You are on page 1of 32

‫كلية الدراسات اإلسالمية املعاصرة‬

‫درجة البكالوريوس يف الدراسات اإلسالمية﴿شرعية﴾‬


‫جلسة التدريس ‪2020/2021 1‬‬
‫رقم الطالبة‬ ‫أسماء الطالبة‬
‫املادة ‪ :‬الفقه السرية‬
‫‪054951‬‬
‫نور ميسرة بنت حممد محردين‬
‫رقم املادة ‪DWI 20202:‬‬
‫‪056602‬‬
‫حنان انبيهة بنت حممد شافعى‬
‫‪057052‬‬
‫دروس وعربة من أحدث حرب األحد عن صفة فاطني مودة بنت مزدي‬
‫‪056271‬‬
‫نوالعزة بنت جومايل‬ ‫املنافق قبل اندالع حرب األحد‬
‫اسم المحاضر ‪ :‬األستاذ محمد نور الحفيظ بن عبد اللطيف‬
‫‪055484‬‬
‫أنيس مرزا بنت عظمي‬
‫سباهبا ان بقية من زعماء قريش ممن مل يقتلوا يف غزوة البدر‪ ,‬اجتمع رايهم على الثأر لقتالهم‬
‫يف بدر‪ .‬وخرجوا من مكة وقد بلغوا ثالثة االف مقاتل‪.‬‬

‫ومسع رسول هللا (ص) ابخلرب فاستشار اصحابه وخريهم بني اخلروج ملالقتهم وقتاهلم‪ ,‬والبقاء يف‬
‫املدينة‪ ,‬فان دخلوا عليهم غيها قاتلوهم‪ ,‬فكان راي عبد هللا بن ايب بن سلول من اصحاب عدم‬
‫اخلروج من املدينة‪ ,‬غري ان كثريا من الصحابة ممن مل يكون هلم شرف القتال يف بدر رغبوا يف‬
‫اخلروج‪.‬‬
‫• مث ان النيب (ص) خرج من املدينة يف الف من اصحابه‪ ,‬وذلك يوم السبت لسبع ليال خلون من‬
‫شوال‪.‬‬
‫• حىت اذا كانوا بني املدينة و احد اخنذل عبد هللا بن ايب بن سلول بثلث اجليش وعامتهم من شيعته‬
‫واصحابه وكر راجعا هبم‪.‬‬
‫• وعسكر النيب (ص) واصحابه وهم ال يزيدون على سبع مئة مقاتل يف الشعب من احد‪ ,‬فجعل‬
‫ظهور املسلمني اىل احد واستقبلوا املدينة‪ ,‬وجعل على اجلبل خلف املسلمني مخسني راميا‪ ,‬وامر‬
‫عليهم عبد هللا بن جبري‪.‬‬

‫مث اعطى رسول هللا (ص) السيف البو دجانة واعطى اللواء ملصعب بن عمري‪ .‬وكان الذي يقود‬
‫ميمنة املشركني خالد بن الوليد‪ ,‬وميسرهتم عكرمة بن ايب جهل‪.‬‬
‫فاقتتل الناس‪ ،‬ومحيت احلرب‪ ،‬وراح املسلمني حيسون املشركني يف اندفاع مذهل‪.‬‬ ‫•‬
‫ان انزل هللا نصره على املسلمني‪ ،‬فانكشف املشركون منهزمني اليلوون على شيء ونساءهم‪ .‬وتبعهم‬ ‫•‬
‫املسلمون يقتلون ويغمنون‪.‬‬
‫واختلفوا فيما بينهم‪ ،‬فنزل كثري منهم ظنا منهم ابن احلرب قد وضعت اوزارها‪ ،‬وراحوا أيخذون مع‬ ‫•‬
‫اصحاهبا الغنائم‪ ،‬وثبت عبد هللا بن جبري مع عدد يسري‪.‬‬
‫فحملوا خالد بن الوليد على من بقي الرماة فقتلوهم وامريهم‪ ،‬واخذوا يهجمون على املسلمني من اخللف‪.‬‬ ‫•‬

‫وحينئذ انكشف املسلمون وداخلهم الرعب‪ ،‬واوجع املشركون يف املسلمني قتاال ذريعا‪ ،‬حىت جلص‬
‫اىل رسول هللا (ص) فرمي ابحلجارة حىت رمي لشقه‪ ،‬واصيبت رابعيته (السن اجلاورة للناب) وشج يف‬
‫وجهه‪ ،‬وجعل الدم يسيل على وجهه فيمسحه‪ .‬وجاءت فاطمة رضي هللا عنها اخذت قطعة حصري‬
‫فاحرقته حىت صار رمادا مث ألصقته ابجلرح فاستمسك‪.‬‬
‫واثناء ذلك شاع يف الناس ان رسول هللا (ص) قد قتل‪ ،‬وكانت هذه الشائعة من اشد ما‬
‫ادخل الرعب يف قلوب بعض املسلمني‪ ،‬وهي اليت جعلت ضعاف االميان ذهبوا يولون االدابر‬
‫اال بعضهم ثبت يف القتل‪ .‬وهم ابو طلحة‪ ،‬ابو دجانة‪ ،‬زايد بن السكن‪ ،‬عمارة بن يزيد بن‬
‫السكن‪ ،‬محزة بن عبد املطلب‪ ،‬واليمان‪ ،‬وانس بن النضر‪.‬‬

