Professional Documents
Culture Documents
رسول الإسلام
رسول الإسلام
والمرسلين
رسول السلم
محمد
صلى الله عليه وسلم
خاتم النبياء والمرسلين
جمع وترتيب
إسلم محمود دربالة
مقدمة
لم يكتب لحد ٍ من البشر من الثر والخلود والعظمة ما كتب
لصاحب النسب الشريف -صلى الله عليه وسلم. -
ولقد دونت في سيرته الكتب ،ودبجت في مديحه القصائد،
وعمرت بذكره المجالس ،وبقيت عظمته قمة سامقة لتطالها
الظنون .
تقلبت به صروف الحياة من قوة وضعف ،وغنى وفقر ،وكثرة
وقلة ،ونصر وهزيمة ،وظعن وإقامة ،وجوع وشبع ،وحزن
وسرور ،فكان قدوة في ذلك كله ،وحقق عبودية الموقف لربه
كما ينبغي له .
مر ظل في مكة ثلث عشرة سنة ،وما آمن معه إل قليل ،فما تذ ّ
ول ضجر ،وجاءه أصحابه يشتكون إليه ويسألونه الدعاء
والستنصار فحلف على نصر الدين وتمام المر ،وأنكر عليهم أنهم
يستعجلون ،فكان المر كما وعد ،علما ً من أعلم نبوته ،ونصرا ً
لمر الله ،ل للشخاص .
وكان من نصره أن تأتيه وفود العرب من كل ناحية مبايعة على
السلم والطاعة فما تغير ول تكّبر ،ول انتصر لنفسه من قوم
حاربوه وآذوه وعاندوا دينه .
كما كان يقول أبو سفيان بن الحارث :
لتغــلب خيل اللت خيل محمد ِ لعـــــمرك إني يوم أحمل راية
وكتب
إسلم محمود دربالة
islamderbalah@hotmail.com
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
لذلك ،ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها ،حتى جاءه الحق وهو
في غار حراء ،فجاءه الملك فقال :اقرأ :قال) :ما أنا بقارئ(،
قال) :فأخذنى فغطنى حتى بلغ منى الجهد ،ثم أرسلنى ،فقال:
اقرأ ،قلت :مـا أنـا بقـارئ ،قـال :فأخذنى فغطنى الثانية حتى
بلـغ منـى الجهد ،ثم أرسلني فقال :اقرأ ،فقلت :ما أنا بقارئ،
سم ِ َرب ّ َ ْ
ك فأخذني فغطني الثالثة ،ثـم أرسلـني فـقـال} :اقَْرأ ِبا ْ
من ع َل َق اقْرأ ْ ورب ّ َ َ
م{]العلق:1: ك اْلك َْر ُ َ ََ ٍ ن ِ ْسا َ خل َقَ ا ْ ِ
لن َ خل َقَ َ ذي َال ّ ِ
،([3فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده،
مُلونى زملونى(، فدخل على خديجة بنت خويلد فقالَ) :ز ّ
فزملوه حتى ذهب عنه الروع ،فقال لخديجة) :ما لي؟( فأخبرها
الخبر) ،لقد خشيت على نفسي( ،فقالت خديجة :كل ،والله ما
دا ،إنك لتصل الرحم ،وتحمل الكل ،وتكسب يخزيك الله أب ً
المعدوم ،وتقرى الضيف ،وتعين على نوائب الحق ،فانطلقت به
خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل ابن أسد بن عبد العزى ابن
عم خديجة ـ وكان امرأ تنصر في الجاهلية ،وكان يكتب الكتاب
العبرانى ،فيكتب من النجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب،
خا كبيًرا قد عمي ـ فقالت له خديجة :يابن عم ،اسمع وكان شي ً
من ابن أخيك ،فقال له ورقة :يابن أخي ،ماذا ترى؟ فأخبره
رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأي ،فقال له ورقة:
ذعا، ج َهذا الناموس الذي نزله الله على موسى ،يا ليتني فيها َ
ليتنى أكون حًيا إذ يخرجك قومك ،فقال رسول الله صلى الله
ي هم؟( قال:نعم ،لم يأت رجل قط بمثل عليه وسلم) :أو مخرج ّ
ى ،وإن يدركنى يومك أنصرك نصًرا مؤزًرا، عود ِ َما جئت به إل ُ
ب ورقة أن توفي. ش ْثم لم ي َن ْ َ
يقول القس السابق /إبراهيم خليل فيلبس الذي تسمى بعد أن
من الله عليه بنعمة السلم واتباع شريعة خير النام ,يقول في
كتابه) :محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة والنجيل والقرآن(
"في ذروة العمل الديني كقسيس راعي الكنيسة النجيلية ،وأستاذ
العقائد واللهوت بكلية اللهوت الكندية بأسيوط ،وزميل
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
إن هذه النبوة ل تنطبق على أحد ٍ في أنبياء بني إسرائيل حتى
المسيح عيسى ابن مريم الذي يكفينا في بيان محدودية رسالته
قوله حين قالت له المرأة الكنعانية" :ارحمني يا سيد يا ابن
دا )متى ,(22 :15فرد عليها وأجاب" :قال: داود ابنتي مجنونة ج ً
لم أرسل إل إلى خراف بيت إسرائيل الضالة" )متى .(4 :15
ل" :إلى طريق أمم ل تمطوا, زد على ذلك أنه أوصى تلميذه قائ ً
وإلى مدينة للسامريين ل تدخلوا ,بل اذهبوا بالحرى إلى خراف
بيت إسرائيل الضالة" )متى ,(6-5 :10من هذين النصين على
حسب رواية متى يتبين أن رسالة المسيح كانت محددة لبني
قومه.
فهذه الشواهد تبين بكل وضوح أن يسوع المسيح لم يجعل
لرسالته طبيعة الشمول ،ولم يكن المسيح عيسى ابن مريم أو
ل إلى قيدار ،إذن أي أحد من النبياء العبرانيين ينتمي بأي شك ٍ
ي عظيم ٍ من بين العرب هو ما أشار إليه أشعياء فإن الوعد بنب ٍ
دا
باستيفاء حول النبوة بسليل قيدار ,ولم يكن أشعياء إل مؤي ً
لموسى كليم الله ،فإن الله سبحانه قد أوحى إلى عبده موسى
عليه السلم بأن الله سيقيم نبًيا من وسط إخوتهم.
إن العرب سللة إسماعيل البن البكر لبراهيم أبناء عم إسحاق
البن الثاني لبراهيم ،يستحوذون انتباه عالمي ورجاء المم ،إذ
جاء في التوارة" :أقيم لهم نبًيا من وسط إخوتهم مثلك ,وأجعل
كلمي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به ،ويكون أن النسان
الذي ل يسمع لكلمي الذي أتكلم به باسمي أنا أطلبه" )تثنية
.(19،18 :18
دا لمجتمع أهل دا ورائ ً
سا وقائ ً
هذا المنتظر يتحتم أن يكون مؤس ً
اليمان ,هذا فضل ً عن أن رسالة هذا النبي المرتجى ستمكث
دا طويل ً كافًيا لنجاز أهداف حقيقية متماسكة. أم ً
ولد صلى الله عليه وسلم في عام الفيلُ ,توفي والده ورسول
حمل ,وُتوفيت أمه بين مكة والمدينة
الله صلى الله عليه وسلم َ
))بالبواء(( ]موضع بين مكة والمدينة[ منصرفها من المدينة من
زيارة أخواله ،ولم يستكمل إذ ذاك سبع سنين.
وكفله جده عبد المطلب ،وتوفي عبد المطلب ولرسول الله صلى
الله عليه وسلم نحو ثمان سنين أو أكثر ,ثم كفله عمه أبو طالب،
واستمرت كفالته له وعمل مع عمه في التجارة.
هو خير أهل الرض نسًبا على الطلق ،فلنسبه من الشرف أعلى
ِذروة ،وأعداؤه كانوا يشهدون له بذلك ,فأشرف القوم قومه،
وأشرف القبائل قبيله ،وأشرف الفخاذ فخذه.
فهو محمد بن عبد الله ،بن عبد المطلب ،بن هاشم ،بن عبد مناف،
مرة ،بن كعب بن لؤي ،بن غالب ،بن فهر، كلب ،بن ُ
بن قصي بن ِ
مدِركة ،بن إلياس ،بن
بن مالك بن النضر ،بن كنانة ،بن خزيمة ،بن ُ
مضر ،بن نزار ،بن معد ،بن عدنان .وعدنان من ولد إسماعيل
الذبيح عليه السلم .
ة تزوج خديجة بنت خويلد ،وهي أول سا وعشرين سن ًولما بلغ خم ً
امرأة تزوجها ،وأول امرأة ماتت من نسائه.
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
ثم حبب الله إليه الخلوة ،والتعبد لربه ،وكان يخلو بـ "غار حراء"
يتعبد فيه الليالي ذوات العدد ،وب ُّغضت إليه الوثان ودين قومه ،فلم
يكن شيٌء أبغض إليه من ذلك.
ل له أربعون ،أشرق عليه نور النبوة ،وأكرمه الله تعالى فلما ك َ ُ
م َ
برسالته ،وبعثه إلى خلقه واختصه بكرامته ،وجعله أمين بينه وبين
عباده.
ول خلف أن مبعثه كان يوم الثنين في أحد شهور سنة إحدى
وأربعين بعد عام الفيل.
وقد بعثه الله على رأس أربعين سنة ،وهي سن الكمال ,وأول ما
بدئ به رسول الله صلى عليه وسلم من أمر النبوة الرؤيا ،فكان ل
يرى رؤيا إل جاءت مثل فلق الصبح.
ملك وهو في "غار حراء"، ثم أكرمه الله تعالى بالنبوة ،فجاءه ال َ
وكان يحب الخلوة فيه ,فكان أول ما نزل عليه } اقرأ باسم ربك
الذي خلق {]العلق.[1 :
وكمل الله له من مراتب الوحي مراتب عديدة:
إحداها :الرؤيا الصادقة .
الثانية :ما كان يلقيه الملك في روعه وقلبه من غير أن يراه .
الثالثة :أن يتمثل له الملك في صورة رجل ،فيخاطبه حتى يعي
عنه ما يقول.
الرابعة :أنه كان يأتيه في مثل صلصلة الجرس ,وكان أشده عليه
فيتلبس به الملك.
الخامسة :أنه يرى الملك في صورته التي خلقه الله عليها ،فيوحي
إليه ما شاء الله.
السادسة :ما أوحاه الله وهو فوق السماوات ليلة المعراج.
ملك.السابعة :كلم الله له منه إليه بل واسطة َ
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
محمد "صلى الله عليه وسلم" هذا السم هو أشهر أسمائه صلى
ل من الحمد ،وهو في الصل اسم م منقو ٌ الله عليه وسلم ،وهو اس ٌ
مفعول من الحمد ،وهو يتضمن الثناء على المحمود ومحبته
وإجلله وتعظيمه.
فمحمد هو الذي كُثر حمد الحامدين له مرة ً بعد أخرى ،أو الذي
يستحق أن يحمد مرة ً بعد أخرى.
فتسميته صلى الله عليه وسلم بهذا السم لما اشتمل عليه من
مسماه وهو الحمد ،فإنه صلى الله عليه وسلم محمود ٌ عند الله
ومحمود ٌ عند ملئكته ،ومحمود ٌ عند إخوانه من المرسلين ،ومحمود ٌ
عند أهل الرض كلهم ،وإن كفر به بعضهم فإن ما فيه من صفات
دا وجهل ً دا وعنا ً الكمال محمودة عند كل عاقل ,وإن كابر عقله جحو ً
باتصافه بها ،ولو علم اتصافه بها لحمده ،فإنه يحمد من اتصف
بصفات الكمال ويجهل وجودها فيه ،فهو في الحقيقة حامد ٌ له ,وهو
صلى الله عليه وسلم اختص من مسمى الحمد لما ل يجتمع لغيره،
د ،وأمته الحمادون يحمدون الله في السراء فإن اسمه محمد ٌ وأحم ٌ
ة
خطبته مفتتح ٌ ة بالحمد ،و ُ
والضراء ،وصلته وصلة أمته مفتتح ٌ
ح بالحمد ،هكذا كان عند الله في اللوح بالحمد ،وكتابه مفتت ٌ
حا بالحمد، المحفوظ ،إن خلفاءه وأصحابه يكتبون المصحف مفتت ً
وبيده صلى الله عليه وسلم لواء الحمد يوم القيامة ،ولما يسجد
بين يدي ربه عز وجل للشفاعة ويؤذن له يحمد ربه بمحامد يفتحها
عليه حينئذ ،وهو صاحب المقام المحمود الذي يغبطه به الولون
والخرون.
وإذا قام في ذلك المقام حمده حينئذ ٍ أهل الموقف كلهم مسلمهم
وكافرهم ,أولهم وآخرهم ،وهو محمود ٌ صلى الله عليه وسلم بما
يمل به الرض من الهدى واليمان والعلم النافع ،والعمل الصالح،
وفتح به القلوب وكشف به الظلمة عن أهل الرض ،واستنقذهم
من أسر الشياطين ،ومن الشرك بالله والكفر به والجهل به ،حتى
نال أتباعه الدنيا والخرة ،فإن رسالته وافت أهل الرض أحوج ما
كانوا إليها ،فإنهم كانوا بين ع ُّباد أوثان ،وع ُّباد صلبان ,وع ُّباد نيران,
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
عنهم ،وأقوم الخلق بما يأمر به ,وأتركهم لما ينهي عنه ،وأوصل
الخلق لرحمه ,فلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مشتمل ً
مدا ,وهو اس ٌ
سمي محم ً
على ما يقتضي أن يحمد مرة ً بعد مرةٍ ُ
ظ مطابقٌ لمعناه.موافقٌ لمسماه ,ولف ٌ
رسول الهداية
}َفاع ْل َ َ
ه{ ]محمد ،[19 :فل تشرك معه في ه إ ِّل الل ّ ُ
ه َل إ ِل َ َ
م أن ّ ُ
ْ
عبوديته أحدا ،ول تعد من دونه إلها آخر ،بل تصرف له عبادتك،
حد قصدك له ومسألتك ودعاءك ،فإذا وتخلص له طاعتك ،وتو ّ
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
سألت فاسأل الله ،وإذا استعنت فاستعن بالله ،فل يستحق العبادة
إل هو ،ول يكشف الضّر غيره ،ول يجيب دعوة المضطر سواه.
}َفاع ْل َ َ
شكر وأعظم من ذكر، ه { فهو أحق من ُ ه إ ِّل الل ّ ُ
ه َل إ ِل َ َ
م أن ّ ُ
ْ
وأرأف من ملك ،وأجود من أعطى ،وأحلم من قدر ،وأقوى من
ل من قصد ،وأكرم من ابتغي ،فل يدعى إله سواه ،ول أخذ ،وأج ّ
حد وأن ُيخاف وأن ُيطاعرب يطاع غيره ،فالواجب أن ُيعبد وأن ُيو ّ
وأن ُيرهب وأن ُيخشى وأن ُيحب.
}َفاع ْل َ َ
ه{ المتفرد بالجمال والكمال والجلل، ه إ ِّل الل ّ ُ
ه َل إ ِل َ َ
م أن ّ ُ
ْ
حدوه ،وأنشأ البرّيةخلق الخلق ليعبدوه ،وأوجد النس والجن ليو ّ
ليطيعوه ،فمن أطاعه فاز برضوانه ،ومن أحّبه نال قربه ،ومن
دبه ،ومن حاربه خافه أمن عذابه ،ومن عظمه أكرمه ،ومن عصاه أ ّ
ل من كفره ،له الحكم خذله ،يذكر من ذكره ،ويزيد من شكره ،ويذ ّ
وإليه ترجعون.
}َفاع ْل َ َ
ه{ فأخلص له العبادة ،لنه ل يقبل ه إ ِّل الل ّ ُ
ه َل إ ِل َ َم أن ّ ُ
ْ
ي ،واسأله فهو الغني، وض إليه المر لنه الكافي القو ّ الشريك ،وف ّ
وخف عذابه لنه شديد ،واخش أخذه لنه أليم ،ول تتعد ّ حدوده لنه
يغار ،ول تحارب أولياءه ،لنه ينتقم ،واستغفره فهو واسع المغفرة،
واطمع في فضله لنه كريم ،ولذ بجنابه فهناك المن ،وأدم ذكره
لتنل محبته ،وأدمن شكره لتحظى بالمزيد ،وعظم شعائره لتفوز
صك بنصره. بوليته ،وحارب أعداءه ليخ ّ
تبدأ النبوة بكلمة}:اقَْرْأ{ يوم نزلت على رسولنا صلى الله عليه
وسلم في الغار ،ومن بداية }اقَْرْأ{ بدأنا ،بدأ تاريخنا ومجدنا
ْ
دسة ،وتغّيروحياتنا ،ومن تاريخ نزول }اقَْرأ{ بدأت مسيرتنا المق ّ
بها وجه الرض وصفحة اليام ومعالم الدنيا ،فتلك اللحظة هي
أسعد لحظة في حياتنا نحن المسلمين ،وهي اللحظة الفاصلة بين
الظلم والنور ،والكفر واليمان ،والجهل والعلم ،واختيار اقرأ من
بين قاموس اللفاظ وديوان اللغة له سر عجيب ونبأ غريب ،فلم
يكن مكان }اقَْرْأ{ غيرها من الكلمات ،ل " اكتب" ،ول "ادع" ول
"تكلم" ول "قل" ،ول "اخطب" ....إنما }اقَْرْأ{ ،ويا لها من كلمة
جليلة جميلة أصيلة.
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
وكلمة }اقَْرْأ{ تدلك على فضل العلم وعلوّ مكانته ،وأنه أول
منازل الشرف الرافعة.
وإن كل سعادة وفلح سببها العلم ،فرسالته صلى الله عليه وسلم
علمّية عملّية ،لنه بعث بالعلم النافع والعمل الصالح )) مثل ما
بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث(( أخرجه البخاري
ومسلم عن أبي موسى رضي الله عنه.
فاليهود عندهم علم بل عمل ،فغضب عليهم ،والنصارى لديهم
ر عمل بل علم فضلوا ،فأمرنا بالستعاذة من سبيل الطائفتين } َ
غي ِ
ن ) { (7الفاتحة.ضاّلي َ ب ع ََليهِ ْ
م وَل َ ال ّ ضو ِمغ ُال َ
متك الهداية ،ووظيفتك الدللة ،وعملك الصلح.. أنت يا محمد مه ّ
أنت تهدي الى صراط مستقيم ،لنك تزيل الشبهات وتطرد الغواية
وتذهب الضللة ،وتمحو الباطل وتشيد الحق والعدل والخير.
أنت تهدي الى صراط مستقيم ،فمن أراد السعادة فليتبعك ،ومن
ب الفلح فليقتد بك ،ومن رغب في النجاة فليهتد بهداك. أح ّ
ج حجك ،وأزكى م صيام صيامك ،وأكمل ح ّ أحسن صلة صلتك ،وأت ّ
صدقة صدقتك ،وأعظم ذكرك لربك.
وأنت تهدي الى صراط مستقيم ..من ركب سفينة هدايتك نجا،
سك بحبل رسالتك سلم .فمن من دخل دار دعوتك أمن ،من تم ّ
ل والنصر معك؟ ل وما قل ،وكيف يذ ّ ل وز ّ ل ،وما ض ّ تبعك ما ذ ّ
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
وكيف يضل وكل الهداية لديك؟ وكيف يزل والرشد كله عندك؟
ل والله مؤيدك وناصرك وحافظك؟ وكيف يق ّ
وإنك لتهدي الى صراط مستقيم لنك وافقت الفطرة وجئت
بحنيفية سمحة ،وشريعة غّراء ،وملة كاملة ،ودين تام.
بّلغ ما أنزل إليك فل يغريك مال ،ول يعجبك منصب ،ول يزدهيك
دك تحّرج.
جاه ،ول تغّرك دنيا ،ول يخدعك متاع ،ول ير ّ
ب طفل الهدى المحبوب مّتشحا وش ّ
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
بلغ الرسالة كاملة ول تخف أحدا ،وكيف تخاف من أحد ونحن معك
ب عنك؟! لن يقتلك أحد لن الله
نحفظك ونمنعك ونحميك ونذ ّ
يعصمك من الناس ،ولن يطفئ نورك أحد لن الله يعصمك من
طل مسيرتك أحد لن الله يعصمك من الناس، الناس ،ولن يع ّ
اصدع بما تؤمر ،وقل كلمتك صريحة شجاعة قوية لن الله يعصمك
من الناس .اشرح دعوتك ،وابسط رسالتك ،وارفع صوتك ،وأعلن
منهجك ،وما عليك لن الله يعصمك من الناس.
}ما أنت بنعمة ربك بمجنون{ لست مجنونا كما قال أعداؤك لكن
عندك دواء المجانين ،فلمجنون الطائش والسفيه التافه من خالفك
وعصاك وحاربك وجفاك.
لست مجنونا أنك على هدى من الله ،وعلى نور من ربك ،وعلى
ثقة من منهجك ،وعلى بّينة من دينك ،وعلى رشد من دعوتك،
صانك الله من الجنون ،بل عندك كل العقل وأكمل الرشد وأتم
الرأي وأحسن البصيرة ،فأنت الذي يهتدي بك العقلء ،ويستضيء
بحكمتك الحكماء ،ويقتدي بك الراشدون المهدّيون.
أقام صلى الله عليه وسلم ثلث سنين يدعو إلى الله سبحانه
مستخفًيا ،ثم نزل عليه قوله تعالى} :فاصدع بما تؤمر وأعرض عن
المشركين{ ]الحجر.[94 :
فأعلن صلى الله عليه وسلم بالدعوة ،وجاهر قومه ،واشتد الذى
عليه وعلى المسلمين.
ولما كثر المسلمون ,وخاف منهم الكفار ،اشتد أذاهم له صلى الله
عليه وسلم ،وفتنتهم إياهم ،فأذن لهم رسول الله صلى الله عليه
كا ل ُيظلم الناس وسلم في الهجرة إلى الحبشة ,وقال :إن بها مل ِ ً
عنده ،فهاجر من المسلمين اثنا عشر رجل ً وأربع نسوة ،منهم
عثمان بن عفان ،وهو أول من خرج ومعه زوجته رقية بنت رسول
الله صلى الله عليه وسلم ،فأقاموا في الحبشة في أحسن جوار،
شا أسلمت ،وكان هذا الخبر كذًبا ،فرجعوا إلى مكة، فبلغهم أن قري ً
فلما بلغهم أن المر أشد مما كان ،رجع منهم من رجع ،ودخل
دا ،وكان ممن دخل عبد الله بن ذى شدي ًة فلقوا من قريش أ ً جماع ٌ
مسعود .
ثم ُأذن لهم في الهجرة ثانًيا إلى الحبشة ،فهاجر من الرجال ثلث ٌ
ة
ل ,ومن النساء ثمان عشرة امرأة، وثمانون أو اثنين وثمانون رج ً
شا ،فأرسلوا فأقاموا عند النجاشي على أحسن حال ،فبلغ ذلك قري ً
عمرو بن العاص ،وعبد الله بن أبي ربيعة في جماعة؛ ليكيدوهم
عند النجاشي ،فرد الله كيدهم في نحورهم.
ما أهل جاهلية نعبد قال جعفر -رضي الله عنه :-أيها الملك :كنا قو ً
الصنام ،ونأكل الميتة ،ونأتي الفواحش ،ونقطع الرحام ،ونسيء
الجوار ،يأكل القوي منا الضعيف ،فكنا على ذلك حتى بعث الله عز
وجل إلينا نبًيا ورسول ً منا ،نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه،
فدعانا إلى الله عز وجل لنوحده ونعبده ،ونخلع ما كنا نعبد نحن
وآباؤنا من دونه من الحجارة والوثان ،وأمرنا بصدق الحديث ،وأداء
المانة ,وصلة الرحم ،وحسن الجوار ،والكف عن المحارم والدماء،
ونهانا عن الفواحش وقول الزور ،وأكل مال اليتيم وقذف
المحصنة ،وأمرنا أن نعبد الله ول نشرك به شيًئا ،وأمرنا بالصلة
والزكاة والصيام.
فصدقناه وآمنا به واتبعناه على ما جاء به ،فعبدنا الله وحده ،ولم
ح ّ
ل لنا ،فعدا نشرك به شيًئا ،وحرمنا ما ُ
حّرم علينا ,وأحللنا ما أ ُ
علينا قومنا؛ فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الوثان عن
عبادة الله عز وجل ،وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث ،فلما
قهرونا وظلمونا وشقوا علينا ،وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى
بلدك ،واخترناك على من سواك ،ورغبنا في جوارك ،ورجونا أن ل
نظلم عندك أيها الملك.
