Professional Documents
Culture Documents
المقرر على طالب وطالبات الفرقة األولى بكليات الطب وطب األسنان
والصيدلة والعلوم والتمريض
إعداد وتأليف
نخبة من أعضاء هيئة التدريس من قسمي الفقه والفقه المقارن
وباحثي مركز األزهر العالمي للفتوى االلكترونية من أعضاء هيئة
التدريس
للعام الجامعي
محتويات الكتاب
المقدمة 4 ...........................................................................
الوحدة األولى
الموضوع األول :مفهوم الطب والتداوي ،وحكم تعلم الطب وممارسته ،والضوابط
الشرعية للتداوي10 .................................................................
الموضوع الثاني :أخالقيات المهنة27 ......................................
الموضوع الثالث :ضوابط التجارب الطبية على اإلنسان والحيوان29 .........
الموضوع الرابع :ضوابط التدريب المهني على المرضى 35 .................
الموضوع الخامس :ضوابط اختيار التخصص الطبي36 ....................
المقدمة
ومن هللا الحمد هلل الذي أعز العلم وأعلى أهله ،وجعل أهل القرآن خاصته وأهلهّ ،
علينا بطلب العلم وتعلمه على يد أهله ،أحمده أن أكرمنا بخير نبي أرسل ،وأعزنا
يل ِم ْن َح ِكي ٍم ِِ ِ ِ ِ ِ ِِ
بأفضل كتاب أنزل (ال َيأْتيه اْل َباط ُل م ْن َب ْي ِن َي َد ْيه َوال م ْن َخْلفه تَْن ِز ٌ
َح ِم ٍيد)(.)1
وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له ،خلق فأبدع ،ورزق فأقنع ،وعلم
فنفع ،وأشهد أن سيدنا ،ومعلمنا محمدا رسول هللا القائل (من يرد هللا به خي ار يفقه
في الدين)( .)2وبعد....
فإن من عظمة الشريعة اإلسالمية الغراء أنها تستوعب الحوادث -مهما كانت
جديدة والقضايا مهما كانت خطيرة -من خالل قواعدها الكلية ،ومبادئها العامة ،وأدلتها
طا .ذلك أن هللا تعالى
نصا أو استنبا ً
التي تضبط األمور المستحدثة وتبين أحكامها ًّ
أنزلها بعلمه لتكون شريعته الخالدة الدائمة إلى يوم القيامة ،ولتكون رحمة للعالمين في
كل العصور واألزمان ،صالحة لكل زمان ومكان ،فال يكاد يعرض للمسلم في حياته
ِ ِ
نافعا في شرع هللا الحكيم؛ ذلك أن الشارعَ
عارض إال َو َج َد له عالَ ًجا َشافًيا وجو ًابا ً
ٌ
ٍ
مشكالت مخرجا وسبيالً؛ لما نزل بهم من الحكيم قد جعل للناس في االجتهاد والقياس
ً َ
استجدت بعد انقطاع الوحي ،ومع تطور الحياة ،والتقدم العلمي في مجال الطب والدواء
ْ
والهندسة العالجية ،استجدت قضايا ومسائل تصدى لها الفقهاء والمختصين بالبيان
يجدر أن يلم بها طالب الكليات المهتمة بالمجال ،ذلك أنها تمس واقعه العملي ويكثر
السؤال حولها ،ولعل من أهم تلك القضايا التي تهم الطالب الضوابط الشرعية إلجراء
الجارب الطبية على اإلنسان أو الحيوان واالستنساخ والتشريح ونقل األعضاء واختيار
جنس الجنين ورتق غشاء البكارة وجراحات التجميل وغيرها من القضايا ،ونقدم لذلك
بمفهوم الطب وحكم تعلمه وممارسته ،والقيم والمبادئ األخالقية الحاكمة للعاملين في
للسخاوي.182/
( )2أخرجه الطبراني في مسند الشاميين في المعجم الكبير 125/2حديث ( )1036والمقاصد الحسنة َّ
()5
تلك المهن الطبية ،ومن ثم يكون إقدامهم على العمل مرتبطا دائما بالمشروع من
األعمال ،ثم ننتهي إلى بعض مسائل مختارة من فقه العبادات ،يجدر بالطالب أن يكون
على إلمام بها.
وفي سبيل تحقيق هذه الغاية الكريمة ،فقد بذلنا غاية وسعنا في توخي السهولة
ويسر العبارة والبعد عن الغموض قدر اإلمكان ،وقد تناولناه تحت عنوان ((األحكام
الفقهية لقضايا الطب والدواء)) وقد اقتضت طبيعة الكتاب أن نتناوله من خالل ثماني
وحدات ،فصلنا محتواها كل في حينه.
وقد قام بكتابة وحدات هذا الكتاب وموضوعاته نخبة مباركة من أعضاء هيئة
التدريس من قسمي الفقه والفقه المقارن بجامعة األزهر ،وقد قمنا ببيان كاتب كل مسألة
بالهامش عند ذكرها.
نسأل هللا العلي العظيم أن يوفقنا والقائمين على جامعة األزهر على خدمة العلم
وأهلة ،وأن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم ،سبحانه وتعالى باإلجابة جدير ،وهو
نعم المولى ونعم النصير.
()6
محتوى المقرر:
-مفهوم الطب والتداوي ،وحكم تعلم الطب وممارسته والضوابط الشرعية للتداوي.
لألستاذ الدكتور محمد عبد الرحمن الضويني أستاذ ورئيس قسم الفقه المقارن بكلية
الشريعة والقانون بالقاهرة
أخالقيات المهنة:
للدكتور عمرو محمد غانم مدرس الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بالقاهرة
ضوابط التجارب الطبية على اإلنسان والحيوان ،ضوابط التدريب المهني على -
المرضى ،ضوابط اختيار التخصص الطبي.
للدكتور /علي السيد الكيالني مدرس الفقه بكلية الشريعة والقانون بطنطا
ِ
االختالط والخلوِة بين الرجال والنساء ،أثر الضرورة الطبية حدود العورة ،حكم -
والحاجة في النظر إلى العورات ،واالختالط والخلوة ،حكم مداواة الرجل للمرأة
والعكس ،حكم الوضوء من مس المرضى وعوراتهم ،حكم هدايا األطباء ،حكم
ِ
ونحوه. ِ
توجيه المريض إلى صيدلية بعينها،
للدكتور /أبو الخير نشأت أحمد .مدرس الفقه بكلية الشريعة والقانون بالقاهرة
()7
للدكتور /مصطفى أحمد محمد حسين مدرس الفقه المقارن بكلية الشريعة
والقانون بأسيوط.
-التزام الطبيب بحفظ أسرار المرضى ،المسؤولية الجنائية لألطباء ومن في
حكمهم ،طبيعة العالقة بين الطبيب والمريض.
للدكتور محمود عفيفي عفيفي حسن مدرس الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون
بالقاهرة.
-التشريح ،االستنساخ ،التداوي بالقرآن ،التداوي بالمحرمات ،الهندسة الوراثية.
عملية سحب الدهون من الجسم ،حكم قشر الوجه ،شد التجاعيد وتجميل
األسنان واألعضاء ،األحكام المتعلقة بزراعة األعضاء ،استخدام األعضاء
التعويضية (الصناعية) ،وأثر ذلك في الطهارة ،استخدام الشعر المستعار
(الباروكة).
للدكتور /عمرو محمد غانم مدرس الفقه المقارن -كلية الشريعة والقانون –
القاهرة
الم ْس ٌح َعَلى اْل ُخَّف ْي ِن ،اْل َم ْس ُح َعَلى اْل َج ْوَرَب ْي ِن ،قراءة المحدث حدثاً أصغر للقرآن
َ -
من غير مس للمصحف ،حكم قراءة القران للمحدث حدثا أكبر (الحائض
الصَلو ِ
ات. ام قصر الصالةَ ،ج ْم ُع َّ َ
أح َك ُ
والجنب)ْ ،
للدكتور فضل سليم مدرس الفقه الشافعي بكلية الشريعة والقانون بالقاهرة
لألستاذ الدكتور محمد عبد الرحمن محمد الضويني أستاذ ورئيس قسم الفقه
المقارن بكلية الشريعة والقانون بالقاهرة.
()9
الوحدة األولى
وتحتوي على:
لألستاذ الدكتور محمد عبد الرحمن الضويني أستاذ ورئيس قسم الفقه المقارن بكلية
الشريعة والقانون بالقاهرة
للدكتور عمرو محمد غانم مدرس الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بالقاهرة
للدكتور /علي السيد الكيالني مدرس الفقه بكلية الشريعة والقانون بطنطا
للدكتور /علي السيد الكيالني مدرس الفقه بكلية الشريعة والقانون بطنطا
للدكتور /علي السيد الكيالني مدرس الفقه بكلية الشريعة والقانون بطنطا
( ) 10
وفيه :التعريف بالطب ،والدواء ،وبيان الحكم الشرعي لممارسة مهنة الطب،
وحكم التداوي.
أ -تعريف الطب.
ومنها :الحذق ،وكل حاذق طبيب عند العرب ،ويطلق على الماهر في الحكم
بين الخصوم طبيبا ،ويطلق مجا از على الرفق والتأني؛ ولذلك سمي الطبيب رفيقا في
الحديث الذي أخرجه الطبراني في المعجم الكبير واإلمام أحمد في المسند عن أبي
رمثة قال :دخلت مع أبي على رسول هللا صلى هللا عليه و سلم فرأى أبي الذي بظهره
()2
وعند أبي فقال :دعني أعالج ما بظهرك فإني طبيب قال :أنت رفيق وهللا الطبيب "
()3
داود " قال " هللا الطبيب بل أنت رجل رفيق طبيبها الذي خلقها"
- 1كتب هذا الموضوع األستاذ الدكتور محمد عبد الرحمن الضويني أستاذ ورئيس قسم الفقه المقارن
بكلية الشريعة والقانون بالقاهرة.
- 2المعجم الكبير للطبراني ( )279/22مكتبة العلوم والحكم ،الموصل .المسند لإلمام أحمد
( )39/29مؤسسة الرسالة.
- 3سنن أبي داود ( )485/2دار الفكر
( ) 11
ويطلق أيضا من باب المجاز على السحر ،لكن بضم طائه ،ووجه إطالق
الطب على السحر أنه من باب التفاؤل على البرء ،وفيه عند البخاري وغيره عن عائشة
طب حتى أنه ليخيل إليه أنه قد
رضي هللا عنها :أن رسول هللا صلى هللا عليه و سلم َّ
وعند البخاري ومسلم " ما وجع الرجل ؟ قال :مطبوب " ()1
صنع الشيء وما صنعه "
()2
وعلم الطب معروف ،فهو العلم الذي يعرف به حفظ الصحة ،وبرء المرض.
وقال فيه ابن سينا في كتاب القانون " الطب علم يتعرف منه أحوال بدن
اإلنسان من جهة ما يصح ويزول عن الصحة؛ ليحفظ الصحة حاصلة ،ويستردها
()3
زائلة" .
ط ّب علم وفن ُيعنى بدراسةوفي الموسوعة العربية العالمية جاء فيها ":ال ِّ
األمراض ومعالجتها والوقاية منها؛ فهو علم ألنه مبني على المعرفة المكتسبة من خالل
الدراسة والتجريب الدقيق ،وفن ألنه يعتمد على كيفية تطبيق األطباء البارعين والعاملين
4
اآلخرين في مجال الطب هذه المعرفة ،حينما يتعاملون مع المرضى".
والعمل الطبي ليس هو الذي يقوم به الطبيب فقط بل هو أوسع من ذلك فيدخل
فيه عمل الطبيب ،والصيدلي ،والصناعات الدوائية ،واألعمال الطبية المساعدة ونحو
ذلك مما هو مقتضيات الطب والعالج.
ب – تعريف الدواء.
ًّ
الدواء :بفتح الدال والمد :ما يتداوى به ،أي ما يشفى به من العلل واألمراض،
()1
والجمع :أدوية.
ولكثير من األغذية خاصية الدواء في كونها تعالج البدن وتصونه ،وقد أثبته
ف أَْل َو ُان ُه ِ القرآن الكريم في شأن العسل في قوله تعالى { َي ْخ ُرُج ِمن ُب ُ
طوِن َها َش َر ٌ
اب ُّم ْخَتل ٌ
اس }النحل 69وقد جاءت السنة بمثل ذلك فأثبتت خاصية الدواء لكثير من ِف ِ
يه ِشَفاء لِ َّلن ِ
األغذية كما جاء في الحبة السوداء ونحوها ( .)4حتى قال ابن القيم رحمه هللا "
()5
والتحقيق في ذلك أن األدوية من جنس األغذية "
أما األدوية المعاصرة فهي خليط من جملة مواد غذائية وغير غذائية ،وعرفت
بأنها "أية مادة أو مجموعة مواد تستعمل في تشخيص أو شفاء أو معالجة أو تلطيف
أو منع أي مرض في اإلنسان أو توصف بأن لها هذه المزايا ،أو أية مادة غير
()1
األطعمة قصد بها التأثير على جسم اإلنسان من حيث البنية الوظيفية"
ويظهر من هذا التعريف :أن الدواء لم يعد مقصو ار على مواد يتناولها المريض
باألكل أو الشرب أو البلع أو الدهن ونحو ذلك بل قد يكون أجهزة تشخيصية يقصد بها
اكتشاف علل اإلنسان وحالة أعضائه وتدخل هذه األجهزة الجسم كالمناظير الطبية
ونحوها.
ثانيا :الحكم الشرعي لممارسة مهنة الطب ونحوها من المهن ذات العالقة:
يتوقف الحكم الشرعي لفعل ما على حسب ما يحققه من مصلحة فإذا كانت
المصلحة المحققة من الفعل عظيمة متعلقة بالدين والمقصود األصلي منها التعبد
طلبها الشارع على سبيل الوجوب العيني ،وإذا كانت هذه المصلحة متعلقة بصالح
الدين أو الدنيا والعبرة بتحقيق المصلحة بغض النظر عمن قام بها فإن الشارع يطلبها
على سبيل الوجوب الكفائي ،فإذا قام بتحقيق المصلحة نفر تتحقق الكفاية بهم فال إثم
على من لم يقم ،وإال أثم الجميع ،وقد يتراخى في الطلب ليكون مندوبا أو مباحا إذا
كانت المصلحة المطلوب تحقيقها يسيرة .
والطب -كما سبق في التعريف -يتعلق بحفظ النفس وقاية وعالجا ،وحفظ
النفس من مقاصد الشريعة الضرورية؛ ألن اإلنسان ال يمكنه القيام بواجب العبودية
الحقة هلل تعالى ،وبالمقصود من خلقه في عمارة األرض إال إذا كان سليما معافى؛ ومن
هنا تظهر أهمية ما يحفظ هذا اإلنسان ويعينه على القيام برسالته ووظيفته.
وقد عد العلماء كل مهنة يتوقف عليها قيام الحياة بوجه عام من فروض
الكفايات ،والمقصود بفرض الكفاية في اصطالح األصوليين " أمر مهم كلي تتعلق به
مصالح دينية ودنيوية ال ينتظم األمر إال بحصولها ،قصد الشارع حصولها من
مجموع المكلفين ال من جميعهم ،وليس من شخص معين،فإذا قام به من فيه كفاية
()1
ومن ثم تعد مهنة الطب بحسب الضابط المتقدم من سقط الحرج عن الباقين"
فروض الكفايات؛ إذ يتعلق بها مصالح عظيمة تتمثل في حفظ صحة الناس ودفع
األمراض عنهم ليتمكنوا من القيام بواجباتهم الشرعية والحياتية.
وإذا كانت مهنة الطب من فروض الكفايات فإن تعلمه وإتقانه يكون كذلك
أيضا؛ لقاعدة :ما ال يتم الواجب إال به فهو واجب .
األصل أن فرض الكفاية موجه لألمة كلها ،وعليها أن تسعى لسد الحاجة
وتحقيق الكفاية ،ولما كان التكليف مرتبطا بالقدرة على القيام به فإن من يجب عليه
السعي للقيام به من األمة هو من فيه أهلية القيام بذلك الفعل المطلوب.
األولى :والة األمر ،المسئولون في الدولة؛ حيث يتعين عليهم التوجيه وإصدار
األوامر ،وعمل الخطط ،ورصد الميزانيات ،وإقامة المستشفيات والمراكز الطبية المطلوبة
لتحقيق هذا الفرض.
الثالثة :األمة في مجموعها؛ وذلك بمتابعتها ومحاسبتها لمن ينوبون عنها في
القيام بمثل هذه المصالح.
وبذلك تتضافر كافة الجهود ويقع على عاتق كل فئة تكليفا محددا تقوم به حتى
تتحقق الكفاية لألمة من كل ما يلزمها ويحفظ لها مصالحها ،ويدفع عنها ما يقع عليها
من مفاسد ومضار.
وثمت مسألة جديرة باالعتبار أن فرض الكفاية يتحول إلى فرض عين في
حاالت ،منها :إذا ظن البعض أن الغير ال يقوم بفرض الكفاية وهو قادر على القيام
به ،وكذلك إذا عين والة األمر أحدا للقيام به تعين عليه.
وفي مسألتنا فإن القيام بهذا الفرض يتعين على الكليات الطبية والمعاهد ذات
العالقة بالطب والصيدلة والدواء ونحوها ،وكذا األفراد المنتسبون إلى هذه المؤسسات؛
حيث يجب عليهم بذل ما في وسعهم للوصول إلى المستوى المطلوب لكفاية األمة في
هذا الباب ،وأال ينظروا للمسألة على أنها مهنة للتكسب أو مجرد فرصة عمل ،ولو وجد
غيرها أفضل فإنه يتركها وينصرف إلى األخرى ما لم يكن هناك سبب جوهري يدعو
لذلك.
التداوي في األصل هو السبيل لحفظ البدن بما يحقق المقصود من خلق هذا
اإلنسان وقيامه بواجب العبودية واالستخالف واإلعمار لألرض على الوجه المشروع؛
لذلك تضافرت األدلة على مشروعية كافة الوسائل التي تهدف لحفظ النفس وصيانتها
لتقوم بوظيفتها ورسالتها ما دامت الوسيلة في ذاتها مشروعة.
وإذا كان التداوي من حيث أصله مشروعا فإن درجة مشروعيته تتوقف على
طبيعة ما يلم بالبدن من علة ،ودور الدواء في إزالتها ،وطريقة العالج ،ومن ثم فقد
( ) 16
يكون واجبا أو مندوبا أو مباحا ،أو مكروها ،أو محرما ،وهذا كله بحسب طبيعة العلة
أو المرض الذي يصيب اإلنسان ،وكذلك طبيعة الدواء المؤثر في إزالة هذا المرض،
فإن كان من شأن العلة أو المرض إذا ترك دون مداواة إتالف النفس أو تعطيل وظيفة
من وظائف الجسم فيكون التداوي واجبا ،وإن كان لمجرد التحسين للبدن فيكون مندوبا،
وقد يكون محرما إذا كان بفعل أو دواء يحدث مضاعفات تودي بالنفس أو تصيبه
بأمراض خطيرة تقعده عن أداء واجباته ويكون مكروها فيما سوى ذلك.
وهذا التقسيم لحكم الدواء هو ما انتهى إليه مجمع الفقه اإلسالمي في دورته
بجدة في المملكة العربية السعودية من 12-7ذي القعدة 1412هـ الموافق 14 - 9
أيار (مايو) 1992م؛ إذ في ق اررات هذه الدورة بشأن التداوي ما يلي:
األصل في حكم التداوي أنه مشروع؛ لما ورد في شأنه في القرآن الكريم والسنة القولية
والفعلية ،ولما فيه من "حفظ النفس" الذي هو أحد المقاصد الكلية من التشريع.
▪ فيكون واجباً على الشخص إذا كان تركه يفضي إلى تلف نفسه أو أحد
أعضائه أو عجزه ،أو كان المرض ينتقل ضرره إلى غيره كاألمراض المعدية.
ويكون مندوباً إذا كان تركه يؤدي إلى ضعف البدن وال يترتب عليه ما ▪
سبق في الحالة األولى.
ويكون مباحاً إذا لم يندرج في الحالتين السابقتين. ▪
ويكون مكروهاً إذا كان ٍ
بفعل يخاف منه حدوث مضاعفات أشد من العلة ▪
المراد إزالتها.
وهذا الحكم المتقدم للتداوي هو في حالة التداوي بالمباح ،وإال فإذا كان التداوي
بمحرم فيطبق في هذه الحالة أحكام الضرورة بضوابطها وشروطها وستأتي إن شاء
( ) 17
هللا ،كما أن التأثيم بترك التداوي فيما إذا كان واجبا ال يكون إال بشرط القدرة على
نفقاته ،ووجود الطبيب أو الجهة الطبية المختصة القادرة على القيام بإجراء العمل
الطبي الالزم.
جعل هللا تعالى لكل شيء سببا ،وطلب الشارع البحث عن أسباب النجاة
والشفاء لكن الشفاء يحصل بإذن هللا تعالى ،والدواء ال يوجد الشفاء بنفسه ،وال يحدث
الضرر أيضا بنفسه ،ومن هنا لزم تحديد العالقة بين السبب والمسبب في األمور
التالية:
أوال :ال يلزم من كون التداوي سببا لحصول الشفاء أنه موجده ،وال يمكن تحققه
إال به ،فهذا خطأ لمنافاته اعتقاد كون هللا تعالى هو الموجد لكل شيء ومقدره موجد
النفع ومقدر الضر ،وال يأتي النفع إال منه ،وال يحدث الضرر إال بإرادته وعلى هذا
قامت األدلة الشرعية المعتبرة ،وقد اعتبر ادعاء كون السبب فاعال للمسبب شرك أو
1
مضاه للشرك.
ثانيا :إذا كان تحصيل السبب في مقدور المكلف وتعين لدفع ضرر محقق
ونحوه فال يجوز إهماله اعتقادا بأن النافع والضار والشافي هو هللا ،فاألخذ باألسباب
كما قال العلماء واجب ومقصودهم األسباب التي هي في مقدور المكلف إذا تعينت
للواجب حيث تصبح من مقدمة الواجب.
ثالثا :ال منافاة بين األخذ باألسباب وحسن التوكل على هللا وينبغي الجمع
بينهما فيسعى المسلم لتحصيل األسباب الموصلة إلى مقصوده معتقدا أن هللا سبحانه
وتعالى هو الذي يقدر نتيجتها وثمرتها.
- 1الموافقات ()201/1
( ) 18
وقد اعتبر الدواء على سبيل المثال من قدر هللا كما أن المرض قدر هللا والمسلم
حين يستعمل الداوء إلزالة الداء فهو ينتقل من قدر إلى قدر؛ وقد ورد ذلك في
نصوص ،منها ما ورد في البخاري ومسلم في قصة الطاعون عندما اعترض أبو
عبيدة بن الجراح على منع المسلمين من الدخول في األرض التي فشا فيها الطاعون
حيث قال :أف ار ار من قدر هللا ؟ قال عمر لو غيرك قالها يا أبا عبيدة ؟ نعم نفر من قدر
هللا إلى قدر هللا ،أرأيت لو كان لك إبل هبطت واديا له عدوتان إحداهما خصبة
واألخرى جدبة أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر هللا وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر
هللا ؟ قال فجاء عبد الرحمن بن عوف وكان متغيبا في بعض حاجته فقال :إن عندي
في هذا علما سمعت رسول هللا يقول (إذا سمعتم به بأرض فال تقدموا عليه وإذا وقع
1
بأرض وأنتم بها فال تخرجوا ف ار ار منه) قال فحمد هللا عمر ثم انصرف"
وأخرج الترمذي وقال حسن صحيح عن أبي خزامة عن أبيه قال :سألت رسول
هللا فقلت يا رسول هللا :أرأيت رقى نسترقيها ودواء نتداوى به وتقاة نتقيها هل ترد من
2
قدر هللا شيئا ؟ قال هي من قدر هللا"
رابعا :ليس هناك تالزم حتمي بين األخذ باألسباب وحصول المسبب ،فقد يوجد
البرء والعالج بدون األسباب وقد يتأخر البرء أو ال يوجد أصال مع األخذ باألسباب،
وهذا يدخل في باب آخر يتعلق بكيفية التعامل مع قضاء هللا وقدره.
- 1صحيح البخاري ( )2163/5دار ابن كثير .صحيح مسلم ( )1737/4دار إحياء التراث العربي.
- 2سنن الترمذي ( )399 /4دار إحياء التراث العربي.
( ) 19
األصل في الطب والتداوي أنه من المباحات ويرتقي إلى أعلى من ذلك بحسب
الظروف والمالبسات الخاصة بكل حالة على حدة ،لكن يجب على من يمارسه أن
يعرف أصوله وطريقته وضوابطه ،وما يجوز فيه وما ال يجوز ،وما يحل فيها وما
يحرم ،ووجه ذلك :أن عدم المعرفة يوقع في الحرام ،وهذا معنى قاعدة ما ال يتم الواجب
إال به فهو واجب.
وذلك مثل :األحكام الخاصة بالكشف على المرضى ،والحكم الشرعي لألعمال
التي يقوم بها ومدى حلها أو حرمتها كالتشريح ،ومداواة النساء للرجال والعكس ،وزرع
األعضاء ،وموت جذع المخ ،واإلجهاض ،وعمليات التجميل والمسئولية الشرعية
والجنائية ،ونحو لك مما سنحاول العرض له في هذا الكتاب.
كأحكام الطهارة ،وصالة المريض ،وما يفسد الصوم مما يتناوله الصائم من
أدوية وإجراءات طبية ،وكيفية الزكاة الواجبة على كل من المريض والصيدلي ونحوهما.
فالطبيب يقدم خدمته لمرضاه بأجر ،وبينه وبين المريض عقد ،وكذا عالقة
األطباء بعضهم مع بعض ،ومع المراكز الطبية ذات العالقة كالمختبرات ومراكز
األشعة ،فيجب معرفة طبيعة هذا العقود ،والتزاماتها المتبادلة ،وماالذي يجب مراعاته،
( ) 20
وكذا الصيدلي يبيع ويشتري الدواء ،ويتعامل مع األطباء وشركات األدوية ،وجميع ما
تقدم له ضوابطه الشرعية.
وهو باب مهم جدا في مجال العاملين في المهن الطبية المختلفة؛ ألنه يتعامل
مع نفس إنسانية في حالة ضعف بسبب مرضها وقد تجمع المرض الفقر والحاجة،
فضال عن تعظيم عامة الناس للعاملين في هذا المجال كل هذا وغيره يلزم معرفة ما
تزكو به النفس وتجمل من مكارم األخالق وجميل الصفات والسمات.
يرد على إباحة العمل الطبي ـ ـ أيا كان ـ ـ عدة شروط يجب أخذها في االعتبار
قبل إطالق القول باإلباحة ،وأهمها ما يلي:
والمقصود هنا :أال يشتمل العمل الطبي على محظور شرعي ،ومنه :التداوي
بما منع الشرع من تعاطيه وتناوله كأن يكون الدواء منهيا عن تعاطيه كالخمور
والمخدرات والنجاسات وسائر ما حرم الشرع تناوله ،ومنه :المعالجة بالسحر والشعوذة
ونحوها ،ومنه:األعمال الطبية المتفق على تحريمها كبعض صور جراحات التجميل ،أو
( ) 21
ما اتفق العلماء على تحريمه من صور زرع األعضاء أو اإلجهاض أو ما يعرف
بتأجير األرحام ونحوها ،ومنه :اقتراف القائم بالعمل الطبي سلوكا غير أخالقي مع
المريض كالغش والخداع والكذب وإفشاء األسرار واالنحراف عن قصد العالج إلى غيره.
روى أبو داود في سننه من حديث أبي الدرداء قال رسول هللا : أ-
1
(إن هللا أنزل الداء والدواء ،وجعل لكل داء دواء ،فتداووا ،وال تداووا بحرام).
ب – روى البيهقي وأبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد والحاكم من حديث
أبي هريرة رضي هللا عنه قال( :نهى رسول هللا عن الدواء الخبيث " قيل :هو السم
2
أو الخمر).
ج -روى مسلم في صحيحه من حديث طارق بن سويد الجعفي أنه سأل
النبي صلى هللا عليه و سلم عن الخمر فنهاه أو كره أن يصنعها ،فقال :إنما أصنعها
للدواء فقال :إنه ليس بدواء ولكنه داء .وعنده عن طارق بن سويد الحضرمي قال:
قلت :يا رسول هللا ! إن بأرضنا أعنابا نعتصرها فنشرب منها قال :ال فراجعته قلت :إنا
تستشفي للمريض قال :إن ذلك ليس بشفاء ولكنه داء.
د -روى ابن حبان في صحيحه من حديث أم سلمة رضي هللا عنها قالت:
اشتكت ابنة لي فنبذت لها في كوز فدخل النبي وهو يغلي فقال :ما هذا ؟ فقالت :إن
ابنتي اشتكت ،فنبذنا لها هذا ،فقال صلى هللا عليه و سلم( :إن هللا لم يجعل شفاءكم
1
في حرام)
والوجه في كل ما تقدم :أن هللا سبحانه وتعالى لم يحرم علينا شيئا عقوبة إنما
حرمه لخبثه وضرره فكان المنع منه مصلحة ومنفعة ،وتحريمه يقتضي تجنبه والبعد
عنه بكل طريق.
وإضافة إلى ما تقدم فإنه لم يثبت علميا وال طبيا أن فيما حرمه هللا تعالى من
الخبائث عالجا ومنفعة وجلبا للشفاء مع التقدم الطبي الموجود وقيامه بفحص وتحليل
كافة عناصر المحرمات ،وما أثبته هو اشتمالها على الكثير من األمراض واألسقام
والعلل.
ويسري ما تقدم من نصوص على األعمال الطبية التي لم يأذن بها الشرع
كاإلجهاض ،وبعض عمليات التجميل ،وبعض صور زرع األعضاء كما سيرد فكل هذا
وغيره قد صحت فيه نصوص ووجوه تمنع منه؛ لذلك على الطبيب والمريض معا أن
يراجع أهل الشرع فيما يكون مسموحا به من عمل أوال يكون مسموحا به.
يجب العتبار ما يقوم به القائم بالعمل الطبي مشروعا :أن يكون صاد ار من
ذي صفة ،أي من مختص بذلك ،مأذون له من قبل الجهات المختصة بممارسة
العمل الطبي ،ويجب مع ذلك أن تكون الجهة المانحة من الجهات المختصة في ذلك
ككليات الطب وما في حكمها ،ومن ثم فإذا حصل الشخص على إجازة طبية من جهة
غير معتمدة فال يجوز له مباشرة العمل الطبي ،ويلزم مع ذلك :أن يتقيد بحدود هذا
اإلذن ،فإذا كان مأذونا له في عالج أمراض القلب فال يتعداه إلى عالج أم ارض
األطفال مثال ،وأن يمارس العمل الطبي بقصد العالج أي أن يكون الباعث عليه
عالج المريض ورعاية مصلحة مشروعة فإذا استهدف غرضا آخر غير عالج المريض
فيكون متعديا كأن يبتر عضوا من شاب ليعفيه من أداء الخدمة العسكرية مثال.
ويجب مع كل ما تقدم أن يكون القائم بالعمل الطبي بصي ار ماه ار فيه يقظا عند
1
إجرائه متبعا في ذلك أصول المهنة واإلجراءات الصحيحة وإال كان ضامنا.
وإذا كان ما تقدم في حق من تخرج من كليات الطب فإن مسئولية من يفتي في
الطب وهو ليس من أهله لكنه من عوام الناس أو من المساعدين لألطباء الذين تكونت
لديهم خلفية طبية بحكم مصاحبة األطباء أو ممن يدعون العالج باألعشاب وغيرهم
فهؤالء يتحملون المسئولية كاملة فيما يصفونه للناس من عالج أو ما يقومون به من
إجراءات ،وإذا كان من يفتي الشرع بغير علم ضال ومضل فكذلك من يدعي طبا وهو
ليس بطبيب ويترتب على فعله ضرر بإنسان فقد ارتكب منك ار.
واألصل فيما تقدم ما أخرجه البيهقي وغيره من حديث عمرو بن شعيب عن
أبيه عن جده قال :قال رسول هللا :من تطبب ولم يكن بالطب معروفا فأصاب نفسا
2
وعند الحاكم في المستدرك قال رسول هللا " :من تطبب فما دونها فهو ضامن "
ولم يعرف منه طب فهو ضامن " وقال :هذا حديث صحيح اإلسناد ولم يخرجاه،
3
وصححه الذهبي.
وعند أبي داود " أيما طبيب تطبب على قوم وال يعرف له تطبب قبل ذلك
1
ومعنى اإلعنات :العمل الطبي المتمثل في قطع عضو أو كي فأعنت فهو ضامن "
ونحوه.
الشرط الثالث :أن يكون تدخل القائم بالعمل الطبي بإذن المريض أو ذويه.
وقد اتفق الفقهاء من المذاهب األربعة على عدم جواز تطبيب المريض إال بعد
أخذ إذنه في األحوال غير الخطرة التي ال يشرف فيها المريض على الهالك ،أو
األمراض المعدية ،فإن خالف في ذلك وطببه ضمن الطبيب في هذه الحالة ،ويكون
()3
متعديا.
وجه قول الجمهور على لزوم أخذ إذن المريض أو وليه في التطبيب:
ما أخرجه البخاري ومسلم عن عائشة رضي هللا عنها قالت( :لددنا رسول هللا
فأشار أن ال تلدوني ،فقلنا :كراهية المريض للداوء ،فلما أفاق ،قال :ألم أنهكم أن ال
()1
واللد :إعطاء تلدوني ،ال يبقى منكم أحد إال لد غير العباس فإنه لم يشهدكم "
المريض دواء في جانب فمه بغير إرادته.
وعند الترمذي وابن ماجه عن عقبة بن عامر الجهني قال :قال رسول هللا
(ال تكرهوا مرضاكم على الطعام فإن هللا يطعمهم ويسقيهم) وفي رواية ابن ماجه (ال
تكرهوا مرضاكم على الطعام والشراب) (.)2
فيظهر من الحديثين :أنه يلزم موافقة المريض على ما يتعاطاه من دواء ،وعلى
ما يجرى عليه من أعمال طبية مختلفة قياسا على الدواء .
وعند ابن أبي شيبة في مصنفه عن الحسن "إذا جاوز الطبيب ما أمر به فهو
()3
ضامن"
ومن المعقول :أن جسم اإلنسان ملك له ،وال يجوز أي عمل يقع عليه إال بإذن
()4
منه ،كما قاله القرافي في فروقه.
قرار وقد انتهى قرار مجمع الفقه اإلسالمي بجدة في دورته السابعة
رقم( )7 /5/69فيما يتعلق بهذه المسألة واالستثناءات الواردة عليها إلى ما يلي:
(أ) يشترط إذن المريض للعالج إذا كان تام األهلية ،فإذا كان عديم األهلية أو
ناقصها اعتبر إذن وليه حسب ترتيب الوالية الشرعية ووفًقا ألحكامها التي تحصر
تصرف الولي فيما فيه منفعة المولى عليه ومصلحته ورفع األذى عنه.
على أنه ال يعتبر بتصرف الولي في عدم اإلذن إذا كان واضح الضرر
بالمولى عليه ،وينتقل الحق إلى غيره من األولياء ثم إلى ولي األمر .
(ج) في حاالت اإلسعاف التي تتعرض فيها حياة المصاب للخطر ال يتوقف
العالج على اإلذن.
وال يجوز إجراء األبحاث الطبية على عديمي األهلية أو ناقصيها ولو بموافقة
()1
األولياء".
ويترتب على وجوب أخذ إذن المريض للطبيب في إجراء العمليات الطبية في
الحاالت العادية مسألة أخرى وهي :حكم إعطاء المريض اإلذن للطبيب ،هل هو
واجب عليه أم مباح ،أو غيرهما وهي مسألة مفرعة عن األصل في حكم التداوي.
-أن يكون اإلذن صاد ار ممن له الحق في إصداره وهو المريض أو وليه
في حال تعذر إذن المريض ،وقد يكون الحاكم.
-وأن يكون اآلذن أهال إلصدار اإلذن من كونه بالغا عاقال ،مختارا.
-وأن يكون العمل الطبي مأذونا فيه شرعا ونظاما.
-أن يكون الطبيب مرخصا له بمزاولة المهنة.
-أن يكون صدور اإلذن بعد إيضاح وبيان كافيين.
-أن يكون الطبيب صادقا فيما يخبر به من معلومات ،وهو ما يسمى
()1
باإلذن المستبصر.
ومن ثم إذا تدخل الطبيب بدون اإلذن المذكور وقعت عليه المسئولية لخروج
عمله من دائرة اإلباحة إلى دائرة التعدي
إذا عرف اإلنسان قدر مهنته ،فإنه يتصرف ِبما يليق بقدرها ومكانتها ،فعلى
الطبيب والصيدلي والكيميائي والمعملي أن يتصفوا بكل صفة حسنة َتليق بالشرف
وي ِّ
فرجون الرفيع الذي حباه هللا عز وجل لمن يقضون حوائج الناس ويمسحون آالمهم ُ
ُكرَبهم .وإذا كان اإلسالم يحمل أهله على مكارم األخالق وإتقان العمل ،فإنها في حق
من يقضون حوائج الناس أوجب وآكد ،ولذا سنتحدث هنا عن بعض األخالق التي
يجب أن تكون مالزمة للطبيب والصيدلي وغيرهم ممن يقضون حوائج الناس.
- 1أحكام اإلذن الطبي للدكتور عبد الرحمن الجرعي – بحث علمي محكم غير منشور.
- 2كتب هذا الموضوع الدكتور عمر محمد غانم مدرس الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون
بالقاهرة.
( ) 28
َخلَقه إال لعبادته ،ومن هنا كانت نية التعبد هلل تعالى بكل األعمال من أوجب
الواجبات
-2الصدق:
ال يتوقف الصدق عند صدق الكلمة فحسب ،وإنما يعني أيضا صدق العمل،
فالطبيب والصيدلي ،كالهما صادق في تقديم العالج للمرضى ،صادق في أداء النصح
لهم ،وهكذا من كان مثلهما من أصحاب المهن المختلفة
فيقنع المريض بأهميةولك أن تتصور انحطاط الطبيب الذي انهزم أمام شهوة المالُ ،
فحوص إضافية ال تتطلبها حالته المرضية ،أو ُي َرّغب المريض في العالج األكثر تكلفة
رغم أنه ليس المالئم له.
ليكن شعارنا الصدق في كل شيء ،ولنستحضر قول الرسول ( :عليكم بالصدق،
فإن الصدق يهدي إلى البر ،وإن البر يهدي إلى الجنة)[أخرجه البخاري ومسلم].
-3التواضع واحترام اآلخرين:
التواضع صفة البد لكل من يتصدى للخدمة العامة أن يتحلى بها ،وعلى رأسهم
األطباء ،فعلى الطبيب أن يتجنب التعالي على المرضى ،والنظرة الدونية لهم مهما كان
مستواهم العلمي أو االجتماعي ،فهذا هو ما يجعله موضع احترام اآلخرين ،قال :
يدخل الجن َة من في قلبه مثقال ذرة من ِكبر» [أخرجه مسلم].
ُ «ال
-4الصبر والحلم:
إن التعامل مع نوعيات مختلفة من فئات المجتمع يتطلب قد اًر كبي اًر من الصبر وسعة
الصدر ،فعلى الطبيب وغيره أن يتحمل تصرفات المرضى ويعذرهم بسبب ما بهم من
مرض أو حاجة ،وال يقابل األذى بمثله ،كأن يمتنع عن معالجة مريض أغلظ القول
مثالً ،أو يقصر في إعطائه حقه الكامل من الرعاية ،أو تقديم الخدمة الكاملة له ،وما
( ) 29
أعظم قوله ( :ومن يتصبر يصبره هللا) [أخرجه البخاري] ،قال ابن حجر( :يصبره
هللا :أي فإنه يقويه ويمكنه من نفسه حتى تنقاد له ،ويذعن لتحمل الشدة )1ا.هـ.
وينبغي أن يكون لبقاً مع مرضاه ،أو مع من يتعامل معهم من أشخاص ،متلطفاً
بهم ،محباً لهم ،عطوفاً عليهم ،رفيقاً بهم.
()2
الموضوع الثالث :ضوابط التجارب الطبية على النسان والحيوان
اختبار منظم لظاهرة أو ظواهر يراد مالحظتها مالحظة دقيقة يقصد بالتجربة:
()3
ومنهجية للكشف عن نتيجة ما ،أو تحقيق غرض معين.
أما التجارب الطبية فهي :اختبار تأثير المواد والعوارض المختلفة من خالل
()4
تجربتها على اإلنسان والحيوان.
وقيل هي :مجموعة األعمال التي يقوم بها الطبيب ،أو المختص باألعمال
الطبية على اإلنسان والحيوان ،بهدف الكشف العلمي النافع عن أثر دواء معين ،أو
()5
نجاح عملية معينة لم تُعرف نتائجها من قبل.
وسوف نتناول حكم إجراء التجارب الطبية على الحيوان وعلى اإلنسان:
اتجه اإلنسان إلى إجراء التجارب على الحيوانات منذ العصور القديمة للتعرف
على مفعول األدوية ،وخصائصها وكيفية تأثيرها ،واختبار ُسمية الكيماويات التي تدخل
في صناعة األدوية ،والتعرف على األعراض الجانبية للدواء .فهي تعتبر أكثر أمانا
وأقل خط ار من التجارب على اإلنسان.
وتتنوع الحيوانات التي تجري عليها التجارب إلى أنواع مختلفة ،فلكل نوع من أنواع
الحيوانات خصائص وسمات قد ال توجد في النوع اآلخر؛ كما أن التجارب التي تجري
على الحيوانات منها ما هي مميتة ،ومنها ما هي غير مميتة.
التجارب الطبية المميتة :وهي التجارب التي تؤدي إلى وفاة الحيوان محل التجربة.
وهنا ننظر إلى الحيوان محل التجربة فالحيوانات إما أن تكون مأمو اًر بقتلها ،أو منهيا
عن قتلها ،أو لم يرد فيها أمر وال نهي.
فالحيوانات التي ورد األمر بقتلها كالفواسق الخمس (الفأرة ،والعقرب ،والحدأة،
والغراب ،والكلب العقور).
فإن إجراء التجارب الطبية المميتة على هذا النوع من الحيوانات جائز ،حيث
ال حرمة لها وذلك لورود النص باألمر بقتلها .وهو ما روي َعن إن هذه الحيوانات
الحَرمِ :ال َفأَرُة، ِ ِ َعن َهاَ ،ع ِن َّ ِ ِ ِ
قُ ،يقَتل َن في َ
س َف َواس ُ
الَ :خم ٌ
النب ِي َ ق َ هللا
َعائ َشةََ ،رض َي ُ
ور( )1إال أنه يجب تجنب األذى واأللم قدر العُق ُ
الكل ُب َابَ ،و َ
َوال ُغَر ُ
الح َدَّيا،
العقَر ُبَ ،و ُ
َو َ
اإلمكان ،ويلحق به ما كان من طبعه األذى ولم يرد األمر بقتله
أما حكم إجراء التجارب الطبية المميتة على ما نهى عن قتله ،أو لم يرد فيه
أمر وال نهي هو حرمة إجرائها؛ إال أنه يمكن أن يستثنى من القول بالحرمة بعض
التجارب المميتة على هذه األنواع من الحيوانات للضرورة؛ فقد يكون اكتشاف كثير من
()2
األدوية والعالجات النافعة لإلنسان متوقفاً على إجراء مثل هذه التجارب.
( )1أخرجه البخاري في صحيحه ( )129/4كتاب :بدء الخلق ،باب :خمس من الدواب فواسق ،يقتلن
في الحرم ،ح(.)3314
( )2المستجدات في األحكام الفقهية المتعلقة بالحيوان ص ،123الموسوعة الفقهية الطبية ص.373
( ) 31
ويقصد بها التجارب التي ال تؤدي إلى قتل الحيوانات محل التجربة ،وهذه
التجارب إما أن تكون مشتملة على تعذيب الحيوانات أثناء التجربة أو تكون غير
مشتملة على التعذيب.
فإجراء التجارب المتضمنة لتعذيب الحيوانات محل التجربة األصل فيه الحرمة،
َن رسول َّ ِ
َّللا ، وذلك لما ورد من األدلة على حرمة تعذيب الحيوان ،ومنها :ما روي أ َّ َ ُ َ
الن َار ،الَ ِه َي أَط َع َمت َها َوالَ
يها َّ ِ ِ ِ ِ ِ
الُ « :عذَبت امَأَر ٌة في هَّرٍة َس َجَنت َها َح َّتى َم َاتتَ ،ف َد َخَلت ف َ
َق َ
()1
ض» َسَقت َهاِ ،إذ َحَب َست َهاَ ،والَ ِهي َتَرَكت َها َتأ ُك ُل ِمن َخ َش ِ
اش األَر ِ
َ
إال أنه يمكن أن يستثنى من القول بالحرمة بعض التجارب ال سيما وإن كانت
تلك التجارب راجعة لحفظ اإلنسان أو عقله أو نسله أو غير ذلك من الضروريات،
فحرمة اإلنسان أكبر من حرمة الحيوان.
كما أن التعذيب للحيوان في هذه التجارب ليس مقصوداً لذاته بل وقع تبعا،
ولذلك أباحت الشريعة بعض األعمال التي تجرى على الحيوان وإن كان فيها نوع
تعذيب له ،لكون المصلحة الحاصلة تزيد على مفسدة التعذيب .كأن يكون للبحث
أهداف مهمة وحقيقية يستفاد منها في تقدم الطب ،وتكون له فوائد ملموسة تعود على
اإلنسان وذلك كتجربة األدوية والعقاقير على الحيوان والتأكد من فاعليتها في مقاومة
األمراض قبل تجربتها على اإلنسان .فإذا لم يكن للبحث غرض مهم فإنه ال يجوز
إجراء مثل تلك التجارب حيث إنه ال يجوز تعريض الحيوان لألذى واأللم لغير مصلحة
راجحة .أو فوائد تعود على الحيوان كالتجارب التي تهدف إلى تحسين سالالت
الحيوان ،وتحسين قدرتها وتكثير نسلها ونحو ذلك.
وأن تكون النتائج المتوقعة والفوائد المرجوة من إجراء تلك التجارب على
الحيوانات تزيد على المخاطر واألضرار التي تلحق بالحيوان محل التجربة .وفي حالة
( )1صحيح البخاري ( )176/4كتاب :أحاديث األنبياء ،باب :حديث الغار ،ح(.)3482
( ) 32
زيادة األضرار على الفوائد المرجوة أو مساواتها لها فإنه يمنع من إجراء هذه التجارب،
فدرء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
أما التجارب التي ال تتضمن تعذيب الحيوانات محل التجربة؛ فجواز مثل هذه التجارب
ظاهر.
التجارب الطبية على اإلنسان ،إما أن تكون مميتة أو غير مميتة ،ويقصد
بالتجارب المميتة التي يقطع الباحث بأن الشخص محل التجربة سيموت من جراء هذه
التجربة ،أو يغلب على ظنه ذلك.
وهذه التجارب إما أن تكون على معصوم (وهو الذي منع الشارع سفك دمه) أو
على غير معصوم.
في هذه الحالة ننظر إلى الغرض من التجربة ،فإن كان الغرض من التجربة
قليل األهمية ،أو يمكن االستغناء عنها فهذا النوع من التجارب محرم؛ وذلك لما فيها
س َّال ِتي من تعمد لقتل نفس معصومة دون وجه حق ،قال هللا تعالىَ :وَال َتقُتُلوا َّ
النف َ
َّللا ِإَّال ِبال َح ِق "( ،)1كما أن الشخص الذي يوافق على إجراء مثل هذه التجارب َحَّرَم َّ ُ
التهُل َك ِة "( ،)2وروي َع ِن يكم ِإَلى َّ المميتة يعتبر قاتالً لنفسه .قال تعالىَ " :وَال ُتلُقوا ِبأَي ِد ُ
()3
الَ « :و َمن َقَت َل َنف َس ُه ِب َشي ٍء ُع ِذ َب ِب ِه ِفي َن ِار َج َهَّن َم » َّ ِ
النب ِي َ ق َ
وعليه فإن إجراء هذا النوع من التجارب على معصوم الدم حرام ،وبالتالي ال
يجوز إجراؤها ،حتى ولو كان الغرض من التجارب المميتة غرضاً عظيم األهمية كإنقاذ
حياة جماعة كبيرة من المعصومين :فاألصل في هذه التجارب هو المنع؛ وذلك لحرمة
دم المعصوم ووجوب صيانته ،فشفاء تلك الجماعة الكبيرة وإن كان فيه مصلحة كبيرة؛
إال أنه يقابله مفسدة كبيرة أيضا وهو التسبب في وفاة معصوم الدم ،ودرء المفاسد مقدم
)1( .
على جلب المصالح
وهذه المسألة وإن لم تتطرق لها كتب أهل العلم إال أنه يوجد مسائل مشابهة
لها ،وهي :ما لو ركب جماعة سفينة فثقلت بهم السفينة واضطروا إلى إلقاء بعضهم في
()2
البحر حتى تخف السفينة ويسلم الباقون ،فهل يجوز إلقاء البعض ليسلم الباقي.
والمقصود بها :هي التجارب التي ال تؤدي في الغالب إلى موت الشخص محل
التجربة .وهذه التجارب إما أن تكون عالجية أو غير عالجية.
والتجارب العالجية :هي التي تهدف إلى إيجاد عالج للشخص محل التجربة
من خالل اختبار كفاءة ما يمكن أن يكون عالجا للمرض الذي يعاني منه الشخص
()4
محل التجربة .وذلك للوصول إلى دواء مناسب له يوافق طبيعته.
وهذا النوع من التجارب العالجية تعد نوعاً من أنواع طلب التداوي والعالج.
( )1تيسير الوصول إلى قواعد األصول ،310/1الموافقات ،465/3حاشية العطار .480/1
( )2شرح التلويح على التوضيح ،142/2التقرير والتحبير ،396/5تيسير التحرير 315/3
( )3سورة النحل :اآلية .91
( )4أبحاث مؤتمر الضوابط واألخالقيات في بحوث التكاثر البشري في العالم اإلسالمي ص،166
أحكام التجارب الطبية ص .189
( ) 34
ففي هذا الحديث حث على التداوي مطلقا غير مقيد بقيد ،وإذا كان العالج
مأذونا فيه كانت وسائله وما يتوقف عليه مأذونا فيها أيضاً؛ فاألصل في التجارب
العالجية أنه مأذون فيها ما دام القائمون بإجرائها من األطباء المتخصصين األكفاء(.)2
والمقصود بها :هي التجارب التي ال يراد بها عالج الشخص محل التجربة،
وإنما يراد منها اختبار أدوية وعالجات ليس المقصود بها الشخص محل التجربة.
والحكم هنا :جواز إجراء هذه التجارب على اإلنسان إال أن يترتب عليها ضرر
محقق أو غالب على الظن يقع على اإلنسان محل التجربة بأنه حينئذ تكون ممنوعة؛
ألن القاعدة الشرعية أن الضرر يزال.
( )1أخرجه أبو داود في سننه ( )4/3كتاب الطب /باب في الرجل يتداوى ح ،3855وأحمد في
مسنده ( 398 /30ح.)18455
( )2موسوعة الفتاوى المؤصلة من دار اإلفتاء المصرية .487 /4
( ) 35
()1
الموضوع الرابع :ضوابط التدريب المهني على المرضى
.1أن يكون المتدرب على درجة عالية من التأهيل العلمي:
يجب أن يمتلك المتدرب على المرضى المهارة والدقة والدرجة العالية من الكفاءة من
خالل الدراسة األكاديمية العلمية المتخصصة ،والحرص على النمو المعرفي من خالل
االطالع المستمر وحضور الندوات والمؤتمرات المحلية والعالمية(،)2وهذا ما عبر عنه
الفقهاء بالحذق حيث نصوا رحمهم هللا -على أن ينبغي أن يكون العامل في الحقل
الطبي حاذقاً.
.3أن يلتزم المتدرب باألحكام الشرعية فيما يخص التعامل مع المرض ،ومنها:
• حفظ أسرار المرض(:)4
الطبيب ورفاقه من العالمين في المجال الطبي عادة موضع ثقة المرضى ،بل ربما
يطلع على أسرار ما يود صاحبها أن يكشفها ألحد ،بيد أنه يكشفها لطبيبه لحظة شدة
المرض عليه .فيجب على الطبيب ورفاقه أن يكتم سر مريضه(.)5
()1كتب هذا الموضوع الدكتور على السيد الكيالني مدرس الفقه بكلية الشريعة والقانون بطنطا.
( )2أخالق الطبيب للرازي ص ،21الطبيب أدبه وفقهه ص45
()3كشاف القناع ،14/4نيل األوطار .205/8
)4أخالق الطبيب للرازي ص.27
)5النكت والفوائد السنية البن مفلح .190 /1
)6أخالق الطبيب للرازي ص.28
( ) 36
.4أن يكون المتدرب ملماً بالمخاطر الممكن حدوثها أثناء التدريب وكيفية التعامل
معها:
فعلى المتدرب أن يكون على معرفة بكل المخاطر المتوقع حدوثها ،وكيفية معالجتها،
والتعامل معها.
()2
الموضوع الخامس :ضوابط اختيار التخصص الطبي
تعتبر المعلومات عن التخصص الطبي أساس االختيار واتخاذ القرار ،فبدون
المعلومات ال يوجد اختيار؛ ألنها تساعد على المعرفة والفهم للتخصص الطبي،
وتعطي لمن أراد اختيار تخصصه الطبي القوة والثقة للمساهمة في خدمة المرضى.
وعليه كان البد من معرفة المعلومات والبيانات عن التخصص الطبي قبل االختيار.
كما يجب على الطبيب أن يعرف طبيعة الشخصية ويختار ما يالئمها ،فالطبيعة
الشخصية تلعب دو ار هاما في اختيار التخصص الطبي المناسب ،ومن أهم الضوابط
في اختيار التخصص الطبي ما يلي:
علم الطب من العلوم التي يواكبها الكثير من المستجدات العلمية ،لذا فإن على
الطبيب أن يستمر في طلب العلم حتى بعد حصوله على أعلى الدرجات العلمية حتى
تكون ممارسته للطب مبنية على الدليل العلمي الصحيح .وهناك من التخصصات
كالتخصصات العامة تتطلب من صاحبها أن يعرف كل شيء وأن يواكب التطور
ويتابع باستمرار الجديد في عالم الطب.
ومن ثم فالقدرة على تحمل الضغط النفسي وأساليب مواجهته من الضوابط في
اختيار التخصص الطبي ،فبعض التخصصات الطبية تتطلب من القائمين بها تحمل
( ) 38
ضغوط نفسية أكبر مما يتحمله غيرهم فقد يؤثر الضغط النفسي سلباً في إنجازه في
العمل فينخفض مستوى إنجازه من ناحية وربما يقوم بأخطاء مهنية قد تكون خسارة
كبيرة من ناحية أخرى.
الوحدة الثانية
وتحتوي على:
أستاذ الفقه المقارن ورئيس قسم الدراسات السالمية بكلية الطب بنين -القاهرة
( ) 40
()1
الموضوع األول :التلقيح الصناعى في االنسان
المحافظة على النسل من المقاصد الضرورية التى استهدفتها الشريعة
اإلسالمية ،ومن أجل ذلك شرع هللا النكاح وحرم السفاح ،ولحرص اإلسالم على سالمة
األنساب دعا إلى الزواج وشرع أحكامه ،ونظم صلة الرجل بالمرأة واختالطهما ،وأوجب
أن يكون هذا في ظل عقد زواج صحيح ،تكريما لإلنسان ،وال تتخلق النطفة إال إذا
وصلت إلى رحم المرأة المستعد لقبولها ،وقد يكون هذا الوصول عن طريق االختالط
الجسدى الجنسى المعتاد ،وقد يكون عن طريق إدخال نطفة الرجل في رحم زوجته
بغير االتصال الجسدى كما بين ذلك الفقهاء وأجازوه.2
فشغل رحم الزوجة بنطفة زوجها وحدوث الحمل يجوز عند الحاجة بغير
االتصال العضوى بينهما ،وتترتب عليه اآلثار الشرعية من عدة ونسب .وهذا هو
األساس لمعرفة حكم الحاالت اآلتية:
إذا كان تلقيح الزوجة بذات منى زوجها دون شك في استبداله أو اختالطه
بغيره ،جاز شرعا إجراء هذا التلقيح ،وتترتب عليه اآلثار الشرعية.
تلقيح الزوجة بمنى رجل آخر غير زوجها محرم شرعا ،لما يترتب عليه من
اختالط األنساب ،ونسبه ولد إلى أب لم يخلق من مائه ،وفوق هذا ففى هذه الطريقة
من التلقيح إذا حدث بها الحمل معنى الزنا ونتائجه ،والزنا محرم قطعا بنصوص القرآن
والسنة.
()1كتب هذا الموضوع األستاذ الدكتور أنس عبد الفتاح أبو شادي أستاذ الفقه المقارن ورئيس قسم
الدراسات اإلسالمية بكلية طب البنين بالقاهرة.
2فى شرح المنهاج البن حجر الشافعى وحواشيه وإنما (ج 8 -ص 230و 231فى كتاب العدة)
تجب عدة النكاح بعد وطء أو بعد استدخال منيه أى الزوج المحترم وقت إنزاله واستدخاله ومن ثم
لحق النسب.
( ) 41
لو أخذ منى الزوج ولقحت به بويضة امرأة ليست زوجته ثم نقلت هذه البويضة
الملقحة إلى رحم الزوجة ألن هذه األخيرة ال تفرز بويضات؛ فهذه الصورة كسابقتها
تدخل في معنى الزنا ،والولد الذى يتخلق ويولد من هذا الصنيع حرام ،اللتقائه مع الزنا
المباشر في اتجاه واحد ،إذ أنه يؤدى مثله إلى اختالط األنساب ،وذلك ما تمنعه
الشريعة اإلسالمية.
إذا أخذت بويضة امرأة ال تحمل ولقحت بمنى زوجها خارج رحمها (أنابيب) ثم
بعد اإلخصاب تعاد البويضة الملقحة إلى رحم هذه الزوجة مرة أخرى.
فى هذه الصورة إذا ثبت قطعا أن البويضة من الزوجة والمنى من زوجها وتم تفاعلهما
وإخصابهما خارج رحم هذه الزوجة (أنابيب) وأعيدت البويضة ملقحة إلى رحم تلك
الزوجة دون استبدال أو خلط ،وكان هناك ضرورة طبية داعية لهذا اإلجراء ،كان
اإلجراء المسئول عنه في هذه الصورة جائ از شرعا ،ألن هذه الصورة من باب التداوى
مما يمنع الحمل والتداوى بغير المحرم جائز شرعا.