‫مث ان احلرب هدأت بني الطرفني واحنسر املشركون منصرفني‪ ،‬وقد زهوا ابلنصر الذي احرزوه‪.‬‬

‫واخذ اليهود واملنافقون يظهرون الشماتة ابملسلمني‪ ،‬وراح عبد هللا بن أيب بن سلول يقول هو‬
‫واصحابه للمسلمني ‪ (( :‬لو اطعتموان ما قتل منكم من قتل))‪ ،‬واخذوا يتساءلون عن النصر‪.‬‬
‫وانصرف رسول هللا (ص) من احد مساء السبت‪ ،‬فبات تلك الليلة يف هو واصحابه‪،‬‬
‫وابت املسلمون يداوون جراحاهتم‪ .‬امر اصحابه بطلب العدو من شهد القتال ابالمس‪ .‬مث‬
‫ومشجوج حىت عسكروا حبمراء االسد فاوقد املسلمون هناك نرياان عظيمة‪ ،‬حىت ترى من‬
‫املكان البعيد وتو هم كثرة اصحاهبا‪.‬‬

‫املشركني زجل ومرح وزهو ابلنصر الذي ال قوه يف احد‪ .‬مث معبدا قال ‪ (( :‬وحيكم! ان‬
‫حممدا قد خرج يف اصحابه يطلبكم يف مجع مل ار مثله قط‪ ،‬ويتحرقون عليكم حترقا‪ ،‬فيهم من‬
‫احلنق عليكم شيء مل ار مثله قط؟))‪...‬فادخل هللا بذلك رعبا عظيما يف قلوب املشركني‪،‬‬
‫وهبو مسرعني عائدين اىل مكة‪ .‬واقام النيب (ص) يف محراء االسد ‪ :‬االثنني واثالاثء‬
‫واالربعاء‪ ،‬مث رجع اىل املدينة))‬
‫العرب والعظات‬
‫💚تنطوي غزوة أحد على دروس ابلغة األمهية للمسلمني يف كل عصر‬ ‫•‬

‫💚 يعلم املسلمني كيفية البلوغ إىل النصر يف معاركهم مع العدو‪ ،‬وكيفية التحرز من مزالق الفشل واهلزمية‬ ‫•‬
‫ولعل احلكمة اجللية يف هذا ‪ ،‬أن البحث يف األمر بعد أخذ العدة للقتال‪ ،‬وبعد ظهور النيب صلى هللا عليه وسلم يف‬
‫قومه وأصحابه البسا دروعه آخذا سالحه‪ ،‬شيء خارج عن حدود ما يقتضيه مبدأ التشاور خصوصا يف القضااي‬
‫احلربية اليت حتتاج ‪ -‬مع املشورة ‪ -‬إىل قدر كبري من احلزم والغزم‪ .‬مث إن املعىن الذي قد يتولد عن تقاعسه صلى‬
‫هللا عليه وسلم عن اخلروج بعد أن طلع عليهم مستعدا لذلك‪ ،‬إمنا هو الضعف واالضطراب يف اإلرادة وهو كثريا ما‬
‫يكون انبعا من اخلوف واحلذر اللذين ال معىن هلما‪.‬‬

‫ولذلك أجاهبم النيب صلى هللا عليه وسلم عن كالمهم بعبارة فيها كل احلزم والعزم‪ ،‬دون أن يلتفت إىل‬
‫لغط القوم وتعاتبهم فيما بينهم‪ ،‬قال ‪(( :‬ما ينبغي لنيب لبس ألمة أن يضعها حىت يقاتل))‪.‬‬
‫اثنيا‪:‬‬
‫للمنافقني يف هذه الغزوة مشهد ابرز‪ ..‬ومل ال يكون مشهدهم ابرزا فيها‪ ،‬وهي إمنا‬
‫انطوت على حكم ومقاصد‪ ،‬من أمهها متحيص املؤمنني عن أخالطهم من‬
‫املنافقني؟ وإن من وراء ذلك لفوائد كبرية للمسلمني كانت ذخرا هلم فيها بعد‪.‬‬

‫• لقد رأينا كيف اخنذل عبدهللا بن أيب بن سلول بثالث مئة من أتباعه عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫وأصحابه‪ ،‬بعد خروجهم من املدينة‪ ،‬وسبب ذلك يف ظاهر ما تذرع به‪ :‬أن النيب صلى هللا عليه وسلم إمنا‬
‫أخذ برأي الشبان األغرار‪ ،‬ومل أيخذ برأي أمثاله من الشيوخ أرابب احلجى واألحالم‪ .‬غري أن سبب ذلك يف‬
‫احلقيقة وواقع األمر‪ ،‬هو أنه ال يريد قتاال‪ .‬ألنه ال يريد أن يعرض نفسه املخاوفه ومغباته ‪ ..‬وتلك هي أبرز‬
‫مسات املنافقني‪ :‬يريدون أن أيخذوا ما يف اإلسالم من مغامن‪ ،‬ويبتعدوا عما فيه من مغارم وأتعاب !‪ ..‬وإمنا‬
‫الذي ميسكهم على اإلسالم أحد شيئني‪ :‬غنيمة يتوقعوهنا‪ ،‬أو مصائب وحمن يتوقوهنا‪.‬‬
‫اثلثا‪:‬‬

