You are on page 1of 9

‫مضاهاة ‪1‬‬

‫من كتاب الطريقة األكبرية الحاتمية‬


‫لخويدمها الفقير‪ :‬أيمن حمدي األكبري‬
‫‪.......‬‬
‫ك أشباهٌ وأشكا ُل‬ ‫في عالَ ِم ال ُمل ِ‬
‫ب إكما ُل‬ ‫س وفي الترتي ِ‬ ‫ِمن كلِّ جن ٍ‬
‫األجناس أد ُمنا‬
‫ِ‬ ‫في‬ ‫الخلق‬
‫ِ‬ ‫وأكم ُل‬
‫ك أجسا ٌم وأثقا ُل‬ ‫ل‬
‫ُ ُ ِ‬‫م‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫وعال‬
‫وأنتَ جس ٌم ونفسٌ ث ّم نفختُهُ‬
‫سبحانهُ‪ ،‬فيكَ س ٌّر ليس ينقا ُل‬
‫الوقت يسم ُح لي‬ ‫ُ‬ ‫وأنتَ س ٌّر فليت‬
‫األسرار أقفا ُل‬
‫ِ‬ ‫على‬ ‫وليت شعري‬
‫فال ُملك ِست ٌر كذاك الجس ُم أبطن ما‬
‫النفس‪ ،‬والس ُر محجوبٌ وجوّا ُل‬ ‫ِ‬ ‫في‬
‫والحُك ُم للجسم في الدنيا وقد قصُرتْ‬
‫النفس غيبٌ مثلما قالوا‬ ‫ِ‬ ‫وبرز ُخ‬
‫ت واعلمها‬ ‫الغيب والملكو ِ‬ ‫َ‬ ‫فس ّم ِه‬
‫الروح‪ ،‬هذا القو ُل إجما ُل‬ ‫ِ‬ ‫على‬ ‫ِست ٌر‬
‫الدارين حكمهما‬ ‫ِ‬ ‫في‬ ‫والنفسُ‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫والجس‬
‫للروح أغال ُل‬ ‫ِ‬ ‫هل‬ ‫‪،‬‬ ‫الروح‬
‫ِ‬ ‫حيطة‬ ‫! في‬
‫والحُك ُم هلل واألسماء حضرتها‬
‫جبروتها إن قولي قول َمن صالوا‬
‫أبنت لك اإلنسانَ نِسبَتهُ‬ ‫ُ‬ ‫ها قد‬
‫العوالم‪ ،‬والتركيبُ أحوا ُل‬ ‫ِ‬ ‫إلى‬
‫ق تشهدنا‬ ‫فانظر لقولي بعين الح ِّ‬
‫ت به جالوا‬ ‫في كل فر ٍد ُزرافا ٍ‬
‫‪...‬‬
‫المعلوم بالنظر أن هللا تعالى رتّب خ َْلق أجناس مخلوقاته حتى ك ُمل خلق األجناس بسيدنا أدم أبي البشر‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫لعله ِمن‬
‫‪.‬وذلك يعطي أنه تعالى رتّب خلق الجنس البشري حتى أظهر أكمل الكماالت في سيد ولد أدم صلى هللا عليه وسلم‬
‫ق اإلنسان من تراب ومما َذكر في كتابه العزيز وأن ذلك من حيث جسمه‪ ،‬إال أنه‬ ‫المعلوم أيضا ً أنه تعالى خل َ‬
‫ِ‬ ‫و ِمن‬
‫‪.‬مركبٌ على التحقيق من جسم ونفس وروح‬
‫وبعد فإن المضاهاةَ بين العالم واإلنسان آكدة ولها وجوهٌ كثيرة‪ ،‬وفي هذا النظم أذكر وجها ً بسيطا ً وإن خفى عن‬
‫ق كثير عسى أن ينفعني وينفعكم ذكره‬ ‫‪.‬خل ٍ‬
‫فاعلم يا حبيبي أنه كما أن اإلنسان عبارة تطلق على الشخص من حيث مجموع جسمه ونفسه وروحه‪ ،‬كذلك‬
‫يُطلق لفظ العالم أحيانا ويقصد به مجموع تركيبه الكلي الموجز وهو ( عالم ال ُملك وعالم الملكوت وعالم الجبروت‬
‫) فعالم الملك كما علمتَ هو عالم الشهادة وفيه حياة االجسام‪ ،‬وعالم الجبروت هو حضرة األسماء وفيه حياة‬
‫األرواح‪ ،‬وعالم الملكوت عالم النفوس الجزئية وفيه حياة الصور النورية والنارية‪ ،‬وهو برز ٌخ بين عالمي ال ٌملك‬
‫‪.‬والجبروت‪ ،‬وكذلك النفسُ برز ٌخ بين الجسم والروح‬
‫فخلق هللا تعالى الجسم من مادة عالم ال ُملك العنصرية‪ ،‬وخلق النفس من مادة عالم الملكوت الطبيعية‪ ،‬وخلق‬
