You are on page 1of 3

‫اختلف العلماء في تحديد عورة الرجل‪ .

‬فمنهم من قال أنها من السرة إلى‬


‫الركبتين (أي أن الفخذ عورة)‪ ،‬و قال اآلخرون أنها السوءتان فقط (أي الفخذ‬
‫ليس بعورة)‪ .‬ودليلهم قوله –سبحانه وتعالى–‪ ]:‬لباسا يواري سوآتكم وقوله‪:‬‬
‫]بدت لهما سوآتهما[ وقوله –جل وعلى–‪] :‬ليريهما سوءآتهما[‪ .‬وقد أثبت ابن‬
‫حزم في المحلى (‪ )215|3‬أن قول جمهور السلف هو أن الفخذ ليس بعورة‪.‬‬
‫لكن التشديد تدرج بمرور الزمن‪ ،‬فصار مذهب جمهور المتأخرين أن الفخذ‬
‫عورة‪ .‬بل إن بعض المذاهب تفرض الحجاب الكامل على الشاب الوسيم! ال‬
‫أقول هذه الكالم من باب التندر! راجع حاشية ابن عابدين (‪ )285|1‬واقرأ قوله‪:‬‬
‫«إذا بلغ الغالم مبلغ الرجال ولم يكن صبيحا‪ ،‬فحكمه حكم الرجال في الساتر‬
‫في الصالة‪ .‬وبعكس الصبيح‪ ،‬فحكمه حكم النساء من فرقه إلى قدمه!!!!»‪.‬‬

‫أدلة من قال بأن الفخذ عورة‪:‬‬

‫ي ‪ r‬بِ َج ْر َه ٍد فِي ْال َم ْس ِج ِد َوقَ ِد ا ْن َكش َ‬


‫َف فَ ِخذُهُ فَقَال «إِ َّن‬ ‫يستدلون بحديث‪َ :‬م َّر النَّبِ ُّ‬
‫ْالفَ ِخذَ َع ْو َرة»‪ .‬و الحديث أخرجه أحمد و أبو داود و الترمذي و علّقه البخاري‬
‫في صحيحه بصيغة تمريض و ضعّفه في تاريخه (‪ )248|2‬لالضطراب في‬
‫إسناده‪ .‬والحديث كذلك فيه زرعة‪ ،‬وهو مجهول‪ .‬والحديث عن أبي أيوب (الذي‬
‫أخرجه الدارقطني) ضعيف ألن فيه سعيد بن راشد وعباد بن كثير‪ ،‬وهما‬
‫متروكان‪ .‬وحديث «الركبة من العورة» ضعيف‪ :‬فيه عقبة‪ ،‬وقد ضعفه أبو حاتم‬
‫الرازي‪ .‬وفيه النضر‪ ،‬وهو مجهول يروي أحاديث منكرة‪ ،‬قال ابن حبان‪« :‬ال‬
‫يحتج بحديثه»‪ .‬وحديث «عورة الرجل ما بين سرته إلى ركتبه» ضعيف ألن‬
‫فيه عباد بن كثير وهو متروك‪ .‬وحديث «ال تكشف فخذك‪ ،‬وال تنظر إلى فخذ‬
‫حي أو ميت» أخرجه أبو داود وأنكره‪ ،‬وقد ضعّفه أبو حاتم ألن فيه ابن جريج‬
‫وقد دلّسه عن ضعيف‪ .‬وحديث «الفخذ عورة» أخرجه أحمد والترمذي‪ ،‬وفيه‬
‫أبي يحيى القتات‪ ،‬وهو ضعيف له مناكير كثيرة‪.‬‬

