى له ورغبتى فى نفعه وزهدي فيما عنده
ّ -9
من دنيا .
آداب النصيحة :
أستر على الناس عيوبهم حين أنصحهم . -10
أحرص على أن أنصح أخى على انفراد . -11
-12أتجنب الغلظة والفظاظة فى النصيحة .
-13أتخير المكان والزمان والمناسبة .
-14أتحرى الموضوعية فى النصيحة .
-15أحرص على أن أكون قدوة فى سلوكى وأن أعمل بما أنصح به .
أتواضع فى النصيحة وال أظهر األستاذية على المنصوح . -16
-17ال أنه عن خلق وآتى بمثل ـ ــه .
-18أعط النصيحة على أجمل وجه .
( الدرجة العظمى 28 * قبول النصيحة والعمل بها :
درجة )
-1اشتغل بالنظر إلي عيوب نفسى عن النظر إلى عيوب الناس .
140
-2أفرح بالنصيحة وأحس كأننى حزت على كنز ثمين .
-3ال أتكبر على قبول النصيحة .
-4اعتبر أن النصيحة هدية فال أرفضها .
-5اقبل النصيحة على أى وجه جاءت وأتذكر رحم اهلل امرءاً أهدى ّ
إلى
عيوبى .
-6أتقبل نصح كل من ينصحنى وإ ن كان أقل منى علماً وسناً .
-7أحرص على طلب النصيحة دائما من إخوانى .
*** احسب درجاتك وقارنها بالدرجة العظمى فإن وجدت خيراً فاحمد اهلل على ذلك واحرص دوماً على الخير ،وإ ن
وجدت تقصيراً ،فحدد أين هو ؟ وما سببه ؟ وجاهد نفسك حتى تصلح من شأنها وحتى تحقق هذا األدب الرفيع
واسأل اهلل لك العون دائماً .
المصادر
الفصل السابع
الهدف العام
أن يؤمن بوجوب العمل الجماعي
و تتحقق لديه الرغبة األكيدة لالنضمام للجماعة
األهداف المرحلية :
أن يوضح وجوب العمل الجماعى . .1
أن يوضح الشبهات المثارة حول العمل الجماعي . .2
أن يوضح فوائد العمل الجماعي على الفرد . .3
أن يوضح شروط و متطلبات العمل الجماعي . .4
أن يوضح المواصفات التي يجب توافرها في الجماعة . .5
أن يبدي استعدادا و رغبة أكيدة للعمل معها . .6
143
[" توجيهات نبوية على الطريق " الجزء الثاني صـ 32د /السيد محمد نوح ]
وهكذا كان صلي اهلل عليه وسلم :وهو الصورة العملية لإلسالم يحض على الجماعة حتى فى العادات ليحمل المسلم
حمال على االرتماء فى أحضان الجماعة وااللتزام بما لها من ضوابط Cوآداب ،فيما هو أكبر وأهم من األخالق
والعادات .
[ شخصية المسلم بين الفردية والجماعية صـ 70د /السيد نوح ].
144
ثانياً :شرعية العمل الجماعى .
)1األمر بلزوم Cالجماعة صراحة :نص اإلسالم على لزوم الجماعة صراحة سواء من خالل القرآن أو السنة .
أوال القرآن " :وتعاونوا على البر والتقوا وال تعاونوا Cعلى اإلثم والعدوان " المائدة 2
" واعتصموا بحبل اهلل جميعا وال تفرقوا " آل عمران 103
" وال تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك Cلهم عذاب عظيم " آل عمران
105
" وأطيعوا Cاهلل ورسوله وال تنازعوا فتفشلوا Cوتذهب ريحكم " األنفال 46
ثانيا الحديث :
" من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة اإلسالم من عنقه " الحديث أخرجه أبو داود فى السنة
" يد اهلل مع الجماعة " أخرجه الترمذي Cفي السنن
"من أراد بحبوحة الجنة فليلزم Cالجماعة " أخرجه أحمد في المسند
" وأنا آمركم بخمس اهلل أمرني بهن :بالجماعة والسمع والطاعة والهجرة والجهاد فى سبيل اهلل ،
فمن خرج من
الجماعة قيد شبر ،فقد خلع ربقة اإلسالم من عنقه الى أن يرجع " قالوا : Cيا رسول اهلل ،وإ ن صلي
وصام C؟ قال :وإ ن صلي وصام Cوزعم أنه مسلم " الحديث جزء من حديث طويل أخرجه األمام أحمد في المسند
" إن الشيطان ذئب اإلنسان كذئب الغنم يأخذ الشاة القاصية والناحية وإ ياكم والشعاب وعليكم والعامة
" أخرجه أحمد في المسند
)2إلزالة المنكر األكبر :يجب العمل فى جماعة إلزالة المنكر األكبر وهو جريمة إقصاء اإلسالم عن الحكم وتحكيمC
الشرائع الوضيعة الوثنية ويجب األمر بالمعروف األكبر وهو إعادة القرآن الى منصة الحكم ألن كل فساد البشرية
ينبع من هذه القضية الكبرى" واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان باإلجماع "وأن التقاعس عن األمر
بالمعروف والنهي عن المنكر جريمة إسالمية ال يكفرها إال النهوض بها [ .الدعوة اإلسالمية فريضة شرعية
وضرورة بشرية د /صادق أمين ]
ثم إن معظم األقطار Cاإلسالمية – إن لم تكن كلها – تحكم بأنظمة وضعية هي خليط من تشريعات رومانية
ويونانية وفرنسية
وغيرها .والنظم Cاالقتصادية السائدة فى هذه األقطار هي الرأسمالية واالشتراكية مما يجعل العمل لتنحية هذه
النظم جميعاً .
واستئناف الحياة اإلسالمية فرض عين على كل مسلم حتى تعود لإلسالم القيادة والقوامة .
)3للقيام بالواجبات الشرعية :إن كثيرا من الواجبات الشرعية يتوقف Cتنفيذها وممارستها Cعلى إقامة خليفة أو إمام
وهذا بالتالي
[ ماذا يعنى مرتبط Cبوجود سلطة إسالمية وهذا ال يمكن تنفيذه إال عن طريق Cدولة تقوم على أساس اإلسالم .
انتمائي لإلسالم
أ /فتحي Cيكن ]
145
)4ألنه منهج رسول اهلل صلي اهلل عليه وسلم :
وألن هذا هو المنهج الذي سلكه رسول اهلل صلي اهلل عليه وسلم فى تشييد دولة اإلسالم األولي ،والتمكين لدين
اهلل فى األرض ،فقد حرص صلي اهلل عليه وسلم ألول وهلة على الظفر واالنحياز Cالى جماعة تؤيده ،وتؤازره
وتعينه على أمره وكان يقول للناس – وهو يعرض نفسه عليهم فى موسم Cالحج ،وفى Cأسواقهم Cالعامة " :أال رجل
الحديث أخرجه أبو داود يحملني إلى قومه ألبلغ رسالة ربي فإن قريشا منعوني Cأن أبلغ رسالة ربي " .
فى السنة
فداء له
وما زال كذلك حتى قيض اهلل له نفرا من األوس والخزرج Cحملوه الى المدينة المنورة وبذلوا Cاألرواح ً
ولدعوته حتى تمت كلمة ربه الحسنى .
وإ ذا كان هذا هو المنهج الذي سلكه رسول اهلل صلي اهلل عليه وسلم دون غيره فى إقامة دولة اإلسالم فإن الواجب
والمفروض علينا أن نقتدي وأن نتأسى به صلي اهلل عليه وسلم ولنا فى رسول اهلل األسوة والقدوة .
" لقد كان لكم فى رسول اهلل أسوة حسنه لمن كان يرجوا Cاهلل واليوم Cاألخر وذكر اهلل كثيرا " األحزاب 21
آل عمران 31 " قل إن كنتم تحبون اهلل فاتبعوني Cيحببكم اهلل ويغفر لكم ذنوبكم "
التقويم
س -1وضح أهمية العمل الجماعى ؟
س – 2قال صلى اهلل عليه و سلم " كلوا جميعا و ال ، ........فان " ......................اكمل الحديث ؟
س – 3اذكر دليالن على األمر بلزوم الجماعة من القران الكريم و آخران من الحديث الشريف ؟
س – 4ما هو المنكر األكبر ؟ و ما السبيل إلزالته ؟
س -5استشهد بالسيرة النبوية المطهرة فى تأكيد وجوب و ضرورة العمل الجماعى ؟
س -6اذكر مشاهد من الكون الفسيح تدلل بها على ان الجماعة سنة كونية ؟
س -7أكمل ما يأتي من أحاديث رسول اهلل صلى اهلل عليه و سلم :
يقول صلى اهلل عليه وسلم " لو يعلم الناس ما فى الوحدة . " ...........................
يقول صلى اهلل عليه وسلم " كلوا جميعا و ال . " .........................................
س -8اذكر شئون و أحوال من حياتك تحملك على العيش مع غيرك ؟
س -9تكاليف اإلسالم و تحديات األعداء اكبر من ان يتصدى لها مسلم بفرده ،دلل على صحة هذه العبارة ؟
س -10أكمل اآليات القرآنية التالية :
( و المنافقون و المنافقات بعضهم. ) ........................................................................... C
( و ال يزالون يقاتلونكم Cحتى . ) ...............................................................................
س -11ما الذى يعود على الفرد من عمله فى جماعة ؟ وضح بأمثلة .
س -12وضح من السيرة النبوية ومن أحداث التاريخ وجوب العمل الجماعي .
الهدف المرحلى الثانى :أن يوضح الشبهات المثارة حول العمل الجماعي .
األهداف اإلجرائية السلوكية :
أن يحدد الشبهات المثارة حول العمل الجماعى . -1
146
أن يوضح الرد على الشبهات التى تثار حول العمل الجماعى . -2
-2 -1بعض الشبهات التى تثار حول العمل الحماعى والرد عليها :
وقد Cيحلو لبعض القاعدين أو الخائفين من لزوم الجماعة ،وما يجره عليهم هذا اللزوم من مشقات ،ومتاعب ،أن
يبرروا Cقعودهم Cأو خوفهم Cهذا بإثارة الشبهات ،و من هذه الشبهات :
الشبهة األولي :
أن لزوم الجماعة يلغي ذاتية الفرد ،ويؤثر على شخصيته فتذوب ،وعلى رأيه وتفكيره فينعدم ويجمد ،وتتالشى
مسئوليته الفردية أو ينعدم اإلحساس بها .
وللرد على هذه الشبهة نقول :إن منهج اإلسالم يقوم على دعوة الفرد و أن يعيش فى كنف الجماعة ،ويستظلC
بظلها ،فى الوقت الذي يؤكد له أنه مسئول مسئولية كاملة عن كل تصرف Cيقع منه ،فيقول سبحانه وتعالى ( :وال تزر
وازرة وزر Cأخري ) ..الزمر ( 7كل نفس بما كسبت رهينة ) المدثر ( 38واتقوا يوما ال تجزي نفس عن نفس شيئا
) البقرة ( 123بل اإلنسان على نفسه بصيرة ولو ألقي معاذيره ) القيامة ( 15-14وإ ن تدع مثقلة الى حملها ال
يحمل منه شئ ولو كان ذا قربي ) .
وأن عليه أن يبذل النصيحة بشروطها وآدابها لكل واحد فى الجماعة مهما عال كعبه ،ومهما عظمت مكانته ،فيقول
صلي اهلل عليه وسلم " :الدين النصيحة " قلنا :لمن يا رسول اهلل ؟ قال " :هلل و لكتابه ولرسوله وألئمة المسلمين
وعامتهم " " المؤمن مرآه المؤمن والمؤمن أخو المؤمن يكف عليه ضيعته ويحوطه من ورائه " وفى Cرواية " :المؤمن
قومه " .
مرآه أخيه وإ ن رأى فيه عيبا ّ
ولقد عاش الصحابة مع النبي صلي اهلل عليه وسلم وعاش المسلمون األولون بعضهم Cمع بعض فما رأينا فردا ذابت
شخصيته أو تالشت فرديته فى الجماعة وإ نما رأينا النصيحة والشورى واألمر Cبالمعروف Cوالنهي عن المنكر وما قول
بعضهم Cلعمر " :لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناه بسيوفنا " Cعنا ببعيد .
وبهCCذا المنهج ينشأ ويبCCني فى نفس المسCCلم كيCCان داخلي ومتمCCيز ، Cواضح المعCCالم والحCCدود وتبقي أعصCCابه صCCاحية
منتبهة لكل ما يمسه ولو من بعيد .
147
الشبهة الثالثة :
إن الجماعة تشغل بتكاليفها المسلم عن صرف األوقات فى العبادة من قراءة قرآن ،وذكر ،ودعاء ،واستغفار ،
ومحاسبة ،وزيارة قبور ،واعتكاف ....الخ وهذه ضرورة لتطهير النفس ،وتزكيتها .
وللرد على هذه الشبهة نقول :إن العبادة فى اإلسالم ليست مقصورة على مجرد الشعائر Cالتعبدية ،بل هي – كما
يعرفها Cشيخ اإلسالم ابن تيميه " اسم أو كلمة جامعة لكل ما يحبه اهلل ،ويرضاه من األقوال واألعمال الظاهرة
والباطنة " .
وعليه فحضور المسلم مجالس العلم مفيدا ،أو مستفيدا عبادة ،وعيادة المريض وتشييع Cالجنائز عبادة ،وزيارة
اإلخوان تأكيدا لمودتهم أو تهنئة بنعمة ،أو تعزية فى مصيبة عبادة ،وإ رشاد الناس إلى الخير ،وأمرهم بالمعروف ،
ونهيهم Cعن المنكر عبادة ،ومد يد المعاونة لآلخرين ،ومساعدتهم فى سد حاجتهم وتقوية شوكتهم Cعبادة ...و هلم جرا
.
وعلى أن لزوم Cالجماعة ال يمنع أن تكون للمسلم أوقات يخلو فيها بنفسه ليؤدي واجبا ،أو يتقرب إلى اهلل بنفل ،أو
يحفظ علما ،أو يحقق مسألة أو يذكر ،أو يتفكر ،أو يحاسب نفسه ،وذلك معنى قول عمر بن الخطاب رضي اهلل عنه "
خذوا حظكم من العزلة "
الشبهة الرابعة :
أن الشر أصبح فى هذا العصر مستطيرا ،والفساد صار منتشرا ،بحيث بات من الصعب على المسلم أن يسلم فى
دم ،أو مال ،أو عرض ،كأن الجماعة إذن تكاليف وتبعات وتعرض لألذى .
وللرد على هذه الشبهة نقول :إنه على الرغم من استطارة الشر وانتشار الفساد فى هذا العصر ،فإن الناس ال
زالوا بخير ،وال زالت فيهم سالمة فطرة وسرعة استجابة ،غاية ما فى األمر أنه لكثرة صوارف الحياة والدعايات
الكاذبة اعترى الناس شئ من الغفلة واإلعراض ،ويمكن القضاء على ذلك بقليل من البذل مع اإلخالص ،والصدق ،
وشئ من التحمل .
على أن الصدق فى أداء األمانة ،والخروج Cمن التكاليف التي كلفنا اهلل عز وجل بها ،ال يكون إال بمخالطة الناس ،
ِّ
ويصدق Cذلك قوله صلي اهلل عليه وسلم " الذي يخالط الناس ،ويصبر على أذاهم ، والعمل معهم ،ثم الصبر على أذاهم
أعظم أجرا من الذي ال يخالط الناس وال يصبر على أذاهم " .
[ توجهات نبوية على الطريق Cالجزء الثاني د /السيد محمد نوح ]
التقويم
س -1اذكر أهم الشبهات التى تثار حول العمل الجماعى ؟
س -2وضح كيف ترد على كل شبهة من الشبهات المثارة حول العمل الجماعي بما يدحضها Cمن الكتاب و السنة و
العقل ؟
س -3يقول عمر رضي Cاهلل عنه " خذوا حظكم من العزلة " وضح كيف تطبق هذه النصيحة فى واقعك C؟
س -4يعرف شيخ االسم ابن تيمية العبادة فيقول " اسم او كلمة " .......................................أكمل ؟
س -5قال صلى اهلل عليه و سلم " الذى يخالط الناس و " ..............................................أكمل ؟
س -6في ضوء حرص اإلسالم على دفع أبنائه إلى التكافل و عيادة المرضى و زيارة اإلخوان و تشييع الجنائز و
إرشاد الناس إلى الخير ،وضح كيف تطبق مقولة عمر بن الخطاب " خذوا حظكم من العزلة " ؟
148
س -7اذكر شبهات واجهتك حول وجوب العمل الجماعي و كيف تغلبت عليها ؟
س -8حدد أى من العبارات اآلتية صحيح و أيها خطأ مع ذكر السبب ؟
* -إن لزوم Cالجماعة تنعدم معه المسئولية الفردية .
* -إن الجماعة تشغل المسلم عن قراءة القران و الذكر .
س -9عاش الصحابة مع النبى صلى اهلل عليه و سلم و عاش المسلمون األولون مع بعضهم Cالبعض فى جماعة فما
ذابت شخصياتهم Cو ال تالشت فرديتهم ، Cوضح هذه العبارة مع االستشهاد Cبنماذج ؟
س -10وضح كيف يلتزم المسلم بمقولة ابن مسعود " خالط الناس و دينك ال تكلمنه " ؟
س -11وضح الشبهات التى واجهتك حول وجوب العمل الجماعي وكيف Cتغلبت عليها ؟
الهدف المرحلى الثالث :أن يوضح الدارس فوائد العمل الجماعي .
األهداف اإلجرائية السلوكية :
أن يذكر الدارس فوائد Cالعمل الجماعى ( بالنسبة للفرد وبالنسبة للجماعة ) . -1
أن يوضح الدارس فوائد Cالعمل الجماعى . -2
-1-2فوائد العمل الجماعى :
إن للعمل الجماعى فوائد جمة بالنسبة للفرد نذكر منها :
149
فيكون خائنا ،وهل يحافظ Cعلى عهده ويفي بوعده ؟ فيكون دقيقا منضبطا Cمنظما أو يهمل ويخالف ؟ فيكون فوضوياC
غير دقيق Cوال منضبط Cوال منظم .
وهكذا تعد الجماعة حقال تجريبيا Cيطلع المسلم من خالله على ما فى نفسه من كمال أو قصور ، Cومن قوة أو
ضعف ،اآلمر الذي يسهِّل عليه – إذا كان جادا وراغبا فى إقامة هذا الدين فى نفسه – أن يعمل على تنمية ورعاية
جوانب القوة ،وتقويم Cوعالج جوانب الضعف .
وقد Cلفت النبي صلي اهلل عليه وسلم األنظار الى هذا الدور للجماعة حين قال " :المؤمن مرآة أخيه والمؤمن أخو
أخرجه أبو داود المؤمن يكف عليه ضيعته ويحوطه من ورائه "
وكأنه يقول :الطريق Cالتي يعرف بها المسلم عيبه ومواطن القصور والضعف Cفى شخصيته ،إنما هي الجماعة
.ألنها بالنسبة له كالمرآة .والشأن فيمن يعرف عيبه ويدرك Cقصوره وضعفه أن يسعي جاهدا إلصالحه وتهذيبه
كما يصنع من يقف أمام المرآة وتدله على حاله .
[ توجيهات نبوية د /السيد نوح ]
150
أفقه وتفسح مجال حياته ،فال ينحصر Cفى نطاق واحد وال فى مستوي Cواحد ..بيد أن تحقيق التوازن والتكامل فى
حياة المسلم مرهون بإعطاء كل غريزة من هذه الغرائز حقها دون زيادة أو نقص .
