You are on page 1of 12

‫حول إعادة تشكيل العقل المسلم‬

‫لعماد الدين خليل‬


‫مقدمة‬
‫إن محاولة إعادة ترتيب العقل المسلم‪ ،‬أو إعادة تشكيله أو صياغته‪ ،‬ومنحه القدرة على التخلص من بعض القيود‬
‫واألسوار‪ ،‬قضية تجد في طريقها الكثير من الصعوبات والركام الذي قد يلبس األمور ويغيب الرؤية الصحيحة لألشياء‬
‫والقدرة على إبصارها ومعالجتها‪ ،...‬األمر يتعلق بجذور المشكلة الثقافية وصميمها الذي نعاني منه نحن‪ ،‬بعد أن عودنا‬
‫أنفسنا على القابلية لها منذ قرون ولت‪.‬‬

‫اإلشكال يكمن في المشكلة الثقافية والمناخ الثقافي أو عالم األفكار الذي يشكل المحضن الصحي والضروري إلعادة‬
‫تشكيل العقل وترتيبه ومنحه القدرة على العطاء والحماية من االنكسار‪ ،‬لذلك كان البد لنا من المعالجة المنهجية الحكيمة‬
‫المتأنية الناضجة‪ ،‬وأمر آخر ومهم جدا في دراسة المشكلة أو القضية هو أنه البد لنا من تناول تلك القضية من أكثر من‬
‫طرف وإلقاء أكثر من ضوء إضافي عليها فالمشكل الذي يقع فيه أغلبية المفكرين أو الدارسين هو الدراسة الجزئية‬
‫والفرعية للقضايا‪ ،‬لذلك البد من تحديد أبعاد المشكلة العامة وبالتالي تكون المعالجة دقيقة‪.‬‬

‫فالدعوة إلى إعادة صياغة العقل اليوم هي دعوة مزدوجة في حقيقة األمر أو ذات بعدين رئيسيين ‪:‬هما‬

‫تصحيح التصور‪:‬‬

‫وذلك بالقدرة على رؤية الخطوط اإلسالمية متواصلة متكاملة ال يصطدم بعضها باآلخر والقدرة على تكوين القدرة العقلية‬
‫التي تمتلك أبجديات الثقافة اإلسالمي‪.‬‬

‫تخليص العقل‪:‬‬

‫من التركيز على النظرة الجزئية ألنها تشكل آفات عقلية ليس أقلها العجز واالنحسار‪ ،‬لذلك فاإلنسان ذو النظرة الشمولية‬
‫والثقافية العامة قادر على تحقيق االنسجام وترتيب األولويات والتمييز بين األمراض واألعراض‪ ...‬ومن ثم البد من بناء‬
‫عقلية البرمجة والتخطيط ودراسة األسباب وحصول النتائج واكتشاف مواطن الخطأ والعجز‪ ..‬صحيح أن أمر ترتب‬
‫النتائج على المقدمات مملوك هلل تعالى ومراد له‪ ،‬لكن وظيفة اإلنسان االستخالفية في األرض قائمة على تعاطي األسباب‬
‫وإتقانها وحسن التعامل معها ألن األسباب الموصلة إلى النتائج هي من قدر هللا‪ ،‬وسننه في الحياة أيضا‪...‬ألن الفهم‬
‫النصفي العليل الذي يقول بأن علينا تعاطي األسباب وليس علينا مناقشة مدى ترتب النتائج على هذه األسباب فهي قضية‬
‫خطيرة تزري بالعقل المسلم وتتعارض مع سنن هللا في الحياة واألحياء‪ ..‬وللفهم أكثر نضرب مثاال بغزوة أحد التي انهزم‬
‫فيها المسلمون وهذه الهزيمة لم تجعل منهم شعراء ينشدون أحزانهم ويبكون بها على األطالل أو إدخالهم في نفق اليأس‬
‫واإلحباط‪ ،‬بالعكس تماما فهي كانت بمثابة محفز وعامل إلعادة الكرة والمضي قدما‪ ...‬فمن هنا يتبين لنا دور اإلسالم‬
‫المركزي في بناء عقل المسلم وثقافيته بعدما كان في العصر الجاهلي له قابلية العجز واالنكسار‪.‬‬

‫ومن هنا تأتي ضرورة إعادة ترتيب العقل المسلم اليوم على ضوء فهم عمر بن الخطاب رضي هللا عنه‪ .‬عندما‬
‫سئل بعد تحوله برعيه من الوادي المجدب إلى المخصب ليؤمن لغنمه المرعى الصالح‪ :‬كيف تفر من قدر هللا؟ فيقول‬
‫فررت من قدر هللا إلى قدر هللا‪...‬‬

‫وكما ذكرنا آنفا فإن لإلسالم دور محوري في صياغة عقل المسلم‪ ،‬فقد طرح من خالل القرآن والسنة‪ ،‬رؤية جديدة‬
‫للحياة رؤية تبدأ من داخل اإلنسان في عقله وقلبه وروحه ووجدانه وغرائزه وميوله‪ ،‬وتنتهي في خارجه لكي تصوغه‬
‫إنسانا جديدا متفوقا قادرا على التغيير المطلوب في بنية العالم‪ ،‬والتحكم من خالل ما أبصر من السنن التي شرعها هللا‬
‫بالحركة التاريخية إلعادة البشرية إلى المنهج المتوافق مع سنن هللا‪.‬‬

‫‪...‬ومن أجل جعل الرؤية واضحة والغوص بشكل دقيق في مشكالت العقل المسلم ومدى توفر شروط إعادة تشكيل هذا‬
‫العقل‪ ،‬البد لنا من طرح أسئلة أهمها‪///‬‬

‫ما الذي أصاب العقل المسلم فصده عن المضي في الدرب إلى غايته؟ وكيف ضربه العقم بعد التوهج واإلبداع الذي‬
‫أشعلت فتيلها كلمات هللا وتعاليم رسول هللا صلى هللا عليه وسلم؟‬

‫ما هو طريق الخالص إذن‪...‬؟ وكيف يستعيد العقل ثقته بنفسه؟‬

‫هل يتسنى لإليمان أن يقف في المعركة وحيدا أعزل؟ وماهي النقالت الكبيرة التي حققها الدين فشكل بها العقل‬
‫الجديد‪...‬؟؟‬

‫كلها أسئلة وأخرى حول العقل المسلم وكيفية إعادة صياغته‪ ..‬تدور في عقول المسلمين صباح مساء‪..‬‬

‫الكبرى *‪* 62/27‬‬ ‫الفصل األول‪ :‬التحوالت‬


‫في بقعة صغيرة من الجزيرة العربية‪ ،‬عاش اإلنسان العربي بقدرات عقلية محدودة ‪ ...‬فجأة وجد نفسه أمام دعوة‬
‫جديدة نزلت من السماء‪ ،‬فانقسم العقل العربي إلى قسمين‪:‬‬

‫*عقل رفض الدعوة* لعدم قدرته على استيعاب المضامين والمعطيات واألفاق التي تضمنتها‪.‬‬

‫وعقل تقبل الدعوة الجديدة* باستيعاب مذهل للتغيرات الجذرية التي مكنته من إعادة التشكيل‪ ،‬والعمل وفق صيغ جديدة‬
‫لم يألفها قبل إنسان‪..‬‬

