You are on page 1of 26

‫‪100‬وقفة وفائدة‬

‫من‬
‫( جامع الصحيحين)‬
‫أحاديث الذكر والدعاء‬

‫كتبها‬
‫د‪.‬وليد بن عبدالرحمن الحمدان‬
‫‪1442‬هـ‬
‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫الحمد هلل رب العالمين؛ والصالة والسالم على أشرف خلق اهلل أجمعين نبينا‬
‫محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ وبعد‪:‬‬
‫يف ظالل السنة أفياء واسعة‪ ،‬وجمال روحي‪ ،‬وعالم فسيح‪ ،‬وقطوف ربانية دانية‪،‬‬
‫وجداول تتدفق من معين الوحي‪ ،‬وأنوار تضئ الطريق‪.‬‬
‫من مشكاة النبوة نقتبس‪ ،‬ومن معين الوحي نرتوي‪ ،‬ومن شهد العلم نجني‪ ،‬ومن‬
‫ثمار العلم اليانعة نستلهم الجمال‪ ،‬ونفرح األرواح‪.‬‬
‫ونمير عذب رقراق‪ ،‬يفوح شذاه‪ ،‬فيعطر األجواء‪ ،‬ويسمو بالروح ويحلق بها يف عالم‬
‫مالئكي‪ ،‬وسمو رباين‪ ،‬وعطاء إلهي‪ ،‬فيد الكريم مألى ال يغيضها شيء‪.‬‬
‫نتجاىف عن الدنيا الفانية ونسمو مع األرواح العذبة‪ ،‬نتطلع إلى الحياة الباقية؛ إلى‬
‫سعادة النفس األبدية‪ ،‬ونعيم ال تدركه العقول البشرية‪.‬‬
‫فليطب لنا العيش مع نسمات الذكر والدعاء ولتهب رياحها محملة باأللطاف‬
‫والثمار والقطاف‪.‬‬
‫فنحن أبناء الركب اإليماين وورثة الرعيل األول الذي أشرقت عليه أنوار الرسالة‪،‬‬
‫وكملت فيه الديانة‪.‬‬
‫مع ركب الذاكرين اهلل كثيرا والذاكرات‪.‬‬
‫يف وقفات فواحة تعطر القلوب واألرواح بذكر رب العباد وبيان هدي خير العباد وفيها‬
‫لطائف ومعان‪ ،‬وقطوف وثمار ‪.‬‬
‫أسأل اهلل الكريم من فضله أن ال يحرمنا برها وأجرها والعلم والعمل بها‪ ،‬وأن يسعدنا‬
‫بجناته كما أسعدنا بذكره ومناجاته‪،،،، ,‬‬

‫أخوكم ‪ :‬د‪.‬وليد الحمدان‬


‫‪ -1‬يف ذكر اهلل ودعائه حياة القلوب ونعيمها وطمأنينتها وسكينتها قال تعالى {أال‬
‫بذكر اهلل تطمئن القلوب} وقال صلى اهلل عليه وسلم‪":‬مثل البيت الذي يذكر اهلل‬
‫فيه والذي ال يذكر اهلل فيه كمثل الحي والميت"‪ .‬متفق عليه من حديث أبي‬
‫موسى رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫‪ -2‬حث صلى اهلل عليه وسلم أمته على َم َجالس ذكْر اهلل عز وجل‪ ،‬فإن المجالس‬
‫تفضل وتشرف بما يذكر فيها‪ ،‬وكذا البيوت والقلوب واألمكنة واألزمنة تشرف‬
‫وتزداد رفعة بما يذكر فيها ويخرج منها‪ ،‬ولهذا كان أحب األيام عند اهلل يوم‬
‫النحر الجتماع أنواع من العبادات هي محبوبة هلل‪ ،‬وأفضل الليالي ليلة القدر‬
‫لنزول القرآن فيها‪ ،‬وفيها يفرق كل أمر حكيم‪.‬‬
‫‪ -3‬جاء يف القرآن والسنة مشروعية اإلكثار من الذكر واقترن ذلك باألمر به‪{:‬اذكروا‬
‫اهلل ذكرا كثيرا} ولما ذكر صفات المؤمنين ذكر بأنهم يذكرون اهلل‬
‫كثيرا‪{:‬والذاكرين اهلل كثيرا والذاكرات} ووعد الذاكرين اهلل كثيرا والذاكرات‬
‫بالفضل العظيم‪ ،‬ولم يرد يف عبادة من العبادات اقتران األمر بها بالكثرة أو وصف‬
‫فاعلها بالكثرة كما جاء يف الذكر‪.‬‬
‫االنقطاع عن الدنيا‪ ،‬فلم يكلف اهلل عباده بذلك‪ ،‬بل دوامه‬
‫َ‬ ‫‪ -4‬ال يعني َد َوا ُم ِّ‬
‫الذكْر‬
‫مطلقا للمالئكة المقربين الذين يسبحون اهلل ويعبدونه ال يفترون‪ ،‬وإنما أخبر‬
‫النبي صلى اهلل عليه وسلم عن حال العباد لو فعلوه لصافحتهم المالئكة يف‬
‫الطرقات‪ ،‬وقال‪" :‬ولكن ساعة وساعة"‪.‬‬
‫الحمدُ هلل تَمأل ُ الميز َ‬
‫َان" والمراد بملئه امتالؤه حقيقة‬ ‫‪ -5‬جاء يف فضل التحميد‪َ " :‬‬
‫حتى تثقله كما أخبر أن البقرة وآل عمران تأتي يوم القيامة كأنهما غمامتان أو‬
‫غيايتان أو فرقان من طير صواف‪ ،‬واهلل عز وجل قادر على أن يجعل األعراض‬
‫أجساما‪ ،‬قاله شيخنا ابن باز‪.‬‬
‫‪ -6‬سئل عليه الصالة والسالم عن أفضل الصالة؟ فقال‪ُ " :‬طول ال ُقنُوت"‪ ،‬والقنوت‬
‫أنواع‪ ،‬واألقرب أن المراد به هنا القراءة‪ ،‬وال يصح يف الصالة من القول إال‬
‫الدعاء والذكر‪-‬ومنه قراءة القرآن‪ -‬ولو جاوز المصلي إلى غيرهما من كالم‬
‫الناس بطلت صالته إال أن يكون ساهيا أو غافال‪.‬‬
‫‪ -7‬من ِّ‬
‫أجل أنواع الذكر‪ :‬القرآن تالوته وترتيله والتغني به وتدبره‪ ،‬ففضيلته فضيلة‬
‫الذكر‪ ،‬وكذا فضيلة كل سورة أو آية منه‪ ،‬وكلما اشتملت اآليات أو السور على‬
‫مدح وثناء لربنا جل شأنه وذكر أسمائه وصفاته كلما كان لها فضل وعظمة كآية‬
‫الكرسي وسورتي الفاتحة واإلخالص‪.‬‬
‫‪ -8‬كان النبي صلى اهلل عليه وسلم َي ْذك ُُر اهللَ َع َلى ك ُِّل َأ ْح َيانه‪ .‬رواه مسلم‪.‬‬
‫وقد جاء يف التنزيل ‪{:‬الذين يذكرون اهلل قياما وقعودا وعلى جنوبهم} فإن‬
‫سكتت ألسنتهم فهم يف عبادة التفكر{ويتفكرون يف خلق السموات واألرض‬
‫ربنا ما خلقت هذا باطال سبحانك} فسبحوه تنزيها أن يخلق شيئا عبثا وإنما‬
‫خلق الخلق لعبادته ومن ذلك الذكر فهم يذكرون اهلل ويسألونه{فقنا عذاب‬
‫النار}‪.‬‬
‫‪ -9‬عند التأمل فيما ورد من (الت َّْسبيح َوالت َّْهليل َوالت َّْحميد َوال َّتكْبير) نجد أنها غاية‬
‫العبادات وتجتمع فيها معان الذكر‪ ،‬وهي أثقل شيء يف الميزان‪ ،‬وأحب شيء‬
‫إلى الرحمن‪ ،‬وأعظم شيء يف الملكوت األعلى؛ وعليها تدور بقية األذكار‪ ،‬فمن‬
‫استدامها ذاكرا فقد أمكن من اإليمان قلبه وفاض على لسانه فضله‪ ،‬ولعظم‬
‫فضلها كانت ماحية للذنوب ‪-‬دون الكبائر‪-‬ولو كثرت‪ ،‬وشرع تكرارها ‪ ،‬ونقل‬
‫عن السلف أن التحميد أفضل من التسبيح‪ ،‬وأما التهليل فاختلف هل هو أفضل‬
‫أم التحميد؟ وإذا جمع العبد بينها أدرك من الفضل ماال يحصل بواحدة منها فإن‬
‫أكثر النصوص جمعت بينها كلها أو بعضها‪.‬‬
‫الدعاء َبأ ْس َماء اهلل عز وجل وصفاته أحرى باإلجابة‪ ،‬فاهلل سبحانه‬ ‫‪-10‬‬
‫يحب من عبده أن يتعلم أسماءه ويعلم من صفاته وربوبيته ما يزيده تعظيما‬
‫وهيبة وخشية وإجالال ومحبة‪.‬‬
‫وهلل يف كل اسم معنى يناسب ما يدعو به الداعي‪ ،‬وهذا يعلم من تذليل‬ ‫‪-11‬‬
‫اآليات القرآنية بما يناسبها من معان‪ ،‬وهذا من التوسل المشروع الذي يحبه اهلل‬
‫ويرضاه‪ ،‬أن تتوسل إليه بأسمائه وصفاته ك"منزل الكتاب ومرسل السحاب‬
‫ومقلب القلوب وواسع الرحمة وباسط اليدين بالرحمة"‪ .‬وغيرها كثير‪ ،‬فإذا‬
‫كان اآلدمي يحب أن ينادى باسمه فلله المثل األعلى هو شرع لعباده أن يدعوه‬
‫بها‪{:‬وهلل األسماء الحسنى فادعوه بها}‪.‬‬