فقال له النجاشي :هل معك مما جاء به عن الله من شيء؟ فقال
ي ،فقرأ عليه صدًرا من له جعفر :نعم ،فقال له النجاشي :فاقرأ عل ّ
)كهيعص( فبكى النجاشي حتى اخضلت لحيته ،وبكت أساقفته حتى
اخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما ُتلي عليهم.
ة
ثم قال النجاشي :إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكا ٍ
واحدة.
الحصار في الشعب
اشتد أذى مشركي مكة لرسول الله صلى الله عليه وسلم,
فحصروه وأهل بيته في الشعب ،شعب أبي طالب ثلث سنين،
ة ،وقيل:
وقيل :سنتين ،وخرج من الحصر وله تسعٌ وأربعون سن ً
ع
ة ،وبعد ذلك بأشهرٍ مات عمه أبو طالب وله سب ٌ
ن وأربعون سن ً
ثما ٍ
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
خرج إلى الطائف هو وزيد ٌ بن حارثة لما اشتد أذى قريش له
ما فلموتوفيت زوجته ،خرج يدعو إلى الله تعالى ،وأقام بها أيا ً
يجيبوه ،وآذوه وأخرجوه ،ورجموه بالحجارة حتى أدموا كعبيه،
فانصرف عنهم صلى الله عليه وسلم راجًعا إلى مكة.
صرف إليه نفٌر من الجن وفي طريق رجوعه بموضع يقال له نخلهُ ،
ة من أهل نصيبين ،فاستمعوا القرآن وأسلموا ،وفي طريقه سبع ٌ
ك الجبال يأمره بطاعته ،وأن يطبق على مل َ
تلك أرسل الله إليه َ
قومه أخشبي مكة ،وهما جبلها إن أراد ،فقال :ل بل أستأني بهم،
لعل الله يخرج من أصلبهم من يعبده ل يشرك به شيًئا ،ثم دخل
مكة في جوار المطعم بن عدي.
السراء والمعراج
أقام صلى الله عليه وسلم بمكة ما أقام يدعو القبائل إلى الله
تعالى ،ويعرض نفسه عليهم في كل موسم ٍ أن يؤووه ،حتى يبلغ
رسالت ربه ولهم الجنة ،فلم تستجب له قبيلة ،وادخر الله ذلك
ة للنصار.
كرام ً
فلما أراد الله تعالى إظهار دينه ،وإنجاز وعده ،ونصر نبيه ،وإعلء
كلمته ،والنتقام من أعدائه ،ساقه إلى النصار ،لما أراد بهم من
منى الكرامة ،فانتهى إلى نفرٍ منهم ستة وقيل ثمانية ،عند عقبة ِ
في الموسم ،فجلس إليهم ،ودعاهم إلى الله ،وقرأ عليهم القرآن
فاستجابوا لله ورسوله ،ورجعوا إلى المدينة ،فدعوا قومهم إلى
السلم ،حتى فشا فيهم ،ولم يبق دار من دور النصار إل وفيها
ِذكٌر من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
رئ فيه القرآن بالمدينة مسجد بني زريق ،ثم قدم فأول مسجد قُ ِ
ة منمكة في العام القابل اثنا عشر رجل ً من النصار ،منهم خمس ٌ
الستة الولين ،فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة
النساء عند العقبة ثم انصرفوا إلى المدينة ،فقدم عليه في العام
ة وسبعون رجل ً وامرأتان ،وهم أهل العقبةالقابل منهم ثلث ٌ
الخيرة ،فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يمنعوه
مما يمنعون منه نساءهم وأبناءهم وأنفسهم ،فترحل هو وأصحابه
إليهم ,واختار رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم اثني عشر
نقيًبا ،وأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لصحابه في الهجرة
إلى المدينة ،فخرجوا أرسال ً متسللين.
فقدموا على النصار في دورهم ،فآووهم ونصروهم ،وفشا السلم
بالمدينة ،ثم أذن الله عز وجل لرسوله في الهجرة
خرج صلى الله عليه وسلم من مكة ومعه أبو بكر الصديق ،وعامر
بن فهيرة مولى أبي بكر ،ودليلهم عبد الله بن الريقط الليثي,
فدخل غار ثور هو وأبو بكر ،فأقاما فيه ثلًثا ،ثم أخذا على طريق
الساحل ،فلما انتهوا إلى المدينة وذلك يوم الثنين لثنتي عشرة
ليلة خلت من شهر ربيع الول ،وقيل :غير ذلك.
ونزل بقباء في أعلى المدينة على بني عمرو بن عوف وقيل :على
ما وأسس مسجد قباء ،ثم غيرهم ،فأقام عندهم أربعة عشر يو ً
خرج يوم الجمعة ،فأدركته الجمعة في بني سالم فجمع بهم بمن
كان معه من المسلمين ،وهم مائة ،ثم ركب ناقته وسار ،وجعل
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
ل ُنغلب ،ل ُنهزم ،ل نضل ،ل نضيع ،ل نيأس ،ل نقنط ،لن الله
معنا ،النصر حليفنا ،الفرج رفيقنا ،الفتح صاحبنا ،الفوز غايتنا ،الفلح
نهايتنا لن الله معنا.
ل من مبدأ ،من من أقوى منا قلبا ،من أهدى منا نهجا ،من أج ّ
أحسن منا سيرة ،من أرفع مان قدرا؟! لن الله معنا.
لن نقصد بشرا ،لن نلتجئ الى عبد ،لن ندعو إنسانا ،لن نخاف
مخلوقا ،لن الله معنا.
نحن أقوى عدة وأمضى سلحا ،وأثبت جنانا وأقوم نهجا ،لن الله
معنا.
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
يا أبا بكر ارفع رأسك ،وهدئ من روعك ،وأرح قلبك ،لن الله
معنا.
يا أبا بكر أبشر بالفوز ،وانتظر النصر ،وترّقب الفتح ،لن الله معنا.
غدا سوف تعلو رسالتنا وتظهر دعوتنا وتسمع كلمتنا ،لن الله
معنا.
غدا سوف ُنسمع أهل الرض روعة الذان وكلم الرحمن ونغمة
القرآن ،لن الله معنا.
ما وحديًثا
الحرب ضد السلم قدي ً
َ َ
ن{ ري َ شاك ِ ِ م ِبال ّ س الله ب ِأع ْل َ َ ب َي ْن َِنا{ ]النعام ،[53 :قال تعالى} :أل َي ْ َ
]النعام،[53:وكانوا كما قص الله علينا }إن ال ّذي َ
ن
م َكاُنوا ْ ِ موا َ جَر ُ نأ ْ ِ َ ِ ّ
قلُبوا إ ِلىَ ْ َ ذا ان َ ن وَإ ِ َ مُزو َ م ي َت ََغا َ مّروا ْ ب ِهِ ْ ذا َ ن وَإ ِ َ كو َ ح ُ ض َ مُنوا ي َ ْ نآ َ ذي َ ال ّ ِ
سُلوا ُ قل َبوا ْ فَكهين وإ َ َ َ
ما أْر ِ ن وَ َ ضاّلو َ ن هَؤ َُلء ل َ َ م َقاُلوا إ ِ ّ ذا َرأوْهُ ْ ِِ َ َِ م ان َ ُ أهْل ِهِ ُ
ن{ ]المطففين.[33 :29 : ظي َ حافِ ِ م َ ع َل َي ْهِ ْ
وقد أكثروا من السخرية والستهزاء وزادوا من الطعن والتضحيك
شيًئا فشيًئا حتى أثر ذلك في نفس رسول الله صلى الله عليه
ما ك بِ َ صد ُْر َ ضيقُ َ ك يَ ِ م أ َن ّ َ قد ْ ن َعْل َ ُ وسلم ،كما قال الله تعالى} :وَل َ َ
ن{ ]الحجر ،[97:ثم ثبته الله وأمره بما يذهب بهذا الضيق قوُلو َ يَ ُ
حّتى ك َ ن َواع ْب ُد ْ َرب ّ َ دي َ ج ِ سا ِ ن ال ّ م َ كن ّ ك وَ ُ مد ِ َرب ّ َ ح ْ ح بِ َ سب ّ ْ فقال} :فَ َ
ن{]الحجر ،[99 ،98:وقد أخبره من قبل أنه يكفيه قي ُ ك ال ْي َ ِ ي َأ ْت ِي َ َ
ن ذي َ ن ال ّ ِ ست َهْزِِئي َ م ْ ك ال ْ ُ في َْنا َ هؤلء المستهزئين حيث قال} :إ ِّنا ك َ َ
ن{ ]الحجر،[96 ،95 : مُلو َ ف ي َعْ َ سو ْ َ خَر فَ َ معَ الله ِإلـًها آ َ ن َ جعَُلو َ يَ ْ
قد ِ َ
وأخبره أن فعلهم هذا سوف ينقلب وبال عليهم فقال} :وَل َ ً
كاُنوا ْ ب ِ ِ
ه ما َ من ُْهم ّ خُروا ْ ِ س ِ ن َ ذي َ حاقَ ِبال ّ ِ ك فَ َ من قَب ْل ِ َ ل ّ س ٍ زىَء ب ُِر ُ ست ُهْ ِ ا ْ
ن{ ]النعام.[10: ؤو َ ست َهْزِ ُ يَ ْ
2ـ إثارة الشبهات وتكثيف الدعايات الكاذبة:
وقد أكثروا من ذلك وتفننوا فيه بحيث ل يبقى لعامة الناس مجال
للتدبر في دعوته والتفكير فيها ،فكانوا يقولون عن القرآن:
}أ َضَغا ُ َ
م{ ]النبياء [5:يراها محمد بالليل ويتلوها بالنهار، حل َ ٍ ثأ ْ ْ
شٌر{ ه بَ َ م ُ ّ
ما ي ُعَل ُ ه{ من عند نفسه ويقولون} :إ ِن ّ َ ل افْت ََرا ُ ويقولون} :ب َ ِ
َ
ن{ خُرو َ مآ َ ه ع َل َي ْهِ قَوْ ٌ عان َ ُ ك افْت ََراه ُ وَأ َ ذا إ ِّل إ ِفْ ٌ ن هَ َ وقالوا} :إ ِ ْ
َ ُ
طيُرسا ِ ]الفرقان [4 :أي اشترك هو وزملؤه في اختلقه} .وََقالوا أ َ
صيًل{ ]الفرقان[5: َ َ
مَلى ع َل َي ْهِ ب ُك َْرة ً وَأ ِ ي تُ ْن اك ْت َت َب ََها فَهِ َ اْلوِّلي َ
وأحيانا قالوا :إن له جًنا أو شيطاًنا يتنزل عليه كما ينزل الجن
َ والشياطين على الكهان .قال تعالى ردا عليهم} :هَ ْ ُ
م ع َلى ل أن َب ّئ ُك ُ ْ ً
َ ل ع ََلى ك ُ ّ َ
م{ ]الشعراء،221: ك أِثي ٍ ل أّفا ٍ ن ت َن َّز ُطي ُ شَيا ِ ل ال ّ من ت َن َّز ُ َ
،[222أي إنها تنزل على الكذاب الفاجر المتلطخ بالذنوب ،وما
قا ،فكيف تجعلون القرآن من ى كذًبا ،وما وجدتم في فس ً جّربتم عل ّ
تنزيل الشيطان؟
وأحياًنا قالوا عن النبي صلى الله عليه وسلم :إنه مصاب بنوع من
الجنون ،فهو يتخيل المعانى ،ثم يصوغها في كلمات بديعة رائعة
دا عليهم: كما يصوغ الشعراء ،فهو شاعر وكلمه شعر .قال تعالى ر ً
َ َ شعراء يتبعهم ال َْغاوو َ
م
ن وَأن ّهُ ْ مو َ ل َواد ٍ ي َِهي ُ م ِفي ك ُ ّ م ت ََر أن ّهُ ْ ن أل َ ْ ُ َ َُِّ ُ ُ }َوال ّ َ َ
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
ن{ ]الشعراء [226 :225:فهذه ثلث خصائص فعَُلو َ ما َل ي َ ْ ن َ قوُلو َ يَ ُ
يتصف بها الشعراء ليست واحدة منها في النبي صلى الله عليه
وسلم ،فالذين اتبعوه هداة مهتدون ،متقون صالحون في دينهم
وخلقهم وأعمالهم وتصرفاتهم ،وليست عليهم مسحة من الغواية
في أي شأن من شئونهم ،ثم النبي صلى الله عليه وسلم ل يهيم
في كل واد كما يهيم الشعراء ،بل هو يدعو إلى رب واحد ،ودين
واحد ،وصراط واحد ،وهو ل يقول إل ما يفعل ،ول يفعل إل ما
يقول ،فأين هو من الشعر والشعراء؟ وأين الشعر والشعراء منه.
هكذا كان يرد عليهم بجواب مقنع حول كل شبهة كانوا يثيرونها ضد
النبي صلى الله عليه وسلم والقرآن والسلم.
ومعظم شبهتهم كانت تدور حول التوحيد ،ثم رسالة محمد صلى
الله عليه وسلم ،ثم بعث الموات ونشرهم وحشرهم يوم القيامة،
وقد رد القرآن على كل شبهة من شبهاتهم حول التوحيد ،بل زاد
عليها زيادات أوضح بها هذه القضية من كل ناحية ،وبين عجز
آلهتهم عجًزا ل مزيد عليه ،ولعل هذا كان مثار غضبهم واستنكارهم
الذي أدى إلى ما أدى إليه.
أما شبهاتهم في رسالة النبي صلى الله عليه وسلم فإنهم مع
اعترافهم بصدق النبي صلى الله عليه وسلم وأمانته وغاية صلحه
وتقواه ،كانوا يعتقدون أن منصب النبوة والرسالة أجل وأعظم من
أن يعطى لبشر ،فالبشر ل يكون رسوًل ،والرسول ل يكون بشًرا
حسب عقيدتهم .فلما أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
لل ي َأ ْك ُ ُ سو ِ ذا الّر ُ ل هَ َ ما ِ نبوته ،ودعا إلى اليمان به تحيروا وقالواَ } :
َ
دا ق{ ]الفرقان ،[7 :وقالوا :إن محم ً ِ وا
س َشي ِفي اْل ْ م ِ م وَي َ ْ الط َّعا َ
يٍء{ ش ْ من َ شرٍ ّ ل الله ع ََلى ب َ َ ما َأنَز َ صلى الله عليه وسلم بشر،و } َ
َ
ذي ب ال ّ ِ ل ال ْك َِتا َ
ن أنَز َ م ْل َ دا عليهم}:قُ ْ ]النعام ،[19 :فقال تعالى ر ً
س{ ،وكانوا يعرفون ويعترفون بأن سى ُنوًرا وَهُ ً ّ
دى للّنا ِ مو َ جاء ب ِهِ ُ َ
ضا بأن كل قوم قالوا لرسلهم إنكاًرا موسى بشر .ورد عليهم أي ً
على رسالتهم} :إ َ
تمث ْل َُنا{ ]إبراهيم ،[10:فـ }َقال َ ْ شٌر ّ م إ ِل ّ ب َ َ ن أنت ُ ْ ِ ْ
شاء من ي َ َ َ
ن ع َلى َ م ّن الله ي َ ُ َ
م وَلـك ِ ّ ُ
مث ْلك ُ ْشٌر ّ ن إ ِل ّ ب َ َح ُ م ِإن ن ّ ْ سل ُهُ ْ م ُر ُ ل َهُ ْ
ه{ ]إبراهيم .[11 :فالنبياء والرسل ل يكونون إل بشًرا، عَباد ِ ِن ِ م ْ ِ
ول منافاة بين البشرية والرسالة.
وحيث إنهم كانوا يعترفون بأن إبراهيم و إسماعيل وموسى ـ
عليهم السلم ـ كانوا رسًل وكانوا بشًرا ،فإنهم لم يجدوا مجاًل
للصرار على شبهتهم هذه،فقالوا:ألم يجد الله لحمل رسالته إل
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
هذا اليتيم المسكين،ما كـان الله ليترك كـبار أهـل مكـة والطائف
لج ٍ ن ع ََلى َر ُ قْرآ ُ ذا ال ْ ُل هَ َ ويتخذ هذا المسكين رسوًل}وََقاُلوا ل َوَْل ن ُّز َ
م َ ن ال ْ َ
دا عليهم}:أهُ ْ م{ ]الزخرف ،[31:قال تعالى ر ً ظي ٍ
ن عَ ِ قْري َت َي ْ ِ م َ ّ
ة َرب ّك{ ]الزخرف ،[32:يعنى أن الوحى والرسالة َ م َح َن َر ْ مو َ س ُق ِ يَ ْ
ه{ ]النعام.[124: َ جعَ ُ َ َ
سالت َ ُ ل رِ َ ث يَ ْ حي ْ ُ م َ رحمة من الله و}الله أع ْل ُ
وانتقلوا بعد ذلك إلى شبهة أخرى ،قالوا :إن رسل ملوك الدنيا
يمشون في موكب من الخدم والحشم ،ويتمتعون بالبهة والجلل،
ويوفر لهم كل أسباب الحياة ،فما بال محمد يدفع في السواق
ل
سو ِ ذا الّر ُ ل هَ َ ما ِ للقمة عيش وهو يدعى أنه رسول الله ؟ }وََقاُلوا َ
ه
معَ ُ ن َ كو َ ك فَي َ ُ مل َ ٌ ل إ ِل َي ْهِ َق ل َوَْل ُأنزِ َ ِ واَ س َ
شي ِفي اْل ْ م ِم وَي َ ْ ل الط َّعا َ ي َأ ْك ُ ُ
نمو َ ظال ِ ُ ل ال ّ من َْها وََقا َ ل ِ ة ي َأ ْك ُ ُجن ّ ٌ
ه َ ن لَ ُ كو ُ كنٌز أ َوْ ت َ ُ قى إ ِل َي ْهِ َ ذيًرا أ َوْ ي ُل ْ َ نَ ِ
حوًرا{ ]الفرقان ،[8 :7:ورد على شبهتهم س ُم ْ جًل ّ ن إ ِّل َر ُ ِإن ت َت ّب ُِعو َ
دا رسول ،يعنى أن مهمته هو إبلغ رسالة الله إلى هذه بأن محم ً
كل صغير وكبير ،وضعيف وقوى ،وشريف ووضيع ،وحر وعبد ،فلو
لبث في البهة والجلل والخدم والحشم والحرس والمواكبين مثل
رسل الملوك ،لم يكن يصل إليه ضعفاء الناس وصغارهم حتى
يستفيدوا به ،وهم جمهور البشر ،وإذن فاتت مصلحة الرسالة ،ولم
تعد لها فائدة تذكر.
أما إنكارهم البعث بعد الموت فلم يكن عندهم في ذلك إل التعجب
مت َْنا وَك ُّنا ذا ِ والستغراب والستبعاد العقلي ،فكانوا يقولون} :أ َئ ِ َ
ظاما أ َئ ِنا ل َمبعوُثو َ
ن{ ]الصافات[17 ،16: ن أَوآَباؤ َُنا اْل َوُّلو َ َ ّ َ ُْ ع َ ً ت َُراًبا وَ ِ
د{ ]ق [3 :وكانوا يقولون على جعٌ ب َِعي ٌ ك َر ْ ،وكانوا يقولون} :ذ َل ِ َ
م كُ ّ
ل مّزقْت ُ ْ ذا ُ ل ي ُن َب ّئ ُك ُ ْ
م إِ َ ج ٍ م ع ََلى َر ُ ل ن َد ُل ّك ُ ْ سبيل الستغراب} :هَ ْ
َ َ
ة{ جن ّ ٌ ديد ٍ أفْت ََرى ع ََلى الله ك َذ ًِبا أم ب ِهِ ِ ج ِ
ق َ خل ٍ
في َ ْ م لَ ِ ق إ ِن ّك ُ ْ مّز ٍ م َ ُ
]سبأ.[8 ،7 :
وقال قائلهم:
خَرافة يا أم عمرو ث ُ دي ُ ح ْ َ
شٌر ** ح ِ ث ثم َ ت ثم ب َعْ ٌ أموْ ٌ
وقد رد عليهم بتبصيرهم ما يجرى في الدنيا ،فالـظالم يموت دون
أن يلقى جزاء ظلمه ،والمظلوم يموت دون أن يأخذ حقه من
ظالمه ،والمحسن الصالح يموت قبل أن يلقى جزاء إحسانه
وصلحه ،والفاجر المسىء يموت قبل أن يعاقب على سوء عمله،
فإن لم يكن بعث ول حياة ول جزاء بعد الموت لستوى الفريقان،
بل لكان الظالم والفاجر أسعد من المظلوم والصالح ،وهذا غير
معقول إطلقا .ول يتصور من الله أن يبني نظام خلقه على مثل
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
َ
مما ل َك ُ ْ ن َ مي َ جرِ ِ م ْ كال ْ ُ ن َ مي َ سل ِ ِ م ْ ل ال ْ ُ جعَ ُ هذا الفساد .قال تعالى} :أفَن َ ْ
َ
ن
مي َ سل ِ ِ م ْ ل ال ْ ُ جعَ ُ ن{ ]القلم ،[36 ،35:وقال} :أفَن َ ْ مو َ حك ُ ُ ف تَ ْ ك َي ْ َ
ً
ب
س َ ح ِ م َ ن{ ]ص ،[28 :وقال} :أ ْ مو َ حك ُ ُ ف تَ ْ م ك َي ْ َ ما ل َك ُ ْ ن َ مي َ جرِ ِ م ْ كال ْ ُ َ
ّ
تحا ِ صال ِ َ مُلوا ال ّ مُنوا وَع َ ِ نآ َ ذي َ كال ّ ِ م َ جعَل َهُ ْ ت أن ن ّ ْ سي َّئا ِ حوا ال ّ جت ََر ُ نا ْ ذي َ ال ّ ِ
ن{ ]الجاثية.[21: مو َ حك ُ ُ ما ي َ ْ ساء َ م َ مات ُهُ ْ م َهم وَ َ حَيا ُ م ْ واء ّ س َ َ
َ ْ مأ ََ َ َ
قا أم ِ خل ً شد ّ َ
َ
دا عليه} :أأنت ُ ْ
َ
وأما الستبعاد العقلى فقال تعالى ر ً
ذي ن الله ال ّ ِ م ي ََرْوا أ ّ ها{ ]النازعات ،[27:وقال} :أوَل َ ْ ماء ب ََنا َ س َ ال ّ
َ َ ْ َ َ ْ
ي
حي ِ َ ن يُ ْ قاد ِرٍ ع َلى أ ْ ن بِ َ قه ِ ّ خل ِ ي بِ َ م ي َعْ َ ض وَل ْ ت َوالْر َ ماَوا ِ س َ خل َقَ ال ّ َ
ديٌر{ ]الحقاف ،[33 :وقال: يٍء قَ ِ ش ْ ل َ ه ع ََلى ك ُ ّ موَْتى ب ََلى إ ِن ّ ُ ال ْ َ
ن{ ]الواقعة ،[62:وبين ما لوَلى فَل َوَْل َتذك ُّرو َ شأ َة َ ا ْ ُ م الن ّ ْ }وَل َ َ
مت ُ ُقد ْ ع َل ِ ْ
َ
ه{ ]الروم: ن ع َل َي ْ ِ هو معروف عقًل وعرًفا ،وهو أن العادة }أهْوَ ُ
ه{ ]النبياء ،[104:وقال: ق ن ِّعيد ُ ُ خل ٍ
ل َ ْ ما ب َد َأ َْنا أ َوّ َ ،[27وقال} :ك َ َ
ل{ ]ق.[15 : َ
ق اْلوّ ِ }أ َفَعَِييَنا ِبال ْ َ ْ
خل ِ
ما يقنع كل ذى دا مفح ً وهكذا رد على كل ما أثاروا من الشبهات ر ً
علوا في عقل ولب ،ولكنهم كانوا مشاغبين مستكبرين يريدون ُ
الرض وفرض رأيهم على الخلق ،فبقوا في طغيانهم يعمهون.