وإذا كان مكان (األنابيب) حيوانات تصلح االحتضان هذه البويضة أى تحل
محل رحم هذه الزوجة لحين أو لفترة معينة يعاد الجنين بعدها إلى رحم ذات الزوجة.
لما كان التلقيح على هذه الصورة بين بويضة الزوجة ونطفة زوجها يجمع
بينهما في رحم أنثى غير اإلنسان من الحيوانات ،وستمر هذه البويضة الملقحة بمراحل
النمو المختلفة ،سيكتسب هذا المخلوق صفات هذه األنثى التى اغتذى بدمها في رحمها
وائتلف معها حتى صار جزءا منها ،فإذا تم خلقه كان مخلوقا آخر ،وال مرية في أن
هذا المخلوق يخرج على غير طباع اإلنسان ،ألن وراثة الصفات والطباع أمر ثابت
( ) 42
بين السالالت حيوانية ونباتية ،وبذلك إن تم فصاله ودرج هذا المخلوق على صورة
اإلنسان ال يكون إنسانا بالطبع والواقع ،ومن يفعل هذا يكون قد أفسد خليقة هللا في
أرضه ،ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح ،وإذ كان في التلقيح بهذه الصورة مفسدة
فإنه يحرم فعله.
الزوج الذى يتبنى أى طفل انفصل وكان الحمل به بإحدى الطرق المحرمة ال
يكون ابنا له شرعا ألنه مشكوك في أبوته له ،بل يكون مقطوعا بنفيه حين تكون النطفة
من رجل آخر أو حيوان ،والزوج الذى يقبل أن تحمل زوجته نطفة غيره سواء بالزنا
الفعلى أو بما في معناه كهذا التلقيح رجل فقد كرامة الرجال ،ومن ثم فقد سماه اإلسالم
ديوثا ،وهذا هو شأن الرجل الذى يستبقى زوجة لقحت من غيره بواحد من هذه الطرق
المحرمة التى ال تقرها الشريعة ،ألنها تبتغى في أحكامها كمال بنى اإلنسان ونقاءهم.
كل طفل ينشأ بالطرق المحرمة قطعا من التلقيح الصناعى حسبما تقدم بيانه
يعتبر لقيطا ال ينسب إلى أب جبرا ،وإنما ينسب لمن حملت به ووضعته فقط كولد الزنا
ام َأرٍَة أ َْد َخَل ْت َعَلى َق ْو ٍم َم ْن َل ْي َس
ُّما ْ الفعلي تماما إذ ينسب ألمه فقط .وفي الحديث « :أَي َ
ُّما َرُج ٍل َج َح َد َوَل َدهُ َو ُه َو َي ْن ُ
ظ ُر ّللاِ في َشى ٍء َوَل ْن ُي ْد ِخَل َها َّ َّ
ِم ْن ُه ْم َفَل ْي َس ْت ِم َن َّ
ّللاُ َجنتَ ُه َوأَي َ ْ
ِ ض َح ُه َعَلى ُرء ِ ِإَلي ِه احتَجب َّ ِ
ين ».1 ين َواآلخ ِر َ وس األ ََّولِ َ ُ ّللاُ م ْن ُه َوَف َ ْ ْ ََ
هذا قضاء هللا على لسان رسوله َ { فْليح َذ ِر َّالِذين يخالُِفون عن أَم ِِره أَن تُ ِ
ص َيب ُه ْم ِف ْت َنةٌ َ َُ َ َْ ْ ْ َْ
يم } النور .63 صيبهم ع َذ ِ ِ
اب أَل ٌ
أ َْو ُي َ ُ ْ َ ٌ
1أبوداود .2265
( ) 43
واجب الطبيب أن ينظر إلى كل صورة يجريها حتى يعلم وضعه ومسئوليته
شرعا ،فإن كانت الصورة مما تبين تحريمه كان الطبيب آثما وفعله محرما ،ألن اإلسالم
إذا حرم شيئا حرم الوسائل المفضية إليه حتى ال يكون ذريعة للتلبس بالمحرم ،كما في
ّللاِ َف َي ُسُّبوا َّ
ّللاَ َع ْد ًوا ِب َغ ْي ِر ِعْل ٍم } األنعام ،108 ين َي ْد ُعو َن ِم ْن ُدو ِن َّ َّ ِ
اآليةَ { :وَال تَ ُسبُّوا الذ َ
اصرها ومعتَ ِِ ِ ِ
ص َرَها ّللاُ اْل َخ ْم َر َو َش ِارَب َها َو َساق َي َها َوَبائ َع َها َو ُم ْبتَ َ
اع َها َو َع َ َ َ ُ ْ والحديثَ « :ل َع َن َّ
امَل َها َواْل َم ْح ُموَل َة ِإَل ْي ِه ،»1ففى اآلية الكريمة تأصيل لقاعدة سد الذرائع ،وفى وح ِ
ََ
الحديث الشريف دليل على أن من أعان على محرم كان آثما إثم مرتكبه ،وإذا كان ذلك
وكانت هذه النصوص وغيرها من القرآن الكريم والسنة الشريفة قد وضعت أصال قويما
في سد الذرائع ،فمتى أدى العمل أو الوسيلة إلى محرم صار محرما كذلك.
وعلى ذلك فالطبيب الذي يعين بعلمه وعمله في التلقيح الصناعى بالصور غير
المشروعة والمحرمة ،يكون آثما ألن ما كان وسيلة للمحرم يكون محرما شرعا ،ويكون
كسبه في هذه الحال كسبا محرما غير مشروع ،وعليه أن يقف عند الحد المباح ،وهو
منحصر في تلقيح بويضة زوجة بنطفة زوجها بإدخالها رحمها ،أو باستنباتها بعد
التلقيح في األنابيب إلى حين ،ثم تستدخل في رحم ذات الزوجة.2
()3
الموضوع الثاني :استئجار األرحام
من القضايا المعاصرة في الطب والخاصة بقسم النساء والتوليد قضية استئجار
األرحام ،واستئجار األرحام يكون غالبا للنساء اللواتي ال يستطعن الحمل واإلنجاب
لسبب طبي ،ولكن عندهن الرغبة في ذلك ،ولديهن بويضات صالحة ،ولهن أزواج
()3كتب هذا الموضوع األستاذ الدكتور أنس عبد الفتاح أبو شادي أستاذ الفقه المقارن ورئيس قسم
الدراسات اإلسالمية بكلية طب البنين بالقاهرة.
( ) 44
قادرون على تلقيح هذه البويضات خارجيا (عن طريق األنابيب) لتكوين بويضة ملقحة،
فهل يجوز وضع هذه البويضة الملقحة في رحم امرأة مستأجرة ،أو متطوعة لتحمله بدال
من الزوجة ،ثم تسلمه لها بعد الوالدة؟ هذه القضية أثارت جدال ،واختلف أهل العلم
المعاصرون فيها؛ فذهب األكثرون إلى منع استئجار األرحام ،وأنه غير جائز شرعا،
وهو رأي مجمع البحوث اإلسالمية باألزهر الشريف ،1وذهب البعض إلى إباحة
استئجار األرحام.
استئجار األرحام هو زرع بويضة من امرأة ملقحة بحيوان منوي من زوجها في
رحم امرأة أخرى حتى تلد ،مقابل مبلغ من المال ،أو دون مقابل مالي ،ألسباب متعددة،
قد يكون منها أن صاحبة البويضة ال يصلح رحمها للحمل ،أو ليس لها رحم مع وجود
المبيضين صالحين أو أحدهما إلفراز البويضات ،أو قد يكون لرغبة صاحبة البويضة
في أن تحافظ على صحتها ،أو على رشاقتها وجمالها ،أو لغير ذلك ،من دواع ودوافع،
وهذا ال يجوز شرًعا لعدة أمور :
األمر األول :عدم وجود زوجية بين صاحب الحيوان المنوي وصاحبة الرحم البديلة.
يشترط في جواز اإلنجاب بين رجل وامرأة ،أن يتم ذلك في ظل عقد زواج مستوف
لألركان والشروط ،التى بينتها الشريعة ،وهنا ال توجد صلة زوجية ،بين هذه األم البديلة
والرجل صاحب الحيوان المنوى ،فيكون حملها لبويضة األجنبية عنها ،الملقحة من زوج
المرأة حمالً غير مشروع.
وإذا تبين أنه البد من وجود زوجية حالة ،بين صاحب الحيوان المنوي وصاحبة
جنينا المرأة أخرى.
البويضة ،حتى يجوز التلقيح بينهما ،فال يجوز أن تحمل امرأة ً
1قرار مجمع البحوث اإلسالمية بمصر رقم ( )1بجلسته المنعقدة بتاريخ الخميس 29مارس
2001م.
( ) 45
األمر الثاني :وجود ارتباط شرعي بين حق النجاب من رحم معينة وجواز االستمتاع
الجنسي بصاحبة هذه الرحم.
من المعروف عند علماء الشريعة ،أنه يوجد أشياء قابلة للبذل واإلباحة للغير،
أي يجوز لصاحبها أن يعطيها ويبيحها لغيره عن طيب نفس ،مثل المأكوالت،
والمشروبات ،والمالبس ،والسيارات ،ونحو ذلك ،فهذه األشياء وما ماثلها قابلة للبذل
واإلباحة للغير ،ولهذا يجوز بيعها ،وإجارتها وإعارتها وهبتها ،والتصدق بها ،وغير ذلك.
وهناك أشياء غير قابلة للبذل واإلباحة للغير ،أي ال يجوز شرًعا أن تعطى
وتباح للغير ،مثل استمتاع الرجل بالمرأة ،فهو مقصور على الزوج ،فله وحده حق
االستمتاع بها ،وال يجوز للزوج أن يسمح ألحد به ،كما ال يجوز للمرأة نفسها أن تسمح
ألحد غير زوجها به.
وإذا كان االستمتاع الجنسي غير قابل للبذل واإلباحة ،فإن رحمها يكون هو
أيضا غير قابل للبذل واإلباحة من باب أولى؛ وذلك ألن االستمتاع ببضع المرأة حرمه
ً
الشرع على غير زوجها؛ ألنه يؤدى إلى شغل رحم هذه المرأة بالنطفة .فالرحم غير قابلة
1والدليل على أن كل من له حق االستمتاع بامرأة له حق شغل رحمها بالحمل منه ،أنه ال يجوز ألي
زوجة أن تمنع نفسها من الحمل دون موافقة زوجها ،فمن حقه أن ينجب منها ولو كانت رافضة
لذلك ،إال إذا كان رفضها بسبب أن الحمل يؤدى إلى اإلضرار بها .والدليل على أن كل من ليس له
حق االستمتاع الجنسي بامرأة ،ليس له حق شغل الرحم بالحمل منه ،أن الزاني بامرأة متزوجة ال
ينسب الولد إليه ،بل ينسب إلى زوج المرأة ،يؤيد هذا قول الرسول " الولد للفراش ،وللعاهر
الحجر" .البخاري .2053أي الولد ينسب لصاحب الفراش وهو الزوج.
( ) 46
للبذل واإلباحة لغير الزوج ،وإال ما اطمأن أحد إلى صحة انتساب أوالده إليه ،والزنا
محرم لهذا المعنى.
األمر الرابع :تحريم كل ما يؤدى إلى حدوث النزاع والخالف بين الناس:
حرم الشرع كل أمر يؤدي إلى حدوث الخالف والنزاع بين األفراد أو
الجماعات ،وقد ثبت أن رسول هللا نهى عن الغرر ،وتأجير األرحام سيؤدى في
الغالب إلى حدوث هذا النزاع بين المرأتين ،أيهما هي األم ،هل هي صاحبة البويضة
الملقحة ،أم هي التى حملت وولدت؟ وخاصة إذا كان للطفل حقوق مادية ،كالميراث،
ومن أهداف الشريعة اإلسالمية كما أشرنا ،سد األبواب التى تؤدى إلى حدوث النزاع
والخالف بين أفراد المجتمع ،فكل ما يؤدي إلى حدوث نزاع بين األفراد يكون غير جائز
شرًعا.1
وهذا النزاع والخالف بين األم البديلة والمرأة صاحبة البويضة الملقحة من زوجها ،وقع بالفعل ،فقد 1
استأجر زوجان أمريكيان امرأة أمريكية متزوجة ،لتقوم باستضافة البويضة الملقحة من الزوجين ،حتى
يكتمل نمو الجنين وتتم الوالدة ،مقابل أجر معين ،وتم بالفعل هذا العمل الطبي ،حتى حدثت الوالدة،
وكانت المفاجأة أن المولود طفل معاق ،ومصاب بنقص بالغ في حجم الدماغ ،بحيث إن من المؤكد
متخلفا عقليًّا ،وكان رد الفعل من زوج المرأة صاحبة البويضة أن رفض
ً أنه سيظل طوال حياته يعيش
مدعيا أنه ليس ًأبا لهذا الطفل
ً أيضا أن يدفع األجر المتفق عليه،
االعتراف بالطفل ،بل رفض ً
وص ِّعد األمر للقضاء فحكمت المحكمة بإثبات بنوة الطفل لزوج المرأة صاحبة البييضة ،بناء
المعاقُ ،
على التحاليل الطبية واختبار الجينات ،ومن المؤسف أن الزوجين أص ار على رفض استالم الطفل،
دار للحضانة ،وتحملت مصاريف إيوائه بدار الحضانة شركة من شركات التأمين.
وأودع في النهاية ًا
( ) 47
والدماء فإن الحكم معكوس؛ ألن األصل فيها التحريم ما لم يرد دليل يبيحها ،وهذا ال
يقتصر على الناحية الجنسية ،بل هو أعم ،فيشمل النظر ،واللمس ،والخلوة ،وغيرها ،وال
يباح شيء من هذا إال بدليل.
وإذا طبقنا هذه القاعدة في القضية التى نتكلم فيها ،وجدنا أنها تؤدى إلى تحريم
استخدام رحم امرأة غير زوجة لرجل ،لتضع في رحمها نطفته التى لقح بها زوجته؛ ألنه
ال يوجد دليل يبيح هذا العمل ،واألصل التحريم هنا ،إال ما قام الدليل على إباحته.
تحريم اإلنجاب بهذه الطريقة ،ال يمنع أن نبحث في نسب الطفل من حيث
األبوة واألمومة ،كما بحث العلماء في نسبة ولد الزنا.
من ناحية األبوة ينسب الطفل إلى زوج المرأة صاحبة البويضة المخصبة منه،
إذا كانت األم البديلة غير متزوجة ،وتثبت له كل الحقوق المترتبة على ثبوت النسب،
كالميراث ،وكذا تثبت له صالت القرابات.
وذلك تخريجا ما أفتى به فريق من العلماء من صحة نسبة ولد الزاني إلى
الزاني ،إذا كانت الزانية غير متزوجة ،فبعد أن أجمع العلماء على أنه إذا ولد طفل من
زوجين ،فادعاه آخر ال يجوز إلحاقه به؛ ألن الولد للفراش ،أما لو كان الطفل من زنا
على غير فراش ،أي بامرأة غير متزوجة ،فالجمهور يمنع إلحاق ولد الزنا في هذه
الصورة أيضا بالزاني ،وقال الحسن وإبراهيم النخعي وإسحاق وسليمان بن يسار يلحق،
واحتجوا بأن عمر كان يليط "أي يلحق" أوالد الجاهلية بمن ادعاهم في اإلسالم" .وعن
ثانيا :ألن البويضة الملقحة تحمل الصفات الوراثية لكل من الرجل والمرأة
الزوجين ،وال يغير رحم المرأة األخرى شيئا من هذه الصفات ،ألنه ليس إال وعاء لغذاء
الطفل ،ولهذا فالطفل الذي سيكون نتيجة تأجير الرحم ،هو ابن للزوجين اللذين أخذت
( ) 48
منهما البويضة الملقحة ،والمرأة صاحبة الرحم المستأجر أم للطفل من الرضاع وليس
من النسب ،وهذا يؤكد نسبة الطفل إلى زوج المرأة صاحبة البويضة.1
وقد ذهب األستاذ الدكتور عبد المعطي بيومي عميد كلية أصول الدين األسبق إلى
إباحة استئجار األرحام ،واستدل بما يلي:
-1عدم وجود الزنا أو شبهة الزنا ألن مفهوم الزنا شرعاً يقوم علي الوطء المحرم ،أما
ألن ما زرع في رحم األم البديلة
شبهة الزنا في الفعل أو الملك فهي غير موجودة أيضاً ّ
ليس منياً وحده حتي يكون هنا معني لما يمكن ان يؤديه الزنا.
-2المسألة كلها أشبه بالرضاع فكما يجوز تمليك منفعة الثدي وما يفرزه من لبن ينبت
اللحم وينشز العظم لدي الوليد فانه يجوز قياس الرحم علي الثدي في ما يفرزه من
امشاج تنبت اللحم وتنشز العظم لدي الجنين زمن الحمل ،لذلك فانه اذا جاز ذلك في
الثدي فانه يجوز في الرحم.
-3صاحبة البويضة هي األم الحقيقة ويجب أن ينص العقد علي ذلك ألنها هي
الشريكة األصلية للزوج في الصفات الوراثية أما ما استفاده الجنين من أمه الحاضنة أو
الحاملة ال تزيد علي كونها إضافات طارئة ،لهذا نطلق علي الحامل هنا األم الحاضنة
أو الحاملة قياسا علي تسمية األم المرضع بنص القرآن وأمهاتكم الالتي أرضعنكم.
-4االستناد الي قوله تعالي ان أمهاتهم إال الالئي ولدنهم وقوله تعالي وهللا اخرجكم
من بطون أمهاتكم وقوله ووصينا االنسان بوالديه حملته أمه وهناً علي وهن وقوله
مختصر من بحث :استئجار األرحام لألستاذ الدكتور محمد رأفت عثمان ،منشور بمجلة المسلم 1
ووصينا االنسان بوالديه احساناً حملته أمه كرها ووضعته كرها فهنا ال تعارض ما
ذهبت اليه.
وهذه األدلة قد تم الرد عليها في ثنايا الرأي األول المانع ،وهو الراجح لقوة أدلته
وسالمتها عن المعارضة .وهللا تعالى أعلم.
()1
الموضوع الثالث :اختيار جنس الجنين
يتمنى كثير من الناس ممن رزقهم هللا ذكو ار أن يرزقهم باإلناث ،ومن رزقهم
باإلناث يتمنون الذكور ،وكان الناس يتخذون من الوسائل من قديم ما يعتقدون أنه
يوصلهم إلى مبتغاهم ،وهي وسائل بدائية لم يثبت العلم جدواها في هذا الشأن ،واآلن
بعد أن استطاع العلماء أن يذللوا العقبات التي تقف في طريق االستجابة لرغبة الوالدين
في أن يكون الحمل أنثى أو ذكرا ،فما هو حكم هذا العمل الجديد في مجال االستفادة
مما أعطاه هللا للناس في علم الوراثة؟
هذا العمل يدخل في باب المباحات ،فال نعلم دليال يحرمه ،ويمكن االستناد في هذا
الحكم إلى األمور اآلتية:
األمر األول :القاعدة األصولية القاضية بأن األصل في األشياء النافعة اإلباحة ما لم
يرد حظر من الشرع ،ولم يوجد حظر في هذه القضية حتى يغير حكم األصل من
الحالل إلى الحرام.
األمر الثاني :أن اإلجماع قام على جواز الدعاء بأن يرزق اإلنسان بذكر أو أنثى،
ومعلوم أن كل ما جاز الدعاء به جاز فعله ،ألن من شروط الدعاء أن يسأل اإلنسان
ربه أم ار غير محرم.1
()1كتب هذا الموضوع األستاذ الدكتور أنس عبد الفتاح أبو شادي أستاذ الفقه المقارن ورئيس قسم
الدراسات اإلسالمية بكلية طب البنين بالقاهرة.
( ) 50
األمر الثالث :القياس على العزل ،وهو إلقاء نطفة الرجل خارج جسم المرأة في الجماع،
وهذا منع لإلنجاب من األصل ،فإذا كان يجوز منع اإلنجاب من أصله ،فإن اختيار
نوع من الحمل يكون هو اآلخر مباحا.2
حصر علم ما في األرحام في كونه ذك اًر أو أنثى ال دليل عليه؛ ألن المعنى
أعم وأشمل من ذلك ،فهو يتعلق بعلم ما في األرحام من ذكورة وأنوثة ،وصالح وفساد،
وحياة وموت ،وشقاء وسعادة ،وقوة وضعف ،وغيره مما ال يعلمه إال هللا ،فحصره في
الذكورة واألنوثة ال دليل عليه.
وقد كان في العرب من يعلم من حال األنثى نوع الجنين الذي تحمله ،ولم يكفر
ولم يفسق.4
1أ .د .محمد رأفت عثمان – عميد كلية الشريعة والقانون جامعة األزهر .راجع كتاب قضايا فقهية
معاصرة (.)124-123 /1
2المرجع السابق ،وقد أيد هذا الرأي مجمع البحوث اإلسالمية باألزهر بجلسته ،2008/3/27
والدكتور علي جمعة ،والشيخ نصر فريد واصل ،وغيرهم.
3مسلم .3629
4قال القرطبي رحمه هللا( :قال ابن العربي :وكذلك قول الطبيب :إذا كان الثدي األيمن مسود الحملة
فهو ذكر ،وإن كان في الثدي األيسر فهو أنثى ،وإن كانت المرأة تجد الجنب األيمن أثقل فالولد أنثى،
وادعى ذلك عادة ال واجباً في الخلقة لم يكفر ولم يفسق) أ .هـ.
( ) 51
الذهاب إلى الطبيب ـ للعالج من العقم ـ جائز شرعاً ،وهو من األخذ باألسباب
وال ينافي التوكل على هللا تعالى ،وهو من باب السعي في إنشاء جنين ،وال خالف في
جوازه ،فكذا تحديد جنسه جائز من باب أولى.
تحديد جنس المولود ليس من تغيير خلق هللا؛ ألنه لم يأت بخلق جديد ،ولم
يغير في خلق هللا شيئاً ،ألن الحيوان المنوي هو نفسه ،والبويضة هي ذاتها لم يط أر
عليهما أي تغيير في خلقتهما ،ومن المعلوم أن البويضة ال يخترقها إال حيوان منوي
واحد ،وغاية األمر أنهم فصلوا هذا الحيوان (مع تحديد نوعه) ولقحوا به البويضة.
وال يؤدي تحديد جنس المولود إلى اختالل التوازن البشري فيطغى نوع على
آخر ألن إباحة ذلك مقيدة بالحاجة ،وبأن تكون على مستوى األفراد ،وال تتبناها الدول
أو المنظمات.
ونحن إذ نقرر ذلك نقول :إن من احتاج إلى هذا وأمن عدم اختالط الحيوانات المنوية
الخاصة به بحيوانات غيره ،وكان ذلك بطريقة علمية مؤكدة ،وليس فيها ارتكاب محرم،
ولم ي ؤد لكشف العورة إال ضرورة ملحة ،مع توكله على هللا ،وعلمه أن كل شيء بأمره،
وأن ما يسعى إليه إنما هو سبب من األسباب إن شاء هللا أمضاه ،وإن شاء أبطله،
نقول يجوز لك ذلك ،ولكن الصبر على ما ابتاله هللا به ،والرضا بما قسم هللا له ،أفضل
من السعي في هذا السبيل .وهللا تعالى أعلم.
( ) 52
()1
الموضوع الرابع :نزع وسائل العاشة عن المرضى
يعيش اإلنسان في العصر الحديث في ظل تقدم علمي وحضاري متسارع،
يحيط بسائر نواحي الحياة وجوانبها ،وال يمر يوم على الناس إال وتبرز قضايا حديثة
تتطلب آراء وأحكاما شرعية وأخالقية تواكب هذا التسارع العلمي والتكنولوجي ،حتي
يسير الناس بطريقة متوازنة بين العلم والخلق ،وال يطغى أحدهما على اآلخر.
والطب ليس استثناء من ذلك ،بل هو من أكثر المجاالت تعرضا لهذه القضايا،
الرتباطه الشديد بحياة اإلنسان وراحته الجسمية والعقلية ،والتي هي هدف أساسي
للحضارة اإلنسانية الحديثة.
()1كتب هذا الموضوع األستاذ الدكتور أنس عبد الفتاح أبو شادي أستاذ الفقه المقارن ورئيس قسم
الدراسات اإلسالمية بكلية طب البنين بالقاهرة.
2سورة البقرة آية.195 :
( ) 53
أجمع المسلمون على تحريم االعتداء على النفس وتحريم القتل بغير حق،
واألصل فيه الكتاب والسنة واإلجماع.
وروى البخاري{ :لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما.}3
وعن عبد هللا بن عمرو رضي هللا عنهما أن رسول هللا قال{ :لزوال الدنيا أهون على
هللا من قتل رجل مسلم.}4
وعن عبد هللا بن عمر قال رأيت رسول هللا يطوف بالكعبة ويقول « َما
ظ َم ُح ْرَمتَ ِكَ ،و َّالِذى َنْف ُس ُم َح َّمٍد ِب َيِدِهَ ،ل ُح ْرَم ُة َع َ طيب ِريح ِك ،ما أَع َ ِ
ظ َمكَ ،وأ ْ َ ْ َ
أَ ْ ِ
ط َي َبكَ ،وأَ ْ َ َ
ظ َّن ِب ِه ِإالَّ َخ ْي ًار».5
َن َن ُ ِ ِ ِِ ِ ِ ظم ِعند َّ ِ
ّللا ُح ْرَم ًة م ْنكَ ،ماله َوَدمه َوأ ْ َع َ ُ ْ َ اْل ُم ْؤ ِم ِن أ ْ
سورة المائدة آية ،32وهذه اآلية تجعل قتل النفس الواحدة كقتل جميع الناس مبالغة في تعظيم 1
أمر القتل وتفخيما لشأنه :أي كما أن قتل جميع الناس أمر عظيم القبح عند كل أحد فكذلك قتل
الواحد يجب أن يكون كذلك ،ومن أحيا النفس أي بتخليصها من المهلكات كالحرق والغرق والجوع
المفرط والحر والبرد المفرطين .الزواجر .144/2
سورة النساء آية .93 2
ويمتد حق الحياة والحفاظ عليها في اإلسالم إلى األجنة في بطون أمهاتهم ،وقد جعلت
الشريعة االعتداء على الجنين مؤثما في اإلسالم ،ورتبت عقوبة مالية كبيرة على
المعتدي لصالح الجنين وورثته ،والجناية على الجنين تكون باالعتداء على أمه الحامل
به ،فإن ألقت الجنين ميتا ففيه غرة باإلجماع.1
قال هللا تعالىَ { :وَال حرمت الشريعة اإلسالمية االنتحار كما حرمت القتل؛
ِ ّللا َك َ ِ ِ
َنف َس ُك ْم } أي ال يما .} 2فقوله تعالىَ { :وَال
تَْقُتُلوا أ ُ ان ب ُك ْم َرح ً َنف َس ُك ْم ۚ إ َّن َّ َ
تَْقُتُلوا أ ُ
يقتل بعضكم بعضا ،أو المراد النهي عن قتل اإلنسان لنفسه حقيقة وهو الظاهر.3
طِن ِه في َن ِار وقال َ « :م َن َقَت َل َنْف َس ُه ِب َحِد َيد ٍة َف َحِد َيدتُ ُه في َيِدِه َيتََو َّجأُ ِب َها في َب ْ
يها أ ََبًدا َو َم ْن َش ِر َب َس ًّما َفَقَت َل َنْف َس ُه َف ُه َو َيتَ َح َّساهُ في َن ِار َج َهنَّ َم َخ ِالًدا َّ ِ ِ
َج َهَّن َم َخالًدا ُم َخلًدا ف َ
يها أ ََبًدا َو َم ْن تَ َرَّدى ِم ْن َجَب ٍل َفَقَت َل َنْف َس ُه َف ُه َو َيتَ َرَّدى في َن ِار َج َهنَّ َم َخالًِدا ُم َخَّلًدا َّ ِ
ُم َخلًدا ف َ
يها أ ََبًدا ».4 ِ
فَ
واالنتحار حرام باإلجماع ،ويعتبر من أكبر الكبائر بعد الشرك باهلل تعالى.
والسبب أن نفسه ليست ملكا له ،بل هي ملك خالقها جل شأنه .وهللا لم يأذن بهذا
الفعل ،بل حرمه تحريما شديدا وجعله من كبائر الذنوب واآلثام ،والمنتحر فاسق وباغ
على نفسه ،حتى قال بعض العلماء :ال يغسل وال يصلى عليه ،وقيل :ال تقبل توبته
للحديث أن امرأتين من هذيل اقتتلتا فرمت إحداهما األخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها، 1
فاختصموا إلى رسول هللا فقضى رسول هللا أن دية جنينها غرة عبد أو وليدة ،البخاري .3699
الدَي ِة ،وِهي َخم ٌس ِم ْن ِْ
اإلِب ِل .وتتعدد الغرة بتعدد ِ ِ ِ
ف ُع ْش ِر ّ َ َ ْ صُ يمتُ َها ن ْ
قال ابن قدامة :319/8اْل ُغَّرَة ق َ
األجنة ،وتجب مع الغرة الكفارة عند الشافعية والحنابلة ،وتندب الكفارة عند الحنفية والمالكية .المغني
،326/8مغني المحتاج ،375/5رد المحتار 590/6الفواكه الدواني .199/2
سورة النساء آية.30-29 : 2
تغليظا عليه .كما أن ظاهر الحديث السابق يدل على خلوده في النار ،وبهذا أخذ
بعض العلماء ،ألن الخلود في النار والحرمان من الجنة جزاء الكفار ،إال أن جماهير
العلماء لم يقولوا بكفر المنتحر؛ وسبب ذلك أن الكفر هو اإلنكار والجحود ،وصاحب
الكبيرة غير الشرك ليس بالضرورة منك ار وال جاحدا ،وقد صحت الروايات أن العصاة
من أهل التوحيد يعذبون ثم يخرجون من النار ،والنصوص الدالة على ذلك كثيرة ،وعلى
َن ُي ْش َر َك ِ أن غير الشرك ال يوجب التخليد في النار منها قوله تعالىِ { :إ َّن َّ
ّللاَ ال َي ْغف ُر أ ْ
اَّللِ َش ْيًئا َد َخ َل
ك ِب َّ
ُمتى الَ ُي ْش ِر ُ
ِب ِه } 1اآلية .وقوله عليه الصالة والسالم « :من مات ِمن أ َّ ِ
َْ َ َ ْ
اَّللِ
تش ِرُكوا ِب َّ اْل َجَّن َة َوإِ ْن َزَنى َوإِ ْن َس َر َق » .وفي الحديث :أنه بايعهم َعَلى « :أ ْ
2
َن الَ ْ
ون ُه َب ْي َن أ َْيِد ُ
يك ْم ان تَْفتَُر َ َش ْيًئا ،والَ تَ ْس ِرُقوا ،والَ تَ ْزُنوا ،والَ تَْقُتلُوا أ َْوالََد ُكم ،والَ تَأْتُوا ِبُب ْهتَ ٍ
ْ َ َ َ َ
اب ِم ْن َذلِ َك وفَ ،فمن وَفى ِمنكم َفأَجره عَلى َّ ِ وأَرجلِ ُكم ،والَ تَعصوا في معر ٍ
َص َ ّللاَ ،و َم ْن أ َ ْ ُ ْ ْ ُُ َ َْ َ َ ُْ َُْ ْ َ ْ ُ
ّللاَُ ،ف ُه َو ِإَلى اب ِم ْن َذلِ َك َش ْيًئا ثُ َّم َستَ َرهُ ََّص َ
َّ َش ْيًئا َف ُعوِق َب في ُّ
الد ْن َيا َف ُه َو َكف َارةٌ َل ُهَ ،و َم ْن أ َ
اء َعاَق َب ُه».3 َّ ِ ِ
اء َعَفا َع ْن ُهَ ،وِإ ْن َش َ
ّللا إ ْن َش َ
وقد صرح الفقهاء في أكثر من موضع بأن المنتحر ال يخرج عن اإلسالم،
ولهذا قالوا بغسله والصالة عليه ،والكافر ال يصلى عليه إجماعا .ومن قال من الفقهاء
ال يصلى عليه ،فذلك لزجره وتنفير الناس عن فعله ال لكفره.4
الدر المختار مع حاشيته رد المحتار ،211/2منح الجليل ،513/1المجموع للنووي ،230/5 4
ابن حزم في المحلى ،399/3ومما يدل داللة صريحة على أن المنتحر تحت المشيئة ،وليس
مقطوعا بخلوده في النار ،حديث جابر أنه قال {لما هاجر النبي إلى المدينة هاجر إليه الطفيل بن
عمرو ،وهاجر معه رجل من قومه فاجتووا المدينة ،فمرض فجزع ،فأخذ مشاقص ،فقطع بها براجمه
فشخبت يداه حتى مات ،فرآه الطفيل بن عمرو في منامه وهيئته حسنة ،ورآه مغطيا يديه ،فقال له :ما
صنع بك ربك؟ قال :غفر لي بهجرتي إلى نبيه فقال :مالي أراك مغطيا يديك؟ قال :قيل لي :لن
نصلح منك ما أفسدت ،فقصها الطفيل على رسول هللا فقال رسول هللا وليديه فاغفر .رواه مسلم
( ) 56
وسائل اإلعاشة تشمل بعض التجهيزات الحديثة التي تبقي األجهزة الحيوية في
جسم اإلنسان في حالة عمل بوسائل صناعية؛ كأجهزة التنفس الصناعي ،وضخ الدم
صناعيا ،وتشمل كذلك غسيل الدم عن طريق الكلى الصناعية ،وإدخال الغذاء والماء
باألنابيب عن طريق األنف أو الفم ،وأمثال ذلك.
ويحدث أحيانا أن يكون األمل في شفاء هؤالء المرضى معدوما؛ كالمرضى في
الغيبوبة المخية الذين أصيبوا بموت خاليا جذع المخ ،1أو بعض األطفال حديثي
الوالدة والمصابين بتشوهات وإعاقات ِخلقية خطيرة ،وهؤالء ال يستطيعون العيش إال
بوجود هذه األجهزة الصناعية.
ويقع السؤال عن حكم فصل هذه الوسائل الصناعية عن هؤالء المرضى وعما
إذا كان يعد قتال أو انتحا ار أم ال.
وأما العالج الحاسم فهو الذي يكون سببا في بقاء الحياة بشكل مؤكد؛ وهذا
واجب عند الجمهور؛ لوجوب حفظ النفس الذي هو من مقاصد الشريعة.
وذهب بعض العلماء إلى عدم وجوب العالج حتى لو كان حاسما كما تقدم.
.326وهذا كله يدل على أن المنتحر ال يخرج بذلك عن كونه مسلما ،لكنه ارتكب كبيرة فيسمي
فاسقا.
1جذع المخ هو المنطقة المنوط بها الوظائف الحياتية األساسية؛ كالتنفس والدورة الدموية والنظر
وغير ذلك من الوظائف الحيوية.
( ) 57
وبناء على ذلك فهل يجوز لإلنسان أن يمتنع عن وضع وسائل العاشة الصناعية؟
فمن رأى من الناس أن يمتنع عن العالج حتى لو أفاده األطباء أن هذا العالج
قطعي في إفادته ،ال نستطيع الجزم بأنه منتحر ،بل يسعه ذلك ،وال يعاقب لوجود
الخالف بين العلماء ،ولجواز أن يتبع المسلم أي رأي من آراء العلماء المختلفة بال
حرج.1
َّللاُ بِ ُك ْم ْاليُس َْر َو َال ي ُِري ُد بِ ُك ْم ْالعُس َْر } .البقرة .185 :ويقول تعالى { َو َما 1يقول هللا تعالى { :ي ُِري ُد ه
ِين ِم ْن َح َرجٍ } الحج .78 :ويقول {يَ ِس ُروا َوالَ ت ُ َع ِس ُرواَ ،وبَ ِش ُروا َوالَ تُن َِف ُروا}. َج َع َل َعلَ ْي ُك ْم فِي الد ِ
متفق عليه .ويقول { -بُ ِعثْتُ ِب ْال َحنِي ِفيه ِة الس ْهم َح ِة } .رواه أحمد .ويقول {إِنه َما بُ ِعثْت ُ ْم ُميَ ِس ِرينَ َ ،ول ْمَ
َّللا بَيْنَ أَ ْم َري ِْن سو ُل ه ِ ت َما ُخيِ َر َر ُشةَ قَالَ ْ ت ُ ْب َعثُوا ُمعَ ِس ِرين } رواه البخاري .والحديثَ { :ع ْن َعائِ َ
اس ِم ْنهُ } .متفق س َر ُه َما َما لَ ْم َي ُك ْن ِإثْ ًما فَإ ِ ْن َكانَ ِإثْ ًما َكانَ أَ ْب َع َد النه ِ
َار أ َ ْي َ أ َ َح ُد ُه َما أ َ ْي َ
س ُر ِمنَ اآلخ َِر ِإاله ْ
اخت َ
عليه.
( ) 58
ال توجد صعوبة في تشخيص الموت عندما يقع ،استنادا إلى ما تعارف عليه
الناس من قديم من عالمات ،أو اعتمادا على الكشف الطبي الظاهري الذي يبين غياب
العالمات التي تميز الحي من الميت.1
نص شرعي يحدد الموت بصورة واضحة ،وإال لكان قاطعا وينبغي أن يعلم أنه ال يوجد ّ
للنزاع ،ومنع اختالف الفقهاء في تحديده ،وما ورد من اجتهادات للفقهاء تمثل ما توفر
آنذاك من معرفة طبية في أمر طبي.
وموت جذع المخ يعتبر عند كثير من األطباء اآلن موتا كامال؛ ألن منطقة
جذع المخ هي المنوط بها الوظائف الحياتية األساسية في اإلنسان ،والتي ال يمكنه أن
يعيش بدونها ،وعند وفاة خاليا المخ ال يمكن أن تعود للحياة مرة أخرى ألن الخاليا
العصبية ال تتجدد كبقية خاليا الجسم األخرى .وموت جذع المخ يمكن تشخيصه بدقة،
ويستطيع األطباء إصدار تشخيص يطمأن إليه بموت جذع المخ.
والعلم الطبي المتوفر اآلن يمكنه أن يستبدل أي عضو يتلف أو جزء منه ،ما
دام جذع المخ حيا ،أما إن كان جذع المخ قد مات فال أمل في إنقاذه هو أو غيره من
األعضاء ،وإنما تكون حياة المريض قد انتهت ،ولو ظلت في أجهزة الجسم األخرى بقية
من حركة أو حياة فهي بال شك بعد موت جذع المخ صائرة إلى توقف وخمود تام.
وتأسيسا على ذلك فاإلنسان الذي يصل إلى مرحلة موت جذع المخ يعتبره
أكثر األطباء قد مات ،وإن كان جسمه ال يزال به حركة ،ألن هذه الحركة تكون من
تأثير األجهزة الصناعية المركبة به ال من أعضائه أصالة ،والدليل على ذلك أن
1وقد ورد في كتب التراث الفقهي بعض األمارات التي تدل على الموت :جاء في الدر المختار:
غ ْي ِه .وفي مختصر خليل للخرشي: ص ْد َ
اف ُ س َُو َع َال َمتُهُ ا ْستِ ْرخَا ُء قَ َد َم ْي ِهَ ،وا ْع ِو َجا ُج َم ْنخ َِر ِه َوا ْن ِخ َ
سقُو ُ
ط قَ َد َم ْي ِه فَالَ ان َو ُ َ َ ْ َ َ
شفت ْي ِه فال يَنطبِق ِ َ َ ْ
ص ِر ِه َوان ِف َرا ُج َ ع نَفَ ِس ِه َوإِحْ َدا ُد بَ َ ت أ َ ْربَع :ا ْن ِق َ
طا ُ َو َع َال َماتُ ْال َم ْو ِ
َ
انَ ،وأ ْن تَ ْنفَ ِر َج زَ ْن َدا يَ َد ْي ِه ،وقال في َص َب ِ ي قَ َد َماهَُ ،و َال ت َ ْنت ِ َ
ان ،ويقول الشافعي في األم :أ ْن ت َ ْست َْر ِخ َ يَ ْنت ِ
َصبَ ِ
َاء ِرجْ لَ ْي ِه رد المحتار خ ر ت س ا و ، ه يف َ
ك ل ا ص
َْ ِ ِ َ ِ ُ ِ َ َ ِ ِِ َ ِ َ ِ ِ ِ َ ِْْ ِ فنْ ا و ، ه فنْ َ أ ل ي
ْ مو ، ه ي
ْ َ
غ دْ ص اف س خ ْ
ن ا ب ُ هُ ت وم ِنَُق يُ ت ا َ ذ اإلنصاف:إ
على الدر المختار ،189/2مختصر خليل للخرشي ،122/2اإلنصاف .467/2
( ) 59
األجهزة لو توقفت توقف الجسم فو ار مما يدل على أن الحركة إنما هي من األجهزة
وليست من الجسم.
وهذا له أصل في الفقه في المصاب الذي وصل إلى حركة المذبوح ،1فهذه مع
كونها حركة ظاهرة بالجسم إال أنها لم يعتد بها شرعا ألنها حركة ال تصدر من العضو
أصالة وإنما هي رد فعل إنعكاسي لعملية الذبح ،ومن المعلوم أن الحيوان بعد الذبح
وقطع األوردة والشرايين الرئيسة مع مجاري الطعام والهواء ال بقاء له وال حياة ،كذلك بل
هو أولى؛ وفاة جذع المخ ،ال بقاء للحيوان بعدها وال حياة.
وإذا تصور الخيال أن األوعية المقطوعة بالذبح يمكن وصلها في الحيوان المذبوح
ويبقى على قيد الحياة ،فإن ذلك ال يمكن تصوره في حالة وفاة جذع المخ أصال؛ ألنها
إذا ماتت ال توصل وال تعوض وال تستبدل ،طبقا للمعلومات الطبية المعروفة حتى
اآلن ،2إال أنه يتجه احتياطا ،ونظ ار لما في هذا الموضوع من الخالف ،أال تطبق بقية
أحكام الموت على من مات له جذع المخ حتى تتوقف األجهزة الرئيسة تماما؛ فينتظر
به حتى تتوقف األعضاء كلها عن الحركة ،ولكن ال مانع كما تقدم من نزع أجهزة
اإلعاشة عنه ألنها في حالة وفاة جذع المخ بال فائدة ،فال مانع من نزعها ،ولكن ال
يجوز التدخل الفعال إلنهاء حياته ،وال نزع أعضائه حتى تتيقن وفاته ،تكريما لبني آدم،
قال تعالى{ :ولقد كرمنا بني آدم} اإلسراء .70
1قال النووي في المجموع( :فَ ْرع) فِي َمذَا ِهبِ ِه ْم فِي ْال ُم ْن َخنِقَ ِة َو ْال َم ْوقُوذَةِ َو ْال ُمت ََر ِديَ ِة َوالنه ِطي َح ِةَ ،و َما أَ َك َل
ص َحا ِبنَا :لَ َها ثَ َالثَةُ أَحْ َوا ٍل( :أ َ َح ُدهَا) أ َ ْن يُد ِْر َك َها َولَ ْم ي ِم ْن أ َ ْ اح َدة ِم ْن َهؤ َُال ِء قَا َل ْال َع ْب َد ِر ُّ سبُ ُع إذَا ذُ ِك َي ْ
ت َو ِ ال ه
ور. ْ
ف َوال ُج ْم ُه ُ س َ َ ْ ُ ه
يَبْقَ فِي َها إال َح َركَة َمذبُوحٍ فَ َه ِذ ِه َال ت َِح ُّل ِع ْن َدنَاَ ،وبِ ِه قَا َل َما ِلك َوأبُو يُو ُ
2وقد ذهب كثير من األطباء إلي أن وفاة جذع المخ تعتبر موتا حقيقيا في غالبية دول العالم ،بينما
تعترض مدرسة طبية أخري علي هذا الرأي ،ورأى فضيلة اإلمام الشيخ جاد الحق علي جاد الحق
شيخ األزهر السابق ،أن الموت ال يكون إال بتوقف جميع مظاهر الحياة عنه ،يقول":وفى نطاق هذا
يجوز اعتبار اإلنسان ميتا متى زالت مظاهر الحياة منه ،وبدت هذه العالماة الجسدية ،وليس ما يمنع
من استعمال أدوات طبية للتحقق من موت الجهاز العصبى ،لكن ليس هذا وحده آية الموت بمعنى
زوال الحياة بل إن استمرار التنفس وعمل القلب والنبض وكل أولئك دليل على الحياة ،وإن دلت
األجهزة الطبية على فقدان الجهاز العصبى لخواصه الوظيفية ،فإن اإلنسان ال يعتبر ميتا بتوقف
الحياة فى بعض أجزائه ،بل يعتبر كذلك شرعا وتترتب آثار الوفاة من تحقق موته كلية فال يبقى فيه
حياة ما ،ألن الموت زوال الحياة" .فتاوى دار اإلفتاء المصرية.
( ) 60
()1
الموضوع الخامس :التحول الجنسي
جنس اإلنسان ينقسم إما إلى ذكر وأما إلى أنثى ،والناس ال يشتبهون في الفرق بينهما
منذ آالف السنين ،إال بقدر ما يكون هناك من خروج عن القاعدة ،واستثناء وشذوذ في
الخلقة اإلنسانية ،يتمثل في البشر الذين يولدون بجنس مضطرب ،ال تعرف حقيقته ،في
استثناءات نادرة عرفتها البشرية دوما ،ربما كانت حكمتها ،أن نشكر هللا على نعمته علينا
بالخلق السوي.
والواحد من هؤالء يطلق عليه عند الفقهاء (الخنثى )2وعند األطباء كذلك( :الخنثى) أو
(اإلنترسكشوال .)Intersexual -
()1كتب هذا الموضوع األستاذ الدكتور أنس عبد الفتاح أبو شادي أستاذ الفقه المقارن ورئيس قسم
الدراسات اإلسالمية بكلية طب البنين بالقاهرة.
اء َج ِميعًا ،والمقصود
س ِص ِلذَك ٍَر َوالَ أ ُ ْنثَى ،أَ ِو الهذِي لَهُ َما ِل ِلر َجال َوالنِ َ
ْ 2ال ُخ ْنثَى فِي اللُّغَ ِة :الهذِي الَ يَ ْخلُ ُ
بالمشكل الذي لم تمكن معرفة حاله هل هو ذكر أو أنثى فأشكل أمره ,وغير المشكل هو الذي رجحت
ذكورته أو أنوثته ،لسان العرب ،145/2تاج العروس .1253/1
( ) 61
غير مسموح على المستوى الطبي ،وال على المستوى الديني ،في أغلب الدول
العربية واإلسالمية بإجراء عمليات تغيير الجنس ،نظ ار لتعارض ذلك مع لوائح النقابات
الطبية ،وفتاوى غالبية العلماء ،ونظ ار لما تحمله تلك العمليات من مشكالت كبيرة ،على
المستوى الفردي واالجتماعي ،قد ال يقدرها المصابون بهذا المرض في غمرة حماسهم
إلجراء عمليات التحول ،فقد ثبت من دراسات عديدة أن إجراء عمليات التحول ال ينهى
المشكلة ،بل يظل الشخص في دوامة من المتاعب النفسية واالجتماعية ،حتى في
المجتمعات التي تقبل إجراء مثل هذه العمليات ،هذا فضال عن التشويه الجراحي البالغ
في األجهزة التناسلية ،وفي الجسد عموما ،والذي يجعل الشخص غير قادر على الحياة
الطبيعية التي يتمناها ،ولهذا ال تقل نسب االضطرابات النفسية واالنتحار كثي ار في
األشخاص الذين أجريت لهم عمليات التحول الجنسي ،كما سيأتي بيانه مفصال.
وال يوجد في الوقت الحالي عالجات دوائية أو نفسية يصفها الطبيب لحاالت
اضطراب الهوية الجنسية فتشفى وتكف عن طلب التحول ،ولكن العالج يمكن أن يساعد
الشخص في مواجهة مشكالته النفسية واالجتماعية وأن يحاول التكيف مع ظروفه،
ويمارس نشاطات حياتية شبه طبيعية حتى ال يظل أسي ار لكراهية جنسه ولرغبته الملحة
في التحول.
ليس للفقهاء األقدمين في هذه المسألة كالم ،ألن اإلجراءات الطبية للتحول
الجنسي لم تكن معروفة لهم ،وال موجودة في زمانهم ،وأما الفقهاء المعاصرون فقد اختلفوا
في حكم هذه المسألة على قولين:
ال يجوز عمل إجراء طبي لتحويل الرجل إلى امرأة أو العكس ،إال إن كان
المقصود منها إبراز عضو خلقى مطمور ،وال يجوز ذلك لمجرد الرغبة في التغيير
فحسب ،بهذا أفتى شيخ األزهر األسبق :جاد الحق على جاد الحق في معرض بيان حكم
( ) 62
إجراء العمليات الجراحية لتحويل الجنس .1والفتوى ال تجيز جراحة التحول الجنسي
لمجرد الدوافع النفسية ،دون دواع جسدية صريحة ،وعلى هذا النمط بقية فتاوى الفقهاء
المعاصرين.2
قالوا :يجوز اتخاذ اإلجراءات العالجية (بما فيها الجراحية) لتحويل الرجل المرأة أو
العكس ،إذا وجد انفصام حاد بين النفس والجسم ،وتناقض يعاني منه المريض ،بين
النفسية إنهاء هذا
ّ الهويتين الجنسيتين لجسمه ولنفسه ،وتع ّذر عن طريق المعالجة
االنفصام والتناقض ،فحينئذ تجوز اإلجراءات العالجية لتحويله للجنس اآلخر ،انتهاء
التكيف بين النفس والجسم،
(للتحول الجنسي) ،وذلك بهدف إعادة ّ
ّ عملية جراحية
ّ بإجراء
األطباء والعلماء ،وبهذا أفتى الشيخ
ّ الجسدية عند
ّ النفسية و
ّ الصحة
ّ والذي هو أساس
فيصل مولوي ،وآخرون.
أدلة الفريقين:
األول -النص على لعن المخنثين من الرجال ،والمترجالت من النساء ،وكذلك لعن
المتشبهات بالرجال ،والمتشبهين بالنساء:
اء ِ ِ ِ ِ
النس ِ النِب ُّى اْلم َخنَِّث َ ِ ِ ِ
ال َل َع َن َّ َع ِن ْاب ِن َعب ٍ
ين م َن ا ّلر َجالَ ،واْل ُمتَ َرّجالَت م َن ّ َ ُ َّاس َق َ
وه ْم ِم ْن ُبُيوِت ُك ْم ».3
َخ ِرُج ُ
ال « أ ْ
َوَق َ
فتاوى دار اإلفتاء المصرية ،الموضوع ( )1288جراحة تحويل الرجل إلى امرأة وبالعكس جائزة 1
قرار المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم اإلسالمي في بيان حكم الشارع في عمليات التحويل 2
والمخنث :رجل مكتمل الرجولة جسميا ،ولكنه يتعاطى أفعال النساء ويتشبه
بهن ،والعكس في المترجلة من النساء.
الرج ِ ات ِم َن ِّ ِ ِ
َّاس ع ِن النَِّب ِى أََّنه َلعن اْلمتَ َشِبه ِ
وفي سنن أبي داود َع ِن ْاب ِن َعب ٍ َ
ال الن َساء ب ِّ َ ُ َ َ ُ َّ ّ
واْلمتَ َشِب ِهين ِمن ِ ِ ِ ِ
النس ِ
اء.1 الر َجال ب ّ َ
َ ُ ّ َ َ ّ
وجه الداللة من هذه النصوص:
ولو كان التخنث أو رغبة التحول للجنس اآلخر خلقة أو مرضا؛ فإنه ال يالم ،إال أنه
يكلف بمقاومة هذه المشاعر المريضة ،وإزالة هذه العيوب.2
والمرض له أثر في تخفيف الواجبات أو سقوطها للعجز وعدم االستطاعة ،ولكن ليس له
أثر في استباحة المعاصي التي له قدرة على االمتناع عنها؛ واالمتناع عن التشبه
بالجنس اآلخر ،أو التحول إليه ،من الواجبات التي افترضها هللا على العباد ،قال تعالى:
ّللا ِب ِه بعض ُكم عَلى بع ٍ ِ ِ ِ
صيب ِم َّما ا ْكتَسبوا ۖ ولِ ِلنس ِ
اء َُ َ َّ ض ل ِّلر َجال َن ٌ ض َل َّ ُ َ ْ َ ْ َ ٰ َ ْ {وَال تَتَ َمَّن ْوا َما َف َّ
َ
ٍ ِ ّللا َك َ ِ ِ ّللا ِم ْن َف ْ ِ ِ ِ ص ِ ِ
يما} النساء ،32 ان ب ُك ّل َش ْيء َعل ً ضله ۗ إ َّن َّ َ اسأَلُوا َّ َ
يب م َّما ا ْكتَ َس ْب َن َو ْ َن ٌ
فيجب االلتزام بها على المريض الذي له قدرة عليها ،ألنها حكم من األحكام ،وحق من
حقوق هللا تعالى ،ال يسقط بالمرض.
ومن هذا يعلم أن الرجل المكتمل الرجولة ،إذا وجد من نفسه شعو ار أنه من
النساء ،أو المرأة المكتملة األنوثة ،إذا وجدت من نفسها شعو ار أنها من الرجال ،أنهم
مطالبون بمقاومة هذا الشعور ودفعه ،ومجاهدة النفس على التكيف مع الجسد الذي خلقوا
به ،طالما كان ذلك مقدو ار لهم ،وال يستجاب لطلبهم بتغيير الجسد ليتكيف مع النفس،
ألن ذلك محرم.
( ) 65
الدليل الثاني للمانعين -أنه تغيير لخلق هللا ،وقد حرم هللا هذا التغيير:
التحول للجنس اآلخر لن يقضي على معاناة المتحولين ،ولن يتمتعوا بالراحة،
ولن تكون لهم عالقات مستقرة مع شريك للحياة ،والرجل المتحول لن يكون امرأة كاملة
األنوثة أبدا ،بحيث تحمل وتضع وترضع ،والمرأة المتحولة لن تكون رجالً كامال أبدا ،بل
سيكونون مسوخا مشوهة ،وكلهم سيصاب بعد التحول بالعقم الدائم ،دع عنك الضرر
البالغ ،والتشوهات التي تصيب الجسم البشري ،في حالة إجراء عملية جراحية لتحويل
1البخاري .5931
2البخاري .5886
3سنن أبي داود .4099
( ) 66
الجنس ،وهو ضرر جسيم ،فوائده غير محققة ،وأض ارره مؤكدة بنسبة مائة بالمائة ،وال
يمكن الرجوع فيها أبدا.1
هذه هي األضرار التي تقع على المتحول للجنس لآلخر ،فما هي الفوائد التي
يجنيها من هذا التحول؟
قد يحدث إصالح للمشاعر النفسية واألحاسيس الداخلية لإلنسان ،والتي تسبب
األلم الشديد الذي يصل إلى حد المرض ،من شعور اإلنسان باالنتماء لجنس مغاير ،وقد
ذكر األطباء أن حالة التردد واالضطراب الجنسي بعد العالج ربما تستمر ،وعليهم
المتابعة مع العالج النفسي.
بل إن العلماء ذكروا أن معدالت االنتحار التي تزيد في هذا المرض ،قد تظل
على حالها بعد عالج تحويل الجنس ،ما لم تتم إجراءات عالجية أخرى لضبط المريض،
حتى ال ينتحر بعد التحول الجنسي ،من الصدمة التي تحدث لكثير من هؤالء المرضى؛
أنهم لم يجدوا الراحة التي كانوا ينتظرونها ،وأن األضرار التي حدثت فادحة ،وال سبيل
لتداركها ،وأن الفوائد قليلة ،ومشاعر القلق واالضطراب على حالها.
والخالصة أن فوائد عالج التحول الجنسي غير محققة ،ومحل شك ،وهي في هذا تتراوح
بين الظن والوهم.
فمثال :التحول من أنثى إلى ذكر يتطلب إزالة الرحم والمهبل ،وإزالة الثديين ،وتركيب ما يشبه 1
العضو الذكرى الصناعي ،الذي ينتصب بمنفاخ أو ببطارية تزرع في أعلى الفخذ ،وتناول هرمونات
ذكرية لتغيير شكل الجسم والعضالت ،ولتغيير نغمة الصوت ،وهى أشياء وتغييرات جذرية في تركيب
الجسم ،ال يمكن استدراكها أو استعادتها بعد ذلك ،كما أن ذلك ال يمكن الفتاة المتحولة من أن تمارس
الدور الجنسي الطبيعي للذكر.
( ) 67
فوائد عالج التحول الجنسي (رفع المعاناة عن المرضى) غير محققة ،ومحل
شك ،فهي قد تتحقق أو ال تتحقق ،والمعاناة قد تستمر مع المرضى بعد العالج ،وفوائد
العالج تتراوح بين الظن والوهم.
الضرر الواقع من عالج التحول الجنسي ضرر واقع وحقيقي وال سبيل لتجنبه،
ويتمثل في تشويه الجسم ،وتعطيل وظائفه( ،العقم الدائم) ،وعدم القدرة على األداء
الجنسي الطبيعي ،بخالف االحتماالت الكبيرة لعدم الشفاء من المعاناة النفسية األساسية.
فعلى ذلك ترك عالج التحول الجنسي أفضل من مباشرته ،تجنبا ألض ارره
البالغة التي تفوق فوائده ،وألن معاناة االضطراب النفسي ،أقل من معاناة تشوه الجسم
والعقم والعجز الجنسي ،مع أن المعاناة األصلية قد ال تزول.
الدليل الرابع للمانعين -أنه سد لذرائع الفساد واالنحالل؛ وذلك لخطورة هذا
لهذه السلوك على النسيج االجتماعي واألخالقي لألمم ،ومعلوم أن فتح الباب
السلوكيات ،يؤدي إلى انتشارها ،حتى بين األصحاء من السفهاء ،الذين يستهويهم حب
الشهرة والتقليد ،وحب كل جديد ولو كان ضا ار بهم ،واتباع األهواء والشهوات والنزوات
الضارة بالمجتمع.
أوالا :أن فعل المحرمات يجوز للضرورة( ،الضرورات تبيح المحظورات) ،وأنّه قد ثبت
حاد في
مرضية عند بعض الناس تتمثل في انفصام ّ ّ األطباء وجود حالة
ّ برأي جمهور
تشتد بحيث تصبح حياة
أن هذه الحالة قد ّ جنسية ،وتناقض بين النفس والجسم ،و ّ
الحالة ال ّ
كل وسائل العالج النفسي ،وال يبقى أمام
يفكر باالنتحار ،وقد تفشل ّ
صاحبها جحيماً ،وقد ّ
الطبيب إالّ إجراء اإلجراءات العالجية (بما فيها الجراحية) للتحويل للجنس اآلخر.
