Professional Documents
Culture Documents
.
ضل!
مقتطفات من كتاب السيسي المف ّ
بالل فضل
يناير 15 2020
بالل فضل
مد ّون
كاتب وسيناريست من مصر
األكثر مشاهدة
خطيب بدلة
مغص وغازات في ذكرى الحركة التصحيحية
بالل فضل
! عودة سلّومة األقرع
بالل فضل
الغارقون في قوارب النجاة ()2/2
بالل فضل
الغارقون في قوارب النجاة ()1/2
بالل فضل
ما بعد سقوط الكومبين ()15
نبهــني بعض األصــدقاء ممن يؤمنــون أن "ســوء الظن من حســن الفِطَن" إلى أن
اختيار الدكتور جمــال حمــدان ليكــون شخصــية العــام في معــرض القــاهرة الــدولي
للكتاب ،قد يكون وراءه ما سبق أن تم نسبته في أكثر من مناســبة إلى الــرئيس عبــد
الفتاح السيسي ،حيث قال وقيل نقالً عنه إن كتاب (شخصية مصر) للــدكتور جمــال
حمدان هو كتابه المفضل ،ليبادر العديد من "مواطنيــه الشــرفاء" إلى مــدح الكتــاب
واإلشادة به ،وقامت بعدها إحدى داعمات السيسي البــارزات بتصــوير إعالن داعم
له وهي تمسك أحد مجلدات الكتاب باهتمام كأنها تقوم بقراءته ،كنت قد ناقشت هذه
المســخرة في إحــدى حلقــات برنــامج (عصــير الكتب) على التلفزيــون العــربي،
وش ّككت في أن يكون السيسي قـد قـرأ الكتـاب بالفعـل ،فلـو كـان قـد قـرأه لمـا جـاء
بسيرته على لســانه ،وهــو ليس في ذلــك وحــده على أيــة حــال ،فبعض من أعــرفهم
ممن يمــدحون الكتــاب بشــدة أو من يهاجمونــه بشراســة لم يقــرأوا مجلداتــه األربــع
الضخمة ،وبالطبع لم أعرف ذلك ألني مطلع على الغيب ،بــل ألن مــا يمــدحون من
أجله الكتاب أو يهاجمونه ،يتناقض مـع كثـير ممـا هــو موجـود فيــه ،ويتنـاقضـ مـع
مواقفهم الزاعقة بشكل عـام ،وقـد يكــون لهم في ذلــك بعض العـذر بسـبب ضـخامة
حجم الكتاب وضيق الوقت ،ولكي أكون مواطن ـا ً إيجابي ـا ً سأنشــر بعض المقتطفــات
من الكتاب ،لعلها تنبه من لم يقرأ الكتــاب إلى أهميــة أن يقــرأه كــامالً قبــل أن يحكم
عليه ،وهو كأي كتاب في الدنيا يمكن أن تجد عليه الكثير من المالحظات وتوجه له
الكثــير من االنتقــادات ،دون أن تغفــل أهميــة الجهــد المبــذول فيــه ،وســأبدأ بهــذا
المقتطف الذي ستشــعر فيــه أن جمــال حمــدان قــد كتب عن السيســي دون أن يــراه.
يقول جمال حمدان في الجزء الثاني من كتابه" :عصر الرجل القويـ أو الفرعونيــة
الكبــيرة مثال هــو عصــر التهــريج واألدعيــاء والمتجــبرينـ عــادة ،وعصــر الرجــل
الصغير أو الفرعونية الصــغيرة هــو عصـر التفاهــة واألوســاط والمتكــبرين غالبــا.
وفي جميع الحاالت فــإن هــذه االنتخابيــة تشــجع العناصــر الرخــوة الهالميــة الهشــة
االنتهازية الوصولية والال فقريــات أخالقيــا ،وتشــجع بــذلك منــاخ النفــاق والــتزلف
وتن ّمي روح االنحنــاء والخنــوعـ واالســتكانة ،وبالتــالي تتكــاثر وتفــرخ األذنــاب
والزواحف والمتسلقات والهوام واإل ّمعات وسائر الكائنات الدنيئة الذيلية القميئــة في
المجتمع ،وعلى العكس تحارب العناصر الصــلبة األبيــة المستعصــية الــتي تتمســك
بالكرامة والعزة ،فتُضا ّد حتى تُباد أو تنقـرض وتتـوارىـ بالتـدريج فشـال وانهزامـا.