والجماعة هي المجال الوحيد الذي يوظف سائر طاقات المسلم ،ويجعل كل الغرائز تعمل بدرجات متساوية
ومتوازية فى نفس الوقت ،األمر الذي يؤدي الى تكوين الشخصية السوية المتزنة المتكاملة ،الخالية من أي انفصام
أو عوج ،والمحصنة ضد كيد الشيطان وإ غوائه ،ولعل هذا هو ما أشار إليه النبي صلي اهلل عليه وسلم بقوله "
عليكم بالجماعة ،فإن الشيطان مع الواحد وهو من اإلثنين أبعد ،من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة " أخرجه
الترمذى Cفى السنن .
د -بث األمل ودفع Cاليأس :
أي بث الثقة واألمل فى نفسه ..ذلك أن المسلم الذي يعمل منفردا لدين اهلل يعتريه بين الحين والحين خاطر ( :ماذا
أصنع وحدي ،وأعداء اهلل – فى داخل األمة وخارجها Cكثر ،ولهم خططهم Cوأساليبهم Cالخبيثة الماكرة ،وممسكون
اآلن بخناق العالم اإلسالمي ) ؟ وال يزال هذا الخاطر يلح عليه وليس عنده ما يدفعه به حتى يدب اليأس والقنوط الى
نفسه فيترك Cالعمل لدين اهلل .
أما إذا كان يعمل لهذا الدين من خالل جماعة ،وعرض له مثل هذا الخاطر ،فإنه يستطيع Cدفعه بأنه ليس وحيدا
فى الميدان ،وإ نما هناك آخرون غيره يسيرون معه فى نفس الطريق ، Cولهم من الوسائل واألساليب واإلمكانيات Cما
يعينهم على مواجهة أعدائهم وإ حباط Cمكايدهم ومخططاتهم. C
وهكذا تبث الجماعة فى نفس المسلم الثقة واألمل بأن نصر اهلل آت ال محالة ،وأن السيادة والغلبة ستكون لدين
اهلل عز وجل .
هـ -تجديد النشاط والهمة :
أي تجديد نشاطه بما يقوي عزيمته ويعلي همته ويضاعف من جهده ..ذلك أن المسلم تعتريه فى بعض األحيان
حال من الفتور والتراخي بسبب ضخامة األعباء ،وبعد الطريق ،ومشقة العمل ،فإذا ما التقي بإخوانه وتفرس نور
الطاعة فى وجوههم ،ورأي كثرة خشوعهم ،وشدة إقبالهم على ربهم ..زال هذا الفتور وذلك التراخي وامتأل
حماسا وحيوية ونشاطا فيضاعف Cمن جهده ،كأنما لم يعمل لدين اهلل من قبل .
وقد Cأشار النبي صلي اهلل عليه وسلم الى هذا الدور حين قال " :أال أخبركم بخير الناس قالوا :بلي يا رسول اهلل
أخرجه ابن ماجة فى السنن ،قال :من تذكركم Cرؤيته باهلل عز وجل "
و -اكتساب الخبرات والتجارب :
أي تزويده بكثير من الخبرات والتجارب Cالتي تعينه على مواجهة ما يعترض طريقه من صعاب وعقبات ..ذلك
أن طريق العمل لدين اهلل طريق Cمليئة بالعقبات ومحفوفة بالمخاطر ، Cوالمسلم Cالحصيف الذكي هو الذي يملك الخبرة
أو التجربة آلتي تعينه فى التغلب على هذه العقبات والنجاة من تلك المخاطر وليس هناك مجال أرحب وأوسعC
يكتسب فيه المسلم الخبرات ويتعلم Cالتجارب سوي الجماعة ،ولعلنا بذلك نستطيع Cأن نفسر دقة السلوكيات
والتصرفات الواقعة من الفرد المخالط للجماعة عن نظيراتها من الفرد الذي يعيش وحده .
ز -التعاون من أجل التمكين لمنهج اهلل فى األرض :
أي إعانته على تأدية واجبه نحو دين اهلل عز وجل ،إذ أن من واجب المسلم نحو دين اهلل :الدعوة الى هذا الدين
،والجهاد فى سبيله حتى ِّ
يمكن له فى األرض ،وتبقي رايته عالية فى العالمين ،ولن يستطيع Cالمسلم القيام بهذين
151
الواجبين وحده ،وإ نما البد له من أعوان يشدون أزره ويقوون عضده ويعينونه على أمره .ولعل أوضح مثال يؤكد
لنا عجز المسلم عن القيام بهذين الواجبين وحده :رغيف الخبز فإنه مع صغر حجمه ال يصل الى اإلنسان إال بعد
عمل عشرات بل مئات من البشر تعاونت على تجهيزه وإ عداده وتقديمه .
ومن كان فى شك من ذلك فليسأل نفسه :من حرث األرض ؟ ومن بذر فيها الحب ؟ ومن سقاه بالماء ؟ ومن
اقتلع الحشائش الضارة منه ؟ ومن حصده ؟ ومن نقله الى الجرن ؟ ومن درسه ؟ ومن فصل الحب عن التبن ؟ ومن
طحنه ؟ ومن عجنه ؟ ومن خبزه ؟ ومن سواه بالنار ؟ ومن حمله إلينا ؟ ومن ؟ ومن ..؟ هذا فضال عن القوي
الكونية األخرى كالشمس والهواء والماء والتربة … الخ ،وفوق هذا وذاك يد اهلل – عز وجل – ( أفرأيتم Cما
تحرثون ،أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون ) الواقعة 64 ، 63وعليه فمن زعم أن بوسعه االعتماد على نفسه فى
تحصيل هذا الرغيف -الصغير Cفى حجمه البسيط فى مكوناته -فانه سيموت أو يشرف على الموت قبل أن
يحصل عليه .
و إذا كان الحال كذلك فى أمر بسيط هين كرغيف الخبز فكيف لو كان األمر أمر دعوة و جهاد .و لعل هذا هو ما
عناه الحق تبارك و تعالى حين قال " :و لتكن منكم أمة يدعون إلى الخير و يأمرون بالمعروف وينهون عن
المنكر و أولئك هم المفلحون " سورة آل عمران " . 104وقاتلوهم حتى ال تكون فتنة و يكون الدين كله هلل" سورة
األنفال " 39و جاهدوا فى اهلل حق جهاده هو اجتباكم " سورة الحج 78إلى غير ذلك من اآليات.
ح -حفظ الهيبة والكرامة :
أي حفظ هيبته وحرمته وكرامته فال يجرؤ األعداء على إيذائه أو التطاول عليه فى دم أو مال أو عرض ،ألن له
من جماعة المؤمنين ظهيرا ونصيرا ، Cوحتى لو تجرأ هؤالء فآذوه فى دم أو مال أو عرض فإن إخوانه سينصفونه
وسيردون له مظلمته على نحو ما حدث حين اعتدي يهود بني قينقاع على حرمة امرأة مسلمة ،وإ جالء النبي صلي
اهلل عليه وسلم لهم ،وكما حدث حين لطم الرومي المرأة المسلمة فى عمورية ،واستنجدت Cبالخليفة المعتصم
العباسي فجهز Cالخليفة جيشا ضخما آخره عنده ،وأوله فى عمورية لتأديب الروم على هذه الفعلة القبيحة .
هذا هو شأن المسلم حين يكون فى جماعة ،أما إذا كان وحده فإن األعداء سيتربصون به الدوائر ، Cوسيكيدون له
بكل ما أوتوا من قوة ووسيلة .
ولعل هذا هو السر فى حرص األعداء على أن يظل المسلمون منقسمين على أنفسهم إيمانا منهم بأن السيطرة
عليهم واإلذالل لهم ونهب ثرواتهم Cوخيرات بالدهم كل ذلك ال يتم إال فى جو من الفرقة والشقاق ،ومن شعاراتهم
فى هذا الصدد ( فرق تسد ) .
وعلى ضوء هذه الحقيقة يمكن أن ندرك الهدف من أمر اهلل عز وجل للجماعة المسلمة بالوحدة ونبذ الفرقة
والتنازع ( : Cواعتصموا بحبل اهلل جميعا وال تفرقوا ) آل عمران ( .103و أطيعوا اهلل و أطيعوا Cالرسول وال
تنازعوا فتفشلوا Cوتذهب ريحكم ) .األنفال 46
ط -فتح مجال األجر والثواب :
أي فتح مجاالت لألجر والثواب أمام المسلم :ذلك أن المسلم مع الجماعة يجد الفرصة أمامه سانحة لتحصيل
مزيد من األجر والثواب ،فهو يسلم على المؤمنين ،وينصح لهم ،ويلبي دعوتهم ،ويشمت عاطسهم ،ويعودC
مريضهم ،ويشيع ميتهم ،ويتفقد غائبهم ،ويودع مسافرهم ،ويستقبل قادمهم ،ويقرض محتاجهم ، Cويفرج عن
152
مكروبهم ،ويهدي لهم ،ويقبل هديتهم ،ويشير Cعليهم ،ويعلم جاهلهم ،ويتعلم Cمن عالمهم ...،الخ هذه المجاالت
المؤدية الى األجر والثواب ،أما إذا كان وحده فأني له أن يقوم بشيء من ذلك ؟ والمجال أمامه مغلق أو مسدود. C
ى -التأهل لتأييد اهلل :
أي استجالب عون اهلل وتأييده ونصره ،ذلك أن المسلمين مهما كانت كثرتهم Cومهما كانت ضخامة استعدادهم
محتاجون الى عون وتأييد Cمن اهلل عز وجل ،خالق كل شئ والذي بيده األمر كله ،السيما فى هذا الوقت الذي
ضربت فيه الجاهلية أطنابها Cبكل مكان ،وأمسك أعداء اهلل بخناق العالم اإلسالمي ،ولم يعد هناك متنفس أو منقذ ،
وقد Cمضت سنة اهلل ..أال يتنزل نصره دون تضحيات :أن يجاهد المسلم نفسه وهواه . . .وأن يكون مع الجماعة ،
ينفذ ما تأمر به ،ويجتنب ما تنهى عنه .
ولقد لفت النبي صلي اهلل عليه وسلم األنظار الى هذا المعنى حين قال " يد اهلل مع الجماعة "
التقويم
س -1عدد الفوائد التى تعود على الفرد من خالل تواجده فى العمل الجماعى ؟
س -2اشرح هذه العبارة "ال يعرف االنسان ما تنطوى Cعليه شخصيته من قوة او ضعف اال اذا عاش وسط جماعة"
س -3قال صلى اهلل عليه و سلم " أال أخبركم Cبخير الناس قالوا بلى يا رسول اهلل ".........................أكمل ؟
س -4وضح السر فى حرص أعداء اإلسالم على ان يظل المسلمون منقسمين على أنفسهم ؟
س -5وضح كيف تهيىء الجماعة الفرصة أمام الفرد لتحصيل مزيد من الثواب و األجر ؟
س -6وضح ما الذى استفادته أنت من تواجدك مع إخوانك ؟
س -7وضح كيف تجعل مقولة رسول اهلل صلى اهلل عليه و سلم واقعا Cفى حياتك " المؤمن مرآة أخيه " .
س -8الجماعة هى المجال الوحيد الذى يوظف طاقات المسلم ،وضح هذه العبارة ؟
س -9قال صلى اهلل عليه و سلم " أال أخبركم Cبخير الناس قالوا بلى يا رسول اهلل قال " ................ :أكمل ؟
س -10ما الذى كنت تطمح فى تحققه من تواجدك Cمع إخوانك و لم يتحقق حتى اآلن ؟ و لماذا ؟
) يقوم مدى تحقق فوائد العمل الجماعي لديه ( على المستوى الفردي
استبانة يستطيع من خاللها الدارس أن ِّ
نادرا احيانا غالبا دائما مظاهر تحقق فوائد العمل الجماعي م
هل تحرص على مالحظة عيوبك من خالل سلوكيات إخوانك . 1
هل تبادر إلى طلب العون من إخوانك فى تهذيب سلوكك 2
هل تحرص على معاونة إخوانك فيما يقومون به من أعمال مختلفة 3
هل تطرد من نفسك خواطر الياس و القنوط بالعمل لإلسالم . 4
هل تحرص على دفع الفتور عن نفسك بالتواجد وسط Cإخوانك . 5
هل تحاسب نفسك على ما تعلمته من خبرات و تجارب من إخوانك . 6
هل تشعر أنك عزيز كريم كثير باخوانك . 7
هل تستثمر كل فرصة يهيئها لك إخوانك لتحصيل مزيد من األجر . 8
هل أنت متاكد من استحالة نصرة االسالم بعمل فردى. C 9
153
10هل تشكر اهلل على نعمة وجودك Cمع إخوانك العاملين لدين اهلل .
الهدف المرحلى الرابع :أن يوضح شروط ومتطلبات العمل الجماعي .
األهداف اإلجرائية السلوكية :
أن يوضح الدارس بعض األمور Cاألساسية التى يلزم تحقيقها فى الفرد فى العمل الجماعى . -1
أن يوضح الدارس االلتزامات التى ينبغى على الفرد االلتزام بها فى العمل الجماعى . -2
أن يوضح الدارس أهم آداب العمل الجماعى . -5
أ -أمور أساسية يلزم تحقيقها :
إن الفرد الذى يعمل فى جماعة لتحقيق مبادىء اإلسالم يلزم أن تتحقق عنده أمور أساسية نذكر منها :
-1أن يعــرف مــاذا يعــنى إنتمــاؤه لإلســالم ،وأنه ليس مجCCرد إنتمCCاء بCCالميالد أو الوراثة ،ولكن يفهم أن اإلسCCالم و
العمل له هو قضCC Cيته المصCC Cيرية ورسCC Cالته الCC Cتى خلق من أجلها فى هCC Cذه الCC Cدنيا ،وأن سCC Cعادته فى الCC Cدنيا واآلخCC Cرة تتحقق
بالتزامه باإلسالم وقيامه بمتطلباته ،وأن أى مخالفة أو تقصير فى هذا المجال يترتب عليه اإلثم و الحساب و الجزاء .
-2أن يتعــرف على طبيعة المرحلة الــتى تمر بها الــدعوة اإلســالمية فى هــذه الســنوات ومتطلبــات هــذه المرحلة ،
ذلك أن أعCC Cداء اإلسCC Cالم تCC Cآمروا Cضد اإلسCC Cالم واحتلCC Cوا بالدهم ثم أبعCC Cدوا شCC Cريعتهم Cعن الحكم ،واسCC Cقطوا Cدولة الخالفة ،
وغزو شعوب المسلمين بكل أسباب الفساد واإلنحالل و الضعف و الفرقة و الشعور بالحاجة الى األعCCداء والركCCون إليهم
واالستسCCالم CلمخططCCاتهم ،واصCCطنعوا Cعمالء لهم ينفCCذون مخططCCاتهم فى بالدهم بعد أن أجلينا جيوشCCهم CبCCدماء شCCهدائنا، C
وغرسوا Cهذا الكيان الصهيونى كالسرطان Cفى قلب الوطن اإلسالمى .
-3أن يعلم أنه الخالص من هذه الحال إال بالعودة الصحيحة الصادقة إلى كتاب اهلل وسنة رسـوله صـلى اهلل عليه
وسلم ،فتعود Cللمسلم شخصيته اإلسالمية القوية العزيزة المؤمنة باهلل و المؤمنة برسالتها فى هذه الCCدنيا ،وشCCعور CالمسCCلم
بأستاذيته للبشرية النتمائه لهذ الدين الحق .
-4أن يؤمن بضرورة العمل على بعث اإليمان فى النفوس لتعود للمسلمين قــوتهم وهيبتهم الCCتى تCCدفع كل اعتCCداء
على أرضCC C Cهم Cوأرواحهم CوأعراضCC C Cهم وتحرير بالد المسCC C Cلمين وشCC C Cعوبهم من كل سCC C Cلطان لألعCC C Cداء وخاصة فلسCC C Cطين و
المسCCCجد األقصى أولى القبلCCCتين وث CCالث الح CCرمين ،ويعلم تمCCCام العلم أن العمل إلقامة دولة اإلس CCالم واجب على كل مسCCCلم
ومس CCلمة ،وليس أم CCراً اختياريC Cاً وأن المس CCلمين جميعCCاً آثم CCون إن لم يعمل CCوا على ذلك ،ويعلم أيضC Cاً أن الCCواجب الثقيل ال
يمكن أن يتحقق فردي CCاً CبCCCأن يعمل كل مسCCCلم وحCCCده ولكن البد من العمل الجم CCاعى المنظم ال CCذى يوحد الجهCCCود إلقامة هCCCذا
البناء الضخم وذلك بناءً على القاعدة المعروفة (:ما ال يتم الواجب إال به فهو واجب ) .
-5ثم عليه بعد علمه بوجوب العمل الجماعى أن يستشعر أهمية اختيار الجماعة التى يعمل معها كى ال يبCCذل وقته
وجهCCده وماله ونفسه فى غCCير الطريق الصCCحيح ،وعليه أن ال يتسCCرع فى اختيCCار الجماعة ولكن عليه أن يتثبت ويسCCتوثق
ويطمئن عند االختيCCار .وحينما يختCCار الفCCرد الجماعة الCCتى يعمل من خاللها يجب أن يختارها بمحض اختيCCاره وإ رادته
دون إحراج أو إكراه أو مجاملة ،فالقضية خطيرة ومصيرية ويترتب Cعليها تبعCCات ومسCCئوليات ،وعليه بعد االختيCCار أال
يتأثر بأى تشكيك يثار حول الجماعة و العمل الجماعى مما يثيره األعداء أو بعض المسCلمين عن جهل .وليعلم الفCCرد أن
العمل الجمCCاعى يسCCتتبع شCCروطاً والتزامCCات يجب أن يكCCون على علم بها وأن يكCCون مسCCتعداً لاللCCتزام و الوفCCاء بها ،كى
ابتداء إذا لم يتوفر Cاالستعداد لاللتزام
ً تستطيع Cالجماعة تحقيق أهدافها ،واألولى Cعدم اإلنتماء
154
-6ومعلCCCوم Cأص CCالً أن العمل فى هCCCذا المجCCCال إنما هو هلل سCC Cبحانه وليس ألش CCخاص ،وأن األجر و المثوبة من اهلل ،
ويس ــتلزم ذلك إخالص الوجهة هلل ،ويعلم الف ــرد أن تعه ــده وبيعته لقي ــادة الجماعة إنما هو فى الحقيقةـ تعهد وبيعة هلل
ويلزمه الوفاء بها وعدم النكث فيها {:إن الذين يبايعونك إنما يباعون اهلل يد اهلل فوق Cأيديهم ومن نكث فإنما ينكث على
نفسه ومن أوفى Cبما عاهد عليه اهلل فسيؤتيه أجراً عظيماً } الفتح . 10وأن يستشعر ما هو فيه من خير عظيم بانتظامه
فى ركب العCCاملين الصCCادقين لإلسCCالم ،بحيث يدفعه هCCذا الشCCعور Cإلى الحCCرص الشCCديد على هCCذا الخCCير وأال يفCCرط فيه أو
يبتعد عنه ،وأن يروض نفسه على الصبر و التحمل لمتاعب الطريق Cومشاقه سواء من خارج الصف أو حتى من داخله
،فالقضية ليست كالوظائف Cالدنيوية إذا فقدها فى مؤسسة يجد غيرها فى مؤسسة أخرى ،ولكنه عمل أخCروى Cله أهCداف
محددة وطريق Cواحدة ،وال يصلح معه أى طريق Cكما ال يصلح معه العمل الفردى .
-7على الف ــرد أن يعلم أن أل ــزم ش ــىء له على طريق ال ــدعوة دوام مراقبته هلل تب ــارك وتع ــالى وت ــذكر اآلخ ــرة
واالســتعدادـ لها ،وأن يقطع مراحل الس CCلوك الى رض CCوان اهلل بهمة وعزيمة ،وأن يتق CCرب الى اهلل بالنوافل كقي CCام الليل و
[ من كتCCاب الصيام ثالثة أيام على األقل كل شهر واإلكثار Cمن الذكر القلبى واللسانى Cواإللحاح بالCCدعاء المCCأثور .