أوال -أن نسب االنتحار من هذا المرض نادرة ،واألحكام الشرعية تبنى على الغالب
وليس على النادر ،وهذه النسبة في مصر هي دون ( ،)% 0.1وهي تعنى أن الضرر
المتوقع من االنتحار ضرر موهوم ،والموهومات ال تعتبر في األحكام ،وال تعد ضرو ارت،
تباح من أجلها المحظورات.
ثانيا -ألن الضرورة :بلوغ اإلنسان حدا؛ إن لم يتناول الممنوع هلك أو قارب (الضرورة
الملجئة) ،كالمضطر لألكل واللبس ،بحيث لو بقي جائعا أو عريانا لمات أو تلف منه
عضو ،وهذا يبيح تناول المحرم ،والذي يعانيه مرضي اضطراب الهوية الجنسية هو األلم
النفسي من اضطراب الهوية ،واأللم النفسي ليس من الضرورات ،ولكنه من الحاجات،
والحاجات ال تباح
العوامل الخمسة األولى هي معالم الجسم اإلنساني الظاهرة والثابتة والمحددة للجنس عند
الرجال والنساء ،وهي قطعية في داللتها على الجنس.
هذه العوامل إما أنها ال يمكن تغييرها أبدا؛ كالكرموسومات ،وإما أنها ال يمكن
تغييرها إال بانتهاك شديد للجسد ،وتغيير في تركيبته ،ومجازفة ومقامرة بجسم اإلنسان
وبحياته كلها ،كما في تغيير بقية العوامل.
العامل النفسي ،هو العامل الوحيد الذي هو ظني في داللته على الجنس؛
ويقبل التغيير تبعا للبيئة والثقافة والعالج النفسي ،وغير ذلك.
وال يمكن إهدار الظاهر ،والثوابت القطعية المحددة لنوع الجنس البشري،
والتراكيب الجسمية الواضحة ،التي ال تقبل التغيير ،والتي تعامل على أساسها اإلنسان،
مع أسرته ،وفي مجتمعه سنين طواال ،لصالح المشاعر النفسية المضطربة ،والقابلة
للتغيير ،والواجب أن نحكم بالهوية الجنسية التي يدل عليها تركيب الجسم الظاهر ،وليس
مكنونات النفس ،وخفيات الضمائر ،وبناء أحكام الدنيا في اإلسالم إنما يكون على
الظاهر ،وقد أجمع على هذا العلماء ،ودلت عليه نصوص شرعية كثيرة.1
وألن في إثبات الذكورة واألنوثة بادعاءات الناس ،وليس بالظاهر ،فساد الدنيا،
وخراب المجتمعات ،واختالط أحكام العورات والميراث وغيرها؛ بادعاءات الرجال أنهم
نساء ،أو ادعاءات النساء أنهن رجال؛ كمن يريد أن يطلع على عورات النساء ،أو من
تريد زيادة نصيبها في الميراث ،وهكذا ،وال يحتاج إال لدعوى يدعيها ،ويرفض العالج
النفسي ،فيتحقق ما يريد.
الدنيا على
أن أحكام ّ
البر رحمه هللا اتّفاق العلماء على ذلك فقال ":وقد أجمعوا ّ
وقد نقل ابن عبد ّ
1
الترجيح:
الراجح فيما تقدم قول الجمهور ،الذين ذهبوا لعدم جواز اتخاذ إجراءات طبية
لتحويل الناس إلى الجنس اآلخر ،لألسباب النفسية فقط ،ولكن تجرى هذه اإلجراءات
فقط في حالة االلتباس الجنسي؛ كازدواج األعضاء الجنسية (وجود أعضاء الذكورة
واألنوثة جميعا) ،أو انعدامها ،أو اختالطها ،وبشرط أن يكون الجنس المحول إليه موافقا،
للتركيب الجسدي لجنس اإلنسان ،ومتماشيا مع العوامل الجسدية لتحديد الهوية الجنسية
فيه ،والسابق بيانها ،وهي :المكون الجيني للجنس والنوع (الصبغيات أو
الكروموسومات) ،والغدد ،واألعضاء التناسلية الظاهرة والباطنة ،والهرمونات ،والشكل
الخارجي الظاهري.
وذلك لقوة األدلة الشرعية التي استدلوا بها ،وضعف اإلجابات التي أوردت
عليها ،بل وتهافتها .وباهلل تعالى التوفيق.
()1
الموضوع السادس :التصحيح الجنسي
التصحيح الجنسي يختلف عن التحول الجنسي الذي تقدم بيانه؛ فالتصحيح
الجنسي يكون للخنثى ،والخنثى هو" :اإلنسان المصاب بازدواج األعضاء الجنسية،
الذكرية واألنثوية أو فقدها".
والخنثى يختلف عن المخنث بكسر النون وفتحها والكسر أفصح ،والفتح أشهر،
وهو الذي خلقه خلق النساء ،في حركاته وهيئته وكالمه ونحو ذلك ،2وهو ضربان:
()1كتب هذا الموضوع األستاذ الدكتور أنس عبد الفتاح أبو شادي أستاذ الفقه المقارن ورئيس قسم
الدراسات اإلسالمية بكلية طب البنين بالقاهرة.
2في حاشية رد المحتار :238/4المخنث :هو من خلقه خلق النساء في حركاته وسكنانه وهيئاته
وكالمه ،فإن كان خلقة فال ذم فيه ،ومن يتكلفه فهو المذموم ،وفي نهاية المحتاج :289/28
يث ِبَل ْعِن ِه ،أَ َّما َم ْن َيْف َع ُل َذلِ َك
النس ِاء حرَك ًة وهيَئ ًة ،وعَلي ِه حمل ْاألَح ِاد ِ
ِ َّ ِ
اْل ُم َخَّنثُ ..:ه َو َم ْن َيتَ َخل ُق ِب ُخُل ِق ّ َ َ َ َ َ ْ َ َ ْ َ ْ ُ َ
( ) 71
أحدهما :من يكون ذلك خلقة له ال يتكلفه ،وال صنع له فيه ،فهذا ال إثم عليه وال ذم وال
عيب ،إذ ال فعل له وال كسب.
والثاني :من يتكلف ذلك وليس هو بخلقة فيه ،فهذا هو المذموم اآلثم الذي جاءت
األحاديث بلعنه.1
الخنثى غير المشكل (الواضح) :هو من له فرج النساء وذكر الرجال ،ولكن
تتضح فيه عالمات الذكورة واألنوثة ،فيعرف أنه رجل أو امرأة ،وهذا يكون حكمه على ما
ظهرت فيه من عالمات الذكورة أو األنوثة.
الخنثى المشكل:
هو من له فرج النساء وذكر الرجال ،ولكن ال تتضح فيه عالمات الذكورة أو
األنوثة ،وال يعرف أنه رجل أو امرأة ،أو هو الذي تعارضت فيه العالمات.2
ال توجد مشكلة شرعية وال طبية وال قانونية في تصحيح الخنثى ،ولم يختلف
الفقهاء المعاصرون في جواز تصحيح الخنثى ،عن طريق اإلجراءات الطبية المختلفة
التي ترده إلى الجنس الحقيقي الذي ينتمي إليه ،والذي ثبت شرعيا أو طبيا .بهذا أفتى
شيخ األزهر األسبق :الشيخ جاد الحق على جاد الحق في معرض بيان حكم الشريعة
اإلسالمية في إجراء العمليات الجراحية لتحويل الجنس ،1وعلى هذا النمط بقية فتاوى
الَّ : َن رسول َّ ِ الفقهاء المعاصرين .2دليل ذلك :أوال -روى أَبو َّ ِ
ّللاَ
{إن َّ ّللا َ ق َ الد ْرَداء أ َّ َ ُ َ ََ ُ
ام َة ْب ِن 3 ِ ِ ِ ٍ َّ َّ
ُس َ
اء َفتََد َاوْوا َوَال تََد َاوْوا باْل َح َار ِم }َ .و َع ْن أ َ
اءَ ،و َج َع َل ل ُك ّل َداء َد َو ً
اء َوالد َو َ
تَ َعاَلى أ َْن َزَل الد َ
ّللا َلم يضع َد َّ ِ ٍ
اء َغ ْي َر اْل َه َرِم .}4وقد ض َع َل ُه َد َو ً اء إال َو َ ال {قال :تََد َاوْوا َفإ َّن َّ َ ْ َ َ ْ ً َش ِريك َق َ
اتفق الفقهاء على مشروعية التداوي في الجملة.5
ووجه الداللة :أن الحديثين السابقين أمر بالتداوي ،والخنثى مريض يحتاج للتداوي،
ومرضه من األمراض التي يمكن عالجها بإجراء جراحة يتم فيها إزالة المرض وشفاء
المريض ،فيكون هذا التداوي جائزا.
الدكتور نصر فريد واصل ،والدكتور محمد رأفت عثمان http://www.fatawah.net ،ودار 1
اإلفتاء المصرية ،الموضوع ( )1288جراحة تحويل الرجل إلى امرأة وبالعكس جائزة للضرورة.
المفتى :فضيلة الشيخ جاد الحق على جاد الحق 27 .يونية 1981م .وقد تقدمت الفتوى كاملة
وفيها :إجازة إجراء جراحة يتحول بها الرجل إلى امرأة ،أو المرأة إلى رجل متى انتهى رأى الطبيب
الثقة إلى وجود الدواعى الخلقية فى ذات الجسد بعالمات األنوثة المطمورة ،أو عالمات الرجولة
المغمورة ،باعتبار هذه الجراحة مظهرة لألعضاء المطمورة أو المغمورة تداويا من علة جسدية -ال
تزول إال بهذه الجراحة.
المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم اإلسالمي في بيان حكم الشارع في عمليات التحويل الجنسي " 2
ثالثا -تغيير خلق هللا في هذه الجراحة مشروع؛ ألنه للعالج وإزالة التشوه ،وبيان الجنس
الحقيقي الذي ينتمي إليه ،وتغيير خلق هللا لهذه األغراض جائز.
ِ ِ ِ ِ
النس ِ ين ِم َن ِ ِ ِ
اء الر َجالَ ،واْل ُمتَ َرّجالَت م َن ّ َ ّ ال َل َع َن النَِّب ُّى اْل ُم َخَّنث َ ابعاَ -ع ِن ْاب ِن َعب ٍ
َّاس َق َ را
َخ َرَج النَِّب ُّى ُ فالًَناَ ،وأ ْ ِ ِ
َخ َرَج ُع َم ُر ُفالًَنا .2وفي ال َفأ ْ َخ ِرُج ُ
وه ْم م ْن ُبُيوت ُك ْم »َ .ق َ ال « أ ْ
َوَق َ
الرج ِ ات ِم َن ِّ ِ ِ النِب ِى أََّنه َلعن اْلمتَ َشِبه ِ سنن أبي داود َع ِن ْاب ِن َعب ٍ
ال الن َساء ب ِّ َ ُ َ َ ُ َّ ّ
َّاس َع ِن َّ
اء .3واللعن من دالئل التحريم ،فيكون هذا الفعل محرما.4 النس ِ واْلمتَ َشِب ِهين ِمن ِ ِ ِ ِ
الر َجال ب ّ َ
َ ُ ّ َ َ ّ
وجه الداللة :أن العلماء ذكروا أن التخنث لو كان خلقة أو مرضا؛ فإنه ال يالم ،إال أنه
يكلف بمقاومة هذه المشاعر المريضة ،وإزالة هذه العيوب ،5والعالج طريق لذلك.
خامسا -إن إجراء الجراحة للخنثى إلزالة مظاهر التخنث ،وتحويله إلى الحالة الطبيعية،
ا
ليس فيه غش أو تدليس أو غيره مما تنهى عنه الشريعة ،إنما الهدف من إجراء الجراحة
هو إعادة المريض على خلقته السوية الطبيعية لذلك جازت شرعاً.
مما سبق يتبين جواز معالجة الخنثى شرعا ،وحقه في تثبيت جنسه ،وإزالة
مظاهر التعارض والتخنث منه.
1مالك .1435
2البخاري .5886
3سنن أبي داود .4099
4فتح الباري البن حجر .462/15
5في شرح حديث البخاري السابق :والمخنث :المؤنث من الرجال وإن لم تعرف منه الفاحشة ،فإن
كان ذلك فيه خلقه فال لوم عليه ،وعليه أن يتكلف إزالة ذلك ،وإن كان بقصد منه فهو المذموم.
صحيح البخارى بشرح ارشاد السارى للقسطالنى .1460/7
( ) 74
الوحدة الثالثة
وتحتوي على:
حدود العورة الموضوع األول
ِ
االختالط والخلوِة بين الرجال والنساء حكم الموضوع الثاني
أثر الضرورة الطبية والحاجة في النظر إلى العورات، الموضوع الثالث
واالختالط والخلوة
حكم مداواة الرجل للمرأة والعكس الموضوع الرابع
حكم الوضوء من مس المرضى وعوراتهم الموضوع الخامس
حكم هدايا األطباء الموضوع السادس
ِ
ونحوه ِ
توجيه المريض إلى صيدلية بعينها، حكم الموضوع السابع
وكلها من جمع وإعداد الدكتور /أبو الخير نشأت أحمد .مدرس الفقه بكلية
الشريعة والقانون بالقاهرة
( ) 75
عورة الرجل ما بين سرته وركبته ،سواء مع رجال ،أو مع نساء ،أو في خلوة،
وكذا في الصالة غير أنه في الصالة مأمور بستر المنكبين ،وإن لم يكونا عورًة(.)2
اختلف في حكم كشف الفخذين من الرجل أعورة هما أم ال؟ على قولين(:)3
وقد ُ
قول الحنفية والمالكية والشافعية ورواي ٌة في مذهب أحمد.
األول :أن الفخذين عورة ،وهو ُ
قول جماعة من الفقهاء ،منهم عطاء ،وداود ،وابن
الثانى :أن الفخذ ليست بعورة ،وهو ُ
حزم ،وابن جرير ،وأبو سعيد اإلصطخرى من الشافعية ،ورواي ٌة أخرى في
مذهب أحمد.
أدلة القول األول :استدل الجمهور على أن الفخذ عورة بما يلى:
.1عن جرهد األسلمي –رضى هللا عنه -قال مر بي رسول هللا ﷺ وأنا كاشف
()4
فخذي ،فقال النبى ﷺ" :غطها فإنها من العورة"
.2عن على رضى هللا عنه ،قال :قال رسول هللا ﷺ" :ال تكشف فخذك ،وال تنظر
()5
إلى فخذ حي ،وال ميت"
( )1كتب هذا الموضوع الدكتور أبو الخير نشأت أحمد ،مدرس الفقه بكلية الشريعة والقانون بالقاهرة
( )2ينظر في هذا الموضوع وغيره من الموضوعات ذات الصلة ،البحث القيم :أحكام التعامل بين
األطباء والمرضى دراسة فقهية مقارنة :سيد حسني علي يوسف ،رسالة دكتوراه ،كلية الشريعة
والقانون بالقاهرة2018 ،م.
( )3انظر فى حكاية القولين :المبسوط ،السرخسى - 146/10 ،بداية المجتهد ،ابن رشد– 122/1 ،
الشرح الكبير مع حاشية الدسوقى – 215/1 ،المجموع شرح المهذب - 1167/3 ،المغنى ،ابن
قدامة – 413/1 ،المحلى ،ابن حزم - 241/2 ،نيل األوطار.74/2 ،
( )4رواه الترمذى فى باب ما جاء أن الفخذ عورة ،برقم .408/4 ،2798
( )5رواه أبو داود فى باب النهى عن التعرى ،برقم .40/4 ،4015
( ) 76
.3عن ابن عباس –رضى هللا عنهما -عن النبى ﷺ ،قال" :الفخذ عورة"(.)1
وجه الداللة من هذه األحاديث أنها مصرحة بأن الفخذ من العورة ،وفيها األمر
أيضا أن ما بين السرة والركبة
بتغطيتها ،وهى واردة بالنسبة للنظر ال في الصالة ،وفيها ً
من الرجل عورة ،ال يجوز النظر إليه ،ويجب ستره.
دليل القول الثاني :استدل القائلون بأن الفخذ ليست بعورة ،بما يلى:
كاشفا
مضطجعا في بيتهً ،
ً .1عن عائشة ،رضى هللا عنها قالت " :كان رسول هللا ﷺ
عن فخذيه ،فاستأذن أبو بكر ،فأذن له وهو على تلك الحال ،ثم استأذن عمر،
فأذن له وهو كذلك ،فتحدث ،ثم استأذن عثمان ،فجلس النبي ﷺ ،وسوى ثيابه،
فدخل فتحدث ،فلما خرج قالت له عائشة :يا رسول هللا ،دخل عليك أبو بكر ،فلم
تهش( ،)2ولم تباله ،ثم دخل عمر ،فلم تهش له ،ثم دخل عثمان ،فجلست ،وسويت
()3
ثيابك؟ فقال " :أال أستحى ممن تستحيى منه المالئكة".
وجه الداللة منه أنه ﷺ كشف عن فخذيه ،ولو كانتا عورة لما كشفهما.
وقد جمع ابن رشد الجد بين هذه األدلة ،بأن ما روى عن النبى ﷺ في الفخذ هل
فرضا كالقبل والدبر ،وأنه
هو عورة أو ليس بعورة معناه أنه ليس بعورة يجب سترها ً
عورة يجب سترها في مكارم األخالق ومحاسنها ،فال ينبغي التهاون بذلك في المحافل
تحى منه من ذوى األقدار والهيئات (.)4
والجماعات ،وال عند من ُي ْس َ
وجمع ابن القيم بأن العورة عورتان :مخففة ومغلظة ،فالمغلظة السوأتان ،والمخففة
الفخذان ،وال تنافى بين األمر بغض البصر عن الفخذين؛ لكونهما عورة ،وبين كشفهما؛
( )1رواه الترمذى فى باب ما جاء أن الفخذ عورة ،برقم .408/4 ،2796
( )2فى المصباح المنير":638/2 ،هش الرجل هشاشة ،إذا تبسم وارتاح .من بابى تعب وضرب".
( )3رواه مسلم ،فى باب من فضائل عثمان –رضى هللا عنه ،برقم .1866/4 ،2401
( )4البيان والتحصيل – 278/18 ،المقدمات الممهدات.184/1 ،
( ) 77
لكونهما عورة مخففة ،ونسبه إلى غير واحد من أصحاب أحمد وغيرهم(.)1
غير أن ذلك ال يمنع من بيان هذه المسألة وتحرير محل النزاع فيها ،فقد وقع فيها
متأثر
خلط كبير ،وتكلم فيها المتخصص في الفقه وغير المتخصص ،وتناولها البعض ًا
بالواقع القائم ،وبالمفاهيم المستوردة ،واستسهل كثير من الناس المخالفة فيها بسبب
اإللف والعادة.
وليس المجال مجال تفصيل القول فيها؛ ولذا فسوف أحاول إيجازها لبيان عناية
الشريعة بأمر الستر ،وإظهار البون الشاسع بين ممارسات المسلمين اليوم ،وما كانت
قبل ،من العفة ،والصيانة ،واالنقياد ألمر الشرع الحنيف.
عليه األمة من ُ
تحرير محل النزاع في المسألة:
( )1حاشية ابن القيم على سنن أبى داود ،ط دار الكتب العلمية2015 ،هـ.36/11 ،
( ) 78
()1
وكل ذلك في الشابة أو غير المتقدمة في السن.
وجهها وكفيها،
.2أجمع العلماء على تحريم النظر من المرأة األجنبية إلى ما عدا َ
()2 ِ
الوجه والكفين من المرأة عورة. وعلى أن ما سوى
.3أجمعوا على تحريم النظر إلى وجه المرأة وكفيها عند خوف الفتنة ،قال في منهاج
الطالبين" :ويحرم نظر فحل بالغ إلى عورة حرة كبيرة أجنبية ،وكذا وجهها وكفيها
عند خوف فتنة ،وكذا عند األمن على الصحيح" وفى شرحه المسمى نهاية المحتاج
أن هذا إجماع ،أى تحريم النظر عند خوف الفتنة(.)3
.4حكاية اإلجماع على منع خروج النساء سافرات ،وقد اشتهر شهرة واسعة في كتب
الفقهاء من جميع المذاهب أنه ال يجوز للمرأة كشف وجهها إذا خافت الفتنة(.)4
.5الظاهر أنه ال خالف في أن المرأة العجوز يجوز لها كشف وجهها ،ما لم تتبرج
تغطيتها لوجهها خير من كشفه ،وذلك لقوله تعالى﴿ :والَقو ِ
اعُد ِم َن بزينة ،وفى أن
َ َ
اح أَن َي َضع َن ِثَي َاب ُه َّن َغيَر
س َعَلي ِه َّن ُجَن ٌ
ِ
َال َير ُجو َن ن َك ا
احا َفَلي َ اء ال َّال ِتي
النس ِ
َ
ِ
يم﴾(سورة النور.)60 ، ِ وأَن يس َتع ِففن َخير َله َّن و َّ ِ ات ِب ِزيَن ٍة
ُم َتَب ِر َج ٍ
يع َعل ٌ
َّللا َسم ٌ َ ٌ ُ َ ُ َ َ
.6يفرق الفقهاء بين ثالثة أنواع من العورات في نظر الشرع ،هي عورة الصالة ،وعورة
فمثال يجوز للرجل كشف
ً النظر وعورة الستر ،سواء بالنسبة للرجل أو للمرأة،
الكتفين ،وليسا من العورة التى يجب سترها في غير الصالة ،ولكن ورد النهى في
الصالة أن يصلى الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقيه منه شيء( ،)5وقد حمله
أحمد وابن المنذر على الوجوب ،وحمله الجمهور على االستحباب .وكذا الصغيرة
( )1فتاوى دار اإلفتاء المصرية ،فتوى الشيخ عطية صقر ،مايو 1997م.21/10 ،
( )2تفسير القرطبى ،237/12 ،وأدخل ابن القطان القدمين مع الو جه والكفين فى الحكم ،وحكى اإلجماع على تحريم النظر إلى ما سواها ،انظر إحكام
النظر فى أحكام النظر بحاسة البصر ،أبو الحسن بن القطان ،ط دار القلم ،دمشق1422 ،هـ – 2012م ،ص.388
( )3منهاج الطالبين وعمدة المفتين ،النووى ،ط دار الفكر ،بيروت1425 ،هـ – 2005م ،ص.204
( )4انظر على سبيل المثال :النهر الفائق شرح كنز الدقائق ،سراج الدين بن نجيم الحنفى - 183/1 ،مواهب الجلبل ،الحطاب المالكى– 501/1 ،
تؤمر بستر جسدها عدا الوجه والكفين في الصالة ،مع أنها يجوز لها أن تبرز
للرجال في غير الصالة ،والمرأة البالغة –كذلك -تؤمر بستر جسدها ،عدا الوجه
والكفين في الصالة( ،)1ولو كانت في خلوة أو مع زوجها أو محارمها ،وال يصح أن
إلى ،فإذا صلت بحضرة الرجال جرى عليها حكم
تقول إنه ليس معى من يحرم نظره َّ
رجال ينظر إليها.
عورة النظر ،فيجب عليها الستر إن خشيت الفتنة ،أو علمت أن ً
قال في مراقى الفالح ،في ستر العورة في الصالة" :وجميع بدن الحرة عورة إال
ظاهرهما في األصح" ،وقال الطحطاوى معلًقا عليه" :قوله:
باطنهما و َ
وجهها وكفيها َ
َ
"إال وجهها" ومنع الشابة من كشفه لخوف الفتنة ،ال ألنه عورة" ثم قال" :وصحح
بعضهم أنه عورة في الصالة ال خارجها ،وال تالزم بين كونه ليس بعورة وجواز
النظر إليه؛ ألن حل النظر منوط بعدم خشية الشهوة مع انتفاء العورة ،ولذا حرم
وقد فرق ابن القطان ()2
النظر إلى وجهها ووجه األمرد إذا شك في الشهوة وال عورة"
بين هذه األنواع في كتابه إحكام النظر ،وإن كان ذكر في تحرير مذهب مالك أن ما
يجوز ُبُد ُّوهُ يجوز النظر إليه إال لخوف الفتنة( ،)3أى أن صالتها تصح ولو كشفت
وجهها بحضرة رجل ،أما حكم كشف وجهها عند الرجل وحكم نظره إليها فهو شىء
متلثما،
ً الرجل
ُ آخر .وفى اإلقناع" :ويكره أن يصلى في ثوب فيه صورة ،وأن يصلى
والمرأةُ منتقب ًة ،إال أن تكون في مكان وهناك أجانب ال يحترزون عن النظر إليها،
فال يجوز لها رفع النقاب"( .)4اهـ ،فال يصح الخلط بين هذه األنواع.
.7أجمع العلماء على أن ما فوق السرة وما دون الركبة من الرجل ليس بعورة(،)5
وأجمعوا على أن السوأتين من الرجل عورة ،ال يجوز له إبداؤها إال لزوجته(،)1
والسوأتان القبل والدبر ،قال ابن عبد البر" :وقبل الرجل ودبره عورة مجمع عليها").(2
أيضا ال يجوز إبداؤهما إال للزوج(.)3
.8وأجمعوا على أن السوأتين من المرأة ً
وبعد ما تقدم من تحرير محل النزاع في عورة المرأة ،يبقى نطاق الخالف في ذلك
ضيقا إلى حد كبير ،وذلك على النحو التالي:
ا
عورة المرأة بالنسبة للمرأة هي ما بين السرة والركبة ،وهذا بالنسبة للمرأة المسلمة
ين ِزيَن َت ُه َّن ِ
دون غيرها ،وهذا ما اختاره ابن كثير وابن القطان ،لقوله تعالىَ ﴿ :وَال ُيبد َ
()4
وأما عورة المرأة أمام الرجال من محارمها ،أو النساء المسلمات ،فقد تقدم أن
األصناف المذكورين في اآلية ليسوا على درجة واحدة فيما ينبغى من التحفظ والتستر
عندهم.
.1عند المالكية والحنفية( :)5جميع بدنها ما عدا الوجه واألطراف ،وهى الرأس
والعنق واليدان والرجالن.
.2وعند الشافعية ما يبدو عند المهنة ،وقيل ما بين السرة والركبة(.)6
غالبا ،كالرقبة والرأس والكفين والقدمين
.3وقال الحنابلة :جميع بدنها ،إال ما يظهر ً
عورة الصبيان:
قال ابن المنذر" :أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن المرأة تغسل
الصبى الصغير ...واختلفوا في سن الصبى الذى تغسله المرأة؛ فكان الحسن البصرى
شيئا ،وقال مالك ،وأحمد :ابن سبع سنين ،وقال
فطيما ،أو فوقه ً
ً يقول :إذا كان
األوزاعي :ابن أربع أو خمس ،وقال إسحاق :ابن ثالث إلى خمس ،وقال :إذا كانت
الجارية (البنت) مثل ذلك غسلها الرجال ،وقال أصحاب الرأي :تغسل المرأة الصبى
الصغير الذى لم يتكلم ،وكذلك يغسل الرجل الصغيرة التى لم تتكلم"(.)3
()4
ذكر كان أو أنثى.
أما الحنفية فحدوه بكونه ُي ْشتَ َهى أو ال ُيشتهىً ،ا
أما الحنابلة فيفرقون بين من بلغ سبع سنين ومن لم يبلغ ،من الذكور واإلناث .فأما
قبل السبع فال حكم لعورة الصغير ،فيجوز مسها والنظر إليها ،والدليل أن إبراهيم بن
النبى ﷺ غسله النساء ،وأما بعد السبع فال يجوز ،ولو كان من المحارم .)5(.وقريب منه
قول المالكية إال أنهم احتاطوا في األنثى أكثر من الذكر؛ ألنها قد تكون ممن ُي ْشتَ َهى
مثُلها .ولهم تفاصيل تدور حول هذا المعنى(.)6
وأما الشافعية فلهم تفصيل على النحو التالي ،قال في النجم الوهاج" :وأما الصبى..
سبع القبل والدبر ،ثم
فأطلق في شرح المهذب أنه كالبالغ ،وقال الصيمرى :عورته قبل ٍ
تتغلظ بعد السبع ،ثم بعد العشر يكون كالبالغين؛ ألنه زمان يمكن فيه البلوغ .واستسحنه
الشيخ؛ ألن المنع من النظر إلى عورة الطفل يشق .وقال صاحب الحاوي والبيان:
األطفال ال حكم لعوراتهم قبل السبع ،وحكمهم حكم البالغين بعد إمكان البلوغ ،وفيما
بينهما يحرم النظر إلى الفرج خاصة ...ومقتضى إطالقهم أنه ال فرق في تحريم النظر
ُم ِه ِ
وغيرها ،وفيه ُب ْعٌد ،وينبغي الجواز الالزم في زمان التربية والرضاع لمكان ِ
لذلك بين أ ّ
الضرورة .وقد ذكره ابن القطان في أحكام النظر .ومن فوائد معرفة عورة الصغير-إذا
طاف به وليه في الحج والعمرة -في القدر الذى يجب ستره" اهـ(.)1
( )1الحاوى الكبير ،الماوردى - 174/2 ،البيان فى مذهب اإلمام الشافعى ،العمرانى.120/2 ،
( )2تفسير الطبرى.15/19 ،
( )3رواه الترمذى ،وقال":حديث حسن".
( ) 83
وستر السوأتين في الخلوة واجب بالجماع .قال ابن القطان" :ومنه ما ال يجوز
أيضا ما ال خالف فيه :واألصل قطعا ،لغير زوج ،وذلك سوأتاه ،وهذا ً له إبداؤه ً
ين َي ُغ ُّضوا ِمن أَب َص ِارِهم َوَيح َف ُ ِ ِ
وج ُهم ﴾(سورة النور،
ظوا ُفُر َ قوله تعالىُ ﴿ :قل لل ُمؤ ِمن َ
.)30
صفة الساتر :يشترط في الثوب الذى يستر العورة أن ال يكون شفاًفا ُي َرى لو ُن البشرة
من تحته ،وأن ال يكون ملتصًقا بالجسم بحيث يصف تفاصيل الجسم ،وهو المقصود
بقوله ﷺ في أحد الصنفين من أهل النار" :نساء كاسيات عاريات"()3؛ يعنى :ال هى
ِ
ووصفه(.)4 كاسية ،وال هى عارية؛ لشفوف لباسها
وعن علقمة بن أبى علقمة ،عن أمه؛ أنها قالت :دخلت حفصة بنت عبد الرحمن
خمار
ًا على عائشة أم المؤمنين ،وعلى حفصة خمار رقيقَّ ،
فشقَق ْته عائشة وكستها
كثيفا"()1؛ واللباس مال محترم ال يتلف إال للنهى عنه وتحريمه.
ً
ِ
وروى ابن أبى شيبة ،عن ميمو ِن بن م ْهر َ
ان ،قال" :ال بأس بالحرير والديباج
()2
للنساء؛ إنما يكره لهن ما يصف أو يشف"
وقال ابن القطان" :كل ما ال يجوز للرجل أن ينطر إليه من المرأة ،ال يحل النظر
وص َوَر لحمها ،مثل أن ينظر إلى حلق
إليه من وراء ثوب رقيق ال يستر حجم عظامها ُ
َعجيزتها ،أو إلى نهود ثدييها ،وما أشبه ذلك؛ ألن هذا نظر نحسبه يؤدى من الفتنة إلى
ما يؤدى إليه النظر بغير ساتر وقر ًيبا منه؛ فامتنع"(.)3
يحرم النظر إلى عورة الغير سواء كان بشهوة أو بغير شهوة ،وذلك محل إجماع،
فالذى أجمعت عليه األمة ،واتفق على تحريمه علماء السلف والخلف من الفقهاء
واألئمة هو نظر األجانب من الرجال والنساء بعضهم إلى بعض .)4(...اهـ
ويحرم النظر إلى ما ليس بعورة عند خشية الفتنة ،ويدخل في ذلك النظر إلى األمرد
ذى الوجه الحسن ،ونظر المرأة إلى المرأة إذا خشيت الفتنة ،وكذا الرجل إلى الرجل ،ولم
()5
وذلك كله في غير الضرورة يقل أحد من العلماء بجواز النظر مع خشية الفتنة.
والحاجة.
ِ
االختالط والخلوِة بين الرجال والنساء(.)1 الموضوع الثاني :حكم
وفيه مطلبان:
كثر الحديث عن االختالط ،ما بين عالم مستمسك بالشرع ،يضع األمور في
مواضعها ،ويضبط المصطلحات قبل الخوض فيها ،وما بين رجل متأثر بالغرب ،له
طا ،فيتحدث عن عموميات ،يتوهم اء ،ويخلط المفاهيم خل ً
مآرب أخرى ،يخبط خبط عشو َ
من يسمعها أن األمر مفتوح على مصراعيه ،وأن عالقة الرجل بالمرأة على عهد رسول
اليوم والمقلدون لها في بالد
هللا ﷺ كانت مفتوحة بالصورة التي عليها المدنيات الحديثة َ
ال مسلمين؛ من هنا كان ال بد من ضبط مصطلح االختالط الذى يدور حوله الحديث،
ير للمسألة قبل الخوض في تفاصيلها.
تحر ًا
ِ
مجرد مرور المرأة في الطرقات الحديث عن االختالط بمعنى
َ المقصود هنا
ُ ليس
واألسواق ،التى ال جلوس فيها وال قرار ،فما من أحد من العلماء يحرم ذلك بمجرده ،وال
ِ
خروجها للتعليم في مجتمع خاص بالنساء ،فهذه كلها بمعنى طو ِافها في حرم هللا ،أو
مسائل غير ما نحن بصدده ،يتعمد البعض خلطها والتعميم فيها ليصل إلى نتيجة
مؤداها مشروعية االختالط الشامل لهذه الصور الخالية من المفاسد ،ولصور أخرى،
إضفاء سربال الشرعية عليها.
َ تطبيعها و
َ يريد
وإنما المقصود بالحديث هنا ،هذه الصورة الحادثة ،التى يسقط فيها حاجز الحياء
الفطرى والشرعى بين الرجال والنساء ،ويمتزج فيها الرجال بالنساء ،امتز ً
اجا يغلب على
الظن معه وقوع الفساد ،من غزل ،وتعلق ،وفواحش ،أو مقدمات بين يدى الفاحشة.
أواال :حديث القرآن الكريم عن االختالط :ورد في كتاب هللا تعالى ما يدل على أن
مذموما ،فمن ذلك:
ً محرما في الشرائع السابقة ،أو على األقل ً االختالط كان
ان َر ِب ِإِني َن َذر ُت َل َك َما ِفي َبط ِني ُم َحَّراار َف َتَقَّبل .1قوله تعالىِ﴿ :إذ َقاَل ِت ام أر ِ
َت عمَر َ
َ ُ
( )1كتب هذا الموضوع الدكتور أبو الخير نشأت أحمد ،مدرس الفقه بكلية الشريعة والقانون بالقاهرة
( ) 86
قال عكرمة" :قالت :ليس في الكنيسة إال الرجال ،فال ينبغي المرأة أن تكون مع
الرجال ،أمها تقوله ،فذلك الذى منعها أن تجعلها في الكنيسة وتنفذ نذرها بتحريرها
في الكنيسة" اهـ( .)1وذلك أن أم مريم كانت ال تلد ،فدعت ربها ،فلما استجاب هللا
دعاءها وحملت ،نذرت أن تهب ما في بطنها لخدمة بيت المقدس ،ولم تكن تعلم
()2
فاعتذرت عما بما في بطنها أذكر هو أم أنثى ،فلما وضعت أنثى قالت ذلك.
نذرت وتحزنت إلى ربها(.)3
.2قوله تعالىَ ﴿ :وَقر َن ِفي ُبُيوِت ُك َّن﴾ (سورة األحزاب ،)33 ،قال القرطبى" :وإن كان
الخطاب لنساء النبي ﷺ فقد دخل غيرهن فيه بالمعنى .هذا لو لم يرد دليل يخص
ِ
االنكفاف عن الخروج ِ
النساء بيوتَهن ،و جميع النساء ،كيف والشريعة طافحة بلزو ِم
منها إال لضرورة ،على ما تقدم في غير موضع"(.)4
.2عن أبى هريرة قال :قال رسول هللا ﷺ" :ليس للنساء وسط الطريق"( .)1وإذا
كان هذا في المرور في الطريق ففى االجتماع الدائم أولى.
.3عن أبى هريرة قال :قال رسول هللا ﷺ" :خير صفوف الرجال أولها ،وشرها
آخرها ،وخير صفوف النساء آخرها ،وشرها أولها"( ،)2وهذا في موضع العبادة
الذى هو َم ِظَّن ُة الورع ،فكيف بغيره.
ففى هذه األحاديث تنبيه على منع االختالط ،وعلى أن المرأة مأمورة بالبعد عن
الرجال ما أمكنها ذلك.
الصبيان،
ُ المام الشافعي :في مختصر المزني :قال الشافعي ..." :وأُحب أن تَخرج
وكبار النساء ،ومن ال هيئة لها منهن"( ،)5وفيه -فى سالم اإلمام ُ ويتنظفوا لالستسقاء،
من الصالة :-قال الشافعي ...." :وال َي ْثُب ُت ساع َة ُي َسّلِ ُم ،إال أن يكون معه نساء،
( )1رواه ابن حبان فى صحيحه ،وإسناده حسن لغيره ،كما قال محقق الصحيح ،شعيب األرنؤوط.
( )2رواه مسلم.
( )3مجموع فتاوى ابن تيمية.505/11 ،
( )4البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة ،ابن رشد الجد ،ط دار الغرب
اإلسالمى1408 ،هـ – 1988م.336/9 ،
( )5مختصر المزنى ،ط دار المعرفة ،بيروت1410 ،هـ – 1990م ،مطبوع مع األم ،المجلد
الثامن.127 ،
( ) 88
َف َي ْثُب ُت؛ لينصرفن قبل الرجال"( .)1وفى الحاوي" :والمرأة منهية عن االختالط بالرجال،
أفضل"(.)2
ُ مأمورة بلزو ِم المنزل ،وصالتُها فيه
المام أحمد :قال أبو بكر الخالل" :أخبرني محمد بن يحيى الكحال ،أنه قال ألبى
عبد هللا" :أرى الرجل السوء مع المرأة؟ قالِ :
ص ْح به"(.)3
وأختم بقول فضيلة اإلمام الشيخ ،جاد الحق على جاد الحق ،شيخ األزهر الشريف،
في لزوم المرأة بيتها" :إن على كل أسرة أن تراجع موقفها ،وأن تعرف أن صناعة
ٍ
صناعة ،وأن األم ألزم وأقدر ،وأنه إذا لم يكن باألسرة اإلنسان "األوالد" أعلى وأغلى
ضرورة أو حاجة لكسبها من عملها ،فأولى بها ثم أولى أن ترعى زرعها؛ لتنعم وتقر
عينها بثماره ،ليست هذه دعوة للتخلى -بوجه عام -عن العمل ،وإنما هي دعوة
للمراجعة والمفاضلة بين المكسب والخسارة ككل"(.)6
ول ،أَ ْث َبتُّ َها بألفاظها ،من مختلف المذاهب والعصور ،على تحريم االختالط،
هذه ُنُق ٌ
( )6هدية مجلة األزهر ،صفر 1416ه ـ ـ يوليو 1990م ،حول اتفاقية القضاء على أشكال التمييز
ضد المرأة من المنظور اإلسالمى ،لإلمام األكبر الشيخ ،جاد الحق على جاد الحق ،شيخ األزهر
السابق.
( ) 89
وأن هذا المصطلح معروف عند أهل العلم على مر العصور ،بل وفى نصوص السنة
الشريفة (.)1
خلوة الرجل بالمرأة التي ليست له بمحرم حرام باتفاق المسلمين ،قال النووى" :وأما إذا
خال األجنبي باألجنبية ،من غير ثالث معهما ،فهو حرام باتفاق العلماء"( .)2وقال ابن
أيضا(.)3
حجر" :وهو إجماع" ،وحكاه عنه الشوكاني ً
ومن األدلة على ذلك -مع الجماع -ما يلى:
.1عن ابن عباس -رضى هللا عنهما -أنه :سمع النبى ﷺ يقول" :ال َي ْخُل َو َّن رجل
بامرأة ،وال تُ َس ِاف َرَّن امرأة إال ومعها محرم" ،فقام رجل فقال :يا رسول هللا ،ا ْكتُِت ْب ُت
()4
في غزوة كذا وكذا ،وخرجت امرأتى حاجة ،قال" :اذهب فحج مع امرأتك"
الدخول على
َ .2عن عقبة بن عامر –رضى هللا عنه -أن رسول هللا ﷺ قال" :إياكم و
"الح ْم ُو
الح ْم َو؟ قالَ :
النساء" ،فقال رجل من األنصار :يا رسول هللا ،أفرأيت َ
الموت"(.)5
ُ
.3أن الخلوة بغير ذات المحرم داعية إلى المكروه ،أو إلى التهمة؛ فتحرم لذلك(.)6
يقصد بالخلوة المحرمة في عرف الفقهاء أن يكون الرجل والمرأة -وحدهما -في
مكان ،ال يراهما فيه أحد ،وال يعتبر انفراد الرجل بالمرأة في مكان مكشوف من الخلوة
المحرمة ،ما لم يكن في حالهما ما يدعو إلى الريبة ،كأن يظهر من حديثهما أو
ً
تفصيال فى المسألة فى كتاب االختالط تحرير وتقرير وتعقيب ،عبد العزيز الطريفى ،ط ( )1وانظر
دار المنهاج ،الرياض ،د .ت ،ص 22وما بعدها.
( )2شرح النووى على مسلم.109/9 ،
( )3فتح البارى – 77/4 ،نيل األوطار.344/4 ،
( )4رواه البخارى ومسلم.
( )5رواه البخارى ومسلم.
( )6شرح زروق على متن الرسالة.1054/2 ،
( ) 90
صفة المرأة التى تحرم الخلوة بها :ال خالف في تحريم الخلوة بالشابة األجنبية (أي
التي ليست بزوجة وال هي من المحارم).
األول :ال يجوز ،وهو قول جمهور الفقهاء ،واستدلوا بعموم األحاديث الناهية عن
الخلوة(.)1
الثانى :يجوز ،وهو قول لبعض الحنفية ،ودليلهم أن المرأة العجوز الشوهاء والشيخ
()2
الهرم الذى ال يجامع بمنزلة المحارم؛ إذ إن الفتنة بهم مأمونة.
أما الخلوة بذات المحرم فجائزة اتفا اقا ،وفيها تفصيل ،فهي جائزة بال خالف وال
كراهة في قريب القرابة كاألخت واألم من النسب ونحوهما .وكرهها بعض العلماء مع
األباعد عن المخالطة ،كالخالة من الرضاع ،واألخت منه ،ونحو ذلك( .)3ومنع بعض
الحنفية الخلوة باألخت من الرضاعة لمظنة الفتنة(.)4
.1حالة الضرورة :كأن يجد امرأة أجنبية منقطعة في برية ونحو ذلك ،فيباح له
الحصكفى ،ص - 655شرح زروق على متن الرسالة – 1054/2 ،المجموع ( )1الدر المختارِ ،
شرح المهذب – 277/4 ،الفروع ،ابن مفلح.190/8 ،
( )2حاشية ابن عابدين.368/6 ،
( )3شرح زروق على متن الرسالة ،1054/2 ،وانظر الدر المختار ،ص.655
( )4حاشية ابن عابدين.369/6 ،
( ) 91
استصحابها ،بل يجب عليه إذا خاف عليها لو تركها ،وهذا ال خالف فيه ،ويدل
عليه حديث عائشة -رضى هللا عنها -في قصة اإلفك(.)1
.2الحائل :وقد نص على ذلك الحنفية ،والمقصود أن يكون على باب كل واحد منهما
ُقفل خاص به ،كما في الشقق المتجاورة ،أو الغرف السكنية ،التي تكون في بيت
واحد ،يجمعها باب عام .لكن ال ينبغى أن تقيم المرأة في مكان غير آمن ولو
انتفت الخلوة.
.3وجود المحرم :وهو المنصوص في الحديث ،وأما غير المحرم ففيه خالف ،تأتى
صغير جًّدا بحيث يكون
ًا اإلشارة إليه ،إن شاء هللا .ويشترط في المحرم أن ال يكون
وجوده كالعدم ،ويستوى في المحرم محرمه ومحرمها ،وفى معناه زوجها وزوجته
(.)2
ثقة فأكثر ،أو امرٍأة ٍ
ثقة رجل آخر ٍ
.4وجود غير المحرم :وفيه خالف ،ويشمل وجود ٍ
َ َ
عجوزا ،وأن تكون قادرة
ً فأكثر ،واشترط بعض الحنفية في المرأة األخرى أن تكون
َ
على الدفع عن المرأة( .)3والظاهر أن مدار األمر على حصول الثقة ،فإن الخلوة
حرمت لمعنى الفساد الذى قد ينشأ عنها ،وقال بعض الفقهاء (منهم القفال
عمال بلفظ الحديث(.)4
الشافعي) :ال بد من المحرم ً
ما تقدم من وصف واقع المستشفيات يكاد يكون صورة مكررة ،إال فيما ندر ،والسبب
في ذلك غياب التوعية بهذه المفاهيم ،على المستوى المجتمعي ،وعلى المستوى
التعليمي ،سواء في المؤسسات التعليمية الطبية ،أو في غيرها من المؤسسات ،حتى
صارت هذه المفاهيم غريبة على الناس ،مع أنها من دواعي الفطرة المستقيمة ،ومن
مقتضيات الحياء ،ومن ضرورات الدين ،ومما أجمع عليه العلماء في الجملة ،ومع
كثير من األطباء يغضب إذا نصحه ناصح في هذا ،أو امتنعت امرأة عنده
غيابها تجد ًا
من كشف وجهها ،وينسبهما إلى التشدد في الدين ،وال يصف موقفه هو بالتساهل أو
التفريط في أحكام الشرع واالستهانة بها.
ً
مفصال ،إن شاء هللا تعالى. ( )1سيأتى بيان حكم ذلك
( )2االختالط وكشف العورات فى المستشفيات ،الواقع والعالج ،د .يوسف األحمد ،بحث منشور على
موقعه على الشبكة العالمية ،www.dr-alahmad.com ،وعلى موقع
،www.islamlght.netص 2وما بعدها.
( ) 93
ولكن هل الضرورة الطبية والحاجة لها أثر في النظر إلى العورات ،واالختالط
والخلوة؟
تقدم بيان حكم الضرورة على اإلجمال ،وأنه ينتفى فيها حكم الخلوة ،فتجوز ،أو ال
أصال ،ولكن لما كان الطب والمداواة من الضرورات ،تعين إفرادها
ً تعد من الخلوة
بالذكر.
وعلى أي حال فإن القاعدة أن الضرورات تبيح المحظورات ،ولكن بقدر ما تقتضيه
الضرورة ،وال تجوز الزيادة على ذلك ،بل يرجع األمر إلى األحكام األصلية عند انتهاء
حدود الضرورة ،وال يجوز التوسع بما يزيد على هذا الحد ،قال هللا –تعالى -في حل
ور
َّللا َغ ُف ٌ ِ ِ ِ أكل الميتة للمضطرَ ﴿ :ف َم ِن اض ُ
اغ َوَال َع ٍاد َف َال إث َم َعَليه إ َّن َّ َ
طَّر َغيَر َب ٍ
َر ِحيم﴾ (سورة البقرة .)173 ،وفى معنى الباغي والعادي أقوال:
األول :الباغي من يأكل فوق حاجته ،والعادي من يجد عن هذه المحرمات مندوحة
ويأكلها".
الثاني :أن الباغي من يأكلها شهوة وتلذ ًذا ،والعادي من يستوفى األكل إلى حد الشبع".
الثالث :الباغي من بغى على المسلمين ،والعادي من عدا عليهم( .)1والظاهر أنه ال
تعارض بين هذه األقوال ،وأن اآلية شاملة للجميع.
واشترط ابن القطان تَ َم ُّك َن الضرورِة بالنسبة ألحكام المداواة ،أي بأن تنسد كل السبل
المشروعة ،من وجود امرأة أو مخنث أو نحو ذلك ،فقال" :كل َمن أجازت له الضرورةُ
مع الوضع في االعتبار أنه لو ُقطع من المرأة عضو لم يجز النظر إليه ،قال" :ما
اع ،أو قدم ،أو ثدى ،أو
أُبين منها وهى حيَّة أو ميتة ،ال يجوز النظر إليه ،كذر ٍ
ِ
كشعر منفصال،
ً متصال َح ُرم نظره
ً َعقيصة()2؛ ألن الحرمة باقية"( ،)3فكل ما َح ُرم نظره
ظْف ِر ح ٍرة ،ولو من يديها ،وتجب مواراته؛ لئال ينظر إليه عان ٍة ،ولو من رجل ،وُق ِ
المة ُ َ
أحد ،واستبعد البعض الوجوب(.)4
وذكر النووي أن كشفها [أى العورة] ال يجوز لكل مداواة ،وإنما يجوز في موضع
يقول أهل العرف إن المصلحة في المداواة راجحة على المصلحة في المحافظة على
ِ
وصيانة العورة(.)5 المروءة
( )1إحكام النظر فى أحكام النظر بحاسة البصر ،أبو الحسن بن القطان ،ص.468
( )2ضفيرة الشعر .المصباح المنير ،مادة"ع ق ص".422/2 ،
( )3إحكام النظر ،ص.412
( )4مغنى المحتاج.217/4 ،
( )5المجموع شرح المهذب.299/1 ،
ى ،ط مكتبة القاهرة ،مطبوع مع كتاب تعريف ( )6أجوبة هامة فى الطب ،الشي ُخ أبو الفض ِل الغُمار ُّ
أهل اإلسالم بأن نقل العضو حرام ،بدون تاريخ ،لكن قال فى نهاية الجزء األول ،الخاص بتحريم
نقل األعضاء :إنه تم تحرير هذا الجزء فى سنة 1407هـ ،انظر ص .28والكتاب أجاب فيه
مؤلفه على أسئلة ،قدمت من طلبة كلية الطب باإلسكندرية.
( ) 95
وقد يوجد النظير ،ولكنه يكون أقل كفاءة من غير النظير ،فهل يجوز في هذه
الرجل؟
َ الرجل الم أر َة ،أو الم أر ُة
ُ الحالة الذهاب إلى غير النظير ،بأن يداوى
والجواب أن ذلك ما لم يخرج إلى حد خشية الضرر فإنه ال يجوز ،فليس المطلوب
لمسها، ٍ
االطالع على عورة ،أو َ
َ ومن الواضح أن فرض المسألة إنما هو فيما يستلزم
أو لمس ما يؤدى لمسه إلى ٍ
فتنة ،ولو لم يكن عورة ،وكذا ما فيه خلوة محرمة ،أو َم ِظَّن ُة ُ َ
الرجل المرأة ،والمرأةِ
ِ فتنة بصورة من الصور ،فأما ما ليس كذلك ،فال بأس فيه بمداواة ٍ
َ
الرجل.
َ
( )1كتب هذا الموضوع الدكتور أبو الخير نشأت أحمد ،مدرس الفقه بكلية الشريعة والقانون بالقاهرة
( ) 96
مثال ذلك :ما لو كان األمر يقتصر على إخبار الطبيب بأعراض المرض ،دون
حاجة إلى محظور من المحظورات المذكورة.
محرما ،فإن اللمس أشد حرم ًة ،فقد يحرم لمس ما
ً تنبيه :إذا كان النظر إلى العورة
لمسه َم ِظَّن َة فتنة.
ليس عورًة ،إذا كان ُ
ثم إن العورة ليست على درجة واحدة ،فالنظر إلى الوجه ليس كالنظر إلى السوأتين،
فيراعى في ذلك درجات الحاجة والضرورة.
.4عن جابر –رضى هللا عنه -أن أم سلمة ،استأذنت رسول هللا ﷺ في الحجامة،
ِ
الرجل المرَأة ط ْي َب َة أن َي ْح ُج َم َها( .)1دل الحديث على جواز مداواة
فأمر النبى ﷺ أبا َ
األجنبي َة(.)2
.5ومن المعقول أمران:
أحدهما أن هذه ضرورة ،والثاني أن مكان المرض قد ال يكون بحيث يثير الشهوة.
.1أال توجد امرأة يمكنها مداواة المرأة ،أو ُوجدت ،ولكنها ال تحسن التطبيب ،بحيث
ُيخشى منها الضرر .وبعض العورات أخف من بعض ،فما يجوز للرجل مداواته من
المواضع في جسد المرأة ،ليس كالذي يجوز للمرأة ،ويكون األمر أشد إذا كانت
المداواة في السوأتين وما اقترب منهما؛ لذا نص بعض الفقهاء على أن الداء إذا كان
الهالك(.)1
ُ في الفرج لم يجز للرجل مداواته ،إال إذا خيف على المرأة
تدعو إلى ذلك حاجة أو ضرورة ،وقد تقدم أن األمر يختلف من حالة إلى حالة،
.2أن َ
مثال -من أجل المداواة أمره أسهل من النظر إلى السوأتين،
فالنظر إلى الوجه – ً
حتى إن الشافعية قالوا يعتبر في النظر إلى الوجه مطلق الحاجة ،كما يعتبر ذلك
في المعاملة ،من بيع وشراء ونحوهما وفى الشهادة .أى أنه يجوز النظر إلى الوجه
في عالج المرض الخفيف ،أما في السوأتين فيعتبر المرض الشديد ،الذى ال ُي ْحتَ َم ُل
َكُد الحاجة، الوجه ُيعتبر تَأ ُّ
لهالك ،وفيما عدا السوأتين و َ
عادة ،أو ُي ْخ َشى منه ا ُ
ً ألمه
ُ
قال النووي" :ويجوز للطبيب أن ينظر إلى الفرج للمداواة؛ ألنه موضع ضرورة ،فجاز
له النظر إلى الفرج ،كالنظر في حال الختان"( .)2والحنفية اشترطوا الضرورة( ،)3ولم
()5 ()4
لجواز نظر الطبيب إلى المرأة- ،ولو والحنابلة يكتفوا بالحاجة .وإطالق المالكية
إلى سوأتها -يشمل حالة الحاجة والضرورة الشديدة( ،)6ثم إن نظر المرأة إلى سوأة
المرأة أخف من نظر الرجل ،وكذا نظر الرجل إلى سوأة الرجل أخف من نظر المرأة.
الرجل.
َ أيضا -في مداواة المرِأة .3أن يأمن الطبيب االفتتان بالمرأة ،وهذا الشرط ٍ
جار – ً
وعموما ،فإن كل ما كان م ِظَّن َة ٍ
فتنة ُي ْم َن ُع ،حتى في الطب والشهادة والمعاملة،)7(. َ ً
ما لم تكن الشهادة متعينة عليه ،فينظر ويضبط نفسه( .)8ولعله يتأتى في الطبيب
مثل ذلك ،إن خاف الفتنة ،ولم يوجد غيره ،أما في حالة خشية الهالك على
المريضة أو المريض ،فينظر ويتقى هللا ما استطاع .والظاهر أن التقييد بأمن الفتنة
حذر من الفتنة،
اإلجماع ًا محل إجماع ،قال ابن القطان" :النظر إنما ح ِّرم في محل ِ
ُ َ
توقير للعقل") ،(1وقال" :وال
وشرب الخمر ًا
ُ كما ُح ِّرَم الزنى ًا
حذر من اختالط األنساب،
قائل بجواز النظر مطلًقا"( ،)2يعنى :لم يقل أحد من الفقهاء بجواز النظر ولو خاف
َ
الفتنة.
.4أن ال يقصد االلتذاذ ،وهذا ٍ
جار في نظر الطبيبة إلى الرجل ،بل هو –كسابقه -عام
في نظر الرجل إلى الرجل والمرأة إلى المرأة(.)3
وتنطبق أحكام الخلوة على الخلوة بين أعضاء الفريق الطبي بعضهم وبعض ،وبين
معا بصورة تعتبرالمرضى بعضهم وبعض ،فإن األصل عدم عمل األطباء والطبيبات ً
ط بقدر
طا ،فإذا ابتلى أحدهم بشيء من ذلك وجب عليه التوقي واالحتيا ُ
خلوة أو اختال ً
اإلمكان ،وقد تقدم في مبحث الخلوة ما يغنى عن اإلطالة هنا.
()2
فال ينظر وال .7أن يقتصر الطبيب في المكان والزمان على قدر الحاجة أو الضرورة
يمس إال المكان الذى تدعو إلى مسه الحاجة أو الضرورة ،وما يتعلق به ،كأن يكون
ورم في القدمين ،ولكنه يحتاج من الناحية الطبية إلى فحص القلب ،أو يكون الوجع
ٌ
في الرأس ،ولكنه يحتاج إلى قياس ضغط الدم( ،)3فيجوز ذلك ،وال يجوز التوسع
زيادة على قدر الحاجة ،ويستر ما عدا الموضع الذى يفحصه ،ومتى انتهى زمن
الحاجة إلى النظر واللمس وجب عليه أن يكف؛ ألن هذه أحكام جاءت على خالف
األصل للضرورة أو الحاجة ،وكلتاهما تقدر بقدرها ،وألن ما جاز لعذر بطل بزواله.
الطبيب معرف ُة العلة بالمس دون النظر ،فإنه يباح
َ أيضا -ما لو أمكن
ومن ذلك – ً
المس ال النظر( .)4وهكذا يقال في حق مداواة الطبيبة للرجال( .)5ومما يتعلق بذلك
أنه إذا أمكن أن يقوم باألمر على وجهه الصحيح امرأةٌ -ولو ممرض ًة أو مرافق ًة أو
( )1قرارات المجامع الفقهية فى القضايا الطبية والصحية المعاصرة ،د .عادل عبد الفضيل ،واألستاذ
السيد طلبة على ،ص – 214موقع المجمع على الشبكة الدولية:
http\\:www.aamjaonline.com
( )2أجوبة هامة فى الطب ،أبو الفضل الغمارى ،ص.28
( )3مداواة الرجل للمرأة والمرأة للرجل ،د محمد البار ،ط دار المنارة1416 ،هـ – 1995م،
.1281/8
( )4مغنى المحتاج.215/4 ،
( )5البحر الرائق شرج كنز الدقائق ،زين الدين بن نجيم – 218/8 ،المقدمات الممهدات- 460/3 ،
إحكام النظر ،ابن القطان ،ص - 451مغنى المحتاج - 215/4 ،كشاف القناع - 113/5 ،اآلداب
الشرعية ،ابن مفلح.442/2 ،
( ) 101
قابل ًة -لم يجز للطبيب التدخل إال باإلشراف ،وينبغى للطبيب أن ُي َعّلِ َم امرًأة إن
أمكن ،وإن لم يمكن ستر كل عضو منها ،سوى موضع الوجع ،ثم ينظر ،ويغض
()1
ببصره عن غير ذلك الموضع إن استطاع؛ ألن ما ثبت للضرورة يتقدر بقدرها"
.8أن ال يكون الطبيب غير مسلم مع وجود المسلم - ،وفيه خالف وتفصيل ليس هذا
أمينا ،ال يخشى منه اإلضرار
موطنه -والراجح فيه جواز استطبابه إذا كان ً
بالمسلم.
