You are on page 1of 3

‫عَ ْمرو بن شُ َع ْيب و الصَّحيفة الصّادقة‬

‫رو ‪9( t‬ق‪.‬هـ– ‪63‬هـ) بكتابة الحديث‪ ،‬ألنه كان كاتباً ُمتقناً‪ .‬فكتب عنه الكثــير‪ ،‬و اشــتهرت صــحيفة إبن‬ ‫كان رسول هللا ‪ r‬قد سمح لعبد هللا بن َع ْ‬
‫م ِ‬
‫ميها‪ ،‬ألنه كتبها عن رسول هللا ‪ ،r‬فهي أصدق مـا يـروي عنـه‪ .‬و قـد رآهـا ُمجاهـد بن جـبر (‪–21‬‬ ‫مرو ‪ t‬بالصحيفة الصادقة كما أراد كاتبها أن يس ّ‬ ‫َع ْ‬
‫مرو ‪ .t‬فذهب ليتناولها‪ ،‬فقال له‪« :‬مـه يا غالم بني مخزوم»‪ .‬فقال مجاهد‪« :‬ما كنت تمنعــني شــيئاً!»‪ .‬فقــال‪« :‬هــذه‬ ‫ع‬
‫َ ْ‬ ‫بن‬ ‫هللا‬ ‫عبد‬ ‫عند‬ ‫هـ)‬‫‪104‬‬
‫الصادقة فيها ما سمعت من رسول هللا ‪ r‬ليس بيني و بينه فيها أحد»[‪.]1‬‬
‫غبـني في الحيـاة إال خصـلتان‪ :‬الصـادقة و الوهطـة‪.‬ـ فأ ّمـا الصـادقة‪ ،‬فصـحيفة‬‫و كانت هذه الصحيفة عزيز ًة جداً على ابن عمرو حتى قـال‪« :‬مـا ُير ٍ‬
‫دق بها عمرو بن العاص‪ ،‬كان يقوم عليه»‪ .‬روى هذا شريك عن ليث عن مجاهد‪ .‬و كان عبــد هللا‬ ‫فأرض تص ّ‬
‫ٌ‬ ‫كتبتها عن رسول هللا ‪ .r‬و أما الوهطة‪،‬‬
‫ح أن حفيده عمــرو بن‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫بعده‪،‬‬ ‫من‬ ‫أهله‬ ‫الصحيفة‬ ‫هذه‬ ‫حفظ‬ ‫قد‬ ‫و‬ ‫الضياع‪.‬‬ ‫من‬ ‫عليها‬ ‫ً‬
‫ة‬ ‫ِشي‬‫خ‬ ‫‪،‬‬ ‫‪ t‬يحفظ الصحيفة الصادقة في صندو ٍ‬
‫[‪]2‬‬
‫ُ ّ ُ‬ ‫حلق‬ ‫له‬ ‫ق‬
‫دث منها‪.‬‬ ‫ح‬
‫ُ ّ‬ ‫ي‬ ‫كان‬ ‫العاص‪،‬‬ ‫ش َع ْيب بن محمد بن عمرو بن‬‫ُ‬
‫دث به عبد هللا بن عمرو ‪ .t‬و في ذلك نظر ألن‬ ‫و قد أشار إبن األثير إلى أن عدد أحاديث الصحيفة الصادقة نحو األلف حديث ‪ُ ،‬يريد بذلك كل ما ح ّ‬
‫[‪]3‬‬

‫م تدوينه من الحديث النبوي‪ ،‬و أنها مرويــة باللفــظ ليس بــالمعنى‪ .‬كمــا أن‬‫ل من ذلك بكثير‪ .‬و تمتاز هذه الصحيفة أنها من أوّل ما ت ّ‬
‫ح عنه أق ّ‬
‫ما ص ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كل أحاديثها قد سمعها عبد هللا من رسول هللا ‪ r‬مباشر ًة دون إرسال‪ .‬وقد ذكر الشافعي أن فيها نحو ثالثين حكما فقهيا‪ .‬و الخالف هنا هو فيمــا‬
‫نقله من تلك الصحيفة الصادقة‪ ،‬عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ‪ t‬عن رسول هللا ‪ .r‬و إليك موجزه[‪:]4‬‬
