You are on page 1of 3

‫غـــــــزوة بــــــد ر‬

‫لقد كانت غزوة بدر التي ابتدأت وانتهت بتدبير هللا وتوجيهه ومدده فرقانًا بين الحق والباطل ‪-‬كما يقول المفسرون إجماالً‪،-‬‬
‫وفرقانًا بمعنى أشمل وأوسع وأدق وأعمق كثيرًا‪ ،‬كانت فرقانًا بين الحق والباطل فعالً‪ ،‬ولكنه الحق األصيل الذي قامت عليه‬
‫السماوات واألرض‪ ،‬وقامت عليه فطرة األحياء واألشياء‪ ،‬الحق الذي يتمثل في تفرد هللا ‪-‬سبحانه‪ -‬باأللوهية والسلطان‬
‫والتدبير والتقدير‪ ،‬وفي عبودية الكون كله سمائه وأرضه‪ ،‬أشيائه وأحيائه لهذه األلوهية المتفردة‪ ،‬ولهذا السلطان المتوحد‪،‬‬
‫ولهذا التدبير وهذا التقدير بال معقب وال شريك‪ ..‬والباطل الزائف الطارئ كان يعم وجه األرض إذ ذاك‪ ،‬ويغشى على ذلك‬
‫الحق األصيل‪ ،‬ويقيم في األرض طواغيت تتصرف في حياة عباد هللا بما تشاء وأهواء تصرف أمر الحياة واألحياء!‬
‫‪ ‬كانت فرقانًا بين هذا الحق وهذا الباطل في الواقع الظاهر كذلك‪ .‬فرقانًا بين العبوديةـ الواقعية لألشخاص واألهواء وللقيم‬
‫واألوضاع وللشرائع والقوانين وللتقاليد والعادات ‪ -‬وبين الرجوع في هذا كله هلل الواحد الذي ال إله غيره‪ ،‬وال متسلط سواه‪،‬‬
‫وال حاكم من دونه‪ ،‬وال مشرع إال إياه‪ .‬فارتفعت الهامات ال تنحني لغير هللا‪ ،‬وتساوت الرؤوس ال تخضع إال لحاكميته‬
‫وشرعه‪.‬‬
‫‪ ‬كانت فرقانا بين عهدين في تاريخ الحركة اإلسالمية‪ :‬عهد الصبر والمصابرة والتجمع واالنتظار‪ ،‬وعهد القوة والحركة‬ ‫ً‬
‫والمبادأة واالندفاع‪ ..‬واإلسالم بوصفه تصورًا جديدًا للحياة‪ ،‬ومنهجًا جديدًا للوجود اإلنساني‪ ،‬ونظا ًما جديدًا للمجتمع‪ ،‬وشكالً‬
‫جديدًا للدولة بوصفه إعالنًا عا ًما لتحرير اإلنسان في األرض‪ ،‬وبتقرير ألوهية هللا وحده وحاكميته ومطاردة الطواغيت التي‬
‫تغتصب ألوهيته وحاكميته‪ .‬اإلسالم بوصفه هذا لم يكن له بد من القوة والحركة والمبادأة واالندفاع ‪ ،‬ألنه لم يكن يملك أن‬
‫يقف كامنا ً منتظراً على طول األمد‪ .‬لم يكن يستطيع أن يظل عقيدة مجردة في نفوس أصحابه يتمثل في شعائر تعبديةـ هلل‪،‬‬
‫وفي أخالق سلوكية فيما بينهم‪ ،‬ولم يكن له بُ ٌّد في أن يندفعـ إلى تحقيق التصور الجديد والمنهج الجديد والدولة الجديدة‬
‫والمجتمع الجديدـ في واقع الحياة وأن يزيل من طريقها العوائق المادية التي تَكبتها‪ ،‬وتحول بينها وبين التطبيق الواقعي في‬
‫حياة المسلمين أوالً‪ ،‬ثم في حياة البشرية كلها أخيراً ‪ ..‬وهى لهذا التطبيق الواقعي جاءت من عند هللا‪.‬‬
‫ت وكل عوامل النصر الظاهرية في صف المشركين‪،‬‬ ‫‪ ‬وكانت فرقانًا بين تصورين لعوامل النصر وعوامل الهزيمة؛ ف َج َر ْ‬
‫وكل عوامل الهزيمة الظاهرية في صف العصبة المؤمنة حتى لقد قال‪ :‬المنافقون والذين في قلوبهم مرض‪َ ( :‬غ َّر هَـؤُالء‬
‫ِدينُهُ ْم)‪،‬ـ وقد أراد هللا أن تجري المعركة على هذا النحو‪ ،‬وهى المعركة األولى بين الكثرة المشركة والقلة المؤمنة‪ ،‬لتكون‬