وقد جاء في قرار مجمع الفقه السالمي ،التابع لمنظمة المؤتمر السالمي ،في
دورته المنعقدة في بروناي 1414ه – 1994م ،بشأن مداواة المرأة ما يلى:
األصل أنه إذا توافرت طبيبة متخصصة ،يجب أن تقوم بالكشف على المريضة،
وإذا لم يتوافر ذلك فتقوم بذلك طبيبة غير مسلمة ثقة ،فإن لم يتوافر ذلك يقوم به طبيب
مقامه طبيب غير مسلم ،على أن يطلع
مسلم ،وإن لم يتوافر طبيب مسلم يمكن أن يقوم َ
من جسم المرأة على قدر الحاجة في تشخيص المرض ومداواته ،وأال يزيد عن ذلك،
وأن يغض الطرف قدر استطاعته ،وأن تتم معالجة الطبيب للمرأة هذه بحضور محرم،
أو زوج ،أو امرأة ثقة ،خشية الخلوة(.)2
سائر جسدها ،وهما مسألتان قد أفاض فيهما أهل العلم ِ ِ
الذكر َ الطبيب لفرجها ،وفى مس
ٍ
تفصيل ،فاحتاج األمر فيهما إلى االختصار واالكتفاء َّما
إفاضة مطولة ،وفصلوهما أي َ
بأصول أدلتهما .فإلى بيان هاتين المسألتين:
األول أن لمس الذكر ناقض للوضوء ،وهو قول الشافعى ،ومشهور مذهب مالك،
ورواية عن أحمد .ولهؤالء تفاصي ُل في صفة اللمس الناقض ،هل يشترط أن يكون
أكثر القائلين بذلك ال
بباطن الكف ،أم هو مطلق؟ وهل يشترط القصد أم ال؟ وإن كان ُ
يفرق بين العامد وغيره ،فعلى هذا القول يجب على الطبيب والطبيبة والممرض
مس فرِج المرأة.
والممرضة الوضوء من مس ذكر المريض ،وكذا عند بعضهم ُّ
الثاني :أن لمس الذكر غير ناقض للوضوء ،فال يجب منه الوضوء وال يستحب،
وهو قول أبى حنيفة ،ورواية عن أحمد ،وقول لبعض المالكية.
الثالث :أن لمس الذكر غير ناقض للوضوء ،ولكن يستحب منه الوضوء ،وهو رواية
في مذهب أحمد ،وفى رواية عن مالك أن الوضوء منه سنة ،بمعنى أنه غير ناقض،
استحبابا ،فإن خرج الوقت لم يطالب باإلعادة.
ً ولكن إذا فعله أعاد في الوقت
األدلة :سبب الخالف في ذلك أن فيه حديثين متعارضين :أحدهما الحديث الوارد من
طريق ُب ْس َرَة بنت صفوان –رضى هللا عنها -أنها سمعت رسول هللا ﷺ يقول" :إذا مس
المعارض له حديث طلق بن علي قال:ِ أحدكم ذكره فليتوضأ"( ،)1والحديث الثانى
ذكره ِ قدمنا على رسول هللا ﷺ وعنده رجل ،فقال :يا رسول هللا ،ما ترى في ِّ
مس الرجل َ
ض َع ٌة منك"؟! ،فذهب العلماء في تأويل هذه
بعد أن يتوضأ؟ فقال" :وهل هو إال َب ْ
( )1قال فى بداية المجتهد":46/1 ،وهو أشهر األحاديث الواردة فى إيجاب الوضوء من مس الذكر،
خرجه مالك فى الموطأ".
َّ
( ) 103
ِ
الرجل فرَج المرأة -على هذا القول -فيدخل في المسألة التالية ،وهى لمس وأما مس
الرجل جسد المرأة.
ِ
الرجل المرَأة ناقض لوضوء الرجل على كل حال ،أي سواء قصد لمس
األول :أن َ
اللذة أو وجدها ،أو لم يقصد ولم يجد ،وهو قول الشافعية.
وعلى هذا القول ينتقض وضوء الطبيب والممرض بلمس جسد المرأة بكل حال،
وينتقض وضوء الطبيبة والممرضة بلمس جسد المريض بكل حال.
الثانى :أن األمر دائر مع الشهوة؛ فإن قصد اللذة ،أو وجدها ،فعليه الوضوء ،ولو
كان الملموس من المحارم ،وهو قول جمهور المالكية ،ومشهور مذهب أحمد .وللمالكية
تفاصيل ،تدور حول قصد اللذة أو وجودها .أما مجرد اللمس بدون قصد لذة وال وجودها
ُ
فال ينقض.
وعلى هذا القول ،فإن الطبيب والممرض إذا لمسا جسد مريضة ،وكذا الطبيبة
والممرضة إذا مست جسد مريض فالغالب عدم الشهوة ،لكن إن حدثت اللذة أو ُق ِ
ص َد ْت َ
انتقض الوضوء.
القول الثالث :أن لمس المرأة ال ينقض الوضوء ،ولو كان بشهوة ،حتى ولو كانت
تالزم بين التحريم وبين نقض الوضوء؛ فإن
الشهوة محرمة ،كأن يلمس غير زوجته ،وال ُ
كثير من المحرمات يفعلها اإلنسان؛ فيأثم ،وال ينتقض وضوؤه ،وبه قال أبو حنيفة
ًا
وأصحابه ،وهو رواية عن أحمد.
األدلة :سبب اختالفهم في هذه المسألة :اشتراك اسم اللمس في كالم العرب ،فإن
العرب تطلقه مرة على اللمس الذى هو باليد ،ومرة تكنى به عن الجماع.
ولذا فالراجح -إن شاء هللا -ما ذهب إليه الحنفية ،من أن المالمسة بين الرجل
والمرأة ال تنقض الوضوء ،خاصة إذا نظرنا إلى نظم اآلية ،فإنها ذكرت الوضوء والغسل
من الجنابة ،وهذه هى الطهارة بالماء لكل من الحدث األصغر واألكبر ،ثم ثنت بذكر
وقد حاولت الوقوف على حقيقة األمر بالسؤال ،وبالبحث عن وثيقة تنظم هذا
شيئا ،سوى أنه في التقرير الخاص بالحالة الصحية والخدمات الصحية
األمر ،فلم أتبين ً
في مصر ،الصادر عن جمعية التنمية الصحية والبيئية ،أشار إلى المواقف السلبية
ألطباء الوحدات الريفية ،بسبب نقص التمويل ،بدون ذكر تفاصيل من هذا الباب(.)5
هذه هي صورة المسألة المعروضة للبحث ،وقد يقع األمر بهذه الصورة ،أو بصورة
أخرى.
( )1ينظر :أحكام التعامل بين األطباء والمرضى دراسة فقهية مقارنة :ص .418
( )2مؤلفات شيخ اإلسالم ابن تيمية.238/25 ،
( )3كتب هذا الموضوع الدكتور أبو الخير نشأت أحمد ،مدرس الفقه بكلية الشريعة والقانون بالقاهرة
( )4ينظر :أحكام التعامل بين األطباء والمرضى دراسة فقهية مقارنة :سيد حسني علي يوسف ،رسالة
دكتوراه ،كلية الشريعة والقانون بالقاهرة2018 ،م.
( )5الحالة الصحية والخدمات الصحية فى مصر ،دراسة تحليلية للوضع الراهن ،رؤ ً
ى مستقبلية،
إعداد ونشر برنامج السياسات والنظم الصحية ،جمعية التنمية الصحية والبيئية ،د .ت،.
ص.224
( ) 106
ومثل ذلك ما يقوم به بعض األطباء من االتفاق مع المريض على إجراء العملية
له في المستشفى العام ،مقابل أجرة يتقاضاها الطبيب .ويذهب بعض المرضى إلى
الطبيب في عيادته الخاصة ،فيدفع أجرة الكشف؛ ليحوله الطبيب إلى المستشفى العام،
وغالبا ما يكون ذلك لعلم المريض أن الطبيب لن يحوله إال بذلك،
ً العالج المجاني،
ِ و
غيره ،إلى العالج المجاني.
الطبيب ،وال ُ
ُ وأنه إذا كشف في المستشفى العام لن يحوله
الجواب باختصار -فى حالة ما إذا لم يكن هناك تصريح من صاحب المستشفى،
أو من المام أو نائبه بذلك -هو التحريم؛ لما يشتمل عليه هذا الفعل من أسباب
التحريم ،ومنها ما يلى:
السبب األول :أن كثي ار من الفقهاء كيَّف العالقة بين الطبيب وبين المستشفى الذى
يعمل فيه ،على أنها عالقة األجير الخاص بمن استأجره ،وهو المستشفى ممثَّ ًال في
أيضا -على المستشفى العام ،المملوك
صاحبه ،أو من ينوب عنه ،وهذا ينطبق ً -
للدولة ،نائب ًة عن عامة الناس.
فالمستشفى يمثل األجير المشترك إذا كان يتقاضى أجرة ،فإذا كان يعمل بالمجان
فهي من الخدمات التي تقدم للمسلمين ،وعلى أي حال فالطبيب العامل في المستشفى
وتابع له ،وليس بينه وبين ِ
المشترك ،أو مقد ِم الخدمة، ِ
األجير أجير خاص لدى ذلك
ٌ
المريض عالقة تعاقدية مباشرة.
وبناء على ذلك ،فإن حقوق العقد بين المريض والمستشفى راجعة إلى المالك ،ال
ً
إلى ذلك الطبيب العامل في المستشفى .ويترتب على ذلك ما يلى:
صاحب المستشفى؛ ألن َ أواال :أن أجرة الطبيب العامل في المستشفى العام ،تلزم
اء َوَفى صاحب المستشفى ،أو الدولة يض منها شيء ،سو ٌ العقد بينه وبينه ،وال يلزم المر َ
ِ ِ َّ
أجره ،أو لم يف بعقده ،ولم ُي َوِّفه َ
أجره، المشرفة على المستشفى العام بعقدهَ ،وَوفاه َ
وسواء كان الراتب يكفيه ،أم ال؛ وذلك أن الطبيب قد رضى بهذا العقد ،وبهذا الراتب،
حتى لو ُفرض أن العقد الذى بينه وبين المستشفى قد ألجأته إليه حاجته إلى المال؛
( ) 107
َّ
فوقع على عقد من عقود اإلذعان؛ ألن عقد اإلذعان عقد صحيح ،رغم ما يشوبه من
عيب ،لكنه عيب ال يرقى إلى درجة انعدا ِم الرضا ،ا ِ
لمفسد للعقود ،وعلى فرض كون
فاسدا ،فإن اإلجارة الفاسدة يلزم فيها أجر المثل ،على المستأجر( ،)1وال َيلزم
ً العقد
مجانا ،ال يلزمه
ً المتعاقد مع المستشفى ،أو الذى َّ
تكفل المستشفى بعالجه َ يضالمر َ
شىء من حقوق هذا العقد ،وإن كان هو المستفيد ،وإذا أراد الطبيب إصالح وضعه
يض ذلك ،بل يلجأ إلى مطالبة المستشفى ،أو الدولة ِ
حمل المر َ
المادى ،فال يحل له أن ُي ّ
بذلك اإلصالح.
ثانيا :أن منافع األجير الخاص مملوكة للمستأجر ،وال يصح أن يشترك فيها غيره،
ا
ِ ()2
بمعنى أنه ال يجوز لألجير الخاص أن يعمل لغير مستأجره .
وبناء على ذلك ،فإن الطبيب العامل في المستشفى ،ال يجوز له أن يتعاقد مع
ا
أجر من المريض ،وإذا فعل األجير الخاصخاصا ،يتقاضى بموجبه ًا تعاقدا
ً مر ٍ
يض
ً
تحَّق ًة للمستأجر ،الذى هو المستشفى ،أو للمريض إذا كان
ذلك كانت هذه األجرة ُم ْس َ
مجانا .ولو قيل إنها في حالة العالج المجاني تكون
ً المستشفى قد تعهد بعالج المريض
بعيدا ،وهللا أعلم.
مملوكة للمستشفى ويلزم المستشفى ردها إلى المريض ،لم يكن ً
ثال اثا :أن األجير الخاص في التكييف الفقهي وكيل عن صاحب المستشفى ،أو
عن الدولة ،وحقوق العقد راجعة إلى الموِّكل ،ال إلى الوكيل( ،)3عند الجمهور.
( )1الهداية فى شرح بداية المبتدى ،المرغينانى – 237/3 ،الشرح الكبير مع حاشية الدسوقى،
-12/4العزيز شرح الوجيز ،المعروف بالشرح الكبير ،أبو القاسم الرافعى ،ط دار الكتب
العلمية ،بيروت1417 ،هـ 1997 -م -84/6 ،كشاف القناع ،البهوتى.46/4 ،
( )2ينظر :شرح منتهى اإلرادات ،منصور بن يونس البهوتى ،ط عالم الكتب1414 ،هـ 1993 -م،
،271/2الهداية شرح بداية المبتدى ،المرغينانى – 243/3 ،المجموع شرح المهذب،
.96/15
( )3موسوعة القواعد الفقهية ،البورنو.145/3 ،
( ) 108
السبب الثاني :أن هذا يعد من هدايا العمال التي نهى عنها رسول هللا ﷺ ،وقال
جمهور أهل العلم بتحريمها( ،)1هذا إذا تطوع بها المريض ،كأن يعطيها على سبيل
الفرحة بمولود ،أو ختان طفل ،أو نجاح عملية جراحية في المستشفى العام ،فكيف إذا
طلبها الطبيب؟! الشك أن الحرمة تكون أشد.
الع َّمال حديث أبى حميد الساعدي -رضى هللا عنه -قال:
ومما ورد في هدايا ُ
اللتِبي ِ
َّة ،فلما جاء جال على صدقات بنى سليم ،يدعى ابن ُّ َ
استعمل رسول هللا ﷺ ر ً
حاسبه ،قال :هذا ماُلكم ،وهذا هدية .فقال رسول هللا ﷺ" :فهال جلست في بيت أبيك
وأمك ،حتى تأتيك هديتك إن كنت صادًقا" ثم خطبنا ،فحمد هللا وأثنى عليه ،ثم قال:
"أما بعد ،فإنى أستعمل الرجل منكم على العمل مما والنى هللا ،فيأتى فيقول :هذا مالكم،
وهذا هدية أهديت لى ،أفال جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته ،وهللا ال يأخ ُذ أحد
أحدا منكم لقى هللا يحمل
شيئا بغير حقه ،إال لقى هللا يحمله يوم القيامة ،فألعرفن ًمنكم ً
بياض إبطه،
ُ شاة تيعر" ،ثم رفع يده حتى ُرِئىبعير له رغاء ،أو بقرًة لها خوار ،أو ًًا
َ
وس ِم َع أذني"(.)2
ص َر عيني َ
يقول" :اللهم هل بلغت"َ ،ب ُ
قال العيني" :وفى الحديث أن هدايا العمال يجب أن تجعل في بيت المال ،وأنه
ليس لهم منها شيء ،إال أن يستأذنوا اإلمام في ذلك ،كما جاء في قصة معاذ -رضى
هللا تعالى عنه ،-أنه ﷺ طيب له الهدية ،فأنفذها له أبو بكر -رضى هللا تعالى عنه"(.)3
السبب الثالث :أن هذا من الرشوة؛ ألن الرشوة في تعريف كثير من الفقهاء :ما
أخذ على أداء واجب( .)4وما نحن بصدده وهو القيام بالعالج على الصفة المعهودة
واجب ،بمقتضى العقد الذى بين الطبيب وبين المستشفى ،أو بينه وبين الدولة.
( )1بدائع الصنائع ،الكاسانى – 9/7 ،عقد الجواهر الثمينة ،ابن شاس– 2012/3 ،760/2 ،
العزيز شرح الوجيز ،الرافعى -467/12 ،المغنى ،ابن قدامة -68/10 ،موسوعة مسائل
الجمهور فى الفقه اإلسالمي ،د .محمد نعيم ساعى.942/2 ،
( )2رواه البخارى فى باب احتيال العامل ليهدى له ،برقم ،6979وفى باب هدايا العمال ،برقم
،70/9 ،7174ومسلم ،فى باب تحريم هدايا العمال ،برقم .1463/3 ،1832
( )3عمدة القارى شرح صحيح البخارى ،بدر الدين العينى ،ط دار إحياء التراث العربى ،بيروت،
د .ت.156/13 ،.
( )4كشاف اصطالحات الفنون والعلوم ،التهانوى الحنفى.865/1 ،
( ) 109
وقد أجمع أهل العلم على تحريم الرشوة ،وقد استُِدل على تحريم الرشوة بقوله -
لسح ِت﴾ (سورة المائدة.)42 ،
َكاُلو َن لِ ُّ
تعالى﴿ :-أ َّ
ومن أدلة التحريم حديث عبد هللا بن عمرو بن العاص –رضى هللا عنهما ،-قال:
لعن رسول هللا ﷺ الراشى والمرتشى( ،)1وفى لفظ قال :قال رسول هللا ﷺ" :لعن ُة هللا على
الراشي والمرتشي"(.)2
السبب الرابع :أن هذا العمل يعد خيان ًة لألمانة؛ وذلك أن الطبيب مؤتمن على ما
استُعمل فيه ،ومؤتمن على ما تحت يده من أجهزة ودواء؛ فال يجوز له صرفها في غير
ما خصصت له ،وال يجوز له استعمال المستشفى ،وال أجهزة المستشفى فيما يعود عليه
بالنفع الشخصي(.)3
فقد تقدم قول صاحب شرح المنتهى في رد ما أخذه األجير الخاص من العمل
ِ
مستأجره. لغير
الطبيب فهو من هدايا العمال ،وال يجوز أخذه.
َ يض ،وأعطى
إذا تطوع المر ُ -3
الطبيب؛ ليحوله إلى العالج المجانى فهو رشوة ،وإن كان
َ إن أعطى -4
المريض يستحق التحويل وجب عليه تحويله بال مقابل.
استغالل الطبيب للمستشفى وأدواته وأدويته للتربح ،هو من خيانة األمانة. -5
عالجا ،أو يضيق عليه؛ ليضطره
ً ال يجوز للطبيب أن يمنع عن المريض -6
إلى الكشف في عيادته الخاصة ،أو في المستشفى الخاص الذى يعمل به.
الطبيب فهذه
َ إذا لم يجد المريض طريق ًة للحصول على حقه ،إال أن يعطى -7
ِ
المعطى ،وهو المريض. رشوة ،تحرم على اآلخذ ،وهو الطبيب ،دون
السماح بذلك من بعض المسئولين ،دون وجود إذن عام أو تفويض من -8
اإلمام ،ال يجوز؛ ألن ذلك المسئول وكيل ،ينبغى أن يلتزم بحدود ما وكل فيه.
وهللا أعلم.
ِ
ونحوه(.)1 الموضوع السابع :حكم توج ِ
يه المريض إلى صيدلية بعينها،
مستقر لدى أصحاب هذه
ًا شاعت بين األطباء جملة ممارسات ،كادت تصبح عرًفا
المهنة ،وتساهل فيها الناس ،دون اعتناء بمعرفة حكم الشرع فيها ،فمن ذلك(:)2
تحاليل بعينه،
َ ِ
مختبر .1أن يوجه الطبيب المريض إلى صيدلية بعينها ،أو إلى
ويكون بين الطبيب ،وبين الصيدالنى ،أو صاحب المختبر اتفاق على توجيه
أحيانا يوحى الطبيب إلى
المرضى إليه ،مقابل نسبة معينة ،يأخذها الطبيب .و ً
( )1كتب هذا الموضوع الدكتور أبو الخير نشأت أحمد ،مدرس الفقه بكلية الشريعة والقانون بالقاهرة
( )2ينظر :أحكام التعامل بين األطباء والمرضى دراسة فقهية مقارنة :سيد حسني علي يوسف ،رسالة
دكتوراه ،كلية الشريعة والقانون بالقاهرة2018 ،م.
( ) 111
أحيانا ُيكتب عليها عبارةُ (عينة طبية مجانية ،ال يجوز بيعها) أو (ليست مخصصة
و ً
للبيع) ،ومع ذلك يبيعها الطبيب للصيدلية ،لتبيعها للعامة.
مستشفى ،أو لمسئول في
ً طى هذه العينات لطبيب عامل في
أحيانا تُ ْع َ
.4و ً
المستشفى ،بصفة شخصية ،أو بصفته اإلدارية.
بعض المرضى أدوي ًة زائدة ِ .5أن يكون الطبيب
مستشفى ،فيعطى َ
ً عامال في
ً
على سبيل المحاباة.
ٍ
اتفاق بينه وبين بناء على
.6أن يكتب الطبيب أدوية غير الزمة للمريضً ،
ٍ
صيدلية ،أو شركة أدوية على تصريف األدوية.
ٍ
وتفصيل للمسألة، وأحاول فيما يلى صياغة تأصيل فقهى لهذه المسائل ،في ٍ
بسط
وذلك من خالل النقاط التالية:
وال يجوز لصاحب الصيدلية أو المختبر أن يعطى الطبيب هذا المال؛ ألنه إعانة
على المنكر ،الذى هو غش المرضى ،وقد اعتبرته اللجنة الدائمة لإلفتاء بالمملكة
السعودية من قبيل الرشوة(.)1
وقد ذكر ابن القيم أن أصحاب الصنائع إذا اشتركوا فأدت شركتهم إلى اإلضرار
بالعامة وجب على اإلمام منعهم من ذلك .وما وجب هذا المنع إال ألن رفع الضرر عن
المسلمين واجب ،وتقدم أنه ال يجوز إفساد السوق ،ولو كان بإرخاص السعر(.)2
ثانيا :حكم الهدايا المقدمة لألطباء من شركات األدوية على سبيل الدعاية:
ا
الهدايا التي تقدمها شركات األدوية عن طريق مندوبيها لألطباء إنما يقصد بها
الترويج لمنتجاتهم ،وقد يكون فيها تأثير على أمانة الطبيب ،وشراء لذمته ،بحيث يكتب
مستشفى ما ليشترى المستشفى ذلك الدواء .وتفصيل
ً لمرضاه ذلك الدواء ،أو يسعى لدى
القول فيها في نقطتين:
( )1فتاوى اللجنة الدائمة ،المجموعة األولى ،ط رئاسة إدارة البحوث العلمية واإلفتاء ،الرياض،
.567/23
( )2راجع الطرق الحكمية ،البن القيم ،ص.222 – 217
( ) 114
أنه إذا كان لقرار الطبيب تأثير ،بحيث يحمل المستشفى على الشراء من )1
هذه الشركة فهذه رشوة؛ ألنه إن توصل بها إلى باطل ،كأن يتوسط لشراء
المستشفى ما ال يلزم ،أو لشرائه بسعر أغلى ،فهى رشوة ،وإن لم ُيتوصل بها
إلى باطل ،فأقل ما فيها أن تكون من قبيل أخذ الهدية على الشفاعة ،وذلك
محرم بنص حديث أبى أمامة أن النبى ﷺ قال" :من شفع ألخيه شفاعة،
بابا عظيما من أبواب الربا"(.)1
فأهدى له هدية عليها ،فقبلها ،فقد أتى ً
وإن لم يكن للطبيب قرار مؤثر في شراء المستشفى من الشركة فهو من )2
هدايا العمال ،التى ما كانت لتأتيه لو جلس في بيته ،وهى محرمة ،وقد تقدم
اللتِبي ِ
َّة في ذلك. حديث ابن ُّ َ
أن الطبيب -وإن كتب الدواء المناسب للمرضى ،ولم يتأثر بالهدية )3
والدعاية -فإن هذا إنما حرم من أجل سد الذرائع.
أن الهدية –على فرض وجود حاالت مباحة ،كالهدايا اليسيرة غير )4
المشروطة -تكون من حق المستشفى؛ ألن الطبيب ٍ -
حينئذ -أجير خاص،
والمستشفى مالك لمنفعته ،وهو وكيل عنه في قبول هذه الهدية ،وحقوق العقد
راجعة إلى الموكل ،ال إلى الوكيل ،كما تقدم .وذلك ما لم يجر عرف داخل هذا
المستشفى أو داخل المشافى بالتسامح في مثل ذلك.
أن الدعاية لألدوية تختلف عن الدعاية للسلع األخرى ،فإن المستهلك يشترى )5
ضرر من الدعاية فعليه هو وحده،
ٌ السلعة بعد الدعاية من ُح ِّر ماله ،وإن كان
دون تأثير على الغير ،بخالف الطبيب ،فإن قبوله للهدية على سبيل الدعاية ال
العامل في
َ الطبيب
َ يقع ضرره عليه ،بل يؤثر على مصلحة المريض .وهذا يعم
العامل في عيادته الخاصة؛ إذ إن كليهما أمين على صحة
مستشفى لغيره ،و َ
ً
الناس.
أسعار أدويتها؛ ألنها ِ
الشركات فع
أن هذا النوع من المعامالت يؤدى إلى ر ِ )6
َ
تضيف ما تنفقه في الدعاية إلى أسعار األدوية ،فتحملها على المستهلك ،وهو
المريض ذو الحاجة.
أن ما ُيدفع إلى الطبيب من قبل الشركة هو أقرب إلى األجرة منه إلى )7
اتبا شهرًيا لبعض األطباء ،واألجرة في
أحيانا -تخصص الشركة ر ً
الهدية ،بل – ً
عمل تتضارب فيه مصلحة المرضى ومصلحة الشركة، هذه الحالة هى مقابل ٍ
انتشار
إهماال في تصنيع الدواء ،و ًا
ً مخصصاتها للبحث العلمى ،فينعكس ذلك
للغش وعدم اإلتقان ،وكالهما محرم شرًعا ،وفيه ضرر ،قد يؤدى إلى اإلضرار
بصحة الناس ،وإلى وفاة بعضهم ،وما أدى إلى محرم فهو محرم ،وال ضرر وال
ضرار.
أن ذلك قد يدفع الطبيب إلى وصف أدوية غير الزمة للمريض ،وفى ذلك )9
إرهاق مالى للمريض ،وإضرار به.
مستشفى ،ومثله مدير المستشفى ،إذا قدمت له ً هذا حكم الطبيب العامل في
الهدايا بصفته الشخصية ،فإن قدمت له بصفته اإلدارية ،فقبلها ،بدون إذن أو علم من
صاحب المستشفى (فى حالة المستشفى الخاص) ،أو من اإلمام أو نائبه (فى حالة
المستشفى الحكومى) ،فالمدير في هذه الحالة مر ٍ
تش وخائن لألمانة ،فإن كان بإذن
اإلمام أو نائبه وال يتوقع منه ضرر فال بأس ،فإن تُُوِّق َع منه ضرر فهو محرم على
المدير إن علم بذلك ،وعلى من فوقه ممن َقِب َل الرشوة ،وفى حالة المسشتفى الخاص إن
القابل
َ كان بإذن صاحب المستشفى فيكون المستشفى بـ(شخصيته االعتبارية) هو
للهدية ،ويكون الكالم في مالك المستشفى كالكالم في الطبيب في عيادته الخاصة ،وهو
ما سيأتى في الفقرة التالية.
الحالة الثانية :أن يكون الطبيب في عيادته الخاصة :ففيه المحاذير السابقة ،إال
أنه غير داخل في هدايا العمال ،بل يحرم؛ لما فيه من اإلضرار بالمرضى؛ ألن الغالب
أن الطبيب سيقدم مصلحتَه مع الشركة ،وبالتبع مصلح َة الشركة على مصلحة
المريض ،وحتى لو كان واثًقا من نفسه أنه لن يفعل ذلك ،فإنه ال يجوز له الدخول في
هذا العقد؛ ألن الشركة ما فعلت ذلك إال لتشترى به ذمته وأمانته ودينه ،فيكون رشوة
محرمة ،سواء وَفى الطبيب بما تعاقد عليه ،أم لم ِ
يف ،ثم هو ذريعة إلى الفساد ،حكمها ٌ َ
التحريم ،وهللا أعلم.
وإذا تبين ما في هذه الممارسات من وجوه التحريم ،فإن األولى بشركات األدوية أن
تبذل ما تنفقه على الدعاية المحرمة في تحسين منتجاتها الدوائية ،وزيادة مخصصات
( ) 117
كما يجب على اإلمام أن يتدخل إذا ظهر الفساد في هذه األمور ،بأن يجعل تعامل
شركات األدوية مع الصيدليات فقط ،دون األطباء ،وأن يتدخل بالتسعير ونحوه ،إذا لزم
األمر.
ِ
الطبيب األدوي َة المهدا َة: بيع
حكم ِ
ثال اثاُ :
أحيانا تكتب الشركة على العينة عبارة "غير مخصص للبيع" ،وفى هذه الحالة ً
تكون الهدية من قبيل الصدقة ،أو الدعاية لدى المستهلك ،وال تُ َعُّد من قبيل الهدية
وكيال عن الشركة في تصريفها
المشروطة بعدم التصرف فيها بالبيع ،بل يعتبر الطبيب ً
بالطريقة التى َحَّد َد ْت َها الشركة .هذا على فرض جواز قبولهاَّ ،
أما وقد تبين عدم جواز
قبولها؛ فإنه -بناء على ذلك -ال يجوز بيعها ،لعدم ثبوت ِ
الملك فيها بطريق شرعى،
حسا(.)1
والمعدوم شرًعا كالمعدوم ًّ
ابعا :حكم المال الذى اكتسبه الطبيب من هذا الطريق:
را
هذه معاوضة محرمة وقعت بين الطبيب ،وبين الصيدلية ،أو المختبر ،أو شركة
األدوية؛ فالمال الحاصل منها مال حرام يجب التخلص منه برده إلى مالكه ،أو
بالتصدق به.
خامسا :حكم تصرف الطبيب في األدوية بإعطائها للمرضى على سبيل المحاباة.
ا
مستشفى أن يعطى من أدوية المستشفى ألحد على
ً ال يجوز للطبيب العامل في
سبيل المحاباة؛ ألن المحاباة ال يجوز إال أن تكون من خالص ماله ،فأما هذا فإنه
تصرف فيما ال يملك ،وهو ضامن لهذا ،ويجب عليه رده إلى المستشفى بعينه إن وجد،
تاما تعتبر من
تشابها ً
ً وإال فبمثله؛ ألن األدوية والمصنوعات الحديثة المتشابهة
( )1أى؛ أن الملك لما ثبت بغير طريق الشرع ،كان كالعدم ،فيكون من بيع ما ال يملك.
( ) 118
غصبا.
ً اختالسا ،أو
ً المثليات ،فإن لم يوجد المثل ضمنه بقيمته؛ لكونه
الوحدة الرابعة
وتحتوي على:
وكلها من إعداد الدكتور /مصطفى أحمد محمد حسين مدرس الفقه المقارن بكلية
الشريعة والقانون بأسيوط.
( ) 120
()1
الموضوع األول :تصنيع وبيع المنشطات والمكمالت الغذائية
إن مسألة تصنيع وبيع المنشطات والمكمالت الغذائية يتوقف حكمها على حكم
استعمالها ،فالحالل استعماله يحل تصنيعه ،ويحل بيعه ،وما حرم استعماله حرم
تصنيعه ،وبيعه ،وشراؤه ،وحرم كل أمر يجعل الوصول إلى المحرم سهالً ،ودليل ذلك
{وتَ َع َاوُنوا َعَلى اْلِب ِّر
من الكتاب ،والسنة ،والقواعد الفقهية :أما من الكتاب :ـ قال تعالىَ :
()2
ان} . والتَّْقوى وال تَعاوُنوا َعَلى ِ
اإل ْث ِم واْل ُع ْدو ِ
َ َ َ َ َ ََ
وجه الداللة من اآلية :إن هللا عز وجل حث المؤمنين على التعاون فيما بينهم
فيما فيه بر وتقوى هللا ،وأما ما فيه إثم وعدوان فقد نهو عن التعاون عليه.
وصناعة وبيع وتوصيل ...المحرمات من باب التعاون على أمر محرم استعماله،
وهو منهي عنه بنص اآلية.
وأما من السنة:
1ـ عن تميم الداري ،عن النبي أنه قالَ« :ال َي ِح ُّل َث َم ُن َشي ٍء َال َي ِح ُّل أَكُل ُه
()3
َو ُشرُب ُه»
2ـ عن ابن عمر ،عن عمر رضي هللا عنه قالَ " :ال َت ِح ُّل ِ
الت َج َارُة ِفي َشي ٍء َال َي ِح ُّل
()4
أَكُل ُه َو ُشرُب ُه "
( )1كتب هذا الموضوع الدكتور مصطفى أحمد محمد حسين ،مدرس الفقه المقارن بكلية الشريعة
والقانون بأسيوط.
( )2سورة المائدة من اآلية " ."2
( )3الحديث أخرجه الدار قطني في السنن كتاب البيوع " 2817 " 389 / 3قال ابن عبدالهادي
مختلف في اسمه"
ٌ ضعفوه ،وهو
النخعي (أحد رواة الحديث)َّ :
ُّ في تنقيح التحقيق ":87 /4وأبو مالك
( )4الحديث أخرجه البيهقي في سننه الكبرى كتاب البيوع باب تحريم بيع ما يكون نجسا ال يحل
أكله "11052 " 23 / 6
( ) 121
َعَلى َعشَرِة 3ـ عن ابن عمر ـ رضي هللا عنه قال ـ قال رسول هللا ُ" :ل ِعَن ِت ال َخمُر
وع ِ ِ ِ ِ وج ٍ ِ ِ
اصُرَها، ََ اع َها،
يهاَ ،وَبائ ُع َهاَ ،و ُمب َت ُوهُ :لعَنت ال َخمُر ِب َعين َهاَ ،و َش ِارُب َهاَ ،و َساق َ ُُ
()1
امُلها ،والمحموَل ُة ِإَلي ِه ،و ِ
آك ُل َث َم ِن َها " ِ ِ
َ َو ُمع َتصُرَهاَ ،و َح َ َ َ ُ
وجه الداللة من هذه األحاديث:
اء
بيعا وشر ً
دلت هذه األحاديث داللة صريحة على تحريم ثمن الشيء المحرم ً
وتيسير لوصوله ،واستعماله ،وعدم جواز أخذ أجر على أي من ذلك.
ًا
فهاتان القاعدتان تربطان حكم فعل الشيء وجوازة للمرء بحكم بذله والتعامل فيه.
وبعد هذا البيان لتقرير األصل الذي سننطلق منه ،وهو أن حكم بيع الشيء
وتصنيعه مبني على حكم استخدامه ،ننتقل اآلن إلى حكم استعمال المنشطات.
( )1الحديث أخرجه اإلمام أحمد في مسنده "4787 " 398 /4وقال محققه الشيخ أحمد شاكر":
إسنا ده صحيح" ،وأخرجه ابن ماجه في سننه كتاب األشربة .باب .لعنت الخمر على عشرة أوجه /2
" 3380 " 1121وقال الذهبي في تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق ":96 / 2وصححه أكثرهم ".
( ) 2ومعنى هذه القاعدة :أن الشيء المحرم عليك فعله كالربا ،والرشوة ،وأجرة الكهانة ،وغير ذلك كما
ال يجوز لك أن تأخذ هذه األشياء وأن تفعلها ،ال يجوز لك أن تبذل الربا لغيرك ،وال أن ترشي غيرك،
وال أن تعطي األجرة لكاهن .األشباه والنظائر للسيوطي ص ـ .150
( )3األشباه والنظائر للسيوطي ص ـ .151
( ) 122
يختلف حكم استعمال المنشطات على حسب نوع المنشط ،وعلى حسب الحاجة
الداعية إليه ،وفيما يلي بيان ألنواع المنشطات ،وحكم استعمالها:
أنواع المنشطات:
تختلف أنواع المنشطات إلى أنواع شتى وذلك على حسب تنوع اعتباراتها
فتختلف من حيث التركيب الكيميائي ،ومن حيث الغرض الذي تؤخذ من أجله ،والذي
يعنينا هنا هو أنواع المنشطات من حيث الغرض الذي تؤخذ من أجله ،وباستقراء أحوال
الناس تبين أن المنشطات تنقسم على حسب هذا االعتبار إلى نوعين أساسيين:النوع
()1
األول :المنشطات الرياضية.
وهي عبارة عن عقاقير مصنعة ،وقد تكون مو ًّادا طبيعية تؤخذ بكميات غير
()2
طبيعية وبطرق غير معتادة تساهم في رفع اللياقة البدنية.
وقد أثبتت األبحاث الطبية أن تعاطي المنشطات الرياضية يؤدي إلى أمراض
()1
نفسية ،وعضوية.
( )1هذا هو المسمى العام لهذا النوع وهو ال يعني أنه قاصر على الرياضيين بل يدخل فيه ما
يتعاطاه العمال ،والجنود ،وأصحاب المهن المختلفة كالسواقين وغيرهم ،بل وقد يتعاطاه من ال عمل
له.
وجه الداللة من الحديث :إن المنشطات تسبب أض ار ار،وكل شيء يؤدي إلى ضرر فهو
()3
محرم.
()4
2ـ ـ قال رسول هللا "من غش فليس منا" .
وجه الداللة من الحديث :إن استخدام المنشطات إذا كان استخدامها من أجل التأثير
على نتائج المنافسة الرياضية المباحة فهو نوع من الخداع والغش ،وقد حرم النبي
()1
صلي هللا عليه وسلم ذلك ،كما يدل عليه ظاهر الحديث.
( )1ينظر في أضرار المنشطات الرياضية بحث :المنشطات العقاقير في المجال الرياضي لألستاذ
الدكتور سعد كمال طه المنشور بمجلة بحوث التربيه الشاملة بمصر ع 1/2بتصرف ،وبحث :دراسة
تحليلية لوقائع استخدام المنشطات الرياضية في ظل نظام العولمة ألسير هادي جاري (بحث منشور
بمجلة كلية التربية الرياضية بجامعة بغداد ع / 3م /24ص 82بتصرف.
( )2أخرجه الشافعي في مسنده كتاب الشفعة ،" 575"165 / 2وأحمد في مسنده 2865 " 55/5
" ،والدارقطنى في السنن كتاب البيوع باب الجعالة ،" 3079 " 51/4والطبراني في األوسط ،ـ
واللفظ له " - 238/5ح " ،5193والحاكم في المستدرك 66/2ح " " 2345وقال " صحيح
اإلسناد ،على شرط مسلم ،ولم يخرجه " ،ووافقه الذهبي ،والبيهقى في الكبرى كتاب :الصلح – باب:
ال ضرر وال ضرار - 70/6ح " " 11718قال ابن رجب " :حديث حسن ،وله طرق يقوى بعضها
بعضاً " .جامع العلوم والحكم :البن رجب صـ ،302وقال النووي في األربعين ،في الحديث الثاني
والثالثين " :حديث حسن ".
( )3الفقه الميسر .32 /13
( )4الحديث أخرجه اإلمام مسلم في صحيحه كتاب اإليمان باب قول النبي « :من غشنا فليس
منا» 99/ 1ح"."101
( ) 124
3ـ إن ذلك فيه مخالفة للنظام العام وللقوانين ،وقد أمرنا بطاعة أولياء األمور في مثل
أمر بمعصية.
ذلك طالما أنه ليس ًا
4ـ ـ إن استخدام هذه المنشطات قد يتسبب في تعرض حياة اآلخرين إلى الهالك ،وذك
كأن يتعاطاه أصحاب مهنة السواقة ،وقد ثبت أن تعاطي هذه المنشطات يتسبب في
كثير من الحوادث.
ــ الغرض األول :منشطات جنسية تستعمل للتداوي ،كأن يكون المريض به عجز ،أو
()3
كبر سن أو غير ذلك.
الغرض الثالث :منشطات جنسية تستخدم في ممارسة الجنس المحرم ،وذلك بأن يعلم
()4
الصيدلي بأن طالب المنشطات غير متزوج ،أو علم عليه ممارسة الرزيلة.
فأما الغرض األول ،وهو المنشطات بقصد التداوي فهو جائز ،ألن اإلسالم يحث على
التداوي ،ولكن هذا الجواز ليس على إطالقه وإنما هو جواز مقيد بشروط وهذه الشروط
هي:
1ـ أال يتناول المريض تلك المنشطات إال بعد استشارة طبيب ثقة مختص.
عاجال أو آجالً
ً فإن كان هناك ضرر صحي يترتب عليها يتعلق بالشخص
حرم استعمالها( ،مع األخذ في االعتبار أن الضرر يختلف من شخص لشخص ،فقد
يكون دواء كذا مثال مفيد لزيد ويسبب الوفاة لعمر مثال ،فيكون الدواء في حق عمر
حراماً ،وكذلك يختلف ع حسب نوع الدواء ،فقد يكون الدواء الفالني ً
آمنا بينما دواء كذا
له ضرر وآثار جانبية بالغة).
ـ ـ وأما إن كان الدواء آمنا في ذاته غير مضر بمن يتعاطاه ،كان المنشط في حقه
مكروها ،وذلك خشية أال يرتوي متعاطيها من الحالل فتقوده إلى الحرام.
ً
()2
قطعا.
ج ـ وأما استعمال المنشطات في الحرام إن علم بذلك الصيدلي فهو حرام ً
بعد هذا البيان نرجع موضوع الدراسة ،وهو حكم تصنيع هذه المنشطات وبيعها ،ولبيان
ذلك نقول:
أ ـ إن تصنيع وبيع المنشطات التي ال خالف في جواز استعمالها ،كذلك ال خالف في
جواز تصنيعها وبيعها.
ب ـ إذا كانت هذه المنشطات تارة تحل وتارة تحرم؛ فالعبرة بالغالب منها فإن كان
الغالب في استعمالها الجواز كان تصنيعها حالالً ،وإن كان األغلب استعمالها في
الحرام حرمت،وأما بيعها فإن علم الصيدلي (عن طريق اليقين أو غلبة الظن ) بحال
من يتعاطى هذه المنشطات وأنه سيستخدمها في أمر محرم؛ حرم بيعها له ،وال عبرة
بالشكوك واألوهام في ذلك.
ج ـ إن تصنيع وبيع المنشطات التي سبق القول بتحريم تعاطيها فيما سبق يحرم
تصنيعها وبيعها.
()1
الموضوع الثاني :الدعاية الداوئية بغرض تحقيق األرباح
إن األخالق التي ينبغي أن تتوفر في الصيدلي توجب عليه أن تكون نظرته
قاصرة على ما ينفع الناس ويصلح أبدانهم ال إلى جمع النقود فحسب ،لكن الصيدلي
بشر تتطلع نفسه إلى جمع المال والحصول على أرباح مما يجعله يقوم بحملة دعاية
لمنتج معين ،وللوقوف على حكم ذلك نقول إن الدعاية الدوائية جائزة بضوابط معينه
وهي:
.1أن يكون اإلعالن خالياً من المحظورات الشرعية فال يجوز اإلعالن عن السلع
واألمور المحرمة كالخمور والمخدرات ونحوها.
.2أال تستعمل في اإلعالن وسائل محرمة كظهور النساء العاريات ونحو ذلك.
( )1كتب هذا الموضوع الدكتور مصطفى أحمد محمد حسين ،مدرس الفقه المقارن بكلية الشريعة
والقانون بأسيوط.
( ) 127
.3أن يكون اإلعالن صادقاً في التعبير عن حقيقة السلعة ألننا نالحظ أن كثي اًر من
اإلعالنات التجارية فيها مبالغة واضحة في وصف السلع وغالباً ما تكون هذه
األوصاف كاذبة وغير حقيقية ويعرف صدق هذا الكالم بالتجربة.
*إن اإلعالن الكاذب عن السلع والذي يظهرها على غير حقيقتها يعتبر تغري اًر وغشاً
أكل أموال الناس بالباطل. وخداعاً وكل ذلك محرم في شريعتنا اإلسالمية ويؤدي إلى
َن تَ ُكو َن ِت َج َارًة ِ يقول هللا تعالى{ :يا أَي َّ ِ
ِباْل َباط ِل ِإ َّال أ ْ ْكُلوا أ َْم َواَل ُك ْم َب ْي َن ُك ْم
امُنوا َال تَأ ُين َء َُّها الذ َ َ َ
()1
ِ ّللا َك َ ِ ِ عن تَر ٍ ِ
يما} . ان ب ُك ْم َرح ً اض م ْن ُك ْم َوَال تَْقُتُلوا أ َْنُف َس ُك ْم إ َّن َّ َ َْ َ
.4أن ال يترتب على اإلعالن عن السلعة إلحاق الضرر بسلع الناس اآلخرين كأن يذم
()2
األصناف المشابهة ،ألن هذا من الضرر الممنوع شرعاً.
ق()3
الموضوع الثالث :بيع الدواء المحرو
عملية حرق الدواء هي عملية غير مرخصة من الشركات المنتجة لألدوية ،وقد
تتم بعلم بعض الشركات.
وصورتها:يتم خروج الدواء من الشركة باسم صيدلية اسم وهمي ،أو حقيقي ومن ثم
يذهب لمخزن من مخازن األدوية بخصم أعلى من الخصم األصلي للشركة حتى يتمكن
هذا المخزن من اجتذاب الصيادلة حتى يشتروا منه بسعر وخصم أعلى من خصم
الشركة ،ألنه لو تساوى الخصمان فسيشتري الصيدلي من الشركة األم مباشرة ،وفارق
الخصم في عملية البيع للمخزن يأتي من المكافأة التى من المفترض أن يحصل عليها
الموزع إذا حقق المستهدف (التارجت) فمندوب الشركة الذى سيحصل على 400جنيه
()1
سيقوم بالتضحية ب 200جنيه منهم ووضعها كخصم إضافي على الطلبية.
هذه العملية هى عملية ربح للجميع المندوب :رابح ألنه سيحقق المستهدف
بأقل مجهود ممكن و أقل تكلفة ممكنة حيث إنه لو قام بالعمل بشكل رسمي سيتكلف
كثير من المجهود في زيارة الصيدليات و ينفق أموال في المواصالت فقد وفر وقته و
مجهوده و أمواله أيضا .
المخزن :رابح في الحصول على األدوية بخصم إضافي يجذب إليه الصيدليات .
الصيدلي :رابح في الحصول على األدوية بخصم أعلى من خصم الشركات
()2
الشركة المصنعة :رابحة في تحقيق المستهدف المحدد لكل مندوب.
1ـ إن مندوب البيع وكيل عن الشركة ،وليس له من التصرف إال ما أذنت له فيه.
3ـ قد يتم الحرق بطريقة عشوائية مما يجعل المندوب يعمل في مكان أخيه وهذا فيه
إحياء التباغض بين المسلمين لعدم احترام المندوب بائع الدواء المحروق باحترام مكان
أخيه والعمل بما تعارف عليه الناس معتبر شرًعا.
وبناء على ذلك :ال يجوز للصيدلي شرعاً بيع األدوية المحروقة لما بينا من حرمة حرق
ا
الدواء ،وهو بتعامله مع المخازن التي تتعامل بحرق الدواء يتعاون على اإلثم والعدوان.
تتعدد أغراض استعمال األدوية لغير التداوي ،فقد يكون الهدف وراء تناول
غرضا آخر ،وهذه األغراض غالباً ما تكون كاالتي:
الدواء ليس التداوي وإنما يكون ً
قد يكون الهدف األساسي من تناول الدواء هو الوصول إلى حد السكر عن
طريق تناول األدوية المشتملة على مواد مخدرة ،وفي الحقيقة ليست كل األدوية مثل
بعضها في األحكام الشرعية فهناك أدوية ال تجوز إال عند الضرورة كاألدوية المخدرة
بناء على روشتة طبيب ،بل
وما في حكمها ،وهذا النوع من األدوية ال يجوز صرفه إال ً
وإن علم الصيدلي على سبيل اليقين أو غلبة الظن تساهل الطبيب في هذا األمر كان
أيضا أن يصرف هذه الروشته ،ووجب على الصيدلي أن يقدم النصح من غير الجائز ً
للطبيب ومريد العالج من باب األمر بالمعروف ،فإن أبوا وجب تبليغ الجهات المختصة
()2
عن الطبيب للنظر في هذا األمر.
وهنا نالحظ أنه ال حاجة لنا بحالة مريد العالج المشتمل على مخدر وإنما
العبرة بالوصفة الطبية ،ويجب األخذ في االعتبار أن القوانين المنظمة لعمل الصيدليات
له اعتبار شرعي.
( )1كتب هذا الموضوع الدكتور مصطفى أحمد محمد حسين ،مدرس الفقه المقارن بكلية الشريعة
والقانون بأسيوط.
( )2فتاوى يسألونك لألستاذ الدكتور حسام الدين بن موسى عفانة .197 /13
( ) 130
وذلك كأن يتناول الشخص كميات كبيرة من الحبوب المنومة وغيرها من
أيضا إذا غلب على ظن
األدوية التي يكثر استعمالها في هذا الغرض ،ففي هذه الحالة ً
نفسيا ،أوأن يكون قد سبق له
الصيدلي كأن يكون طالب الدواء ُعلم عنه أن به مرضا ً
الشروع في االنتحار ،فضال عن تيقنه أنه يريد االنتحار كأن يصرح طالب الدواء بذلك،
حرم على الصيدلي صرف الدواء ،لما في ذلك كله من التعاون على اإلثم والعدوان
المنهي عنه.
* وإذا أحس الصيدلي بأن الذي يطلب الدواء يسيء استعماله ،كأن يتكرر منه طلب
الدواء نفسه مرات عديدة على فترات متقاربة ،وعلى غير العادة ،أو كان الدواء نفسه
من النوع الذي يساء استعماله عادة مثل بعض المسكنات ،وأشربة السعال ،واألدوية
المضادة للحساسية التي لها آثار منومة أو مخدرة بعض الشيء ،فعليه أن ينصح
المريض بالتوقف عن استعمال الدواء ،ويبين له مخاطره ،فإذا لم يرتدع كان للصيدلي
االمتناع عن صرف الدواء ،فإن غلب على ظنه أو تيقن سوء االستعمال حرم صرف
()1
الدواء.
()1
الموضوع الخامس :بيع او استبدال أدوية التأمين الصحى والمستشفيات العامة
2ـ توفير العالج لكافة المواطنين حتى يكون في مأمن من اختفائه وعدم وجوده.
وقيام بعض الصيادلة بشراء وبيع أدوية التأمين الصحي من خالل صيدلياتهم
العامة لغير المستحقين من جمهور المرضى محرم شرًعا ،وال يجوز وذلك لما يأتي:
()2
ِ
بالباط ِل﴾ أكُلوا أَموالكم بيَنكم
1ـ ـ يقول هللا تعالى﴿ :يا أيها الذين آمنوا ال َت ُ
( )1كتب هذا الموضوع الدكتور مصطفى أحمد محمد حسين ،مدرس الفقه المقارن بكلية الشريعة
والقانون بأسيوط.
( )2سورة النساء اآلية ""29
( )3الموقع الرسمي لدار االفتاء المصرية :المفتي :أمانة الفتوى بالدار ـ بتصرف ـ /فتوى رقم "
"163بتاريخ05/04/2012:
( )4سورة األنفال اآلية ""27
( )5سورة األنفال اآلية ""58
( ) 132
وجه الداللة من هاتين اآليتين :إن قيام العاملين بو ازرة الصحة -أو َمن استُؤمن على
إيصال هذا الدواء إلى مواضعه المخصصة له -ببيعه لمن ال يستحقه ولمن لم ُيؤَذن
لهم في بيعه لهم؛ ُي َعُّد فعلهم هذا خيان ًة لألمانة التي ائتمنهم هللا تعالى عليها ورسوُله
،وائتمنهم عليها المجتمع الذي عاشوا في ظالله ،وأكلوا من َخ ْي ِره ،ثم َس َع ْوا في
ض ْي ِره؛ فهم بذلك داخلون في الخائنين الذين نهانا هللا أن نكون منهم ،وبين أن هذا َ
()1
الصنف من الناس من الذين ال يحبهم هللا.
4ـ ـ ويقول النبي « :فإن دماءكم ،وأموالكم ،وأعراضكم ،بينكم حرام ،كحرمة يومكم
هذا ،في شهركم هذا ،في بلدكم هذا ،ليبلغ الشاهد الغائب ،فإن الشاهد عسى أن يبلغ
()2
من هو أوعى له منه»
وجه الداللة من الحديث :إن بيع الدواء المدعوم لمن ال يستحقه حرٌام شرعا؛ من حيث
كونه استيالء على مال الغير بغير حق ،ويزيد في ِك َب ِر هذا الذنب كو ُن المال المعتدى
عليه ماالً للفقراء والمحاويج ِمن المرضى الذين يحتاجون إلى َمن يرحمهم ويأسوا
جراحهم ،ويخفف أمراضهم ،ال إلى َمن يضرهم وينتقص من حقهم في العالج والدواء
()3
ويعتدي عليه بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
( )1الموقع الرسمي لدار االفتاء المصرية :المفتي :أمانة الفتوى بالدار ـ بتصرف ـ /فتوى رقم "
"163بتاريخ05/04/2012:
( )2الحديث أخرجه البخاري في صحيحه ـ واللفظ له ـ كتاب العلم باب قول النبي « :رب مبلغ
أوعى من سامع» ،"67 " 24/1وأخرجه اإلمام مسلم في صحيحه كتاب الحج باب حجة النبي /2
."1218 " 886
( )3الموقع الرسمي لدار االفتاء المصرية :المفتي :أمانة الفتوى بالدار ـ بتصرف ـ /فتوى رقم "
"163بتاريخ05/04/2012:
( ) 133
6ـ إن في فعلهم هذا مخالفة لولي األمر الذي جعل هللا تعالى طاعتَه في غير
ّ
المعصية ِ
مقارن ًة لطاعته تعالى وطاعة رسوله .
1ـ عن عمرو بن شعيب ،عن أبيه ،عن جده ،أن رسول هللا قال« :من تطبب ،وال
()6
يعلم منه طب ،فهو ضامن»
( )1الموقع الرسمي لدار االفتاء المصرية :المفتي :أمانة الفتوى بالدار ـ بتصرف ـ /فتوى رقم "
"163بتاريخ05/04/2012:
( )2سورة النساء اآلية " ." 59
( )3الموقع الرسمي لدار االفتاء المصرية :المفتي :أمانة الفتوى بالدار ـ بتصرف ـ /فتوى رقم "
""163بتاريخ 2012/4/5/م
( )4كتب هذا الموضوع الدكتور مصطفى أحمد محمد حسين ،مدرس الفقه المقارن بكلية الشريعة
والقانون بأسيوط.
( )5الموقع الرسمي لدار االفتاء المصرية ـ بتصرف ـ /فتوى رقم " " 4131بتاريخ07/09/2017
( )6الحديث أخرجه أبو داود في سننه ـ واللفظ له ـ كتاب الديات .باب فيمن تطبب بغير علم فأعنت
"4586 " 195/4وجاء عقبه ":قال نصر ،قال :حدثني ابن جريج قال أبو داود« :هذا لم يروه إال
الوليد ،ال ندري هو صحيح أم ال» ،وأخرجه الحاكم في المستدرك كتاب الطب "7484 " 236 /4
وقال عقبه ":هذا حديث صحيح اإلسناد ولم يخرجاه " وقال الذهبي في تعليقه على الحديث ":صحيح".
( ) 134
وجه الداللة من الحديث :حذر النبي من تطبب غير الطبيب وتصدره لعالج الناس
متحمل لتبعات فعله وآثار تصرفه؛ فوصف ٍ
أهلية لذلك ،وأخبر أن فاعل ذلك من غير
ٌ
الدواء للمرضى ،وتشخيص حالتهم الصحية ،وتقديم النصح لهم؛ كل ذلك من
ط بالكشف واالستفسار عن حالة المريض،
اختصاص الطبيب المعالج الذي هو منو ٌ
والصيدلي مثل الطبيب إذ إنهما يشتركان في تحمل مسئولية تداوي الناس ،فال يجوز
لغير الصيدلي المقيد رسميًّا في نقابة الصيادلة التجرؤ على مزاولة مهنة الصيدلة إال
بتصريح له بذلك من الجهة المختصة دون غيرها ،وعليه االلتزام بما ُن َّ
ص عليه في
اختصاصه ،وال يتعداه لغيره ،وقيامه بهذا الفعل هو مساعدة لتطبيب غير الطبيب الذي
()1
ال يجوز ،والتعاون على اإلثم والعدوان غير جائز .
2ـ إن السماح لغير الصيدلي بممارسة المهنة فيه مخالفة للوائح والقوانين ،وفي ذلك
مخالفة لولي األمر في أمر ليس بمعصية ،ومخالفة ولي األمر في غير المعصية ال
يجوز.
( )1الموقع الرسمي لدار االفتاء المصرية ـ بتصرف ـ /فتوى رقم " " 4131بتاريخ07/09/2017
( )2كتب هذا الموضوع الدكتور مصطفى أحمد محمد حسين ،مدرس الفقه المقارن بكلية الشريعة
والقانون بأسيوط.
( ) 135
نفسا بغير حق بسبب نظرته القاصرة إلي المال الذي ال يغني عنه من
في موته فيقتل ً
شيئا يوم القيامة.
هللا ً
وإن من هذه الممارسات المحرمة المشتملة على خيانة األمانة ،والتدليس،
وغش الناس ما يتعلق بصناعة الدواء ،وما يتعلق ببيع الدواء ،وبيان هذا يكون كاآلتي:
تعمد إدخال مواد محرمة في صناعة الدواء مثل الكحول وأجزاء الخنزير ونحو ذلك
ـ ُّ
من غير ضرورة ،أو مع الضرورة ووجود البديل.
ـ قيام الجهة المصنعة بصناعة دواء جديد في الظاهر ،ويكون في حقيقة األمر ليس
جديدا ،بل القصد منه الكسب التجاري.
ً
ـ القيام بإعالن أوصاف ومميزات والتهويل من شأنها ،وهي في واقع األمر ضرب من
()1
. سوءا إذا كان للدواء أضرار يتم التهوين من شأنها
الخيال ،بل ويزداد األمر ً
1ــ الغش والتدليس في مجال التسويق:
مغاير
ًا ـ أن يعطي الصيدلي المريض غير الذي وصف له من الدواء ،وهذا قد يكون
تماما لما هو مدون بالروشتة وال يؤدي الوظائف التي يقوم بها العالج المدون ،أو أنه
()2
مغاير للعالج ولكنه يؤدي وظائفه.