‫• أن النيب صلى هللا عليه وسلم مل يشأ أن‬


‫وقد ذهب مجهور كبري من العلماء ‪،‬‬ ‫يستعني بغري املسلمني يف هذه الغزوة ‪،‬‬
‫بناء على هذا‪ ،‬إىل أنه ال جيوز‬
‫ولعل هذا هو املتفق مع القواعد‬ ‫االستعانة ابلكفار يف القتال‪ ،‬وفصل‬
‫على الرغم من قلة عدد املسلمني‪،‬‬
‫وجمموع األدلة‪ ،‬إذ روي أنه عليه‬ ‫اإلمام الشافعي يف ذلك ‪ ،‬فقال‪(( :‬إن‬ ‫وقال فيما روى ابن سعد يف طبقاته‪:‬‬
‫الصالة وسالم قبل معونة صفوان بن‬ ‫رأى اإلمام أن الكفار حسن الرأي‬ ‫((ال نستنصر أبهل الشرك على أهل‬
‫أمية يوم حنني ‪ ،‬واملسألة على ذلك‬ ‫واألمانة يف املسلمني وكانت احلاجة‬
‫الشرك))‪ .‬وقد روى مسلم أن النيب‬
‫داخلة يف إطار ما يسمى ابلسياسة‬ ‫داعية إىل االستعانة به جاز‪ ،‬وإال‬
‫الشرعية‪ .‬وسنذكر الفرق بني ما فعله‬ ‫فال))‪.‬‬ ‫صلى هللا عليه وسلم قال لرجل تبعه يف‬
‫الرسول يف حنني وما فعله يف كل من‬ ‫يوم بدر ليقاتل معه‪(( :‬أتؤمن ابهلل؟‬
‫بدر و أحد‪ ،‬يف مناسبته إن شاء هللا‪.‬‬ ‫قال ‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬فارجع فلن أستعني‬
‫• رابعا‪ :‬ومما جيدر التأمل فيه‪ ،‬حال مسرة بن جندب ورافع بن خديج‪ ،‬ومها طفالن ال يزيد عمر كل منهما على مخس‬
‫عشرة سنة‪ ،‬وكيف جاءا يناشدان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أن يسمع هلا ابالشرتاك يف القتال‪ ،‬وأي قتال؟ !‪ .‬قتال‬
‫قائم على التأهب للموت‪ ،‬ال جتد فيه أي معىن من التعادل بني الفريقني‪ :‬املسلمون وعددهم ال يزيد على سبع مئة‪،‬‬
‫واملشركون وهم يتجاوزون ثالثة آالف مقاتل‪.‬والعجيب حقا أن يقف بعض حمرتيف الغزو الفكري على مثل هذه الظاهرة‪،‬‬
‫فيذهبوا يف حتليلها إىل أن العرب كانوا أمة تعيش يف ظل احلروب والغزوات الدئمة‪ ،‬فكانوا ينشؤون يف أجوائها وظروفها‪،‬‬
‫ولذلك كانوا ينظرون إليها (شيبا وشباان وأطفاال) نظرة طبيعية ال تسبب هلم قدرا ابلغا من املخاوف‪.‬‬
‫ال ريب أن أرابب هذا التحليل‪ ،‬يغمضون أعينهم يف إصرار عجيب‪ ،‬أثناء هذا الكالم عن ختاذل أمثال عبد هللا بن أيب بن‬
‫سلول مع ثالث مئة من أصحابه‪ ،‬حتت وطأة اخلوف من عواقب القتال‪ ،‬والر غبة يف اجلنوح إىل السالمة واألمن‪ .‬وعن‬
‫ختاذل أولئك اآلخرين الذين استعذبوا ظل املدينة ومثارها ومياهها وسط حرارة الصيف‪ ،‬وأعرضوا عن نداء رسول هللا ابخلروج‬
‫والقتال‪ ،‬قائلني‪(( :‬ال تنفروا يف احلر)) بل وعن هزميةاملشركني يف غزوة بدر‪ ،‬على الرغم من ضخامة عددهم وقلة املسلمني‪،‬‬
‫ووقوع الرعب يف أفئدهتم‪ ،‬وهم هم العرب الذين نشؤوا يف ظالل احلروب ورضعوا ألباهنا واستهانوا بصعاهبا‪.‬من الصعوبة البالغة‬
‫للمنصف أن يتهرب عما حتكم به البداهة الواضحة‪ ،‬من أن سر هذا اإلقدام على املوت من مثل هؤالء األطفال‪ ،‬إمنا هو‬
‫اإلميان العظيم الذي استحوذ على القلب‪ ،‬والذي ترتبت عليه حمبة عارمة لرسول هللا صلى عليه وسلم‪ .‬فحيثما وجد اإلميان‬
‫ووجدت هذه احملبة‪ ،‬ظهر هذا اإلقدام واالستبسال‪ ،‬وحيثما ضعف اإلميان‪ ،‬وضعفت احملبة يف القلب انقلب اإلقدام إحجاما‬
‫واالستبسال كسال وتقاعسا‪.‬‬
‫خامسا‪:‬‬
‫• إذا أتملت حال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وهو ينظم صفوف أصحابه ويرتب أجنحتهم‪ ،‬ويضع احلامية الالزمة يف‬
‫مؤخرة املسلمني‪ ،‬وأيمر الرماة أن ال يعادروا أماكنهم مهما وجدوا من أمر إخواهنم املقاتلني حىت يتلقوا األوامر منه‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪،‬‬
‫• ما احلقيقة البارزة‪ ،‬فهي الرباعة العسكرية اليت كانت تتصف هبا قيادته صلى هللا عليه وسلم يف احلروب‪ ،‬فقد كان يف‬
‫مقدمة اخلططني لفنون القتال وطرائقه‪ ،‬وال ريب أن هللا تعاىل قد جهزه بعبقرية اندرة يف هذا اجملال‪ .‬ولكننا نقول‪ :‬إن هذه‬
‫العبقرية والرباعة إمنا أييت كل منهما من وراء نبوته ورسالته السماوية‪ ،‬فمركز النبوة والرسالة هو الذي اقتضاه صلى هللا‬
‫عليه وسلم أن يكون عبقراي ابرعا يف فنون احلرب وغريها‪ ،‬كما اقتضاه أن يكون معصوما بعيدا عن كل احنراف وزلل‪.‬‬

