You are on page 1of 34

‫حول كتب أبي حنيفة الثالثة‬

‫«الفقه األكبر» رواية حماد و«الفقه األكبر» رواية أبي مطيع و«العالم واملتعلم»‬

‫رستم مهدي‬
‫‪ 14‬نيسان ‪2024‬‬

‫قد ألفت في «الفقه األكبر» رواية حماد و«الفقه األكبر» رواية أبي مطيع سنة ‪ ،2018‬كما ألفت‬
‫في كتاب «العالم واملتعلم» سنة ‪ .2019‬وأقدم كليهما في هذه املقالة‪ ،‬مع ضم بعض املسائل إتماما‬
‫للفائدة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫حول «الفقه األكبر» رواية حماد و«الفقه األكبر» رواية أبي مطيع‬

‫‪ 15‬أيلول‪2018 ،‬‬

‫الباب األول‪« :‬الفقه األكبر» رواية حماد بن أبي حنيفة‬

‫إسناد الكتاب والنقود املوجهة إليه‬


‫يروي الكتاب نصير بن يحيى البلخي‪ ،‬عن محمد بن مقاتل الرازي‪ ،‬عن عصام بن يوسف البلخي‪،‬‬
‫عن حماد بن أبي حنيفة‪ ،‬عن أبي حنيفة‪ .‬وضبط اسم الراوي كـ«نصر» خطأ‪ ،‬وإنما هو ُن َ‬
‫ص ْير بن‬
‫يحيى –مصغر نصر‪ -‬حسب رأي محمد زاهد الكوثري‪[ .‬الكوثري‪« ،‬مقدمات الكوثري»‪ ]170 ،‬وهكذا ورد‬
‫اسمه في «القند في ذكر علماء سمرقند» كما سأذكره‪.‬‬
‫ونصير بن يحيى هذا‪ ،‬من كبار العلماء الحنفية‪ ،‬في عداد مشايخ أبي منصور املاتريدي‪ .‬ومن‬
‫تالمذة أبي مطيع البلخي صاحب أبي حنيفة‪ ،‬وهو صاحب املناظرة الشهيرة مع أحمد ابن حنبل التي‬
‫رواها ابن أبي العوام فقال‪« :‬حدثني أبو أحمد إبراهيم بن أحمد الترمذي قال‪ :‬سمعت أبا نصر محمد‬
‫بن محمد بن سالم البلخي قال‪ :‬سمعت نصير بن يحيى البلخي يقول‪ :‬قلت ألحمد ابن حنبل‪ :‬ما الذي‬
‫نقمتم على هذا الرجل أعني ابا حنيفة؟ قال‪ :‬الرأي‪ .‬فقلت له‪ :‬فهذا مالك بن أنس‪ ،‬ألم يتكلم بالرأي؟‬
‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬ولكن رأي أبي حنيفة خلده الكتب‪ .‬فقلت‪ :‬فقد خلد رأي مالك بن أنس الكتب‪ .‬قال‪ :‬أبو‬
‫حنيفة أكثر رأيا منه‪ ،‬فقلت له‪ :‬فهال تكلمتم في هذا بحصته وهذا بحصته؟ فسكت»‪[ .‬ابن أبي العوام‪،‬‬
‫«فضائل أبي حنيفة وأخباره ومناقبه»‪]77 ،‬‬
‫وكذلك هو تلميذ أبي سليمان الجوزجاني‪ ،‬الفقيه الشهير راوي كتب ظاهر الرواية‪ .‬والعجيب أن‬
‫بعضهم يقدم نصيرا كرجل مجهول «ال يعلم عنه سوى أنه تفقه على رجل اسمه أبو سليمان‬
‫الجوزجاني»‪ ،‬وكأن الجوزجاني غير معروف‪ ،‬وكأنه ليس من أكابر تالمذة أصحاب أبي حنيفة‪.‬‬
‫وكذلك محمد بن مقاتل الرازي‪ ،‬هو من أكابر أصحاب محمد بن الحسن‪ ،‬وإمام من األئمة‬
‫الحنفية املبرزين‪ ،‬وهو من فقهاء الري‪ ،‬وقاضيها‪.‬‬
‫وقول البخاري فيه‪« :‬ألن أخر من السماء إلى األرض أحب إلي من أن أروي عن محمد بن مقاتل‬
‫الرازي»‪ ،‬طعن غير مفسر‪ ،‬وزد عليه أن البخاري شديد على أصحاب الرأي‪ ،‬منحرف عنهم‪ ،‬فهذا‬
‫النوع من الجرح غير مقبول‪ ،‬خاصة إذا كان الطاعن من أهل الحديث‪ ،‬واملطعون فيه من أصحاب‬
‫الرأي‪ .‬ففي هذا يقول أبو اليسر البزدوي في «معرفة الحجج الشرعية» في فصل إنكار ما يثبت بالسنة‪:‬‬
‫«وأما من طعن بعض أصحاب الحديث فيه‪ ،‬قالوا‪ :‬ال يقبل حديث فالن‪ ،‬فإنه ضعيف ّ‬
‫ضعفه فالن‪،‬‬
‫رد حديث هؤالء ما لم َيثبت وجه الطعن ووجه الضعف‪ .‬فإن‬ ‫أو إنه مطعون طعن فيه فالن‪ ،‬فال ُي ّ‬

‫‪2‬‬
‫َ‬
‫عادة أصحاب الحديث‪ ،‬طعن بعضهم في بعض‪ ،‬وكذا عادتهم الطعن في الفقهاء (يقصد الفقهاء‬
‫الحنفية)‪ ،‬فإن عندهم أن الفقهاء يردون األحاديث»‪[.‬البزدوي‪« ،‬معرفة الحجج الشرعية»‪]132 ،‬‬
‫ثم إن ابن حجر أشار إلى سبب الطعن بعد أن نقله قائال‪« :‬وأظن ذلك من قبل الرأي»‪[ .‬ابن حجر‪،‬‬
‫«لسان امليزان»‪ ]518/7 ،‬فعلم بهذا أن الباعث األساس ي على طعن البخاري في ابن مقاتل‪ ،‬هو كون الثاني‬
‫من أهل الرأي‪ .‬فهذا سبب غير مقبول‪.‬‬
‫وأما تضعيف الذهبي إياه‪ ،‬فهو وإن ضعفه في «املغني» قال عنه في «ميزان االعتدال»‪« :‬تكلم فيه‪،‬‬
‫ولم يترك»‪[ .‬الذهبي‪« ،‬ميزان االعتدال»‪]47/4 ،‬‬
‫وأما تضعيف ابن حجر‪ ،‬فحكمه كحكم تضعيف من سبقه؛ ألنه بهم اقتدى‪ .‬وقد علمت سبب‬
‫َ‬
‫وحكمه‪.‬‬ ‫تضعيف البخاري‬
‫وأما عصام بن يوسف البلخي‪ ،‬فهو من كبار الحنفية‪ ،‬ذكره ابن حبان في «الثقات» وقال‪« :‬كان‬
‫صاحب حديث ثبتا في الرواية‪ .‬وربما أخطأ»‪[ .‬ابن حجر‪ «،‬لسان امليزان»‪ ]436/5 ،‬وقال عبد القادر‬
‫القرش ي‪« :‬كان صاحب حديث‪ ،‬وهو ثبت فيه‪ ،‬وكان هو وأخوه إبراهيم بن يوسف شيخي بلخ في‬
‫زمانهما»‪[ .‬القرش ي‪« ،‬الجواهر املضية»‪ ]527/2 ،‬وقال أبو يعلى الخليلي‪« :‬فأما عصام‪ ،‬سمع شعبة‪،‬‬
‫والحمادين‪ ،‬والثوري‪ ،‬وإسرائيل بن يونس‪ ،‬وغيرهم‪ .‬وهو مشهور‪ ،‬لكن البخاري لم يخرجه في‬
‫«التاريخ» وال في «الصحيح»‪ ،‬وهو صدوق‪ ،‬سمع منه القدماء أبو شهاب معمر بن محمد وأقرانه‪ ،‬وال‬
‫َ‬
‫يروي حديثا ُينكر‪ ،‬ورأيه رأي الكوفيين»‪[ .‬الخليلي‪« ،‬اإلرشاد في معرفة علماء الحديث»‪]937 ،‬‬
‫وأما قول ابن سعد فيه‪« :‬كان عندهم ضعيفا في الحديث»‪ ،‬يعني املحدثين‪ ،‬فقد سبق أن‬
‫املحدثين كانوا أشداء على أصجاب الرأي‪ .‬وهو معروف ومقبول عند الحنفية‪.‬‬
‫وأما حماد بن أبي حنيفة‪ ،‬فهو من املشهورين من الحنفية‪ ،‬وهو أبو القاض ي إسماعيل بن حماد‪،‬‬
‫وملروياته عن أبيه‪ ،‬وخاصة لهذا الكتاب‪ ،‬مكانة خاصة عند أهل الرأي‪ ،‬وله مسند من رواياته بطريق‬
‫أبيه‪ .‬وتجد قسما منها في املسانيد التي تحتوي على مرويات أبي حنيفة‪ .‬مثل مسند أبي محمد الحارثي‪،‬‬
‫وما جمعه الخوارزمي‪.‬‬
‫وقال الصيمري‪« :‬وكان الغالب عليه الدين والورع والزهد‪ ،‬مع علمه بالفقه وكتابته للحديث‪،‬‬
‫أخبرنا عمر بن شاهين قال‪ :‬ثنا محمد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة قال‪ :‬حدثني جدي قال‪ :‬سمعت‬
‫ُ‬
‫أبا نعيم الفضل بن دكين قال‪ :‬تقدم حماد بن أبي حنيفة إلى شريك بن عبد هللا في شهادة‪ ،‬فقال له‬
‫شريك‪ :‬وهللا إنك لعفيف البطن والفرج‪ ،‬خيار مسلم»‪[ .‬الصيمري‪« ،‬أخبار أبي حنيفة وأصحابه»‪]158 ،‬‬
‫وقال القرش ي‪« :‬حماد بن النعمان اإلمام ابن اإلمام‪ ،‬تفقه على أبيه‪ ،‬فأفتى في زمنه‪ ،‬وتفقه عليه ابنه‬
‫إسماعيل‪ ،‬وقد تقدم‪ ،‬وهو في طبقة أبي يوسف‪ ،‬ومحمد‪ ،‬وزفر‪ ،‬والحسن بن زياد‪ ،‬وكان الغالب عليه‬
‫الورع والزهد»‪[ .‬القرش ي‪« ،‬الجواهر املضية»‪]153/2 ،‬‬
‫وقال ابن خلكان‪« :‬كان على مذهب أبيه رض ي هللا تعالى عنه‪ ،‬وكان من الصالح والخير على قدم‬
‫عظيم»‪[ .‬ابن خلكان‪« ،‬وفيات األعيان» ‪]205/2‬‬

‫‪3‬‬
‫وأما كالم ابن عدي‪« :‬ال أعلم له رواية تستقيم»‪ ،‬فقال بدر الدين العيني فيه‪« :‬لم يسلم من‬
‫لسان ابن عدي أبوه الذى هو إمام الدنيا‪ ،‬وإمام األئمة املجمع على جاللة قدره‪ ،‬وكثرة علمه وفقهه‪،‬‬
‫فضال ابنه‪ ،‬وال يلتفت إلى ذلك؛ ألن هؤالء كاألعداء ألبى حنيفة وأصحابه على ما يظهر من كالمهم»‪.‬‬
‫[العيني‪« ،‬مغاني األخيار شرح أسامي رجال معاني اآلثار»‪]243/1 ،‬‬

‫النقود املوجهة إلى متن الكتاب‬


‫هناك نقود يدعي أصحابها أنها تدل على تزييف الكتاب‪ ،‬وأنه ليس من كالم أبي حنيفة‪ .‬وفيما يلي‬
‫مناقشتها‪:‬‬
‫النقد األول‪« :‬وجود الركاكة والضعف في أسلوب الكتاب»‪.‬‬
‫يدعي بعضهم أن في أسلوب الكتاب ركاكة وضعفا‪ ،‬وأخطاء نحوية‪ .‬إذ جاء فيه‪« :‬أصل التوحيد‬
‫وما يجب االعتقاد عليه‪ »...‬وهذه الجملة ال تناسبها القواعد اللغوية؛ إذ كان ينبغي أن يقول املؤلف‪:‬‬
‫«وما يجب االعتقاد به» وليس «عليه»‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا النقد ال يستقيم؛ ألن حرف «على» في كالم أبي حنيفة‪ ،‬ليس بحرف يتعدى به معنى‬
‫«االعتقاد»‪ ،‬بل هو كلمة مستقلة لها تقديرها الخاص‪ ،‬وهو‪« :‬أصل التوحيد وما يجب أن ُيبنى‬
‫االعتقاد عليه‪ »...‬فيكون حرف «على» متعلقا بالفعل املحذوف –وهو يبنى‪ -‬وليس بكلمة «االعتقاد»‪.‬‬
‫ويمكن أن يقدر كلمة أخرى‪ ،‬وهي كلمة «اعتماد»‪ ،‬فيكون تقدير الجملة‪« :‬أصل التوحيد وما‬
‫يجب اعتماد االعتقاد عليه»‪ ،‬فيتعلق «على» بكلمة «اعتماد»‪ .‬وهذا التقدير ذكره علي بن سلطان‬
‫القاري في شرحه‪[ .‬القاري‪« ،‬منح الروض األزهر في شرح الفقه األكبر»‪]40 ،‬‬
‫ويمكن أن يتعلق «على» بـ«االعتقاد» مضمنا معنى الوقوع‪ ،‬أي يصح االعتقاد الواقع عليه‪ ،‬كما‬
‫بينه صاحب «القول الفصل»‪[ .‬بهاء الدين زاده‪« ،‬القول الفصل»‪]25 ،‬‬
‫ثم ال عالقة لوجود اللحن ‪-‬مع قبول وجود اللحن تنزال‪ -‬في كتاب ما‪ ،‬بكونه موضوعا مزيفا‪ .‬بل قد‬
‫يكون هذا من أخطاء الناسخ‪ ،‬أو من أخطاء الكاتب نفسه‪ .‬فمثال ال أحد ينكر تأليف ابن عدي كتابه‬
‫«الكامل» مع أنه يقول في ترجمة ابن شجاع الثلجي‪« :‬وكان يضع أحاديثا في التشبيه»‪ ،‬هكذا بالتنوين‬
‫في «أحاديث» كما نقله الكوثري في «اإلمتاع»‪ ،‬وعلل هذا بعامية ابن عدي وضعفه في العربية‪.‬‬
‫[الكوثري‪« ،‬اإلمتاع بسيرة اإلمامين الحسن بن زياد وصاحبه محمد بن شجاع»‪]95 ،‬‬
‫النقد الثاني‪« :‬إن الكتاب خال عن اآليات واألحاديث‪ ،‬وهو يحتوي على اآليتين فقط‪ ،‬وليس فيه‬
‫أي حديث نبوي»‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا نقد ضعيف‪ ،‬إذ ال عالقة لوجود اآليات واألحاديث‪ ،‬أو قلتها أو كثرتها‪ ،‬بإثبات نسبة‬
‫الكتاب إلى صاحبه أو نفيها‪ .‬فلو كلنا بهذا املكيال‪ ،‬للزم أن ننفي نسبة متن «العقائد النسفية» إلى‬
‫عمر النسفي‪ ،‬ألنها تحتوي على آية واحدة‪ ،‬وليس فيها أي حديث‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫وليس كتاب أبي حنيفة إال متنا صغيرا‪ ،‬واملعهود في املتون مثله‪ ،‬عدم اعتضاد املسائل بكثرة‬
‫الدالئل من القرآن واألحاديث‪ ،‬بل تسرد فيها املسائل االعتقادية سردا‪ .‬هذا هو املعهود في تأليف‬
‫املتون‪.‬‬
‫النقد الثالث‪« :‬إن في الكتاب مسائل ليست لها عالقة بالعقيدة‪ ،‬نحو قول مؤلفه‪« :‬وقاسم‪،‬‬
‫وطاهر‪ ،‬وإبراهيم كانوا بني رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وفاطمة‪ ،‬ورقية‪ ،‬وزينب‪ ،‬وأم كلثوم كن‬
‫جميعا بنات رسول هللا صلى هللا عليه وسلم»»‪.‬‬
‫قلت‪ :‬إن احتواء كتاب ما مسائل خارجة عن موضوعه األصلي‪ ،‬ال يستلزم كونه مزورا وموضوعا‪.‬‬
‫وال يمتنع أن يذكر أبو حنيفة مسألة ليست لها عالقة بالعقيدة‪ ،‬إذا وقع الخالف فيها بين الناس‪،‬‬
‫خاصة إذا تعلقت بمعرفة شخص النبي محمد‪ .‬ولربما وصل إليه كالم يخالف ما عليه عامة‬
‫املسلمين‪ ،‬في عدد أوالده كما أشار إليه صاحب «مختصر الحكمة النبوية»‪ ،‬أو في أسماء بعض‬
‫أبنائه‪ ،‬فذكر هذه املسألة‪.‬‬
‫النقد الرابع‪« :‬إن الكتاب ينفي وحدانية هللا من طريق العدد»‪ .‬يعتمد أصحاب هذا النقد على‬
‫قول أبي حنيفة‪« :‬وهللا تعالى واحد ال من طريق العدد‪ ،‬ولكن من طريق أنه ال شريك له»‪ .‬وادعى‬
‫صاحب النقد "أن هذا الكالم مخالف لصحيح االعتقاد؛ ألن وحدانية هللا ثابتة من طريق العدد‪،‬‬
‫بمعنى عدم وجود املوجود الثاني مثله‪ ،‬كما هي ثابتة من طريق أنه ال شريك له‪ .‬والكالم السابق في‬
‫الكتاب‪ ،‬يدل على أن وحدانية هللا من طريق أنه ال شريك له فقط‪ ،‬وليس من طريق عدم وجود‬
‫املوجود الثاني مثله"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا أضعف نقد قيل‪ .‬ألنه ال يوجد بين املسلمين من يقصد بقوله‪« :‬وهللا تعالى واحد ال من‬
‫َ‬
‫طريق العدد» نفي عدم إمكانية املوجود الثاني مثله‪ .‬ال يعتقد هذا املعتقد عوام الناس من املسلمين‪،‬‬
‫فضال عمن ألف متنا في العقيدة‪ .‬وإنما ُ‬
‫قصده هو أن املسلمين ملا يوحدون هللا ويقولون‪« :‬إنه واحد»‪،‬‬
‫ال يقصدون «الواحد» الذي هو من العدد؛ ألن «الواحد» العددي يمكن أن يأتي بعده عدد مثله‪،‬‬
‫فلهذا يقول علي بن سلطان القاري في شرح هذا الكالم‪« :‬حتى ال يتوهم أن يكون بعده أحد»‪[ .‬القاري‪،‬‬
‫«منح الروض األزهر»‪]48 ،‬‬
‫ثم الواحد العددي يمكن إكثاره بضم الواحد اآلخر إليه‪ ،‬ويمتنع هذا في وحدانية هللا‪ ،‬فإلى هذا‬
‫املعنى أشار أبو شكور الساملي في «التمهيد في بيان التوحيد» في أثناء كالمه عن الضد والند قائال‪:‬‬
‫«وهللا تعالى متفرد بصفاته‪ ،‬ال يشاركه وال يوافقه أحد؛ ألن صفاته قديمة‪ ،‬وصفات الغير محدثة‪،‬‬
‫واملحدث ال يوافق القديم‪ .‬ولهذا املعنى قلنا‪ :‬إن هللا تعالى واحد ال من أصل العدد‪ ،‬وال من جنس‬
‫العدد؛ ألنه ال جنس له حتى ُيضم إليه (أي يضم إليه واحد آخر) ُويعد منه‪ ،‬وليس من أصل العدد؛‬
‫ألنه ال ثاني له‪ ،‬فثبت أنه واحد متفرد من غير جنس‪ ،‬وال نوع»‪[ .‬الساملي‪« ،‬التمهيد في بيان التوحيد»‪-105 ،‬‬
‫‪]106‬‬