‫روى أبو داود عن أحمد أن أهل الحديث يتردّدون في باحتجاجهم بعمر بن شعيب‪ .‬و ســبب تــرددهم هــذا هــو أنهم ال يعتــبرون إال الحــديث الــذي‬
‫يؤخذ مشافهة‪ .‬أما الحديث الذي ينقل كتابة فلم يكن يعجبهم رغم أنه عند المتأخرين صار أقــوى من المشــافهة‪ .‬و قــد صــرّح هــؤالء بــذلك‪ ،‬فمن‬
‫هذه األقوال‪:‬‬
‫المس ـي ّّب‬
‫قول يحيى‪« :‬إذا حدث عن أبيه عن جده فهو كتاب‪ ،‬و يقول أبي عن جدي‪ ،‬فمن هنا جاء ضعفه‪ ،‬أو نحو هذا القول‪ .‬فــإذا حــدث عن ابن ُ‬
‫أو سليمان بن يسار أو ُعروة‪ ،‬فهو ثقة عنهم أو قريب من هذا»‪.‬‬
‫و قول علي بن المديني عنه‪« :‬ما روى عنه أيوب وابن جريج فذاك كلــه صــحيح‪ .‬ومـا روى عمــرو عن أبيــه عن جـده فإنمـا هــو كتـاب وجــده‪ ،‬فهــو‬
‫ِي بكتـاب أبيــه عن‬
‫ِد قائم!»‪ .‬و أعجب من هذا قول يحيى بن معين‪« :‬هو ثقة ُبل َ‬ ‫ضعيف!!»‪ .‬قال الذهبي عن هذا الكالم العجيب‪« :‬هذا الكالم قاع ٌ‬
‫جده!»[‪.]5‬‬
‫قال ابن حبان في كتاب الضعفاء‪« :‬إذا روى عن طاووس وابن المسيّب وغيرهما من أبيه فهو ثقة يجوز االحتجاج به‪ .‬وإذا روى عن أبيــه عن جــده‪،‬‬
‫ففيه مناكير كثيرة فال يجوز عندي االحتجاج»‪ .‬قلت سنرى في قول أبي ُزرعة أن هذه المناكير ليست من عمرو بن شــعيب‪ .‬و قــال‪« :‬و‪  ‬إذا روى‬
‫شعيباً لم يلق عبد هللا‪ ،‬فيكون الخبر منقطعاً‪ .‬و إذا أراد به جده األدنى فهو محمد و ال صحبة له‪ ،‬فيكون ُمرسالً»‪.‬‬
‫عن أبيه عن جده‪ ،‬فإن ُ‬
‫‪ ‬فانتقادات المحدثين األوائل لعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده تتلخص في ثالث نقط‪:‬‬
‫‪– 1‬أنه قصد بكلمة جده محمداً التابعي و ليس عبد هللا الصحابي‪ ،‬فيكون حديثه مرسالً‪.‬‬
‫د أبيه شعيب‪ ،‬و هو عبد هللا بن عمر بن العاص الصحابي الشهير الذي فاق أبا هريـرة حِفظـاً‬ ‫لكن الذهبي أثبت أن المقصود من كلمة جده أي ج ّ‬
‫ي يتيماً في كنف جده‪ ،‬فأخذ حديثه عنه شفاهاً و كتاب ًة‪ .‬و هذا التحديث ثابت (أي عن جده) عنــه‪،‬‬
‫أو كاد‪ .‬و حديث شعيب كل ّه عن جده‪ ،‬ألنه ربِ َ‬
‫و أثبته عامة علماء الرجال كالبخاري و أبي داود من المتقـدمين‪ ،‬و إبن حجـر من المتـأخرين[‪ .]6‬كمـا سـمع عـدة صـحابة آخـرين كـابن عمـر و ابن‬