‫فكيف تمت المعجزة؟ وما هي النقالت التي نفذها اإلسالم إزاء الجيل األول فأعاد تشكيل‬
‫العقل البشري ودفعه إلى العطاء واإلبداع؟‬

‫إن محاولتنا لإلجابة عن هذه األسئلة سيضعنا أمام طريق واضح ومنهج سليم إلعادة تشكيل العقل المسلم في‬
‫عصرنا هذا‪...‬‬

‫بين عماد الدين خليل في هذا الفصل إن تشكيل العقل المسلم لم يكن اعتياديا ‪،‬بل تم بإعجاز مذهل تجاوز صيغ‬
‫المعادالت القديمة ‪،‬فاإلسالم منح المنتمين اليه قدرات إضافية لتجاوز حيثيات الزمان والمكان ‪،‬والتحقق بالتوافق المنشود‬
‫بين عقله وبين السنن ‪...‬فالدعوة الجديدة كانت منهجية في رؤيتها منذ الوهلة األولى‪ ،‬حيث وضعت سلما ذي درجات‬
‫عريضة ‪ :‬يبدأ باالنتماء لإلسالم ويعني ذلك الموافقة المبدئية على الدخول في عمل مبرمج مرسوم ‪،‬مرورا باإليمان باهلل‬
‫‪،‬ويعني التحقق بالقناعات الكاملة بجدوى هذا العمل‪ ،‬ثم التقوى وهي تلك الطاقة الفذة التي تشعل مصباح الضمير ليظل‬
‫متوهجا متألقا حتى يغيب اإلنسان في التراب‪ ...‬وأخيرا الوصول إلى اإلحسان الذي يهدف إلى إيصال المؤمن التقي إلى‬
‫القمة‪.‬‬

‫إن هذا السلم هو نوع من التربية الممنهجة‪ ،‬استطاع اإلسالم بفضله أن يبعث أجياال من العداءين اجتازوا الموانع‬
‫والعقبات (يسارعون في الخيرات)‪ ،‬وهذه السرعة اعتمدت على مؤشرين‪ :‬السرعة والسبق ‪...‬‬

‫فوصل المسلم إلى أوج القمة‪ ،‬ودخل في العمل الجماعي المبرمج‪ ،‬وكله طاقة وإبداع فحقق االنسجام مع السنن والنواميس‬
‫فاستحق بصدق لقب الرائد والقائد لألمم‪.. .‬‬
‫إن اإلسالم اعتمد على نقالت هي بمثابة منهج متكامل من القرآن والسنة لتشكيل العقل المسلم‪ ،‬واهم تلك النقالت‪///‬‬

‫ا) النقلة االعتقادية*‬

‫وتعتبر القاعدة التي بنيت عليها سائر النقالت‪ ،‬ومعناها تحويل التوجه اإلنساني من التعدد إلى الوحدة ومن عبادة العباد‬
‫إلى عبادة رب العبادة‪ ،‬فهي عبارة عن إخراج الناس من الظلمات إلى النور‪ ،‬فالعقيدة الجديدة جاءت لتنقل اإلنسان من‬
‫الظلم إلى العدل والتوحيد‪ ..‬حيث يجد العقل نفسه‪ ،‬ويعاد تشكيله دون أن يكون محكوما عليه بظلم من سلطة فكرية قاهرة‬
‫‪.....‬‬

‫وإلبراز البعد الشاسع لهذه النقلة‪ ،‬يستعرض الكاتب شيئا من ممارسات العقل العربي في الجاهلية‪ ،‬من عبادة األوثان‬
‫وقصصها وأسماءها‪ ....‬وكيف خلصته الدعوة الجديدة من هذا المستنقع اآلسن‪ ،‬والخرائب المهجورة التي يعشش فيها‬
‫التخلف ‪...‬إلى أفاق التوحيد ‪...‬فالتصور اإلسالمي نسيج وحده‪ ،‬عرف كيف يعيد تشكيل العقل الجديد ويدفعه إلى الحركة‬
‫التي ال سكون بعدها‪ ،‬وهذه النقلة كانت مصحوبة بنقلة أخرى وهي‪:‬‬

‫*ب) النقلة المعرفية‬

‫التي حثت عليها الدعوة في أول آيات تنزل على صاحب الدعوة‪ ،‬فنداءات القران كانت منبثقة من فعل القراءة والتفكير‬
‫والتعقل ‪...‬لذا ليس عبثا أن تكون كلمة *اقرأ** هي الكلمة األولى‪ ،‬وستليها نداء للمعرفة والتدبر بألفاظ عديدة‪ :‬اقرأ‪ ،‬تفكر‪،‬‬
‫اعقل‪ ،‬تدبر‪ ،‬تفقه انظر‪ ،‬تبصر ‪...‬فما كان للعقل إال أن يستجيب لهذه الدعوة ويتفاعل مع المعطيات المعرفية الموجودة في‬
‫القرآن‪ ،‬لتتفجر ينابيعه وطاقاته في كل المجاالت ويدفعه نحو حب البحث والتساؤل والعلم‪.....‬‬

‫إن القرآن كان دقيقا في تعامله مع العقل المسلم‪ ،‬حيث عرفه اإلسالم أوال‪ ،‬ثم صحح معتقده‪ ،‬وأعطاه المعرفة والعلم‪ ،‬ثم‬
‫المنهج الذي يصل به إلى تحقيق األهداف‪ ،‬فال شك إن المنهج يلعب دورا مهما للغاية في حركة اإلنسان الفكرية‪.‬‬

‫وامتدت‬

‫*ج)النقلة المنهجية*‬

‫عبر امتدادات ثالثة**السببية‪ ،‬القانون التاريخي‪ ،‬منهج البحث الحسي التجريبي**‬

‫فمنهج السببية * يتمثل في التأمل في قدرة هللا الذي خلق كل شيء في الكون ‪،‬وفق منهج منضبط ‪،‬لذا أراد القرآن إن‬
‫يجتاز بالعقل العربي مرحلة النظرة التبسيطية ‪،‬المفككة‪ ،‬التي تعاين األشياء كما لو كانت منفصلة‪ ،‬إلى عقلية تركيبية تملك‬
‫القدرة على الرؤية االستشرافية التي تبحث عن الحقيقة‪ ،‬وذلك بالربط بين األسباب والمسببات‪ ،‬فالكون تعبير عن إبداع‬
‫الخالق تحكمه قوانين واحدة‪ ،‬وأسباب واحدة‪ ،‬ونواميس واحدة ‪,‬تصدر عن إرادة واحدة ‪...‬فالكشف عن السببية واألخذ‬
‫بشروطها المنهجية كسب كبير للعقل البشري يمكنه من النهضة والريادة في كل عصر‪....‬‬

