Professional Documents
Culture Documents
الحمد هلل رب العالمين ،وصلى %هللا وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى
يوم الدين:
أما بعد - :
كيفية النجاة
يقول العالمة ابن القيم رحمه هللا في هذا السياق :إن األسباب المنجية من عذاب القبر من وجهين:
مجمل ،ومفصل .ونحن ننقل كالمه هنا مع شيء من التصرف.
أما المجمل فهو :تجنب األسباب التي تقتضي عذاب القبر :أن يجلس اإلنسان عندما يريد النوم هلل
ساعة يحاسب نفسه فيها على ما خسره وربحه في يومه ،ثم يجدد له توبة نصوحا %بينه وبين هللا،
فينام %على تلك التوبة ،وبعزم على أال يعاود الذنب إذا استيقظ ،ويفعل هذا كل ليلة ،فإن مات من ليلته
مات على توبة ،وإن استيقظ استيقظ مستقبال للعمل مسروراً %بتأخير أجله ،حتى يستقيل ربه ،و
يستدرك %ما فاته ،وليس للعبد أنفع من هذه النومة ،وال سيما إذ عقب ذلك بذكر هللا واستعمال السنن
التي وردت عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم عند النوم ،حتى يغلبه النوم ،فمن أراد هللا به خيراً
وفقه لذلك ،وال حول وال قوة إال باهلل.
وأما الجواب المفصل :فنذكر %أحاديث عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فيما ينجي من عذاب القبر
:
فمن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن سلمان الفارسي رضي هللا عنه قال :سمعت رسول هللا
صلى هللا عليه وسلم يقول( :رباط يوم وليلة خير من صيام %شهر وقيامه ،وإن مات اجري عليه عمله
الذي كان يعمل ،وأجري %عليه رزقه ،وأمن الفتان) .
ومعنى %الرباط :اإلقامة بالثغر مقويا ً للمسلمين على الكفار ،والثغر :كل مكان يخيف أهله العدو
ويخيفهم .والرباط فضله عظيم وأجره كبير ،وأفضله ما كان في أشد الثغور خوفاً.
ومما ينجي من عذاب القبر ما دل عليه ما رواه النسائي عن رجل من أصحاب النبي صلى هللا عليه
وسلم أن رجالً قال :ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إال الشهيد؟ قال( :كفى ببارقة السيوف %على
رأسه فتنة)
وروى %الترمذي %وابن ماجة وغيرهما بسند صحيح عن المقدام بن معد يكرب رضي هللا عنه ،عن
رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال( :للشهيد عند هللا ست خصال :يغفر له في أول دفعة من دمه،
ويرى %مقعده من الجنة ،ويجار %من عذاب القبر ،ويأمن من الفزع األكبر ،ويحلى حلة اإليمان،
ويزوج من الحور العين ،ويشفع في سبعين إنسانا ً من أقاربه) وهذا لفظ ابن ماجة ،وعند الترمذي%:
(ويوضع %على رأسه تاج الوقار ،الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها ،ويزوج اثنتين وسبعين زوجة
من الحور العين ،ويشفع في سبعين من أقاربه) وهذا بعض فضل الجهاد في سبيل هللا واالستشهاد%
فيه.
ومما جاء فيما ينجي من عذاب القبر :ما ثبت عند أبي داود والترمذي وابن ماجة والنسائي %،عن أبي
هريرة رضي هللا عنه ،عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال( :سورة من القرآن ثالثون آية تشفع
لصاحبها %حتى غفر له) فدل هذا الحديث وما جاء في معناه من اآلثار على أن من حافظ على قراءة
سورة الملك وداوم على ذلك وعمل بما دلت عليه ،فإنها تنجيه من عذاب القبر.
ومما جاء فيما ينجي من عذاب القبر :ما صح عن النبي صلى هللا عليه وسلم أنه قال( :من يقتله
بطنه فلن يعذب في قبره) رواه الترمذي وهذا يحمل من أصيب بداء البطن أن يصبر وال يجزع،
ويحتسب األجر عند هللا ،وأن يحتسبه أهله كذلك.
ومما جاء فيما ينجي من عذاب القبر :ما رواه اإلمام أحمد وغيره أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم
قال( :ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة ،إال وقاه هللا تعالى فتنة القبر) وهذا محض
فضل هللا وتوفيقه لحسن الخاتمة.
ومما يستأنس به في هذا الباب :ما رواه ابن حبان في صحيحه وغيره عن أبي هريرة رضي هللا
عنه ،عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال( :إن الميت إذا وضع في قبره ،إنه يسمع خفق نعالهم حين
يولون عنه ،فإن كان مؤمنا كانت الصالة عند رأسه ،وكان الصيام عن يمينه ،وكانت الزكاة عن
شماله ،وكان فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف %واإلحسان إلى الناس عند رجليه ،فيؤتى
من قبل رأسه ،فتقول الصالة :ما قبلي مدخل ،ثم يؤتى عن يمينه ،فيقول الصيام :ما قبلي مدخل :ثم
يؤتى عن يساره ،فتقول الزكاة ،ما قبلي مدخل ،ثم يؤتى من قبل رجليه ،فتقول فعل الخيرات من
الصدقة والصلة والمعروف %واإلحسان إلى الناس :ما قبلي مدخل ،فيقال له :اجلس ،فيجلس ،وقد
مثلت له الشمس وقد ادنيت للغروب ،فيقال له :أرأيتك هذا الرجل الذي كان فيكم ما تقول فيه؟ وماذا
تشهد به عليه؟ فيقول :دعوني حتى أصلي ،فيقول :إنك ستفعل .أخبرني عما نسألك عنه ،أرأيتك هذا
الرجل الذي كان فيكم ،ما تقول فيه؟ وماذا تشهد عليه؟ قال :فيقول :محمد ،أشهد أنه رسول %هللا ،وأنه
جاء بالحق من عند هللا ،فيقال له .على ذلك حببت ،وعلى ذلك مت ،وعلى ذلك تبعث إن شاء هللا ،ثم
يفتح له باب من أبواب الجنة ،فيقال له :هذبا مقعدك منها ،وما أعد هللا لك فيها ،فيزداد %غلطة
وسرورا ،ثم يفتح له باب من أبواب النار ،فيقال له :هذا مقعدك منها ،وما أعد هللا لك فيها لو
عصيته ،فيزداد %غلطة وسرورا ،ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعا ،وينور له فيه ،ويعاد %الجسد لما
بدأ منه ،فتجعل نسمته في النسم الطيب ،وهي طير يعلق في شجر الجنة ،قال :فذلك قوله تعالى:
(يثبت هللا الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي اآلخرة …) إلى آخر اآلية إبراهيم 27 :ثم
ذكر تمام الحديث.
وقد %دل على أن تلك األعمال من الصالة والزكاة والصيام وفعل الخيرات من الصدقة والصلة
والمعروف %واإلحسان إلى الناس من أسباب النجاة من عذاب القبر وكربه وفتنه.
والجامع في ذلك تحقيق التقوى هلل تعالى ،كما قال سبحانه( :إن الذين قالوا %ربنا هللا ثم استقاموا فال
خوف عليهم وال هم يحزنون) األحقاف. 13:
اللهم اجعل قبورنا وإخواننا %المسلمين رياضا %من رياض الجنة ،وقنا الفتن ما ظهر منها وما بطن ،يا
كريم .وصلى اللهم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.