‫عباس ومعاوية –رضي هللا عنهم أجمعين–‪.‬‬
‫قــال‪« :‬أيمــا‬ ‫أخرج عبد الرزاق في مصنفه[‪ :]7‬قال أخبرنا ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد هللا بن عمرو بن العاص أن رســول هللا ‪r‬‬
‫امرأة نكحت على صداق أو حباء أو عدة قبل عصمة النكاح‪  ‬فهو لها»‪.‬‬
‫و هذا حديث إســناده صــحيح‪ .‬و أمثلــة هــذه األحــاديث كثــيرة ممــا ثبت فيهــا تحــديث شــعيب عن جـده عبــد هللا‪ ،‬و أشــهرها مــا أخرجــه الحــاكم‬
‫والدارقطني والبيهقي في إفساد الحجج‪ ،‬و إسناده صحيح‪ .‬و قد أثبت الحاكم به صحة سماع شعيب من جـده[‪ .]8‬و أمـا محمـد فلم يـذكر لـه أي‬
‫م ِزّي‪« :‬ولم يذكر أحد منهم (أي علماء‬ ‫دث به‪ ،‬إال حديثين ذكر ابن حجر أنه ال يعول عليهما‪ .‬فثبت يقيناً أن الجد هو عبد هللا دوماً‪ .‬قال ال ِ‬ ‫حديث يح ّ‬
‫الحديث) أنه يروي عن أبيه محمد‪ .‬ولم يذكر أحد لمحمد بن عبد هللا –والد شــعيب هــذا– ترجمــة‪ ،‬إال القليــل من المصــنفين‪ .‬فــدل ذلــك على أن‬
‫حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده صحيح متصل إذا صح اإلسناد إليه‪ .‬وأن من ادعى فيه خالف ذلك‪ ،‬فــدعواه مــردودة حــتى يــأتي عليهــا‬
‫بدليل صحيح يعارض ما ذكرناه»[‪.]9‬‬
‫‪ –2‬إن في حديثه عن أبيه عن جده مناكير‪.‬‬
‫لكن أبا ُز رعة أجاب عن ذلك بقوله‪« :‬إنما أنكروا عليه لكثرة روايته عن أبيه عن جده‪ .‬و قالوا إنما سمع أحاديث يسيرة و أخذ صـحيفة كـانت عنـده‬
‫ل ما نصيب عنه مما روى عن غير أبيه من المنكر! و عامـة هـذه المنـاكير الـتي تـروى عنـه‪ ،‬إنمـا هي عن المثـنى و ابن لهيعـة و‬ ‫فرواها‪ .‬و ما أق ّ‬
‫ح السند إليه‪ ،‬لم يكن في حديثه مناكير‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ص‬ ‫إذا‬ ‫أنه‬ ‫فثبت‬ ‫ـ‬
‫‪.‬‬ ‫نفسه»‬ ‫في‬ ‫ثقة‬ ‫ضعفاء‪ .‬و هو‬ ‫ال ُّ‬
‫سماع[‪.]10‬‬
‫جا َدة بال َ‬
‫‪ –2‬أنه كان ينقل من صحيفة فروايته ِو َ‬
‫ده عبــد هللا‪ .‬بــل التحــديث ثـابت في عــد ٍد من‬
‫كالم ليس عليه دليل‪ .‬فقد أثبت المح ّققونـ سماعه من أبيه‪ ،‬و سماع أبيه شعيب من ج ّ‬ ‫ٌ‬ ‫قلت هذا‬
‫ج أصحابنا بحديثه‪ ،‬و سمع‬ ‫ّ‬ ‫احت‬ ‫و‬ ‫الحكم‪،‬‬ ‫و‬ ‫ري‬ ‫ٌّه‬