‫أما المنهج الثاني فهو *منهج القانون التاريخي‬

‫حيث يقول الكاتب ‪(:‬وألول مرة في تاريخ الفكر‪ ،‬يكشف الغطاء أمام العقل البشري عن حقيقة منهجية على درجة كبيرة‬
‫من الخطورة) ‪،‬فالتاريخ البشري ال يتحرك بشكل فوضوي‪ ،‬وإنما تحكمه السنن والقوانين كتلك التي تحكم الكون والعالم‬
‫والحياة ‪...‬فالوقائع التاريخية ال تخلق بالصدفة ‪ ...‬والقرآن الكريم يقدم أصول منهج متكامل في التعامل مع التاريخ‬
‫البشري ‪...‬ولعل ابن خلدون ادرك هذا جيدا واستخلص القوانين التي تحكم الظواهر االجتماعية ودونها في مقدمته ‪ ...‬إن‬
‫القران طرح على العقل البشري ألول مرة مسالة السنن والنواميس التي تسير حركة التاريخ ‪...‬فحركة أي جماعة بشرية‬
‫في التاريخ ليست اعتباطية‪...‬لذا حض العقل المسلم أن يجعل السنن دافعا حركيا ‪،‬لتجاوز مواقع الخطأ الذي وقعت فيه‬
‫الجماعات البشرية السابقة ‪ .‬يقول تعالى (((قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في األرض فانظروا كيف كانت عاقبة‬
‫المكذبين ‪،‬هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين‪//‬‬
‫وأخيرا *منهج البحث الحسي التجريبي *‬

‫حيث دعا القران الناس من خالله إلى التبصر بحقيقة وجودهم‪ ،‬عن طريق النظر الحسي في افاق النفس والكون‪ ،‬فتوالت‬
‫اآليات التي تحث على تحريك العقل الذي يعتبر مفتاح اكتشاف كل العلوم الطبيعية‪ ،‬والدعوة الجديدة لم تكن منفصلة عن‬
‫العلم يوما‪ ،‬فالعلم والدين سواء في لغة القرآن دون الفصل بينهما إطالقا‪.‬‬

‫فما ينبغي الوصول اليه هو إدراك أننا إزاء حركة حضارية شاملة تربط بين مسالة اإليمان ومسالة اإلبداع‪ ..‬بين تسخير‬
‫مستوى روحي عال لإلنسان‪ ،‬وبين تسخير طاقات العالم لتحقيق الدرجة نفسها من التقدم على المستوى المادي‪.‬‬

‫فهذه النقالت في نظري هي سر إعادة تشكيل العقل المسلم ‪...‬فنحن بحاجة إلى فهم مفهوم اإلسالم واالطالع على‬
‫موضوعه عن طريق المعرفة والعلم الذي جاءت به الدعوة‪ ،‬ثم التركيز على المنهج وتطبيقه عن طريق اكتشاف السنن‬
‫الكونية‪ ..‬ثم إدراك المقصد في وهو أداء مهمة االستخالف وإعمار األرض‪ ،‬للوصول إلى سعادة الدارين‪..‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬أبعاد التحقق التاريخي‬ ‫*‪*90/63‬‬

‫إن األفكار‪ ،‬أو النشاط العقلي‪ ..‬هو الذي يسهم جنبا إلى جنب مع قوى اإلنسان األخرى وطاقاته المتشعبة‪ ،‬في صناعة‬
‫الحضارات وليس العكس مما تقول به النظريات التي أكدت رجعيتها آخر معطيات العلم الحديث‪...‬‬

‫وهكذا فإن قيام الدين الجديد بتشكيل عقل إسالمي فعال‪ ،‬ومن خالل تحوالت جذرية على المستويات كافة‪ ،‬العقيدية‬
‫والمعرفية والمنهجية‪ ..‬كان بمثابة إرهاص لمولد طاقة حضارية فذة‪ ،‬كان ال بد أن تلد عطاءها المتواصل بعد أن نضج‬
‫الجنين في رحم تهيأت له شروط الميالد واليوم فإنه ليس بمقدور قوة في األرض أن تبعث المسلمين من جديد للفعل‬
‫الحضاري ما لم تتهيأ الشروط والمواصفات نفسها‪ ..‬ما لم تتحقق بالتحوالت الحاسمة ذاتها‪//‬‬

‫عقيديا و معرفيا و منهجيا‪//‬‬

‫لقد امتد الفعل الحضاري اإلسالمي لكي يغطي اتجاهات ثالثة‬

‫وذلك باحترام الحضارة اإلسالمية للتراث الحضاري البشري الذي سبقها و عاصرها‬

‫فكل الحضارات العالمية كانت بمثابة حقول مفتوحة جال في أطرافها العقل اإلسالمي‪ ،‬فأخذ ورفض‪ ،‬وانتقى ومحص‬
‫واختبر ‪...‬لم يكن مجرد اقتباس‪ ،‬ولكنه هضم وتمثل ‪ ...‬فحقق مردوده اإليجابي عبر نطاق الحضارات جميعا‪ .‬وكان له‬
‫أثر في حضارة أوروبا‬

‫والمؤلف يستشهد بعدد من المقاالت لمفكرين غربيين مثل‪//‬كلويس يونغ وغرونباوم وغوستاف لوبون وغيرهم‪...‬‬

‫‪-‬اإلضافة و التجديد و اإلغناء‪ .‬لمعطيات حضارية كانت بأمس الحاجة لذلك ثم‬

‫ويضيف بل إن العقل اإلسالمي المتحضر قدر على أن يكتشف عناصر وقيما جديدة بالكلية‪ ،‬وأن يقدمها للعالم ثمارا يانعة‬
‫لجهده الخاص‪.‬‬

‫ثم يورد شهادات لعلماء من الشرق و الغرب حول دور العقل اإلسالمي في إغناء الحضارات البشرية‬

‫وأخيرا يؤشر لعدد من منجزات المسلمين العلمية‪...‬‬

‫في الرياضيات والفيزياء وعلم الفلك والكيمياء وعلم النبات والطب والجغرافيا ثم العلوم التطبيقية مقدما البعض من‬
‫إسهامات المسلمين في كل من هذه العلوم‪....‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الهيكل الحضاري للرؤية اإلسالمية‬
‫‪)112 /(91‬‬

‫السؤال المطروح في هذا الفصل هل نطمح حقا إلى استعادة دورنا الحضاري دون أن نتحقق بالشروط الضرورية إلعادة‬
‫تشكيل العقل اإلسالمي المعاصر‪ ،‬كما شكلت عقول أجدادنا؟‬

‫والجواب طبعا أبدا‪...‬فدون هذه الشروط التصورية والمعرفية والمنهجية لن نقدر على اإلمساك بالحركة التاريخية كي‬
‫نسترد دورنا الحضاري المفقود‪ .‬علينا أن نرتد مرة أخرى إلى الجذور‪ ،‬إلى مبادئ اإلسالم نفسها‪ ،‬لكي ما يلبث أن يتأكد‬
‫لنا البعد الحضاري الذي يتغلغل في نسيجها‪...‬في محاولة لتصور الهيكل الذي يقوم عليه‪.‬‬

‫‪-‬هذا الهيكل الحضاري للرؤية اإلسالمية يمكن أن نتصوره في مثلث متساوي األضالع ‪ ،‬محكم الزوايا‪ ،‬أو بتطابق‬
‫هندسي معماري مرسوم ‪ :‬األرضية‪ ،‬واإلنسان ‪ ،‬وبرنامج العمل‪.‬‬