‫‪5‬‬
‫وأما الوحدة بمعنى وقوع الواحد في املرتبة األولى‪ ،‬فهي ال تختص به‪ .‬وعلل كمال الدين البياض ي‬
‫زاده في «إشارات املرام» في الباب الثاني منه في أثناء كالمه عن الصفات الذاتية‪ ،‬قول أبي حنيفة‬
‫بهذا‪[ .‬البياض ي زاده‪« ،‬إشارات املرام من عبارات اإلمام»‪]107 ،‬‬
‫واملقصود هنا هو أن الوحدانية التي يراد إثباتها بالبراهين في كالم العلماء‪ ،‬والتي تختص به هللا‪،‬‬
‫هي ليست بالوحدة من طريق العدد‪ ،‬بل الوحدة من طريق أنه ال شريك له‪.‬‬
‫النقد الخامس‪« :‬إن في الكتاب مسائل ظهرت في عهود متأخرة عن عهد أبي حنيفة‪ ،‬وهذا يدل‬
‫على أن الكتاب ليس من كالمه»‪.‬‬
‫قلت‪ :‬إن دعوى األولية لوقت معين ظرفا لظهور مسألة ما‪ ،‬ال يمكن أن تبطل وجود تلك املسألة‬
‫في كتاب ما قبل هذا الوقت؛ إذ األولية لوقت ما‪ ،‬دعوى محض وليست إال‪ ،‬حتى يقوم الدليل على‬
‫أوليته في نفس األمر‪ .‬فنحن نسأل‪ :‬ما هو ضابط األولية؟ وال جواب على هذا السؤال سوى أن‬
‫الضابط هو عدم سبق الكالم في تلك املسألة قبل هذا الزمان‪ .‬ونحن نسأل ونقول‪ :‬فإذا ظهر الكالم‬
‫فعالم يدل هذا؟ وهنا جوابان ال‬‫َ‬ ‫في كتاب ما‪ ،‬في هذه املسألة قبل هذا الزمان الذي ادعيتم أوليته‪،‬‬
‫ثالث لهما‪:‬‬
‫‪ -‬على تزوير املصدر الذي وجد هذا الكالم فيه‪.‬‬
‫‪ -‬على بطالن دعوى أولية الوقت الذي ادعيت أوليته لظهور تلك املسألة‪.‬‬
‫وال يصح الجواب األول؛ إذ وقت ما لظهور مسألة ما‪ ،‬ليس بأولى من وقت آخر‪ .‬فإن كان عدم‬
‫سبق الكالم في تلك املسائل إلى وقت أبي حنيفة‪ ،‬يمنع كالمه فيها‪ ،‬فهو يمنع أن يتكلم فيها من ادعى‬
‫أصحاب تلك النقود أنه أول من تكلم فيها أيضا‪ ،‬فإذا لم يمنع عدم سبق الكالم في تلك املسألة أو َل‬
‫من تكلم فيها أن يتكلم فيها‪ ،‬فلماذا يمنع أبا حنيفة أن يتكلم فيها قبل أن يظهر أحد بالكالم فيها؟‬
‫وهذا هو عين السبب الذي يجعل أصحاب النقود به كالم أبي حنيفة في تلك املسألة مستحيال‪،‬‬
‫فليجعلوا كالم من يدعون كونه أول متكلم فيها مستحيال أيضا؛ إذ السبب واحد‪ .‬فكل من يكون أول‬
‫متكلم في مسألة ما‪ ،‬ال يسبقه الكالم فيها‪.‬‬
‫وبقي الجواب الثاني‪ ،‬وهو بطالن دعوى أولية الوقت الذي ادعيت أوليته لظهور تلك املسألة‪.‬‬
‫وأما دعوى تزوير الكتاب‪ ،‬فيحتاج إلى دليل آخر‪ ،‬غير دعوى أولية وقت ما لظهور املسألة‪.‬‬
‫النقد السادس‪« :‬إن في الكتاب أمورا تخالف عقيدة أهل السنة‪ ،‬فال يمكن أن يخالف أبو حنيفة‬
‫علماء أهل السنة»‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ويقصدون بـ"أهل السنة" الحنابلة أو السلفية‪ .‬فهم اتخذوا كتب الحنابلة معيارا في تصوير‬
‫عقيدة أبي حنيفة‪ .‬مع أن أبا حنيفة يعد مبتدعا في تلك الكتب‪.‬‬
‫فهم يقصدون بـكتب أئمة السلف‪ ،‬كتاب «إجماع السلف في االعتقاد» لحرب الكرماني‪،‬‬
‫و«النقض على بشر املريس ي» لعثمان بن سعيد الدارمي‪ ،‬و«السنة» لعبد هللا بن أحمد‪ ،‬وغيرها من‬

‫‪6‬‬
‫الكتب التي تعتبر أحجارا أساسية ملبنى الحنبلية أو السلفية‪ .‬فلننظر من هو أبو حنيفة عند أصحاب‬
‫تلك الكتب‪:‬‬
‫يقول حرب الكرماني –وهو من النحاتين األوائل لهيكل الحنبلي السلفي‪ -‬في كتابه «إجماع‬
‫السلف في االعتقاد»‪ ،‬في أثناء كالمه عن أصحاب الرأي‪ ،‬وهو يعني بكالمه أبا حنيفة وأصحابه‪:‬‬
‫«وأصحاب الرأي‪ ،‬وهم مبتدعة ضالل‪ ،‬أعداء السنة واألثر‪ ،‬يرون الدين رأيا وقياسا واستحسانا‪،‬‬
‫وهم يخالفون اآلثار‪ ،‬ويبطلون الحديث‪ ،‬ويردون على رسول هللا عليه الصالة والسالم‪ ،‬ويتخذون أبا‬
‫حنيفة ومن قال بقوله إماما‪ ،‬يدينون بدينهم‪ ،‬ويقولون بقولهم‪ ،‬فأي ضاللة بأبين ممن قال بهذا‪ ،‬أو‬
‫كان على مثل هذا؟ يترك قول الرسول وأصحابه‪ ،‬ويتبع رأي أبي حنيفة وأصحابه‪ ،‬فكفى بهذا غيا‬
‫وطغيانا وردا»‪[ .‬الكرماني‪« ،‬إجماع السلف في االعتقاد»‪]95-94 ،‬‬
‫أفيعتمد في تصوير عقيدة أبي حنيفة‪ ،‬على كتاب هذا الشخص؟‬
‫وأما عبد هللا بن أحمد‪ ،‬فجمعه الطعون في أبي حنيفة في كتابه املسمى بـ«السنة» في باب خاص‬
‫عبد هللا هذا‪ :‬من هو أبو حنيفة عند السلف؟ يجيب ناقال‪ ،‬ومعتقدا‪« :‬مات‬ ‫مشهور جدا‪ ،‬فإذا سألنا َ‬
‫جهميا‪ ...‬وكان يقول بقول جهم»‪[ .‬عبد هللا‪« ،‬السنة»‪ ]181 ،‬وينسب هذا الكالم إلى أبي يوسف‪ ،‬تلميذ‬
‫صادق لشيخه أبي حنيفة‪.‬‬
‫ويستمر عبد هللا مجيبا‪« :‬إن أبا حنيفة كان مرجئا‪ ...‬وأبو حنيفة أول من قال‪ :‬إن القرآن مخلوق‪...‬‬
‫وأبو حنيفة كان يعمل بكتب جهم تأتيه من خراسان‪ ...‬وأبو حنيفة كان يقول‪ :‬إن القرآن ليس‬
‫بمخلوق تقية‪ ،‬وكان يعتقد خلقه»‪[ .‬املصدر السابق‪]183-181 ،‬‬
‫ُ‬
‫ويرسل ‪-‬في زعم عبد هللا‪ -‬شيخه حماد بن أبي سليمان‪ ،‬سفيان الثوري إلى أبي حنيفة قائال‪:‬‬
‫«اذهب إلى الكافر أبي حنيفة‪ ،‬فقل له‪ :‬إن كنت تقول‪ :‬إن القرآن مخلوق‪ ،‬فال تقربنا»‪[ .‬املصدر السابق‪،‬‬
‫‪ ]184‬هكذا زوروا على حماد‪ ،‬ال يعرف هل قاله أبو حنيفة أم ال‪ ،‬ويحكم بكفره ويكفره‪ ،‬ثم يقول‬
‫لسفيان اذهب وقل له‪« :‬إن كنت تقول‪ »...‬وحماد بريء من هذا الكالم السخيف براءة الذئب من دم‬
‫يوسف‪ ،‬بل كون أبي حنيفة أخص أصحابه‪ ،‬مما يغنيه عن أن يستفسره عن رأيه بطريق الثوري‬
‫الذي كان بينه وبين أبي حنيفة جفاء‪ ،‬وهو بريء من أن يقول لتلميذه الحبيب‪« :‬يا كافر‪ ،‬يا زنديق»‬
‫[املصدر السابق‪ ،]185 ،‬إلى غير ذلك من ترهات النقلة‪[ .‬انظر املصدر السابق‪ ،‬من ‪ 180‬إلى ‪]228‬‬
‫ويروي عبد هللا عن أبيه في موضع آخر من كتابه فيقول‪« :‬سمعت أبي رحمه هللا يقول‪ :‬أظن أن‬
‫ۡ َّ َ َّ َ ُ َ‬ ‫ُ ۡ َ َ َ َ َ‬
‫ون﴾ [الصافات‪ ]180 :‬قال أبو‬ ‫صف‬ ‫أبا حنيفة استتيب في هذه اآلية‪﴿ :‬سبحَٰن ربِّك ر ِّ‬
‫ب ٱلعِّزة ِّ عما ي ِّ‬
‫حنيفة‪ :‬هذا مخلوق‪ ،‬فقالوا له‪ :‬هذا كفر فاستتابوه»‪[ .‬عبد هللا‪« ،‬السنة»‪]192 ،‬‬
‫ُ‬
‫فكيف يمكن أن تتخذ هذه الكتب التي تقطر تعصبا‪ ،‬معيارا في تصوير اعتقاد أبي حنيفة؟‬
‫وكيف يعتمد شخص على هذه الكتب التي يجعل أصحابها من ال يعتقد اعتقادهم جهميا وزنديقا‬
‫وكافرا‪ ،‬ويعتقد في آن واحد أن اعتقاد أصحابها‪ ،‬واعتقاد أبي حنيفة على خط واحد؟‬
‫النقد السابع‪« :‬إن العلماء لم يذكروا هذا الكتاب‪ ،‬ولم ينقلوا منه شيئا»‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫قلت‪ :‬قال أبو الفرج ابن النديم حين تكلم عن كتب أبي حنيفة‪« :‬وله من الكتب كتاب «الفقه‬
‫األكبر»‪ ،‬وكتاب «رسالته إلى البستي» وكتاب «العالم واملتعلم» رواه عنه مقاتل‪ ،‬وكتاب الرد على‬
‫القدرية‪ ،‬والعلم برا وبحرا‪ ،‬شرقا وغربا‪ ،‬بعدا وقربا تدوينه رض ي هللا عن»‪[ .‬ابن النديم‪« ،‬الفهرست»‪،‬‬
‫‪1]251‬‬

‫فابن النديم ذكر في أول كالمه كتاب «الفقه األكبر»‪ ،‬ثم ذكر أن ألبي حنيفة كتابا رد فيه على‬
‫القدرية‪ .‬ونحن نعلم أن أبا حنيفة‪ ،‬لم يرد على القدرية بش يء من التفصيل في «الفقه األكبر» الذي‬
‫رواه عنه ابنه حماد‪ ،‬وإنما فعل هذا في كتاب «الفقه األكبر» الذي رواه عنه أبو مطيع البلخي‪ .‬وتكلم‬
‫فيه بما يتعلق بالقدر نحو حكم قول القائل‪« :‬إن أصابتني مصيبة ليست هي مما ابتالني هللا بها»‪،‬‬
‫وكالمه في تقدير هللا الغرق لفرعون‪ ،‬وروايته حديث ابن مسعود في جمع خلق أبناء آدم في بطون‬
‫أمهاتهم الذي فيه ذكر كتابة الرزق واألجل‪ ،‬وسبق الكتاب‪ ،‬وما قاله في املشيئة‪ .‬وهذا هو كتاب‬
‫«الفقه األبسط»‪ ،‬وهو ما ذكره ابن النديم بقوله‪« :‬كتاب الرد على القدرية»‪ .‬وأما «الفقه األكبر»‬
‫الذي ذكره ابن النديم قبله‪ ،‬فهو الكتاب الذي رواه ابنه حماد عنه‪.‬‬
‫وقد نقل العلماء من هذا الكتاب‪ ،‬مثل عالء الدين البخاري في أول «كشف األسرار»‪[ .‬البخاري‪،‬‬
‫«كشف األسرار»‪]36/1 ،‬‬
‫وذكره كامال القاض ي البياض ي زاده في «األصول املنيفة لإلمام أبي حنيفة» بترتيب خاص مع سائر‬
‫أقوال أبي حنيفة‪.‬‬
‫وقد شرحه العلماء‪ ،‬منهم علي بن سلطان القاري‪ ،‬وشرحه «منح الروض األزهر شرح الفقه‬
‫األكبر» مشهور متداول‪ .‬وشرحه مولى إسحاق في «مختصر الحكمة النبوية»‪ ،‬ومولى إسحاق ليس أبا‬
‫القاسم إسحاق بن محمد الحكيم السمرقندي املتوفى سنة (‪ 342‬هـ)‪ ،‬كما وهمه بعضهم‪2‬؛ إذ في‬
‫ُ‬
‫كتابه نقول من العلماء الذين عاشوا بعد هذا الزمان‪ 3.‬وله شرح آخر لبهاء الدين زاده‪ ،‬املسمى بـ‬
‫«القول الفصل»‪ ،‬وكذا شرحه أبو املنتهى أحمد بن محمد املغنيساوي‪.‬‬
‫الزيادات على الكتاب‬
‫في الكتاب مواضع هي ليست من كالم أبي حنيفة في رأيي‪ ،‬بل هي مدرجات من قبل الرواة‪ .‬ومن‬
‫هذه ما جاء فيه‪ « :‬لم يزل عاملا بعلمه والعلم صفة في األزل‪ ،‬وقادرا بقدرته والقدرة صفة في األزل‪،‬‬
‫ومتكلما بكالمه والكالم صفة في األزل‪ ،‬وخالقا بتخليقه والتخليق صفة في األزل‪ ،‬وفاعال بفعله‬

