‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬

‫فوائد تدريسية من جملس صحيح البخاري ‪6‬‬

‫يف دار احلديث الرشيف والسرية النبوية‬

‫إعداد وتلخيص‪ :‬د‪ .‬عمر بن موفق النشوقايت‬

‫مذهب البخاري يف السند املعنعن‬

‫السند املعنعن‪ :‬هو الذي قيل فيه‪ :‬فالن عن فالن‪ ،‬ومثله أن فالنا وقال وذكر فالن ونحوها‪،‬‬

‫واجلمهور عىل أن السند املعنعن يعد متصال برشطني‪:‬‬

‫الرشط األول‪ :‬سالمة املعنعن من وصمة التدليس‪ ،‬وهو رشط متفق عليه بني الشيخني‬

‫البخاري ومسلم‪.‬‬

‫الرشط الثاين‪ :‬وهو الذي اختلف فيه البخاري ومسلم‪:‬‬

‫فذهب اإلمام البخاري يف املشهور عنه أنه ال حيكم للمعنعن باالتصال إال إذا ثبت لقاء‬

‫الراوي ملن روى عنه وسامعه منه‪ ،‬وهذا الرشط عنده يف أصل الصحة خالفا ملن قال إنه إنام التزم‬

‫ذلك يف صحيحه وجعله رشط كامل‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫قال احلافظ ابن حجر يف النكت (‪( :)89/1‬ادعى بعضهم أن البخاري إنام التزم ذلك يف‬

‫جامعه ال يف أصل الصحة‪ ،‬وأخطأ يف هذه الدعوى‪ ،‬بل هذا رشط ـ عنده ـ يف أصل الصحة؛ فقد‬

‫أكثر من تعليل األحاديث يف تارخيه بمجرد ذلك)‪.‬‬

‫ومن أمثلة ذلك قوله يف صحيحه بعد الرقم (‪( :)5115‬ويذكر عن أيب نرص أن ابن عباس‬

‫حرمه) ـ يف مسألة حرمة املصاهرة بالزنا ـ قال‪( :‬وأبو نرص هذا مل يعرف بسامعه من ابن عباس)‪.‬‬

‫وأبو نرص تابعي أدرك ابن عباس‪ ،‬ومل يعرف بالتدليس‪ ،‬فلم يكتف البخاري بذلك‪ ،‬ألنه مل جيد نصا‬

‫يفيد سامعه منه‪.‬‬

‫ومن األمثلة أيضا‪:‬‬

‫ـ قال البخاري يف التاريخ الكبري يف ترمجة حممد بن صفوان اجلمحي‪( :‬مل يذكر سامعا من‬

‫سعيد بن املسيب‪ ،‬فال أدري أسمع منه أم ال)‪.‬‬

‫ـ وقال يف ترمجة سليامن بن مرثد عن عائشة‪( :‬وال يعرف له سامع من عائشة)‪.‬‬

‫ـ وقال يف ترمجة عبد اهلل بن رساقة‪( :‬ال يعرف له سامع من أيب عبيدة)‪.‬‬

‫ـ وقال يف ترمجة عبيد بن اخلشخاش‪( :‬مل يذكر سامعا من أيب ذر)‪.‬‬

‫ـ وقال يف ترمجة عبد العزيز بن النعامن‪( :‬ال يعرف له سامع من عائشة)‪.‬‬

‫ـ وقال يف كتاب القراءة خلف اإلمام‪ ،‬رقم (‪( :)149‬حييى بن أيب سليامن مل يتبني سامعه من‬

‫زيد بن أيب عتاب وال من ابن املقربي)‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫وأما مذهب مسلم‪ :‬فإنه يرى أن الراوي إذا كان ثقة غري مدلس فإنه ال يروي بالعنعنة إال إذا‬

‫سمع‪ ،‬ألنه غري مدلس‪ ،‬فلو روى بالعنعنة فيام مل يسمع يكون مدلسا‪ ،‬واملسألة يف غري املد ِّلس‪ ،‬فإذا‬

‫ثبت كونه قد عارصه فنحمل عنعنته عىل السامع‪.‬‬

‫ولتحرير الفرق بني املذهبني يقول شيخنا د‪ .‬نور الدين عرت فيام سمعته منه ما حاصله‪:‬‬

‫(مل خيتلف أئمة احلديث يف رضورة حصول اللقاء أو التلقي بني الراوي وشيخه‪ ،‬إنام اختلفوا‬

‫يف كيفية إثبات اللقاء‪ ،‬فاشرتط أصحاب القول األول أن يوجد نص رصيح يدل عىل حصول اللقاء‪،‬‬

‫واكتفى أصحاب القول الثاين بتحقق املعارصة مع إمكان اللقاء؛ ألن ذلك ـ مع سالمة الراوي من‬

‫يرصح بذلك)‪.‬‬
‫التدليس ـ يدل عىل أنه التقى بشيخه فعال وإن مل ِّ‬

‫ـ وقد اعتنى العلامء هبذه املسألة قديام وحديثا‪ ،‬فمام ألف فيها‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ السنن األبيـن واملورد األمعن يف املحاكمة بني اإلمامني يف السند املعنعن‪ ،‬ملحمد بن عمر‬

‫بن رشيد الفهري السبتي‪.‬‬

‫‪2‬ـ موقف اإلمامني البخاري ومسلم من اشرتاط اللقيا والسامع يف السند املعنعن بني‬

‫املتعارصين‪ ،‬للدكتور خالد منصور الدريس‪.‬‬

‫‪3‬‬