‫هذه األطراف الثالثة ستؤول إلى موقف حضاري سداه العمل واإلنجاز ‪ ،‬ولُحمته الكشف واإلبداع‪.‬‬

‫‪-‬األرضية‪...‬‬

‫‪ -‬لقد ُهيِّئت أرضية العالَم الستقبال اإلنسان بقدراته الخاصة‪ ،‬ومطامحه وأهدافه‪ .‬وبانتظار العقل الذي سيفكر‪ ،‬واليد التي‬
‫ستن ِّفذ‪ ،‬واإلرادة التي ستنشد بين رؤية العقل وقدرة اليد‪...‬فإن العالم سيتشكل وفق صيغ ومعادالت تمكن القادم الجديد من‬
‫أداء دوره الحضاري المرسوم‪.‬‬

‫‪-‬والقرآن الكريم يحدثنا طويال عن سائر(العمليات) التي أريدَ بها تهيئة العالم الستقبال المخلوق الجديد‪ ،‬وإحاطة نشاطاته‬
‫المختلفة بالضمانات‪...‬بل إنه يمضي بنا إلى ما وراء ذلك اليوم الذي قال فيه هللا سبحانه للسماوات واألرض ‪{ :‬ائتيا طوعا‬
‫أو كرها قالتا أتينا طائعين} (فصلت ‪)١١:‬‬

‫إن التوجه الحضاري في القرآن يمتد إلى ما قبل آدم‪...‬إنه كل فعل امتزجت فيه إرادة هللا وكلمته بالمادة فصاغتها كتال‬
‫كونية‪ ،‬أو نظما طبيعية‪ .‬ومادامت عملية بناء الكون وتهيئة األرضية الصالحة للحياة على األرض‪ ،‬قد سبقت خلق آدم‬
‫بأزمان‪ ،‬وما دامت المقاييس اآلدمية تجيء دائما نسبية قاصرة‪ .‬فال يمكن لنا أن نحيط أو ُن َفس َِّر قضية (التكوين) أو أن‬
‫نفترض نظريات ال جدوى من ورائها‪...‬ألنه فوق طاقتنا‪ ،‬وأية محاولة تعتبر عبثا ((ميتافيزيقيا)) كما فعل جل الفالسفة‬
‫اليونانيين واإلسالميين المتأثرين بهم‪.‬‬

‫وهذا ال يعني أبدا التشكيك بالمحاوالت العلمية‪-‬التجريبية لدراسة الجانب الطبيعي القائم((فعال)) من الكون‪ ،‬والسعي‬
‫للكشف عن قوانين بنيانه المحكم‪ ،‬ألن هذا هو الموقف الذي يدعوا له القرآن في عديد من اآليات‪ .‬ولكن القصد هو الجانب‬
‫الفلسفي التصوري لبدايات الخلق والبحث عن ((العلة)) و ((المعلول)) و((المتناهي األول ((‬

‫‪-‬إن امتداد عملية الخلق التي بينها القرآن في عصرنا التاريخي الراهن والمقبل‪ ،‬وأن الكون ماضي في حركته الدينامية‬
‫نحو االتساع الدائم بإرادة هللا‪.‬‬

‫{ والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون} (الذاريات ‪).٤٧ :‬‬

‫وهذه الحركة صوب االتساع ستنعكس في التصور اإلسالمي على حركة التاريخ البشري ومصير اإلنسان قبل أن يأتي‬
‫اليوم الذي تطوى فيه السماوات كطي السجل للكتب‪ .‬و َت ُكف الحياة عن االستمرار تمهيدا للحساب‪.‬‬

‫قال تعالى‪{ :‬كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين} (األنبياء‪)١٠٤ :‬‬
‫‪-‬وعند تنقلنا في أرجاء القرآن لمطالعة اآليات الخاصة بخلق الكون وتهيئة الظروف الصالحة للحياة على األرض وقمنا‬
‫بتمعنها‪ ،‬وجدناها ترتبط ارتباطا أصيال بالدور الذي ُبع َ‬
‫ِث اإلنسان لكي يؤديه‪ ،‬وهي كلها قواعد أساسية ألي نشاط‬
‫حضاري فعال ومتطور على األرض‪.‬‬

‫{وماخلقنا السماء واألرض ومابينهما العبين‪( }...‬األنبياء‪)١٦:‬‬

‫{وهو الذي خلق السماوات واألرض في ستة أيام‪( }...‬هود‪)٧ :‬‬

‫{قل إنكم لتكفرون بالذي خلق األرض في يومين‪( }...‬فصلت‪)٩ :‬‬

‫(القيامة‪).٣١ :‬‬ ‫{أيحسب اإلنسان أن يترك سدى}‪.‬‬

‫‪ -‬إن كتلة العالم والطبيعة‪ ،‬وفق المنظور اإلسالمي ‪ ،‬قد سُخرت لإلنسان تسخيرا‪ ،‬وقد حدد هللا تعالى أبعادها وقوانينها‬
‫وأحجامها بما يتالءم والمهمة األساسية لخالفة اإلنسان في العالم‪ ،‬وقدرته على التعامل العمراني مع الطبيعة بشكل‬
‫إيجابي‪.‬‬

‫‪-‬العالم تحدي مناسب لإلنسان وليس معجزا‪ ،‬إذا أردنا أن نعتمد مصطلحات المؤرخ االنكليزي ((أرنولد توينيي))‪ .‬وكأن‬
‫إرادة هللا سبحانه شاءت أن تقف به عند هذا الحد لكي يحقق اإلنسان خالفته في األرض بدون أن يكشف له عن قوانين‬
‫وأسرار العالم بالكلية‪ ،‬ألن هذا نقيض عملية االستخالف‪ .‬كما أن هللا سبحانه لم يشأ من جهة أخرى أن يجعل العالم على‬
‫درجة من التعقيد والصعوبة الطبيعية والغموض يعجز معها اإلنسان عن االستجابة واإلبداع األمر الذي يتنافى ومهمته‬
‫الحضارية كخليفة هلل على األرض جاء إلعمارها‪..‬‬

‫يقول تعالى‪ { :‬ولو بسط هللا الرزق لعباده لبغو في األرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير} (الشورى‪:‬‬
‫‪٢٧‬‬

‫يقول تعالى‪ { :‬هللا الذي جعل لكم األرض مهدا وجعل لكم فيها سبال لعلكم تهتدون}الزخرف ‪10‬‬

‫واآليات الخاصة بمسألة التسخير المناسب جاءت في مواضع كثيرة من القرآن ال تعد والتحصى لخدمة الدور الذي أنيط‬
‫باإلنسان في األرض‪ ،‬وهي تمنحنا التصور اإليجابي لدور اإلنسان الحضاري‪ .‬على عكس التصورات السلبية لعديد من‬
‫المذاهب الوضعية التي جردت اإلنسان من قدراته الفاعلة وحريته في حواره مع كتلة العالم‪ ،‬والبعض اآلخر تطرف‬
‫وأخضعه إخضاعا كامال لمشيئة هذه الكتلة‪.‬‬