بين القيادة والجندية على طريق Cالدعوة ( بتصرف ) Cأ /مصطفى Cمشهور ]
ب -التزامات وسلوك على األفراد مراعاتها واإللتزام بها :
إن طريق العمل اإلسالمي طريق التطهر والتعفف والتنظف Cطريق المرحمة والمكرمة ..طريق المثابرة
واإلخالص ..وإ ن طريقا هذه مواصفاتها ال يمكن أن يثبت عليها غير المؤمنين المحلقة قلوبهم بواحد أحد ،الناظرة
( ماذا نفوسهم Cإلى فرد صمد " ومن يتق اهلل فهو حسبه إن اهلل بالغ أمره قد جعل لكل شئ قدرا "
يعني انتمائي لإلسالم أ /فتحي Cيكن )
والبد لمن يتصدى لهذا العمل الضخم أن تتوافر فيه بعض الشروط منها -:
-1أن يكون مؤمناً إيماناً قوياً بهذا العمل الجمـاعى ومتطلباته :بحيث تكCCون هCCذه المهمة مسCCتحوذة عليه وتكCCون
هى الش CCغل الش CCاغل له ،ونس CCوق Cفى ه CCذا المج CCال كالم Cاً لإلم CCام الش CCهيد رضى اهلل عنه إذ يق CCول ":إن مهمة المس CCلم الحق
أوضCCحها اهلل تبCCارك وتعCCالى فى آية واحCCدة من كتابه ورددها القCCرآن الكCCريم بعد ذلك فى عCCدة آيCCات ،فأما تلك اآلية الCCتى
اشتملت على مهمة المسلمين فى الحياة فهى قول اهلل تبارك وتعالى {:يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسCجدوا واعبCدوا ربكم
وافعل CCوا Cالخ CCير لعلكم تفلح CCون * وجاه CCدوا Cفى اهلل حق جه CCاده هو اجتب CCاكم وما جعل عليكم فى ال CCدين من ح CCرج ملة أبيكم
إبCCراهيم هو سCCماكم المسCCلمين من قبل وفى هCCذا ليكCCون الرسCCول شCCهيداً عليكم وتكونCCوا شCCهداء على النCCاس فCCأقيموا الصCCالة
وآت CCوا الزك CCاة واعتص CCموا باهلل هو م CCوالكم Cفنعم الم CCولى ونعم النص CCير } الحج ، 78أيها المس CCلمون :عب CCادة ربكم و
الجهCCاد فى سCCبيل التمكين لCCدينكم وإ عCCزاز شCCريعتكم Cهى مهمتكم فى الحيCCاة فCCإن أديتموها حق األداء فCCأنتم CالفCCائزون ،وإ ن
أديتم بعض CC Cها أو أهملتموها جميعC C Cاً ف CC Cإليكم أس CC Cوق ق CC Cول اهلل تب CC Cارك وتعCC Cالى {: CأفحسCC Cبتم أنما خلقنCC Cاكم عبثC C Cاً وأنكم إلينا ال
ترجعون * فتعالى Cاهلل الملك الحق ال إله إال هو رب العرش الكريم } المؤمنون 116-115
-2أن يطوع ظروف حياته كلها لصــالح العمل للــدعوة :ويخضع CأمCCوره الخاصة من عمل ومسCCكن وزواج CوسCCفر
وغCCير ذلك لمصCCلحة الCCدعوة بحيث ال يضCCعف CشCCىء من ذلك إنتاجه للCCدعوة .وأن يهيىء نفسه بكل جوانبها ومقوماتها
ليكون أداة فعالة صالحة لتحقق الجماعة به وبأمثاله ما تنشده من أهداف وآمال :وفى هذا المعنى يقول اإلمCCام الشCCهيد
":إن اإلسCCالم يريد فى الفCCرد وجCCداناً CشCCاعراً يتCCذوق CالجمCCال والقبح وإ دراكCاً CصCCحيحاً يتصCCور الصCCواب و الخطأ ،وإ رادة
155
حازمة ال تضCCعف وال تلين أمCCام الحق ،وجسCCماً CسCCليماً يقCCوم بأعبCCاء الواجبCCات اإلنسCCانية حق القيCCام ويصCCبح أداة صCCالحة
لتحقيق اإلرادة الصالحة وينصر Cالحق و الخير "
-3أن يستوثق من إخالص نيته هلل :وذلك بأن يقصد األخ المسلم بقوله وعمله وجهاده كله وجه اهلل وابتغاء
مرضاته وحسن مثوبته من غير نظر إلى مغنم أو مظهر أو جاه أو لقب أو تقدم أو تأخر وبذلك يكون جندي عقيدة
،فاهلل تعالى ال يقبل إال العمل الخالص لوجهه . وفكرة ال جندي غرض ومنفعة
-4أن يلـ ــتزام بـ ــالفهم الصـ ــحيح الشـ ــامل لإلسـ ــالم :الCC C Cذى ارتضCC C Cته الجماعة والتقت عليه بعيCC C Cداً عن االجCC C Cتزاء
واإلنحراف أو الخطأ ،فعلى الفرد اإللتزام بهCذا الفهم وعCCدم السCCماح بCCبروز مCCدارس فكرية مختلفة داخل الجماعة فتحCدث
تمزقاً Cوتشتتاً ، Cبل يكون كل فرد حارساً Cأميناً على هذا الفهم من أى تحريف Cأو تغيير .
-5أن يلــــتزم طريق العمل وخطواتهـ كما حددته الجماعة لتحقيق هــــدفها العظيمـ :وذلك بإعCC C Cداد الفCC C Cرد المسCC C Cلم
النموذج الصحيح ،والبيت المسلم الملتزم بتعCCاليم اإلسCCالم و المؤسس على التقCCوى من أول يCCوم ،وإ عCCداد المجتمع المسCCلم
المCCدعوم بهCCذه الركCCائز من األفCCراد واألسر CالمسCCلمة ليكCCون قاعCCدة صCCلبة متماسCCكة تقCCوم عليها الحكومة المسCCلمة ،ويتم ذلك
على مسCC Cتوى الشCC Cعوب اإلسCC Cالمية ،ثم تتحد هCC Cذه الحكومCC Cات اإلسCC Cالمية لتكCC Cون الدولة اإلسCC Cالمية العالمية وعلى رأسCC Cها
الخالفة اإلسCCالمية ،وليعلم كل فCCرد أن أى مخالفة لهCCذه الخطCCوات وبهCCذا الCCترتيب تعCCرض الى نتCCائج خطCCيرة فيقCCوم البنCCاء
على أس CCاس ض CCعيف وال يص CCمد أم CCام تح CCديات األع CCداء الع CCالميين .وليعلم أنه مهما ط CCال الطريق Cوك CCثرت عقباته فليس
هنCCاك طريق غCCيره ،وهو مقتبس من سCCيرة رسCCول اهلل صCCلى اهلل عليه وسCCلم ،وأال يسCCتجيب لتشCCكيك المشCCككين أو تثبيط
المثبطين بسCC Cبب طوله وعقباته فCC Cالزمن يقCC Cاس بعمر الCC Cدعوات واألمم وليس بأعمCC Cار األفCC Cراد كما أننا لسCC Cنا مسCC Cئولين عن
النتائج وأما العقبات فهى سنة اهلل فى طريق Cأصحاب الدعوات .
-6أن يــوطن نفسه على الجهــاد فى ســبيل اهلل بــالنفس و المــال :وأن يعلم علم اليقين أنه لن يتوقف CاعتCCداء أعCCداء
اهلل وتتحقق أهCC C Cداف الCC C Cدعوة إال بالجهCC C Cاد فى سCC C Cبيل اهلل ،تلك الفريضة الماضCC C Cية فعليه أن يستصCC C Cحب نية الجهCC C Cاد وحب
االستشCCهاد بصCCفة دائمة ،وأن يعد نفسه بCCالتزام CصCCفات المؤمCCنين لتتحقق له الصCCفقة الرابحة مع اهلل {:إن اهلل اشCCترى Cمن
المؤمCCنين أنفسCCهم وأمCCوالهم بCCأن لهم الجنة } التوبة 111وليحCCذر جCCواذب األرض من متع وزخCCرف وليبتعد Cعن مظCCاهر
الترف و الرخاوة وأشباهها حتى ال يتعرض الى التثاقل الى األرض عند نداء النفCير للجهCاد فيناله العCذاب األليم ويسCCتبدل
اهلل به غيره للقيCام بCواجب الجهCاد ،وليعلم أن اهلل غCنى عنه وعن جهCCاده {:ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن اهلل غCCنى عن
العCCالمين } ،وليعلم أن أول مCCراتب الجهCCاد إنكCCار القلب وأعالها القتCCال فى سCCبيل اهلل ،وبين ذلك جهCCاد اللسCCان و القلم و
اليد وكلمة الحق عند السCCلطان الجCCائر وال تحيا الCCدعوة إال بالجهCCاد ،وبقCCدر سCCمو الCCدعوة وسCCعة أفقها تكCCون عظمة الجهCCاد
فى سبيلها وضخامة الثمن الذى يطلب لتأييدها وجزالة الثواب للعاملين ،
-7أن يكون لديه العزم على التضحية بالمال والنفس فى سبيل إعالء كلمة اهلل والتمكين لدين اهلل فى األرض
وأن يكون قد عقد الصفقة الرابحة مع اهلل " إن اهلل اشتري من المؤمنين أنفسهم وأموالهم Cبأن لهم الجنة " التوبة .111
فهذا صهيب الرومي يقول :لما أردت الهجرة من مكة الى النبي صلي اهلل عليه وسلم قالت لي قريش يا صهيب
قدمت إلينا وال مال لك وتخرج أنت ومالك ،واهلل ال يكون ذلك أبدا ،فقلت لهم :أرأيتم أن دفعت إليكم مالي تخلون عني
؟ قالوا :نعم .فدفعت Cإليهم مالي فخلوا عني فخرجت حتى قدمت المدينة فبلغ ذلك النبي صلي اهلل عليه وسلم فقال :
ربح صهيب ربح صهيب مرتين .
156
فعلى الفCCرد أن يCCروض نفسه على التضCCحية بكل غCCال ونفيس فى سCCبيل اهلل ،وأال يبخل على الCCدعوة بمCCال أو جهد أو
وقت أو علم أو بنفسه فال CCدعوة تطلب منه كله ال بعضه ،ثم إن ما يقدمه من خ CCير يج CCده عند اهلل هو خ CCيراً وأعظم أج CCراً :
{ ذلك بأنهم ال يصيبهم Cظمأ وال نصب وال مخمصة فى سبيل اهلل وال يطأون موطئاً Cيغيظ الكفار وال ينالون من عCCدو نيالً
إال كتب لهم به عمل صCCالح إن اهلل ال يضCCيع أجر المحسCCنين * وال ينفقCCون نفقة ضCCغيرة وال كبCCيرة وال يقطعCCون وادي Cاً إال
كتب لهم ليجCCزيهم اهلل أحسن ما كCCانوا يعملCCون } التوبة ، 120،121وهCCذا إنCCذار من اهلل لمن يبخل بشCCىء فى سCCبيل اهلل :
{ هCCاأنتم هCCؤالء تCCدعون لتنفقCCوا فى سCCبيل اهلل فمنكم Cمن يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه واهلل الغCCنى وأنتم الفقCCراء *
وإ ن تتولوا Cيستبدل قوماً غيركم ثم ال يكونوا أمثالكم } محمد 38
-8أن يـوطن نفسه على الثبـات على طريق الـدعوة وعCCدم التخلى عن عمله فى الجماعة و الجهCCاد فى سCCبيل غايته
مهما بعدت المدة وتطاولت السنوات واألعوام وكثرت العقبCات حCCتى يلقى اهلل على خCCير دون تبCCديل أو تغيCير فينCCال جCزاء
الصCCادقين {:من المؤمCCنين رجCCال صCCدقوا Cما عاهCCدوا اهلل عليه فمنهم من قضى Cنحبه ومنهم من ينتظر Cوما بCCدلوا تبCCديالً *
ليج CCزى اهلل الص CCادقين بص CCدقهم ويع CCذب المن CCافقين إن ش CCاء أو يت CCوب عليهم إن اهلل ك CCان غف CCوراً رحيم Cاً } األح CCزاب ، 23
. 24
-9أن يخلص والءه للدعوة ويتخلص من أى والء لسCCواها من المبCCادىء واألشCCخاص ،ولو كCCان أعز أقربائه {:قد
كCCان لكم أسCCوة حسCCنة فى إبCCراهيم و الCCذين معه إذ قCCالوا لقCCومهم إنا برءآؤ منكم ومما تعبCCدون من دون اهلل كفرنا بكم وبCCدا
بيننا وبينكم CالعCCداوة والبغضCCاء CأبCCداً حCCتى تؤمنCCوا باهلل وحCCده }[ الممتحنة ] 4هCCذا التجرد لCCدعوة اهلل أمر الزم وضCCرورىC
لضCCCمان اسCCCتمرارية العمل و العCCCاملين دون تعCCCرض للتسCCCيب واإلنفCCCراط ولتف CCادى إزدواجية ال CCوالء وما يCCCترتب عليه من
أضرار. C
-10أن يجعل شعاره أصلح نفسك وادع غيرك :فيعمل على الرقى بمستواه دائماً ففى ذلك قCCرب من اهلل وعCCون له
على مواص CCلة الس CCير وتخطى العقب CCات و التح CCرز من المنعطف CCات ،وليح CCرص على ال CCتزود Cعلى الطريق ب CCزاد التق CCوى ،
وعليه أن يكCون حريصCاً Cعلى وقته منظمCاً فى شCئونه نافعCاً لغCيره قCادراً على الكسب مجاهCداً لنفسه ،حCذراً من فتنة المCال
و الولد و الزوجة وغCC C C Cير ذلك من زخCC C C Cرف الحيCC C C Cاة الCC C C Cدنيا .كما أن عليه أن يهتم ببيته وأهله ،فيحسن اختيCC C C Cار الزوجة
ويحسن معاملتها وتوقيفها على حقوقها Cوواجباتها Cوعلى تعCC C C Cاليم اإلسCC C C Cالم وآدابه فى كل جCC C C Cوانب الحيCC C C Cاة المنزلية وزيها
اإلسCCالمى و الحالل و الحCCرام فى المطعم و المشCCرب و الملبس ،وأن يعيشCCوا CمعCCانى الCCدعوة واالهتمCCام بتربية األوالد و
الخدم .وعليه أن يحرص على دعوة الغير ليزداد صف العاملين الصادقين .
-11أن يملأ قلبه باألمل أن المس ــتقبل لإلس ــالم :وأن هCC Cذا الليل الطويل من الظلم و الظالم البد له من نهاية ومن
إشراق يبدد ظالمه ويصاحبه نصر اهلل وإ زهاق الباطل و التمكين لCCدين اهلل فى األرض .وأال يسCCتجيب ألى إحبCCاط نفسى
إزاء هزيمة فى معركة مع األعCC C C Cداء لما لCC C C Cذلك من انعكاسCC C C Cات ض CC C Cارة بالصف وبالعمل اإلسCC C C Cالمى ،ولنعلم أن الهزيمة
الحقيقية هى هزيمة القلCC Cوب بCC Cأن يصCC Cيبها وهن أو ضCC Cعف يCC Cؤدى الى االسCC Cتكانة وفى Cمثل هCC Cذه المواقف Cنجد اهلل سCC Cبحانه
وتعCCالى Cيوجه المسCCلمين فيقCCول {:وال تهنCCوا وال تحزنCCوا Cوأنتم األعلCCون إن كنتم مؤمCCنين } [ آل عمCCران ] 139إلى آخر
اآليCCات و الCCتى يCCأتى بعCCدها هCCذا المثل {:وكCCأين من نCCبى قاتل معه ربيCCون كثCCير فما وهنCCوا لما أصCCابهم فى سCCبيل اهلل وما
ضعفوا وما استكانوا Cواهلل يحب الصCابرين } [ آل عمCCران ، C] 146وكCCذلك ال يCداخلنا زهو أو غCرور عنCCدما يحقق اهلل
لنا نصراً على األعداء .
157
ولعله من المفيد بعد استعراض هذه األمور السابقة التى يجب على األفراد فى الجماعة التحلى بها والتزامها أن
نذكر بعض عبارات موجهة إالى الشباب من اإلمام البنا رضى اهلل عنه إذ يقول " :أيها الشباب :إنما تنجح الفكرة إذا
قوى Cاإليمان بها ،وتوفر اإلخالص فى سبيلها ،وازدادت الحماسة لها ،ووجد االستعداد Cالذى يحمل على التضحية و
العمل لتحقيقها ،وتكاد تكون هذه األركان األربعة :اإليمان واإلخالص و الحماس و العمل من خصائص الشباب ،ألن
أساس اإليمان القلب الذكى ،وأساس اإلخالص الفؤاد النقى ،وأساس الحماس الشعور القوى ،وأساس العمل العزم
الفتى ،وهذه كلها ال تكون إال للشباب ،ومن هنا كان الشباب قديماً Cوحديثاً Cفى كل أمة عماد نهضتها ،وفى كل نهضة
سر قوتها ، Cوفى Cكل فكرة حامل رايتها {:إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى } [ .من كتاب بين القيادة والجندية على
طريق Cالدعوة أ /مصطفى مشهور] C
158
ال يمكن للمسلم أن يعمل ،ويتحرك ،ويخالف هواه من غير قناعة بأنه يحمل منهجا هو الحق كله ،الحق الذي
قامت عليه السموات واألرض .قال تعالي " فال تك فى مريه منه إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس ال يؤمنون "
وقال جل شأنه " فتوكل على اهلل إنك على الحق المبين " .
إن اقتناع المسلم الى درجة اليقين الجازم ،الذي ال أرجحة فيه وال تردد بأن دينه هو الدين الوحيد الذي يتقبله اهلل
من الناس بعد رسالة محمد عليه الصالة والسالم Cوبأن منهجه الذي كلفه اهلل أن يقيم الحياة عليه ،منهج متفرد ،ال نظير
له بين سائر المناهج ،وال يمكن االستغناء عنه بمنهج آخر ،وال يمكن أن يقوم مقامه منهج آخر وال تصلح الحياة
البشرية وال تستقيم إال أن تقوم على هذا المنهج وحده دون سواه .
إن اقتناع المسلم الى درجة اليقين الجازم بهذا كله هو – وحده – الذي يدفعه لالضطالع Cبعبء النهوض لتحقيق
منهج اهلل الذي رضيه للناس ،فى وجه العقبات الشاقة ،والتكاليف المضنية ،والمقاومة العنيدة ،والكيد الناصب ،
واأللم الذي يكاد يجاوز الطاقة فى كثير من األحيان .
ب ) الثقة في القيادة " :وعلى الفرد المسلم أن يثق بقيادته ثقة كبيرة ال حدود لها " ثقة تبعث االطمئنان الذي ينتج
الحب والتقدير Cواالحترام Cوالطاعة فالقائد جزء من الدعوة وال دعوة بغير قيادة وعلى قدر الثقة المتبادلة بين القائد
والجنود Cتكون قوة نظام الجماعة وأحكام Cخططها ونجاحها Cفى الوصول الى غايتها وتغلبها Cعلى ما يعترضها من عقبات
وصعاب .فالثقة بالقيادة أمر مهم فى نجاح الدعوات ،وإ ذا خالطه شئ فى نفسه فليسارع فى إزالته بالتبيين واللقاء
والمصارحة ،وأال يسمح لنفسه أن تتأثر بالشائعات المغرضة والتشكيك الذي يثيره األعداء فى صورة نصائح بغرض
بث الفرقة وتوهين العزائم والنيل من وحدة الجماعة
159
وعبر الرسول عن ذلك :من أطاعني فقد أطاع اهلل ومن عصاني فقد عصي اهلل .ومن يطع األمير فقد أطاعني ومن
يعصي األمير فقد عصاني " متفق عليه
وعلى األخ المسلم أن يعد نفسه المتثال وطاعة " القيادة " كائنا من كان القائد طالما أن قيادته شرعية ...وليس من
خصائص الطاعة فى اإلسالم أن تكون لشخص دون شخص .كما ينبغي أال تخضع لألهواء واألذواق الشخصية .