‫الدُّ َعا ُء ب َما َعم َل العبد م َن األَ ْع َمال َّ‬


‫الصال َحة هو من التوسل المشروع‪،‬‬ ‫‪-12‬‬
‫فيت ذكر العبد مواطن اإلخالص ولو قلت أو صغرت فإنها قد عظمت عند اهلل‬
‫ورباها حتى ربت‪ ،‬وجعل قليلها كثيرا وصغيرها عظيما‪ ،‬فإذا دعا اهلل بها الداعي‬
‫وهو موقن باإلجابة وابتغى وجه اهلل فحري أن يستجاب له‪ ،‬كما حصل‬
‫ألصحاب الغار عندما انطبقت عليهم الصخرة‪.‬‬
‫الـم ْسلم ألَخيه ب َظ ْهر ال َغ ْيب ُم ْست ََجا َبةٌ‪ ،‬ألن إخالصه يكاد‬
‫الـم ْرء ُ‬
‫َد ْع َو ُة َ‬ ‫‪-13‬‬
‫يتحقق فهو غائب عن أخيه ال يراه وال يرجوه‪ ،‬وال شئ أعظم من اإلخالص يف‬
‫رفع الدعوات وقبول العبادات والملك يدعو ‪ :‬ولك بمثل‪ ،‬و"مستجابة" أي‬
‫مسموعة مقبولة‪ ،‬وال يشترط تحققها فقد يؤخرها اهلل له يف اآلخرة ذخرا لعلمه‬
‫سبحانه أن ذلك أنفع للداعي‪.‬‬
‫بر الوالدة له أثر عجيب يف إجابة الدعوة‪ ،‬فيستحق البار أن ُي َّبر‪ ،‬ويف‬ ‫‪-14‬‬
‫حديث أويس القرين عند مسلم ما يدل على ذلك‪ ،‬ومن عظم حق الوالدين أن‬
‫اهلل تعالى قرن بينه وبين حقه يف كتابه‪ ،‬ولألم حق أعظم‪ ،‬وما بر أحد بأمه إال رق‬
‫قلبه لربه‪ ،‬وكان أعظم صفاء وأصدق إخالصا وأرجى قبوال هذا يف الغالب‪.‬‬
‫اب ل ْل َع ْبد َما َل ْم َي ْع َج ْل‪ ،‬ولئن كانت العجلة مذمومة يف غالب‬
‫ُي ْست ََج ُ‬ ‫‪-15‬‬
‫األحوال فذمها يف الدعاء أغلب‪ ،‬ألن العبد مأمور بإظهار العبودية واالفتقار‪،‬‬
‫واهلل يحب من عبده اإللحاح واالطراح بين يديه وعلى بابه ويف اإللحاح دوام‬
‫التمجيد والثناء فال يستعجل العبد حتى يرى منه ربه ما يحب‪.‬‬
‫ال َع ْز ُم فـي الدُّ َعاء هو تأكيد لإلرادة ليتحقق مطلوبها ومرادها‪َ ،‬وإذا أراد‬ ‫‪-16‬‬
‫العبد أن يدعو ف َال َي ُق ْل‪ :‬إ ْن شئ َ‬
‫ْت‪ ،‬وكـأنه مستغن عن ربه‪ ،‬بل ليعزم التوجه‬
‫والقصد إلى ربه ويف الحديث قال‪" :‬ليعزم المسألة فإن اهلل ال مكره له"‪ .‬وقال‬
‫اهلل‪":‬وإن تقرب إلي شبرا تقربت منه باعا"‪.‬‬
‫دعاء العبد لنفسه أولى من غيره فهو مقدم عليه‪ ،‬ولهذا كان عليه‬ ‫‪-17‬‬
‫الصالة والسالم إذا دعا ألحد بدأ بنفسه‪ ،‬فنفسه أحق وأولى‪ ،‬هذا يف أمور‬
‫اآلخرة‪ ،‬فيكون أحرص عليها‪ ،‬وأما أمور الدنيا فله أن يؤثر بها كيف شاء‪.‬‬
‫شرعا‪ ،‬فيقدم بين‬
‫حمد اهلل والثناء عليه قبل الدعاء أمر متأكد ومتقرر ً‬ ‫‪-18‬‬
‫يدي مسألته ثناء وتمجيدا ثم يسأل ربه حاجته وقد جاء به القرآن ودلت عليه‬
‫السنة‪ ،‬كما يف سورة الفاتحة التي قسمها اهلل عز وجل بينه وبين عبده نصفين‪،‬‬
‫فأولها حمد وثناء وآخرها دعاء‪ ،‬ويف حديث الشفاعة ما يدل عليه فإنه قال‪" :‬ثم‬
‫يفتح اهلل علي من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه ألحد قبلي"‪.‬‬
‫يشرع خفض الصوت بالذكر والدعاء‪ ،‬وهذا هو األصل‪ ،‬ألن‬ ‫‪-19‬‬
‫المقصود هو اهلل جل شأنه‪ ،‬واهلل سميع بصير‪ ،‬فإن كان هناك أمر آخر الجهر فيه‬
‫مقصود شرع الجهر كما يف التلبية واألذان‪.‬‬
‫ين والفقراء لدعائهم شأن‪ ،‬ألن الضعيف والفقير‬ ‫الض َع َفا ُء م َن ُ‬
‫الـم ْسلم َ‬ ‫ُّ‬ ‫‪-20‬‬
‫والجائع من المسلمين أضعف تعلقا بدنياه وأكثر تعلقا بربه ممن كثر غناه‪ ،‬هذا‬
‫فيما يغلب مما هو معروف يف طبيعة البشر ويف التنزيل‪{ :‬كال إن اإلنسان ليطغى‬
‫أن رآه استغنى} فيكون دعاؤهم أقرب لالستجابة‪ ،‬وألنه يف الغالب مطعمهم‬
‫ومأكلهم أقرب إلى الطيب منه إلى الخبيث يدل عليه الحديث بعده‪ ،‬فمن‬
‫دواعي اإلجابة بل هو أقربها‪ :‬إخالص يصاحبه إظهار عجز وافتقار‪ ،‬وإلحاح‬
‫ومناشدة يصاحبها ذل وتكرار وانكسار‪.‬‬