‫سبحانه الروح من مادة عالم الجبروت النورية أعني أن األرواح من أنوار أسمائه تعالى وأحكام نظرها مجتمعةً‬
‫‪.‬ومفردة‬
‫‪.‬ولذا كانت النفس والروح في حيطة الجسد ما دامت حية في عالم ال ُملك ّلذتُهما من الجسد وأال ُمهما منه أيضا ً‬
‫ت ‪ -‬صار في حيطة النفس واحكامها يتألم بألمها ويلتذ بلذتها‪ ،‬وقد‬ ‫فإذا انتقل الشخص منّا إلى البرزخ ‪ٍ -‬‬
‫بنوم أو مو ٍ‬
‫‪.‬تجد ذلك في منامك فتستيقظ وفي جسدك أثر ما حصل لنفسك في ذلك البرزخ‬
‫فإذا انتقلنا إلى اآلخرة كان الجسم والنفس في حيطة الروح وتحت احكامها فيأكل أهل الجنة وال يتغوطون ويلتذون‬
‫‪.‬بالمشاهدة لذةً ال تُقارن بلذتنا ويتصورون فيما يشتهون من الص َور وغير ذلك مما ورد في الشرع‬
‫فإن سأل سائ ٌل عن العقل والقلب‪ ،‬قُلت إن العقل من حيث صورته المسماة ُمخا ً مخلوق من مادة عالم الشهادة‬
‫ت كالنفس ولذا للعقول حدو ٌد في اإلدراك تقف عندها‬ ‫كسائر الجسم‪ ،‬و ِمن حيث ذاته الدرّاكة ف ِمن مادة عالم الملكو ِ‬
‫ً‬
‫وال تجاوزها‪ .‬أما القلب فمن حيث صورته اللحمية التي في الصدر فكسائر الجسد أيضا‪ ،‬ومن حيث ذاته التي قال‬
‫ق ِمن مادة عالم الجبروت كالروح سواء‬ ‫‪.‬فيها سبحانه وتعالى في الحديث القدسي (ووسعني قلب عبدي) فمخلو ٌ‬
‫فإن رجعنا إلى ما كنّا بصدده من التركيب الموجز علمنا أوالً أن صورة اإلنسان التي هو عليها في عالم ال ُملك هي‬
‫ك) وأن تلك الصورة من حيث كليتها‬ ‫ي صور ٍة ما شاء ر ّكب َ‬
‫األمثل للحياة الدنيا وأن ثمة صو ٌر أخرى (في أ ّ‬
‫وكمالها هي ما قال فيه تعالى (أحسن تقويم) فإن نزلت عن درجة اإليمان ‪ -‬وظاهرها العبادة ‪ -‬فقد شاركت‬
‫تقويم) في الشكل والجسمية وتميّز عنها في الصورة الكلية بكمال النفس بعبوديتها وتحقق‬ ‫ٍ‬ ‫اإلنسان صاحب (أحسن‬
‫‪.‬الروح بعبودتها‬
‫‪.‬فالعبادة جسمانية‪ ،‬والعبودية نفسية‪ ،‬والعبودة روحية‬
‫خلقهُ ثم هدى) أن يهتدي بأن يسلك بجسمه الذي في‬ ‫وفائدة ما ذكرنا لمن علم أن هللا تعالى ( أعطى ُك َل شي ٍء ْ‬
‫حيطته النفس والروح طريق العبادة المشروعة‪ ،‬وان يسلك بنفسه وما في حيطتها ومستواها كالعقل طريقها التي‬
‫فيه مواطنها ومنه مادتها فيُس ّر ح نفسه في عالم الملكوت ويفك قيدها بعالم المـلك‪ ،‬وكذلك يفعل بروحه فيسلك بها‬
‫‪.‬إلى عالم الجبروت ويعرج بها في معارج االسماء‪ ،‬قال تعالى (قُل ادعو هللا أو ادعو الرحمن ‪ )...‬اآلية‬
‫وأبسط من هذا القول أن يعلم السالك أن طريق صالح جسمه بالعبادات والمجاهدات‪ ،‬وطريق اصالح نفسه‬
‫بالرياضات (أعني التف َك ر وتهذيب األخالق)‪ .‬وطريق صالح روحه في الذكر المنتج للمشاهدات‪ .‬وهللا يقول الحق‪،‬‬
‫‪.‬ويهدي إلى سواء السبيل‬