وهكــذا كثــيرا مــا يصــبح الفاشــلون أخالقيــا هم النــاجحون اجتماعيــا ،في حين أن
الناجحين أخالقيا قد يجــدون أنفســهم فاشــلين اجتماعيــا ،وفي النتيجــة تصــبح األمــة
وهي ال يحكمها خيرة أبنائها ،بل ربما شر أبنائها أحيانا ،وليس هذا يقينا مما يــثرى
الشخصية القومية في شيء ،بل هــو يخربهــا على المــدى الطويــل تخريبــا ويــدفعها
على األقـــــــــــــــل إلى الســـــــــــــــلبية والصـــــــــــــــمت والتـــــــــــــــوجس".
يضيف جمال حمدان في موضع آخر يصف فيه الديكتاتورية وأثرها على المجتمــع
المصــري" :الديكتاتوريــة على المســتوى الفــردي هي تعبــير مباشــر وضــمني عن
النقص ،فالحــاكم الــذي يعــاني ألمــر مــا من مــركب نقص شخصــي أو فكــري أو
عملي ..الخ ،يعــوض عن هــذا النقص بفــرض إرادتــه ومشــيئته بــالبطش والقهــر
والتحكم والطغيان ليثبت نفسه ولآلخرين إنه "الرجل القوي" ال "الرجل الضعيف"
وال "الرجل الصغير" كما يشعر في قرارة نفسه .أما على المستوى الجمــاعي فــإن
أصـل االســتبداد والديكتاتوريــة هـو بال ريب التخلـف ،التخلــف الحضــاري بعامــة،
فالديكتاتورية هي نتيجة للتخلــف وعالمــة عليــه ،مثلمــا هي ســبب أو مضــاعف لــه
أيضا ،وكل مجتمع استبدادي سياسيا هو حتما مجتمع متخلف ،والمجتم ـعـ المتخلــف
هو ال مفر مجتمــع اســتبدادي سياســيا ،ذلــك أن االســتبداد والطغيــان من خصــائص
وطبيعة مرحلــة البدائيـة والطفوليــة في كـل المجتمعــات السياســية ،وبينمـا تتناســب
الديموقراطية تناسبا طرديا مع درجة التقدم الحضاري ،تتناسب الديكتاتورية تناسبا
طرديا مع درجة التخلـفـ الحضـاري ،إن الديموقراطيــة هي الحضــارة والحضـارة
هي الديمقراطية ،بمثل ما أن الديكتاتورية هي التخلف والتخلـفـ هــو الديكتاتوريــة،
فالفرد والمجتمع تحتها عبد للحاكم في صورة مقنعة أو مبرقعة ،مخففة أو ملطفة".
وأقــدم وأعــرق حكومــة مركزيــة في العــالم ،ولكن أقــدم وأعــرض وعظمتها التاريخية
استبداد أيضا ،لقد دفع المصري منذ البدايــة ثمن وحدتــه السياســية
المبكرة من حريته السياسية ،واشترى األمن االجتماعي بالحرية االجتماعيــة ،وفي
النتيجة أصبحت العالقة عكسية بين المواطن والدولة ،فتضاءل حجم الشــعب بقــدر
ما تضخم وزن الحكم ،وكلما كبرت الحكومة صغر الشعب ،من هنا فــإن الحكومــة
المركزية السباقة التي نسرف في التفاخر بها عــادة ،ليســت خــيرا محضــا ،بــل لهــا
مثالبهـــا وثمنهـــا الفـــادح ،وســـنرى كم يصـــدق هـــذا حـــتى وقتنـــا الحـــالي".ـ
وبعد أن يتحدث عن تأثير الطغيان الطويل على المصريين قائالً" :ال يعرف تاريخ
مصر من ينكر أن الطغيان أو االستبداد ،الباطش أحيانا غــير اإلنســاني دائمــا ،هــو
كظاهرة واقعة موضوعيا ،وبعيدا عن كل تفسير شخصي أو تنظير أكاديمي ،نغمــة
دالة أساسية ،بل النغمة الحزينة فيه وأسوأ خط في دراما الشــعب المصــري وقــد ال
تكون مصر أكبر سجن في العالم ،ولكنها أقدم سجن في التــاريخ ،".يضــيف جمــال
حمدان قائالً" :لكن ...ليس حتما أن تكــون مصــر غابــا داميــا وال ســجنا كبــيرا ،بــل
يمكن يقينا أن تكون وطنا ،ووطنا حرا كريمــا ،مــع الضــبط ــ فقــط ضــبط الحــاكم ـ
فصميم المشكلة والمأساة إذن ليس ضبط النيل وال ضــبط النــاس ،وإنمــا هــو ضــبط
الحاكم" ،مؤكداً أن "شخصية مصر والشخصية المصرية ليست منحرفــة بقــدر مــا
هي محرفــة ،ليســت منحرفــة بحكم طبيعتهــا ،ولكنهــا محرفــة بطبيعــة حكمهــا".