‫يف قوله ‪« :‬إ َّن من ع َباد اهلل َمن َلو َأ َ‬


‫قس َم َع َلى اهلل أل َب َّر ُه»‪ .‬هذا ‪-‬واهلل أعلم‪-‬‬ ‫‪-21‬‬
‫ألمر يقوم يف قلب العبد من اليقين باهلل والبصيرة بنصره‪ ،‬وكأنه يبصر مواقع القدر‬
‫مما يجعله يقسم وهو موقن بأن اهلل لن يرده‪ ،‬وهذا لقوة يقين يف القلب وتعلق‬
‫باهلل وصدق يف التوكل عليه ال تصفوا إال للقليل‪.‬‬
‫"دعوة المظلوم" جاء يف الحديث األمر باتقائها‪ ،‬ألنها تفتح لها أبواب‬ ‫‪-22‬‬
‫السماء‪ ،‬وجاء يف الحديث خارج الصحيحين قوله "أل نصرنك ولو بعد حين"‪.‬‬
‫وبم ينصره اهلل عاجال ألن اهلل يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته‪ ،‬والمظلوم‬
‫غالبا يجد يف قلبه من االنكسار واالستنصار بخالقه حتى ينصره‪ ,‬ويهئ له من‬
‫يدفع عنه الظلم عنه واهلل هو الناصر‪{:‬وهلل جنود السموات واألرض}‪.‬‬
‫أثر طيب المطعم والملبس ونحوها يف إجابة الدعاء قد صرحت به‬ ‫‪-23‬‬
‫األحاديث‪ ،‬ألن اهلل طيب ال يقبل إال طيبا‪ ،‬والطيب كما يف الحديث‪ ،‬وقد يراد به‬
‫أن يكون مطعمه حالال أي ماله حالل؛ لما ذكره يف تمام الحديث‪ ،‬وقد يراد به‬
‫ما هو أوسع كطيب القلب واللسان والجوارح وطيب المطعم داخل يف ذلك‪،‬‬
‫ويدل عليه أن مقصده يف الحديث‪ :‬إن اهلل طيب ال يقبل إال طيبا‪ .‬أي من الدعاء‪.‬‬
‫ولذا فقد خاف السلف هذه اآلية‪{ :‬إنما يتقبل اهلل من المتقين} ففيها‬ ‫‪-24‬‬
‫التأويالن‪ ،‬ويف التنزيل‪{ :‬طبتم فادخلوها خالدين}‬
‫اع ٌة يجاب فيها الدعاء‪ ،‬واألقرب أنها آخر ساعة‪ ،‬ويف‬
‫فـي الجمعة َس َ‬ ‫‪-25‬‬
‫الحديث أنها ساعة خفيفة حيث وضع يده على أصبعه يزهدها يقللها‪ ،‬ويقرب‬
‫ذلك أن أكثر ماورد من إجابة الدعاء هو يف أواخر األوقات والعبادات‪ ،‬فمن ذلك‬
‫أدبار الصلوات وثلث الليل اآلخر‪ ،‬وآخر ليالي رمضان فيها ليلة القدر‪ ،‬ويف‬
‫التنزيل‪{:‬فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا اهلل} ويف نهاية نسك عرفة وقوف‬
‫ودعاء‪ ،‬ويف نهاية مبيت مزدلفة وقوف ودعاء‪ ،‬ويف نهاية رمي الجمرة الوسطى‬
‫واألولى وقوف ودعاء ‪.‬‬
‫الدعاء بالمأثور أفضل من غيره فقد أعطي النبي صلى اهلل عليه وسلم‬ ‫‪-26‬‬
‫جوامع الكلم‪ ،‬والدعاء بالمأثور‪ :‬أقرب إجابة‪ ،‬وأسلم وأبعد عن التكلف‪ ،‬قال‬
‫اهلل عز وجل‪ { :‬فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه}‪ .‬وهذه الكلمات علمه ربه‬
‫إياها‪ ،‬فهي من المأثور‪.‬‬
‫ال بأس أن يدعو المسلم على من آذاه وخصوصا إذا كان كافرا أو منافقا‬ ‫‪-27‬‬
‫وبالغ يف أذية المؤمنين‪ ،‬فقد دعا النبي صلى اهلل عليه وسلم على المإل من قريش‪،‬‬
‫فما لبثوا أن قتلوا يف بدر وألقوا يف قليب منها خبيث مخبث كما يف الصحيح‪.‬‬
‫لم يكن دعاؤه صلى اهلل عليه وسلم لإلنس فقط وهو المبعوث رحمة‬ ‫‪-28‬‬
‫للعالمين ورسالته للثقلين الجن واإلنس‪ ،‬فقد دعا للجن من جن نصيبين عندما‬
‫سألوه الطعام‪ ،‬وهذا من كمال رحمته وهدايته وكمال رسالته التي شملت‬
‫الثقلين الجن واإلنس ‪{:‬وما أرسلناك إال رحمة للعالمين}‪.‬‬
‫ومن ذلك دعاؤه صلى اهلل عليه وسلم ألمته ورأفته بهم وشفقته عليهم‬ ‫‪-29‬‬
‫وكان يشق عليه ماشق عليهم {عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم} أي ما شق‬
‫عليكم‪ .‬وجاء يف حديث الشفاعة قال‪" :‬رب أمتي أمتي"‪ .,‬ومرة ناشد ربه يف أمته‬
‫وبكى فقال اهلل‪" :‬إنا سنرضيك يف أمتك وال نسوؤك"‪.‬‬
‫ولهذا كان من الوفاء له كثرة الصالة عليه‪.‬‬ ‫‪-30‬‬
‫ومن ذلك دعاؤه وهو يقبل منهم صدقاتهم تطمينا وتطييبا لقلوبهم‬ ‫‪-31‬‬
‫وليعطوا صدقاتهم عن طيب نفس؛ فإن الشيطان حريص على منع المال الذي‬
‫جبلت النفوس على حبه فهي شحيحة به جزوعة منوعة‪ ،‬حتى إن أول شعيرة‬
‫عطلت بعد وفاة النبي صلى اهلل عليه وسلم كانت شعيرة الزكاة‪.‬‬
‫ومن ذلك‪ :‬دعاؤه للصبيان وتحنيكهم‪ ،‬ويف ذلك أبلغ األثر على آبائهم‬ ‫‪-32‬‬
‫وأمهاتهم‪.‬‬
‫لقد كانت دعواته تصل إلى الجميع فهو يعيش معهم وبينهم‪ ،‬ويشعر‬ ‫‪-33‬‬
‫الجميع بقربه منهم‪ ،‬وكل يشعر بأنه األحظ به من غيره‪ ،‬فقد جاء يف الحديث بعد‬
‫قول اهلل عز وجل ‪ {:‬النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم} وهو‬
‫أب لهم‪.‬‬
‫فمن ذلك‪ :‬دعاؤه ألنس بن مالك خادمه والبن عباس ابن عمه وألبي‬ ‫‪-34‬‬
‫موسى وأبي عامر األشعريين وألبي هريرة وألمه ولألنصار ولقبيلة دوس وأسلم‬
‫وغفار وغيرهم‪.‬‬
‫ويف الدعاء للغير أعظم األثر فمنها‪ :‬أن المدعو له يشعر بوشيجة‬ ‫‪-35‬‬
‫األخوة وعمق المحبة والوالء‪ ،‬ومنها‪ :‬أن الدعاء للمؤمن بظهر الغيب‬
‫مستجاب‪ ،‬ومنها‪ :‬أن الملك يقول للداعي‪ :‬ولك بمثل‪.‬‬
‫ولقد شملت دعوته حتى الجمادات‪ ،‬ومن ذلك‪ُّ :‬د َعا ُء النَّب ِّي صلى اهلل‬ ‫‪-36‬‬
‫عليه وسلم ل ْل َمدينَة فقد كان يحبها وسماها‪ :‬طابة كما جاء يف الحديث‪ ،‬وقال‬
‫َان إ َذا َقد َم من َس َفرٍ َفنَ َظ َر إ َلى‬ ‫عن جبل أحد ‪":‬يحبنا ونحبه" وقال أنس‪ :‬ك َ‬
‫َان َع َلى َدا َّب ٍة َح َّرك ََها‪ ،‬من ُح ِّب َها‪.‬‬