‫فرقانًا بين تصورين وتقديرين ألسباب النصر وأسباب الهزيمة‪ ،‬ولتنتصر العقيدة القوية على الكثرة العددية وعلى الزاد‬
‫والعتاد‪ ،‬فيتبين للناس أن النصر للعقيدة الصالحة القوية‪ ،‬ال لمجرد السالح والعتاد‪ ،‬وأن أصحاب العقيدة الحقة عليهم أن‬
‫يجاهدوا ويخوضوا غمار المعركة مع الباطل غير منتظرين‪ ،‬حتى تتساوى القوى المادية الظاهرية؛ ألنهم يملكون قوة‬
‫أخرى ترجح الكفة‪ ،‬وأن هذا ليس كال ًما يقال‪ ،‬إنما هو واقع متحقق للعيان‪.‬‬
‫النصر الحقيقي من هللا وكل ما دونه ستار لقدر هللا ‪:‬‬
‫‪ - 1‬االستغاثة باهلل ونزول المالئكة‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫هّللا‬ ‫َ‬ ‫رْ‬
‫ف ِّمنَ ال َمآلئِك ِة ُم ِدفِينَ * َو َما َج َعلهُ ُ إِال بُش َرى َولِتَط َمئِن بِ ِه قلوبُك ْم َو َما‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫اب لَك ْم أني ُم ِمدكم بِأل ٍ‬
‫ُّ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫(إِ ْذ تَ ْستَ ِغيثُونَ َربَّ ُك ْم فَا ْست ََج َ‬
‫َزي ٌز َح ِكي ٌم)‬ ‫النَّصْ ُر ِإالَّ ِم ْن ِعن ِد هّللا ِ إِ َّن هّللا َ ع ِ‬
‫روى أحمد ومسلم‪ ،‬وأبو داود والترمذى وابن جرير وغيرهم عن عبد هللا بن عباس ‪-‬رضى هللا عنهما‪ -‬قال‪ :‬حدثني عمر بن‬
‫الخطاب ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬قال‪ :‬لما كان يوم بدر نظر النبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬إلى أصحابه وهم ثالثمائة رجل وبضعة‬
‫عشر رجالً‪ ،‬ونظر إلى المشركين فإذا هم ألف وزيادة‪ ،‬فاستقبل نبي هللا القبلة ثم م ّد يده وجعل يهتف بربه‪" :‬اللهم أنجز لي ما‬
‫وعدتني‪ ،‬اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل اإلسالم ال تعبدـ في األرض" فما زال يهتف بربه مادًا يديه مستقبالً القبلة حتى‬
‫سقط رداؤه فأتاه أبو بكر ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬فألقاه على منكبيه‪ ،‬ثم التزمه من ورائه وقال‪ :‬يا نبي هللا كفاك منا شدتك لربك فإنه‬
‫ف ِّمنَ ْال َمآلئِ َك ِة ُمرْ ِدفِينَ ) فلما كان‬ ‫اب لَ ُك ْم أَنِّي ُم ِم ُّد ُكم بِأ َ ْل ٍ‬ ‫سينجز لك ما وعدك‪ ،‬فأنزل هللا تعالى‪( :‬إِ ْذ تَ ْستَ ِغيثُونَ َربَّ ُك ْم فَا ْستَ َج َ‬
‫يومئذـ والتقوا هزم هللا المشركين‪ ،‬فقُتل منهم سبعون رجالً وأُسر سبعون‪.‬‬
‫وأما البخاري فروي عن ابن عباس قال‪ :‬قال النبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬يوم بدر‪" :‬اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك‪ ،‬اللهم‬
‫إن شئت لم تعبد"ـ فأخذ أبو بكر بيده فقال‪ :‬حسبك فخرج وهو يقول‪َ ( :‬سيُهْزَ ُم ْال َج ْم ُع َويُ َولُّونَ ال ُّدب َُر)‪.‬‬
‫‪ - 2‬المالئكة للبشرى والطمأنينة!‬
‫يز ْال َح ِك ِيم) يقول ابن جرير الطبري‪:‬‬ ‫ز‬ ‫ع‬ ‫ْ‬
‫ال‬
‫ِ ِ ِ ِ ِ َ ِ ِ‬ ‫هّللا‬ ‫د‬‫ن‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫م‬ ‫َّ‬ ‫ال‬‫إ‬ ‫ر‬