3ـ الحيلولة بين الناس وبين سماعهم القرآن ،ومعارضته بأساطير
الولين:
كان المشركون بجنب إثارة هذه الشبهات يحولون بين الناس وبين
سماعهم القرآن ودعوة السلم بكل طريق يمكن ،فكانوا يطردون
الناس ويثيرون الشغب والضوضاء ويتغنون ويلعبون ،إذا رأوا أن
النبي صلى الله عليه وسلم يتهيأ للدعوة ،أو إذا رأوه يصلى ويتلو
نقْرآ ِ ذا ال ْ ُ مُعوا ل ِهَ َ س َ فُروا َل ت َ ْ ن كَ َ ذي َل ال ّ ِ القرآن .قال تعالى} :وََقا َ
ن{ ]فصلت [26:حتى إن النبي صلى الله م ت َغْل ُِبو َ وا ِفيهِ ل َعَل ّك ُ ْ َوال ْغَ ْ
عليه وسلم لم يتمكن من تلوة القرآن عليهم في مجامعهم
ضا عن ونواديهم إل في أواخر السنة الخامسة من النبوة ،وذلك أي ً
طريق المفاجأة ،دون أن يشعروا بقصده قبل بداية التلوة.
وكان النضر بن الحارث ،أحد شياطين قريش قد قدم الحيرة،
وتعلم بها أحاديث ملوك الفرس ،وأحاديث رستم واسفنديار ،فكان
سا للتذكير بالله إذا جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مجل ً
والتحذير من نقمته خلفه النضر ويقول :أنا و الله يا معشر قريش
أحسن حديًثا منه ،ثم يحدثهم عن ملوك فارس ورستم واسفنديار،
ثم يقول :بماذا محمد أحسن حديًثا مني.
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
ة ،فكان ل وفي رواية عن ابن عباس أن النضر كان قد اشترى قَي ْن َ ً
يسمع بأحد يريد السلم إل انطلق به إلى قينته ،فيقول :أطعميه
واسقيه وغنيه ،هذا خير مما يدعوك إليه محمد ،وفيه نزل قوله
ل الله
سِبي ِ
عن َ ض ّ
ل َ ث ل ِي ُ ِ
دي ِ ري ل َهْوَ ال ْ َ
ح ِ من ي َ ْ
شت َ ِ س َ
ن الّنا ِ
م َ
تعالى} :وَ ِ
ِ{ ]لقمان.[6 :
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
بطحاء مكة ،ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره ،ثم
يقول :ل والله ل تـزال هكـذا حتى تموت أو تكفر بمحمد ،وتعبد
اللت والعزى ،فيقول وهو في ذلك :أحد،أحد ،ويقـول :لو أعلم
كلمة هي أغيظ لكم منها لقلتها .ومر به أبو بكر يوما وهم يصنعون
ذلك به فاشتراه بغلم أسود ،وقيل :بسبع أواق أو بخمس من
الفضة ،وأعتقه.
وكان عمار بن ياسر رضي الله عنه مولى لبني مخزوم ،أسلم هو
وأبوه وأمه ،فكان المشركون ـ وعلى رأسهم أبو جهل ـ يخرجونهم
إلى البطح إذا حميت الرمضاء فيعذبونهم بحرها .ومر بهم النبي
صلى الله عليه وسلم وهم يعذبون فقال) :صبًرا آل ياسر ،فإن
موعدكم الجنة( ،فمات ياسر في العذاب ،وطعن أبو جهل سمية ـ
أم عمار ـ في قبلها بحربة فماتت ،وهي أول شهيدة في السلم،
وهي سمية بنت خياط مولة أبي حذيفة بن المغيرة بن عبد الله
بن عمر بن مخزوم ،وكانت عجوًزا كبيرة ضعيفة .وشددوا العذاب
على عمار بالحر تارة ،وبوضع الصخر الحمر على صدره أخرى،
وبغطه في الماء حتى كان يفقد وعيه .وقالوا له :ل نتركك حتى
دا ،أو تقول في اللت والعزى خيًرا ،فوافقهم على ذلك تسب محم ً
ها ،وجاء باكًيا معتذًرا إلى النبي صلى الله عليه وسلم .فأنزل مكر ً
ُ
ن مط ْ َ
مئ ِ ّ ن أك ْرِه َ وَقَل ْب ُ ُ
ه ُ مان ِهِ إ ِل ّ َ
م ْ من ب َعْد ِ إي َ
فَر ِبالله ِمن ك َ َ الله َ } :
ن{الية ] النحل.[ 106 : ما ِ
لي َ
ِبا ِ
ة ـ واسمة أفلح ـ مولى لبني عبد الدار ،وكان من وكان أبو فُك َي ْهَ َ
الزد .فكانوا يخرجونه في نصف النهار في حر شديد ،وفي رجليه
قيد من حديد ،فيجردونه من الثياب ،ويبطحونه في الرمضاء ،ثم
يضعون على ظهره صخرة حتى ل يتحرك ،فكان يبقى كذلك حتى
ل يعقل ،فلم يزل يعذب كذلك حتى هاجر إلى الحبشة الهجرة
الثانية ،وكانوا مرة قد ربطوا رجله بحبل ،ثم جروه وألقوه في
الرمضاء وخنقوه حتى ظنوا أنه قد مات ،فمر به أبو بكر فاشتراه
وأعتقه لله.
سباع الخزاعية ،وكان وكان خباب بن الرت مولى لم أنمار بنت ِ
دا ،فلما أسلم عذبته مولته بالنار ،كانت تأتى بالحديدة المحماة حدا ً
فتجعلها على ظهره أو رأسه ،ليكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم،
ضا
ما ،وكان المشركون أي ً فلم يكن يزيده ذلك إل إيماًنا وتسلي ً
يعذبونه فيلوون عنقه ،ويجذبون شعره ،وقد ألقوه على النار ،ثم
ك ظهره. سحبوه عليها ،فما أطفأها إل وَد َ َ
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
وكان أبو لهب قد زوج ولديه عتبة وعتيبة ببنتى رسول الله صلى
الله عليه وسلم رقية وأم كلثوم قبل البعثة ،فلما كانت البعثة
أمرهما بتطليقهما بعنف وشدة حتى طلقاهما.
ولما مات عبد الله ـ البن الثاني لرسول الله صلى الله عليه وسلم
دا صار
ـ استبشر أبو لهب وذهب إلى المشركين يبشرهم بأن محم ً
أبتر.
وكان أبو لهب كان يجول خلف النبي صلى الله عليه وسلم في
موسم الحج والسواق لتكذيبه ،وقد روى طارق بن عبد الله
المحاربى ما يفيد أنه كان ل يقتصر على التكذيب بل كان يضربه
بالحجر حتى يدمى عقباه.
وكانت امرأة أبي لهب ـ أم جميل أروى بنت حرب بن أمية ،أخت
أبي سفيان ـ ل تقل عن زوجها في عداوة النبي صلى الله عليه
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
ولما سمعت ما نزل فيها وفي زوجها من القرآن أتت رسول الله
صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد عند الكعبة ،ومعه
أبو بكر الصديق وفي يدها فِهٌْر ]أي بمقدار ملء الكف[ من حجارة،
فلما وقفت عليهما أخذ الله ببصرها عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم ،فل ترى إل أبا بكر ،فقالت :يا أبا بكر ،أين صاحبك؟ قد
بلغنى أنه يهجونى ،والله لو وجدته لضربت بهذا الفهر فاه ،أما
والله إني لشاعرة .ثم قالت:
ثم انصرفت ،فقال أبو بكر :يا رسول الله ،أما تراها رأتك؟ فقال:
)ما رأتنى ،لقد أخذ الله ببصرها عني(.
وروى أبو بكر البزار هذه القصة ،وفيها :أنها لما وقفت على أبي
بكر قالت :أبا بكر ،هجانا صاحبك ،فقال أبو بكر :ل ورب هذه
دق.
مص ّ
البنية ،ما ينطق بالشعر ول يتفوه به ،فقالت :إنك ل ُ
كان أبو لهب يفعل كل ذلك وهو عم رسول الله صلى الله عليه
وسلم وجاره ،كان بيته ملصقا ببيته ،كما كان غيره من جيران
رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤذونه وهو في بيته.
قال ابن إسحاق :كان النفر الذين يؤذون رسول الله صلى الله
عليه وسلم في بيته أبا لهب ،والحكم بن أبي العاص بن أمية،
وعقبة بن أبي معيط ،وعدى بن حمراء الثقفي ،وابن الصداء
الهذلى ـ وكانوا جيرانه ـ لم يسلم منهم أحد إل الحكم بن أبي
العاص ،فكان أحدهم يطرح عليه صلى الله عليه وسلم رحم الشاة
وهو يصلى ،وكان أحدهم يطرحها في برمته إذا نصبت له ،حتى
اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حجًرا ليستتر به منهم إذا
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
صلى فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طرحوا عليه ذلك
الذى يخرج به على العود ،فيقف به على بابه ،ثم يقول) :يا بني
عبد مناف ،أي جوار هذا؟( ثم يلقيه في الطريق.
وكان أمية بن خلف إذا رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم
ة{ ]سورة الهمزة: مَزةٍ ل ّ َ
مَز ٍ ل ل ّك ُ ّ
ل هُ َ همزه ولمزه .وفيه نزل} :وَي ْ ٌ
[1قال ابن هشام :الهمزة :الذي يشتم الرجل علنية ،ويكسر
عينيه ،ويغمز به .واللمزة :الذي يعيب الناس سًرا ،ويؤذيهم.
م ّ
شاء مازٍ ّ
ن هَ ّ
مِهي ٍ حّل ٍ
ف ّ ل َ عليه ،وهي في قوله تعالى }:وََل ت ُط ِعْ ك ُ ّ
م{ ]القلم.[13 :10: ك َزِني ٍ معْت َد ٍ أ َِثيم ٍ ع ُت ُ ّ
ل ب َعْد َ ذ َل ِ َ مّناٍع ل ّل ْ َ
خي ْرِ ُ ميم ٍ َ
ب ِن َ ِ
وكان أبو جهل يجىء أحياًنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
يسمع منه القرآن ،ثم يذهب عنه فل يؤمن ول يطيع ،ول يتأدب ول
يخشى ،ويؤذى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقول ،ويصد
عن سبيل الله ،ثم يذهب مختاًل بما فعل ،فخوًرا بما ارتكب من
صّلى{ صد ّقَ وََل َ
الشر ،كأن ما فعل شيًئا يذكر ،وفيه نزل} :فََل َ
]القيامة ،[31:وكان يمنع النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلة
منذ أول يوم رآه يصلى في الحرم ،ومرة مر به وهو يصلى عند
المقام فقال :يا محمد ،ألم أنهك عن هذا ،وتوعده ،فأغلظ لــه
رسـول الله صلى الله عليه وسلم وانتـهره ،فقال :يا محمد ،بأي
شىء تهددنى؟ أما والله إني لكثر هذا الوادى نادًيا .فأنزل الله
ة{ ]العلق .[18 ،17:وفي رواية أن }فَل ْي َد ْع ُ َناد َِيه َ
سن َد ْع ُ الّزَبان ِي َ َ
النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بخناقه وهزه ،وهو يقول له}:أ َوَْلى
ك فَأ َوَْلى{ ]القيامة [35 ،34:فقال عدو الله : م أ َوَْلى ل َ َ لَ َ َ
ك فَأوَْلى ث ُ ّ
أتوعدنى يا محمد؟ والله ل تستطيع أنت ول ربك شيًئا ،وإني لعز
من مشى بين جبليها.
ولم يكن أبو جهل ليفيق من غباوته بعد هذا النتهار ،بل ازداد
شقاوة فيما بعد .أخرج مسلم عن أبي هريرة قال :قال أبو جهل:
يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ فقيل :نعم ،فقال :واللت والعزى،
لئن رأيته لطأن على رقبته ،ولعفرن وجهه ،فأتى رسول الله
صلى الله عليه وسلم وهو يصلى ،زعم ليطأ رقبته ،فما فجأهم إل
وهو ينكص على عقبيه ،ويتقى بيديه ،فقالوا :ما لك يا أبا الحكم؟
ة ،فقال رسول الله قال :إن بينى وبينه لخندًقا من نار وهوًل وأجنح ً
وا
صلى الله عليه وسلم) :لو دنا منى لختطفته الملئكة عض ً
وا(.
عض ً
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال )) :كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم ليس بالطويل البائن ،ول بالقصير ،ول بالبيض
المهق ،ول بالدم ،ول بالجعد القطط ول بالسبط ،بعثه الله تعالى
على رأس أربعين سنة ،فأقام بمكة عشر سنين ،وبالمدينة عشر
سنين،وتوفاه الله على رأس ستين سنة وليس في رأسه ولحيته
عشرون شعرة بيضاء(( رواه البخاري ومسلم.
))كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بالطويل البائن((
دا من التوسط. المراد أنه لم يكن بعي ً
))ول بالقصير(( :أي المتردد الداخل بعضه في بعض ،والمعنى أنه
طا بين الطول والقصر ل زائد الطول ول القصر وفي كان متوس ً
نفي أصل القصر ونفي الطول البائن ل أصل الطول ,إشعار بأنه
عا مائل ً إلى الطول ،وأنه كان إلى
صلى الله عليه وسلم كان مربو ً
الطول أقرب ،كما رواه البيهقي ،ول ينافيه وصفه التي بأنه ربعة
لنها أمر نسبي ،ويوافقه خبر البراء :كان ربعة وهو إلى الطول
أقرب.
))ول بالبيض المهق :أي الشديد البياض الخالي عن الحمرة
((
والنور كالجص وهو كريه المنظر ،وربما توهمه الناظر أبرص بل
كان بياضه نيًرا مشرًبا بحمرة كما في روايات أخر.
))ول بالدم(( الدمة شدة السمرة وهي منزلة بين البياض والسواد،
قال العسقلني :تبين من مجموع الروايات أن المراد بالبياض
المنفي ما ل يخالطه الحمرة ,والمراد بالسمرة الحمرة التي
يخالطها البياض.
))ول بالجعد(( :بفتح الجيم وسكون العين من الجعودة وهي في
ما ول يسترسل. الشعر أن ل يتكسر تكسًرا تا ً
))القطط(( :بفتحتين وبكسر الثاني وهو شدة الجعودة.
))ول بالسبط(( :بفتح المهملة ،وكسر الموحدة وتسكن وتفتح,
والسبوطة في الشعر ضد الجعودة وهو المتداد الذي ليس فيه
تعقد ول نتوء أصل ً ,والمراد أن شعره صلى الله عليه وسلم
طا بين الجعودة والسبوطة. متوس ً
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
وثلث عشرة سنة نبًيا ورسول ً لن العلماء متفقون على أنه صلى
الله عليه وسلم أقام بمكة بعد النبوة وقبل الهجرة ثلث عشرة
سنة ،فقوله :أقام بمكة عشر سنين محتاج إلى تأويل وهو ما
ذكرناه ،ويحتمل أن الراوي اقتصر على العقد وترك الكسر ول
خلف في قوله)) :وبالمدينة عشر سنين(( لكن يشكل قوله:
))فتوفاه الله تعالى(( أي قبض روحه)) ،على رأس ستين سنة(( :لنه
يقتضي أن يكون سِنه ستين ،والمرجح أنه ثلث وستون ،وقيل:
خمس وستون ،وجمع بأن من روى الخير عد سنتي المولد
والوفاة ،ومن روى ثلًثا لم يعدهما ،ومن روى الستين لم يعد
الكسر ،واعلم أن ابتداء التاريخ السلمي من هجرته صلى الله
عليه وسلم من مكة إلى المدينة وقد قدم بها يوم الإثنين ضحى
لثنتي عشرة خلت من ربيع الول.
))وليس في رأسه ولحيته(( بكسر اللم ))عشرون شعرة(( بسكون
العين فقط ،وقد يفتح ،وأما الشعر فبالفتح ويسكن.
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
طعامه وشرابه
دا ,فما
دا ،ول يتكلف مفقو ً
كان صلى الله عليه وسلم ل يرد موجو ً
قُّرب إليه شيٌء من الطيبات إل أكله ،إل أن تعافه نفسه ،فيتركه
ما قط ،إن اشتهاه أكله وإل تركه.
من غير تحريم ،وما عاب طعا ً
كان ينام على الفراش تارة وعلى النطع تارة ،وعلى الحصير تارة،
وعلى الرض تارة ،وعلى السرير تارة.
وكان إذا أوى إلى فراشه للنوم قال)) :باسمك اللهم أحيا وأموت((
]رواه البخاري ومسلم[ ,وكان يجمع كفيه ثم ينفث فيهما وكان
يقرأ فيهما )قل هو الله أحد() ,وقل أعوذ برب الفلق() ,وقل أعوذ
برب الناس( ,ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على
رأسه ووجهه ،وما أقبل من جسده ،يفعل ذلك ثلث مرات.
وكان ينام على شقه اليمن ،ويضع يده اليمنى تحت خده اليمن.
باع رسول الله صلى الله عليه وسلم واشترى ,وكان أحسن الناس
معاملة ,وكان إذا استسلف قضى خيًرا منه ،وكان إذا استسلف من
فا قضاه إياه ودعا له.
ل سل ً
رج ٍ
ما,
كان صلى الله عليه وسلم أفصح خلق الله ,وأعذبهم كل ً
قا حتى إن كلمه ليأخذ بمجامع وأسرعهم أداًء ,وأحلهم منط ً
القلوب ،ويسبي الرواح.
ن يعده العاد ،ليس بهذ ل مبي ٍ
وكان إذا تكلم ,تكلم بكلم ٍ مفص ٍ
مسرٍع ل ُيحفظ ،ول منقطٍع تخلله السكتات بين أفراد الكلم.
وكان يضحك مما ُيضحك منه ،وهو مما ُيتعجب من مثله وُيستغرب
وقوعه وُيستندر ،ولم يكن ضحكه بقهقهة.
ت،
ق ورفع صو ٍ وأما بكاؤه صلى الله عليه وسلم فلم يكن بشهي ٍ
ولكن كانت تدمع عيناه حتى تهمل ،وُيسمع لصدره أزيز ،وكان
ة عليها,ة للميت ,وتارة ً خوًفا على أمته وشفق ًبكاؤه تارة ً رحم ً
ق
وتارة ً من خشية الله ،وتارة ً عند سماع القرآن وهو بكاء اشتيا ٍ
ب للخوف والخشية. ل ،مصاح ٌومحبةٍ وإجل ٍ
خطب صلى الله عليه وسلم على الرض وعلى المنبر ،وعلى
البعير ،وعلى الناقة ،وكان إذا خطب احمرت عيناه وعل صوته
واشتد غضبه.
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
كان صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلةٍ في غالب أحيانه وربما
صلى الصلوات بوضوٍء واحد ،وكان يتوضأ بالمد تارة وبثلثيه تارة،
وبأزيد منه تارة.
كان صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلة قال :الله أكبر ،وكان
يرفع يديه معها ممدودة الصابع ،مستقبل ً بها القبلة إلى فروع
أذنيه ،وروي إلى منكبيه.
ة
ثم يضع اليمنى على ظهر اليسر ،وكان يستفتح الصلة بأدعي ٍ
مأثورة ،صح عنه أكثر من دعاء في هذا الموضع ,وكان يقول بعد
ذلك" :أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" ثم يقرأ الفاتحة.
دا ،يقف عند كل آية ،ويمد بها صوته. وكانت قراءته م ً
فإذا فرغ من قراءة الفاتحة قال :آمين ،فإن كان يجهر بالقراءة
رفع بها صوته وقالها من خلفه.
فإذا فرغ من الفاتحة أخذ في سورةٍ غيرها ،وكان يطيلها تارة،
ويخففها لعارض من سفرٍ أو غيره ،ويتوسط فيها غالًبا.
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
وكان صلى الله عليه وسلم يطيل الركعة الولى على الثانية من
صلة الصبح ،ومن كل صلة ,وكان يطيل صلة الصبح أكثر من
سائر الصلوات ,وكان صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من القراءة
سكت بقدر ما يتراد إليه نفسه ،ثم رفع يديه كما تقدم وكبر راكًعا
ووضع كفيه على ركبتيه كالقابض عليهما ووتر يديه فنحاهما عن
جنبيه ،وبسط ظهره ومده واعتدل ,ولم ينصب رأسه ولم يخفضه
بل يجعله حيال ظهره معادل ً له ,وكان يقول في ركوعه "سبحان
ربي العظيم".
وكان ركوعه المعتاد مقدار عشر تسبيحات وسجوده كذلك.
ل :سمع الله لمن حمده ويرفع يديه ثم كان يرفع رأسه بعد ذلك قائ ً
كما تقدم.
ما يقيم صلبه إذا رفع من الركوع ،وبين السجدتين ،وكان وكان دائ ً
ما قال" :ربنا ولك الحمد" ,وكان من هديه أنه يطيل إذا استوى قائ ً
دا ،ول
هذا الركن بقدر الركوع والسجود ,ثم كان يكبر ويخر ساج ً
يرفع يديه ,وكان صلى الله عليه وسلم إذا سجد مكن جبهته وأنفه
من الرض ،ونحى يديه عن جنبيه وجافى بهما ,وكان يضع يديه حذو
منكبيه وأذنيه.
وكان يعتدل في سجوده ويستقبل أطراف أصابع رجليه القبلة.
وكان يبسط كفيه وأصابعه ول يفرج بينهما ول يقبضها ,وكان يقول
في سجوده "سبحان ربي العلى".
ثم كان صلى الله عليه وسلم يرفع رأسه مكبًرا غير رافٍع يديه،
شا ,يفرش ويرفع من السجود رأسه قبل يديه ,ثم يجلس مفتر ً
رجله اليسرى ويجلس عليها وينصب اليمنى.
وكان يضع يديه على فخذيه ويجعل مرفقه على فخذه ،وطرف
يديه على ركبتيه ,ثم كان يقول بين السجدتين" :اللهم اغفر لي
وارحمني واجبرني واهدني وارزقني" وتارة يقول" :رب اغفر لي
رب اغفر لي".
وكان هديه صلى الله عليه وسلم إطالة هذا الركن بقدر السجود,
ثم كان ينهض صلى الله عليه وسلم ,وكان إذا نهض افتتح القراءة
ولم يسكت كما كان يسكت عند افتتاح الصلة .وكان النبي صلى
الله عليه وسلم يصلي الثانية كالولى سواء ،إل في أربعة أشياء:
السكوت أو الستفتاح ،وتكبيرة الحرام ،وتطويلها كالولى ،فإنه
كان صلى الله عليه وسلم ل يستفتح ول يسكت ,ول يكبر للحرام
فيها ,أو يقصرها عن الولى.
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
فإذا جلس للتشهد وضع يده اليسرى على فخذه اليسرى ,وضع
يده اليمنى على فخذه اليمنى ,وأشار بإصبعه السبابة ويرمي
ببصره إليها.
ويبسط الكف اليسرى على الفخذ اليسرى ,ثم كان صلى الله عليه
وسلم يتشهد في هذه الجلسة ويعلم أصحابه أن يقولوا)) :التحيات
لله والصلوات والطيبات ,السلم عليك أيها النبي ورحمة الله
وبركاته ,السلم علينا وعلى عباد الله الصالحين ,أشهد أن ل إله إل
دا عبده ورسوله((].البخاري ومسلم[. الله ,وأشهد أن محم ً
ثم كان ينهض مكبًرا على صدور قدميه وعلى ركبتيه ,ثم كان يقرأ
في الركعتين الخيرتين الفاتحة وحدها.
وكان صلى الله عليه وسلم إذا جلس في التشهد الخير وضع يده
اليمنى على فخذه اليمنى ,وضم أصابعه الثلث ,ونصب السبابة,
وكان يبسط ذراعه على فخذه ول يجافيهما فيكون حد مرفقه عند
آخر فخذه ،وأما اليسرى فممدودة الصابع على الفخذ اليسرى.
وكان يستقبل بأصابعه القبلة في رفع يديه في ركوعه ,وفي
سجوده ,وفي تشهده ,ويستقبل بأصابع رجليه القبلة في سجوده,
وكان يقول في كل ركعتين التحيات ,ثم كان يسلم عن يمينه
السلم عليكم ورحمة الله وعن يساره كذلك.
والثانية :تحتمه ،لكن كان الصائم إذا نام قبل أن يطعم حرم عليه
الطعام والشراب إلى الليلة القابلة ,فنسخ ذلك بالرتبة الثالثة,
وهي التي استقر عليها الشرع إلى يوم القيامة.
وكان من هديه صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان ،الكثار من
أنواع العبادات ،فكان جبريل عليه الصلة والسلم ُيدارسه القرآن
في رمضان ,وكان إذا لقيه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة،
وكان أجود الناس ،وأجود ما يكون في رمضان ُيكثر فيه من
الصدقة والحسان وتلوة القرآن ،والصلة ،والذكر ،والعتكاف,
وكان يخص رمضان من العبادة بما ل يخص غيره من الشهور.
وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن ل يدخل في صوم رمضان
إل برؤية محققة أو بشهادة شاهد ٍ واحد.
وكان صلى الله عليه وسلم ُيفطر قبل أن يصلي ,وكان ِفطره على
ت ،فإن لم يجد فعلى ت إن وجدها فإن لم يجدها فعلى تمرا ٍ رطبا ٍ
ت من ماء.
حسوا ٍ
وكان صلى الله عليه وسلم في غير رمضان يصوم حتى يقال :ل
ُيفطر ،وُيفطر حتى يقال :ل يصوم ،وما استكمل صيام شهر غير
رمضان ،وما كان يصوم في شهرٍ أكثر مما يصوم في شعبان.
وكان يتحرى صيام يوم الثنين والخميس ,ولم يكن من هديه صلى
الله عليه وسلم سرد الصوم وصيام الدهر.
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
عمر ،كلهن في ذي اعتمر صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة أربع ُ
القعدة ،الولى :عمرة الحديبية ،وهي أولهن سنة ست ،فصده
صد ّ بالحديبية وحلق هو المشركون عن البيت ,فنحر الُبدن حيث ُ
وأصحابه رؤوسهم ،وحلوا من إحرامهم ،ورجع من عامه إلى
المدينة.
الثانية :عمرة القضية في العام المقبل ،دخل مكة فأقام بها ثلًثا،
ثم خرج بعد إكمال عمرته ،واخُتلف؛ هل كانت قضاٌء للعمرة التي
صد عنها في العام الماضي ،أم عمرة ٌ مستأنفة؟ على قولين ُ
للعلماء.
الثالثة :عمرته التي قرنها مع حجته ،فإنه كان قارًنا لبضعة عشر
دلي ً
ل.
الرابعة :عمرته من الجعرانه ،لما خرج إلى حنين ،ثم رجع إلى
مكة ،فاعتمر من الجعرانة داخل ً إليها.
مَره لم تزد على أربع ,ول خلف أنه لم يحج بعد ول خلف أن ع ُ َ
هجرته إلى المدينة سوى حجةٍ واحدة ،وهي حجة الوداع ,ول خلف
أنها كانت سنة عشر.
ض الحج ،بادر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ولما نزل فر ُ
الحج من غير تأخير.
ولما عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحج أعلم الناس
أنه حاج ,فتجهزوا للخروج معه وسمع ذلك من حول المدينة،
فقدموا يريدون الحج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ووافاه
في الطريق خلئق ل يحصون فكانوا من بين يديه ,ومن خلفه,
وعن يمينه ،وعن شماله مد البصر ،وخرج من المدينة نهاًرا بعد
ت بقين من ذي القعدة بعد أن صلى الظهر أربًعا، الظهر لس ٍ
ة علمهم فيها الحرام وواجباته وسننه. وخطبهم قبل ذلك خطب ً
جل وأدهن ،ولبس فصلى الظهر بالمدينة بالمسجد أربًعا ،ثم تر ّ
إزاره ورداءه ،وخرج بين الظهر والعصر ،فنزل بذي الحليفة،
فصلى بها العصر ركعتين ,ثم بات بها ،وصلى بها المغرب والعشاء
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
فلما كان يوم الخميس ضحى ،توجه بمن معه من المسلمين إلى
منى ,فلما وصل إلى منى نزل بها ،وصلى بها الظهر والعصر ،وبات
بها ،وكان ليلة الجمعة ،فلما طلعت الشمس سار منها إلى عرفة.
وكان من أصحابه الملبي ومنهم المكبر ،وهو يسمع ذلك ول ينكر
على هؤلء ول على هؤلء.
فوجد القبة قد ضربت له بنمرة بأمره ،وهي قرية شرقي عرفات،
فنزل بها ،حتى إذا زالت الشمس ،أمر بناقته القصواء فَُرحلت ,ثم
سار حتى أتى بطن الوادي من أرض عرنة ،فخطب الناس وهو
ة قرر فيها قواعد السلم وهدم فيها ة عظيم ً
على راحلته خطب ً
قواعد الشرك والجاهلية ،وقرر فيها تحريم المحرمات التي اتفقت
الملل على تحريمها ،وهي الدماء والموال والعراض ,ووضع فيها
أمور الجاهلية تحت قدميه ،ووضع فيها ربا الجاهلية كله وأبطله،
وأوصاهم بالنساء خيًرا ،وذكر الحق الذي لهن والذي عليهن ،وأن
الواجب لهن الرزق والكسوة بالمعروف.
وأوصى المة فيها بالعتصام بكتاب الله ،وأخبر أنهم لن يضلوا ما
داموا معتصمين به ,ثم أخبرهم أنهم مسئولون عنه واستنطقهم
بماذا يقولون وبماذا يشهدون ،فقالوا :نشهد أنك قد بلغت وأديت
ونصحت ,فرفع أصبعه إلى السماء ،واستشهد الله عليهم ثلث
مرات ،وأمرهم أن يبلغ شاهدهم غائبهم.
وموضع خطبته صلى الله عليه وسلم لم يكن من الموقف ،فإنه
ة واحدة فلما أتمها أمر خطب بعرنة ،ووقف بعرفة ،وخطب خطب ً
بلل ً فأذن ثم أقام الصلة ،فصلى الظهر ركعتين أسر فيهما
بالقراءة ،وكان يوم الجمعة ،فدل على أن المسافر ل يصلي
جمعة ،ثم أقام فصلى العصر ركعتين ,فلما فرغ من صلته ركب
حتى أتى الموقف ،فوقف في ذيل الجبل عند الصخرات ،واستقبل
القبلة ،وكان على بعيره ،فأخذ في الدعاء والتضرع والبتهال إلى
غروب الشمس ,وكان في دعائه رافًعا يديه إلى صدره كاستطعام
المسكين ،وأخبرهم أن خير الدعاء دعاء يوم عرفة ,وفي عرفة
ُأنزل عليه قول الله تعالى} :اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت
عليكم نعمتي ورضيت لكم السلم ديًنا{]المائدة.[3 :
فلما غربت الشمس ،واستحكم غروبها بحيث ذهبت الصفرة،
أفاض من عرفة ،وأردف أسامة بن زيد خلفه وأفاض بالسكينة,
وكان يلبي في مسيره ذلك لم يقطع التلبية ,فلما كان في أثناء
فا.
الطريق نزل وتوضأ وضوًءا خفي ً
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
ثم سار حتى أتى المزدلفة فتوضأ وضوء الصلة ،ثم أمر بالذان
فأذن المؤذن ثم أقام ،فصلى المغرب قبل حط الرحال ،وتبريك
الجمال ،فلما حطوا رحالهم أمر فأقيمت الصلة ،ثم صلى عشاء
الخرة بإقامةٍ بل أذان ،ولم يصل بينهما شيًئا ,ثم نام حتى أصبح
وأذن في تلك الليلة لضعفة أهله أن يتقدموا إلى منى قبل طلوع
الفجر ،وكان ذلك عند غيبوبة القمر ،وأمرهم أن ل يرموا الجمرة
حتى تطلع الشمس.
فلما طلع الفجر ،صلها في أول الوقت بأذان وإقامة يوم النحر،
وهو يوم العيد ،وهو يوم الحج الكبر ،وهو يوم الذان ببراءة الله
ورسوله من كل مشرك.
ثم ركب حتى أتى موقفه عند المشعر الحرام فاستقبل القبلة
دا،
وأخذ في الدعاء والتضرع والتكبير والتهليل والذكر حتى أصفر ج ً
وذلك قبل طلوع الشمس ,وقف صلى الله عليه وسلم في موقفه،
وأعلم الناس أن مزدلفة كلها موقف ،ثم سار من مزدلفة مردًفا
للفضل بن عباس وهو يلبي في مسيره.
وفي طريقه ذلك أمر ابن عباس أن يلقط له حصى الجمار سبع
حصيات ,فالتقط له سبع حصيات من حصى الخذف ،فجعل
ينفضهن في كفه ويقول)) :بأمثال هؤلء فارموا ،وإياكم والغلو في
الدين ,فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين((.
حرك ناقته وأسرع السير ،وهذه كانت سرَ ،ح ّ
م َ
فلما أتى بطن ُ
عادته في المواضع التي نزل فيها بأس الله بأعدائه ،فإن هنالك
سمي ذلك الوادي أصاب أصحاب الفيل ما قص الله علينا ،ولذلك ُ
سر فيه ،أيُ :أعيي وانقطع عن الذهاب ح َ
سر؛ لن الفيل َ ح ّ
م َ
وادي ُ
إلى مكة ،وكذلك فعل في سلوكه الججر ديار ثمود ،فإنه تقّنع
بثوبه ،وأسرع السير.
منى وبين مزدلفة ,ل من هذه ول من هذه. خ بين ِ ومحسر :برز ٌ
وعرنة :برزخ بين عرفة والمشعر الحرام ,وسلك صلى الله عليه
وسلم الطريق الوسطى بين الطريقين ،وهي التي تخرج على
الجمرة الكبرى ،حتى أتى منى ،فأتى جمرة العقبة ،فوقف في
أسفل الوادي ،وجعل البيت عن يساره ،ومنى عن يمينه ,واستقبل
الجمرة وهو على راحلته ,فرماها راكًبا بعد طلوع الشمس ،واحدةٌ
بعد واحدةُ ,يكّبر مع كل حصاة ،وحينئذ قطع التلبية ,وكان في
لمسيره ذلك يلبي حتى شرع في الرمي ،ورمي الجمرات وبل ٌ
وأسامة بن زيد ٍ معه .
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
ة بليغة ,أعلمهم فيها بحرمة ثم رجع إلى منى فخطب الناس خطب ً
يوم النحر وتحريمه ،وفضله عند الله ،وحرمة مكة على جميع
البلد ،وأمرهم بالسمع والطاعة لمن قادهم بكتاب الله ،وأمر
الناس بأخذ مناسكهم عنه ,وعلمهم مناسكهم ،وأنزل المهاجرين
والنصار منازلهم ،وأمر الناس أن ل يرجعوا بعده كفاًرا يضرب
بعضهم رقاب بعض ،وأمر بالتبليغ عنه.
وقال في خطبته تلك)) :اعبدوا ربكم ،وصلوا خمسكم ،وصوموا
شهركم وأطيعوا ذا أمركم ،تدخلوا جنة ربكم(( ,وودع حينئذ الناس،
جة الوداع.
ح َفقالواَ :
ثم انصرف إلى المنحر بمنى ،فنحر ثلًثا وستين بدنة بيده.
ونحر صلى الله عليه وسلم بمنحره بمنى ،وأعلمهم أن منى كلها
منحر ،وأن ضجاج مكة طريقٌ ومنحر ,فلما أكمل رسول الله صلى
الله عليه وسلم نحره ،استدعى الحلق فحلق رأسه ,ودعا
للمحلقين بالمغفرة ثلًثا ،وللمقصرين مرة ،وحلق كثيٌر من
الصحابة بل أكثرهم ،وقصر بعضهم .ثم أفاض إلى مكة قبل الظهر
راكًبا ،فطاف طواف الفاضة ،وهو طواف الزيارة ,وهو طواف
الصدر ,ولم يطف غيره ,ولم يسع معه وهذا هو الصواب ,ثم أتى
زمزم بعد أن قضى طوافه ,ثم رجع إلى منى من يومه ذلك فبات
بها ،فلما أصبح انتظر زوال الشمس ،فلما زالت مشى من رحله
إلى الجمار ولم يركب ,فبدأ بالجمرة الولى التي تلي مسجد
ت واحدة ً بعد واحدة ،ويقول مع كل الخيف ،فرماها بسبع حصيا ٍ
حصاة)) :الله أكبر(( ثم تقدم على الجمرة أمامها حتى أسهل,
فقام مستقبل القبلة ،ثم رفع يديه ودعا دعاًء طويل ً بقدر سورة
البقرة ،ثم أتى إلى الجمرة الوسطى فرماها كذلك ,ثم انحدر ذات
اليسار مما يلي الوادي ,فوقف مستقبل القبلة رافًعا يديه يدعو
قريًبا من وقوفه الول ,ثم أتى الجمرة الثالثة وهي جمرة العقبة،
فاستبطن الوادي ،واستعرض الجمرة ،فجعل البيت عن يساره
ومنى عن يمينه ،فرماها بسبع حصيات كذلك ,فلما أكمل الرمي
رجع من فوره ولم يقف عندها.
ت للدعاء:وقد تضمنت حجته صلى الله عليه وسلم ست وقفا ٍ
الموقف الول :على الصفا ,والثاني :على المروة ,والثالث :بعرفة,
والرابع :بمزدلفة ,والخامس :عند الجمرة الولى والسادس :عند
الجمرة الثانية.
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
ولم يتعجل صلى الله عليه وسلم في يومين ،بل تأخر حتى أكمل
رمي أيام التشريق الثلثة ،وأفاض يوم الثلثاء بعد الظهر إلى
صب ،وهو البطح. ح ّ
م َ
ال ُ
ة هناك ،فصلى الظهر والعصر فوجد أبا رافع قد ضرب له فيه قب ً
والمغرب والعشاء ،ورقد رقدة ً ثم نهض إلى مكة فطاف للوداع
ليل ً سحًرا.
ثم ارتحل صلى الله عليه وسلم راجًعا إلى المدينة ,فلما أتي ذا
الحليفة بات بها ،فلما رأى المدينة كبر ثلث مرات وقال)) :ل إله
إل الله وحده ل شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء
قدير ,آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون ,صدق الله
وعده ,ونصر عبده ,وهزم الحزاب وحده((.
البيت النبوي
-1كان البيت النبوي في مكة قبل الهجرة يتألف منه عليه الصلة والسلم،
ومن زوجته خديجة بنت خويلد ،تزوجها وهو في خمس وعشرين من سنه،
وهي في الربعين ،وهي أول من تزوجه من النساء ،ولم يتزوج عليها غيرها،
وكان له منها أبناء وبنات ،أما البناء ،فلم يعش منهم أحد ،وأما البنات فهن
:زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة ،فأما زينب فتزوجها قبل الهجرة ابن
خالتها ,أبوالعاص بن الربيع ،وأما رقية وأم كلثوم فقد تزوجهما عثمان بن
عفان رضي الله عنه الواحدة بعد الخرى ،وأما فاطمة فتزوجها على بن أبي
طالب بين بدر وأحد ،ومنها كان الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم.
ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمتاز عن أمته بحل التزوج بأكثر
من أربع زوجات لغراض كثيرة ،فكان عدد من عقد عليهن ثلثة عشرة
امرأه ،منهن تسع مات عنهن ،واثنتان توفيتا في حياته ،إحداهما خديجة،
والخرى أم المساكين زينب بنت خريمة ،واثنتان لم يدخل بهما ،وها هي
أسماؤهن وشيء عنهن.
-2سودة بنت زمعة ،تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال
سنة عشر من النبوة ،بعد وفاة خديجة بنحو شهر ،وكانت قبله عند ابن عم
لها يقال له :السكران بن عمرو ،فمات عنها .توفيت بالمدينة في شوال سنة
54هـ .
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
3ـ عائشة بنت أبي بكر الصديق ،تزوجها في شوال سنة إحدى عشرة من
النبوة ،بعد زواجه بسودة بسنة ،وقبل الهجرة بسنتين وخمسة أشهر ،تزوجها
وهي بنت ست سنين ،وبني بها في شوال بعد الهجرة بسبعة أشهر في
المدينة ،وهي بنت تسع سنين ،وكانت بكرا ً ولم يتزوج بكرا ً غيرها ،وكانت
أحب الخلق إليه ،وأفقه نساء المة ،وأعلمهن على الطلق ،فضلها على
النساء كفضل الثريد على سائر الطعام .توفيت في 17رمضان سنة 57هـ
أو 58هـ ودفنت بالبقيع.
-5زينب بنت خزيمة من بنى هلل بن عامر بن صعصة ،وكانت تسمى أم
المساكين ،لرحمتها أياهم ورقتها عليهم ،كانت تحت عبد الله بن جحش،
فاستشهد في أحد ،فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة 4هـ .
ماتت بعد الزواج بنحو ثلثة أشهرفي ربيع الخر سنة 4هـ ،فصلى عليها
النبي صلى الله عليه وسلم ،ودفنت بالبقيع.
-6أم سلمة هند بنت أبي أمية ،كانت تحت أبي سلمة،وله منها أولد ،فمات
عنها في جمادى الخر سنة 4هـ ،فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم
في ليال بقين من شوال السنة نفسها ،وكانت من افقه النساء وأعقلهن.
توفيت سنة 59هـ ،وقيل62 :هـ ودفنت بالبقيع ،ولها 84سنة.
-7زينب بنت جحش بن رباب من بنى أسد بن خزيمة ،وهي بنت عمة
رسول الله صلى الله عليه وسلم ،كانت تحت زيد بن حارثة -الذي كان
يعتبر ابنا للنبي صلى الله عليه وسلم -فطلقها زيد ،فلما انقضت العدة أنزل
من َْها وَط ًَرا الله تعالى يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم }فَل َ ّ
ما قَ َ
ضى َزي ْد ٌ ّ
جَناك ََها{ ]الحزاب ،[37 :وفيها نزلت من سورة الحزاب آيات فصلت َزوّ ْ
قضية التبني -وسنأتي على ذكرها -تزوجها رسول الله صلى الله عليه
وسلم في ذي القعدة سنة خمس من الهجرة .وقيل :سنة 4هـ ،وكانت أعبد
النساء وأعظمهن صدقة ،توفيت سنة 20هـ ولها 53سنة .وكانت أول
أمهات المؤمنين وفاة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ،صلى عليها
عمر بن الخطاب ،ودفنت بالبقيع.
-8جويرية بنت الحارث سيد بنى المصطلق من خزاعة ،كانت في سبي بنى
المصطلق في سهم ثابت بن قيس بن شماس ،فكاتبها ،فقضى رسول الله
صلى الله عليه وسلم كتابتها ،وتزوجها في شعبان سنة 6هـ .وقيل :سنة
5هـ ،فأعتق المسلمون مائة أهل بيت من بني المصطلق ،وقالوا أصهار
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فكانت أعظم النساء بركة على قومها.
توفيت في ربيع الول سنة 56هـ ،وقيل 55 :هـ .ولها 65سنة.
-9أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان ،كانت تحت عبيد الله بن جحش ،فولدت
له حبيبة فكنيت بها ،وهاجرت معه إلى الحبشة ،فارتد عبيد الله وتنصر،
وتوفي هناك ،وثبتت أم حبيبة على دينها وهجرتها ،فلما بعث رسول الله
صلى الله عليه وسلم عمرو بن أميه الضمري بكتابه إلى النجاشي في
المحرم سنة 7هـ .خطب عليه أم حبيبة فزوجها إياه وأصدقها من عنده
أربعمائة دينار ،وبعث بها مع شرحبيل بن حسنة .فابتنى بها النبي صلى الله
عليه وسلم بعد رجوعه من خيبر .توفيت سنة 42هـ ،أو 44هـ ،أو 50هـ.
-10صفية بنت حيي بن أخطب سيد بن النضير من بنى إسرائيل ،كانت من
سبي خيبر ،فاصطفاها رسول الله صلى الله وعليه وسلم لنفسه ،وعرض
عليها السلم فأسلمت ،فأعتقها وتزوجها بعد فتح خيبر سنة 7هـ ،وابتنى بها
بسد الصهباء على بعد 12ميل من خيبر في طريقه إلى المدينة .توفيت
سنة 50هـ وقيل52 :هـ ،وقيل 36هـ ودفنت بالبقيع.
-11ميمونة بنت الحارث ،أخت أم الفضل لبابة بنت الحارث ،تزوجها في ذي
القعدة سنة 7هـ ،في عمرة القضاء ،بعد أن حل منها على الصحيح.
وابتنى بها بسرف على بعد 9أميال من مكة ،وقد توفيت بسرف سنة 61
هـ ،وقيل ،63 :وقيل 38 :هـ ودفنت هناك ،ول يزال موضع قبرها معروفا.
فهؤلء إحدى عشرة سيدة تزوج بهن الرسول صلى الله عليه وسلم ،وبنى
بهن وتوفيت منهن اثنتان -خديجة وزينب أم المساكين -في حياته ،وتوفي
هو عن التسع البواقي.
وأما الثنتان اللتان لم يبن بهما ،فواحدة من بنى كلب ،وأخرى من كندة،
وهي المعروفة بالجونبة ،وهناك خلفات لحاجة إلى بسطها.
وأما السراري فالمعروف أنه تسرى باثنتين إحداهما مارية القبطية ،أهداها
له المقوقس ،فأولدها ابنه إبراهيم ،الذي توفي صغيرا بالمدينة في حياته
صلى الله عليه وسلم ،في / 28أو 29من شهر شوال سنة 10هـ وفق 27
يناير سنة 632م.
ومن نظر إلى حياة الرسول صلى الله عليه وسلم عرف جيدا ً أن زواجه بهذا
العدد الكثير من النساء في أواخر عمره بعد أن قضى ما يقارب ثلثين عاما ً
من ريعان شبابه وأجود أيامه مقتصرا على وجة واحدة شبه عجوز -خديجة
ثم سودة -عرف أن هذا الزواج لم يكن لجل أنه وجد بغته في نفسه قوة
عارمة من الشبق ،ل يصبر معها إل بمثل هذا العدد الكثير من النساء؛ بل
كانت هناك أغراض أخرى أجل وأعظم من الغرض الذي يحققه عامة
الزواج.
فاتجاه الرسول صلى الله عليه وصلى إلى مصاهرة أبي بكر وعمر بزواجه
بعائشة وحفصة -وكذلك تزوجيه ابنته فاطمة بعلي بن أبي طالب ،وتزويجه
ابنتيه رقية ثم أم كلثوم بعثمان بن عفان -يشير إلى أنه يبغي من وراء ذلك
توثيق الصلت بالرجال الربعة ،الذي عرف بلءهم وفداءهم للسلم في
الزمات التي مرت به ،وشاء الله أن يجتازها بسلم.
وكان من تقاليد العرب الحترام للمصاهرة ،فقد كان الصهر عندهم بابا من
أبواب التقرب بين البطون المختلفة ،وكانوا يرون مناوأة ومحاربة الصهار
سبة وعارا ً على أنفسهم ،فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم بزواج عدة
من أمهات المؤمنين أن يكسر سورة عداء القبائل للسلم ،ويطفئ حدة
بغضائها ،كانت أم سلمة من بنى مخزوم -حي أبي جهل وخالد بن الوليد -
فلما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقف خالد من المسلمين
موقفه الشديد بأحد ،بل أسلم بعد مدة غير طويلة طائعا راغبًا ،وكذلك أبو
سفيان لم يواجه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأي محاربة بعد زواجه
بابنته أم حبيبة ،وكذلك ل نرى من قبيلتي بني المصطلق وبني النضير أي
استفزاز وعداء بعد زواجه بجويرية وصفية؛ بل كانت جويرية أعظم النساء
بركة على قومها ،فقد أطلق الصحابة أسر مائة بيت من قومها حين تزوجها
رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وقالوا :أصهار رسول الله صلى الله عليه
وسلم .ول يخفي ما لهدا المن من الثر البالغ في النفوس.
وأكبر من كل ذلك وأعظم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مأمورا
بتزكية وتثقيف قوم لم يكونوا يعرفون شيئا من آداب الثقافة والحضارة
والتقيد بلوازم المدينة ،والمساهمة في بناء المجتمع وتعزيزه.
والمبادئ التي كانت أسسها لبناء المجتمع السلمي ،لم تكن تسمح للرجال
أن يختلطوا بالنساء ،فلم يكن يمكن تثقيفهن مباشرة مع المراعاة لهذه
المبادئ ،مع أن مسيس الحاجة إلى تثفيفهن مباشرة لم يكن أهون وأقل
من الرجال ،بل كان أشد وأقوى.
وإذن فلم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم سبيل إل أن يختار من النساء
المختلفة العمار والمواهب ما يكفي لهذا الغرض ،فيزكيهن ويربيهن،
ويعلمهن الشرائع والحكام ،ويثقفهن بثقافة السلم حتى يعدهن؛ لتربية
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
وقد كان لمهات المؤمنين فضل كبير في نقل أحواله -صلى الله عليه
وسلم -المنزلية للناس ،خصوصا ً من طالت حياته منهن كعائشة ،فإنها روت
كثيرا ً من افعاله وأقواله.