‫المدينَة َأ ْو َض َع َراح َل َت ُه‪َ ،‬وإن ك َ‬
‫ُجدُ َرات َ‬
‫ومن ذلك‪ :‬دعاؤه وهو يبني معهم المسجد ويف ذلك تجديد للهمة‬ ‫‪-37‬‬
‫وتثبيت لإليمان فكان يقول‪ :‬اللهم إنه ال خير إال خير اآلخرة فانصر األنصار‬
‫والمهاجرة‬
‫فكان يدعو ببيت من الشعر وهذا يدل على جواز أن يدعو الداعي‬ ‫‪-38‬‬
‫بدعاء هو عبارة عن بيت من الشعر وكان بعض األئمة كابن تيمية ربما دعا‬
‫بقوله‪:‬‬
‫ومن أعوذ به مما أحاذره‬ ‫يامن ألوذ به فيما أؤمله‬
‫وال يهيضون عظما أنت جابره‬ ‫ال يجبر الناس عظما أنت كاسره‬
‫ومن ذلك‪ :‬دعاؤه وهو يستنصر لهم يف غزوة بدر‪ ،‬وكانت أول معارك‬ ‫‪-39‬‬
‫اإلسالم الكبرى‪ ،‬وهي التي سماها اهلل يف القرآن "الفرقان" وكانت بحق فارقة‬
‫بين الحق والباطل وبين اإليمان والنفاق‪ ،‬وكان النصر فيه ضرورة البد منها حتى‬
‫يخنس النفاق وتضعف شوكة الكفر فجاءت غزوة بدر ويف ليلتها كان صلى اهلل‬
‫عليه وسلم يناشد ربه مادا يديه ويدعوه وهو موقن بالنصر حتى سقط رداؤه‪،‬‬
‫وكان دعاؤه ومناشدته من قبيل االستغاثة‪{:‬إذ تستغيثون ربكم فاستجاب‬
‫لكم‪}...‬‬
‫ومن ذلك‪ :‬دعاؤه وهو يحفر معهم الخندق‪ ،‬ويف هذا من التواضع‬ ‫‪-40‬‬
‫والمواساة لهم ما يخفف عنهم العناء والألواء‪ ،‬فلئن كانوا يربطون على بطونهم‬
‫حجرا واحدا فقد كان يربط على بطنه حجرين‪ ،‬وليبين لهم أنه معهم ببشريته‬
‫وسجيته‪ ،‬فليست نفسه ببعيدة من أن تصاب كما يصابون‪ ،‬ولهذا ظهر منهم حبه‬
‫والوالء له‪ ،‬وكان ينشد شعرا ويمد يف آخره صوته وفيه دعاء له وهم يجيبونه‪.‬‬
‫ومن خاصيته يف ذلك‪ :‬أن من دعا له بالرحمة أو استغفر له وهو يف غزاة‬ ‫‪-41‬‬
‫فإنه‪-‬أي المدعو له‪ -‬سينال الشهادة وسيقتل شهيدا فيها‪ ،‬كما وقع لعامر بن‬
‫األكوع‪ ،‬وعباد بن بشر رضي اهلل عنهم أجمعين‪ .‬وهذا فيه أمور‪ :‬منها أنه دعا له‬
‫قبل أن ينال الشهادة وكلهم يتمنى دعاء النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬ومنها أن‬
‫ذلك كالبشارة له فيعلمه أنه سينالها‪ ،‬ومنها أن هذا الذي دعا له معروف بصبره‬
‫وإيمانه وعفته كون دعواته له تزكية وشفاعة له‪ ،‬أن ذلك من دالئل نبوته‪.‬‬
‫ومن ذلك‪ :‬دعاؤه يف غَ ز َْوة ُحنَ ْي ٍن لما أدبروا‪ ،‬فكان يف دعائه تثبيتا لهم‪،‬‬ ‫‪-42‬‬
‫فما تركهم وال خذلهم بل استنصر لهم من بيده النصر‪ { :‬و ما النصر إال من عند‬
‫اهلل} وليعلمهم أن ‪{:‬القوة هلل جميعا} وأنهم مما بلغت كثرتهم وقوتهم فهي‬
‫أسباب مادية واهلل هو مسبب األسباب‪ ،‬وهو على كل شيء قدير‪.‬‬
‫ومن شفقته بأمته‪ :‬أنه سأل ربه أن يكون ُد َعاؤه َع َلى بعض أصحابه‬ ‫‪-43‬‬
‫وسبه لهم ولعنه لهم‪-‬وهو قليل جدا ال تزيد عن خمسة مواضع واهلل أعلم‪ -‬أن‬
‫وأجرا‪ ،‬هذا إذا لم يكن من‬
‫ً‬ ‫وطهورا‬
‫ً‬ ‫يجعله َزكَا ًة َو َر ْح َم ًة وصال ًة وكفار ًة وقربة ً‬
‫سبه أولعنه لها بأهل ‪ ،‬فإنه اشترط على ربه ذلك؛ وهذا من خصائصه صلى اهلل‬
‫عليه وسلم‪ ،‬كما أن من خصائصه أن قرينه من الجن أعانه اهلل عليه فأسلم‪ ،‬وقد‬
‫شق جبريل عليه السالم صدره وأخرج منه مثل العلقة فقال‪ :‬هذا حظ الشيطان‬
‫منك‪ ،‬ومعنى قوله‪ ":‬ليس لها بأهل"‪ ،‬أي يف باطن األمر وأن دعاءه وسبه كان‬
‫بحسب ما يظهر له‪ ،‬ومنهم من قال‪ :‬إن اللعن والسب يقع منه عن غير قصد‬
‫لحقيقته أو رغبة يف استجابته كما تدعو األم أحيانا على ولدها‪ ،‬فال يكون ذلك‬
‫كاللعن الواقع عن رغبة يف االستجابة‪.‬‬
‫فأما من لعنه النبي صلى اهلل عليه وسلم وهو لها أهل أو ألمر يتعلق‬ ‫‪-44‬‬
‫بالشرع لعنا مطلقا فهذا يحمل على إرادة الدعاء عليه واللعن حقيقة‪ ،‬كما لعن‬
‫طائفة من المنافقين‪ ،‬ولعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه والنامصة‬
‫والمتنمصة والراشي والمرتشي‪.‬‬
‫وأخبر أن المالئكة تدعوا للمؤمنين فتقول‪ :‬اللهم أعط منفقا خلفا؛ ويف‬ ‫‪-45‬‬
‫التنزيل‪ :‬تستغفر للذين آمنوا ‪ .‬وتدعوا لمن تطهر يف بيته ثم جاء إلى المسجد‬
‫فجلس يف مصاله ينتظر الصالة مالم يحدث‪.‬‬
‫كما أنها تدعوا فتقول‪ :‬اللهم أعط ممسكا تلفا‪.‬‬ ‫‪-46‬‬
‫وتلعن بعض من يقع منه قول أو فعل‪ ،‬كما تلعن من أحدث يف المدينة‬ ‫‪-47‬‬
‫حدثا أو آوى محدثا‪ ،‬ومن أشار على أخيه بحديدة‪ ،‬والمرأة يدعوها زوجها إلى‬
‫الفراش فتأبى‪ .‬وهي ال تلعن إال بأمر اهلل‪ ،‬فهم ال يعصون اهلل ما أمرهم ويفعلون‬
‫ما يؤمرون‪.‬‬
‫ومن توعد بلعن فقد أتى كبيرة من كبائر الذنوب‪.‬‬ ‫‪-48‬‬
‫وقد جاء النهي عن اللعن‪ ،‬واللعن من الدعاء فهو دعاء بالطرد واإلبعاد‬ ‫‪-49‬‬
‫من رحمة اهلل عز وجل‪ ،‬وهو من السباب و"سباب المسلم فسوق"‪.‬‬
‫فأما لعن األبوين مباشرة وصراحة أو يلعن أبا الرجل فيلعن أباه ويلعن‬ ‫‪-50‬‬
‫أمه فيلعن أمه فهذه كبيرة من كبائر الذنوب كما ثبت يف الصحيح‪ ،‬ولفظ‬
‫البخاري‪ :‬أكبر الكبائر‪.‬‬
‫جاء يف الحديث عند مسلم‪" :‬اللعانون ال يكونون شهداء وال شفعاء‬ ‫‪-51‬‬
‫يوم القيامة‪ ،‬والجزاء من جنس العمل‪.‬‬