‫‪-‬وسواء التزم المذهب الوضعي المنطق الديالكتيكي على مستوى الفكر الكلي غير المحدد كما فعل هيغل‪ ،‬أو على‬
‫مستوى المادة وتبدل وسائل اإلنتاج وظروفه كما فعل ماركس‪ ،‬فإن اإلنسان يصبح تابعا وليس متبوعا ‪ .‬وأن اإلنجاز‬
‫الحضاري يأتي وكأن اإلنسان جزء منه أو مساحة من مكوناته فحسب‪.‬‬

‫‪-‬أما الرؤية اإلسالمية تلتقي بصيغة أخرى للعالقة بين اإلنسان والعالم‪ ،‬صيغة السيد الفاعل المريد الذي سخرت و‬
‫أخضعت له مسبقا كتلة العالم والطبيعة ‪ ،‬من أجل خالفته في األرض وإعمارها على عين هللا‪ {:‬وسخر لكم الليل والنهار‬
‫والشمس والقمر}‪(.‬النحل‪)١٢:‬‬

‫الحج‪{ ٦٥ :‬ألم تر أن هللا سخر لكم ما في األرض}‬

‫(‪-2 .‬اإلنسان‬

‫‪-‬الحد اآلخر للهيكل الحضاري في الرؤية اإلسالمية وهو ((اإلنسان))‪ .‬وهذه المسألة بدأت بخلق آدم عليه السالم‬
‫باعتبارها حجر الزاوية في الوجود البشري‪.‬‬
‫قال تعالى‪ {:‬وإذ قال ربك للمالئكة إني جاعل في األرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح‬
‫بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما ال تعلمون‪ ،‬وعلم آدم األسماء كلها ثم عرضهم على المالئكة فقال أنبئوني بأسماء‬
‫هؤالء إن كنتم صادقين ‪ ،‬قالوا سبحانك العلم لنا إال ماعلمتنا إنك أنت العليم الحكيم‪ ،‬يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم‬
‫بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات واألرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون‪ ،‬وإذ قلنا للمالئكة اسجدوا‬
‫آلدم فسجدوا إال إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين‪ ،‬وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكال منها رغدا حيث‬
‫شئثما وال تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين‪ ،‬فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم‬
‫لبعض عدو ولكم في األرض مستقر ومتاع إلى حين ‪ ،‬فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم‪ ،‬قلنا‬
‫اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فال خوف عليهم والهم يحزنون‪ ،‬والذين كفروا وكذبوا بآياتنا‬
‫أوالئك أصحاب النار هم فيها خالدون} (البقرة‪)٣٩،٣٠ :‬‬

‫‪-‬ومايهمنا في الموضوع ‪ :‬خالفة اإلنسان عن هللا في األرض ‪ ،‬ومنحه القدرة على التعلم واالستيعاب وتكريمه بسجود‬
‫المالئكة له ‪ ،‬مجابهته بإبليس وبدأ الصراع بين الطرفين والهبوط الزمني الموقوت إلى األرض‪ .‬كأول تجربة من تجارب‬
‫الصراع‪ .‬تعليق الدور البشري في العالم على تلقي الهدى من هللا وحده‪ ،‬وتحديد المصير الذي سيؤول إليه موقف اإلنسان‬
‫الحر إزاء الهدى في األرض والسماء‬

‫‪//3‬برنامج العمل‬

‫‪-‬الحد الثالث للهيكل الحضاري في الرؤية اإلسالمية فيتمثل ببرنامج العمل‪ ،‬أو (الدين) والدين في المنظور اإلسالمي هو‬
‫(منهاج شامل) للحياة يتحرك(اإلنسان) على (أرضية العالم) وفق توجهاته وأهدافه ‪ ،‬ويمارس (استخالفه) الحضاري‬
‫للطبيعة‪.‬‬

‫‪-‬إن الدين‪ ،‬وفق هذه الرؤية ‪ ،‬يبدوا برنامجا حضاريا‪...‬وهو يكمل ويناظر ويناسب طرفي المسألة اآلخرين‪ :‬األرضية‬
‫واإلنسان‬

‫وضوح‪ ...‬الهدف‬

‫‪-‬إن الهدف الذي يسعى اإلنسان إلى بلوغه‪ ،‬هو عبادة هللا وحده‪ ،‬فردا وجماعة ‪.‬‬

‫بينما ترسم المذاهب الوضعية‪-‬هي األخرى‪ -‬أهدافا لحركتها الحضارية‪ ،‬تتميز حينا بالغموض والمثالية ‪ ،‬وتتميز حينا آخر‬
‫بالتحديات المادية الصارمة‪ ،‬الذي يقود األول إلى ممارسة سياسة العدوان والثاني إلى إعالن مبدأ الدكتاتورية‪ ،‬والنتيجة‬
‫الحتمية لكليهما دمار حضاري وظلم بشري ‪.‬‬

‫في حين نجد الموقف اإلسالمي يعلن هدفه الواضح المتوحد‪ ،‬المفتوح الذي يستقطب حوله الفاعليات والمعطيات كافة‪:‬‬
‫عبادة هللا‪ ،‬والتوجه إليه والتلقي عنه ‪ ،‬وتدعو القوى المؤمنة لتجمع البشرية حول هذا الهدف الكبير ‪.‬‬

‫باإلضافة إلى التناسق واالندماج مع النواميس الكونية الشاملة ‪.‬‬

‫حدود الجبر واالختيار‬

‫‪-‬باعتبارنا جزء من خليقة هللا‪ ،‬وضمن منظومة كونية ‪ ،‬وال يمكننا الخروج عنها ‪،‬فإننا مجبرين على أشياء مثل الوالدة‬
‫والموت والبعث والحساب ‪ ،‬ومجبرين على أن ننتمي إلى هذا اإلقليم دون ذاك‪ ،‬وهذا اللون دون ذاك‪...‬فدون هذا االلتزام‬
‫الحتمي لتبددت الحياة ‪ ،‬وفقد وحدتها وتماسكها ومعناها‪ .‬ودون هذا الجبر تضيع البشرية ويحدث التناقض في النواميس‬
‫أما المساحة المتبقية لممارسة حرياتنا‪ ،‬إنما منحت لنا‬ ‫وتختفي قيم الحق والعدل األزلية‪.‬‬
‫لتميزنا عن سائر خلق هللا‪ ،‬وتفضيلنا عن العالمين‪ ،‬وهذه المساحة‪ ،‬تمتد إلى مدى واسع‪ ،‬يتمثل في الموقف الذي نتخذه من‬
‫العالم‪ ،‬واألعمال واألهداف والمعطيات التي نقدمها للحياة‪ .‬هذه الحرية التي تقف باإلنسان والشعوب والحضارات على‬
‫مفترق طريقين‪///‬‬

‫‪-‬فإما أن تكون مواقفنا وأعمالنا وأهدافها منسجمة مع نواميس الكون وسنن الحياة ‪ ،‬وهذا ما سعت األديان لتحقيقه في‬
‫العالم ‪ ،‬ومعها اإلسالم‪.‬‬