ويكفي داللة على هذا قول الرسول صلي اهلل عليه وسلم " اسمعوا Cوأطيعوا Cوإ ن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه
زبيبة " وهذا خالد بن الوليد رضي اهلل عنه عندما جاءه كتاب عزله من قيادة الجيش وتولية أبي عبيدة بن الجراح مكانه
امتثل األمر .
وعلى الفرد المسلم أن يعود نفسه ويخضعها Cلطاعة وامتثال أمر القيادة وأن ال يدع مجاال للشيطان ووسوسات الكبر
فى نفسه .فالنفوس العاتية يتعسر Cقيادها ويصعب مقادها ...والكبر مرض عضال يقصم الظهور ..وباب الى النفس
" يدخل منها الشيطان ..والطاعة والتواضع يأباها المتكبرون وتشق Cعلى نفوس المكابرين
مشكالت الدعوة والداعية أ /فتحى يكن "
التقويم
س -1أكمل العبارات اآلتية بما يناسب :
* -االنتماء لالسالم ليس مجرد انتماء بـ .........
* -فى ظل حال األمة المتردى العمل لإلسالم من خالل جماعة ليس أمرا ..........لمن شاء .
* -ال خالص من حال المسلمين المتردى Cاال بالعودة الى .........و. ..........
* -إقامة دولة اإلسالم أمل ال يمكن تحقيقه إال بعمل ........منظم. C
* -إقامة دولة االسالم أصبح ........على كل مسلم ومسلمة
* -اختيار الجماعة التى أعمل معها هلل أمر البد أن يتم بعد دراسة و بدون . .........
* -ما ال يتم الواجب إال به فهو ........
* -العمل فى جماعة و االلتزام معها هو فى حقيقته تعهد و بيعة مع ..........يلزم ........بها
* -الزم شىء لصاحب الدعوة على طريق دعوته دوام .........اهلل و تذكر ........
س -2حدد التزامات الفرد الذى يريد العمل الجماعى ؟
س -3اشرح هذه العبارة " الواجب على الفرد الذى يعمل فى الجماعة أن يطوع Cحياته كلها لصالح دعوته " ؟
س -4قال صلى اهلل عليه و سلم " من أطاعني فقد أطاع اهلل " .....................................أكمل ؟
س " -5المحن و االبتالءات هى ............في الدعوات " أكمل ؟
س -6من يعمل فى جماعة شعاره " أصلح ..........و ادع " ............أكمل ؟
س -7يقول االمام الشهيد حسن البنا " أيها الشباب :إنما تنجح الفكرة إذا قوى ....... Cبها و توفر .................
و ازدادت ...............و وجد االستعداد الذي " ................................أكمل ؟
س -8ما هى آداب العمل الجماعى مع تأييد هذه اآلداب بما جاء فى الكتاب و السنة ؟
س -9من قائل هذه العبارة و متى قالها " و اهلل لو أمر على أمير المؤمنين امرأة لسمعت و أطعت "
160
س -10وضح السبل و اآلداب التى على صاحب الدعوة سلكها تجاه قائده حتى تثمر بينها ثقة ينتج عنها حب و تقدير
؟
قوم Cإلى أى مدى تلتزم بآداب العمل الجماعي .
س ِّ -11
يقوم من خاللها الدارس مدى التزامه بآداب العمل الجماعي :
استبانة ِّ
متوسط ضعيف جيد ممتاز المظاهر م
يخضع أموره الخاصة لمصلحة دعوته . 1
أال يوالى هيئة أو شخص أو فكرة تعادى االسالم و الجماعة . 2
عالقته بإخوانه أساسها الحب و سالمة الصدر . 3
يتجنب أحداث المشاكل و يؤثر Cالعفو و كظم الغيظ . 4
يقبل النصيحة و التوجيه و ينزل عليها دون تبرم أو ضيق . 5
يراعي أمانات المجالس فال يحدث بكل ما يسمع . 6
يطيع قائده و يمتثل ألمره في المعروف . 7
الهدف المرحلى الخامس :أن يوضح الدارس المواصفات التي يجب توافرها في الجماعة .
األهداف اإلجرائية السلوكية :
-1أن يوضح الدارس أهم الخصائص التى يلزم توافرها Cفى الجماعة المسلمة القدوة .
-2أن يختار الدارس الجماعة التى ينبغى عليه العمل معها ( .حلقة نقاشية )
161
-2هدفها التمكين لدين اهلل :أن يكون الهدف الذي قامت من أجله هو ذلك الهدف الكلي الجامع وهو التمكين لدين
اهلل فى األرض بإقامة اإلسالم فى حياة الناس ،وأن يكون فى منهاجها القيام بسائر ما يحتاج إليه ذلك الهدف
من خطوات وإ عداد .فال يصح أن تحصر Cنفسها فى جزئيات محدودة من أمور الدين وتمنع أفرادها Cمن
تجاوزها. C
-3الشموليه فى فهم اإلسالم :ومن ألزم األمور للجماعة اإلسالمية القدوة أن يكون فهمها لإلسالم فهما شامال
سليما بعيدا عن أي اجتزاء أو خطأ ،ونقيا من أي شوائب أو بدع وخرافات .ولكن يكون مطابقا لكتاب اهلل
وسنة رسوله صلي اهلل عليه وسلم متجنبا الخالفات التى مزقت المسلمين إلى فرق Cوطوائف. C
-4العالمية :أن تكون عالمية ال إقليمية وال عنصرية ،ألن دعوة اإلسالم موجهة إلى الناس كافة ،والمسلمون
جميعا أمة واحدة ثم إن الهدف عالمي وليس إقليميا وهو إقامة دولة اإلسالم العالمية ال مجرد إقامة حكومة
إسالمية فى قطر ما منعزلة عن سائر أقطار Cالعالم اإلسالمي ،وال أقل من أن تكون الجماعة اإلسالمية المحلية
تهدف إلى الهدف العالمي نفسه وتنسق مع التحرك اإلسالمي العالمي لتحقيق ذلك الهدف .
-5إت َِّباع منهج الرسول فى إقامة الدولة :وعلى الجماعة اإلسالمية القدوة أن تسلك طريق Cرسول اهلل صلي اهلل
عليه وسلم الذي انتهجه عند إقامة الدولة اإلسالمية األولي ويتمثل فى :
أ -إرساء عقيدة التوحيد Cوتقوية اإليمان فى القلوب .
ب -االهتمام بقوة األخوة والوحدة بين المسلمين .
ج – أن تهتم بتربية أفرادها Cعقديا وأخالقيا وثقافيا Cوبدنيا ليمثلوا الركائز Cالقوية التى يقوم عليها البناء ،وأن تزكي
روح الحب واألخوة بينهم فتكون بهم القاعدة الصلبة المتماسكة ،ثم تعدهم للجهاد الفريضة الماضية .
-6إيثار الناحية العملية على الدعاية والمظاهر :وأن تعود أفرادها Cالعمل واإلنتاج فى دأب وصمت ،بعيدا عن
الجدال وكثرة النقاش ،فكثيرا Cما يؤدي Cذلك إلى الخالف أو تعطيل العمل واإلنتاج فى حقل الدعوة .كما أن
حب الدعاية والظهور Cقد يشوب اإلخالص ويحبط األجر والثواب .
-7العمل حسب خطة عمل كاملة متدرجة وواقعية :وأال يكون عملها ارتجاليا ،أو ردود Cأفعال ،أو على صورة
قفزات غير مدروسة وال مأمونة العواقب .وخير طريق Cيوصل إلى الهدف هو إعداد الفرد المسلم اللبنة
األساسية فى البناء ،فهو الذي يقيم البيت المسلم القدوة المؤسس على التقوى كدعامة فى بناء المجتمع المسلم
السليم الذي يكون بمثابة القاعدة الصلبة التى ِّ
تمكن لدين اهلل فى األرض .كما يجب أن يشمل اهتمامها سائر
مجاالت العمل المطلوب لتحقيق األهداف ،فتعني Cبالجوانب الروحية والتربوية والثقافية والرياضية البدنية ،
وتهتم Cبالجانب االجتماعي بتحقيق التكامل وتيسير Cالزواج للشباب ،وبالجانب االقتصادية بإنشاء المؤسساتC
االقتصادية ،وبالجانب السياسي Cبإعالن صوت اإلسالم فى المجاالت السياسية والنيابية بعيدا عن أسلوب
األحزاب ومهاتراتها ، Cوبالجانب اإلعالمي المقروء والمسموع والمرئي ، Cوبإنشاء Cدور النشر وتقديم كل حديث
نافع يساعد على نشر الدعوة ورد الشبهات واألباطيل. C
-8وعليها أن تفكر فى مراحل العمل القادمة وتعد أفرادها لما ينتظرها من مهام ومسئوليات سواء فى مجال الدعوة
والتربية ،أم فى مجال الجهاد فى سبيل اهلل ،أم فى مجال الحكم ،وضرورة إعداد الكفاءات المتخصصة فى
كل مجال .
162
-9وعليها أن تستفيد من كل إنتاج فكري أو تجريبي على الساحة العالمية طالما أنه ال يتعارض مع اإلسالم
وتعاليمه .فالحكمة ضالة المؤمن أني وجدها فهو أحق بها .
النظام :على الجماعة اإلسالمية القدوة أن يكون لها نظامها Cاألساسي ولوائحها Cالتى تنظم عملها وتحددC -10
أهدافها ووسائلها وتحدد Cأسلوب العمل ومجاالته ،وتحاسب أفرادها Cوتضبط Cتصرفاتهم ،وتحمي صفوفها Cمن
التسيب ومن أن تخترقها Cعناصر مشبوهة وعليها أيضا أن تقوم عملها بين الحين والحين لتفيد من اإليجابيات
وتتفادي Cالسلبيات .
الشورى :وعليها أن تحقق الشورى Cفى مؤسساتها Cوعلى كل مستوياتها ،وأن تشجع أفرادها Cعلى -11
المبادرات وتقديم اآلراء واالقتراحات Cوالنصح للمسؤولين ،وكذا النقد البناء .مع ترسيخ معاني الطاعة فى
غير معصية وااللتزام بما ينتهي إليه من آراء .وأن يربي األفراد Cعلى اإليجابية وقوة الشخصية .
االعتدال :وعليها أن تسلك سبيل االعتدال متجنبة الغلو أو التفريط سواء فى األفكار كفكر التكفير أو -12
غيره ،أو فى الحركة كأسلوب األعمال الفجة المتهورة .وعليها أن تتجنب الترخيص أو التفريط فى أمور
العقيدة أو العبادات أو الفرائض عموما ،كذلك عدم الغلو أو التشدد فى التكاليف بما يشق على الكثير .
أن تلتحم مع جماهير المسلمين ،وأن تعيش قضاياهم ،وأن تشاركهم آالمهم وآمالهم :فهم حقل -13
الدعوة وهم القاعدة المطلوب إعدادها .ولعله من المعلوم أن أعداء اإلسالم وأعوانهم يسعون دائما إلى إقامة
الحواجز Cالوهمية بين الجماعات اإلسالمية والشعوب اإلسالمية بإلصاق التهم الزائفة بالحركات اإلسالمية
وتصويرها Cعلى أنها خطر على الشعوب ،فالتحام الجماعات اإلسالمية بالشعوب يبطل هذه االتهامات ويظهرC
زيفها .
االهتمام بقضايا المسلمين :وعليها أن تتابع القضايا اإلسالمية على الساحة وأن تسهم فيها بقدر -14
استطاعتها ،وأن تدعو المسلمين جميعا إلى اإلسهام فيها تزكية لروح الوحدة بين المسلمين ،والشعور
بالمسؤولية العامة عن كل شبر من أرض اإلسالم وتحريره من أيدي المغتصبين وعلى رأس ذلك المسجد
األقصى ، Cوعن كل روح مسلمة تزهق على أيدي األعداء فى أي بقعة من العالم .
أال تتعالى على غيرها من الجماعات اإلسالمية األخرى :وأال تعتبر نفسها جماعة المسلمين ،أو أنها -15
وحدها على الحق وغيرها على الباطل ،ولكن تسعي جاهدة إلى تحقيق روح الوحدة والتعاون مع غيرها من
الجماعات ،وأن تتجنب تجريح الهيئات أو األفراد وإ ن تعرضت إلى إساءات من أفراد أو جماعات أخري
فعليها أن تصبر وتقابل ذلك بالتي هي أحسن .وكلنا أمل فى أن يأتي اليوم الذي تزول فيه األسماء واأللقاب
والفوارق Cالشكلية بين الجماعات اإلسالمية وتحل محلها وحدة عملية تجمع صفوف الكتيبة المحمدية ويصيرC
الجميع إخوانا متحابين ،للدين عاملين ،وفى سبيل اهلل مجاهدين .
اليقظة لألعداء :وعلى الجماعة اإلسالمية القدوة أن تكون يقظة لما يحيكه األعداء من كيد أو -16
استدراج ،وأن تهيئ أفرادها لتحمل المشاق على طريق الدعوة ،إذ أنه ليس مفروشا بالورود ولكنه ملئ
باألشواك Cوالعقبات والجهد والجهاد Cوالعرق والدماء ،ويحتاج إلى الصبر والمصابرة واالحتساب ،مع معرفة
أن المحن سنة الدعوات ،وأن النصر سيكون فى النهاية ألهل الحق مهما انتفش الباطل واستعلي بعض الوقت "
كذلك يضرب اهلل الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث فى األرض كذلك يضرب اهلل
األمثال " .
163
تعتمد أسلوب التربية :وذلك بتربية األفراد والعمل على إيجاد الشخصية المسلمة الجامعة لكل خصال -17
الخير ،المتأبية على كل خصال الشر ،المستأهلة لعون اهلل وتأييده ونصره ".واعبد ربك حتى يأتيك اليقين "
الحجر . 99وعلى الجماعة أن توضح ألفرادها Cمدي الخير العظيم الذي سيقدمونه للمسلمين وللبشرية
واألجيال التالية من البشرية بتمكينهم لهذا الدين الحق ،وكذا مدي الثواب العظيم من اهلل ،فال شك أن هذه
المعاني من شأنها أن تدفع األفراد إلى التحمل والثبات ومواصلة السير .
تعرف أفرادها أنهم ستار لقدر اهلل ،وأن األمور كلها تتم بإرادة اهلل وقدرته :وأن مهمتهم األخذ
أن ِّ -18
باألسباب والوسائل Cالمشروعة أما النتائج فهي بيد اهلل ،وأنهم لن يحرموا Cأجر العاملين ولو لم تتحقق النتائج
على أيديهم ،وليعلموا أن الزمن فى مجال مهمتنا هذه الكبيرة يقاس بعمر الدعوات واألمم وليس بعمر األفراد. C
وأنه حينما تتحقق أسباب النصر سيتنزل النصر على عباد اهلل المؤمنين ألن وعد اهلل حق " وكان حقا علينا
نصر المؤمنين " كما أن وعده للمؤمنين بالتمكين سيتحقق أيضا بإذنه تعالي إذا ساروا Cعلى الطريق الصحيح
طريق Cرسول اهلل صلي اهلل عليه وسلم " وعد اهلل الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم Cفى األرض
كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضي لهم وليبدلنهم Cمن بعد خوفهم Cأمنا يعبدونني ال
يشركون بي شيئا " [ النور ] 55فإلى العمل وإ لى النصر إن شاء اهلل .
[ من كتاب القدوة على طريق الدعوة ( بتصرف ) -أ/
مصطفى مشهور] C
تعتمد سياسة النفس الطويل والتدرج فى الخطوات : -19
إن ضخامة العبء ونقل التبعات الملقاة على عائق العاملين فى الحق اإلسالمي يؤكدان أن الطريق Cطويل
والعمل شاق والجهاد Cمرير وإ ن السائرين على هذا الدرب يجب أن يهيئوا أنفسهم لمواجهة كل عنت ومشقة
ولكل بذل ونصيحة " ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم ال يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن
الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين " العنكبوت 322
وسئل الشافعي Cرضي اهلل عنه :أيهما أفضل للرجل :إن يمكن له أو يبتلي ،فقال " ال يم ّكن له حتى يبتلي "
إن على المنتمين للحركة اإلسالمية أن يعتمدوا سياسة النفس الطوية .فتكون الدعوة إلى اهلل على بصيرة بقصد
مرضاته ،فال يتعسفوا الطريق وال يستعجلوا الثمرة قبل نضوجها .وهذا لن يتم إال إذا فهموا أن الحكمـ اإلسالمي
وسيلة لغاية أسمي فإن تحقق على أيديهم حمدوا اهلل وإ ن لم يتحقق فال يأس وال قنوط وال تراجع وال خوف وبهذا
إن أهداف العمل اإلسالمي ضخمة يكونون قد أدوا األمانات وقاموا بواجب الدعوة وما النصر إال من عند اهلل .
وكبيرة وإ ن التدرج فى الخطوات وإ عطاء كل خطوة حقها من شأنه أن يصل بالحركة إلى ما تبتغي ونريد .
[ من كتاب ماذا يعني انتمائي لإلسالم بتصرف ]
ب -أن يختار الدارس الجماعة التى ينبغى عليه العمل معها ( .حلقة نقاشية )
بعد أن تناولنا Cأهم األمور Cاألساسية التى يلزم توافرها Cفى الجماعة المسلمة القدوة وأهم خصائصها ينبغى على
الدارس أن يدقق Cفى اختيار مع من يعمل من الجماعات المسلمة العاملة على الساحة والتى تتوافر فيها هذه األمورC
والخصائص ، Cمستعيناً Cباهلل أن يرزقه التوفيق والسداد Cفى هذا االختيار. C
164
[ تجرى حلقات نقاشية وورش عمل حول :الجماعات العاملة على الساحة ( أهدافها وخصائصها Cووسائلها ) Cومقارنة
ذلك بالجماعة المسلمة القدوة ،وذلك مما يساعد الفرد على االختيار الدقيق. ] C
التقويم
س -1اذكر الخصائص الواجب توافرها فى الجماعة القدوة ؟
س -2وضح أهم خصائص الجماعة المسلمة القدوة ؟
س -3على الجماعة االسالمية القدوة ان تسلك طريق رسول اهلل صلى اهلل عليه و سلم الذى انتهجه عند اقامة الدولة
االسالمية االولى و يتمثل فى :
أ -االهتمام بقوة ..........أكمل ؟
ب -االهتمام بقوة ...........أكمل ؟
ت -االهتمام بقوة ...........أكمل ؟
س -4على الجماعة االسالمية القدوة أال تعتبر نفسها جماعة ............أكمل ؟
س -5وضح أثر التحام الجماعة االسالمية مع جماهير المسلمين فى قضاياهم ؟
س -6سئل االمام الشافعى Cرضى اهلل عنه :ايهما افضل للرجل :ان يمكن له أو يبتلى فقال ..............أكمل ؟
س " -7الحكمة ضالة المؤمن انى وجدها فهو أحق بها " بين كيف تكون هذه المقولة من خصائص الجماعة القدوة
س -8حدد أى من العبارات االتية يمكن اعتبارها تتفق مع خصائص الجماعة القدوة و أيها ال تتفق مع هذه
الخصائص ؟
أ -أن تستفيد من كل انتاج فكرى Cوعلمى على الساحة العالمية .