وهناك نكاح واحد كان لنقض تقليد جاهلي متأصل ،وهي قاعدة التبني .وكان
للمتبني عند العرب في الجاهلية جميع الحرمات والحقوق التي كانت للبن
الحقيقي سواء بسواء .وكانت قد تاصلت تلك القاعدة في القلوب ،بحيث لم
ل ،لكن كانت تلك القاعدة تعارض معارضة شديدة للسس يكن محوها سه ً
والمبادئ التي قررها السلم في النكاح والطلق والميراث وغير ذلك من
المعاملت ،وكانت تلك القاعدة تجلب كثيرا من المفاسد والفواحش التي
جاء السلم؛ ليمحوها عن المجتمع.
وقدر الله أن يكون هدم تلك القاعدة على يد رسول الله صلى الله عليه
وسلم وبذاته الشريفة ،وكانت ابنة عمته زينب بنت جحش ،وكانت تحت زيد
بن حارثة الذي كان يدعى زيد بن محمد ،ولم يكن بينهما توافق ،حتى هم
زيد بطلقها ،وفاتح بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وقد عرف
الرسول صلى الله عليه وسلم ـ إما بإشارات الظروف ،وإما بإخبار الله عز
وجل إياه ـ أن زيدا إن طلقها فسيؤمر هو صلى الله عليه وسلم أن يتزوجها
بعد انقضاء عدتها ،وكان ذلك في ظروف حرجة من تألب المشركين على
رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين ،وكان يخاف ـ إذا وقع هذا
الزواج ـ دعاية المنافقين والمشركين واليهود ،وما يثيرونه من الوساوس
والخرافات ضده ،وما يكون له من الثر السيئ في نفوس ضعفاء
المسلمين ،فلما فاتح زيد رسول الله صلى الله عليه وسلم بإرادته طلق
زينب أمره بأن يمسكها ول يطلقها ،وذلك لئل تجئ له مرحلة هذا الزواج في
تلك الظروف الصعبة.
ولم يرض الله من رسوله صلى الله عليه وسلم،هذا التردد والخوف حتى
َ َ َ
كس ْ
م ِت عَل َي ْهِ أ ْ
م َه عَل َي ْهِ وَأن ْعَ ْم الل ّ ُ
ذي أن ْعَ َل ل ِل ّ ِقو ُ
عاتبه الله عليه بقوله} :وَإ ِذ ْ ت َ ُ
هّ
س َوالل ُشى الّنا َ خ َ ديهِ وَت َ ْ
مب ْ ِ ه ُ ّ
ما الل ُ ك َ س َف ِفي ِفي ن َ ْ خ ِ ق الل ّ َ
ه وَت ُ ْ ج َ عَل َي ْ َ
ك َوات ّ ِ ك َزوْ َ
شاهُ{ ]الحزاب.[37 : خ َحقّ َأن ت َ ْ َ
أ َ
وأخيرا طلقها زيد ،وتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أيام فرض
الحصار على بني قريظة بعد أن انقضت عدتها .وكان الله قد أوجب عليه
هذا النكاح ،ولم يترك له خيارا ول مجال ،حتى تولى الله ذلك النكاح بنفسه
ن ن عََلى ال ْ ُ
مؤْ ِ
مِني َ ي َل ي َ ُ
كو َ جَناك ََها ل ِك َ ْمن َْها وَط ًَرا َزوّ ْ
ضى َزي ْد ٌ ّ ما قَ َ يقول} :فَل َ ّ
ن وَط ًَرا{ ]الحزاب ،[37 :وذلك ليهدم من ْهُ ّ
وا ِض ْذا قَ َ
م إِ َ ج ِفي أ َْزَواِج أ َد ْ ِ
عَيائ ِهِ ْ حَر ٌ
َ
ّ ُ َ قاعدة التبني فعل ً كما هدمها قول} :اد ْ ُ
عند َ اللهِ{ سط ِ م هُوَ أقْ َ م ِلَبائ ِهِ ْعوهُ ْ
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
ل الل ّهِ وَ َ َ َ
م
خات َ َ سو َ م وَل َ ِ
كن ّر ُ جال ِك ُ ْ
من ّر َ
حدٍ ّ
مد ٌ أَبا أ َ
ح ّ
م َ
ن ُ ما َ
كا َ ]الحزابّ } ،[5 :
ن{ ]الحزاب.[40 : الن ّب ِّيي َ
وكم التقاليد المتأصلة الجافة ل يمكن هدمها أو تعديلها لمجرد القول ،بل
لبد له من مقارنة فعل صاحب الدعوة ،ويتضح ذلك بما صدر من المسلمين
في عمرة الحديبية ،كان هناك أولئك المسلمون الذين رآهم عروة بن
مسعود الثقفي ،ل يقع من النبي صلى الله عليه وسلم نخامة إل في يد
أحدهم ،ورآهم يتبادرون إلى وضوئه حتى كادوا يقتتلون عليه ،نعم كان أولئك
الذين تسابقوا إلى البيعة على الموت أو على عدم الفرار تحت الشجرة،
والذين كان فيهم مثل أبو بكر وعمر ،لما أمر النبي صلى الله عليه وسم
أولئك الصحابة المتفانين في ذاته -بعد عقد الصلح -أن يقوموا فينحروا
هديهم لم يقم لمتثال أمره أحد ،حتى أخذه القلق والضطراب ،ولكن لما
أشارت عليه أم سلمة أن يقوم إلى هديه فينحر ،ول يكلم أحدا ففعل ،تبادر
الصحابة إلى اتباعه في فعله ،فتسابقوا إلى نحر جزورهم .وبهذا الحادث
يتضح جليا ما هو الفرق بين أثري القول والفعل لهدم قاعدة راسخة.
وقد أثار المنافقون وساوس كثيرة ،وقاموا بدعايات كاذبة واسعة حول هذا
النكاح ،أثر بعضها في ضعفاء المسلمين ،ل سيما أن زينب كانت خامسة
أزواجه صلى الله عليه وسلم ،ولم يكن يعرف المسلمون حل الزواج بأكثر
من أربع نسوة وأن زيدا كان يعتبر ابنا للنبي صلى الله عليه وسلم ،والزواج
بزوجة البن كان من أغلظ الفواحش ،وقد أنزل الله في سورة الحزاب
حول الموضوعين ما شفى وكفى ،وعلم الصحابة أن التبني ليس له أثر عند
السلم ،وأن الله تعالى وسع لرسوله صلى الله عليه وسلم في الزواج ما
ض نبيلة .
لم يوسع لغيره ،لغرا ٍ
هذا ،وكانت عشرته صلى الله عليه وسلم مع أمهات المؤمنين في غاية
الشرف والنبل والسمو والحسن ،كما كن في أعلى درجة من الشرف
والقناعة والصبر والتواضع والخدمة والقيام بحقوق الزواج ,مع أنه كان في
شظف من العيش ل يطيقه أحد .قال أنس :ما أعلم النبي صلى الله عليه
وسلم رأى رغيفا مرفقا حتى لحق بالله ،ول رأى شاة سميطا بعينه قط.
وقالت عائشة :إن كنا لننظر إلى الهلل ثلثة أهلة في شهرين ،وما أوقدت
في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار .فقال لها عروة :ما كان
يعيشكم؟ قالت :السودان؛ التمر والماء .والخبار بهذا الصدد كثيرة.
ومع هذا الشظف والضيق لم يصدر منهن ما يوجب العتاب إل مرة واحدة -
حسب مقتضى البشرية ،وليكون سببا لتشريع الحكام -فأنزل الله آية
َ َ
حَياةَ الد ّن َْيا وَِزين َت ََها فَت ََعال َي ْ َ
ن ن ال ْ َ ن ت ُرِد ْ َ ك ِإن ُ
كنت ُ ّ ج َ ي ُقل ّلْزَوا ِ التخيير }أي َّها الن ّب ِ ّ
داَر اْل ِ ُ ُ
خَرةَ ه َوال ّ سول َ ُ
ه وََر ُ ن الل ّ َ ن ت ُرِد ْ َ ميًل وَِإن ُ
كنت ُ ّ ج ِحا َ سَرا ً حك ُ ّ
ن َ سّر ْ
ن وَأ َ مت ّعْك ُ ّ
أ َ
م{ ]الحزاب [29 ،28 :وكان من فَإن الل ّه أ َعَد ل ِل ْمحسنات منك ُ َ
ظي ًجًرا عَ ِ نأ ّْ ّ ُ ْ ِ َ ِ ِ َ ِ ّ
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
شرفهن ونبلهن أنهن آثرن الله ورسوله ،ولم تمل واحدة منهن إلى اختيار
الدنيا.
وكذلك لم يقع منهن ما يقع بين الضرائر ـ مع كثرتهن ـ إل شيء يسير من
بعضهن حسب اقتضاء البشرية ،ثم عاتب الله عليه فلم يعدن له مرة أخرى
ح ّ
ل َ َ
ما أ َ
م َ
حّر ُ
م تُ َ
ي لِ َ
وهو الذي ذكره الله في سورة التحريم بقوله }َيا أي َّها الن ّب ِ ّ
ه لَ َ
ك{ إلى تمام الية الخامسة. الل ّ ُ
) (2أما حبيبة رملة بنت أبي سفيان ،تنصر زوجها وبقيت على
إسلمها ،وكان للزواج منها كبير الثر في كسر حدة أبي سفيان
في العداء للسلم ،حتى هداه الله.
) (3صفية بنت حيي بن أخطب كانت من سبي خيبر أعتقها
الرسول وتزوجها سـ 7هـ.
) (4ميمونة بنت الحارث تزوجها سـ 7هـ.
مات من هؤلء اثنتان في حياة الرسول وهما خديجة وزينب بنت
خزيمة وتوفى الرسول –صلى الله عليه وسلم -عن تسع.
وأما الجواري فهما مارية القبطية التي ولدت إبراهيم وتوفى
صغيرًا ،وريحانة بنت زيد القرطية.
إذن التعدد بدأ في سن الثالثة والخمسين من عمره فهل هذا دليل
الشهوة ،ومن يشته هل يتزوج الثيبات وأمهات الولد والرامل،
كيف وقد عرض عليه خيرة بنات قريش فأبى!
إن التعدد كله لحكم منها –فضل عما سبق -بيان كل ما يقع في
بيت النبوة من أحكام عمل ً بقوله تعالى":واذكرن ما يتلى في
بيوتكن من آيات الله والحكمة" ]الحزاب [34 :وإذا كان الحكم
الشرعي ل يثبت بخبر الواحد غالبا ً فإن للتعدد أثره في إثبات
الحكام بالتواتر ،كما أن زوجات الرسول –صلى الله عليه وسلم-
اختلفت أحوالهن بين غنى وفقرٍ وحسب ونسب وبساطة لكل من
يتزوج بأي صورة من هذه الصور قدوة في حياة الرسول –صلى
الله عليه وسلم -مع زوجته التي تطابق حال زوجه وتعددهن فيه
بيان لكل ما يمكن أن يقع من النساء داخل البيت كالغيرة والصبر
والتآمر وطلب الدنيا؟ والتواضع ونشر العلم والرضى ...إلخ.
إن بسط الكلم في هذا المر متعذر في هذه العجالة ومن أراد
المزيد فليراجع زوجات النبي –صلى الله عليه وسلم -لبنت
الشاطئ .تعدد الزوجات لحمد عبد الوهاب .الرحيق المختوم
للمباركفوري.
وأخيرا ،فمن نظر في حياة سكان أوروبا الذين يصدر منهم النكير الشديد
على هذا المبدأ تعدد الزوجات ،ونظر إلى مايقاسون من الشقاوة والمرارة،
وما يأتون من الفضائح والجرائم الشنيعة ،وما يواجهون من البليا والقلقل
لنحرافهم عن هذا المبدأ كفى له ذلك عن البحث والستدلل ،فحياتهم
أصدق شاهد على عدالة هذا المبدأ ،وإن في ذلك لعبرة لولى البصار.
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
المعجزات المحمدية
القرآن الكريم
لنه كلم الله تعالى أوحاه الله فدل ذلك على نبوته ،وصدقه
في رسالته؛ لن القرآن الكريم عجز بحروفه وكلماته وتراكيبه،
ومعانيه ،وأخبار الغيوب التي وردت فيه ،فكانت كما أخبر ،كما هو
معجز بالحكام الشرعية والقضايا العقلية التي ل قبل للبشر
بمثلها ،مع التحدي القائم إلى اليوم بأن يأتي النس أو الجن
متعاونين بمثله قال تعالى موحيه ومنزله :من سورة السراء،
ْ َ
ذاه َ ل َ مث ْ ِن ي َأُتوا ب ِ ِ عَلى أ ْ ن َ ج ّوال ْ ِس َ ت اْل ِن ْ ُ ع ِ م َجت َ َ
نا ْ ق ْ َ
ل لئ ِ ِ } ُ
َ ْ
هيًرا{ , ضظ ِ ع ٍ م ل ِب َ ْ ه ْ ض ُع ُ ن بَ ْ
كا َ و َ ول َ ْ مث ْل ِ ِ
ه َ ن بِ ِ ن َل ي َأُتو َ قْرآ ِ ال ْ ُ
وتحدى العرب أرباب الفصاحة والبلغة والبيان على أن يأتوا بعشر
ر ع ْ ل َ ْ ق ْسورٍ مثله فما استطاعوا قال تعالىُ } :
و ٍ
س َ ر ُ ش ِ فأُتوا ب ِ َ
ن
وإ ِ ْت{ ,وتحداهم بسورةٍ واحدةٍ من مثله فقالَ } : فت ََرَيا ٍم ْ مث ْل ِ ِ
ه ُ ِ
عبدَنا َ ْ
نم ْ ة ِ سوَر ٍ فأُتوا ب ِ ُ عَلى َ ْ ِ ما ن َّزل َْنا َ م ّ
ب ِ في َري ْ ٍ م ِ ك ُن ْت ُ ْ
ن*
قي َ
صاِد ِ ن ك ُن ْت ُ ْ
م َ ن الل ّ ِ
ه إِ ْ دو ِ
ن ُ
م ْ
م ِ هداءَك ُ ْ عوا ُ
ش َ وادْ ُ
ه َ مث ْل ِ ِ ِ
عُلوا {...نفي لقدرتهم على التيان ن تَ ْ
ف َ ول َ ْ
عُلوا َ ن لَ ْ
م تَ ْ
ف َ فإ ِ ْ َ
بسورة مثل القرآن في مستقبل اليام ،وقد مضى حتى الن ألف
وأربعمائة سنة وسبع سنين ،ولم يستطع الكافرون أن يأتوا بسورة
من مثله.
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
وهذا كان القرآن معجزة خالدة باقية ببقاء هذه الحياة ،ولذا
سيخلد السلم ويبقى إلى نهاية الحياة؛ لن معجزته باقية كذلك.
انشقاق القمر
هلكت الموال ،وانقطعت السبل ،فادع الله لنا يغيثنا ،فرفع رسول
))
م اسقنا ،اللهم
الله صلى الله عليه وسلم يديه فقال :الله ّ
اسقنا ،اللهم اسقنا(( ،قال أنس :والله ما في السماء من
سحاب ول قزعة ول شيء ،وما بيننا وبين سلع ]جبل داخل المدينة
ت ول دارٍ فطلعت من ورائه سحابة مثل
النبوية اليوم[ من بي ٍ
الترس ،فلما توسطت السماء انتشرت ،ثم أمطرت ،والله ما رأينا
سّتا ،ثم دخل رج ٌ
ل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة الشمس ِ
ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب فاستقبله الرجل،
وقال :يا رسول الله ،هلكت الموال ،وانقطعت السبل ،ادع الله
يمسكها ،فرفع رسول الله صلى إليه عليه وسلم يديه ،ثم قال:
))اللهم حوالينا ول علينا ،اللهم على الكام والجبال
ومنابت الشجر(( .قال أنس :فانقطعت ،وخرجنا نمشي في
الشمس.رواه البخاري ومسلم.
ما من الناس
قدح لبن روى فئا ً
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
القدح حتى أتيت على آخرهم ودفعت إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم فأخذ القدح فوضعه في يديه وبقي فيه فضلة ،ثم رفع
ي وابتسم ،وقال)) :أبا هريرة(( ،فقلت :لبيك رسول
رأسه ونظر إل ّ
الله ،قال)) :بقيت أنا وأنت(( فقلت :صدقت يا رسول الله ،قال:
(( ))
ت ،ثم قال لي:
فاقعد فاشرب ,قال :فقعدت فشرب ُ
ت فما زال يقول لي :اشرب فأشرب حتى ))اشرب(( فشرب ُ
ي مسل ً
كا ،قال)) :ناولني قلت :ل ،والذي بعثك بالحق ما أجد له ف ّ
القدح(( فرددته إليه فشرب من الفضلة.
روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قوله :قال أبو
طلحة لم سليم :لقد سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه
فا أعرف فيه الجوع ،فهل عندك من شيء؟ قالت :نعم، وسلم ضعي ً
صا من شعير ،ثم أخرجت خماًرا لها فّلفت الخبز
فأخرجت أقرا ً
ببعضه ثم دسته تحت يدي ولثتني ببعضه ،ثم أرسلتني إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم ،قال :فذهبت به فوجدت رسول الله
صلى الله عليه وسلم في المسجد ومعه الناس ،فقمت عليهم
((
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم)) :أرسلك أبو طلحة؟
فقلت :نعم ،قال)) :بطعام؟(( قلت :نعم ،فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم لمن معه)) :قوموا(( فانطلق ،وانطلقت بين
أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته فقال أبو طلحة :يا أم سليم قد
جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس وليس عندنا ما
نطعمهم؟ فقالت :الله ورسوله أعلم ،فانطلق أبو طلحة حتى لقي
رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل رسول الله صلى الله
عليه وسلم وأبو طلحة معه ،فقال رسول الله صلى الله عليه
م يا أم سليم ما عندك؟(( فأتت بذلك الخبز فأمر به ))
وسلم :هل ّ
ت ،وعصرت أم سليم عكة رسول الله صلى الله عليه وسلم فَ ُ
ف ّ
فآدمته ،ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء أن يقول،
ثم قال)) :ائذن لعشرة(( ,فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ،ثم
خرجوا ،ثم قال)) :ائذن لعشرة(( ,فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم
خرجوا ،ثم قال)) :ائذن لعشرة(( ,فأكل القومك كلهم ،والقوم
سبعون أو ثمانون رج ً
ل .أليست هذه من أعظم المعجزات؟ بل
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
صا عدة حملها غلم تحت ورّبي إنها لمن أعظم المعجزات إن أقرا ً
إبطه يطعم منها ثمانون رجل ً ويشبع كل واحد ٍ منهم شبًعا ل مزيد
عليه ،إن لم تكن هذه معجزة فما هي المعجزات إ ً
ذا يا ُترى؟
تكثير الطعام
حنين الجذع شو ً
قا إليه صلى الله
عليه وسلم
ما مع
كما روى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل يو ً
طا من حيطان النصار ،فإذا جمل قد أتاه فجرجربعض أصحابه حائ ً
وذرفت عيناه ،فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم سراته
وذفراه ٍَفس َ
كن ،فقال صلى الله عليه وسلم)) :من صاحب
الجمل؟(( فجاء فتى من النصار قال :هو لي يا رسول الله ,فقال
له رسول الله صلى الله عليه وسلم)) :أما تتقى الله في هذه
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
عه
ي أنك تجي ُ
البهيمة التي ملكها الله لك؛ إنه شكا إل ّ
وتدئبه(( أي :تواصل العمل عليه بدون انقطاع.
فقد روى أحمد -رحمه الله تعالى -في مسنده والترمذي في سننه
وصحح إسناده اللباني عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:
دا الذئب على شاة فأخذها ،فطلبها الراعي فانتزعها منه ،فأقعى
عَ َ
الذئب على ذ ََنبه فقال :أل تتقي الله ،تنزع مني رزًقا ساقه الله
ي .فقال :يا عجبى ذئب يكلمني كلم النس!! فقال الذئب :أل
إل ّ
أخبرك بأعجب من ذلك؟ محمد بشر يخبر الناس بأنباء ما قد سبق،
قال :فأقبل الراعي يسوق غنمه حتى دخل المدينة فزواها إلى
زاوية من زواياها ،ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره
فأمر النبي صلى الله عليه وسلم فنودي الصلة جامعة ،ثم خرج
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
فقال للراعي :أخبرهم فأخبرهم ،فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم)) :صدق والذي نفس محم ٍ
د بيده ل تقوم الساعة
حتى يكلم السباع النس ،ويكلم الرج َ
ل عذبة سوطه،
وشراك نعله ،ويخبره فخذه بما أحدث أهله بعده((.
فنطق الغزالة ووفاؤها له صلى الله عليه وسلم آية من آيات النبوة
المحمدية ومعجزة من معجزاته الموجبة لليمان به وطاعته
ومحبته صلى الله عليه وسلم.
ففي الصحيح قال صلى الله عليه وسلم في غزو خيبر)) :لعطين
دا رجل ً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله
الراية غ ً
يفتح الله على يده(( ،فلما أصبحوا نادى علّيا ,فقالوا :مريض يا
رسول الله يشكو عينيه فقال)) :ائتوني به(( ,فأتي به فنفث في
وه ولم يمرض
عينه بقليل من ريقه صلى الله عليه وسلم فبرأ لت ّ
بعينه بعد قط.
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
-قوله صلى الله عليه وسلم في الحسن رضي الله عنه)) :إن
((
ابني هذا سيد وسُيصلح الله به بين فئتين عظيمتين
رواه البخاري ،فكان المر كما أخبر صلى الله عليه وسلم فقد
أصلح به بين من كان مع الحسن وبين من كان مع معاوية رضي
الله عنهم أجمعين.
))
ي
-قوله صلى الله عليه وسلم :اثبت أحد فإنما عليك نب ّ
ديق وشهيدان(( رواه البخاري ،فكان كما أخبر صلى الله
وص ّ
ض أصابه ،وُقتل عمر في المحرابعليه وسلم ،فمات أبو بكر بمر ٍ
دا ،وُقتل عثمان في داره شهي ً
دا ،فرضي الله عنهم أجمعين. شهي ً
-قوله صلى الله عليه وسلم)) :ل تقوم الساعة حتى تقتتل
فئتان دعواهما واحدة(( .رواه البخاري ومسلم ،وقد وقع هذا
ي ومعاوية رضي الله عنهما بجيشيهما في
كما أخبر ،فقد اقتتل عل ّ
صفين ،ودعواهما واحدة ،فكان ما أخبر به صلى الله عليه وسلم
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
-قوله صلى الله عليه وسلم لخباب بن الرت وقد جاء يشكو إليه
ما يلقى المؤمنون من كفار قريش ،يطلب منه أن يستنصر الله
مر وجهه صلى الله عليه وسلم -أو تغير
تعالى لهم ،قال له وقد اح ّ
لونه)) :-لقد كان من قبلكم تحفر له الحفرة ،وُيجاء
بالمنشار فيوضع على رأسه ،فيشق نصفين ما يصرفه
ه هذا المر ،حتى يسير الراكب ذلك عن دينه ،ول َُيت ّ
من الل ُ
ما بين صنعاء إلى حضرموت ما يخشى إل الله والذئب
على غنمه(( رواه البخاري ،وقد تم هذا كما أخبر صلى الله عليه
وسلم ،فكان آية نبوته ومعجزتها التي ل يقدر عليها أحد ٌ إل الله جل
جلله ،وعظم سلطانه.
-قوله صلى الله عليه وسلم في عثمان رضي الله عنه)) :افتح
له وبشّره بالجنة على بلوى تصيبه(( .وذلك في حديث
الصحيح ونصه :إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
-قوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها)) :إن
جبريل كان يعارضني القرآن في كل عام مّرة ،وإنه
عارضني العام مرتين ،وما أرى ذلك إل لقتراب أجلي((.
فبكت ثم ساّرها فأخبرها بأنها سيدة نساء أهل الجنة ،وأنها أول
أهله لحوًقا به ،فكان كما أخبر إذ ماتت بعده بستة أشهر ،ولم يمت
وته صلى الله عليه
قبلها من آل البيت أحد ،فكان هذا الخبر آية نب ّ
وسلم.
-قوله صلى الله عليه وسلم)) :ستفترق هذه المة على ثلث
وسبعين فرقة كلها في النار إل واحدة في الجنة((,
وسئل عنها فقال)) :هم الذين يكونون على ما أنا عليه
((
اليوم وأصحابي
فهذا القول النبوي الشريف منه كان كما أخبر ،حيث بلغت فرق
هذه المة ثلث وسبعين فرقة كما أخبر ،فكان آية النبوة المحمدية.