‫قواعد كلية لفهم النصوص االكبرية‬

‫‪.‬‬

‫ضل!‪ ‬‬
‫مقتطفات من كتاب السيسي المف ّ‬
‫بالل فضل‬
‫يناير ‪15 2020‬‬

‫بالل فضل‬
‫مد ّون‬
‫كاتب وسيناريست من مصر‬
‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪‬‬

‫األكثر مشاهدة‬

‫‪‬‬

‫‪ ‬‬
‫خطيب بدلة‬
‫‪ ‬مغص وغازات في ذكرى الحركة التصحيحية‬
‫‪‬‬

‫‪ ‬‬
‫بالل فضل‬
‫‪! ‬عودة سلّومة األقرع‬

‫‪‬‬

‫‪ ‬‬
‫بالل فضل‬
‫‪ ‬الغارقون في قوارب النجاة (‪)2/2‬‬

‫‪‬‬

‫‪ ‬‬
‫بالل فضل‬
‫‪ ‬الغارقون في قوارب النجاة (‪)1/2‬‬

‫‪‬‬

‫‪ ‬‬
‫بالل فضل‬
‫‪ ‬ما بعد سقوط الكومبين (‪)15‬‬

‫نبهــني بعض األصــدقاء ممن يؤمنــون أن "ســوء الظن من حســن الفِطَن" إلى أن‬
‫اختيار الدكتور جمــال حمــدان ليكــون شخصــية العــام في معــرض القــاهرة الــدولي‬
‫للكتاب‪ ،‬قد يكون وراءه ما سبق أن تم نسبته في أكثر من مناســبة إلى الــرئيس عبــد‬
‫الفتاح السيسي‪ ،‬حيث قال وقيل نقالً عنه إن كتاب (شخصية مصر) للــدكتور جمــال‬
‫حمدان هو كتابه المفضل‪ ،‬ليبادر العديد من "مواطنيــه الشــرفاء" إلى مــدح الكتــاب‬
‫واإلشادة به‪ ،‬وقامت بعدها إحدى داعمات السيسي البــارزات بتصــوير إعالن داعم‬
‫له وهي تمسك أحد مجلدات الكتاب باهتمام كأنها تقوم بقراءته‪ ،‬كنت قد ناقشت هذه‬
‫المســخرة في إحــدى حلقــات برنــامج (عصــير الكتب) على التلفزيــون العــربي‪،‬‬
‫وش ّككت في أن يكون السيسي قـد قـرأ الكتـاب بالفعـل‪ ،‬فلـو كـان قـد قـرأه لمـا جـاء‬
‫بسيرته على لســانه‪ ،‬وهــو ليس في ذلــك وحــده على أيــة حــال‪ ،‬فبعض من أعــرفهم‬
‫ممن يمــدحون الكتــاب بشــدة أو من يهاجمونــه بشراســة لم يقــرأوا مجلداتــه األربــع‬
‫الضخمة‪ ،‬وبالطبع لم أعرف ذلك ألني مطلع على الغيب‪ ،‬بــل ألن مــا يمــدحون من‬
‫أجله الكتاب أو يهاجمونه‪ ،‬يتناقض مـع كثـير ممـا هــو موجـود فيــه‪ ،‬ويتنـاقضـ مـع‬
‫مواقفهم الزاعقة بشكل عـام‪ ،‬وقـد يكــون لهم في ذلــك بعض العـذر بسـبب ضـخامة‬
‫حجم الكتاب وضيق الوقت‪ ،‬ولكي أكون مواطن ـا ً إيجابي ـا ً سأنشــر بعض المقتطفــات‬
‫من الكتاب‪ ،‬لعلها تنبه من لم يقرأ الكتــاب إلى أهميــة أن يقــرأه كــامالً قبــل أن يحكم‬
‫عليه‪ ،‬وهو كأي كتاب في الدنيا يمكن أن تجد عليه الكثير من المالحظات وتوجه له‬
‫الكثــير من االنتقــادات‪ ،‬دون أن تغفــل أهميــة الجهــد المبــذول فيــه‪ ،‬وســأبدأ بهــذا‬
‫المقتطف الذي ستشــعر فيــه أن جمــال حمــدان قــد كتب عن السيســي دون أن يــراه‪.‬‬