ًا يكون
( )1أحكام األدوية في الشريعة اإلسالمية للدكتور حسن بن أحمد بن حسن الفلكي 165بتصرف.
تماما وال يؤدي وظائفه ،فهذا من أعظم أنواع الغش والتدليس والجناية
مغاير للعالج ً
ًا ( )2فإن كان
مرضا آخر بسبب هذا على المريض؛ ألنه يفوت على المريض فرصة العالج ،ويضيف إلى جسمه ً
الدواء ،باإلضافة إلى الكذب ،وأكل أموال الناس بالباطل ،وقد ورد النهي عن ذلك كله.
ـ ـ وأما إن كان مغاي اًر لكل العالج أو بعضه ،ولكنه يؤدي وظائفه فالبد من إعالمه أو إعالم الطبيب،
تاجر لألدوية بل صاحب اختصاص ورسالة ،وله نظرته في الدواء ،فقد يرى إذ إن الصيدلي ليس ًا
تعارضا بين التشخيص والدواء
ً تعارضا بين األدوية المدونة فيها ،أو
ً خطأ في الوصفة الطبية ،أو يرى
المدون في الوصفة ،أما بدون إذن الطبيب أو المريض فال يجوز.
( ) 136
1ـ ـ قال تعالى{ :يا أَُّيها َّال ِذينءامُنوا َال َتأ ُكُلوا أَمواَل ُكم بيَن ُكم ِبالب ِ
اط ِل ِإَّال أَن َت ُكو َن َ َ َ ََ َ َ َ
()1
يما} ِ َّللا َك َ ِ ِ ِتجاراة عن َتر ٍ ِ
ان ب ُكم َرح ا اض من ُكم َوَال َتقُتُلوا أَن ُف َس ُكم إ َّن َّ َ ََ َ َ
وجه الداللة من اآلية :إن اآلية دلت داللة واضحة على تحريم أخذ أموال الناس إال
على سبيل الرضا ،وأما ما كان على غير سبيل الرضا من الغفلة والسهو والغصب،
فهو نهي عنه ،والمريض إنما يذهب للصيدلي على أنه راض على دفع أمواله فيما هو
مدون في الروشته وإعطاء الصيدلي للمريض غير المدون إنما هو أخذ مال بدون
رضاه.
()1
وجه الداللة من الحديث :إن الضرر 4ـ قول النبي ":ال ضرر وال ضرار "
اء غير موصوف يتسبب في ضرره حيث
منهي عنه وفي إعطاء الصيدلي للمريض دو ً
يفوت عليه الشفاء الذي يرجوه.
تعريف االحتكار:
حكم االحتكار :إن االحتكار من األمور المذمومة التي نهى الشرع المطهر عنها وقد
جاءت أدلة كثيرة في النهي عن االحتكار ولكن نكتفي بهذا الحديث :عن معمر بن عبد
هللا بن نافع بن نضلة العدوي قال :سمعت رسول هللا يقول :ال يحتكر إال خاطئ –
()4
مرتين"
فعال يستحق
وجه الداللة من الحديث :إن الخاطئ الذي عناه النبي هو من ارتكب ً
العقاب عليه ،وترتب العقاب على الفعل يدل على التحريم.
وقد وقع خالف قديم في األنواع التي يدخلها االحتكار وجاءت أراؤهم على ثالثة
أقوال:
()1
القول األول :إن االحتكار يكون في أقوات اآلدمي والحيوان فقط ،وبه قال الحنفية
القول الثاني :إن الذي يحرم احتكاره إنما هو قوت اآلدمي فقط ،وما عداه ال يحرم
()2
احتكاره ،وهو رأي الحنابلة
القول الثالث :إن كل ما يضر الناس بحبسه هو احتكار وهو قول أبي يوسف ومحمد
()3
من الحنفية ،والمالكية ،والظاهرية .
( )1االختيار ،160 /4والجوهرة النيرة على مختصر القدوري .286 /2
( )2المغني البن قدامه .167 /4
( )3الجوهرة النيرة على مختصر القدوري ،286 /2ومجمع األنهر في شرح ملتقى األبحر /2
،547التفريع في فقه اإلمام مالك بن أنس ،111 /2والمحلى البن حزم 572/7
( )4المعامالت المالية أصالة ومعاصرة .441 /4
( ) 139
المسألة على أنها مما هو متفق عليه بين المذاهب ،ولكن عرضنا الخالف من باب
()1
األمانة العلمية.
( )1احتكار الدواء في ضوء المستجدات المعاصرة للدكتور إسماعيل غازي مرحبا .بحث بمجلة
العلوم الشرعية بجامعة القصيم بالسعوديةع/3م967 /8وما بعدها
( ) 140
الوحدة الخامسة
وتحتوي على:
وكلها من إعداد د .محمود عفيفي عفيفي حسن مدرس الفقه المقارن بكلية الشريعة
والقانون بالقاهرة.
( ) 141
()1
الموضوع األول :التزام الطبيب بحفظ أسرار المرضى
تعتبر مهنة الطب من المهن الشريفة ،التي يتمنى كثير من الناس الوصول إليها؛
أجرا،
قدرا ،وأفضلها منزل ًة ،وأعظمها ً
أجل األعمال ً
حيث يقوم الطبيب بعمل هو من ّ
فهو يقوم بمساعدة اآلخرين ،وخدمتهم ،والسهر على راحتهم ،والعمل على مداواتهم من
أجل الحصول على حياة كريمة آمنة؛ لذا كان ال بد وأن يكون الطبيب متصفا
باألخالق الحسنة ،وأن يكون محل ثقة لمن يأتي إليه من المرضى للحصول على
الشفاء بإذن هللا ،فيحافظ على أسرار المرضى وخصوصياتهم وال يبوح بها ألحد.
أسرار :جمع كلمة سر ،وهو ما يكتمه اإلنسان ويخفيه ،أو هو ما يخبر به غيره
على وجه اإلسرار.
َخَفى ،)2(وعلى ذلك يكون المقصود بالسر :ما يحدث به ِ
الس َّر َوأ ْ
يقول هللا َ :ي ْعَل ُم ّ
اإلنسان غيره ويسره إليه ،واألخفى من السر ما يحدث به المرء نفسه دون أن يخبر به
خفاء.
أحدا ،وهذا من السر أيضا ،إال أنه أشد األسرار ً
ً
( )1كتب هذا الموضوع الدكتور محمود عفيفي عفيفي حسن ،مدرس الفقه المقارن بكلية الشريعة
والقانون بالقاهرة.
(( )2سورة طه.)7 :
( ) 142
ويقال :أسررت إلى فالن إسرًارا ،وساررته سرًارا ،إذا أعلمته بسرك ،وأسرار الكف
الخطوط بباطنها.
المر َضى :جمع كلمة المريض ،والمريض معروف ،والمرضُّ :ال ُّسْقم نقيض الصحة،
َ
وم ِرض ِ
ومرضا فهو مارض َ
مرضا ْ
ويطلق على اإلنسان والحيوان ،ويقال :مرض فالن َ
ومريض(.)3
لم أقف على تعريف لمصطلح أسرار المرضى عند فقهائنا القدامى رحمهم هللا ،
وهذا ألن المعنى االصطالحي لن يخرج عن المعنى اللغوي.
وقد انتهى مجمع الفقه اإلسالمي في دورته الثامنة لعام 1414ه ـ 1993م إلى أنه
مستكتما إياه من قبل أو
ً يقصد بالسر في المهن الطبية":ما يفضي به اإلنسان إلى آخر
من بعد ،ويشمل ما حفت به قرائن دالة على طلب الكتمان؛ إذا كان العرف يقضي
بكتمانه ،كما يشمل خصوصيات اإلنسان وعيوبه ،التي يكره أن يطلع عليها الناس"(.)4
أسرار المرضى أمانة عند من يقومون بعالجهم؛ لذا كان من الواجب على من يقوم
بهذه المهنة الشريفة أن يكون محل ثقة لمن يأتي إليه من المرضى ،فال يقص أسرارهم
إلى أي أحد ،ال سيما إذا لم توجد ضرورة لذلك ،ولقد جاءت الشريعة اإلسالمية
بالمبادئ العامة والقواعد التي تحفظ على جميع الناس حقوقهم وخصوصياتهم؛ حيث إن
الحفاظ على العرض من أهم الكليات الخمس والمقاصد العامة في الشريعة اإلسالمية،
والحفاظ على أسرار المرضى يعتبر من الحفاظ على أعراض الناس.
يقول ابن الحاج المالكي رحمه هللا " :وينبغي أن يكون الطبيب أمينا على أسرار
أحدا على ما ذكره المريض؛ إ ْذ إنه لم يأذن له في اطالع غيره المرضى ،فال ي ْ ِ
طل ُع ً ُ
على ذلك"(.)1
ولقد تضافرت النصوص من القرآن الكريم والسنة النبوية واآلثار ،التي تبين لنا
وجوب الحفاظ على األسرار ،وحرمة إفشائها وإذاعتها بين الناس( ،)2ال سيما ما كان
متعلقا بحق الغير؛ مما يؤدي إلى اإلضرار بهم ،أو إيذاء مشاعرهم.
ِ ِ
ان َمسُئواال ، وقوله َ :و َّالذ َ
.1قول هللا َ :وأَوُفوا ِبال َعهد ِإ َّن ال َعه َد َك َ
()3
ين ُهم
ِِ ِأل ِ
َماَنات ِهم َو َعهدهم َر ُ
اعو َن.)4( َ
وجه الداللة :فقد أمر هللا بالوفاء بالعهود التي يأخذها اإلنسان على نفسه ،وأنه
عد صفة الوفاء بالعهد والمحافظة على األمانة من
مسئول عنها أمام هللا ،كما أنه ّ
دل فإنما يدل على وجوب المحافظة على أسرار الناس صفات المؤمنين ،وهذا إن ّ
وأماناتهم ،ال سيما أسرار المرضى ،التي يبوح بها أصحابها إلى أطبائهم من أجل
التوصل إلى الدواء الصحيح المالئم لمرضهم ،وتُعد هذه األسرار أمانة في عنق األطباء
المعالجين؛ لذا كان من الواجب عليهم القيام بحفظها وعدم إفشائها؛ صيانة لعهودهم،
وحفاظا على خصوصيات أصحابها.
( )1المدخل البن الحاج المالكي المتوفى سنة 737ه ،الناشر :دار التراث ،جـ4ص.135
( )2غذاء األلباب شرح منظومة اآلداب للسفاريني المتوفى سنة 1188ه ،الناشر :مؤسسة قرطبة ــــ
مصر ،ط :الثانية 1414ه ـــ 1993م ،جـ1ص.115
(( )3سورة اإلسراء.)34 :
(( )4سورة المؤمنون.)8 :
( ) 144
اط ِب ْب ِن أَِبي َبْلتَ َعة"؛ حيث َكتَ َب ومما يؤيد ذلك ما رواه البخاري ومسلم في قصة "ح ِ
َ
ّللاُ َرُسوَل ُه َ عَلى َذلِ َك، ول َّ ِ
ش يعلِمهم ِبَقصِد رس ِ
طَل َع َّ
ام اْلَف ْت ِحَ ،فأَ ْ ّللا ِ إي ُ
َّاه ْم َع َ
ٍ
إَلى ُق َرْي ُ ْ ُ ُ ْ ْ َ ُ
ِ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ام عمر بن ص َن َعَ ،فَق َ ض َر َحاطًبا َفأََق َّر ب َما َ استَ ْح َ َف َب َع َث في إ ْث ِر اْلكتَاب َف ْ
استَ ْر َج َع ُهَ ،و ْ
ِ
ين؟ّللاَ َوَرُسوَل ُه َواْل ُم ْؤ ِمن َ
ان ََّض ِر ُب ُعُنَق ُهَ ،فِإَّن ُه َق ْد َخ َ
الخطاب ،فقال :يا رسول هللا ،أ ََال أ ْ
ِ يك َلع َّل َّ َّ ِ
ال :اع َمُلوا َّللا اطَل َع َعَلى أَهل َبد ٍر َفَق َ الَ « :دع ُهَ ،فإَّن ُه َقد َش ِه َد َبداراَ ،ما ُيد ِر َ َ َ َفَق َ
َما ِشئ ُتم َفَقد َغ َفر ُت َل ُكم»(.)2
.1ما رواه أبو داود والترمذي عن جابر بن عبدهللا رضي هللا عنهما ،أنه سمع رسول
ان َح ِدي اثا َفَأرَى ال ُم َحَّد ُث ال ُم َح ِد َث َيل َت ِف ُت َحوَل ُه َف ِهي هللا ،يقولِ«:إ َذا َحَّد َث ِ
ال ن َس ُ
َ
َماَن ٌة»(.)3
أَ
.2ما رواه البيهقي عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال :قال رسول هللا
اح ِب ِه
ان ِباألَماَن ِةَ ،ف َال ي ِح ُّل ِألَح ِد ِهما أَن يف ِشي عَلى ص ِ
َ ُ َ َ َ َ َ َ
س الم َت َجالِ َس ِ َِّ
«:إن َما َي َت َجاَل ُ ُ
َما َيكَرُه»(.)1
.3ما رواه اإلمام أحمد عن أبي الدرداء ،قال :قال رسول هللا َ «:من َس ِم َع ِمن
َماَنةٌَ ،وإِن َلم َيس َتك ِتم ُه»(.)2 ِ ِ
َر ُج ٍل َحدي اثاَ ،ال َيش َتهي أَن ُيذ َكَر َعن ُهَ ،ف ُه َو أ َ
.4ما أخرجه اإلمام أحمد عن أنس بن مالك ،ما خطبنا نبي هللا إال قالَ«:ال
ين لِ َمن َال َعه َد َل ُه»(.)3 ِ ِ ِ
َماَن َة َل ُهَ ،وَال د َ
يما َن ل َمن َال أ َ
إ َ
وجه الداللة :فهذه األحاديث ظاهرة الداللة على كون ما يخبر به الشخص غيره أنه
ُيعد أمانة في عنقه ،فيجب الحفاظ عليها ،ال سيما إذا ما كانت العالقة بين الشخصين
قائمة على أساس الثقة بينهما ،وعدم إفشاء أحدهما لسر اآلخر ،كعالقة الطبيب
بمريضه؛ حيث ال يذهب المريض للطبيب إال إذا كان واثقا فيه ،مؤتمنا إياه على
أس ارره؛ لذا يحرم على الطبيب أن يفشي سر مريضه.
صحيح مسلم ،كتاب :الفضائل ،باب :من فضائل أنس بن مالك ،رقم،)2482(: ()1
جـ4ص.1929
صحيح البخاري ،كتاب :االستئذان ،باب :حفظ السر ،حديث رقم ،)6289(:جـ8ص.65 ()2
صحيح البخاري ،كتاب :النكاح ،باب :عرض اإلنسان ابنته أو أخته على أهل الخير، ()3
رقم ،)5122(:جـ7ص.13
المنتقى من كتاب مكارم األخالق للخرائطي ،المتوفى سنة 327ه ،ص ،148اآلداب الشرعية ()4
البن مفلح جـ2ص.268
( ) 147
خصوصياته ،ال سيما إذا كان مشروطا أو جرى العرف به بين الناس؛ حيث يعتبر هذا
السر مستودعا عنده ومؤتمنا عليه(.)1
ومن المعقول :أن في إفشاء سر المريض ضر ار نفسيا وأذى معنويا له ،بل يترتب
على كشف األسرار الطبية اإلضرار بالمهنة نفسها؛ ألنه عندما يفقد المريض الثقة
بالطبيب فإنه لن يبوح له بكل ما لديه ،وبالتالي ال تنكشف حقيقة المرض ،وهذا كله من
الضرر المنهي عنه شرعا(.)2
وليعلم العاقل منا أن إفشاء أسرار الغير بين الناس من األمور المستقبحة شرعا
وعقال وعرفا ،وأن هذا الصنيع ليس من فعل الرجال وال من أخالقهم ،بل إن إفشاء سر
الغير ينقص من قدر الرجل بين أقرانه.
سر نفسه؛ ألنهسر غيره أقبح من إظهار ِّ يقول أحد الصالحين" :وإظهار الرجل ّ
متبرعا"(.)3
يبوء بإحدى وصمتين :إما بالخيانة إن كان مؤتمنا ،أو بالنميمة إن كان ّ
أي شيء أوضع للرجال؟ قال :كثرة الكالم،
وقد قيل لعدي ابن حاتم رحمه هللا ّ :
وإضاعة السر ،والثقة بكل ٍ
أحد(.)4 ّ
ج
األصل في التعامل مع أسرار المرضى حرمة إفشائها للغير؛ حيث تُعد هذه األسرار
أمانة في أعناق األطباء ،يجب الحفاظ عليها ،لكن توجد هناك بعض الحاالت التي
يجوز للطبيب فيها إفشاء سر المريض ،هي كما يلي:
( )1اآلداب الشرعية البن مفلح المتوفى سنة 763ه ،ط :عالم الكتب ،جـ2ص.267
( )2الموسوعة الميسرة في فقه القضايا المعاصرة ـــ قسم الجنايات والقضاء والعالقات الدولية،
إعداد :مركز التميز البحثي في فقه القضايا المعاصرة ،ط :األولى لعام ،.)2(1436
جـ1ص.106
( )3لباب اآلداب ألبي المظفر الشيزري ،المتوفى سنة 584ه ،الناشر :مكتبة السنة ــ القاهرة ،ط:
الثانية1407 ،ه ،ص.239
( )4المرجع السابق.
( ) 148
الحالة األولى :انقضاء حالة كتمان السر :إذا انتهت حالة السر من غير جهة
الكاتم لها ،فال بأس أن ُيتكلم بذلك ،ويكون انقضاء حالة السر بأمور أهمها ما يلي:
أ) أن يبوح بالسر صاحبه نفسه؛ ألنه ال يعود س اًر فيكتم ،ولذا فيرتفع الحرج بذلك ،ومع
هذا فقد تبقى بعض التفاصيل التي لم يبح بها س ار إن كان يكره التصريح بها ،أو
يكون في إعالنها ضرر عليه.
ب) انقضاء األضرار والمفاسد التي يتضرر بها المكتوم عنه أو غيره ،سواء كانت بدنية
أو نفسية أو معنوية أو مالية ،وهذا إن كان سبب مشروعية الكتمان الضرر ،فأما
إن كان سبب الكتمان حمل األمانة فال تنقضي بذلك ،ما لم يأذن صاحب السر
بإعالنها أو يعلنها هو بذاته.
ج) أن يكون االلتزام بكتمان السر إلى أجل ،وبالتالي فإنه يجوز إفشاؤه إذا انتهى
األجل.
د) أن يأذن صاحب السر في إفشائه ،فإذا أذن صاحب السر بإفشائه فإنه يجوز حينئذ
أن يبوح به.
يقول ابن الحاج رحمه هللا ":ولو أذن فينبغي أن ال يفعل ذلك معه ،اللهم إال أن
يعلم من المريض في أمره بذلك استجالب خواطر اإلخوان ،ومن يتبرك بدعائه له
بظهر الغيب فهذا مستثنى مما تقدم"(.)1
الحالة الثانية :موت صاحب السر :إذا مات صاحب السر فإنه يجوز إفشاؤه؛
وذلك ألن ضرر البوح بالسر ينتفي بالموت غالبا ،ولكن في المسألة تفصيل.
فقد نقل اإلمام ابن حجر رحمه هللا ":إذا مات ال يلزم من الكتمان ما كان يلزم
في حياته ،إال أن يكون عليه غضاضة .قلت ـ ابن حجر ــ :والذي يظهر انقسام ذلك
إلى أقسام :فيكون مباحا ،وقد يستحب ذكره ولو كرهه صاحب السر ،كأن يكون فيه
تزكية له من كرامة أو منقبة أو نحو ذلك ،ويكون مكروها ،وقد يحرم ،...وقد يجب كأن
يكون فيه ما يجب ذكره كحق عليه كان يعذر بترك القيام به فيرجى بعده إذا ذكر لمن
يقوم به عنه أن يفعل ذلك"(.)1
ومما يدل على ذلك ما رواه البخاري عن عائشة رضي هللا عنها قالتِ :إَّنا ُكَّنا
السالَ ُم تَ ْم ِشي، احدةَ ،فأَْقبَلت َف ِ ِ ِ ِ
اط َم ُة َعَل ْي َها َّ يعاَ ،ل ْم تُ َغ َاد ْر مَّنا َو ِ َ ٌ َ ْ النب ِّي ع ْن َدهُ َجم ً
اج َِّ أ َْزَو َ
الَ « :م ْر َحًبا ِب ْاب َنِتي» ول َّ ِ ّللاِ ما تَ ْخَفى ِم ْشيتُها ِم ْن ِم ْشي ِة رس ِ
آها َرَّح َب َق َ ّللا َ ،فَل َّما َر َ َ َُ ََ الَ َو َّ َ
اء َشِد ًيداَ ،فَل َّما َأرَى ُح ْزَن َها ِ ِِ ِ ِِ
َجَل َس َها َع ْن َيمينه أ َْو َع ْن ش َماله ،ثُ َّم َس َّارَهاَ ،ف َب َك ْت ُب َك ً ثُ َّم أ ْ
ّللاِ ول َّ صك َرُس ُ
س َّارها الثَّ ِاني َةَ ،فِإ َذا ِهي تَضحكَ ،فُقْلت َلها أَنا ِمن بي ِن ِنس ِائ ِه :خ َّ ِ
َ ُ َ َ ْ َْ َ َ ْ َُ َ َ َ
ّللا َ سأَْلتُ َهاَ :ع َّما َس َّارِك؟ َقاَل ْتَ :ما ِ ِ ِ ِب ِ ِ ِ
ول َّام َرُس ُ ينَ ،فَل َّما َق َالس ِّر م ْن َب ْين َنا ،ثُ َّم أ َْنت تَْبك َّ
ّللاِ ِ س َّرهَ ،فَل َّما تُوِّفيُ ،قْلت َلها :ع َزمت عَلي ِك ِبما لِي عَليكِ ول َّ ِ
ُك ْن ُت ألُْفشي عَلى رس ِ ِ
َْ ُ َ َ ُْ َْ َ ُ َ ُ َ َ َُ
ين َس َّارِني ِفي َخبرْتِنيَ ،قاَل ْت :أ َّ ِ َخ َب ْرِتِنيَ ،قاَل ْت :أ َّالح ِّق َل َّما أ ْ ِ
َما ح َ اآلن َف َن َع ْمَ ،فأ ْ َ َ
َما َ م َن َ
آن ُك َّل َس َن ٍة َم َّرًةَ ،وإَِّن ُه َق ْدض ُه ِبالُق ْر ِ ان ُي َع ِار ُيل َك َ َخبرِني«:أ َّ ِ
َن ج ْب ِر َ
ِ ِ
األ َْم ِر األ ََّولَ ،فإَّن ُه أ ْ َ َ
اصِب ِريَ ،فِإِّني ِن ْع َم َج َل ِإ َّال َقِد ا ْقتَ َر َبَ ،فاتَِّقي َّ عار ِ ِ ِ
ّللاَ َو ْ ام َم َّرتَْي ِنَ ،والَ أ ََرى األ َالع َضني به َ ََ َ
ف أ ََنا َل ِك»َ .قاَل ْتَ :ف َب َك ْي ُت ُب َك ِائي َّالِذي َأرَْي ِتَ ،فَل َّما َأرَى َج َزِعي َس َّارِني الثَّ ِان َي َة، السَل ُ
َّ
اء َهِذِه اء المؤ ِمِنين ،أَو سِيدة ِنس ِ
ُ ْ َ ْ َ َّ َ َ
اطم ُة ،أَالَ تَرضين أَن تَ ُكوِني سِيدة ِنس ِ
َ َّ َ َ ْ َ َْ ْ
ِ
الَ «:يا َف َ َق َ
ُم ِة»(.)2األ َّ
الحالة الثالثة :أن يؤدي الكتمان إلى ضرر أبلغ من ضرر الفشاء :إذا كان حفظ
السر يؤدي إلى ضرر عظيم أو مفسدة عظيمة فإنه يجوز إفشاؤه ،وعلى هذا سار
علماء الحديث الشريف في كشف أحوال الرواة ووقائع وقعت لهم تدل على فسق أو قلة
دين أو تساهل في الكذب ،أو نحوه ،ال بغرض العيب على المسلمين.
وإنما بغرض تفويت الفرصة على هؤالء؛ حتى ال يغتر الناس بأحاديثهم فيظنوها
صحيحة ،وهي ضعيفة أو مكذوبة ،فإن استمرار الكذب وبناء األحكام الشرعية على
أحاديث منسوبة إلى النبي كذبا أعظم ضر ار من كشف كذب الكاذبين.
الحالة الرابعة :دفع الخطر :يجوز إفشاء السر في حالة دفع الخطر عن النفس أو
الغير.
قال ابن حجر الهيتمي رحمه هللا ":وحينئذ ينبغي السكوت عن حكاية كل شيء
شوهد من أحوال الناس ،إال ما في حكايته نفع لمسلم أو دفع ضر ،كما لو رأى من
يتناول مال غيره فعليه أن يشهد به"(.)1
وقال اإلمام الذهبي رحمه هللا ":وينبغي لإلنسان أن يسكت عن كل ما رآه من
أحوال الناس ،إال ما في حكايته فائدة للمسلمين ،أو دفع معصية"(.)2
(قرار مجمع الفقه السالمي):انتهى مجلس مجمع الفقه اإلسالمي في دورته الثامنة،
لعام 1414ه ـ 1993م ،وذلك بعد اطالعه على البحوث الواردة إلى المجمع
بخصوص موضوع":السر في المهن الطبية" إلى ما يلي :أوال:
أ) السر :هو ما يفضي به اإلنسان إلى آخر مستكتما إياه من قبل أو من بعد ،ويشمل
ما حفت به قرائن دالة على طلب الكتمان؛ إذا كان العرف يقضي بكتمانه ،كما
يشمل خصوصيات اإلنسان وعيوبه التي يكره أن يطلع عليها الناس.
اما بما جاءت به الشريعة اإلسالمية ،وهو
ب) السر أمانة لدى من استودع حفظه ،التز ً
ما تقضي به المروءة وآداب التعامل.
ٍ
مقتض معتبر موجب للمؤاخذة شرًعا. ج) األصل حظر إفشاء السر ،وإفشاؤه بدون
د) يتأكد واجب حفظ السر على من يعمل في المهن التي يعود اإلفشاء فيها على
أصل المهنة بالخلل ،كالمهن الطبية؛ إذ يركن إلى هؤالء ذوو الحاجة إلى محض
النصح وتقديم العون ،فيفضون إليهم بكل ما يساعد على حسن أداء هذه المهام
الحيوية ،ومنها أسرار ال يكشفها المرء لغيرهم حتى األقربين إليه.
ثانيا :تستثنى من وجوب كتمان السر حاالت يؤدي فيها كتمانه إلى ضرر يفوق
ضرر إفشائه بالنسبة لصاحبه ،أو يكون في إفشائه مصلحة ترجح على مضرة كتمانه،
وهذه الحاالت على ضربين:
ج) االستثناءات بشأن مواطن وجوب اإلفشاء أو جوازه ينبغي أن ينص عليها في نظام
مزاولة المهن الطبية وغيره من األنظمة ،موضحة ومنصوصاً عليها على سبيل
الحصر ،مع تفصيل كيفية اإلفشاء ،ولمن يكون ،وتقوم الجهات المسؤولة بتوعية
الكافة بهذه المواطن.
( ) 152
ثالثا :يوصي المجمع نقابات المهن الطبية وو ازرات الصحة وكليات العلوم الصحية
بإدراج هذا الموضوع ضمن برامج الكليات واالهتمام به وتوعية العاملين في هذا المجال
بهذا الموضوع ،ووضع المقررات المتعلقة به ،مع االستفادة من األبحاث المقدمة في
هذا الموضوع ،وهللا أعلم(.)1
()2
الموضوع الثاني :المسؤولية الجنائية لألطباء ومن في حكمهم
تعتبر مهنة الطب من المهن المهمة ،التي يحتاج إليها كثير من الناس في هذه
ألمت بالناس؛ مما جعل هذه األيام؛ لالستعانة بأهلها في مداواة األمراض التي ّ
المؤسسات الطبية اليوم مرفقا من أهم المرافق العامة التي تعتنى بها الدول ،وتعمل
على ترقيتها بأحدث اآلالت ،وتزويدها بأمهر األطباء.
والناظر في الواقع المهني لألعمال الطبية يجد أن معظم الدول قد قامت بإصدار
اللوائح والقوانين التي تنظم العمل بهذه المهنة ،وقصرها على األشخاص المؤهلين،
الذين قاموا بدراسة أصول وقواعد هذه المهنة دراسة علمية وتطبيقية ،كي يستأمنوهم
على حياة الناس وأبدانهم.
ومما ال خالف فيه اآلن أنه ال يسمح ألي شخص بممارسة هذه المهنة ،إذا لم
يدرس علم الطب ،أو ال تنطبق عليه اللوائح والقوانين المعتمدة لممارستها ،وبالتالي إذا
قام بممارستها فيكون مسؤوال مسؤولية كاملة عن جميع تصرفاته ،وما ينتج عنها من
أضرار .وسيكون الكالم في ثالثة مطالب ،هي كما يلي:
( )1مجلة مجمع الفقه اإلسالمي ،العدد الثامن لعام 1414ه ـــــ 1993م.
( )2كتب هذا الموضوع الدكتور محمود عفيفي عفيفي حسن ،مدرس الفقه المقارن بكلية الشريعة
والقانون بالقاهرة.
( ) 153
المسؤولية( :)1مأخوذة من سأل يسأل سؤاال ،فيقال :سألته الشيء ،أي :استعطيته
إياه ،ويقال :سألته عن الشيء ،أي :استخبرته ،والسؤال :ما يسأله الشخص غيره.
الجنائية( :)4من الجناية ،والجناية :من جنى الذنب يجنيه عليه جناية.
والجناية :الذنب والجرم وما يفعله اإلنسان مما يوجب عليه العقاب أو القصاص في
َما ِإ َّن ابَن َك َه َذا َال َيج ِني َعَلي َك َوَال َتج ِني
الدنيا واآلخرة .ومنه قول النبي «:أ َ
َعَلي ِه»(.)5
وال يكون الشخص مسؤوال جنائيا عن نتائج أقواله وأفعاله إال إذا كان أهال لتحمل
هذه النتائج ،كأن يكون مدركا مختارا.
المتأمل في نصوص الشريعة الغراء يجد أنها اهتمت اهتماما بالغا بحياة اإلنسان
وما يتعلق به؛ لذا وضعت القواعد العامة والضوابط التي تحفظ على اإلنسان حياته
ودينه وماله وعرضه وعقله ،فإذا ما تعدى شخص على آخر فهو مسؤول مسؤولية
كاملة عن تصرفاته ،التي أحدثت ضر ار بالشخص المعتدى عليه ،ويدل على هذا المبدأ
ـ ـ مبدأ المسؤولية ـ ـ نصوص كثيرة من القرآن والسنة ونصوص الفقهاء األجالء رحمهم
هللا .فمن القرآن الكريم ما يلي:
طأا َف َتح ِر ُير َرَقَب ٍة ُمؤ ِمَن ٍة َوِدَي ٌة ُم َسَّل َم ٌة ِإَلى أَهلِ ِه.)3(
.2قوله َ :و َمن َقَت َل ُمؤ ِمانا َخ َ
وجه الداللة :ففي هذه اآلية الكريمة بين هللا عقوبة من يقتل نفسا مؤمنة بدون
وجه حق على سبيل الخطأ؛ حيث أوجب هللا الدية والكفارة في هذه الحالة مع عدم تعمد
الفعل ،وهذا يرسخ لنا مبدأ مسؤولية الشخص عن جميع أفعال وإن كانت على سبيل
الخطأ.
الصي َد َوأَن ُتم ُحُرٌم َو َمن َقَتَل ُه ِمن ُكم ُم َت َع ِمادا ِ
َمُنوا َال َتقُتُلوا َّ ين آ َ .3قوله َ:يا أَُّي َها َّالذ َ
الن َعمِ َيح ُك ُم ِب ِه َذ َوا َعد ٍل ِمن ُكم.)1(
َف َج َاز ٌء ِمث ُل ما َقَت َل ِم َن َّ
َ
وجه الداللة :فقد أوجب هللا على من قتل صيدا عامدا حال إحرامه مثل الصيد
المعتدى عليه ،يحكم به حاكمان عادالن من المسلمين ،وهذا يدل على مبدأ مسؤولية
الشخص عن جميع أفعاله.
ومن السنة النبوية :وردت نصوص كثيرة في السنة النبوية المطهرة ترسخ لنا مبدأ
مسؤولية الشخص الجنائية عن جميع تصرفاته وأقواله ،من أهمها في هذا الباب:
ما رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم وغيرهم عن عمرو ابن شعيب ،عن أبيه ،عن
طَّبب وَلم يعرف ِمنه ِط ٌّب َفهو َض ِ
ام ٌن»(.)2 َُ ُ جده ،أن رسول هللا ،قالَ «:من َت َ َ َ ُ َ
وجه الداللة :هذا الحديث ظاهر الداللة على تضمين المعالج الذي يقوم بعالج
الناس ،ويتلف على المرضى حياتهم أو أعضاءهم ،وهو غير مؤهل لهذا العمل المهني
المهم ،وهذا إن دل فإنما يدل على مبدأ المسؤولية الجنائية ومشروعيتها.
قال اإلمام الخطابي رحمه هللا ":ال أعلم خالفاً في المعالج إذا تعدى فتلف
المريض كان ضامنا ،والمتعاطي علما أو عمال ال يعرفه متعدي ،فإذا تولد من فعله
التلف ضمن الدية ،وسقط عنه القود؛ ألنه ال يستبد بذلك دون إذن المريض ،وجناية
الطبيب في قول عامة الفقهاء على عاقلته"(.)3
ويقول اإلمام البغوي رحمه هللا ":وإذا أخطأ الطبيب في المعالجة ،فحصل منه
التلف ،تجب الدية على عاقلته .ثم قال :وكذلك من تطبب بغير علم"(.)4
اهتمت الشريعة اإلسالمية باإلنسان اهتماما بالغا ،ال سيما فـي مجـال صحته
وحمايتـه مـن األمراض واألوبئة؛ لذا أمرته بأن يتحفظ من وجوده في مواطن الوباء
واألمراض التي تفتك بجسده.
كما أجازت الشريعة اإلسالمية للمرضى أن يتداووا من األمراض التي نزلت بهم،
حفاظا على صحتهم وقوة أجسادهم؛ حيث تعتبر صحة اإلنسان هي أساس سعادته
وتقدمه ،فإذا كان اإلنسان قويا سليما خاليا من األمراض كان المجتمع قويا متراصا،
تسوده العفـة والطهـر والتعاون والمودة بين أفراده ،وإذا كان األمر خالف ذلك فإن
المجتمع يكون ًّ
هشا ضعيفا تسيطر عليه.
فقد روى الحاكم في المستدرك عن أسامة بن شريك أن أصحاب النبي قالوا له:
َّللا َت َعاَلى َلم َي َضع َد َِّ ِ
اء»(.)2
اء إال َو َض َع َل ُه َد َو ا
ا أََن َت َد َاوى؟ َق َ
الَ «:ت َد َاووا َفإ َّن َّ َ
فإذا ما أراد اإلنسان أن يأخذ بأسباب الشفاء الصحيحة فال يجوز له اإلقدام على
المعالجة إال من قبل المؤهلين والمتخصصين ،العارفين بعلوم الطب؛ حفاظا على نفسه
من الوقوع في التهلكة.
كما ال يجوز لإلنسان الجاهل غير المتخصص أن يزاول هذه المهنة ،بل ال بد وأن
يكون عالما بأصولها وقواعدها؛ حتى ال يتسبب في وقوع الضرر على الناس.
( )1صحيح البخاري ،كتاب :الطب ،باب :ما يذكر في الطاعون ،حديث رقم،)5728(:
جـ7ص.130
( )2أخرجه الحاكم ،وقال":هذا حديث صحيح".
انظر المستدرك للحاكم ،كتاب :الطب ،حديث رقم ،)8206(:جـ4ص.441
( ) 157
ومع هذه اإلجراءات التي اتخذها الشارع الحكيم قد تحدث بعض األضرار ببعض
المرضى؛ مما يوجب علينا الحديث حول األحوال التي يضمن الطبيب فيها والتي ال
يضمن.
وقبل الحديث عن ضمان الطبيب أو عدم ضمانه ال بد وأن نعلم أن الفقهاء رحمهم
هللا فرقوا بين الطبيب الجاهل والطبيب الحاذق (الماهر) على النحو التالي:
الطبيب الجاهل هو الذي ال يعلم قواعد وأصول مهنة الطب التي يعمل بها ،أو غير
المتخصص في المجال الذي يعمل به ،كأن يكون طبيب أسنان ويعمل بتخصص غير
تخصصه كأمراض البطن مثال ،وينتج عن هذا العمل الذي قام به جناية على
المريض ،وفي هذه الحالة قد يكون المريض عالما بذلك وأذن له أو ال.
فقد أجمعوا على تضمين الطبيب الجاهل والذي ال علم له بأصول هذه المهنة (غير
المتخصص) إذا كان المريض غير عالم بجهله أو لم ياذن له بالعالج؛ حيث أوهم
الناس بأنه طبيب وهو ليس من أهل الطب.
يقول ابن رشد رحمه هللا ":وال خالف أنه إذا لم يكن من أهل الطب أنه يضمن؛
ألنه متعد"(.)1
ومما يؤيد هذا اإلجماع ما رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم وغيرهم عن عمرو ابن
طَّب َب َوَلم ُيعَرف ِمن ُه ِط ٌّب
شعيب ،عن أبيه ،عن جده ،أن رسول هللا ،قالَ «:من َت َ
َفهو َض ِ
ام ٌن»(.)2 َُ
وقد ذهب فقهاء الشريعة اإلسالمية على أنه يلزم الطبيب الجاهل دية النفس أو
تعويض التلف الذي أصيب به المريض.
يقول اإلمام الخطابي رحمه هللا ":ال أعلم خالفاً في المعالج إذا تعدى فتلف
المريض كان ضامنا ،والمتعاطي علما أو عمال ال يعرفه متعدي ،فإذا تولد من فعله
التلف ضمن الدية ،وسقط عنه القود؛ ألنه ال يستبد بذلك دون إذن المريض ،وجناية
الطبيب في قول عامة الفقهاء على عاقلته"(.)1
أما إذا باشر الطبيب الجاهل عالج المريض وكان المريض يعلم أنه جاهل وال علـم
لـه ،وأذن له في عالجه فال ضمان عليه إذا حصل للمريض أي تلف؛ حيث أنـه يشـترط
لتحقيـق الضمان على الطبيب الجاهل أال يعلم جهل هذا الطبيب أو أنه أخفى جهلـه
عنـه(.)2
بينما ذهب البعض إلى تحمل الطبيب الجاهل المسؤولية مطلقا ،سواء أكان
المريض عالما بجهله أم ال ،لعموم قول النبي .
وقـد ألحـق فقهـاء الشريعة اإلسالمية باألطباء فيما يتعلق بالمسؤولية الناجمة عن
ممارسة مهنة الطب من كان في حكمهـم ،كالحجام وغيره من أصحاب المهنة
واالختصاص.
وخالصة القول :أن الفقهاء اتفقوا على تضمين الطبيـب الجاهل عما تسبب في
إتالفه نتيجة جهله وإيهامه وتغريره بالمريض.
وبناء عليه :فإن الطبيب الجاهل تقـع عليـه المسؤولية الكاملة عن فعله ،ويلزمه
ً
ضمان ما أتلف ،كما أنه يحق لولي األمر أن يقرر إحدى العقوبات؛ لتكون رادعة لكل
من تسول له نفسه ممارسـة مهنـة الطـب دون علـم ودراية.
اتفقوا على أن الطبيب إذا تعدى على المريض عن عمد فإنه يضمن ما أتلفه بال
خالف بين الفقهاء.
يقول اإلمام ابن القيم رحمه هللا ":طبيب حاذق أذن له ،وأعطى الصنعة حقها،
لكنه أخطأت يده ،وتعدت إلى عضو صحيح فأتلفه ،مثل :أن سبقت يد الخاتن إلى
الك َم َرة( ،)1فهذا يضمن؛ ألنها جناية خطأ"(.)2
َ
إذا قام الطبيب الحاذق بواجبه متقنا لعملـه بأمانة وإخالص اتجاه مريضه ،ولم
يخطئ أو يقصر أو يتهاون ،فإنه ال يضمن؛ إذا كان مأذونا له بالعالج من قبل
المريض أو وليه.
ٍ
حينئذ ،وإن وقع الضرر على المريض وعليه فإنه ال مسؤولية على الطبيب الحاذق
بسبب المعالجة؛ ما دام الطبيب مأذونا له بالعالج ،ولم يقع منه خطأ أثناء العالج ،بل
حصل الضـرر أو الموت نتيجة أمر ال يمكن تفاديه.
وقد اتفق الفقهاء رحمهم هللا على عدم تضمين الطبيب الحاذق الذي مارس
مهنته بإذن المريض.
وقاسوا ذلك على عدم تضمين الخاتن إذا تلف العضو أو الصبي وقت قيامه بختانه
في وقت قابل للختـان متحمل له؛ ما دام أنه قد أعطى المهنة حقها.
يقول اإلمام ابن القيم رحمه هللا "":طبيب حاذق أعطى الصنعة حقها ولم تجن
يده ،فتولد من فعله المأذون فيه من جهة الشارع ،ومن جهة من يطبه تلف العضو أو
النفس ،أو ذهاب صفة ،فهذا ال ضمان عليه اتفاقا ،فإنها سراية مأذون فيه ،وهذا كما
إذا ختن الصبي في وقت ،وسنه قابل للختان ،وأعطى الصنعة حقها ،فتلف العضو أو
الصبي ،لم يضمن ...،وهكذا سراية كل مأذون فيه لم يتعد الفاعل في سببها ،كسراية
الحد باالتفاق"(.)1
ورغم اتفاق الفقهاء رحمهم هللا على عدم ضمان الطبيب الحاذق ،إال أنهم
اختلفوا في علة رفـع المسؤولية عنه إلى ثالثة آراء ،هي كما يلي:
الرأي األول :ذهب أصحابه إلى أن العلة في عدم ترتيب المسـؤولية يرجع إلى
سـببين ،هما :أوال :الحاجة الماسة لعمل الطبيب .ثانيا :إذن المـريض أو وليـه؛ وذلـك
ألن اإلذن مـع الحاجة إلى عمل الطبيب يؤديان إلى رفع المسؤولية عنه.
الرأي الثاني :ذهب أصحابه إلى أن العلة في رفع المسؤولية عن الطبيب هي :أوال:
إتيان الطبيب فعله بإذن المريض .ثانيا :قصد إصالح ما يوجد بالمريض من علة.
الرأي الثالث :ذهب أصحابه إلى أن العلة في رفع المسؤولية هي :أوال :إذن ولي
األمر له بالتطبيب .ثانيا :إذن المريض أو وليه .ثالثا :عدم خطأ الطبيب أو مخالفة
أصول المهنة .وبهذا يمكن القول بأن سبب انتفاء المسؤولية عن الطبيب في الشريعة
اإلسالمية يقع ضمن أربعة أمور ،هي :إذن ولي األمر ،إذن المريض ،قصد الشفاء،
عدم وقوع الطبيب في خطـأ.
إذا كان عالج الطبيب للمريض حاصل بدون إذن المريض أو وليـه ،فإن آراء
الفقهاء انقسمت إلى ثالث اتجاهات:
االتجاه األول :يرى أصحابه إلى تحمل الطبيب للمسؤولية نتيجة للضرر الحادث
عند عدم اإلذن له؛ ألنه تولد عن فعـل غير مـأذون له بـه ،ويترتب عليه الضمان.
االتجاه الثاني :يرى أصحابه عدم مسؤولية الطبيب الحاذق ،سواء أذن له أو ال،
وذلك على اعتبار أن الطبيب محسن في فعله ،وليس معيار المسـؤولية اإلذن أو عدمه،
لكن معيار المسؤولية هو الفعل ،فما دام الطبيب الحاذق قد أتى بالفعل على أكمل
وجه ،وبذل غاية جهـده ،فال تبعة وال مسؤولية عليه.
االتجاه الثالث :يرى أصحابه تحمل الطبيب للمسؤولية ،لكن بشرط أن يكون
الضـمان فـي بيـت مـال المسلمين؛ كي ال يضيع دم امرئ على سبيل الخطأ.
وأرى أن الراجح هو رأي أصحاب االتجاه الثالث؛ حيث جمعوا بين األمرين فقد
طمئنوا برأيهم األطباء المعاصرين ،وبذلك ال يصيبهم الخوف أثناء ممارسة هذه المهنة
الشريفة ،ال سيما في حاالت الطوارئ ،التي تستدعي العالج فو ار مع عدم وجود من
يأذن لهم بالقيام بالعالج.
كما أنهم لم يهدروا ضمان ما أتلف من األعضاء واألنفس بسبب العالج ،خاصة
وأن الطبيب ماهر ومتقن لمهنته.
ومما تجدر اإلشارة إليه أنه يوجد بعض من يرى أن الطبيب الحاذق ال يضمن إال
في الحاالت اآلتية(:)2
.2إذا اجتهد الطبيب الحاذق وأخطأ في هذا االجتهاد عند وصفه دواء للمريض عن
طريق الخطأ فمات المريض ،فإن الطبيب يكون ضامنا.
.3إذا ما أخطأ الطبيب في عالجه للمريض بأن امتدت يده إلى عضو صحيح ،أو
إلى شريان ،أو عصب ليس محال للعالج ،فإنه يكون ضامنا.
()1
الموضوع الثالث :طبيعة العالقة بين الطبيب والمريض
اختلفوا حول في التكييف الفقهي للعالقة الموجودة بين الطبيب والمريض وما يترتب
عليها من أحكام ،فذهب بعضهم إلى أنها عقد وكالة ،وذهب آخرون إلى عقد مقاولة أو
استصناع ،وذهب فريق ثالث إلى أنها من قبيل الوديعة.
والرأي الراجح وهو ما عليه الجمهور أنها من قبيل عقد اإلجارة؛ حيث يكون
وبناء عليه ال بد من معرفة أهم
ً المريض فيه هو المستأجر ،والطبيب هو المؤجر،
أحكام اإلجارة ،هي كما يلي:
الجارة لغة :بكسر الهمزة على المشهور ،وهي :اسم لألجرة ،وهي اسم لكراء
األجير(.)2
اتفقوا على مشروعية اإلجارة في الجملة ،واستدلوا بما يلي من الكتاب والسنة
ورُه َّن ،)1(وقوله وه َّن أ ُ
ُج َ واإلجماع؛ فمن الكتاب :قول هللا َ:فِإ ْن أ َْر َ
ض ْع َن َل ُك ْم َفآتُ ُ
( )1كتب هذا الموضوع الدكتور محمود عفيفي عفيفي حسن ،مدرس الفقه المقارن بكلية الشريعة
والقانون بالقاهرة.
( )2لسان العرب جـ4ص.10
( )3المغني البن قدامة جـ5ص.322
( ) 163
وجه الداللة :فهذه اآليات الكريمة واضحة الداللة على جواز اإلجارة ومشروعيتها؛
حيث أمر هللا األزواج بإعطاء األجر لمن قمن من النساء المطلقات بإرضاع
أبنائهم ،كما حكى القرآن الكريم قصة سيدنا موسى مع شعيب واستئجاره؛ مما يدل
على مشروعية اإلجارة وجوازها؛ ألنه لم يوجد في الشريعة اإلسالمية ما ينسخها.
ومن السنة النبوية :ما أخرجه البخاري عن أبي هريرة ،عن النبي قالَ ":ق َ
ال
القي ِِ
َك َل طى ِبي ثُ َّم َغ َد َرَ ،وَرُج ٌل َب َ
اع ُح ًّار َفأ َ َع َ
امةَ :رُج ٌل أ ْ ص ُم ُه ْم َي ْوَم َ َ
ّللاُ :ثَالَثَ ٌة أ ََنا َخ َّْ
َج َرهُ"(.)3 ِ ِ ْج َر أَ ِج ًا
استَ ْوَفى م ْن ُه َوَل ْم ُي ْعط أ ْ
ير َف ْ استَأ َ
ثَ َم َن ُهَ ،وَرُج ٌل ْ
وجه الداللة :هذا الحديث يبين لنا جواز اإلجارة؛ حيث لم ينكر المولى أو النبي
على الرجل إجارته ،وإنما كانت الخصومة بسبب عدم إيفائه لحقوق األجير.
ومن الجماع :فقد نقل ابن قدامة اإلجماع على مشروعيتها؛ حيث قال رحمه هللا
":وأجمع أهل العلم في كل عصر وكل مصر على جواز اإلجارة ،إال ما يحكى عن
عبد الرحم ن بن األصم أنه قال :ال يجوز ذلك؛ ألنه غرر .يعني :أنه يعقد على منافع
لم تخلق ،وهذا غلط ال يمنع انعقاد اإلجماع الذي سبق في األعصار"(.)4
الركن األول :العاقدان :يشترط في العاقدين أن يكون كل واحد منهما كامل األهلية،
سواء كان الطبيب أو المريض ،فال يصح العقد من صبي غير مميز أو مجنون أو
معتوه.
فإذا كان المريض غير كامل األهلية ،انتقل حق إجراء العقد لوليه على حسب قوة
القرابة ،أما الصبي المميز الذي يعقل الخطاب والجواب فيمكن أن يكون عاقدا؛ إذا أذن
له وليه بذلك ،واإلذن يعرف بالقرائن ،كأن يأتي للطبيب ومعه المال.
الركن الثاني :المعقود عليه :والمعقود عليه في عقد اإلجارة هو المنفعة ،والتي
تتمثل هنا في عالج المريض من مرضه ،ويشترط في المنفعة عدة شروط ،منها:
.1أن يكون مقدو ار عليها :أي :أن يكون الطبيب قاد ار على معالجة هذا المرض؛
لكونه داخال تحت تخصصه ،أو عنده معرفة به ،أما إذا لم يكن قاد ار على معالجة
هذا المرض بأن كان المرض في غير تخصصه أو ال علم له به ،فال يجوز له
اإلقدام على المعالجة ،وإال فهو ضامن ،كما أنه ال يستحق األجرة في هذه الحالة
شرعا.
.2أن تكون المنفعة مشروعة :فال يجوز أن تكون المنفعة التي طلبها المريض منفعة
غير مشروعة ،كأن يطلب المريض من الطبيب إجراء عملية محرمة شرعا ،أو
يطلب منه كتابة دواء محظور ،أو غير مناسب لحالته.
الركن الثالث :الصيغة (الذن الطبي) :إذا كانت العالقة بين الطبيب والمريض هي
عقد إجارة ،فهذا يعني أنه ال بد من وجود الرضا من الطرفين ،وهو ما يعبر عنه
باإليجاب والقبول (االتفاق اللفظي على التداوي).
وقد يقصد باإلذن الطبي :موافقة المريض على إجراء ما يراه الطبيب مناسبا له من
كشف ،وتحاليل ،ووصف للدواء ،وغير ذلك من اإلجراءات الطبية التي تلزم لتشخيص
المرض وعالجه.
( ) 165
واإلذن الطبي عقد بين الطبيب والمريض يتعهد الطبيب بموجبه أن يعالج المريض
وفق األصول المتعارف عليها عند أهل الطب.
ويتم هذا العقد ضمنا بمجرد مجيء المريض إلى الطبيب وتسليم نفسه له؛ لذا ال
يجوز للطبيب أن يتصرف في جسد المريض بغير إذنه إال في حاالت معينة يأتي
ذكرها ،وما عدا ذلك يبقى على أصل عدم الجواز؛ ألنه اعتداء على خصوصية الغير،
وسدا لذريعة الفساد التي قد تنتج عن الفحص ونحوه بدون إذن المريض أو وليه.
ويجب على الطبيب أن يحسن استخدام هذا اإلذن ،ويستشعر األمانة الملقاة على
عاتقه ،وال يظن بأن إعطاء اإلذن له من قبل المريض يعني إطالق الحرية له ليفعل به
ما يشاء ،بل يحرص على منفعة المريض وعدم تعريضه ألية أضرار.
كما أنه يجب على الطبيب قبل الحصول على اإلذن الطبي من المريض أن يشرح
له بوضوح كل اإلجراءات الطبية ،التي سوف يجريها له؛ كي يكون المريض على بينة
من أمره ويعطي اإلذن عن فهم واقتناع.
أ) موقف المريض من الذن الطبي :اإلذن الطبي بالنسبة للمريض له حالتان ،هما
كما يلي:
الحالة األولى :ال يجب فيها اإلذن الطبي من المريض ،وهذه تكون في الحاالت
المرضية التي ال يقطع أهل الطب بأن العالج يشفيها ،وإذا امتنع المريض عن اإلذن
يعد قاتال لنفسه؛ ألن الشفاء في هذه الحاالت أمر غير
ومات بسبب المرض فال ّ
مقطوع به ،بخالف من ترك الطعام والشراب حتى هلك(.)1
الحالة الثانية :يجب فيها اإلذن ،ويكون هذا في األمراض التي يغلب الهالك
بسببها أو تلف عضو من األعضاء كالجريح جرحا بليغا ،والمصاب بمرض يغلب فيه
الهالك ،فإذا لم يأذن في مثل هذه الحالة فإنه آثم؛ لقول هللا ﴿:وال تلقوا بأيديكم إلى
التهلكة﴾(.)1
ب) صحة الذن الطبي :ال يجوز الحصول على اإلذن الطبي باإلكراه أو باإلغراء
المادي ،فال يجوز استغالل حالة االحتياج عند بعض األشخاص كالمساكين
والفقراء والمشردين ،فيغريهم األطباء ببعض المال من أجل إجراء البحوث والتجارب
عليهم.
ج) ما يستثنى من الذن الطبي :يستثنى من اإلذن الطبي بعض الحاالت المرضية،
وهي على النحو التالي:
.1الحاالت الخطرة التي تهدد حياة المريض بالموت ،أو تهدده بتلف عضو من
أعضائه ،ويكون المريض فاقدا للوعي فيها ،أو تكون حالته النفسية ال تسمح بأخذ
إذنه ،كما أنه ال يكون وليه حاض ار ألخذ اإلذن منه.
.2الحاالت التي تقتضيها المصلحة العامة كاألمراض المعدية ،التي تهدد المجتمع
بانتشار الوباء ،فيجوز فيها للسلطات الصحية أن تجبر فردا أو جماعة من الناس
على العالج أو تعاطي وسيلة من وسائل الوقاية كالتحصين ونحوه مادام في ذلك
مصلحة مشروعة.
ففي مثل هذه الحاالت يجب على الطبيب أن يباشر العالج دون انتظار اإلذن؛
إنقاذا للمريض ،ومنعا لنزول الضرر به ،أو درًء للمفسدة عن المجتمع(.)2
د) حكم اشتراط الشفاء :اختلفوا في حكم اشتراط المريض للشفاء على رأيين ،هما كما
يلي:
الرأي األول :ذهب أصحابه إلى عدم صحة هذا الشرط؛ ألن طبيعة العمل الطبي
تأبى مثل هذا الشرط ،وذلك لما يعتري العمل الطبي من احتماالت ليس في وسع
وبناء عليه فإن التزام الطبيب اتجاه
ً الطبيب تالفيها مهما كان حريصا أو خبيرا،
المريض إنما هو التزام بتحقيق الشفاء(.)1
الرأي الثاني :ذهب بعض الفقهاء إلى جواز اشتراط المريض للشفاء وضمان
السالمة(.)2
ه) أنواع الذن الطبي :ينقسم اإلذن الطبي إلى نوعين ،هما كما يلي:
النوع األول :إذن طبي خاص :وهو الذي يقوم المريض بتفويض الطبيب فيه
بإجراء طبي محدد كاستئصال اللوزتين أو عالج مرض معين في بدنه.
النوع الثاني :إذن طبي عام :وهو الذي يقوم المريض فيه بتفويض الطبيب
باإلجراء الطبي الذي يراه مناسبا.
ويستحب أن يكون اإلذن عاما في العمليات الجراحية ،فقد يجد الطبيب بعد شروعه
في العالج بحالة غير متوقعة؛ مما يحتم عليه القيام بأمر ما ،فيضطر إلجراء معين لم
يأذن به المريض إن كان اإلذن محددا.
وبناء على هذا إذا بدأ الطبيب العالج بإذن خاص ،ثم وجد نفسه مضط ار إلجراء
ً
آخر ،فإن كان ولي أمر المريض حاض ار أخذ اإلذن منه ،وإال فإنه ينظر في حالة
المريض ،هل يمكن التأجيل أم ال؟
فإن كانت ال يمكن التأجيل أو كان في تركها خطر على حياة المريض جاز له
إتمام العالج بما يراه مناسبا ،دون انتظار اإلذن؛ أخذا بأحكام الضرورة ،وفي هذه الحال
يجب على الطبيب أن يسجل في تقرير العالج األسباب ،التي دعته لهذا اإلجراء الذي
لم يأخذ اإلذن به.
أما إذا وجد الطبيب أن الحالة يمكن تأجيل عالجها فهو مخير بتأجيلها أو إتمامها،
فإن أتمها فليس عليه شيء ما دام لها مسوغ طبي ،ال سيما إذا كان األمر فيه مصلحة
للمريض ،أو كان تأجيلها يعرض المريض لبعض المضاعفات المحتملة (.)1
الركن الرابع :األجرة :فيجوز للطبيب أخذ األجرة على عمله؛ ألنها في مقابل ما
يبذله الطبيب من عمل ،ويشترط في األجرة الشروط التالية:
.1أن تكون األجرة متقومة :أي :لها قيمة ،فإذا كانت ال قيمة لها شرعا فال يصح أن
تكون أجرة؛ ألنها ال تكون حينئذ ماال (.)2
.2أن تكون األجرة معلومة القدر والجنس.
.3أن تكون األجرة مقدو ار على تسليمها.
ويوجد بعض الفوارق التي تتعلق بأجرة الطبيب بحسب مكان عمله على التفصيل
اآلتي:
.1الطبيب العامل لحسابه الخاص :يستحب له أن يعتدل في تحصيل األجرة ،ال سيما
إذا كان المريض من الفقراء والمساكين.
.2الطبيب العامل في مرفق صحي عام :يخصص له في العادة راتب محدد ،وبالتالي
ال يجوز له أن يتقاضى أج ار آخر من المريض ،سواء قدم له على سبيل الهدية أو
غيرها.