‫‪ 1‬والصحيح هو أن رسالة أبي حنيفة كانت إلى البتي ال البستي‪ ،‬والبستي تصحيف من البتي‪ ،‬فاالسمان قريبا الهيئة‪.‬‬
‫وكذا راوي كتاب «العالم واملتعلم» هو أبو مقاتل السمرقندي‪ ،‬وليس بمقاتل‪ ،‬وفيه سقط «أبو»‪.‬‬
‫‪ 2‬وهو محقق كتاب «منح الروض األكبر» ط‪ :‬دار النفائس‪.‬‬
‫‪ 3‬ذكر محقق كتاب «مختص الحكمة النبوية» بيازيد نيشفيج‪ ،‬أنه إسحاق الرومي الذي ذكره طاش كبري زاده في‬
‫«الشقائق النعمانية» املتوفى سنة ‪ 950‬هـ‪ .‬وكذا ذكره طاش كبري زاده هناك‪ ،‬وصرح بأنه شرح كتاب «الفقه األكبر»‬
‫ولكن لم أقف هناك على تاريخ وفاته‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫والفعل صفة في األزل‪ .‬والفاعل هو هللا تعالى‪ ،‬والفعل صفة في األزل‪ ،‬واملفعول مخلوق وفعل هللا‬
‫تعالى غير مخلوق‪ .‬وصفاته في األزل غير محدثة وال مخلوقة‪ .‬ومن قال إنها مخلوقة أو محدثة أو وقف‬
‫أو شك فيها‪ ،‬فهو كافر باهلل تعالى»‪[ .‬أبو حنيفة‪« ،‬الفقه األكبر رواية حماد»‪]2-1 ،‬‬
‫هذا القسم ال يشبه كالم أبي حنيفة؛ ألن الوقف في الكالم مذهب مروي عنه‪ ،‬بل أوصاه‬
‫لتالمذته‪ ،‬وال يمكن أن يكفر من رأى هذا الرأي‪.‬‬
‫روى ابن أبي العوام قال‪« :‬حدثني محمد بن أحمد بن حماد‪ ،‬حدثني محمد بن شجاع قال سمعت‬
‫الحسن بن أبي مالك يقول‪ :‬سمعت أبا يوسف يقول‪ :‬جاء رجل إلى مسجد الكوفة يوم الجمعة‪ ،‬فدار‬
‫على الحلق يسألهم عن القرآن‪ ،‬وأبو حنيفة غائب في مكة‪ ،‬فخاض الناس في ذلك واختبطوا‪ ،‬ووهللا‬
‫ما أحسبه إال كان شيطانا تصور في صورة اإلنس‪ .‬فانتهى إلى حلقتنا فسألنا‪ ،‬فنهى بعضنا بعضا عن‬
‫الجواب في ذالك وقلنا له‪ :‬شيخنا غائب وليس بحاضر‪ ،‬ونكره أن نتقدمه بكالم حتى يكون هو املبتدئ‬
‫به‪ ،‬فانصرف عنا‪.‬‬
‫قال أبو يوسف‪ :‬فلما قدم أبو حنيفة تلقيناه بالقادسية‪ ،‬فسلمنا عليه‪ ،‬وسألنا عن األهل والبلد‪،‬‬
‫فأخبرناه ثم قلنا له بعد أن تمكنا‪ :‬يا أبا حنيفة وقعت مسألة فما تقول فيها؟ فكأنه كان في قلوبنا‬
‫وأنكرنا وجهه‪ ،‬وظن أنها مسألة مفتنة وإنا قد تكلمنا فيها بش يء‪ ،‬فقال‪ :‬ما هي؟ قلنا‪ :‬كذا وكذا‪،‬‬
‫فأخبرناه بما سأل عنه الرجل‪ .‬فسكت ساعة ثم قال لنا‪ :‬فما كان جوابكم فيها؟ قلنا‪ :‬لم نتكلم فيها‬
‫بش يء‪ ،‬فخشينا أن نتكلم بش يء تنكره‪ .‬فسري عنه وأسفر وجهه وقال‪ :‬جزاكم هللا خيرا‪ ،‬جزاكم هللا‬
‫خيرا‪ ،‬احفظوا وصيتي‪ ،‬ال تتكلموا فيها بكلمة واحدة أبدا‪ ،‬وال تسألوا عنها أحدا أبدا‪ ،‬انتهوا إلى أنه‬
‫كالم هللا عز وجل بال زيادة حرف واحد‪ ،‬ما أحسب هذه املسألة تنتهي حتى توقع أهل اإلسالم في أمر‬
‫ال يقومون له وال يقعدون‪ ،‬أعاذنا هللا وإياكم من الشيطان الرجيم»‪[ .‬ابن أبي العوام‪« ،‬فضائل أبي حنيفة‬
‫وأخباره ومناقبه»‪]117-116 ،‬‬
‫وقال ابن أبي العوام أيضا‪« :‬حدثني أحمد بن محمد بن حماد‪ ،‬قال سمعت محمد بن شجاع‬
‫يقول‪ :‬سمعت الحسن بن زياد اللؤلؤي يقول‪ :‬أتيت داود الطائي أنا وحماد بن أبي حنيفة‪ ،‬فجرى ذكر‬
‫ش يء‪ ،‬فقال داود الطائي لحماد‪ :‬يا أبا إسماعيل‪ ،‬مهمى تكلم فيه املتكلم من ش يء رجاء أن يسلم منه‪،‬‬
‫فليحذر أن يتكلم في القرآن إال بما قال هللا عز وجل فيه‪ ،‬فلقد سمعت أباك –يعنى أبا حنيفة‪ -‬يقول‪:‬‬
‫أعلمنا هللا أنه كالمه‪ ،‬فمن أخذ بما علمه هللا فقد استمسك بالعروة الوثقى‪ ،‬فهل بعد التمسك‬
‫بالعروة الوثقى إال السقوط في الهلكة؟ فقال حماد لداود‪ :‬جزاك هللا خيرا من أخ‪ ،‬فنعم ما أشرت به‪.‬‬
‫قال أبو عبد هللا محمد بن شجاع‪ :‬فذكرت هذا الكالم ألبي عاصم النبيل فجعل يستحسنه‬
‫وقال‪ :‬ومن يدري ما بعد هذا أنه كالم هللا عز وجل إال هللا؟‬
‫قال محمد بن شجاع‪ :‬فذكرته للحسن بن أبي مالك‪ ،‬فقال‪ :‬صدق‪ ،‬لقد كنا بطانة أبي يوسف‬
‫وخاصته‪ ،‬ولقد كان يقول لنا‪ :‬لو أني قدرت على أن أقاسمكم ما في قلبي من العلم وما عندي لفعلت‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫وكان ناصحا رحمه هللا‪ .‬وما سمتعه يرخص في ش يء من هذا‪ ،‬ولقد كان ينهى عنه أشد النهي»‪[ .‬املصدر‬
‫السابق‪]118-117 ،‬‬
‫وأحمد بن محمد بن حماد في السند هو أبو بشر الدوالبي الحافظ املعروف‪ ،‬وشيخه محمد بن‬
‫شجاع هو الثلجي‪ ،‬من أعلم أعالم العراق قراءة وحديثا وفقها‪ .‬وهو الذي اشتهر بالوقف‪.‬‬
‫وهذا املذهب مروي عن كبار أصحاب أبي حنيفة‪ ،‬فبالسند السابق يروي ابن أبي العوام عن ابن‬
‫شجاع الثلجي أنه قال‪« :‬قلت للحسن بن أبي مالك‪ :‬أروي عنك أن أبا يوسف كان يرى أن من زاد على‬
‫أن القرآن كالم هللا‪ ،‬أنه يرى عليه العقوبة بالضرب؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬ارو ذلك عني‪ ،‬سمعت أبا يوسف‬
‫يقول‪ :‬من سأل عنه عوقب‪ .‬قلت‪( :‬القائل ابن شجاع) يا أبا علي‪ ،‬فهل توافق أبا يوسف على هذا؟‬
‫قال‪ :‬لو خالفته في جميع قوله لوافقته على هذا‪ ،‬من سمعته يسأل عن ش يء من هذا فهو رجل سوء‬
‫ال يؤديه سواله إلى خير»‪[ .‬املصدر السابق‪]312 ،‬‬
‫وبه إلى الحسن بن زياد قال‪« :‬سمعت زفر بن الهذيل وسأله رجل فقال له‪ :‬القرآن كالم هللا‪ ،‬فقال‬
‫له الرجل‪ :‬أمخلوق هو؟ فقال له زفر‪ :‬لو شغلك فكر في مسألة أنا فيها أرجو أن ينفعني هللا بعلمها‪،‬‬
‫لشغلك ذلك عن هذا الذي تفكرت فيه‪ .‬والذي تفكرت فيه بال شك يضرك‪ ،‬سلم هلل عز وجل ما‬
‫رض ي به منك‪ ،‬وال تكلف نفسك ما ال تكلف»‪[ .‬املصدر السابق‪]296 ،‬‬
‫ومنها ما جاء فيه‪« :‬وله يد ووجه ونفس كما ذكره هللا تعالى في القرآن‪ ،‬فما ذكره هللا تعالى في القرآن‬
‫من ذكر الوجه واليد والنفس‪ ،‬فهو له صفات بال كيف‪ .‬وال يقال إن يده قدرته أو نعمته؛ ألن فيه‬
‫إبطال الصفة‪ ،‬وهو قول أهل القدر واالعتزال‪ ،‬ولكن يده صفته بال كيف… وكل ش يء ذكره العلماء‬
‫بالفارسية من صفات هللا تعالى عز اسمه‪ ،‬فجائز القول به‪ ،‬سوى اليد بالفارسية‪ ،‬ويجوز أن يقال‪:‬‬
‫«بروى خداي» بالفارسية»‪.‬‬
‫وهذا القسم في رأيي مما أدرج في كالم أبي حنيفة من باب الشرح‪ ،‬من قبل أحد رواة اإلسناد‪،‬‬
‫فنقل املتن والشرح املدرج ككالم واحد‪ .‬ويدل على هذا أنه لم يكن في زمان أبي حنيفة التأليف‬
‫بالفارسية‪ ،‬بل كان بالعربية‪ ،‬فكيف يقول‪« :‬كل ش يء ذكره العلماء بالفارسية»؟؟؟ فمن ألف في ذلك‬
‫الزمان عن تلك املسائل بالفارسية؟ وال أظن هذا إال إدراجا من قبل أحد الرواة في العهود املتأخرة‪،‬‬
‫وال يشبه هذا كالمه‪.‬‬
‫وقد يكون في الكتاب مدرجات غير ما ذكرت‪.‬‬

‫الباب الثاني‪« :‬الفقه األكبر» رواية أبي مطيع البلخي‬


‫إسناد الكتاب والنقود املوجهة إليه‬
‫إن النقود املوجهة إلى الكتاب‪ ،‬تنحصر في إسناده فقط‪ ،‬وقد روى الكتاب أبو بكر الكاساني‪،‬‬
‫عن عالء الدين السمرقندي‪ ،‬عن أبي املعين النسفي‪ ،‬عن أبي عبد هللا الحسين بن علي الكاشغري‪،‬‬

‫‪10‬‬
‫عن أبي مالك نصران بن نصر الختلي‪ ،‬عن علي بن الحسن بن محمد الغزال‪ ،‬عن أبي الحسن علي‬
‫بن أحمد الفارس ي‪ ،‬عن نصير بن يحيى‪ ،‬عن أبي مطيع البلخي‪ ،‬عن أبي حنيفة‪.‬‬
‫ويمكن أن نقسم النقود قسمين‪ :‬القسم األول النقود املوجهة إلى الرجال حتى أبي مطيع‪ ،‬والقسم‬
‫الثاني النقود املوجهة إلى أبي مطيع نفسه‪.‬‬
‫النقد األول‪ :‬رجال اإلسناد إلى أبي مطيع‪ .‬فقالوا‪« :‬إن أبا بكر الكاساني‪ ،‬وعالء الدين‬
‫السمرقندي‪ ،‬وأبا املعين النسفي‪ ،‬ال يوجد في حقهم أي جرح وال أي تعديل‪ .‬وأبو عبد هللا الكاشغري‪،‬‬
‫قال عنه الذهبي‪« :‬اتهم بالكذب»‪ ،‬وقال السمعاني‪« :‬تصانيفه في الحديث تزيد على مائة وعشرين‬
‫مؤلفا‪ ،‬وأكثر حديثه مناكير»‪ .‬ونصران بن نصر الختلي‪ ،‬ما ذكر عنه الذهبي شيئا سوى أنه راوي‬
‫كتاب «الفقه األكبر»‪ ،‬وهذا يدل على أن الرجل مجهول‪ ،‬وأن املعلومة الوحيدة عنه هي كونه راوي‬
‫الكتاب هذا‪ .‬وأبو الحسن الفارس ي مجهول‪ ،‬ليس له ذكر في كتب الرجال‪ .‬ونصير بن يحيى مجهول‪،‬‬
‫ليس له ذكر سوى في «الجواهر املضية» للقرش ي‪ ،‬وهو لم يذكر عنه إال تاريخ وفاته‪ ،‬وأنه تفقه على‬
‫رجل اسمه أبو سليمان الجوزجاني»‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أما الكاساني‪ ،‬وعالء الدين السمرقندي‪ ،‬وأبو املعين النسفي‪ ،‬فثالثتهم من عظماء املذهب‬
‫الحنفي‪ ،‬فال حاجة لهم بأن يعدلهم أحد تعديال خاصا‪ ،‬ملعرفة القاص ي والداني مكانتهم املرموقة في‬
‫املذهب‪ .‬ثم الناظر في الكتب التي تحتوي على تراجم هؤالء الثالثة يجد فيها املدح والثناء عليهم‪ ،‬وهذا‬
‫تعديل‪ .‬وال حاجة إلى التعديل بألفاظ خاصة مصطلح عليها عند أصحاب الجرح والتعديل‪ ،‬نحو‬
‫«ثقة‪ ،‬وثبت‪ ،‬وصدوق» وغير ذلك من ألفاظ التعديل‪ .‬وإذا شرطنا هذا‪ ،‬لوجب التشكيك في حق‬
‫العلماء الكبار الذين لم نجد فيهم التعديل الخاص بهذه األلفاظ الخاصة في تلك الكتب‪ .‬وكتب‬
‫الطبقات تختلف في هذا عن كتب الرجال‪.‬‬
‫وأما تهمة الكذب في حق الكاشغري‪ ،‬فال تدل على أن املتهم كذاب أو يتعمد الكذب؛ إذ قد اتهم‬
‫العلماء الكبار الثقات بالكذب‪ ،‬منهم الحسن بن زياد اللؤلؤي صاحب أبي حنيفة‪ .‬وقد نقل الخطيب‬
‫في «مسألة االحتجاج بالشافعي» في الصاحبين تهمة الكذب أيضا‪[ .‬الخطيب‪« ،‬مسألة االحتجاج‬
‫بالشافعي»‪ ]97 ،‬ولكن هذه األقاويل ذاهبة أدراج الرياح‪ ،‬وليست معتمدة عند الجنفية‪.‬‬
‫وأما ما قاله السمعاني‪ ،‬فليس في أيدينا مؤلفات الكاشغري‪ ،‬حتى ننظر فيها لنعلم هل العلة في‬
‫تلك املناكير الكاشغري أم غيره؟ ولم يبينه السمعاني أيضا‪.‬‬
‫ثم وإن قبلنا الكالم في الكاشغري تنزال‪ ،‬فهذا ال يؤثر في القضية؛ إذ الكتاب كان مشهورا قبل‬
‫الكاشغري‪ ،‬فهو توفي سنة (‪484‬هـ)‪ ،‬وقال ابن النديم في «فهرسته» الذي ألفه سنة (‪ 377‬هـ) عن أبي‬
‫حنيفة‪« :‬وله من الكتب كتاب «الفقه األكبر»‪ ،‬ورسالته إلى البستي‪ ،‬وكتاب «العالم واملتعلم» رواه‬
‫عنه مقاتل‪ ،‬وكتاب الرد على القدرية‪ .‬والعلم برا وبحرا‪ ،‬شرقا وغربا‪ ،‬بعدا وقربا تدوينه رض ي هللا‬
‫عنه»‪[ .‬ابن النديم‪« ،‬الفهرست»‪ ]251 ،‬وقد سبق أن الكتاب الذي ذكره ابن النديم وفيه الرد على‬
‫القدرية هو كتاب «الفقه األكبر» رواية أبي مطيع‪ ،‬كما صرحه عبد القاهر البغدادي قائال‪« :‬وأول‬

‫‪11‬‬
‫متكلميهم من الفقهاء وأرباب املذاهب أبو حنيفة والشافعي‪ ،‬فإن أبا حنيفة له كتاب في الرد على‬
‫القدرية سماه كتاب «الفقه األكبر»»‪[ .‬البغدادي‪« ،‬أصول الدين»‪ ]308 ،‬والبغدادي توفي سنة (‪429‬هـ)‬
‫قبل وفات الكاشغري‪.‬‬
‫وقال أبو املظفر اإلسفراييني في «تبصيره»‪ ،‬في القسم الذي تكلم فيه عن مفاخر ومحاسن أهل‬
‫السنة‪« :‬وكتاب «الفقه األكبر» الذي أخبرنا به الثقة‪ ،‬بطريق معتمد وإسناد صحيح‪ ،‬عن نصر بن‬
‫يحيى عن أبي مطيع عن أبي حنيفة‪[ .» ...‬اإلسفراييني‪« ،‬التبصير في الدين»‪]184 ،‬‬
‫وهذا تصحيح صريح إلسناد الكتاب‪ ،‬واإلسفراييني هذا توفي سنة (‪471‬هـ)‪ .‬والصحيح من اسم‬
‫الراوي «نصير» كما سبق‪.‬‬
‫وأما نصران بن نصر‪ ،‬ودعوى أن الذهبي لم يذكر فيه سوى أنه راوي كتاب «الفقه األكبر» وهذا‬
‫يدل على أنه مجهول‪ ،‬فهذا –أعني داللة كالم الذهبي على مجهولية نصران‪ -‬غير مسلم‪ .‬فإن الذهبي‬
‫ذكره في كتابه «املشتبه في أسماء الرجال»‪ ،‬وهذا الكتاب ُوضع لبيان الفرق بين الرجال الذين‬
‫اشتبهت أسماؤهم‪ ،‬فذكر الذهبي فيه كل راو بما يميزه عن غيره‪ .‬ولذا ذكر نصران بن نصر بأهم‬
‫مزيته التي تميزه عن غيره من الذين نسبتهم «الختلي»‪.‬‬
‫ثم لم يرد عن هذا الراوي أي جرح في حقه‪ .‬فالذي ذكره الذهبي ال يعتبر جرحا‪ ،‬خاصة إذا اعتمد‬
‫على روايته أمثل الكاساني‪ ،‬والعالء السمرقندي‪ ،‬وأبي املعين النسفي‪.‬‬
‫ثم إن الذهبي قال في «املشتبه في أسماء الرجال» في قسم «الختلي»‪« :‬أبو مالك نصران بن نصر‬
‫الختلي‪ ،‬راوي «الفقه األكبر» ألبي حنيفة عن علي بن الحسن الغزال‪[ .»...‬الذهبي‪« ،‬املشتبه في أسماء‬
‫الرجال»‪ ]90 ،‬ولكن بتر بعضهم كالم الذهبي ونقله ناقصا دون لفظه‪« :‬ألبي حنيفة»‪.‬‬
‫وأما دعوى أن أبا الحسن الفارس ي مجهول ليس له ذكر في كتب الرجال‪ ،‬فهذا قول من لم يقف‬
‫على كتب الرجال كما ينبغي‪ .‬بل هو ثقة ذكره الخليلي في «إرشاده» وقال‪« :‬أبو الحسن علي بن أحمد‬
‫البلخي‪ ،‬ويعرف بـ«الفارس ي»‪ ،‬سمع عيس ى بن أحمد‪ ،‬ومحمد بن الفضل البلخي‪ .‬ثقة‪ ،‬سمع منه‬
‫املاسرجس ي‪ ،‬وأبو زرعة أحمد بن الحسين الرازي‪ ،‬وحدثنا منه أحمد بن محمد بن الحسين الحافظ‪،‬‬
‫أثنوا عليه‪ ،‬مات بعد الثالثين وثالثمائة بسنة أو أقل»‪[ .‬الخليلي‪« ،‬اإلرشاد»‪ ]952 ،951 ،‬إال أن الكوثري‬
‫جزم بأنه مات سنة (‪335‬هـ) عن سن عالية‪[ .‬الكوثري‪« ،‬مقدمات الكوثري»‪]170 ،‬‬
‫وأما نصير بن يحيى‪ ،‬فقد سبق الكالم عنه‪[ .‬انظر ص‪]2 :‬‬
‫النقد الثاني‪ :‬حال أبي مطيع البلخي‪ .‬ذكروا فيه بعض الطعون‪ ،‬فقالوا‪« :‬قال يحيى بن معين‪:‬‬
‫«ليس بش يء»‪ .‬وقال أحمد‪« :‬ال ينبغي أن يروى عنه بش يء»‪ .‬وقال أبو داود‪« :‬تركوا حديثه وكان‬
‫جهميا»‪ .‬وقال أبو حاتم‪« :‬كان مرجئا كذابا‪ ،‬ضعفه البخاري والنسائي»‪ .‬وقال ابن حبان‪« :‬كان من‬
‫رؤساء املرجئة ممن يبغض السنن ومنتحليها»‪ .‬وقال ابن عدي‪« :‬هو ّبين الضعف‪ ،‬عامة ما يرويه ال‬
‫يتابع عليه»»‪.‬‬
‫قلت‪ :‬إن ما قيل في أبي مطيع البلخي من الطعون قسمان‪:‬‬

‫‪12‬‬
‫‪ .1‬القسم األول يفيد ضعف حديثه‪ ،‬وهذا مفاد حكم ابن معين‪ ،‬وأحمد ابن حنبل‪ ،‬وابن عدي‪.‬‬
‫وهذا الحكم من املحدثين ال يضر رواية أبي مطيع هذا الكتاب للسببين‪:‬‬
‫السبب األول‪ :‬إن أبا مطيع البلخي‪ ،‬إمام ذو مكانة عند الحنفية‪ .‬وال يلزم من تضعيف املحدثين‬
‫إمامهم أبا حنيفة؛ إذ قد ضعفه‬ ‫إياه ترك روايته عند الحنفية‪ ،‬ولو كان كذلك‪ ،‬لوجب تضعيفهم َ‬
‫أحمد والبخاري‪ .‬وعلى الرغم من هذا‪ ،‬فهو إمام ثقة عند أصحابه‪.‬‬
‫والسبب الثاني‪ :‬الفرق بين رواية الحديث ورواية الكتاب ظاهر‪ .‬إذ نسبة الحديث إلى النبي محمد‬
‫تكون بواسطة عدة رجال‪ ،‬وفيه احتمال الخطأ والنسيان‪ .‬وأما أبو مطيع البلخي‪ ،‬فهو يروي كتابا‬
‫معينا عن شيخه الذي لزمه سنين بال واسطة الرجال‪ .‬وقد أماله عليه أبو حنيفة‪ .‬ففي هذه الحالة‬
‫يبعد جدا أن ينسب لشيخه كتابا من إمالئه‪ ،‬ويخطئ فيه ويقول‪ :‬قلت له كذا فقال لي كذا‪ .‬فأين ُرئي‬
‫طالب يظهر كتابا فيقول أماله علي شيخي الفالن‪ ،‬وينسبه إليه خطأ؟‬
‫‪ .2‬والقسم الثاني يتهم اعتقاد أبي مطيع البلخي‪ ،‬وهذا مفاد قول أبي داود وأبي حاتم وابن حبان‪.‬‬
‫فعلى قولهم إن أبا مطيع البلخي كان جهميا مرجئا كذابا يبغض السنة ومنتحليها‪ .‬فهذه االتهامات‬
‫الثالثة –أعني اإلرجاء والتجهم وبغض السنة وأهلها‪ -‬شبعنا منها سماعا‪ ،‬وكلها قيلت في أبي حنيفة‬
‫كذلك‪ .‬وأما اإلرجاء والتجهم‪ ،‬فاتهام النقلة أبا حنيفة بهما أشهر من أن أنقل كالمهم هنا‪.‬‬
‫وأما تهمة البغض للسنة‪ ،‬فقد قيل في أبي حنيفة مثلها بل أشد منها‪ ،‬فروى سليمان بن يعقوب‬
‫الفسوي في «املعرفة والتاريخ» عن سليمان بن حرب أنه قال‪« :‬أبو حنيفة وأصحابه ممن يصدون‬
‫عن سبيل هللا»‪[ .‬الفسوي‪« ،‬املعرفة والتاريخ»‪ ]786/2 ،‬ومثله حرب الكرماني الذي اتهم أهل الرأي‬
‫بالضاللة واتخاذ أبي حنيفة إماما دون النبي محمد‪.‬‬
‫إال أن تلك األقوال‪ ،‬ليس لها أي وزن عند الحنفية‪ ،‬وهم ال يجعلون ترهات النقلة هذه ميزانا في‬
‫تقييم إمامهم‪ .‬وإذا كان كذلك‪ ،‬فال معنى في تقييم أبي مطيع بهذه الكلمات أيضا؛ إذ سبب الطعون‬
‫واحد‪.‬‬
‫وابن حبان ممن اتهم أبا مطيع في اإلرجاء‪ ،‬وهو يتنافس مع ابن عدي في النيل عن أبي حنيفة‬
‫وأصحابه‪ ،‬وال يهدأ لهما بال إال بهذا‪ .‬ومن عجائب ابن حبان أنه يكاد أن يكون قراءة كتب الحنفية‬
‫من شروط اإلرجاء عنده‪ ،‬فهو يقول في ترجمة موس ى بن حزام‪« :‬كان في ابتداء أمره ينتحل اإلرجاء‪،‬‬
‫ثم أعانه هللا بأحمد ابن حنبل‪ ،‬وانتحل السنة وذب عنها‪ ،‬وقمع من خالفها مع لزوم الدين إلى أن مات‬
‫رحمه هللا»‪[ .‬ابن حبان‪« ،‬الثقات»‪]163/9 ،‬‬
‫ولم يذكر ابن حبان هنا كيف خلص أحمد ابن حنبل موس ى بن حزام هذا من اإلرجاء‪ .‬ولكنا‬
‫ننظر في «حلية األولياء» ألبي نعيم‪ ،‬لنجده يروي القصة كاملة‪ .‬وقد نقل أبو نعيم بسنده عن موس ى‬
‫بن حزام أنه قال‪« :‬كنت أختلف إلى أبي سليمان الجوزجاني في كتب محمد بن الحسن‪ ،‬فاستقبلني‬
‫أحمد ابن حنبل عند الجسر‪ ،‬فقال لي‪ :‬إلى أين؟ فقلت‪ :‬إلى أبي سليمان‪ ،‬فقال‪ :‬العجب منكم‪ ،‬تركتم‬
‫إلى النبي صلى هللا عليه وسلم ثالثة‪ ،‬وأقبلتم على ثالثة إلى أبي حنيفة‪ .‬فقلت‪ :‬كيف يا أبا عبد هللا؟‬