ب -أن تعود افرادها على العمل و االنتاج فى صمت و داب .
ج -أن تقبل التبرعات الن المال نافع لنشر الدعوة .
د -أن تعمل وفق خطة كاملة .
هـ -أن ترد على االساءة حتى ال يطمع فيها احد .
ح -أن تسعى جاهدة لتحقيق روح الوحدة و التعاون .
خ -أن تبتعد عن مجاالت السياسة و الفن النتشار الفساد فيهم بشدة .
د -أن يكون عملها فى صورة قفزات سريعة الى االمام .
ذ -أن تعمل فى كل المجاالت .
و -أال تتعامل مع غيرها من الجماعات حرصا Cعلى ابناءها .
س -9أكمل ما ياتى ،من خطوات عمل الجماعة القدوة :اعداد الفرد .....ثم .....ثم .....ثم .......ثم .....
س -10من واقع معايشتك Cإلخوانك كيف ترى هذه األمور فى واقعهم: C
أ -ايثارهم Cالنواحى العملية .
ب -التحامهم مع جماهير المسلمين .
ج -تجنبهم الترخص و التشدد .
د -أخذهم االسالم بشموله .
هـ -اهتمامهم باالخوة و الترابط فيما بينهم .
165
س -11حدد درجة موافقتك على كل خاصية من خصائص الجماعة المسلمة القدوة ( موافق بشدة – موافق –
متردد – Cغير موافق – Cغير موافق Cبشدة ) وفى حالة عدم الموافقة على خاصية معينة ّبين أسباب ذلك .وهل تقترح
خصائص أخرى تراها الزمة فى الجماعة المسلمة القدوة – أذكرها
غير موافق متردد موافق موافق بشدة خصائص الجماعة القدوة م
القصد من قيامها ربانيا. C 1
البعد عن هيمنة الحكام و السياسيين . 2
تمكن لدين اهلل بإقامة الدولة االسالمية العالمية 3
دعوة عالمية ال إقليمية و ال عنصرية . 4
تؤثر Cالناحية العملية على الدعاية و المظاهر . 5
تأخذ االسالم بشموله دون اجتزاء . 6
تتجنب تجريح الهيئات و الشخصيات . 7
تسلك سبيل االعتدال دون غلو أو تفريط . 8
تعتمد الشورى Cو تأخذ بها و تشجع عليها . 9
10تعتمد أسلوب التربية بتكوين المسلم الصالح .
11العمل حسب خطة عمل كاملة متدرجة وواقعية
12تهتم بقضايا المسلمين
13ال تتعالى على غيرها من الجماعات اإلسالمية
14تتبع منهج الرسول فى إقامة الدولة
15تعتمد سياسة النفس الطويل وتدرج الخطوات
استكمل بقية الخصائص المذكورة داخل المحتوىC
س -12اختر الجماعة التى ينبغى عليك العمل معها .موضحاً Cعلى أى أساس تم هذا االختيار .
الهدف المرحلى السادس :أن يبدي استعدادا و رغبة أكيدة للعمل معها .
األهداف اإلجرائية السلوكية :
-1أن يوضح الدارس على أى أساس يكون االنتماء للجماعة .
-2أن يوضح الدارس ماذا يعنى انتماؤه للجماعة .
أن االنتماء للحركة اإلسالمية ال يكون بتقديم طلب انتساب وتسجيل اسم فحسب ..وال يكون بالتردد الى
منتديات الحركة ومراكزها Cوحضور Cاجتماعاتها فقط ..إنما ينبغي أن يكون لهذا االنتماء أبعاد تتجاوز الحدود الشكلية
واالعتبارات المظهرية ..أبعاد تؤكد العمق العقدي وقوة االرتباط Cالفكري والتنظيمي ..
وأول األبعاد التي يجب أن ندركها Cفى انتمائنا للحركة اإلسالمية هو البعد العقدي ،ذلك أن الحركة ترفض
(االنتماء الشخصي ) المعهود Cفى التكتالت الزعامية ،والذي يعتبر جرثومة فنائها واندثارها :
فاالنتماء Cللجماعة هو أوالً انتماء لهذا الدين ،وهو بالتالي امتثال ألمر اهلل وطمع فى رحمته ورضاه ..وهذا ما
يجعل االنتماء فى منأى عن التأثر بموت األشخاص أو زوالهم أو غيابهم عن مسرح الدعوة لسبب أو ألخر ألنه يجعل
166
ارتباط Cاألفراد باهلل واجتماعهم عليه سبحانه وتعالي ، Cوهذا فى الواقع هو سر خلود هذه الدعوة وبقائها واستمرارهاC
{ من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد اهلل فإن اهلل حي ال يموت } ( إن الذين يبايعونك Cإنما يبايعون اهلل
يد اهلل فوق Cأيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ،ومن أوفي بما عاهد عليه اهلل فسيؤتيه أجرا عظيما ) [ الفتح . ] 10
والجماعة ترفض كذلك ( االنتماء العفوي أو العاطفي ) لأن اإلسالم منهج حياة يقوم على مفاهيم محددة عن
الكون واإلنسان والحياة ..وألن العمل لإلسالم يهدف الى تحقيق هذا المنهج فى المجتمع ،تحقيقه بوعي وعمق
وموضوعية .ولذلك يكون الوعي العقائدي والحركي وااللتزام Cالعملي من األبعاد التي تشترط لهذا االنتماء ..بل إن
الثبات على الدعوة وعملها والبقاء فى المسيرة اإلسالمية وتحقيق اإلنتاج فيها يفرضان توفر الفهم الصحيح والوعي
السليم ألبعاد االنتماء .وأكثر الذين يتساقطون على الطريق ، Cأو يتركون المسيرة بسرعة هم ممن ساروا بعفوية
واندفعوا بعاطفية – تحت ظرف من الظروف – ولم يدركوا Cأبعاد الطريق ؟
والجماعة ترفض – كذلك – االنتماء المصلحي ،أي االنتماء الذي يتوسل به الناس لتحقيق بعض أغراضهمC
ومصالحهم الشخصية ،ويتذرعون به للوصول الى مآرب خاصة مادية أو اجتماعية ؟
إن االنتماء للجماعة يعنى :تجنيد طاقة الفرد لخدمة الجماعة ..يعنى إخضاع مصالحه لمصلحة اإلسالم وليس
العكس ..وهذا ما يربط العمل بالنية ،واالنتماء إطار العمل فال بد وأن يزكو Cويصفو ويطهر ( Cإنما األعمال بالنيات ،
وإ نما لكل امرئ ما نوى ،فمن كانت هجرته الى اهلل ورسوله فهجرته الى اهلل ورسوله ،ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها
أو امرأة ينكحها فهجرته الى ما هاجر إليه ) رواه البخاري ومسلمC
والبعد اآلخر الذي ينبغي أن يتحقق فى االنتماء للجماعة هو البعد المصيري :أي أن يكون انتماء مصير ..
بمعني أن يرتبط مصير Cالمنتمي بمصير الجماعة كائنا ما كانت الظروف.. C
فال يكون انتماء مرحلة ينتهي بانتهائها Cأو انتماء ظرف ينتهي بزواله ؟
انتماء فى مرحلة الشباب ( والعزوبة ) وإدباراً فى مرحلة الرجولة ( والزواج ) ؟
ً ال يكون
انتماء فى حالة الفقر والعسر Cوهروباً Cفى حالة الغني واليسر ؟
ً ال يكون
انتماء مؤبداً ال إنفكاك فيه أو نكوث عنه أو هروب منه حتى يلقي المنتمي
ً إنما يجب أن يكون االنتماء للجماعة
ربه وهو على ذلك ..وهذا ما كان عليه أسالفنا Cالصالحون ،بل هذا ما أكدته كثير من آيات اهلل البينات منها قوله تعالي
( ومن الناس من يقول آمنا باهلل فإذا أوذي فى اهلل جعل فتنة الناس كعذاب اهلل ،ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا
معكم أو ليس اهلل بأعلم بما فى صدور Cالعالمين ،وليعلمن اهلل الذين آمنوا وليعلمن المنافقين ) [ العنكبوت ] 11- 10
وقوله ( ومن الناس من يعبد اهلل على حرف ،فإن أصابه خير اطمأن به ،وإ ن أصابته فتنة انقلب على وجهه ،خسر
الدنيا واآلخرة ذلك هو الخسران المبين ) [ الحج ] 11وقوله ( وكأي Cمن نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما
أصابهم Cفى سبيل اهلل وما ضعفوا وما استكانوا واهلل يحب الصابرين ،وما كان قولهم إال أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبناC
وإ سرفنا فى أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ،فآتاهم Cاهلل ثواب الدنيا وحسن ثواب اآلخرة ،واهلل يحب
المحسنين ) [ آل عمران ..] 148 – 146
التقويم
س -1قال أبو بكر الصديق عند وفاة النبى صلى اهلل عليه و سلم " من كان يعبد محمدا " .................أكمل ؟
س " -2من صور Cاالنتماء المرفوضة للحركة االسالمية االنتماء الشخصى Cو االنتماء المصلحى " وضح هذه
االنتماءات ؟
167
س -3هل توافق على هذه الصور Cمن االنتماءات مع ذكر االسباب ؟
أ -االنتماء بقوة العاطفة و المشاعر الجياشة .
ب -االنتماء فى مرحلة الشباب فقط النها مرحلة العطاء و القوة .
س -4وضح على أى أساس يكون االنتماء الصحيح للحركة االسالمية ؟
س -5ما هى أضرار االنتماء الخاطىء للحركة االسالمية ؟
س -6اكمل قول اهلل تعالى ( أن الذين يبايعونك Cإنما ) .......................................آخر اآلية ؟
س -7االنتماء للحركة االسالمية هو انتماء مصيرى ، Cدلل على ذلك بصور من حياة الصحابة و السلف الصالح ؟
س -8أكمل قول اهلل تعالى ( و كأى من نبى قاتل معه ) .....................................آخر االية ؟
س " -9إن سر خلود هذه الدعوة و بقائها و استمرارها هو ارتباط االفراد Cباهلل " هل توافق على هذه العبارة و لماذا ؟
س " -10إن االنتماء للحركة االسالمية له ابعاد تتجاوز الحدود الشكلية و االعتبارات المظهرية " وضح إلى اى مدى
ينطبق Cانتماء على هذه المقولة ؟
س -11ما المظاهر التى تؤكد استعداد الفرد ورغبته األكيدة للعمل فى جماعة .
س -12وضح ماذا يعنى انتماؤك Cللجماعة ( للعمل الجماعي ) .
س -13ما هي السلوكيات التى تؤكد استعدادك ورغبتك للعمل فى الجماعة .
العمل مع الجماعة أمانة ومسئولية عظيمة لذا يجب أن يكون االنتماء للجماعة عن عقيدة راسخة وإ يمان ال يتزعزع
،وانتفاء أو ضعف أي مظهر من المظاهر السابقة يعني وجود Cخلل لديك في مدى حرصك Cعلى االنتماء للعمل
الجماعي ،فاحرص على عالجه واحرص على أن تتحلى بهذه المظاهر دائماً .
168
المصادر
د /السيد نوح . -1توجيهات نبوية على الطريقC
د /السيد نوح . -2شخصية المسلم بين الفردية والجماعية
أ /فتحي Cيكن . -3ماذا يعنى انتمائى لإلسالم
أ /فتحي Cيكن -4أبجديات التصور الحركي
أ /فتحي Cيكن -5مشكالت الدعوة والداعية
أ /صادق Cأمين -6الدعوة اإلسالمية فريضة شرعية وضرورة بشرية
أ /مصطفى Cمشهور -7بين القيادة والجندية على طريق الدعوة
أ /مصطفى Cمشهور -8القدوة على طريق الدعوة
الفصل الثامن
الهدف العام :أن يقدر على مواجهة منعطفات الطريق و يحسن التصرف حيالها
169
-1أهم معالم طريق Cالدعوة :
طريق Cالدعوة :طريق واحدة ..سار عليها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وصحابته من قبل ،وسار الدعاة
ونسير عليها بتوفيق اهلل من بعد :إيمان وعمل ومحبة وإ خاء ،دعاهم إلى اإليمان والعمل ثم جمع قلوبهم على
المحبة واإلخاء ..فاجتمعت قوة العقيدة إلى قوة الوحدة وصارت جماعتهم هى الجماعة النموذجية التى البد أن
تظهر كلمتها وتنتصر دعوتها وإ ن ناوأها أهل األرض جميعاً .
يدوي فى قلوب هؤالء المؤمنين ويتردد على
وليست الدعوة إلى اهلل فى هذه األيام إال صدي للدعوة األولي ّ
ألسنتهم ويحاولون أن يقذفوا به إيمانا فى قلوب األمة المسلمة ليظهر عمال فى تصرفاتها ولتجتمع قلوبها عليه ،فإذا
فعلوا ذلك أيدهم اهلل ونصرهم وهداهم سواء السبيل ..فإلى اإليمان والعمل وإ لى الحب واإلخاء .
الغاية :هي أسمي غاية يمكن أن يسعي إليها ..فاهلل هو الغاية ال شئ غير اهلل ..نؤمن به ونراه كل شئ فى
حياتنا نعبده حق عبادته نتلمس رضاه فى كل صغير أو كبير من أعمالنا وتصرفاتنا فى إخالص صادق وتجرد كامل
ويقين حق بأن فى ذلك السعادة كل السعادة والهداية كل الهداية والفوز كل الفوز " ..ففروا إلى اهلل إني لكم منه نذير
مبين " [ الذاريات . ] 50
أما المهمة :فكبيرة وعظيمة ..سيادة الدنيا وإ رشاد اإلنسانية كلها إلى نظم اإلسالم الصالحة وتعاليمه التى ال
يمكن بغيرها أن يسعد الناس ..ليست مهمة جزئية لتحقيق أهداف محدودة فى بعض النواحي السياسية أو
االجتماعية أو االقتصادية ،كما أنها ليست محلية أو إقليمية مقصورة على جنس بعينه أو وطن بذاته ،ولكنها مهمة
على أكمل ما تكون إصالحا وإ سعاداـ للبشرية كلها بل ولغير اآلدميين أيضا ،فرسول اهلل شملت كل نواحي الحياة
صلي اهلل عليه وسلم جاء رحمة للعالمين .
أما الجزاء :فعظيم عظيم .يصغر دونه كل ما في حياتنا الدنيا من نعيم وملك وسلطان ومتع ولذات ..جنات
عرضها السماوات واألرض فيها ما ال عين رأت وال أذن سمعت وال خطر على قلب بشر .وصحبة طيبة مع النبيين
والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ..ونجاة من عذاب نار وقودها الناس والحجارة ،وفوق ذلك
كله " ورضوان من اهلل أكبر ذلك الفوز العظيم " التوبة [ 72طريق الدعوة أ /مصطفى مشهور ]
171
ولكي يبرروا بطشهم بدعوة الحق ودعاة الحق البد أن يلصقوا بهم أبشع التهم الكاذبة ويصوروهم على أنهم
أعداء للشعوب والجماهير ليثيروهم عليهم .فقديما كان منطق فرعون والمأل من قومه :
" وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر فى األرض الفساد " غافر . 26
سبحان اهلل ،هكذا موسى هو المفسد وفرعون هو الذي يحافظ على الشعب ومصالح الشعب .وبطانة فرعون
تستثيره ضد موسى وقومه ويخوفونه من العواقب فيطمئنهم أنه لهم بالمرصاد " وقال المأل من قوم فرعون أتذر
موسى Cوقومه ليفسدوا فى األرض ويذرك Cوآلهتك ،قال سنقتل أبناءهم ونستحيي Cنساءهم وإ نا فوقهم Cقاهرون " األعراف
. 127
-3العاقبة للمتقين :
إن القرآن الكريم يوضح هذه القضية وضوحاً جلياً ال لبس فيها وال غبش ويحدد هذا المعنى لتتربى عليه الفئة
المؤمنة ،أنهم ماداموا معتزين بهذا الحق متمسكين به ،فان اهلل معهم يعينهم ويرشدهم وينصرهم ويؤيدهم ويمدهم
إذا تخلى عنهم الناس ،ويدفع عنهم إذا أعوزهم النصير ،وهو معهم أينما كانوا ،وإ ذا لم ينهض معهم جند األرض
ت ّنزل عليهم المدد من جند السماء .
" إن األرض هلل يورثها Cمن يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ".األعراف 128
" أن األرض يرثها عبادي الصالحون ".األنبياء 105
" ولينصرن اهلل من ينصره إن اهلل لقوى عزيز ".الحج 40
" كتب اهلل ألغلبن أنا ورسلي " ...Cالمجادلة 21
" واهلل غالب على أمره ولكن أكثر الناس ال يعلمون ".يوسف 21
" ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في األرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم Cالوارثين ".القصص 5
جفاء وأما ما ينفع الناس
-فطريق الدعوة رغم وعورتها مأمونة العواقب مضمونة النتائج " فأما الزبد فيذهب ً
فيمكث فى األرض كذلك يضرب اهلل األمثال " الرعد " 17وكان حقا علينا نصر المؤمنين " الروم . 47
( التقويم )
أوال أسئلة التذكر :
– 1اذكر :
أ – أهم معالم الطريق ؟
ب – جزاء الدعاة إلى اهلل ؟
-5أصناف Cالناس أمام المحنة ؟
) أمام العبارات الخاطئة مع تصحيح العبارة الخاطئة. ) أمام العبارة الصحيحة و عالمة ( -3ضع عالمة (
) ( أ -الدعوة فى هذه األيام هى صدى لدعوة األنبياء و الرسل
) ( ب – مهمتنا جزئية تهدف لتحقيق أهداف محددة فى بعض النواحي
) ( ج -طريق Cالدعوة شاق و طويل و لكن نتائجه غير مضمونة
) ( د – نحن محاسبون عن العمل و النتائج على حد سواء
) ( هـ – االبتالء يقع على المؤمن و الكافر و البر و الفاجر على حد سواء
الهدف المرحلى الثانى :أن يتعرف على المنعطفات التي تواجهه و كيفية التغلب عليها .
األهداف اإلجرائية السلوكية :
-1أن يحدد بعض المنعطفات ( العقبات ) التى تواجهه على طريق الدعوة .
-2أن يوضح كل منعطف أو عقبة على طريق الدعوة .
-3أن يوضح كيفية التعامل مع كل منعطف أو عقبة على طريق الدعوة .
-4أن يلتزم ببعض الواجبات العملية التى تعينه على مواجهة كل منعطف أو عقبة .
-5أن يذكر الدارس بعض العواملـ التى تساعد على الثبات أمام هذه المنعطفات ( العقبات ) .