أ) وقت استحقاق الطبيب لألجرة :إذا اشترط الطبيب أو المريض تعجيل األجرة أو
تأجيلها فالعقد على ما اتفقا عليه ،فإذا لم يشترطا شيئا فإنه يرجع إلى العرف ،فإن
كان العرف تقديم األجرة وجب تقديمها ،وإن كان العرف بتأجيل األجرة فليس
للطبيب إال انتظار األجل.
ولكن ال بد وأن يعلم أنه ال يستحق الطبيب األجرة إال بإنجازه للعمل المطلوب
منه( ،)1فإذا اتفقا على األجر ودفعه المريض ولم ينجز الطبيب عمله وجب عليه رد
األجرة؛ ألنها في مقابل المنفعة ،والطبيب في هذه الحالة لم يقدم شيئا يستحق في مقابله
األجرة ،فال يجوز له أخذها.
ب) التزامات الطبيب :فقد يكون الطبيب مؤج ار لمنافعه وقتا معينا ،كأن يعمل في
المرافق العامة أو في المستشفيات الحكومية ،فيؤدي عمله مدة معينة من الزمن في
اليوم الواحد ،وهذا ما يسميه الفقهاء باألجير الخاص.
وقد يؤجر الطبيب منافعه دون التقيد بزمن معين ،وإنما يكون االتفاق على إنجاز
عمل معين ،وهذا يسميه الفقهاء باألجير المشترك.
وفي كلتا الحالتين يكون على الطبيب بعض االلتزامات أهمها ما يلي:
.1تسليم نفسه :فيجب على الطبيب إن كان أجي ار مشتركا القيام بالعمل المتعاقد عليه،
وال يجوز له االمتناع من ذلك ،وإن كان أجي ار خاصا كان تسليم نفسه للعمل في
محل المستأجر تسليما معتبرا.
.2إتقان العمل :يجب على العامل أن يراعي في أدائه العمل اإلتقان.
.3تنفيذ أوامر صاحب العمل.
.4عدم إفشاء أسرار رب العمل :وقد سبق الكالم عليه.
.5المحافظة على ما يعمل به أو فيه ،فيجب على الطبيب المحافظة على اآلالت
واألدوات التي تسلم إليه من أجل العمل بها ،فيحافظ عليها من العطل ،ويعتني بها
عناية تامة كأنها ملكه؛ ألن اإلسالم يعتبره أمينا على ما يؤتمن عليه(.)2
.6عدم انشغاله وقت العمل :فال يجوز للطبيب إن كان أجي ار خاصا أن يعمل لغير
مستأجره األول ضمن األوقات التي خصصها له ،فإن فعل ذلك كان لرب العمل أن
يخصم من أجرة الطبيب بقدر الزمن الذي اشتغل فيه مع الغير كما أنه يأثم
لذلك(.)1
.7التزام الطبيب بضمان ما يتلفه :وقد اتفق الفقهاء على أن الطبيب إذا كان أجي ار
خاصا فإنه يعتبر أمينا ،وبالتالي ال يضمن ما تلف أو تعيب إال في حالة التقصير
أو التعدي(.)2
كما اتفق الفقهاء على ضمان الطبيب إن كان أجي ار مشتركا في حالة التعدي
والتفريط( ،)3وعدم ضمانه إن ثبت عدم التعدي والتقصير(.)4
ج) انتهاء عقد الجارة :اتفق الفقهاء على أن عقد اإلجارة عقد الزم لكل من المؤجر
والمستأجر(.)5
وبناء عليه فليس ألي طرف منهما فسخ عقد اإلجارة اختيا ار منه ،والتخلص من
ً
آثاره في أي وقت شاء ،فمتى تم عقد اإلجارة مستوفيا أركانه وشروطه ترتب عليه
بطريق اللزوم تمليك المؤجر لألجرة ،وتمليك المستأجر لمنافع العين المؤجرة(.)6
.1القالة :فإذا اتفق المتعاقدان (المريض والطبيب) أو (الطبيب ورب العمل) على
فسخ عقد اإلجارة كان لهما ذلك.
.2انتهاء المدة :فإذا حدد عقد اإلجارة بغاية فإنه ينتهي بانتهاء غايته كما ذكره
الفقهاء؛ ألن الثابت إلى غاية ينتهي عند وجود تلك الغاية(.)1
وبناء على ما تقدم فإنه ال يجوز ألي من العاقدين أن يفسخ العقد محدد المدة قبل
انتهاء مدته ،إال إذا وجد سبب مشروع لذلك(.)2
وبالتالي إذا كانت المدة محددة بوقت معين ،كما لو اتفق الطبيب ورب العمل على
أن يعمل معه في مرفقه الصحي كل شهر بكذا ولم يحدد المدة ،ففي هذه الحالة ينتهي
العقد بانتهاء الشهر بإرادة أحدهما المنفردة ،وإن لم يرض الطرف اآلخر(.)3
.3العيب :يجوز الفسخ بالعيب ،وهذا كما لو ظهر في الطبيب عجز يمنعه من أداء
عمله على أكمل وجه ،كما لو كان أعمى أو فاقدا لعضو من األعضاء التي له
أهميتها في أداء العمل(.)4
.4العذر :يجوز فسخ عقد اإلجارة بالعذر ،كأن يترتب على تنفيذ العقد ضرر بأحد
العاقدين.
وقد اتفق الفقهاء على أنه إذا استأجر إنسان من يقلع ضرسه فسكن الوجع قبل قلعه
فإن اإلجارة تنفسخ؛ ألن قلعه ال يجوز ،وألن في قلعه إتالف جزء من آدمي وهو محرم،
وإنما أبيح إذا صار بقاؤه ضر ار(.)5
وبناء على ما سبق ذكره من الحديث حول مشروعية اإلجارة وأركانها فإنه يتبين لنا
أن العالقة القائمة بين الطبيب والمريض تقوم على أساس عقد اإلجارة؛ لذا ذكرها
الفقهاء رحمهم هللا ضمن باب اإلجارة.
يقول ابن رشد رحمه هللا ":والجعل :هو اإلجارة على منفعة مظنون حصولها،
مثل :مشارطة الطبيب على البرء"(.)1
ويقول ابن قدامة رحمه هللا ":ويجوز االستئجار على الختان ،والمداواة ،وقطع
السلعة ،ال نعلم فيه خالفا؛ وألنه فعل يحتاج إليه ،مأذون فيه شرعا ،فجاز االستئجار
عليه ،كسائر األفعال المباحة"(.)2
الوحدة السادسة
وتحتوى على:
وكلها من إعداد دكتور /عمرو محمد غانم مدرس الفقه المقارن -كلية الشريعة
والقانون -القاهرة
( ) 174
()1
الموضوع األول :التشريح
تعريف التشريح:
التشريح هو العلم الذي يختص بدراسة تركيب جسم اإلنسان ودراسة العالقة
2
بين أجهزة الجسم المختلفة خالل مراحل النمو
حكم التشريح :إن تشريح الميت قد يكون الغرض منه معرفة سبب الوفاة ،أو معرفة نوع
المرض المسبب للوفاة ،وقد يكون الغرض منه التعليم ،ولذا فإنه يجب التعرض للحكم
الشرعي للتشريح لتلك األغراض.
لقد اتفق الفقهاء المعاصرون على مشروعية التشريح الجنائي لمعرفة سبب
3
الوفاة ،وعلى مشروعية التشريح المرضي لمعرفة نوع المرض
بينما اختلف الفقهاء في جواز التشريح لغرض التعليم على قولين:
القول األول :يجوز تشريح جثث الموتى لغرض تعلم الطب ،وبه صدرت الفتوى من
الجهات العلمية التالية :لجنة اإلفتاء باألزهر بمصر ،4المجمع الفقهي اإلسالمي بمكة
المكرمة ،5هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية ،1لجنة اإلفتاء بالمملكة األردنية
2
الهاشمية
( )1كتب هذا الموضوع الدكتور عمرو محمد غانم ،مدرس الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون
بالقاهرة.
( )2ياسر سعيد شافعي :أضواء على تشريح جسم اإلنسان ،بدون دار وسنة نشر صـ5
( (3انظر فتوى الشيخ عبد المجيد سليم الصادرة عن دار اإلفتاء المصرية في شعبان 1356هجرية
31 -أكتوبر 1937م -المجلد الرابع ص ،1331وفتوى الشيخ أحمد هريدى ،الصادرة عن دار
اإلفتاء المصرية فى 23من أكتوبر سنة 1966م المجلد السادس ص ).2278
وكذلك فتوى الشيخ عطية صقر عن دار اإلفتاء مايو .1997
( )4انظر فتوى الشيخ جاد الحق على جاد الحق الصادرة عن دار اإلفتاء المصرية في محرم
1400هـ 5 -ديسمبر 1979م -المجلد العاشر ص ،3707-3705وكذلك فتوى الشيخ عطية
صقر عن دار اإلفتاء مايو .1997
5القرار رقم ( )1الدورة العاشرة المنعقدة في مكة المكرمة ،في الفترة من يوم السبت 24صفر
1408هـ الموافق 17أكتوبر 1987م إلى يوم األربعاء 28صفر 1408هـ الموافق 21أكتوبر
1987م.
( ) 175
القول الثاني :ال يجوز تشريح جثة الميت لغرض التعليم ،وهو لجماعة من العلماء
والباحثين ،منهم :الشيخ محمد بخيت المطيعي ،3والشيخ محمد عبد الوهاب بحيري.4
أدلة األقوال:
أدلة القول األول :استدل القائلون بجواز التشريح لغرض التعلم بما يأتي:
-1عن خالد بن معدان قال :لما انهزمت الروم يوم أجنادين انتهوا إلى موضع ال
يعبره إال إنسان ،فجعلت الروم تقاتل عليه ،وقد تقدموه ،وعبروه ،فتقدم هشام بن
فسدها .فلما انتهى
العاص ،فقاتلهم عليه حتى قتل ،ووقع على تلك الثلمة ّ
المسلمون إليها هابوا أن يوطئوه الخيل ،فقال عمرو ابن العاص :أيها الناس،
إن هللا قد استشهده ،ورفع روحه ،وإنما هو جثة ،فأوطئوه الخيل ،ثم أوطأه هو
وتبعه الناس حتى قطعوه ،فلما انتهت الهزيمة ،ورجع المسلمون إلى العسكر
( (1القرار رقم 47بتاريخ 1396 / 8 / 20هـ الدهورة التاس ِعة ل َمج ِلس هيئة ِكبار العُلَماء ال ُمنع ِقدة
في َمدينة الطائِف.
( )2انظر فتوى لجنة اإلفتاء في المملكة األردنية الهاشمية بتاريخ 20جمادى األولى سنة 1397هـ
الموافق 1977/5/18م ..وقد كانت اللجنة تتكون في تلك الفترة من كل من الشيخ محمد عبده هاشم،
والشيخ محمد أبو سردانه ،والدكتور عبد السالم العبادي ،والدكتور إبراهيم زيد الكيالني ،والدكتور
ياسين درادكة ،والشيخ عز الدين الخطيب ،والشيخ أسعد بيوض التميمي.
( (3فتوى الشيخ المطيعي بمجلة األزهر المجلد السادس 632 – 628/9رمضان 1354هـ
1935م.
( )4كان عضو هيئة كبار العلماء ،وكان أستاذا بكلية الشريعة.
انظر مجلة األزهر المجلد السادس 632 ،627/9رمضان 1354هـ 1935م
( ) 176
1
ط ٍع
كر عمرو بن العاص ،فجمع لحمه وأعضاءه وعظامه ،وحمله في َن ْ
َف َو َارُاه.2
وجه الداللة :إن في ظاهر وطء هشام بن العاص باألقدام وتمزيق جسده إهانة ،لكن
قدم فيه عمرو بن العاص المصَلحة الر ِ
اجحة التي تستدعي اإلذن فيما ال يجوز في َ
أوقات أخرى ،وقد أقره الصحابة على ذلك .وكذلك التشريح ظاهره إهانة الميت لما فيه
من تمزيق جثته ،لكن تقدم فيه المصلحة العامة لألمة على المصلحة الخاصة للميت
بعدم هتك حرمته ،وكذلك في التشريح ألجل التعليم ،تقدم فيه المصلحة العامة ،التي
تعود بالنفع على المجتمع من التعليم- ،وذلك بإنقاذ المريض من آالم األمراض
واألسقام،-على المصلحة الخاصة للميت بعدم هتك حرمته.
-2ما ال يتم الواجب إال به فهو واجب هذه القاعدة تدل على مشروعية التشريح
لألغراض السابقة ،فإن تعلم الجراحة الطبية فرض كفاية ،أي أنها واجبة على األمة،
وحيث إن في التشريح مصالح كثيرة لمن أراد مزاولة الطب ،كمعرفة األعضاء وأماكنها
3
علمياً وعملياً ،فإنه يكون واجبا من هذا الوجه
طاء ِب َساط من اْلجلد ،وكان يستعمل أيضا لحمل بعض األشياء النون وفتح ال ّ( ) نطع :بكسر ّ
1
وجه الداللة:
إن هذه اآلية قد دلت بعمومها على تكريم بني آدم ،وهذا يشمل حال الحياة
وحال الممات ،وتشريح الميت فيه إهانة لكرامته ،وذلك لما فيه من تقطيع أجزاء من
جسد المتوفى.
المناقشة:
نوقش وجه الداللة من اآلية بأن تشريح الميت يكون إهانة إذا كان بدافع
التشفي أو العبث ،أما إذا كان لمصلحة راجحة شرعا ،كحفظ نفوس األحياء عن طريق
1
معرفة العلل واألدواء ،وإنقاذ الناس مما أحاط بهم من أمراض ،فال يدخل تحت اإلهانة
ثانيا :من السنة:
ش ،أ َْوير َعَلى َج ْي ٍ َم ًا يهَ ،قالَ :كان رسول هللاِ ِ إ َذا أَ َّمر أ ِ -1عن سَليمان ب ِن بريدة ،عن أَِب ِ
َ َ َُ ُ َ َ ْ ُ ْ َ َ ْ َُ ْ َ َ َ ْ
ِِ ِ ِ َّة ،أَوصاه ِفي خ َّ ِ ِ
ٍ
اغ ُزوا
الْ « : اصته ِبتَْق َوى هللاَ ،و َم ْن َم َع ُه م َن اْل ُم ْسلم َ
ين َخ ْي ًرا ،ثُ َّم َق َ َ َس ِري ْ َ ُ
اغ ُزوا َوَال تَ ُغُّلواَ ،وَال تَ ْغِد ُرواَ ،وَال تمثلوا، ِ ِباس ِم هللاِ ِفي سِب ِ ِ
يل هللاَ ،ق ِاتُلوا َم ْن َكَف َر ِباهللْ ، َ ْ
َوَال تَْقُتُلوا َولِيدا "
2
وجه الداللة :إن النبي نهى عن المثلة ،وتشريح الجثة هو نوع تمثيل باآلدمي لما
فيه من التشويه به ،فيكون حراما.
المناقشة:
المثلة قد ثبت ما يخصصها كما في إن هذا الحديث وغيره من أحاديث النهي عن ُ
قصة العرنيين ،وآية الحرابة .ففي قصة العرنيين سمل 3النبي أعين الرعاة ،1وفي آية
الحرابة تقطيع لأليدي واألرجل من خالف ،وكل هذا تمثيل ،لكن جاز لمصلحة عامة،
وهي زجر الظلمة عن االعتداء على الناس ،فإذا جاز التمثيل لمصلحة عامة ،فكذلك
2
طلبا لمصلحة عامة ينتظمها الطب.
يجوز تشريح الميت ً
3
ظ ِم اْل َمِّي ِت َك َك ْس ِِره َحيًّا»
عن عائشة –رضي هللا عنهاَ « :-ك ْس ُر َع ْ -2
وجه الداللة
الحديث نص في النهي عن كسر عظام الميت ،وتشريح الجثة يشتمل على ذلك
فيكون محرما
المناقشة :هذا الحديث محمول على ما إذا فعل ذلك عبثا ،أو أن الحديث محمول
على ما إذا لم تكن هناك مصلحة راجحة.
الترجيح:
بعد عرض أقوال الفقهاء وأدلتهم أرى ترجيح القول القائل بجواز تشريح الجثة؛
وذلـك لقوة أدلتهم ،ولما في التشريح من المصلحة العامة سواء التشريح الجنائي الذي
يتوصل به إلى معرفة المجرمين وتحقيق العدل ،أو التشريح التعليمي الذي ال يمكن
تعلم الطب وممارسته إال به ،وكذلك األمر بالنسـبة للتشـريح المرضي الذي يمكن به
اكتشاف األوبئة واألمراض والوقاية منها قبل وقوعها.
الص َدَق ِةَ ،فتَ ْش َرُبوا ِم ْن أَْلَب ِان َها َوأ َْبَوالِ َها»َ ،فَف َعُلوا،
َن تَ ْخ ُر ُجوا ِإَلى ِإِب ِل َّ ِ ِ
ول هللا ِ« :إ ْن ش ْئتُ ْم أ ْ ال َل ُه ْم َرُس ُ
َفَق َ
ول هللاِ َ ،فَبَل َغ َذلِ َك َّ
النِب َّي اإلس َال ِم ،وساُقوا َذوَد رس ِ ِ
وه ْم َو ْارتَُّدوا َع ِن ْ ْ
َفص ُّحوا ،ثُ َّم ماُلوا عَلى ِ ِ
الرَعاءَ ،فَقَتُل ُ ّ َ
ْ َُ ََ َ َ
َّ ِ ِ
َعُيَن ُه ْمَ ،وتََرَك ُه ْم في اْل َحَّرةَ ،حتى َماتُوا ِ ِ ِ ِ ِ ِ
َ ،فَب َع َث في أَثَ ِره ْم َفأُت َي به ْمَ ،فَق َ
ط َع أ َْيدَي ُه ْمَ ،وأ َْر ُجَل ُه ْمَ ،و َس َم َل أ ْ
متفق عليه :أخرجه البخاري ،كتاب الحدود ،باب سمر النبي أعين المحاربين ،163/8ومسلم،
كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات ،باب حكم المحاربين والمرتدين .1296/3
2انظر الشنقيطي :أحكام الجراحة الطبية صـ178
3أخرجه ابن ماجه 516/1كتاب الجنائز ،باب في النهي عن كسر عظام الميت ،وأحمد في سننه
218/41طبعة الرسالة ،وهو حديث صحيح .انظر ابن الملقن :البدر المنير 769/6
( ) 180
ضوابط التشريح:
يجب أن يعلم أنه ال بد من مراعاة الضوابط التالية عند تشريح جثة اآلدمي:
.1التيقن من موت الشخص قبل إجراء التشريح عليه ألن تشريح اإلنسان قبل موته فيه
إيذاء وهو محرم شرًعا.
. 2موافقة الشخص قبل موته على تشريح جثته إذا مات أو موافقة ذويه بعد موته ،وال
يشترط موافقة الميت وال ذويه في الحاالت الجنائية؛ ألن ممانعة األهل قد تفوت حقاً
من الحقوق العامة أو الخاصة .ويجوز تشريح جثث المتوفين المجهولين الذين ليس لهم
أهل تؤخذ موافقتهم ،كما جاء مثالً في الفتوى التي صدرت عن دار اإلفتاء المصرية
"يجوز شرعاً الحصول على جثث بعض المتوفين ممن ال أهل لهم لإلفادة العلمية من
تشريحهم مراعاة للمصلحة العامة ،على أن يقتصر في ذلك على ما تقضي به الضرورة
القصوى."1
.3أن تراعى آداب تكريم الميت فال يساء التصرف في جسده بما ال يخدم البحث
العلمي والغرض التعليمي وال تبقى الجثة مقطعة األجزاء على منصات التشريح تتقاذفها
أيدي الطلبة دون رادع أو زاجر بل ال بد من احترام إنسانية الميت واالقتصار فقط على
موضع الحاجة والضرورة ،وال يجوز العبث بالجثة ،ويحسن أن يكون درس التشريح
درساً جاداً يوجهه مدرس التشريح لبيان قدرة هللا في الخلق وحكمته من خلق اإلنسان
في أحسن تقويم.
.4تجميع أجزاء الجثة بعد الفراغ من تشريحها ودفنها وفقاً لألحكام الشرعية المتعلقة
بوجوب دفن الميت.
.5إذا كانت الجثة جثة امرأة فيجب أن يقتصر نظر الطالب ومسه على مواضع
2
الضرورة والحاجة فقط ،وال يمسها بدون ضرورة.
مما سبق يتبين أنه ال يجوز استخدام جثة مسلم في التشريح إال في حال
الضرورة ،أو الحاجة الملحة ،فإذا سدت حاجة التعليم بشيء من العظام الموجودة في
المشرحة ،أو العظم الصناعي ،أو بغير ذلك من الوسائل التعليمية ،فال تجوز الزيادة
عليه؛ ألن الضرورة أو الحاجة تقدر بقدرها ويجب التنبيه إلى أنه ال يجوز شراء الجثث
بغرض التعليم أو غيره؛ ألن هذه الجثث ليست ملكا ألحد حتى يستطيع بيعها لغيره،
باإلضافة إلى أن اإلنسان محترم ومكرم حيا وميتا ،والبيع ينافي االحترام والتكريم.
فضال عن أنه لو فتح الباب للناس في شراء الجثث ،لكان في ذلك عونا
للنباشين على ما يقترفونه من آثام بننبش القبور وانتهاك حرمة الموتى ،وقد نهى الشرع
ِ
األ ْث ِم واْل ُع ْدو ِ
ان" المائدة.2: عن التعاون على المعصية ،قال تعالى" :وال تَ َع َاوُنوا َعَلى ْ َ َ
وبهذا ُيعلم أنه ال يجوز شراء الجثث ،بخاصة مع إمكان االكتفاء بالجثث
الموجودة قي المشرحة ،وإمكان االكتفاء بالعظم الصناعي ،والصور ،والفيديوهات التي
تحتوي على هذا.
أهداف الدرس:
يعرف الدارس االستنساخ-1أن ّ
-2أن يقارن الدارس بين أنواع االستنساخ المختلفة
-3أن يتقن الدارس الحكم الشرعي لكل نوع من أنواع االستنساخ
-4أن يرجح الدارس بين األقوال المختلفة للفقهاء في أحكام االستنساخ
( )1كتب هذا الموضوع الدكتور عمرو محمد غانم ،مدرس الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون
بالقاهرة.
( ) 182
أنواع االستنساخ
1االستنساخ والكائنات المعدلة وراثيا :أوديل روبير صـ 8المجلة العربية 1436هـ 2015م الرياض
2قرار مجمع الفقه اإلسالمي الدولي بتحريم االستنساخ البشري ،رقم ،)10/2( 94وكذلك المجلس
األوربي لإلفتاء في دورته العاشرة 19-26ذي القعدة 1423هـ ،الموافق لـ 26-22يناير 2003م،
دراسات في قضايا طبية معاصرة :بحث "قضايا فقهية في الجينات البشرية من منظور إسالمي" د.
عارف علي عارف 778/2دار النفائس –األردن 1421هـ 2001م
( ) 183
الجرائم مثال إلى عدم معرفة المجرم ،وفي باب المعامالت المالية مثال ال
ُيعرف الذي باع أحيانا أو الذي اشترى ،وفي األحوال الشخصية ال يعرف
الزوج زوجته ،وهكذا ...بسبب وجود أفراد مشابهين في الصفات الوراثية تماما
-2ﺇن االستنساخ يتﺮتﺐ عليه ﺍختالﻁ ﺍألنساﺏ
القول الثاني:
يرى هذا القول إباحة االستنساخ ،بضوابط معينة ،وهي:
-1أن يكون بين زوجين ،حال قيام الزوجية الصحيحة
-2أن يكون ذلك عالجا لمرض انعدام الخصوبة عند المرأة
-3المحافظة على عدم اختالط األنساب عند التخصيب
-4المحافظة على عدم كشف العورات ،إال عند الحاجة الماسة إليه
ﻭقﺪ ذهب إلى هذا بعض أعضاء ﺍلنﺪﻭﺓ ﺍلفقهية ﺍلﻄبية ﺍلتاسعة ،ﻭالمجتمعون ﰲ
نﺪﻭﺓ قضايا ﻃبية معاصﺮﺓ ﰲ ضﺀﻮ ﺍلشﺮيعة ﺍإلسالمية ،المنعقدة بعماﻥ ،ﺍألﺭﺩﻥ ،1ﻭقﺪ
جاﺀ ﰲ قﺮﺍﺭ هﺬه ﺍلنﺪﻭﺓ" :فصل الخاليا عﻦ ﺍلبييضة الملقحة بعﺪ ﺍالنقساﻡ ﺍألﻭل ﺃﻭ
الثاني ﺃﻭ ﺍلثالﺚ ،ﺃﻭ بعﺪ ﺫلﻚ بقصﺪ استعمالها إلحﺪﺍﺙ الحمل في فتﺮﺓ ﺍلﺰﻭجية جائﺰ
شﺮعاﹰ ،وتحكمه ﺍلقﻮﺍعﺪ ذاتها التي تحكم ﺍلتلقيح ﺍلصناعي الخارجي"2
وقد استدل أصحاب هذا القول بما يأتي:
المعقول :ﺇﻥ اإلسالم يحث على التناسل ويدعو إليه ،وهﺬﺍ ﺍلنﻮﻉ مﻦ ﺍالستنساﺥ
يتﺮتﺐ عليه تكثير الجنين الموجود في رحم األم التي تعاني من مشكلة الخصوبة ،عن
طريق إيجاد توائم لهذا الجنين ،فهو يمثل عالجا لهذه األم.
انظر ق اررات ﺍلنﺪﻭﺓ ﺍلفقهية ﺍلﻄبية ﺍلتاسعة الﺪﺍﺭ ﺍلبيضاﺀ 1997/6/17- ١٤م .نﺪﻭﺓ قضايا ﻃبية 1
المناقشة:
يناقش هذا القول بما يأتي:
-1القاعدة الفقهية المعروفة من أن د أر المفاسد مقدم على جلب المصالح ،بخاصة
عندما تكون المفاسد أعظم والمالحظ في االستنساخ هو إنتاج توائم متماثلة في
الصفات ،مما يترتب عليه وقوع مفاسد ال تخفى في المجتمع ،سبق ذكر أهمها
في دليل القول األول.
-2إنه ال حاجة إلى االستنساخ في هذه الحالة ،ألﻥ صورة تطبيق هذا القول في
الواقع ،ﺃﻥ تفصل خاليا بييضة مخصبة خارج الرحم ،ليتكون مﻦ كل خلية
جنين ينقل إلى ﺭحﻢ صاحبة ﺍلبييضة ،وهذه الطريقة لها بديل في اإلخصاب
الطبي المساعد يمكن االستغناء به عن االستنساخ ،هذا البديل يقوم على أخذ
أكثر من بويضة من مبيض المرأة عن طريق إعطاء المرأة هرمونات تنشط
المبيض وتجعله قاد ار على إنتاج أكثر من بويضة ،ثم تفصل هذه البويضات
خارج الرحم ،ويتم تخصيب كل منها بالحيوان المنوي ،،ثم تنقل إلى رحم المرأة،
دون حاجة إلى االستنساخ.
القول الثالث:
يرى هذا القول جواز االستنساخ في حالة نادرة جدا ،وهي الحالة التي تعاني فيها
الزوجة من قلة ﺇنتاﺝ المبيض للبييضاﺕ ،او أنه يوجد عيوب عند الزوجة في المبيضين
أو أحدهما يمنع مﻦ ﺇنتاﺝ ﺍلعﺪﺩ المناسب مﻦ ﺍلبييضاﺕ ،التي يتحقﻖ معه الحمل ،ﺃﻭ
كاﻥ ﺃحﺪ المبيضين مستأصالﹰ ،ﺃﻭ نحو ﺫلﻚ ،وكان ما ينتج من المبيضين أو أحدهما
عدد قليل ،ال يتحقﻖ به نجاح اإلنجاب ﰲ نﻈﺮ ﺃهل ﺍالختصاﺹ فال مانع حينئذ من
( ) 185
إجراء االستنساخ بمراعاة الضوابط السابقة في القول الثاني ،وسائر ضوابط التلقيح
1
الصناعي
2
وهذا القول قد ذهب إليه د .عبد الفتاح محمود إدريس ،د .عارف علي عارف
من المعقول:
-1الحاجة الداعية إلى اإلنجاب حينئذ بغير الطريق الطبيعي؛ إليجاد التناسل
3
البشري ،والتغلب على مشكلة العقم.
-2القياس على التوائم الطبيعية.
فإن المرأة قد تلد توائم بطريقة طبيعية بسبب انشطار البويضة المخصبة ،وهذه
4
الحالة من االستنساخ عن طريق انقسا الخاليا تشبهها
المناقشة:
يناقش هذا القول بالمناقشة األولى السابقة على القول الثاني ،وهي أن الشرع إن
كان قد دعا إلى التناسل ،وهو مصلحة ،فإنه لو كانت مفاسده تربو وتزيد على مصالحه
كما في االستنساخ ،فإنه يجب منعه أما القياس على مسألة التوائم الطبيعية ،فهو قياس
أهم ضوابط التلقيح الصناعي باإلضافة إلى ما سبق في القول الثاني: 1
مع الفارق؛ ألن التوائم الطبيعية غير متحدة الصفات الوراثية تماما ،بخالف االستنساخ
الذي تتحد فيه الجينات الوراثية.
أما الصورة األولى؛ فألنها حمل بين رجل وامرأة أجنبية عنه ،ومعلوم أن هذا يؤدي
إلى اختالط األنساب ،فهو في معنى الزنا ،كما أنه خالف الطريق الطبيعي للحصول
على النسل من التقاء الحيوان المنوي بالبويضة
وأما الصورة الثانية؛ فألنها حمل بين امرأة وامرأة ،وهذا ال يحل في الشرع الذي
جعل الحمل بين زوجين ،قال تعالى " :وهللا جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من
أزواجكم بنين وحفدة" ولما في ذلك من ذريعة الوقوع في الرذيلة عندما ال تجد المرأة
اإلشباع الغريزي الطبيعي لها عن طريق الزاوج وأما الصورة الثالثة؛ فألنه حمل حادث
من المرأة نفسها فقط ،والحمل الصحيح في الشرع هو الذي يكون من زوج ،ولما سبق
من األدلة في الصورة الثانية وأما الصورة الرابعة ،وهي أن تزرع نواة الخلية الجسدية
المنزوعة من زوج المرأة في البويضة المنزوعة النواة لتلك الزوجة فقد وقع فيها
االختالف بين المعاصرين على قولين:
القول األول :يحرم ذلك أيضا؛ ألن الطفل في تلك الحالة سيكون أخا للزوج ،ألنه
سيأخذ الصفات الوراثية نفسها التي للزوج ،فكأنهما توأمان متطابقان في كل الصفات،
لكن يناقش هذا بأنه لن يكون طبق األصل ،ألنه يبقى من الجينات سبعة وثالثة جينا
خارج النواة توجد في رحم المرأة يأخذها الطفل من المرأة خصيصا ،وهو ما يمثل واحدا
إلى ألف تقريبا من نسبة الجينات التي سيأخذها من الرجل صاحب الخلية منزوعة
النواة.
القول الثاني :تجوز هذه الصورة من االستنساخ إذا كان يقصد منها العالج لطفل آخر
للزوجين مريض ،حيث يكون طفل االستنساخ مشابها في الصفات الوراثية للمريض،
فيمكن أخذ بعض الخاليا من طفل االستنساخ وزرعها في المريض لعالجه.
الترجيح:
أرى ترجيح القول األول بالتحريم؛ وذلك ألنه يمكن عالج الطفل المريض عن
طريق االستنساخ العالجي الذي سيأتي ذكره ،أما استنساخ طفل بغرض أخذ بعض
الخاليا منه ،فإنه يترتب عليه المفاسد السابقة من وجود طفل له نفس صفات من
أخذت منه الخلية المستنبتة ولقد حرمت المجامع الفقهية والهيئات العلمية ،االستنساخ
( ) 188
البشري الكلي بجميع صوره ،ومنها مجمع الفقه اإلسالمي الدولي ،والمجلس األوربي
لإلفتاء.1
استنساخ النبات والحيوان:
تمكن اإلنسان منذ القديم من استنساخ النبات إلكثاره ،بالوسائل التي استطاع
التوصل إليها آنذاك ،والتي منها أخذ جزء من ساق النبات أو الغراس ،وزراعته وتهيئة
البيئة الصالحة لنموه حتى يكون نسخة متطابقة مع األصل الذي أخذ منه ،وهذه
الطريقة التي اتبعت قديماً ،ما زالت تتبع حتى يومنا هذا ،إال أنه ط أر تقدم في استنساخ
النبات ،بحيث أمكن استنساخه عن طريق أخذ بعض الخاليا أو األنسجة منه ،ثم
زرعها مرة أخرى لتكون ُنسخا أخرى متطابقة ،كما تمكنت مراكز البحوث الحيوانية ،من
استنساخ الحيوانات ،بحيث تعطي إنتاجاً واف اًر من اللحم ،واللبن ،والصوف ،أو الوبر،
وتقاوم األمراض ،أو تنتج بروتينات عالجية تفرزها في لبنها ،تعالج مرض السكر،
وضعف النمو ،وتعمل عمل المضاد الحيوي ،وغير ذلك.2
فما حكم هذا االستنساخ في الفقه السالمي؟
إن استنساخ النبات والحيوان عن طريق أخذ بعض الخاليا أو األنسجة من
النبات ،أو من الحيوان ،وزرعها مرة أخرى لتكون نباتا له نفس الصفات ،أو حيوانا له
نفس الصفات؛ أمر جائز؛ لما في ذلك من مصلحة التكاثر في النبات ،والحيوان،
ووجود وفرة فيها تسد حاجة اإلنسان ،بال ضرر
لكن يجب مراعاة القيدين التاليين:
-1أن ال يؤدي االستنساخ إلى ضرر بنشوء مرض جديد مثال
-2أن ال تتخذ هذه العملية للعبث وتغيير خلق هللا ،بخاصة في الحيوان. 3
قرار مجمع الفقه اإلسالمي الدولي بتحريم االستنساخ البشري ،رقم ،)10/2( 94وكذلك المجلس 1
األوربي لإلفتاء في دورته العاشرة 19-26ذي القعدة 1423هـ ،الموافق لـ 26-22يناير 2003م
2االستنساخ البشري بين الثورة العلمية والضوابط األخالقية والفقهية د .محمد الهواري صـ29
المجلس األوروبي لإلفتاء والبحوث .االستنساخ والكائنات المعدلة وراثيا :أوديل روبير صـ40
3اجمللس األوريب لإلفتاء يف دورته العاشرة 26-19ذي القعدة 1423هـ ،املوافق 26-22يناير 2003م
( ) 189
فيها نواة إحدى الخاليا الجسدية للمريض ،ثم يتم تحفيزها معمليا لتتخصص في إنتاج
1
خاليا بدال من الخاليا التالفة للمريض
حكم االستنساخ العالجي:
إنه ال يوجد ما يمنع شرعا مﻦ ﺍستخﺪﺍﻡ هذه الطريقة التي يتحقق بها التداوي
والشفاء بإذن هللا تعالى ،بدال من االعتداء على أجسام اآلدميين لغﺮﺽ ﺍلﺰﺭﻉ ،بخاصة
أن هذه الطريقة لو نجحت في إيجاد خاليا بديلة بالفعل ،فإنها ستكون أنفع وأولى من
زرع األعضاء؛ وذلك ألن ﺍستنساﺥ ﺍلعضﻮ مﻦ خاليا صاحبه ،يﻜﻮﻥ ﺃﺩعى لقبﻮل
الجسم له ،ﻭعﺪﻡ ﺭفضه -كما سبق ،-ﻭبالتالي ال يﻜﻮﻥ الجسم في حاجة إلى تناﻭل
مثبﻄاﺕ لجهاز المناعة
وقد أقر مجمع الفقه اإلسالمي ذلك ،وكذلك الندوة الفقهية الطبية التاسعة بشروط
تتلخص في عدم اإلضرار بالمأخوذ منهم الخاليا ،أو االعتداء عليهم ،أو امتهان
كرامتهم .2ويستدل للجواز بكثير من النصوص ،منها:
من السنة:
ّللاِ تََد َاوْواَ ،فِإ َّن َّ
ّللاَ َل ْم يك أن رسول هللا قال"َ :يا ِع َب َاد َّ -1عن أُسام َة ب ِن َش ِر ٍ
َْ َ َ ْ
ّللاِ،
ول َّ ِ
اء َواحًدا " َقاُلواَ :يا َرُس َ
يضع َداء ِإ َّال وضع َله ِشَفاء ،أَو َقالَ :دو ِ َّ
اء ،إال َد ً
ََ ْ ً َ َ َ ُ ً ْ َ ًَ
اله َرُم.»3
الَ « :
َو َما ُه َو؟ َق َ
وجه الداللة :لقد أمر الشرع بالتداوي من ﺍألمﺮﺍﺽ ،ﻭﺇﺫﺍ كاﻥ ﺍلتﺪﺍﻭﻱ مﻄلﻮبﹰا
شﺮعاﹰ ،فإﻥ اتخاذ الوسائل التي يتحقق بها ذلك ،ومنها استنساخ األعضاء -يكون
مطلوبا شرعا.
االستنساخ في المواثيق الدولية والقانون المقارن:
1االستنساخ وما يشتبه به :مفتاح سليم سعد 18 ،17/2يوليو – 2010البحرين .االستنساخ بين
الحظر واإلباحة :عبد الحميد عيدوني صـ234
2مجمع الفقه اإلسالمي في دورته السادسة المنعقدة بجده في مارس .1990الﻨﺪوة الفقهﻴة الﻄﺒﻴة
التاسعة ،الدار البيضاء 1997/6/17-١٤م إﱃ .١٧/٦/١٩٩٧نﺪوة قﻀايا ﻃﺒﻴة معاصﺮة ﰲ ضﻮﺀ
الﺸﺮيعة اإلسالمﻴ -عمان ،األردن عام ٢٠٠٠م
3أخرجه الترمذي :أبواب الطب ،باب ما جاء في الدواء والحث عليه ،383/4وهو حديث صحيح
( ) 191
لقد اتخذت المواثيق الدولية موقفا موحدا في تحريم االستنساخ ،وعلى رأسها
إعالن األمم المتحدة بشأن االستنساخ البشري ،الذي دعا فيه الدول األعضاء إلى
"حظر جميع اشكال استنساخ البشر بقدر ما تتنافى مع كرامة البشرية وحماية الحياة
اإلنسانية ،كما تذهب جميع القوانين إلى حرمة االستنساخ البشري الكلي ،وتذهب غالبية
القوانين إلى حرمة االستنساخ العالجي أيضا ،بينما تذهب بعض الدول كبريطانيا
واستراليا والسويد إلى جواز االستنساخ العالجي.1
أما االستنساخ البشري سواء كان جنسيا أو جسديا ،فهو مرفوض شرعا؛ لما
يؤدي إليه من األضرار والمفاسد السابقة.
1االستنساخ بين الحظر واإلباحة :عبد الحميد عيدوني صـ .234االستنساخ والكائنات المعدلة
وراثيا :أوديل روبير صـ116 ،99
( ) 192
تدريبات
أكمل ما يأتي:
-1يعرف االستنساخ الجنسي بأنه...........................
-2الفرق بين االستنساخ الجنسي والالجنسي هو أن االستنساخ الالجنسي تؤخذ
فيه نواة خلية..........لتوضع في بويضة منزوعة النواة
-3يتم االستنساخ العالجي عن طريق..................................
ضع عالمة صح أمام العبارة الصحيحة ،وعالمة خطأ أمام العبارة الخاطئة مع التعليل
-1من صور االستنساخ الجنسي :أخذ نواة خلية من جسد الرجل ،لتوضع في
بويضة امرأة منزوعة النواة
-2هناك من يقول من الفقهاء بجواز أخذ نواة خلية جنسية من الرجل ،لتوضع في
بويضة امرأة أجنبية منزوعة النواة
-3استنساخ النبات ال يجوز؛ لما فيه من اإلضرار بالحياة العامة
علل لما يأتي:
-1ال يجوز االستساخ البشري
-2ال يجوز استنساخ الحيوان
-3يجوز االستنساخ العالجي
( ) 193
()1
الموضوع الثالث :التداوي بالقرآن
عالج القرآن لألمراض النفسية والبدنية
تنقسم أمراض القلوب إلى أمراض شبهات ،وأمراض شهوات ،فأمراض الشبهات
تجعل اإلنسان في حيرة وقلق ،كما في قوله تعالى " :في قلوبهم مرض"4.....
وأمراض الشهوات كما في قوله تعالى "فال تخضعن بالقول"5..........
وهذان النوعان أصل فساد العبد.
ثانيا :عالج القرآن لألمراض البدنية.
نجد بعض العلماء يقصرون شفاء القرآن على أمراض القلوب والنفوس من
الكفر والنفاق وسوء األخالق وغيرها لكن يذهب جمهور أهل السنة إلى أن النصوص
عامة في شفاء القلوب وشفاء األبدان.
( )1كتب هذا الموضوع الدكتور عمرو محمد غانم ،مدرس الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون
بالقاهرة.
( (2اآلية 85سورة اإلسراء.
( )3الطب النبوي ،7زاد المعاد .7/4
4من اآلية 10سورة البقرة
5من اآلية 32سورة األحزاب
( ) 194
وفي ذلك يذكر ابن القيم أن "من" في قوله تعالى " :وُن َن ِّزُل ِم َن اْلُق ْر ِ
آن َما ُه َو َ
ين ِإ َّال َخ َس ًا َّ ِ ِ ِ ِ ِ
ار "1ليست تبعيضية ،وإنما هي لبيان اء َوَر ْح َم ٌة لْل ُم ْؤ ِمن َ
ين َوَال َي ِز ُيد الظالم َ شَف ٌ
الجنس ومما يدل على أن القرآن شفاء لألبدان أيضا:
أوال :ثبوت معالجة النبي بالرقى ،وإرشاد الصحابة إلى ذلك ،واألحاديث التي تدل
على مشروعية التداوي بالرقى متواترة توات ار معنويا ،ومنها حديث عائشة –رضي هللا
اشتََّد
عنها " :-أن رسول هللا كان إذا اشتكى يق أر على نفسه بالمعوذات وينفثَ ،فَل َّما ْ
اء َب َرَكِت َها"2 ِ ِِ ِ
َو َج ُع ُه ُك ْن ُت أَْق َأُر َعَل ْيه َوأ َْم َس ُح ب َيده َر َج َ
َنَفٌر ِم ْن ٍِ ِ
طَل َق
الْ :ان َ وما ثبت في رقية سيد القوم ،ففي الصحيح َع ْن أَبي َسعيد َ ،ق َ
الع َر ِب، النِب ِي ِ في سْف ٍرة ساَفروها ،حتَّى ن َزُلوا عَلى ح ٍي ِمن أَحي ِ
اء اب َّ أَصح ِ
َ َ ّ ْ َْ َ َ َ َ َ ُ َ َ ّ ْ َ
الح ِيَ ،ف َس َع ْوا َل ُه ِب ُك ِّل َشي ٍء ،الَ َي ْنَف ُع ُه فاستضافوهم فأَبوا أَن يضِيفوهم ،فلِدغ سِيد ذلِك
ْ َ ْ َ َ ُ ُ ْ َ َ ْ ْ ُ َ ُّ ُ ْ َ ُ َ َ ّ ُ َ َ َ ّ
ض ِه ْم ط َّالِذين ن َزُلواَ ،لعَّله أَن ي ُكون ِع ْند بع ِ الرْه َض ُه ْمَ :ل ْو أَتَْيتُ ْم َه ُؤالَ ِء َّ
َ ُ ْ َ َ َ َْ َ َ ال َب ْع ُ َش ْي ٌءَ ،فَق َ
غَ ،و َس َع ْي َنا َل ُه ِب ُك ِّل َشي ٍء ،الَ َي ْنَف ُع ُهَ ،ف َه ْل
ْ ط ِإ َّن َسِّي َد َنا ُلِد َ
الرْه ُ
ُّها َّ َش ْي ٌءَ ،فأَتَ ْو ُه ْمَ ،فَقاُلواَ :يا أَي َ
ّللاِ َلَقِد ّللاِ ِإِّني َأل َْرِقيَ ،وَل ِك ْن َو َّ ض ُه ْمَ :ن َع ْمَ ،و َّ ال َب ْع ُ
ٍ ِ
َحد م ْن ُك ْم م ْن َش ْيء؟ َفَق َ
ِع ْند أ ٍ ِ
َ َ
وه ْم َعَلى َق ِطي ٍع صاَل ُح ُ َّ ِ ٍ
وناَ ،ف َما أ ََنا ب َراق َل ُك ْم َحتى تَ ْج َعُلوا َل َنا ُج ْع ًالَ ،ف َ ضِّيُف َاك ْم َفَل ْم تُ َ
ضْف َن ُ
استَ َ ْ
ال، ط ِم ْن ِعَق ٍ ين َف َكأََّن َما ُن ِش َ ِ
العاَلم َ ِِ ِ ِ ِ ِم َن َ
الح ْمُد ََّّلل َر ّب َ طَل َق َي ْتف ُل َعَل ْيهَ ،وَيْق َأرَُ : الغ َنمَِ ،ف ْان َ
ض ُه ْم: ِ َّ ِ 3 ِِ ِ
وه ْم َعَل ْيهَ ،فَقا َل َب ْع ُ صاَل ُح ُ الَ :فأ َْوَف ْو ُه ْم ُج ْعَل ُه ُم الذي َ طَل َق َي ْمشي َو َما به َقَل َبةٌ َ ،ق َ َف ْان َ
َّ ِ ال تَْف َعُلوا َحتَّى َنأِْتي َّ ال َّالِذي َرَقىَ : ِ
ظ َر َما انَ ،ف َن ْن ُ النِب َّي َ ف َن ْذ ُك َر َل ُه الذي َك َ َ ا ْقس ُمواَ ،فَق َ
ول َّ ِ يأْمرَناَ ،فَقِدموا عَلى رس ِ
الَ« :ق ْد يك أََّن َها ُرْق َي ٌة» ،ثُ َّم َق َالَ « :و َما ُي ْد ِر َ ّللا َ ف َذ َك ُروا َل ُهَ ،فَق َ ُ َ َُ َ ُُ
ِ ِ ِ ِ
اض ِرُبوا لي َم َع ُك ْم َس ْه ًما» َف َ
4
ّللا ول َّضح َك َرُس ُ َص ْبتُ ْم ،ا ْقس ُمواَ ،و ْ أَ
ثانيا :ومما يدل على أن الرقية شفاء لألبدان أيضا ما جاء من التجارب الكثيرة التي
تدل على ذلك.1
ثالثا:أنه قد ثبت أن القرآن يطهر النفوس ،وإذا صلحت النفوس صلحت األبدان وليس
معنى ذلك أن التداوي قاصر على الرقية فقط ،بل التداوي بما ثبت شفاؤه ألنواع
األمراض واجب ،سواء كانت أدوية طبيعية أو عقاقير طبية ،ومما يدل على ذلك :عن
علي قال :لدغت النبي عقرب وهو يصلي ،فلما فرغ قال« :لعن هللا العقرب ،ال يدع
مصليا ،وال غيره ،ثم دعا بماء وملح ،وجعل يمسح عليها ،ويقرأ :قل يا أيها الكافرون،
وقل أعوذ برب الفلق ،وقل أعوذ برب الناس.»2
فقد تداوى النبي بالعقاقير التي وجدت في عصره ،وقد روي أنه أمر أحد
أصحابه بالذهاب إلى الحارث بن كلدة للتداوي –وهو طبيب معروف عند العرب ،عن
ِ
يعودنيَ ،فوضع َيده ْبين ثديي ول هللاِ
رس ُ
ِ
الَ :مرضت َمرضا أَتَاني ُ
سعد بن مالك َق َ
ّ
بردها على ُف َؤ ِادي ،وقال" :إنك رجل مفئود ،ائت الحارث بن كلدة أخا
َ وجدت
ُ حتّى
ثقيف فإنه رجل يتطبب فليأخذ سبع تمرات من عجوة المدينة فليجأهن بنواهن ثم ليدلك
بهن."3
وعن عبد هللا بن مسعود ،يبلغ به النبي " :ما أنزل هللا داء ،إال قد أنزل له
شفاء ،علمه من علمه ،وجهله من جهله ." 4وهذا أعطى كل مريض أمالً أن يجد لدائه
عالجا ،وأعطى األطباء أنفسهم أمالً أن يجدوا لكل داء دواء ،فليس هناك داء ال عالج ً
ٍ ِ ِ ِ ِ ِ
اء،ال« :ل ُك ّل َداء َد َو ٌفع ْن َجاب ٍرَ ،ع ْن َرُسول هللا أَنَّ ُه َق َ
له ،في الحال أو االستقبالَ .
ِ ِ ِ ُصيب دواء َّ ِِ ِ
الداء َب َأَر ِبِإ ْذ ِن هللا َع َّز َو َج َّل »َ ،
وع ْن َحكي ِم ْب ِن ح َازمٍَ ،ق َ
5
الُ :قْل ُتَ :يا َفإ َذا أ َ َ َ ُ
1كيف كان القرآن شفاء ألمراض الناس وقاية وعالجا د .عمر األشقر
2أخرجه الطبراني في األوسط ،90/6والصغير ،87/2وهو حديث صحيح
3أخرجه أبو داود في سننه كتاب الطب باب في تمرة العجوة 7/4 ،وهو حديث ضعيف
4أخرجه أحمد في مسنده 50/6 ،وهو صحيح ،وأصله في صحيح البخاري عن أبي هريرة كتاب
الطب ،باب ما أنزل هللا داء إال أنزل له شفاء 122/7
5أخرجه مسلم كتاب السالم ،باب لكل داء دواء واستحباب التداوي 1729/4
( ) 196
الِ« :إَّن َها ِم ْن َرَيت أَد ِوي ًة نتداوى ِبها ورًقى نسترِقي ِبها أَترُّد ِمن َقد ِر َّ ِ رسول َّ ِ
ّللا؟ َق َ َ َُ ْ َ ّللا ،أ َأ ْ َ ْ َ َ ََ َ َ َ ُ َ ْ َ ْ َُ َ
ِ 1
ّللا» .َق َد ِر َّ
قدر بقدر،
قدر بقدر ،ونرد ًا
فاألمراض من قدر هللا ،واألدوية من قدر هللا ،فندفع ًا
وهذه سنة هللا ،أن تدفع األقدار بعضها البعض ،فيدفع قدر الجوع بقدر الغذاء ،وقدر
العطش بقدر الشرب ،وقدر الداء بقدر الدواء.
تقدما هائالً في الحضارة
ومن أجل هذا شاع الطب بين المسلمين ،وتقدم الطب ً
وعرف منهم أسماء المعة اإلسالمية ،وكان المسلمون أئمة العالم وأساتذته في الطبُ ،
على مستوى العالم ،مثل أبي بكر الرازي ،وابن سينا ،وابن رشد والزهراوي ،وغيرهم من
وكتب هؤالء انتشرت في العالم مثل (الحاوي) للرازي ،و(القانون) البن سينا،
المسلمينُ ،
و(الكليات) البن رشد ،و(التصريف لمن عجز عن التأليف) للزهراوي ،بل وجدنا من
فقيها ،أّلف كتابه (بداية
علماء المسلمين الفقهاء َمن يجيد الطب ،فابن رشد نفسه كان ً
المجتهد ونهاية المقتصد) في الفقه المقارن ،وفخر الدين الرازي صاحب الكتب الشهيرة
في التفسير واألصول وعلم الكالم وغيرها ،قالوا :كانت شهرته في علم الطب ال تقل
عن شهرته في علوم الدين ،وابن النفيس ،مكتشف الدورة الدموية الصغرىُ ،ي ُّ
عد من
فقهاء الشافعية ،وترجم له تاج الدين السبكي في كتاب (طبقات الشافعية) على أنه أحد
فقهاء هذا المذهب.
الشبهات التي ترد على مشروعية التداوي بالرقى:
هناك بعض الشبهات التي قد ترد على القول بمشروعية الرقى ،منها:
-1التداوي بالرقى يتعارض مع قول النبي في صفة الذين يدخلون الجنة بغير
طي َُّرو َنَ ،والَ َي ْستَ ْرُقو َنَ ،والَ َي ْكتَُوو َنَ ،و َعَلى َرّبِ ِه ْم َيتََوَّكلُو َن»،
ين الَ َيتَ َ َّ ِ
حسابُ « :ه ُم الذ َ
ويجاب عن ذلك بأن (ال يسترقون) يحمل على رقى الجاهلية.
-2التداوي بالرقى يتعارض مع حديث «إن الرقى ،والتمائم ،والتولة شرك»2
2أخرجه أبو داود ،كتاب الطب ،باب في تعليق التمائم 9/4وهو حديث صحيح
( ) 197
ويجاب عن ذلك بأنه محمول على رقى الجاهلية أيضا ،أو يحمل على الرقى
المجهولة التي ال يعرف معناها.
ئ ِم َن التََّوُّك ِل»1
استَ ْرَقىَ ،فَق ْد َب ِر َ ِ
-3التداوي بالرقى يتعارض مع حديث « َم ِن ا ْكتَ َوى ،أَو ْ
ويجاب عن ذلك بأنه محمول على من اعتقد تأثيرها بطبعها كما كانوا يزعمون في
الجاهلية.
حكم تعليق التميمة:
للتميمة معنيان:
الخرزة التي تعلق على األوالد ،يتقون بها العين
األول :هو المفهوم الجاهلي وهوَ :
في زعمهم .وعلى هذا تحمل أحاديث النهي عن تعليق التمائم.
الثاني :هو أن التميمة عبارة عن ورقة يكتب فيها شيء من القرآن أو غيره مما
فيه ذكر هللا ،وتعلق على الرأس أو في العنق ،أو توضع في الجيب أو غير ذلك للتبرك
وهي بهذا المعنى جائزة عند جمهور الفقهاء الحنفية ،2والمالكية في المشهور عنهم،3
والشافعية ،4والحنابلة في رواية5؛ وذلك لعموم قوله تعالى" :كتاب أنزلناه إليك مبارك"6
فال حرج في التبرك بالقرآن ،أو غيره مما فيه ذكر هللا تعالى ،كما يستدل على ذلك بما
ول هللاِالرَقىَ ،فجاء آل عم ِرو ب ِن ح ْزٍم ِإَلى رس ِ ول هللاِ َ ع ِن ُّ ِ
َُ َ َ ُ َْ ْ َ الَ :ن َهى َرُس ُ رواه َجابرَ ،ق َ
ول هللاِ ِإَّن ُه َك َان ْت ِع ْن َد َنا ُرْق َي ٌة َن ْرِقي ِب َها ِم َن اْل َعْق َر ِبَ ،وإَِّن َك َن َه ْي َت َع ِن
َ فَقاُلواَ :يا َرُس َ
الرَقىَ ،قالَ :فعرضوها عَلي ِهَ ،فَقال« :ما أَرى بأْسا م ِن استَ َ ِ
َخاهَُن َي ْنَف َع أ َ
طاعَ م ْن ُك ْم أ ْ َ َ ًَ َ ْ َ َ ََ ُ َ َ ْ ُّ
َفْل َي ْنَف ْع ُه.»7
بينما خالف في ذلك اإلمام أحمد في رواية ،1وذهب إلى حرمة تعليق التمائم
مستدال بحديث« :إن الرقى ،والتمائم ،والتولة 2شرك »3وحديث عقبة بن عامر عن
النبي " من علق تميمة فقد أشرك "4وحديث عقبة بن عامر أيضا ،يقول :سمعت
رسول هللا يقول " :من تعلق تميمة ،فال أتم هللا له ،ومن تعلق ودعة ،فال ودع هللا
له."5
وقد ذهب اإلمام مالك في رواية عنه ،6وكذلك أحمد في الرواية التي عليها
العمل في المذهب 7إلى جواز تعليق التميمة في حال المرض ،وإلى عدم جواز ذلك في
حال الصحة لقول عائشة" :التمائم ما علق قبل نزول البالء ،أما ما علق بعد نزول
البالء فليس بتميمة."8
لكن يعلق ابن رشد الجد المالكي على قول اإلمام مالك في هذه الرواية بقوله:
"وال وجه من طريق النظر للتفرقة فيما كان منها بذكر هللا بين الصحة والمرض إال
اتباع قول عائشة في ذلك ،إذ ال تقوله رأيا ،وهللا أعلم .وقول مالك الثاني أتبع لألثر؛
الستعمال اآلثار كلها بحمل النهي على ما ليس فيه ذكر هللا تعالى ،وقول عائشة
على ما كان منها بذكر هللا."9
ويقصد بقول مالك الثاني هو أن النهي عن تعليق التمائم هو ما إذا كانت بغير
ذكر هللا ،أما إذا كانت بذكر هللا فهي مشروعة في أي وقت أما قول عائشة إن التمائم
ما علق قبل نزول البالء ،فهو محمول على من يفعل ذلك ليدفع قدر هللا تعالى اعتقادا
-1أن يكون للرقية أصل في القرآن أو السنة .قال الربيع :سألت الشافعي عن الرقى،
فقال" :ال بأس إن رقى بكتاب هللا أو بما يعرف من ذكر هللا"
ف ِ اهلِي ِ
ف ب ِن مالِ ٍك ْاأل َْشج ِع ِيَ ،قالُ :كَّنا نرِقي ِفي اْلج ِ ِ
ول هللا َك ْي َ
َيا َرُس َ َّة َفُقْل َنا َ َْ َ َ ّ َع ْو ْ َ وع ْن
َ
ِِ ِ ْس ِب ُّ ِ ِ
ك»1فيه ش ْر ٌ الرَقى َما َل ْم َي ُك ْن اك ْمَ ،ال َبأ َ
ضوا َعَل َّي ُرَق ُاع ِر ُ
الْ « :
في َذل َك َفَق َ تَ َرى
ويفهم من هذا الحديث أنه ال يشترط في الرقية أن تكون بنصوص مأثورة من الكتاب
والسنة –وإن كان هذا أولى لما تمي از به من الشرف ،وجوامع الكلم -حيث يجوز الرقية
بكل دعاء وذكر ال مخالفة فيه للكتاب والسنة.
-2أن يعتقد أن الرقية ال تؤثر بذاتها ،بل بتقدير هللا تعالى
-3أن تكون الرقية بلغة مفهومة المعنى؛ ألنها إن لم تكن كذلك فال يؤمن معها الشرك.
-4أن تكون الرقية مكتوبة بطاهر.