‫‪13‬‬
‫قال‪ :‬يزيد بن هارون بواسط يقول‪ :‬حدثنا حميد عن أنس قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪،‬‬
‫وهذا يقول‪ :‬حدثنا محمد بن الحسن‪ ،‬عن يعقوب‪ ،‬عن أبي حنيفة‪ .‬قال موس ى بن حزام‪ :‬فوقع في‬
‫قلبي قوله‪ ،‬فاكتريت زورقا من ساعتي فانحدرت إلى واسط‪ ،‬فسمعت من يزيد بن هارون»‪[ .‬أبو نعيم‪،‬‬
‫«حلية األولياء»‪]185/9 ،‬‬
‫فانكشف بهذا أن اإلرجاء الذي خلص أحمد ابن حنبل موس ى بن حزام منه‪ ،‬هو سماع كتب‬
‫محمد من أبي سليمان الجوزجاني‪ .‬ويعلم الجميع أن كتب محمد كانت كتب فقه‪ ،‬وأحمد ابن حنبل‬
‫نفسه تعلم دقائق الفقه من تلك الكتب التي منع موس ى بن حزام عنها‪ ،‬كما اعترف هو نفسه في رواية‬
‫إبراهيم الحربي عنه‪.‬‬
‫وليس يحسن أن ننقل هذه القصة‪ ،‬ونمر عليها دون أن نتكلم فيها‪ .‬وال يمتلك اإلنسان إلجام‬
‫نفسه عن التعجب حين يرى مثل هذه التصرفات الرخيصة من شخص يشار إليه أنه إمام أحد‬
‫املذاهب الفقهية‪.‬‬
‫وإن مقارنة أحمد ابن حنبل سماع كتب محمد بسماع حديث النبي محمد ال يمكن تصحيحها‬
‫بأي وجه من الوجوه؛ إذ لم يكن ما يرويه أبو سليمان‪ ،‬إال فقه املدرسة املعينة‪ ،‬وفقه املدرسة املعينة‬
‫ال يروى إال عن إمام تلك املدرسة‪ ،‬وال يمكن أن يروى عن النبي محمد كما تروى أحاديثه‪ ،‬فبالتالي‬
‫تبطل مقارنة رواية كتب املذهب برواية األحاديث‪ ،‬ومقارنة عدد رجال أسانيد الكتب بعدد رجال‬
‫أسانيد األحاديث‪.‬‬
‫ثم الرواية بسند عال بال تفقه في املروي‪ ،‬لم تكن مزية عند أصحاب الرأي الفقهاء خالفا ألهل‬
‫النقل‪ ،‬بل ترك التفقه مذمة عندهم؛ ألن املطلوب هو العمل باملروي‪ ،‬وليس مجرد الرواية‪ .‬وبالتفقه‬
‫يصحح العمل‪ .‬وإذا كانت الرواية بسند عال مزية في جانب الرواية‪ ،‬فالتفقه باملروي مزية في جانب‬
‫العمل والدراية‪ .‬ففي هذا يقول الكوثري في «بلوغ األماني» بعد أن ذكر ما قاله أحمد ابن حنبل في‬
‫كتب محمد بن الحسن‪ ،‬وذكر هذه القصة وقال‪« :‬فيا ترى ما هو الداعي له ‪-‬يقصد أحمد ابن حنبل‪-‬‬
‫إلى هذا االضطراب؟ تراه يثني على كتب محمد بن الحسن وعلمه مرة‪ ،‬وتراه يسعى مرة أخرى في صرف‬
‫املستمعين إلى كتبه من سماعها بأن يقول‪ :‬هناك علو السند‪ .‬وهو يعلم أن السماع بعلو بدون تفقه‬
‫قليل الجدوى»‪[ .‬الكوثري‪« ،‬بلوغ األماني»‪]51 ،‬‬
‫والحق أن ذم أحمد ابن حنبل محمد بن الحسن وكتبه ال قيمة له عند الحنفية‪ .‬وما رفع محمدا‬
‫مدح أحمد حتى يسقطه ذمه‪ ،‬كما قال أبو سليمان الجوزجاني تلميذ صادق لشيخه‪ ،‬ملا كتب إليه‬
‫أحمد ابن حنبل‪« :‬إنك إن تركت رواية كتب محمد جئنا إليك لنسمع منك الحديث»‪ ،‬فكتب أبو‬
‫سليمان إليه على ظهر رقعته‪« :‬ما مصيرك إلينا يرفعنا‪ ،‬وال قعودك عنا يضعنا‪ ،‬وليت عندي من هذه‬
‫الكتب أوقارا حتى أرويها حسبة»‪.‬‬
‫فلنعد إلى أبي مطيع البلخي‪ ،‬هو من كبار الحنفية‪ ،‬وكبير املحل عندهم‪ .‬وكان له رسوخ في العلم‪،‬‬
‫وفقه يجعله يناظر مثل أبي يوسف‪ .‬وكان على قضاء بلخ ست عشرة سنة‪ ،‬وكان ينزل بغداد حينا‬

‫‪14‬‬
‫بعد حين‪ ،‬ويذاكر أئمتها‪ .‬فروى الخطيب بسنده عن القاسم بن زريق تلميذ أبي مطيع أنه قال‪:‬‬
‫َ‬
‫«دخلت أنا وأبو مطيع بغداد‪ ،‬فاستقبلنا أبو يوسف فقال‪ :‬يا أبا مطيع كيف قدمت؟ قال‪ :‬ثم نزل‬
‫عن دابته‪ ،‬فدخال املسجد‪ ،‬فأخذا في املناظرة»‪[ .‬الخطيب‪« ،‬تاريخ مدينة السالم»‪ ]122/9 ،‬فهكذا كان‬
‫الوالء بينه وبين أبي يوسف‪.‬‬
‫ومن شيوخه أبو حنيفة‪ ،‬وقد لزمه سنين‪ ،‬وسمع مالكا‪ ،‬والثوري‪ ،‬وغيرهما‪.‬‬
‫وممن أخذ منه نصير بن يحيى راوي الكتاب عنه‪ ،‬ومحمد بن مقاتل الرازي‪ ،‬وموس ى بن نصر‪،‬‬
‫والقاسم بن زريق وغيرهم من أهل العلم كثير‪.‬‬
‫وروى الخطيب بسنده عن محمد بن فضيل البلخي قال‪« :‬مات أبو مطيع وأنا ببغداد‪ ،‬فجاءني‬
‫املعلى بن منصور فعزاني فيه‪ ،‬ثم قال‪ :‬لم يوجد ههنا منذ عشرين سنة مثله»‪[ .‬املصدر السابق] فلينظر‬
‫القارئ الكريم من عاش في بغداد قبل عشرين سنة من وفاة أبي مطيع‪ ،‬ليفهم قدر كالم املعلى فيه‪.‬‬
‫وروى الخطيب أيضا بسنده عن ابن املبارك قال‪« :‬أبو مطيع له املنة على جميع أهل الدنيا»‪.‬‬
‫[املصدر السابق‪]123/9 ،‬‬
‫والخطيب نفسه يقول فيه‪« :‬كان فقيها‪ ،‬بصيرا بالرأي»‪[ .‬املصدر السابق‪]121/9 ،‬‬
‫وقال عبد القادر القرش ي‪« :‬تفقه به أهل تلك الديار‪ ،‬وكان بصيرا عالمة كبيرا‪ ،‬كان ابن املبارك‬
‫يعظمه ويبجله لدينه وعلمه»‪[ .‬القرش ي‪« ،‬الجواهر املضية»‪]87/4 ،‬‬
‫وقال تقي الدين الغزي‪« :‬اإلمام العالم العامل‪ ،‬أحد أعالم هذه األمة‪ ،‬ومن أقر له بالفضائل‬
‫جهابذة األئمة‪ ...‬وولي قضاء بلخ‪ ،‬وقدم بغداد غير مرة‪ ،‬وحدث بها‪ ،‬وتلقاه أبو يوسف‪ ،‬وتناظر معه‪،‬‬
‫وكانت مدة واليته على قضاء بلخ ست عشرة سنة‪ ،‬يقول بالحق ويعمل به»‪[ .‬الغزي‪« ،‬الطبقات السنية»‪،‬‬
‫‪]178/3‬‬
‫وقال ابن العماد الحنبلي‪« :‬وبلغنا أن أبا مطيع كان من كبار اآلمرين باملعروف‪ ،‬والناهين عن‬
‫املنكر»‪[ .‬ابن العماد‪« ،‬شذرات الذهب»‪]471/2 ،‬‬
‫وكان محمد بن مقاتل الرازي‪ ،‬وموس ى بن نصر يبجالنه‪ ،‬وهو كبير املحل عند الحنفية كما قال‬
‫ابن حجر‪[ .‬ابن حجر‪« ،‬لسان امليزان»‪]248/2 ،‬‬
‫األسانيد األخرى للكتاب‪ .‬لقد ذكر الذهبي كما نقله الكوثري عنه‪ ،‬وكما نقتله من «املشتبه في‬
‫أسماء الرجال» أن نصران بن نصر الختلي يروي هذا الكتاب عن علي بن الحسن الغزال‪ .‬ورواه عن‬
‫نصران الكاشغري‪ .‬ويرويه الغزال عن أبي الحسن علي بن أحمد الفارس ي‪ ،‬عن نصير بن يحيى‪ ،‬عن‬
‫أبي مطيع‪ ،‬عن أبي حنيفة‪ .‬وهكذا ذكر الكوثري السند في أول الكتاب مع ذكر الغزال‪.‬‬
‫وقد ذكر الكوثري سندا آخر للكتاب‪ .‬ففي هذا السند يروي الكتاب أبو املعين النسفي‪ ،‬عن يحيى‬
‫بن مطرف‪ ،‬عن أبي صالح محمد بن الحسين‪ ،‬عن أبي سعيد سعدان بن محمد بن بكر بن عبد هللا‬
‫البستي الجرمقي‪ ،‬عن علي بن أحمد الفارس ي بسنده‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫وللكتاب سند آخر لم يذكره الكوثري‪ .‬لقد وجدته في كتاب «القند في ذكر علماء سمرقند» لنجم‬
‫الدين النسفي‪ .‬يقول النسفي في أثناء كالمه عن الياركثي‪« :‬أخبرنا اإلمام أبو املحامد محمد بن محمد‬
‫بن الحسن الزالي بسمرقند قال‪ :‬أخبرنا اإلمام أبو عبد هللا محمد بن عبد هللا ابن محمد الشوماني‬
‫قال‪ :‬أخبرنا األديب العارف أبو الحسن علي بن محمد بن عمرو الياركثي قال‪ :‬أخبرنا أبو سعيد محمد‬
‫بن عبد هللا العجيفي‪ ،‬عن أبي الحسن الفارس ي‪ ،‬عن نصير بن يحيى‪ ،‬عن أبي مطيع البلخي‪ ،‬عن أبي‬
‫حنيفة رض ي هللا عنه بكتاب «الفقه األكبر» وبكتاب «العالم واملتعلم» من جهته كالهما»‪[ .‬النسفي‪،‬‬
‫«القند في ذكر علماء سمرقند»‪]549 ،‬‬
‫وصاحب الكتاب هو املحدث املشهور نجم الدين عمر بن محمد بن أحمد النسفي‪ .‬فقيه فاضل‬
‫عالم باملذهب كما قال السمعاني‪.‬‬
‫وأما أبو املحامد شيخه في السند‪ ،‬فنسبه السمعاني «الدالي» بالدال املهملة وليس بـ«الزالي»‬
‫بالزاي املعجمة‪ .‬وذكره في عداد الرواة عن أبي عبد هللا الشوماني كما سيأتي‪ .‬وقد وصفه النسفي‬
‫باإلمامة كما سبق في السند‪.‬‬
‫وأما أبو عبد هللا الشوماني‪ ،‬فهو واعظ شهير وعالم‪ .‬قال السمعاني في أثناء كالمه عن نسبة‬
‫«الشوماني»‪« :‬أبو عبد هللا محمد بن عبد هللا بن محمد الشومانى البلخي‪ ،‬كان واعظا من أهل بلخ‪،‬‬
‫َ‬
‫يلقب بـ«زين الصالحين»‪ ،‬وكان أستاذ امللك شمس امللك نصر بن إبراهيم الخاقاني ومعلمه‪ ،‬يروي‬
‫عن أبى محمد عبد الرحمن بن إسماعيل الواشجردي‪ ،‬روى عنه أبو املحامد محمد بن محمد بن‬
‫الحسن الدالي البلخي بسمرقند»‪[ .‬السمعاني‪« ،‬األنساب»‪]487/3 ،‬‬
‫وأما أبو الحسن الياركثي‪ ،‬فقد ذكره النسفي في علماء سمرقند وقال‪« :‬الشيخ أبو الحسن علي‬
‫بن محمد بن عمرو املؤدب الياركثي‪ ،‬صاحب «شرح املقامات»‪ ،‬تلميذ الشيخ أبي القاسم الحكيم‬
‫رحمه هللا‪ ،‬حدث بسمرقند»‪[ .‬النسفي‪« ،‬القند في ذكر علماء سمرقند»‪]548 ،‬‬
‫وأما أبو سعيد العجيفي‪ ،‬فهو ابن الفقيه أبي القاسم عبد هللا بن عجيف‪ .‬وقد سبق الكالم في‬
‫باقي رجال السند‪.‬‬
‫النقد الثالث‪« :‬إن الكتاب ينسب إلى أبي مطيع البلخي دون أبي حنيفة‪ .‬يقول الذهبي عن أبي‬
‫مطيع البلخي‪« :‬صاحب كتاب «الفقه األكبر»»‪ .‬فهذه إشارة منه إلى أن الكتاب ليس من تأليف أبي‬
‫حنيفة‪ ،‬وإنما هو من تأليف أبي مطيع البلخي‪ .‬ولذا قال األلباني عن كالم الذهبي‪« :‬وفيه إشارة قوية‬
‫إلى أن كتاب «الفقه األكبر» ليس لإلمام أبي حنيفة رحمه هللا تعالى‪ ،‬خالفا ملا هو املشهور عند‬
‫الحنفية»‪ .‬كذا اعترف اللكنوي قائال‪« :‬أبو مطيع البلخي صاحب أبي حنيفة‪ ،‬وصاحب كتاب «الفقه‬
‫األكبر»»‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا النقد غير صحيح؛ ألن الذهبي قصد بقوله «صاحب كتاب «الفقه األكبر»»‪ ،‬كون أبي‬
‫مطيع جامع الكتاب من سماعه عن أبي حنيفة‪ .‬وأكبر دليل على هذا‪ ،‬كالم الذهبي نفسه الذي نسب‬
‫فيه الكتاب صريحا إلى أبي حنيفة‪ .‬يقول الذهبي في كتابه «املشتبه في أسماء الرجال»‪« :‬أبو مالك‬

‫‪16‬‬
‫نصران بن نصر الختلي‪ ،‬راوي «الفقه األكبر» ألبي حنيفة عن علي بن الحسن الغزال‪[ .»...‬الذهبي‪،‬‬
‫«املشتبه في أسماء الرجال»‪ ]90 ،‬ولكن الحميدي وكذا الخميس مسحا اسم أبي حنيفة من كالم الذهبي‪.‬‬
‫وبهذا علم ضعف كالم األلباني السابق‪.‬‬
‫وأما اعتراف اللكنوي ‪-‬على تعبيرهم‪ ،-‬فهذا الزعم في حق اللكنوي نشأ عن بتر كالمه وعدم سرده‬
‫كامال‪ .‬فاللكنوي جمع كتابه «الفوائد البهية» من سائر كتب طبقات الحنفية‪ ،‬ثم أضاف كالمه قائال‪:‬‬
‫«قال الجامع»‪ .‬ويقول اللكنوي عن أبي مطيع البلخي‪« :‬الحكم بن عبد هللا بن مسلمة بن عبد‬
‫الرحمن‪ ،‬القاض ي أبو مطيع البلخي راوي «الفقه األكبر» عن أبي حنيفة»‪[ .‬اللكنوي‪« ،‬الفوائد البهية»‪،‬‬
‫‪]34‬‬
‫فهنا ذكر أبا مطيع كراوي الكتاب كما ترى‪ .‬ثم نقل اللكنوي من كتاب «العبر في خبر من غبر»‬
‫للذهبي كالمه حيث قال‪« :‬قال الجامع‪ :‬أرخ الذهبي وفاته في «العبر في خبر من غبر» سنة تسع وتسعين‬
‫ومائة حيث قال‪ :‬فيها توفي أبو مطيع البلخي الفقيه‪ ،‬صاحب أبي حنيفة وصاحب كتاب «الفقه‬
‫األكبر»»‪[ .‬املصدر السابق]‬
‫فأنت ترى أن اللكنوي نقل كالم الذهبي من «عبره»‪ ،‬ولم يعترف بش يء كما زعموا‪ .‬نعم الذهبي‬
‫قال هذا الكالم في «عبره»‪[ ،‬انظر‪ :‬الذهبي‪« ،‬العبر في خبر من غبر»‪ ]258/1 ،‬ولكنه صرح في «مشتبهه» بأن‬
‫الكتاب ألبي حنيفة كما سبق‪ .‬وهذا أكبر دليل على أن الذهبي يقصد بقوله «صاحب «الفقه األكبر»»‬
‫كون أبي مطيع جامع الكتاب وراويه‪.‬‬
‫واللكنوي أيضا صرح في بداية ترجمة أبي مطيع بأنه راوي الكتاب كما سبق‪ ،‬ثم نقل كالم الذهبي‬
‫من «عبره»‪ .‬ولكن أصحاب النقد هذا‪ ،‬أخفوا كالمه في بداية ترجمة أبي مطيع‪ ،‬ونقلوا ما نقله عن‬
‫الذهبي‪ ،‬وجعلوه اعترافا منه على أن الكتاب ليس ألبي حنيفة‪.‬‬
‫فإذا قيل‪ :‬إن اللكنوي لم يعترض على كالم الذهبي‪ ،‬فيكون مؤيدا له في كالمه‪ ،‬قلت‪ :‬كان كذلك‬
‫لو نقل كالم الذهبي معقبا على كالمه في أنه راوي الكتاب‪ .‬ولكنه لم ينقل كالم الذهبي معترضا على‬
‫هذا‪ ،‬بل نقل كالمه في بيان تاريخ وفاته‪ ،‬فال يكون نقله نقدا منه على كالمه هو في بداية الترجمة‪.‬‬
‫ثم ولو قبلنا تنزال أن اللكنوي يؤيد كالم الذهبي‪ ،‬ففي هذه الحالة يكون محيال األمر إلى كالم‬
‫الذهبي‪ ،‬وقد سبق معنى كالمه جمعا بين قوله هذا‪ ،‬وقوله في «املشتبه»‪.‬‬
‫وال شك أن كاتب ما في الكتاب بمعنى الجمع هو أبو مطيع البلخي‪ .‬وفي عهد أبي حنيفة كان اإلمالء‬
‫أسلوبا سائدا في التأليف‪ .‬ويقول املرتض ى الزبيدي في «إتحاف السادة املتقين» في مقدمته على قواعد‬
‫العقائد‪« :‬فمن عزاهن (يقصد كتب أبي حنيفة) إلى اإلمام صح لكون تلك املسائل من إمالئه‪ ،‬ومن‬
‫عزاهن إلى أبي مطيع البلخي‪ ،‬أو غيره ممن هو في طبقته‪ ،‬أو ممن هو بعدهم صح لكونها من جمعهم‪.‬‬
‫ونظير ذلك املسند املنسوب لإلمام الشافعي‪ ،‬فإنه من تخريج أبي عمرو محمد بن جعفر بن محمد‬
‫بن مطر النيسابوري عن أبي العباس األصم من أصول الشافعي»‪[ .‬الزبيدي‪« ،‬إتحاف السادة املتقين»‪،‬‬
‫‪]19/2‬‬