‫نهى َعن ال َّت َن ُطع َوعن ال َّت َك ُّلف ومن ذلك التنطع والتكلف يف الدعاء‪،‬‬ ‫‪-52‬‬
‫وجاء يف حديث خارج الصحيحين النهي عن االعتداء يف الدعاء‪.‬‬
‫وكره ألمته أن يتمنى أحدهم الموت فيدعو به ل ُضر نز ََل به‪ ،‬فإما أن‬ ‫‪-53‬‬
‫يكون محسنا فيزداد إحسانا‪ ،‬وإما أن يكون مسيئا فلعله أن يتوب ويستعتب‪ ،‬فإن‬
‫كان والبد فليقل‪ :‬اللهم أحييني ما كانت الحياة خيرا لي‪ ،‬وتوفني ما كانت الوفاة‬
‫خيرا لي‪.‬‬
‫ودعا لنفسه بالرفيق األعلى؛ ولم يدع بذلك حتى ُخ ِّير بين البقاء يف‬ ‫‪-54‬‬
‫الحياة أو الرحيل إلى الدار اآلخرة‪ ،‬والرفيق األعلى هو اهلل جل شأنه وجاء يف‬
‫الحديث‪" :‬إن اهلل رفيق يحب الرفق"‪ .‬متفق عليه‪.‬‬
‫ومن سأل داعيا أن يدعو له وللمسلمين‪ ،‬ونيته نفع المسلمين كما سأل‬ ‫‪-55‬‬
‫عمر بن الخطاب العباس بن عبد المطلب عم النبي صلى اهلل عليه وسلم أن يقوم‬
‫فيدعو ويستسقي لهم‪ .‬وقال‪ :‬اللهم إنا نتوسل إليك بنبيك فتسقينا ونحن اليوم‬
‫نتوسل بعم نبيك‪ .‬قال‪ :‬فيسقون‪.‬رواه البخاري فذلك حسن‪.‬‬
‫أو تكون نيته نفع الداعي فذلك حسن ‪-‬أيضا‪-‬ولم يرد ما ينهى عنه بل‬ ‫‪-56‬‬
‫ورد ما يدل على مشروعيته‪.‬‬
‫ونهى أمته عن الدُّ َعاء ب َت ْعجيل ال ُع ُقو َبة التي يمكن أن تقع يف اآلخرة أن‬ ‫‪-57‬‬
‫يعجلها فـي الدُّ ْن َيا‪ ،‬فاهلل أرحم بعبده من الوالدة بولدها‪ ،‬ومهما بلغت ذنوب‬
‫العبد فعليه أن يتوب وال يقول أنا أطيق عذاب اهلل ال يف الدنيا وال يف اآلخرة‪ ،‬وال‬
‫يتجلد العبد مع ربه‪ ،‬فإنه ال طاقة له بعذابه‪ ،‬بل يسأل ربه العفو والعافية يف الدين‬
‫والدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫وعندما يدعو الداعي ويلح على اهلل تعالى وهو سبحانه ال يحقق له ما‬ ‫‪-58‬‬
‫يريد؛ فاعلم أن ذلك بسبب أمور‪ :‬منها‪ :‬أن يكون دعاؤه مردودا بسبب ظلمه‬
‫وغشه وأكله المال الحرام ففي الحديث "ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث‬
‫أغبر يمد يديه إلى السماء يارب يا رب يا رب؛ ومطعمه حرام ومشربه حرام‬
‫وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك"‪ .‬رواه مسلم‬
‫ويف هذا الحديث‪ :‬أن من آداب الدعاء‪ :‬رفع اليدين‪ ،‬وأما حديث أنس‬ ‫‪-59‬‬
‫عند مسلم‪ :‬لم يكن يفعله إال يف االستسقاء‪ .‬فلعلها صفة من صفات مد اليدين‬
‫خصت بها صالة االستسقاء‪ .‬ففي رواية ‪-‬يف االستسقاء‪-‬أشار بظهر كفيه إلى‬
‫السماء‪ ،‬ويف رواية أخرى‪ :‬رفع يديه حتى رؤي بياض إبطيه‪.‬‬
‫ومن آدابه‪ :‬اإللحاح على اهلل بتكرار الطلب‪" :‬يا رب‪ ،‬يا رب‪ ،‬يا رب"‪.‬‬ ‫‪-60‬‬
‫ومنها‪ :‬االفتقار‪" :‬أشعث أغبر"‪.‬‬ ‫‪-61‬‬
‫ومنها‪ :‬طول السفر‪.‬‬ ‫‪-62‬‬
‫ومنها‪ :‬طيب المطعم والملبس والمشرب ونحوها‪..‬‬ ‫‪-63‬‬
‫فإن وجد ذلك ولم يتحقق للعبد ما يريد فلعل اهلل عز وجل قد صرف‬ ‫‪-64‬‬
‫عنه من الشر والبالء ماال يعلمه إال هو‪.‬‬
‫أو أن اهلل استجاب له وادخرها رفعة له يف الجنة يف منزلة لم يبلغها عمله‬ ‫‪-65‬‬
‫كما يف حديث المرأة التي قالت‪ :‬إين أصرع [أي تصيبها حالة من الصرع وليس‬
‫ذلك من قبيل المس وإال لكان نصرها واجبا] قالت‪ :‬فادع اهلل لي قال‪" :‬إن شئت‬
‫صبرت ولك الجنة؟" قالت‪ :‬أصبر‪ .‬متفق عليه‬
‫واهلل كريم إذا ألح عليه عبده يف الطلب عجلها له كما أجاب أيوب عليه‬ ‫‪-66‬‬
‫السالم لما رأى من شدة حاله وافتقاره وعجزه‪.‬‬
‫وعندما يكل العبد أمره إلى اهلل ويعلم أن الدعاء سبب شرعي لبلوغ ما‬ ‫‪-67‬‬
‫يؤمل أو دفع ما يخشاه ثم قلبه مطمئن باهلل‪ ،‬فسيشرح اهلل صدره وينزل عليه من‬
‫السكينة ما هو أعظم من إجابة الدعاء‪.‬‬
‫ومن آداب الذكر والدعاء تجنب ذلك َو ُهو يف حال قضاء الحاجة‪ ،‬ويف‬ ‫‪-68‬‬
‫الكنف والحشوش‪ ،‬ألنه موضع ال يليق‪.‬‬
‫وقد ذهب جماهير أهل العلم إلى تحريم دخول الخالء بالمصحف‬ ‫‪-69‬‬
‫إال لحاجة شديدة‪.‬‬
‫ويسن لمن رأى المطر أن يقول‪ ":‬اللهم صيبا نافعا"‪ ،‬ويقول‪:‬‬ ‫‪-70‬‬
‫"رحمة"‪ ،‬فإن المطر رحمة ونعمة من اهلل‪.‬‬
‫وذلك من وجهين‪ :‬أحدها‪ :‬أن فيه حياة األرض والعباد والبالد‪ ،‬فيدعو‬ ‫‪-71‬‬
‫اهلل أن يجعله اهلل "صيبا" أي يصيب األرض‪" ،‬نافعا"‪ :‬أي مفيد لها احتراز من‬
‫الصيب الضار‪ .‬الثاين‪ :‬أن فيه دفعا لما يخشى منه وهو العذاب‪ ،‬وقد كان النبي‬
‫صلى اهلل عليه وسلم إذا رأى الريح تغير لونه فإذا أمطرت سري عنه ويقول‪:‬‬
‫"رحمة"‪.‬‬
‫التسبيح والتهليل والتكبير والتحميد ألمر طارئ أو عند التعجب أو‬ ‫‪-72‬‬
‫رؤية أو سماع ما يسر أو فرح هذا كله جائز ‪ ،‬وأحاديثه واردة يف الصحيحين‬
‫وفعله أولى من الصفير والتصفيق‪.‬‬
‫المصائب هي مصيبة وبالء فيما يظهر لنا‪ ،‬واهلل أعلم ما تخبئ وراءها‬ ‫‪-73‬‬
‫من الحكم واألسرار‪ ،‬فإذا قال العبد عند المصيبة‪" :‬إنا هلل وإنا إليه راجعون‪،‬‬
‫اللهم أجرين يف مصيبتي وأخلف لي خيرا منها" رواه مسلم كان ذلك منه تسليما‬
‫لخالقه‪ ،‬فأمره كله بيد اهلل‪ ،‬والخلق عبيده‪ ،‬نواصيهم بيده‪ ،‬وهم إليه راجعون‪ .‬أي‬
‫مرتحلون عن هذه الدنيا إليه‪ .‬فإذا تدبر العبد هذه المعاين سلم أمره إلى مدبر‬