‫يقول جمال حمدان في الجزء الثاني من كتابه‪" :‬عصر الرجل القويـ أو الفرعونيــة‬
‫الكبــيرة مثال هــو عصــر التهــريج واألدعيــاء والمتجــبرينـ عــادة‪ ،‬وعصــر الرجــل‬
‫الصغير أو الفرعونية الصــغيرة هــو عصـر التفاهــة واألوســاط والمتكــبرين غالبــا‪.‬‬
‫وفي جميع الحاالت فــإن هــذه االنتخابيــة تشــجع العناصــر الرخــوة الهالميــة الهشــة‬
‫االنتهازية الوصولية والال فقريــات أخالقيــا‪ ،‬وتشــجع بــذلك منــاخ النفــاق والــتزلف‬
‫وتن ّمي روح االنحنــاء والخنــوعـ واالســتكانة‪ ،‬وبالتــالي تتكــاثر وتفــرخ األذنــاب‬
‫والزواحف والمتسلقات والهوام واإل ّمعات وسائر الكائنات الدنيئة الذيلية القميئــة في‬
‫المجتمع‪ ،‬وعلى العكس تحارب العناصر الصــلبة األبيــة المستعصــية الــتي تتمســك‬
‫بالكرامة والعزة‪ ،‬فتُضا ّد حتى تُباد أو تنقـرض وتتـوارىـ بالتـدريج فشـال وانهزامـا‪.‬‬
‫وهكــذا كثــيرا مــا يصــبح الفاشــلون أخالقيــا هم النــاجحون اجتماعيــا‪ ،‬في حين أن‬
‫الناجحين أخالقيا قد يجــدون أنفســهم فاشــلين اجتماعيــا‪ ،‬وفي النتيجــة تصــبح األمــة‬
‫وهي ال يحكمها خيرة أبنائها‪ ،‬بل ربما شر أبنائها أحيانا‪ ،‬وليس هذا يقينا مما يــثرى‬
‫الشخصية القومية في شيء‪ ،‬بل هــو يخربهــا على المــدى الطويــل تخريبــا ويــدفعها‬
‫على األقـــــــــــــــل إلى الســـــــــــــــلبية والصـــــــــــــــمت والتـــــــــــــــوجس"‪.‬‬

‫يضيف جمال حمدان في موضع آخر يصف فيه الديكتاتورية وأثرها على المجتمــع‬
‫المصــري‪" :‬الديكتاتوريــة على المســتوى الفــردي هي تعبــير مباشــر وضــمني عن‬
‫النقص‪ ،‬فالحــاكم الــذي يعــاني ألمــر مــا من مــركب نقص شخصــي أو فكــري أو‬
‫عملي‪ ..‬الخ‪ ،‬يعــوض عن هــذا النقص بفــرض إرادتــه ومشــيئته بــالبطش والقهــر‬
‫والتحكم والطغيان ليثبت نفسه ولآلخرين إنه "الرجل القوي" ال "الرجل الضعيف"‬
‫وال "الرجل الصغير" كما يشعر في قرارة نفسه‪ .‬أما على المستوى الجمــاعي فــإن‬
‫أصـل االســتبداد والديكتاتوريــة هـو بال ريب التخلـف‪ ،‬التخلــف الحضــاري بعامــة‪،‬‬
‫فالديكتاتورية هي نتيجة للتخلــف وعالمــة عليــه‪ ،‬مثلمــا هي ســبب أو مضــاعف لــه‬
‫أيضا‪ ،‬وكل مجتمع استبدادي سياسيا هو حتما مجتمع متخلف‪ ،‬والمجتم ـعـ المتخلــف‬
‫هو ال مفر مجتمــع اســتبدادي سياســيا‪ ،‬ذلــك أن االســتبداد والطغيــان من خصــائص‬
‫وطبيعة مرحلــة البدائيـة والطفوليــة في كـل المجتمعــات السياســية‪ ،‬وبينمـا تتناســب‬
‫الديموقراطية تناسبا طرديا مع درجة التقدم الحضاري‪ ،‬تتناسب الديكتاتورية تناسبا‬
‫طرديا مع درجة التخلـفـ الحضـاري‪ ،‬إن الديموقراطيــة هي الحضــارة والحضـارة‬
‫هي الديمقراطية‪ ،‬بمثل ما أن الديكتاتورية هي التخلف والتخلـفـ هــو الديكتاتوريــة‪،‬‬
‫فالفرد والمجتمع تحتها عبد للحاكم في صورة مقنعة أو مبرقعة‪ ،‬مخففة أو ملطفة"‪.‬‬