‫ُ‬ ‫صْ‬ ‫َّ‬ ‫ن‬‫ال‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ه‬
‫ِِ َ َ‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ُ‬
‫ك‬ ‫ُ‬ ‫ب‬‫و‬ ‫ُ‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ن‬‫َّ‬ ‫ئ‬‫م‬ ‫ْ‬
‫( َو َما َج َعلَهُ هّللا ُ إِالَّ بُ ْش َرى لَ ُك ْم َ ِ َ ِ‬
‫َط‬ ‫ت‬ ‫ل‬‫و‬
‫ضا‪ ،‬وتتابعها بالمسير إليكم أيها المؤمنون مددًا لكم إال‬ ‫"يقول ‪-‬تعالى ذكره‪ :-‬لم يجعل هللا إرداف المالئكة بعضها بع ً‬
‫َط َمئِ َّن قُلُوبُ ُكم بِ ِه)‪ ،‬يقول‪ :‬ولتسكن قلوبكم بمجيئها‬ ‫بشرى لكم؛ أي بشارة لكم تبشركم بنصر هللا إياكم على أعدائكم ( َولِت ْ‬
‫إليكم وتوقن بنصر هللا لكم‪ ،‬وما النصر إال من عند هللا‪ .‬يقول‪ :‬وما تنصرون على عدوكم أيها المؤمنون إال أن ينصركم‬
‫هللا عليهم ال بشدة بأسكم وقواكم‪ ،‬بل بنصر هللا لكم؛ ألن ذلك بيده وإليه‪ ،‬ينصر من يشاء من خلقه"‪ .‬فالمالئكة إذن ال‬
‫تحقق النصر‪ ،‬وقوة بأس المؤمنين ال تحقق النصر؛ بل المؤمنون والمالئكة ستار لقدَر هللا وهم جنود هللا تعالى‪ ،‬ينصر‬
‫بهم وبغيرهم؛ ألن النصر بيده سبحانه‪.‬‬
‫وهذا المعنى الذي يشهده المؤمنون اليوم في بدر له مذاق خاص‪ ،‬وله حالوة خاصة‪ ،‬فليس معنى مجرداً في الذهن‪ ،‬أو أمالً‬
‫معقوداً في األفق بل هو واقع حي ال تزال آثاره الضخمة في حسهم وشعورهم‪ ،‬وال بد أن يتم التجرد الكامل من عالم‬
‫األسباب‪ ،‬وإعادة األمر كله هلل‪.‬‬
‫‪ - 3‬النعاس من جنود هللا ‪:‬‬
‫اس أَ َمنَة ِّمنهُ) عن علي ‪-‬رضى هللا عنه‪ -‬قال‪ :‬ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد على فرس أبلق‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫(إِ ْذ يُ َغ ِّشي ُك ُم النُّ َع َ‬
‫ولقد رأيتنا وما فينا متيقظ إال رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬تحت شجرة يصلى ويبكى حتى أصبح‪ ،‬ذكره البيهقي‬
‫والماوردي وفي امتنان هللا تعالى عليهم بالنوم في هذه الليلة وجهان‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أنه قواهم باالستراحة على القتال من الغد‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أنه أ َّمنهم بزوال الرعب من قلوبهم‪ ،‬كما يُقال‪" :‬األمن منيم والخوف مسهر"‪ ،‬وقيل‪ :‬غشاهم في حال التقاء الصفين‪.‬‬
‫‪ - 4‬الماء من جنود هللا وله وظائف أربع‪:‬‬
‫ب عَن ُك ْم ِرجْ َز ال َّش ْيطَا ِن َولِيَرْ بِطَ َعلَى قُلُوبِك ْمُ‬ ‫اس أَ َمنَةً ِّم ْنهُ َويُنَ ِّز ُل َعل ْيكم ِّمن ال َّس َماء َماء ليُطهِّ َركم بِ ِه َويُذ ِه َ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫(إِ ْذ يُ َغ ِّشي ُك ُم النُّ َع َ‬
‫َويُثَبِّتَ بِ ِه األَ ْقدَا َم) ظاهر القرآن يدل على أن النعاس كان قبل المطر‪ ،‬وقال ابن أبي نجيح‪ :‬كان المطر قبل النعاس‪.‬‬