‫األمور ومصرف الدهور‪ ،‬فارتاح واطمأن‪.‬‬
‫الدعاء للميت واالستغفار له والصالة عليه هي من الشفاعة له‪،‬‬ ‫‪-74‬‬
‫والشفاعة هي طلب الخير للغير‪ ،‬فمن دعا ألحد كان دعاؤه شفاعة له‪ ،‬فإذا صلى‬
‫المصلون على ميت ودعو له وكانوا أربعين ال يشركون باهلل شيئا تقبل اهلل‬
‫دعاءهم فيه ويف الحديث اآلخر مائة؛ لكنه لم يقيد بقوله "ال يشركون باهلل شيئا"‪،‬‬
‫فيحمل المطلق على المقيد؛ كما هو متقرر يف األصول‪..‬‬
‫الت َّْسم َي ُة عند الذبح هي من ذكر اهلل الواجب وبعض العلماء عدها‬ ‫‪-75‬‬
‫شرطا‪ ،‬ويسن معها التكبير يف ذبح األضحية‪ ،‬فعبادة الذبح هي من أجل القربات‬
‫المالية كما أن الصالة من أفضل القربات البدنية‪ .‬ذكره ابن تيمية‪ ،‬ولهذا جمع‬
‫اهلل بينهما يف قوله‪{:‬فصل لربك وانحر} ويف قوله‪{:‬قل إن صالتي ونسكي‬
‫ومحياي ومماتي هلل رب العالمين ال شريك له}‬
‫وذك ُْر ا ْسم اهلل عنْدَ ال َّط َعام هو من آكد آدابه؛ وهل هو واجب؟ الجمهور‬ ‫‪-76‬‬
‫على أنه سنة متأكدة وحكى النووي اإلجماع عليه واعترض عليه ابن حجر بأن‬
‫يف المسألة من قال بالوجوب‪ ،‬ودليل من قال بالوجوب األمر به‪ ،‬وألنه ال يندفع‬
‫الشيطان إال به وماال يتم الواجب إال به فهو واجب‪.‬‬
‫وإذا فرغ من الطعام قال‪" :‬الحمد هلل" والحمد‪ :‬وصف المحمود‬ ‫‪-77‬‬
‫بالكمال على وجه المحبة والتعظيم‪ ،‬والحمد من أفضل أنواع الذكر‪.‬‬
‫وكان يدعو ألَ ْهل ال َّط َعام‪ ،‬وذلك من مكافأتهم على صنيعهم‪.‬‬ ‫‪-78‬‬
‫وإذا أراد أن يدخل الخالء استعاذ باهلل من الخبث ‪-‬بالضم جمع‬ ‫‪-79‬‬
‫خبيث‪ -‬أي ذكران الشياطين‪ ،‬والخبائث ‪-‬جمع خبيثة‪ -‬أي إناثهم‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫بسكون الباء فيكون معناه‪ :‬الخبث الشر‪ ،‬والخبائث الذوات الشريرة‪ .‬وجاء يف‬
‫الحديث‪ ":‬إن هذه الحشوش محتضرة"‪ .‬أي تحضرها الشياطين‪ ،‬فالشياطين‬
‫تحب المواضع التي فيها نجاسة أو قذر ولهذا أمر العبد إذا استيقظ أن ينتثر‬
‫قال‪ ":‬فإن الشيطان يبيت على خياشيمه"‪.‬‬
‫وشرع ألمته لمن سمع األذان‪ :‬أن يقول حين يسمع المؤذن مثلما يقول‬ ‫‪-80‬‬
‫إال يف الحيعلة يقول‪ :‬الحول وال قوة إال باهلل‪ ،‬ويف الصحيحين بعد األذان‬
‫دعوات‪ :‬منها‪ :‬الصالة على النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬دعاء الوسيلة والفضيلة‪،‬‬
‫قوله ‪":‬رضيت باهلل ربا‪ ."..‬من قال هذه الكلمات بعد األذان ‪-‬وكان قد تابعه‪-‬‬
‫كان ذلك أدعى النشراح صدره وإقباله على الصالة بهمة عالية‪.‬‬
‫الـم ْسجدَ ذكر اهلل وسأله أن يفتح له أبواب رحمته‪َ ،‬وإ َذا َخ َر َج‬
‫إ َذا َد َخ َل َ‬ ‫‪-81‬‬
‫سأله من فضله؛ فإنه إذا دخل واستقبل القبلة وصلى ففي الحديث خارج‬
‫الصحيحين‪ ":‬فإن الرحمة تواجهه" فناسب ان يسأل ربه أن يفتح له أبواب‬
‫رحمته‪ ،‬وإذا خرج ناسب أن يسأل اهلل من فضله ألنه خرج لدنيا يصيبها أو حاجة‬
‫يقضيها‬
‫فإذا كبر دعا بدعاء يستفتح به الصالة َب ْي َن َتكْب َيرة اإل ْح َرام َوالق َرا َءة‪،‬‬ ‫‪-82‬‬
‫وهذا الموطن األول من مواطن الدعاء يف الصالة وهو دعاء االستفتاح وتنوعت‬
‫فيه األدعية‪.‬‬
‫وال يجمع بينها يف صالة واحدة‪ ،‬ولكن ينوع‪:‬‬ ‫‪-83‬‬
‫‪-‬ليكون قد عمل بكل سنة‪ ،‬فيكون من أهلها‪.‬‬
‫‪-‬وليدرك بركة كل ذكر وفضيلته‪.‬‬
‫‪-‬ولئال ينساه‪.‬‬
‫‪-‬وليتعلم منه غيره إذا سمعه‪.‬‬
‫واهلل وسع على المسلمين يف عباداتهم ونوعها لهم‪ ،‬وهذا من كمال الشريعة‪.‬‬
‫من أنفس أوقات الذكر ومجالسه‪ :‬الذكر لمن جلس بعد صالة الفجر‬ ‫‪-84‬‬
‫حتى تطلع الشمس‪ ،‬وهو أكثرها بركة وصفاء للنفس‪ ،‬فإذا ذكر اهلل تعالى فيه‬
‫كان له نور يف قلبه ونور يف وجهه وبركة يف وقته تعقبها بركة يف العلم والعمل‪.‬‬
‫وكما أن الذكر يمتاز به طريف النهار بكرة وعشيا‪ ،‬فإن الليل يمتاز‬ ‫‪-85‬‬
‫بالدعاء واالستغفار واالبتهال إلى اهلل‪{ :‬كانوا قليال من الليل ما يهجعون‬
‫وباألسحار هم يستغفرون}‪.‬‬
‫ويف النوازل والشدائد والكروب التي تنزل بالمسلمين أو بطائفة منهم‬ ‫‪-86‬‬
‫الص َالة عند وجود نازلة‪ ،‬كما أن للكرب دعاء يدعو به‬ ‫شرع ال ُقن ُ‬
‫ُوت فـي َ‬
‫المكروب وألفاظه ألفاظ ذكر وتهليل‬
‫وذلك أن الذكر هو بمنزلة الدعاء فمن ذكر اهلل تعالى وأثنى عليه فقد‬ ‫‪-87‬‬
‫دعاه وسأله‪ ،‬جاء يف الحديث خارج الصحيحين‪" :‬خير الدعاء دعاء يوم عرفة‪...‬‬
‫وفيه‪ :‬ال إله إال اهلل ‪ ...‬الحديث‪ ،‬ولما سأل موسى عليه السالم ربه عز وجل أن‬
‫يعلمه دعاء يدعو به قال له‪ ":‬قل‪ :‬ال إله إال اهلل" ‪ .‬فالثناء على اهلل وإظهار العجز‬
‫واالنكسار بين يديه واهلل تعالى يعلم حاجة عبده هو سؤال بلسان الحال والطلب‬
‫به أعظم‪ ،‬وقد سئل سفيان ابن عيينة عن هذا فذكر قول أم َّية بن أبي الصلت يف‬
‫مدح عبد اهلل بن جدعان‪:‬‬
‫أأذكر حاجتي أم قد كفاين *** حباؤك إن شيمتك الحباء‬
‫إذا أثنى عليك العبد يوما *** كفاه من تعرضه الثناء‬
‫قال‪ :‬اكتفى بالثناء عن السؤال‪.‬‬