‫وأما الظاهرة اليت تلوح للمتأمل من خالل توصياته الدقيقة هذه ألصحابه عامة‪،‬‬
‫وللرماة خاصة فهي ظاهرة ذات عالقة وثيقة مبا قد مت بعد ذلك من خروج بعض‬
‫أولئك الرماة على أوامره صلى هللا عليه وسلم‪ .‬فكأن النيب صلى هللا عليه وسلم قد‬
‫استشف بفراسة النبوة أو بوحي من هللا تعاىل هذا الذي قد حدث فيما بعد‪ ،‬فراح‬
‫يؤكد التوصيات واألوامر‪.‬‬
‫سادسا‪:‬‬

‫• أبو دجانة‪ ،‬الذي تناول السيف من يد رسول هللا صلى هللا عليه وسلم حبقه‪،‬‬
‫أخذه وراح يتبخرت بني الصفوف‪ ،‬فما أنكر عليه رسول هللا‪ ،‬وإمنا قال‪(( :‬إن‬
‫هذه مشية يكرهها هللا إال يف مثل هذا املوضع!))‪ .‬وهذا يدل على أن كل‬
‫مظاهر الكرب احملرمة يف األحوال العامة‪ ،‬تزول حرمتها يف حاالت احلرب‪ .‬فمن‬
‫مظاهر الكرب احملرمة أن يسري املسلم يف األرض مرحا متبخرتا‪ ،‬ولكن ذلك يف‬
‫ميدان القتال أمر حسن وليس مبكروه‪ .‬ومن مظاهر الكرب احملرمة تزيني البيوت‬
‫أو األواين واألقداح ابلذهب أو الفضة ‪ .‬غري أن تزيني آالت احلرب‬
‫وأسلحتها ابلفضة غري ممنوع ‪ .‬فمظهر الكرب هنا إمنا هو يف حقيقته افتخار‬
‫بعزة اإلسالم على أعدائه‪ .‬مث هو معىن من معاين احلرب النفسية اليت ينبغي أن‬
‫ال تفوت املسلمني أمهيتها‪.‬‬
‫سابعاً – إذا أتملنا مدة احلرب اليت استمرات بني املسلمني وأعدائهم يف هذه الغزة‬
‫وجدانها تنقسم إىل شطرين‪:‬‬
‫الشطر األول‬

‫• وفيه التزم املسلمني أما كنهم وأوامرهم اليت كانوا قد تلقوها من قائدهم عليه الصالة والسالم‬
‫• لقد سارع النصر إىل املسلمني‪ ،‬وسارعت اهلزمية إىل صفوف املشركني‬
‫• وما هو إال أن اكتسح الرعب أفئدة اآلالف الثالثة فاحنسروا عن أماكنهم وأخذوا يولون األدابر‬
‫• سورة ال عمران (‪125‬األية)‬
‫الشطر الثاين‬
‫• وفيه أخذ املسلمون ينطلقون خلف املشركني ليجهزوا على من يدر كونه منهم‪ ،‬رليأخذوا الغنائم واألسالب‬
‫• وحينئذ نظر الرماة من فوق اجلبل الذي كانوا يتمر كزون فيه‪ ،‬إىل إخواهنم وهم يضعون السيوف يف أعدائهم‬
‫الالئذين ابلفرار ويعودون ابألموال والغنائم‪ ،‬فرغب بعضهم أن يشرتكوا معهم يف الغنيمة‬
‫• وخيلت إليهم هذه الرغبة أن الفرتة الزمنية لألوامر اليت تلقوها من رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قد انتهت‬
‫• فهم يف حل منها وهم يف غىن عن انتظار إذن‬
‫• رسول هللا صلى هللا عليه وسلم هلم مبغادرة أما كنهم‬
‫• وهو اجتهاد خالفهم فيه بعد زمالئهم ويف مقدمتهم أمريهم عبد هللا بن جبري‬
‫• ولكن أصحاب هذا اإلجتهاد نزلوا وانطلقوا يشاركون يف أخذ الغنائم‪.‬‬
‫• سورة ال عمران (األية ‪)152‬‬
‫اثمنا‬
‫خطيئة أولئك املسلمني يف اخلروج على أوامر القائد‬