بناء على ما سلف ،فإنه ال بأس -إن شاء هللا تعالى -من التداوي بالقرآن الكريم،
من نحو :القراءة دون لمس للمرأة األجنبية المريضة ،وعدم الخلوة بها ،بل ال بد من
يض إلى قراءة سورة البقرة ،أو
يوج َه المر ُ
وجود محرم لها مع غض البصر ،ويحسن أن َّ
طَلة ،أي:الب َ
االستماع إليها ،لما ورد في فضلها ،وأن أخذها بركة ،وال تستطيعها َ
السحرة.
رقية المسلم للكافر :ال يوجد نص يمنع رقية المسلم للكافر ،بل هناك ما يؤيده ،وهو
حديث أبي سعيد السابق في رقية سيد الحي الذي لدغ ،فقد ذكر ابن القيم أن هؤالء
2
الحي غير مسلمين ،أو أهل بخل ولؤم
حكم الرقية للوقاية ال للعالج:
إذا تعاطى بعض الناس الرقية وهم أصحاء للوقاية من المرض ،فقد أجاز
جمهور الفقهاء هذا ،وعليه يحمل سائر األذكار التي وردت عن النبي صباحا
ومساء وعند النوم وفي كل األحوال.
لسَّن ِة.1
وب ِإَلي ِه ُمطَلاقا لِ ُّ
الرَقى َف َمنُد ٌ
َما ُّ
يقول القرافي المالكيَ :وأ َّ
1أحرجه مسلم كتاب السالم باب ال بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك 1727/4
2مدارج السالكين ،178/1ويالحظ أن هذا الحديث يؤخذ منه أيضا االجتهاد عند عدم وجود النص
( ) 201
()2
الموضوع الرابع :التداوي بالمحرمات
مشروعية التداوي:
إن الشرع قد أباح لنا التداوي بالمباحات ،فعن أبي الدرداء ،قال :قال رسول هللا
« :إن هللا أنزل الداء والدواء ،وجعل لكل داء دواء فتداووا وال تداووا بحرام.»3
الد ِاء
يب َد َواء َّ ول هللاِ أََّنه َقال« :لِ ُك ِل د ٍاء دو ِ ِ وع ْن جاِب ٍر ،ع ْن رس ِ
ُ اءَ ،فإ َذا أُص َ ّ َ ََ ٌ ُ َ َ َُ َ َ
َب َأَر ِبِإ ْذ ِن هللاِ َع َّز َو َج َّل ».
4
التداوي بالمحرمات:
األصل أنه ال يجوز التداوي بالمحرمات ،ما دام يوجد غير المحرم يقوم مقامه
في العالج ،فإذا لم يوجد غير المحرم يقوم مقامه ففيه التفصيل اآلتي:
إن المادة التي من أجلها حرمت الخمر ،هي مادة (الكحول) المسكرة ،فإذا انتزعت
منها هذه المادة ،فإنها ال تكون خمرا ،وبناء على ذلك فإن حكم التداوي بالمواد
الكحولية ،يعرف من خالل التعرف على حكم التداوي بالخمر ،كما يأتي:
-1يحرم التداوي بالخمر مطلقا ،فال يجوز التداوي به ولو في حالة الضرورة ،وقد
ذهب إلى ذلك الحنفية ،1والمالكية ،2وهو الصحيح عند الشافعية في هذه
النووي والرافعي أن حرمة التداوي هو الصحيح في المسألة حيث ذكر
المذهب ،3وذهب إلى هذا أيضا الحنابلة في رواية 4بل ،يحد عند المالكية من
شرب الخمر للتداوي على الصحيح في المذهب5واستدلوا على ذلك بحديث َو ِائل
النِب َّي َ ع ْن اْل َخ ْم ِر َف َن َهاهُ َوَك ِرَه َل ُه ِ ٍ
ِق ْب َن ُس َوْيد اْل ُج ْعف َّي َسأ َ
َل َّ طار َ
َن َ بن حجر «أ َّ
ِ ٍ ِ ِ ِ
اء» َرَواهُ الَّ :إن ُه َل ْي َس ب َد َواء َوَلكَّن ُه َد ٌ الَّ :إن َما أ ْ
َص َن ُع َها ل َّلد َواء َفَق َ ص َن َع َها َفَق َ
َن َي ْ أْ
ُم ْسلِ ٌم.
-2بينما ذهب الشافعية فيما حكاه الرملي أنه األصح في المذهب إلى أنه ال
يجوز التداوي بالخمر الخالصة ،أما إذا كانت ممزوجة بغيرها ومستهلكة فيه
جاز بشرط أال يوجد غيرها يقوم مقامها.6
-3ولقد ذهب الحنابلة في رواية أخرى إلى جواز التداوي بالخمر للضرورة ما لم
7
فيتبين من القولين الثاني والثالث أن األدوية يوجد غير الخمر يقوم مقامها
التي تشتمل على مادة الكحول ،إذا لم يوجد لها بديل يقوم مقامها ،فإنه ال مانع
من التداوي بها ،كما أن مادة الكحول إذا كانت قليلة جدا في الدواء ،بحيث
تصبح في حكم عدم الوجود لقلتها ،فإنه ال مانع من استعمال هذا الدواء على
أية حال ،وهذا هو األولى بالقبول.
التداوي بغير الخمر من المحرمات:
القول األول :يجوز التداوي بالمحرمات من غير الخمر ما لم يوجد غيرها يقوم مقامها،
وقد ذهب إلى هذا جمهور الفقهاء من الحنفية ،1والشافعية وهو المذهب عندهم 2يقول
النووي :وعليه يحمل حديث "إن هللا لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم" فهو حرام عند
وجود غيره وليس حراما إذا لم يجد غيره ،كما ذهب إلى هذا القول الظاهرية ،3وهو
ووجه راجح عند الحنابلة اشترط فيه البهوتي قيام الضرورة ،وتبعه المرداوي في ذلك،4
واستدلوا على ذلك بقول تعالى "إال ما اضطررتم إليه" والتداوي بمنزلة الضرورة ،5وقد
ير عَلى سِب ِ
يل التََّد ِاوي ِِ ِ ف و ُّ
الزَب ْي ِر ْب ِن اْل َع َّوا ِم ل َب َ
ٍ اح النبي لِ َع ْبِد َّ ِ ِ
اس اْل َحر َ َ الر ْح َمن ْبن َع ْو َ َأب َ
ِم ْن اْل َح َّك ِة َواْلَق ْم ِل َواْل َو َج ِع» ،كما أن التداوي عندما ال يوجد غير المحرم يقوم مقامه،
فإنه يكون بمنزلة الضرورة.6
القول الثاني :ال يجوز التداوي بالمحرم ،وهو مذهب المالكية ،7ووجه عند الشافعية،8
واستدلوا على ذلك بما روته أم سلمة أن رسول هللا قال":إن هللا لم يجعل شفاءكم فيما
حرم عليكم."9
القول الثالث :يجوز التداوي بأبوال اإلبل خاصة ،وهو وجه ثالث عند الشافعية ،وقد
وصف النووي الوجهين اآلخرين بالشذوذ ،1واستدلوا على ذلك بأن النص ورد في أبوال
اإلبل خاصة.2
الترجيح :أرى ترجيح القول األول بجواز التداوي بالمحرم ما لم يوجد غيره ،ألن حفظ
النفس من المقاصد التي عنيت الشريعة بحفظها ،فيغلب جانب المصلحة ببقاء البدن،
على جانب مفسدة تناول المحرم ،كما في أكل الميتة وشرب الخمر حال المخمصة
(الضرورة) ،وعلى ذلك ،فإنه ال مانع من التداوي بالمواد الكيماوية ،التي تحتوي على
مواد مخدرة ،ما لم يوجد غيرها يقوم مقامها ،على أن يراعى مقدار حاجة المريض فقط
إلى هذا الدواء ،دون زيادة عليه.
()3
الموضوع الخامس :الهندسة الوراثية
يقصد بها مجموعة وسائل تهدف إلى إجراء تبديل أو تعديل للمادة الوراثية عن
طريق الحمض النووي DNAفي الخاليا الحية؛ فإذا استطعنا الوصول إلى الجين الذي
يحمل صفة لون العين مثال ،واستطعنا التغيير فيه ،فإن لون العين سيتغير في
المستقبل.
مجاالت استخدام الهندسة الوراثية
تستخدم الهندسة الوراثية في الحاالت اآلتية:
-1العالج والدواء وتشخيص األمراض
حيث يتم توفير أنواع من الدواء مثل صناعة األنسولين لمرض السكر الناتج عن
تحطيم وتعطل الخاليا التي تفرز مادة األنسولين في البنكرياس ،ومن المعلوم أن مادة
األنسولين هي المسؤولة عن تركيز السكر (الجلوكوز) في الدم ،فانخفاضها يؤدي إلى
ارتفاع نسبة السكر كما يمكن أيضا صناعة هرمون السوماتوتروبين ،التي يؤدي فقدها
شيئا من خالياها ،أما في حالة أخذ جين من صاحبة الرحم وحقنه في الخلية الملقحة،
فإن الولد يكون متكونا من المرأتين ،األولى وهي صاحبة البويضة ،والثانية وهي
صاحبة الجين السليم ،مما يؤدي بدوره إلى اختالط األنساب ،وهو ال يجوز.
االحتمال الثالث :أن يؤخذ الجين السليم أو الخلية من رجل أو امرأة أجنبي ،وهذا
حرام؛ ألنها في حكم التلقيح بين خلية امرأة ورجل أجنبي ،فالتلقيح إنما هو لتكوين
الجنين بصفات أبويه الشرعيين ،وهو من باب "ال تسق ماءك زرع غيرك."1
-2النتاج وزيادته في مجال الحيوان والنبات:
حيث يمكن استخدام الهندسة الوراثية أيضا في استنساخ خاليا تحمل صفات
مرغوبة عن طريق تكاثرها وبخصوص الثروة الحيوانية ،فإنه يمكن تكاثرها عن طريق
أخذ خلية مرغوب فيها ،والعمل على تكاثرها ،ثم زرعها في أرحام حيوانات قادرة على
الحمل.
-3تعديل الصفات الوراثية وتغييرها في الحيوان:
حيث يمكن إدخال تعديالت على الصفات الوراثية للحيوان الحاملة لبعض
الصفات؛ إللغاء صفات غير مرغوب فيها ،أو تعديل الجينات التي تحتوي على عيب
غير مقبول ،والحالتان األخيرتان حكمهما الجواز ،سواء لعالج األمراض أو لتحسين
السالالت أو لزيادة اإلنتاج؛ ألن هذه األشياء في األساس مسخرة لخدمة اإلنسان،
ومنفعته ،لكن يشترط أن يكون هذا التعديل مأمونا من التغيير الذي يؤدي إلى العبث
بخلق هللا ،كأن يجعل لبعض الحيوانات أعضاء من غيرها مثال.
كما يشترط أن يكون هذا التغيير مأمونا من االنقالب إلى سموم قاتلة أو مضرة أو
منشئة ألمراض فتاكة.
َّاس ر ِ
1هذا جزء من حديث َع ِن ْاب ِن َعب ٍ
ول َ ي ْوَم َخ ْيَب َر َع ْن َب ْي ِع ّللاُ َع ْن ُه َما ،أََّن ُه َق َ
الَ " :ن َهى َرُس ُ ضي َّ
َ َ
ض ْع َن ما ِفي ُب ُ ِ ِ
الَ « :ال تَ ْس ِق َزْرعَ طوِنه َّنَ ،وَق َ َ ئن َحتَّى َي َ طَ اْل َغَنائ ِمَ ،حتَّى تُْق َس َمَ ،و َع ِن اْل َحَباَلى أ ْ
َن ُيو َ
السَبا ِع» .أخرجه الحاكم في المستدرك ٍ ِ ِ ِ ِ غي ِرك ،وعن ُلحو ِم اْلحم ِر ْاأل ِ ِ
َهليَّةَ ،و َع ْن َل ْح ِم ُك ّل ذي َناب م َن ّ ْ ُُ َْ َ َ َ ْ ُ
اإل ْسَناد َوَل ْم ُي َخِّر َجاهُ " ووافقه الذهبي ،وهو كذلك أما الجزء الذي في ِ يح ِْ ِ ِ
صح ُ يث َ ،64/2وقالَ :ه َذا َحد ٌ
الصلب فلم أجده بلفظه ،وإن كان موجودا بمعناه كما سبق.
( ) 208
لكن يشترط في هذا المرض أن يكون هناك خطورة على حامله ،أو إحداث
شين كبير فيه ،ومن ذلك :التخلف العقلي ،والتشوه الشديد ،وتعدد العاهات ،وسرطان
الدم مثال كما يشترط أيضا عدم استعمال جينات من خاليا تناسلية من غير الزوج
صاحب الخلية األصل؛ ألنه يأخذ حكم التلقيح بماء أجنبي ،بخالف الخلية الجسدية.
النوع الثاني:
تعديل صفات وراثية في اإلنسان من أجل الحصول على نسل محسن ،كزيادة
صفة الذكاء ،أو تغيير لون البشرة أو العين وهذا حرام؛ إذا األصل في الدخول لخلية
اإلنسان الحظر إال لضرورة أو حاجة تنزل منزلة الضرورة وهي دفع الضرر ،أما الحالة
التي نحن فيها فهي من باب التحسينات ،فال تجوز ،كما أن هللا تعالى قد خلق
اإلنسان في أحسن تقويم ،فال يجوز تغيير خلق هللا تعالى ،وال يقال إن كل حاالت
1أخرجه أبو داود ،كتاب الطب ،باب في األدوية المكروهة ،وإسناده ضعيف ،لكن له شاهد ،رواه
أحمد في مسنده 50/20من حديث أنس أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،قال " :إن هللا حيث خلق
الداء ،خلق الدواء ،فتداووا " وإسناده حسن.
2أخرجه مسلم كتاب السالم ،باب لكل داء دواء واستحباب التداوي .1729/4
( ) 209
تعديل الجينات في اإلنسان تغيير لخلق هللا؛ ألن المقصود بخلق هللا تعالى هو الصفة
األصلية التي خلق عليها اإلنسان ،وهو خلق اإلنسان في أحسن تقويم ،كما أن هناك
حاالت يكون الدخول فيها من باب التداوي ،والتداوي مشروع كما سبق في النوع األول.
( ) 210
الوحدة السابعة:
عمليات التجميل
وتحتوي على:
عملية سحب الدهون من الجسم. الموضوع األول:
حكم قشر الوجه. الموضوع الثاني:
شد التجاعيد وتجميل األسنان واألعضاء. الموضوع الثالث:
األحكام المتعلقة بزراعة األعضاء. الموضوع الرابع:
استخدام األعضاء التعويضية (الصناعية) ،وأثر ذلك في الموضوع الخامس:
الطهارة.
استخدام الشعر المستعار (الباروكة). الموضوع السادس:
وكتبه كلها الدكتور /عمرو محمد غانم مدرس الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون
بالقاهرة.
التكييف الفقهي لرتق غشاء البكارة. الموضوع السابع:
وكتبه الدكتورة زمزم عبد اللطيف أحمد ،مدرس الفقه بكلية الدراسات
السالمية والعربية للبنات بالزقازيق.
( ) 211
()1
الموضوع األول :عملية سحب الدهون من الجسم
تحدث عملية سحب الدهون نتيجة ِ
السمنة ،حيث يتم إدخال أنبوبة امتصاص
تحت الجلد لسحب كميات كبيرة من الدهن
فبالرغم من وجود التمارين الرياضية والنظام الغذائي الصحي ،إال أنه قد يبقى شيء من
الدهون في منطقة ّ
معينة من الجسم ال يجدي معها إال عملية الشفط ،أو السحب.
وعملية شفط الدهون ليست وسيلة إلنقاص الوزن الزائد في الجسم كله؛ ألن
معينة فقط؛ إلزالة الدهون المستعصية.
هذه العملية تُجرى لمواضع ُ
والبطن من أشهر المناطق التي ُيشفط منها الدهن ،كما أن هذه العملية قد
تُجرى في مناطق أخرى ،كمنطقة أسفل الذقن والذراعين ،باإلضافة إلى الثديين والخصر
واألفخاذ واألوراك وغيرها.
حكم سحب الدهون في الفقه السالمي:
إن سحب الدهون أو شفط الدهون قد يكون بقصد التداوي كأن يكون عالجاً
ألمراض نشأت عن تراكم الدهون في منطقة أو أكثر في الجسم ،كآالم المفاصل
الم َرضية ،بخاصة إذا أثَّرت الشحوم المتراكمة على القلب وتسبَّبت في
والظهر والسمنة َ
السكر وزيادة الكولسترول وقد يكون سحب الدهون
اإلصابة ببعض األمراض كالضغط و ّ
بقصد مجرد تحسين القوام فقط ،وبناء على ذلك ،فإن الحكم الشرعي يختلف باختالف
كل حالة.
فإن كان سحب الدهون بقصد التداوي فهو جائز ،ويندرج تحت عموم أدلة
مشروعية التداوي ،كما أن من القواعد المقررة أن (الضرر ُيزال) وقد جاءت الشريعة
بدفع المشقة الموجودة أو المتوّقعة تطبيقاً للقاعدة الفقهية (المشّقة تجلب التيسير)،
ومشقة المرض واأللم من أعظم المشاق التي أذن الشرع في إزالتها بكل وسيلة مباحة ال
يترتب عليها ضرر أكبر.
لكن يشترط لذلك شرطان:
( )1كتب هذا الموضوع الدكتور عمرو محمد غانم ،مدرس الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون
بالقاهرة.
( ) 212
أن ال توجــد وســيلة أخــرى تقــوم مقامهــا ،كالحميــة ،1وتنــاول وجبــات معينــة فــي -1
متناول اإلنسان ،والتمارين الرياضية ،ونحوهما من األدوية النافعة ،فإن العملية
فــي هــذه الحــال تكــون محرمــة ،إذ ال حاجــة تــدعو إليهــا مــع وجــود بــدائل شــرعية
تغني عنها
-2أن ال يترتب على هذه العملية ضرر أكبر.
أما سحب الدهون لتحسين القوام فقط ،وتخفيف الوزن المعتاد ،وإبراز المظهر
العا م مع أن الخلقة معتادة ،وال يشكل ذلك حالة مرضية لإلنسان ،فهذا ال يجوز؛ وذلك
أل ن األصل حرمة االعتداء على جسم المعصوم بقطع أو جرح إال لضرورة أو حاجة
معتبرة ،وشفط الدهون في هذه الحالة ليس له ضرورة وال حاجة ،إذ ال يترتَّب على تراكم
الدهون َم َرض أو اعتالل للجسم باإلضافة إلى أن هذه العملية ال يمكن إجراؤها في
الغالب إال باالطالع على العورات ،ومن المقرر في الشريعة أن كشف العورة حرام إال
لحاجة تدعو إلى ذلك ،وسحب الدهون لمجرد تحسين المظهر ال يعد حاجة معتبرة في
هذه الحالة إلباحة المحرم.
فضال عن أن تحسين القوام في هذه الحالة التي ليست بمرض ،يمكن عن
طريق ممارسة الرياضة ،والنظام الغذائي الصحي.
()2
الموضوع الثاني :حكم قشر الوجه
تتم عملية التقشير الكيميائي للوجه بوضع محلول كيميائي على بشرة الوجه؛
لتقوم هذه المادة بسلخ وتقشير الجلد .وهذه العملية تتم في دقائق معدودة ،ثم في
غضون عدة أيام يتجدد الجلد وتتكون طبقة جديدة أكثر نعومة وخالية من التجاعيد،
وقد يتم التقشير السطحي بمواد خفيفة التركيز على عدة جلسات ،أو يكون أكثر عمقا
حسب تركيز المادة المستعملة.
أما الصنفرة أو الكحت للجلد فإن ذلك يتم باالستعانة بجهاز صغير يقوم
بتحريك فرشاة على شكل دائري وبدورات عالية السرعة ،وتقوم هذه الفرشاة بإزالة الزوائد
والنتوءات مع إزالة السطح البارز وتسويته ،ثم تتجدد الخاليا في غضون أيام.
ويتم اندمال الجرح في غضون 10أيام ،ولكن يجب على المريض تفادي أشعة
الشمس بعد العملية لمدة من 3إلى 6أشهر ،وقد ينتج عن الصنفرة أحيانا بعض
المضاعفات مثل تغير في لون الجلد سواء إلى األغمق أو األفتح ،وقد تتسبب هي
أحيانا في ظهور نتوءات أخرى.
-1أخرجه أحمد في مسنده ،226/43وهو حديث صحيح عدا قوله" :القاشرة والمقشورة".
-2غذاء األلباب في شرح منظومة اآلداب 432 ،431/1
( ) 214
وخالصة القول في هذه المسألة ،أنه إذا كان القشر عالمة على الفاسقات –
على فرض أنهن يعرفن به ،-أوكانت المرأة المسنة تفعله للتدليس على الرجال وبيان
صغر سنها ،فهذا هو القشر المحرم أما إذا كان هذا القشر عالجا للنتوءات الموجودة
في الوجه ،رجوعا إلى الخلقة المعهودة ،فهذا ال بأس به؛ ألنه من قبيل التداوي وقد
ان َشيء حدث َف َال سئلت عائشة- ،رضي هللا عنهاَ -عن قشر الوجهَ ،فَقاَلت :إن ك
َ َ ْ
َبأْس بقشرهَ ،وِفي لفظِ :إن َك َ
ان َّ
للزْوج فافعلي.1
()2
الموضوع الثالث :شد التجاعيد وتجميل األسنان واألعضاء
تحدث التجاعيد في الجسم نتيجة فقدان الجلد لمرونته ،ووقف حيوية بعض
خالياه ،وهو أمر طبيعي في الشيخوخة؛ ألن مرونة الجلد تقل ،أما في الشباب فيكون
ألسباب غير طبيعية ،منها :اإلسراف في المخدرات ،واألمراض العصبية والنفسية وشد
التجاعيد إذا كان بسبب الشيخوخة ،فهو ال يجوز؛ لما فيه من التدليس أما إذا كان
ألسباب مرضية ،فهو جائز؛ ألنه في تلك الحالة من قبيل التداوي ،بشرط أن ال يؤدي
إلى ضرر أكبر.
تجميل األسنان بالتفليج:
التفليج أو الوشر معناه :برد األسنان بمبرد ونحوه لتحديدها وتحسينها وإحداث
فرجة بينها وقد اتفق الفقهاء على حرمة التفليج بقصد التدليس وإظهار صغر السن ،ال
ّللاِ بن مسعود أن رسول هللا قالَ« :ل َع َن َّ
ّللاُ بقصد المعالجة والتداوي؛ لما روى َع ْبد َّ
ّللاِ
ات َخْل َق َّ ات لِْلحس ِن ،المغِير ِ
ات ،والمتََفّلِج ِات ،والمتَن ِمص ِ
ات والمستَوِشم ِ
الو ِاشم ِ
ُ َ َّ ُْ َ ُ َ َ ُ َّ َ َ ُْ ْ َ َ َ
3
تَ َعاَلى » .وعلى ذلك ،فإنه ال يجوز تغيير هيئة األعضاء بالتصغير أو التكبير إذا
كان العضو في حدود الخلقة المعهودة.
1المجموع 45/9
( ) 216
قطع أنفه يوم الكالب 1فاتخذ أنفاً منَ ِورق (فضة) فأنتن عليه فأمره النبي -صلى هللا
عليه وسلم -فاتخذ أنفاً من ذهب.2
أما أثر ذلك في العبادات:
ففي مسح الرأس في الوضوء ،أو غسله في الغسل الواجب
إن كان ال يشق نزع هذا الشعر لزم نزعه ومسح ما تحته في الوضوء ،وغسله في
الغسل ،وإن كان يشق نزعه أو يتضرر به فال ينزعه ،ويمسح عليه في الوضوء ،وكذلك
يغسله حال االغتسال.
وأما في الحج والعمرة ،فإنه ال حلق عليه وال تقصير؛ ألنه شعر اصطناعي،
وإنما يجب عليه أن يحلق أو يقصر ما على رأسه من الشعر الطبيعي فقط إن كان
على رأسه شعر طبيعي.
الوشم:
الوشم يعني :أن يغرز العضو بإبرة حتى يسيل الدم ،ثم يحشى موضع الغرز
بالكحل أو النورة أو المداد فيخضر أو يزرق وقد أجمع العلماء على تحريم الوشم على
الفاعلة والمفعول بها؛ لما فيه من التدليس وتغيير خلق هللا ،وذلك إذا كان باختيارها،
ولذا ال تأثم البنت الصغيرة إذا فعل بها هذا ،وكذا من حصل له الوشم نتيجة احتكاك
جسمه بسبب حادث مثال ،كما ال يأثم من حدث له ذلك نتيجة عملية جراحية أو مرض
ما ،ويؤيد هذا االستثناء رواية ابن عباس " :والمستوشمة ،من غير داء."3
()4
الموضوع الرابع :األحكام المتعلقة بزراعة األعضاء
في البداية يجب أن نفرق بين بيع األعضاء والتبرع باألعضاء فبيع األعضاء
حرام؛ ألنه من قبيل بيع اإلنسان ،وبدن اإلنسان مما ال يجري عليه البيع؛ لما فيه من
انتهاك حرمته وكرامته ،وقد نهى النبي عن بيع الحر ،فقال" ثالثة أنا خصمهم يوم
القيامة........ورجل باع ح ار فأكل ثمنه."1
القول األول :هو أنه ال يجوز التبرع باألعضاء ،ومن أشهر من قال بهذا القول الشيخ
محمد متولي الشعراوي –رحمه هللا تعالى-ويستدل على ذلك بأن اإلنسان ليس ملكا
لبدنه حتى يتصرف فيه ،إنما المالك له هو هللا تعالى لكن يناقش هذا القول ،بأننا نسلم
أن جسم اإلنسان ملك هلل تعالى ،لكن في الحقيقة كل شيء في الكون ملك هلل تعالى،
فالمال أيضا ملك هلل تعالى ،ومع ذلك جاز لنا التصرف فيه وفق ضوابط الشرع ،فملكية
هللا تعالى لألشياء ال تمنع جواز التصرف فيها على وفق مراد الشرع.
القول الثاني :وهو ما يقول به أكثر الفقهاء المعاصرين وهو جواز التبرع باألعضاء
بشروط سيأتي ذكرها –إن شاء هللا تعالى -واستدلوا على ذلك بما يأتي:
-2القياس على حل أكل الميتة للمضطر ،بجامع تحقق الضرورة وهي إحياء
النفس البشرية التي أمر الشرع بحفظها
شروط التبرع باألعضاء:
-1أن ال يكون العضو المتبرع به عضوا وحيدا في الجسم كالقلب والكبد
والبنكرياس.
-2أن ال يكون هذا العضو من األعضاء الظاهرة لإلنسان التي يلحقه به تشويه
لخلقته ،أو من األعضاء التي يترتب على فقدانها زوال وظيفة أساسية في الحياة ،مثل
العين واألذن واليد والرجل.
-3أن ال يكون عضوا من األعضاء التناسلية التي تؤدي إلى اختالط األنساب أو
حرمة االستمتاع.
1انظر قرار مجمع الفقه اإلسالمي –جدة-جمادى اآلخرة 1408هـ بشأن انتفاع اإلنسان بأعضاء
جسم إنسان آخر ،حيا أو ميتا
( ) 219
( )1كتب هذا الموضوع الدكتور عمرو محمد غانم ،مدرس الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون
بالقاهرة.
2غاية البيان شرح زيد بن رسالن 66/1
3من اآلية 7سورة الطالق
( ) 220
كاآللة الخارجة عنه التي يستعين بها في قضاء مصالحه وحاجاته ،ولذلك فإنه ال
يجب طهارتها في الوضوء أو الغسل ،وإنما يجب طهارة ما تبقى من العضو األصلي
إذا كان هناك جزء منه ال يزال باقيا ،كما إذا قطع جزء من يد اإلنسان فقط ،فإنه
يجب طهارة الجزء الباقي في محل الفرض ،أما العضو الصناعي فال تجب طهارته
فمثالً من قطعت يده إلى الساعد فإنه يغسل ما بقي من الساعد إلى المرفق ،لقوله
ط ْعتُ ْم ،} 1ولقول النبي ( :وإذا أمرتكم بأمر فاتوا منه ما
استَ َ تعالىَ{ :فاتَُّقوا َّ
ّللاَ َما ْ
استطعتم .)2أما إذا قطعت اليد إلى نهاية المرفق سقط غسلها لسقوط محل الغسل.
ومما يستدل به على أن العضو التعويضي (الصناعي) ال يجب طهارته:
وه ُك ْم َوأ َْيِد َي ُك ْم ِإَلى الص َال ِة َف ْ ِ
اغسُلوا ُو ُج َ ين آ َمُنوا ِإ َذا ُق ْمتُ ْم ِإَلى َّ قوله تعالى :يا أَي َّ ِ
ُّها الذ َ َ َ
َّ اْلم َرِاف ِق وامس ُحوا ِب ُرء ِ
ضى وس ُك ْم َوأ َْرُجَل ُك ْم ِإَلى اْل َك ْع َب ْي ِن َوإِ ْن ُك ْنتُ ْم ُجُنًبا َفاط َّه ُروا َوإِ ْن ُك ْنتُ ْم َم ْر َ ُ َ َْ َ
اء َفتََي َّم ُموا ِ ِ ِِ ِ أَو عَلى سَف ٍر أَو جاء أ ِ
اء َفَل ْم تَجُدوا َم ً الن َس َ
َحٌد م ْن ُك ْم م َن اْل َغائط أ َْو َال َم ْستُ ُم ّ ْ َ َ َ ْ َ َ
ِ 3
يك ْم م ْن ُه " ِ
ام َس ُحوا ِب ُو ُجوِه ُك ْم َوأ َْيد ُ ص ِع ًيدا َ ِ
طّيًبا َف ْ َ
وجه الداللة:
إن هللا تعالى أمر بغسل أعضاء معينة حالة الوضوء هي جزء من اإلنسان بكاف
الخطاب في قوله تعالى"وجوهكم وأيديكم "....وفي الجنابة أمره بغسل جميع بدنه،
والعضو الصناعي ليس جزءا من اإلنسان حتى تتضمنه كاف الخطاب ،أو يتضمنه
عموم قوله تعالى "فاطهروا"
حكم طهارة األعضاء التعويضية إذا كانت ساترة لمحل الفرض:
إذا كانت األعضاء التعويضية ساترة لمحل الفرض في الوضوء أو
االغتسال ،أو ساترة لجزء منه كبعض أجهزة القدم أو غيرها التي تركب على العضو
األصلي وهو القدم هنا ،فإن تيسر نزعها فالواجب نزعها عند إرادة الوضوء ،أو
االغتسال لمباشرة الطهارة في األعضاء المأمور بها ،وإن تعذر نزع العضو التعويضي
كان في تلك الحالة بمنزلة الجبيرة ،وقد تقدم حكمها من وجوب المسح عليها دفعا للحرج
والمشقة- ،وقد تقدمت األدلة على ذلك فلتراجع ،-فيجب المسح على العضو
التعويضي بدال عن غسل العضو األصلي في تلك الحالة ،كما يجب التنبيه على أن
تلك األعضاء التعويضية يجب غسلها إن أصابتها نجاسة ما دامت مركبة في جسم
اإلنسان أو عضو من أعضائه سواء كانت ساترة لمحل الفرض أو ال؛ ألنها بمنزلة
الثوب النجس في تلك الحالة ،وقد أمر تعالى بتطهير الثياب في قوله تعالى" :وثيابك
فطهر".
()1
الموضوع السادس :استخدام الشعر المستعار (الباروكة)
قد يكون استخدام الباروكة ألجل التجمل والتزين ،ال لمرض أو عيب ،وقد يكون
استخدامها من أجل ما أصيب به اإلنسان من مرض الصلع ،وفي كل األحوال قد
يصعب نزعها أثناء الوضوء واالغتسال ألنه مثبتة بطريقة معينة
استخدام الباروكة للتجمل والتزين:
يحرم ارتداء الباروكة من أجل التجمل فقط ،ال لمرض باإلنسان أصابه بالصلع
مثال واألدلة على ذلك ما يأتي:
َن رسول هللاِ َ« لعن اْلو ِ
اصَل َة واْلمستَو ِ
صَل َة»2 َ ُْ ْ ََ َ عن ْاب ِن ُع َم َر ،أ َّ َ ُ َ
ِ -1
وجه الداللة :إن لبس الباروكة وإن لم يكن وصال في الظاهر ألن الباروكة توضع
على الرأس ،وال يوصل بها الشعر الحقيقي ،لكنه وصل في المعنى ،لما في ذلك من
الغش والتدليس؛ ألن الباروكة تظهر الشعر على وجه يختلف عن حقيقته
من المعقول:
إن المعنى الذي من أجله جاء النهي عن الوصل هو التدليس والغش ،وهو نفسه
موجود في لبس الباروكة.
( )1كتب هذا الموضوع الدكتور عمرو محمد غانم ،مدرس الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون
بالقاهرة.
2أخرجه البخاري كتاب اللباس باب الوصل في الشعر ،165/7ومسلم كتاب اللباس والزينة باب
تحريم فعل الواصلة والمستوصلة 1677/3
( ) 222
حكم المسح على الباروكة المتخذة للتجمل والتزين عند الوضوء ،وحكم عدم نزعها
عند االغتسال:
إذا كان ارتداء الباروكة حراما في تلك الحالة –كما سبق ،-فإنه يترتب على
ذلك حرمة المسح على تلك الباروكة ،فيكون الوضوء باطال إذا مسح عليها ،وكذلك
يكون االغتسال باطال ،إذا لم يصل الماء إلى ما تحت الباروكة من الرأس ،والدليل
على ذلك القاعدة الفقهية :إن الرخص ال تستباح بالمعاصي 1؛ فليس لمن يرتكب
المعصية أن يستفيد من الرخصة ،وذلك ألن الرخصة شرعت لرفع الحرج عن المكلفين،
ال لتيسير ارتكاب المعصية للعصاة.
إذا كانت الباروكة يستر بها عيب وراثي عند المرأة ،أو نتيجة اإلشعاع والعالج
الكيميائي الذي يزيل شعر اإلنسان أحيانا مما يؤدي إلى تشوهه ،فال بأس باستعمال
ٍ
حينئذ لستر هذا العيب. الباروكة
والدليل على ذلك :عن أبي الدرداء ،قال :قال رسول هللا « :إن هللا أنزل الداء
والدواء ،وجعل لكل داء دواء فتداووا وال تداووا بحرام.»2
وجه الدال لة :إن الشارع أمر بالتداوي ،وارتداء الباروكة في حالة المرض هو عالج مما
أصيب به اإلنسان من ذلك المرض- ،حتى ولو كان مؤقتا ،-وذلك بستر الجزء
المصاب.
حكم المسح في الوضوء على الباروكة المتخذة من أجل المرض ،وحكم عدم نزعها
عند االغتسال:
إذا كان ال يشق نزع الباروكة حين الوضوء واالغتسال ،فإنه يجب نزعها
والمسح على الرأس في الوضوء؛ ألنه األصل لقوله تعالى"وامسحوا برءوسكم" ،وكذلك
1األشباه والنظائر :تاج الدين عبد الوهاب بن تقي الدين السبكي 135/1
2أخرجه أبو داود ،كتاب الطب ،باب في األدوية المكروهة ،وإسناده ضعيف ،لكن له شاهد ،رواه
أحمد في مسنده 50/20من حديث أنس أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،قال " :إن هللا حيث خلق
الداء ،خلق الدواء ،فتداووا " وإسناده حسن.
( ) 223
يجب غسل الرأس في االغتسال الواجب؛ لدخول الرأس في عموم قول هللا تعالى "وإن
كنتم جنبا فاطهرو."1
أما إذا كان هناك مشقة في نزع الباروكة عند كل وضوء ،وكذلك عند
االغتسال ،فإنها تأخذ في تلك الحالة حكم المسح على الجبيرة ،حيث يصح المسح
ّللاُ لِ َي ْج َع َل
عليها للمشقة والحرج في نزعها ،والحرج مرفوع شرعا لقوله تعالى" :ما ُي ِر ُيد َّ
َعَل ْي ُك ْم ِم ْن َح َرٍج."2
وإذا كان لبس الباروكة يأخذ حكم المسح على الجبيرة فيما لو شق نزعها في
تلك الحالة ،فإن اإلنسان يمسح عليها في الوضوء ،إذ المسح عليها في تلك الحالة يقوم
مقام المسح على الرأس ،وكذلك يمسح عليها في االغتسال ،وال يجب غسلها؛ ألنها
ليست جزءا من اإلنسان ،بل هي كالعصابة أو الجبيرة في تلك الحالة ،ويشق نزعها
فيمسح عليها ،ويغسل سائر البدن عند جمهور الفقهاء.3
واستدل الجمهور على مشروعية المسح على العصابة أو الجبيرة دون تيمم بما
يأتي:
من السنة :عن ثوبان قال " :بعث رسول هللا سرية فأصابهم البرد ،فلما قدموا على
النبي صلى هللا عليه وسلم شكوا إليه ما أصابهم من البرد فأمرهم أن يمسحوا على
العصائب والتساخين"4
وجه الداللة :أن النبي أمرهم بالمسح على العصائب المشدودة على الرأس للمشقة
في نزعها بسبب البرد الشديد الذي أصابهم ،والباروكة هنا بمنزلة العصابة الموضوعة
على محل المرض ،وهناك مشقة في نزعها ،فيرخص في المسح عليها للحاجة.
ويالحظ أن حكم الباروكة هذا ،هو نفسه حكم الشعر المزروع نتيجة مرض ،ال
بقصد التدليس ،حيث يمسح عليه أيضا في الوضوء أو االغتسال ،وال مانع من غسله
أثناء االغتسال إذا كان ال يضره الماء ،وال ينزعه أثناء الوضوء أو االغتسال ،ما دام
يجد مشقة في ذلك.
()1
الموضوع السابع :التكييف الفقهي لرتق غشاء البكارة
هذه المسألة تعتبر من المسائل النازلة في هذا العصر .ولهذا من المناسب ذكر أقوال
العلماء في هذه المسألة وتحرير محل النزاع بعد بيان مفهومه:
مفهـــومــــــــــه:
الرتق لغة :إصالح الشيء وسده وإعادة التحامه مع بعضه ،يقال :رتق فتق الشيء ،أي
أصلح شأنه ،ورتق فتق المتخاصمين ،أي أصلح بينهم ،ومن ذلك قول هللا " أ ََوَلم َيَر
السماو ِ ِ
اه َما" األنبياء 30:والمرأة الرتقاء هي
ض َكاَن َتا َرتاقا َف َف َتقَن ُ
ات َواألَر َ َن َّ َ َ َّالذ َ
ين َك َفُروا أ َّ
التي انسد موضع اإلتيان من قبلها فال تعود صالحة ألن تؤتى منه .2
واصطالحا :هو العمل الجراحي الذي يقصد به إصالح ما ط أر على غشاء البكارة من
تمزيق بأي سبب من األسباب ،أو هو إصالح الغشاء وإعادته إلى مثل ما كان عليه
قبل التمزق بواسطة الجراحين المختصين .3
هناك حالتان اتفقت كلمة الباحثين على حكم إجراء جراحة رتق غشاء البكارة
مطلقا :وهي حالة من زالت عذريتها واشتهرت بالزنا ولم
ا فيهما ،األولى :بعدم الجواز
يعد إلصالح سمعتها أو الستر عليها رتق لعذريتها أو غيره.
والثانية :بالجواز مطلقا :وهي حالة من زالت عذريتها بسبب تُعذر به ،وال يمت
للخيانة أو التدليس أو سوء األخالق بصلة ،لكن يخشى عليها من مضار المعوقات
االجتماعية أي :من زالت عذريتها دون أن يسبق لها الزواج ،والتي ال تقبل أي تبرير
له ،ويغلب عليها سوء الظن أكثر من اإلحسان فيه.
والعلة في هاتان الحالتان:
( )1كتب هذا الموضوع الدكتورة زمزم عبد اللطيف أحمد ،مدرس الفقه بكلية الدراسات اإلسالمية
والعربية للبنات بالزقازيق.
- 2المعجم الوسيط ص ،339المصباح المنير –مادة رتق.
- 3أبحاث فقهية في قضايا معاصرة،لمحمد نعيم ياسين ص ،227مسئولية األطباء،لمحمود الزيني
ص.25
( ) 225
- 1الذين قالوا بعدم الجواز ألحقوا بها كل حاالت إجراء تلك الجراحة ومنها تلك التي وقع االتفاق
على حظرها ،وتلك التي يبدو -جليًّا -وجه الجواز فيها؛ حيث منعوا إجراء تلك الجراحة في جميع
حاالتها ،وترك حال الغشاء على ما هو عليه مهما كانت النتائج التي تترتب على بقائه ممزقًا ،فإنها-
في نظرهم -لن ترقى إلى مرتبة المفاسد التي سوف تترتب على إصالحه.
- 2رواه الجماعة إال البخاري والنسائي،انظر :نيل األوطار للشوكاني ج 5ص .239
- 3د/نعيم ياسين،عملية الرتق العذريص،92الموسوعة الفقهية الكويتية .180/8
( ) 226
-1أن رتق غشاء البكارة قد يؤدي إلى اختالط األنساب ،فقد تحمل المرأة من الجماع
السابق ،ثم تتزوج بعد رتق غشاء بكارتها ،وهذا يؤدي إلى إلحاق ذلك
الحمل بالزوج واختالط الحالل بالحرام.1
المغّلظة. العورة على طالع
اّ فيه البكارة غشاء رتق أن -2
سهل للفتيات ارتكاب جريمة الزنا لعلمهن بإمكان رتق غشاء
-3أن رتق غشاء البكارة ُي ّ
2
البكارة بعد الجماع.
-4أنه إذا اجتمعت المصالح والمفاسد فإن أمكن تحصيل المصالح ودرء المفاسد فعلنا
ذلك ،وإن تعذر الدرء والتحصيل ،فإن كانت المفسدة أعظم من المصلحة درأنا المفسدة
اإلسالم. فقهاء ذلك قرر كما المصلحة بفوات نبالي وال
وتطبيقاً لهذه القاعدة فإننا إذا نظرنا إلى رتق غشاء البكارة وما يترتب عليه من مفاسد
عليه. المترتبة المفاسد لعظيم الرتق جواز بعدم حكمنا
-5أن من القواعد الشريعة اإلسالمية أن الضرر ال يزال بالضرر ،3ومن فروع هذه
القاعدة( :ال يجوز لإلنسان أن يدفع الغرق عن أرضه بإغراق أرض غيره ) ومثل ذلك
ال يجوز للفتاة وأمها أن يزيال الضرر عنهما برتق الغشاء ويلحقانه بالزوج.
-6أن رتق غشاء البكارة يفتح أبواب الكذب للفتيات وأهليهم إلخفاء حقيقة السبب،
شرعاً. محرم والغش الغش، من نوع وأيضاً شرعاً، محرم والكذب
-7أن رتق غشاء البكارة يفتح الباب لألطباء أن يلجأوا إلى إجراء عمليات اإلجهاض،
4
الستر.
األجنة بحجة ّ
ّ وإسقاط
ثانيا :أدلة القول الثاني :استدل أصحاب الرأي القائل بجواز إجراء تلك الجراحة
بالقرآن الكريم ،والسنة النبوية الشريفة ،واإلجماع ،والمعقول.
- 1رتق من منظور غشاء البكارة إسالمي ،لعز الدين التميمي،ص ،57أحكام الجراحة للشنقيطي ،ص.404
- 2أحكام الجراحة الطبية للشنقيطي ص ،404قضايا طبية معاصرة،إلبراهيم رفعت الجمال .215
- 3األشباة والنظائر البن نجيم ص ،95وراجع االستدالل به :التميمي ص ،517والشنقيطي
ص.405
- 4مرجع سابق .1،2
( ) 227
-ثالثا :الجمــــــــــــاع:
لقد انعقد إجماع الصحابة على أن سبق الزنا من المرأة ال يمنع من زواجها؛
بل إن حملها من الزنا ال يمنع ذلك الزواج ،وقد حكى هذا اإلجماع اإلمام ابن حزم في
المحلى فقال " :فهذا عمر يبيح للحامل من زنى الزواج بحضرة الصحابة -رضي هللا
عنهم -وال يعرف له مخالف منهم ،مع أنهم يعتبرون مثل ما قضى به من عظائم
إجماعا منهم على هذا الحكم .1
ا األمور لو ظفروا به" ،فكان ذلك
وإذا كان اإلجماع قد انعقد على صحة زواج الحامل ممن زنى بها بشرط أال يجامعها
صحيحا من باب أولى،
ً حتى تضع حملها ،فيكون زواج من سبق زناها بدون حمل
وحيث كان ذلك كذلك يكون المانع من إج ارء جراحة الرتق العذري -عند من يرون
بناء على ذلك.
صحيحا ً
ً منعها -قد زال ،فيكون إجراؤها
-رابعا :المعقول :ومنه:2
▪ أن النصوص الشرعية دالة على مشروعية الستر وندبه ،ورتق غشاء البكارة
معين على تحقيق ذلك في األحوال التي حكمنا بجواز فعله فيها.
أن المرأة البريئة من الفاحشة إذا أجزنا لها فعل جراحة الرتق قفلنا باب سوء
الظن فيها ،فيكون في ذلك دفع للظلم عنها ،وتحقيقاً لما شهدت النصوص
الشرعية باعتباره وقصده من حسن الظن بالمؤمنين والمؤمنات.
أن رتق غشاء البكارة يوجب دفع الضرر عن أهل المرأة ،فلو تركت المرأة من ▪
غير رتق واطلع الزوج على ذلك ألضرها ،واضر بأهلها ،وإذا شاع األمر بين
الناس فإن تلك األسرة قد يمتنع من الزواج منهم ،فلذلك يشرع لهم دفع الضرر
ألنهم بريئون من سببه.
أن قيام الطبيب المسلم بإخفاء تلك القرينة الوهمية في داللتها على الفاحشة له ▪
أثر تربوي عام في المجتمع ،وخاصة فيما يتعلق بنفسية الفتاة.
أن مفسدة الغش في رتق غشاء البكارة ليست موجودة في األحوال التي حكمنا ▪
بجواز الرتق فيها.
الترجيـــــــــــــــــــــــح:
من خالل ما ُذكر من اآلراء السابقة ،وبيان أدلتهم الذي يترجح -وهللا أعلم-
ألن في
أما غير التائبة فال ّ
هو القول بجواز إجراء عملية الرتق للمغتصبة والتائبة ،و ّ
ذلك إعانة لها على االستمرار في جريمتها ،وكذلك التي سبق وطؤها ال يجوز إجراء
يظنها من دخل بها ،بعد
الغش والتدليس حيث ّ
العملية لها لما في ذلك من اإلعانة على ّ
العملية بك ار وليست كذلك.
( ) 230
الوحدة الثامنة
1
مسائل في العبادات
ويحتوي على:
وكتبها الدكتور فضل سليم مدرس الفقه الشافعي بكلية الشريعة والقانون بالقاهرة
- 1كتب مسائل هذه الوحدة الدكتور فضل سليم مدرس الفقه الشافعي بكلية الشريعة والقانون بالقاهرة
باستثناء المسألة األخيرة وهي زكاة كسب العمل فكتبه األستاذ الدكتور محمد عبد الرحمن الضويني.
( ) 231
النَب ِوَّي ِة ال ُم َ
ط َّهَرِةَ ،و ِمن َها: السَّن ِة َّ
وعَّيته ِب ُّ
وقد َثَب َتت مشُر ِ
َ
َسأَُل َها َع ِن اْل َم ْس ِح َعَلى اْل ُخَّف ْي ِن، ِ ِ
ال :أَتَ ْي ُت َعائ َش َة أ ْ -1ما روي َع ْن ُش َرْي ِح ْب ِن َهان ٍئَ ،ق َ
ِ ِ ِ َفَقاَل ْت :عَليك ِباب ِن أَِبي َ ِ
ال:
ان ُي َساف ُر َم َع َرُسول هللا َ ف َسأَْل َناهُ َفَق َ طال ٍبَ ،ف َسْل ُه َفِإَّن ُه َك َ ََْ ْ
ول هللاِ ثَ َالثَ َة أَيَّا ٍم َوَل َيالَِي ُه َّن لِْل ُم َس ِاف ِرَ ،وَي ْو ًما َوَلْيَل ًة لِْل ُم ِقي ِم» .
()4
« َج َع َل َرُس ُ
الَ ،قال« :كان رسول َّ ِ ان ب ِن ع َّس ٍ
ْم ُرَنا ِإ َذا ُكَّنا َسَف ًار أ ْ
َن ّللا َ يأ ُ َ َ َ َُ ُ صْف َو َ ْ َ -2وما روي َع ْن َ
يه َّنِ ،إ َّال ِم ْن َج َن َاب ٍةَ ،وَل ِك ْن ِم ْن َغ ِائ ٍط َوَب ْو ٍل َوَن ْو ٍم»(.)5
ع ِخَفاَف َنا ثَ َالثَ َة أَيَّا ٍم وَل َيالِ ِ
َ َال َن ْن ِز َ
ِ ِ بن أَِبي َ ِ وما َرَواهُ َعلِ ُّي
ف أ َْوَلى
َسَف ُل اْل ُخ ّ
ان أ ْ
ْي َل َك َين ِب َّأ
الر ِ الد ُ
ان ّ طال ٍب َ "ل ْو َك َ ُْ َ -3
َّ ِ ()1 ظ ِ
اه ِر ُخف ْيه" . ّللاِ َ ي ْم َس ُح َعَلى َ
ول َّ
" َوَق ْد َأرَْي ُت َرُس َ َعالهُ، ِ
ِباْل َم ْس ِح م ْن أ ْ
ِحك َم ُة ال َمس ِح َعَلى ال ُخ َّفي ِن :شرع تيسي اًر على المسلمين ،وبخاصة في وقت الشتاء
والبرد ،وفي السفر ،وألصحاب األعمال الدائمة كالجنود والشرطة والطالب المواظبين
على العمل في الجامعات ونحوهم(.)3
( )1أخرجه أبو داود ( ،)114 / 1وصححه ابن حجر في " التلخيص الحبير " (.)160 / 1
( )2رواه ابن ماجه في سننه ،102 / 1و النسائي .69 / 1
()3الفقه اإلسالمي وأدلته للزحيلي (.)472 /1
()4بداية المجتهد ونهاية المقتصد (.)27 /1
()5صحيح مسلم (.)232 /1
()6بداية المجتهد ونهاية المقتصد (.)27 /1
( ) 233
ِ ِ
الَ « :ن َع ْم
ول هللا َوثَ َالثَ ًة؟ َق َ ول هللا َوَي ْو َم ْي ِن؟ َق َ
الَ « :ن َع ْم َوثَ َالثَ ًة» ُقْل ُتَ :يا َرُس َ ُقْل ُتَ :يا َرُس َ
َو َما ِش ْئ َت»(.)1
َس َباِب َها َال َم َع ِ َّ ِ ِ ِ َوقالوا ِأل َّ
ول الط َه َارات َفإَّن َها َدائ َرةٌ َم َع أ ْ
ُص َ َن التَّْوِق َ
يت ُي َنافي أ ُ
أ َْزَم ِان َها( .)2والراجح :قول الجمهور لقوة ما استدلوا به.
-1أَن يْلبس اْلخَّفي ِن بعد كمال الطهارة من الحدث األصغر واألكبر؛ لِحِد ِ
يث َ ُْ ْ َََ
النِب ِي ِ في سَف ٍرَ ،فأَهويت ألَن ِز َّ ِ ِ ِ
ال:
ع ُخف ْيه َفَق َ
َْ ْ ُ ْ َ َ ّ
"ك ْن ُت م َع َّ
الَ ُ : اْل ُمغ َيرة ْب ِن ُش ْع َب َة َق َ
ط ِ
اه َرتَْي ِنَ ،ف َم َس َح َعَل ْي ِه َما ". َد ْع ُه َما َفِإِّني أ َْد َخْلتُ ُه َما َ
س.ف َن ِج ٍ ٍ ف َ ِ َن َي ُكو َن اْل ُخ ُّ
وز اْل َم ْس ُح َعَلى ُخ ّ طاه ًراَ ،فال َي ُج ُ -2أ ْ
ف َس ِات ًار لمحل غسل الفرض من القدمين. َن َي ُكو َن اْل ُخ ُّ -3أ ْ
ف ِم َن اْل َخ َش ِب أ َِو ُّ
الز َجا ِج ِ -4أن يمكن متابعة المشي عليهما ،فال يج ِ
وز اتّ َخا ُذ اْل ُخ َُّ ُ
أ َِو اْل َحِد ِيد.
ف دون أ ِ ِ ِ ِ ِ َكي ِفَّي ُة ال َمس ِح َعَلى ال ُخ َّفي ِنُّ :
ض ُع َي َدهُ َعَلى َسَفله َو َعقِبهَ ،ف َي َ
َعَلى اْل ُخ ّ ُ َ ْ السَّن ُة َم ْس ُح أ ْ
َصاِب ِع ِه ِِ ِ
َصابعهَ .وإِ ْن َم َس َح م ْن َساقه إَلى أ َ
طا ِبأ ِ ِ ِ
َ
ض ِع ْاألَصاِب ِع ،ثُ َّم يج ُّرها إَلى س ِاق ِه خ ًّ
َ َ َُ َ َ
مو ِ
َْ
ِ ِ ِ ()4 ِ
َسَفلِهَ ،وَال َعقبه . َج َازَ ،و ْاأل ََّو ُل اْل َم ْسُنو ُن َوَال ُي َس ُّن َم ْس ُح أ ْ
ِ ِ
علماء في ْابت َداء ُمَّدة اْل ْ
مسح من أَي َوقت اختلف اْل َ
ابتداء مدة المسح على الخفينْ :
يعتَبر على أقوال:
ْ
يعتَبر من َوقت
ال َبعضهم ْ
يعتَبر من َوقت اْل َحدث بعد الّل ْبسَ ،وَق َعلماء ْ
امة اْل َال َع َّ
َق َ
مسح(.)1
يعتَبر من َوقت اْل ْ
ال َبعضهم ْالّل ْبسَ ،وَق َ
ونرى اختيار القول األول وهو ابتداء المدة من حين الحدث بعد لبس الخفين،
ال من حين اللبس ،وال من حين الطهارة بعد الحدث ،وهو مذهب جمهور الفقهاء من
الحنفية والشافعية وظاهر مذهب أحمد()2؛ وذلك ألن زمان الحدث زمان يستباح به
فكان من وقته كبعد المسح ،وألن المسح عبادة مؤقتة فكان أول وقتها من وقت جواز
فعلها كالصالة(.)3
وقد ذهب عامة الفقهاء إلى جواز المسح على الجوربين ،لكن اشترطوا شروطا فيهما.
ونا منعلين(.)5
َن َي ُك َ
- 2أْ
كذلك يرى الشافعية أنه ال يجوز المسح على الجوربين إال بشرطين أيضا وهما:
وقال النووي في التبيان أيضا :يستحب أن يق أر وهو على طهارة فإن ق أر محدثا جاز
بإجماع المسلمين واألحاديث فيه كثيرة معروفة قال إمام الحرمين وال يقال ارتكب
مكروها بل هو تارك لألفضل( .)1ويستدل على ذلك بما يأتي:
الموضوع الرابع :حكم قراءة القران للمحدث حدثا أكبر (الحائض والجنب).
اختلف الفقهاء في حكم قراءة القران للمحدث حدثا أكبر (الحائض والجنب)
على ثالثة أقوال:
سبب الخالف:
ان َ -عَل ْي ِه الَ « :ك َ
ِ ِ ِ
ِق إَلى َحديث َعل ٍّي أَنَّ ُه َق َ
ط ّر ُ ِ ال اْل ُمتَ َ ِ ِ
السبب في ذلك اال ْحت َم ُ
آن َشي ٌء ِإ َّال اْل َج َن َاب ُة» َوَذلِ َك أ َّ
َن َق ْو ًما َقاُلواِ :إ َّن الس َالم َ -ال َي ْم َن ُع ُه ِم ْن ِق َراء ِة اْلُق ْر ِ
ْ َ الص َالةُ َو َّ ُ َّ
َن تَرك اْل ِقر ِ ظن ِم َن َّ وج ُب َش ْيًئا ; ِألَنَّ ُه َ َه َذا َال ي ِ
اناءة َك َ َحٌد أ َّ ْ َ َ َ الرِاويَ ،و ِم ْن أ َْي َن َي ْعَل ُم أ َ ُ
ِ ِ ِ
ض ِع اْلج َنابة ِإ َّال َلو أ ْ ِ ِ لِمو ِ
ول َه َذا َع ْن ور َأرَْوا أََّن ُه َل ْم َي ُك ْن َعلي ل َيُق َ َخ َب َرهُ ب َذل َك؟ َواْل ُج ْم ُه ُ ْ َ َ َْ
ِ ()1
يق . ظ ٍّنَ ،وإَِّن َما َقاَل ُه َع ْن تَ ْحق ٍ
تَ َو ُّه ٍم َوَال َ
القول األول :ال يجوز قراءة المحدث حدثا أكبر للقرآن.
()3 ()2
وهو مذهب ورواية عند مالك وهو قول جمهور الفقهاء من الحنفية
ورواية عن اإلمام أحمد وعليها أكثر الحنابلة(.)5 ()4
الشافعية
واستدلوا بما يأتي:
قال ابن حزم :وقراءة القرآن والسجود فيه ومس المصحف وذكر هللا تعالى
جائز ،كل ذلك بوضوء وبغير وضوء وللجنب والحائض(.)2
وقد ذكر ابن حزم أث اًر عن نصر الباهلي قال :كان ابن عباس يق أر البقرة وهو
جنب .أخبرني محمد بن سعيد بن نبات ثنا أحمد بن عون هللا ثنا قاسم بن أصبغ ثنا
محمد بن عبد السالم الخشني ثنا محمد بن بشار ثنا غندر ثنا شعبة عن حماد بن أبي
سليمان قال :سألت سعيد بن جبير عن الجنب يق أر فلم ير به بأسا وقال :أليس في
جوفه القرآن؟ وهو قول داود وجميع أصحابنا(.)3
وقال أيضا :أن قراءة القرآن والسجود فيه ومس المصحف وذكر هللا تعالى أفعال خير
مندوب إليها مأجور فاعلها ،فمن ادعى المنع فيها في بعض األحوال كلف أن يأتي
بالبرهان(.)4
القول الثالث :تجوز قراءة القران للحائض بخالف الجنب ال تجوز له.