في موضــع مهم من كتابــه ينــاقش الــدكتور جمــال حمــدان الفكــرة الــتي ســادت بين
المثقفين في عصره عن مسـئولية االســتعمار األجنـبي عمـا يعيشـه المصـريون من
تخلف قائالً" :واالستعمار وال شك آفة وأفعى ،احتالل وطغيــان معــا في آن واحــد،
إال أنه ليس رأس األفعى وال اآلفة الوحيدة ،كما يروج بعض الســطحيين ومنظــري
عمالء الطغيان ،والحقيقـةـ أننــا أســرفنا على أنفســنا في اتخــاذ االســتعمار كمشــجب
نعلق عليه كل مآسينا وعيوبنا ،ومشاكلنا سياسية أو غــير سياسـية ،أوال ألنــه هــدف
وطني أو ضد وطني سهل مباشــر مشــروع ال شــبهة في عدائــه وعدوانيتــه ،وثانيــا
ألننا ال نكاد نجسر على أن نعلق الجريمة والعقـاب في رقبـة الطغيـان المحلي ألنـه
الحاكم المالك وظــل هللا في أرضــه أرض مصــر ،وبهــذا وبــذاك اصــطنعنا ألنفســنا
سلما مريحا ومرضيا ،ولكنــه كمــا سـنرى مقلــوب رأســا على عقب من المســئولية،
قمته االستعمار وقاعه الشعب نفسه ،يأتي بينهما ـ على استحياء أحيانــا! ــ الطغيــان
المحلي .غير أن الحقيقة التاريخية التي تثبتها مرارا وتكــرارا تجربــة ألفي ســنة مــا
زالت مســتمرة معنــا حــتى اليــوم ،الحقيقــة التاريخيــة هي أن كــبرى اآلفــتين ليســت
االســتعمار األجنـبي ،ولكن الطغيـان المحلي ،ذلــك أن الــذي م ّكن لألول غالبــا ،بـل
استدعاه واستعداه أحيانا ،إنما هو الحكم المطلق الداخلي بعجـزه عن حمايـة الـوطن
فعال أو بخيانته له علنا ومساومته وتواطؤه مع المستعمر ليحفظ على نفســه عرشــه
أو مركــزه ،إن الــذي أتــاح لالســتعمار الخــارجي أن يــدخل ويبقى في كثــير من
الحاالت بصورة غير مباشرة دائما ،وبصورة مباشرة أحيانا هــو الطغيــان الــداخلي
وحده ال سواه ،إنه في كثير من األحيان "وجه مصــر القــبيح" في الخــارج كمــا في
الــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــداخل".