‫ما احلكمة يف أن يشيع خرب مقتل رسول هللا (ص) يف صفوف املسلمني‬

‫احلكمة الباهرة أن تشيع هذه الشائعة ‪ ،‬جتربة درسية بني تلك الدروس‬
‫العسكرية العظيمة ‪ ،‬كي يستفيق املسلمون من ورائها إىل احلقيقة اليت‬
‫ينبغي أن يوطنوا أنفسهم هلا منذ الساعة ‪ ،‬وأن ال يرتدوا على أعقاهبم إذا‬
‫وجدوا أن رسول هللا (ص) قد اختفى مما بينهم‪.‬‬
‫وقع املوت على أصحاب رسول هللا (ص) ‪ ،‬وهم من حوله حيمونه‬ ‫اتسعا‬
‫أبجسادهم من نبال املشركني وضرابهتم‬
‫مصدر هذه التضحية‬
‫العجيبة‬

‫حمبة رسول هللا (ص)‬ ‫اإلميان ابهلل ورسوله‬

‫عقال‬ ‫فلكي يفكر به فيؤمن مبا جيب اإلميان به‬


‫وبيان ذلك أن هللا عز‬
‫وجل قد غرس يف اإلنسان‬
‫فلكي يستعمله يف حمبة من أمر هللا مبحبته‬
‫قلبا‬
‫وبغض من أمر يبغضه‬
‫هذه احملبة ‪ ،‬بل هذا اهلوى املستحوذ على قلوب أصحاب رسول هللا (ص) هو‬
‫الذي جعلهم ميدون حنر رسول هللا ويعانقون املوت يف سبيل حفظ حياته عليه‬
‫الصالة والسالم‪ .‬وكم يف غزوة أحد من املشاهد الرائعة اليت تكشف عن أثر هذه‬
‫احملبة إذ تغمر قلب صاحبها‪.‬‬

‫كثرة التأمل والتفكر يف‬


‫كثرة الذكر‬
‫آالء هللا ونعمه عليك‬

‫إذا سألت عن السبيل إيل‬


‫مثل هذه احملبة‬

‫سرية رسول هللا (ص)‬ ‫كثرة الصالة على رسول هللا‬


‫وأخالقة ومشائله‬ ‫( ص)‬
‫يرويه البخاري رضي هللا عنه ‪ ،‬أن النيب (ص) أمر بدفن قتلى املسلمني بدمائهم ومل يصل عليهم ‪،‬‬ ‫عاشرا‬
‫ومجع بني الرجلينب يف قرب واحد‬

‫وقد استدل من ذلك العلماء على أن الشهيد يف معركة اجلهاد ال يغسل وال يصلى عليه ‪ ،‬بل‬
‫يدمائه‪.‬‬

‫قال الشافعي رضى هللا عنه ‪ :‬جاءت األحاديث من وجوه متواترة أنه مل يصل عليهم‪.‬‬

‫وأما ماروي أنه (ص) ‪ ،‬صلى عليهم عشرة ‪ ،‬ويف كل عشرة محزة ‪ ،‬حىت صلى عليه سبعني مرة‬
‫قصعيف وخطأ‪.‬‬

‫كما استدلوا بذلك أيضا على أنه جيوز عند الضرورة اجلمع بني أكثر من واحد يف القرب ‪ ،‬أما بدون‬
‫ضرورة فال جيوز‬
‫حادي‬
‫رسول هللا (ص) مع أصحابة فور عودهتم إىل املدينة من اخلروج اثنية للحاق ابملشركني‬
‫عشر‬

‫• اتضح لنا درس معركة أحد اتضاحا كامال ‪ ،‬وتبني لنا كل من بتيجتيها ‪ :‬السلبية واإلجيابية‬
‫• وظهر لنا مبا ال يدع جماال للتوهم أن النصر إمنا يكون مع الصرب وإطاعة أوامر القائد الصاحل واستهداف القصد‬
‫الديين اجملرد‪.‬‬

‫وقع الرعب فجأة يف قلوب املشركني وتصوروا كما أخربهم صاحبهم الذي كان قد ملح‬
‫املسلمني عن بعد ‪ ،‬أن حممدا (ص) وصحبه قد جاؤوا هذه املرة ومعهم املوت املؤكد‬ ‫الدرس واملوعظة‬
‫لينثروه فيما بينهم‬ ‫للمسلمني‬
‫بئر معونة‬ ‫يوم الرجيع‬
‫أوال – يوم الرجيع ( يف السنة الثالثة) ‪:‬‬