‫‪17‬‬
‫كالم أبي حنيفة على أن ما كتبه ليس ألبي حنيفة؟ وملذا تنسب مسائل‬ ‫فمتى دل كتابة أبي مطيع َ‬
‫ولم ال نقول إن تلك املسائل نسبتها إلى أحمد باطلة‪ ،‬بل هي من عمل ابنيه عبد هللا‪،‬‬ ‫أحمد إليه؟ َ‬
‫وصالح‪ ،‬أو من عمل أصحابه مثل إسحاق بن إبراهيم‪ ،‬وإسحاق بن منصور؛ ألن أحمد كان ال يرتض ي‬
‫وضع كتاب في الفقه‪ ،‬وأصحابه هم الذين قاموا بجمع آرائه؟‬
‫ونظيرها «مدونة» سحنون‪ ،‬فهل يجب أن ال ننسب ما فيه من اآلراء إلى مالك؛ ألن الجامع هو‬
‫سحنون وليس مالكا؟ وإذا كان ما جمعه سحنون الذي لم ير مالكا من آراء مالك بواسطة أصحابه‬
‫ينسب إلى مالك‪ ،‬فلم ال ينسب ما جمعه أبو مطيع الذي صحب أبا حنيفة سنين من كالمه إلى أبي‬
‫حنيفة؟‬
‫وأبو حنيفة لم يؤلف كتابا في الفقه أيضا‪ ،‬ولكن أصحابه جمعوا أقواله‪ .‬فهل نقول إن اآلراء التي‬
‫ُجمعت في كتب أصحابه ليست له؟‬
‫الخميس نفسه اعترف مصرحا بأن ما في «الفقه األكبر» هو كالم أبي حنيفة‪ ،‬إال أن أبا مطيع‬‫ّ‬ ‫ثم‬
‫هو الذي جمعه حيث قال‪« :‬ويظهر ‪-‬وهللا أعلم‪ -‬أنها ليست من تأليف اإلمام مباشرة‪ ،‬بل من تأليف‬
‫تلميذه أبي مطيع البلخي‪ ،‬جمع فيها أمالي اإلمام وأقواله‪ ،‬لذا يقول الذهبي عن أبي مطيع البلخي‪:‬‬
‫«صاحب كتاب «الفقه األكبر»»‪[ .‬الخميس‪« ،‬أصول الدين عند اإلمام أبي حنيفة»‪ ]119 ،‬إذا كان كذلك‪،‬‬
‫فأين املشكلة في نسبة الكتاب إلى أبي حنيفة؟‬
‫نعم‪ ،‬الكتاب من أمالي أبي حنيفة‪ ،‬وجامعه أبو مطيع البلخي‪ .‬وهذا ظاهر في أسلوب الكتاب‪ .‬إذ‬
‫يذكر أبو مطيع ما جرى بينه وبين شيخه بأسلوب «قلت‪-‬قال»‪ .‬وال أحد ينكر هذا‪.‬‬

‫النقدان املوجهان إلى كال الكتابين‬


‫النقد األول‪ :‬لفظ «املنسوب إليه»‪ ،‬قالوا‪ :‬إن لفظ «املنسوب إليه» يفيد مجرد النسبة‪ ،‬وهذا‬
‫يشعر بعدم الجزم في أن الكتب ألبي حنيفة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬إن لفظ «املنسوب إليه» ال يلزم منه عدم جزم النسبة دائما‪ .‬بل قد نجد في كالم العلماء‬
‫هذا اللفظ بغير هذا املعنى‪ .‬فمثال يقول املرتض ى الزبيدي في مقدمة «عقود الجواهر املنيفة» وهو‬
‫يصف كتابه‪« :‬فهذا كتاب نفيس أذكر فيه أحاديث األحكام التي رواها إمامنا األعظم املشار إليه روح‬
‫هللا روحه‪ ،‬وأعاد إلينا سره وفتوحه‪ ،‬معتمدا فيما أخرجته على مسانيد اإلمام األربعة عشر املنسوبة‬
‫إليه من تخاريج األئمة‪ ،‬فمنها ما ألصحابه األربعة حماد ابنه‪ ،‬وأبي يوسف‪ ،‬ومحمد‪ ،‬ويعرف‬
‫بـ«اآلثار»‪ ،‬والحسن بن زياد اللؤلؤي‪ ،‬روايتهم عنه بال واسطة‪[ .»...‬الزبيدي‪« ،‬عقود الجواهر املنيفة»‪-3 ،‬‬
‫‪]4‬‬
‫وال يتفوه أحد بأن الزبيدي كان يشك في نسبة املرويات في كتب أصحاب أبي حنيفة املذكورين‬
‫إليه‪ .‬وغاية ما في األمر أنه قال «املنسوبة إليه» ألن أبا حنيفة لم يباشر كتابة تلك األحاديث في تلك‬
‫الكتب‪ ،‬وأما روايته لها‪ ،‬وأنها صدرت منه وكتبها أصحابه منه سماعا‪ ،‬فال شك في ذلك‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫ويقول عالء الدين البخاري في شرحه على «أصول البزدوي»‪« :‬ثم إن كتاب «أصول الفقه»‬
‫املنسوب إلى الشيخ اإلمام املعظم‪ ،‬والحبر الهمام املكرم‪ ،‬العالم العامل الرباني‪ »...‬إلى آخر كالمه‪.‬‬
‫[البخاري‪« ،‬كشف األسرار»‪ ]16/1 ،‬فهل يشك البخاري أو أحد غيره في نسبة «أصول البزدوي» إلى‬
‫صاحبه؟‬
‫ويقول نظام الدين النيسابوري في «غرائب القرآن ورغائب الفرقان» عن تفسير الرازي‪« :‬وملا كان‬
‫التفسير الكبير املنسوب إلى اإلمام األفضل والهمام األمثل‪ ،‬الحبر النحرير والبحر الغزير‪ ،‬الجامع‬
‫بين املعقول واملنقول الفائز بالفروع واألصول‪ ،‬أفضل املتأخرين‪ ،‬فخر امللة والحق والدين‪ ،‬محمد‬
‫بن عمر بن الحسين الخطيب الرازي‪ ،‬تغمده هللا برضوانه وأسكنه بحبوحة جنانه‪[ .»...‬النيسابوري‪،‬‬
‫«غرائب القرآن ورغائب الفرقان»‪ ]6/1 ،‬وال يشك النيسابوري‪ ،‬أو أحد غيره في أن «التفسير الكبير» من‬
‫وضع الرازي نفسه‪.‬‬
‫النقد الثاني‪« :‬لم يرو الكتب عن أبي حنيفة سوى حماد وأبي مطيع‪ ،‬فلو كانت الكتب املنسوبة‬
‫إلى أبي حنيفة له‪ ،‬لرواها عنه جميع أصحابه أو أكثرهم»‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ربما هذه هي أضعف النقود حول كتب أبي حنيفة؛ إذ لو جعلناها ضابطا في اإلثبات‬
‫والنفي‪ ،‬لوجب علينا نفي ما انفرد به الصحابة من األحاديث‪ ،‬وعلى رأسهم أبو هريرة الذي يزيد ما‬
‫انفرد به عن مائة حديث‪ ،‬منها الصحاح ومنها الحسان‪.‬‬
‫وإذا قال قائل‪ :‬ولكن الكتب املنسوبة إلى أبي حنيفة هي في العقيدة‪ ،‬وأقواله في غاية األهمية أن‬
‫ويرويها أكثر أصحابه‪ ،‬قلت‪ :‬ففي مفاريد أبي هريرة أحاديث في باب العقيدة أيضا‪ ،‬منها حديث‪:‬‬ ‫تجمع‪َ ،‬‬
‫«إن هلل تسعة وتسعين اسما‪ ،‬مائة إال واحدا‪ ،‬من أحصاها دخل الجنة»‪ .‬فهذا الحديث يحتوي على‬
‫معلومة عقدية في عدد أسماء هللا‪ ،‬ومع ذلك لم يروه قدماء أصحاب النبي محمد من املهاجرين‬
‫واألنصار‪ ،‬بل هو مما انفرد به أبو هريرة‪.‬‬
‫ثم من روى كتاب «أصول السنة» عن أحمد غير عبدوس بن مالك العطار؟ وهذا الكتاب زبدة‬
‫عقيدة أحمد ابن حنبل‪ ،‬فهو في غاية األهمية عند الحنابلة‪ ،‬فيه يقول ابن أبي يعلى الحنبلي في‬
‫«طبقاته» في ذكر من اسمه عبدوس‪« :‬ووقع إلينا منها ش يء أخرجه أبو عبد هللا في جماع أبواب‬
‫السنة‪ ،‬ما لو رحل رجل إلى الصين في طلبها لكان قليال‪ ،‬أخرجه أبو عبد هللا ودفعه إليه»‪[ .‬ابن أبي‬
‫يعلى‪« ،‬طبقات الحنابلة»‪ ]166/2 ،‬ومع هذا ال يشك الحنابلة في نسبة الكتاب إلى أحمد ابن حنبل‪.‬‬
‫ومن روى رسالة «شرح السنة» عن املزني؟ ولم يروها عنه غير علي بن عبد هللا الحلواني‪ ،‬وعبد‬
‫الكريم بن عبد الرحمن بن معاذ بن كثير‪ ،‬وهما مجهوالن‪ .‬ومع هذا ينسبها إليه الحنابلة بكل فخر‪.‬‬
‫ثم إن أصحاب هذا النقد يعتمدون على رواية الطحاوي في مختصره العقدي في رواية عقيدة أبي‬
‫حنيفة وصاحبيه‪ ،‬ولم يعاصرهم الطحاوي‪ ،‬ولم يذكر إسنادا بينه وبينهم‪ .‬وهذا يوجب التوقف على‬
‫أصولهم عن قبول مرويه‪ ،‬فلم قبلوا رواية الطحاوي املرسلة‪ ،‬ولم تقبلوا رواية حماد وأبي مطيع وأبي‬
‫مقاتل املسندة؟‬

‫‪19‬‬
‫حول كتاب «العالم واملتعلم»‬
‫‪ 20‬أيلول ‪2019‬‬

‫أسانيد الكتاب والنقود واملوجهة إليه‬


‫ذكر الكوثري ثالثة أسانيد لكتاب «العالم واملتعلم» فيما قدمه له‪ ،‬كلها من رواية أبي مقاتل‬
‫السمرقندي عن أبي حنيفة‪ .‬اإلثنان منها من طريق محمد بن يزيد‪ ،‬عن الحسن بن صالح‪ ،‬عن أبي‬
‫مقاتل‪ ،‬عن أبي حنيفة‪ .‬ومنه روى –في أحد اإلسنادين‪ -‬األستاذ أبو محمد الحارثي‪ .‬والحارثي إمام‬
‫متبحر‪ ،‬محدث‪ ،‬وفقيه‪ ،‬شيخ الحنفية بما وراء النهر‪ ،‬األستاذ أبو محمد عبد هللا بن محمد البخاري‬
‫ُّ ْ‬
‫الس َبذ ُموني‪ ،‬صاحب «مسند أبي حنيفة»‪ ،‬و«كشف اآلثار» في مناقب أبي حنيفة الذي كان يستملي‬
‫عليه أربعمائة مستمل حين كان يمليه‪ .‬وال يلتفت إلى ما نقله ابن الجوزي عن أبي سعيد الرواس في‬
‫حقه من اتهامه بوضع الحديث؛ فهو اتهام غير مفسر‪ .‬بل الحارثي أكبر وأجل من ابن الجوزي‬
‫والرواس عند عبد القادر القرش ي‪[ .‬القرش ي‪« ،‬الجواهر املضية في طبقات الحنفية»‪]345/2 ،‬‬
‫وأما قول السليماني فيه‪« :‬كان يضع هذا اإلسناد على هذا الحديث»‪ ،‬فطعن غير مستدل عليه‪.‬‬
‫فأين رآه السليماني يفعل ذلك؟ أو أين رآه من أخبره به يفعل ذلك؟‬
‫ومحمد بن يزيد هو ابن أبي خالد الكالباذي البخاري‪ ،‬هكذا ذكره الحارثي‪[ .‬الحارثي‪« ،‬مسند أبي‬
‫حنيفة»‪ ]198 ،‬روى عن الحسن بن عمر بن شقيق‪ ،‬واملسيب بن إسحاق البخاري‪ ،‬والحسن بن صالح‪.‬‬
‫[املصدر السابق‪ ]256 ،198 ،54 ،‬وروى الحارثي عدة أحاديث من طريقه في «مسند أبي حنيفة»‪ ،‬منها عن‬
‫محمد بن يزيد‪ ،‬عن الحسن بن صالح‪ ،‬عن أبي مقاتل‪ ،‬عن أبي حنيفة‪ ،‬كما هو في إسناد كتاب‬
‫«العالم واملتعلم»‪[ .‬املصدر السابق‪]256 ،‬‬
‫فإذا قيل‪ :‬ال توجد ترجمة ملحمد بن يزيد في كتب الرجال‪ ،‬قلت‪ :‬هذا ال يضر ألسباب ثالثة‪:‬‬
‫السبب األول‪ :‬إذا قبلنا هذه الدعوى –واملعلومة عن أي شخص ال تختص بكتب الرجال فقط‪-‬‬
‫‪ ،‬فأكثر ما يقال في حقه إنه مستور الحال‪ ،‬وخبر املستور مقبول عند أبي حنيفة في رواية الحسن‬
‫عنه‪ ،‬وهذا ليس في قبول خبره في مثل طهارة املياه فقط‪ ،‬بل وفي نقل األخبار أيضا كما صرحه‬
‫السرخس ي حيث قال‪« :‬وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه بمنزلة العدل في رواية األخبار لثبوت العدالة‬
‫له ظاهرا»‪ .‬نعم‪ ،‬وقد صححوا ما في كتاب االستحسان ملحمد أن خبره كخبر الفاسق‪ ،‬وقال عالء‬
‫الدين البخاري إن الخالف في قبول خبره في مثل طهارة املياه‪ ،‬وأما في رواية األخبار فال حجة في روايته‬
‫اتفاقا؛ ولكنك ترى أن كالم السرخس ي يخدش دعوى االتفاق في باب رواية األخبار‪ ،‬ولذا قال عالء‬
‫الدين البخاري بعد أن ذكر االتفاق‪« :‬وذكر شمس األئمة رحمه هللا ما يدل على أن الخالف ثابت في‬
‫الحديث أيضا»‪[ .‬عالء الدين البخاري‪« ،‬كشف االسرار عن أصول البزدوي»‪]20/3 ،‬‬

‫‪20‬‬
‫والسبب الثاني‪ :‬رواية الحارثي منه عدة أحاديث‪ ،‬وذكر اسمه بتمامه‪ ،‬وبيان نسبته تدل على أنه‬
‫كان معروفا عند الحارثي‪ ،‬مقبوال عنده‪.‬‬
‫والسبب الثالث‪ :‬رواية الكتاب من طريق آخر في كتاب «القند»‪ ،‬وكذا رواية املاتريدي تقويان‬
‫رواية محمد بن يزيد‪ ،‬عن الحسن بن صالح‪ ،‬عن أبي مقاتل‪ .‬خاصة وأن السرخس ي بنى تصحيح ما‬
‫في كتاب االستحسان على انتشار الفسق في زمانه‪ ،‬فهذا يدل على أن ترك رواية املستور ليس لذات‬
‫الستر‪ ،‬بل لغلبة الفسق في العصور املتأخرة‪ ،‬فلذا قبلوا رواية املستور إذا كان من الصدر األول‪ ،‬أي‬
‫إلى الثلث األول من القرن الثاني تقريبا‪ .‬فإذا كان كذلك فوجود طريقين آخرين يدل على صدق سند‬
‫محمد بن يزيد بن أبي خالد‪.‬‬
‫والحسن بن صالح أظنه ابن أبي الدواهي املذكور في «جامع املسانيد»‪[،‬الخوارزمي‪« ،‬جامع‬
‫املسانيد»‪ ]359/1(،‬الراوي عن موس ى بن طارق عن أبي حنيفة‪ ،‬املتوفى سنة إحدى وثالثين ومائتين‬
‫(‪231‬ﻫ)‪ .‬روى عنه عبيد بن كثير الكوفي‪ ،‬وأبو جعفر املطين الكوفي الحافظ‪[ .‬الخطيب‪« ،‬املتفق واملفترق»‪،‬‬
‫‪ ]668/1‬ولم أجد في حقه أي جرح‪ .‬وليس هو الحسن بن صالح املتوفى سنة تسع وستين ومائة (‪169‬ﻫ)‬
‫كما وهمه بعضهم‪.‬‬
‫وأبو مقاتل إمام أهل سمرقند في عهد أبي حنيفة‪ ،‬صحبه وأكثر عنه الرواية كما قاله املكي‪[،‬املكي‪،‬‬
‫«مناقب اإلمام أبي حنيفة»‪ ]246/1 ،‬وهو مشهور بالصدق والعلم‪ ،‬وكان ممن يفتي في أيامه‪ ،‬وله في العلم‬
‫والفقه محل‪ ،‬ويعنى بجمع حديثه‪ ،‬كما قاله الخليلي‪[ .‬الخليلي‪« ،‬اإلرشاد في معرفة علماء الحديث»‪]975/3 ،‬‬
‫وقال ابن حجر‪« :‬مقبول من الثامنة»‪[ .‬ابن حجر العسقالني‪« ،‬تقريب التهذيب»‪ ]1209 ،‬وهذا في كتابه‬
‫«تقريب التهذيب» الذي قال عنه‪« :‬إنني أحكم على كل شخص منهم بحكم يشمل أصح ما قيل فيه‪،‬‬
‫وأعدل ما وصف به»‪ .‬ثم ذكر أنه إذا قال «مقبول» يقصد به من لم يثبت فيه ما يترك حديثه من‬
‫أجله‪[ .‬املصدر السابق ‪ ]81 ،80 ،‬ولقد أشبعت الكالم في طعون جارحيه في مقالة مستقلة سميتها باسمه‪.‬‬
‫والسند الثالث الذي ذكره الكوثري هو من طريق أبي منصور املاتريدي‪ ،‬عن أبي بكر الجوزجاني‪،‬‬
‫عن أبي سليمان الجوزجاني ومحمد بن مقاتل‪ ،‬عن أبي مطيع‪ ،‬وعصام بن يوسف البلخيين‪ ،‬عن أبي‬
‫مقاتل‪ ،‬عن أبي حنيفة‪ .‬وأراه خطأ‪ ،‬والصحيح أن يكون هكذا‪ :‬عصام بن يوسف عن أبي مطيع البلخي‬
‫وأبي مقاتل السمرقندي‪ ،‬وهما عن أبي حنيفة؛ ألن الكتاب مروي بطريق أبي مطيع في سند نجم‬
‫الدين النسفي‪[ .‬انظر ص‪ ]16 :‬وفي بعض النسخ تصريح أن املتعلم هو أبو مطيع‪ .‬ثم عصام بن يوسف‬
‫في طبقة أصحاب األصحاب‪ ،‬وأبو مطيع من أصحاب أبي حنيفة‪ ،‬وال يتصور أن يجتمعا في الرواية‬
‫اويي الكتاب وأحد‬ ‫عن أبي مقاتل‪ ،‬صاحب آخر ألبي حنيفة‪ ،‬خاصة إذا كان أبو مطيع هو أحد ر ْ‬
‫السائلين كما سيأتي‪ ،‬بل املتصور أن يروي عصام عنهما؛ لكونهما صحبا أبا حنيفة‪ ،‬ورويا عنه هذه‬ ‫ْ‬
‫األجوبة‪ ،‬وكانا في مجلس األسئلة‪.‬‬
‫ومما يدل على وقوع الخطأ في السند‪ ،‬هو صدره‪ ،‬حيث يرويه ابن قاض ي العسكر عن برهان‬
‫الدين علي بن الحسن البلخي بـ«أنبأنا»‪ .‬وبرهان الدين توفي سنة ثمان وأربعين وخمسمائة (‪548‬ﻫ)‬