‫أدلة من يقول بأن الفخذ ليس بعورة‪:‬‬

‫عن أنس‪« :‬أن رسول هللا ‪ r‬غزا خيبر‪ .‬فصلينا عندها صالة الغداة ِبغَلَ ٍس‪.‬‬
‫فركب نبي هللا ‪ ،r‬وركب أبو طلحة‪ ،‬وأنا رديف أبي طلحة‪ .‬فأجرى نبي هللا ‪r‬‬
‫فخذه‬
‫ار عن ِ‬ ‫اإلزَ َ‬
‫س َر ِ‬
‫فخذ نبي هللا ‪ .r‬ثم َح َ‬
‫س ِ‬‫في ُزقاق خيبر‪ ،‬وإن ركبتي لَت َ َم ُّ‬
‫اض فَ ِخ ِذ نبي هللا ‪ .r‬فلما دخل القرية قال‪" :‬هللا أكبر خربت‬ ‫حتى إني أ َ ْن ُ‬
‫ظ ُر إلى بَيَ ِ‬
‫خيبر"‪ .»...‬أخرجه البخاري (‪ )145|1‬واللفظ له‪ ،‬ومسلم (‪.)1426|3‬‬
‫ار» أي كشف‪ .‬والحديث عند مسلم بلفظ «فانحسر اإلزار»‬ ‫اإلزَ َ‬
‫س َر ِ‬
‫قوله « َح َ‬
‫ومال اإلسماعيلي إلى ترجيحها‪ .‬قال ابن حجر في الدراية (‪« :)227|2‬ال فرق‬
‫في نظري بين الروايتين من جهة أنه ‪ r‬ال يُقَ ّر على ذلك لو كان حراما (أي‬
‫عصمته ‪ .)r‬فاستوى الحال بين أن يكون حسره باختياره أو انحسر بغير‬ ‫بسبب ُ‬
‫اختياره»‪ .‬وظاهر سياق أبي عوانة والجوزقي من طريق عبد الوارث عن عبد‬
‫ّللا ‪ r‬في زقاق خيبر‪،‬‬
‫العزيز يدل على استمرار ذلك‪ ،‬ألنه بلفظ «فأجرى رسول ّ‬
‫ّللا‪ ،‬وإني ألرى بياض فخذيه»‪ .‬هذا باإلضافة لقوله‬‫وأن ركبتي لتمس فخذ نبي ّ‬
‫ومس‬
‫ّ‬ ‫ّللا» ألن ظاهره أن المس كان بدون الحائل‪.‬‬
‫«وأن ركبتي لتمس فخذ نبي ّ‬
‫العورة بدون حائل ال يجوز‪.‬‬

‫أخرج اإلمام مسلم في صحيحه (‪ :)#2401 1866|4‬حدثنا يحيى بن يحيى‬


‫ويحيى بن أيوب وقتيبة وابن حجر قال يحيى بن يحيى أخبرنا وقال اآلخرون‬
‫حدثنا‪ :‬إسماعيل –يعنون ابن جعفر– عن محمد بن أبي حرملة‪ ،‬عن عطاء‬
‫وسليمان –ابني يسار– وأبي سلمة بن عبد الرحمن‪ ،‬أن عائشة قالت‪« :‬كان‬
‫رسول هللا ‪ r‬مضطجعا في بيتي كاشفا عن فَ ِخذَ ْي ِه أو ساقيه‪ .‬فاستأذن أبو بكر‬
‫فَأَذِنَ له‪ ،‬وهو على تلك الحال‪ ،‬فتحدث‪ .‬ثم استأذن عمر فأذن له وهو كذلك‬
‫فتحدث‪ .‬ثم استأذن عثمان فجلس رسول هللا ‪ r‬وسوى ثيابه –قال محمد‪ :‬وال‬
‫أقول ذلك في يوم واحد– فدخل فتحدث»‪ .‬فلما خرج قالت عائشة‪« :‬دخل أبو‬
‫ش له ولم تُبَا ِل ِه‪ .‬ثم دخل عمر فلم تهتش له ولم تباله‪ .‬ثم دخل عثمان‬
‫بكر فلم ت َ ْهت َ َّ‬
‫فجلست وسويت ثيابك!»‪ .‬فقال‪« :‬أال أستحي من َر ُج ٍل تستحي منه المالئكة؟»‪.‬‬