‫وكان صلى اهلل عليه وسلم يعلمهم االستخارة يف األمور كلها كما‬ ‫‪-88‬‬
‫يعلمهم السورة من القرآن ويف ذلك توكل عظيم وتفويض هلل تعالى؛ بأن يختار‬
‫للعبد األصلح‪ ،‬فخيرة اهلل ال يعدلها شيء‪.‬‬
‫‪ .1‬وعلم أصحابه أنواعا من الدعاء يدعو بها المؤمن يف صالته ويف بيته‪ ،‬كما علم‬
‫الصديق هذا الدعاء العظيم الذي فيه االفتقار واالعتراف بظلم النفس وأن الذنوب ال‬
‫يغفرها إال اهلل ‪":‬اللهم إين ظلمت نفسي ظلما كبيرا – ويف رواية ‪ :‬كثيرا‪ -‬وال يغفر‬
‫الذنوب إال أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم"‪ .‬واهلل‬
‫يحب من عباده أن يستكينوا له وويل لمن تكبر على ربه أو تألى‪ .‬فالذنوب ال يغفرها إال‬
‫اهلل وجاء يف الحديث عند مسلم‪َ :‬ع ْن ُجنْدَ ب ْبن َع ْبد اهلل رضي اهلل عنه؛ َأ َّن َر ُس َ‬
‫ول اهلل صلى‬
‫«أ َّن َر ُج ًال َق َال‪َ :‬واهلل َال يغف ُر اهللُ ل ُف ٍ‬
‫الن‪َ .‬وإ َّن اهللَ تعالى َق َال‪َ :‬من َذا ا َّلذي‬ ‫ث‪َ :‬‬
‫اهلل عليه وسلم َحدَّ َ‬
‫َ‬
‫ك»‪َ .‬أو ك ََما َق َال‪.‬‬ ‫رت ل ُف ٍ‬
‫الن َو َأح َب ُ‬
‫طت َع َم َل َ‬ ‫يت ََأ َّلى َع َلي َأن َال َأغف َر ل ُف ٍ‬
‫الن‪َ ،‬فإنِّي َقد َغ َف ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ومما ورد‪ :‬التكبير والدعاء قبل صالة العيد وفيها‪.‬‬ ‫‪-89‬‬
‫والذكر والدعاء عند كسوف الشمس‪.‬‬ ‫‪-90‬‬
‫االست ْس َقاء إذا أجدبت األرض وقل الماء‪.‬‬
‫والدعاء واالستغفار عند ْ‬ ‫‪-91‬‬
‫ولما كان المسافر تحتف به المخاطر أرشد أمته إلى الذكر والدعاء‬ ‫‪-92‬‬