‫قدم وفد من قبائل ُعضل والقارة عىل رسول هللا ﷺ يذكر أن أخبار الإسالم قد وصلهتم وأهنم حباجة اىل من يعلمهم شؤون هذا‬
‫ادلين‪ .‬فبعث رسول هللاﷺ ًنفرا من أحصابه‪ ،‬وفهيم‪ :‬مرثد بن ايب مرثد‪ ،‬وخادل بن البكري‪ ،‬وعامص بن اثبت‪ ،‬وخبيب بن عدي‪ ،‬وزيد‬
‫بن ادلثنة‪ ،‬وعبدهللا بن طارق‪ ،‬وامر علهيم عامص بن اثبت‪.‬‬

‫روى البخاري بس نده عن ايب هريرة قال ‪ :‬فانطلقوا حىت اإذا اكنوا بني عسفان ومكة‪ ،‬ذكروا حلي من هذيل يقال هلم بنو حليان‪،‬‬
‫يب من مئة را ٍم‪ ،‬فاقتصوا ااثرمه‪ ،‬حىت أتوا مزن ًل نزلوه فوجدوا فيه نوى متر تزودوه من املدينة‪ ،‬فقالوا‪ :‬هذا متر يرثب‪،‬‬
‫فتبعومه بقر ٍ‬
‫فتبعوا ااثرمه حىت حلقومه فلام انهتى عامص وأحصابه جلؤوا اإىل فدفد‪.‬‬

‫وجاء القوم فأحاطوا هبم‪ ،‬فقالوا‪ :‬لمك العهد وامليثاق اإن نزلمت اإلينا أن نقتل منمك رج ًال‪ .‬فقال عامص‪ :‬أما أان فال أنزل فيه ذمة اكفر‪ ،‬اللهم‬
‫مصا يف س بعة نفر ابلنبل‪ ،‬وبقي خبيب وزيد ورج ٌل اخر‪،‬فأعطومه العهد وامليثاق‪.‬‬ ‫أخرب عنا نبيك‪ ،‬فقاتلومه حىت قتلوا عا ً‬
‫فلام أعطومه العهد وامليثاق نزلوا اإلهيم فلام اس متكنوا مهنم حلوا أواتر قس هيم فربطومه هبا فقال الرجال الثالث اذلي معهام‪ :‬هذا‬
‫أول الغدر فأىب أن يصحهبم جفرروه وعاجلوه‪ ،‬عىل أن يصحهبم‪ ،‬فمل يفعل فقتلوه‪.‬‬

‫فاشرتي خبي ًبا بنو احلارث‪ ،‬واكن خبيب هو اذلي قتل احلارث يوم البدر‪ ،‬مفكث عندمه أ ً‬
‫سريا حىت اذا أمجعوا قتهل‬
‫اس تعار موىس من بعض بنات احلارث ليس تح ٌد هبا‪ .‬قالت‪ :‬فغفلت عن ٌ‬
‫صيب يل‪ ،‬فدرج اإليه حىت أاته‪ ،‬فأجلسه عىل‬
‫خفذه‪ ،‬فلام رأيته فزعت فزعة عرف ذاك مين‪ ،‬ويف يده املوىس‬

‫خفرجوا به من احلرم ليقتلوه‪ ،‬فقال‪ :‬دعوين أصيل ركعتني‪ .‬مث انرصف اإلهيم فقال‪ :‬لول أن تروا أن ما يب جزع من املوت‬
‫لزدت‪ ،‬فاكن أول من سن الركعتني قبل القتل‬
‫‪ .1‬حصيح البخارى‬
‫• مث قام اإليه عقبة بن احلارث فقتهل‪ .‬وبعثت قريش اإىل عامص ليأتوا بيش ٍء من جسده يعرفونه‪ ،‬واكن عامص قتل‬
‫عظامي من عظامهئم يوم بدر‪ .‬فبعث هللا عليه مثل املظةل من ادلبر‪ ،‬حفمته من رسلهم فمل يقدروا منه عىل يء‬

‫‪ .2‬طربى‬
‫• ان رسول هللا ﷺ بعثه وحده عين ًا اإىل قريش‪ ،‬قال‪ :‬جفئت اإىل خش بة خبيب وأان اختوف العيون‪ ،‬فرقيت فهيا‬
‫حفللت خبي ًبا‪ ،‬فوقع اإىل الرض فانتبذت غري بعيد‪ ،‬مث التفت فمل أر خلبيب رمة فكمنا الرض ابتلعته‪ ،‬فمل تذكر‬
‫بيب رم ٌة حىت الساعة‪.‬‬‫خل ٍ‬
‫‪ .3‬ابن اإحساق‬
‫• واما الزيد‪ ،‬فابتاعه صفوان بن أمية‪ ،‬فلام خرجوا به من احلرم ليقتلوه‪ ،‬قال هل أبو سفيان‪ :‬أنشدك ابهلل اي زيد‪،‬‬
‫أحتب أن محمد ًا الآن عندان ماكنك‪ ،‬نرضب عنقه وأنك يف أهكل؟ قال‪ :‬وهللا ما أحب أن محمد ًا الان يف ماكنه‬
‫اذلي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وأين جالس يف أهيل! فقال أبو سفيان‪ :‬ما رأيت من الناس أحد ًا حيب أحد ًا‬
‫كحب أحصاب محمد محمدً ا‬
‫ر‬ ‫ً‬
‫ثانيا ‪ -‬بئ معونة ( يف السنة الرابعة)‬