‫‪-‬وإما أن تجيء هذه األعمال والمواقف واألهداف منشقة عن نواميس الكون ‪ ،‬وسنن الحياة مرتبطة بها‪ ،‬األمر الذي ينتج‬
‫عنه إنجاز حضاري متفكك وشقاء عميق ومصير سيء في الدنيا واآلخرة ‪ ،‬ويعاكس طبيعة الدور الذي بعث اإلنسان‬
‫ألدائه ‪ ،‬و يكون مكافاة لعصيانه وتمرده ورفضه أداء المهمة‪( .‬وهذا ما سعت المذاهب الوضعية‪ ،‬وتسعى‪ ،‬لتحقيقه في‬
‫العالم وتحويل البشرية كلها إليه‪ .)..‬ومن ثم فإن اإلسالم في تحليله ألدوار األمم والحضارات إنما يتخذ هذا المقياس‬
‫الكوني المصيري‪ ،‬في تحديد مدى توافق التجربة البشرية مع النواميس أو اصطدامها بها‪ .‬وليس مفهوم العبادة هنا ضيق‬
‫المساحة ال يتجاوز دائرة الشعائر الدينية واالتصال الروحي باهلل‪ ،‬إنه تجربة حياة متكاملة يتوازن فيها األخذ والعطاء ‪.‬‬

‫وبهذا تسقط ‪-‬ابتداء‪ -‬كل السلبيات التي يمكن أن تتعلق بأي نشاط حضاري ال يعتمد برنامجا شامال‪ ،‬أو ال يسعى إلى هدف‬
‫واضح‪ ،‬وال يلتزم أخالقية اإلنسان في مناجاته مع خالقه‬

‫الفصل الرابع * ‪ /‬المالمح األساسية للفعل الحضاري اإلسالمي*‬


‫‪138/113‬‬

‫روح العمل واإلبداع* ‪:‬‬

‫يعتبر العمل واإلبداع من المالمح األساسية للفعل الحضاري اإلسالمي ‪,‬وقد تقرر ذلك من خالل ما جاء من شواهد في‬
‫القرآن والسنة من ذلك قوله تعالى < *قل اعملوا فسيرى هللا عملكم ورسوله والمؤمنين وستردون إلى عالم الغيب‬
‫والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون* >‪,‬وقوله صلى هللا عليه وسلم " إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فاستطاع أن‬
‫يغرسها فليغرسها فله بذلك أجر " ‪ ,‬فحياة المسلم تتمحور حول اإليمان والعمل ‪ ,‬وال يجب أن ينفك أحدهما عن اآلخر‬
‫ومن هنا جاء الفعل الحضاري متسما بهذين العنصرين ‪ ,‬وهو موقف ينسجم تماما مع فكرتي االستخالف واالستعمار‬
‫األرضي ‪ ,‬وهذا الملمح قد أوجبه القرآن في أكثر من مواضع‪ ,‬وأشار إليه بآيات معبرة عنه ‪ ,‬مما يخلق في أعماق‬
‫اإلنسان الشعور بالمسؤولية ويقظة الضمير ‪ ,‬واستغالل الفرص وتفجير للطاقات المتاحة ‪ ,‬فالعمل واإلبداع في نظر‬
‫اإلسالم عبادة قال تعالى < *وما خلقت الجن واإلنس إال ليعبدون* > ‪ ,‬وقد جاء ابتالء ابن آدم الختبار خاصية العمل‬
‫واإلبداع ‪ .‬قال تعالى < *الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عمال* > ‪ .‬من هنا نرى أن ملمح العمل واإلبداع‬
‫هو فعل إنساني أمر به القرآن باعتباره ملمحا أساسيا للفعل الحضاري الذي يقدم األمم نحو النماء واالزدهار والتحقق‬
‫الواقعي لمعنى االستخالف الذي أوكله هللا لإلنسان‪.‬‬

‫محاربة التخريب والفساد* ‪:‬‬

‫غرس القرآن العمل واإلبداع في نفوس متدبريه ‪ ,‬في مقابل التنديد بكل الوسائل مهما كانت تحمل من شعارات التي يمكن‬
‫أن تخرب البناء المادي والروحي والمعنوي لإلنسان ‪,‬وذلك لحماية الحضارة واالنجاز البشري النافع يقول تعالى <‬
‫وأصلح وال تتبع سبيل المفسدين > < *وال تطع أمر المسرفين الذين يفسدون في األرض وال يصلحون* > ‪.‬وهناك آي‬
‫كثيرة تطرقت لهذا الموضوع‪ ,‬والقرآن لم يكتفي بالتنديد فقط بل تجاوز بأمر الجماعة المؤمنة المصلحة للوقوف ومجابهة‬
‫سبيل الفساد والمفسدين بكل أشكاله قال تعالى**‬
‫*فلوال كان من القرون األولى من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في األرض إال قليال ممن أنجينا منهم واتبع الذين‬
‫ظلموا ما أترفوا وكانوا مجرمين وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون >* والشواهد على هذا المنوال متعددة‬
‫في القرآن ‪ ,‬فالفعل الحضاري اإلسالمي لم يقفز إلى الوجود إال عبر التوجيه القرآني‪ ,‬الذي حفز العنصر البشري نحو‬
‫العمل ومجابهة كل ما من شأنه أن يقوض هذا الجهد‪.‬‬

‫التوازن بين الثنائيات وتوحدها*‪:‬‬

‫يعتبر اإلسالم التجربة الرائدة على غرار باقي المذاهب والديانات المنتشرة السماوية والوضعية منها في التوفيق بين‬
‫المجال المادي ‪,‬والمجال الروحي اللذان يكونان القالب البشري ‪ ,‬وقد جاء تقرير هذا في كثير من اآليات التي جعلت‬
‫األمور المادية حقيقة واقعية ال يمكن االستغناء عنها أو الهروب منها نحو درب الرهبان والدروشة المنحرفة ‪,‬بل يجب‬
‫التعامل معها ‪ .‬قال تعالى *زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل‬
‫المسومة واألنعام والحرث >* آل عمران ‪, 14‬وحث على سبر أغوار الطبيعة والكون ومعرفة النواميس التي تكونهما‬
‫لالستفادة منها قال تعالى *قل سيروا في األرض فانظروا كيف بدأ الخلق >* < *أفال ينظرون إلى اإلبل كيف خلقت ‪,‬‬
‫وإلى السماء كيف رفعت ‪,‬وإلى الجبال كيف نصبت ‪ ,‬وإلى األرض كيف سطحت* > ‪ ,‬وهي طريق للتقرب إلى هللا‪,‬‬
‫لعرفة عظيم خلقه وقد ركز القرآن على الجانب المادي ووجهه بمعايير القيم واألخالق التي تساهم في عدم خروج هدا‬
‫النشاط اإلنساني إلى االنحراف ‪ .‬قال تعالى < *ذلك متاع الحياة الدنيا وهللا عنده حسن المآب أأنبئكم بخير من ذالكم للذين‬
‫اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها األنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من هللا وهللا بصير بالعباد ‪ ,‬الذين‬
‫يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار**‬

‫إننا نستطيع أن نتلمس بوضوح موقف القرآن من الجانب المادي والروحي معا ‪,‬وخلق هذا التوازن بين العنصرين‬
‫المكونين للبنية الحضارية والثقافية لإلنسان ‪ ,‬وتأكيده على أن اإلخالل بأي من العنصرين إخالل بالتوازن وطريق للدمار‬
‫والتيه ‪.‬‬