‫ْ‬ ‫ز‬ ‫ال‬ ‫و‬ ‫أيوب‬ ‫مثل‬ ‫الرجال‪،‬‬ ‫في‬ ‫نظروا‬ ‫الذين‬ ‫عنه‬ ‫روى‬ ‫ثقة‪.‬‬ ‫شعيب‬ ‫بن‬ ‫«عمرو‬ ‫الدارمي‪:‬‬ ‫قال‬ ‫األحاديث‪.‬‬
‫ح ســماع شــعيب من‬ ‫ح سماع عمرو بن شعيب‪ ،‬و ص ّ‬ ‫مرو و ابن عمر و ابن عباس»‪ .‬و قال أبو بكر بن زياد ال َّن ْيسابوري‪« :‬ص ّ‬ ‫أبوه من عبد هللا بن َع ْ‬
‫رو بن شعيب ثالثة أجداد‪ :‬األدنى منهم محمد‪ ،‬و األوسط عبــد هللا‪ ،‬و األعلى عمــرو‪ .‬وقــد ســمع شــعيب‬ ‫م ِ‬
‫جده عبد هللا»‪ .‬و قال الدارقطني‪« :‬لِ َع ْ‬
‫د من األئمة‪ ،‬و لم يســمع‬ ‫من األدنى محمد‪ ،‬و محمد تابعي‪ .‬و سمع جده عبد هللا‪ .‬فإذا بيّنه وكشف فهو صحيح حينئذ‪ .‬و لم يترك حديثه أح‪ٌ ++‬‬
‫من جده عمرو بن العاص»‪.‬‬
‫ي يتيم ـاً في حجــر جــده‬‫و قد َولِد شعيب بن محمد في خالفة علي أو قبل ذلك (أي قبل عام ‪40‬هـ)‪ .‬قال الذهبي‪« :‬ما علمنا بشعيب بأس ـاً‪َ :‬ربِ َ‬
‫عبد هللا‪ ،‬وسمع منه‪ ،‬وسافر معه‪ .‬ولعله ولد في خالفة علي أو قبل ذلك»‪ .‬و قد مات عبد هللا بن عمرو بن العــاص عـام ‪63‬هــ (و هــو الــراجح) أو‬
‫‪65‬هـ أو ‪69‬هـ‪ ،‬و عمره ‪ 72‬سنة‪ .‬فيكون من ذلك أن شعيباً قد صحبه حوالي ثالثين سنة‪.‬‬
‫دة حفظ عبد هللا ‪ t‬بالصحيفة الصادقة‪ ،‬و تقديره الشديد ألهميتها‪ ،‬كما مرّ في أول المقال‪ .‬و كذلك مــا علمنــا‬ ‫و لو تأملنا هذه النقطةـ و قارنّاها بش ّ‬
‫حة روايته عن عدد من الصحابة‪ .‬فهذا كل ّه يؤكــد أن من البــديهي أن يســعى عبــد هللا لتحفيــظ إبنــه تلــك الصــحيفة و‬
‫من علم حفيده شعيب و ص ّ‬
‫ظو‬ ‫دث الناس من تلك الصحيفة و يفخـر بهـا‪ ،‬و ال يحـدث بهـا حفيـده الـذي قـارب الثالثين من عمـره‪ ،‬مـع حفـ ٍ‬ ‫ّ‬ ‫يح‬ ‫أن‬ ‫تحديثه بها‪ .‬و من المستبعد‬
‫ح النقل إليه‪ .‬فالــذي نخلص‬ ‫نباهة‪ .‬و قد صرّح في بعض أحاديثه بالسماع في بعض األحاديث كما قد سلف‪ .‬و لم يثبت عنه أي حديث منكر إذا ص ّ‬
‫دثه بالصحيفة الصادقة‪ ،‬و حديثه صحيح متصل‪.‬‬ ‫ده قد ح ّ‬
‫إليه أنه ج ّ‬
‫توثيق العلماء لعمرو بن شعيب و أبيه‪:‬‬
‫أما عمرو بن شعيب نفسه‪ ،‬فاألئمة متفقينـ على حفظه و على توثيقه‪ .‬قال األوزاعي‪« :‬ما أدركت ُق َرشـيّاً أكمــل من عمــرو بن شــعيب»‪ .‬و قــال‬
