‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬

‫فوائد تدريسية من جملس صحيح البخاري ‪9‬‬

‫يف دار احلديث الرشيف والسرية النبوية‬

‫إعداد وتلخيص‪ :‬د‪ .‬عمر بن موفق النشوقايت‬

‫المتابعات في صحيح البخاري‬

‫المتابعة‪ :‬أن يوافق راوي الحديث راوياً آخر في روايته عن شيخه أو شيخ شيخه‪،‬‬

‫ويستمر إطالق «المتابعة» طالما أن الصحابي واحد‪ ،‬فإن كانت موافقته له في شيخه مباشرة‬

‫فهي المتابعة التامة‪ ،‬وإن كانت في شيخ شيخه أو أعلى فهي متابعة قاصرة‪.‬‬

‫وأما الشاهد‪ :‬فهو أن يروى الحديث من طريق صحابي آخر‪ ،‬إما باللفظ أو المعنى‪،‬‬

‫وهذا هو المشهور في التفريق بينها‪.‬‬

‫ومنهم من فرق بأن المتابعة ما كان باللفظ‪ ،‬والشاهد ما كان بالمعنى‪ ،‬ومنهم من‬

‫استعمل الشاهد والمتابعة بمعنى واحد‪.‬‬

‫أما اإلمام البخاري‪ :‬فاستعمل مصطلح «المتابعة»‪ ،‬فيقول‪ :‬تابعه فالن‪ ،‬وغالب‬

‫استعماله له إذا كان من طريق الصحابي نفسه‪ ،‬واستعمله أحياناً مع اختالف الصحابي‪ ،‬ولم‬

‫يستعمل البخاري مصطلح «الشاهد»‪ ،‬وإنما يستدل عادة بالشواهد‪ ،‬يعني يأتي بالحديث من‬

‫طريق صحابي آخر دون استعمال مصطلح «الشاهد»‪.‬‬

‫‪1‬‬
 ‫ويستعمل اإلمام البخاري المتابعات بأشكال متعددة‪:‬‬

‫‪1‬ـ قد يذكر متابعةً مسندةً بطريقة التحويل في السند‪.‬‬

‫‪2‬ـ قد يذكر المتابعة مسندةً بعد الحديث مباشرة بأن يرويه مسنداً بعد انتهائه من‬

‫سياقة الرواية األولى‪.‬‬

‫‪3‬ـ قد يذكر المتابعة معلقةً‪ ،‬فيقول‪ :‬تابعه فالن عن فالن‪ ،‬وأحياناً يستعمل ألفاظ‬

‫التعليق مثل‪ :‬وقال فالن عن فالن‪ ،‬أو‪ :‬ذكر فالن‪ ،‬وما شابه ذلك‪.‬‬

‫أغراض اإلمام البخاري في ايراد المتابعات‪:‬‬

‫‪1‬ـ إثبات تعدد أسانيد الحديث ودفع توهم التفرد عن الراوي‪.‬‬

‫‪2‬ـ رواية الحديث عالياً ونازلً‪.‬‬

‫‪3‬ـ بيان الختالف في الرفع والوقف‪.‬‬

‫‪4‬ـ بيان الختالف في الوصل واإلرسال‪.‬‬

‫‪5‬ـ التنبيه على ثبوت لقاء الراوي بشيخه في السند المعنعن‪.‬‬

‫‪6‬ـ التنبيه على سماع المدلسين‪.‬‬

‫‪7‬ـ المتابعة إليراد لفظة زائدة في رواية أخرى «زيادة ثقة»‪ ،‬أو لبيان اختالفهم في‬

‫لفظة‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫‪ 8‬ـ المتابعة للرواة المتكلم فيهم‪ ،‬كالرواة المتكلم في ضبطهم أو الرواة الموصوفين‬

‫ببدعة‪.‬‬

‫‪9‬ـ إيراد متابعة لبيان اسم الراوي المبهم أو المهمل‪ ،‬أو لبيان اختالفهم في اسمه‪.‬‬

‫‪11‬ـ إيراد المتابعة لترجيح ما وقع فيه الشك من األلفاظ‪.‬‬

‫وغير ذلك من المقاصد المتعلقة بالسند أو المتن‪.‬‬

‫ونذكر هنا بعض األمثلة للتوضيح‪:‬‬

‫ـ مثال إيراد المتابعة إلثبات سماع الرواة في السند المعنعن‪ :‬ما رواه البخاري برقم‬

‫(‪ )5949‬قال‪ :‬حدثنا آدم‪ :‬حدثنا ابن أبي ذئب‪ ،‬عن الزهري‪ ،‬عن عبيد اهلل بن عبد اهلل بن‬