173
خلق اهلل اإلنسان من طين ونفخ فيه من روحه ،فيه نوازع تجذبه إلى األرض ليخلد إليها ،وصفات ربانية
ترفعه وتسمو به ،وهذا هو مجال الجهاد والمجاهدة ،ومحك االمتحان واالختبار ،بين الركون إلى الدنيا والسعي
لآلخرة ورضوان اهلل " من كان يريد حرث اآلخرة نزد له فى حرثه ،ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له فى
اآلخرة من نصيب " .الشورى 20
فمن تخفف من جواذب األرض وسما بنفسه سار فى طريق الدعوة متخطيا عقباتها فى يسر وعون من اهلل
وتوفيق .أما من استهان بأمر هذه الجواذب األرضية ولم يجاهدها فى نفسه ،صرعته وأخلدته إلى األرض ،
وتعرض إلى غضب اهلل وعقابه " قل إن كان آباؤكم ،وأبناؤكم Cوإ خوانكم Cوأزواجكم Cوعشيرتكم وأموال اقترفتموهاC
وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من اهلل ورسوله وجهاد فى سبيله فتربصوا Cحتى يأتي اهلل بأمره
واهلل ال يهدي القوم الفاسقين " التوبة [ . 24طريق الدعوة أ /مصطفى مشهور ]
وسالك الطريق يتعرض فيه لعقبات ومنعطفات عديدة ننبه إلى بعض منها حتى نأخذ حذرنا حتى نصل إلى بر
األمان وإ لى رضوان اهلل عز وجل ،من هذه العقبات والمنعطفات :
-1الوظيفة ( وسيلة التكسب ) :
إن الشاب أو الطالب المسلم حين يسلك طريق الدعوة وهو متخفف من األعباء العائلية وااللتزامات المعيشية
ينطلق في الطريق دون معاناة من قيود أو أثقال فإذا ما تخرج وارتبط بعمل أو وظيفة بدأ يشعر بقيدها والتزاماتها
وبضرورة المحافظة عليها ،وربما دفعه هذا الشعور إلى أن يحد من انطالقه ،ويقصر من انطالقه في الدعوة ،وقد
يتوقف تماماً عن السير ما لم يكن عنده من قوة اإليمان ومضاء العزيمة بحيث يتخطى تلك العقبة ويستمر في انطالقه
بكل ثقة ويقين بأن اهلل تعالى قد ضمن الرزق وتكفل به .
وما الوظيفة إال وسيلة يستعين بها لتحقيق الغاية التى خلق من أجلها ،فال يجوز للوسيلة المعينة أن تتحول إلى
عقبة معوقة [ .طريق الدعوة أ /مصطفى مشهور ]
كيفية تعامله مع هذه العقبة :
-أن تكون الوظيفة فضالً على أنها مصدر الرزق مجاالً لخدمة الدعوة .
أن يزاول عمالً حراً وال يكون أسير الوظيفة فهي أضيق أبواب الرزق . -
أن يوقن أن الرزق بيد اهلل و يصبر على ابتالء اهلل له إذا أضير في هذا المجال لقوله تعالى : -
" ولنبلونكم Cبشيء من الخوف و الجوع و نقص من األموال و األنفس و الثمرات و بشر الصابرين ".
البقرة 155
- 2الزواج واألوالد :
وبعد الوظيفة يأتي دور الزواج وما يتصل به من تبعات ومشاغل وجواذب تغري باإلخالد إلى األرض ،وكذا
األوالد والتعلق بهم واالشتغال بأمورهم والقلق عليهم ،كل ذلك قد يؤثر على سالك الطريق ويحول بينه وبين المضي
فى الطريق بنفس الهمة والنشاط قبل الزواج واألوالد ،وربما والعياذ باهلل توقف تماما عن السير وصدق اهلل العظيمـ
" يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأوالدكم عدوا لكم فاحذروهم " Cالتغابن 14
174
أما المؤمن الصادق الذي عاهد اهلل على العمل فى طريق الدعوة فإنه يلتزم السنة فيحسن اختيار الزوجة
الصالحة التى تعين وال تثبط ،وتتعاون معه على تنشئة الذرية الصالحة لتكون قرة عين لهما ،ويعز اهلل بها دينه ،
وما أجمل دعاء عباد الرحمن " ربنا هب لنا من أزواجنا Cوذرياتنا Cقرة أعين واجعلنا للمتقين إماما " الفرقان . 74
فيكون هو وزوجته وأوالده كلهم على الطريق يمضون فى تفاهم وتعاون ،قدوة حسنة لألسرة المسلمة ودعامة
قوية فى بناء المجتمع المسلم .
وكم رأينا فى تاريخ الدعوة اإلسالمية قديما وحديثا صورا مشرفة للزوجات الصالحات الالتي كن عونا
ألزواجهن ،وأنضر هذه الصور وأولها السيدة خديجة أم المؤمنين رضي اهلل عنها .ولم ينضب معين األمة
اإلسالمية من الخير ،فرأينا فى عصرنا الحديث أمثلة رائعة من الزوجات المسلمات الالتي صبرن األعوام الطوال –
عشرين عاما أو يزيد – تعرضن فيها أللوان شتي من العنت وأزواجهن فى غياهب السجون والمعتقالت ،وكن
راضيات محتسبات مستبشرات يرعين األوالد ويطمئن األزواج ويشجعنهمـ على الثبات على الحق أمام طغيان الباطل
،وتعرض بعضهن إلى السجن واالعتقال واإليذاء والتعذيب فصبرن وتحملن ولم يتخلين عن طريق الدعوة .
[ طريق الدعوة أ /مصطفى مشهور ]
وعلى الجانب اآلخر … وكمثال لفتنة األزواج واألوالد يقول األستاذ فتحي يكن في كتابه :المتساقطون على
معطاء ،ولقد نكب بزوجة سيئة وضعت الموت والفقر بين عينيه ،
ً طريق الدعوة " أعرف أخاً كان قبل زواجه مقداماً
فكانت كلما رزق منها بغالم ذكرته بحقه ( المادي ) عليه ،وأن عليه مضاعفة السعي من أجله … ولما تكاثرت
ذريته ،وامرأته على هذه الشاكلة ،سقط في االمتحان وأصبح عبداً للدنيا بعد أن أصبح عبداً للزوجة … وهو حتى
اآلن لم يحس بالجريمة التي ارتكبها وبالهاوية التي سقط فيها ،ولقد نسي ما كان ‘يذّكر به إخوانه والناس " تعس
عبد الدينار ،تعس عبد الدرهم ،تعس عبد الخميصة ،تعس وانتكس ،وإ ذا شيك فال انتقش " وقوله " تعس عبد
الزوجة " .
· كيفية تعامله مع هذه العقبة :
وصيانة للحياة الزوجية من مثل هذه االنتكاسات ،وضع اإلسالم القواعد واألسس الكفيلة بتحقيق إسالمية البيت
الزوجي وسعادة أفراده وصالح ذريته .
وإ ليكم أهم هذه القواعد واألسس :
سالمة القصد :
حرص اإلسالم على أن يكون القصد األول من الزواج استكمال الدين ،مصداقا لقول الرسول صلي اهلل عليه
وسلم " :من رزقه اهلل امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه ،فليتق اهلل الشطر الباقي " رواه الطبرانى ،وفى
رواية للبيهقي قال :قال رسول اهلل صلي اهلل عليه وسلم " :إذا تزوج العبد فقد استكمل نصف الدين فليتق اهلل فى
النصف الباقي " .
وحرص اإلسالم كذلك على أن يكون الزواج عامال أساسيا فى تحصين النفس وتزكيتها ودفعها فى طريق
الطاعة والتعففـ .فعن عبد اهلل بن مسعود رضي اهلل عنه قال :قال رسول اهلل صلي اهلل عليه وسلم " :يا معشر
الشباب ..من استطاع منكم الباءة فليتزوج ،ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " .رواه البخاري و مسلم
175
وقال الرسول صلي اهلل عليه وسلم " :ثالثة حق على اهلل عونهم :المجاهد فى سبيل اهلل ،والمكاتب الذي يريد
األداء ،والناكح الذي يريد العفاف " .رواه الترمذي و قال حديث حسن صحيح
وكذلك حرص اإلسالم على أن يكون القصد من الزواج :إنشاء البيت المسلم ،ليكون ( اللبنة الصالحة ) وحجر
األساس فى بناء المجتمع اإلسالمي ..والقرآن الكريم يعتبر هذا أمنية غالية من أماني المؤمنين حيث يصفهم بقوله
" :والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما " الفرقان .74
-حسن االختيار :
ولقد أكد اإلسالم أول ما أكد على حسن اختيار شريكة الحياة ورفيقة العمر .واعتبر حسن االختيار من عوامل
تحقيق ( إسالمية ) الحياة الزوجية ،ومن تباشير الوفاق واألنس بين الزوجين ،فقال الرسول صلي اهلل عليه وسلم
" :تخيروا لنطفكمـ وأنكحوا األكفاء وأنكحواـ إليهم " رواه ابن ماجه – كتاب النكاح .1985
واإلسالم أكد على توفر الخلق والدين كشرط أساسي لحسن االختيار :وحذر من مغبة السعي وراء الجمال
والمال والنسب وبين أن جمال الخلق أبقي من جمال الخلق ..وأن غني النفس أثمن من غني المال .فقال عليه
الصالة والسالم " :ال تزوجوا النساء لحسنهن فعسي حسنهن أن يرديهن .وال تزوجوهن ألموالهن فعسي أموالهن
أن تطغيهن ..ولكن تزوجوهن على الدين .وألمة خرماء خرقاء ذات دين أفضل " رواه ابن ماجة .
فليحذر االخوة الذين يفتشون عن األشكال قبل الخصال وعن األموال دون الخالل ..ليمتثلوا أوامر اإلسالم ،
وليكافحوا رغائب الشيطان فى نفوسهم ،وليستجيبوا داعي اهلل فيهم " :وأنكحواـ األيامي منكم والصالحين من
عبادكم وإ مائكم إن يكونوا فقراء يغنهم اهلل من فضله واهلل واسع عليم " النور . 32ثم ليعتبروا بقول الرسول صلي
اهلل عليه وسلم " :من تزوج امرأة لعزها لم يزده اهلل إال ذال .و من تزوجها لمالها لم يزده اهلل إال فقرا .ومن
تزوجها لحسبها لم يزده اهلل إال دناءة .ومن تزوج امرأة لم يرد بها إال أن يغض بصره ،ويحصن فرجه ،أو يصل
رحمه ،بارك اهلل له فيها وبارك لها فيه " .رواه الطبراني في األوسط
-شخصية الزوج هي األساس :
وحذر اإلسالم األزواج من التمادي فى مجاراة المرأة فيما تهوى حفاظا على شخصية الرجل وقوامته من االنهيار
واالنحسار .وفى ذلك الخراب كل الخراب للبيت الزوجي ولمن فيه ..ويتحدث اإلمام الغزالي عن هذا المعني فى
كتاب اإلحياء فيقول " :ونفس المرأة على مثال نفسك .إن أرسلت عنانها قليال جمحت بك طويال .وإ ن أرخيت
عذارها فترا جذبتك ذراعا .وإ ن كبحتها وشددت يدك عليها فى محل الشدة ملكتها " ..
فشخصية الرجل تلعب دورا كبيرا فى الحياة الزوجية .وما لم يكن الرجل فى حياة زوجته كل شئ ..تجد فيه
المثل األعلى والقدوة الحسنة ،وتحس منه الحزم والحنان ..فإن عقد الزوجية سيصاب حتما بالتفكك
وقد يعتقد بعض األزواج أن ال بأس من التساهل فى مطلع الحياة الزوجية فإذا بهم يقعون ضحية جهلهم هذا
مدى الحياة .والحق يقال أن األيام األولى هى التى ترسم مستقبل البيت الزوجى كله .ومن واجب األزواج أن يكونوا
أكثر تحسباً واحتياطاً فى هذه المرحلة من غيرها [ .مشكالت الدعوة و الداعية أ /فتحي يكن ]
من الواجبات العملية :
-أن يحسن اختيار الزوجة ذات الدين .
-أن يحسن تربية الزوجة واألوالد .
176
أن يكون حب اهلل ورسوله والجهاد في سبيله أحب إليه من أهله وولده والناس أجمعين . -
أن يقيم بيته على طاعة اهلل عز وجل . -
أن يقتصد فى مستلزمات الزواج ( مسكن – ملبس – جهاز – مأكل ) وال يغرق نفسه فى الكماليات . -
-3إقبال الدنيا والسعة فى الرزق :
يجد سالك الطريق Cنفسه وقد استحوذ Cكسب المال كل وقته وكل جهده وكل تفكيره وسار Cهو مسخراً للمال بدالً من أن
يسخر هو المال ،إن كسب المال الحالل ال اعتراض عليه فى حد ذاته ولكن بحيث ال يصير Cهو أكبر الهم ومبلغ العلم ،
ويحول Cبين صاحبه وبين القيام بواجبات الدعوة أو القيام بحق اهلل فى هذا المال والمعاونة بجزء منه فى سبيل اهلل أمر
محمود Cومشكور Cولكن متطلبات الدعوة التقتصر على ذلك فقط فإن أمثال سيدنا عثمان بن عفان وسيدنا عبد الرحمن بن
تكسبوه من التجارة ،لم يشغلهم ذلك عن القيام بواجبات الدعوة والجهادC
عوف رضى اهلل عنهما ممن كان لهم مال عظيم ّ
مع رسول اهلل rوكانوا Cباإلضافة إلى ذلك يخرجون عن مالهم أو عن معظمه بسخاء فى سبيل اهلل عندما تقتضى
مصلحة الدعوة ذلك .
( ويكمن الخطر فى تسرب حب المال وجمعه إلى القلوب ويصير غاية ال وسيلة ،ويلهى صاحبه عن أداء الفرائض
والنوافل ، Cوإ ذا به قد شد وثاقه بجمع المال بدرجة اليستطيع الفكاك منها لو حاول ذلك حتى ينتزعه الموت أو أمر
قهرى Cخارج عن إرادته ،فيترك Cالمال ويواجه الندم والحساب ،لذلك فالمؤمن الصادق Cيعرف أن القليل الذى يكفى خير
من الكثير الذى يلهى ،وروى Cمسلم أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال " :قد أفلح من أسلم ورزق كفافاً وق ّنعه اهلل
بما آتاه [ ) ".طريق الدعوة أ /مصطفى Cمشهور ]
ويقول األستاذ :فتحى يكن فى كتابه :المتساقطون على طريق Cالدعوة " ومنهم Cمن تساقط بسبب الغنى فانطلق Cفى
ميادين إبتغاء الرزق Cفلما تأمّن لهم المورد Cالكافى والعيش الوافر لم يقنعوا ولم يرضوا وإ نما ركضوا Cالهثين وراء المادة
يجمعون األموال ويكسبون الثروات حتى أصبح عندهم من حطام الدنيا ما يكفيهم ويكفى ذريتهم إلى عشرة أجيال أو
أكثر ،وإ ذا سئلوا :لماذا فتر نشاطكم Cوخمدت حركتكم فى سبيل الدعوة واإلسالم وأنتم فى بحبوحة وسعة من العيش
والرزق ؟ قالوا :إننا نعمل لبناء اإلقتصاد Cومصلحة الوطن وهذا من اإلسالم " .
-روى Cالترمذى بسند صحيح عن كعب بن عياض رضى Cاهلل عنهما قال :أن رسول اهلل rبعث أبو عبيدة بن الجراح
إلى البحرين يأتى بجزيتها Cفقدم بمال من البحرين ،فسمعت األنصار Cبقدوم أبى عبيدة فوافوا Cصالة الفجر مع
وآملوا ما يسركم
رسول اهلل rفلما صلى رسول اهلل rانصرف Cفتعرضوا له فتبسم رسول اهلل rثم قال " :أبشروا ّ
فو اهلل ما الفقر أخشى عليكم ،ولكنى أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على الذين من قبلكم فتنافسوها كما
تنافسوها فتهلككمـ كما أهلكتهم ".
وصحيح أن المال فتنة وزخارف Cالدنيا فتنة وقد Cيجر ذلك إلى المفسدة وأنه من عوامل هالك األمم ولكن هو فى -
الوقت نفسه سعادة وطريق Cإلى بناء اإلقتصاد Cوتحقيق التكافل ،ويحكى Cالقرآن عن فطرة اإلنسان فى حبه للمال قال
تعالى " :وإ نه لحب الخير لشديد ".العاديات . 7والقرآن الكريم يطلق الخير فى اآلية الكريمة وغيرها إشارة
177
لطيفة إلى أنه اليرى المال ذا قيمة واعتبار إال إذا استعمل فى أوجه البر وأنفق فى طريق الخير ،وهذا ما جاء فى
الحديث الذى رواه البخارى فى األدب المفرد " نعم المال الصالح للرجل الصالح ".صدق رسول اهلل . r
كيفية التعامل مع الدنيا -: ·
-أوال :أن يدرك مقام الدنيا من اآلخرة ،ومدي صغارها وتفاهتها عند اهلل .حفاظا عليه من فتنتها وغوايتها " قل
متاع الدنيا قليل واآلخرة خير لمن اتقى " [ النساء . ] 77ومن لفتات الرسول صلي اهلل عليه وسلم إلى حقيقة الدنيا
،أنه مر وأصحابه يوما بشاة ميتة فقال لهم " :أرأيتم هذه هانت على أهلها ؟ قالوا :ومن هوانها ألقوها يا رسول
اهلل .فقال :الدنيا أهون على اهلل من هذه على أهلها " رواه أحمد بإسناد ال بأس به .
وقال أبو هريرة رضي اهلل عنه :قال رسول اهلل صلي اهلل عليه وسلم " :يا أبا هريرة أال أريك الدنيا جميعها بما
فيها ؟ فقلت بلي يا رسول اهلل .فأخذ بيدي وأتي بي واديا من أودية المدينة ،فإذا مزبلة فيها روؤس الناس
وعذراتهم وخرقهم وعظامهم .ثم قال :يا أبا هريرة هذه الرؤوس كانت تحرص كحرصكم ،وتأمل كأملكم ،ثم هي
اليوم عظام بال جلد ،ثم هي صائرة رمادا ..وهذه العذرات هي ألوان أطعمتهم اكتسبوها ثم قذفوها فى بطونهم
فأصبحت والناس يتحاشونها .وهذه العظام عظام دوابهم التى كانوا ينتجعون عليها أطراف البالد .فمن كان باكيا
على الدنيا فليبك ..قال :فما برحنا حتى اشتد بكاؤنا "
والدنيا ال وزن لها وال قيمة عند اهلل سبحانه وتعالى إال ما كان منها طاعة هلل تعالى كما قال النبى " rلو كانت الدنيا
تعدل عند اهلل جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء ".رواه الترمذى. C
-ثانيا :حذر اإلسالم من أن تصبح الدنيا مبلغ التنافس بين الناس فقال الرسول صلي اهلل عليه وسلم " :واهلل ما
الفقر أخشى عليكم ،ولكني اخشي إن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتتنافسوها كما تنافسوها ،
فتهلككم كما أهلكتهم " .متفق عليه
ولقد بين الرسول صلي اهلل عليه وسلم أن الحرص على الدنيا يورث الطمع فيها واالنشغال بها وتكريس
الحياة لها ،فقال " :من أصبح والدنيا أكبر همه فليس من اهلل فى شئ ،وألزم اهلل قلبه أربع خصال :هما ال ينقطع
عنه أبدا ..وشغال ال يتفرغ منه أبدا ..وفقرا ال يبلغ غناه أبدا ..وأمال ال يبلغ منتهاه أبدا "
أخرجه الطبراني في األوسط
والدار اآلخرة هى الباقية وهى دار القرار ،كما قال مؤمن آل عمران " ياقوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإ ن
اآلخرة هى دار القرار ".غافر. 39
-ثالثا :وحذر اإلسالم من أن يطغي حب الدنيا على القلوب فيشغلها عن التزود ألخرتها .فحض على الزهد بها
وتخليص النفس من أسرها ،فقال صلي اهلل عليه وسلم " :الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر" رواه مسلم عن أبى
هريرة رضى اهلل عنه
وفلسفة الزهد فى اإلسالم ال تحول بين المرء وبين السعي والعمل واإلنتاج وعمارة الدنيا كما يفهم بعض الناس
.وإ نما غايتها صيانة النفس عبودية الحياة مع صريح الدعوة إلى السعي والعمل ،سئل اإلمام أحمد بن حنبل ،هل
يكون المرء زاهدا ومعه ألف دينار .قال :نعم .قيل وما آية ذلك .قال :آيته إنه إذا زادت ال يفرح وإ ذا نقصت ال
يحزن ..