‫وحكى الز ّجاج‪ :‬أن الكفار يوم بدر سبقوا المؤمنينـ إلى ماء بدر فنزلوا عليه وبقي المؤمنون ال ماء لهم‪ ،‬فوجست نفوسهم‬
‫وعطشوا وأجنبوا وصلوا كذلك‪ .‬فقال‪ :‬بعضهم في نفوسهم بإلقاء الشيطان إليهم‪ :‬نزعم أنا أولياء هللا وفينا رسوله وحالنا‬
‫هذه والمشركون على الماء؟ فأنزل هللا المطر ليلة بدر السابعة عشر من رمضان حتى سالت األودية؛ فشربوا وتطهروا‬
‫وسقوا الظهر وتلبدت السبخة التي كانت بينهم وبين المشركين؛ حتى ثبتت فيه أقدام المسلمين وقت القتال‪.‬‬
‫وعن ابن عباس رضي هللا عنهما قال‪" :‬نزل النبي صلى هللا عليه وسلم يعني حين صار إلى بدر والمسلمون بينهم وبين‬
‫الماء رملة وعصة فأصاب المسلمين ضعف شديد‪،‬ـ وألقى الشيطان في قلوبهم الغيظ فوسوس بينهم‪ :‬تزعمون أنكم أولياء هللا‪،‬‬
‫وفيكم رسوله وقد غلبكم المشركون على الماء‪ ،‬وأنتم تُصلُّون مجنبين؟‬
‫فأمطر هللا عليهم مطرًا شديدًا‪ ،‬فشرب المسلمون وتطهروا‪ ،‬وأذهب هللا عنهم رجز الشيطان‪ ،‬وثبت الرمل حين أصابه‬
‫المطر‪ ،‬ومشى الناس عليه وال َّدواب‪ ،‬فساروا إلى القوم‪ ،‬وأمد هللا نبيه بألف من المالئكة فكان جبريل عليه السالم في‬
‫خمسمائة من المالئكة مجنبة‪ ،‬وميكائيل في خمسمائة مجنبة‪.‬‬
‫‪ - 5‬المالئكة بحاجة إلى معية هللا سبحانه‪:‬‬
‫(إِ ْذ يُو ِحي َربُّكَ إِلَى ْال َمآلئِ َك ِة أَنِّي َم َع ُك ْم)‪.‬‬
‫فالمالئكة بدون عون هللا تعالى عاجزون عن تحقيق أي نصر حتى وهم يثبتونـ المؤمنين ويقاتلون معهم‪ ،‬ال بد لهم من‬
‫معية هللا سبحانه ليلقي الرعب في قلوب الكافرين‪.‬‬
‫‪ - 6‬هللا تعالى يدير المعركة‪:‬‬
‫َاق‬ ‫ن‬‫ع‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫األ‬ ‫ق‬
‫َ‬ ‫وْ‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫ْ‬
‫ُوا‬ ‫ب‬‫ر‬ ‫اضْ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ع‬‫ْ‬ ‫َّ‬
‫ر‬ ‫ال‬ ‫ْ‬
‫ُوا‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ينَ‬ ‫ذ‬
‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ب‬
‫ِ‬ ‫و‬ ‫ُ‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ق‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫أ‬‫س‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫وا‬ ‫ُ‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫آ‬ ‫ينَ‬ ‫ذ‬
‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ْ‬
‫وا‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ِّ‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫ث‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ك‬‫ُ‬ ‫ع‬‫َ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ي‬ ‫ِّ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ة‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬‫آل‬ ‫ك إِلَى ْال َم‬ ‫(إِ ْذ يُو ِحي َربُّ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب* َذلِ ُك ْم فَ ُذوقُوهُ َوأَنَّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫هّللا‬
‫ق َ َو َرسُولهُ فإِن َ ش ِدي ـد ال ِعقا ِ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫هّللا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك بِأنهُ ْم شآقوا َ َو َرسُولهُ َو َمن يُشاقِ ِ‬ ‫هّللا‬ ‫ْ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُوا ِم ْنهُ ْم ك َّل بَنَا ٍن* ذلِ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َواضْ ِرب ْ‬
‫ار لنار)‬ ‫اب النَّ ِ‬‫لِ ْل َكافِ ِرينَ َع َذ َ‬
‫وا)‬ ‫وا الَّ ِذينَ آ َمنُ ْ‬ ‫ك إِلَى ْال َمآلئِ َك ِة أَنِّي َم َع ُك ْم فَثَبِّتُ ْ‬ ‫قوله‪( :‬إِ ْذ يُو ِحي َربُّ َ‬
‫يقول‪ :‬قووا عزمهم‪ ،‬وصححوا نياتهم في قتال عدوهم من المشركين‪ ،‬وقد قيل وهم من المشركين وقد قيل إن تثبيت المالئكة‬
‫المؤمنين كان حضورهم حربهم معهم‪ ،‬وقيل كان ذلك معونتهم إياهم بقتال أعدائهم‪ ،‬وقيل كان ذلك بأن ال َملَك يأتي الرجل من‬
‫أصحاب النبي صلى هللا عليه وسلم يقول‪ :‬سمعت هؤالء القوم يعني المشركين يقولون‪ :‬وهللا لئن حملوا علينا لننكشفن فيحدث‬
‫المسلمون بعضهم بعضًا بذلك فتقوى أنفسهم‪ .‬قالوا‪ :‬وذلك كان وحي هللا إلى مالئكته‪.‬‬
‫ً‬
‫ب) يقول تعالى‪ :‬سأرعب قلوب الذين كفروا بي أيها المؤمنون منكم وأملؤها فَرقا حتى‬ ‫ُوا ال َّر ْع َ‬ ‫ب الَّ ِذينَ َكفَر ْ‬ ‫( َسأ ُ ْلقِي فِي قُلُو ِ‬
‫ينهزموا عنكم‪ ،‬فاضربوا فوق األعناق‪.‬‬
‫‪ - 7‬المؤمنون من جند هللا‪:‬‬
‫َال أَوْ ُمت ََحيِّزاً‬
‫ِ ٍ‬ ‫ت‬‫ق‬ ‫ِّ‬ ‫ل‬ ‫ً‬ ‫ا‬‫ِّف‬ ‫ر‬ ‫َح‬ ‫ت‬‫م‬ ‫َّ‬ ‫ال‬ ‫إ‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫ب‬‫د‬‫ُ‬
‫َ َ َ َ َ ِ ْ َوْ َ ِ ٍ َ ُ ِ ُ َ‬ ‫ذ‬‫ـ‬ ‫ئ‬ ‫م‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ِّ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ن‬‫م‬ ‫و‬ ‫*‬ ‫ر‬ ‫ا‬ ‫ب‬‫د‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫األ‬ ‫م‬‫ُ‬
‫َ ُ‬‫ه‬ ‫و‬ ‫ُّ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ال‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫ف‬ ‫حْ‬ ‫َ‬
‫ز‬ ‫ْ‬
‫ُوا‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ذ‬ ‫َّ‬
‫وا إِ َذا ِ ُ ِ ينَ‬
‫ال‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫ق‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫(يَا أَيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُ ْ‬
‫صي ُر)‬ ‫س ال َم ِ‬ ‫ْ‬ ‫ب ِّمنَ ِ َو َمأ َواهُ َجهَنَّ ُم َوبِ ْئ َ‬ ‫ْ‬ ‫هّللا‬ ‫ض ٍ‬ ‫إِلَى فِئَ ٍة فَقَ ْد بَاء بِ َغ َ‬
‫وبعد هذه المعية وهذا العون‪ .‬ال مجال لفرار المؤمنينـ من الزحف فقد أمر هللا عز وجل في هذه اآلية أال يولي المؤمنون أمام‬
‫الكفار وهذا األمر مقيد بالشريطة المنصوصة في ِم ْثلي المؤمنين فإذا لقيت فئة من المؤمنين فئة هي ضعف المؤمنين من‬