‫لن تجد هذه المقاطع‬

‫يســتفيض جمــال حمــدان في الجــزء الثــاني من كتابــه في مناقشــة‬ ‫منتشرة على‬

‫"الفرعونية السياسية" التي يعتبرها نوعا ً من االستعمار الــداخلي‪،‬‬ ‫الصفحات التي‬


‫يفضل الدولجية‬
‫مقتبسا ً تعبيراً سـابقا ً لصـبحي وحيــدة نشـره في كتابـه (في أصـول‬
‫والوطنجية أن‬
‫المســألة المصــرية)‪ ،‬رآه جمــال حمــدان تعبــيراً موفقـا ً في وصــف‬
‫ينشروا عليها‬
‫الطغيان السياسي في مصر‪ ،‬هو تعبير "االســتعمار االجتمــاعي"‪،‬‬ ‫مقتطفات من كتاب‬
‫ليقول حمدان في وصف ذلك االستعمار وتأثيره على المصــريين‪:‬‬ ‫(شخصية مصر)‬
‫"كانت مصر أول وحدة سياسية أو أول دولة موحــدة في التــاريخ‪،‬‬ ‫تتحدث عن عبقرية‬
‫لكنهــا أيضــا صــارت بهــا على األرجح أول طغيــان في األرض‪،‬‬ ‫موقعها الجغرافي‬

‫وأقــدم وأعــرق حكومــة مركزيــة في العــالم‪ ،‬ولكن أقــدم وأعــرض‬ ‫وعظمتها التاريخية‬

‫استبداد أيضا‪ ،‬لقد دفع المصري منذ البدايــة ثمن وحدتــه السياســية‬
‫المبكرة من حريته السياسية‪ ،‬واشترى األمن االجتماعي بالحرية االجتماعيــة‪ ،‬وفي‬
‫النتيجة أصبحت العالقة عكسية بين المواطن والدولة‪ ،‬فتضاءل حجم الشــعب بقــدر‬
‫ما تضخم وزن الحكم‪ ،‬وكلما كبرت الحكومة صغر الشعب‪ ،‬من هنا فــإن الحكومــة‬
‫المركزية السباقة التي نسرف في التفاخر بها عــادة‪ ،‬ليســت خــيرا محضــا‪ ،‬بــل لهــا‬
‫مثالبهـــا وثمنهـــا الفـــادح‪ ،‬وســـنرى كم يصـــدق هـــذا حـــتى وقتنـــا الحـــالي"‪.‬ـ‬