‫مد ْي ني‪« :‬سمع شعيب من عبد هللا بن عمرو‪ ،‬وسمع منه ابنه عمرو بن شعيب»‪ .‬و قال كذلك‪« :‬عمرو بن شعيب عندنا ثقة‪ ،‬و كتابــه‬ ‫علي بن ال َ‬
‫صحيح»‪ .‬وقال إسحاق بن راهويه‪:‬ـ «إذا كان الراوي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ثقة‪ ،‬فهو كأيوب عن نــافع عن ابن عمــر»‪ .‬يشــبه هــذا‬
‫بسلسلة الذهب‪ ،‬و هذا مطلق التوثيق‪.‬‬
‫وقال يعقوب بن شيبة‪« :‬ما رأيت أحداً من أصحابنا ممن ينظر في الحديث و ينتقي الرجال‪ ،‬يقول في عمــرو بن شــعيب شــيئاً‪ .‬و حديثــه عنــدهم‬
‫ضعفاء رووها عنه‪ ,‬و ما روى عنه الثقات فصحيح»‪.‬‬
‫ة ثبت‪ .‬و األحاديث التي أنكروا من حديثه‪ ،‬إنما هي لقو ٍم ُ‬
‫صحيح‪ .‬و هو ثق ٌ‬
‫العجلي و النسائي‪ :‬ثقة‪ .‬و نقل الترمذي عن شيخه البخاري‪« :‬رأيت أحمد (بن حنبل) و علياً (بن المديني) و إسحاق (بن راهويــه)ـ و‬ ‫ْ‬ ‫و قال عنه‬
‫جون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جــده‪ .‬مــا تركــه أحــد من المســلمين‪ .‬فمن النــاس بعــدهم؟»‪ .‬و اســتنكر‬ ‫أبا عبيد و عامة أصحابنا‪ ،‬يحت ّ‬
‫خ َزيمة وابن حِبَّان في بعض الصور و‬
‫الذهبي هذا القول ألن البخاري لم يخرج له في الصحيح‪ ،‬لكنه أكد أنه قد احتج به أرباب السنن األربعة وابن ُ‬
‫الحاكم‪.‬‬
‫م ْيدي وإسحاق بن إبــراهيم‬‫والح َ‬
‫ُ‬ ‫ثابت عن البخاري‪ ،‬و قد كتب قريباً منه في تاريخه إذ قال‪« :‬رأيت أحمد بن حنبل وعلي بن عبد هللا‬ ‫ٌ‬ ‫قلت‪ :‬القول‬
‫يحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه»[‪ .]11‬و قد أخرج أبو حنيفة و الشافعي و أحمد في مسانيدهم لعمرو بن شـعيب عن أبيــه عن جـده‪ ،‬و‬
‫ة عند األئمة األربعة و جمهور الفقهاء‪ .‬أما البخاري فلم يخرج له ألنه يعتبر حديثــه في مرتبــة الحســن الــذي‬ ‫ج ٌ‬
‫ح ّ‬
‫كذلك مالك في الموط ّأ‪ .‬و حديثه ُ‬
‫نص إبن حجر[‪.]12‬‬
‫ّ‬ ‫كما‬ ‫به‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫ج‬
‫ّ‬ ‫حت‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫القراءة‬ ‫جزء‬ ‫في‬ ‫له‬ ‫أخرج‬ ‫هو دون شرطه في صحيحه‪ .‬و قد‬
‫قال الزّركشي‪« :‬و قد رد أبو العباس ابن تيمية على ابن الصالح‪ ،‬ما اختار في التعليق‪ .‬و قال‪ :‬بل عادة البخاري انه إذا جزم بــالمعلق‪ ،‬فقــال قــال‬