‫وأخرج اإلمام أحمد في مسنده (‪ )#24375 62|6‬بإسنا ٍد صحيح‪ :‬حدثنا‬


‫َّار (وقيل اسمه‬ ‫عبَ ْيد ُ هللا بن َ‬
‫سي ٍ‬ ‫مروان (بن معاوية الفزاري‪ ،‬ثقة) قال‪ :‬حدثنا ُ‬
‫عبد هللا‪ ،‬ثقة) قال‪ :‬سمعت عائشة بنت طلحة (ثقة) تذكر عن عائشة أم المؤمنين‪:‬‬
‫«أن رسول هللا ‪ r‬كان جالسا كاشفا عن فخذه‪ .‬فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو‬
‫على حاله‪ ...‬الحديث»‪.‬‬

‫الحديث استدل به من قال أن الفخذ ليست بعورة‪ .‬و المعارضون لهذا‬


‫الحديث يرفضون االحتجاج به للتردد الواقع في رواية مسلم التي ذكرناها ما‬
‫بين الفخذ والساق‪ ،‬و الساق ليس بعورة إجماعا‪ .‬و هذا ال يرد الحديث لما ورد‬
‫في رواية أحمد و هي الصحيحة‪ .‬والتردد عند مسلم هو من يحيى بن أيوب‪،‬‬
‫كما يظهر من رواية أبي يعلى في مسنده (‪ .)240|8‬فقد أخرجه ابن حبان في‬
‫صحيحه (‪ )#6907 336|15‬من غير وجه عن إسماعيل‪« :‬كاشفا عن فخذيه‪،‬‬
‫فاستأذن أبو بكر»‪ ،‬أي بال تردد‪ .‬و قالوا أن هذه الواقعة خاصة بالنبي ‪ r‬ألنه لم‬
‫يظهر فيها دليل يدل على التأسي به في مثل ذلك‪ .‬وأقول أن دعوى الخصوصية‬
‫في هذا غير معقولة‪ .‬إذ كيف يَأ ُمر غيره بالحياء وهو في المكان األعلى من‬
‫ذلك؟!‬

‫وقد حاول العلماء الجمع بين تلك األحاديث وفق ما يلي‪:‬‬

‫‪ -1‬لم يثبت في أي حديث صحيح أن الفخذ عورة‪ .‬بل ثبت العكس تماما‪.‬‬
‫ونحن ال نأخذ بالحديث الضعيف في الحالل والحرام‪.‬‬

‫‪ -2‬األخذ بالحديث الضعيف (أن الفخذ عورة) على سبيل االحتياط‪.‬‬

‫‪ -3‬اعتبار أن الفخذ ليس بعورة‪ ،‬لكن من المستحب تغطيته‪ .‬جاء في معتصر‬


‫ي عن النبي ‪ r‬في الفخذ‪،‬‬‫المختصر (‪« :)256|2‬واألقرب إلى الصواب أن ما ُر ِو َ‬
‫هل هو عورة أو ليس بعورة‪ :‬معناه أنه ليس بعورة يجب سترها كالقبل والدبر‪،‬‬
‫وأنه عورة يجب سترها في مكارم األخالق ومحاسنها‪ .‬وال ينبغي التهاون بذلك‬
‫في المحافل والجماعات‪ .‬وال عند من يستحي من ذوي األقدار والهيئات‪ .‬فعلى‬
‫هذا تستعمل اآلثار كلها‪ .‬واستعمالها أولى من طرح بعضها‪ .‬وهللا أعلم»‪.‬‬

‫و الخالصة أن الشافعي و أبو حنيفة وجمهور المتأخرين قد ذهبوا إلى أن‬


‫الفخذ عورة‪ .‬أما مالك وأحمد (بخالف أتباعهما) وابن حزم وجمهور المتقدمين‬
‫فذهبوا إلى أن العورة هي القبل و الدبر فقط‪ .‬و هللا أعلم‪.‬‬

You might also like