‫وبعد أن يتحدث عن تأثير الطغيان الطويل على المصريين قائالً‪" :‬ال يعرف تاريخ‬
‫مصر من ينكر أن الطغيان أو االستبداد‪ ،‬الباطش أحيانا غــير اإلنســاني دائمــا‪ ،‬هــو‬
‫كظاهرة واقعة موضوعيا‪ ،‬وبعيدا عن كل تفسير شخصي أو تنظير أكاديمي‪ ،‬نغمــة‬
‫دالة أساسية‪ ،‬بل النغمة الحزينة فيه وأسوأ خط في دراما الشــعب المصــري وقــد ال‬
‫تكون مصر أكبر سجن في العالم‪ ،‬ولكنها أقدم سجن في التــاريخ‪ ،".‬يضــيف جمــال‬
‫حمدان قائالً‪" :‬لكن‪ ...‬ليس حتما أن تكــون مصــر غابــا داميــا وال ســجنا كبــيرا‪ ،‬بــل‬
‫يمكن يقينا أن تكون وطنا‪ ،‬ووطنا حرا كريمــا‪ ،‬مــع الضــبط ــ فقــط ضــبط الحــاكم ـ‬
‫فصميم المشكلة والمأساة إذن ليس ضبط النيل وال ضــبط النــاس‪ ،‬وإنمــا هــو ضــبط‬
‫الحاكم"‪ ،‬مؤكداً أن "شخصية مصر والشخصية المصرية ليست منحرفــة بقــدر مــا‬
‫هي محرفــة‪ ،‬ليســت منحرفــة بحكم طبيعتهــا‪ ،‬ولكنهــا محرفــة بطبيعــة حكمهــا"‪.‬‬

‫في موضــع مهم من كتابــه ينــاقش الــدكتور جمــال حمــدان الفكــرة الــتي ســادت بين‬
‫المثقفين في عصره عن مسـئولية االســتعمار األجنـبي عمـا يعيشـه المصـريون من‬
‫تخلف قائالً‪" :‬واالستعمار وال شك آفة وأفعى‪ ،‬احتالل وطغيــان معــا في آن واحــد‪،‬‬
‫إال أنه ليس رأس األفعى وال اآلفة الوحيدة‪ ،‬كما يروج بعض الســطحيين ومنظــري‬
‫عمالء الطغيان‪ ،‬والحقيقـةـ أننــا أســرفنا على أنفســنا في اتخــاذ االســتعمار كمشــجب‬
‫نعلق عليه كل مآسينا وعيوبنا‪ ،‬ومشاكلنا سياسية أو غــير سياسـية‪ ،‬أوال ألنــه هــدف‬
‫وطني أو ضد وطني سهل مباشــر مشــروع ال شــبهة في عدائــه وعدوانيتــه‪ ،‬وثانيــا‬
‫ألننا ال نكاد نجسر على أن نعلق الجريمة والعقـاب في رقبـة الطغيـان المحلي ألنـه‬
‫الحاكم المالك وظــل هللا في أرضــه أرض مصــر‪ ،‬وبهــذا وبــذاك اصــطنعنا ألنفســنا‬
‫سلما مريحا ومرضيا‪ ،‬ولكنــه كمــا سـنرى مقلــوب رأســا على عقب من المســئولية‪،‬‬
‫قمته االستعمار وقاعه الشعب نفسه‪ ،‬يأتي بينهما ـ على استحياء أحيانــا! ــ الطغيــان‬
‫المحلي‪ .‬غير أن الحقيقة التاريخية التي تثبتها مرارا وتكــرارا تجربــة ألفي ســنة مــا‬
‫زالت مســتمرة معنــا حــتى اليــوم‪ ،‬الحقيقــة التاريخيــة هي أن كــبرى اآلفــتين ليســت‬
‫االســتعمار األجنـبي‪ ،‬ولكن الطغيـان المحلي‪ ،‬ذلــك أن الــذي م ّكن لألول غالبــا‪ ،‬بـل‬
‫استدعاه واستعداه أحيانا‪ ،‬إنما هو الحكم المطلق الداخلي بعجـزه عن حمايـة الـوطن‬
‫فعال أو بخيانته له علنا ومساومته وتواطؤه مع المستعمر ليحفظ على نفســه عرشــه‬
‫أو مركــزه‪ ،‬إن الــذي أتــاح لالســتعمار الخــارجي أن يــدخل ويبقى في كثــير من‬
‫الحاالت بصورة غير مباشرة دائما‪ ،‬وبصورة مباشرة أحيانا هــو الطغيــان الــداخلي‬
‫وحده ال سواه‪ ،‬إنه في كثير من األحيان "وجه مصــر القــبيح" في الخــارج كمــا في‬
‫الــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــداخل"‪.‬‬