178
والدعاة اليوم فى خطر شديد من أن تستدرجهم دنياهم وتنحط بهم شهواتهم ،فيبدأون بالصغائر ثم يقعون فى
الكبائر ..
وهذه الدنيا التى أخذت زخرفها وازينت واكتملت مفاتنها وتعددت ،ال ينبغي التساهل معها والخلود إليها ،فمن
تساهل فيها قرضت إيمانه و أفسدت إسالمه ،وصدق محمد بن عبد اهلل صلي اهلل عليه وسلم حيث يقول محذرا " :
أال إن الدنيا ملعونة ملعون ما فيها ،إال ذكر اهلل تعالى وما وااله وعالماً ومتعلماً " رواه الترمذى عن أبي هريرة
رضى اهلل عنه .
كما يجب اليقين التام بأننا فى هذه الدنيا أشبه بالغرباء أو كعابرى Cسبيل كما قال النبى ": rكن فى الدنيا كأنك غريب
أو عابر سبيل ".رواه البخارى .
-رابعا :حض اإلسالم على أن يكون الهدف من عمارة الدنيا والعمل فيها واستخراج كنوزها واكتشاف مجهولها
وتسخير أفالكها إقامة الخير وتحقيق العدل واتباع الحق ،وليس فى ميزان اإلسالم فضل لمن ضل هذا الطريق بالغ
ما بلغ من العلم والمعرفة والقوة ،ألنه سيكون سببا فى خراب الدنيا ودمارها .واللفتة القرآنية تالمس صميم هذا
المعنى حيث تقول " :من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها Cنوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها ال يبخسون ،أولئك الذين
ليس لهم فى اآلخرة إال النار وحبط Cما صنعوا Cفيها وباطل ما كانوا يعملون " [ هود . ] 15
فتحي يكن ] [ مشكالت الدعوة و الداعية
كما خوف سبحانه بسوء العاقبة وبيان ذلك فى قصص المكذبين وما جره الحرص على الدنيا عليهم من بالء ووبالC
يقول اهلل سبحانه عن فرعون مصر " كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ،ونعمة كانوا فيها فاكهين ،
كذلك وأورثناها قوماً آخرين ،فما بكت عليهم السماء واألرض وما كانوا منظرين [ ".الدخان ] 27-25
وروى مالك أنه رضى Cاهلل عنه كان يلبس وهو أمير المؤمنين ثوباً وقد رقع بين كتفيه رقاع Cثالث .
179
ولقد هانت الدنيا فى أعين أولئك ..فكانت بكل ما فيها من مغريات ومفاتن ال ترقي إلى مواطئ أقدامهم .حتى
وصفهم أعداؤهم :بأنهم قوم الموت أحب إلى أحدهم من الحياة ،والتواضع أحب إلى أحدهم من الرفعة ،ليس ألحد
منهم فى الدنيا رغبة وال نهمة ،إنما جلوسهم على التراب وأكلهمـ على ركبهم ..
كان مصعب بن عمير وحيد أمه صاحبة الثراء والجاه ..وكانت كل فتاة فى مكة تتمناه زوجا لها ورفيقا لعمرها
..وعندما أسلم هددته أمه بحرمانه من ثروتها ،فلم يبال .ثم قسمت أن ال تذوق طعاما قط حتى يترك اإلسالم .فلم
يزد أن قال بكل إيمان وتصميم " :واهلل يا أماه لو كانت لك مائة نفس خرجت نفسا نفسا ما تركت دين محمد " .ولقد
حدث الذين كانوا يعرفونه فى جاهليته أنهم شاهدوه بعد اإلسالم يسير فى طريق مكة وليس عليه إال أثمال بالية ال
ّ
تكاد تستر جسده .
وكانت الهجرة حلقة أخري من حلقات التكوين العملي فى المسلمين ،دعوا فيها إلى التخلي عن كل ما يملكون ،
وترك البلد الذي فيه يعيشون ،وفى هذا ما فيه من تعطل األعمال وبوار التجارة ومفارقة األهل والعشيرة ..ولقد
استجاب المؤمنون لنداء الهجرة وأهدروا فى سبيل اإلسالم كل مصالحهم وضحوا بأعز ما لديهم .
فتحي يكن ] [ مشكالت الدعوة و الداعية
· من الواجبات العملية :
أن يكثر من الدعاء " :اللهم ال تجعل الدنيا أكبر همنا وال مبلغ علمنا " . -
اإلكثار من عيادة المريض وتشييع الجنائز وذكر الموت وزيارة القبور لقوله " rكنت -
نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تزهد فى الدنيا وتذّكر اآلخرة ".رواه ابن ماجة .
أن تحرص على أن تكون ممن يتنافسون على اآلخرة ال على الدنيا . -
-4ضغط األهل و األقربين :
ومن الضغوط التى يواجهها العاملون فى الحقل اإلسالمي والتي قد تؤدي وتسبب بسقوط بعضهم ما يتصل منها
باألهل واألقربين آباء وأمهات وزوجات وأوالدا ..
وقل أن ينجو من ضغط األهل أحد ..فالقاعدة أن األهل يحدوهم جميعا الخوف على أبنائهم من أن يصيبهم ما
يصيب ما أصاب ويصيب الدعاة والمجاهدين والعاملين فى كل زمان ومكان من أذى ..وبعضهم اآلخر تأخذه العزة
باإلثم ويكبر عليه أن يسبقه صغيره بالهدي فيحاول صده والضغط عليه بشكل أوبآخر .
عرفت أنماطا غريبة من اآلباء ،كانوا يغرون أبناءهم ممن التحقواـ بدعوة اإلسالم وساروا فى طريق الحق
ليحولوا بينهم وبين دعوتهم وإ سالمهم ،ولو بتشجيعهمـ على الرذيلة وارتياد أماكن اللهو ،ليصدوهم عن سبيل اهلل
..
ولقد حذر القرآن الكريم من اإلذعان لضغوط األهل – آباء وأبناء – وحض على الثبات والصمود والجهاد فى
سبيل اهلل .
ومن النماذج التى حكاها القرآن الكريم عن الضغوط التى يواجهها الدعاة إلى اهلل من األقربين واألهل قصة
إبراهيم عليه السالم مع عشيرته وأبيه حيث عرض لها فى أكثر من موقع ..فقال تعالي " :واذكر Cفى الكتاب إبراهيم
أنه كان صديقا نبيا .إذ قال ألبيه يا أبت لم تعبد ما ال يسمع وال يبصر وال يغني عنك شيئا .يا أبت إني قد جاءني من
العلم ما لم يأتك فاتبعني Cأهدك صراطا Cسويا .يا أبت ال تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا .يا أبت إني
180
أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا .قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم ،لئن لو تنته ألرجمنك
واهجرني Cمليا [ " ..إبراهيم .] 46-41
وهذا مصعب بن عمير يتعرض لضغوط أمه وكان وحيدها ووريث زوجها الغني المتوفى ..فقد أقسمت أن
تحرمه من ثروة أبيه فلم يبال أو يتراجع ..ثم أقسمت أن ال تذوق طعاما قط حتى يترك دعوة اإلسالم وصحبة محمد
صلي اهلل عليه وسلم وقد أوردنا شأنه مع أمه قبل ذلك .
عالج عامل القرابة :
أوال – أن يعتقد الداعية أن اإلذعان لضغوط األهل و األقرباء (آباء وأبناء وأزواج وعشيرة ) .هو من البالء
الذي يوقع صاحبه فى سخط اهلل ،ويوقع األمة المسلمة إن رضيت به فى الذلة والمهانة واالنهزامية أمام األعداء ،
وشعار القرآن الكريم فى ذلك ( :قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم Cوإ خوانكم Cوأزواجكم Cوعشيرتكم وأموال اقترفتموهاC
وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من اهلل ورسوله وجهاد فى سبيله فتربصوا Cحتى يأتي اهلل بأمره
التوبة . 24 : واهلل ال يهدي القوم الفاسقين )
فمفهوم النص فى اآلية أن الثبات أمام ضغط القرابة ،والصمود أمام إغراءات المال والمسكن ،واالندفاع
االعتقادي والنفسي على حب اهلل والرسول ،والجهاد فى سبيل اهلل ..هو من مقتضيات اإليمان ،وأسس اإلسالم ..
فبدونها ال يكون المسلم – وعلى األخص الداعية – مؤمنا بحق ،ومسلما بصدق مهما تبجح باإليمان باإلسالم ؟
أال فليعتبر الدعاة ،وليأخذوا من ذلك درسا ،وليجعلوا هذا الدرس اعتقادا وسلوكا وعمال .
ثانيا – أن يتأسى الدعاة بأصحاب القدوة قديما وحديثا ..فإنهم كانوا آية فى الثبات ،ونموذجا حيا فى الصمود
أمام الضغوط العائلية ،والمحن األسرية .و لقد أشرنا إلي ذلك في مثال مصعب بن عمير
ثالثا – أن يقوم الداعية بدوره المؤثر الكبير فى إقناع من حوله من أهل ووالدين ونسب ..أن اإلسالم بني
حقيقة التوحيد على اإليمان باهلل ،واالعتماد عليه ،واالعتقاد بقضائه وقدره ،والتسليم لجنابه فيما ينوب ويروع ..
وبني حقيقة اإليمان على أن الذي يخفض ويرفع ،ويعطي ويمنع ،ويحيي ويميت ،ويعز ويذل ،ويشفي ويمرض ،
ويوسع ويقتر ،هو اهلل سبحانه وحده ،ألنه القائل عن نفسه فى محكم التنزيل ( :قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك
من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز Cمن تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شئ قدير ) آل عمران . 26
[ عقبات على طريق الدعاة أ /عبد اهلل ناصح علوان ]
- 5ضغط البيئة :
يقول األستاذ فتحى يكن فى ( كتابه المتساقطون على طريق الدعوة ) ومن العوامل التى تساعد على تساقط
العاملين وإ سقاطهم عن مسرح الدعوة ضغط البيئة ..
فاألخ المسلم قد ينشأ فى بيئة محافظة ،ثم ينتقل منها بسبب الدراسة أو العمل إلى بيئة أخري ،عوامل الشر
فيها أكثر وجواذب الجاهلية أشد ..وهنا يبدأ الصراع عنيفا فأما صمود واستعالء أو سقوط واستخذاء .
أذكر أن أحد األخوة سافر إلى ( أميركا للدراسة ) وكان مثال المسلم فى بلدته ،والقدوة الحسنة بين إخوانه .
ومكث فى أميركا بضع سنين وعاد بعدها إنسانا آخر ال يمت بأدنى صلة إلى ماضيه القريب ..
لقد كان أثر البيئة عليه كبيرا وكبيرا جدا ،بحيث أفقدته كل بريق كان يتحلي به قبل سفره المشؤوم .
181
وإ نسان آخر سافر إلى نفس هذه البيئة ،ولم يتمكن من التماسك والثبات أكثر من سنة غرق بعدها ألي فوق
إلى خالل عامه األول وهي
أذنيه فى المعاصي ثم انقطعت أخباره واختفي أثره ..والزلت حتى اليوم أذكر رسائله ّ
مليئة بالنقد والتعريض بأكثر العاملين فى الحقل اإلسالمي من الدعاة والقياديين ،وكأنه فى مستوي من االلتزام ال
يدانيه فيه أحد ..ثم كانت النتيجة أنه نكص على عقبيه ،خسر الدنيا واآلخرة ،وذلك هو الخسران المبين ،وال حول
وال قوة إال باهلل العلي العظيمـ .
إن العوامل التى تؤدي Cإلى انهزام الفرد أمام ضغط البيئة كثيرة :
فقد يكون تكوينه فى األساس غير صحيح ..كأن تكون عنده إشكاالت واهتزازات فى العقيدة أو انحراف
خفي فى السلوك .
وقد يكون التزامه فى بيئته التزام خجل وتقليد ومحاكاة وليس التزام قناعة وإ يمان ،وعندما انتقل منها إلى
غيرها سقط مبرر االلتزام بسقوط عوامل الخجل والتقليد والمحاكاة ..
وقد يكون السبب إعراضه فى بيئته الثانية عن محيط الدعوة والدعاة وإ قباله على بيئة الجاهلية وعشراء
السوء ،وفى هذا الخطر الكبير والشر المستطير ،الذي يؤدي حتما إلى سقوطه ،إن لم تتداركه عناية اهلل ..
ومما يذكر أن اإلمام الشهيد حسن البنا كان إذا ودع أخا إلى بالد االغتراب للدراسة أو العمل حذره فيما حذره
من اثنتين :من المرأة األولي والكأس األول [ .المتساقطون على طريق الدعوة أ /فتحى يكن ]
كيفية التغلب على عامل البيئة :
إن الشاب المسلم ..إن ذهب إلى بيئة اجتماعية تخلل فيها الفساد ،وانتشر فى نواديها المنكر سواء كان
الذهاب من أجل دراسة أو عمل أو هجرة ..كالبيئات الغربية ،والمجتمعات الشرقية ..فينبغي عليه قبل السفر
وعلى كل حال أن يبحث عن رفقة صالحة ،أو جماعة مؤمنة ..فبأولئك يستطيع الداعية أو الشاب ..أن يثبت بهم ،
ويتعاون معهم ،ويتناصح فى الحق بنصحه ونصائحهم ،ويتحصن باإليمان واألخالق الفاضلة بفضل صحبتهم ..بل
هو معهم على العمومـ :إن نسي ذكروه ،وإ ن ذكر أعانوه ،وإ ن مال عن الحق احتضنوه ووجهوه ..وإ لى الرفقة
الصالحة ،والتزام الجماعة المؤمنة ..وجه النبي صلوات اهلل وسالمه عليه أمة اإلسالم ،وأمرهم بها :
روي الترمذي وأبو داود عنه عليه الصالة السالم " :ال تصاحب إال مؤمنا ،وال يأكل طعامك إال تقي " .
وروي أبو داود والترمذي عنه صلي اهلل عليه وسلم " :الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل " .
على الشاب المسلم أال يقيم فى بيئة فاسدة ،أو محيط موبوء ..ألن فى ذلك هالكه ودماره ،والمؤمن دائما
يحتاط لدينه وعرضه ،فال يوقع نفسه فى مواضع التهم ،وال يرمي بها فى بيئة الفساد !! [ .عقبات على طريق
الدعاة ]
من الواجبات العملية :
احرص على الصحبة الصالحة " ال تصاحب إال مؤمناً وال يأكل طعامك إال تقى ". -
إياك وجليس السوء فإنه يؤذيك ال محالة " إما أن تشم منه رائحة خبيثة وإ ما أن يحرق ثوبك " . -
أكثر من زيارة الصالحين ومرافقتهم فالمرء على دين خليله . -
احرص على محبة الصالحين ففى اآلخرة يحشر المرء مع من أحب . -
- 6قسوة القلب لطول األمد :
182
وهذه عقبة أخري تحتاج إلى حذر شديد ألنها ال تظهر دفعة واحدة ولكنها تأتي بتدريج بطئ ال يكاد يدركه سالك
الطريق ،أال وهي قسوة القلب بسبب طول األمد .إذ تفتر الهمة تدريجيا عن القيام بواجبات الدعوة ،ويخمد فى
النفس التأثر واالنفعالـ مع قضايا الدعوة شيئا فشيئا ،ويترسب الران على القلب بمرور األيام حتى يجد نفسه يقرأ
القرآن دون تأثير ويصلي بال خشوع ،وقد يغفل عنها بعض األحيان دون تأنيب للضمير .ويجد نفسه بعيداً عن حال
المؤمنين الذين قال اهلل فيهم " إنما المؤمنون الذين إذا ذكر اهلل وجلت قلوبهم Cوإ ذا تليت عليهم آياته زادتهم Cإيمانا وعلى
ربهم يتوكلون " األنفال 2
واهلل سبحانه يحذرنا من التردي إلى هذه الحال من قسوة القلب فيقول " ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم Cلذكر
اهلل وما نزل من الحق وال يكونوا Cكالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم األمد فقست قلوبهم وكثير Cمنهم فاسقون "
الحديد 16
كيف نتغلب على قسوة القلب :
-1البعد عن المعاصي والسيئات كبيرها وصغيرها :فإنها نار تحرق القلوب وتستوجب غضب اهلل ،ومن
غضب ربه عليه فقد خسر خسرانا مبينا " :ومن يحلل عليه غضبي فقد هوي "
-2المواظبة على عمل اليوم والليلة :من ذكر أو دعاء وضراعة ،أو استغفار ،أو قراءة قرآن ،أو صالة
ضحي ،أو قيام ليل ،ومناجاة السيما فى وقت السحر ،فإن ذلك كله مولد إيماني جيد ،ينشط النفوس ،
ويحركها ويعلي الهمم ،ويقوي العزائم .قال تعالي " :وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة ،لمن أراد أن
يذّكر أو أراد شكورا " سورة النحل 128
" يا أيها المزمل قم الليل إال قليال ..إنا سنلقي عليك قوال ثقيال " ....سورة المزمل 1
وقال النبي صلي اهلل عليه وسلم " :من نام عن حزبه من الليل ،أو على شئ منه ،فقرأه ما بين صالة
الفجر وصالة الظهر ،كتب له كأنما قرأه من الليل " أخرجه مسلم
-3ترصد األوقات الفاضلة والعمل على إحيائها بالطاعات :فإن هذا مما ينشط النفوس ،ويقوي اإلرادات ،
يقول صلي اهلل عليه وسلم " ......فسددوا ،وقاربوا ،وأبشروا ،واستعينواـ بالغدوة ،والروحة ،وشئ
من الدلجة "
-4التحرر من التشدد والغلو فى دين اهلل :فإن ذلك مما ينشط ويساعد على االستمرار ،عن عائشة – رضي
اهلل تعالي عنها – قالت " :كان لرسول اهلل صلي اهلل عليه وسلم حصير ،وكان يحجره من الليل فيصلي فيه
،فجعل الناس يصلون بصالته ،ويبسطه بالنهار ،فثابوا ذات ليلة ،فقال " :يا أيها الناس عليكم من
األعمال ما تطيقون ،فإن اهلل ال يمل حتى تملوا ،وإ ن أحب األعمال إلى اهلل مادووم عليه ،وإ ن قل " وكان
آل محمد صلي اهلل عليه وسلم إذا عملوا عمالً أثبتوه .
-5دفن النفس فى أحضان الجماعة ،وعدم اعتزالها أو الشذوذ عنها بحال من األحوالـ ،وحسبنا قوله صلي
اهلل عليه وسلم " :الجماعة رحمة ،والفرقة عذاب " " ،يد اهلل مع الجماعة " وقول على – رضي اهلل عنه
[ آفات على الطريق ج 1السيد – " كدر الجماعة خير من صفو الفرد " .
محمد نوح ]
183
فعلى سالك الطريق أال يسمح لنفسه بالعزلة عن إخوانه ليظل فى مجال العمل والتعاون والتواصي بالحق
والتواصي بالصبر ،وعليه أن يلزم نفسه بواجبات األخ المسلم ،وأن يحسن الصلة بكتاب اهلل وأن يحاسب نفسه أوال
بأول .ومن حقه قبل إخوانه أن يذكروه إذا نسي وأن يعينوه إذا ذكر .
[ طريق الدعوة أ /مصطفى مشهور ]
-من الواجبا ت العملية :
-1أن يلزم نفسه بأوراد اليوم والليلة .
-2أن يحسن الصلة بكتاب اهلل عز وجل .
-3أن يحاسب نفسه أوال بأول .
-4أن يلزم إخوانه وال يفارقهم .