وكانت تلك أربعين معجزة للحبيب صلى الله عليه وسلم،
()1القف :الدكة تجعل حول البئر يجلس عليها وتدلى الرجل في الماء المستخرج من البئر.
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
ومن هنا كان الكمال المحمدي ضربين :ضرًبا لم تشرع السوة فيه
لعجز المرء عن كسب مثله وذلك كشرف الصل ،وجمال الذات،
ي ،وضرًبا
وعلوّ القدر ،والصطفاء للرسالة ،وتلقي الوحي الله ّ
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
الداب المحمدية
لقد كان صلى الله عليه وسلم يتجمل بالداب التالية ويتحلى بها
وهي:
أو ً
ل :غض الطرف فل يبتع نظره الشياء ،وكان جل نظره
الملحظة ،فل يحملق إذا نظر ،ونظره إلى الرض أطول من نظره
إلى السماء.
ثالًثا :إذا تكلم يتكلم بجوامع الكلم ،كلمه فصل ،ل فضول ول
تقصير ،أي :على قدر الحاجة ،فل زيادة عليها ول نقصان عنها،
وهذا من الحكمة وكان يقول)) :من حسن إسلم المر تركه ما
ل يعنيه(( ويقول)) :من كان يؤمن بالله واليوم الخر
فليقل خيًرا أو ليصمت(( .ويبدأ كلمه ويختمه بأشداقه من أجل
ه ل يتكلم في غير حاجة ،طويل السكوت. م ُ
فه َ
أن يسمع محدثه وي ُ ِ
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
خُلق،
رابًعا :متواصل الحزان ،دائم الفكر ،ليست له راحة ،دمث ال ُ
ليس بالجافي ول المهين ،يعظم الّنعمة وإن دقت ،ل يذم منها شيًئا
ول يمدحه.
ض للحقّ لم يعرْفه
سا :ل تغضبه الدنيا وما كان لها ،فإذا ت ُعُّر َ
خام ً
أحد ،ولم يقم لغضبه شيٌء حتى ينتصر له ،ول يغضب لنفسه ول
ينتصر لها.
ج ّ
ل سا :إذا غضب أعرض وأشاح ،وإذا فرح غض طرفهُ ،
ساد ً
ب الغمام.
سم ،ويفتّر عن مثل ح ّ
حكه التب ّ
ض ِ
َ
سابًعا :إذا تكلم تكلم ثلًثا ،وإذا سلم سلم ثلًثا ،وإذا استأذن
استأذن ثلًثا ،وذلك ليعقل عنه ويفهم مراده من كلمه نظًرا إلى ما
وجب عليه من البلغ.
تاسعا :كان إذا جلس نصب ركبتيه واحتبى بيديه ،وإذا جلس للكل
نصب رجله اليمنى وجلس على اليسرى.
الخلق المحمدّية
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
دي
م ِ
الكرم المح ّ
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
فق ُأن ِ
فق ضا)) :يقول الله تعالى :ابن آدم َأن ِ
• والقائل أي ً
((
ما
و َ
عليك أخرجه البخاري ومسلم .وقد نزل عليه قول رّبهَ } :
ن{.
قي َز ِ
خي ُْر الّرا ِ
و َ
ه َ
و ُ
ه َ خل ِ ُ
ف ُ و يُ ْ
ه َ ء َ
ف ُ ي ٍ ن َ
ش ْ م ْ
م ِ
قت ُ ْ أ َن ْ َ
ف ْ
الحلم المحمدي
إن الحلم وهو ضبط النفس حتى ل يظهر منها ما يكره قول ً كان أو
ل غير فعل ً عند الغضب ،وما يثيره هََيجا َُنه من قو ٍٍ
ل سيئ أو فع ٍٍ
محمود ،هذا الحلم كان فيه الحبيب صلى الله عليه وسلم مضرب
المثل ،والحداث التالية شواهد لحلمه فداه أبي وأمي وصلى الله
عليه وسلم ،وذلك لتربية الله تعالى له ،وإفاضته الكمالت على
روحه صلى الله عليه وسلم:
ي
مد َ
و المح ّ
العف ُ
)(2
إل أن تنتهك حرمة الله تعالى فينتقم لله عليه وسلم لنفسه
بها(( رواه البخاري ومسلم.
الشجاعة المحمدية
بمثله صلى الله عليه وسلم ،ومن أدلة ذلك تكليف الله تعالى له
فيل ِ قات ِ ْف َبأن يقاتل وحده في قوله من سورة النساءَ } :
ن{.مِني َ ؤ ِم ْض ال ْ ُ
حّر ِ
و َ س َ
ك َ ف إ ِّل ن َ ْ
ف َ ه َل ت ُك َل ّ ُ
ل الل ّ ِ
سِبي ِ
َ
ومن أدلة شجاعته صلى الله عليه وسلم ومظاهرها ما يلي:
• فزع أهل المدينة ليلة فانطلق ناس قبل الصوت ،فتلقاهم رسول
الله صلى الله عليه وسلم راجًعا قد سبقهم إلى الصوت,
واستبرأ) (3الخبر على فرس لبي طلحة ُ
عري والسيف في عنقه
وهو يقول)) :لن تراعوا(( .في هذه يقول أنس بن مالك :كان
النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وأجود الناس وأشجع
الناس ،وقص هذه القصة ،رواه البخاري ومسلم.
ي
مد َ
الصْبر المح ّ
إن الصبر وهو حبس النفس على طاعة الله تعالى حتى ل
تفارقها ،وعن معصية الله تعالى حتى ل تقربها ،وعلى قضاء الله
تعالى حتى ل تجزع له ول تسخط عليه ،هذا هو الصبر في
مواطنه الثلثة وهو خلق من أشرف الخلق وأسماها ،وهو خلق
مكتسب يحمل العاقل عليه نفسه ويروضها شيًئا فشيًئا حتى
وا بدون طلب.
يصبح ملكة لها ثابتة عف ً
يدل على ذلك أمره تعالى رسوله به في غير موطن من كتابه
ُ
صب ََر أوُلو ال ْ َ
عْزم ِ ما َ صب ِْر ك َ َ
فا ْالعزيز وذلك كقوله تعالىَ } :
ه{ ,ك إ ِّل ِبالل ّ ِصب ُْر َما َ و َ
صب ِْر َ
وا ْل{ ,وقولهَ } :
س ِ
ن الّر ُ
م َ
ِ
َ
مُنوا نآ َ ذي َ ها ال ّ ِ
وقوله في أمر كافة المؤمنين بهَ} :يا أي ّ َ
عل ّك ُ ْ
م ه لَ َ
قوا الل ّ َ
وات ّ ُ وَراب ِ ُ
طوا َ صاب ُِروا َ
و َصب ُِروا َا ْ
ن{ .حو َ
فل ِ ُتُ ْ
وقد صبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصابر طيلة عهد
إبلغ رسالته الذي دام ثلًثا وعشرين سنة ،فلم يجزع يو ً
ما ،ولم
يتخ ّ
ل عن دعوته وإبلغ رسالته حتى بلغ بها الفاق التي شاء الله
تعالى أن تبلغها ،وباستعراضنا المواقف التالية تتجلى لنا حقيقة
الصبر المحمدي الذي هو فيه أسوة كل مؤمن ومؤمنة في
معترك هذه الحياة.
• صبره صلى الله عليه وسلم على أذى قريش طيلة ما هو بين
ظهرانيها بمكة ،فقد ضربوه ،والقوا سلى الجزور على ظهره،
وحاصروه ثلث سنوات مع بني هاشم في شعب أبي طالب،
وحكموا عليه بالعدام ،وبعثوا رجالهم لتنفيذه فيه إل أن الله
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
سّلمه ،وعصم دمه ،كل هذا لم يرده عن دعوته ،ولم يثن عزمه
عن بيانها وعرضها على القريب والبعيد.
• صبره صلى الله عليه وسلم عام الحزن ،حيث ماتت خديجة
الزوجة الحنون ،ومات العم الحاني الحامي المدافع أبو طالب،
ت هذه الرزايا من عزمه ،ولم توهن من قدرته ،إذ قابل
فلم تف ّ
ذلك بصبر ولم يعرف له في تاريخ البطال مثل ول نظير.
• لقد صبر صلى الله عليه وسلم على كل ذلك فلم يهن ولم
تضعف همته ،ولم تمس كرامته ولم يدنس عرضه ،ولو أوذي
غيره بمعشار ما أوذي أو أصابه من البليا والرزايا دون ما أصابه
لتخلى عن دعوته ،وهرب من مسئوليته ،ووجد في نفسه مبرًرا
لذلك ،ولكن الله عصمه فصّبره وجبره ،وحماه وقواه ليبلغ عنه
رسالته ،ويجعله آية للناس في صبره وحكمته وعفوه وكرمه
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
ما
وشجاعته وفي سائر أخلقه فصلى الله عليه وسلم تسلي ً
كثيًرا.
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
ي
مد ّ
دل المح ّ
ع ْ
ال َ
ور أمر الله تعالى به في القول والحكم فقال إن العدل خلف الج ْ
وإ ِ َ
ذا قْرَبى{ َ } ,ذا ُ
ن َ كا َ و َ ول َ ْ
دُلوا َ ع ِ
فا ْ م َ قل ْت ُ ْ
ذا ُوإ ِ َ
تعالىَ } :
َ
ل{ ,وعلى العدل قام موا ِبال ْ َ
عدْ ِ حك ُ ُ
ن تَ ْسأ ْ ن الّنا ِ م ب َي ْ َ حك َ ْ
مت ُ ْ َ
أمر السماء والرض ،ومن هنا كيف ل يكون رسول الله صلى الله
عليه وسلم عادل ً وهو القائل)) :إن من إجلل الله إكرام ذي
الشيبة المسلم وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي
عنه وإكرام ذي السلطان المقسط(( رواه أبو داود
وحسنه اللباني ،والمقسط أي :العادل ،وذكر أن سبعة
يظلهم الله في ظل عرشه يوم ل ظل إل ظله ،وعد منهم المام
))
ر من نور يوم العادل ،وقال :إن المقسطين على مناب ٍ
القيامة(( رواه مسلم ،وبين أنهم الذين يعدلون في حكمهم وما ولوا،
ولذا كان صلى الله عليه وسلم عادل ً في قوله وفعله وحكمه ،ل
يجور ول يحيف ،وكان العدل من أخلقه وأوصافه اللزمة له ،فقد
عرف به في الجاهلية قبل السلم ،وهذه مواقف له صلى الله ُ
:عليه وسلم يتجلى فيها هذا الخلق النبوي الكريم وهي
• لما سرقت المخزومّية ،وشق على المسلمين إقامة الحد
عليها فتقطع يدها فتوسطوا له بحّبه وابن حّبه أسامة بن زيد
فرفع إليه القضية ،فقال)) :أتشفع في ح ٍ
د من حدود الله
تشفع يا أسامة؟ والله لو سرقت فاطمة بنت محمد
((
ما للعدل
لقطعت يدها متفق عليه ،فكان هذا مظهًرا عظي ً
المحمدي.
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
وقوله للعرابي الذي قال له :اعدل فإن هذه قسمة ما أريد بها
))
ت
وجه الله :ويحك فمن يعدل إن لم أعدل؟! خب ُ
ت إن لم أعدل(( رواه البخاري ومسلم.
وخسر ُ
• وفي الطعام والشراب كان يقول)) :ما مل ابن آدم وعاءً
شًرا من بطنه ،بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه،
فإن كان ولبد فاع ً
ل ،فثلث للطعام ،وثلث للشراب،
وثلث للنفس(( رواه الترمذي وابن ماجه ،وقال الترمذي :حديث حسن
صحيح.
وكان صلى الله عليه وسلم يقسم وقته ثلثة أجزاء :جزًءا •
لربه تعالى ،وجزًءا لهله ،وجزًءا لنفسه ،ويقسم الجزء الذي
لنفسه بينه وبين الناس.
الزهد المحمدي
• قوله صلى الله عليه وسلم لعمر وقد دخل عليه فوجده على
فراش من أدم حشوه ليف قال عمر يصف فراش رسول الله
صلى الله عليه وسلم)) :وإنه لعلى حصير ما بينه وبينه
شيء ،وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف،
فرأيت أثر الحصير في جنب رسول الله صلى الله
عليه وسلم فبكيت فقال ما يبكيك فقلت يا رسول
الله إن كسرى وقيصر فيما هما فيه وأنت رسول
الله ،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما
ترضى أن تكون لهما الدنيا ولك الخرة(( رواه البخاري ومسلم.
قول عائشة رضي الله عنها مات رسول الله صلى الله عليه
ف
وسلم وما في بيتي شيء يأكله ذو كبد إل شطر شعير في ر ّ
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
لي .وقد قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة
عا من شعير.
عند يهودي في ثلثين صا ً
هاد،
فصل اللهم وبارك وسلم على عبدك ورسولك أزهد الز ّ
وأفضل العّباد إلى يوم التلقي والميعاد.
الحياء المحمدي
إن الحياء خلق فاضل فاقده ل خير فيه ،إذ هو من اليمان ،وهو
خير كله ،وحقيقته أنه تّغير يسببه الخوف مما يكره قوله أو
فعله ،أو ُيذم عليه ,ويظهر أثره في احمرار الوجه ،وترك ما
يخشى معه الذم والملمة ،وهو في المرأة بمنزلة الشجاعة في
الرجل ،أي كما أن الشجاعة محمودة في الرجل أكثر ما هي
محمودة في المرأة ،فكذلك الحياء هو في المرأة محمود أكثر
مما هو في الرجل ,ومع هذا فهو خلق فاضل كريم قال فيه
رسول الله صلى الله عليه وسلم)) :الحياء من اليمان((،
وقال)) :الحياء كله خير(( ,و))الحياء ل يأتي إل بخير((،
و))الحياء شعبة من اليمان(( في أحاديث صحاح.
حِييست َ ْ ي َ
في َ ْ ن يُ ْ
ؤِذي الن ّب ِ ّ كا َم َن ذَل ِك ُ ْ • قوله تعلى} :إ ِ ّ
ق{ ,فهذه شهادة الله ح ّن ال ْ َم َحِيي ِ ست َ ْه َل ي َ ْ
والل ّ ُ من ْك ُ ْ
م َ ِ
تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم بالحياء وكفى بها شهادة.
• قول عائشة رضي الله عنها :كان النبي صلى الله عليه وسلم
صلى الله عليه وسلم إذا بلغه عن أحد ما يكرهه لم يقل ما بال
فلن يقول كذا؟ ولكن يقول)) :ما بال أقوام ٍ يصنعون أو
يقولون كذا(( ،ينهى ول يسمي فاعله.
وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت :لم يكن رسول
في )(6
حشا ول سخاًبا
ول متف ّ )(5
الله صلى الله عليه وسلم فاح ً
شا
السواق ول يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح ،وهذا
ضا كما رواه عبد الله ابن سلم رضي الله
وصفه في التوراة أي ً
عنه.
وكان صلى الله عليه وسلم من شدة حيائه ل يثبت بصره في
وجه أحد ،وي َك ِْني عما اضطره الكلم إليه ما يكره ول يصرح به.
كانت هذه مظاهر حيائه صلى الله عليه وسلم وشواهده ،وفيها
كفاية لمن أراد أن يأتسي صلى الله عليه وسلم في حيائه ،وفي
سائر أخلقه ،فقد جعله الله تعالى أسوة المؤمنين ,فقال تعالى
ل الل ّ ِ
ه سو ِ
في َر ُ ن ل َك ُ ْ
م ِ كا َ في آيتين من كتابه} :ل َ َ
قدْ َ
ة). {(8 ُ
سن َ ٌ ة)َ (7
ح َ و ٌ
س َ
أ ْ
ولنستمع إلى ابن أبي هالة ) (9في وصفه له صلى الله عليه وسلم
إذ يقول :كان دائم البشر ،سهل الخلق ،لّين الجانب ،ليس بف ّ
ظ ول
داح يتغافل عما ل
غليظ ،ول سخاب ول فحاش ،ول عّياب ول م ّ
()7القدوة.
()8الصالحة.
()) 9ووصف أبي هالة صحيح كذلك.
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
س منه ،وكان صلى الله عليه وسلم يجيب من يشتهى ول يؤي ُ
دعاه ،ويقبل الهدية ممن أهداه ،ولو كانت كراع شاة ويكافئ عليها.
وفي الحديث الصحيح قال أنس بن مالك :خدمت رسول الله صلى
ف قط ،وما قال
الله عليه وسلم عشر سنوات فما قال :لي أ ّ
لشيء صنعته :لم صنعته؟ ول لشيء تركُته :لم تركته؟
وصفه عارف به صلى الله عليه وسلم فقال :كان صلى الله عليه
وسلم يمازح أصحابه ويخالطهم ويحادثهم ويداعب صبيانهم،
سهم في حجره ،ويجيب دعوة الحّر والعبد ،والمة والمسكين,
ويجل ُ
ويعود المرضى في أقصى المدينة ويقبل عذر المعتذر.
ووصفه عليم به فقال :كان صلى الله عليه وسلم يبدأ من لقيه
دا رجليه بين
بالسلم ،ويبدأ أصحابه بالمصافحة ،ولم ير قط ما ّ
أصحابه حتى ل يضّيق بهما على أحد ،يكرم من يدخل عليه ،وربما
بسط له ثوبه ،ويؤثره بالوسادة التي تحته ،ويعزم عليه في
)(10
أصحابه ،ويدعوهم بأحب الجلوس عليها إن أبى ،وُيكّني
أسمائهم تكرمة لهم ،ول يقطع على أحد حديُثه حتى يتجوز -أي
يكثر فيتجاوز الحد -فيقطعه بنهي أي له أو قيام .وكان إذا جلس
إليه أحد وهو يصلي خفف صلته ،وسأله عن حاجته ،فإذا فرغ عاد
إلى صلته.
وحسبنا في بيان أدبه صلى الله عليه وسلم وحسن عشرته وجميل
ت ن الل ّ ِ
ه ل ِن ْ َ م َ
ة ِ
م ٍ
ح َ
ما َر ْ مخالطته قول رّبه عز وجل فيهَ } :
فب ِ َ
ول ِ َ
ك ح ْ
ن َ
م ْ
ضوا ِ ب َلن ْ َ
ف ّ قل ْ ِ
ظ ال ْ َ
غِلي َ ف ّ
ظا َ ت َ ول َ ْ
و ك ُن ْ َ م َ لَ ُ
ه ْ
()10أي :يدعوهم لبأسمائهم بل بكناهم كأن يقول :يا أبا الحسن ،وأبا حفص ،وأبا أميمة مث ً
ل.
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
َ
ر{ .وقد في اْل ْ
م ِ م ِ
ه ْ
وْر ُ و َ
شا ِ م َ فْر ل َ ُ
ه ْ غ ِ
ست َ ْ
وا ْ
م َ
ه ْ
عن ْ ُ
ف َ
ع ُ َ
فا ْ
فعل صلى الله عليه وسلم فجزاه الله عن أمته خير الجزاء.
إن خشية الله تعالى في السّر والعلن ثمرة العلم بالله تعالى رّبا
وإلًها ذا جلل وكمال ل حد لهما تقصر الفهوم دون إدراكهما قال
ماءُ{ .وقال رسوله عل َ َ
ه ال ْ ُ
عَباِد ِ
ن ِ
م ْ شى الل ّ َ
ه ِ خ َ
ما ي َ ْ
تعالى} :إ ِن ّ َ
صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح)) :إني أعلمكم بالله
وأشدكم له خشية(( ،فدل هذا على أن الخشية يثمرها العلم
الصحيح ،العلم بالله ذي الجلل والكرام ،وبأسمائه الحسنى،
وصفاته العل ،وبمحابه من العقائد والقوال والعمال والصفات
والذوات ،وبمكارهه من ذلك كله.
ومن أعلم بالله من رسول الله؟ اللهم ل أحد ،ولذا فل أتقى لله
من رسول الله في سائر عباد الله ،ول أكثر طاعة من رسول الله
صلى الله عليه وسلم ،ول أرغب فيما عند الله من رسول الله
صلى الله عليه وسلم ،ول أرهب مما لدى الله من رسول الله
عا وتبّتل لله من رسول الله
صلى الله عليه وسلم ،ول أشد انقطا ً
صلى الله عليه وسلم ،وهذه الحاديث والثار تقرر ذلك وتؤكده.
خير حيث قال)) :أتيت رسول الله ما حدث به عبد الله بن ال ّ
ش ّ
صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل((
رواه أبو داود وغيره بإسناد ٍ صحيح.
ما تقدم عن أبي هالة في وصفه صلى الله عليه وسلم إذ قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متواصل الحزان ،دائم
الفكر ،ليست له راحة.
ما حدث به عبد الله بن عمر رضي الله عنهما اذ قال :كنا نعد
لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد قوله:
ي إنك أنت التواب الرحيم(( مائة ))ر ّ
ب اغفر لي وُتب عل ّ
مرة.
التواضع المحمدي
إذا كان التواضع معناه إظهار الضعة وذلك من رفيع القدر عالي
المقام ،شريف الصل والمحتد وهو كذلك ،فإن خلق التواضع
من أفضل الخلق وأسماها ،وقد بلغ فيه رسول الله صلى الله
عليه وسلم شأًوا ل يلحقه فيه أحد من الولين ول من الخرين.
• وفي حجه الذي أهدى فيه مائة بدنة حج على بعير فوقه رحل
عليه قطيفة ما تساوي أربعة دراهم.
• ولما فتح الله تعالى على رسوله مكة ودخلها ظافًرا منتصًرا
والجيوش السلمية قد دخلتها من كل أبوابها دخل راكًبا على
س قائم رحله تطامًنا وتواضًعا
ناقته ،وإن لحيته الشريفة تكاد تم ّ
لله عز وجل ،وهو موقف لم يقفه غيره في دنيا البشر قط.
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
• وروى أبو داود بإسناد ٍ صحيح أن رجل ً قال له صلى الله عليه
وسلم :يا خير البرّية)) :ذاك إبراهيم((.
المزاح المحمدي
دث أنس بن مالك رضي الله عنه فقال :إن رجل ً أتى النبي
• ح ّ
صلى الله عليه وسلم فاستحمله )أي طلب منه أن يحمله على
بعير ونحوه( ،فقال له صلى الله عليه وسلم)) :إنا حاملوك
على ولد الناقة(( فقال الرجل :يا رسول الله ما أصنع بولد
الناقة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم)) :هل تلد
البل إل النوق؟(( رواه الترمذي وأبو داود وصححه اللباني ،فكان قوله
حا معه وهو حق ل باطل فيه.
هذا مداعبة للرجل ومز ً
• وحدث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال له)) :يا ذا الذنين(( رواه أبوداود والترمذي وصححه
اللباني ،وهي مداعبة ظاهرة وهي حق واضح ،إذ كل إنسان ذو
أذنين اثنتين.
• وروى البخاري -رحمه الله -أن رجل ً كان يقال له عبد الله
قب بحمارٍ وكان مضحك النبي صلى الله عليه وسلم ،وكانويل ّ
يؤتى به في الشراب -أي السكر -ليقام عليه الحد ،فجيء به
ما فقال رجل :لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به! فقال رسول الله
يو ً
صلى الله عليه وسلم)) :ل تلعنه فإنه يحب الله ورسوله((.
فقوله وكان يضحك النبي صلى الله عليه وسلم دليل على أنه
كان يمازحه حتى يضحك ،والمزاح يكون بين اثنين فكل واحد
يمازح الثاني.
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
الفصاحة المحمدية
• نترك صاحب الشفا يصف لنا فصاحة الحبيب صلى الله عليه
وسلم فيقول :تحت ))فصل(( وأما فصاحة اللسان ،وبلغة القول،
فقد كان صلى الله عليه وسلم من ذلك بالمحل الفضل،
)(17 )(16
منزع ،وإيجاز والموضع الذي ل يجهد سلمة طبع ،وبراعة
ف،
ن ،وقلة تكل ٍ
مقطع ،ونصاعة لفظ ،وجزالة قول ،وصحة معا ِ
أوتي جوامع الكلم ،وخص ببدائع الحكم ،وعلم ألسنة العرب،
يخاطب كل أمة منها بلسانها ويحاورها بلغتها ،وي ُِباِريها في منزع
بلغتها ،حتى كان من أصحابه يسألونه في غير موطن عن شرح
كلمه وتفسير قوله.