‫التناغم والوفاق مع الطبيعة والعالم والكون‬

‫يتحدث الكاتب هنا عن العالقة بين االنسان والعالم بين النظرة الغربية والتصور االسالمي‪:‬‬

‫*النظرة الغربية‪:‬‬

‫تقوم على فلسفات شاملة تبدو للوهلة األولى منطقية ومبررة لكن بمجرد التوغل فيها تجد جميع معطياتها مبنية على فكرة‬
‫الصراع فمثال "هيغل"ينطلق من الصراع في عالم الفكر ويجعله وسيلة لتبرير جرائم استبداد الشعوب المستضعفة‬
‫واستعبادها من قبل الشعب األوروبي المتفوق‪.‬‬

‫"ماركس « في فكره المادي يجعل من الصراع مبررا الية مذبحة تمارسها طبقة ضد طبقة‪ .‬بل انه يجرد اإلنسان من‬
‫حريته وإرادته ويجعله تابعا مطيعا لمنطق الصراع المادي حتى في اشد ممارساته بعدا عن المادية (الدين واألخالق‬
‫والفن‪).‬‬

‫*التصور اإلسالمي ‪:‬‬

‫يرسم خطا جديدا للعالقة بين اإلنسان والعالم يقوم على التناغم واالنسجام‪ .‬وذلك باعتباران قوى الطبيعة قد سخرت أساسا‬
‫لخدمة اإلنسان ومساعدته على الرقي الحضاري وإعمار العالم من جهة‪.‬‬

‫ومن جهة أخرى باعتبار أن اإلنسان خلق وفق هذه الصيغة التي تشتبك فيها قوى الروح والمادة فهو مهيأ لينطلق في‬
‫نشاطاته من نقطة التوازن الذي ينتفي فيه الصراع ويتحول الجهد اإلنساني الدائم إلى سعي خالق للكشف عن السنن‬
‫والنواميس الطبيعية فيتحقق االندماج والتناغم بين اإلنسان وبين العالم تماما كعالقة الخادم المطيع بالسيد القدير فهو‬
‫يستخدمه بذكاء وحصافة لتأدية واجباته فيستجيب العبد دون قتال أو صراع‪ .‬فمثال اكتشاف الفضاء من المنظور اإلسالمي‬
‫ليس غزوا كما يراه الغرب‪ .‬فالقمر ليس خصما يغزى ولكنه خادم مطيع ينادى فيلبي النداء‪.‬‬

‫الميزة التحريرية*‬

‫كان اإلسالم منذ اللحظة األولى عمال تحريريا على كافة المستويات‬

‫*على مستوى النقلة التصورية االعتقادية حرر اإلنسان من الضالالت واألوهان والطواغيت واألرباب‪.‬‬

‫*النقلة المعرفية حررته من الخوف والجهل واألمية‪.‬‬

‫*النقلة المنهجية حررته من الخضوع للفوضى والصدفة العمياء وبصره بقوانين العمل والحركة التي توجه سير العالم‬
‫والكون والتاريخ‪.‬‬

‫وباستقراء عام لآليات القرآنية نجد أن لإلسالم دعوة ملحة لتحرير رغبات اإلنسان وأشواقه الجسدية والروحية وذلك وفق‬
‫رؤية اإلسالم التوازنية األصيلة التي تجعل من الحالل قاعدة عريضة ومن التحريم مسالة استثنائية محدودة ال يجوز‬
‫توسيعها بشكل اعتباطي الن في ذلك كفر وافتراء على هللا "وحرموا ما رزقهم هللا افتراء على هللا**‬

‫فاإلسالم جاء ادن لتحرير الناس من االحتكار والتزوير والتحريف ‪-‬الذي مارسته بعض طبقات رجال الدين الذين‬
‫يشترون بآيات هللا ثمنا قليال‪ -‬وليعيد األمور إلى نصابها ويفتح الطريق العريض أمام متطلبات اإلنسان المؤمن مرة أخرى‬
‫لكي يمضي إلى أهدافه الروحية دون أن تعيقه الضرورات والحاجات الطبيعية‪.‬‬

‫اإلنجاز الحضاري ليس هدفا نهائيا‪:‬‬

‫إن احدى المالمح الفاصلة بين التجربتين الحضاريتين الدينية والوضعية هو التأكيد الدائم على إن حياة اإلنسان في‬
‫األرض فردا أو جماعة ليست أبدية فهي عابرة موقوتة قائمة على التغير والتنوع والميالد والموت‪ .‬وان الحياة الحقيقة‬
‫هي الحياة األخرى حياة الخلود المطلق‪..‬‬

‫بناء على ذلك فان كل ما يقدمه المؤمن ضمن اإلنجاز الحضاري لالمة يجب أال يكون هدفا في حد ذاته وإنما وسيلة‬
‫فحسب لتهيئة الحياة الدنيا لعبادة هللا وحده وإيجاد المناخ المناسب لممارسة االستخالف‬

‫إن شرف الغاية والمقصد يفرض على اإلنجاز الحضاري اإلسالمي شرف الوسائل والسبل وهو ما يضفي عليه أخالقية‬
‫سامية ال نجدها في سائر الحضارات‪.‬‬

‫وهذا ما نجده مسطرا في العديد من اآليات القرآنية ضمن عرض مقارن لعالمي الفناء والبقاء مع التأكيد على الموقف‬
‫الوسط والرؤية المتوازنة التي تجمع بين العمل والسعي دون زهد سلبي ومن غير إفساد والطغيان‪.‬‬

‫ويضيف الكاتب أن نسبية التجارب وعدم دوامها ال تبدوان فقط بعرضهما على مطلقات اآلخرة وإنما من خالل حركة‬
‫التاريخ البشري كذلك ‪.‬فهي حركة دائمة ترفع وتخفض وتقدم وتؤخر بإرادة هللا عز وجل ووفق نواميسه وسننه التي ال‬
‫تتغير" *قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في األرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين هذا بيان للناس وهدى وموعظة‬
‫للمتقين*"سورة ال عمران‬
‫* الخاتمة *‬
‫نحو (تكنولوجيا) إسالمي‬ ‫*●‬

‫‪ -‬في ختام هذا الكتاب‪ ،‬تناول الكاتب مفتاحين أساسيين‪ ،‬منحهم لنا اإلسالم من أجل الخالص كلما حزب بنا األمر‬
‫وضيقت حركة التاريخ الخناق علينا ووجدنا أنفسنا مدفوعين إلى مناطق العتمة والظالل‪.‬‬

‫وبدونهما لن تبدأ حرب صوب التقدم إلى المواقع األمامية‪ ....‬ولن يكون التجاوز واالنطالق وأول هذين المفتاحين《‬
‫*التغيير الذاتي وثانيهما《 *اإلعداد الذاتي*》‪ .‬ونجد في كل من المفتاحين مساحة واسعة تحتلها" *إعادة تشكيل العقل‬
‫المسلم** "كشرط أساسي للتحقق بالتغيير الذاتي واإلعداد الذاتي على السواء‪...‬‬