‫المشركين فالفرض أال يفروا أمامهم‪.‬‬
‫ق إلى يوم القيامة وليس في اآلية نسخ‪ ،‬وإلى هذا ذهب مالك والشافعي وأكثر‬ ‫وقال الجمهور من العلماء أن حكم اآلية با ٍ‬
‫العلماء‪ .‬وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال‪" :‬اجتنبوا السبع الموبقات … وفيه ‪-‬‬
‫والتولي يوم الزحف"‪.‬‬
‫وأما يوم أحد فإنما فر الناس من أكثر من ضعفهم ومع ذلك عنفوا‪ ،‬وأما يوم حنين‪ ،‬فكذلك من فر إنما انكشف من الكثرة‪.‬‬
‫‪ - 8‬الحصى من جند هللا‪:‬‬
‫(فَلَ ْم تَ ْقتُلُوهُ ْم َولَـ ِك َّن هّللا َ قَتَلَهُ ْم َو َما َر َميْتَ إِ ْذ َر َميْتَ َولَـ ِك َّن هّللا َ َر َمى َولِيُ ْبلِ َي ْال ُم ْؤ ِمنِينَ ِم ْنهُ بَالء َح َسنا ً إِ َّن هّللا َ َس ِمي ٌع َعلِي ٌم* َذلِ ُك ْم‬
‫َوأَ َّن هّللا َ ُمو ِهنُ َك ْي ِد ْال َكافِ ِرينَ )‬
‫روي أن أصحاب رسول هللا صلى هللا عليه وسلم لما صدروا عن بدر ذكر كل واحد منهم ما فعل‪ :‬قتلت كذا‪ ،‬فعلت كذا؛‬
‫فجاء من ذلك تفاخر ونحو ذلك‪ ،‬فنزلت اآلية إعال ًما بأن هللا تعالى هو المميت والمقدر لجميع األشياء‪ ،‬فقيل‪ :‬المعنى لم‬
‫تقتلوهم‪ ،‬ولكن هللا قتلهم بسوقهم إليكم حتى أمكنكم منهم‪ ،‬وقيل‪ :‬ولكن هللا قتلهم بالمالئكة الذين أمدكم بهم‪( ،‬تفسير‬
‫القرطبي ج‪ 4،7‬ص‪.)384‬‬
‫هّللا‬ ‫ْ‬
‫( َو َما َر َميْتَ إِذ َر َميْتَ َولَـ ِك َّن َ َر َمى)‬
‫ولما التحم القتال‪ ،‬كان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم رافعًا يديه يسأل هللا النصر وما وعده‪ ،‬وأُ ِمر رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم؛ فأخذ من الحصى كفا ً فرماهم بها وقال‪" :‬شاهت الوجوه‪ ،‬اللهم ارعب قلوبهم وزلزل أقدامهم" فانهزم أعداء هللا ال‬
‫يلوون على شيء وألقوا دروعهم‪ ،‬والمسلمون يقتلون ويأسرون وما بقي منهم أحد إال امتأل وجهه وعيناه ما يدري أين توجه‬
‫والمالئكة يقتلونهم‪.‬‬
‫‪ - 9‬استفتاح الكافرين من جند هللا‪:‬‬
‫ت َوأَ َّن هّللا َ َم َع‬ ‫ُوا فَهُ َو َخ ْي ٌر لَّ ُك ْم َوإِن تَعُود ْ‬
‫ُوا نَ ُع ْد َولَن تُ ْغنِ َي عَن ُك ْم فِئَتُ ُك ْم َش ْيئًا َولَوْ َكثُ َر ْ‬ ‫ُوا فَقَ ْد َجاء ُك ُم ْالفَ ْت ُح َوإِن تَنتَه ْ‬
‫(إِن تَ ْستَ ْفتِح ْ‬
‫ُوا فَقَ ْد َجاء ُك ُم ْالفَ ْتحُ)‬
‫ْال ُم ْؤ ِمنِينَ ) قال‪ :‬األموي حدثنا أسباط بن محمد القرشي عن عطية عن مطرف في قوله (إِن تَ ْستَ ْفتِح ْ‬
‫قال‪ :‬قال أبو جهل‪ :‬اللهم أعن أعز الفئتين وأكرم القبلتين وأكثر الفريقين فنزلت اآلية‪.‬‬
‫كأنما هو يدعو على نفسه وفئته فاستجاب هللا له‪.‬‬
‫‪ - 10‬كثرة الكافرين وفئتهم من جند هللا‪:‬‬
‫ألن هللا تعالى ناصر حزبه ومؤيد جنده ( َوأَ َّن هّللا َ َم َع ْال ُم ْؤ ِمنِينَ ) ولن يدعهم للكثرة المشركة تتحكم بهم‪ .‬فلن يجعل هللا‬
‫للكافرين على المؤمنين‬

You might also like