‫قدم عامر بن ماكل املشهور بلقب (مالعب الس نة) عىل رسول هللاﷺ‪ ،‬فعرض‬
‫عليه الإسالم‪ ،‬ولكنه مل يسمل ومل يظهر جتنب ًا عن الإسالم‬

‫فبعث رسول هللا صىل ﷺ س بعني رجال من أحصابه من خيار‬


‫املسلمني (يف صفر عىل رأس أربعة أشهر من غزوة أحد)‬

‫فساروا حىت نزلوا بب ٍرئ معونة‪ .‬فلام نزلوها بعثوا أحدمه (حرام بن‬
‫ملحان) بكتاب رسول هللاﷺ اىل عامر بن الطفيل‬
‫مث اس ترصخ عامر بن الطفيل ببين عامر يس تعدهيم عىل بقية ادلعاة فأبوا أن جييبوه وقالوا‪ :‬لن حنفر أاب‬
‫براء(عامر بن ماكل)‪.‬‬

‫فاس ترصخ علهيم قبائل من سلمي من عُصية ورعل وذكوان فأجابوه‪ ،‬وانطلقوا فأحاطوا ابلقوم يف‬
‫رحاهلم‪ ،‬فلام رأومه أخذوا س يوفهم وقتلومه‪ ،‬فقتل املسلمون عن أآخرمه‪.‬‬

‫واكن يف رسح ادلعاة اثنان مل يشهدا هذه املوقعة الغادرة‪ ،‬أحدهام (معرو بن أمية الضمري) ومل يعرف‬
‫النباء اإل فامي بعد‪ .‬فأقبال يدافعان عن اخواهنام فقتل زميهل معهم‪ ،‬وأفلت هو فرجع اىل املدينة‬
‫يف الطريق لقي رجلني من املرشكني ظهنام من بين عامر فقتلهام‪ ،‬مث تبني ملا وصل اىل رسول هللاﷺ‬
‫وأخربه اخلرب أهنام من بين الكب‪.‬‬

‫وتأثر النيبﷺ ملقتل هؤلء ادلعاة الصاحلني من أحصابه‪ ،‬وبقي شهر ًا‬
‫يقنت يف صالة الصبح‪ ،‬يدعو عىل قبائل سلمي‪ :‬رعل وذكوان وبين حليان‬
‫و ُعصية‬
‫العبر‬
‫والعظات‬
‫في هاتين الحادثتين المؤثرتين دالالت هامة نجملها فيما يلي ‪:‬‬
‫‪ -١‬يدل كل من حادثة الرجيع وبئر معونة على اشتراك المسلمين كلهم في مسؤولية الدعوة إلى اإلسالم وتبصير الناس بحقيقته وأحكامه‪.‬‬
‫فليس أمر الدعوة موكوالً إلى األنبياء والرسل وحدهم أو إلى خلفائهم والعلماء دون غيرهم‪ .‬اهمية القيام بوجب هذه الدعوة‪ ،‬من إرسال‬
‫النبي أولئك القراء الذين بلغت عدتهم سبعين شابا ً من خيرة أصحابه ص ‪ ،‬ولما يمض أمد طويل على مقتل أولئك النفر الذين قد بعثهم في‬
‫ذلك السبيل نفسه‪.‬‬

‫‪ -٢‬إنه ال يجوز للمسلم المقام في دار الكفر أر الحرب إن لم يمكنه إظهار دينه‪ ،‬ويكره له ذلك إن أمكنه إظهار دينه‪.‬والذي يدل عليه هذا‬
‫المشهد من سيرته ص أنه يستثتى من ذلك ما إذا كان مقام المسلم في دار الكفر ابتغاء القيام بواجب الدعوة اإلسلمية هناك ‪ ،‬فذلك من‬
‫انواع الجهاد الذي تتعلق مسؤليته بالمسلمين كلهم على أساس فرض الكفاية الذي إن قام به البعض قياما ً تاما ً سقطت المسؤولية عن‬
‫الباقين‪ ،‬وإال اشتركوا كلهم في المأثم‪.‬‬
‫‪ -٣‬كل من حا دثني الرجيع وبئر معونة من داللة واضحة على مدى ماكانت تفيد به أفئدة المشركين من غل وحقد على المؤمنين‪ ،‬حتى‬
‫انهم ارتضوا ألنفسهم أحط مظاهر الخيانة والغدر ابتغاء إطفاء غليل أحقدهم على المسلمين‪.‬‬
‫أسير في بيت بنى الحارث في انتظار ساعة قتله‪ ،‬وكان قد استعار شفرة ليصلح بها شأنه ويتطهرا استعدادا للموت‪.‬‬
‫ً‬ ‫كخبيب‬