وق فيه فل يدانيه فيه غيره ،ول يساميه• ومما اختص به وتف ّ
فيه سواه أنه صلى الله عليه وسلم يتكلم مع كل قوم ٍ بلهجتهم
وفصاحة لسانه ،وبلغة كلمهم ،فكلمه مع قريش والنصار
وأهل الحجاز ونجد ليس هو ككلمه مع ذي المشعار الهمداني،
ي والشعث) (19بن وطفهة) (18النهدي ،وقطن بن حارثة العُل َي ْ ِ
م ّ
)(20
حضر موت قيس ،ووائل بن حجر الكندي وغيرهم من أقيال
وملوك اليمن.
دها عام الوفود وهو سنة تسع. ()18هو خطيب نهد ووافِ ُ
()19وقدموا اليمن في ستين راكبا فأسلموا كلهم ورجعوا إلى اليمن.
()20جمع قيل بمعنى الملك.
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
الرحمة المحمدية
إن الرحمة المحمدية التي أودعها الله تعالى قلب نبّيه وصفيه
وخليله من عباده محمد صلى الله عليه وسلم رحمة عامة لسائر
َ
ن{ , مي َعال َ ِة ل ِل ْ َ
م ً
ح َك إ ِّل َر ْسل َْنا َما أْر َ
و َ
الخلق قال تعالى فيهاَ } :
م{ , حي ٌ ف َر ِ ءو ٌ ن َر ُمِني َؤ ِ ورحمة خاصة قال تعالى فيهاِ} :بال ْ ُ
م ْ
وللرحمة في القلب مظاهر في الحياة تتجّلى فيها وهذه بعض
مظاهر تلك الرحمة المحمدية.
((
قوله صلى الله عليه وسلم)) :في كل ذات كبد رطبة أجر
ضا.
مظهر من مظاهر الرحمة العامة أي ً
وقوله صلى الله عليه وسلم)) :دخلت امرأة النار في هرة
حبستها حتى ماتت فل هي أطعمتها حين حبستها ول
الرض((. )(22
تركتها تأكل من خشاش
قوله صلى الله عليه وسلم)) :ل يبلغني أحدٌ منكم عن أح ٍٍ
د من
أصحابي شيًئا فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم
الصدر((.
الوفاء المحمدي
وفاؤه: )(1
• و َ
حد ّث َ ْ
ت عائشة رضي الله عنها فقالت :ما غرت من امرأة ما
غرت من خديجة لما كنت أسمعه يذكرها ،وإن كان ليذبح الشاة
فُيهديها إلى خلئلها ،واستأذنت عليه أختها فارتاح إليها ودخلت
عليه امرأة فهش لها وأحسن السؤال عنها فلما خرجت ،قال:
))إنها كانت تأتينا أيام خديجة ،وإن حسن العهد من
اليمان((.
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
صلة الرحم واجبة ،ومن أقدر الناس على القيام بالواجب من
رسول الله؟ اللهم إنه ل أحد ومع هذا نذكر نموذجين أو ثلثة لما
كان عليه صلى الله عليه وسلم من صلة أرحامه ،ليقتدى به في
ذلك.
قوله صلى الله عليه وسلم في أبي العاص بن أمّية وكان مشر ً
كا
ما في أول أمره ثم أسلم وحسن إسلمه قال فيه وهو مشرك:
ظال ً
))
ما
إن آل أبي فلن ليسوا بأوليائي غير أن لهم رح ً
سأبلها ببللها(( أي :أصلها بصلتها الواجبة لها.
حدث أبو الطفيل قال :رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وأنا غلم
إذ أقبلت امرأة حتى دنت منه فبسط لها رداءه فجلست عليه،
فقلت :من هذه؟ قالوا :أمه التي أرضعته.
صلته صلى الله عليه وسلم بأمامة بنت زينب ابنته رضي الله عنها
ِ
إذ كان يحملها على عاتقه وهو يصلي فإذا سجد وضعها وإذا قام
حملها على عاتقه ،فهذا مظهر من مظاهر صلة الرحم ،كالذي قبله
في بسطه رداءه لمن أرضعته.
كان صلى الله عليه وسلم يبعث إلى ث ُوَْيبة مولة أبي لهب مرضعته
بصلة وكسوة ،فلما ماتت سأل من بقي من قرابتها؟ فقيل ل أحد،
ما بواجب صلة الرحام،
ولو قيل :بقي فلن أو فلنة لوصلهما قيا ً
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
ولو بعدوا ،ولو كانوا لمجرد رضاع بل أرحام فصلى الله عليه وسلم
ما كثيًرا.
تسلي ً
إن الحقوق الواجبة للنبي صلى الله عليه وسلم على كل فرد ٍٍ من
أفراد هذه المة المسلمة عشرة وهي كالتي:
إن اليمان به صلى الله عليه وسلم مستلزم لليمان بالله وملئكته
وكتبه ورسله واليوم الخر والقدر ،قال تعالى في المر به الواجب
ذي أ َن َْزل ْن َْا{ ,وقال ر ال ّ ِ والّنو ِ ه َ سول ِ ِوَر ُ ه َ مُنوا ِبالل ّ ِ القيام به } َ
فآ ِ
ي ال ّ ِ ُ
ذي م ّ ي اْل ّ ه الن ّب ِ ّ سول ِ ِ وَر ُ ه َمُنوا ِبالل ّ ِ فآ ِ عز من قائلَ } :
ن{ . دو َ هت َ ُم تَ ْعل ّك ُ ْعوهُ ل َ َ وات ّب ِ ُه َ مات ِ ِوك َل ِ َه َن ِبالل ّ ِ
م ُ يُ ْ
ؤ ِ
وقال هو صلى الله عليه وسلم في الخبار بوجوب اليمان به:
))أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ل إله إل الله
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
وته ورسالته
ومعنى اليمان به صلى الله عليه وسلم التصديق بنب ّ
التي جاء بها من عند الله تعالى ،وأن كل ما جاء به من الدين ،وما
أخبر به عن الله تعالى هو حق وصدق ،ول يكتفي بالنطق باللسان،
والقلب منكر لذلك غير مصدق به ،بل لبد من مطابقة القلب
للسان.
إن محبته صلى الله عليه وسلم واجبة بالكتاب والسنة ،قال تعالى:
خوان ُك ُم َ وأ َب َْنا ُ
مجك ُ ْوا ُ وأْز َ ْ َ وإ ِ ْ َم َ ؤك ُ ْ م َ ؤك ُ ْ ن آَبا ُ كا َن َ ل إِ ْ ق ْ } ُ
عشيرت ُك ُم َ
ها
سادَ َ ن كَ َ و َ ش ْ خ َ جاَرةٌ ت َ ْ وت ِ َها َ مو َ فت ُ ُقت ََر ْ لا ْ وا ٌ م َوأ ْ ْ َ و َ ِ َ َ
َ
هاٍدج َ و ِه َ سول ِ ِ وَر ُ ه َ ن الل ّ ِ م َم ِ ب إ ِل َي ْك ُ ْ ح ّ ها أ َ ون َ َ
ض ْ ن ت َْر َ ساك ِ ُ م َ و َ َ
َ ْ
دي ه َل ي َ ْ
ه ِ والل ّ ُ ه َ ر ِ م ِ
ه ب ِأ ْي الل ّ ُ حّتى ي َأت ِ َ صوا َ فت ََرب ّ ُ ه َ
سِبيل ِ ِ في َ ِ
ن{. قي َ س ِ فا ِ م ال ْ َ و َ ال ْ َ
ق ْ
فهذه الية دليل واضح على وجوب محبته صلى الله عليه وسلم
لما فيها من التهديد الشديد على من آثر على حب الله ورسوله
حب غيرهما من الهل والمال والولد.
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
وما سمع عمر رضي الله عنه هذا الحديث قال للرسول صلى الله
عليه وسلم :لنت أحب إلي من كل شيء إل نفسي التي بين
ي ،فقال له النبي صلى الله عليه وسلم)) :لن يؤمن أحدكم
جنب ّ
حتى أكون أحب إليه من نفسه(( ،فقال عمر والذي أنزل
عليك الكتاب لنت أحب إلي من نفسي التي بين جنبي فأجابه
الرسول قائل)) :الن يا عمر(( ,أي :بلغت حقيقة اليمان.
))
ن فيه وجد حلوة
وقال صلى الله عليه وسلم :ثلث من ك ّ
اليمان :أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما،
وأن يحب المرء ل يحبه إل لله ،وأن يكره أن يعود في
الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في
النار((.
ومعنى محبته صلى الله عليه وسلم :إيثار ما يحب صلى الله عليه
وسلم على ما يحب العبد.
البكاء عند ذكره شوًقا وحنيًنا إليه صلى الله عليه )(3
وسلم.
إن طاعته صلى الله عليه وسلم واجبة بأمر الله تعالى في قوله
عوا تعالى} :يا أ َيها ال ّذين آمُنوا أ َطيعوا الل ّه َ
طي ُوأ ِ َ َ ِ ُ ِ َ َ َ ّ َ
ماو َ م{ ,وبقوله عز وجلَ } : مال َك ُ ْ ع َ وَل ت ُب ْطُِلوا أ َ ْ ل َ سو َ الّر ُ
َ
ه{ ,ويدل على ن الل ّ ِ ع ب ِإ ِذْ ِطا َل إ ِّل ل ِي ُ َ سو ٍ ن َر ُ م ْ سل َْنا ِ أْر َ
نم ْ عظم شأن طاعته صلى الله عليه وسلم قوله تعاليَ } :
ص الل ّ َ
ه ع الل ّ َ قدْ أ َ َ ف َل َ سو َ
ع ِ ن يَ ْم ْ و َه{ ,وقولهَ } : طا َ ع الّر ُ ي ُطِ ِ
َ
دا{ ,وقوله: ها أب َ ً في َ ن ِ دي َ خال ِ ِ م َ هن ّ َ ج َ ه َناَر َ ن لَ ُفإ ِ ّ ه َ سول َ ُ وَر ُ َ
ل{ . سو َ ل أ َطيعوا الل ّه َ ق ْ } ُ
عوا الّر ُ طي ُ وأ ِ َ َ ِ ُ
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
ومعنى طاعته صلى الله عليه وسلم :فعل ما أمر به ،وترك ما
نهي عنه من اعتقاد أو قول أو عمل ،إذا كان المر للوجوب
والنهي للتحريم ،فإن كان المر للندب ،والستحباب والنهي
للتنزيه فل معصية في الفعل ول في الترك.
ما
ذوه ُ وَ َ ل فَ ُ
خ ُ سو ُ ما آَتاك ُ ُ
م الّر ُ اللتزام بمبدأ} :وَ َ )(5
ه َفان ْت َُهوا{ .وبمبدأ)) :إذا أمرتكم بأمر فأتوا ن ََهاك ُ ْ
م ع َن ْ ُ
منه ما استطعتم ،وما نهيتكم عنه فاجتنبوه(( رواه
مسلم .
صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم شيًئا ترخص فيه
فتنزه عنه قوم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم
فحمد الله ثم قال)) :فما بال أقوام يتنزهون عن
ء أصنعه؟ فوالله إني لعلمهم بالله وأشدهم
شي ٍ
له خشية((.
فضل المتابعة:
قوله صلى الله عليه وسلم)) :إن بني إسرائيل افترقوا على
اثنتين وسبعين ملة وإن أمتي ستفترق على ثلث
وسبعين كلها في النار إل واحدة(( ,قالوا :وما هي يا رسول
الله؟ قال)) :الذي أنا عليه اليوم وأصحابي(( ،رواه الترمذي
ظ مختلفة ،والحديث دليل على فضل المتابعة
وابن ماجة بألفا ٍ
للرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه في العقيدة والعبادة
والسلوك؛ إذ خلف ذلك يفضي بالعبد إلى النار.
َ ق ْ َ
عوا طي ُوأ َِ عوا الل ّ َ
ه طي ُلأ ِ طاعته والقتداء به فقال عز وجلُ } :
مل ْت ُ ْ
م ح ّ
ما ُ َ معل َي ْك ُ ْ
و َ
ل َ م َح ّما ُ عل َي ْ ِ
ه َ ما َ
فإ ِن ّ َ ول ّ ْ
وا َ ن تَ َ ل َ
فإ ِ ْ سو َ
الّر ُ
دوا{ .ولزم هذا أن ترك القتداء به صلى الله
هت َ ُ
عوهُ ت َ ْ
طي ُ
ن تُ ِ
وإ ِ ْ
َ
عليه وسلم مفض بصاحبه إلى الضلل الموجب للهلك في
الحياتين ،وهو كذلك ،فهم هذا سلف هذه المة فالتزموا بطاعته
صلى الله عليه وسلم ومتابعته والقتداء به.
دا أن
دا واقتصا ً
بدعة ،وانظروا أن يكون عملكم إن كان اجتها ً
يكون على منهج النبياء وسنتهم.
• روى أحمد أن ابن عمر رضي الله عنهما رؤي يدير ناقته في
مكان فسئل عنه فقال :ل أدري إل أني رأيت رسول الله صلى
الله عليه وسلم فعله ففعلته.
مر السنة على نفسه قول ً
• وقال أبو عثمان الحيري :من أ ّ
وفعل ً نطق بالحكمة ،ومن أمر الهوى على نفسه نطق بالبدعة.
• إن توقير النبي صلى الله عليه وسلم واجب أكيد ،إذ خلفه
وهو الستخفاف به صلى الله عليه وسلم ما هو من الكفر ببعيد،
بل هو كفر عتيد ،أمر تعالى بتوقير نبيه صلى الله عليه وسلم
مُنوا ذيًرا * ل ِت ُ ْ مب َ ّ سل َْنا َ
ك َ َ
ؤ ِ ون َ ِ
شًرا َ و ُ
دا َ
ه ً
شا ِ في قوله} :إ ِّنا أْر َ
حوهُ ب ُك َْر ً
ة سب ّ ُ
وت ُ َ و ّ
قُروهُ َ وت ُ َ
عّزُروهُ َ
وت ُ َ
ه َ
سول ِ ِ
وَر ُ ِبالل ّ ِ
ه َ
صيل ً{ . َ
وأ ِ َ
فالتعزير النصرة والتوقير للتعظيم والجلل وهذه له صلى الله
عليه وسلم ،والتسبيح لله عز وجل وهو تنزيهه تعالى عن
النقائص والشريك والشبيه والنظير والصاحبة والولد.
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
ومن مظاهر توقيره صلى الله عليه وسلم ما أمر الله تعالى به
َ
ن ها ال ّ ِ
ذي َ وأرشد إليه في كتابه العزيز كقوله تعالىَ} :يا أي ّ َ
ه{ أي :ل تقولوا قبل
سول ِ ِ
وَر ُ ي الل ّ ِ
ه َ ن ي َدَ ِ
موا ب َي ْ َ مُنوا َل ت ُ َ
قدّ ُ آ َ
أن يقول ,واذا قال فاستمعوا له وأنصتوا ،فل يحل لحدهم أن
يسبق بقوله قوله ،ول برأيه رأيه ،ول بقضائه قضائه بل عليهم
َ
ن
ذي َها ال ّ ِ أن يكونوا تابعين له في كل ذلك ،وقوله تعالىَ} :يا أي ّ َ
َ
هُروا وَل ت َ ْ
ج َ ي َ ت الن ّب ِ ّ و ِ
ص ْوقَ َف ْ م َ وات َك ُ ْص َ عوا أ ْ ف ُمُنوا َل ت َْر َ آ َ
ممال ُك ُ ْ ع َط أَ ْحب َ َن تَ ْ
َ
ضأ ْ ع ٍم ل ِب َ ْضك ُ ْ ع ِ ر بَ ْ ه ِ ل كَ َ
ج ْ و ِ ق ْه ِبال ْ َ لَ ُ
ن{ ,فقد منعهم في هذا الخطاب من رفع م َل ت َ ْ َ
عُرو َ ش ُ وأن ْت ُ ْ َ
أصواتهم فوق صوته لمنافاة ذلك للدب معه والوقار له ،كما
منعهم من الجهر بالقول له إذا خاطبوه وكلموه لما في ذلك من
سوء الدب والجفاء والغلظة المنافية للجلل والتوقير
ل ب َي ْن َك ُ ْ
م سو ِ عُلوا دُ َ
عاءَ الّر ُ والتعظيم ,وقوله تعالىَ} :ل ت َ ْ
ج َ
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
ومن مظاهر توقير الصحاب رضوان الله عليهم لنبيهم صلى الله
عليه وسلم ما يلي:
ما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه إذا حدث فقال:
در العرق
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عله كرب :وتح ّ
من جبينه رضي الله عنه وأرضاه.
مّر مالك بن أنس إمام دار الهجرة -رحمه الله -مّر على أبي حازم
وهو يحدث فجازه ولم يقف عنده ,وعلل لذلك بقوله :إني لم أر
موضًعا أجلس فيه فكرهت أن آخذ حديث رسول الله صلى الله
عليه وسلم وأنا قائم ،وكان -رحمه الله تعالى -إذا أراد أن يحدث
بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم اغتسل وتطيب ولبس
أحسن ثيابه ،ثم خرج فحدث.
إن لوجوب النصح له صلى الله عليه وسلم أدلة من الكتاب والسنة
ن
دو َ ن َل ي َ ِ
ج ُ عَلى ال ّ ِ
ذي َ وَل َ
مثل قوله تعالى من سورة التوبةَ } :
ه{ ,فذكر النصحسول ِ ِ
وَر ُ حوا ل ِل ّ ِ
ه َ ص ُ ج إِ َ
ذا ن َ َ حَر ٌ
ن َ ف ُ
قو َ ما ي ُن ْ ِ
َ
حا لله
لرسوله وأنه نافعٌ لصاحبه رافعٌ عنه الحرج ما دام ناص ً
ش ول خادع بهما.
ولرسوله غير غا ٍ
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
ومثل قول الرسول صلى الله عليه وسلم)) :الدين النصيحة لله
ولكتابه ولرسوله(( فجعل النصح له ديًنا.
معنى النصح :أنه إرادة الخير للمنصوح له ،ول يتم هذا إل بعد
تخليص النفس من كل الشوائب حتى تصل إلى درجة تريد فيها
الخير كامل ً لمن تريده له.
والنصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم تكون بأمور هي
مظاهر لها وهي:
إن محبة أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحبة
أصحابه من محبته صلى الله عليه وسلم ،وما دامت محبته
ضا ،وعليه فما أحب رسول
واجبة فمحبة ما يجب واجب أكيد أي ً
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
الله صلى الله عليه وسلم من لم يحب أهل بيته وأصحابه ،إذ
كان صلى الله عليه وسلم يحبهم.
• وقال :عمر لبنه عبد الله لما أعطى أسامة ثلثة آلف
وخمسمائة وأعطى ولده عبد الله ثلث آلف فقال له :فلم
دا كان
ي؟ فوالله ما سبقني إلى مشهد ،قال :لن زي ً
ضلته عل ّ
ف ّ
أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيك ,وأسامة
ب رسول الله صلى الله عليه وسلم
أحب إليه منك فآثرت ح ّ
على حّبي!!
• كانت تلك الخبار الموجبة لحب أهل بيت رسول الله صلى
الله عليه وسلم .وأما أصحابه رضوان الله عليهم ففي كتاب
الله ما يوجب حبهم وتقديرهم والترضي عنهم ،وما يحرم
انتقاصهم ،الطعن فيهم ،والنيل من كرامتهم ،فقد قال تعالى:
ت ح َ ك تَ ْعون َ َ ن إ ِذْ ي َُباي ِ ُ مِني َ ؤ ِ ن ال ْ ُ
م ْ ع ِ
ه َ ي الل ّ ُض َقدْ َر ِ }ل َ َ
ة{ ,فهل يرضى الله عن عبده ويجوز السخط عليه من جَر ِ
ش َ ال ّ
ل الل ّ ِ
ه سو ُ مدٌ َر ُ ح ّ م َقبل عباده؟؟ اللهم ل ،ل ،وقال تعالىُ } :
م عَلى ال ْك ُ ّ وال ّذين مع َ
ه ْ
م ت ََرا ُ ه ْ
ماءُ ب َي ْن َ ُ ح َ ر ُر َ فا ِ داءُ َ
ش ّ هأ ِ َ ِ َ َ َ ُ
فاَر{ ,فهل يمدح م ال ْك ُ ّ ه ُ دا{ إلى قوله} :ل ِي َ ِ َ
غيظ ب ِ ِ ج ًس ّ عا ُُرك ّ ً
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
• قوله صلى الله عليه وسلم في أبي بكر وعمر رضي الله
عنهما)) :اقتداو باللذين من بعدي :أبي بكر وعمر((.
قوله صلى الله عليه وسلم)) :ل تسبوا أصحابي فلو •
أنفق أحدكم مثل أحد ذهًبا ما بلغ مد أحدهم ول
نصيفه).(((24
• قول سهل بن عبد الله التستري -رحمه الله تعالى -لم يؤمن
أوامره. )(25
بالرسول من لم يوّقر أصحابه ،ولم يعّز
• هذا آخر الحقوق العشرة الواجبة لرسول الله صلى الله عليه
وسلم صاحب هذه السيرة العطرة ،الواجبة له على كل مؤمن
ومؤمنة ،وهو الصلة والسلم عليه صلى الله عليه وسلم.
إن هذا الحق الواجب الكيد ثابت بالكتاب والسنة وإجماع المة
َ
ها عَلى الن ّب ِ ّ
ي َيا أي ّ َ ن َ صّلو َ ه يُ َ مَلئ ِك َت َ ُو َه َ ن الل ّ َقال تعالى} :إِ ّ
ما{ ,وقال رسول سِلي ًموا ت َ ْ سل ّ ُ و َ ه َ عل َي ْ ِ
صّلوا َ مُنوا َ نآ َ ال ّ ِ
ذي َ
الله صلى الله عليه وسلم)) :رغم أنف امريء ذكرت عنده
ي(( وقال)) :صلوا علي حيثما كنتم فإن ل عل ّ
فلم يص ِ
صلتكم تبلغني(( ،وقال له أصحابه رضي الله عنهم أما
السلم عليك فقد عرفناه فكيف نصلي عليك؟ قال :قولوا:
))اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ،كما صليت
على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ،اللهم
بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على
إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد(( .فالصلة
عليه صلى الله عليه وسلم واجبة في الجملة وتتأكد عند ذكره
صلى الله عليه وسلم ،وفي التشهد الخير من كل صلة ،وجاء
في فضلها قوله صلى الله عليه وسلم)) :من صلى علي مرة
صلى الله عليه بها عشرة(( .وقوله)) :إذا سمعتم النداء
فقولوا مثل ما يقول المؤذن ثم صلوا علي أي قولوا:
اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت
على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك
على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم
وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ,ثم سلوا إلي
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
إن هناك مواطن كثيرة تستحب فيها الصلة على النبي صلى الله
عليه وسلم صلى الله عليه وسلم نجملها إزاء النقاط التية:
لقد ورد في الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم صيغ كثيرة
بعضها مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ،وبعضها مأثور عن
السلف الصالح ،وبعضها محدث مبتدع ) ،(26ونظًرا لذلك فإنا نكتفي
بذكر أعلى الصلة وذكر أدناها ،فأعلى الصلة وأفضلها على
الطلق الصلة البراهيمية التي علمها رسول الله صلى الله عليه
وسلم أصحابه ما تقدم قريًبا إذ قال لهم)) :قولوا اللهم صل
د وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم
على محم ٍ
د
وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محم ٍ
وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل
إبراهيم إنك حميد مجيد(( ,وأدنى الصلة عليه صلى الله عليه
ها َ
ما لقوله تعالىَ} :يا أي ّ َ
وسلم :اللهم صل على محمد وسلم تسلي ً
ما{ .
سِلي ً سل ّ ُ
موا ت َ ْ و َ عل َي ْ ِ
ه َ صّلوا َ
مُنوا َ
نآ َ ال ّ ِ
ذي َ
فاللهم صل علي محمد ٍ عبدك ورسولك النبي المي وعلى
ما
ع ّ
ة َ
عّز ِب ال ْ ِ ك َر ّ ن َرب ّ َحا َ
سب ْ َ
ما كثيًراُ } ،آله وصحبه وسلم تسلي ً
به َر ّ مدُ ل ِل ّ ِ
ح ْوال ْ َ
ن* َ سِلي َ عَلى ال ْ ُ
مْر َ م َسَل ٌ
و َ
ن* َ ص ُ
فو َ يَ ِ
ن{ . عال َ ِ
مي َ ال ْ َ
ودليل الصلح وطريق الفلح ،يقول صلى الله عليه وسلم ) :من
ي صلة واحدة صلى الله عليه بها عشر صلوات ،ورفعه صلى عل ّ
عشر درجات ،وكتبت له عشر حسنات ،ومحي عنه عشر سيئات((
أخرجه النسائي في الكبرى وفي عمل اليوم والليلة عن أنس بن
مالك.