‫ال يف ّوت الدكتور جمال حمدان فرصــة مناقشــة األفكــار التبريريــة الــتي يلتمس بهــا‬
‫بعض المثقفينـ األعــذار للشــعب حين يســكت على طغاتــه ويتصــالح مــع انحطــاط‬
‫معيشته وتدهور أوضاعه قائالً‪ " :‬مسئولية الطغيان الحــاكم تتضــاءل بــدورها أمــام‬
‫مسئولية الشعب نفسه‪ ،‬الشعب ـ وال أوهام في هذا ــ هــو المســئول األول واألخــير‪،‬‬
‫األصلي واألصيل‪ ،‬حتما وبالضرورة‪ ،‬فإذا كــان الحكم في مصــر مأســاة أو ملهــاة‪،‬‬
‫كارثــة أو مهزلــة‪ ،‬فــإن ســببها الشــعب وحــده نظريــا وعمليــا‪ ،‬وكم كــان الكواكــبي‬
‫صحيحا صادقا حين قال أن مبعث االستبداد هو غفلة األمــة‪ ،‬ومرفــوض مرفــوض‬
‫هو المنطق االنهزامي المعكوس الذي يعتذر للشعب أو عنه بأنه مغلوب على أمــره‬
‫ال قدرة له على الثورة‪ ،‬مكبل أعزل من السالح‪..‬الخ‪ ،‬فالطغيان ال يصـنعه الطاغيــة‬
‫وإنما الشعب هو الذي يصنع الطاغية والطغيان معا‪ ،‬والشعب مسئول عن الطغيــان‬
‫مسئولية الطغيان نفسه وزيادة‪ ...‬ومن هذه الزاويــة فــإن الشــعب ال يعفى من اللــوم‪،‬‬
‫وليس له إال أن يلــوم نفســه أساســا‪ ،‬فهــو الجــاني مثلمــا هــو المجــني عليــه‪ ،‬الفاعــل‬
‫والضحية‪ ،‬ظالم لنفسه كما هــو مظلــوم بحاكمــه‪ ،‬بــل ولعــل األوضــاع الســيئة الــتي‬
‫يتردى فيها وإليها كل يــوم أن تكــون العقــاب الطــبيعي المســتحق لتفريطــه في حــق‬
‫نفســه وتهاونــه في الــدفاع عن حريتــه وكرامتــه وعزتــه وســيادته‪ ،‬فالحــاكم الــردئ‬
‫الطاغية إنما هو عقاب تلقائي وذاتي لشعبه الذي سمح له بأن يكون ويبقىـ حاكم ـاً"‪.‬‬

‫لن تجد هذه المقاطع منتشرة على الصـفحات الـتي يفضــل الدولجيـة والوطنجيــة أن‬
‫ينشروا عليها مقتطفـات من كتـاب (شخصـية مصـر) تتحـدث عن عبقريـة موقعهـا‬
‫الجغرافي وعظمتها التاريخيــة‪ ،‬وهــو مــا يحــرص الــدكتور جمــال حمــدان على أن‬
‫يربطه بما آل إليه حال مصر والمصريين قائالً‪" :‬قد تكـون مصـر شـعبا عريقـا في‬
‫التاريخ ولكنها في السياسة ـ كما في الديموغرافيا ـ حدث فتى للغاية أو صبي يـافع‪،‬‬
‫فلقد يكون المصري شيخ التاريخ وحكيم الحضارة‪ ،‬إال أنــه جديــد على كــل مــا هــو‬
‫جديد في الحضارة العصرية‪ ،‬بما في ذلك السياسة المعاصرة‪ ،‬وال نقول كما يريـدنا‬
‫البعض أن نقول أقدم شعب تاريخيا ولكنــه ليس بشــعب سياســيا‪ ،‬لــذا فهــو من حيث‬
‫الوعي والنضج السياسي الحديث قد ال يعدو مرحلة الطفولة المزعومة عن الشــعب‬
‫المريض تاريخيــا‪ ،‬وهــذا مــا يفســر كثــيرا من مظــاهر الشــذوذ واالضــطراب الــتي‬
‫نلمسها في العالقة بين الشعب والحاكم‪ ،‬ومن المسلم بــه أنــه كلمــا زاد والء الشــعب‬
‫وخضوعه واتباعه للحاكم‪ ،‬ظالما كان أو غــير ذلــك‪ ،‬على خطــأ أو صــواب‪ ،‬حــتى‬
‫بغير قهر أو بطش‪ ،‬كلما دل ذلك على عدم نضج الشــعب وضــعفه وســهولة انقيــاده‬
‫ولين عريكته‪ ،‬فحجم الحاكم ونفوذه ودوره كلهــا تتناســب تناســبا عكســيا مــع حميــة‬
‫الشــــــــــــــــــعب وصــــــــــــــــــالبته وقوتــــــــــــــــــه ومقاومتــــــــــــــــــه"‪.‬‬