‫ح عنده‪ .‬و إنه إذا لم يجزم به كقوله‪:‬ـ و ُيذكر عن ُب ْه ِز بن حكيم[‪ ،]13‬كان ذاك عنده حسناً ال يبلغ مبلغ الصــحيح‪ .‬و لكن ليس‬
‫رسول هللا ‪ ،r‬فهو صحي ٌ‬
‫ج بـه إذا لم يخـالف الصـحيح‪ .‬و لكن ليس بالصـحيح المشـهور»[‪ .]14‬قلت و هـذا يؤيـد أعاله ألن‬ ‫ّ‬ ‫حت‬ ‫ي‬
‫ُ‬ ‫و‬ ‫بـه‬ ‫ستشـهد‬ ‫ي‬ ‫حسن‬
‫ٌ ُ‬ ‫بضعيف متروك‪ ،‬بل هو‬
‫حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده‪ ،‬أقوى من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده[‪.]15‬‬

‫‪ ‬و قد لخص شيخ اإلسالم إبن تيمية هذه‪  ‬المسألة فقال‪:‬‬


‫«وقد ُروي أن عبد هللا بن عمرو كان يكتب ما ســمع من النــبي‪ .‬فقــال لــه بعض النـاس إن رســول هللا يتكلم فى الغضـب فال تكتب كلمــا تســمع‪.‬‬
‫فسأل النبي ‪ r‬عن ذلك فقال‪" :‬إكتب فوا الذي نفسي بيده ما خرج من بينهما إال حق"‪ .‬يعنى شفتيه الكريمتين‪ .‬و قـد ثبت عن أبي هريـرة أنـه‬
‫قال‪" :‬لم يكن أحد من أصحاب رسول هللا ‪ r‬أحفظ مني إال عبد هللا بن عمرو‪ ،‬فإنــه كــان يكتب بيــده و يعي بقلبــه‪ ،‬و كنت أعي بقلــبي و ال اكتب‬
‫بيدي"[‪.]16‬‬
‫وكان عند آل عبد هللا بن عمرو بن العاص نسخة كتبها عن النبي‪ .‬و بهـذا طعن بعض النــاس في حـديث عمــرو بن شــعيب عن أبيــه شــعيب عن‬
‫جده‪ ،‬و قالوا هي نسخة‪ ،‬و شعيب هو شعيب بن محمد بن عبد هللا بن عمرو بن العاص‪ .‬و قالوا عن جده األدنى محمــد‪ ،‬فهــو مرســل لم يــدرك‬
‫النبي‪ ،‬و إن عنى جده األعلى فهو منقطع فان شعيباً لم يدركه‪.‬‬
‫ح النقل إليـه مثـل مالـك بن أنس و سـفيان بن‬ ‫و أما أئمة اإلسالم و جمهور العلماء‪ ،‬فيحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده إذا ص ّ‬
‫مى و محمــد أدركــه‪.‬‬
‫عيينة و نحوهما‪ ،‬و مثل الشافعي و أحمد بن حنبل و إسحاق بن راهويه و غيرهم‪ .‬قالوا الجد هو عبد هللا‪ ،‬فانه يجيء مس ـ ّ‬
‫حتها‪ .‬و لهــذا كــان في نُســخة عمــرو بن شــعيب من األحــاديث‬
‫صـ ّ‬
‫ل على ِ‬
‫قالوا و إذا كانت نسخة مكتوبة من عهد النبي كان هــذا أوكــد لهــا و أد ّ‬
‫الفقهية التي فيها مقدرات ما احتاج إليه عا ّمة علماء اإلسالم»[‪.]17‬‬