‫‪21‬‬
‫[القرش ي‪« ،‬الجواهر املضية في طبقات الحنفية»‪ ]562/2 ،‬قبل أن يولد ابن قاض ي العسكر سنة ثمان وستمائة‬
‫َ‬
‫الشخص الذي بينهما‪ ،‬فإذا كان‬ ‫(‪608‬ﻫ) [املصدر السابق‪ ،4 ]568/2 ،‬وربما أسقط الناسخ من غير قصد‬
‫كذلك يمكن جدا أن يخطئ في آخر السند أيضا‪.‬‬
‫وسبق الكالم عن أبي الحسن الفارس ي‪ .‬ونصير بن يحيى‪ ،‬وأبي مطيع البلخي‪[ .‬انظر ص‪]15 ،12 ،2 :‬‬
‫ولقد سبق أن للكتاب إسنادا آخر عند نجم الدين النسفي‪[ .‬انظر ص‪ ]16 :‬فعلى هذا السند يكون‬
‫الجامع أو السائل هو أبو مطيع البلخي‪ .‬ورأيت في بعض املخطوطات املوجودة على الشبكة الدولية‬
‫التصريح بأن املتعلم هو أبو مطيع البلخي‪ 5،‬وليس في بعضها بيان اسم املتعلم أصال‪ 6.‬وفي املطبوع‬
‫بتحقيق الكوثري‪« :‬قال املتعلم –وهو أبو مقاتل‪[ ،»-‬أبو حنيفة‪« ،‬العالم واملتعلم»‪ ]8 ،‬وال أدري هل هذا‬
‫في املخطوطة التي اعتمد عليها الكوثري‪ ،‬أم هو من زيادته توضيحا السم املتعلم‪.‬‬
‫ويظهر لي مما سبق أن السائل في هذا الكتاب ليس شخصا واحدا‪ ،‬بل هما شخصان‪ ،‬أبو مطيع‬
‫البلخي وأبو مقاتل السمرقندي‪ ،‬يسأل هذا أحيانا‪ ،‬وذاك أحيانا أخرى‪ ،‬فلذا لم يسم السائل في كل‬
‫سؤال‪ ،‬بل جاء‪« :‬قال املتعلم»‪.‬‬

‫نقول العلماء منه‬


‫ولقد نقل العلماء املتكلمون من أصحاب أبي حنيفة أمثال املاتريدي‪ ،‬وأبي املعين‪ ،‬وأبي إسحاق‬
‫الصفار وغيرهم من هذا الكتاب في مصنفاتهم‪ .‬وأكتفي بذكر أقدم مصدر وصل إلينا فيه نقل من‬
‫الكتاب‪ ،‬وهو «تأويالت القرآن» ألبي منصور املاتريدي‪ ،‬فإنه نقل من هذا الكتاب تارة بغير ذكر‬
‫اسمه‪ ،‬وأخرى بذكر اسمه‪ .‬يقول املاتريدي أثناء كالمه عن اإلرجاء‪« :‬وسئل أبو حنيفة رض ي هللا عنه‬
‫عن اإلرجاء ما بدؤه؟ فقال‪ :‬فعل املالئكة؛ إذ سئلوا عن أمر لم يعلموا‪ ،‬ففوضوا ذلك إلى هللا تعالى»‪.‬‬
‫[املاتريدي‪« ،‬تأويالت القرآن»‪]81/1 ،‬‬

‫‪ 4‬في املطبوع تاريخ والدته‪ :‬سنة ثمانين وستمائة (‪680‬ﻫ)‪ ،‬وهذا خطأ؛ ألنه توفي سنة خمسين وستمائة‪ ،‬وله ثالث‬
‫وأربعون سنة كما في «الجواهر» نفسه‪.‬‬
‫‪ 5‬انظر‪:‬‬
‫‪https://dorar.uqu.edu.sa/uquui/web/viewer.html?file=https://dorar.uqu.edu.sa/uquui/bitstream/2‬‬
‫‪1/107908/0.500.12248/b12124266_0.pdf‬‬
‫‪https://www.alukah.net/manu/files/manuscript_3447/makhtot.pdf‬‬

‫‪6‬انظر‪:‬‬

‫‪https://dorar.uqu.edu.sa/uquui/web/viewer.html?file=https://dorar.uqu.edu.sa/uquui/bitstream/2‬‬
‫‪1/112489/0.500.12248/b12646751_0.pdf‬‬

‫‪22‬‬
‫فهذا النقل من كتاب «العالم واملتعلم»‪ ،‬وقد جاء فيه‪« :‬قال املتعلم رحمه هللا‪ :‬قد وصفت‬
‫العدل‪ ،‬ولكن أخبرني من أين جاء أصل اإلرجاء‪ ،‬وما تفسيره‪ ،‬ومن الذي يؤخر ويرجىء أمره؟ قال‬
‫وِن‬ ‫العالم‪ :‬جاء أصل اإلرجاء من قبل املالئكة‪ ،‬حيث عرض هللا عليهم األسماء‪ ،‬ثم قال لهم‪﴿ :‬أ َ ُ‬
‫ۢنب‬
‫ِّ ِّ‬
‫َٓ‬ ‫َ ٓ‬
‫بِّأ ۡس َماءِّ َ َٰٓه ُؤَلءِّ﴾ [البقرة‪ ،]31 :‬فخافت املالئكة الخطأ إن تكلموا بغير علم تعسفا فوقفت وقالت‪:‬‬
‫َّ ٓ‬ ‫ُ ۡ َ َ َ ۡ َ ٓ َّ‬
‫حَٰ َنك َل عِّل َم َلَا إَِّل َما َعل ۡم َت َنا﴾ [البقرة‪[ .»]32 :‬أبو حنيفة‪« ،‬العالم واملتعلم»‪]22 ،‬‬ ‫﴿سب‬
‫وقال املاتريدي في موضع آخر من تفسيره‪« :‬ثم قيل فيمن عص ى ربه‪ :‬أليس قد أطاع الشيطان؟‬
‫قيل‪ :‬بلى‪ ،‬فإن قيل‪ :‬فإن أطاع أال يكفر؟ قيل‪ :‬ال؛ ألنه ليس يقصد طاعة الشيطان‪ ،‬وإنما يكفر بقصد‬
‫طاعة الشيطان‪ ،‬وإن كان في عصيان الرب طاعته‪ .‬وكذلك روي عن أبي حنيفة رض ي هللا عنه أنه‬
‫سئل عن ذلك‪ ،‬فأجاب بمثل هذا الجواب»‪[ .‬املاتريدي‪« ،‬تأويالت القرآن»‪]105/1 ،‬‬
‫وهذا عين ما في «العالم واملتعلم» كما جاء فيه‪« :‬قال املتعلم‪ :‬هذا لعمري هو قول أهل الورع‬
‫والتثبت‪ ،‬ولكن أخبرني أليس من أطاع الشيطان وطلب مرضاته فهو كافر‪ ،‬وعابد الشيطان؟ قال‬
‫العالم رض ي هللا عنه‪ :‬أوعلمت ما أردت بهذه املسألة أن املؤمن إذا عص ى هللا تعالى‪ ،‬ليس يكون‬
‫بمعصيته تلك مطيعا للشيطان‪ ،‬طالبا ملرضاته يتعمد ذلك‪ ،‬وإن وافق عمله للشيطان طاعة‬
‫ورضا؟»‪[ .‬أبو حنيفة‪« ،‬العالم واملتعلم»‪]27 ،‬‬
‫ونقل املاتريدي من هذا الكتاب بذكر اسمه أيضا حيث قال‪« :‬فإن قال قائل‪ :‬فإن أبا حنيفة‬
‫رحمه هللا ذكر في كتاب «العالم واملتعلم» أن إيمان املالئكة وإيمان الرسل‪ ،‬وإيماننا واحد‪ .‬ثم قال‬
‫(أي املتعلم)‪ :‬فإذا استوينا نحن والرسل في اإليمان‪ ،‬فكيف صار الثواب لهم أكمل‪ ،‬وخوفهم من هللا‬
‫أشد؟ فأجاب عن هذا السؤال بأجوبة‪ ،‬وقال في جملة ما أجاب‪ :‬إنهم لو ارتكبوا الزالت لحل بهم‬
‫العقاب عقيب الزلل‪ ،‬فصار خوفهم باهلل تعالى ألزم من هذه الجهة»‪[ .‬املاتريدي‪« ،‬تأويالت القرآن»‪،‬‬
‫‪]206-205/16‬‬
‫فهنا صرح باسم الكتاب كما ترى‪ ،‬وذكر جواب أبي حنيفة باملعنى‪ ،‬وهو يقصد قوله‪« :‬والرابعة‪:‬‬
‫إنهم كانوا يعاينون ما ينزل بغيرهم من العقوبة على املعصية‪ ،‬وكان ذلك أيضا مما يحجزهم عن‬
‫املعاص ي»‪[ .‬أبو حنيفة‪« ،‬العالم واملتعلم»‪ ]15 ،‬وذكر قبله أن الرسل عاينوا من املالئكة والعجائب مما لم‬
‫نعاين نحن‪ .‬فعلى هذا يكون خوفهم أشد؛ ألنهم عرفوا أن إقامة الحجة على املعاين أقوى من إقامتها‬
‫على غيره‪ ،‬فكان خوفهم أشد‪ ،‬وحذرهم من املعاص ي أقوى حتى ال ينزل عليهم عذاب هللا عقيب‬
‫املعصية‪.‬‬
‫واملاتريدي نفسه في عداد رواة هذا الكتاب كما سبق‪.‬‬

‫الزيادات في بعض نسخ الكتاب‬


‫قال أبو إسحاق إبراهيم بن إسماعيل الصفار في «تلخيص األدلة» له‪« :‬قال أبو حنيفة في كتاب‬
‫«العالم واملتعلم» في وصف هللا تعالى‪ :‬كان كما هو‪ ،‬ويكون كما كان»‪[ .‬الصفار‪« ،‬تلخيص األدلة لقواعد‬

‫‪23‬‬
‫التوحيد»‪ ]194 ،‬وهذا اللفظ ليس موجودا في النسخة املطبوعة بتحقيق الكوثري‪ .‬وهو موجود في‬
‫مقدمة النسخ التي رأيتها على الشبكة الدولية‪ ،‬وكذا في مقدمة النسخة التي شرحها ابن فورك‪[ .‬ابن‬
‫فورك‪« ،‬شرح العالم واملتعلم»‪ ]43 ،‬وهل هذه املقدمة من قول أبي حنيفة‪ ،‬أم هي مدرجة من قبل الراوي؟‬
‫فأما أن تكون هي من اعتقاد أبي حنيفة فال شك في هذا‪ ،‬وأما أن تكون من لفظه فإني أراه احتماال‬
‫ضعيفا لسببين‪ ،‬السبب األول‪ :‬إن الكتاب جمع أجوبة أبي حنيفة على األسئلة املطروحة عليه في باب‬
‫االعتقاد‪ ،‬وليس من تأليف يده مباشرة‪ ،‬كما أنه ليس من أماليه دون أن ُيسأل‪ ،‬وإنما هو مجموع‬
‫أجوبته على األسئلة‪ ،‬وليس من شأن املجيب أن يقدم بمقدمة كهذه‪.‬‬
‫فإذا قيل‪ :‬وكيف باملقدمة املذكورة في املطبوع؟ قلت‪ :‬الظاهر أنها من الحمد إلى قوله‪« :‬منقلبا‬
‫كريما» ليس من كالم أبي حنيفة‪ ،‬بل هو من كالم الجامع‪ ،‬وأما من قوله‪« :‬وقد أجبتك» إلى قوله‪:‬‬
‫«وعليه التكالن»‪ ،‬فال شك أن مكانه آخر الكتاب؛ فال يصح أن يقول‪« :‬أجبتك» قبل اإلجابة‪ .‬وجعله‬
‫في صدر الكتاب من تصرف الجامع‪.‬‬
‫والسبب الثاني‪ :‬إن مثل هذه املقدمات املكونة من الحمدلة الطويلة أمر متأخر عن عهد أبي‬
‫حنيفة‪ ،‬فلذا ال نرى مثلها في سائر كتبه‪.‬‬

‫النقود املوجهة إلى متن الكتاب‬


‫إن هناك أربعة نقود حول متن الكتاب‪ ،‬وهي كما تلي‪:‬‬
‫النقد األول‪« :‬إن في الكتاب تعظيما لعلم الكالم‪ ،‬وبيان ضرورته‪ ،‬ولقد نهى أبو حنيفة عنه»‪.‬‬
‫قلت‪ :‬إن دعوى نهي أبي حنيفة عن علم الكالم مطلقا‪ ،‬دعوى ال تصح‪ ،‬ومناقشتها تتطلب مقالة‬
‫مستقلة‪ ،‬ولكن مع فرض صحة هذه الدعوى أقول‪ :‬ليس في كتاب «العالم واملتعلم» من هذا القبيل‬
‫ش يء‪ ،‬ال في تعظيم علم الكالم‪ ،‬وال في التقليل عن قدره‪ .‬نعم جاء فيه ما قد ُيستدل به على فضل‬
‫علم الكالم‪ ،‬ولكن ليس هذا نصا صريحا فيه‪ .‬ولقد جاء في الكتاب‪« :‬قال املتعلم‪ :‬رأيت أقواما‬
‫يقولون‪ :‬ال تدخلن هذه املداخل‪ ،‬فإن أصحاب النبي صلى هللا عليه وسلم لم يدخلوا في ش يء من هذه‬
‫األمور‪ ،‬وقد يسعك ما وسعهم‪ ،‬وإن هؤالء زادوني غما‪ ،‬ووجدت مثلهم كمثل رجل في نهر عظيم كثير‬
‫املاء كاد أن يغرق من قبل جهله باملخاضة‪ ،‬فيقول له آخر‪ :‬اثبت مكانك وال تطلبن املخاضة‪.‬‬
‫قال العالم رحمه هللا‪ :‬أراك قد أبصرت بعض عيوبهم والحجة عليهم‪ ،‬ولكن قل لهم إذا قالوا‪ :‬أال‬
‫يسع ك ما وسع أصحاب النبي صلى هللا عليه وسلم‪ :‬بلى يسعني ما وسعهم لو كنت بمنزلتهم‪ ،‬وليس‬
‫بحضرتي مثل الذي بحضرتهم‪ ،‬وقد ابتلينا بمن يطعن علينا ويستحل الدماء منا‪ ،‬فال يسعنا أال نعلم‬
‫من املخطئ منا واملصيب‪ ،‬وأال نذب عن أنفسنا وحرمنا‪ ،‬فمثل أصحاب النبي صلى هللا عليه وسلم‬
‫كقوم ليس بحضرتهم من يقاتلهم فال يتكلفون السالح‪ ،‬ونحن قد ابتلينا بمن يطعن علينا ويستحل‬
‫الدماء منا‪ ،‬مع أن الرجل إذا كف لسانه عن الكالم فيما اختلف فيه الناس وقد سمع ذلك لم يطق‬
‫أن يكف قلبه؛ ألنه ال بد للقلب من أن يكره أحد األمرين‪ ،‬أو األمرين جميعا‪ ،‬فأما أن يحبهما وهما‬