‫يصعب أن تقوم أي مقتطفات مهما تنــوعت أو طـالت في إغنائـك عن قـراءة كتـاب‬


‫بالكامل‪ ،‬لكي تتمكن من الحكم عليه‪ ،‬لكن إذا طلبت مني أن أختار لك مقتطفا ً وحيداً‬
‫يمثل في نظري أهم ما جاء في كتاب (شخصية مصر) بأجزائه األربعــة‪ ،‬فسـأختار‬
‫هذا المقتطف الذي يصف فيــه الــدكتور جمــال حمـدان ببراعــة أحــوال مصـر كأنــه‬
‫يكتب عنها اآلن‪" :‬إن خير عقــاب لمصــر دائمــا على مــا هي فيــه‪ ،‬هــو مــا هي فيــه‬
‫بالفعل‪ ،‬وكأنها بهذا أيضا تعاقب نفسها بنفسها بانتظام‪ ...‬علينــا إذن أن نعيــد تــرتيب‬
‫أولويات المسئولية‪ :‬الشعب أوال وكســبب أساســي‪ ،‬الحكم ثانيــا وكســبب مباشــر‪ ،‬ثم‬
‫االستعمار أخيرا كثالثة األثافي فقط‪ ،‬أما وقد أصبح هــذا األخــير على أيــة حــال من‬
‫حديث التاريخ‪ ،‬فإن الســلم الثالثي الــدرجات يعــود فيخــتزل إلى معادلــة ذات حــدين‬
‫وطنيين‪ :‬الشعب كقطب موجب والحكم كقطب سالب (وليس العكس) وبهذا تتحــول‬
‫القضية إلى مسألة داخلية‪ ،‬مسألة عائليــة بحتــة‪ ،‬وبهــذا أيضــا يبــدو الخطــر الحقيقيـ‬
‫على مصر وهو ينبع من داخلها‪ ،‬هو مصر نفسها‪ ،‬أكــثر من اآلخــرين أو الغربــاء‪،‬‬
‫هو بطش وعجز الحاكم من جانب ورد فعل الشعب أو ســلبيته من الجــانب اآلخــر‪،‬‬
‫هو قضية الديكتاتورية ضد الديمقراطية أو باختصار مشكلة نظام الحكم‪ ،‬وذلك هــو‬
‫التحدي األعظم الــذي كــان الشــعب المصــري يواجهــه دائمــا ليثبت نفســه ووجــوده‬
‫وســــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــيادته"‪.‬‬

‫لم يبق لدي بعد كل هذه المقتطفات سوى اقتراح يمكن أن يتم تبنيه‪ ،‬لزيادة االهتمــام‬
‫بهذا الكتاب وتشجيعـ الناس على قراءته بدالً من الحديث عنه بالخير أو بالشــر قبــل‬
‫قراءته‪ ،‬لمــاذا ال تقــوم هيئــة الكتــاب بطباعــة هــذه المقتطفــات‪ ،‬مصــحوبة بصــورة‬
‫الدكتور جمال حمدان بوصفه الشخصية الرسمية للمعرض وكاتب الرئيس السيسي‬
‫المفضــل‪ ،‬على أن تنشــر إلى جــوار تلــك المقتطفــات صــورة الــرئيس عبــد الفتــاح‬
‫السيســي بوصــفه راعي الثقافــة والمثقفين وأشــد المعجــبين بجمــال حمــدان وكتابــه‪.‬‬

‫هذا مجرد اقتراح برئ‪ ،‬أعلم أن مسئولي الثقافة في مصر سيبادرون إلى األخذ به‪،‬‬
‫فأنا ال أؤمن أن "سوء الظن من حُسن الفِطَن"‪.‬‬

You might also like