‫يسعنا أيضاً‪ .‬و لكننــا ال نجعلــه في مرتبــة الصــحيح الــذي ال خالف فيــه‪ ،‬بــل هــو في‬
‫ع جمهور العلماء و األئمة األربعة َ‬‫س َ‬
‫و الذي نرتاح إليه أن ما َو ِ‬
‫نص على ذلــك الحافــظ إبن حجــر‪ .‬و هللا‬
‫ّ‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫كم‬ ‫الصحيح‬ ‫و‬ ‫الحسن‬ ‫بين‬ ‫ي‬
‫ّ‬ ‫القو‬ ‫مرتبة‬ ‫في‬ ‫أو‬ ‫الذهبي‪،‬‬ ‫اإلمام‬ ‫ذلك‬ ‫على‬ ‫نص‬
‫ّ‬ ‫أعلى مراتب الحسن كما‬
‫أعلم بالصواب‪.‬‬

‫[‪ – ]1‬إنظر طبقات بن سعد (‪ ،)373\2‬و تقييد العلم (ص‪.)84‬‬


‫ٍ‬
‫بإسناد صحيح‪.‬‬ ‫[‪ – ]2‬مسند أمحد (‪ ،)171\10‬و كتاب العلم للمقدسي (ص‪)30‬‬
‫[‪ – ]3‬أسد الغابة (‪.)233\3‬‬
‫[‪– ]4‬معظم األقوال نقلها اإلمام مشس الدين‪  ‬الذهيب يف هذه املسألة يف ترمجته لعمرو بن شعيب يف سري أعالم النبالء (‪ ،)166\5‬و كذلك احلافظ إبن حجر العسقالين يف هتذيب التهذيب (‪.)43\8‬‬
‫[‪ – ]5‬إن وجه الغرابة هنا يف قول إبن معني أنه يعترب احلديث املكتوب بليّة‪ ،‬مع أنه أوكد و أوثق‪.‬‬
‫[‪ – ]6‬التاريخ الكبري (‪ ،)218\4‬و تقريب التهذيب (‪.)267\1‬‬
‫[‪ – ]7‬مصنف عبد الرزاق (‪.)257\6‬‬
‫[‪ – ]8‬املستدرك (‪ )74\2‬و السنن الكربى (‪ )167\5‬و سنن الدارقطين (‪.)50\3‬‬
‫[‪ – ]9‬هتذيب الكمال (‪.)535\12‬‬
‫معلوم شدة كراهية احمل ّدثني األوائل للكتابة ألهنم كانوا يَرون وجوب السماع من مشايخ حىت لو ُر ِو ُ‬
‫ي‬ ‫‪ – ‬املقصود من ال ِوجادة أهنا صحيفة قد وجدها فنقل عنها دون ضبط‪ .‬و اخلوف هنا من حصول تصحيف‪ .‬و ٌ‬
‫[ ‪]10‬‬

‫احلديث باملعىن‪ .‬مث زالت هذه الكراهة تدرجييّاً‪ ،‬لذلك جند أكثر احملدثني املتأخرين –إن مل يكن كلهم– حيتجون حبديثه‪.‬‬
‫[‪ – ]11‬التاريخ الكبري(‪.)342\6‬‬
‫[‪ – ]12‬هتذيب التهذيب (‪.)48\8‬‬
‫[‪ – ]13‬إنظر صحيح البخاري (‪.)107\1‬‬
‫[‪ – ]14‬كتاب النكت على ابن الصالح للزركشي (‪.)239\1‬‬
‫[‪ – ]15‬قال ابن أيب حامت سئل أيب أميا أحب إليك هو أو هبز بن حكيم عن أبيه عن جده فقال عمرو أحب إيل‪.‬‬
‫[‪ – ]16‬راجع طرق هذا القول و احلديث الذي قبله يف شرح معاين اآلثار (‪ ،)319\4‬و احملدث الفاصل (‪.)364\1‬‬
‫[‪ – ]17‬جمموع الفتاوى (‪.)8\18‬‬

You might also like