‫‪24‬‬
‫مختلفان فهذا ال يكون‪ ،‬فإذا مال القلب إلى الجور أحب أهله‪ ،‬وإذا أحب القوم كان منهم‪ ،‬وإذا مال‬
‫القلب إلى الحق وأهله كان لهم وليا»‪[ .‬أبو حنيفة‪« ،‬العالم واملتعلم»‪]10-9 ،‬‬
‫وأنت ترى أن كالم أبي حنيفة هو في التمييز بين الحالتين‪ .‬نعم‪ ،‬قد يستدل به على فضل علم‬
‫الكالم‪ ،‬ولكن هذا من محتمالت كالمه‪ ،‬وليس هو نصا فيه‪ .‬يبينه الفقرة التي قبله‪ ،‬فإن املتعلم بين‬
‫سبب إتيانه أبا حنيفة فقال‪« :‬إني ابتليت بأصناف من الناس‪ ،‬وسألوني عن أشياء لم أهتد لجوابها‪،‬‬
‫ولم أترك الحق الذي بيدي‪ ،‬وإن عجزت عن جوابهم‪ ،‬وعرفت أن للحق من يعبر عنه‪ ،‬وليس الحق‬
‫بمنقوض والباطل مزهوق به‪ ،‬وكرهت أيضا لنفس ي الجهالة بأصل الدين وما أنتحل من الحق‪ ...‬إلى‬
‫أن قال‪ :‬فأحببت أصلحك هللا أن أكون عاملا بأصل ما أنتحل من الحق وأتكلم به‪ ،‬حتى إذا جاءني مارد‬
‫يتمرد علي‪ ،‬أو يريد أن يزيلني عن الحق لم يطق‪ ،‬وإن جاءني متعلم أوضحت له‪ ،‬وأكون على بصيرة‬
‫من أمري»‪[ .‬املصدر السابق‪]9-8 ،‬‬
‫فهو كما ترى يطلب معرفة أصول املذهب الذي انتحله‪ ،‬وطرق الرد على املخالفين‪ .‬وتعلم هذا‬
‫القدر جائز حتى عند أعداء علم الكالم‪ .‬وبعد هذا قص ألبي حنيفة أن أقواما حرموا التكلم في هذه‬
‫األمور‪ ،‬أي األمور التي وقع الخالف فيها بين املذاهب‪ .‬وليس فيه أنه طلب منه دقائق علم الكالم‪ ،‬أو‬
‫حثه أبو حنيفة على تعلمها‪ .‬بل فيه أنه أراد مقدار ما يتمكن به من الدفاع عن رأيه‪ .‬وحثه أبو حنيفة‬
‫على تعلم هذا املقدار‪ .‬وهذا القدر جائز عند الجميع‪.‬‬
‫النقد الثاني‪« :‬إن في الكتاب استعمال القياس في قضايا العقيدة كما في الصفحات ‪،16 ،15‬‬
‫‪»17‬‬
‫قلت‪ :‬جاء في الكتاب‪« :‬وإنما نقيس أمر الناس بأمر أنفسنا‪ ،‬ألنه ربما كانت منا الزلة أو الجذع‬
‫عند املصيبة‪ ،‬أو جبن من عدو‪ ،‬فال يدخل علينا شك في هللا‪ ،‬وال في ش يء مما جاء من عند هللا‪ ،‬فغيرنا‬
‫عندنا بمنزلة أنفسنا»‪[ .‬املصدر السابق‪]15 ،‬‬
‫وجاء أيضا‪« :‬قال العالم رحمه هللا‪ :‬وأما ما طلبت من القياس في أن يقيننا ويقين املالئكة واحد‪،‬‬
‫وخوفهم أشد من خوفنا بأنه كيف يكون ذلك؟ فأخبرك أن القياس في ذلك كرجلين عاملين‬
‫بالسباحة‪ ،‬ال يفوق أحدهما صاحبه في ش يء من األمور‪ ،‬فانتهيا إلى نهر كثير املاء شديد الجرية‪،‬‬
‫فأحدهما على دخوله أجرأ واآلخر أجبن‪ .‬أو كرجلين بهما مرض واحد‪ ،‬وأتيا بدواء واحد شديد املرارة‪،‬‬
‫فأحدهما على شربه أجرأ‪ ،‬واآلخر أجبن»‪[ .‬املصدر السابق]‬
‫وجاء أيضا‪« :‬قال العالم رحمه هللا‪ :‬قد أعلم أنه إن كان هللا يغفر للقاتل‪ ،‬فإن صاحب النظرة‬
‫َّ‬
‫أجدر أن يغفر له‪ ،‬وإن عذب على النظرة‪ ،‬فهو على القتل أجدر أن يعذب؛ ألنه تعالى قال‪﴿ :‬إِّن‬
‫َ ۡ َ َ ُ ۡ َ َّ َ ۡ َ َٰ ُ‬
‫ك ۡم﴾ [الحجرات‪ .]13 :‬وصاحب النظرة إذا لم يقتل كان أتقى من القاتل‪،‬‬ ‫أكرمكم عِّند ٱَّللِّ أتقى‬
‫وأما ما ذكرت من الرجاء لهما‪ ،‬فإنهما ال يستويان عندي؛ ألني لصاحب الذنب الصغير أرجى مني‬
‫لصاحب الذنب الكبير‪ .‬والقياس في ذلك رجالن ركب أحدهما البحر‪ ،‬واآلخر ركب نهرا صغيرا‪ ،‬وأنا‬
‫أتخوف عليهما الغرق‪ ،‬وأرجو لهما النجاة جميعا‪ ،‬غير أني على صاحب البحر أخوف أن يغرق مني‬

‫‪25‬‬
‫على صاحب النهر الصغير‪ ،‬وأنا لصاحب النهر الصغير أرجى بالنجاة مني لصاحب البحر‪ ،‬وكذلك أنا‬
‫على صاحب الذنب الكبير أخوف مني لصاحب الذنب الصغير‪ ،‬وأنا لصاحب الذنب الصغير أرجى‬
‫مني لصاحب الذنب الكبير‪ ،‬وأنا في ذلك أرجو لهما وأخاف عليهما على قدر أعمالهما»‪[.‬املصدر السابق‪،‬‬
‫‪]17‬‬
‫والفرق كبير بين إثبات أمر ما بالقياس‪ ،‬وضرب مثل ألمر ثابت لتقريبه إلى فهم املستمع‪ .‬ففي‬
‫األول يكون القياس دليال للمسألة‪ ،‬وأما في الثاني فيكون القياس مجرد طريق لتقريب املسألة إلى‬
‫األذهان‪.‬‬
‫ففي النص األول ال يثبت أبو حنيفة عدم وقوع الشك بالقياس‪ ،‬بل يستدل بالواقع من نفسه‬
‫ونفس املستمع على أن وقوع حوادث كما لم ينقص من يقينهما‪ ،‬فكذلك ال تؤثر تلك الحوادث في‬
‫يقين اآلخرين‪ .‬فهل هذا إال بضرب مثل من الواقع؟‬
‫وفي النص الثاني يضرب مثال ليبين أن اتحاد املؤمن به بين املالئكة والناس‪ ،‬ال يمنع كونهم أشد‬
‫خوفا من الناس‪ ،‬وهذا ليس ألنه عجز عن إتيان دليل على املسألة‪ ،‬بل املسألة ال تحتاج إلى دليل‪،‬‬
‫فالكل يثبت أن املؤمن به واحد عند الناس وعند املالئكة‪ ،‬وكذا الكل يثبت أن خوف املالئكة أكبر‬
‫من خوف الناس‪ .‬فما العيب لو ضرب أبو حنيفة بمثل ال إلثبات األمر نفسه‪ ،‬بل إلثبات جواز تفاوت‬
‫الخوف مع اتحاد املؤمن به؟‬
‫وكالم أبي حنيفة كان جوابا للسؤال‪« :‬لقد وقفت على ما وصفت‪ ،‬فلم تزل تصف عدال وتقول‬
‫عرفا‪ ،‬ولكن أحب أن تأتيني بقياس فيما وصفت من يقيننا ويقينهم‪ ،‬وخوفنا وخوفهم‪ ،‬وجرأتنا‬
‫وجرأتهم كيف ذلك؟ فإن الجاهل إذا كان مهتما بأمر عاقبته‪ ،‬ويريد أن يتعلم‪ ،‬ووصفت له أمرا لم‬
‫يفطن له فأثبته بقياس كان أجدر أن يفطن له»‪[ .‬املصدر السابق‪ ]15 ،‬فهو يطلب القياس ال إلثبات‬
‫املسألة‪ ،‬بل لتقريبها إلى فهمه‪.‬‬
‫وكذا نقول في النص الثالث‪ ،‬املنكرون نسبة الكتاب إلى أبي حنيفة يثبتون أن صاحب الكبيرة‬
‫وصاحب الصغيرة في مشيئة هللا قبل التوبة‪ ،‬فإن شاء عذبهما هللا وإن شاء عفا عنهما‪ ،‬وليس أبو‬
‫حنيفة إال ضارب مثل ليسهل فهم املسألة للسائل‪ ،‬وأن يفهم عدم التضاد في تفاوت الخوف والرجاء‬
‫لهما مع اتحادهما في تفويض عاقبة أمرهما إلى هللا‪ .‬وهذا كان جوابا منه للسؤال‪« :‬ألست تدري أنه‬
‫لعل هللا يغفر للقاتل‪ ،‬ويعذب صاحب النظرة‪ ،‬وليسا عندك بمنزلة واحدة في الرجاء لهما؟»‪[ .‬املصدر‬
‫السابق‪]16 ،‬‬
‫فاستعمال القياس في قضايا العقيدة لتقريب املسألة إلى فهم املستمع أمر سائغ‪ ،‬وارد في القرآن‪،‬‬
‫َّ‬ ‫ان َم َث اٗل ۡ َ‬
‫ٱۡل ۡم ُد َِّّللِّ‬ ‫شكِّسون ورجٗل سلما ل ِّرج ٍل هل يستوِّي ِّ‬
‫ٱَّلل َم َث اٗل َّر ُج اٗل فِّيهِّ ُ َ‬
‫ُش ََك ٓ ُء ُمتَ َ َٰ ُ َ َ َ ُ ا َ َ ا َ ُ َ ۡ َ ۡ َ َ‬ ‫َض َب َّ ُ‬
‫كاآلية‪َ َ ﴿ :‬‬
‫َۡ َ ۡ َُ ُ ۡ َ َ ۡ َ ُ َ‬
‫ون﴾ [الزمر‪]29 :‬‬ ‫بل أكَثهم َل يعلم‬
‫النقد الثالث‪« :‬إن في الكتاب إرجاء حقيقيا‪ ،‬وهو القول‪ :‬من آمن بقلبه ولم ينطق بلسانه فهو‬
‫مؤمن عند هللا»‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫قلت‪ :‬رأي أبي حنيفة في «العالم واملتعلم» ليس مغايرا ملا روي عنه في غيره‪ ،‬بل صرح أيضا في‬
‫«العالم واملتعلم» أن اإليمان هو التصديق واإلقرار‪ ،‬جاء في الكتاب‪« :‬قال املتعلم‪ :‬أخبرني ما اإليمان؟‬
‫قال العالم‪ :‬اإليمان هو التصديق واملعرفة واليقين واإلقرار واإلسالم»‪[ .‬أبو حنيفة‪« ،‬العالم واملتعلم»‪]13 ،‬‬
‫فكذا صرح أبو إسحاق الصفار بأن اإليمان حسب كتاب «العالم واملتعلم» هو التصديق واإلقرار‬
‫حيث قال‪« :‬إن أبا حنيفة رض ي هللا عنه ذكر في كتاب «العالم واملتعلم» أن اإليمان التصديق بالقلب‬
‫واإلقرار باللسان»‪[ .‬الصفار‪« ،‬تلخيص األدلة»‪]702-701 ،‬‬
‫فإذا ُعرف هذا فلننظر املواضع التي فيها "إرجاء حقيقي" في زعمهم‪ .‬فهؤالء عزو "اإلرجاء‬
‫الحقيقي" إلى ثالثة مواضع من هذا الكتاب‪ ،‬وهي الصفحات‪ ،10 :‬و‪ ،13‬و‪[ .22‬الخميس‪« ،‬أصول الدين‬
‫عند اإلمام أبي حنيفة»‪ ،124 ،‬الحاشية رقم‪]2 :‬‬
‫وجاء في الصفحة الثالثة عشر ما نصه‪« :‬من صدق باهلل وبما جاء من عند هللا بقلبه ولسانه‪،‬‬
‫فهو عند هللا وعند الناس مؤمن‪ ،‬ومن صدق بلسانه وكذب بقلبه‪ ،‬كان عند هللا كافرا‪ ،‬وعند الناس‬
‫مؤمنا؛ ألن الناس ال يعلمون ما في قلبه‪ ،‬وعليهم أن يسموه مؤمنا بما ظهر لهم من اإلقرار بهذه‬
‫الشهادة‪ ،‬وليس لهم أن يتكلفوا علم ما في القلوب‪ ،‬ومنهم من يكون عند هللا مؤمنا‪ ،‬وعند الناس‬
‫كافرا‪ ،‬وذلك بأن الرجل يكون مؤمنا باهلل‪ ،‬ويظهر الكفر في حالة التقية بلسانه‪ ،‬فيسميه من ال يعرف‬
‫أنه يتقي كافرا‪ ،‬وهو عند هللا مؤمن»‪[ .‬أبو حنيفة‪« ،‬العالم واملتعلم»‪]13 ،‬‬
‫فأنت ترى أن أبا حنيفة يقول‪« :‬من صدق بقلبه ولسانه فهو مؤمن عند هللا وعند الناس»‪ ،‬وفيه‬
‫التصريح باإلقرار باللسان‪ .‬وأما التصديق بالقلب والتكذيب باللسان فهو في حالة التقية‪ .‬وأصحاب‬
‫النقد يجعلون صاحب التقية حالة الخوف من أهل اإلرجاء الحقيقي‪ ،‬مع أن القرآن والسنة يجيزان‬
‫التقية عند التهلكة‪ ،‬وكذا هي جائزة في املذهب الذي ينتسب إليه أصحاب النقد‪.‬‬
‫وأما الصفحة الثانية والعشرون فجاء فيها ما نصه‪« :‬قال املتعلم رحمه هللا‪ :‬أخبرني من أين سمى‬
‫هللا الناس مؤمنين وكفارا؟ ومن أين نحن نسميهم مؤمنين وكفارا؟ قال العالم رض ي هللا عنه‪ :‬سماهم‬
‫مؤمنين وكفارا بما في القلوب‪ ،‬ألنه تعالى يعلم ما في القلوب‪ ،‬ونحن نسميهم مؤمنين وكفارا ملا يظهر‬
‫لنا من ألسنتهم من التكذيب والصديق‪ ،‬والزي والعبادة‪ ،‬وذلك بأنا لو انتهينا إلى قوم ال نعرفهم غير‬
‫أنهم في املساجد‪ ،‬مستقبلين إلى القبلة يصلون‪ ،‬سميناهم مؤمنين وسلمنا عليهم‪ ،‬وعس ى أن يكونوا‬
‫يهودا أو نصارى‪ .‬وكذلك كان املنافقون على عهد رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬كان املسلمون‬
‫يسمونهم مؤمنين بما يظهرون لهم من اإلقرار‪ ،‬وهم عند هللا كفار بما في القلوب من التكذيب‪ .‬فمن‬
‫هاهنا زعمنا أنا نسمي أناسا مؤمنين بما يظهر لنا منهم‪ ،‬وعس ى أن يكونوا عند هللا كفارا‪ ،‬وآخرين‬
‫نسميهم كفارا بما يظهرون لنا من زي الكفار من غير أن يكون فيهم ش يء من زي املؤمنين‪ ،‬وعس ى أن‬
‫يكونوا عند هللا تعالى مؤمنين من قبل إيمانهم باهلل‪ ،‬ويصلون من غير أن نعلم ذلك منهم‪ ،‬فال يؤاخذنا‬
‫هللا سبحانه وتعالى بذلك؛ ألنه لم يكلفنا علم القلوب والسرائر‪ ،‬وإنما كلفنا ربنا أن نسمي الناس‬
‫مؤمنين‪ ،‬ونحبهم ونبغضهم على ما يظهر لنا منهم‪ ،‬وهللا أعلم بالسرائر»‪[ .‬املصدر السابق‪]22 ،‬‬

‫‪27‬‬
‫فأنت ترى أن هذه الفقرة هي في بيان الحكم على الناس بظواهرهم‪ ،‬وأنه ُيحكم على الناس بما‬
‫يظهر من ألسنتهم من اإلقرار أو التكذيب‪ ،‬كما كان في عهد النبي محمد‪ ،‬وهذا أمر متفق عليه‪ .‬وهم‬
‫قد جعلوا األمر الثابت في عهده إرجاء حقيقيا‪.‬‬
‫وأما ما في الصفحة العاشرة فجاء فيها ما نصه‪« :‬من آمن بقلبه‪ ،‬ولم يتكلم بلسانه كان عند هللا‬
‫مؤمنا»‪ ،‬فليس هذا معارضا الشتراط اإلقرار؛ ألن أبا حنيفة يتكلم هنا عن صاحب التقية‪ .‬فنحن إذا‬
‫نظرنا إلى سياق كالمه وسباقه تبين لنا مقصده‪ ،‬فإنه يقول هناك‪« :‬فإذا مال القلب إلى الجور أحب‬
‫أهله‪ ،‬وإذا أحب القوم كان منهم‪ ،‬وإذا مال القلب إلى الحق وأهله كان لهم وليا؛ وذلك بأن تحقيق‬
‫األعمال والكالم ال يكون إال من قبل القلب‪ ،‬وذلك أن من آمن بلسانه ولم يؤمن بقلبه لم يكن عند‬
‫هللا مؤمنا‪ ،‬ومن آمن بقلبه ولم يتكلم بلسانه كان عند هللا مؤمنا»‪[ .‬املصدر السابق‪]10-9 ،‬‬
‫فهنا يتكلم أبو حنيفة عن كون القلب أصال في قبول الكلمات واألعمال عند هللا‪ ،‬فيقول إن بميل‬
‫القلب نحو الجور أو الحق يتغير صاحبه‪ ،‬وبحسب القلب يكون صادقا عند هللا فيما يقول ويفعل‪،‬‬
‫أو كاذبا عنده في القول والعمل‪« :‬وذلك بأن تحقيق األعمال والكالم ال يكون إال من قبل القلب»‪ ،‬ثم‬
‫بين كذب املنافقين‪ ،‬وأن سببه تكذيب قلبهم ألسنتهم‪« :‬وذلك أن من آمن بلسانه ولم يؤمن بقلبه لم‬
‫يكن عند هللا مؤمنا»‪ ،‬وبعد هذا قال‪« :‬ومن آمن بقلبه ولم يتكلم بلسانه كان عند هللا مؤمنا»‪ ،‬فإتيان‬
‫هذه الجملة بعد ذكر حال املنافقين يدل على أنه يقصد صاحب التقية؛ إذ عكس املنافق هو‬
‫صاحب التقية‪ ،‬وليس عكسه املؤمن املجاهر باإليمان‪ ،‬فإنه عكس املكذب جهارا‪ ،‬أما عكس املنافق‬
‫املجاهر باإليمان ومخفي عكسه‪ ،‬فهو صاحب التقية املجاهر بالتكذيب ومخفي اإليمان‪ .‬ولقد بين‬
‫أبو حنيفة نفسه قصده بهذا كما سبق من نصه في الصفحة الثالثة عشر‪.‬‬
‫وتصريح أبي حنيفة بأن اإليمان هو التصديق واإلقرار في هذا الكتاب نفسه ينسف هذا النقد‪،‬‬
‫فإذا ُوضع الكتاب باسم أبي حنيفة‪ ،‬وأراد واضعه أن يستر عقيدته‪ ،‬فلم صرح في الكتاب نفسه بأن‬
‫اإليمان هو التصديق واإلقرار؟‬
‫ثم أبو حنيفة ذكر أن اإليمان هو التصديق واإلقرار‪ ،‬وليس في كالمه املجمل هذا‪ ،‬كون اإلقرار‬
‫شطرا من اإليمان‪ ،‬بل في قوله املفسر الذي سبق ذكره‪ ،‬بيان شرطية اإلقرار لبناء األحكام الدنيوية‬
‫عليه‪ ،‬وهو قوله‪« :‬فمن هاهنا زعمنا أنا نسمي أناسا مؤمنين بما يظهر لنا منهم‪ ،‬وعس ى أن يكونوا عند‬
‫هللا كفارا‪ ،‬وآخرين نسميهم كفارا بما يظهرون لنا من زي الكفار من غير أن يكون فيهم ش يء من زي‬
‫املؤمنين‪ ،‬وعس ى أن يكونوا عند هللا تعالى مؤمنين من قبل إيمانهم باهلل‪ ،‬ويصلون من غير أن نعلم‬
‫ذلك منهم‪ ،‬فال يؤاخذنا هللا سبحانه وتعالى بذلك؛ ألنه لم يكلفنا علم القلوب والسرائر‪ ،‬وإنما كلفنا‬
‫ربنا أن نسمي الناس مؤمنين‪ ،‬ونحبهم ونبغضهم على ما يظهر لنا منهم‪ ،‬وهللا أعلم بالسرائر»‪[ .‬أبو‬
‫حنيفة‪« ،‬العالم واملتعلم»‪]22 ،‬‬
‫وكذا في «الفقه األكبر»‪ ،‬رواية أبي مطيع حيث قال‪« :‬فإن قيل أين مستقر اإليمان؟ يقال‪ :‬معدنه‬
‫ومستقره القلب‪ ،‬وفرعه في الجسد»‪ .‬وهنا بين أن اإلقرار الذي هو من عمل اللسان الذي هو من‬