ي من الصلة ليلة الجمعة ويوم الجمعة(( أخرجه وقال)):أكثروا عل ّ
ابن عدي في الكامل 102\3والبيهقي في الكبرى 5790وفي
الشعب 3030عن أنس بن مالك وانظر كشف الخفاء .190\1
ي" أخرجه أحمدل عل ّوقال ":رغم أنف من ذكرت عنده ولم يص ّ
7402والترمذي 3545والحاكم .2016وروي مرفوعا ":البخيل
ي" أخرجه أحمد 1738والترمذي من ذكرت عنده فلم يص ّ
ل عل ّ
3546عن علي رضي الله عنه وانظر كشف الخفاء .332\1
وورد ":إن لله ملئكة سياحين في الرض يبلغونني من أمتي
السلم" أخرجه أحمد ] [4198 ،3657والنسائي 1282والدارمي
2774والحاكم 3576عن عبدالله بن مسعود.
ي بن كعب :سوف أجعل لك صلتي كلها ،أي دعائي، ولما قال أب ّ
مك" أخرجه الترمذي .2457 قال ":إذن يغفر ذنبك ،وتكفي ه ّ
الدب معه صلى الله عليه وسلم شريعة يثاب فاعلها ويعاقب
تاركها ،فالدب مع شخصه الكريم بإجلله وإعزازه وتوقيره
وتقديره واحترامه وانزاله المنزلة التي أنزله الله إياها :ل غلوّ ول
جفاء ،وعدم العتراض عليه صلى الله عليه وسلم أو مناقضة
أقواله بأقوال غيره من الناس ،أو تقديم قول كائن من البشر مهما
كان على قوله ،أو أخذ حديثه على أنه كلم يصيب ويخطئ ،بل هو
ي معصوم ،أو التعّرض لصفة من صفاته بجفاء ،أو رد قوله كلم نب ّ
بعد التأكد من صحة نسبته اليه ،أو الشك في بعض قضاياه
وأحكامه ،أو مقارنته بالقادة والزعماء والملوك ،فقد رفع الله قدره
على الجميع وأعلى منزلته على الكل.
فعلى المسلم أن يفعل فعل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم
في التأدب معه
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
خذ على سبيل قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ )):إذا شرب
ن بالتراب((. ُ
الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا أوله ّ
ولقد جاء الطب باكتشافاته ومكبراته فأثبت أن في لعاب الكلب
ت وأمراضا ً فتاكة ل يزيلها الماء وحده ،وأظهرت البحوث مكروبا ٍ
العلمية الحديثة أنه يحصل من إنقاء التراب لهذه النجاسة ما ل
يحصل بغيره.
وجاء-أيضًا -أن شرب الكلب في الناء يسبب أمراضا ً خطيرة،
فالكلب كثيرا ً ما تكون فيه ديدان مختلفة النواع ،ومنها دودة
ن جسد دا ،فإذا شرب في إناء ،أو لمس إنسا ٌ شريطية صغيرة ج ّ
الكلب بيده أو بلباسه انتقلت بويضات هذه الديدان إليه ،ووصلت
إلى معدته في أكله ،أو شربه ،فتثقب جدرانها ،وتصل إلى أوعية
الدم ،وتصل إلى العضاء الرئيسة ،فتصيب الكبد ،وتصيب المخ،
ل ،وفقد للشعور ،وتشنجات، فينشأ عنه صداع شديد ،وقيٌء متوا ِ
وشلل في بعض العضاء ،وتصيب القلب ،فربما مزقته ،فيموت
الشخص في الحال.
ثم إن العلوم الطبيعية تؤيد السلم ،وتؤكد صحته على غير علم
من ذويها.
مثال ذلك تلقيح الشجار الذي لم يكتشف إل منذ عهد قريب ،وقد
نص عليه القرآن الذي أنزل على النبي المي منذ أربعة عشر قرنا ً
َ
ح(( وكذلك قوله تعالى: - واقِ َ ح لَ َسل َْنا الّريا َ َ في قوله-تعالى)): -وَأْر َ
قَناخل َ ْ
يٍء َ ل َ ن كُ ّ ن كُ ّ َ
ش ْ م ْ ج(( ،وقوله)):وَ ِ ٍ ج ب َِهي ٍ ل َزوْ م ْ
))وَأن ْب َت َْنا ِفيَها ِ
ج ك ُل َّها((. خل َقَ ال َْزَوا َ ذي َ ن ال ّ ِ حا َ سب ْ َ ن(( وقولهُ )): جي ْ ِ َزوْ َ
فهذا كلم رب العالمين في القرآن قبل أن تبين لنا العلوم
الطبيعية أن في كل نبات ذكرا ً وأنثى.
ولقد اعتنق بعض الوربيين السلم لما وجد وصف القرآن للبحر
وصفا ً شافيا ً مع كون النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يركب
َ
ت ِفي ما ٍ البحر طول عمره ،وذلك مثل قوله ـ تعالى ـ )):أوْ ك َظ ُل ُ َ
ت
ما ٌ ب ظ ُل ُ َ حا ٌ ن فَوْقِهِ َ
س َ م ْ ج ِ موْ ٌ ن فَوْقِهِ َ م ْ ج ِ موْ ٌ ي ي َغْ َ
شاه ُ َ ج ّحرٍ ل ُ ّ بَ ْ
م ي َك َد ْ ي ََرا َ َ َ
ها((. داه ُ ل ْ ج يَ َ خَر َ ذا أ ْ ض إِ َضَها فَوْقَ ب َعْ ٍ ب َعْ ُ
-27السلم يكفل الحريات ويضبطها :فحرية التفكير في
السلم مكفولة ،وقد منح الله النسان الحواس من السمع ،
والبصر ،والفؤاد ،ليفكر ،ويعقل ،ويصل إلى الحق ،وهو مأمور
بالتفكير الجاد السليم ،ومسؤول عن إهمال حواسه وتعطيلها ،
كما أنه مسؤول عن استخدامها فيما يضر.
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
وإذا رأينا من بعض المنتمين إليه وهنا ً في العزم ،أو بعدا ً عن
الهدى -فالتبعة تعود على أولئك ،ل على الدين ؛ فالدين براء ،
والتبعة تقع على من جهل السلم ،أو نبذ هدايته وراء ظهره.
إن الحياة النافعة إنما تحصل بالستجابة لله ورسوله فمن لم
تحصل له هذه الستجابة فل حياة له وإن كانت له حياة بهيمية
مشتركة بينه وبين أذل الحيوانات ،فالحياة الحقيقية الطيبة هي
حياة من استجاب لله والرسول ظاهًرا و باطًنا ،فهؤلء هم الحياء
وإن ماتوا ،وغيرهم أموات وإن كانوا أحياء البدان؛ ولهذا كان أكمل
ة لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم، الناس حياة ً أكملهم استجاب ً
فإن كل ما دعا إليه ففيه الحياة ,فمن فاته جزٌء منه فاته جزٌء من
الحياة ،وفيه من الحياة بحسب ما استجاب للرسول صلى الله
عليه وسلم ،فإن اليمان والسلم والقرآن والجهاد يحي القلوب
الحياة الطيبة ،وكمال الحياة في الجنة ،والرسول صلى الله عليه
وسلم داٍع إلى اليمان ،وإلى الجنة ،فهو داٍع إلى الحياة في الدنيا
والخرة ،والنسان مضطٌر إلى نوعين من الحياة :حياة بدنه التي
ؤثر ما ينفعه على ما يضره ،ومتى بها يدرك النافع والضار ،وي ُ ْ
نقصت فيه هذه الحياة ناله من اللم والضعف بحسب ذلك؛ ولذلك
كانت حياة المريض والمحزون وصاحب الهم والغم والخوف
والفقر والذل ،دون حياة من هو معافى من ذلك ،وحياة قلبه
وروحه بما يميز بين الحق والباطل والغي والرشاد.
وكما أن النسان ل حياة له حتى ينفخ فيه الملك الذي هو رسول
الله صلى الله عليه وسلم من روحه فيصير حًيا بذلك النفخ ،وكان
قبل ذلك من جملة الموات ،فكذلك ل حياة لروحه وقلبه حتى ينفخ
فيه الرسول صلى الله عليه وسلم من الروح الذي ألقي إليه ،وهو
ة على ح ونور ،فالحياة والستنارة موقوف ٌ وحي الله ,فإن وحيه رو ٌ
نفخ الرسول الملكي فمن أصابه نفخ الرسول الملكي ،ونفخ
الرسول البشري حصلت له الحياتان ،ومن حصل له نفخ الملك
دون نفخ الرسول حصلت له أحد الحياتين وفاتته الخرى.
وأما من أعرض عن أمر الله وخالف ما أنزله على خاتم رسله،
وأخذ من غير الدين الذي ارتضاه الله لخلقه ،فل طمأنينة له ،ول
ج لضلله ،وإن ظهرت عليه انشراح لصدره ،بل صدره ضيقٌ حر ٌ
م في ظاهره ،ولبس ما شاء ،وأكل ما شاء ،وسكن حيث شاء, نع ٌ
ك
ق وحيرةٍ وش ٍ فإن قلبه لم يخلص إلى اليقين والهدى ،فهو في قل ٍ
فل يزال في ريبه يتردد ،فهذا من ضنك المعيشة ,فالمعرض عن
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
إن القول بأن السلم دين تطرف وإرهاب مردود على من
قاله :فهو محض افتراء ،ومحاولة للصد عنه ؛ فالسلم دين
الرحمة ،والرفق ،والتسامح ،و ما السيف الذي يأمر السلم
بانتضائه للجهاد في سبيل الله إل كمبضع طبيب ناصح يشرط به
جسم العليل ؛ لينزف دمه الفاسد ،حرصا ً على سلمته ؛ فليس
الغرض من الجهاد في السلم سفك الدماء ،وإزهاق الرواح ،
وإنما الغرض منه إعلء كلمة الله ،وتخليص البشر من عبادة
البشر ،ودللتهم على عبادة رب البشر ،كي يعيشوا حياة كريمة.
وأمة السلم خير أمة أخرجت للناس ،وخير أمة جاهدت في
سبيل الله فانتصرت ،وغلبت فرحمت ،وحكمت فعدلت ،
وساست فأطلقت الحرية من عقالها ،وفجرت ينابيع الحكمة بعد
نضوبها.
صَر
واسأل التاريخ ؛ فإنها قد استودعته من مآثرها الغُّر ما ب َ ُ
بضوئه العمى ،وازدهر في الرض ازدهار الكواكب في كبد
السماء.
فماذا فعل المسلمون حين انتصروا على خصومهم ؟ هل
تكبروا ،وتسلطوا ،واستبدوا؟ وهل انتهكوا العراض ،وقتلوا
الشيوخ ،والنساء ،والطفال ؟
ماذا فعل النبي -صلى الله عليه وسلم -عندما انتصر على
خصومه الذين كانوا يؤذونه أشد الذى ؟ ألم يكن يصفح عنهم ؟
ويمن عليهم بالسبي والموال؟
وماذ فعل المسلمون عندما انتصروا على كسرى وقيصر؟ هل
خانوا وغدروا ؟ هل تعرضوا للنساء ؟ وهل أساءوا للرهبان في
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
السلم والغرب
- 3التمسك بالفهم الصحيح لكتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه
وسلم على طريقة السلف الصالح بوصفها الطريقة المستقيمة،
والطريق الذي يدخل بنا إلى الجنة ،والعض بالنواجذ على هذا
الفهم؛ فهو النجاة في وقت الفتنة والمحنة.
مدن عجلون وحبرون ودبير وقتل ملوكها وكل نفس فيها بحد
السيف فلم يفلت منها ناج ) سفر يوشع .(34
وأن موسى قال للسرائيليين ) :الن اقتلوا كل ذكر من الطفال
ل ،ولكن استحيوا لكم كل عذراء لم تضاجع وكل امرأة ضاجعت رج ً
رج ً
ل( ) سفر العدد .(31
ويتجاهل إلى حد العمى ما ورد في النجيل منسوبا ً إلى المسيح:
) ل تظنوا أني جئت لرسي سلما ً على الرض ،ما جئت لرسي
سلما ً بل سيفًا ،فإني جئت لجعل النسان على خلف مع أبيه،
والبنت مع أمها ،والكنة مع حماتها ،وهكذا يصير أعداء النسان أهل
بيته( إنجيل متى الصحاح ). (34
ويتجاهل ما ورد في العهد القديم من كتابهم المقدس من المر
بقتل الكفار وحرق ممتلكاتهم ورجمهم بالحجارة حتى الموت وكلها
موجودة في العهد القديم في مواضع منها ) سفر الخروج الصحاح
،34سفر التثنية الصحاح .(17 ،13
فأين الكلم عن القتل وسفك الدماء هناك؟ أم هو الذعر المخرس
من معاداة السامية ،والمقاييس النتقائية الجبانة ،والتعصب
العمى المقيت؟
-أين الكلم عن القتل الذي مارسته الكنيسة ضد المسلمين
واليهود في الحروب الصليبية ومحاكم التفتيش؟
-أين الكلم عن القتل وسفك دماء المدنيين من النساء والطفال
والشيوخ في هيروشيما ونجازاكي وفيتنام وغيرها؟
-أين الكلم عن سفك الدماء الذي يمارسه اليهود ضد الطفال
والصبايا في فلسطين؟
-إن هؤلء يصنعون الرهاب ويقذفون بالنار إلى صهاريج الوقود ،
فالنيل من جناب النبوة استفزاز واستنفار لكل مسلم ،ودونه أبدا ً
مهج النفوس ،وفداه المهات والباء ،وإن جمرة الغضب التي
يوقدها هؤلء في قلب كل مسلم ل يمكن التنبؤ بالحريق الذي
ستشعله ول كيف ول أين .وسيدفع هؤلء برعونتهم هذه البشرية
إلى أتون سعير متواصل من الصراعات والثارات .
ولن احتمل المسلمون ألوانا ً من البغي ،وتقبلوا تبريرات متنوعة
للعدوان فلن يوجد من يحتمل البغي على النبي – صلى الله عليه
وسلم -ولن يمكن تبرير أي حماقة من هذا النوع .
-أل يطرح هذا سؤال ً كبيرا ً عن هذه الحملة :هل هي محاولة لدفع
المواجهة التي تخوضها أمريكا مع العالم السلمي باتجاه ديني ،أم
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
أذكر هنا بعض الطرق ولن يعدم الموحد الغيور أن يكملها إلى
اللف بل اللف من الطرق لنصرة الرسول صلى الله عليه وسلم.
على مستوى الفرد :
-1التفكير في دلئل نبوته صلى الله عليه وسلم القاطعة بأنه
رسول رب العالمين ،وأصلها القرآن الكريم ،وما تضمنه من
دلئل على صدق نبوته صلى الله عليه وسلم .
-2تعلم الدلة من القرآن والسنة والجماع الدالة على وجوب
طاعة النبي صلى الله عليه وسلم ،والمر باتباعه ،والقتداء به
صلى الله عليه وسلم .
-3العلم والمعرفة بحفظ الله لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ,
وذلك من خلل الجهود العظيمة التي قام بها أهل العلم على مر
العصور المختلفة ,فبينوا صحيحها من سقيمها ،وجمعوها على
أدق الصول التي انفردت بها هذه المة عن غيرها من المم
السالفة .
-4استشعار محبته صلى الله عليه وسلم في القلوب بتذكر كريم
خلقية ،وقراءة شمائله وسجاياه الشريفة ،وأنه خلقية وال ُ
صفته ال َ
قد اجتمع فيه الكمال البشري في صورته وفي أخلقه صلى الله
عليه وسلم .
-5استحضار عظيم فضله وإحسانه صلى الله عليه وسلم على كل
واحد منا ،إذ أنه هو الذي بلغنا دين الله تعالى أحسن بلغ وأتمه
وأكمله ،فقد بلغ صلى الله عليه وسلم الرسالة وأدى المانة
ونصح المة ،ورسول ً عن قومه.
-6عزو كل خير دنيوي وأخروي نوفق إليه ونتنعم به إليه صلى الله
عليه وسلم بعد فضل الله تعالى ومنته ،إذ كان هو صلى الله عليه
وسلم سبيلنا وهادينا إليه ،فجزاه الله عنا خير ما جزى نبيا ً عن
أمته.
-7استحضار أنه صلى الله عليه وسلم أرأف وأرحم وأحرص على
أمته .قال تعالى } :النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم {
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
العلم من الحاديث المروية عنه صلى الله عليه وسلم ،مع محاولة
فهم تلك الحاديث ،واستحضار ما تضمنته تلك التعاليم النبوية من
الحكم الجليلة والخلق الرفيعة والتعبد الكامل لله تعالى ،
والخضوع التام للخالق وحده .
-17اتباع سنته صلى الله عليه وسلم كلها ،مع تقديم الوجب
على غيره .
-18الحرص على القتداء به صلى الله عليه وسلم في
المستحبات ،ولو أن نفعل ذلك المستحب مرة واحدة في عمرنا ،
حرصا ً على القتداء به في كل شيء .
-19الحذر والبعد عن الستهزاء بشيء من سنته صلى الله عليه
وسلم .
-20الفرح بظهور سنته صلى الله عليه وسلم بين الناس.
-21الحزن لختفاء بعض سنته صلى الله عليه وسلم بين البعض
من الناس .
-22بغض أي منتقد للنبي صلى الله عليه وسلم أو سنته .
-23محبة آل بيته صلى الله عليه وسلم من أزواجه وذريته ،
والتقرب إلى الله تعالى بمحبتهم لقرابتهم من النبي صلى الله
عليه وسلم ولسلمهم ،ومن كان عاصيا ً منهم أن نحرص على
هدايته لن هدايته أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من
هداية غيره ،كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه للعباس عم
رسول الله صلى الله عليه وسلم ) :مهل ً يا عباس لسلمك يوم
أسلمت كان أحب لي من إسلم الخطاب ،ومالي إل أني قد
عرفت أن إسلمك كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم من إسلم الخطاب( .
-24العمل بوصية النبي صلى الله عليه وسلم في آل بيته ،عندما
قال ) :أذكركم الله في أهل بيتي ( ثلثا ً .
-25محبة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيرهم واعتقاد
فضلهم على من جاء بعدهم في العلم والعمل والمكانة عند الله
تعالى .
-26محبة العلماء وتقديرهم ،لمكانتهم وصلتهم بميراث النبوة
فالعلماء هم ورثة النبياء ،فلهم حق المحبة والجلل ،وهو من
حق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته .
على مستوى السرة والمجتمع :
-1تربية البناء على محبة الرسول صلى الله عليه وسلم .
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
-2تربية البناء على القتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم في
جميع أحواله .
-3اقتناء الكتب عن سيرته صلى الله عليه وسلم.
-4اقتناء الشرطة عن سيرته صلى الله عليه وسلم.
-5انتقاء الفلم الكرتونية ذات المنهج الواضح في التربية.
-6تخصيص درس أو أكثر في السبوع عن السيرة تجتمع عليه
السرة.
-7اقتداء الزوج في معاملة أهل بيته بالرسول صلى الله عليه
وسلم.
-8تشجيع البناء على حفظ الذكار النبوية وتطبيق ذلك.
-9تشجيع البناء على اقتطاع جزء من مصروفهم اليومي من أجل
التطبيق العملي لبعض الحاديث ،مثل :كفالة اليتيم ,إطعام
الطعام ,مساعدة المحتاج.
-10تعويد البناء على استخدام المثال النبوية في الحديث مثل
المؤمن كيس فطن ,ل يلدغ المؤمن من جحر مرتين ,يسروا ول
تعسروا .
-11وضع مسابقات أسرية عن سيرة الرسول صلى الله عليه
وسلم .
-12تعريف السرة المسلمة بحياة الرسول صلى الله عليه وسلم
من خلل تطبيق مشروع ) يوم في بيت الرسول (.
على مستوى قطاع التعليم والعاملين فيه :
-1زرع محبة الرسول صلى الله عليه وسلم في نفوس الطلبة
والطالبات من خلل إبراز حقه صلى الله عليه وسلم على أمته .
-2الكثار من عقد المحاضرات التي تغطي جوانب من حياة
الرسول شخصيته صلى الله عليه وسلم .
-3حث مسئولي قطاعات التعليم إلى إضافة مادة السيرة النبوية
إلى مناهج التعليم والدراسات السلمية في التخصصات
النسانية .
-4العمل على تمويل وضع كراسي لدراسات السيرة النبوية في
الجامعات الغربية المشهورة.
-5تشجيع البحث العلمي في السيرة النبوية وحث الباحثيين على
تصنيف كتب السنة بتصانيف عدة مثل المغازي والشمائل .
-6العمل على إقامة المعارض المدرسية والجامعية التي تعرف
بالرسول صلى الله عليه وسلم مع مراعاة التمثيل الجغرافي
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
الخاتمة
فهذا نبينا صلى الله عليه وسلم وهذا إسلمنا فيا طالب الخير
والنجاة أقبل ،ويا مريد الشر والفتنة أقصر فلن يهدأ بال أهل
السلم حتى يكون الدين كله لله.
وأنت يا من تزعم حب النبي انظر لنفسك ،ما دليل حبك وما
برهان صدقكك ،وماذا قدمت لنصرة دين الله.
فشمر أيها المحب فالطريق طويل والجل قصير والموعد الجنة
بإذن الله .
وأنت يا من جهلت قدر المصطفى ولم تعرف له قدره وعظيم
منزلته وأثره على العالم حتى قيام الساعة ،أقرأ وتعرف ثم اعلنها
للعالم ول تخف؛ إنه الدين الحق وإنه النبي الخاتم ،فل نجاة ول
فلح إل بمحبة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ،ول نجاة ول فلح
إل بالقتداء به والمتثال لمره ونصرة دينه.
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
المراجع:
-إظهار الحق – الكيرواني الهندي
-تعريف غير المسلمين بالسلم -محمد بن إبراهيم الحمد
-زاد المعاد في هدي خير العباد – ابن قيم الجوزية.
-جلء الفهام في الصلة والسلم عليى خير النام – ابن قيم
الجوزية.
-هداية الحيارى – ابن قيم الجوزية.
-الجواب الصحيح – ابن تيمية
-الرسل والرسالت – عمر الشقر
-السيرة النبوية – لبن هشام.
-الشمائل المحمدية – الترمذي.
-جمع الوسائل في شرح الشمائل -علي القاري
-السيرة النبوية الصحيحة – الدكتور أكرم ضياء العمري.
-الرحيق المختوم – الشيخ صفي الرحمن المباركفوري.
-الرسول صلى الله عليه وسلم كأنك تراه -القرني
-هذا الحبيب – الشيخ أبو بكر الجزائري.
-محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة والنجيل والقرآن -
إبراهيم خليل فيلبس
1000 -سؤال وجواب في المذاهب والديان والفرق المعاصرة –
إسلم محمود.
1000 -سؤال وجواب في السيرة النبوية – إسلم محمود.
-القاموس الفريد في العقيدة والتوحيد – إسلم محمود.
-موقع السلم اليوم www.islamtoday.net -
-موقع اللجنة العالمية لنصرة خاتم المرسلين - www.icsfp.com
-معجزات النبي صلى الله عليه وسلم – مصطفى العدوي
-موسوعة الكتب التسعة – شركة حرف.
-مكتبة اللباني – برنامج ألكتروني.
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
فهرس الموضوعات
نورالرسالة المحمدية يشرق على الرض
رسول الهداية
الحصار في الشعب
السراء والمعراج
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
ما وحديًثا
الحرب ضد السلم قدي ً
طعامه وشرابه
خطبه
هديه صلى الله عليه وسلم في ُ
البيت النبوي
المعجزات المحمدية
القرآن الكريم
انشقاق القمر
ما من الناس
قدح لبن روى فئا ً
تكثير الطعام
حنين الجذع شو ً
قا إليه صلى الله عليه وسلم
الداب المحمدية
الخلق المحمدّية
دي
م ِ
الكرم المح ّ
الحلم المحمدي
ي
مد َ
و المح ّ
العف ُ
الشجاعة المحمدية
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
ي
مد َ
الصْبر المح ّ
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
ي
مد ّ
دل المح ّ
ع ْ
ال َ
الزهد المحمدي
الحياء المحمدي
التواضع المحمدي
رسول السلم محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبياء
والمرسلين
المزاح المحمدي
الفصاحة المحمدية
الرحمة المحمدية
الوفاء المحمدي
السلم والغرب