‫عنْدَ الخُ ُروج إ َلى َّ‬


‫الس َفر َوعنْدَ ال ُقدُ وم منه‪.‬‬
‫وأرشدهم إلى التكبير إذا صعدوا شرفا والتسبيح إذا نزلوا واديا‪،‬‬ ‫‪-93‬‬
‫وذلك ‪-‬واهلل أعلم‪ -‬ألن الصعود فيه استشعار كبرياء اهلل وعظمته وأن عظمته‬
‫فوق عظمة الجبال فيكبرون‪ ،‬وإذا نزلوا واديا أو سهال سبحوا تنزيها هلل تعالى‬
‫عن هذا النزول‪.‬‬

‫وأرشدهم إلى ما يقولون عنْدَ الن َّْوم َو َأ ْخذ َ‬


‫الـم ْض َجع من تفويض األمر‬ ‫‪-94‬‬
‫إلى اهلل وتسليم العبد ظهره إلى اهلل‪ ،‬ألن المرء إذا نام لم يشعر بمن حوله‪ ،‬فيسلم‬
‫أمره وظهره إلى اهلل ويسأله أن يحفظه‪.‬‬
‫كما أنه إذا استيقظ سأل ربه انشراحا واستشعر تنفس الصباح وحمد‬ ‫‪-95‬‬
‫اهلل على النشور‪" :‬الحمد هلل الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور"‪..‬‬
‫وكان صلى اهلل عليه وسلم كثير التعوذ‪ ،‬والتعوذ هو االعتصام باهلل‬ ‫‪-96‬‬
‫وااللتجاء إليه من آفات الحياة والممات وفتنها‪.‬‬
‫ولما كان اهلل عز وجل هو مصرف األمور ومدبرها وأراد العبد أن يلتجأ‬ ‫‪-97‬‬
‫ويستعيذ بمسبب األسباب وليس أحد غير اهلل بيده األسباب ومقاليد األمور‬
‫وبيده الضر والنفع والعطاء والمنع التجأ إليه واستعاذ به منه فقال‪ ":‬اللهم أعوذ‬
‫برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك ال أحصي ثناء‬
‫عليك أنت كما أثنيت على نفسك"‪ .‬رواه مسلم فليس ثمة يف الدنيا من تخاف‬
‫منه ثم تهرب منه إليه وتعتصم به منه إال اهلل‪.‬‬
‫وكان يتعوذ باهلل من‪ :‬فتنَة النَّار‪َ ،‬و َع َذاب النَّار‪َ ،‬وفتنَة ال َقبر‪َ ،‬و َع َذاب‬ ‫‪-98‬‬

‫ال َقبر‪َ ،‬ومن َش ِّر فتنَة الغنَى‪َ ،‬ومن َش ِّر فتنَة ال َفقر‪َ ،‬ومن َش ِّر فتنَة َ‬
‫المسيح الدَّ َّجال‬
‫الجبن َوال ُبخل‪َ ،‬ومن فتنَة‬
‫غرم ومن ال َعجز‪َ ،‬و ُ‬ ‫المأ َثم َو َ‬
‫الم َ‬ ‫اله َرم‪َ ،‬و َ‬
‫ومن الك ََسل َو َ‬
‫وض َلع‬
‫الجبن َوال ُبخل‪َ ،‬‬
‫والحزَن‪ ،‬وال َعجز َوالك ََسل‪َ ،‬و ُ‬
‫اله ِّم َ‬
‫الم َمات ومن َ‬
‫المح َيا َو َ‬
‫َ‬
‫الر َجال‪ ،‬ومن َأن ُي َر َّد إ َلى َأر َذل ال ُع ُمر‪ ،‬ومن فتنَة الدُّ ن َيا‪ ،‬ومن ُسوء‬
‫الدَّ ين‪َ ،‬وغَ َلبة ِّ‬
‫الش َقاء‪َ ،‬ومن َش َماتَة األَعدَ اء‪َ ،‬ومن َجهد ال َبالء ومن ز ََوال‬
‫ال َق َضاء‪َ ،‬ومن َد َرك َّ‬

‫عمته‪َ ،‬وت ََح ُّول َعاف َيته‪َ ،‬و ُف َجا َءة ن َ‬


‫قمته‪َ ،‬و َجميع َسخَ طه‪.‬‬ ‫ن َ‬
‫شر َما َخلق‪.‬‬
‫ويتعوذ‪ :‬بكَل َمات اهلل الت ََّّامات من ِّ‬ ‫‪-99‬‬
‫وكان يرقي نفسه ومن احتاج من أهله‪ ،‬برقى وأدعية متنوعة‬ ‫‪-100‬‬
‫وبالمعوذتين وأقر رجال من الصحابة لما رقى بسورة الفاتحة‪.‬‬
‫وكان يحث أمته على االستغفار ويبين لهم هديه فيه وأنه يستغفر اهلل‬ ‫‪-101‬‬
‫كثيرا ‪-‬وهو الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر‪ -‬ففي رواية‪ :‬يستعفر اهلل يف‬
‫اليوم مائة مرة‪ ،‬ويف أخرى‪ :‬يف المجلس الواحد سبعين مرة‪.‬‬
‫وذكر أن االستغفار مفيد للقلب ودافع لما قد يعتريه من الغين‬ ‫‪-102‬‬
‫َان َع َلى َقلبي‪َ ،‬وإنِّي ألَستَغف ُر اهللَ في ال َيوم ما َئ َة َم َّر ٍة»‪ .‬رواه مسلم‬
‫فقال‪«:‬إ َّن ُه َل ُيغ ُ‬
‫ومن أحسن ما فسر به الحديث لكونه صلى اهلل عليه وسلم معصوما‪:‬‬ ‫‪-103‬‬
‫أن الغين هو التغطية؛ وذلك يصيبه فهو بشر من البشر يحتاج إلى ما يحتاجه‬
‫البشر من األكل والشرب وقضاء الحوائج ومعاشرة نسائه وهذه المتع المباحة‬
‫قد توجد يف القلب نوعا من االنصراف عن الطاعة المحضة‪ ،‬وسماه غينا ألن‬
‫مقام األنبياء مقام عظيم‪ ،‬ولهذا يؤثر فيه أدنى شيء‪ ،‬أال ترى الثوب الشديد‬
‫البياض كيف تؤثر فيه نقطة كرأس اإلبرة‪ .‬وقيل‪ :‬إن قوله‪" :‬وإين ألستغفر اهلل‬
‫‪ "..‬جملة مستأنفة‪ .‬وال عالقة لها بقوله "يغان" وأن معنى الغين‪ :‬السكينة؛‬
‫فيكون استغفاره إظهارا للعبودية ومالزمة لالفتقار‪ ،‬واألول هو ظاهر السياق‬
‫واألنبياء غير معصومين من الصغائر عند طوائف من أهل العلم‪.‬‬
‫وكان أكثر دعائه‪" :‬ربنا آتنا يف الدنيا حسنة ويف اآلخرة حسنة وقنا‬ ‫‪-104‬‬
‫عذاب النار"‪ .‬والمراد بالحسنة هنا ليست حسنة واحدة بل جنس الحسنات‪.‬‬
‫ومن أجمع ماورد يف االستغفار بل هو سيدها‪ ":‬اللهم أنت ربي ال إله‬ ‫‪-105‬‬
‫إال أنت‪...‬الحديث‪ ،‬وأخبر أن من قاله موقنا بها فمات من ليلته دخل الجنة‪ ،‬وإن‬
‫قاله يف النهار موقنا به فمات من يومه دخل الجنة‪ ،‬ويف ذلك أجر عظيم‪ ،‬وكأن‬
‫الجنة باتت تنتظره‪.‬‬
‫وكان يشوق أصحابه إلى الذكر والدعاء ويذكر فضائلها‪ ،‬فيقول‪:‬‬ ‫‪-106‬‬
‫"كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان يف الميزان حبيبتان إلى الرحمن‪ :‬سبحان‬
‫اهلل وبحمده سبحان اهلل العظيم"‪.‬‬

‫من اهلل به علي من معان وفوائد تتعلق باألذكار واألدعية المعروف‬


‫هذا ما َّ‬
‫شواهدها يف (جامع الصحيحين)‪.‬‬
‫ولم أتطرق إلى ما هو خارجها إال يف إشارات معدودة نبهت عليها‪.‬‬
‫خالصا لوجهه الكريم نافعا لعباده وأن يتقبله مني‬
‫ً‬ ‫واهلل هو المسؤول أن يجعله‬
‫وما فيه من صواب فمن اهلل جل شأنه وما فيه من قصور أو خطأ فإين غير قاصد‬
‫له وإنما هو تقصير أسأل اهلل أن يتجاوز عنه‪.‬‬
‫وصل اللهم وسلم على نبينا محمد‬

You might also like