‫‪28‬‬
‫الجسد فرع اإليمان‪ ،‬وليس معدنه ومستقره‪ .‬والفرع ليس من أصل الش يء وشطره‪ ،‬فتبين أن ذكره‬
‫اإلقرار في التعريف من باب ذكر الشرط‪ ،‬وليس من باب ذكر الشطر‪.‬‬
‫النقد الرابع‪« :‬إن في الكتاب نسبة أصل اإلرجاء إلى املالئكة»‪.‬‬
‫قلت‪ :‬جاء في الكتاب‪« :‬أخبرني من أين جاء أصل اإلرجاء‪ ،‬وما تفسيره‪ ،‬ومن الذي يؤخر ويرجىء‬
‫أمره؟‬
‫قال العالم‪ :‬جاء أصل اإلرجاء من قبل املالئكة‪ ،‬حيث عرض هللا عليهم األسماء ثم قال لهم‪:‬‬
‫َٓ‬ ‫َ ٓ‬ ‫﴿أَ ُ‬
‫وِن بِّأ ۡس َماءِّ َ َٰٓه ُؤَلءِّ﴾ [البقرة‪ ،]31 :‬فخافت املالئكة الخطأ إن تكلموا بغير علم تعسفا فوقفت‬ ‫ۢنب ِّ‬‫ِّ‬
‫ُ ۡ َ َٰ َ َ َ ۡ َ َ َ ٓ َّ َ َ َّ ۡ َ َ ٓ‬
‫وقالت‪﴿ :‬سبحنك َل عِّلم َلا إَِّل ما علمتنا﴾[البقرة‪ ،]32 :‬ولم يبتدعوا كالرجل الذي يسأل عن األمر الذي‬
‫هو به جاهل‪ ،‬فيتكلم فيه وال يبالي»‪ ،‬هذا في أصل اإلرجاء‪ ،‬ثم بين تفسيره فقال‪« :‬وتفسير الوقوف‬
‫أنه إذا سئلت عن أمر ال تعلمه من حرام أو حالل‪ ،‬أو أنباء من كان قبلنا قلت‪ :‬هللا أعلم به‪ ،‬وإذا جاء‬
‫ثالثة نفر بحديث ال نعلمه‪ ،‬وال نطيق على ذلك بالتجارب واملقاييس ترد علم ذلك إلى هللا تعالى وتقف‪.‬‬
‫ومن تفسيراإلرجاء أنه إذا كنت في قوم على أمر حسن جميل‪ ،‬وفارقتهم على ذلك‪ ،‬ثم بلغك أنهم‬
‫صاروا فريقين يقاتل بعضهم بعضا‪ ،‬فانتهيت إليهم وهم على األصل الذي فارقتهم عليه‪ ،‬وقتل بعضهم‬
‫بعضا فتسألهم فيقول كل واحد من الفريقين إنه هو املظلوم‪ ،‬وليس عليهم وال لهم شهود من غيرهم‪،‬‬
‫وقد ترى القتل بينهم‪ ،‬وليس املظلوم والظالم منهم ببين‪ ،‬وهما خصمان ال تجوز شهادة بعضهم‬
‫ببعض‪ ،‬فينبغي لك أن تعلم أنهما ليسا كالهما بمصيبين وقد قتل بعضهم بعضا‪ ،‬فإما أن يكونا‬
‫مخطئين‪ ،‬أو أحدهما مخطئ واآلخر مصيب‪.‬‬
‫ومن اإلرجاء أن ترجىء أهل الذنوب وال تقول إنهم من أهل النار أو من أهل الجنة»‪.‬‬
‫ثم بين أصحاب الذنوب الذين يرجىء أمرهم فقال‪« :‬فإن الناس عندنا على ثالثة منازل‪ ...‬واملنزلة‬
‫الثالثة للموحدين‪ ،‬نقف عليهم‪ ،‬وال نشهد أنهم من أهل النار‪ ،‬أو من أهل الجنة‪ ،‬ولكنا نرجو لهم‬
‫وب‬ ‫ٱَّلل أَن َي ُت َ‬
‫اخ َر َسي ائا َع ََس َّ ُ‬ ‫َ َ ُ ْ َ َ ا َ َٰ ا َ َ َ‬
‫ونخاف عليهم‪ ،‬ونقول كما قال هللا عز وجل‪﴿ :‬خلطوا عمٗل صل ِّحا وء‬
‫ِّ‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ۡ‬ ‫ٱَّلل ََل َي ۡغف ُِّر أن ي ُ ۡ َ‬
‫ۡش َك بِّهِّۦ َو َيغف ُِّر َما دون ذَٰل ِّك‬ ‫َعلَ ۡيه ۡم﴾[التوبة‪ ،]102 :‬فنرجوا لهم‪ ،‬ألن هللا تعالى قال‪﴿ :‬إ َّن َّ َ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ُ‬ ‫َ ََ ٓ‬
‫ل ِّمن يشاء﴾[النساء‪ ،]48 :‬ونخاف عليهم بذنوبهم وخطاياهم»‪[ .‬املصدر السابق‪]23-22 ،‬‬
‫فأنت ترى أن اإلرجاء الذي نسب أبو حنيفة أصله إلى املالئكة هو إرجاء لغوي بمعنى تفويض‬
‫املرء علم ما ليس له به علم إلى هللا‪ ،‬والذي منه اإلرجاء االصطالحي املحمود الذي هو إرجاء أمر أهل‬
‫الذنوب إلى هللا‪ ،‬إن شاء عذبهم بقدر ذنوبهم‪ ،‬وإن شاء عفا عنهم‪ .‬واآلن أمام أصحاب هذا النقد‬
‫طريقان‪ :‬فإما أن ينفوا هذا النوع من اإلرجاء ويحكموا ببطالنه وينفوه عن املالئكة‪ ،‬وإما أن يقبلوه‬
‫–كما قبله أهل مذهبهم‪ -‬ويعترفوا بأن نسبته إلى املالئكة حق‪.‬‬
‫ثم وإن قبلنا تنزال صحة تلك النقود‪ ،‬فل َم العجب؟ وأبو حنيفة عند أئمتهم جهمي مرجئي ضال‪،‬‬
‫فلم ينكرون نسبة الكتاب إليه وكأنه كان على مذهب أئمتهم؟‬ ‫كما سبق أقوالهم‪َ .‬‬

‫‪29‬‬
‫وأختم املوضوع بقول الكردري في «مناقبه» حيث قال‪« :‬رأيت بخط العالمة موالنا شمس امللة‬
‫والدين الكردري البراتقيني العمادي‪ ،‬هذين الكتابين –يقصد «الفقه األكبر» و«العالم واملتعلم»‪-‬‬
‫وكتب فيهما أنهما ألبي حنيفة‪ ،‬وقد تواطأ على ذلك جماعة كثيرة من املشايخ»‪[ .‬الكردري‪« ،‬مناقب اإلمام‬
‫األعظم»‪]108/1 ،‬‬

‫‪30‬‬
‫املصادر‬

‫ابن أبي العوام‪ ،‬عبد هللا بن محمد‪« ،‬فضائل أبي حنيفة وأخباره ومناقبه»‪ ،‬مكة‪ ،‬املكتبة اإلمدادية‪ ،‬الطبعة األولى‪:‬‬
‫‪ ،2010‬التحقيق‪ :‬لطيف الرحمن البهرائجي القاسمي‪.‬‬

‫ابن أبي يعلى‪ ،‬محمد بن محمد‪« ،‬طبقات الحنابلة»‪ ،‬الرياض‪ ،‬األمانة العامة لالحتفال بمرور مائة سنة على تأسيس‬
‫اململكة‪ .1999 ،‬التحقيق‪ :‬عبد الرحمن بن سليمان العثيمين‪.‬‬

‫ابن العماد‪ ،‬عبد الحي بن أحمد‪« ،‬شذرات الذهب في أخبار من ذهب»‪ ،‬دمشق‪ ،‬دار ابن كثير‪ ،‬الطبعة األولى‪.1988 :‬‬

‫ابن النديم‪ ،‬محمد بن إسحاق‪« ،‬الفهرست»‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬الطبعة األولى‪.1994 :‬‬

‫ابن حبان‪ ،‬محمد بن حبان‪« ،‬الثقات»‪ ،‬حيدرآباد‪ ،‬دائرة املعارف العثمانية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،1973 :‬التحقيق‪ :‬محمد‬
‫عبد املعيد خان‪.‬‬

‫ابن حجر ‪ ،‬أحمد بن علي‪« ،‬تقريب التهذيب»‪ ،‬الرياض‪ ،‬دار العاصمة‪ ،1992 :‬التحقيق‪ :‬أبو األشبال صغير أحمد‬
‫شاغف‪.‬‬

‫ابن حجر ‪ ،‬أحمد بن علي‪« ،‬لسان امليزان»‪ ،‬بيروت‪ ،‬مكتبة املطبوعات اإلسالمية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،2002 :‬التحقيق‪:‬‬
‫عبد الفتاح أبي غدة‪.‬‬

‫ابن خلكان‪ ،‬أحمد بن محمد‪« ،‬وفيات األعيان وأنباء أبناء الزمان»‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الصادر‪ ،1978 ،‬التحقيق‪ :‬إحسان‬
‫عباس‪.‬‬

‫ابن فورك‪ ،‬محمد بن الحسن‪« ،‬شرح العالم واملتعلم»‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مكتبة الثقافة الدينية‪ ،‬الطبعة األولى‪،2009 :‬‬
‫التحقيق‪ :‬أحمد عبد الرحيم السايح‪ ،‬وتوفيق علي وهبة‪.‬‬

‫أبو حنيفة‪ ،‬نعمان بن ثابت‪« ،‬العالم واملتعلم»‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مطبعة األنوار‪ ،1948 ،‬التحقيق‪ :‬محمد زاهد الكوثري‪.‬‬

‫أبوحنيفة‪ ،‬نعمان بن ثابت‪« ،‬الفقه األكبر رواية حماد»‪ ،‬حييدرآباد‪ ،‬مجلس دائرة املعارف العثمانية‪ ،‬الطبعة الثالثة‪:‬‬
‫‪.1979‬‬

‫اإلسفراييني‪ ،‬طاهر بن محمد‪« ،‬التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين»‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار عالم‬
‫الكتب‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،1983 :‬التحقيق‪ :‬كمال يوسف الحوت‪.‬‬

‫اإلصفهاني‪ ،‬أحمد بن عبد هللا‪« ،‬حلية األولياء وطبقات األصفياء»‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الفكر‪.1996 ،‬‬

‫‪31‬‬
‫البخاري‪ ،‬عبد العزيز بن أحمد‪« ،‬كشف األسرار شرح أصول البزدوي»‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬الطبعة الثانية‪:‬‬
‫‪ ،1994‬التحقيق‪ :‬محمد املعتصم باهلل البغدادي‪.‬‬

‫البزدوي‪ ،‬محمد بن محمد‪« ،‬معرفة الحجج الشرعية»‪ ،‬بيروت‪ ،‬مؤسسة الرسالة ناشرون‪ ،‬الطبعة األولى‪،2000:‬‬
‫التحقيق‪ :‬عبد القادر بن ياسين بن نصر الخطيب‬

‫البغدادي‪ ،‬عبد القاهر بن طاهر‪« ،‬أصول الدين»‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪.1981 ،‬‬

‫بهاء الدين زاده‪ ،‬محمد بن بهاء الدين‪« ،‬القول الفصل شرح الفقه األكبر»‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار املنتخب العربي‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪ ،1998 :‬التحقيق‪ :‬رفيق العجم‪.‬‬

‫بياض ي زاده‪ ،‬أحمد بن حسن‪« ،‬إشارات املرام من عبارات اإلمام»‪ ،‬إسطنبول‪ ،‬دار الكتاب اإلسالمي‪ ،‬الطبعة األولى‪:‬‬
‫‪ ،1949‬التحقيق‪ :‬يوسف عبد الرزاق‪،‬‬

‫الحارثي‪ ،‬عبد هللا بن محمد‪« ،‬مسند أبي حنيفة»‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،2008 :‬التحقيق‪ :‬أبو‬
‫محمد األسيوطي‪.‬‬

‫الخطيب‪ ،‬أحمد بن علي‪« ،‬املتفق واملفترق»‪ ،‬دمشق‪ ،‬دار القادري‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،1997 :‬التحقيق‪ :‬محمد صادق‬
‫آيدن الحامدي‪.‬‬

‫الخطيب‪ ،‬أحمد بن علي‪« ،‬تاريخ مدينة السالم»‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،2001 :‬التحقيق بشار‬
‫عواد معروف‪.‬‬

‫الخطيب‪ ،‬أحمد بن علي‪« ،‬مسألة االحتجاج بالشافعي»‪ ،‬الرياض‪ ،‬شركة الطباعة العربية السعودية املحدودة‪،‬‬
‫‪ ،1980‬التحقيق‪ :‬خليل إبراهيم مال خاطر‪.‬‬

‫الخليلي‪ ،‬الخليل بن عبد هللا‪« ،‬اإلرشاد في معرفة علماء الحديث»‪ ،‬الرياض‪ ،‬مكتبة الرشد‪ ،‬الطبعة األولى‪،1989 :‬‬
‫التحقيق‪ :‬محمد سعيد بن عمر إدريس‪.‬‬

‫الخميس‪ ،‬محمد بن عبد الرحمن‪« ،‬أصول الدين عند اإلمام أبي حنيفة»‪ ،‬الرياض‪ ،‬دار الصميعي‪ ،‬الطبعة األولى‪:‬‬
‫‪.1996‬‬

‫الخوارزمي‪ ،‬محمد بن محمود‪« ،‬جامع املسانيد»‪ ،‬حيدرآباد‪ ،‬مجلس دائرة املعارف‪ ،‬الطبعة األولى‪.1913 :‬‬

‫الذهبي‪ ،‬محمد بن أحمد‪« ،‬العبر في خبر من غبر»‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،1985 :‬التحقيق‪:‬‬
‫محمد السعيد بن بسيوني زغلول‪.‬‬

‫الذهبي‪ ،‬محمد بن أحمد‪« ،‬املشتبه في أسماء الرجال»‪ ،‬ليدن‪ ،‬مطبعة بريل‪.1881 ،‬‬

‫‪32‬‬
‫الذهبي‪ ،‬محمد بن أحمد‪« ،‬ميزان االعتدال في نقد الرجال»‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬التحقيق‪ :‬علي محمد البجاوي‪.‬‬

‫الزبيدي‪ ،‬محمد بن محمد‪« ،‬إتحاف السادة املتقين بشرح إحياء علوم الدين»‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية‪.2002 :‬‬

‫الزبيدي‪ ،‬محمد بن محمد‪« ،‬عقود الجواهر املنيفة في أدلة مذهب اإلمام أبي حنيفة»‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬املطبعة‬
‫الوطنية‪ ،‬الطبعة األولى‪.1875 :‬‬

‫الساملي‪ ،‬محمد بن عبد السيد‪« ،‬التمهيد في بيان التوحيد»‪ ،‬أنقرة‪ ،‬نشريات وقف الديانة التركي‪ ،‬الطبعة األولى‪:‬‬
‫‪ ،2017‬التحقيق‪ُ :‬ع ُمر تركمان‪.‬‬

‫السمعاني‪ ،‬عبد الكريم بن محمد‪« ،‬األنساب»‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،1998 :‬التحقيق‪ :‬محمد‬
‫عبد القادر عطا‪.‬‬

‫الصفار‪ ،‬إبراهيم بن إسماعيل‪« ،‬تلخيص األدلة لقواعد التوحيد»‪ ،‬بيروت‪ ،‬املعهد األملاني لألبحاث الشرقية‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪ ،2011 :‬التحقيق‪ :‬أنجيليكا برودرسن‬

‫الصيمري‪ ،‬الحسين بن علي‪« ،‬أخبار أبي حنيفة وأصحابه»‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار عالم الكتب‪ ،‬الطبعة الثانيية‪.1985 :‬‬

‫عبد هللا بن أحمد‪« ،‬السنة»‪ ،‬الرياض‪ ،‬دار ابن القيم‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،1986 :‬التحقيق‪ :‬محمد بن سعيد القحطاني‪.‬‬

‫العيني‪ ،‬محمود بن أحمد‪« ،‬مغاني األخيار في شرح أسامي رجال معاني اآلثار»‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪ ،2006 :‬التحقيق‪ :‬محمد حسن محمد حسن إسماعيل‪.‬‬

‫الغزي‪ ،‬تقي الدين بن عبد القادر‪« ،‬الطبقات السنية في تراجم الحنفية»‪ ،‬القاهرة‪ ،‬املجلس األعلى للشؤون‬
‫اإلسالمية‪ ،1970 ،‬التحقيق‪ :‬عبد الفتاح محمد الحلو‪.‬‬

‫الفسوي‪ ،‬يعقوب بن سفيان‪« ،‬املعرفة والتاريخ»‪ ،‬املدينة‪ ،‬مكتبة الدار‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،1989 :‬التحقيق‪ :‬أكرم ضياء‬
‫العمري‪.‬‬

‫القاري‪ ،‬علي بن سلطان‪« ،‬منح الروض األزهر في شرح الفقه األكبر»‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار النفائس‪ ،‬الطبعة الثالثة‪،2016 :‬‬
‫التحقيق‪ :‬مروان محمد الشعار‪.‬‬

‫القرش ي‪ ،‬عبد القادر بن محمد‪« ،‬الجواهر املضية في طبقات الحنفية»‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار هجر‪ ،‬الطبعة الثانية‪،1993 :‬‬
‫الحقيق‪ :‬عبد الفتاح محمد الحلو‪.‬‬

‫الكردري‪ ،‬محمد بن محمد‪« ،‬مناقب اإلمام األعظم»‪ ،‬حيدرآباد‪ ،‬مطبعة مجلس دائرة املعارف النظامية‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪.1903 :‬‬

‫‪33‬‬
‫الكرماني‪ ،‬حرب بن إسماعيل‪« ،‬إجماع السلف في االعتقاد»‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار اإلمام أحمد‪ ،‬الطبعة الثانية‪،2012 :‬‬
‫التحقيق‪ :‬أسعد بن فتحي الزعتري‪.‬‬

‫الكوثري‪ ،‬محمد زاهد بن حسن‪« ،‬اإلمتاع بسيرة اإلمامين الحسن بن زياد وصاحبه محمد بن شجاع»‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫املكتبة األزهرية للتراث‪.‬‬

‫الكوثري‪ ،‬محمد زاهد بن حسن‪« ،‬مقدمات اإلمام الكوثري»‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الثريا‪ ،‬الطبعة األولى‪.1997 :‬‬

‫اللكنوى‪ ،‬محمد عبد الحي بن محمد عبد الحليم‪« ،‬الفوائد البهية في تراجم الحنفية»‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار الكتاب‬
‫اإلسالمي‪ ،1906 ،‬التحقيق‪ :‬محمد بدر الدين أبي الفراس النعاني‪.‬‬

‫املاتريدي‪ ،‬محمد بن محمد‪« ،‬تأويالت القرآن»‪ ،‬إسطنبول‪ ،‬دار امليزان‪ ،2005 ،‬التحقيق‪ :‬مجموعة من املحققين‬
‫بمراجعة بكر طوبال أوغلي‪.‬‬

‫املكي‪ ،‬املوفق بن أحمد‪« ،‬مناقب اإلمام أبي حنيفة»‪ ،‬حيدرآباد‪ ،‬مجلس دائرة املعارف النظامية‪ ،‬الطبعة األولى‪:‬‬
‫‪.1903‬‬

‫النسفي‪ ،‬عمر بن محمد‪« ،‬القند في ذكر علماء سمرقند»‪ ،‬طهران‪ ،‬آينه ميراث (مرآة التراث)‪ ،‬الطبعة األولى‪،1999 :‬‬
‫التحقيق‪ :‬يوسف الهادي‪.‬‬

‫النيسابوري‪ ،‬الحسن بن محمد «غرائب القرآن ورغائب الفرقان»‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة األولى‪:‬‬
‫‪ ،1996‬التحقيق‪ :‬زكريا عميرات‪.‬‬

‫‪34‬‬

You might also like