وبهذا قال اإلمام مالك في أشهر الروايات عنه ،ووافقه أصحابه( .)5وعللوا ذلك؛
بأن الحائض إذا لم تق أر نسيت القرآن ألن أيام الحيض تتطاول بغير اختيار منها ،ومدة
الجنابة ال تطول(.)6
( )5الذخيرة للقرافي ( ،)315 /1بداية المجتهد ونهاية المقتصد ( ،)55 /1عيون المسائل للقاضي
عبد الوهاب المالكي (ص.)71 :
()6معالم السنن (.)77 /1
( ) 239
القول المختار :أختار قول الجمهور لقوة أدلته ،غير أنه يمكن أن تترخص المرأة
الحائض في قراءة القران؛ إذا خشيت نسيان ما حفظته من القرآن من قريب ،أو كانت
طالبة وتحتاج إلى مراجعة القرآن ألنها ستُختبر في حفظه.
( )1بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ( ،)37 /1االختيار لتعليل المختار ( ،)13 /1مواهب الجليل
في شرح مختصر خليل ( ،)303 /1البيان في مذهب اإلمام الشافعي ( ،)200 /1المغني البن قدامة
(.)108 /1
()2المغني البن قدامة (.)108 /1
()3سنن الدارقطني (.)219 /1
( ) 240
ص ُروا ِم َن
َن تَْق ُ
اح أ ْ ض َرْبتُم ِفي األ َْر ِ
ض َفَل ْي َس َعَل ْي ُك ْم ُج َن ٌ {وإِ َذا َ ْ ابَ :فَق ْوُل ُه تَ َعاَلىَ :
أ َّ ِ
َما الك َت ُ
ين َكَف ُروا} (.)2 َِّ الة ِإن ِخْفتُم أ ِالص ِ
َن َيْفت َن ُك ُم الذ َ
ْ ْ ْ َّ
السَّنةُ:
َما ُّ
َوأ َّ
ص َالةُ
ِ ِ
ض ْت َرْك َعتَ ْينَ ،فأُق َّر ْت َ الص َال َة أ ََّو َل َما ُف ِر َ
َن َّ َ -3ع ْن ُع ْرَوَةَ ،ع ْن َع ِائ َش َة« :أ َّ
ال َع ِائ َش َة تُِت ُّم ِ ال ُّ
الزْه ِر ُّيَ :فُقْل ُت ل ُع ْرَوَةَ " :ما َب ُ ض ِر» َق َ ص َالةُ اْل َح َ
َّ ِ ِ
السَفرَ ،وأُت َّم ْت َ
ان "(.)1 الِ :إَّن َها تَأ ََّوَل ْت َك َما تَأ ََّو َل ُع ْث َم ُ ِفي َّ
السَف ِر؟ َق َ
ِِ َّ ِ ِ -4عن ِعيسى ْب ُن َحْف ِ
ال: ص ْب ِن َعاص ِم ْب ِن ُع َم َر ْب ِن اْل َخطابَ ،ع ْن أَبيهَ ،ق َ َ
يق م َّك َةَ ،قالَ :فصَّلى َلنا ُّ
الظ ْه َر َرْك َعتَ ْي ِن ،ثُ َّم أَْقَب َل ص ِح ْب ُت ْاب َن ُعم َر ِفي َ ِ
َ َ َ طر ِ َ َ َ
اء َر ْحَل ُهَ ،و َجَل َس َو َجَل ْس َنا َم َع ُهَ ،ف َح َان ْت ِم ْن ُه اْلِتَفاتَةٌ َن ْح َو َح ْي ُث َّ
َوأَْقَبْل َنا َم َع ُهَ ،حتى َج َ
ِ ِ صَّلىَ ،ف أرَى ن ِ
ص َن ُع َه ُؤَالء؟ » ُقْل ُتُ :ي َسّب ُحو َنَ ،ق َ
الَ« :ل ْو الَ « :ما َي ْ اماَ ،فَق َ اسا ق َي ً
َ َ ً َ
ول هللاِ ِ في صح ْب ُت َرُس َ
ِ ِ ِِ
ص َالتيَ ،يا ْاب َن أَخي إّني َ
ِ ِ
ُك ْن ُت ُم َسّب ًحا َأل َْت َم ْم ُت َ
ص ِح ْب ُت أ ََبا َب ْك ٍرَ ،فَل ْم َي ِزْد َعَلى السَف ِرَ ،فَل ْم َي ِزْد َعَلى َرْك َعتَ ْي ِن َحتَّى َق َب َ
ض ُه هللاَُ ،و َ َّ
رْكعتَي ِن حتَّى َقبضه هللا ،و ِ
هللاُ، ض ُهصح ْب ُت ُع َم َرَ ،فَل ْم َي ِزْد َعَلى َرْك َعتَ ْي ِن َحتَّى َق َب َََ ُ ُ َ َ َ َْ َ
ثُ َّم ِ
{َلَق ْد ال هللاُ: ض ُه هللاُ» َوَق ْد َق َ انَ ،فَل ْم َي ِزْد َعَلى َرْك َعتَْي ِن َحتَّى َق َب َ
صح ْب ُت ُع ْث َم َ
َ
ُس َوةٌ َح َس َن ٌة} [األحزاب.)2( .]21 : ِ ِ ِ
ان َل ُك ْم في َرُسول هللا أ ْ َك َ
ول هللاِ ِ م َن اْل َمِد َين ِة ِإَلى َم َّك َة، س ب ِن مالِ ٍكَ ،قالَ « :خرج َنا مع رس ِ
َْ ََ َُ َ ِ
َ -5ع ْن أ ََن ْ َ
()3
الَ « :ع ْش ًار». َفصَّلى رْكعتَ ْي ِن رْكعتَ ْي ِن حتَّى رجع»ُ ،قْل ُتَ :كم أََق ِ َّ
ام ب َمك َة؟ َق َ
ْ َ َ َََ َ َ َ َ َ
وأما الجماع :فإن األمة أجمعت على جواز قصر الصالة في السفر(.)4
حكم قصر الصالة :اختلف الفقهاء في حكم القصر في السفر ،بين الجواز والوجوب
على قولين:
القول األول :أن القصر في السفر جائز ،بمعنى أن يكون المسافر مخي اًر بين قصر
الصالة الرباعية إلى ركعتين ،أو إتمام الصالة أربع ركعات.
الش ِاف ِعَّيةُ َوهو مذهب اْل َح َناِبَل ُة ،والمشهور عند
وإلى هذا القول ذهب جمهور الفقهاء من َّ
المالكية(.)1
فلفظ الجناح في اآلية الكريمة دليل على أنه رخصة في السفر ،فيكون المسافر
مخي ار بين قصر الصالة وإتمامها مثل باقي الرخص األخرى.
قال في الحاوي الكبير :فأخبر تعالى بوضع الجناح عنا في القصر ،والجناح
اإلثم ،وهذا من صفة المباح ال الواجب(.)3
()1األم للشافعي ( ،)207 /1الحاوى الكبير ( ،)823 /2المغني البن قدامة ( ،)197 /2المقدمات
الممهدات ( ،)211 /1بداية المجتهد ونهاية المقتصد ()177 /1الذخيرة للقرافي (.)8 /2
(( )2سورة النساء .)101 /
( )3الحاوى الكبير (.)823 /2
( ) 243
ِ ِ
يعا}
ْكلُوا َجم ً
َن تَأ ُ
اح أ ْ
َق ْوُل ُه {َل ْي َس َعَل ْي ُك ْم ُج َن ٌ ض ْع َن ث َي َاب ُه َّن} [النورَ ]60 :وَك َما َك َ
ان َن َي َ
أْ
ِمن بيوِت ِهم وَال بي ِ
وت َغ ْي ِرِه ْم(.)1 ْ ُُ ْ َ ُُ ْكُلوا [النورْ ]61 :اآل َي ُة َال أََّن َح ْت ًما َعَل ْي ِه ْم أ ْ
َن َيأ ُ
اح ط ِما روي عن يعَلى ب ِن أُميَّ َةَ ،قالُ :قْلت لِعمر ب ِن اْلخ َّ
ابَ{ :ل ْي َس َعَل ْي ُك ْم ُج َن ٌ َ ُ ُ ََ ْ َ َ ْ َْ ْ َ
الَ :ع ِج ْب ُت الص َال ِةِ ،إن ِخْفتُم أَن يْفِتن ُكم َّالِذين َكَفروا} َفَقد أ ِ
َم َن َّ ص ُروا ِم َن َّ
اسَ ،فَق َالن ُ ْ َ ُ ْ ْ َ َ ُ ْ َن تَْق ُ
أْ
صَّد َق ِ ِ َّ ِم َّما ع ِجبت ِم ْنهَ ،فسأَْلت رسول هللاِ َّ
ص َدَق ٌة تَ َال « َصلى هللاُ َعَل ْيه َو َسل َم َع ْن َذل َكَ ،فَق َ َ َ ُْ ُ َ ُ َُ َ
()2
ص َدَقتَ ُه» . ِ
هللاُ ب َها َعَل ْي ُك ْمَ ،فا ْقَبُلوا َ
قال الخطابي :في قوله صدقة تصدق هللا بها عليكم دليل على أنه رخصة
رخص لهم فيها ،والرخصة إنما تكون إباحة ال عزيمة وهللا أعلم بالصواب(.)3
ض ِت َّ
الص َالةُ َرْك َعتَ ْي ِن -1بما روي َع ْن َع ِائ َش َةَ ،زْو ِج َّ
النِب ِّي ،أََّن َها َقاَل ْتُ« :ف ِر َ
ض ِر»(.)5 ِ السَف ِرَ ،فأ ُِق َّر ْت ص َالة َّ ِ ِ ِ ض ِر َو َّ ِ
ص َالة اْل َح َ
السَفرَ ،وز َيد في َ َ ُ َرْك َعتَ ْي ِن في اْل َح َ
ِ -2وفي رواية أخرى :أ َّ ِ
ينالص َال َة ح َ ض هللاُ َّ َن َعائ َش َةَ ،زْو َج النَِّب ِّي َ ،قاَل ْتَ« :ف َر َ
يض ِةالسَف ِر َعَلى اْلَف ِر َ ص َال ُة َّ ِ
ضرَ ،فأُق َّر ْت َ
ض َها َرْك َعتَ ْي ِن ،ثُ َّم أَتَ َّم َها ِفي اْل َح َ ِ
َف َر َ
ْاألُوَلى»(.)6
صلَّى ِ ِ ِِ
الص َال َة َعَلى ل َسان َنبّي ُك ْم َ
ض َّ الِ« :إ َّن هللاَ َف َر َ َع ِن ْاب ِن َعب ٍ
َّاسَ ،ق َ -3وبما روي
وسَّلم ،عَلى اْلمس ِاف ِر رْكعتَي ِن ،وعَلى اْلم ِقي ِم أَربعا ،وِفي اْلخو ِ
ف َْ ًَْ َ ُ ََ َ َْ َُ ََ َ َ هللاُ َعَل ْي ِه
َرْك َع ًة»(.)1
القول الراجح :هو القول األول وهو قول جمهور الفقهاء؛ ألن النبي كان يقصر في
السفر ويتم ويفطر ويصوم ،وكذلك الصحابة الكرام كانوا يفعلون ذلك ،ولم ينكر أحد
منهم على اآلخر.
ات َّال ِتي ُتق َصُرَ ،و ِمق َد ُار الَقص ِر:
الصَل َو ُ
َّ
اتُّ :
الظ ْه ِر، ثَ َال ِث صَلو ٍ ص َر إنَّ َما ُه َو ِفي اخِت َالَفبين الفقهاء في أ َّ
َ َ َن اْلَق ْ َال ْ
ص َر ِفي اْل َم ْغ ِر ِب َوَال ِ ِ
اء وَذلِ َك أََّنه َّن أ َْرَب ٌع َفُيصّلِ ِ
يه َّن َرْك َعتَْي ِن َوَال واْل َع ْ ِ
َق ْ َ ُ صرَ ،واْلع َش َ َ
()2
الص ْب ِح .
ُّ
ِ
ض ْت لما أخرجه ابن حبان وصححهَ :ع ْن َعائ َش َة رضي هللا عنهاَ ،قاَل ْتُ« :ف ِر َ
ِ ِ ِ السَف ِر واْلحض ِر رْكعتي ِنَ ،فَل َّما أََقام رسول َّ ِ
ص َالةُّللا َ رْك َعتَان َرْك َعتَانَ ،وتُرَك ْت َ َ َُ ُ ص َالةُ َّ َ َ َ َ َ َْ َ
الن َه ِار»(.)3 ِ ِ ِ ط ِ
ول اْلق َراءةَ ،وص َالةُ اْلم ْغ ِر ِب ألََّن َها ِوْت ُر َّ ِ
اْلَف ْج ِر ل ُ
َ َ َ
ص َر ُه َو :سقوط شطر الصالة ،وبعد سقوط الشطر من الفجر والمغرب َوأل َّ
َن اْلَق ْ
ال يبقى نصف مشروع ،بخالف الصالة الرباعية فإنها هي التي تقصر ،وذلك في جميع
المذاهب.
القول األول :ذهب الجمهور إلى تحديد مسافة تقصر فيها الصالة(.)1
فذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن المسافر يقصر الصالة
ِِ ين ِم ً ِ ِ ِ
يال ِباْل َهاشم ِّيَ ،فَل ُه أ ْ
َن ِإ َذا َك َان ْت َم َساَف ُة َسَف ِِره ستَّ َة َع َش َر َف ْرَس ًخا ،أ َْو ثَ َمان َي َة َوأ َْرَبع َ
صر(.)2 َيْق ُ
ص ُر الصالة إذا سافر َم ِس َيرِة ثَ َالثَ ِة أَيَّامٍ. وذهب الحنفية :إلى أ َّ
َن المسافر َيْق ُ
النِب ِي َ « :ي ْم َس ُح اْل ُم َس ِاف ُر ثَ َالثَ َة أَيَّا ٍم َوَل َيالِ َّ
يهن». واستدلوا بقول َّ
ّ
القول الثاني :قالوا مطلق السفر يبيح الترخص بالقصر ،وليست هناك مسافة معينة
يباح القصر بعدها ،فكل ما أطلق عليه اسم السفر عرفاً يبيح قصر الصالة.
وقالوا إن التقدير بابه التوقيف ،فال يجوز المصير إليه برأي مجرد ،سيما وليس
له أصل يرد إليه ،وال نظير يقاس عليه ،والحجة مع من أباح القصر لكل مسافر ،إال
أن ينعقد اإلجماع على خالفه(.)3
والمختار :هو قول الجمهور؛ ألن الرخص شرعت للتخفيف ،والسفر فوق مسافة القصر
مظنة المشقة؛ والمشقة تجلب التيسير.
ذهب جمهور العلماء إلى أن قصر الصالة يشرع بمفارقة الحضر والخروج من
ض َرْبتُ ْم ِفي
{وإِ َذا َ
البلد وأن ذلك شرط ،واليتم حتى يدخل أول بيوتها؛ ألن هللا تعالى قالَ :
( )1المجموع شرح المهذب ( ،)322 /4مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (/1
،)521المغني البن قدامة (.)188 /2
( )2الفرسخ= 5541مترا .والميل= 1748مترا .انظر :فقه السنة ،لسيد سابق (.)284 /1
( )3المغني البن قدامة (.)190 /2
()4البيان في مذهب اإلمام الشافعي ( ،)462 /2الكافي في فقه اإلمام أحمد ( ،)306 /1فقه السنة
(.)285 /1
( ) 246
الص ِ
الة} [النساء ،]101 :وال يكون ضارًبا ص ُروا ِم َن َّ األ َْر ِ
َن تَْق ُ
اح أ ْ
ض َفَل ْي َس َعَل ْي ُك ْم ُج َن ٌ
في األرض حتى يخرج.
اختلف الفقهاء في المدة التي يجوز للمسافر قصر الصالة فيها إذا نوى اإلقامة على
أقوال(:)4
القول األول :يرون أن المدة التي يتم فيها المسافر الصالة هي أن ينوي اإلقامة في
المكان الذي نزل فيه أربعة أيام كاملة ،وهو قول مالك ،والشافعي ،وأحمد ،وأبي ثور،
وعثمان -رضي هللا تعالى عنه.-
-1حديث جابر « أن النبي دخل مكة صبيحة الرابع من ذي الحجة وخرج
منها إلى منى في الثامن من ذي الحجة ،وكان يقصر الصالة حتى قال
قال السرخسي :وإنما قدرنا بخمسة عشر يوما؛ ألن التقدير إنما يكون باأليام أو
بالشهور ،والمسافر ال يجد بداً من المقام في المنازل أياما لالستراحة أو لطلب الرفقة
فقدرنا أدنى مدة اإلقامة بالشهور ،وذلك نصف شهر ،وألن مدة اإلقامة في معنى مدة
الطهر؛ ألنه يعيد ما سقط من الصوم والصالة ،فكما يتقدر أدنى مدة اإلقامة في معنى
الطهر بخمسة عشر يوما؛ فكذلك أدنى مدة اإلقامة ،ولهذا قدرنا أدنى مدة السفر بثالثة
أيام اعتبا ار بأدنى مدة الحيض ....،.ولكنا نقول :إنما قدرنا بهذا؛ ألنه علم أن حوائجهم
كانت ترتفع في هذه المدة ال لتقدير أدنى مدة اإلقامة.)1( .
الصَلو ِ
ات. الموضوع السادسَ :جم ُع َّ َ
المراد بجمع الصلوات :أداء الظهر مع العصر ،والمغرب مع العشاء تقديما أو تأخيرا.
القول األول :الجمع بين الصالتين في السفر ،في وقت إحداهما ،وهو قول أكثر أهل
العلم ،وممن روي عنه ذلك سعيد بن زيد ،وسعد ،وأسامة ،ومعاذ بن جبل ،وأبو موسى،
وابن عباس ،وابن عمر .وبه قال :طاوس ،ومجاهد ،وعكرمة ،ومالك ،والثوري،
والشافعي ،وإسحاق ،وأبو ثور ،وابن المنذر(.)2
س ب ِن مالِ ٍك ر ِ
ان النَِّب ُّي ِ إ َذا ْارتَ َح َل َقْب َل أ ْ
َن الَ « :ك َ ّللاُ َع ْن ُهَ ،ق َ
ضي َّ
َ َ
ِ
َ -1ع ْن أ ََن ْ َ
صَّلى ِ ُّ ِ يغ َّ
اغ ْت َ ص ِر ،ثُ َّم َي ْج َم ُع َب ْي َن ُه َماَ ،وإِ َذا َز َالع ْ
َخ َر الظ ْه َر إَلى َوْقت َ الش ْم ُس أ َّ تَ ِز َ
ُّ
الظ ْه َر ثُ َّم َرِك َب»(.)1
-4واحتجوا بأن المواقيت تثبت بالتواتر ،فال يجوز تركها بخبر واحد.
وتأولوا ما ورد من جمعه بأنه جمع صوري ،وهو أنه أخر الظهر إلى آخر
وقتها وقدم العصر في أول وقتها وفعل مثل ذلك في المغرب والعشاء.
القول المختار :هو القول األول ،وهو قول جمهور الفقهاء؛ وهو الذي دلت
عليه السنة النبوية قوال وفعال داللة صريحة ،وألنه هو الذي يتمشى مع طبيعة
السفر التي كلها مشقة ،والمشقة تجلب التيسير ،كما هو مقرر في قواعد الشرع
الحنيف.
الجمع بين الصالتين بسبب المرض :اختلف الفقهاء في الجمع بين الصالتين بسبب
المرض على قولين:
القول األول :يجوز الجمع ألجل المرض ،وهو قول عطاء ،والمالكية والحنابلة(.)1
الَ« :فَتَل َّج ِمي» ...إلى أن قال لهاَ :فِإ ْن ِ ِ َّ
الد َم» َقاَل ْتُ :ه َو أَ ْكثَُر م ْن َذل َكَ ،ق َ
الظهر وتُع ِجلِي العصر ،ثُ َّم تَ ْغتَ ِسلِ ِ يت عَلى أَن تُؤ ِّخ ِري ُّ َق ِو ِ
ين، ط ُه ِر َ
ين تَ ْ
ين ح َ َ َ َْ َْ َ َ ّ ْ َ َ
ِ ِ ِ ِ ُّ وتُ ِ
اء ،ثُ َّم الم ْغ ِر َبَ ،وتُ َع ِّجل َ
ين الع َش َ ين َ يعا ،ثُ َّم تُ َؤ ّخ ِر َ
ص َر َجم ً الع ْين الظ ْه َر َو َ صّل ََ َ
الصب ِح وتُ ِ ِِ ِ ِ ِِ
ين، صلّ َ ين َم َع ُّ ْ َ َ الص َالتَ ْي ِنَ ،فا ْف َعليَ ،وتَ ْغتَسل َ
ين َب ْي َن َّ
ينَ ،وتَ ْج َمع َتَ ْغتَسل َ
ِ ِ ِ ِ ِِ
َع َج ُب
ول َ « :و ُه َو أ ْ صو ِمي إ ْن َق ِويت َعَلى َذل َك» َفَق َ
ال َرُس ُ َوَك َذلك َفا ْف َعليَ ،و ُ
األ َْم َرْي ِن ِإَل َّي»(.)3
()1التهذيب في اختصار المدونة ( ،)286 /1التاج واإلكليل لمختصر خليل ( ،)511 /2المغني البن
قدامة (.)204 /2
( )2صحيح مسلم (.)490 /1
القول الثاني :ال يجوز الجمع بسبب المرض ،وهو قول الحنفية والمشهور من مذهب
الشافعية(.)2
القول المختار :هو القول األول؛ وهو جواز الجمع بسبب المرض ،وهو الالئق بمحاسن
الشريعة اإلسالمية والموافق لقواعد التيسير ورفع الحرج ،وهو الثابت في السنة النبوية.
َن ُي ْج َم َع َب ْي َن اْل َم ْغ ِر ِب ِ الرحم ِن َقالِ " :إ َّن ِمن ُّ ِ ِ
السَّنة ِإ َذا َك َ
ان َي ْوٌم َمط ٌير أ ْ َ َ ْب َن َع ْبد َّ ْ َ
واْل ِع َش ِ
اء"(.)1 َ
المطر المبيح للجمع:
قال ابن قدامة :والمطر المبيح للجمع هو ما يبل الثياب ،وتلحق المشقة
بالخروج فيه .وأما الطل ،والمطر الخفيف الذي ال يبل الثياب ،فال يبيح ،والثلج كالمطر
في ذلك ،ألنه في معناه ،وكذلك البرد(.)2
الزكاة هي الركن الثالث من أركان اإلسالم ،وأحد أعمدته ،يدل على أهميتها
ومكانتها في اإلسالم النصوص الوفيرة التي جاءت بشأنها والتي تنوعت ما بين
نصوص مقررة لحكمها وأخرى مؤكدة لوجوبها ،وثالثة مبينة ألحكامها الجزئية
والتفصيلية ،ورابعة متوعدة من يمنعها ،وخامسة مبينة آلثارها في الفرد والمجتمع وغير
ذلك من النصوص.
وإذا كان الشرع قد أوجب الزكاة على أرباب األموال من األغنياء لحق الفقراء
وسائر مصارف الزكاة المعتبرة؛ فإنه لم يفرضها على غني دون غني بل جاءت كثير
من النصوص عامة تشمل كل رب مال وصل به إلى حد الغنى أيا كان المصدر الذي
استفاد منه تلك األموال ،وأيا كان جنسها ما دام المصدر معتب ار شرعا والمال أيضا
كذلك.
ومن مصادر الثراء والغنى في هذه األيام ما تدره كثير من الوظائف والمهن
الحرة على أصحابها إذ ال تقل في الجملة عن أرباح التجار ودخول أصحاب المزارع،
األمر الذي يدعو إلى بحث أحكام الزكاة فيها من حيث وجوبها ،وشروطها ،ومقدارها،
واإلعفاءات المسموح بها ألصحاب هذه الدخول ،وهو ما نقوم به في هذا المبحث من
خالل المطالب الخمسة اآلتية:
يطلق الكسب على طلب وإصابة الرزق ،أو السعي في طلب الرزق والمعيشة
()1
ويقال لما يتقاضاه الشخص لقاء عمل ونحوه :كسب ،ومنه ما رواه أصحاب السنن
( )2
عن عائشة ـ رضي هللا عنهاـ { أطيب ما أكل الرجل من كسبه ،وولده من كسبه }
والمراد ما يأكله الرجل من عائد عمله أو عائد عمل ولده.
أما العمل فيطلق على كل ما يقوم به الشخص تجاه غيره أو تجاه نفسه ،وقد
يطلق عليه مهنة ،وحرفة ،وصنعة ،ووظيفة ،ويأتي بمعان أخرى كالوالية ونحوها .
لكسب العمل صور ومظاهر كثيرة تعددت أسماؤها وأشكالها وطريقة الحصول
عليها ،لكنها في النهاية هي عبارة عن مال يحصل عليه العامل مقابل ما يقوم به من
عمل ،ومن هذه الصور:
وال فرق في التسمية بين أن يكون العامل موظفا لدى الدولة أو لدى القطاع
الخاص ،ال يزال في الخدمة أو انتهت خدمته بسبب الشيخوخة أوالعجز أو المرض أو
الوفاة أو إصابات العمل وأمراض المهنة ،ويسمى في هذه الحالة راتبا تقاعديا ،وهو
عبارة عما يقتطع من راتب العامل أثناء الخدمة باإلضافة إلى حصة يقدمها رب العمل
ويحصل عليه العامل بعد بلوغه سن التقاعد.
-2األجرة ،تطلق األجرة ـ غالبا ـ على ما يتقاضاه العامل من مقابل مالي غير
منتظم بسبب عدم انتظام عمله في الجهة التي يعمل فيها ،أو أنه من أصحاب المهن
الحرة ،ويخضع تقديرها التفاق الطرفين.
وهي بذلك تختلف عن الراتب ،وإن كان الراتب أج ار لكنهما اختلفا من حيث
االنتظام وعدمه.
المح َّكمون
-3األتعاب ،مصطلح يطلق ـ غالبا ـ على ما يتقاضاه المحامون أو َ
ونحوهم ـ من أجور مقابل قيامهم بمهمة المرافعة القضائية أو االستشارات القانونية ،وقد
يكون مبلغا من المال مقطوعا أو نسبة مئوية ،وفي جميع األحوال يخضع تقديرها
التفاق الطرفين ،وعند االختالف تقدره المحكمة استرشادا بلوائح تنظيم المهنة.
-6العالوة :وهي عبارة عن زيادة دورية أو غير دورية في راتب العامل أو
الموظف تتوقف على درجة أدائه ومدة خدمته في العمل ويحكمها أنظمة ولوائح حسب
نوع العمل والعامل.
تعتبر الدخول المحصلة من العمل باختالف أنواعه وطرقه من أعظم وأهم أبواب
الكسب في الحياة المعاصرة ،وقد تربو هذه الدخول في بعض األحيان على ما تدره
التجارة أو الزراعة وغيرها؛ ولذلك فإن الشريعة التي أوجبت الزكاة في الزروع والثمار
وأوجبتها في عروض التجارة ال تشذ وتستثني أرباب هذه األموال من إيجاب الزكاة في
كسبهم ،ومن أجل ذلك وردت كثير من النصوص الموجبة للزكاة في صيغ عامة حتى
تستوعب كل لون جديد من ألوان الكسب والمال ،وقد فهم كثير من السلف من هذه
النصوص أنها ال تخص ماال دون غيره ،ولكن كل ما يطلق عليه مال فهو مشمول
ومن هذه النصوص: بتلك النصوص.
أ ـ قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم
من األرض وال تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إال أن تغمضوا فيه واعلموا أن
هللا غني حميد} البقرة ()267
( ) 256
فدلت اآلية على األمر باإلنفاق من كل كسب طيب ،أيا كان نوع الكسب
ومجاله ،ويدخل فيه ما يكسبه العمال والموظفون وأصحاب المهن ،فاآلية عامة في
أمرين:
األول :أنها عامة في كل صدقة ،سواء أكانت فرضا أم نفال كما رجح ذلك كثير
من العلماء من حيث إخراج الطيب؛ ألن هللا طيب ال يقبل إال طيبا ،والصدقة سواء
أكانت فرضا أم نفال تقع في يد هللا ـ سبحانه وتعالى ـ كما أخرج مسلم وغيره عن أبي
هريرة ـ رضي هللا عنه ـ قال :قال رسول هللا ـ ( ما تصدق أحد بصدقة من طيب وال
يقبل هللا إال الطيب إال أخذها الرحمن بيمينه وإن كانت تمرة فتربو في كف الرحمن
()1
حتى تكون أعظم من الجبل كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله)
وقد حمل بعض العلماء اآلية على الزكاة المفروضة كما نقل عن الطبري في
طِّيب ما كسبتم بتصرفكم؛ إما بتجارة،معنى اآلية " يعني بذلك جل ثناؤه :زكوا من َ
وإما بصناعة من الذهب والفضة ،ويعني بالطيبات :الجياد ،يقول :زكوا أموالكم التي
()2
اكتسبتموها حالال ،وأعطوا في زكاتكم الذهب والفضة الجياد منها دون الرديء "
الثاني :أنها عامة في جميع أنواع المكاسب الطيبة ،وال تخص كسبا دون غيره،
ويظهر هذا مما ذكره الطبري في قوله المتقدم.
ب ـ قوله تعالى{ :خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} (التوبة )103
فهذه اآلية عامة في إيجاب الزكاة في عموم األموال ،وكل ما يطلق عليه مال،
فاآلية عامة في سائر أصناف األموال ومقتض ألخذ البعض منها ،ويقال مثل هذا في
- 1صحيح مسلم ـ كتاب الزكاة ـ باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها ،سنن الترمذي ـ
كتاب الزكاة ـ باب ما جاء في فضل الصدقة ،سنن النسائي ـ كتاب الزكاة ـ باب الصدقة من غلول،
سنن ابن ماجه ـ كتاب الزكاة ـ باب فضل الصدقة.
- 2تفسير الطبري – – 80 /3دار الفكر ببيروت.
( ) 257
قوله تعالى" :وفي أموالهم حق للسائل والمحروم" (الذاريات )18 :وقوله تعالى "والذين
في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم" (المعارج. )25 ،24 :
ج ـ أوجب اإلسالم الزكاة في أموال األغنياء لحق الفقراء كما ورد في حديث
معاذ عندما أرسله النبي صلى هللا عليه وسلم إلى اليمن في الحديث المتفق عليه عن
ابن عباس رضي هللا عنهما وفيه (فأخبرهم أن هللا قد فرض عليهم صدقة ،تؤخذ من
أغنيائهم فترد على فقرائهم) ( )1و ِ
الغنى كما يتحقق بالتجارة والزراعة وغيرها يتحقق أيضا
بالرواتب التي يتقاضاها كثير من الموظفين والعمال والمهنيين.
الزكاة في اإلسالم لها مقاصد وأهداف متعددة وليس مجرد إغناء فقير بلقمة من
أي مصدر ،فهي نفقة في سبيل هللا وتقع في يد هللا قبل أن تقع في يد الفقير والمسكين
وغيرهما من مصارف الزكاة ،وهللا سبحانه وتعالى طيب ال يقبل إال طيبا ،وهي أيضا
طهرة وتزكية للمزكي وماله ،والخبيث من المال ال يمكن أن يطهر وال أن يزكي؛ ولذلك
ين عندما أمر هللا باإلنفاق من الكسب ربطه بالكسب الطيب ،قال تعالى {يا أَي َّ ِ
ُّها الذ َ َ َ
يث ِم ْن ُه َخ َر ْج َنا َل ُكم ِم َن األ َْر ِ
ض َوالَ تََي َّم ُموْا اْل َخِب َ َنفُقوْا ِمن َ ِ
آمنوْا أ ِ
ّ طِّي َبات َما َك َس ْبتُ ْم َو ِم َّما أ ْ َُ
ّللاَ َغِني َح ِم ٌيد} (البقرة)267 : ِِ ِ ِ ِ ِ َّ ِ
َن ّ اعَل ُموْا أ َّ
ضوْا فيه َو ْ تُنفُقو َن َوَل ْستُم ِبآخذيه ِإال أَن تُ ْغم ُ
والخبيث كما يحمل على الرديء يحمل أيضا على المحرم.
- 1صحيح البخاري – كتاب الزكاة – باب أخذ الصدقة من األغنياء وترد في الفقراء ،صحيح مسلم
– كتاب اإليمان – باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع اإلسالم.
( ) 258
والكسب المباح يستلزم في الجملة ثالثة شروط :أحدها :أن يكون العمل الذي
يمارسه الشخص مباحا في ذاته أي ال يكون من األنشطة التي حظرها الشرع كاالتجار
في المخدرات والخمور مثال .الثاني :أن يكون سلوك المسلم في هذا العمل مشروعا
أيضا فال يتقاضى الرشوة وال يغش الناس ،وال يحتكر أقواتهم ،وال يرابي ...الثالث :أن
يكون العائد المتحصل من العمل مباحا.
من شروط الزكاة بوجه عام أن يملك المزكي النصاب ملكية تامة ،والمقصود
بالنصاب :القدر الذي إذا بلغه المال وجبت فيه الزكاة.
فمن بلغ دخله ما يساوي قيمة 595جراما من الفضة ،أو ما يساوي قيمة 85جراما
من الذهب ،واستكملت الشروط األخرى لوجوب الزكاة فعليه أن يخرج الزكاة.
في احتساب النصاب بأي من لم يكن هناك إشكال في األزمنة السابقة
المعدنين حيث كان مائتا درهم من الفضة تساوي غالبا عشرين دينا ار من الذهب ،لكن
حدثت تحوالت اقتصادية واجتماعية أدت إلى تدهور قيمة الفضة بالمقارنة بقيمة
الذهب.
وقد أدى ذلك إلى اختالف الفقهاء المعاصرين في تحديد نصاب النقود بأي من
المعدنين ،ففريق يرى احتساب النصاب بالفضة؛ وذلك لقوة النصوص الواردة في
( ) 259
شأنها ،فضال عن تحقيقها لمقصود الزكاة وهو غنية الفقراء والمساكين لقلة النصاب،
بينما رأى فريق آخر احتسابها حسب قيمة الذهب ،وذلك الستقرار الذهب في التعامل،
وتدهور القوة الشرائية للفضة ،وهناك من وفق بين القولين فاعتبر النصاب باألحظ
للفقير ،أو النصاب الذي يبلغه المال أوال...
لكن القول الغالب في الفتوى اآلن وما انتهت إليه كثير من ق اررات المؤتمرات
والمجامع الفقهية هو االعتداد بقيمة الذهب وليس الفضة ،ومن ذلك ما جاء في قرار
مجمع البحوث اإلسالمية في دورته عام 1965م وفيه" :ب ـ يكون تقويم نصاب الزكاة
في نقود التعامل المعدنية وأوراق النقد ،واألوراق النقدية ،وعروض التجارة على أساس
قيمتها ذهبا فما بلغت قيمته من أحدها عشرين مثقاال ذهبيا وجبت فيه الزكاة؛ وذلك ألن
ويرجع في معرفة قيمة مثقال الذهب إلى النقد
الذهب أقرب إلى الثبات من غيرهُ ،
الحاضر إلى ما يقرره الخبراء".
وفي توصيات الندوة السابعة لقضايا الزكاة المنعقدة في الكويت في 24 -22
ذي الحجة 1417هـ حيث تعرضت لزكاة عروض التجارة وفيها" عاش ار أ – تقوم
عروض التجارة لمعرفة بلوغها النصاب على أساس نصاب الذهب ،وهو ما يعادل 85
جراما من الذهب الخالص" .
والمعنى أن يمر عام هجري على تملك الشخص نصاب الزكاة في دخله ،فلو
افترضنا أن الشخص راتبه ثالثة آالف ريال ،ينفق منها نفقة شخصية ألفين ويدخر ألفا،
فإذا كان النصاب خمسة وثمانين جراما من الذهب حوالي خمسين ألف جنيه مصري
تقريبا فمعنى ذلك أنه يبدأ حساب الحول عند بلوغ ماله المدخر هذا القدر ،لكن لو
كانت عنده دخول أخرى تدر عليه عائدا من جنس راتبه :كتجارة ،أو غلة إيجارية لبيت
ونحوه ،أو أرباح ألموال مستثمرة فإنه يضيفها إلى مدخراته من راتبه ،ويحسب سنة
( ) 260
هجرية كاملة على تمام النصاب عنده فإذا انقضت السنة وال يزال مدخ ار لهذا القدر،
فإنه يخرج الزكاة بنسبتها الشرعية التي تأتي.
وحكمة الشرع في اشتراط الحول في بعض أموال الزكاة أن السنة كافية لتقليب
المال في وجوه االستثمار المختلفة المدرة للربح فيكون إخراج الزكاة من الربح وليس من
رأس المال ،وهذا من التيسير والتسهيل على المزكي ومواساة له.
وقد وردت نصوص في اشتراط الحول إليجاب الزكاة في النقود ،منها :ما
أخرجه أبو داود في سننه عن علي رضي هللا عن النبي قال "{إذا كانت لك مائتا
درهم ،وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم ،وليس عليك شيء يعني في الذهب
حتى يكون لك عشرون دينا ار ،فإذا كانت لك عشرون دينا ار وحال عليها الحول ،ففيها
نصف دينار ،فما زاد فبحسابها ذلك ،قال :فال أدري أعلي يقول :فبحساب ذلك ،أو
رفعه إلى النبي وليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول } والحديث فيه مقال،
لكن كثي ار من العلماء تلقوه بالقبول ،وحكم عليه بعض العلماء بأنه حديث حسن كما
ذكره الزيلعي وغيره ،وعند الترمذي عن ابن عمر موقوفا {من استفاد ماال ،فال زكاة
عليه حتى يحول عليه الحول} .وعند ابن ماجه من حديث عائشة رضي هللا عنها
قالت :سمعت رسول هللا يقول{ :ال زكاة في مال حتى يحول عليه الحول } ولم يسلم
(2 )1
هذا الحديث أيضا من الطعن عليه في سنده.
- 1يراجع :نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية للزيلعي ( ،)386 ،385/2التلخيص الحبير
البن حجر ()306 ،305/2
2
( ) 261
وأرباح المهن الحرة وسائر المكاسب " وهذا النوع من المكاسب ذهب أغلب األعضاء
إلى أنه ليس فيه زكاة حين قبضه ولكن يضمه إلى سائر ما عنده من األموال الزكوية
في النصاب والحول فيزكيه جميعا عند تمام الحول منذ تمام النصاب"...
وقد ذهب فريق آخر إلى وجوب تزكية األجور والرواتب بمجرد قبضها دون
انتظار لحوالن الحول استنادا لما أثر عن نفر من السلف الصالح رضوان هللا عليهم
ومنهم ابن عباس ،وابن مسعود ،ومعاوية ،وعمر بن عبد العزيز ،والزهري ،والحسن،
ومكحول ،وعده البعض قوال ألحمد ،وقد أشار قرار المؤتمر األول للزكاة إلى هذا الرأي،
فقال " :وذهب بعض األعضاء إلى أنه يزكي هذه األموال المستفادة عند قبض كل
منها بمقدار ربع العشر ( ) %2،5إذا بلغ المقبوض نصابا وكان زائدا عن حاجته
األصلية وسالما من الدين فإذا أخرج هذا المقدار فليس عليه أن يعيد تزكيته عند تمام
الحول على سائر أمواله األخرى ،ويجوز للمزكي هنا أن يحسب ما عليه ويخرجه فيما
بعد مع أمواله الحولية األخرى".
والفقرة األخيرة في القرار معناها :أن يعرف المزكي مقدار زكاته أوال بأول مع
كل راتب أو أجر يستفيده لكن يخرجه مرة واحدة في نهاية حوله ،لكن ما عليه الفتوى
هو اشتراط حوالن الحول.
وهناك جملة مسائل متعلقة بشرط حوالن الحول نذكرها على الوجه التالي:
ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه إذا بلغت مدخرات الشخص نصابا في شهر ما
ثم استفاد ماال آخر من جنسه في شهر ثان فإنه يضمه إلى ما عنده وال يستأنف له
حوال جديدا ،وهو ما جاء في القرار المشار إليه ،ومعنى ذلك :لو أن موظفا له راتب
يمكنه االدخار منه حتى بلغ ادخاره نصابا وعندها يبدأ حساب الحول ،وفي الشهر
التالي استطاع أن يدخر مبلغا آخر ،فإنه ال يحسب لهذا المبلغ الثاني حوال جديدا بل
( ) 262
يضمه إلى األول ويزكيه معه ولو لم يمر عليه عام كامل ،كما يضيف إليه غلة عقار
يؤجره ،أو ربح تجارة له وهكذا في كل زيادة تط أر على النصاب ما دامت من جنس
المال األول الذي عقد له حول.
المسألة الثانية :مستحقات الموظف والعامل لدى الغير من ديون وأجور ومكافآت
وغيرها.
قد يكون للموظف أو المهني مستحقات مالية لدى مؤسسته أو غير مؤسسته،
وهذه المستحقات قد تكون واجبة الدفع حاال لكن لما تصرف بعد إلى الموظف في
الوقت الذي اكتمل الحول على نصاب المال لديه ،وقد تكون بطبيعتها آجلة ال تصرف
إال في مواقيت محددة أو عند انتهاء الخدمة وغير ذلك ،وبعض هذه المستحقات قد
يشارك الموظف فيها بنسبة من راتبه لكنه ال يستحقها إال بعد توافر شروط معينة ،وذلك
كمكافأة التقاعد ،ونتناولها فيما يلي:
تفرض كثير من أنظمة العمل على أرباب األعمال إعطاء عمالها مكافأة مالية عند
نهاية خدمته بها تقدر حسب مدة الخدمة غالبا ،وال يستحقها العامل إال بانتهاء خدمته
وذلك على خالف المكافآت السنوية التي تعطى للعمال من باب التحفيز فهذه تدخل
ضمن بنود الزكاة الدورية أما هذه فال تعطى إال في نهاية الخدمة.
ونظ ار ألن الموظف ال يملك هذه المكافأة ملكية تامة قبل موعد استحقاقها ،وقد
يعتريها نقصان أو إلغاء بسبب اختالف األنظمة أو حدوث خطأ من العامل؛ لذلك
انتهى رأي الفقهاء المعاصرين إلى عدم وجوب الزكاة في أموال هذه المكافأة طيلة مدة
الخدمة لعدم تحقق الملك التام المشترط لوجوب الزكاة ،وال تزكى إال بعد صدور القرار
بتحديدها وتسليمها للموظف أو العامل دفعة واحدة أو على فترات دورية حيث يصبح
ملكه لها ملكا تاما وعندئذ يزكيها بأن يضمها إلى ما عنده من مال إن كان له ويكون
حولها حوله وإن لم يكن له مال فيستأنف حوال جديدا لها ويزكيها مع اعتبار بلوغ
النصاب. 1
يحصل الموظف عند بلوغه سنا معينة أو عجزه عن العمل على مكافأة يطلق عليها
مكافأة التقاعد كالتي تصرف للعسكريين وكذا بعض المدنيين وذلك إضافة إلى راتب
يطلق عليه أيضا الراتب التقاعدي.
ويشارك الموظف في هذه المكافأة والراتب بحصة شهرية دورية من راتبه في أثناء
مدة الخدمة ،ويلتزم رب العمل بتقديم حصة أخرى وتودع هذه األموال في البنوك
- 1يراجع :زكاة مكافاة نهاية الخدمة والراتب التقاعدي ،د .محمد نعيم ياسين ( )233 /1منشور مع
جملة أبحاث آلخرين في قضايا الزكاة المعاصرة ،دار النفائس باألردن
( ) 264
الستثمارها ،وفي كثير من األحيان تقوم الحكومات باالقتراض منها أو توجيهها في
مصارف استثمارية معينة لسد العجز ،أو إلنعاش مجال استثماري معين.
قد يظهر للموظف أو غيره وجها من وجوه اإلنفاق االستثماري أو غيره مما
يضطره لألخذ من مدخراته قبل أن يكتمل الحول ومن ثم ينقص النصاب ،أو أن يقوم
بتبديل ماله من جنس إلى جنس ،فهل يؤثر هذا على وجوب الزكاة في هذا المال؟
األصل أنه يجب مرور حول كامل على المال البالغ نصابا لوجوب الزكاة فيه،
فإذا نقص النصاب قبل تمام الحول بتوجيه جزء من هذا المال في مشروعات استثمارية
أو نفقات ضرورية للشخص أو لمن يلزمه النفقة عليه ،فال زكاة في هذه الحالة؛ لفقدان
شرط من شروط وجوبها.
أما إذا تعمد الشخص القيام بتصرف معين كأن يهب جزءا من ماله ألحد
أوالده ثم يعود في هبته ،أو أن يقو بتبديل جنس ما وجبت فيه الزكاة بجنس مال آخر ؛
ليستأنف حوال جديدا ،وهذا كله ف ار ار من إخراج الزكاة فهنا يلحقه اإلثم ويعامل بنقيض
()1
مقصوده وتجب الزكاة في ماله حتى مع نقصان النصاب وهو قول جمهور الفقهاء.
- 1المغني ()285/2
( ) 265
إذا توافرت الشروط السابقة وغيرها من الشروط العامة التي تجب في الزكاة بوجه عام
فعلى المزكي اتباع الخطوات اآلتية:
ب – يضم كل ما يدخره من دخوله الدورية أو غير الدورية بعد بداية سنته الزكوية
إلى النصاب وال يشترط مرور حول على كل دخل يأتيه ما دام أن هذا الدخل من
جنس ماله .
دـ بعد اكتمال سنة هجرية كاملة ينظر في مدخراته ويحسم منها الديون المستحقة عليه
الواجبة الدفع حاال.
و ـ إذا وصلت األموال إلى ما يساوي سعر خمسة وثمانين جراما ذهبيا خالصا أو أكثر
بسعر يوم وجوب الزكاة وهو اليوم الذي توافرت فيه الشروط فإنه يخرج منها ربع
العشر ()%2،5
( ) 266
عندما فرض اإلسالم الزكاة فإنه لم يفرضها إتاوة وال مصادرة ألموال الناس ،بل
راعى حق صاحب المال في ماله فلم يحرمه من ثمار اجتهاده ،ولذلك حدد نصابا
للزكاة إذا بلغه المال أوجب فيه الزكاة وإال فال ،وفرض الزكاة في المال النامي أو
المتخذ للنماء واالستثمار ،فمن اتخذ ماال لالستعمال أو االدخار ما لم يكن نقودا فال
زكاة فيه ،كما فاوت في مقدار الزكاة الواجبة بين مال ومال بحسب الجهد المبذول في
المال ودرجة المخاطرة وتكلفة التشغيل وغير ذلك من األحكام ،كما راعى حق المجتمع
في هذا المال وهو حق واجب وفرض محتوم وليس تفضال من الغني على المجتمع؛ إذ
للمجتمع دور في نماء هذا المال ولو كان دو ار غير مباشر.
وإذا كان الشرع قد وازن بين ظروف المزكي وحقوق المجتمع عليه؛ فإن
الواجب على المزكي إذا اكتملت في حقه الشروط التي وضعها الشرع إليجاب الزكاة
أن يخرجها راضية بها نفسه ،لكن هناك أسئلة كثيرة تواجه المزكين وخاصة أصحاب
الدخول الدورية والمتكررة كالموظفين والمهنيين إذ يقوم باإلنفاق على نفسه وذويه من
دخله ،فهل يقوم بحسم نفقته وذويه وما يبقى إذا بلغ نصابا يزكيه أم يزكي جميع دخله،
وإذا كانت له مستحقات لدى المؤسسة التي يعمل فيها وجاء وقت إخراجه الزكاة فهل
يدخل فيها مستحقاته لدى هذه المؤسسة ،وهل يحسم ما عليه من ديون ولو كانت ديونا
آجلة ،وإذا قصد توجيه مدخراته التي بلغت نصابا في مشروع استثماري أو تأمين مسكن
أو نفقات زواج أو عالج ومداواة فهل يخرج الزكاة حتى وإن أثرت في رأس مال
المشروع أو قضاء الحاجة أم ال ؟ تلك أسئلة ملحة نجيب عليها بإذن هللا.
اتفق الفقهاء على أن ما أنفقه المزكي لتأمين الحاجات المشروعة الالزمة له ال
زكاة فيها ،وال يمنع المزكي من تأمينها حتى ولو استوعبت جميع دخله ،ومنعا للتجاوز
في تقدير النفقات األساسية فقد ضبطها بعض الفقهاء بأنها" :ما يدفع الهالك عن
( ) 267
مما سبق يتبين أن الحاجات األساسية المعفاة من الزكاة تشتمل على ما يلي:
• ما يحتاج إليه اإلنسان حاجة معتبرة لبقاء نفسه وحفظ من تلزمه النفقة عليهم
كالزوجة واألوالد والوالدين واألقارب من مطعم ومشرب ومسكن ومركب .
• قضاء الديون الحالة ،وهو من الشروط التي نص عليها كثير من الفقهاء
إليجاب الزكاة وعبروا عنه " السالمة من الدين " وال خالف في هذا الصنف
من الديون ،أما الديون اآلجلة فسيأتي حكمها.
• آالت الحرفة وأدوات الصناعة والمهنة ،وكتب العلم ألهلها مما تفيد في المهنة
والصنعة والحرفة والتخصص وقصد من امتالكها االنتفاع بها واستخدامها ال
زكاة فيها اتفاقا بخالف ما إذا قصدها لالتجار فيها.
• ما يتزين به الشخص من ألوان الزينة المباحة المعتادة ،وكان في حدود القصد
واالعتدال.
غير مشروع ،أو شراء األواني ونحوها المتخذة من الذهب والفضة،أو فيما يدفعه المسلم
من رشوة ألخذ ما ليس له شرعا ،فجميع ما تقدم ونحوه ال يدخل ضمن النفقات
األساسية ،وبالتالي فإن الشخص عند احتسابه الزكاة يدخل في النصاب قيمة هذه
النفقات ،ويدخل فيما تقدم تضييع المال وإهالكه.
ومن نظائر هذه المسألة ما اتفق عليه الفقهاء في أن المرأة أو الرجل إذا اتخذ حليا
محرما ففيه الزكاة ،سواء أكانت الحرمة لذات الحلي ككونه على شكل صنم ونحوه أم
كان حراما لغيره كاتخاذه بقصد تشبه الرجل بالمرأة ونحو ذلك.
قال ابن قدامة ":وإذا اتخذت المرأة حليا ليس لها اتخاذه ،كما إذا اتخذت حلية
الرجال كحلية السيف والمنطقة ،فهو محرم ،وعليها الزكاة ،كما لو اتخذ الرجل حلي
المرأة" ويقول" :ويباح للنساء من حلي الذهب والفضة والجواهر كل ما جرت عادتهن
بلبسه ،مثل السوار والخلخال والقرط والخاتم ،وما يلبسنه على وجوههن،وفي أعناقهن،
وأيديهن ،وأرجلهن ،وآذانهن وغيره ،فأما ما لم تجر عادتهن بلبسه ،كالمنطقة وشبهها
من حلي الرجال ،فهو محرم ،وعليها زكاته ،كما لو اتخذ الرجل لنفسه حلي المرأة "(.)1
المقصود بالتبذير :صرف المال في غير وجهه المعتبر ،أما اإلسراف فهو مجاوزة
الحد في اإلنفاق ،قال الماوردي" :واعلم أن السرف والتبذير قد يفترق معناهما .فالسرف:
هو الجهل بمقادير الحقوق ،والتبذير :هو الجهل بمواقع الحقوق .وكالهما مذموم ،وذم
()2
التبذير أعظم؛ ألن المسرف يخطئ في الزيادة ،والمبذر يخطئ في الجهل0".
ويختلف الحد المعتبر من شخص آلخر فما يكون معتادا لشخص ال يكون معتادا
آلخر ،وبالتالي فالعبرة :بما يليق به وبأمثاله ،فما يليق بشخص من سيارة ومسكن قد
يصل إلى مليون ،وما يليق بغيره قد ال يتعدى عشرة آالف مثال وهذا التفاوت معتبر
شرعا.
وكثي ار ما ترد أسئلة كثيرة عن قيام بعض الموظفين ونحوهم في صرف جميع
رواتبهم أوال بأول ،ولو كان ذلك في حاجاتهم المعتبرة لم يكن في ذلك بأس لكنه ربما
ينفقه ويضيعه في مصارف تافهة مظهرية ترفية ال نفع فيها ،فهل يقدر الموظف ما
أنفقه نفقة معتبرة معتادة على حسب ما يليق به وبأمثاله ،وما زاد عن ذلك يدخله في
النصاب كأن لم ينفقه ثم يخرج عنه زكاة ،أم العبرة بالنصاب في آخر الحول وال عبرة
بما أنفقه أثناء الحول ما دام اإلنفاق في مصرف مباح في ذاته ؟
األول :أن اإلسالم يمنع التبذير واإلسراف ويجعل المبذرين إخوانا للشياطين ،وندب
إلى أخذ الزينة ،ونهى اإلسراف فيها ،والنهي هنا ليس من أجل حق الزكاة الواجبة
في المال فقط إنما لمصلحة صاحب المال نفسه فأول من يجني الثمار المرة
للتبذير هو صاحب المال نفسه فضال عن المجتمع كله حيث حرم ثمار هذا المال
باستثماره في األوجه المشروعة؛ ولذلك أمر هللا تعالى بالحجر عليهم في أموالهم،
ِ ِ َِّ
يها
وه ْم ف َ السَف َهاء أَ ْم َواَل ُك ُم التي َج َع َل ّ
ّللاُ َل ُك ْم ق َياماً َو ْارُزُق ُ {والَ تُ ْؤتُوْا ُّ
قال تعالى َ
وه ْم َوُقوُلوْا َل ُه ْم َق ْوالً َّم ْع ُروفاً} (النساء )5 :ومنع هللا سبحانه وتعالى دفع األموال َوا ْك ُس ُ
إلى أصحابها إال بعد التيقن من قدرتهم على التصرفات المالئمة فيها وهو معنى
اح َفِإ ْن ِ
امى َحتَّ َى ِإ َذا َبَل ُغوْا ّ
الن َك َ {و ْابَتلُوْا اْل َيتَ َ
الرشد عند جمهور الفقهاء ،قال تعالى َ
َآن ْستُم ِّم ْن ُه ْم ُرْشداً َف ْادَف ُعوْا ِإَل ْي ِه ْم أ َْم َواَل ُه ْم } (النساء)6 :
الثاني :أن الترفه الزائد الذي يصل إلى حد السرف وترك الفقراء يتضورون جوعا،
يتنافى مع حقوق األخوة اإليمانية ويصطدم مع المعاني اإلنسانية التي توجب
التكافل والتراحم ،ويؤدي غالبا إلى طبقية بغيضة في المجتمع وتئول األمور إلى
صراع وفوضى وجريمة ودمار.
( ) 270
وبعد ذكر ما تقدم واالتفاق عليه نتساءل :هل يؤثر ذلك على إيجاب الزكاة
في المال الذي أنفق في مصرف مباح في ذاته لكن صاحبه تجاوز الحد الالئق به
وبأمثاله ؟
يفرق بين ما إذا كان اإلنفاق في شيء ال تجب الزكاة في جنسه كالعروض
المتخذة لالستعمال أو االقتناء كحرص البعض على امتالك أكثر من جهاز
محمول مثال وهو ال يحتاج إال إلى واحد ،أو تغيير أثاث المنزل أو السيارة ال
لشيء إال مجاراة للموضات والتباهي ،أو أن يكون اإلنفاق فيما تجب الزكاة في
جنسه كمبالغة المرأة في امتالك الحلي من الذهب أو الفضة حتى تجاوزت عادة
أمثالها.
ففي الحالة األولى :وهي اإلنفاق في العروض التي التجب الزكاة في جنسها
كالمحمول والسيارة وأثاث البيت فال يوجد ما يدل شرعا على وجوب الزكاة في هذه
الحالة ،وال يجوز مطالبة المسلم بإخراج الزكاة عما أنفقه في مصرف مباح في
ذاته ولو تجاوز به الحدود المعتادة في اإلنفاق ،والعبرة بالنصاب في بداية الحول
ونهايته ،وإن كان هذا العمل غير أخالقي ،وتصرفا مذموما يجني صاحبه ثمرته
المرة في العاجل قبل اآلجل.
أما الحالة الثانية :وهي إنفاق المال بذخا وترفا فيما تجب الزكاة في جنسه
كإنفاق المرأة على الحلي من الذهب والفضة ،فللفقهاء فيها قوالن رئيسان:
األول :ال زكاة في الحلي الذي تستعمله المرأة ولو بالغت فيه وجاوزت الحدود
المعتادة ،وهو قول للحنابلة وبعض الشافعية؛ إذ ال يوجد ما يدل شرعا على أن
اإلعفاء من الزكاة في الحلي في حدود معينة وال يجوز التقييد بالرأي والتحكم ،وقد
()1
اختاره ابن قدامة.
الثاني :يرى وجوب الزكاة فيما زاد عن الحاجة ،وهو قول عند الشافعية ،وبعض
الحنابلة ()1وهو ما انتهت إليه الندوة السادسة لقضايا الزكاة المعاصرة المنعقدة في
دولة اإلمارات في 16 -14ذي القعدة 1416هـ ،وجاء في توصياتها فيما يتعلق
بزكاة الحلي " :أن تكون الكمية المستعملة من الحلي في حدود القصد واالعتدال
عرفا أما إذا بلغت حد اإلسراف والتبذير فتجب الزكاة فيما زاد عن حد االعتدال".
ويظهر رجحان هذا القول لما فيه من مصلحة الفقير ورعايته ،ومنع المبذر من
التبذير.
المسألة الرابعة :مدى وجوب الزكاة فيما بلغ نصابا وحال عليه الحول لكن صاحبه
رصده لتأمين حاجات أساسية له.
تقع هذه المسألة كثي ار ،حيث يقصد الموظف من ادخاره بناء بيت أو شراءه ،أو
دفعه مه ار أوتكلفة عملية جراحية ونحو ذلك ،وكثي ار ما يبلغ المال نصابا ويبقى عند
صاحبه سنة فأكثر حتى يكتمل المبلغ المطلوب لتحقيق ما ادخره ألجله ،فهل تجب
الزكاة بمرور الحول على المال ولو أدى ذلك إلى تأخير قضاء حاجة الشخص
األساسية ،أم ال تجب ؟
ذهب جمهور الفقهاء إلى وجوب الزكاة فيما أمسك من النقود بنية الصرف إلى
الحاجات األصلية؛ ألن الزكاة تجب في النقد مهما كان الغرض من اإلمساك ،وخالف
بعض علماء الحنفية فلم يروا وجوب الزكاة في هذه الحالة؛ ألن ما رصد للصرف إلى
()2
تلك الحاجات صار كالمعدوم.
- 1الزكاة ورعاية الحاجات األساسية الخاصة ،د .محمد عثمان شبير ،بحث منشور ضمن جملة
أبحاث مع آخرين في قضايا الزكاة المعاصرة ( )389/1دار النفائس ن األردن.