ال يف ّوت الدكتور جمال حمدان فرصــة مناقشــة األفكــار التبريريــة الــتي يلتمس بهــا
بعض المثقفينـ األعــذار للشــعب حين يســكت على طغاتــه ويتصــالح مــع انحطــاط
معيشته وتدهور أوضاعه قائالً " :مسئولية الطغيان الحــاكم تتضــاءل بــدورها أمــام
مسئولية الشعب نفسه ،الشعب ـ وال أوهام في هذا ــ هــو المســئول األول واألخــير،
األصلي واألصيل ،حتما وبالضرورة ،فإذا كــان الحكم في مصــر مأســاة أو ملهــاة،
كارثــة أو مهزلــة ،فــإن ســببها الشــعب وحــده نظريــا وعمليــا ،وكم كــان الكواكــبي
صحيحا صادقا حين قال أن مبعث االستبداد هو غفلة األمــة ،ومرفــوض مرفــوض
هو المنطق االنهزامي المعكوس الذي يعتذر للشعب أو عنه بأنه مغلوب على أمــره
ال قدرة له على الثورة ،مكبل أعزل من السالح..الخ ،فالطغيان ال يصـنعه الطاغيــة
وإنما الشعب هو الذي يصنع الطاغية والطغيان معا ،والشعب مسئول عن الطغيــان
مسئولية الطغيان نفسه وزيادة ...ومن هذه الزاويــة فــإن الشــعب ال يعفى من اللــوم،
وليس له إال أن يلــوم نفســه أساســا ،فهــو الجــاني مثلمــا هــو المجــني عليــه ،الفاعــل
والضحية ،ظالم لنفسه كما هــو مظلــوم بحاكمــه ،بــل ولعــل األوضــاع الســيئة الــتي
يتردى فيها وإليها كل يــوم أن تكــون العقــاب الطــبيعي المســتحق لتفريطــه في حــق
نفســه وتهاونــه في الــدفاع عن حريتــه وكرامتــه وعزتــه وســيادته ،فالحــاكم الــردئ
الطاغية إنما هو عقاب تلقائي وذاتي لشعبه الذي سمح له بأن يكون ويبقىـ حاكم ـاً".
لن تجد هذه المقاطع منتشرة على الصـفحات الـتي يفضــل الدولجيـة والوطنجيــة أن
ينشروا عليها مقتطفـات من كتـاب (شخصـية مصـر) تتحـدث عن عبقريـة موقعهـا
الجغرافي وعظمتها التاريخيــة ،وهــو مــا يحــرص الــدكتور جمــال حمــدان على أن
يربطه بما آل إليه حال مصر والمصريين قائالً" :قد تكـون مصـر شـعبا عريقـا في
التاريخ ولكنها في السياسة ـ كما في الديموغرافيا ـ حدث فتى للغاية أو صبي يـافع،
فلقد يكون المصري شيخ التاريخ وحكيم الحضارة ،إال أنــه جديــد على كــل مــا هــو
جديد في الحضارة العصرية ،بما في ذلك السياسة المعاصرة ،وال نقول كما يريـدنا
البعض أن نقول أقدم شعب تاريخيا ولكنــه ليس بشــعب سياســيا ،لــذا فهــو من حيث
الوعي والنضج السياسي الحديث قد ال يعدو مرحلة الطفولة المزعومة عن الشــعب
المريض تاريخيــا ،وهــذا مــا يفســر كثــيرا من مظــاهر الشــذوذ واالضــطراب الــتي
نلمسها في العالقة بين الشعب والحاكم ،ومن المسلم بــه أنــه كلمــا زاد والء الشــعب
وخضوعه واتباعه للحاكم ،ظالما كان أو غــير ذلــك ،على خطــأ أو صــواب ،حــتى
بغير قهر أو بطش ،كلما دل ذلك على عدم نضج الشــعب وضــعفه وســهولة انقيــاده
ولين عريكته ،فحجم الحاكم ونفوذه ودوره كلهــا تتناســب تناســبا عكســيا مــع حميــة
الشــــــــــــــــــعب وصــــــــــــــــــالبته وقوتــــــــــــــــــه ومقاومتــــــــــــــــــه".
لم يبق لدي بعد كل هذه المقتطفات سوى اقتراح يمكن أن يتم تبنيه ،لزيادة االهتمــام
بهذا الكتاب وتشجيعـ الناس على قراءته بدالً من الحديث عنه بالخير أو بالشــر قبــل
قراءته ،لمــاذا ال تقــوم هيئــة الكتــاب بطباعــة هــذه المقتطفــات ،مصــحوبة بصــورة
الدكتور جمال حمدان بوصفه الشخصية الرسمية للمعرض وكاتب الرئيس السيسي
المفضــل ،على أن تنشــر إلى جــوار تلــك المقتطفــات صــورة الــرئيس عبــد الفتــاح
السيســي بوصــفه راعي الثقافــة والمثقفين وأشــد المعجــبين بجمــال حمــدان وكتابــه.
هذا مجرد اقتراح برئ ،أعلم أن مسئولي الثقافة في مصر سيبادرون إلى األخذ به،
فأنا ال أؤمن أن "سوء الظن من حُسن الفِطَن".