‫عتبة‪ ،‬عن ابن عباس عن أبي طلحة رضي اهلل عنه قال‪ :‬قال النبي ‪« :‬ل تدخل المالئكة بيتاً‬

‫فيه كلب ول تصاوير»‪.‬‬

‫وقال الليث‪ :‬حدثني يونس عن ابن شهاب‪ :‬أخبرني عبيد اهلل‪ ،‬سمع ابن عباس قال‪:‬‬

‫سمعت أبا طلحة‪ :‬سمعت النبي ‪.‬‬

‫ـ مثال المتابعة ألجل إثبات تصريح المدلس بالسماع‪ :‬روى البخاري رقم (‪)7451‬‬

‫قال‪ :‬حدثنا حفص بن عمر‪ :‬حدثنا هشام‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬عن أنس رضي اهلل عنه‪ ،‬عن النبي ‪‬‬

‫قال‪« :‬ليصيبن أقواماً سفع من النار بذنوب أصابوها عقوبةً‪ ،‬ثم يدخلهم اهلل الجنة بفضل‬

‫رحمته‪ ،‬يقال لهم الجهنميون»‪.‬‬

‫وقال همام‪ :‬حدثنا قتادة‪ :‬حدثنا أنس‪ ،‬عن النبي ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫وقتادة مدلس‪ ،‬وقد عنعن في السند األول‪ ،‬فأورد البخاري المتابعة التي جاء فيها‬

‫تصريحه بالسماع‪ ،‬فلذا قال الحافظ ابن حجر‪( :‬أراد به هنا أن العنعنة التي في طريق هشام‬

‫محمولة على السماع؛ بدليل رواية همام)‪.‬‬

‫ـ مثال المتابعة ألجل إثبات لفظة يستفاد منها حكم فقهي‪ :‬ما رواه البخاري برقم‬

‫(‪ )1165‬في باب الجهر بالقراءة في صالة الكسوف‪ :‬حدثنا محمد بن مهران قال‪ :‬حدثنا‬

‫الوليد بن مسلم قال‪ :‬أخبرنا ابن ن ِمر‪ ،‬سمع ابن شهاب‪ ،‬عن عروة‪ ،‬عن عائشة رضي اهلل‬

‫عنها قالت‪« :‬جهر النبي ‪ ‬في صالة الخسوف بقراءته‪ ،‬فإذا فرغ من قراءته كبر فركع‪»...‬‬

‫الحديث‪.‬‬

‫ثم أورده البخاري من طريق آخر معلقاً دون لفظ الجهر فقال‪( :‬وقال األوزاعي‬

‫وغيره‪ :‬سمعت الزهري عن عروة عن عائشة ‪ .)...‬وليس فيه أنه جهر‪.‬‬

‫ثم قال‪( :‬تابعه سفيان بن حسين وسليمان بن كثير عن الزهري في الجهر)‪.‬‬

‫فجاء بهذه الرواية ومتابعتها لتقوية الجهر‪ ،‬وهو المراد من الترجمة‪ ،‬والجهر مذهب‬

‫الحنابلة ورواية عن مالك‪.‬‬

‫ـ مثال المتابعة لتعيين مبهم في المتن‪ :‬روى البخاري رقم (‪ :)3815‬حدثنا علي بن‬

‫مسلم‪ ،‬حدثنا حبان بن هالل‪ ،‬حدثنا همام‪ ،‬أخبرنا قتادة‪ ،‬عن أنس رضي اهلل عنه‪« :‬أن‬

‫رجلين خرجا من عند النبي ‪ ‬في ليلة مظلمة‪ ،‬وإذا نور بين أيديهما حتى تفرقا‪ ،‬فتفرق‬

‫‪4‬‬
‫النور معهما»‪ .‬وقال معمر عن ثابت عن أنس‪ ،‬أن أسيد بن حضير ورجالً من األنصار‪ .‬وقال‬

‫حماد‪ :‬أخبرنا ثابت عن أنس‪ :‬كان أسيد بن حضير وعباد بن بشر عند النبي ‪.‬‬

‫فأتى البخاري بهاتين المتابعتين لبيان اسم المبهم في المتن‪.‬‬

‫وأبرز من فهم مقاصد البخاري في متابعاته معلقةً كانت أو مسندةً‪ :‬اإلمام الحافظ‬

‫ابن حجر العسقالني في شرحه فتح الباري‪.‬‬

‫وقام الباحث الدكتور حسين علي حسين عبيد الهاجري جزاه اهلل خيراً بإعداد بحث‬

‫موسع لدراسة المتابعات في صحيح البخاري وبيان مقاصد البخاري منها وأمثلة ذلك في‬

‫رسالته التي سماها‪« :‬المتابعات في صحيح البخاري»‪ ،‬ومنها لخصت هذه الفائدة‪.‬‬

‫‪5‬‬