-ومع ذلك ال نعطي األمان :
من سلك طريق الدعوة ال يأمن لحظة فيظن أنه قد تخطي كل العقبات وأن الطريق قد خلت منها تماما ،أو يعتقد
أنه بلغ من الثبات وقوة اإليمان ما يضمن معه تخطي أية عقبة تعترض طريقه .كما ال يصح أن يتصور أن تخطيه
عقبات بعينها ال يعني تكرارها مرات ومرات .
وليعلم أن الشيطان وأعوانه من أعداء اهلل يقفون لدعاة الحق بالمرصاد ليصرفوهم عن دعوتهم وعن الجهاد
فى سبيلها .
وال ينجو من كيدهم إال من كان على بصيرة من ربه ومن استعاذ باهلل من شرورهم وأكرمه اهلل بالتثبيت " وإ ما
ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ باهلل إنه هو السميع العليم " فصلت " 36إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من
الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون .وإ خوانهمـ يمدونهم فى الغي ثم ال يقصرون " األعراف " 202يثبت اهلل الذين
آمنوا بالقول الثابت فى الحياة الدنيا وفى اآلخرة " إبراهيم 27فلنسأل اهلل جميعا أن يثبتنا على طريق الدعوة وأن
[ طريق يجنبنا الزلل وأن يعيذنا من شرور أنفسنا ومن شر الشياطين وأن يختم لنا بخير آمين .
الدعوة أ /مصطفى مشهور ]
كيف نثبت أمام هذه المنعطفات ( العقبات ) :نتآخى و نتذاكر ونتواصى… C
أخى على الطريق ...لتحمد اهلل على نعمة اإلس ــالم وهى خ ــير النعم ،ثم لتحمد اهلل أن وفقك لتلك الخط ــوات ال ــتى
أوصــلتك الى طريق الــدعوة بــأن ســخر لك من أرشــدك وأعانك على اليقظة واالنتبــاه من الغفلة الــتى تغشى الكثــير من
المسـ ــلمين ،فعـ ــرفت حقيقة وجـ ــودك وحقيقةـ رسـ ــالتك فى هـ ــذه الحيـ ــاة ،ثم وفقك وأعانك على اسـ ــتكمال شخصـ ــيتك
اإلســالمية ،عقيــدة وعبــادة وأخالقـاً ،ثم استشــعرت مســئوليتك نحو هــذا الــدين الحق وأنه اليكفى أن تكــون مســلماً فى
ذاتك ولكن البد أن يكون لك دور إيجابى للتمكين لهذا الدين وإ قامة المجتمع الذى تحكمه عقيدة اإلسالم وشريعته .
ووضـح لك أن هــذا الــواجب اليمكن أن يتم بصــورة فردية والبد من تضــافر الجهــود حــول منهج ســليم لتحقيق هــذا
َّ
اله ــدف العظيمـ -وما ال يتم ال ــواجب إالبه فهو واجب -ثم بحثت وتحـــريت واسترش ــدت ح ــتى وفقك اهلل وه ــداك الى
طريق الـــــدعوة ،فتعـــــرفت عليه وعلى معالمه وســـــالكيه وارتضـــــيته ووثقت فيه ،ثم ألـــــزمت نفسك به وارتبطت به
وأشهدت اهلل على ذلك .....فلتحمد اهلل على توفيقه فى كل ذلك .
لنتآخى فى اهلل :
184
ما أحوجنا يا أخى ونحن نسـ ــير على طريق الـ ــدعوة الى التـ ــآخى فى اهلل لتقوية الرابطة بيننا كما فعل رسـ ــول اهلل
صلى اهلل عليه وسلم حين آخى بين المهاجرين واألنصار وضربوا أمثلة رائعة من الحب واإليثار .
اش ــدد يا أخى على يد إخوانك على الطريق بقبضة كلها حب وإ يث ــار ورحمة ،ولكنها قوية ال تفلت عند اله ــزات و
الشدائد أو فى غمرة الفتن واألحداث وهذا رسولنا الحبيب صلى اهلل عليه وسلم يحثنا على ذلك ( :المــؤمن للمــؤمن
كالبنيان يشد بعضه بعضاً ) رواه البخارى ( ،مثل المؤمنين فى توادهم وتــراحمهم وتعــاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا
اش ــتكى منه عضو ت ــداعى له س ــائر الجسد بالس ــهر و الحمى ) رواه البخ ــارى ( ،المس ــلم أخو المس ــلم ال يظلمه وال
فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فـ َّـرج اهلل عنه كربة من
يسلمه ،من كان فى حاجة أخيه كان اهلل فى حاجته ،ومن َّ
كرب يــوم القيامة ،ومن ســتر مسـلماً ســتره اهلل يـوم القيامة ) رواه الطــبرانى .فتعـرف يا أخى على إخوانك وتــآلفوا
وتعاونوا وتناصحوا وتكاشفواـ وتكافلوا وتحابوا وكونواـ عباد اهلل إخواناً .
ولنتذاكر: C
وما أحوجنا ونحن نسير على طريق الدعوة إلى التذاكر فالذكرى تنفع المؤمنين ومن ذلك :
*** لنتذاكر أن الواجب الذى جمعنا على طريق الدعوة ال خيــار لنا فيه إذ أن إســالمنا يحتم علينا القيــام به ،وأن
كل المسلمين آثمون ما لم يعملوا على إقامة شرع اهلل .
*** ولنتــذاكر مع ـاً أن دعوتنا ســلفية ومنهاجنا هو منهج الســلف الصــالح رضــوان اهلل عليهم وأن طريق الــدعوة
طريق واحــدة ســار عليها رســول اهلل صــلى اهلل عليه وســلم وصــحابته من قبل ،وســار عليها الــدعاة ،ونســير عليها
بتوفيق من اهلل من بعد :إيم ـ ــان وعمل ،محبة وإ خ ـ ــاء ،دع ـ ــاهم الى العمل وجمع قل ـ ــوبهم على الحب واإلخ ـ ــاء ،
فاجتمعت قوة العقيدة الى قوة الوحدة ،وصــارت جمــاعتهم هى الجماعة النموذجية الــتى البد أن تظهر كلمتها وتنتصر
دعوتها وإ ن ناوءها أهل األرض جميعاً .
*** ولنتذاكر يا أخى أن الدور الذى نقوم به اآلن شاق وثقيل ولكنه هام وأساسى ،وهو إرساء القاعدة المؤمنة
الصــلبة الــتى تتحمل عبء إقامة شــرع اهلل ،وذلك بإعــداد الجيل المــؤمن القــوى من رجــال العقيــدة الــذين يؤمنــون بها
ويمتثلونها ويدافعون عنها ويمكنون لها ،واألساس كما هو معلوم أشق وأهم المراحل فى كل بناء .
*** ولنت ــذاكر أن األع ــداء يكيــدون لنا ويتربص ــون بنا ،وأن هــذا األمل المنش ــود لن يتم إال من خالل صــراعات
ش ــديدة بين أهل الباطل وأهل الحق و العاقبة للمتقين {:ك ــذلك يض ــرب اهلل الحق و الباطل * فأما الزبد في ــذهب جف ــاء
وأما ما ينفع النـاس فيمكث فى األرض كـذلك يضـرب اهلل األمثـال } الرعد { ، 17وال يزالـون يقـاتلونكم حـتى يـردوكم
عن دينكم إن استطاعوا } البقرة .217
ويميز وليعـ ّـد النوعية الــتى تتحمل أمانــات النصر ،ولهــذا
*** ولنــذكر أن المحن ســنة اهلل فى الــدعوات ليمحص ّ
فالمحن جزء الزم من طريق الدعوة ،وهى أيضاً مقــدمات ومبشــرات للنصر ،وصــدق اهلل العظيم {:ولقد كــذبت رسل
من قبلك فص ــبروا على ما ك ــذبوا وأوذوا ح ــتى أت ــاهم نص ــرنا وال مب ــدل لكلم ــات اهلل ولقد ج ــاءك من نبأ المرس ــلين }
[ األنعام . ] 34
*** ولنذكر فضل اهلل على مسيرتنا هذه المحمدية ،فقد سارت على طريق الدعوة فى عزم وثبات دون تبــديل أو
تغي ــير أو انح ــراف ،ودون ض ــعف أو وهن أو اس ــتكانة ،رغم ما القت من محن ش ــديدة ومح ــاوالت شرسة للقض ــاء
185
عليها أو االنحــراف بها {:من المؤمــنين رجــال صــدقوا ما عاهــدوا اهلل عليه فمنهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر
وما بدلوا تبديالً } .األحزاب 23
{ *** ولن ــذكر ثقتنا من تحقيق وعد اهلل بالنصر و التمكين لعب ــاده المؤم ــنين وأن المس ــتقبل له ــذا ال ــدين :
وعد اهلل الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم فى األرض كما استخلف الــذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم
الذى ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدوننى ال يشركون بى شيئاً } النور .55
{ ومن *** ولنــذكر أننا على طريق الــدعوة نــدعو الى أســمى ما يــدعو إليه بشر ،حيث أننا نــدعو الى اهلل :
أحسن قـوالً ممن دعا الى اهلل وعمل صـالحاً وقـال إنـنى من المسـلمين } فصــلت 33وأننا بهــذا الــدين أسـاتذة البشـرية
وأصحاب العزة و السعادة { :وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونــوا شــهداء على النــاس ويكــون الرســول عليكم شــهيداً }
البقرة { ، 143وهلل العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين اليعلمون } [ المنافقون . ] 8
*** ولنذكر يا أخى مع ذلك كله أن اهلل غــنى عنا وعن جهادنا ،وأننا الفقــراء الى اهلل المحتــاجون لفضــله وثوابه
{:ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن اهلل لغــنى عن العــالمين } [ العنكبــوت ] 6ـ ،ولنــذكر أننا إن لم نكن بالــدعوة فلن
نكون بغيرها وهى إن لم تكن بنا فستكون بغيرنا .
ولنتواص :
*** ولنتــــواص بــــالحق الــــذى اجتمعنا عليه على طريق الــــدعوة بــــأن نستمسك به ونتمثله وال نتخلى عنه ،بل
نحافظ عليه حتى نورثه لألجيال التى تلينا دون تحريف أو تغيير أو اجتزاء .
*** ولنتواص بالصبر واحتمــال مشــاق الطريق وتخطى العقبــات و التحــرز من المنعطفــات ،فنســير على بصــيرة
وتفهم كامل لمنهج الســير ،وبعــزم وإ رادة قوية وعمل دائب متواصل لمســتقبل زاهر لهــذه الــدعوة ،
ورؤية واضــحة ُّ
مر ويمر بنا من أحداث وظروف .
مقدرين ثقل األمانة معتبرين بكل ما َّ
*** ولنتــــواص يا أخى بالبــــذل و التضــــحية و الفــــداء فى ســــبيل هــــذه الــــدعوة فهى تطلب منك كلك ال بعضك ،
من
فارتباطنا بطريق الــدعوة ارتبــاط مصــيرى وكلى وليس لحظي ـاً وال جزئي ـاً ،عقــدنا فيه بيع ـاً مع اهلل أن نقــدم له ما َّ
ليمن علينا بجنة عرضها الســموات واألرض {:ومن أوفى بعهــده من اهلل فاستبشــروا بــبيعكم
علينا به من نفس ومال َّ
الذى بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم }التوبة . ] 111
لو اســتطعت يا أخى أن تســخر وقتك وجهــدك ومالك وفكــرك لهــذه الــدعوة فافعل وال تــتردد فــأنت الــرابح { :وما
تقــدموا ألنفســكمـ من خــير تجــدوه عند اهلل هو خــيراً وأعظم أجــراً } [ المزمل ] 20أما غــيرك الــذى يضن بشــىء من
ذلك فهو المغبـ ــون الخاسر {:ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه واهلل الغـ ــنى وأنتم الفقـ ــراء وإ ن تتولـ ــوا يسـ ــتبدل قوم ـ ـاً
غيركم ثم ال يكونوا أمثالكم } [.محمد ] 38
افــرح يا أخى واســعد عنــدما تجد وقتك مشــغوالً بالعمل للــدعوة وطاقتك مســتنفدة فى حقل الــدعوة ،فــذلك من فضل
اهلل عليك {:قل بفضل اهلل وبرحمته فبـذلك فليفرحـوا هو خـير مما يجمعـون } فـالوقت هو الحيـاة و الواجبـات أكـثر من
األوقات فأد واجبك وكن عوناً لغيرك على أداء واجبه .
*** ولنتواص يا أخى باإلخالص هلل فال نجاة لنا وال ثمرة ألعمالنا إال بإخالص الوجهة هلل ،فاهلل سبحانه وتعالى
اليقبل إال العمل الخ ـ ــالص لوجهه {:قل إنى أم ـ ــرت أن أعبد اهلل مخلصـ ـ ـاً له ال ـ ــدين } { ،وما أم ـ ــروا إال ليعب ـ ــدوا اهلل
مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصالة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة } [ البينة . ] 5
186
فراجع يا أخى قلبك وطهره من الرياء .
*** اخفض جناحــــــــك يا أخى إلخوانك على الطريق وكن لين الجــــــــانب معهم ،وتواضع وال تســــــــمح لنفسك أن
تســتعلى وتحب الظهــور ،فحب الظهــور يقصم الظهــور ،واعــرف قــدر نفسك ،وقــدر إخوانك حق قــدرهم وال تبخســهم
أشياءهم .
*** إيــاك يا أخى و الغــرور فإنه كفيل أن يبعــدك عن الصف وينحيك عن الطريق ،وعليك أن ترجع الفضل دائم ـاً
هلل فى كل ما يتحقق من خير للدعوة على يديك ،وال ترجعه الى علم عندك أو كفاءة أو مقدرة شخصية فإنه الحول لنا
وال قوة إال باهلل العلى العظيمـ .
*** لنتواص يا أخى بأن نستشعر مسئوليتنا وواجبنا نحو هــذه الــدعوة بصــورة تؤرقنا وتباعد بيننا وبين الراحة
أو الدعة واالســتكانة بصــورة تجعلنا دائمى التفكــير واالنشــغال بشــئون الــدعوة فهى كل شــىء فى حياتنا ،نفكر ونعمل
كل ما يحقق مصلحة لها أو يدفع ضر عنها ،ولنعلم أن كال منا على ثغرة فال تؤتى الدعوة من قبلنا .
*** ولنتــواص يا أخى باالســتكثار من الــزاد على الطريق وخــير الــزاد التقــوى ،نقــوى بها على مشــاق الطريق
ونتقى بها االنزالق فى منعطفاته وتعيننا على تخطى عقباته {:إن الذين اتقــوا إذا مســهم طــائف من الشــيطان تــذكروا
فــإذا هم مبصــرون } [ األعــراف ] 201ـ { ،و الصــابرين فى البأســاء و الضــراء وحين البــأس أولئك الــذين صــدقوا
وأولئك هم المتقون } .
ولنثبت على الطريق: C
*** لنثبت يا أخى على طريق الدعوة فال تزل قدم بعد ثبوتها ،ولنظل على الطريق ال نمل الســير كل الــوقت وفى
كل مكــان وتحت كل الظــروف ،ولو كــان الواحد منا وحــده فى أقاصى األرض حــتى ولو باعــدوا بيــني وبين أحبــابي ،
مستشعرين معية اهلل فهو نعم المولى ونعم النصير ،
ال تمل السير يا أخى ولو تباعدت أمــام ناظريك تباشــير النصر أو ثمــار أعمالك وجهــادك ،فاهلل ســبحانه من رحمته
بنا يحاسبنا على األعمال و النيات وال يحاسبنا على النتائج .
*** لنثبت يا أخى مهما تعرضــنا لألذى ،ومهما هــدد الباطل وأرعد وخـ َّـوف ،ولنا فى رســول اهلل صــلى اهلل عليه
وسلم وصحابته األسوة الحســنة ولنتمثل قــول اهلل تعــالى {:الــذين اســتجابوا هلل وللرســول من بعد ما أصــابهم القــرح *
للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم * الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعــواـ لكم فاخشــوهم فــزادهم إيمانـاً وقـالوا
حسبنا اهلل ونعم الوكيل * فانقلبوا بنعمة من اهلل وفضل لم يمسسهم سوء واتبعواـ رضــوان اهلل واهلل ذو فضل عظيم *
يخوف أولياءه فال تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين } [ البقــرة ] 175-172ـ ،وكــذلك قــول اهلل
إنما ذلكم الشيطان ِّ
تعــالى {:وكــأين من نــبى قاتل معه ربيُّون كثــير فما وهنــوا لما أصــابهم فى ســبيل اهلل وما ضــعفواـ وما اســتكانواـ واهلل
يحب الص ــابرين * وما ك ــان ق ــولهم إال أن ق ــالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإ س ــرافنا فى أمرنا وثبت أق ــدامنا وانص ــرنا على
القوم الكافرين * فآتاهم اهلل ثواب الدنيا وحسن ثواب اآلخرة واهلل يحب المحسنين } [.آل عمران ] 148-146
*** لنثبت يا أخى على طريق ال ـ ــدعوة وال نبتعد عنه قيد أنملة ح ـ ــتى نلقى اهلل ونحن على طريق ال ـ ــدعوة غ ـ ــير
مبدلين وال مغيرين وال ناكثين لعهدنا مع اهلل ،مستبشـرين ببيعنا الـذى بايعنا ،مترقـبين إحـدى الحســنيين إما النصر و
السيادة ،وإ ما الشهادة و السعادة .
دعاء :
187
وفى الختــام نتوجه الى اهلل العلى القــدير بالــدعاء أن يغفر لنا ،وأن يتقبل من ـا ما وفقن ـا إليه من خــير ،كما نتوجه
الى اهلل جميعـــاً أن يمكِّن لدعوته فى األرض وأن يفتح لها قلـــوب النـــاس وأن يجعلنا من جنـــده الصـــادقين وأن يرزقنا
الشهادة فى سبيله وأن يجمعنا فى جناته مع النبــيين و الصــديقين و الشــهداء و الصــالحين وحسن أولئك رفيقـاً ،اللهم
آمين [ .طريق الدعوة أ /مصطفى مشهور ]
التقويم
اذكر أهم العقبات التي يمكن أن تقابل المؤمنين في طريق دعوتهم ؟ -1
-2وضح مفهومـ العقبات اآلتية :
ب – ضغط األهل و االقربين أ -الوظيفة أو الكسب
ج – قسوة القلب لطول األمد
– 3وضح أسباب العقبات اآلتية :
ب – ضغط البيئة أ – الزوجة و األوالد
ج -إقبال الدنيا و السعة فى الرزق
– 4و ضح كيفية التعامل مع هذه العقبات :
ب – الوظيفة أ – الزوجة و األوالد
ج – قسوة القلب لطول األمد
-5حدد العقبات التي واجهتك في طريق الدعوة ومدى تأثرك بها ؟
-6وضح إلى أى مدى استطعت التغلب على العقبات التي واجهتك ووسائلك في التغلب عليها ؟
-7وضح الدروس المستفادة من العقبات التي مرت بك ؟
-8وضح أهم العوامل المعينة على الثبات على طريق الدعوة .
-9إذا كان من المهم أن يأخذ بعضنا بأيدي بعض عند الغفوة أو الكبوة أو حتى تنكب الطريق .فهل حدث أن قمت
بهذا الواجب نحو أحد ؟ أو قام أحد بواجبه معك أو مع غيرك ؟ فأقالك من عثرتك ونجاك اهلل من كبوتك على يديه –
أذكر ذلك كدروس مستفادة .
المراجع
أ /عبداهلل ناصح علوان . ج ، 1ج 2 -1عقبات فى طريق الدعاة
أ /مصطفى مشهور . -2طريــــق الدعــــوة
أ /فتحى يكن . -3المتساقطون على طريق الدعوة
أ /فتحى يكن . -4مشكالت الدعوة والداعية
د /سيد نوح -5آفات على الطريق
188