‫‪ -٤‬يستدل مما سبق أن لألسير في يد العدو أن يمتنع من قبول األمان ‪ ،‬وال يمكن من نفسه ولو قتل ‪ ،‬ترفعا ً عن أن يجري عليه حكم‬
‫كافر‪،‬كما فعل عاصم‪ .‬فإن أراد الترخص‪ ،‬فله أن يستأمن ‪ ،‬مترقبا ً الفرصة مؤمالً الخالص كما فعل خبيب وزيد‪.‬ولكن لو قدر األسير‬
‫على الهرب لزمه ذلك في األصح‪ ،‬وإن أمكنه إظهار دينه بينهم‪ٓ ،‬‬
‫الن األسير في يد الكفار مقهور مهان‪ ،‬فكان من الواجب عليه تخليص‬
‫نفسه من هوان األسر ورقة‪.‬‬

‫‪ -٥‬تأملنا في جواب زيد بن الدثنة ألبي سفيان ‪ ،‬قبيل قتله ‪ ،‬علمنا مدى المحبة التي كانت تنطوي عليها أفئدة الصحابة لرسولهم (ص) ‪،‬‬
‫وال ريب أن هذه المحية من أهم األسباب التي حببت إلى قلوبهم كل تضحية وبذل في سبيل دين هللا تعلى والدفاع عن رسوله‪ .‬ومهما بلغ‬
‫المسلم في إيمانه ‪ ،‬فإنه بدون مثل هذه المحبة لرسول هللا (ص) يعتبر ناقص اإليمان‪ .‬و إنها لحقيقة صرح بها رسول هللا (ص) إذ قال ‪:‬‬
‫(( اليؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أحمعين))‪.‬‬
‫‪ -٦‬دل ما ذكرناه من أمر خبيب أيام أسيرا ً في مكة ‪ ،‬أن كل ما أمكن أن يكون معجزة لنبي جاز أن يكون كرامة لولي ‪ ،‬مع فارق أساسي‬
‫البد منه ‪ ،‬وهو أن معجزة النبي تكون مقرونة بالتحدي ودعوة النبوة ‪ ،‬أما كرامة األولياء والصالحين فتأتي عفوا ً دون أن تقترن بأي نوع‬
‫من التحدي‪ .‬وال أدل عليه من هذا الذي أكرم هللا به خبيبا ً قبيل قتله‪.‬‬

‫‪ -٧‬قد يتساءل البعض ‪ :‬فما الحكمة في تمكين يد الغدر من هؤالء الفتية المؤمنين الذين لم يخرجوا إال استجابة ألمر هللا ورسوله ؟ وهال‬
‫م ّكنهم هللا من أعدائهم ليتغلبوا عليهم؟ ‪..‬‬

‫هللا تعبد عباده بتحقيق أمرين اثنين ‪:‬‬


‫‪ -١‬إقامة المجتمع اإلسالمي ‪ ،‬والسعي إلى ذلك في طريق سئكة غير معبّده‪.‬‬
‫‪ -٢‬أن تتحقق عبودية اإلنسان هلل تعلى ‪ ،‬وأن بمحص الصادقون عن المنافقين ‪ ،‬وأن يتخذ هللا منهم شهداء ‪ ،‬وإن يتجلى المعنى التنفيذي‬
‫لمبايعة التي جرت بين هللا وعباده المؤمنين ‪ ,‬والتي صرح بها قوله تعلى ‪ ( :‬إن هللا اشترى من المؤمنين أنفس ُهم وأمواله ْم ّ‬
‫بأن لهم الحنة ‪،‬‬
‫يقاتِلونَ في سبيل هللا فيقتُلونَ ويُقتلونَ ) (التوبة ‪)١١١/٩‬‬
‫وأي المعنى كان يبقى للتوقيع على صك هذه المعاهدة ‪ ،‬لو أن كل ما جاء في مضمونها وهم ال يتحقق ؟! بل وأي قيمة تبقى حىنئذ لهذا‬
‫التوقيع حتى يحرز به صاحبه الجنة والسعادة األبدية الخالدة‪.‬‬
‫والمشكلة في أساسها ‪ ،‬إنما تطوف في رأس من قدر هذه الحياة العاجلة أكثر من قدرها الحقيقي وأوالها أكثر مما تستحق من االهتام ‪،‬‬
‫وضعف تعلقه في القابل بالحياة اآلخرة وشأنها ‪ .‬وتلك هي آية عدم اإليمان باهلل تعلى أو ضعفه في النفس‪ .‬ومثل هوالء الناس الينتظر‬
‫منهم أن يغامروا بروح وال مال‪ .‬أما المؤمنين حقا ً فالمشكلة غير متصورة لديهم من أساسها‪ ،‬فلذة الحياة الدنيا في يقينهم ‪ ،‬أقل شأنا ً من أن‬
‫تحبس المسلم عن أداء أصغر طاعة يتقرب بها إلى خالقه‪ ،‬وما التضحية بالروح في يقينهم إال اال نطالقة من سجن الدنيا إلى نعيم اآلخرة‪،‬‬
‫وأنعم بها من غاية هي كل أمل المسلم في حياته التى يعيشها‪ .‬وهذا الشعور يتجلى بأوضاح صورة في األبيات التي قالها خبيب عند مقتله‬
‫‪ ،‬خاصة في آخربيت منها‪ ،‬وهوقوله‪:‬‬

‫وال جزعا ً ‪ ،‬إني إلى هللا مر جعي‬ ‫ولست بمب ٍد للعدو تخشعا ً‬
‫شكرا ً جزيلً‬

You might also like