‫وقد طرح القران الكريم الحد اإليجابي والحد السلبي للتغيير الذاتي‪>.‬‬

‫فبالنسبة للحد اإليجابي فهو واضح بقوله ‪* {:‬إن هللا ال يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم* }‪.‬وبالنسبة للحد السلبي كذلك‬
‫واضح بقوله ‪* {:‬ذلك بأن هللا لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم‪//‬‬

‫وهو تغيير يمتد إلى المساحات كافة‪ ،‬وسائر المكونات النفسية األساسية (العقلية‪ ،‬والروحية‪ ،‬والجسدية‪ ،‬وكل العالقات‬
‫والبنى الداخلية مع الذات ومع اآلخرين‪...)...‬‬

‫وتأكيد اإلسالم على قانون ^ *التغيير*^ يعني أنه يمنح اإلرادة البشرية المؤمنة فرصتها في صياغة المصير‪ ،‬والتشبث به‬
‫أو استعادته إذا ما أفلت من بين يديها‪...‬‬

‫وهذه اإلرادة تتهيأ للعمل عن طريق االستعداد الروحي والعقلي واألخالقي والجسدي‪ ،‬لتكون قادرة على مواجهة التحديات‬
‫من أي نوع كانت‪ ،‬وبأي درجة جاءت‪ ،‬وهذا لصالح اإلنسان‪ ،‬وهكذا يعود اإلنسان في المنظور اإلسالمي لينتصر على‬
‫التحديات‪ ،‬وليستعيد قدرته األبدية على التجدد والتطور واإلبداع‪...‬‬

‫‪-‬إن التغيير الذاتي عملية شاملة تغطي الطاقات البشرية كافة‪ ،‬و عملية إعادة التشكل العقلي ضرورة قصوى وشرط حاسم‬
‫الستكمال عملية التغيير‪ ،‬فكان التغيير الذاتي مفتاح البد منه للتحقق بالقوة والفاعلية والخالص‪...‬‬

‫المفتاح الثاني‪ :‬اإلعداد الذاتي‬

‫إذا كان التغيير ينصب على الذات المسلمة في إطارها الفردي بالدرجة األولى‪ ....‬فإن "اإلعداد "ينصب على الجماعة‬
‫المسلمة بالدرجة األولى لكي يحمي ‪-‬من ثم‪-‬الذات المؤمنة من الحصار والتضييق في العالم‪ ...‬والقرآن الكريم يقولها‬
‫صراحة‪ ،‬وبالتعبير نفسه‪*{ :‬وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو هللا وعدوكم وآخرين من‬
‫دونهم ال تعلمونهم هللا يعلمهم}‪..*.‬‬

‫فاإلسالم أراد لإلنسان المسلم كافة بأن يعاد تشكيل عقله ‪،‬وأن تستجش طاقاته ‪،‬ليتمكن من أداء دوره في هذه المهمة‬
‫الكبيرة ‪.‬‬

‫ومعطيات القرآن قد امتدت لكي تشمل أطراف العلم جميعا‪ ،‬فتعالجها وتنير لها الطريق‪ ،‬وتبرمج لمناهجها‪ ،‬وتقدم طرفا‬
‫من كشوفها ونتائجها‪.‬‬

‫هذا وأن القرآن الكريم طرح حشدا من الحقائق والكشوف العلمية في ميادين شتى وخاصة الفلك والطبيعة والجغرافية‬
‫والطب والنفس‪...‬إلى آخره‪ ،‬وجاءت معطيات العلم الحديث لكي تؤكدها وتزيدها إيضاحا‪ ....‬مصداقا لقوله تعالى‪:‬‬
‫{*سنريهم آياتنا في اآلفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكفي بربك أنه على كل شيء شهيد‪.//‬‬
‫كما أن القرآن الكريم قد أشار إلى "التكنولوجيا " وهي نتاج يتميز بالجدة والحداثة لمعطيات العلم في شوط متأخر من‬
‫مسيرته المتطورة‪ .‬وهذا الجانب من العلم الحديث يرتبط أشد االرتباط بما نحن بصدده من التحقق اإلسالمي بالقوة‪،‬‬
‫وتشكيل المجتمع اإلسالمي التقني‬

‫ونلتقي في القرآن الكريم باثنين من عباد هللا المصطفين (داود وسليمان ) عليهما السالم‪ ،‬وقد سخرت لهما قوى الطبيعة‬
‫الهائلة والطاقات الغيبية التي ال يحدها جدار زماني أو حاجز مكاني ‪ ،‬وسخرت جميعا لتعمل تحت إمرة اإلنسان المؤمن‬
‫المسؤول (الجياد‪ ،‬الطير ‪،‬الحديد ‪،‬الريح ‪،‬النفط‪)....‬وقد تبين لنا في قرننا العشرين هذا‪ ،‬مدى ضرورة الحديد والوقود وكم‬
‫هما ضروريان للحضارة المعاصرة‪ ،‬ولكل حضارة تريد أن تعمر وتصنع وتبني وتتفنن وتطبق ‪،...‬وكذلك هللا سبحانه‬
‫وتعالى لم يمنح الحديد فحسب لداود‪ ،‬بل علمه كيف يلينه ‪،‬فبدون هذا لن تكون ثمة فائدة "صناعية "لهذا الخام الخطير‬

‫والحديد نعمة كبيرة أنزلها هللا لعباده ‪،‬وتؤكد أهميتها بمرور الزمن ‪،‬ألن الدولة المعاصرة التي تملك خام الحديد تستطيع‬
‫أن ترهب أعداءها بما يتيحه لها هذا الخام من مقدرة على التسلح الثقيل ‪،‬وتستطيع‪ -‬أيضا ‪-‬أن تخطو خطوات تقنية واسعة‬
‫لكي تقف في مصاف الدول الصناعية العظمى التي يشكل الحديد العمود الفقري لصناعتها وغناها‪ .‬واآلن ونحن نتكلم عن‬
‫الحديد نلتقي بسورة كاملة بهذا االسم ‪.‬‬

‫وقدرة اإلنسان المسلم والجماعة المسلمة ترتبط دوما بمدى التقدم التقني "التكنولوجي "ارتباطا عضويا‪" .‬والتكنولوجيا‬
‫اإلسالمية "التي ترتبط بطبيعة الحال بخلفيتها اإليمانية‪ ،‬هي ضرورة ملحة على مستوى البشرية عامة وليس فقط على‬
‫مستوى الجماعة اإلسالمية نفسها ‪ ،...‬ألنها ستعرف كيف تتحرك‪ ،‬وتنضبط على هدي القيم الدينية واإلنسانية‪ ،‬لتكون في‬
‫خدمة *اإلنسان *الذي عانى الكثير من تكنولوجيا الكفر‪....‬‬

‫والقرآن الكريم يؤكد أن كل أمة عليها أن تتحمل مسؤوليتها كاملة إزاء نفسها‪ ،‬أمام هللا‪ ،‬ثم أمام التاريخ‪ ،‬وان ال تحمل أبدا‬
‫تبعة أمة أخرى‪ ،‬إال بالقدر الذي تفرضه عليها مسؤوليتها ذاتها تجاه اإلنسان والعالم‪..‬‬

‫إعداد‪ //‬طلبة منتدى القراءة‬

You might also like